الكتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1415هـ - 1994م عدد الأجزاء: 6   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «المنهاج للنووي» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - شرحه «مغني المحتاج» للخطيب الشربيني ---------- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج الخطيب الشربيني الكتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج المؤلف: شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي (المتوفى: 977هـ) الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1415هـ - 1994م عدد الأجزاء: 6   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]   «المنهاج للنووي» بأعلى الصفحة يليه - مفصولا بفاصل - شرحه «مغني المحتاج» للخطيب الشربيني . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَنِيِّ الْمُغْنِي الْكَرِيمِ الْفَتَّاحِ. الَّذِي شَرَحَ صُدُورَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ فِي الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ. بِسُلُوكِ الْمِنْهَاجِ الْمُسْتَقِيمِ، وَنَوَّرَ بِهِمْ سُبُلَ الْفَلَاحِ. وَأَلْبَسَهُمْ حُلَلَ الْوِلَايَةِ وَالْكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ، وَأَسْبَلَ عَلَيْهِمْ أَلْوِيَةَ الصَّلَاحِ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أَشْرَقَتْ كَوَاكِبُ مَجْدِهِ وَسَعْدِهِ فِي سَمَاءِ الْإِسْعَادِ، وَكَانَ هَادِيًا مَهْدِيًّا إمَامًا لِأَئِمَّةِ قِبْلَةِ الْإِرْشَادِ، الْمَحْمُودِ فِي السِّرِّ وَالْإِعْلَانِ. الْمَسْعُودِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، الْقَائِلِ: «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» : أَيْ وَلَمْ يُوَرِّثُوا الْمَالَ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ بِهِمْ يُقْتَدَى فِي الْأَعْمَالِ، مَا أَزْهَرَتْ وَتَلَأْلَأَتْ فِي سَمَاءِ الصَّحَائِفِ، وَلَاحَتْ أَنْوَارُ نُجُومِ الْفَضَائِلِ الْفَرَائِدِ، وَأَزْهَرَتْ رَوْضَةُ اللَّطَائِفِ، وَفَاحَتْ أَنْوَارُ نُجُومِ الْمَسَائِلِ وَالْفَوَائِدِ. أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لِحَدِّهَا، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مِنَنِهِ الَّتِي تَقْصُرُ الْأَلْسُنُ عَنْ حَصْرِهَا وَعَدِّهَا. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى إخْوَانِهِ مِنْ النَّبِيِّينَ، وَآلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ، وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَبَعْدُ: فَيَقُولُ فَقِيرُ رَحْمَةِ رَبِّهِ الْقَرِيبِ (مُحَمَّدٌ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ) لَمَّا يَسَّرَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ وَالْفَرَاغُ مِنْ شَرْحِي عَلَى التَّنْبِيهِ، لِلْعَلَّامَةِ الْقُطْبِ الرَّبَّانِيِّ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مُهِمَّاتِ الشُّرُوحِ وَالْمُصَنَّفَاتِ، وَفَوَائِدِهَا وَنَفَائِسِهَا الْمُفْرَدَاتِ، حَمِدْتُ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَى إتْمَامِهِ، وَسَأَلْتُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ. ثُمَّ سَأَلَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي أَنْ أَجْعَلَ مِثْلَهُ عَلَى مِنْهَاجِ الْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ الشَّافِعِيِّ الثَّانِي: مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ، فَتَرَدَّدْت فِي ذَلِكَ مُدَّةً مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الزَّمَانِ، لِأَنِّي أَعْرِفُ أَنِّي لَسْتُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الشَّأْنِ، حَتَّى يَسَّرَ اللَّهُ لِي زِيَارَةَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَالْآلِ وَالصَّحْبِ أَجْمَعِينَ، فِي أَوَّلِ عَامِ تِسْعِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ. اسْتَخَرْت اللَّهَ فِي حَضْرَتِهِ، بَعْدَ أَنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ فِي رَوْضَتِهِ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُيَسِّرَ لِي أَمْرِي، فَشَرَحَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِذَلِكَ صَدْرِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ مِنْ سَفَرِي، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ الِانْشِرَاحُ مَعِي، شَرَعْتُ فِي شَرْحٍ يُوَضِّحُ مِنْ مَعَانِي مَبَانِي مِنْهَاجِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ مَا خَفَا، وَيُفْصِحُ عَنْ مَفْهُومِ مَنْطُوقِهِ بِأَلْفَاظٍ تُذْهِبُ عَنْ الْفَهْمِ جَفَاءً، وَتُبْرِزُ الْمَكْنُونَ مِنْ جَوَاهِرِهِ، وَتُظْهِرُ الْمُضْمَرَ فِي سَرَائِرِهِ، خَالٍ عَنْ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ، حَاوٍ لِلدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ، مُبَيِّنٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ مِنْ كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْأَصْحَابِ، عُمْدَةٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَحَرَّى الصَّوَابَ، مُهَذَّبُ الْفُصُولِ، مُحَقَّقُ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، مُتَوَسِّطُ الْحَجْمِ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، لَا تَفْرِيطُهَا وَلَا إفْرَاطُهَا. هَذَا، وَلِسَانُ التَّقْصِيرِ فِي طُولِ مَدْحِهِ قَصِيرٌ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. وَلَمَّا كَانَ مُطَالِعُهُ بِمُطَالَعَتِهِ يُذْهِبُ عَنْهُ تَعَبًا وَعَنَاءً، وَيَنْفِي عَنْهُ فَقْرَ الْحَاجَةِ وَيَجْلِبُ لَهُ رَاحَةً وَغِنًى. سَمَّيْتُهُ: مُغْنِيَ الْمُحْتَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْمِنْهَاجِ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يَجْعَلَهُ عَمَلًا مَقْرُونًا بِالْإِخْلَاصِ وَالْقَبُولِ وَالْإِقْبَالِ، وَفِعْلًا مُتَقَبَّلًا مَرْضِيًّا زَكِيًّا يُعَدُّ مِنْ صَالِحِ الْأَعْمَالِ وَيُنْشَرُ ذِكْرُهُ كَمَا نُشِرَ أَصْلُهُ فِي كُلِّ نَادٍ، وَيَعُمُّ نَفْعُهُ لِكُلِّ عَاكِفٍ وَبَادٍ، وَيُبَلِّغُنِي وَأَصْحَابِي وَأَحْبَابِي وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمَلَنَا، وَيَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ قَوْلَنَا وَعَمَلَنَا، إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. وَقَدْ تَلَقَّيْت الْكِتَابَ الْمَذْكُورَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً: عَنْ أَئِمَّةٍ ظَهَرَتْ وَبَهَرَتْ مَفَاخِرُهُمْ، وَاشْتُهِرَتْ وَانْتَشَرَتْ مَآثِرُهُمْ، جَمَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ وَالْمُسْلِمِينَ فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ، بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحَابَتِهِ، وَحَيْثُ أَقُولُ شَيْخُنَا فَهُوَ الْمُخْلِصُ الَّذِي طَارَ صِيتُهُ فِي الْآفَاقِ، وَكَانَ تَقِيًّا نَقِيًّا زَكِيًّا، وَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِتَلَامِذَتِهِ، ذُو الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا. أَوْ شَيْخِي فَهُوَ فَرِيدُ دَهْرِهِ، وَوَحِيدُ عَصْرِهِ، سُلْطَانُ الْعُلَمَاءِ، وَلِسَانُ الْمُتَكَلِّمِينَ، عُمْدَةُ الْمُعَلِّمِينَ، وَهِدَايَةُ الْمُتَعَلِّمِينَ، حَسَنَةُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ شِهَابُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ الشَّهِيرُ بِالرَّمْلِيِّ. أَوْ الشَّارِحُ: فَالْجَلَالُ الْمُحَقِّقُ الْمُدَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ. أَوْ الشَّيْخَانِ أَوْ قَالَا أَوْ نَقَلَا: فَالرَّافِعِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 [مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ   [مغني المحتاج] وَالنَّوَوِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَحَيْثُ أُطْلِقُ التَّرْجِيحُ فَهُوَ فِي كَلَامِهِمَا غَالِبًا، وَإِلَّا عَزَوْتُهُ لِقَائِلِهِ. وَأَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ، وَمِنْ أَجْلِهِ، وَأَنْ يُعِيذَنَا وَأَئِمَّةَ الدِّينِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيْطَانِ وَخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى أَسْتَعِينُ فَهُوَ نِعْمَ الْمُعِينُ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أَبْتَدِئُ أَوْ أَفْتَتِحُ أَوْ أُؤَلِّفُ، وَهَذَا أَوْلَى، إذْ كُلُّ فَاعِلٍ يَبْدَأُ فِي فِعْلِهِ بِبِسْمِ اللَّهِ يُضْمِرُ مَا جَعَلَ التَّسْمِيَةَ مَبْدَأً لَهُ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا حَلَّ أَوْ ارْتَحَلَ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ أَحُلُّ، أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْحَلُ، وَيُسَمَّى فِعْلَ الشُّرُوعِ: أَيْ الْفِعْلَ الَّذِي يَشْرَعُ فِيهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ مَصْدَرًا كَابْتِدَائِي، وَلَا يَضُرُّ حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَسَّعُ فِي الظَّرْفِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي غَيْرِهِمَا، وَأَنْ يُقَدَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقَدَّمًا أَوْ مُؤَخَّرًا، وَلَكِنَّ تَقْدِيرَهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِعْلًا وَمُؤَخَّرًا أَوْلَى كَمَا فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - مُقَدَّمٌ ذَاتًا؛ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ لِذَاتِهِ فَقُدِّمَ ذِكْرًا. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فَقُدِّمَ الْفِعْلُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ فِي مَقَامِ ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَتَعْلِيمِهَا؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ أَهَمَّ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْعَارِضِ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - أَهَمَّ فِي نَفْسِهِ، وَذَكَرْتُ أَجْوِبَةً غَيْرَ ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَتِي عَلَى الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَقِيلَ: إنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ فَاسْمٌ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ عَكْسُهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَصْلِيٌّ، وَالْبَاءُ هُنَا لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالْمُلَابَسَةِ عَلَى جِهَةِ التَّبَرُّكِ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ حَقِّ حُرُوفِ الْمَعَانِي الَّتِي جَاءَتْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ أَنْ تُبْنَى عَلَى الْفَتْحَةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُ السُّكُونِ نَحْوَ وَاوِ الْعَطْفِ وَفَائِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهَا إنَّمَا كُسِرَتْ لِلُزُومِهَا الْحَرْفِيَّةَ وَالْجَرَّ وَلِتُشَابِهَ حَرَكَتُهَا عَمَلَهَا، وَالِاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ، وَهُوَ الْعُلُوُّ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَحْذُوفَةِ الْأَعْجَازِ كَيَدٍ وَدَمٍ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، بُنِيَتْ أَوَائِلُهَا عَلَى السُّكُونِ، وَأُدْخِلَ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ. وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ فَوَزْنُهُ عَلَى الْأَوَّلِ افْعِ مَحْذُوفُ اللَّامِ، وَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الثَّانِي اُعْلُ مَحْذُوفُ الْفَاءِ، وَفِيهِ عَشْرُ لُغَاتٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: [الطَّوِيلُ] سُمٌ وَسَمَا وَاسْمٌ بِتَثْلِيثِ أَوَّلَ ... لَهُنَّ سَمَاءٌ عَاشِرٌ ثَمَّتَ انْجَلَى وَالِاسْمُ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ فَغَيْرُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُ مِنْ أَصْوَاتٍ مُقَطَّعَةٍ غَيْرِ قَارَّةٍ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْأَعْصَارِ، وَيَتَعَدَّدُ تَارَةً، وَيَتَّحِدُ أُخْرَى، وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدُ بِهِ ذَاتُ الشَّيْءِ فَهُوَ الْمُسَمَّى لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ كَمَا هُوَ رَأْيُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ انْقَسَمَ انْقِسَامَ الصِّفَةِ عِنْدَهُ إلَى مَا هُوَ نَفْسُ الْمُسَمَّى كَالْوَاحِدِ وَالْقَدِيمِ، وَإِلَى مَا هُوَ غَيْرُهُ كَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ، وَإِلَى مَا لَيْسَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ: أَيْ فَإِنَّهُمَا زَائِدَانِ عَلَى الذَّاتِ، وَلَيْسَا غَيْرَ الذَّاتِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ مَا يَنْفَكُّ عَنْ الذَّاتِ وَهُمَا لَا يَنْفَكَّانِ. وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لَمْ يَتَسَمَّ بِهِ سِوَاهُ، تَسَمَّى بِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى، وَأَنْزَلَهُ عَلَى آدَمَ فِي جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] . أَيْ هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى اللَّهَ غَيْرَ اللَّهِ، وَأَصْلُهُ إلَهٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ: (الْعِلَاوَةِ وَالتَّذْنِيبِ) كَإِمَامٍ ثُمَّ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلَى اللَّامِ، فَصَارَ الِلَاهَ بِلَامَيْنِ مُتَحَرِّكَيْنِ ثُمَّ سُكِّنَتْ الْأُولَى وَأُدْغِمَتْ فِي الثَّانِيَةِ لِلتَّسْهِيلِ اهـ. وَقِيلَ: حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ، وَعُوِّضَ عَنْهَا حَرْفُ التَّعْرِيفِ ثُمَّ جُعِلَ عَلَمًا، وَالْإِلَهُ فِي الْأَصْلِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، ثُمَّ غُلِّبَ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ كَمَا أَنَّ النَّجْمَ اسْمٌ لِكُلِّ كَوْكَبٍ ثُمَّ غُلِّبَ عَلَى الثُّرَيَّا، وَهَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ أَوْ مُرْتَجَلٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مَأْخُوذٍ مِنْ شَيْءٍ بَلْ وُضِعَ عَلَمًا ابْتِدَاءً، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ لَا يُحِيطُ بِهَا شَيْءٌ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ فَكَذَلِكَ اسْمُهُ - تَعَالَى - وَهُوَ عَرَبِيٌّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فِي أَلْفَيْنِ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْضِعًا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، قَالَ: وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الْحَمْدُ لِلَّهِ   [مغني المحتاج] الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطَهَ، وَ " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَوْ بِجَعْلِهِ لَازِمًا، وَنَقْلِهِ إلَى فَعُلَ بِالضَّمِّ. وَالرَّحْمَةُ لُغَةً: رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي التَّفَضُّلَ وَالْإِحْسَانَ، فَالتَّفَضُّلُ غَايَتُهَا، وَأَسْمَاءُ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمَأْخُوذَةُ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا تُؤْخَذُ بِاعْتِبَارِ الْغَايَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ دُونَ الْمَبَادِئِ الَّتِي تَكُونُ انْفِعَالَاتٍ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - إرَادَةُ إيصَالِ الْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ أَوْ نَفْسُ إيصَالِ ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ عَلَى الْأَوَّلِ وَمِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ عَلَى الثَّانِي، وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَطَّعَ بِالتَّشْدِيدِ، فَإِنْ قِيلَ: حَذِرٌ أَبْلَغُ مِنْ حَاذِرٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ، وَبِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَلَاقِيَانِ فِي الِاشْتِقَاقِ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ فِي الْمَعْنَى كَغَرَثٍ وَغَرْثَانَ لَا كَحَذِرٍ وَحَاذِرٍ لِلِاخْتِلَافِ، وَقُدِّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ ذَاتٍ، وَهُمَا اسْمَا صِفَةٍ، وَالذَّاتُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الصِّفَةِ، وَالرَّحْمَنُ عَلَى الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ، إذْ لَا يُقَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ بِخِلَافِ الرَّحِيمِ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِمْ: عَالِمٌ نِحْرِيرٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْعَلَمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا، وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ رَجَّحَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ عَلَمٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ، كَالتَّابِعِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِيَتَنَاوَلَ مَا دَقَّ مِنْهَا وَلَطُفَ، فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي بَلْ مِنْ بَابِ التَّعْمِيمِ وَالتَّكْمِيلِ وَلِلْمُحَافَظَةِ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ. فَائِدَةٌ: قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: قِيلَ: الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الدُّنْيَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ: صُحُفُ شِيثٍ سِتُّونَ، وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ ثَلَاثُونَ، وَصُحُفُ مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ عَشْرَةٌ، وَالتَّوْرَاةُ لِمُوسَى، وَالْإِنْجِيلُ لِعِيسَى، وَالزَّبُورُ لِدَاوُدَ، وَالْفُرْقَانُ لِمُحَمَّدٍ، وَمَعَانِي كُلِّ الْكُتُبِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَمَعَانِي كُلِّ الْقُرْآنِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ، وَمَعَانِي الْفَاتِحَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي الْبَسْمَلَةِ، وَمَعَانِي الْبَسْمَلَةِ مَجْمُوعَةٌ فِي بَائِهَا، وَمَعْنَاهَا: بِي كَانَ مَا كَانَ، وَبِي يَكُونُ مَا يَكُونُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَمَعَانِي الْبَاءِ فِي نُقْطَتِهَا. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ بِالْحَمْدَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَعَمَلًا بِخَبَرِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ - أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ - لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» أَيْ نَاقِصٌ غَيْرُ تَامٍّ، فَيَكُونُ قَلِيلَ الْبَرَكَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد «بِالْحَمْدُ لِلَّهِ» وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَغَيْرِهِ بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالْإِضَافِيُّ بِالْحَمْدَلَةِ، أَوْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ يَمْتَدُّ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْأَخْذِ فِي التَّأْلِيفِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، فَالْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ مَبْدَؤُهَا الْخُطْبَةُ بِتَمَامِهَا، وَالْحَمْدُ اللَّفْظِيُّ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ: أَيْ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ أَتَعَلَّقَ بِالْفَضَائِلِ، وَهِيَ النِّعَمُ الْقَاصِرَةُ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ، وَهِيَ النِّعَمُ الْمُتَعَدِّيَةُ، فَدَخَلَ فِي الثَّنَاءِ الْحَمْدُ وَغَيْرُهُ، وَخَرَجَ بِاللِّسَانِ الثَّنَاءُ بِغَيْرِهِ كَالْحَمْدِ النَّفْسِيِّ، وَبِالْجَمِيلِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ، إنْ قُلْنَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الثَّنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَإِنْ قُلْنَا بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ فَقَطْ، فَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَحْقِيقُ الْمَاهِيَّةِ أَوْ دَفْعُ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ كَالشَّافِعِيِّ، وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ، تَقُولُ: مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتُهَا، وَعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ نَحْوُ {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] وَمُتَنَاوِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ؛ إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ خَالَفَ أَفْعَالَ الْجَوَارِحِ لَمْ يَكُنْ حَمْدًا بَلْ تَهَكُّمٌ أَوْ تَمْلِيحٌ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَوَارِحِ وَالْجَنَانِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا فِيهِ شَرْطًا لَا شَطْرًا. وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ذِكْرًا بِاللِّسَانِ أَمْ اعْتِقَادًا وَمَحَبَّةً بِالْجَنَانِ أَمْ عَمَلًا وَخِدْمَةً بِالْأَرْكَانِ كَمَا قِيلَ: [الطَّوِيلُ] أَفَادَتْكُمْ النَّعْمَاءَ مِنِّي ثَلَاثَةٌ ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرُ الْمُحَجَّبُ مَوْرِدُ اللُّغَوِيِّ هُوَ اللِّسَانُ وَحْدَهُ، وَمُتَعَلَّقُهُ يَعُمُّ النِّعْمَةَ وَغَيْرَهَا، وَمَوْرِدُ الْعُرْفِيِّ يَعُمُّ اللِّسَانَ وَغَيْرَهُ، وَمُتَعَلَّقُهُ تَكُونُ النِّعْمَةَ وَحْدَهَا، فَاللُّغَوِيُّ أَعَمُّ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلَّقِ، وَأَخَصُّ بِاعْتِبَارِ الْمَوْرِدِ، وَالْعُرْفِيُّ بِالْعَكْسِ. وَالشُّكْرُ لُغَةً هُوَ الْحَمْدُ عُرْفًا، وَعُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ، وَهَذَا يَكُونُ لِمَنْ حَفَّتْهُ الْعِنَايَةُ الرَّبَّانِيَّةُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] . وَالْمَدْحُ لُغَةً: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ، وَعُرْفًا مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَمْدُوحِ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ، فَبَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيَّيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَبَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَدْحِ اللُّغَوِيَّيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ. وَالشُّكْرُ عُرْفًا أَخَصُّ مِنْ الْحَمْدِ وَالْمَدْحِ وَالشُّكْرِ لُغَةً، وَجُمْلَةُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا مَعَ الْإِذْعَانِ لِمَدْلُولِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً شَرْعًا لِلْإِنْشَاءِ، وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ، سَوَاءٌ أَجَعَلْتَ فِيهِ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ لِلْجِنْسِ كَمَا عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ؛ لِأَنَّ لَامَ لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ - تَعَالَى - وَإِلَّا فَلَا اخْتِصَاصَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 الْبَرِّ الْجَوَادِ، الَّذِي جَلَّتْ نِعَمُهُ عَنْ الْإِحْصَاءِ بِالْأَعْدَادِ،   [مغني المحتاج] لِتَحَقُّقِ الْجِنْسِ فِي الْفَرْدِ الثَّابِتِ لِغَيْرِهِ أَمْ لِلْعَهْدِ كَاَلَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَجَازَهُ الْوَاحِدِيُّ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْحَمْدَ الَّذِي حَمِدَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، وَحَمِدَهُ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَالْعِبْرَةُ بِحَمْدِ مَنْ ذَكَرَ فَلَا فَرْدَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ، وَأَوْلَى الثَّلَاثَةِ الْجِنْسُ. (الْبَرِّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ الْمُحْسِنِ، وَقِيلَ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ، وَقِيلَ خَالِقُ الْبِرِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَقِيلَ: اللَّطِيفُ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي إذَا عُبِدَ أَثَابَ وَإِذَا سُئِلَ أَجَابَ، وَقِيلَ هُوَ الْعَطُوفُ عَلَى عِبَادِهِ بِبِرِّهِ وَلُطْفِهِ (الْجَوَادِ) بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ: أَيْ الْوَاسِعِ الْعَطَاءِ. وَقِيلَ: الْمُتَفَضِّلُ بِالنِّعَمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا الْمُتَكَفِّلُ لِلْأُمَمِ بِأَرْزَاقِهَا. وَقِيلَ: الْكَثِيرُ الْجُودِ: أَيْ الْعَطَاءِ، وَقَدْ خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا ذَكَرَ فِيهِ عَنْ الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: «وَذَلِكَ أَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ» وَيُجْمَعُ عَلَى: أَجْوَادٍ وَأَجَاوِيدَ، وَجُودٍ (الَّذِي جَلَّتْ) أَيْ عَظُمَتْ، وَالْجَلِيلُ: الْعَظِيمُ (نِعَمُهُ) بِمَعْنَى إنْعَامِهِ: أَيْ إحْسَانِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نِعْمَتُهُ بِالْإِفْرَادِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] وَأَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى، وَالنِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْإِحْسَانُ، وَبِفَتْحِ النُّونِ التَّنَعُّمُ، وَبِضَمِّهَا الْمَسَرَّةُ (عَنْ الْإِحْصَاءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ الضَّبْطِ وَالْإِحَاطَةِ. قَالَ تَعَالَى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6] (بِالْأَعْدَادِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ عَدَدٍ: أَيْ نِعَمُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يُحْصِيهَا عَدَدٌ لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَعْدَادُ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَالشَّيْءُ لَا يَضْبِطُهُ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ، وَيَضْبِطُهُ الْكَثِيرُ؛ وَلِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الْمَانُّ بِاللُّطْفِ وَالْإِرْشَادِ، الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، الْمُوَفِّقُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ مَنْ لَطَفَ بِهِ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْعِبَادِ.   [مغني المحتاج] قِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالتَّعْدَادِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ عَدَّ لَكَانَ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ (الْمَانِّ) أَيْ الْمُنْعِمِ تَفَضُّلًا مِنْهُ لَا وُجُوبًا عَلَيْهِ، وَقِيلَ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَالْحَنَّانُ هُوَ الَّذِي يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالْمَنُّ وَالْمِنَّةُ يُطْلَقَانِ عَلَى النِّعْمَةِ. قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 164] الْآيَةَ، وَيُطْلَقَانِ عَلَى تَعْدَادِ النِّعَمِ، تَقُولُ: فَعَلْتُ مَعَ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا. قَالَ تَعَالَى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] وَالْمَانُّ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - صَحِيحَانِ؛ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ ذَمًّا (بِاللُّطْفِ) وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الطَّاءِ: أَيْ الرَّأْفَةِ وَالرِّفْقِ، وَهُوَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ بِأَنْ يَخْلُقَ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَفَتْحُهُمَا لُغَةٌ فِيهِ. فَائِدَةٌ: قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ إلَى يَعْقُوبَ أَعْطَاهُ فِي الْبِشَارَةِ كَلِمَاتٍ كَانَ يَرْوِيهَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهِيَ: يَا لَطِيفًا فَوْقَ كُلِّ لَطِيفٍ اُلْطُفْ بِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا كَمَا أُحِبُّ، وَرَضِّنِي فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي (وَالْإِرْشَادِ) مَصْدَرُ أَرْشَدَهُ: أَيْ وَفَّقَهُ وَهَدَاهُ (الْهَادِي) أَيْ الدَّالِّ (إلَى سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الرَّشَادِ) أَيْ الْهُدَى وَالِاسْتِقَامَةِ، وَهُوَ الرُّشْدُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَبِفَتْحِهِمَا نَقِيضُ الْغَيِّ (الْمُوَفِّقِ) أَيْ الْمُقَدِّرِ (لِلتَّفَقُّهِ) أَيْ التَّفَهُّمِ (فِي الدِّينِ) أَيْ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ الْأَحْكَامِ (مَنْ لَطَفَ بِهِ) أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ (وَاخْتَارَهُ) أَيْ اصْطَفَاهُ لَهُ (مِنْ الْعِبَادِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» أَيْ وَيُلْهِمْهُ الْعَمَلَ بِهِ. وَفِي الْإِحْيَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَلِيلٌ مِنْ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " الْعَقْلُ " بَدَلَ الْعِلْمِ. وَلَمَّا كَانَ التَّوْفِيقُ عَزِيزًا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ} [هود: 88] . وَ {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ وَأَكْمَلَهُ، وَأَزْكَاهُ وَأَشْمَلَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ   [مغني المحتاج] وَ {إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 62] . قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَالتَّوْفِيقُ الْمُخْتَصُّ بِالْمُتَعَلِّمِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: شِدَّةُ الْعِنَايَةِ، وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ، وَذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ، وَاسْتِوَاءُ الطَّبِيعَةِ: أَيْ خُلُوُّهَا مِنْ الْمَيْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالتَّفَقُّهُ أَخْذُ الْفِقْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَهُوَ لُغَةً: الْفَهْمُ، وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ عُرُوضُ الْأَحْكَامِ لَهَا. وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَسَائِرِ الْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَفَائِدَتُهُ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيهِ الْمُحَصِّلَانِ لِلْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ (أَحْمَدُهُ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ وَتَفَضَّلَ (أَبْلَغَ حَمْدٍ) أَنْهَاهُ (وَأَكْمَلَهُ) أَتَمَّهُ (وَأَزْكَاهُ) أَنْمَاهُ (وَأَشْمَلَهُ) أَعَمَّهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ عُمُومُ الْحَمْدِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ النِّعَمُ لَا يُتَصَوَّرُ حَصْرُهَا كَمَا مَرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُنْسَبَ عُمُومُ الْمَحَامِدِ إلَيْهِ - تَعَالَى - عَلَى جِهَةِ الْإِجْمَالِ بِأَنْ يَعْتَرِفَ مَثَلًا بِاشْتِمَالِهِ - تَعَالَى - عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْحَمْدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَمْدٌ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ بِرِعَايَةِ الْأَبْلَغِيَّةِ، وَذَاكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ الْمَالِكِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ تُرَاعَ الْأَبْلَغِيَّةُ بِأَنْ يُرَادَ الثَّنَاءُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ فَذَاكَ الْبَعْضُ أَعَمُّ مِنْ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ لِصِدْقِهِ بِهَا وَبِغَيْرِهَا الْكَثِيرِ، فَالثَّنَاءُ بِهَذَا أَبْلَغُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا، نَعَمْ الثَّنَاءُ بِالْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ، أَيْ تَعَيُّنُهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ هَذَا، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ أَبْلَغَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ اُفْتُتِحَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْدَ فِيهِ لِمَقَامِ التَّعْلِيمِ وَالتَّعْيِينُ لَهُ أَوْلَى. (وَأَشْهَدُ) أَيْ أُعْلِمُ وَأُبَيِّنُ (أَنْ لَا إلَهَ) أَيْ لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ (إلَّا اللَّهُ) الْوَاجِبُ الْوُجُودِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ الْمَقْطُوعَةِ الْبَرَكَةِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَفِي الْبُخَارِيِّ " قِيلَ لِوَهْبٍ: أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إلَّا، وَلَهُ أَسْنَانٌ، فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فَتَحَ لَكَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْتَحْ لَكَ " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الْوَاحِدُ الْغَفَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ   [مغني المحتاج] أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ، وَذُكِرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: صَدَقَ، وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الْأَسْنَانِ مَا هِيَ فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ (الْوَاحِدُ) أَيْ الَّذِي لَا تَعَدُّدَ لَهُ فَلَا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ (الْغَفَّارُ) اسْمُ مُبَالَغَةٍ مِنْ الْغَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ - أَيْ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يُظْهِرُهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ بَدَلَ الْغَفَّارِ الْقَهَّارَ اسْتِبْشَارًا وَتَرَجِّيًا؛ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ مَأْخُوذٌ مِمَّا قَبْلَهُ إذْ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ فِي مُلْكِهِ الْقَهْرُ. فَائِدَةٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ: فِي كَلِمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَسْرَارٌ: مِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ حُرُوفِهَا جَوْفِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ شَفَهِيٌّ إشَارَةً إلَى الْإِتْيَانِ بِهَا مِنْ خَالِصِ الْجَوْفِ، وَهُوَ الْقَلْبُ: أَيْ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَالِصًا مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ» . وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حَرْفٌ مُعْجَمٌ إشَارَةً إلَى التَّجَرُّدِ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ: أَيْ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» . وَمِنْهَا أَنَّهَا اثْنَا عَشَرَ حَرْفًا كَشُهُورِ السَّنَةِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: وَهِيَ الْجَلَالَةُ حَرْفٌ فَرْدٌ، وَثَلَاثَةٌ سَرْدٌ، وَهِيَ أَفْضَلُ كَلِمَاتِهَا كَمَا أَنَّ الْحُرُمَ أَفْضَلُ السَّنَةِ، فَمَنْ قَالَهَا مُخْلِصًا كَفَّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبَ سَنَةٍ: أَيْ كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ. وَمِنْهَا أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً، وَهِيَ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَاعَةٍ. (وَأَشْهَدُ) أَيْ وَأُعْلِمُ وَأُبَيِّنُ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) ثَبَتَ هَذَا اللَّفْظُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي التَّشَهُّدِ، وَمُحَمَّدٌ عَلَمٌ عَلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولٍ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَكْثُرُ حَمْدُ الْخَلْقِ لَهُ لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الْجَمِيلَةِ، كَمَا رُوِيَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ قِيلَ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَدْ سَمَّاهُ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ لِمَوْتِ أَبِيهِ قَبْلَهَا لِمَ سَمَّيْتَ ابْنَكَ مُحَمَّدًا وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِكَ وَلَا قَوْمِكَ؟ قَالَ رَجَوْتُ أَنْ يُحْمَدَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَلْفُ اسْمٍ وَلِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ، وَوُصِفَ بِالْعُبُودِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ، الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.   [مغني المحتاج] صِفَةٌ أَتَمُّ وَلَا أَشْرَفُ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، قِيلَ: [الرَّجَزَ] لَا تَدْعُنِي إلَّا بِيَا عَبْدَهَا ... فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي وَلِهَذَا دُعِيَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْرَفِ الْمَوَاطِنِ كَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وَالرَّسُولُ أَخَصُّ مِنْ النَّبِيِّ، فَإِنَّهُ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ لِلْعَمَلِ وَالتَّبْلِيغِ، وَالنَّبِيُّ فَقَطْ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ لِلْعَمَلِ خَاصَّةً، فَالْأَوَّلُ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا عَكْسَ (الْمُصْطَفَى) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الصَّفْوَةِ، وَهُوَ الْخُلُوصُ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» (الْمُخْتَارُ) اسْمُ مَفْعُولٍ أَصْلُهُ مُخْتَيَرٌ، اخْتَارَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ» . وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ إيذَانًا مِنْهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ يُؤْذِنُ بِالْعُمُومِ، وَقَرَنَ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ بِالثَّنَاءِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ: لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي، كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خِطْبَتِهِ أَيْ: بِكَسْرِ الْخَاءِ وَكُلِّ أَمْرٍ طَلَبَهُ غَيْرَهَا حَمْدَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ خُرُوجًا مِنْ الْكَرَاهَةِ إذْ يُكْرَهُ إفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ أَيْ: وَكَذَا عَكْسُهُ. وَالصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ أَيْ وَمِنْ الْجِنِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ. (أَمَّا بَعْدُ) ،   [مغني المحتاج] عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا كُلُّ صَلَاةٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْهَا. وَالثَّانِي: فِي الْعُمُرِ مَرَّةً. وَالثَّالِثُ كُلَّمَا ذُكِرَ. وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ. الرَّابِعُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. وَالْخَامِسُ فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَآخِرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ اجْعَلُونِي، فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ. (وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ) أَيْ: عِنْدَهُ. وَالْفَضْلُ: ضِدُّ النَّقْصِ. وَالشَّرَفُ: الْعُلُوُّ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَطْلُبُ لَهُ زِيَادَةً وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ الْكَمَالِ كَمَا قِيلَ فِيهِ: [الْوَافِرُ] وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي ... وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدْ النِّسَاءُ خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ ... كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ أُجِيبَ بِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - شَامِلَةٌ لِكُلِّ مُمْكِنٍ فَيُرَقَّى الْكَامِلُ مِنْ رُتْبَةٍ عَلِيَّةٍ إلَى رُتْبَةٍ عَلِيَّةٍ فَهُوَ أَبَدًا فِي عُلُوٍّ. فَائِدَةٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَسُولًا فَقَالَ فِيهِ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ وَإِذَا بَسَطْتَ كُلًّا مِنْهَا قُلْتَ فِيهِ " م ي م " وَعِدَّتُهَا بِحِسَابِ الْجُمَّلِ الْكَبِيرِ تِسْعُونَ فَيَحْصُلُ مِنْهَا مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ، وَإِذَا بَسَطْتَ الْحَاءَ وَالدَّالَ قُلْتَ: دَارٌ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَحَاءٌ بِتِسْعَةٍ، فَالْجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ، وَالِاسْمُ وَاحِدٌ، فَتَمَّ عَدَدُ الرُّسُلِ كَمَا قِيلَ: إنَّهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَأُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ كَمَا قِيلَ فِيهِمْ: [الطَّوِيلُ] مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى كَلِيمُهُ ... فَعِيسَى فَنُوحٌ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ فَاعْلَمْ (أَمَّا بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْدِ وَالتَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يُؤْتَى بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ   [مغني المحتاج] لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ وَلَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ لَهَا بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً. وَفِي الْمُبْتَدِئِ بِهَا أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهَا فَصْلُ الْخِطَابِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي الْآيَةِ. وَالثَّانِي: قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ. وَالثَّالِثُ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ. وَالرَّابِعُ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ. وَالْخَامِسُ سَحْبَانُ بْنُ وَائِلٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ: [الطَّوِيلُ] لَقَدْ عَلِمَ الْحَيُّ الْيَمَانُونَ أَنَّنِي ... إذَا قُلْتُ أَمَّا بَعْدُ أَنِّي خَطِيبُهَا وَالْمَشْهُورُ بِنَاءُ " بَعْدُ " هُنَا عَلَى الضَّمِّ فَإِنَّ لَهَا أَرْبَعَ حَالَاتٍ: إحْدَاهَا: أَنْ تَكُونَ مُضَافَةً فَتُعْرَبَ إمَّا نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ خَفْضًا بِمِنْ: وَثَانِيهَا: أَنْ يُحْذَفَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَيُنْوَى ثُبُوتُ لَفْظِهِ فَتُعْرَبَ الْإِعْرَابَ الْمَذْكُورَ وَلَا تُنَوَّنُ لِنِيَّةِ الْإِضَافَةِ. وَثَالِثُهَا: أَنْ تُقْطَعَ عَنْ الْإِضَافَةِ لَفْظًا وَلَا يُنْوَى الْمُضَافُ إلَيْهِ فَتُعْرَبَ أَيْضًا الْإِعْرَابَ الْمَذْكُورَ وَلَكِنْ تُنَوَّنُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ اسْمٌ تَامٌّ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ النَّكِرَاتِ. وَرَابِعُهَا: أَنْ يُحْذَفَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَيُنْوَى مَعْنَاهُ دُونَ لَفْظِهِ فَتُبْنَى عَلَى الضَّمِّ، وَدَخَلَتْ الْفَاءُ فِي حَيِّزِهَا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا أَمَّا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لِنِيَابَتِهَا عَنْ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. (فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ) الْمَعْهُودِ شَرْعًا الصَّادِقِ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَمَا كَانَ آلَةً لِذَلِكَ كَالنَّحْوِ وَالصَّرْفِ، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا غَيْرُهَا مِمَّا يُعْتَبَرُ تَقْدِيمُهُ (مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ) لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ، وَالْمَفْرُوضُ أَوْلَى مِنْ الْمَنْدُوبِ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مِنْ الْمَفْرُوضِ. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَتَوَاتَرَتْ وَتَطَابَقَتْ الدَّلَائِلُ الصَّرِيحَةُ وَتَوَافَقَتْ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالِاجْتِهَادِ فِي اقْتِبَاسِهِ وَتَعْلِيمِهِ. قَالَ تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» وَالْمُرَادُ بِالْحَسَدِ الْغِبْطَةُ، وَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَهُ. وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ بِكَ اللَّهُ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ: إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إلَّا ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمًا وَمُتَعَلِّمًا» وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» . وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ» ، وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ. وَمِنْ الْآثَارِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالْعِلْمِ شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحَ بِهِ إذَا نُسِبَ إلَيْهِ، وَكَفَى بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ كَمَا قِيلَ: فَلِلَّهِ دَرُّ الْعِلْمِ وَمَنْ بِهِ تَرَدَّى، وَتَعْسًا لِلْجَهْلِ وَمَنْ فِي أَوْدِيَتِهِ تَرَدَّى. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ: مَثَلُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَرْضِ مَثَلُ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ إذَا بَرَزَتْ لِلنَّاسِ اهْتَدَوْا بِهَا، وَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِمْ تَحَيَّرُوا. وَعَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: تَعَلَّمْ الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لَكَ حَسَنَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قُرْبَةٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ، الْعِلْمُ يَحْرُسُك وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، وَالْمَالُ تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو بِالْإِنْفَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ لَا يُحِبُّ الْعِلْمَ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَلَا يَكُنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ وَلَا صَدَاقَةٌ فَإِنَّهُ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَمِصْبَاحُ الْبَصَائِرِ، وَقَالَ: طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، وَقَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: حِلَقُ الذِّكْرِ» قَالَ عَطَاءٌ: مَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ مَجَالِسُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَيْفَ تَشْتَرِي وَتَبِيعُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَنْكِحُ وَتُطَلِّقُ وَتَحُجُّ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ: أَيْ: فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً، يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَسِيرُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ» وَأَقَاوِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ طَلَبَهُ مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَنْ أَرَادَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَمَالٍ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ شُهْرَةٍ أَوْ اسْتِمَالَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ مَذْمُومٌ. قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ يُرِيدُ بِهِ غَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» أَيْ: لَمْ يَجِدْ رِيحَهَا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يُكَاثِرَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شِرَارُ النَّاسِ شِرَارُ الْعُلَمَاءِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَا حَمَلَةَ الْعِلْمِ اعْمَلُوا بِهِ فَإِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَوَافَقَ عِلْمُهُ عَمَلَهُ، وَسَيَكُونُ أَقْوَامٌ يَحْمِلُونَ الْعِلْمَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يُخَالِفُ عَمَلُهُمْ عِلْمَهُمْ وَتُخَالِفُ سَرِيرَتُهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ يَجْلِسُونَ حِلَقًا يُبَاهِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ لَيَغْضَبُ عَلَى جَلِيسِهِ أَنْ يَجْلِسَ إلَى غَيْرِهِ وَيَدَعَهُ، أُولَئِكَ لَا تَصْعَدُ أَعْمَالُهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ تِلْكَ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -. وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا ازْدَادَ عَبْدٌ عِلْمًا فَازْدَادَ فِي الدُّنْيَا رَغْبَةً إلَّا ازْدَادَ مِنْ اللَّهِ بُعْدًا. وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ، وَأَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ التَّصْنِيفِ   [مغني المحتاج] تَعَالَى - أَنْ يُوَفِّقَنَا بِفَضْلِهِ وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ (وَ) إذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ الْعَظِيمَةِ، فَيَكُونُ الِاشْتِغَالُ بِهِ مِنْ (أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهِ) أَيْ تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ (نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ) أَيْ: الْأَوْقَاتُ النَّفِيسَةُ، إذْ الْأَوْقَاتُ كُلُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلَا عِبَادَةٍ، وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، كَقَوْلِهِمْ: جَرْدُ قَطِيفَةٍ أَيْ: قَطِيفَةٌ مَجْرُودَةٌ، أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفَائِسِ الْأَوْقَاتِ أَزْمِنَةُ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ فِيهِ مُخَصَّصَةً. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: يُقَالُ فِي الْخَيْرِ أَنْفَقْتُ، وَفِي الْبَاطِلِ ضَيَّعْتُ وَخَسِرْتُ وَغَرِمْت، وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِنْفَاقِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بَذْلِهِ. لَكِنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ أَنْ يُوقِعَ فِيهِ الشَّيْءَ دُونَ غَيْرِهِ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِنْفَاقِ، وَنَفَائِسُ جَمْعٌ لِنَفِيسَةٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِنَفِيسٍ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ قَدْ وَصَفَ الْأَوْقَاتَ بِالنَّفِيسَةِ ثُمَّ جَمَعَ النَّفِيسَةَ عَلَى النَّفَائِسِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا مُفْرَدُهُ مُؤَنَّثٌ كَالسَّاعَاتِ وَنَحْوِهَا لَكَانَ أَظْهَرَ اهـ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: أَيْ: لَوْ قُدِّرَ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ كَانَ كَوْنُهُ أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ مُنَافِيًا لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ أَوْلَى يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ أَفْضَلَ وَكَوْنَهُ مِنْ أَفْضَلِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِنْ أَوْلَى لَا كَوْنَهُ أَوْلَى، فَالْإِشَارَةُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ إلَى تَقْدِيرِ عَطْفِ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ. (وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا) أَيْ: أَتْبَاعُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَالصُّحْبَةُ هُنَا الِاجْتِمَاعُ فِي اتِّبَاعِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَجَازٌ سَبَبُهُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمْ، وَشِدَّةُ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَالصَّاحِبِ حَقِيقَةً (رَحِمَهُمْ اللَّهُ) - تَعَالَى - دُعَاءٌ لَهُمْ (مِنْ التَّصْنِيفِ) مَصْدَرُ صَنَّفَ الشَّيْءَ: إذَا جَعَلَهُ أَصْنَافًا بِتَمْيِيزِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، فَمُؤَلِّفُ الْكِتَابُ يُفْرِدُ الصِّنْفَ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَيُفْرِدُ كُلَّ صِنْفٍ مِمَّا هُوَ فِيهِ عَنْ الْآخَرِ، فَالْفَقِيهُ يُفْرِدُ مَثَلًا الْعِبَادَاتِ عَنْ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَبْوَابُ. قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ، وَأَتْقَنَ مُخْتَصَرَ " الْمُحَرَّرِ " لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذِي التَّحْقِيقَاتِ   [مغني المحتاج] الْكُتُبَ الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ. وَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَقِيلَ: ابْنُ جُرَيْجٍ (مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ) فِي الْفِقْهِ، وَهِيَ مَا كَثُرَ لَفْظُهَا وَمَعْنَاهَا (وَالْمُخْتَصَرَاتِ) فِيهِ، وَهِيَ مَا قَلَّ لَفْظُهَا وَكَثُرَ مَعْنَاهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: الْكَلَامُ يُبْسَطُ لِيُفْهَمَ، وَيُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ. (وَأَتْقَنُ) أَيْ: أَحْكَمُ (مُخْتَصَرٍ الْمُحَرَّرُ) أَيْ: الْمُهَذَّبُ الْمُنَقَّى: وَهُوَ هُنَا عِلْمُ الْكِتَابِ (لِلْإِمَامِ) الْحَبْرِ الْهُمَامِ عَبْدِ الْكَرِيمِ إمَامِ الدِّينِ (أَبِي الْقَاسِمِ) اعْتَرَضَ عَلَى تَكْنِيَتِهِ لَهُ بِأَبِي الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَوْ لِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: إنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِزَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا رَجَّحَاهُ: وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ. (الرَّافِعِيِّ) قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعَانِ بَلْدَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ بِلَادِ قَزْوِينَ، وَكَانَ إمَامًا بَارِعًا فِي الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ وَالزُّهْدِ وَالْكَرَامَاتِ وَاللَّطَائِفِ لَمْ يُصَنَّفْ فِي الْمَذْهَبِ مِثْلُ كِتَابِهِ الشَّرْحِ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِبِلَادِ قَزْوِينَ بَلْدَةٌ يُقَالُ لَهَا رَافِعَانِ، بَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدٍّ مِنْ أَجْدَادِهِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَقَالَ الشَّارِحُ: مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ فِيمَا حُكِيَ (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) وَرَضِيَ عَنْهُ (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ وَالتَّدْقِيقَاتِ الْغَزِيرَةِ فِي الدِّينِ: ذِي الْخَاطِرِ الْعَاطِرِ، وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ وَالْمَفَاخِرِ وَالْمَنَاقِبِ، كَانَ مِنْ بَيْتِ عِلْمٍ: أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدَّتُهُ. قِيلَ. إنَّهَا كَانَتْ تُفْتِي النِّسَاءَ. تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتّمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَضَاءَتْ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ، وَهُوَ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ، عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ، مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ، وَقَدْ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَنُصَّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ   [مغني المحتاج] الْكُرُومَ. وَحُكِيَ أَنَّ شَجَرَةً أَضَاءَتْ لَهُ لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ. وَمِنْ أَشْعَارِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ وَعَفَا عَنْهُ: الطَّوِيلُ أَقِيمَا عَلَى بَابِ الْكَرِيمِ أَقِيمَا ... وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِهِ فَتَهِيمَا هُوَ الرَّبُّ مَنْ يَقْرَعْ عَلَى الصِّدْقِ بَابَهُ ... يَجِدْهُ رَءُوفًا بِالْعِبَادِ رَحِيمَا فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَبِيرُ مَدْحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَمَعَ تَحْقِيقَهُ: وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنْ التَّحْقِيقِ وَهُوَ جَمْعٌ وَسَلَامَةٌ وَهُوَ لِلْقِلَّةِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَلَوْ أَتَى بِجَمْعِ كَثْرَةٍ لَكَانَ أَنْسَبَ. وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَعْدَادِ مِنْ أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ. فَائِدَةٌ: مِنْ كَلَامِ سَيِّدِي أَبِي الْمَوَاهِبِ يُعْرَفُ مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ. قَالَ: إثْبَاتُ الْمَسْأَلَةِ بِدَلِيلِهَا تَحْقِيقٌ، وَإِثْبَاتُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ تَدْقِيقٌ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا بِفَائِقِ الْعِبَارَةِ الْحُلْوَةِ تَرْقِيقٌ، وَبِمُرَاعَاةِ عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْبَدِيعِ فِي تَرْكِيبِهَا تَنْمِيقٌ، وَالسَّلَامَةُ فِيهَا مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّرْعِ تَوْفِيقٌ (وَهُوَ) أَيْ: الْمُحَرَّرُ (كَثِيرُ الْفَوَائِدِ) جَمْعُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ مَالٍ، وَحَقَّ لَهُ أَنْ يَصِفَهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ بَحْرٌ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ، وَلَا يُنْزَفُ غَمْرُهُ (عُمْدَةٌ) أَيْ: يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ (فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ: مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ (مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي) أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالْمُفْتِي وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ وَمُوَضِّحُ الدَّلَالَةِ، وَالْمُبَيِّنُ بِجَوَابِهِ حَرَامَ الشَّرْعِ وَحَلَالَهُ، وَيَكْفِيهِ هَذَا الْوَصْفُ تَعْظِيمًا لَهُ وَجَلَالَةً (وَغَيْرِهِ) أَيْ: الْمُفْتِي مِمَّنْ يُصَنِّفُ أَوْ يَدْرُسُ (مِنْ أُولِي) أَيْ: أَصْحَابِ (الرَّغَبَاتِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ جَمْعُ رَغْبَةٍ بِسُكُونِهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] تَقُولُ: رَغِبْتُ عَنْ الشَّيْءِ تَرَكْتُهُ، وَرَغِبْتُ فِيهِ أَرَدْتُهُ، وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَلِيلٌ عَلَى إنْصَافِهِ فِي الْعِلْمِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَعْرِفُ الْفَضْلَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ ذَوُو الْفَضْلِ» . وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِنْ بَرَكَةِ الْعِلْمِ وَآدَابِهِ الْإِنْصَافُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا فِي زَمَانِنَا أَقَلُّ مِنْ الْإِنْصَافِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: هَذَا فِي زَمَانِ مَالِكٍ فَكَيْفَ بِهَذَا الزَّمَانِ: أَيْ: وَمَا بَعْدَهُ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ كُلُّ هَالِكٍ (وَقَدْ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يَنُصَّ) فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ (عَلَى مَا صَحَّحَهُ) فِيهَا (مُعْظَمُ) أَيْ أَكْثَرُ (الْأَصْحَابِ) لِأَنَّ نَقْلَ الْمَذْهَبِ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ فَيُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ: قَالَهُ تِلْمِيذُ الْمُصَنِّفِ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَلَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وَوَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أَوْ أَهَمِّ الْمَطْلُوبَاتِ لَكِنْ فِي حَجْمِهِ كِبَرٌ يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَصْرِ إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، فَرَأَيْت اخْتِصَارَهُ فِي نَحْوِ نِصْفِ   [مغني المحتاج] إلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلٌ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّ الْخَطَأَ إلَى الْقَلِيلِ أَقْرَبُ (وَوَفَى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (بِمَا الْتَزَمَهُ) حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اسْتِدْرَاكُهُ عَلَيْهِ التَّصْحِيحَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ مَنْ فَهِمَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَنُصُّ إلَّا مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ فَقَدْ أَخْطَأَ فَهْمُهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي خُطْبَةِ الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ نَاصٌّ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُعْظَمُ مِنْ الْوُجُوهِ وَالْأَقَاوِيلِ، وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ لَا يَنُصُّ إلَّا عَلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ كَقَوْلِهِ: إنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنْ الْوَجْهِ، وَإِنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ رُكْنٌ قَصِيرٌ، وَمَنَعَ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يَجْزِمُ فِي الْمُحَرَّرِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ فِي انْصِرَافِ الْمَعْذُورِ إذَا حَضَرَ الْجَامِعَ وَفِي الزَّكَاةِ فِي الْعَلَفِ الْمُؤَثِّرِ، بَلْ الْكُتُبُ الَّتِي لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا مَشْحُونَةٌ بِمَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، مِنْ النُّصُوصِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي لِلنَّاظِرِ الْعَجَبَ مِنْ كَثْرَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ: مَا الْتَزَمَهُ (مِنْ أَهَمِّ أَوْ) هُوَ (أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ) لِطَالِبِ الْفِقْهِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُصَحَّحِ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِهِ، وَكَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لِلْمُصَنِّفِ: لَمَّا كَانَ الْمُحَرَّرُ بِهَذَا الْوَصْفِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ تَخْتَصِرُهُ؟ فَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لَكِنْ فِي حَجْمِهِ) أَيْ: الْمُحَرَّرِ (كِبَرٌ) وَحَجْمُ الشَّيْءِ مَلْمَسُهُ النَّاتِئُ تَحْتَ الْيَدِ، وَالْكِبَرُ نَقِيضُ الصِّغَرِ (يَعْجِزُ عَنْ حِفْظِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَصْرِ) الرَّاغِبِينَ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ الْهِمَمَ قَدْ تَقَاصَرَتْ عَنْ حِفْظِ الْمُطَوَّلَاتِ، بَلْ وَالْمُخْتَصَرَاتِ، وَصَارَتْ عَلَى النَّذْرِ الْيَسِيرِ مُقْتَصِرَاتٍ (إلَّا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ، وَهُوَ مَنْ سَهَّلَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يَكْبُرُ: أَيْ: يَعْظُمُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ (فَرَأَيْتُ) مِنْ الرَّأْيِ فِي الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ لَا مِنْ الرُّؤْيَةِ (اخْتِصَارَهُ) بِأَنْ لَا يَفُوتَ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِهِ. وَالِاخْتِصَارُ إيجَازُ اللَّفْظِ مَعَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْنَى، وَقِيلَ: مَا دَلَّ قَلِيلُهُ عَلَى كَثِيرِهِ (فِي نَحْوِ نِصْفِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 حَجْمِهِ، لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ مَعَ مَا أُضَمِّنُهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجِدَّاتِ: مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ هِيَ مِنْ الْأَصْلِ مَحْذُوفَاتٌ، وَمِنْهَا مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَاتٍ، وَمِنْهَا إبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا، أَوْ مُوهِمًا خِلَافَ الصَّوَابِ بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ، وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ   [مغني المحتاج] حَجْمِهِ) هُوَ صَادِقٌ بِمَا وَقَعَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ بِيَسِيرٍ بَلْ هُوَ إلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ أَقْرَبُ كَمَا قِيلَ، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ ذَلِكَ حِينَ شَرَعَ فِي اخْتِصَارِهِ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ. وَقِيلَ: إنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَرَّرِ دُونَ الزَّوَائِدِ، وَنُونُ النِّصْفِ مُثَلَّثَةٌ، وَفِيهِ لُغَةٌ رَابِعَةٌ نَصِيفٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ) أَيْ: الْمُخْتَصَرِ لِكُلِّ مَنْ يَرْغَبُ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ، وَتَقَدَّمَ عَنْ الْخَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: الْكَلَامُ يُبْسَطُ لِيُفْهَمَ وَيُخْتَصَرُ لِيُحْفَظَ. وَالْحِفْظُ نَقِيضُ النِّسْيَانِ (مَعَ مَا) أَيْ: مَصْحُوبًا ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ بِمَا (أَضُمُّهُ إلَيْهِ) فِي أَثْنَائِهِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَبِذَلِكَ قَرُبَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ أَصْلِهِ كَمَا مَرَّ (مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ) أَيْ الْمُسْتَحْسَنَاتِ (مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) بِأَنْ تُذْكَرَ فِيهَا (هِيَ) أَيْ: تِلْكَ الْقُيُودُ (مِنْ الْأَصْلِ) أَيْ: الْمُحَرَّرِ (مَحْذُوفَاتٌ) أَيْ: مَتْرُوكَاتٌ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهَا فِي الْمَبْسُوطَاتِ (وَمِنْهَا مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ) نَحْوُ الْخَمْسِينَ مَوْضِعًا أَذْكُرُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ (ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ فِي الْمَذْهَبِ) الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهَا مُصَحَّحًا (كَمَا سَتَرَاهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -) فِي خِلَافِهَا لَهُ نَظَرًا لِلْمُدْرِكِ (وَاضِحَاتٍ) فَذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِيهَا هُوَ الْمُرَادُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ أَوَّلًا كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى (وَمِنْهَا إبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا) أَيْ: غَيْرَ مَأْلُوفِ الِاسْتِعْمَالِ (أَوْ مُوهِمًا) أَيْ: مُوقِعًا فِي الْوَهْمِ: أَيْ الذِّهْنِ (خِلَافَ الصَّوَابِ) أَيْ: الْإِتْيَانَ بَدَلَ ذَلِكَ (بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ) أَيْ ظَاهِرَاتٍ لَا خَفَاءَ فِيهَا فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ، وَإِدْخَالُ الْبَاءِ بَعْدَ لَفْظِ الْإِبْدَالِ عَلَى الْمَأْتِيِّ بِهِ مُوَافِقَةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَعْرُوفِ لُغَةً مِنْ إدْخَالِهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ، فَلَوْ قَالَ: وَمِنْهَا إبْدَالُ الْأَوْضَحِ وَالْأَخْصَرِ بِمَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا أَوْ مُوهِمًا خِلَافَ الصَّوَابِ كَانَ أَوْلَى نَحْوُ: أَبْدَلْتُ الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ: أَيْ: أَخَذْتُ الْجَيِّدَ بَدَلَ الرَّدِيءِ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْأَبْدَالُ قَوْمٌ صَالِحُونَ لَا تَخْلُو الدُّنْيَا مِنْهُمْ، إذَا مَاتَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَبْدَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَكَانَهُ آخَرَ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْأَبْدَالُ بِالشَّامِ، وَالنُّجَبَاءُ بِمِصْرَ، وَالْعَصَائِبُ بِالْعِرَاقِ: أَيْ: الزُّهَّادُ، وَعَلَامَةُ الْأَبْدَالِ أَنْ لَا يُولَدَ لَهُمْ، وَكَانَ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ تَزَوَّجَ بِسَبْعِينَ امْرَأَةً فَلَمْ يُولَدْ لَهُ. (وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ، وَمَرَاتِبُ الْخِلَافِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. فَحَيْثُ أَقُولُ: فِي الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ، فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ قُلْت الْأَظْهَرُ وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ، وَحَيْثُ أَقُولُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ، فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ قُلْت: الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ، وَحَيْثُ أَقُولُ: النَّصُّ فَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -   [مغني المحتاج] وَمَرَاتِبِ الْخِلَافِ) قُوَّةً وَضَعْفًا فِي الْمَسَائِلِ (فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ) هَذَا الِاصْطِلَاحُ لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ الْمُصَنِّفَ أَحَدٌ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ حَسَنٌ بِخِلَافِ الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ تَارَةً يُبَيِّنُ نَحْوَ أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَارَةً لَا يُبَيِّنُ نَحْوَ الْأَصَحِّ وَالْأَظْهَرِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُوفِ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ كَمَا سَتَقِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ وَقَدْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مَا ادَّعَاهُ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ مَرْدُودٌ، فَأَمَّا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا عَبَّرَ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ لَا اصْطِلَاحَ لَهُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا بَيَانُ الطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ فَلَمْ يَسْتَوْعِبْ بِهِمَا الْمَسَائِلَ وَالْأَقَارِبَ. وَأَمَّا مَرَاتِبُ الْخِلَافِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْوَاعٌ سَلَكَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَرْدُودًا اهـ مُلَخَّصًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرَهُ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ مَرَاتِبَ الْخِلَافِ كَقَوْلِهِ: وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ، أَوْ أَنَّ مُرَادَهُ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ هَذَا أَوْلَى (فَحَيْثُ أَقُولُ فِي الْأَظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ) لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ) لِقُوَّةٍ مَدْرَكِهِ (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ) الْمُشْعِرُ بِظُهُورِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ) الْمُشْعِرُ بِغَرَابَةِ مُقَابِلِهِ لِضَعْفِ مَدْرَكِهِ (وَحَيْثُ أَقُولُ: الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْأَوْجُهِ) لِلْأَصْحَابِ يَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَيَسْتَخْرِجُونَهَا عَلَى أَصْلِهِ وَيَسْتَنْبِطُونَهَا مِنْ قَوَاعِدِهِ وَقَدْ يَجْتَهِدُونَ فِي بَعْضِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ أَصْلِهِ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلَافُ قُلْتُ الْأَصَحُّ) الْمُشْعِرُ بِصِحَّةِ مُقَابِلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْوَ الْخِلَافُ (فا) قَوْلُ (الصَّحِيحُ) الْمُشْعِرُ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ لِضَعْفِ مَدْرَكِهِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ فِي الْأَقْوَالِ تَأَدُّبًا مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، كَمَا قَالَ: فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ مُشْعِرٌ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ كَمَا مَرَّ (وَحَيْثُ أَقُولُ: الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ) وَهِيَ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ لِمَنْ تَقَدَّمَ وَيَقْطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَحَدِهِمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَدْلُولَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ هُوَ مَا عُبِّرَ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ. وَأَمَّا كَوْنُ الرَّاجِحِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ أَوْ الْخِلَافِ، وَكَوْنُ الْخِلَافِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اصْطِلَاحَ لَهُ فِيهِ، وَلَا اسْتِقْرَاءَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ، بَلْ الرَّاجِحُ تَارَةً يَكُونُ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ، وَتَارَةً طَرِيقَةَ الْخِلَافِ فَاعْلَمْهُ فَإِنِّي اسْتَقْرَيْتُهُ (وَحَيْثُ أَقُولُ: النَّصُّ) أَيْ الْمَنْصُوصُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ (فَهُوَ نَصُّ) الْإِمَامِ (الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ، وَيَكُونُ هُنَاكَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ   [مغني المحتاج] وَسَمَّى مَا قَالَهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ مَرْفُوعُ الْقَدْرِ لِتَنْصِيصِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ؛ أَوْ لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ إلَى الْإِمَامِ، مِنْ قَوْلِكَ نَصَصْتُ الْحَدِيثَ إلَى فُلَانٍ: إذَا رَفَعْتَهُ إلَيْهِ (وَيَكُونُ هُنَاكَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ) أَيْ خِلَافُ الرَّاجِحِ لَا الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ عَنْهُ قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ أَوْ الْأَظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ) فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيضٌ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَيَانُ مَرَاتِبِ الْخِلَافِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ لَا مُطْلَقًا. وَالتَّخْرِيجُ أَنْ يُجِيبَ الشَّافِعِيُّ بِحُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي صُورَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ، وَلَمْ يُظْهِرْ مَا يَصْلُحُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَيَنْقُلُ الْأَصْحَابُ جَوَابَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ إلَى الْأُخْرَى، فَيَحْصُلُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْهُمَا قَوْلَانِ: مَنْصُوصٌ وَمُخَرَّجٌ، الْمَنْصُوصُ فِي هَذِهِ الْمُخَرَّجُ فِي تِلْكَ، وَالْمَنْصُوصُ فِي تِلْكَ هُوَ الْمُخَرَّجُ فِي هَذِهِ، فَيُقَالُ فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ. وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ هَذَا عَدَمُ إطْبَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّخْرِيجِ، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُخَرِّجُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْدِي فَرْقًا بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَرَّجَ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رُوجِعَ فِيهِ، فَذَكَرَ فَارِقًا، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الْقَضَاءِ. وَإِذْ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَلْنَتَعَرَّضْ إلَى طَرَفٍ مِنْ أَخْبَارِهِ تَبَرُّكًا بِهَا فَنَقُولُ: هُوَ حَبْرُ الْأُمَّةِ وَسُلْطَانُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ إدْرِيس بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ. وَهَذَا نَسَبٌ عَظِيمٌ كَمَا قِيلَ: الْكَامِلُ نَسَبٌ كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى ... نُورًا وَمِنْ فَلَقِ الصَّبَاحِ عَمُودًا مَا فِيهِ إلَّا سَيِّدٌ مِنْ سَيِّدٍ ... حَازَ الْمَكَارِمَ وَالتُّقَى وَالْجُودَا وَشَافِعُ بْنُ السَّائِبِ هُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُتَرَعْرِعٌ، وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ رَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، فَأُسِرَ فِي جُمْلَةِ مَنْ أُسِرَ، وَفَدَى نَفْسَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ. وَعَبْدُ مَنَافِ بْنُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ - بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ - بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نَزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ. وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى هَذَا النَّسَبِ إلَى عَدْنَانَ، وَلَيْسَ فِيمَا بَعْدَهُ إلَى آدَمَ طَرِيقٌ صَحِيحٌ فِيمَا يُنْقَلُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ إذَا انْتَهَى فِي النَّسَبِ إلَى عَدْنَانَ أَمْسَكَ، ثُمَّ يَقُولُ كَذَبَ النَّسَّابُونَ» أَيْ: بَعْدَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] وُلِدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الْأَصَحِّ بِغَزَّةَ، الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا هَاشِمٌ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: بِعَسْقَلَانَ. وَقِيلَ: بِمِنًى سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، ثُمَّ حُمِلَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ سَنَتَيْنِ وَنَشَأَ بِهَا، وَحَفِظَ الْقُرْآنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَالْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ، وَحَيْثُ أَقُولُ: الْجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلَافُهُ، أَوْ الْقَدِيمُ، أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ   [مغني المحتاج] مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ مُفْتِي مَكَّةَ الْمَعْرُوفِ بِالزِّنْجِيِّ لِشِدَّةِ شُقْرَتِهِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَأُذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ نَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ وَضِيقِ حَالٍ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ، وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا، ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ وَلَازَمَهُ مُدَّةً، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَأَقَامَ بِهَا سَنَتَيْنِ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهَا، وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ مَذَاهِبَ كَانُوا عَلَيْهَا إلَى مَذْهَبِهِ، وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً ثُمَّ عَادَ إلَى بَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِصْرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا نَاشِرًا لِلْعِلْمِ مُلَازِمًا لِلِاشْتِغَالِ بِجَامِعِهَا الْعَتِيقِ إلَى أَنْ أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ شَدِيدَةٌ فَمَرِضَ بِسَبَبِهَا أَيَّامًا عَلَى مَا قِيلَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ قُطْبُ الْوُجُودِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَخَ رَجَبَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَدُفِنَ بِالْقَرَافَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِهِ، وَانْتَشَرَ عِلْمُهُ فِي جَمِيعِ الْآفَاقِ، وَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَئِمَّةِ فِي الْخِلَافِ وَالْوِفَاقِ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَرَّرَ نَاسِخَ الْأَحَادِيثِ وَمَنْسُوخَهَا، وَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفِقْهِ مَعْرُوفَةٍ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عِلْمًا» . قَالَ لِلرَّبِيعِ: أَنْتَ رَاوِيَةُ كُتُبِي فَعَاشَ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً حَتَّى صَارَتْ الرَّوَاحِلُ تُشَدُّ إلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِسَمَاعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَعَ هَذَا قَالَ: وَدِدْتُ أَنْ لَوْ أُخِذَ عَنِّي هَذَا الْعِلْمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُجَابَ الدَّعْوَةِ لَا تُعْرَفُ لَهُ كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ. وَمِنْ كَلَامِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْوَافِرُ أَمَتُّ مَطَامِعِي فَأَرَحْت نَفْسِي ... فَإِنَّ النَّفْسَ مَا طَمِعَتْ تَهُونُ وَأَحْيَيْتُ الْقُنُوعَ وَكَانَ مَيْتًا ... فَفِي إحْيَائِهِ عِرْضِي مَصُونُ إذَا طَمَعٌ يَحُلُّ بِقَلْبِ عَبْدٍ ... عَلَتْهُ مَهَانَةٌ وَعَلَاهُ هُونُ قَوْلُهُ: الْكَامِلُ مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ ... فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِكَ وَإِذَا قَصَدْتَ لِحَاجَةٍ ... فَاقْصِدْ لِمُعْتَرِفٍ بِقَدْرِكَ وَقَدْ أَفْرَدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَنَسَبِهِ وَأَشْعَارِهِ كُتُبًا مَشْهُورَةً، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَلَوْلَا خَوْفُ الْمَلَلِ لَشَحَنْت كِتَابِي هَذَا مِنْهَا بِأَبْوَابٍ. (وَحَيْثُ أَقُولُ الْجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلَافُهُ أَوْ الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالْجَدِيدُ خِلَافُهُ) الْجَدِيدُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَصْنِيفًا أَوْ إفْتَاءً، وَرُوَاتُهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَحَرْمَلَةُ. وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي انْتَقَلَ أَخِيرًا إلَى مَذْهَبِ أَبِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ هُمْ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِذَلِكَ وَقَامُوا بِهِ، وَالْبَاقُونَ نُقِلَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءُ مَحْصُورَةٌ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ، وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ بِالْعِرَاقِ تَصْنِيفًا: وَهُوَ الْحُجَّةُ أَوْ أَفْتَى بِهِ، وَرُوَاتُهُ جَمَاعَةٌ أَشْهَرُهُمْ: الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالزَّعْفَرَانِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَالْكَرَابِيسِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَدْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا أَجْعَلُ فِي حِلٍّ مَنْ رَوَاهُ عَنِّي. وَقَالَ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ عَدُّ الْقَدِيمِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الصَّدَاقِ: غَيَّرَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ فِي الْجَدِيدِ إلَّا الصَّدَاقَ فَإِنَّهُ ضَرَبَ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْهُ وَزَادَ مَوَاضِعَ. وَأَمَّا مَا وُجِدَ بَيْنَ مِصْرَ وَالْعِرَاقِ، فَالْمُتَأَخِّرُ جَدِيدٌ، وَالْمُتَقَدِّمُ قَدِيمٌ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: قَدِيمٌ وَجَدِيدٌ فَالْجَدِيدُ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ نَحْوِ السَّبْعَةَ عَشْرَ أَفْتَى فِيهَا بِالْقَدِيمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَدْ تُتُبِّعَ مَا أَفْتَى فِيهِ بِالْقَدِيمِ فَوُجِدَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا قَوْلَانِ جَدِيدَانِ فَالْعَمَلُ بِآخِرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَبِمَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنْ قَالَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا كَانَ إبْطَالًا لِلْآخَرِ عِنْدَ الْمَازِنِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَكُونُ إبْطَالًا بَلْ تَرْجِيحًا، وَهَذَا أَوْلَى، وَاتَّفَقَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ فِي نَحْوِ سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَالَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا لَزِمَ الْبَحْثُ عَنْ أَرْجَحِهِمَا بِشَرْطِ الْأَهْلِيَّةِ، فَإِنْ أَشْكَلَ تُوُقِّفَ فِيهِ. وَنَبَّهَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُنَا عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ إفْتَاءَ الْأَصْحَابِ بِالْقَدِيمِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ اجْتِهَادَهُمْ أَدَّاهُمْ إلَى الْقَدِيمِ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نِسْبَتُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَمَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ لَهَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى بِالْجَدِيدِ، وَمَنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ وَالِاجْتِهَادِ فَالْمَذْهَبُ يُلْزِمُهُ اتِّبَاعَ مَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ فِي الْعَمَلِ وَالْفَتْوَى بِهِ مُبَيِّنًا أَنَّ هَذَا رَأْيُهُ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَدِيمٍ لَمْ يَعْضُدْهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ، فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ، وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَحَيْثُ أَقُولُ: وَفِي قَوْلٍ كَذَا فَالرَّاجِعُ خِلَافُهُ. وَمِنْهَا مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ أَضُمُّهَا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَلَّى الْكِتَابُ مِنْهَا وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا قُلْت، وَفِي آخِرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا وَجَدْتَهُ مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَاعْتَمِدْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا، وَكَذَا مَا وَجَدْتَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَاعْتَمِدْهُ فَإِنِّي حَقَّقْتُهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَقَدْ أُقَدِّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ لِمُنَاسَبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ   [مغني المحتاج] اعْتَضَدَ بِدَلِيلٍ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ: " إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي ". الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُمْ الْقَدِيمَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَحَلُّهُ فِي قَدِيمٍ نَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ: أَمَّا قَدِيمٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْجَدِيدِ لِمَا يُوَافِقُهُ وَلَا لِمَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ مَذْهَبُهُ. (وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ. وَالصَّحِيحُ أَوْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ (وَحَيْثُ أَقُولُ: وَفِي قَوْلِ كَذَا فَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يُشْعِرُ بِهِ، وَيَتَبَيَّنُ قُوَّةُ الْخِلَافِ وَضَعْفُهُ مِنْ مَدْرَكِهِ، فَمُرَادُهُ بِالضَّعِيفِ هُنَا خِلَافُ الرَّاجِحِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَعَلَ مُقَابِلَهُ الْأَصَحَّ تَارَةً وَالصَّحِيحَ أُخْرَى فَلَا يُعْلَمُ مَرَاتِبُ الْخِلَافِ مِنْ هَذَيْنِ وَلَا مِنْ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ (وَمِنْهَا مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ أَضُمُّهَا إلَيْهِ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ فِي مَظَانِّهَا (يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَلَّى الْكِتَابُ) أَيْ: الْمُخْتَصَرُ وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ (مِنْهَا) . قَالَ الشَّارِحُ: صَرَّحَ بِوَصْفِهَا الشَّامِلِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ: أَيْ: فِي قَوْلِهِ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ، وَزَادَ عَلَيْهِ يَنْبَغِي إلَخْ؛ إظْهَارًا لِلْعُذْرِ فِي زِيَادَتِهَا فَإِنَّهَا عَارِيَّةٌ عَنْ التَّنْكِيتِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا اهـ. أَيْ: أَنَّهُ لَا تَنْكِيتَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي زِيَادَةِ فُرُوعٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ؛ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى اسْتِيعَابِ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ حَتَّى يُنَكِّتَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ كَذَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا بِخِلَافِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْقُيُودِ وَاسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ، فَإِنَّ التَّنْكِيتَ يَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ أَوْ مَشَى عَلَى خِلَافِ الْمُصَحِّحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهِمَا: قُلْتُ وَفِي آخِرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِتَتَمَيَّزَ عَنْ مَسَائِلِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَزِيدَةِ كَقَوْلِهِ: قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَقَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْخَلَاءِ وَلَا يَتَكَلَّمُ، وَمَعْنَى: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ: مِنْ كُلِّ عَالِمٍ. (وَمَا وَجَدْتَهُ) أَيُّهَا النَّاظِرُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ) أَيْ: بِدُونِ قُلْتُ (وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَاعْتَمِدْهَا فَلَا بُدَّ مِنْهَا) كَزِيَادَةِ " كَثِيرٌ " وَ " فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ " فِي قَوْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ (وَكَذَا مَا وَجَدْتَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَاعْتَمِدْهُ فَإِنِّي حَقَّقْتُهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ) فِي نَقْلِهِ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِهِ الْمُعْتَمَدَةِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَنُونَ بِلَفْظِهِ بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَعْتَنُونَ غَالِبًا بِمَعْنَاهُ. (وَقَدْ أُقَدِّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ لِمُنَاسَبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ) مُرَاعَاةً لِتَسْهِيلِ حِفْظِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 ، وَرُبَّمَا قَدَّمْت فَصْلًا لِلْمُنَاسَبَةِ، وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِلْمُحَرَّرِ، فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ أَصْلًا وَلَا مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ وَاهِيًا مَعَ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَفِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا.   [مغني المحتاج] وَتَرْتِيبِهِ وَتَسْهِيلِ فَهْمِهِ وَتَقْرِيبِهِ، وَالْمُنَاسَبَةُ الْمُشَاكَلَةُ (وَرُبَّمَا قَدَّمْتُ فَصْلًا لِلْمُنَاسَبَةِ) كَمَا فَعَلَ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ فَإِنَّهُ أَخَّرَهُ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى الْجَزَاءِ، وَالْمُحَرَّرُ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ وَمَا فَعَلَهُ فِي الْمِنْهَاجِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَأَخَّرَهَا عَنْ الِاصْطِيَادِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَصْلَ التَّخْيِيرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مُنَاسِبٌ لَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِالِاصْطِيَادِ، فَتَقْدِيمُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ كَمَا لَا يَخْفَى (وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ) وَهُوَ الْكَشْفُ وَالتَّبْيِينُ (لِلْمُحَرَّرِ) أَيْ: لِدَقَائِقِهِ وَخَفِيِّ أَلْفَاظِهِ وَبَيَانِ صَحِيحِهِ وَمَرَاتِبِ خِلَافِهِ، وَمَحْمَلُ خِلَافِهِ هَلْ هُوَ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَوْ طَرِيقَانِ؟ وَمَا يَحْتَاجُ مِنْ مَسَائِلِهِ إلَى قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ تَصْوِيرٍ وَمَا غَلِطَ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا صَحَّحَ فِيهِ خِلَافَ الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الدَّقَائِقِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ شَرْحٌ لِلْمُحَرَّرِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ (فَإِنِّي لَا أَحْذِفُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ: لَا أُسْقِطُ (مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ أَصْلًا وَلَا مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ) أَيْ: الْخِلَافُ (وَاهِيًا) أَيْ ضَعِيفًا جِدًّا مَجَازًا عَنْ السَّاقِطِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ حَذَفَ مِنْ الْمُحَرَّرِ أَشْيَاءَ: مِنْهَا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي الْمُحَرَّرِ مَجْلِسَ الْخُلْعِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ هُنَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ حَذَفَ التَّفْرِيعَ عَلَى الْقَدِيمِ فِي ضَمَانِ مَا سَيَجِبُ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأُصُولُ فَلَا يُنَافِي حَذْفَ الْمُفَرَّعَاتِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَهَذَا أَوْلَى كَمَا مَرَّ (مَعَ مَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا: أَيْ: آتِي بِجَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَصْحُوبًا بِمَا (أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقَدْ شَرَعْتُ) مَعَ الْمَشْرُوعِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ) مِنْ حَيْثُ الِاخْتِصَارُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ هُوَ بَيَانُ دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ تَسْمِيَتَهُ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ مِنْ عَادَةِ الْمُصَنِّفِينَ وَلَكِنَّهُ سَمَّاهُ بِالْمِنْهَاجِ فِي مَوْضِعِ التَّرْجَمَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي تُكْتَبُ عَلَى ظَهْرِ الْخُطْبَةِ. وَالْمِنْهَاجُ وَالْمَنْهَجُ وَالنَّهْجُ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ: قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ) لِأَيِّ شَيْءٍ عَدَلَ عَنْهَا (وَفِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ) أَيْ: كَلِمَةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ (أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا بَيَّنَهُ (وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا) فَيُخِلُّ خُلُوُّهَا بِالْمَقْصُودِ، وَمِنْهَا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وَعَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي، وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي، وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ بِهِ لِي وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَرِضْوَانَهُ عَنِّي، وَعَنْ أَحِبَّائِي وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ.   [مغني المحتاج] لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ، كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ لَفْظَةِ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَيْضِ: فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَعَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي) فِي جَمِيعِ أُمُورِي، وَمِنْهَا إتْمَامُ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ يُقَدِّرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ. قَالَ الشَّارِحُ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ صَنَّفَ بَعْضَ الْمِنْهَاجِ قَبْلَ خُطْبَتِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَرَّ أَوْ إلَى تَوَفُّرِ الْآلَاتِ مَعَ التَّهْيِيءِ فَإِنَّهُ كَرِيمٌ جَوَادٌ لَا يَرُدُّ مَنْ سَأَلَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» (وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي) أَيْ: رَدُّ أُمُورِي؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ رَدُّ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إلَّا بِهِ (وَاسْتِنَادِي) فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ قَصَدَهُ وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ ثُمَّ قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ بِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ فَقَالَ (وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ) وَهُوَ ضِدُّ الضُّرِّ (بِهِ) أَيْ: الْمُخْتَصَرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (لِي) بِتَأْلِيفِهِ (وَلِسَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (الْمُسْلِمِينَ) وَيُطْلِقُ سَائِرَ أَيْضًا عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْهَرِيُّ غَيْرَهُ بِأَنْ يُلْهِمَهُمْ الِاعْتِنَاءَ بِهِ، بَعْضُهُمْ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ كَكِتَابَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَتَفَهُّمٍ وَشَرْحٍ، وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ بِوَقْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَنَفْعُهُمْ يَسْتَتْبِعُ نَفْعَهُ أَيْضًا: لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ (وَرِضْوَانَهُ عَنِّي) الرِّضَا وَالرِّضْوَانُ ضِدُّ السُّخْطِ (وَعَنْ أَحِبَّائِي) بِالتَّشْدِيدِ وَالْهَمْزِ جَمْعُ حَبِيبٍ: أَيْ: مَنْ أُحِبُّهُمْ (وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ تَكَرَّرَ بِهِ الدُّعَاءُ لِذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي مِنْهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَغَايَرَ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، فَكُلُّ إيمَانٍ إسْلَامٌ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَقِيلَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ وَاحِدٌ، وَفِي الْمَعْنَى وَالِاشْتِقَاقِ مُخْتَلِفَانِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ إيمَانٌ بِغَيْرِ إسْلَامٍ، وَلَا إسْلَامَ بِغَيْرِ إيمَانٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي الْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَشَرْطٌ عَلَى الثَّانِي، وَسُؤَالُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَنْفَعَ اللَّهُ - تَعَالَى - بِكِتَابِهِ مِمَّا يُرَغِّبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَابُ الدَّعْوَةِ، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ عُمْدَةً فِي الْمَذْهَبِ. وَإِذْ قَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى مَا قَصَدْنَاهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُطْبَةِ فَنَذْكُرُ طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِ الْمُصَنِّفِ تَبَرُّكًا بِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ: هُوَ الْحَبْرُ الْإِمَامُ قُطْبُ دَائِرَةِ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ الشَّيْخُ يَحْيَى مُحْيِي الدِّينِ أَبُو زَكَرِيَّا بْنِ شَرَفٍ الْحِزَامِيُّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا زَايٌ مُعْجَمَةٌ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ مُحَرِّرُ الْمَذْهَبِ، وَمُهَذِّبُهُ، وَمُحَقِّقُهُ، وَمُرَتِّبُهُ، الْمُتَّفَقُ عَلَى أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ وَوَرَعِهِ وَزَهَادَتِهِ وَسُؤْدُدِهِ وَسِيَادَتِهِ كَانَ ذَا كَرَامَاتٍ ظَاهِرَةٍ وَآيَاتٍ بَاهِرَةٍ وَسَطَوَاتٍ قَاهِرَةٍ، فَلِذَلِكَ أَحْيَا اللَّهُ - تَعَالَى - ذِكْرَهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَاعْتَرَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِعَظِيمِ بَرَكَاتِهِ وَنَفَعَ بِتَصَانِيفِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَكَادُ يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَا تَزَالُ الْقُلُوبُ عَلَى مَحَبَّةِ مَا أَلَّفَهُ مُؤْتَلِفَةً قَدْ دَأَبَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ حَتَّى فَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِي سِرِّهِ وَإِعْلَانِهِ. حَفِظَ التَّنْبِيهَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ، وَحَفِظَ رُبْعَ الْمُهَذَّبِ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ، وَمَكَثَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ لَا يَضَعُ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ دَرْسًا فِي عِدَّةٍ مِنْ الْعُلُومِ، وَكَانَ يُدِيمُ الصِّيَامَ وَلَا تَزَالُ مُقْلَتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] سَاهِرَةً، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ فَوَاكِهِ دِمَشْقَ لِمَا فِي ضِمْنِهَا مِنْ الشُّبَهِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ تَنَعُّمًا وَانْخَرَطَ فِي سِلْكِ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَكَانَ يَقْتَاتُ مِمَّا يَأْتِيهِ مِنْ قِبَلِ أَبَوَيْهِ كَفَافًا، وَيُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ الَّذِينَ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَزَوَّجْ إلَى أَنْ خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا مُعَافًى، وَلَا يَأْكُلُ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَا يَشْرَبُ إلَّا شَرْبَةً وَاحِدَةً عِنْدَ السَّحَرِ وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ الْمُبَرَّدَ الْمُلْقَى فِيهِ الثَّلْجُ، وَكَانَ كَثِيرَ السَّهَرِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّصْنِيفِ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهِيًا عَنْ الْمُنْكَرِ يُوَاجِهُ الْمُلُوكَ فَمَنْ دُونَهُمْ، وَحَجَّ حَجَّتَيْنِ مَبْرُورَتَيْنِ لَا رِيَاءَ فِيهِمَا وَلَا سُمْعَةَ، وَطَهَّرَ اللَّهُ مِنْ الْفَوَاحِشِ قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ وَسَمْعَهُ وَتَوَلَّى دَارَ الْحَدِيثِ الْأَشْرَفِيَّةَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَسِتّمِائَةٍ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَعْلُومِهَا شَيْئًا إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَكَانَ يَلْبَسُ ثَوْبًا قُطْنًا وَعِمَامَةً سُخْتِيَانِيَّةً وَفِي لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، وَعَلَيْهِ سَكِينَةٌ وَوَقَارٌ فِي حَالِ الْبَحْثِ مَعَ الْفُقَهَاءِ وَفِي غَيْرِهِ. وُلِدَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسِتّمِائَةٍ بِنَوَى ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى دِمَشْقَ، ثُمَّ سَافَرَ إلَى بَلَدِهِ، وَزَارَ الْقُدْسَ وَالْخَلِيلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَمَرِضَ بِهَا عِنْدَ أَبَوَيْهِ وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عَشَرَ شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتّمِائَةٍ وَدُفِنَ بِبَلَدِهِ، وَهَذِهِ إشَارَةٌ لَطِيفَةٌ ذَكَرْنَاهَا مِنْ بَعْضِ مَنَاقِبِهِ تَبَرُّكًا بِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَحَلَّهُ رِضَا رِضْوَانِهِ، وَمَتَّعَهُ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَبِالدَّانِي مِنْ ثِمَارِ جِنَانِهِ. وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِهَا الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ» وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ طَبْعًا فَقُدِّمَ وَضْعًا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا فَقَالَ: هَذَا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 كِتَابُ الطَّهَارَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] (كِتَابُ) بَيَانِ أَحْكَامِ (الطَّهَارَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ لُغَةً مَعْنَاهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، يُقَالُ: كَتَبْتُ كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ: إذَا اجْتَمَعُوا، وَكَتَبَ: إذَا خَطَّ بِالْقَلَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ، فَهُوَ إمَّا مَصْدَرٌ لَكِنْ لِضَمٍّ مَخْصُوصٍ، أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى مَكْتُوبٍ، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا دِرْهَمُ ضَرْبِ الْأَمِيرِ: أَيْ مَضْرُوبِهِ أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى الْجَامِعِ لِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ الْكَتْبِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ. وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْبَابِ وَبِالْفَصْلِ أَيْضًا، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قِيلَ: الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ غَالِبًا. وَالْبَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ غَالِبًا. وَالْفَصْلُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْبَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَسَائِلَ غَالِبًا. وَالْبَابُ لُغَةً: مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفَصْلُ لُغَةً هُوَ الْحَاجِزُ، وَالْكِتَابُ هُنَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مُضَافٌ إلَى مَحْذُوفَيْنِ كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَكَذَا كُلُّ كِتَابٍ وَبَابٍ وَفَصْلٍ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ. وَإِذَا قَدْ عَلِمْتَ ذَلِكَ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فِي كُلِّ كِتَابٍ أَوْ بَابٍ كَمَا فَعَلْتُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ اخْتِصَارًا. وَالطَّهَارَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ طَهُرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ يَطْهُرُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا. وَهِيَ: لُغَةً: النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ، يُقَالُ: تَطَهَّرَ بِالْمَاءِ، وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ: أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ. وَشَرْعًا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَبِمَعْنَى الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ أَوْ لِإِفَادَةِ بَعْضِ آثَارِهِ كَالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ جَوَازَ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي لَا جَرَمَ. وَقَدْ عَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ مُدْخِلًا فِيهَا الْأَغْسَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ   [مغني المحتاج] الْمَسْنُونَةَ وَنَحْوَهَا بِأَنَّهَا رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعَلَى صُورَتِهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى صُورَتِهِمَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا قَالَ: وَقَوْلُنَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا أَرَدْنَا بِهِ التَّيَمُّمَ وَالْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ، وَتَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَمَسْحَ الْأُذُنِ وَالْمَضْمَضَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ نَوَافِلِ الطَّهَارَةِ، وَطَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسَ الْبَوْلِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ، وَالرَّفْعُ مِنْ قِسْمِهَا فَلَا تُعَرَّفُ بِهِ، وَبِأَنَّ مَا لَا يَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا نَجَسًا لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا يَرْفَعُهُمَا، وَبِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ بِمَعْنَى الزَّوَالِ اهـ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا كَمَا قَالَ الْقَايَاتِيُّ أَنَّ التَّعْرِيفَ بِاعْتِبَارِ وَضْعٍ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ أَفْرَادَ وَضْعٍ آخَرَ. وَقَدَّمَ الْأَصْحَابُ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، وَالْمُعَامَلَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَالْمُنَاكَحَةِ عَلَى الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا دُونَهَا فِي الْحَاجَةِ، وَأَخَّرُوا الْجِنَايَاتِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهَا. وَالطَّهَارَةُ فِي التَّرْجَمَةِ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمِ الْآتِيَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَتِهَا مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] [الْفُرْقَانُ] أَيْ مُطَهِّرًا وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُطْلَقِ، وَافْتَتَحَ بِهَذِهِ الْآيَةِ تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا بِإِمَامِهِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، إذْ مِنْ عَادَتِهِ إذَا كَانَ فِي الْبَابِ آيَةٌ تَلَاهَا، أَوْ خَبَرٌ رَوَاهُ، أَوْ أَثَرٌ ذَكَرَهُ، ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْبَابِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَاقِي الْأَبْوَابِ اخْتِصَارًا. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ أَصْلًا فِي آلَتِهَا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ آلَةٍ، وَتِلْكَ الْآلَةُ مِنْهَا أَصْلٌ، وَهُوَ الْمَاءُ. وَمِنْهَا بَدَلٌ وَهُوَ غَيْرُهُ كَالتُّرَابِ وَأَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّلِيلُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَدْلُولِ فَمَا بَالُهُ عَكَسَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَسُقْهُ اسْتِدْلَالًا بَلْ تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا كَمَا مَرَّ، وَبِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ الْمُنْطَبِقَةِ عَلَى غَالِبِ مَسَائِلِ الْبَابِ، وَالدَّلِيلُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى لِيَنْطَبِقَ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] [الْأَنْفَالُ] مَعَ أَنَّهُ أَصَرْحُ فِي الدَّلَالَةِ كَمَا قِيلَ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُفِيدُ أَنَّ الطَّاهِرَ غَيْرُ الطَّهُورِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [المؤمنون: 18] [الْفُرْقَانُ] يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ: وَهُوَ تَعَالَى لَا يَمُنُّ بِنَجَسٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الطَّاهِرُ غَيْرَ الطَّهُورِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ فِي الْآيَةِ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ أَوْ السَّحَابُ؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِ الرَّوْضَةِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يُنَزِّلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الشَّيْءُ الْحَادِثُ، وَفِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ. وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ، وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ، بِخِلَافِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمَنْعَ هُوَ الْحُرْمَةُ: وَهِيَ تَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُقَيَّدًا بِنَحْوِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وَلَا فَرْقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وَالنَّجَسِ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ.   [مغني المحتاج] فِي الْحَدَثِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ - وَهُوَ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ - وَالْمُتَوَسِّطِ - وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ - وَالْأَكْبَرِ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ (وَ) لِإِزَالَةِ (النَّجَسِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الشَّيْءِ النَّجِسِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُسْتَقْذَرُ، وَفِي الشَّرْعِ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُخَفَّفِ كَبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ كَبَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَالْمُغَلَّظِ كَبَوْلِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَلِسَائِرِ الطِّهَارَاتِ وَاجِبَةً كَطَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ، وَمَنْدُوبَةً كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ غَيْرَ الِاسْتِحَالَةِ وَالتَّيَمُّمِ (مَاءٌ مُطْلَقٌ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْإِزَالَةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّجَسَ لَا يُوصَفُ بِالرَّفْعِ فِي الِاصْطِلَاحِ، لَكِنْ سَهَّلَهُ تَقَدُّمُ الْحَدَثِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، مَعَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الطَّهَارَاتِ كَمَا ذَكَرْتُهُ؛ لِأَنَّ رَفْعَهُمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الطَّهَارَةِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَلَى عَادَةِ الْمَشَايِخِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأُصُولِ (وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) بِإِضَافَةٍ. كَمَاءِ وَرْدٍ، أَوْ بِصِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ أَوْ فَاللَّامُ عَهْدٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» يَعْنِي الْمَنِيَّ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ الْقَيْدِ بِكَوْنِهِ لَازِمًا؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الَّذِي لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَاءِ الْبِئْرِ مَثَلًا يُطْلَقُ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَيْدِ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِنَا: غَيْرُ الْمُطْلَقِ هُوَ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ لَازِمٍ اهـ. وَيَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: الْمَطَرُ، وَذَوْبُ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَمَا نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ: مَاءُ الْعُيُونِ، وَالْآبَارِ، وَالْأَنْهَارِ، وَالْبِحَارِ، وَمَا نَبَعَ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِنْ ذَاتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي، وَهُوَ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ مُطْلَقًا، أَوْ نَبَعَ مِنْ الزُّلَالِ، وَهُوَ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ، وَمَا يَنْعَقِدُ مِلْحًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ يَتَنَاوَلُهُ فِي الْحَالِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدُ، أَوْ كَانَ رَشْحَ بُخَارِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً، وَيَنْقُصُ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: نَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا: يُسَمُّونَهُ بُخَارًا وَرَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْخَلُّ وَنَحْوُهُ، وَمَا لَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا كَمَا مَرَّ، وَتُرَابُ التَّيَمُّمِ وَحَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ، وَأَدْوِيَةُ الدَّبَّاغِ وَالشَّمْسُ وَالنَّارُ وَالرِّيحُ وَغَيْرُهَا حَتَّى التُّرَابُ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الْمُزِيلَ هُوَ الْمَاءُ بِشَرْطِ امْتِزَاجِهِ بِالتُّرَابِ فِي غَسْلَةٍ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] [النِّسَاءُ] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ لَمَا وَجَبَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدَثِ وَفِي إزَالَةِ: النَّجَسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَفَى غَيْرُهُ لَمَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ، وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدٌ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَحُمِلَ الْمَاءُ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى الْمُطْلَقِ لِتَبَادُرِ الْأَذْهَانِ إلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فَالْمُتَغَيِّرُ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ كَزَعْفَرَانٍ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ غَيْرُ طَهُورٍ،   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ فَالتَّطْهِيرُ بِهِ جَائِزٌ بِأَنَّهُ لَحْنٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَاءٌ مِلْحٌ، وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ: [الطَّوِيلُ] فَلَوْ تَفَلَتْ فِي الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ مَالِحٌ ... لَأَصْبَحَ مَاءُ الْبَحْرِ مِنْ رِيقِهَا عَذْبَا بَلْ فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ، مِلْحٌ وَمَالِحٌ وَمَلِيحٌ وَمِلَاحٌ وَلَكِنَّ فَهْمَهُ السَّقِيمَ أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: [الْوَافِرُ] وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ وَلَكِنْ تَأْخُذُ الْآذَانُ مِنْهُ ... عَلَى قَدْرِ الْقَرِيحَةِ وَالْفُهُومِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: لَا يَجُوزُ لِيُشْتَرَطَ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ الِاشْتِرَاطُ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ - يَجُوزُ - يُسْتَعْمَلُ تَارَةً بِمَعْنَى يَصِحُّ، وَتَارَةً بِمَعْنَى يَحِلُّ، وَتَارَةً يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ هُنَا يَصْلُحُ لَهُمَا اهـ. أَيْ فَيَكُونُ هُوَ الْمُرَادَ، فَنَفْيُ الْجَوَازِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَعًا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ كَمَا وَجَّهَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْمُهَذَّبِ فِي شَرْحِهِ أَيْ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِيُشْتَرَطُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِمَا بِالْمَنْطُوقِ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْبِيرُ بِلَا يَجُوزُ أَوْلَى كَمَا قِيلَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَفْظَةَ يُشْتَرَطُ تَقْتَضِي تَوَقُّفَ الرَّفْعِ عَلَى الْمَاءِ، وَلَفْظَةُ لَا يَجُوزُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَانِي وَلَا قَرِينَةَ، فَالتَّعْبِيرُ بِيُشْتَرَطُ أَوْلَى، وَرُدَّ بِمَنْعِ التَّرَدُّدِ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ الْمُشْتَرَكُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ عُمُومًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى جَمِيعِهَا هُنَا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَالتَّبْوِيبِ. وَأَوْرَدَ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُتَغَيِّرِ كَثِيرًا بِمَا لَا يُؤْثِرُ فِيهِ كَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَبِمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعَرَّ عَمَّا ذُكِرَ. . وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ، وَإِنَّمَا أُعْطِيَ حُكْمَهُ فِي جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: أَهْلُ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ لَا إيرَادَ، وَلَا يَرِدُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، وَلَا الْمُسْتَعْمَلُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ. فَائِدَةٌ: الْمَاءُ مَمْدُودٌ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَأَصْلُهُ مَوَهٌ، تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً، وَمِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَلَمْ يُحْوِجْ فِيهِ إلَى كَثِيرِ مُعَالَجَةٍ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَالْمُتَغَيِّرُ) بِشَيْءٍ (مُسْتَغْنًى) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا (عَنْهُ) طَاهِرٌ مُخَالِطٌ (كَزَعْفَرَانٍ) وَمَاءِ شَجَرٍ وَمَنِيٍّ وَمِلْحٍ جَبَلِيٍّ (تَغَيُّرًا يَمْنَعُ) لِكَثْرَتِهِ (إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ) عَلَيْهِ (غَيْرُ طَهُورٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ ذَلِكَ أَوْ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّغَيُّرُ حِسِّيًّا أَمْ تَقْدِيرِيًّا، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَائِعٌ يُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ كَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ، وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ، وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ كَعُودٍ وَدُهْنٍ، أَوْ بِتُرَابٍ طُرِحَ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] بِمُخَالِفٍ وَسَطٍ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذِنِ لِغَيْرِ ضُرٍّ بِأَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ جَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا الْمُنَاسِبُ لِلْوَاقِعِ فِيهِ فَقَطْ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ لِغِلَظِهِ فَلَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْخَلِيطُ حِسًّا وَلَا تَقْدِيرًا اسْتَعْمَلَهُ كُلَّهُ. وَكَذَا لَوْ اُسْتُهْلِكَتْ النَّجَاسَةُ الْمَائِعَةُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ الْمَاءُ وَحْدَهُ وَلَوْ كَمَّلَهُ بِمَائِعٍ يُسْتَهْلَكُ فِيهِ لَكَفَاهُ وَجَبَ تَكْمِيلُ الْمَاءِ بِهِ إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ مَاءِ مِثْلِهِ، أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَمَائِعٍ فَيُفْرَضُ مُخَالِفًا وَسَطًا لِلْمَاءِ فِي صِفَاتِهِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ، فَلَوْ ضُمَّ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا، وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَاءِ بِفَرْضِهِ مُخَالِفًا (وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ) يَسِيرٌ بِطَاهِرٍ (لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ) لَتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ، وَلِبَقَاءِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ فِي أَنَّ تَغَيُّرَهُ كَثِيرٌ أَوْ يَسِيرٌ، نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ كَثِيرًا ثُمَّ شَكَّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ الْآنَ يَسِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَمْ يَطْهُرْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَتَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ (1) ، (وَلَا) يَضُرُّ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ (مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ مَعَ إسْكَانِ كَافِهِ وَإِنْ فَحُشَ التَّغَيُّرُ (وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَبِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ (وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) كَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ وَنُورَةٍ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ أَوْرَاقُ شَجَرٍ تَنَاثَرَتْ وَتَفَتَّتَتْ وَاخْتَلَطَتْ وَإِنْ كَانَتْ رَبِيعِيَّةً أَوْ بَعِيدَةً عَنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهَا فَلَا يَمْنَعُ التَّغَيُّرُ بِهِ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَشْبَهَ التَّغَيُّرُ بِهِ فِي الصُّورَةِ التَّغَيُّرَ الْكَثِيرَ بِمُسْتَغْنًى عَنْهُ لَا إنْ طُرِحَتْ وَتَفَتَّتَتْ أَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ الطُّحْلُبُ أَوْ الزَّرْنِيخُ وَدُقَّ نَاعِمًا وَأُلْقِيَ فِيهِ فَغَيَّرَهُ فَإِنَّهُ يَضُرُّ أَوْ تَغَيَّرَ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ فِيهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا. (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ فِي الطَّهَارَةِ (مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ) طَاهِرٍ (كَعُودٍ وَدُهْنٍ) وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ وَكَافُورٍ صَلْبٍ (أَوْ بِتُرَابٍ) وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا (طُرِحَ) بِقَصْدٍ فِي غَيْرِ تُرَابِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ وَنَحْوِهَا (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ التُّرَابِ تَرَوُّحًا، وَفِي التُّرَابِ كُدُورَةٌ لَا يُمْنَعُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى إلَّا طِينًا رَطْبًا ضَرَّ. وَالثَّانِي: يَضُرُّ كَالْمُتَغَيِّرِ بِنَجَسٍ مُجَاوِرٍ فِي الْأَوَّلِ وَبِزَعْفَرَانٍ فِي الثَّانِي، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ وَبِطَهُورِيَّةِ التُّرَابِ، وَلِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ مُجَرَّدُ كُدْرَةٍ، وَمَا تَقَرَّرَ فِي التُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ هُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وَيُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ.   [مغني المحتاج] الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ صَبَّ الْمُتَغَيِّرُ بِمُخَالِطٍ لَا يَضُرُّ عَلَى مَا لَا تَغَيُّرَ فِيهِ فَتَغَيَّرَ بِهِ كَثِيرًا ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ (1) . وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ مُتَّجِهٌ، وَعَلَيْهِ يُقَالُ لَنَا مَاءَانِ تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا، وَلَا تَصِحُّ بِهِمَا مُخْتَلِطَيْنِ، وَالْمَخَالِطُ: هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. وَقِيلَ: مَا لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِخِلَافِ الْمُجَاوِرِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، فَالتُّرَابُ مُخَالِطٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَمُجَاوِرٌ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بَعْدَ رُسُوبِهِ، أَمَّا التَّغَيُّرُ بِتُرَابِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ وَنَحْوِهَا أَوْ بِتُرَابٍ تَهُبُّ بِهِ الرِّيحُ أَوْ طُرِحَ بِلَا قَصْدٍ كَأَنْ أَلْقَاهُ صَبِيٌّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يَضُرُّ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَحْسَنُ أَنَّ الْمُصَنِّفُ يَحْذِفُ الْمِيمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ: وَكَذَا مُتَغَيِّرٌ بِمُجَاوِرٍ فَيَقُولُ: وَلَا تَغَيُّرٌ بِمُكْثٍ، وَكَذَا تَغَيُّرٌ بِمُجَاوِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَصِحُّ التَّغَيُّرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ، بَلْ الْمُضِرُّ التَّغَيُّرُ، وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّرْتُهُ بِقَوْلِي فِي الطَّهَارَةِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ: فَائِدَةٌ: الْكَافُورُ نَوْعَانِ: خَلِيطٌ وَمُجَاوِرٌ وَكَذَا الْقَطْرَانُ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّغَيُّرِ بِالْكَتَّانِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِشَيْءٍ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ فَيَكُونُ كَالتَّغَيُّرِ بِمُخَالِطٍ (وَيُكْرَهُ) شَرْعًا تَنْزِيهًا الْمَاءُ (الْمُشَمَّسُ) أَيْ: مَا سَخَّنَتْهُ الشَّمْسُ أَيْ: اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِبِلَادٍ حَارَّةٍ: أَيْ تَقْلِبُهُ الشَّمْسُ عَنْ حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، فِي آنِيَةٍ مُنْطَبِعَةٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ، وَهِيَ كُلُّ مَا طُرِقَ كَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيَحْتَبِسَ الدَّمُ فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ بَدَنِهِ كَغَسْلِ ثَوْبِهِ فَلَا يُكْرَهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجِسٍ، وَلَوْ بِرَوْثِ نَحْوِ كَلْبٍ وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ وَقْفَةٌ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ عَنْهُ وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي بِلَادٍ بَارِدَةٍ أَوْ مُعْتَدِلَةٍ، وَبِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ فِي غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَالْخَزَفِ وَالْحِيَاضِ أَوْ فِي مُنْطَبِعِ نَقْدٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ أَنْ بَرَدَ. وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ بِهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّهُ إنْ بَقِيَ مَائِعًا كُرِهَ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَائِعًا كَالْخُبْزِ وَالْأَرُزِّ الْمَطْبُوخِ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ.   [مغني المحتاج] كَذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَبْرَصِ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ وَكَذَا فِي الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ (1) : وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ إنْ كَانَ الْبَرَصُ يُدْرِكُهُ كَالْخَيْلِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِالْآدَمِيِّ مِنْهُ ضَرَرٌ اتَّجَهَتْ الْكَرَاهَةُ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي سَقْيِ الْحَيَوَانِ مِنْهُ نَظَرٌ اهـ. وَيَنْبَغِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ (2) . وَغَيْرُ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ: قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ الْمُشَمَّسُ كَالسُّمِّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ مَظْنُونٌ بِخِلَافِ السُّمِّ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّهُ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ عُمَرَ لَمْ يَثْبُتْ. وَقِيلَ: إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا. وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَدْ رَوَى الْأَثَرَ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» (3) وَالْأَثَرُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ رَيْبٌ، وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ فَقَدْ غَيْرِهِ: أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَلَا يَتَيَمَّمُ بَلْ يَجِبُ شِرَاؤُهُ حَيْثُ يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ، وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا شَدِيدُ السُّخُونَةِ أَوْ الْبُرُودَةِ فِي الطَّهَارَةِ لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ، وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا فُقِدَ غَيْرُهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، وَيَحْرُمُ إنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا، وَيُكْرَهُ مِيَاهُ ثَمُودَ وَكُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ: وَهِيَ بِرْكَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَوْضِعِ دِيَارِهِمْ الَّتِي خُسِفَتْ، وَمَاءِ الْبِئْرِ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - مَسَخَ مَاءَهَا حَتَّى صَارَ كَنُقَاعَةِ الْحِنَّاءِ، وَمَسَخَ طَلْعَ النَّخِيلِ الَّتِي حَوْلَهَا حَتَّى صَارَ كَرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ لَا مَاءِ بِئْرِ النَّاقَةِ وَلَا مَاءِ بَحْرٍ وَلَا مَاءٍ مُتَغَيِّرٍ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا مَاءِ زَمْزَمَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ، نَعَمْ يُكْرَهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَاءُ زَمْزَمَ أَفْضَلُ مِنْ الْكَوْثَرِ: أَيْ فَيَكُونُ أَفْضَلَ الْمِيَاهِ؛ لِأَنَّ بِهِ غُسِلَ صَدْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَكُونُ يُغْسَلُ صَدْرَهُ إلَّا بِأَفْضَلِ الْمِيَاهِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَفْضَلَ الْمِيَاهِ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْمُرَادُ بِالْمُشَمَّسِ الْمُتَشَمِّسُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ تَشْمِيسُهُ كَمَا حُوِّلَتْ الْعِبَارَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ الْعِبَارَةِ (وَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (الْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ) عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 قِيلَ وَنَفْلُهَا غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ،   [مغني المحتاج] حَدَثٍ كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى فِيهِ (قِيلَ: وَنَفْلُهَا) كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَالْغُسْلُ الْمَسْنُونُ وَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ طَاهِرٌ (غَيْرُ طَهُورٍ فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا لَا يَحْتَرِزُونَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا عَمَّا يَتَقَاطَرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ جَابِرًا فِي مَرَضٍ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ وَضُوئِهِ» وَكَانُوا مَعَ قِلَّةِ مِيَاهِهِمْ لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ لِلِاسْتِعْمَالِ ثَانِيًا، بَلْ انْتَقَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ، وَلَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ طَهُورٌ لِوَصْفِ الْمَاءِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِلَفْظِ طَهُورٍ الْمُقْتَضِي تَكَرُّرَ الطَّهَارَةِ بِهِ كَضَرُوبٍ لِمَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الضَّرْبُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَعُولًا يَأْتِي اسْمًا لِلْآلَةِ كَسَحُورٍ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ طَهُورٌ كَذَلِكَ، وَلَوْ سُلِّمَ اقْتِضَاؤُهُ التَّكْرَارَ، فَالْمُرَادُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ثُبُوتُ ذَلِكَ لِجِنْسِ الْمَاءِ أَوْ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُطَهِّرُ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ الشَّخْصُ بِتَرْكِهِ كَحَنَفِيٍّ تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ أَمْ لَا كَصَبِيٍّ إذْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا مِنْ وُضُوءٍ وَلَا أَثَرَ لِاعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَاءَ الْحَنَفِيِّ فِيمَا ذَكَرَ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ؛ لِأَنَّ الرَّابِطَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ دُونَ الطَّهَارَاتِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِعْمَالِ قَدْ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَنِيَّةُ الْإِمَامِ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَنِّ الْمَأْمُومِ. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَقِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ: إنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْقِيقِهِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ مُطْلَقٌ وَلَكِنْ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَسَيَأْتِي الْمُسْتَعْمَلُ فِي النَّجَاسَةِ فِي بَابِهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْجَدِيدِ طَهُورٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَخَرَجَ بِنَفْلِ الطَّهَارَةِ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ، فَالْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ طَهُورٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ، وَمِنْ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءُ غَسْلٍ بَدَلَ مَسْحٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ خُفٍّ وَمَاءُ غُسْلِ كَافِرَةٍ لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ، وَمَاءُ غُسْلِ مَيِّتٍ، وَمَاءُ غُسْلِ مَجْنُونَةٍ لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ. فَإِنْ قِيلَ: يَدْخُلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ الْغَسْلَةُ الْأُولَى مِنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَمِنْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضٌ وَسُنَّةٌ فَيَصْدُقُ عَلَى الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنْهُمَا أَنَّهَا فَرْضُ الطَّهَارَةِ وَلَيْسَتْ مَحَلَّ جَزْمٍ عَلَى الْجَدِيدِ، بَلْ هِيَ مِنْ مَحَلِّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا أَدَّى بِهِ عِبَادَةً غَيْرَ مَفْرُوضَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَانَ أَوْلَى. وَأُورِدَ عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءٌ غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ، وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْخَبَثُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ. وَأَجَابَ شَيْخُنَا عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْبَغَوِيِّ (1) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 فَإِنْ جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ، وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ فَرِيضَةٍ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ أَصَالَةً (فَإِنْ جُمِعَ) الْمُسْتَعْمَلُ عَلَى الْجَدِيدِ (فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسِ لَوْ جُمِعَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ: أَيْ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ صَارَ طَهُورًا قَطْعًا، فَالْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى. وَالثَّانِي لَا يَعُودُ طَهُورًا؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُ صَارَتْ مُسْتَوْفَاةً بِالِاسْتِعْمَالِ فَالْتُحِقَ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ: وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ (ا) . وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْمَحَلِّ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ لِلضَّرُورَةِ، فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ الْجَنَابَةِ، وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الِاسْتِعْمَالِ بَاقِيَةٌ إلَى الِانْفِصَالِ، وَالْمَاءُ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْحَدَثِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا لَوْ كَانَ بِهِ خَبَثٌ بِمَحَلَّيْنِ فَمَرَّ الْمَاءُ بِأَعْلَاهُمَا ثُمَّ بِأَسْفَلِهِمَا طَهَرَا مَعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ نَزَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ ثُمَّ اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ وَصَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي اغْتَرَفَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي (2) وَالرُّويَانِيُّ (3) وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ، وَلَوْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ طَهَرَا أَوْ مُرَتَّبًا، وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، فَالْأَوَّلُ فَقَطْ أَوْ نَوَيَا مَعًا فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُمَا عَنْ بَاقِيهِمَا، وَلَوْ شَكَّا فِي الْمَعِيَّةِ قَالَ شَيْخُنَا: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ؛ لِأَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ، وَسَلْبُهَا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَالْمَاءُ الْمُتَرَدِّدُ عَلَى عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ وَعَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ وَعَلَى الْمُتَنَجِّسِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ،   [مغني المحتاج] فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ أَوْ تَقَاطَرَ مِنْ عُضْوٍ، وَلَوْ مِنْ عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَعَمْ مَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ كَمِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ وَعَكْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلْعُذْرِ، وَإِنْ خَرَقَهُ الْهَوَاءُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَلَوْ غَرَفَ بِكَفِّهِ جُنُبٌ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ أَوْ مُحْدِثٌ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ الْغَسْلَةَ الْأُولَى عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ أَوْجَهُ إنْ لَمْ يُرِدْ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ بِأَنْ نَوَى اسْتِعْمَالًا أَوْ أَطْلَقَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ بَاقِيَ يَدِهِ لَا غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ بِأَنْ قَصَدَ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ وَالْغَسْلَ بِهِ خَارِجَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ نَفْيُ رَفْعِ الْحَدَثِ (وَلَا تَنْجُسُ قُلَّتَا الْمَاءِ) الصِّرْفِ (بِمُلَاقَاةِ نَجِسٍ) جَامِدٍ أَوْ مَائِعٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . قَالَ الْحَاكِمُ (1) عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَسُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» : أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ، وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ، وَيَشُقُّ حِفْظُهُ عَنْ النَّجَسِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الصِّرْفِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مَائِعٌ يُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ وَفَرَضْنَاهُ مُخَالِفًا فَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَحَكَمْنَا بِطَهُورِيَّتِهِ وَكَأَنَّ الْمَاءَ الصِّرْفَ يَنْقُصُ عَنْ قُلَّتَيْنِ بِقَدْرِ الْمَائِعِ الْوَاقِعِ فِيهِ فَصَارَ قُلَّتَيْنِ وَوَقَعَتْ فِيهِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ قُلَّتَيْنِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ قُلَّتَانِ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ. وَاسْتُشْكِلَ بِتَصْحِيحِهِمْ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ غَيْرَ كَافٍ لِلطَّهَارَةِ، وَنَزَّلُوا الْمَائِعَ الْمُسْتَهْلَكَ مَنْزِلَةَ الْمَاءِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ مِنْ بَابِ الرَّفْعِ، وَدَفْعُ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ. قَاعِدَةٌ: وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ، وَالدَّافِعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ إذَا وَرَدَ عَلَى نَجَاسَةٍ طَهَّرَهَا، وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ النَّجَاسَةَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ. وَبِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ كَانَ فِي عَوْدِهِ طَهُورًا وَجْهَانِ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ قُلَّتَيْنِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا اُسْتُعْمِلَ، وَهُوَ قُلَّتَانِ كَانَ دَافِعًا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَإِذَا جُمِعَ كَانَ رَافِعًا، وَالدَّفْعُ أَقْوَى مِنْ الرَّفْعِ كَمَا مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحُكْمِ بِتَنْجِيسِهِ أَنَّهُ لَوْ انْغَمَسَ فِيهِ جُنُبٌ صَارَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ لَا يَدْفَعُ الِاسْتِعْمَالَ: نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 فَإِنْ غَيَّرَهُ فَنَجِسٌ. فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَاءٍ طَهُرَ، أَوْ بِمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ فَلَا،   [مغني المحتاج] شَكَّ فِي كَوْنِهِ قُلَّتَيْنِ، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَنْجُسُ أَوْ لَا؟ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي، بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ؛ إذْ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَشَكَكْنَا فِي نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ؛ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ إنْ جَمَعَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَشَكَّ فِي وُصُولِهِ قُلَّتَيْنِ فَالْأَصْلُ الْقِلَّةُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَأَخَذَ مِنْهُ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْكَثْرَةِ، وَإِنْ وَرَدَ نَجَسٌ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ فَهَذَا مَحَلُّ التَّرَدُّدِ. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ تَأَخَّرَ؟ وَالتَّفْصِيلُ هُنَاكَ ضَعِيفٌ فَكَذَا هُنَا (فَإِنْ غَيَّرَهُ) أَيْ: غَيَّرَ النَّجَسُ الْمُلَاقِي الْمَاءَ الْقُلَّتَيْنِ وَلَوْ يَسِيرًا حِسًّا أَوْ تَقْدِيرًا (فَنَجِسٌ) بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» كَمَا خَصَّصَهُ مَفْهُومُ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ السَّابِقِ، فَالتَّغْيِيرُ الْحِسِّيُّ طَاهِرٌ، وَالتَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ تُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ كَبَوْلٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ، وَلَوْ فُرِضَ مُخَالِفًا لَهُ فِي أَغْلَظِ الصِّفَاتِ كَلَوْنِ الْحِبْرِ، وَطَعْمِ الْخَلِّ، وَرِيحِ الْمِسْكِ لَغَيَّرَهُ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَاكْتُفِيَ هُنَا بِأَدْنَى تَغَيُّرٍ وَاعْتُبِرَ الْأَغْلَظُ فِي الصِّفَاتِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّغَيُّرِ بِالطَّاهِرِ فِيهِمَا لِغِلَظِ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْمَاءِ فَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا بِقُلَّتَيْنِ وَالْبَاقِي إنْ قَلَّ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، فَلَوْ غَرَفَ دَلْوًا مِنْ مَاءِ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَلَمْ يَغْرِفْهَا مَعَ الْمَاءِ فَبَاطِنُ الدَّلْوِ طَاهِرٌ لِانْفِصَالِ مَا فِيهِ عَنْ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَا ظَاهِرُهَا لِتَنَجُّسِهِ بِالْبَاقِي الْمُتَنَجِّسِ بِالنَّجَاسَةِ لِقِلَّتِهِ، فَإِنْ دَخَلَتْ مَعَ الْمَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فِي الدَّلْوِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَتَأْنِيثُ الدَّلْوِ أَفْصَحُ مِنْ تَذْكِيرِهِ (فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ) الْحِسِّيُّ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ (بِنَفْسِهِ) بِأَنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ كَأَنْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ (أَوْ بِمَاءٍ) انْضَمَّ إلَيْهِ بِفِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ نَجِسًا أَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ: أَيْ نَقَصَ وَالْبَاقِي قُلَّتَانِ، وَصَوَّرَهُ فِي شَرْحِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْإِنَاءُ مُخْتَنِقًا لَا يَدْخُلُهُ الرِّيحُ، فَإِذَا نَقَصَ دَخَلَتْهُ وَقَصَّرَتْهُ (طَهُرَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ، وَلَا يَضُرُّ عَوْدُ تَغَيُّرِهِ إنْ خَلَا عَنْ نَجَسٍ جَامِدٍ، وَيُعْرَفُ زَوَالُ تَغَيُّرِهِ التَّقْدِيرِيِّ بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ لَوْ كَانَ تَغَيُّرُهُ حِسِّيًّا لَزَالَ تَغَيُّرُهُ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهِ غَدِيرٌ فِيهِ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ أَوْ بِمَاءٍ صُبَّ عَلَيْهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا زَالَ تَغَيُّرُهُ (أَوْ) زَالَ تَغَيُّرُهُ ظَاهِرًا كَأَنْ زَالَ رِيحُهُ (بِمِسْكٍ وَ) لَوْنُهُ بِنَحْوِ (زَعْفَرَانٍ) وَطَعْمُهُ بِنَحْوِ خَلٍّ (فَلَا) يَطْهُرُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَطْرُوحُ فَسَتَرَهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ عَوْدِ الطَّهُورِيَّةِ احْتِمَالُ أَنَّ التَّغَيُّرَ اسْتَتَرَ وَلَمْ يَزُلْ فَكَيْفَ يَعْطِفُهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا جَزَمَ فِيهِ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ وَذَلِكَ تَهَافُتٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ زَوَالُهُ ظَاهِرًا كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِتَارُهُ بَاطِنًا، فَلَوْ طُرِحَ مِسْكٌ عَلَى مُتَغَيِّرِ الطَّعْمِ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ طَهُرَ، إذْ الْمِسْكُ لَيْسَ لَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وَكَذَا تُرَابٌ وَجِصٌّ فِي الْأَظْهَرِ، وَدُونَهُمَا يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ، فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ وَلَا تَغَيُّرَ بِهِ فَطَهُورٌ.   [مغني المحتاج] طَعْمٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي (وَكَذَا) لَا يَطْهُرُ ظَاهِرًا إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ (تُرَابٌ وَجِصٌّ) أَيْ جِبْسٌ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَنَوْرَةٍ لَمْ تُطْبَخْ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلشَّكِّ الْمَذْكُورِ. وَالثَّانِي: يَطْهُرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُسْتَرُ التَّغْيِيرُ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يُكَدِّرُ الْمَاءَ، وَالْكُدْرَةُ مِنْ أَسْبَابِ السَّتْرِ، فَإِنْ صَفَا الْمَاءُ، وَلَا تَغَيُّرَ فِيهِ طَهُرَ هُوَ وَالتُّرَابُ مَعَهُ جَزْمًا. فَائِدَةٌ: الْجِصُّ: مَا يُبْنَى بِهِ وَيُطْلَى، وَكَسْرُ جِيمِهِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا: وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَتُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ بِالْجِبْسِ، وَهُوَ لَحْنٌ (وَدُونَهُمَا) أَيْ وَالْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ (يَنْجُسُ) هُوَ وَرُطَبُ غَيْرِهِ كَزَيْتٍ وَإِنْ كَثُرَ (بِالْمُلَاقَاةِ) لِلنَّجَاسَةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً: أَمَّا الْمَاءُ فَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ السَّابِقِ الْمُخَصِّصِ لِمَنْطُوقِ حَدِيثِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» السَّابِقِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» نَهَاهُ عَنْ الْغَمْسِ خَشْيَةَ النَّجَاسَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إذَا خَفِيَتْ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ، فَلَوْلَا أَنَّهَا تُنَجِّسُهُ بِوُصُولِهَا لَمْ يَنْهَهُ: نَعَمْ إنْ وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي بَابِهَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَاءِ فَبِالْأَوْلَى، وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ وَيَشُقُّ حِفْظُهُ مِنْ النَّجَسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ تَنَجَّسَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَثَلًا ثُمَّ غَسَلَ إحْدَى يَدَيْهِ وَشَكَّ فِي الْمَغْسُولِ أَهُوَ يَدُهُ الْيُمْنَى أَمْ الْيُسْرَى ثُمَّ أَدْخَلَ الْيُسْرَى فِي مَائِعٍ لَمْ يَنْجُسْ الْمَائِعُ بِغَمْسِ الْيَدِ الْيُسْرَى فِيهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي. قَالَ: لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَقَدْ اعْتَضَدَ بِاحْتِمَالِ طَهَارَةِ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَيُعْفَى عَمَّا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي حِيَاضِ الْأَخْلِيَةِ، وَعَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ الْوَاقِعِ فِيهَا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ مَا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْجَامِدُ الْخَالِي عَنْ رُطُوبَةٍ عِنْدَ الْمُلَاقَاةِ بِالْمُؤَثِّرَةِ غَيْرُهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدَّرْتُ الْمَاءَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِأَجْلِ مُوَافَقَةِ سِيبَوَيْهِ وَجُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ دُونَ عِنْدَهُمْ ظَرْفٌ لَا يَتَصَرَّفُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا أُضِيفَ إلَى مَبْنِيٍّ كَالْوَاقِعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ الْأَخْفَشُ: يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَبْنِيٍّ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَجِبُ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ (فَإِنْ بَلَغَهُمَا) أَيْ: الْمُتَنَجِّسُ قُلَّتَيْنِ (بِمَاءٍ) وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا وَمُتَنَجِّسًا وَمُتَغَيِّرًا بِنَحْوِ زَعْفَرَانٍ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا تَغَيُّرَ بِهِ فَطَهُورٌ) لِزَوَالِ الْعِلَّةِ. وَهِيَ الْقِلَّةُ حَتَّى لَوْ فُرِّقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ، وَيَكْفِي الضَّمُّ وَإِنْ لَمْ يَمْتَزِجْ صَافٍ بِكَدِرٍ لِحُصُولِ الْقُوَّةِ بِالضَّمِّ، لَكِنْ إنْ انْضَمَّا بِفَتْحِ حَاجِزٍ اُعْتُبِرَ اتِّسَاعُهُ وَمُكْثُهُ زَمَنًا يَزُولُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَوْ كَانَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: وَغَمْسُ كُوزِ مَاءٍ وَاسِعِ الرَّأْسِ فِي مَاءٍ كَمَّلَهُ قُلَّتَيْنِ وَسَاوَاهُ بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ مُمْتَلِئًا أَوْ امْتَلَأَ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِيهِ وَمَكَثَ قَدْرًا يَزُولُ فِيهِ تَغَيُّرٌ لَوْ كَانَ وَاحِدُ الْمَاءَيْنِ نَجِسًا أَوْ مُسْتَعْمَلًا طَهُرَ؛ لِأَنَّ تَقَوِّي أَحَدِ الْمَاءَيْنِ بِالْآخَرِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ ضَيِّقَ الرَّأْسِ أَوْ وَاسِعَهُ بِحَيْثُ يَتَحَرَّكُ مَا فِيهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ تَحَرُّكًا عَنِيفًا، لَكِنْ لَمْ يَكْمُلْ الْمَاءُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 فَلَوْ كُوثِرَ بِإِيرَادِ طَهُورٍ فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا لَمْ يَطْهُرْ، وَقِيلَ طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ وَيُسْتَثْنَى مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا عَلَى الْمَشْهُورِ.   [مغني المحتاج] قُلَّتَيْنِ أَوْ كَمُلَ لَكِنْ لَمْ يَمْكُثْ زَمَنًا يَزُولُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَوْ كَانَ أَوْ مَكَثَ، لَكِنْ لَمْ يُسَاوِهِ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ وَلَا يَنْجُسُ أَسْفَلُ مَا يَفُورُ بِتَنَجُّسِ أَعْلَاهُ كَعَكْسِهِ، وَلَوْ وُضِعَ كُوزٌ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَمَاؤُهُ خَارِجٌ مِنْ أَسْفَلِهِ لَمْ يَنْجُسْ مَا فِيهِ مَا دَامَ يَخْرُجُ، فَإِنْ تَرَاجَعَ تَنَجَّسَ كَمَا لَوْ سُدَّ بِنَجَسٍ. مُهِمَّةٌ: إذَا قَلَّ مَاءُ الْبِئْرِ وَتَنَجَّسَ لَمْ يَطْهُرْ بِالنَّزْحِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى، نَجِسًا وَقَدْ تَنْجُسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ أَيْضًا بِالنَّزْحِ بَلْ بِالتَّكْثِيرِ كَأَنْ يُتْرَكَ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ لِيَكْثُرَ، وَلَوْ كَثُرَ الْمَاءُ وَتَفَتَّتَ فِيهِ شَيْءٌ نَجِسٌ كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا فَهُوَ طَهُورٌ تَعَسَّرَ اسْتِعْمَالُهُ بِاغْتِرَافِ شَيْءٍ مِنْهُ كَدَلْوٍ؛ إذْ لَا تَخْلُو مِمَّا تَمَعَّطَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ الْمَاءُ كُلُّهُ لِيَخْرُجَ الشَّعْرُ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فَوَّارَةً وَتَعَسَّرَ نَزْحُ الْجَمِيعِ نُزِحَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الشَّعْرَ كُلَّهُ خَرَجَ مَعَهُ، فَإِنْ اغْتَرَفَ مِنْهُ قَبْلَ النَّزْحِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ فِيمَا اغْتَرَفَهُ شَعْرًا لَمْ يَضُرَّ (فَلَوْ كُوثِرَ) الْمُتَنَجِّسُ الْقَلِيلُ (بِإِيرَادِ) مَاءٍ (طَهُورٍ) أَيْ أُورِدَ عَلَيْهِ طَهُورٌ أَكْثَرُ مِنْهُ (فَلَمْ يَبْلُغْهُمَا لَمْ يَطْهُرْ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيل فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَلِأَنَّ الْمَعْهُودَ فِي الْمَاءِ أَنْ يَكُونَ غَاسِلًا لَا مَغْسُولًا (وَقِيلَ) هُوَ (طَاهِرٌ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ قِيَاسًا لِلْمَاءِ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِي الْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَلِيلُ مُتَغَيِّرًا أَمْ لَا (لَا طَهُورٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَغْسُولٌ فَهُوَ كَالثَّوْبِ، فَلَوْ انْتَفَتْ الْكَثْرَةُ أَوْ انْتَفَى الْإِيرَادُ أَوْ الطَّهُورِيَّةُ أَوْ كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ لَمْ يَطْهُرْ جَزْمًا، فَهَذِهِ الْقُيُودُ شَرْطٌ لِلْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ لَا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِهَا، فَلَوْ قَالَ: فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُمَا لَمْ يَطْهُرْ، وَقِيلَ إنْ كُوثِرَ إلَخْ فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَانَ أَوْلَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا هُنَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرٍ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ، وَهِيَ مَعَهُ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهَا. أَيْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا مُغَايَرًا لِمَا قَبْلَهَا كَقَوْلِكَ: جَاءَ رَجُلٌ لَا امْرَأَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِكَ: جَاءَ رَجُلٌ لَا زَيْدٌ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَصْدُقُ عَلَى زَيْدٍ (وَيُسْتَثْنَى) مِنْ النَّجَسِ (مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا) أَصَالَةً (سَائِلٌ) أَيْ لَا يَسِيلُ دَمُهَا عِنْدَ شِقِّ عُضْوٍ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا كَزُنْبُورٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَعَقْرَبٍ وَوَزَغٍ وَذُبَابٍ وَقَمْلٍ وَبَرْغُوثٍ لَا نَحْوِ حَيَّةٍ وَضُفْدَعٍ وَفَأْرَةٍ (فَلَا تُنَجِّسُ مَائِعًا) مَاءً أَوْ غَيْرَهُ بِوُقُوعِهَا فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطْرَحَهَا طَارِحٌ، وَلَمْ تُغَيِّرْهُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً أَيْ: وَهُوَ الْيَسَارُ كَمَا قِيلَ وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» زَادَ أَبُو دَاوُد «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» وَقَدْ يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ، فَلَوْ نَجِسَ الْمَائِعُ لَمَا أَمَرَ بِهِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ نَزَعَهَا بِأُصْبُعِهِ أَوْ عُودٍ بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَتَنَجَّسْ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَدَّ مَا نَزَعَ بِهِ فِي الْمَائِعِ وَنَزَعَ بِهِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ لَمْ يَنْجُسْ الْمَائِعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى أُصْبُعِهِ أَوْ الْعُودِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَائِعِ انْفَصَلَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا فَلَوْ شَكَكْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وَكَذَا فِي قَوْلٍ نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ. قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] فِي سَيْلِ دَمِهَا امْتَحَنَ بِجِنْسِهَا فَتُجْرَحُ لِلْحَاجَةِ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا، لَكِنْ لَا دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا فَلَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالثَّانِي تُنَجِّسُهُ. قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: وَهُوَ الْقِيَاسُ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ النَّجِسَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَنْشَأْ فِيهِ فَإِنْ نَشَأَتْ فِيهِ وَمَاتَتْ كَالْعَلَقِ وَدُودِ الْخَلِّ لَمْ تُنَجِّسْهُ جَزْمًا، فَإِنْ غَيَّرَتْهُ الْمَيْتَةُ لِكَثْرَتِهَا أَوْ طُرِحَتْ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا تَنَجَّسَ جَزْمًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرَيْنِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِمَا: بَعْدَ مَوْتِهَا قَصْدًا أَنَّهُ لَوْ طَرَحَهَا شَخْصٌ بِلَا قَصْدٍ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا عَلَى مَكَان آخَرَ فَوَقَعَتْ فِي الْمَائِعِ أَوْ أَخَذَ الْمَيْتَةَ لِيُخْرِجَهَا فَوَقَعَتْ فِيهِ بَعْدَ رَفْعِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى رَمْيِهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ بَلْ قَصَدَ إخْرَاجَهَا فَوَقَعَتْ فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ طَرَحَهَا مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ قَصَدَ طَرْحَهَا فِيهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَاتَتْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَضَعَ خِرْقَةً عَلَى إنَاءٍ وَصُفِّيَ بِهَا هَذَا الْمَائِعُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيْتَةُ بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْمَائِعَ، وَفِيهِ الْمَيْتَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ ثُمَّ يَتَصَفَّى عَنْهَا الْمَائِعُ وَتَبْقَى هِيَ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ، لَا أَنَّهُ طَرْحُ الْمَيْتَةِ فِي الْمَائِعِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ مِنْ الْمَائِعِ أَوْ مِنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى قِلَّتِهِ لَمْ يَطْهُرْ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي. فَإِنْ بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ (وَكَذَا فِي قَوْلٍ نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ) أَيْ لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ لِقِلَّتِهِ لَا لِمُوَافَقَةِ لَوْنِ مَا اتَّصَلَ بِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَخَمْرٍ وَمَا تَعَلَّقَ بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابَةٍ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي النَّجَاسَاتِ (قُلْتُ ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ) مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ التَّنْجِيسُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ عَنْ الْمُعْظَمِ. وَمَجْمُوعُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ سَبْعُ طُرُقٍ: إحْدَاهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ: قَوْلَانِ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ، وَالثَّانِيَةُ: يُؤَثِّرُ فِيهِمَا قَطْعًا، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالثَّالِثَةُ: لَا يُؤَثِّرُ فِيهِمَا قَطْعًا. وَالرَّابِعَةُ: يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ، وَفِي الثَّوْبِ قَوْلَانِ. وَالْخَامِسَةُ: عَكْسُ ذَلِكَ. وَالسَّادِسَةُ: يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ دُونَ الثَّوْبِ قَطْعًا. وَالسَّابِعَةُ: عَكْسُهُ. وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ فِي الْعَفْوِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ قَوِيٌّ، لَكِنْ قَالَ الْجِيلِيُّ صُورَتُهُ أَنْ يَقَعَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَهُ حُكْمُ مَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ. قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 وَالْجَارِي كَرَاكِدٍ،   [مغني المحتاج] ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إشَارَةٌ إلَيْهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَوْجَهُ تَصْوِيرُهُ بِالْيَسِيرِ عُرْفًا وَهُوَ حَسَنٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْمَشَقَّةِ، وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ، وَعَطْفُ الْمُصَنِّفِ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ يَقْتَضِي طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ وَالْمَائِعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ التَّنْبِيهِ يُفْهِمُ تَنَجُّسَ الْمَائِعِ بِهِ جَزْمًا، وَلِذَلِكَ قُلْتُ فِي شَرْحِهِ: وَغَيْرُ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ كَالْمَاءِ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ وَعَنْ الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ شَعْرِ نَجِسٍ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ: كَلْبٍ، وَعَنْ كَثِيرِهِ مِنْ مَرْكُوبٍ وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ وَغُبَارِ سِرْجِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الرِّيحُ كَالذَّرِّ وَعَنْ حَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَائِعِ لِلْمَشَقَّةِ فِي صَوْنِهِ، وَلِهَذَا لَا يُعْفَى عَنْ آدَمِيٍّ مُسْتَجْمِرٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِلَا خِلَافٍ، وَعَنْ الدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مِنْ هِرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ غَابَ وَأَمْكَنَ وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا ثُمَّ وَلَغَ فِي طَاهِرٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِنَجَاسَةِ فَمِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ نَجَاسَتُهُ وَطَهَارَةُ الْمَاءِ، وَقَدْ اعْتَضَدَ أَصْلُ طَهَارَةِ الْمَاءِ بِاحْتِمَالِ وُلُوغِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فِي الْغَيْبَةِ فَرُجِّحَ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَلَا يُسْتَثْنَى مَسْأَلَةُ الْهِرَّةِ: أَيْ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَثْنَاهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَمُهَا طَاهِرًا؛ إذْ لَوْ تَحَقَّقَ نَجَاسَتُهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهِ وَارِدٌ عَلَى مُحَقَّقِ النَّجَاسَةِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ طَهَارَةَ فَمِ الْهِرَّةِ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَتَأْخُذُ مِنْهُ الشَّيْءَ الْقَلِيلَ وَلَا تَلَغُ فِي الْمَاءِ بِحَيْثُ يَطْهُرُ فَمُهَا مِنْ أَكْلِ الْفَأْرَةِ أَيْ مَثَلًا فَلَا يُفِيدُ احْتِمَالُ مُطْلَقِ الْوُلُوغِ احْتِمَالَ عَوْدِ فَمِهَا إلَى الطَّهَارَةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا اُحْتُمِلَ طَهَارَةُ الْفَمِ، وَالِاحْتِمَالُ مَوْجُودٌ بِأَنْ تَكُونَ وَضَعَتْ جَمِيعَ فَمِهَا فِي الْمَاءِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الَّذِي لَاقَى الْمَاءَ مِنْ فَمِهَا وَلِسَانِهَا يَطْهُرُ بِالْمُلَاقَاةِ، وَمَا لَا يُلَاقِيهِ يَطْهُرُ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّنَا قِلَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ (وَ) الْمَاءُ (الْجَارِي) وَهُوَ مَا انْدَفَعَ فِي مُسْتَوٍ أَوْ مُنْخَفِضٍ (كَرَاكِدٍ) فِيمَا مَرَّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَفِيمَا يُسْتَثْنَى لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ، لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجَرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الدَّفْعَةُ بَيْنَ حَافَّتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ تَمَوُّجِهِ، أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، فَإِنْ كَبِرَتْ الْجَرْيَةُ لَمْ تَنْجُسْ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَهِيَ فِي نَفْسِهَا مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا أَمَامَهَا وَمَا خَلْفَهَا مِنْ الْجَرْيَاتِ حُكْمًا وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِمَا حِسًّا؛ إذْ كُلُّ جَرْيَةٍ طَالِبَةٌ لِمَا أَمَامَهَا هَارِبَةٌ عَمَّا خَلْفَهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهَا حُكْمًا لَتَنَجَّسَ الْمَاءُ فِي الْكُوزِ إذَا انْصَبَّ عَلَى الْأَرْضِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ نَجَسٌ، فَلَوْ وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ فَكَمَا لَوْ وَقَعَ فِي رَاكِدٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً تَنَجَّسَتْ بِوُصُولِهِ إلَيْهَا، وَإِنْ بَلَغَتْ مَعَ مَا أَمَامَهَا وَمَا خَلْفَهَا قُلَّتَيْنِ لَتَفَاصَلَ أَجْزَاءُ الْجَارِي فَلَا يَتَقَوَّى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ وَالْجَرْيَةِ إذَا بَلَغَ كُلٌّ مِنْهُمَا قُلَّتَيْنِ، وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا - وَهِيَ قَلِيلَةٌ - نَجَسٌ جَامِدٌ، فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِجَرَيَانِهَا تَنَجَّسَتْ دُونَ مَا أَمَامَهَا وَمَا خَلْفَهَا أَوْ وَاقِفًا أَوْ جَرْيُهَا أَسْرَعَ فَمَحَلُّهُ وَمَا أَمَامَهُ مِمَّا مَرَّ عَلَيْهِ نَجَسٌ وَإِنْ طَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ، وَالْقُلَّتَانِ خَمْسُمِائِةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] امْتِدَادُهُ إلَّا أَنْ يَتَرَادَّ أَوْ يَجْتَمِعَ فِي نَحْوِ حُفْرَةٍ، وَعَلَيْهِ يُقَالُ لَنَا مَاءٌ هُوَ أَلْفُ قُلَّةٍ يَنْجُسُ بِلَا تَغَيُّرٍ، وَالْجَرْيَةُ الَّتِي تَعْقُبُ جَرْيَةَ النَّجَسِ الْجَارِي تَغْسِلُ الْمَحَلَّ فَلَهَا حُكْمُ الْغُسَالَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ كَلْبٍ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْعِ جَرْيَاتٍ مَعَ كُدُورَةِ الْمَاءِ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ فِي إحْدَاهُنَّ، وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْجَرْيَةِ قُلَّتَيْنِ بِأَنْ تُمْسَحَا وَيُجْعَلَ الْحَاصِلُ مِيزَانًا ثُمَّ يُؤْخَذُ قَدْرُ عُمْقِ الْجَرْيَةِ وَيُضْرَبُ فِي قَدْرِ طُولِهَا ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي قَدْرِ عَرْضِهَا بَعْدَ بَسْطِ الْأَقْدَارِ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبْعِ لِوُجُودِهِ فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ فَمَسْحُ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ تَضْرِبَ ذِرَاعًا وَرُبْعًا طُولًا فِي مِثْلِهِمَا عَرْضًا فِي مِثْلِهِمَا عُمْقًا يَحْصُلَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ الْمِيزَانُ. أَمَّا إذَا كَانَ أَمَامَ الْجَارِي ارْتِفَاعٌ يَرُدُّهُ فَلَهُ حُكْمُ الرَّاكِدِ (وَفِي الْقَدِيمِ لَا يَنْجُسُ) الْقَلِيلُ مِنْهُ (بِلَا تَغَيُّرٍ) لِقُوَّةِ الْجَارِي، وَلِأَنَّ الْأَوَّلِينَ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ الصَّغِيرَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا وَلَا يَنْفَكُّ عَنْ رَشَاشِ النَّجَاسَةِ غَالِبًا، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْجَارِيَ وَارِدٌ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَالْمَاءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا غَيْرَ طَهُورٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا (وَالْقُلَّتَانِ) بِالْوَزْنِ (خَمْسُمِائِةِ رِطْلٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (بَغْدَادِيٍّ) أَخَذًا مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَالْقُلَّةُ فِي اللُّغَةِ الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدَيْهِ أَيْ يَرْفَعُهَا، وَهَجَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ تُجْلَبُ مِنْهَا الْقِلَالُ، وَقِيلَ: هِيَ بِالْبَحْرَيْنِ. قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ قِلَالَ هَجَرَ فَإِذَا الْقُلَّةُ مِنْهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا: أَيْ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ، فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ فَحَسَبَ الشَّيْءَ نِصْفًا؛ إذْ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ إلَّا شَيْئًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقِرْبَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيٍّ، وَهُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فِي الْأَصَحِّ فَالْمَجْمُوعُ بِهِ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ (تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ) قَدَّمَ تَقْرِيبًا عَكْسُ الْمُحَرَّرِ لِيَشْمَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ التَّصْحِيحُ فَيُعْفَى عَنْ نَقْصِ رِطْلٍ وَرِطْلَيْنِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيِّرَةِ كَأَنْ تَأْخُذَ إنَاءَيْنِ فِي وَاحِدٍ قُلَّتَانِ، وَفِي الْآخَرِ دُونَهُمَا، ثُمَّ تَضَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَدْرًا مِنْ الْمُغَيِّرِ وَتَضَعَ فِي الْآخَرِ قَدْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا ضَرَّ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِضَبْطِهِ، وَالْمُقَابِلُ فِي قَدْرِهِمَا مَا قِيلَ إنَّهُمَا أَلْفُ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الْقِرْبَةَ قَدْ تَسَعُ مِائَتَيْ رِطْلٍ، وَقِيلَ: هُمَا سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الْقُلَّةَ مَا يُقِلُّهُ الْبَعِيرُ وَيَحْمِلُهُ، وَبَعِيرُ الْعَرَبِ لَا يَحْمِلُ غَالِبًا أَكْثَرَ مِنْ وَسْقٍ، وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ، يُحَطُّ عِشْرُونَ لِلظَّرْفِ وَالْحَبْلِ. وَالْعَدَدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ قِيلَ تَحْدِيدٌ فَيَضُرُّ نَقْصُ أَيِّ شَيْءٍ نَقَصَ. فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَرْجِعُ الْقُلَّتَانِ أَيْضًا إلَى التَّحْدِيدِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ نَقْصُ مَا زَادَ عَلَى الرِّطْلَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا تَحْدِيدُ غَيْرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَبِالْمِسَاحَةِ فِي الْمُرَبَّعِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ طُولًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وَالتَّغَيُّرُ الْمُؤَثَّرُ بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ طَعْمٌ، أَوْ لَوْنٌ، أَوْ رِيحٌ، وَلَوْ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ اجْتَهَدَ.   [مغني المحتاج] وَذِرَاعٌ عَرْضًا: قَالَ الْعِجْلِيُّ: وَالْمُرَادُ فِيهِ بِالطُّولِ الْعُمْقُ وَبِالْعَرْضِ مَا بَيْنَ حَائِطَيْ الْبِئْرِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ، وَبِالذِّرَاعِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ، وَهُوَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا، وَأَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ فَالْمُرَادُ فِي الطُّولِ ذِرَاعُ النَّجَّارِ الَّذِي هُوَ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ تَقْرِيبًا، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُبْسَطُ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَمُحِيطِ الْعَرْضِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ وَسُبْعٌ أَرْبَاعًا لِوُجُودِ مَخْرَجِهَا فِي قَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَاعًا فَيَصِيرُ الْعَرْضُ أَرْبَعَةً وَالطُّولُ عَشَرَةً، وَالْمُحِيطُ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، ثُمَّ يُضْرَبُ نِصْفُ الْعَرْضِ، وَهُوَ اثْنَانِ فِي نِصْفِ الْمُحِيطِ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَسُبْعَانِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، وَهُوَ بَسْطُ الْمُسَطَّحِ فَيُضْرَبُ بَسْطُ الْمُسَطَّحِ فِي بَسْطِ الطُّولِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ تَبْلُغُ مِقْدَارَ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رُبْعًا مَعَ زِيَادَةِ خَمْسَةِ أَسْبَاعِ رُبْعٍ، وَبِهَا حَصَلَ التَّقْرِيبُ. فَائِدَةٌ: الْمُقَدَّرَاتُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: مَا هُوَ تَقْرِيبٌ بِلَا خِلَافٍ كَسِنِّ الرَّقِيقِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ الْمُوَكَّلِ فِي شِرَائِهِ. ثَانِيهَا: تَحْدِيدٌ بِلَا خِلَافٍ كَتَقْدِيرِ مَسْحِ الْخُفِّ، وَأَحْجَارِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَغَسْلِ الْوُلُوغِ وَالْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ، وَنُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَالْأَسْنَانِ الْمَأْخُوذَةِ فِيهَا، وَسِنِّ الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَوْسُقِ فِي الْعَرَايَا، وَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ، وَدِيَةِ الْخَطَأِ، وَتَغْرِيبِ الزَّانِي، وَإِنْظَارِ الْمَوْلَى وَالْعِنِّينِ، وَمُدَّةِ الرَّضَاعِ، وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ. ثَالِثُهَا: تَحْدِيدٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَمِنْهُ أَمْيَالُ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَمِنْهُ تَقْدِيرُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِأَلِفٍ وَسِتِّمِائَةِ رِطْلٍ الْأَصَحُّ أَنَّهُ تَحْدِيدٌ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صَحَّحَ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَنُسِبَ فِيهِ لِلسَّهْوِ. رَابِعُهَا: تَقْرِيبٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَسِنِّ الْحَيْضِ، وَالْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ (وَالتَّغَيُّرُ الْمُؤَثَّرُ) حِسًّا أَوْ تَقْدِيرًا (بِطَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ كَافٍ. أَمَّا النَّجِسُ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الطَّاهِرُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُعْتَبَرُ فِي التَّغَيُّرِ التَّقْدِيرِيِّ بِالطَّاهِرِ الْمُخَالِفِ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ، وَبِالنَّجِسِ الْمُخَالِفِ الْأَشَدُّ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِالْمُؤَثَّرِ بِطَاهِرٍ التَّغَيُّرُ الْيَسِيرُ بِهِ، وَبِالْمُؤَثَّرِ بِنَجِسٍ التَّغَيُّرُ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ قُرْبَ الْمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ؛ إذْ لَيْسَ لَنَا تَغَيُّرٌ بِنَجِسٍ لَا يُؤَثِّرُ (وَلَوْ اشْتَبَهَ) عَلَى أَحَدٍ (مَاءٌ) أَوْ تُرَابٌ (طَاهِرٌ) أَيْ طَهُورٌ (بِ) مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ (نَجِسٍ) أَيْ مُتَنَجِّسٍ أَوْ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ (اجْتَهَدَ) فِي الْمُشْتَبِهَيْنِ مِنْهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ أَرَادَهَا بَعْدَ الْحَدَثِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ مُوَسَّعًا إنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَمُضَيَّقًا إنْ ضَاقَ، وَجَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ كَأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ أَوْ بَلَغَ الْمَاءَانِ قُلَّتَيْنِ بِالْخَلْطِ بِلَا تَغَيُّرٍ لِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْمَظْنُونِ مَعَ وُجُودِ الْمُتَيَقَّنِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانَ بَعْضُهُمْ يَسْمَعُ مِنْ بَعْضٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ، وَهُوَ سَمَاعُهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ مُطْلَقًا، وَوُجُودُ مُتَيَقَّنٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَتَطَهَّرَ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ فَلَا، وَالْأَعْمَى كَبَصِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ   [مغني المحتاج] لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاجْتِهَادِ فِي هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ اهـ. وَفِيمَا قَالَهُ كَمَا قَالَ الْجَلَالُ الْبَكْرِيُّ نَظَرٌ، وَإِنْ كُنْتُ جَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ بِيَقِينٍ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ الِاجْتِهَادِ فَمَطْلُوبُ التَّرْكِ كَيْفَ يُوصَفُ بِوُجُوبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَابِسُ الْخُفِّ الْأَفْضَلُ لَهُ الْغَسْلُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. قُلْتُ: لَمْ يُخْتَلَفْ هُنَاكَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ بِخِلَافِهِ هُنَا. وَالِاجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي وَالتَّآخِي فِي بَذْلِ الْجَهْدِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ. وَالْجَهْدُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا هُوَ الطَّاقَةُ. قَالَ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن: 14] [الْجِنُّ] . وَقَالَ الشَّاعِرُ: [الْخَفِيفُ] فَتَحَرَّيْت أَحْسَبُ الثَّغْرَ عِقْدًا ... لِسُلَيْمَى وَأَحْسَبُ الْعِقْدَ ثَغْرًا فَلَثَمْت الْجَمِيعَ قَطْعًا لِشَكِّي ... وَكَذَا فِعْلُ كُلِّ مَنْ يَتَحَرَّى (وَتَطَهَّرَ بِمَا ظَنَّ طَهَارَتَهُ) أَيْ: طَهُورِيَّتَهُ بِأَمَارَةٍ كَاضْطِرَابٍ أَوْ رَشَاشٍ أَوْ تَغَيُّرٍ أَوْ قُرْبِ كَلْبٍ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَةُ هَذَا، وَطَهَارَةُ غَيْرِهِ، وَلَهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِذَوْقِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ. وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْهُ ذَوْقُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ ذَوْقُ النَّجَاسَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ نَعَمْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَوْقُ الْإِنَاءَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَصِيرُ مُتَيَقَّنَةً كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ فَلَوْ هَجَمَ وَأَخَذَ أَحَدَ الْمُشْتَبَهَيْنِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَطَهَّرَ بِهِ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهُ، وَإِنْ وَافَقَ الطَّهُورَ بِأَنْ انْكَشَفَ لَهُ الْحَالُ لِتَلَاعُبِهِ (وَقِيلَ: إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ) أَيْ: طَهُورٍ (بِيَقِينٍ) كَأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ فِي صَحْرَاءَ فِي اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَمَنْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ، «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا كَانَ طَلَبُهُ لَهَا فِي غَيْرِهَا عَبَثًا وَبِأَنَّ الْمَاءَ مَالٌ، وَفِي الْإِعْرَاضِ عَنْهُ تَفْوِيتُ مَالِيَّةٍ مَعَ إمْكَانِهَا بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، وَعَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: عَلَى طَاهِرٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ أَحَدَ الْمُشْتَبَهَيْنِ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَقَدْ فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ (وَالْأَعْمَى) فِي الِاجْتِهَادِ فِيمَا ذُكِرَ (كَبَصِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ الْأَمَارَةَ بِاللَّمْسِ أَوْ الشَّمِّ أَوْ الذَّوْقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ الِاسْتِمَاعِ كَاضْطِرَابِ الْغِطَاءِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْأَعْمَى لَوْ فَقَدَ هَذِهِ الْحَوَاسَّ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ لَمْ يَجْتَهِدْ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ يُخْلَطَانِ. ثُمَّ يَتَيَمَّمُ أَوْ وَمَاءُ وَرْدٍ تَوَضَّأَ بِكُلٍّ مَرَّةً،   [مغني المحتاج] أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَالثَّانِي: لَا يَجْتَهِدُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ لَهُ أَثَرٌ فِي حُصُولِ الظَّنِّ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، وَقَدْ فَقَدَهُ فَلَمْ يَجُزْ كَالْقِبْلَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقِبْلَةَ أَدِلَّتُهَا بَصَرِيَّةٌ. وَبِمَا قَدَّرْتُهُ سَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالْأَعْمَى يَجْتَهِدُ فِي الْأَظْهَرِ لَكَانَ أَحْسَنَ أَيْ: لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَالْبَصِيرِ فِي أَصْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَإِنَّ الْأَعْمَى إذَا تَحَيَّرَ قَلَّدَ بَصِيرًا عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا. كَالْبَصِيرِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدْهُ أَوْ وَجَدَهُ فَتَحَيَّرَ تَيَمَّمَ (أَوْ) اشْتَبَهَ عَلَيْهِ (مَاءٌ وَبَوْلٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَأَنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (لَمْ يَجْتَهِدْ) فِيهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) سَوَاءٌ أَكَانَ أَعْمَى أَمْ بَصِيرًا؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُقَوِّي مَا فِي النَّفْسِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْبَوْلُ لَا أَصْلَ لَهُ فِيهَا فَامْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ فَإِنْ قِيلَ: الْبَوْلُ لَهُ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّ أَصْلَهُ مَاءٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: لَهُ أَصْلٌ فِي التَّطْهِيرِ الْحَالَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ إمْكَانُ رَدِّهِ إلَى الطَّهَارَةِ بِوَجْهٍ، وَهَذَا مُتَحَقِّقٌ فِي الْمُتَنَجِّسِ بِالْمُكَاثَرَةِ بِخِلَافِ الْبَوْلِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَالْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الْمُتَّجِهُ فِي الْقِيَاسِ، وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ (بَلْ يُخْلَطَانِ) بِنُونِ الرَّفْعِ كَمَا فِي خَطِّ الْمُصَنِّفُ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَطْفًا عَلَى لَمْ يَجْتَهِدْ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ: إنَّ بَلْ تَعْطِفُ الْجُمَلَ فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ: إنَّ الصَّوَابُ حَذْفُ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مَجْزُومٌ بِحَذْفِهَا عَطْفًا عَلَى يَجْتَهِدْ لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ؛ إذْ شَرْطُ الْعَطْفِ بِبَلْ إفْرَادُ مَعْطُوفِهَا أَيْ كَوْنُهُ مُفْرَدًا فَإِنْ تَلَاهَا جُمْلَةٌ لَمْ تَكُنْ عَاطِفَةً بَلْ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ لِمُجَرَّدِ الْإِضْرَابِ، وَلَا يَجُوزُ عَطْفُ يُخْلَطَانِ عَلَى " يَجْتَهِدْ " وَأَنْ يُقْرَأَ بِحَذْفِ النُّونِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ بَلْ لَمْ يُخْلَطَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّبُّ كَالْخَلْطِ (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ) لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ مَعَ تَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ إعْدَامِهِ فَمَا ذُكِرَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقِيلَ: شَرْطٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ، وَبَلْ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ لَا لِلْإِبْطَالِ (أَوْ) اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ (وَمَاءُ وَرْدٍ) كَأَنْ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ (تَوَضَّأَ بِكُلٍّ) مِنْهُمَا (مَرَّةً) لِتَيَقُّنِ اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ، وَلَا يَجْتَهِدُ؛ لِأَنَّ مَاءَ الْوَرْدِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي التَّطْهِيرِ، وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ كَنِسْيَانِ إحْدَى الْخَمْسِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْجَزْمُ بِهَا بِأَنْ يَأْخُذَ غَرْفَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي يَدٍ وَيَسْتَعْمِلهُمَا فِي شِقَّيْ الْوَجْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ مُقْتَرِنًا بِالنِّيَّةِ ثُمَّ يُعِيدَ غَسْلَ وَجْهِهِ وَيُكْمِلَ وُضُوءَهُ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ يَتَوَضَّأَ بِالْآخَرِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى طَهُورٍ بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الِامْتِنَاعَ. وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ وَمَاءِ الْوَرْدِ بِمَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ لِوُضُوئِهِ، وَلَوْ كَمَّلَهُ بِمَائِعٍ يُسْتَهْلَكُ فِيهِ كَمَاءِ وَرْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْمِيلُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ ثَمَنُهُ عَلَى ثَمَنِ الْقَدْرِ النَّاقِصِ، فَكَيْفَ يُوجِبُونَ هُنَا اسْتِعْمَالَ مَاءٍ كَامِلٍ وَمَاءِ وَرْدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وَقِيلَ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَإِذَا اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ أَرَاقَ الْآخَرَ، فَإِنْ تَرَكَهُ   [مغني المحتاج] مِثْلَهُ، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالصَّوَابُ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ:. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ هُنَا قَدَرَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِالْمَاءِ، وَقَدْ اشْتَبَهَ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَهُنَاكَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَامِلَةِ فَتَكْلِيفُهُ التَّكْمِيلَ بِأَزْيَدَ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ لَا يَتَّجِهُ. الثَّانِي: أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِي مَاءِ وَرْدٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَصَارَ كَالْمَاءِ، وَذَلِكَ لَا قِيمَةَ لَهُ غَالِبًا أَوْ قِيمَتُهُ تَافِهَةٌ بِخِلَافِ تِلْكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ مَاءِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَيَتَيَمَّمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ (وَقِيلَ: لَهُ الِاجْتِهَادُ) فِيهِمَا كَالْمَاءَيْنِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِمِثْلِ مَا مَرَّ فِي الْبَوْلِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِمَا لِشُرْبِ مَاءِ الْوَرْدِ، فَإِذَا بَانَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاءُ وَرْدٍ أَعَدَّهُ لِلشُّرْبِ وَلَهُ التَّطْهِيرُ بِالْآخَرِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَاءٌ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الشُّرْبَ لَا يَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشُّرْبَ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لَكِنَّ شُرْبَ مَاءِ الْوَرْدِ فِي ظَنِّهِ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لِلِاجْتِهَادِ شُرُوطٌ عُلِمَ بَعْضُهَا مِمَّا مَرَّ: الْأَوَّلُ أَنْ يَتَأَيَّدَ بِأَصْلِ الْحِلِّ فَلَا يَجْتَهِدُ فِيمَا اشْتَبَهَ بِبَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي مُتَعَدِّدٍ، فَلَوْ تَنَجَّسَ أَحَدُ كُمَّيْهِ أَوْ إحْدَى يَدَيْهِ وَأَشْكَلَ فَلَا يَجْتَهِدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثُ: أَنْ يَبْقَى الْمُشْتَبِهَانِ فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجْتَهِدْ فِي الْبَاقِي بَلْ يَتَيَمَّمُ، وَلَا يُعِيدُ وَإِنْ بَقِيَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الِاجْتِهَادِ. الرَّابِعُ: بَقَاءُ الْوَقْتِ فَلَوْ ضَاقَ عَنْ الِاجْتِهَادِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَعَادَ. قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ (1) فِي الْبَيَانِ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ لِلْعَلَامَةِ فِيهِ مَجَالٌ بِأَنْ يَتَوَقَّعَ ظُهُورَ الْحَالِّ فِيهِ كَالثِّيَابِ وَالْأَوَانِي وَالْأَطْعِمَةِ فَلَا يَجْتَهِدُ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ مَحْرَمُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَأَكْثَرَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي النِّكَاحِ أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَسْقَطَ ابْنُ الْمُقْرِي هَذَا الشَّرْطَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَأَنَّهُ رَأَى كَالرَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَخْرُجُ بِتَأَيُّدِ الِاجْتِهَادِ بِالْأَصْلِ فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَشَرْطُ الْأَخْذِ وَالْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ أَنْ تَظْهَرَ بَعْدَهُ الْعَلَامَةُ (وَإِذَا) اجْتَهَدَ وَ (اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ) الطَّاهِرَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ الْمَاءَيْنِ (أَرَاقَ الْآخَرَ) نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَطَشَ لِيَشْرَبَهُ إذَا اُضْطُرَّ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَيَشْتَبِهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ كَمَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَهُوَ أَوْلَى لِئَلَّا يَغْلَطَ فَيَسْتَعْمِلَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَيْهِ عَلَى قَصْدِ الْإِرَادَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] [النَّحْلُ] (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ لَمْ يُرِقْهُ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ مَثَلًا ثُمَّ حَضَرَتْ الظُّهْرُ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْأَوَّلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي عَلَى النَّصِّ بَلْ يَتَيَمَّمُ بِلَا إعَادَةٍ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ،   [مغني المحتاج] شَيْءٌ لَمْ يَجِبْ الِاجْتِهَادُ لِعَدَمِ التَّعَدُّدِ. وَأَمَّا جَوَازُهُ فَثَابِتٌ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ دُونَ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ اجْتَهَدَ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ أَوْ قَوِيَتْ عِنْدَهُ أَمَارَةٌ بَعْدَ ضَعْفِهَا مَعَ اسْتِنَادِهِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لِاجْتِهَادٍ وَاحِدٍ (وَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ) فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ (لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي) مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ أَوْ ظَنِّيِّ الِاجْتِهَادِ عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفُ (عَلَى النَّصِّ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (بَلْ يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُ مَا مَعَهُ كَمَا مَرَّ وَيُصَلِّي (بِلَا إعَادَةٍ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ، وَالثَّانِي يُعِيدُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا بِالظَّنِّ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوَّلِ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ إلَّا بِاجْتِهَادٍ، وَلَوْ أَحْدَثَ هُوَ لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ الْبَاقِي طَهَارَتَهُ: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَذَكِّرًا لِلْعَلَامَةِ الْأُولَى، فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ اجْتَنَبَهُمَا وَتَيَمَّمَ لِمَا مَرَّ وَأَعَادَ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ لِبَقَائِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ لَهُ طَرِيقٌ فِي إعْدَامِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُحْدِثْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مُتَطَهِّرًا حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تُدْفَعُ بِالظَّنِّ. وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ النَّصِّ فِي تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ الْعَمَلَ بِالثَّانِي وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ هُنَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ، وَإِلَى الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَهُنَاكَ لَا يُؤَدِّي إلَى صَلَاةٍ بِنَجَاسَةٍ، وَلَا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَمَنَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ (1) ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ لَوْ أَبْطَلْنَا مَا مَضَى، مِنْ طُهْرِهِ وَصَلَاتِهِ، وَلَمْ نُبْطِلْهُ بَلْ أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ كَمَا أَمَرْنَاهُ بِاجْتِنَابِ بَقِيَّةِ الْمَاءِ الْأَوَّلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْضِ وُجُوبُ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ، وَاجْتِنَابُ الْبَقِيَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِطَهُورٍ أَوْ كَانَ غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِالثَّانِي لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ سَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ وَيَجْتَهِدُ فِي غَيْرِ الْمَاءِ أَيْضًا وُجُوبًا إنْ اُضْطُرَّ وَإِلَّا فَجَوَازًا، وَلَوْ فِي جِنْسَيْنِ كَلَبَنٍ وَخَلٍّ. (وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ) أَيْ: الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ عَدْلٌ (مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ، لَا فَاسِقٌ وَمَجْنُونٌ وَمَجْهُولٌ وَصَبِيٌّ وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأَذَانِ قَبُولُ أَخْبَارِ الْمُمَيِّزِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ مَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ قَبُولِهِ مُطْلَقًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُسَّاقِ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ قُبِلَ خَبَرُهُمْ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ الْفَاسِقُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْتُ فِي الْإِنَاءِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وَبَيَّنَ السَّبَبَ، أَوْ كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا اعْتَمَدَهُ. وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ   [مغني المحتاج] كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَقَالَ ذِمِّيٌّ: أَيْ: تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَنَا ذَبَحْتُهَا أَنَّهَا تَحِلُّ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا (وَبَيَّنَ السَّبَبَ) فِي تَنَجُّسِهِ كَوُلُوغِ كَلْبٍ (أَوْ كَانَ فَقِيهًا) بِمَا يُنَجِّسُ (مُوَافِقًا) لِلْمَخْبَرِ فِي مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ (اعْتَمَدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ التَّنْجِيسُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي فَقِيهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَعْرِفُ تَرْجِيحَاتِ الْمَذْهَبِ فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ: إنَّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا فِي مَسَائِلَ كَوُلُوغِ هِرَّةٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ بَعْدَ نَجَاسَةِ فَمِهَا وَغَيْبَتِهَا وَكَوُقُوعِ فَأْرَةٍ أَوْ هِرَّةٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ حَيَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقَدْ يَظُنُّ الْفَقِيهُ الْمُوَافِقُ تَرْجِيحَ الْمَرْجُوحِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالرَّاجِحِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ خَبَرُ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: وَلَغَ الْكَلْبُ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ فِي ذَاكَ دُونَ هَذَا صَدَقَا إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا فَيَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْمَاءَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْوُلُوغِ فِي وَقْتَيْنِ فَلَوْ تَعَارَضَا فِي الْوَقْتِ أَيْضًا بِأَنْ عَيَّنَاهُ صَدَّقَ أَوْثَقَهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَكْثَرُ عَدَدًا فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَ خَبَرُهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الْإِنَاءَيْنِ كَمَا لَوْ عَيَّنَ أَحَدُهُمَا كَلْبًا كَأَنْ قَالَ: وَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ فِي هَذَا الْمَاءِ وَقْتَ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: كَانَ حِينَئِذٍ بِبَلْدٍ آخَرَ مَثَلًا فُرُوعٌ: لَوْ اغْتَرَفَ مِنْ دَنَّيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ فَوَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيْتَةً لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ اجْتَهَدَ، فَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَاتَّحَدَتْ الْمَغْرَفَةُ، وَلَمْ تُغْسَلْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حَكَمَ بِنَجَاسَتِهِمَا، وَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الثَّانِي أَوْ مِنْ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَتْ الْمَغْرَفَةُ أَوْ اتَّحَدَتْ وَغُسِلَتْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ مَا ظَنَّهَا فِيهِ وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ، أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ أَخَذَ مِنْهَا مَا شَاءَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ إلَّا وَاحِدًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَمَرَةً بِعَيْنِهَا فَاخْتَلَطَتْ بِثَمَرٍ فَأَكَلَ الْجَمِيعَ إلَّا ثَمَرَةً لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ رَفَعَ نَحْوُ كَلْبٍ رَأْسَهُ مِنْ إنَاءٍ وَفِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ آخَرُ وَفَمُهُ رَطْبٌ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ هَذَا إنْ اُحْتُمِلَ تَرَطُّبُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا ضَرَّ. وَلَوْ غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ كَثِيَابِ مُدْمِنِي الْخَمْرِ، وَمُتَدَيِّنِينَ بِالنَّجَاسَةِ كَالْمَجُوسِ، وَمَجَانِينَ، وَصِبْيَانٍ بِكَسْرِ الصَّادِ أَشْهُرُ مِنْ ضَمِّهَا وَجَزَّارِينَ حُكِمَ لَهُ بِالطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَكَذَا مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ ذَلِكَ كَعَرَقِ الدَّوَابِّ وَلُعَابِهَا وَلُعَابِ الصَّبِيِّ وَالْحِنْطَةِ الَّتِي تُدَاسُ، وَالثَّوْرُ يَبُولُ عَلَيْهَا وَالْجُوخُ، وَقَدْ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ غَسْلُ ثَوْبٍ جَدِيدٍ وَقَمْحٍ وَفَمٍ مِنْ أَكْلِ نَحْوِ خُبْزٍ، وَتَرْكُ مُؤَاكَلَةِ الصِّبْيَانِ لِتَوَهُّمِ نَجَاسَتِهَا قَالَهُ فِي الْعُبَابِ وَالْبَقْلُ النَّابِتُ فِي نَجَاسَةٍ مُتَنَجِّسٌ لَا مَا ارْتَفَعَ عَنْ مَنْبَتِهِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فِيهِ فَطَاهِرَةٌ، أَوْ مَرْمِيَّةً مَكْشُوفَةً فَنَجِسَةٌ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَالْمَجُوسُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ فَطَاهِرَةٌ وَكَذَا إذَا اسْتَوَيَا فِيمَا يَظْهَرُ (وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ) وَاقْتِنَاءُ (كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ) فِي الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا بِالْإِجْمَاعِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَاهِرٌ فَلَا يَرِدُ الْمَغْصُوبُ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُمَا لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ مِلْكِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً فَيَحْرُمُ، وَكَذَا اتِّخَاذُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحِلُّ الْمُمَوَّهُ   [مغني المحتاج] الْغَيْرِ إلَّا بِرِضَاهُ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ جِلْدِ الْآدَمِيِّ وَقَدْ «تَوَضَّأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَنٍّ مِنْ جِلْدٍ وَمِنْ قَدَحٍ مِنْ خَشَبٍ، وَمِنْ مُخَضَّبٍ مِنْ حَجَرٍ؛ وَمِنْ إنَاءٍ مِنْ صُفْرٍ» ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مِنْ الصُّفْرِ. قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: اعْتِيَادُ ذَلِكَ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ أَمْرَاضٌ لَا دَوَاءَ لَهَا، وَخَرَجَ بِالطَّاهِرِ النَّجِسُ كَالْمُتَّخَذِ مِنْ مَيْتَةٍ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُنَجَّسُ بِهِ كَمَاءٍ قَلِيلٍ وَمَائِعٍ لَا فِيمَا لَا يُنَجَّسُ بِهِ كَمَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ الْجَفَافِ لَكِنْ يُكْرَهُ فِي الثَّانِي، فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ. (إلَّا ذَهَبًا وَفِضَّةً) أَيْ إنَاءَهُمَا الْمَعْمُولَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (فَيَحْرُمُ) اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُقَاسُ غَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَغْلَبُهَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَسْقِيَ الصَّغِيرَ بِمِسْعَطٍ مِنْ إنَائِهِمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِنَاءِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ حَتَّى مَا يُخَلِّلُ بِهِ أَسْنَانَهُ، وَالْمِيلُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ يَحْتَاجَ إلَى. جَلَاءِ عَيْنِهِ بِالْمِيلِ فَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ، وَالْوُضُوءُ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ حَلَالٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلِاسْتِعْمَالِ لَا لِخُصُوصِ مَا ذُكِرَ، وَيَحْرُمُ التَّطَيُّبُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ مِنْ إنَاءٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَالتَّبَخُّرُ بِالِاحْتِوَاءِ عَلَى مِجْمَرَةٍ مِنْهُ أَوْ إتْيَانُ رَائِحَتِهَا مِنْ قُرْبٍ لَا مِنْ بُعْدٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بُعْدُهَا بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ أَنْ يَتَطَيَّبَ بِهَا، وَلَوْ بَخَّرَ ثِيَابَهُ بِهَا أَوْ قَصَدَ تَطْيِيبَ الْبَيْتِ فَمُسْتَعْمَلٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْحِيلَةُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُخْرِجَ الطَّعَامَ مِنْ الْإِنَاءِ إلَى شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ كَقِشْرَةِ رَغِيفٍ ثُمَّ يَأْكُلَهُ وَيَصُبَّ الْمَاءَ فِي شَيْءٍ وَلَوْ فِي يَدِهِ الَّتِي لَا يَسْتَعْمِلُهُ بِهَا فَيَصُبُّهُ أَوَّلًا فِي يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ فِي الْيُمْنَى ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ، وَيَصُبُّ مَاءَ الْوَرْدِ فِي يَسَارِهِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ إلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهُ، وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْإِنَاءِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِي قِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَهُنَا فِي إنَاءٍ هِيَ مِنْهُمَا لِذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الذَّهَبَ إذَا صَدِئَ، وَلَكِنْ فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي التَّمْوِيهِ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (اتِّخَاذُهُ) أَيْ اقْتِنَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُ كَآلَةِ الْمَلَاهِي. وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَا الِاتِّخَاذِ، وَلَيْسَ كَآلَةِ الْمَلَاهِي؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا يَدْعُو إلَى اسْتِعْمَالِهَا لِفَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِخِلَافِ الْأَوَانِي، وَلَا أُجْرَةَ لِصَنْعَتِهِ، وَلَا أَرْشَ لِكُسُورِهِ كَآلَةِ اللَّهْوِ. فَائِدَةٌ: جَمْعُ الْإِنَاءِ آنِيَةٌ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ، وَجَمْعُ الْآنِيَةِ أَوَانٍ، وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ إطْلَاقُ الْآنِيَةِ عَلَى الْمُفْرَدِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَيَحْرُمُ تَزْيِينُ الْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ آنِيَةُ النَّقْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَحْرُمُ تَحْلِيَةُ الْكَعْبَةِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. (وَيَحِلُّ الْمُمَوَّهُ) أَيْ: الْمَطْلِيُّ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَمِنْهُ تَمْوِيهُ الْقَوْلِ: أَيْ تَلْبِيسُهُ، فَإِنْ مُوِّهَ غَيْرُ النَّقْدِ كَإِنَاءِ نُحَاسٍ وَخَاتَمٍ وَآلَةِ حَرْبٍ مِنْهُ بِالنَّقْدِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ أَوْ مُوِّهَ النَّقْدُ بِغَيْرِهِ أَوْ صَدِئَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 فِي الْأَصَحِّ ، وَالنَّفِيسُ كَيَاقُوتٍ فِي الْأَظْهَرِ وَمَا ضُبِّبَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً لِزِينَةٍ حَرُمَ، أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا، أَوْ صَغِيرَةً لِزِينَةٍ، أَوْ كَبِيرَةً لِحَاجَةٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] مَعَ حُصُولِ شَيْءٍ مِنْ الْمُمَوَّهِ بِهِ أَوْ الصَّدَأِ حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقِلَّةِ الْمُمَوَّهِ بِهِ فِي الْأُولَى فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ النَّقْدِ فِي الْأُولَى لِكَثْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ فِي الثَّانِي لِقِلَّتِهِ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، وَكَذَا اتِّخَاذُهُ فِي الْأَصَحِّ أَخَذًا مِمَّا سَبَقَ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تَضْيِيقِ النَّقْدَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ. وَالثَّانِي يَحْرُمُ ذَلِكَ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ فِي الْأُولَى وَالتَّضْيِيقِ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَحْرُمُ تَمْوِيهُ سَقْفِ الْبَيْتِ وَجُدْرَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ، وَتَحْرُمُ اسْتِدَامَتُهُ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا (وَ) يَحِلُّ (النَّفِيسُ) بِالذَّاتِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ أَيْ: اسْتِعْمَالُهُ وَاِتِّخَاذُهُ (كَيَاقُوتٍ) وَفَيْرُوزَجَ، وَبِلَّوْرٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، وَمِرْجَانٍ، وَعَقِيقٍ، وَالْمُتَّخَذِ مِنْ الطِّيبِ الْمُرْتَفِعِ كَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ مَعْنَى السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ. وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ. أَمَّا النَّفِيسُ بِالصَّنْعَةِ كَزُجَاجٍ وَخَشَبٍ مُحْكَمِ الْخَرْطِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ طِيبٍ غَيْرِ مُرْتَفِعٍ فَيَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي غَيْرِ فَصِّ الْخَاتَمِ. أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. فَائِدَةٌ: عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اتَّخَذَ خَاتَمًا فَصُّهُ يَاقُوتٌ نُفِيَ عَنْهُ الْفَقْرُ» قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ بَاعَ خَاتَمَهُ فَوَجَدَ بِهِ غِنًى. قَالَ: وَالْأَشْبَهُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِ كَمَا أَنَّ النَّارَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا تُغَيِّرُهُ، وَقِيلَ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ أَمِنَ مِنْ الطَّاعُونِ وَتَيَسَّرَتْ لَهُ أَسْبَابُ الْمَعَاشِ وَيَقْوَى قَلْبُهُ وَتَهَابُهُ النَّاسُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ، فَمَسَحَهُ الْمُشْرِكُونَ فَاسْوَدَّ مِنْ مَسْحِهِمْ، وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْطَى عَلِيًّا فَصًّا مِنْ يَاقُوتٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَفَعَلَ، وَأَتَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِمَ زِدْتَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا فَعَلْتُ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ؛ فَهَبَطَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكَ: أَحْبَبْتَنَا فَكَتَبْتَ اسْمَنَا، وَنَحْنُ أَحْبَبْنَاكَ فَكَتَبْنَا اسْمَكَ» (وَمَا ضُبِّبَ) مِنْ إنَاءٍ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ضَبَّةً كَبِيرَةً) وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَإِنْ قَلَّ (لِزِينَةٍ حَرُمَ) اسْتِعْمَالُهُ وَاتِّخَاذُهُ، وَأَصْلُ الضَّبَّةِ أَنْ يَنْكَسِرَ الْإِنَاءُ فَيُوضَعَ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ نُحَاسٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ غَيْرُهُ لِتَمْسِكَهُ، ثُمَّ تَوَسَّعَ الْفُقَهَاءُ فَأَطْلَقُوهُ عَلَى إلْصَاقِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْكَسِرْ (أَوْ صَغِيرَةً بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا) يَحْرُمُ لِلصِّغَرِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ. وَلِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: «رَأَيْتُ قَدَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ قَدْ انْصَدَعَ: أَيْ: انْشَقَّ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ» أَيْ شَدَّهُ بِخَيْطِ فِضَّةٍ، وَالْفَاعِلُ هُوَ أَنَسٌ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا (أَوْ صَغِيرَةً) وَكُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا (لِزِينَةٍ أَوْ كَبِيرَةً) كُلُّهَا (لِحَاجَةٍ جَازَ) مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِلصِّغَرِ وَلِقُدْرَةِ مُعْظَمِ النَّاسِ عَلَى مِثْلِهَا، وَكُرِهَ لِفَقْدِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْحَاجَةِ وَكُرِهَ لِلْكِبَرِ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ نَظَرًا لِلزِّينَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وَضَبَّةُ مَوْضِعُ الِاسْتِعْمَالِ كَغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ ضَبَّةِ الذَّهَبِ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] فِي الْأُولَى وَلِلْكِبَرِ فِي الثَّانِيَةِ (وَضَبَّةُ مَوْضِعُ الِاسْتِعْمَالِ) لِنَحْوِ شُرْبٍ (كَغَيْرِهِ) فِيمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مَنْسُوبٌ إلَى الْإِنَاءِ كُلِّهِ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الْعَيْنِ وَالْخُيَلَاءِ لَا يَخْتَلِفُ بَلْ قَدْ تَكُونُ الزِّينَةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِعْمَالِ أَكْثَرَ. وَالثَّانِي يَحْرُمُ إنَاؤُهَا مُطْلَقًا لِمُبَاشَرَتِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ (قُلْتُ: الْمَذْهَبُ تَحْرِيمُ) إنَاءِ (ضَبَّةِ الذَّهَبِ) سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا مَرَّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ الْفِضَّةِ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَارَّ فِي الْفِضَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْخَاتَمِ لِلرَّجُلِ مِنْهَا، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الذَّهَبَ كَالْفِضَّةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَمَعْنَى الْحَاجَةِ غَرَضُ إصْلَاحِ الْكَسْرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنْ التَّضْبِيبِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ غَيْرِهِمَا يُبِيحُ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الَّذِي كُلُّهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ فَضْلًا عَنْ الْمُضَبَّبِ بِهِ، وَمَرْجِعُ الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْعُرْفُ، وَقِيلَ: الْكَبِيرَةُ مَا تَسْتَوْعِبُ جَانِبًا مِنْ الْإِنَاءِ، وَقِيلَ: مَا كَانَتْ جُزْءًا كَامِلًا كَشَفَةٍ أَوْ أُذُنٍ، وَالصَّغِيرَةُ دُونَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: مَا يَلْمَعُ لِلنَّاظِرِ مِنْ بُعْدٍ كَبِيرٌ، وَمَا لَا فَصَغِيرٌ، فَإِنْ شَكَّ فِي كِبَرِهَا فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ اللِّبَاسِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي ثَوْبٍ فِيهِ حَرِيرٌ وَغَيْرُهُ هَلْ الْأَكْثَرُ حَرِيرٌ أَوْ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي التَّفْسِيرِ هَلْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّهُ، وَأَجَبْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّارِحُ: وَتَوَسَّعَ الْمُصَنِّفُ فِي نَصْبِ الضَّبَّةِ بِفِعْلِهَا نَصْبَ الْمَصْدَرِ. أَيْ: لِأَنَّ انْتِصَابَ الضَّبَّةِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فِيهِ تَوَسُّعٌ عَلَى خِلَافِ الْأَكْثَرِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ مَصْدَرًا، وَهُوَ اسْمُ الْحَدَثِ الْجَارِي عَلَى الْفِعْلِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ نَحْوَ {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] [النِّسَاءُ] لَكِنْ قَدْ يَنُوبُ عَنْ الْمَصْدَرِ فِي الِانْتِصَابِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ أَشْيَاءُ: مِنْهَا مَا يُشَارِكُ الْمَصْدَرَ فِي حُرُوفِهِ الَّتِي بُنِيَتْ صِيغَتُهُ مِنْهَا، وَيُسَمَّى الْمُشَارِكَ فِي الْمَادَّةِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ: مِنْهَا مَا يَكُونُ اسْمَ عَيْنٍ لَا حَدَثٍ كَالضَّبَّةِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَنَحْوَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] [نُوحٌ] فَضَبَّةٌ اسْمُ عَيْنٍ مُشَارِكٌ لِمَصْدَرِ ضَبَّبَ، وَهُوَ التَّضْبِيبُ فِي مَادَّتِهِ فَأُنِيبَ مَنَابَهُ فِي انْتِصَابِهِ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ. فَائِدَةٌ: سُئِلَ فَقِيهُ الْعَرَبِ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُعْوَجِّ، فَقَالَ: إنْ أَصَابَ الْمَاءَ. أَيْ الْقَلِيلَ تَعْوِيجُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُضَبَّبُ بِالْعَاجِ، وَهُوَ نَابُ الْفِيلِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُ نَابِهِ عَاجًا، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِفَقِيهِ الْعَرَبِ شَخْصًا مُعَيَّنًا، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ أَلْغَازًا وَمُلَحًا يَنْسُبُونَهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ وَنَكِرَةٌ لَا يَتَعَرَّفُ. تَتِمَّةٌ: تَسْمِيرُ الدَّرَاهِمِ فِي الْإِنَاءِ كَالتَّضْبِيبِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بِخِلَافِ طَرْحِهَا فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ   [مغني المحتاج] لَا يَحْرُمُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ مُطْلَقًا، وَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا لَوْ شَرِبَ بِكَفِّهِ، وَفِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ أَوْ فِي فَمِهِ دَرَاهِمُ أَوْ شَرِبَ بِكَفِّهِ، وَفِيهَا دَرَاهِمُ، فَإِنْ جَعَلَ لِلْإِنَاءِ حَلَقَةً مِنْ فِضَّةٍ أَوْ سِلْسِلَةً مِنْهَا أَوْ رَأْسًا جَازَ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْإِنَاءِ لَا يُسْتَعْمَلُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَكَ مَنْعُهُ بِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ بِحَسَبِهِ، وَإِنْ سَلِمَ فَلْيَكُنْ فِيهِ خِلَافُ الِاتِّخَاذِ، وَيُمْنَعُ بِأَنَّ الِاتِّخَاذَ يَجُرُّ إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ هَذَا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُجْعَلُ فِي فَمِ الْكُوزِ فَهُوَ قِطْعَةُ فِضَّةٍ. أَمَّا مَا يُجْعَلُ كَالْإِنَاءِ، وَلَوْ يُغَطَّى بِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ. أَمَّا الذَّهَبُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَيُسَنُّ إذَا جَنَّ اللَّيْلُ تَغْطِيَةُ الْإِنَاءِ وَلَوْ بِعَرْضِ عُودٍ، وَإِيكَاءُ السِّقَاءِ، وَإِغْلَاقُ الْأَبْوَابِ مُسَمِّيًا لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي الثَّلَاثَةِ، وَكَفُّ الصِّبْيَانِ وَالْمَاشِيَةِ أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِطْفَاءُ الْمِصْبَاحِ لِلنَّوْمِ. خَاتِمَةٌ: أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إنْ كَانُوا لَا يَتَعَبَّدُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَهِيَ كَآنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ» ، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ مِنْ جُرِّ نَصْرَانِيَّةٍ، وَالْجُرُّ وَالْجِرَارُ جَمْعُ جَرَّةٍ، وَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ كَطَائِفَةٍ مِنْ الْمَجُوسِ يَغْتَسِلُونَ بِبَوْلِ الْبَقَرِ تَقَرُّبًا، فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهَا وَجْهَانِ، أَخَذَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ أَوَانَيْهِمْ وَمَلْبُوسِهِمْ وَمَا يَلِي إسَافَهُمْ. أَيْ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ أَشَدُّ، وَأَوَانِي مَائِهِمْ أَخَفُّ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالْقَصَّابِينَ الَّذِينَ لَا يَحْتَرِزُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ. وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ: أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَخَذًا مِمَّا مَرَّ. [بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ] ِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا هُنَا الْأَصْغَرُ غَالِبًا، وَالْأَسْبَابُ جَمْعُ سَبَبٍ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْبَابِ، وَالْحَدَثِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْأَسْبَابُ نَفْسُهَا، وَلَكِنَّ إضَافَتَهَا إلَيْهِ تَقْتَضِي تَفْسِيرَ الْحَدَثِ بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مُخْتَصَّانِ بِهَا، وَأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ بِغَسْلِهِ فِي الْمَغْسُولِ وَبِمَسْحِهِ فِي الْمَمْسُوحِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ غَسْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَطَهِّرًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] [الْوَاقِعَةُ] وَتَعْبِيرُهُ كَالْمُحَرَّرِ بِالْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: انْتَقَضَ الْوُضُوءُ، بَلْ انْتَهَى كَمَا يُقَالُ انْتَهَى الصَّوْمُ لَا بَطَلَ. قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّقْضِ بِقَوْلِهِ: فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نُقِضَ وَيُؤَوَّلُ بِمَعْنَى انْتَهَى الطُّهْرُ بِهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِنَّمَا بَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُلِّ فَنٍّ مِنْ كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِمِ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ إذَا خَتَمَ بَابًا مِنْ كِتَابٍ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 هِيَ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ، أَوْ دُبُرِهِ   [مغني المحتاج] كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى الدَّرْسِ وَالتَّحْصِيلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُسَافِرُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَطَعَ مِيلًا أَوْ طَوَى فَرْسَخًا نَفَّسَ ذَلِكَ عَنْهُ وَنَشِطَ لِلْمَسِيرِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ سُوَرًا وَجَزَّأَهُ الْقُرَّاءُ عُشُورًا وَأَسْبَاعًا وَأَخْمَاسًا وَأَحْزَابًا، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ هَذَا الْبَابَ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَى الْغُسْلِ، وَهُوَ تَرْتِيبٌ طَبِيعِيٌّ، وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَقَدَّمَ الْوُضُوءَ وَلَمْ يُقَدِّمْ الْغُسْلَ عَلَى مُوجِبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ مُحْدِثًا فَيَعْرِفُ الْوُضُوءَ ثُمَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ، وَلَا يُولَدُ جُنُبًا فَقَدَّمَ مُوجِبَ الْغُسْلِ عَلَيْهِ (هِيَ) أَيْ: الْأَسْبَابُ (أَرْبَعَةٌ) ثَابِتَةٌ بِالْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ، وَعِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا نَقْضَ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَلَا بِمَسِّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ، وَلَا بِمَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَخِيرَ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. ثُمَّ أَجَابَ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: أَقْرَبُ مَا يَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ، وَمِمَّا يُضْعِفُ النَّقْضَ بِهِ أَنَّ الْقَائِلَ بِهِ لَا يُعَدِّيهِ إلَى شَحْمِهِ وَسَنَامِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَلَا بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَصَّ النَّقْضُ بِهَا كَسَائِرِ النَّوَاقِضِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهَا تَنْقُضُ فَضَعِيفٌ، وَلَا بِالنَّجَاسَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَهْمٍ فَنَزَعَهُ وَصَلَّى، وَدَمُهُ يَجْرِي وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ» ، وَأَمَّا صَلَاتُهُ مَعَ الدَّمِ فَلِقِلَّةِ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ، وَلَا بِشِفَاءِ دَائِمِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَكَيْفَ يَصِحُّ عَدُّ الشِّفَاءِ سَبَبًا لِلْحَدَثِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ. وَلَا بِنَزْعِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ نَزْعَهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ (أَحَدُهَا) أَيْ الْأَسْبَابِ (خُرُوجُ شَيْءٍ) عَيْنًا كَانَ أَوْ رِيحًا، طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، جَافًّا أَوْ رَطْبًا، مُعْتَادًا كَبَوْلٍ أَوْ نَادِرًا كَدَمٍ انْفَصَلَ أَوْ لَا، قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا (مِنْ قُبُلِهِ) أَيْ: الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ الْوَاضِحِ، وَلَوْ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ أَوْ أَحَدِ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِهِمَا، أَوْ أَحَدِ فَرْجَيْنِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيَحِيضُ بِالْآخَرِ، فَإِنْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ حَاضَ بِهِ فَقَطْ اخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ. أَمَّا الْمُشْكِلُ فَإِنْ خَرَجَ الْخَارِجُ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا فَهُوَ مُحْدِثٌ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِهَا (أَوْ) خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ (دُبُرِهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] [الْمَائِدَةُ] الْآيَةَ، وَالْغَائِطُ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجِ لِلْمُجَاوَرَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 إلَّا الْمَنِيَّ، وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ   [مغني المحتاج] تَعَالَى عَنْهُمَا تَقْدِيرُهَا: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلَى قَوْلِهِ: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] [الْمَائِدَةُ] ، فَيُقَالُ عَقِبَهُ: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) قَالَ: وَزَيْدٌ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدَّرَهَا تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ. وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» وَفِيهِمَا اشْتَكَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» . وَالْمُرَادُ الْعِلْمُ بِخُرُوجِهِ لَا سَمْعُهُ، وَلَا شَمُّهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ النَّاقِضِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ، بَلْ نَفَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، وَيُقَاسُ بِمَا فِي الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ كُلُّ خَارِجٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ كَعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِالسَّبِيلَيْنِ؛ إذْ لِلْمَرْأَةِ ثَلَاثَةُ مَخَارِجَ اثْنَانِ مِنْ قُبُلِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ دُبُرِهَا، وَلِشُمُولِهِ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (إلَّا الْمَنِيَّ) أَيْ مَنِيَّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجَ مِنْهُ أَوَّلًا كَأَنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ نَظَرٍ أَوْ احْتِلَامٍ مُمَكِّنًا مَقْعَدُهُ فَلَا يُنْقَضُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ الْغُسْلَ بِخُصُوصِهِ: أَيْ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا، وَهُوَ الْوُضُوءُ بِعُمُومِهِ: أَيْ بِعُمُومِ كَوْنِهِ خَارِجًا كَزِنَا الْمُحْصَنِ لِمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ لِكَوْنِهِ زِنَا الْمُحْصَنِ فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا لِكَوْنِهِ زِنًا، وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مَعَ إيجَابِهِمَا الْغُسْلَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ صِحَّةَ الْوُضُوءِ فَلَا يُجَامِعَانِهِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ يُصْبِحُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فِي صُورَةِ سَلَسِ الْمَنِيِّ فَيُجَامِعُهُ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ النَّقْضِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ فَاغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ، فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ فَهَاهُنَا تَصِحُّ قَطْعًا، وَفِيمَا إذَا فَعَلَ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، فَإِنْ قُلْنَا: يُنْقَضُ نَوَى بِالْوُضُوءِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَإِلَّا نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ. أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِهِ أَوْ مَنِيُّهُ إذَا عَادَ فَيَنْتَقِضُ خُرُوجُهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، نَعَمْ لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِي أَخَذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفُ: إنَّ صَوْمَهَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَنِيِّهِ وَمَنِيِّ غَيْرِهَا (وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ (وَانْفَتَحَ) مَخْرَجٌ بَدَلَهُ (تَحْتَ مَعِدَتِهِ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ: مُسْتَقَرُّ الطَّعَامِ. وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الصَّدْرِ كَمَا قَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نَقَضَ وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فَوْقَهَا، وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ   [مغني المحتاج] الْأَطِبَّاءُ وَالْفُقَهَاءُ وَاللُّغَوِيُّونَ هَذَا حَقِيقَتُهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا السُّرَّةُ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (الْمُعْتَادُ) خُرُوجُهُ كَبَوْلٍ (نَقَضَ) ؛ إذْ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا تَدْفَعُهُ الطَّبِيعَةُ فَأُقِيمَ هَذَا مَقَامَهُ (وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ) وَدَمٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ، وَكَمَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ النَّادِرُ مِنْهُ فَكَذَلِكَ هَذَا أَيْضًا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي خُرُوجِ غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِاشْتِرَاطِ انْسِدَادِهِمَا، وَقَالَ: لَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ لِلْبَاقِي لَا غَيْرُ (أَوْ) انْفَتَحَ (فَوْقَهَا) أَيْ الْمَعِدَةِ، وَالْمُرَادُ فَوْقَ تَحْتِهَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَوْ فَوْقَهُ: أَيْ فَوْقَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ حَتَّى تَدْخُلَ هِيَ بِأَنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ أَوْ بِمُحَاذِيهَا أَوْ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْأَصْلِيُّ (مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا) يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ (فِي الْأَظْهَرِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَوْقِ الْمَعِدَةِ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ مُحَاذِيهَا لَا يَكُونُ مِمَّا أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ فَهُوَ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى جَعْلِ الْحَادِثِ مَخْرَجًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ فِيهِمَا وَلَوْ نَادِرًا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَخْرَجٍ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ كَالْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، وَحَيْثُ أَقَمْنَا الْمُنْفَتِحَ كَالْأَصْلِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ، وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَلَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَ فَوْقَ الْعَوْرَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا مِنْ الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ. أَمَّا الْخِلْقِيُّ فَيَنْقُضُ مَعَهُ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا وَالْمُنْسَدُّ حِينَئِذٍ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ، وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ، وَقَالَ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ: إنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالِانْسِدَادِ يُشْعِرُ بِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لِلْمُنْفَتِحِ مُطْلَقًا حَتَّى يَجِبَ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ، وَالْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ وَالْإِيلَاجِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِمَّا يَرُدُّ الِاسْتِبْعَادَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرٌ فَوْقَ سُرَّتِهِ يَبُولُ مِنْهُ وَيُجَامِعُ بِهِ، وَلَا ذَكَرَ لَهُ سِوَاهُ أَلَا تَرَى أَنَّا نُدِيرُ الْأَحْكَامَ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّا نَجْعَلُ لَهُ حُكْمَ النَّقْضِ فَقَطْ، وَلَا حُكْمَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: انْفَتَحَ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَنَافِذِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْفَمِ وَالْأُذُنِ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. (الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ) أَيْ: التَّمْيِيزِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ وَجُنُونٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ. إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ.   [مغني المحتاج] وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهُوَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ: حَلْقَةُ الدُّبُرِ، وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ: الْخَيْطُ الَّذِي يَرْبِطُ بِهِ الشَّيْءَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْيَقِظَةَ هِيَ الْحَافِظَةُ لِمَا يَخْرُجُ، وَالنَّائِمُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ، وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ الْخَبَرُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ فَكَيْفَ عُدِلَ عَنْهُ، وَقِيلَ بِالنَّقْضِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا جُعِلَ مَظِنَّةً لِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ أُقِيمَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أُقِيمَتْ الشَّهَادَةُ الْمُفِيدَةُ لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى احْتِمَالِ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْ الْقُبُلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ، وَخَرَجَ بِزَوَالِ التَّمْيِيزِ النُّعَاسُ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَأَوَائِلُ نَشْوَةِ السُّكْرِ فَلَا نَقْضَ بِهَا. وَمِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا، وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ أَوْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ لَا لَمْ يَنْتَقِضْ، وَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا، وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِهِ. وَالْعَقْلُ لُغَةً: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَلِذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ لَا يُعْطَى لِكَافِرٍ؛ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ لَآمَنَ. إنَّمَا يُعْطَى الذِّهْنَ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْقَلَ فُلَانًا النَّصْرَانِيَّ، فَقَالَ: مَهْ إنَّ الْكَافِرَ لَا عَقْلَ لَهُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] » الْمُلْكُ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى الْعَقْلِ النَّافِعِ. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ صِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ آلَةُ التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ هُوَ غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ إنَّهُ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّهُ فِي الدِّمَاغِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ) أَيْ أَلْيَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يُنْقَضُ وُضُوءُهُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ زَالَ لَسَقَطَ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ حِينَئِذٍ مِنْ دُبُرِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ قُبُلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا بِالْمُنْفَتِحِ النَّاقِضِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ، وَلِقَوْلِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2) ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد يَنَامُونَ حَتَّى تَخْفُقَ رُءُوسُهُمْ الْأَرْضَ، وَحُمِلَ عَلَى نَوْمِ الْمُمَكِّنِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. وَدَخَلَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ   [مغني المحتاج] ذَلِكَ مَا لَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحِيفِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ، أَنَّ النَّحِيفَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى نَحِيفٍ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَقَرِّهِ وَمَقْعَدِهِ تَجَافٍ، وَالشَّرْحُ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لَكِنَّ عِبَارَةَ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بَيْنَ بَعْضِ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ فَيَكُونُ الْفَرْقُ التَّجَافِيَ الْكَامِلَ، وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَكَذَا لَوْ تَحَفَّظَ بِخِرْقَةٍ وَنَامَ غَيْرَ قَاعِدٍ، وَلَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا فَسَقَطَتْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْتَقِضْ مَا لَمْ تَزُلْ أَلْيَتُهُ عَنْ التَّمَكُّنِ. وَمِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ مُضْطَجِعًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنْ النَّوْمِ مُتَمَكِّنًا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَخَرَجَ بِالنَّوْمِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِهِ مُطْلَقًا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِجُنُونٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ، وَالْإِغْمَاءُ يَغْمُرُهُ، وَالنَّوْمُ يَسْتُرُهُ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْعَقْلِ لِيَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا لَكَانَ أَحْسَنَ، وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِمَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ (الثَّالِثُ الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] [الْمَائِدَةُ] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ كَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ، لَا جَامَعْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ إذْ اللَّمْسُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَلَّكَ لَمَسْت» (1) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ يَكُونَ الذَّكَرُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ كَافِرَةً بِتَمَجُّسٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ حُرَّةً أَوْ رَقِيقَةً، أَوْ الْعُضْوُ زَائِدًا أَوْ أَصْلِيًّا، سَلِيمَا أَوْ أَشَلَّ، أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا لَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَيِّتِ أَوَّلًا، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ثَوَرَانِ الشَّهْوَةِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ فَأُلْحِقَ بِهِ، بِخِلَافِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ إنَّمَا يُثِيرُ الشَّهْوَةَ بِبَطْنِ الْكَفِّ، وَاللَّمْسُ يُثِيرُهَا بِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ، وَفِي مَعْنَاهَا اللَّحْمُ كَلَحْمِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ عَلَى الْبَشَرَةِ حَائِلٌ وَلَوْ رَقِيقًا. نَعَمْ لَوْ كَثُرَ الْوَسَخُ عَلَى الْبَشَرَةِ مِنْ الْعَرَقِ فَإِنَّ لَمْسَهُ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْجُزْءِ مِنْ الْبَدَنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غُبَارٍ، وَالسِّنُّ وَالشَّعْرُ وَالظُّفْرُ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 إلَّا مَحْرَمًا فِي الْأَظْهَرِ، وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] سَيَأْتِي، وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الرَّجُلَانِ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْخُنْثَيَانِ وَالْخُنْثَى مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا، وَلِاحْتِمَالِ التَّوَافُقِ فِي صُوَرِ الْخُنْثَى، وَالْعُضْوُ الْمُبَانُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ إذْ بَلَغَ حَدًّا يَشْتَهِي لَا الْبَالِغُ وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى إذَا بَلَغَتْ كَذَلِكَ لَا الْبَالِغَةُ، وَلَوْ لَمَسَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا جِنِّيًّا أَوْ الرَّجُلُ امْرَأَةً جِنِّيَّةً هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْآدَمِيِّ أَوْ لَا؟ يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مُنَاكَحَتِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ يَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (إلَّا مَحْرَمًا) لَهُ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا وَلَوْ بِشَهْوَةٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالرَّجُلِ. وَهِيَ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَالثَّانِي تَنْقُضُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ أَوْ لَا؟ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ، وَقِيلَ: لَا يَنْقُضُ الْمَحْرَمُ مِنْ النَّسَبِ وَيَنْقُضُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ زَوْجَاتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لِحُرْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِحُرْمَتِهِنَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَا يُورِدُ ذَلِكَ عَلَى الضَّابِطِ إلَّا قَلِيلُ الْفِطْنَةِ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ اللَّمْسَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا جَازَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ وَلَا بِالظَّنِّ كَمَا سَيَأْتِي وَالنِّكَاحُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ تَزَوَّجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ مَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ، فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فَتَصِيرُ أُخْتًا لَهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَصِيرُ أُمَّهُ أَوْ لَا، وَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى أُمِّهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَتَصِيرُ أُخْتَهُ أَوْ لَا، فَيَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ أَنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا؛ لِأَنَّا لَا نَنْقُضُ الطَّهَارَةَ بِالشَّكِّ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِهَا لَا نُبَعِّضُ الْأَحْكَامَ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخِي (وَالْمَلْمُوسُ) وَهُوَ مَنْ لَوْ يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلُ اللَّمْسِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (كَلَامِسٍ) فِي نَقْضِ وُضُوئِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرِكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ، فَهُمَا كَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَالثَّانِي لَا وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي مَسِّ ذَكَرِ غَيْرِهِ، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ، وَمَنْ لَمَسَ إنْسَانًا فَقَدْ حَصَلَ مِنْ الْآخَرِ اللَّمْسُ لَهُ، وَأَمَّا الْمَمْسُوسُ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَسُّ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مَسُّ الْيَدِ، وَالشَّارِعُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِمَسِّ الذَّكَرِ. وَأُجِيبَ عَمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ وَشَعَرٌ، وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ. الرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ بِبَطْنِ الْكَفِّ،   [مغني المحتاج] «فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْفِرَاشِ لَيْلَةً فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي سُجُودِهِ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِك مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» (1) بِاحْتِمَالِ الْحَائِلِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلَّامِسِ حُكْمٌ لِيُحِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِالْتِقَاءَ يَشْمَلُ اللَّامِسَ وَالْمَلْمُوسَ، فَإِنْ فُرِضَ الِالْتِقَاءُ مِنْهُمَا دَفْعَةً بِحَرَكَتِهِمَا فَإِنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَامِسَانِ صَحَّ، وَلَكِنَّهَا صُورَةٌ نَادِرَةٌ لَا شُعُورَ لِلَفْظِهِ بِهَا فَتَبْعُدُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهَا (وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ) وَلَا صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدًّا يُشْتَهَى عُرْفًا. وَقِيلَ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَاهَا وَإِنْ انْتَفَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَحْوِ هَرَمٍ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَ) لَا (شَعَرٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا (وَسِنٌّ وَظُفْرٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ إسْكَانِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَبِكَسْرِهِ مَعَ إسْكَانِهَا وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ: أُظْفُورٌ كَعُصْفُورٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَظَافِرَ وَأَظَافِيرَ، وَعَظْمٌ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مُتَّصِلَاتٍ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الِالْتِذَاذِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ دُونَ اللَّمْسِ، وَالثَّانِي تَنْقُضُ. أَمَّا فِي الصَّغِيرَةِ فَلِعُمُومِ الْآيَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَوَاقِي فَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مَنْ لَمَسَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، أَمَّا إذَا انْفَصَلَتْ فَلَا تَنْقُضُ قَطْعًا، وَلَا يَنْقُضُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ غَيْرُ الْفَرْجِ، وَلَوْ قُطِعَتْ الْمَرْأَةُ نِصْفَيْنِ هَلْ يَنْقُضُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ. قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ أَعْظَمَ نَقَضَ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ امْرَأَةٍ نَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كُنْتُ جَرَيْتُ عَلَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، أَمَّا الْفَرْجُ فَسَيَأْتِي، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ رَجَّحَ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتَةِ وَالْمَيِّتِ، وَعُدَّ مِنْ السَّهْوِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ النَّقْضِ بِلَمْسِ الْمَيِّتِ وَنُسِبَ لِلْوَهْمِ (الرَّابِعُ مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا (بِبَطْنِ الْكَفِّ) مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ لِخَبَرِ «مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (2) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ، الْكَفِّ فَثَبَتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ لَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ،   [مغني المحتاج] النَّقْضُ فِي فَرْجِ نَفْسِهِ بِالنَّصِّ فَيَكُونُ فِي فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى النَّقْضُ إلَيْهِ، وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافُ الْمَلْمُوسِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا خَبَرُ عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ الْفَرْجِ فَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ مَسُّ جُزْءٍ مِنْ الْفَرْجِ بِجُزْءٍ مِنْ بَطْنِ الْكَفِّ، وَبَطْنُ الْكَفِّ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ وَالْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ إنْ كَانَتْ عَلَى سَنَنِ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ بِالْمَسِّ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ إطْلَاقِ النَّقْضِ بِهَا، وَالْكَفُّ مُؤَنَّثَةٌ، وَسُمِّيَتْ كَفًّا؛ لِأَنَّهَا تَكُفُّ عَنْ الْبَدَنِ الْأَذَى، وَبِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ عَلَى الْمَنْفَذِ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا بَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ وَلَا مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَلَا الْعَانَةِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ أَنَّ مَنْ مَسَّ شَعْرَ الْفَرْجِ يَنْقُضُ ضَعِيفٌ، وَمَسُّ بَعْضِ الذَّكَرِ الْمُبَانِ كَمَسِّ كُلِّهِ إلَّا مَا قُطِعَ فِي الْخِتَانِ؛ إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ، وَالدُّبُرُ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُمَا بَعْدَ قَطْعِهِمَا نَقَضَ مَسُّهُمَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِالِاسْمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَرَ لَوْ قُطِعَ وَدُقَّ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى ذَكَرًا وَلَا بَعْضَهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَنْ لَهُ كَفَّانِ نَقَضَتَا بِالْمَسِّ سَوَاءٌ أَكَانَتَا عَامِلَتَيْنِ أَمْ غَيْرَ عَامِلَتَيْنِ لَا زَائِدَةً مَعَ عَامِلَةٍ فَلَا تَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ بَلْ الْحُكْمُ لِلْعَامِلَةِ فَقَطْ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ النَّقْضَ بِغَيْرِ الْعَامِلِ أَيْضًا، وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ نَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فَقَطْ. وَجَمَعَ ابْنُ الْعِمَادِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَقَالَ: كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَفَّانِ عَلَى مِعْصَمَيْنِ، وَكَلَامُ التَّحْقِيقِ فِيمَا إذَا كَانَتَا عَلَى مِعْصَمٍ وَاحِدٍ. أَيْ وَكَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ: وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ نَقَضَ الْمَسُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَا عَامِلَيْنِ، أَمْ غَيْرَ عَامِلَيْنِ لَا زَائِدًا مَعَ عَامِلٍ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الْفُورَانِيِّ (1) : إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَامِتًا لِلْعَامِلِ وَإِلَّا فَهُوَ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَامِتَةٍ لِلْبَقِيَّةِ فَيَنْقُضُ (وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ) أَيْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَرْجٌ، وَقِيَاسًا عَلَى الْقُبُلِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْقَدِيمُ لَا نَقْضَ بِمَسِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِمَسِّهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ لَا مَا وَرَاءَهُ جَزْمًا، وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ وَحُكِيَ فَتْحُهَا (لَا فَرْجِ بَهِيمَةٍ) أَوْ طَيْرٍ، أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سِتْرِهِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَالْقَدِيمِ وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدٌ أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ، وَمَحَلُّ الْجَبِّ، وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا. وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ   [مغني المحتاج] يَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فَكَذَا فِي الْمَسِّ (وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ) لِشُمُولِ الِاسْمِ (وَمَحَلُّ الْجَبِّ) أَيْ الْقَطْعِ لِلْفَرْجِ (وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ) وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ الَّذِي يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَيَنْبَغِي، أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْجُ الْأَشَلُّ (وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ) وَهِيَ الَّتِي بَطَلَ عَمَلُهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ، الْجَبِّ فِي مَعْنَى الْفَرْجِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا جُبَّ الذَّكَرُ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَاخِصٌ نَقَضَ قَطْعًا؛ وَلِشُمُولِ الِاسْمِ فِي الْبَاقِي، وَالثَّانِي لَا تَنْقُضُ الْمَذْكُورَاتُ لِانْتِفَاءِ الْفَرْجِ فِي مَحَلِّ الْجَبِّ وَلِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ نَبَتَ مَوْضِعَ الْجَبِّ جِلْدَةٌ فَمَسُّهَا كَمَسِّهِ بِلَا جِلْدَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَمْسُوسُ وَاضِحًا فَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاسُّ لَهُ وَاضِحًا أَوْ مُشْكِلًا، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ مَسَّ مُشْكِلٌ فَرْجَيْ مُشْكِلٍ أَوْ فَرْجَيْ مُشْكِلَيْنِ بِأَنْ مَسَّ آلَةَ الرِّجَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَآلَةَ النِّسَاءِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ فَرْجَيْ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهُ مَسَّ فِي غَيْرِ الثَّانِيَةِ وَمَسَّ أَوْ لَمَسَ فِي الثَّانِيَةِ الصَّادِقَةِ بِمُشْكِلَيْنِ غَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَمُشْكِلٍ آخَرَ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النَّقْضِ مَانِعٌ مِنْ مَحْرَمِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الصُّبْحَ مَثَلًا ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا أَعَادَ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَ الْمَسَّيْنِ عَنْ حَدَثٍ أَوْ عَنْ الْمَسِّ احْتِيَاطًا. وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهَا قَطْعًا بِخِلَافِ الصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعَارِضْهَا شَيْءٌ وَإِنْ مَسَّ رَجُلٌ ذَكَرَ خُنْثَى أَوْ مَسَّتْ امْرَأَةٌ فَرْجَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُ الْمَاسِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلَهُ فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِالْمَسِّ، وَإِلَّا فَبِاللَّمْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَسَّ الرَّجُلُ فَرْجَ الْخُنْثَى، وَالْمَرْأَةُ ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا نَقْضَ؛ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَلَوْ مَسَّ أَحَدُ مُشْكِلَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ، وَالْآخَرُ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَدْ انْتَقَضَ لِمَاسِّ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فَلِمَاسِّ الْفَرْجِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ فَلِكِلَيْهِمَا بِاللَّمْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ النَّقْضَ كَمَا مَرَّ إلَّا أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْحَدَثُ فِيهِمَا فَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاحِدٍ فِي صَلَاةٍ لَا تَقْتَدِي بِالْآخَرِ (وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا) وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ لِخُرُوجِهَا عَنْ سَمْتِ الْكَفِّ. وَضَابِطُ مَا يَنْقُضُ مَا يَسْتُرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ، وَمَا الْمُرَادُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَحَرْفِهَا، فَقِيلَ بَيْنَهَا النُّقَرُ الَّتِي بَيْنَهَا وَحَرْفُهَا جَوَانِبُهَا، قِيلَ حَرْفُهَا جَانِبُ الْخِنْصَرِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَمَا عَدَاهَا بَيْنَهَا وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) حَيْثُ لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ، وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ، وَمَسُّ وَرَقِهِ، وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] عُذْرَ (الصَّلَاةُ) بِأَنْوَاعِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَالْقَبُولُ يُقَالُ لِحُصُولِ الثَّوَابِ وَلِوُقُوعِ الْفِعْلِ صَحِيحًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِقَرِينَةِ الْإِجْمَاعِ فَالْمَعْنَى لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِوُضُوءٍ، وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَكِنْ فِيهَا خِلَافٌ لِلشَّعْبِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَتَا التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْعُذْرِ فَلَا تَحْرُمُ بَلْ قَدْ تَجِبُ كَأَنْ فَقَدَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ وَضَاقَ الْوَقْتُ، فَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ هُنَا الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ (وَالطَّوَافُ) فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّوَافُ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ فَمَنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِلَا طَهَارَةٍ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ نَقْلُهُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَنُسِبَ لِلْوَهْمِ (وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ) بِتَثْلِيثِ مِيمِهِ لَكِنَّ الْفَتْحَ غَرِيبٌ (وَمَسُّ وَرَقِهِ) الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَغَيْرِهِ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَ فَاقِدًا لِلطَّهُورَيْنِ أَوْ مَسَّهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ رَقِيقٍ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَيْهِ أَوْ مَسَّ مَا كَانَ مَنْسُوخَ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ. قَالَ تَعَالَى: {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] [الْوَاقِعَةُ] أَيْ الْمُتَطَهِّرُونَ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَزِمَ الْخُلْفُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَطَهِّرِ يَمَسُّهُ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» (3) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: إسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ. نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِضَرُورَةٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ نَجَاسَةٍ أَوْ وُقُوعِهِ فِي يَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الطَّهَارَةِ، بَلْ يَجِبُ أَخْذُهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ وَخَرَجَ بِالْمُصْحَفِ غَيْرُهُ كَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ، وَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ فَلَا يَحْرُمُ لِزَوَالِ حُرْمَتِهَا بِالنَّسْخِ بَلْ وَبِالتَّبْدِيلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْرَاةَ وَنَحْوَهَا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ (وَكَذَا جِلْدُهُ) الْمُتَّصِلُ بِهِ يَحْرُمُ مَسُّهُ بِمَا ذُكِرَ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وَخَرِيطَةٌ، وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ،   [مغني المحتاج] وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ. وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مُتَّصِلًا حَقِيقَةً، فَإِنْ انْفَصِلْ عَنْهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَيَانِ حِلُّ مَسِّهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرْمَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ أَفْحَشُ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ أَيْضًا، وَلَمْ يُنْقَلْ مَا يُخَالِفُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ؛ إبْقَاءً لِحُرْمَتِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ عَنْ الْمُصْحَفِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ كَأَنْ جُعِلَ جِلْدَ كِتَابٍ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُ قَطْعًا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا (وَخَرِيطَةٌ) وَهِيَ وِعَاءٌ كَالْكِيسِ مِنْ أُدْمٍ وَغَيْرِهِ (وَصُنْدُوقٌ) وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا: وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ مُعَدَّانِ لِلْمُصْحَفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (فِيهِمَا مُصْحَفٌ) يَحْرُمُ مَسُّهُمَا بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مُعَدَّيْنِ لَهُ كَانَا كَالْجِلْدِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلَا فِي بَيْعِهِ، وَالْعِلَاقَةُ كَالْخَرِيطَةِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَسُّهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ وَرَدَتْ فِي الْمُصْحَفِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُمَا جَزْمًا وَإِنْ جَوَّزْنَا تَحْلِيَةَ الْمُصْحَفِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَسِّ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَتُهُ. أَمَّا الْحَمْلُ فَيَحْرُمُ قَطْعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ فِيهِمَا أَوْ هُوَ فِيهِمَا، وَلَمْ يُعَدَّا لَهُ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُمَا (وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ) وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ (كَلَوْحٍ) يَحْرُمُ مَسُّهُ بِمَا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ أُثْبِتَ فِيهِ لِلدِّرَاسَةِ فَأَشْبَهَ الْمُصْحَفَ، وَالثَّانِي يَجُوزُ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ كَالْمُصْحَفِ. أَمَّا مَا كُتِبَ لِغَيْرِ الدِّرَاسَةِ كَالتَّمِيمَةِ، وَهِيَ وَرَقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَيُعَلَّقُ عَلَى الرَّأْسِ مَثَلًا لِلتَّبَرُّكِ، وَالثِّيَابُ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِمُ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] آلُ عِمْرَانَ الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ» ، وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَتَعْلِيقُهَا إلَّا إذَا جُعِلَ عَلَيْهَا شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَيُسْتَحَبُّ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا (وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (فِي) مَتَاعٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ (أَمْتِعَةٍ) تَبَعًا لِمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ بِأَنْ قَصَدَ حَمْلَ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ حَمْلِ حَامِلِ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ، وَلَوْ مَعَ الْأَمْتِعَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي الْحِلَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْجُنُبُ الْقِرَاءَةَ وَغَيْرَهَا، وَالثَّانِي يَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَمُنِعَ مَعَ التَّبَعِيَّةِ كَحَامِلِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وَتَفْسِيرٍ، وَدَنَانِيرَ لَا قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ. وَأَنَّ الصَّبِيَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ.   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَ مُصْحَفًا مَعَ كِتَابٍ فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ فَحُكْمُ حَمْلِهِ حُكْمُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْمَتَاعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ، وَأَمَّا مَسُّ الْجِلْدِ فَيَحْرُمُ مَسُّ السَّاتِرِ لِلْمُصْحَفِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخِي (وَ) فِي (تَفْسِيرٍ) سَوَاءٌ أَتَمَيَّزَتْ أَلْفَاظُهُ بِلَوْنٍ أَمْ لَا إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، أَوْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّحْقِيقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَمْلِ فِيمَا إذَا اسْتَوَى الْحَرِيرُ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ بَابَ الْحَرِيرِ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِلرِّجَالِ كَبَرْدٍ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَثْرَةِ وَعَدَمِهَا فِي الْمَسِّ بِحَالَةِ مَوْضِعِهِ، وَفِي الْحَمْلِ بِالْجَمِيعِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَيْثُ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ: أَيْ وَلَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ الْحَرِيرُ أَكْثَرُ أَوْ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ هُنَا عِنْدَ الشَّكِّ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ أَقَلُّ أَوْ لَا بَلْ أَوْلَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ، وَحَيْثُ لَمْ يَحْرُمْ حَمْلُ التَّفْسِيرِ، وَلَا مَسُّهُ بِلَا طَهَارَةٍ كُرْهًا (وَ) فِي دَرَاهِمَ وَ (دَنَانِيرَ) كَالْأَحَدِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ دُونَهُ. وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّعْظِيمِ (لَا) حِلُّ (قَلْبِ وَرَقِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ (بِعُودٍ) وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْوَرَقَةِ فَهُوَ كَحَمْلِهَا. وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ لِمَا سَيَأْتِي، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَبَ الْأَوْرَاقَ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ بِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَّصِلٌ بِهِ، وَلَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (1) : وَلِأَنَّ التَّقْلِيبَ يَقَعُ بِالْيَدِ لَا بِالْكُمِّ اهـ. وَعَلَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذَا قَلَبَهُ بِكُمِّهِ فَقَطْ كَأَنْ فَتَلَهُ وَقَلَبَ بِهِ فَهُوَ كَالْعُودِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الصَّبِيَّ) الْمُمَيِّزَ (الْمُحْدِثَ) وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ (لَا يُمْنَعُ) مِنْ مَسٍّ وَلَا مِنْ حَمْلِ لَوْحٍ، وَلَا مُصْحَفٍ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ. أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ مُتَطَهِّرًا بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْحَمْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدِّرَاسَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ أَوْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 قُلْتُ: الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِهِ بِعُودٍ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] لِغَرَضٍ آخَرَ مُنِعَ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ (قُلْتُ الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِهِ) أَيْ وَرَقِ الْمُصْحَفِ (بِعُودٍ) وَنَحْوِهِ (وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً فَصَفْحُهَا بِعُودٍ جَازَ إنْ احْتَاجَ فِي صَفْحِهَا إلَى رَفْعِهَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا اهـ. وَمَا قَالَهُ عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ. فَوَائِدُ: يُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَدْمُ الْحَائِطِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ، وَلَا يَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ. وَأَكْلُ الطَّعَامِ. كَشُرْبِ الْمَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَصَاحِفَ، وَيَحْرُمُ كَتْبُ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - بِنَجِسٍ وَعَلَى نَجِسٍ وَمَسُّهُ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ، وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَلَوْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ تَلَفٌ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ ضَيَاعٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرِهِ جَازَ لَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَوَجَبَ فِي غَيْرِهَا صِيَانَةً لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَوَسُّدُهُ، وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ، وَتَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْ نَحْو سَرِقَةٍ، نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ نَحْوِ حَرْقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ، وَيَجُوزُ كَتْبُ آيَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لَا سَمَاعِهِ، وَيَحْرُمُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ إنْ كَانَ مُعَانِدًا، وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ جَازَ تَعْلِيمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِفَمٍ مُتَنَجِّسٍ، وَتَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ بِحَمَّامٍ وَطَرِيقٍ إنْ لَمْ يُتَلَهَّ عَنْهَا، وَإِلَّا كُرِهَتْ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرٍ لَمْ يُخَصَّ بِمَحَلٍّ، فَإِنْ خُصَّ بِهِ بِأَنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَعَوَّذَ لَهَا جَهْرًا إنْ جَهَرَ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ مُطْلَقًا، وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ فَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَأَنْ يَجْلِسَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ وَأَنْ يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَتَخَشُّعٍ، وَأَنْ يُرَتِّلَ، وَأَنْ يَبْكِيَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ إلَّا إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ فَهِيَ أَفْضَلُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ عَمِلَ بِيَقِينِهِ، فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَجَهِلَ السَّابِقَ فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] حَقِّهِ، وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَهُوَ: مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَ " أَيْمَانَهُمَا " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] [الْمَائِدَةُ] وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ: أَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَابْنَيْ كَثِيرٍ وَعَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ. وَعِنْدَ آخَرِينَ: مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ: السَّبْعَةِ السَّابِقَةِ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلَفٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأَوَّلِ وَبِعَكْسِ الْآيِ لَا بِعَكْسِ السُّوَرِ وَلَكِنْ تُكْرَهُ إلَّا فِي تَعْلِيمٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِلتَّعْلِيمِ، وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِلَا عِلْمٍ. وَنِسْيَانُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ: أُنْسِيتُ كَذَا لَا نَسِيتُهُ، وَيُنْدَبُ خَتْمُهُ أَوَّلَ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهُ وَحُضُورُهُ وَالشُّرُوعُ بَعْدَهُ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى، وَكَثْرَةُ تِلَاوَتِهِ، وَقَدْ أُفْرِدَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ بِالتَّصَانِيفِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ (فِي ضِدِّهِ) هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لَا (عَمِلَ بِيَقِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» فَمَنْ ظَنَّ الضِّدَّ لَا يَعْمَلُ بِظَنِّهِ؛ لِأَنَّ ظَنَّ اسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْهُ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ اسْتِصْحَابُهُ وَإِلَّا فَالْيَقِينُ لَا يُجَامِعُهُ شَكٌّ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يُعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ فَمُرَادُهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمَظْنُونَ طَهَارَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَثَلًا يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ ظَنَّ الطُّهْرِ يَرْفَعُ يَقِينَ الْحَدَثِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الرَّافِعِيِّ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ النَّشَائِيُّ: إنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ أَوْهَامِهِ (فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ بِأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ الشَّمْسِ مَثَلًا (وَجَهِلَ السَّابِقَ) مِنْهُمَا (فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا) يَأْخُذُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، هَذَا إنْ اعْتَادَ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ عَادَتُهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَدْ التَّجْدِيدَ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْحَدَثِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا أَخَذَ بِمَا قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ عَكْسَ مَا مَرَّ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، قَالَ: وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ وِتْرًا أَخَذَ بِالضِّدِّ أَوْ شَفْعًا فَبِالْمِثْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فَصْلٌ يُقَدِّمُ دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ، وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ،   [مغني المحتاج] بَعْدَ اعْتِبَارِ التَّجْدِيدِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ جَهِلَ مَا قَبْلَهُمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ الْمَحْضِ فِي الطَّهَارَةِ، وَهَذَا فِيمَنْ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ. أَمَّا غَيْرُهُ فَيَأْخُذُ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فَلَا أَثَرَ لِتَذَكُّرِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ احْتِيَاطًا، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْ الْمَذْهَبِ وَالْوَسِيطِ وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ: أَيْ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ بَطَلَ يَقِينًا وَمَا بَعْدَهُ مُعَارَضٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ ظُهْرٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: إنْ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ: الْيَقِينُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَالضَّرَرُ يُزَالُ، وَالْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ وَالْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا، ثُمَّ قَالَ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، وَالْفِقْهُ عَلَى خَمْسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَرْجِعُ الْفِقْهُ كُلُّهُ إلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: بَلْ إلَى اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَمُوجِبُ الطَّهَارَةِ وُضُوءًا وَغُسْلًا هَلْ هُوَ الْحَدَثُ أَوْ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَوْ هُمَا أَوْجُهٌ؟ أَصَحُّهَا ثَالِثُهَا [فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ] وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ: (يُقَدِّمُ) نَدْبًا (دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ) عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْيَمِينِ وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ لِمُنَاسِبَةِ الْيَسَارِ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " أَنَّ مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يَسَارِهِ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ " وَفِي مَعْنَى الرِّجْلِ بَدَلُهَا مِنْ أَقْطَعِهَا. وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي نُقِلَ إلَى الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عُرْفًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: سُمِّيَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ فِيهِ يُقَالُ لَهُ: خَلَاءٌ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُتَخَلَّى فِيهِ. أَيْ يُتَبَرَّزُ، وَجَمْعُهُ أَخْلِيَةٌ كَرِدَاءٍ وَأَرْدِيَةٍ، وَيُسَمَّى أَيْضًا الْمِرْفَقَ، وَالْكَنِيفَ، وَالْمِرْحَاضَ، وَتَعْبِيرُهُ بِهِ وَبِالدُّخُولِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاءُ] فَيُقَدِّمُ يَسَارَهُ إلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَيُمْنَاهُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ، وَدَنَاءَةُ الْمَوْضِعِ قَبْلَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ قَصْدِ قَضَائِهَا فِيهِ كَالْخَلَاءِ الْجَدِيدِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ أَحَدٌ حَاجَتَهُ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الصَّلَاةِ فِي الصَّحْرَاءِ هَكَذَا أَيْضًا فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِلصَّلَاةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُعِدَّ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهَا لِخَبَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وَلَا يَحْمِلُ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَعْتَمِدُ جَالِسًا يَسَارَهُ، وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا،   [مغني المحتاج] «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ» أَوْ الْمَاءَ إنْ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ أَوْ هُمَا إنْ أَرَادَ الْجَمْعَ (وَلَا يَحْمِلُ) فِي الْخَلَاءِ (ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى حَمْلُ مَا كُتِبَ مِنْ ذَلِكَ فِي دِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَاقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ وَكَانَ نَقْشُهُ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي حِفْظِي أَنَّهُ كَانَ يُقْرَأُ مِنْ أَسْفَلَ فَصَاعِدًا لِيَكُونَ اسْمُ اللَّهِ فَوْقَ الْجَمِيعِ اهـ. وَقِيلَ كَانَ النَّقْشُ مَعْكُوسًا لِيُقْرَأَ مُسْتَقِيمًا إذَا خَتَمَ بِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَمْرَيْنِ خَبَرٌ، وَحَمْلُ مَا عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى الْخَلَاءِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ اسْمُ رَسُولِهِ وَكُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَسْمَاءُ الْمُخْتَصَّةُ بِاَللَّهِ وَنَبِيِّهِ مَثَلًا دُونَ مَا لَا يَخْتَصُّ كَعَزِيزٍ وَكَرِيمٍ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ اهـ. وَمِثْلُ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَا إذَا قَصَدَهُ بِهِ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَلَوْ عَمْدًا حَتَّى قَعَدَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ ضَمَّ كَفَّيْهِ عَلَيْهِ أَوْ وَضَعَهُ فِي عِمَامَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا، وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ (1) . وَلَيْتَهُمْ قَالُوا بِوُجُوبِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَّجِهُ تَحْرِيمُ إدْخَالِ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ الْخَلَاءَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إجْلَالًا لَهُ وَتَكْرِيمًا اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مَحَاسِنُ كَلَامِ الشَّرِيعَةِ يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِ بَقَاءِ الْخَاتَمِ الَّذِي عَلَيْهِ ذِكْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْيَسَارِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى تَنْجِيسِهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَلَى مَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ التَّنْجِيسُ، وَلَا يَدْخُلُ الْمَحَلَّ حَافِيًا، وَلَا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ (وَيَعْتَمِدُ) نَدْبًا فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ (جَالِسًا يَسَارَهُ) وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى تَكْرِيمًا لَهَا بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعَ بَاقِيَهَا، وَيَضُمَّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَخِذَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّسْوِيَةُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ بَيْنَ الْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ، نَعَمْ لَوْ بَالَ قَائِمًا فَرَّجَ بَيْنهمَا فَيَعْتَمِدُهُمَا كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ خَوْفًا مِنْ التَّنْجِيسِ، وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا إنْ خَافَ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَيَرْفَعُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَيُسْبِلُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا قَبْلَ انْقِضَاءِ قِيَامِهِ (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا) نَدْبًا إذَا كَانَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وَيَحْرُمَانِ بِالصَّحْرَاءِ، وَيَبْعُدُ، وَيَسْتَتِرُ،   [مغني المحتاج] غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ مَعَ سَاتِرٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا فَأَكْثَرَ، نَعَمْ لَوْ بَالَ قَائِمًا لَا بُدَّ مِنْ ارْتِفَاعِهِ إلَى أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَرِيضًا بِحَيْثُ يَسْتُرُهَا سَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا أَمْ لَا بِخِلَافِ سُتْرَةِ الصَّلَاةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَرْضٌ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِرْخَاءُ ذَيْلِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُمَا حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى (وَيَحْرُمَانِ) فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَ (بِالصَّحْرَاءِ) بِدُونِ السَّاتِرِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَفِيهِمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» وَقَالَ جَابِرٌ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةُ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْفَضَاءِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ مَعَ الصَّحْرَاءِ، فَيَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ كَمَا مَرَّ. أَمَّا فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ تَهُبُّ عَلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا فَإِنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ، وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ الْجِمَاعِ أَوْ إخْرَاجِ الرِّيحِ؛ إذْ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَذَا الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ إكْرَامًا لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ دُونَ اسْتِدْبَارِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ الِاسْتِدْبَارُ أَيْضًا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: لَا يُكْرَهَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ فَالْمُخْتَارُ إبَاحَتُهُ (وَيَبْعُدُ) عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِبْعَادُ عَنْهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ (وَيَسْتَتِرُ) عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفَعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ حَسَنٌ (1) ، وَيَحْصُلَ السَّتْرُ بِرَاحِلَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ، هَذَا إنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ بِنَاءٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَأَنْ جَلَسَ فِي وَسَطِ مَكَان وَاسِعٍ كَبُسْتَانٍ، فَإِنْ كَانَ بِبِنَاءٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ: أَيْ عَادَةً كَفَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ نَظَرِ عَوْرَتِهِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِتَارُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَحَلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، وَجُحْرٍ، وَمَهَبِّ رِيحِ، وَمُتَحَدَّثٍ، وَطَرِيقٍ،   [مغني المحتاج] الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَالْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا (وَلَا يَبُولُ) وَلَا يَتَغَوَّطُ (فِي مَاءٍ رَاكِدٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ بَلْ أَوْلَى، وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ لِلْكَرَاهَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ، وَفِي اللَّيْلِ أَشَدُّ كَرَاهَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ مَأْوَى الْجِنِّ، أَمَّا الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ. أَيْ وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ لِمَا مَرَّ. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ، وَعَلَى غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ، فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ النَّجِسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَمَحَلُّ عَدَمِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مُسْبَلٍ أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ بِأَنْ دَخَلَ الْوَقْتُ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَلَا يَحِلُّ الْبَوْلُ فِيهِ كَمَا لَا يَحِلُّ فِي الطَّعَامِ. أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا قَضَاءُ الْحَاجَةِ بِقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي يُكْرَهُ قَضَاؤُهَا فِيهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ، وَصَبُّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ (وَ) لَا فِي (جُحْرٍ) . وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: الْخَرْقُ النَّازِلُ الْمُسْتَدِيرُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ لِمَا يُقَالُ: إنَّهُ مَسْكَنُ الْجِنِّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ فَيَتَأَذَّى أَوْ قَوِيٌّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُنَجِّسُهُ. قِيلَ: إنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَخَرَّ مَيِّتًا، فَقَالَتْ الْجِنُّ فِي ذَلِكَ: {الرَّجَزُ} نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ يُخْطِ فُؤَادَهْ. وَقِيلَ إنْ سَبَبَ مَوْتِهِ أَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ وَمِثْلُهُ السَّرَبُ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: الشِّقُّ الْمُسْتَطِيلُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ: أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ (وَ) لَا فِي (مَهَبِّ الرِّيحِ) أَيْ مَوْضِعِ هُبُوبِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً؛ إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اسْتِقْبَالِهَا، وَأَمَّا اسْتِدْبَارُهَا فَلَا يَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُعَلَّلُ بِعَوْدِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ إلَيْهِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَمِنْهُ الْمَرَاحِيضُ الْمُشْتَرَكَةُ فَيَنْبَغِي الْبَوْلُ فِي إنَاءٍ وَإِفْرَاغُهُ فِيهَا لِيَسْلَمَ مِنْ النَّجَاسَةِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا فِي مَكَان صُلْبٍ لِمَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ دَقَّهُ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَ) لَا فِي (مُتَحَدَّثٍ) لِلنَّاسِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ: مَكَانُ الِاجْتِمَاعِ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّخَلِّي فِي ظِلِّهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. أَيْ فِي الصَّيْفِ، وَمِثْلُهُ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ، وَشَمِلَهُمْ قَوْلُهُ: " مُتَحَدَّثٍ " (وَ) لَا فِي (طَرِيقٍ) لَهُمْ مَسْلُوكٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» (1) تَسَبَّبَا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ،   [مغني المحتاج] الْمُبَالَغَةِ؛ إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحُوِّلَ لِلْمُبَالَغَةِ. وَالْمَعْنَى: احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» (1) وَالْمَلَاعِنُ: مَوَاضِعُ اللَّعْنِ، وَالْمَوَارِدُ: طُرُقُ الْمَاءِ، وَالتَّخَلِّي: التَّغَوُّطُ، وَكَذَا الْبِرَازُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ، وَصَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَرَاهَتُهُ، وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ. وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ: أَعْلَاهُ، وَقِيلَ: صَدْرُهُ، وَقِيلَ: مَا بَرَزَ مِنْهُ. أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ» (2) : أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا خِلَافُ الْأَوْلَى، فَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» (3) قِيلَ: إنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ، فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ. وَقِيلَ: فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ. وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ: أَنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الشِّتَاءِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شَرْبَةِ دَوَاءٍ (وَ) لَا (تَحْتَ) شَجَرَةٍ (مُثْمِرَةٍ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا، وَفِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُّهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ؛ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهُ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ إلَّا فِي الْمَكَانِ الصُّلْبِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَيَخْتَصَّانِ بِالْبَوْلِ، بَلْ يَنْبَغِي فِيهِمَا التَّفْصِيلُ فِي الْغَائِطِ بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ، فَيَكُونُ الْمَائِعُ كَالْبَوْلِ (وَلَا يَتَكَلَّمُ) حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَدْ يَجِبُ لِخَبَرِ «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» (4) ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ: يَأْتِيَانِ. وَالْمَقْتُ: الْبُغْضُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ: أَيْ بِكَلَامٍ يَسْمَعُ بِهِ نَفْسَهُ، إذْ لَا يُكْرَهُ الْهَمْسُ وَلَا التَّنَحْنُحُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ ابْنِ كَجٍّ (5) إنَّهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ، وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ: بِسْمِ اللَّهِ   [مغني المحتاج] لَا تَجُوزُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ: أَيْ فَتُكْرَهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتِّبْيَانِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَضَعِيفٌ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: اللَّائِقُ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْعُ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ، وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهُ، وَلَا إلَى السَّمَاءِ، وَلَا يَعْبَثَ بِيَدِهِ، وَلَا يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا (وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ. أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الرَّشَاشُ فَيُنَجِّسَهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ، وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، بَلْ قَدْ يَجِبُ حَيْثُ لَا مَاءَ، وَلَوْ انْتَقَلَ لَتَضَمَّخَ بِالنَّجَاسَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ أَوْ بِالْوُضُوءِ، وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي لَهُمَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» (1) وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَاءُ، وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تَرَتُّبِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَحْرُمُ عَلَى قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ وَبِمَسْجِدٍ، وَلَوْ فِي إنَاءٍ تَنْزِيهًا لَهُمَا عَنْ ذَلِكَ (وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ) نَدْبًا عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِنَحْوِ تَنَحْنُحٍ وَمَشْيٍ، وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِيهِ: سَبْعُونَ خُطْوَةً وَنَتْرِ ذَكَرٍ. وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيَنْتُرَهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَصِّلَ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا. وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» (2) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ، وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُكْرَهُ حَشْوُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِنَحْوِ قُطْنٍ، وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ فِي مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا فِي الْكَبِدِ. فَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ الْكَرَاهَةِ وُجُودُ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ حَيْثُ وُجِدَ النَّهْيُ وُجِدَتْ الْكَرَاهَةُ لَا أَنَّهَا حَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ بِلَا نَهْيٍ مَخْصُوصٍ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ إنَاءً لِلْبَوْلِ لَيْلًا، قَالَهُ فِي الْعُبَابِ (وَيَقُولُ) نَدْبًا (عِنْدَ) إرَادَةِ (دُخُولِهِ) أَوْ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ (بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ أَتَحَصَّنُ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 اللَّهُمَّ إنْي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ. وَعِنْدَ خُرُوجِهِ: غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي. وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ،   [مغني المحتاج] الشَّيْطَانِ، هَكَذَا يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا أَللَّهُ (إنْي أَعُوذُ) أَيْ أَعْتَصِمُ (بِكَ مِنْ الْخُبُثِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ (وَالْخَبَائِثِ) جَمْعُ خَبِيثَةٍ، وَالْمُرَادُ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (1) ، وَفَارَقَ تَأْخِيرُ التَّعَوُّذِ عَنْ الْبَسْمَلَةِ هُنَا تَعُوذَ الْقِرَاءَةِ حَيْثُ قَدَّمُوهُ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ ثَمَّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهُ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بِخِلَافِهِ هُنَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَإِنْ نَسِيَ تَعَوَّذَ بِقَلْبِهِ كَمَا يَحْمَدُ الْعَاطِسُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَزْرِيِّ وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ: أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ مَحَلَّ ذِكْرٍ فَلَا يَتَجَاوَزُ فِيهِ الْمَأْثُورَ، وَزَادَ الْغَزَالِيُّ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجَسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ (وَ) يَقُولُ نَدْبًا (عِنْدَ) أَيْ عَقِبَ (خُرُوجِهِ) أَوْ انْصِرَافِهِ (غُفْرَانَكَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. وَيُكَرِّرُ غُفْرَانَكَ ثَلَاثًا. قِيلَ: سَبَبُ سُؤَالِهِ ذَلِكَ تَرْكُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَقِيلَ: سَأَلَ الْمُسَامَحَةَ بِسَبَبِ تَرْكِ الذِّكْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَقِيلَ: اسْتَغْفَرَ خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ حَقِّ هَذِهِ النِّعَمِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ. وَقِيلَ: سَأَلَ دَوَامَ نِعْمَتِهِ بِتَسْهِيلِ الْأَذَى وَعَدَمِ حَبْسِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى شُهْرَتِهِ وَانْكِشَافِهِ، وَالْغُفْرَانُ عَلَى هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَفْرِ، وَهُوَ السَّتْرُ. وَقِيلَ: إنَّهُ لِمَا خَلَصَ مِنْ النَّجْوِ الْمُثَقِّلِ لِلْبَدَنِ سَأَلَ التَّخْلِيصَ مِمَّا يُثْقِلُ الْقَلْبَ وَهُوَ الذَّنْبُ لِتَكْمُلَ الرَّاحَةُ. وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ نُوحًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ (وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوِّثٍ، وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَمَذْيٍ وَوَدْيٍ لَا عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (بِمَاءٍ) عَلَى الْأَصْلِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (أَوْ حَجَرٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَّزَهُ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» (2) الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» : وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْوُضُوءِ دُونَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَارْتِفَاعُهُ يَحْصُلُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُهُ وَإِنَّمَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ وَلَا اسْتِبَاحَةَ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ، وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ   [مغني المحتاج] الْمَانِعِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ التُّرَابِ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ حَجَرٍ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا (وَجَمْعُهُمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ (أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ بِالْحَجَرِ؛ وَالْأَثَرَ يَزُولُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مُخَامَرَةِ النَّجَاسَةِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ طَهَارَةُ الْحَجَرِ وَأَنَّهُ يَكْفِي بِدُونِ الثَّلَاثِ مَعَ الْإِنْقَاءِ، وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْجِيلِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الثَّانِي: الْمَعْنَى وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلَّانِ عَلَيْهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِهَذَا يَحْصُلُ أَصْلُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغَائِطِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْحَجَرَ حِجَارَةَ الْحَرَمِ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) الْوَارِدِ (كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ كَالْحَجَرِ، فَخَرَجَ بِالْجَامِدِ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ، وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسُ كَالْبَعَرِ، وَالْمُتَنَجِّسُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَبِالْقَالِعِ نَحْوُ الزُّجَاجِ وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَالْمُتَنَاثِرِ كَتُرَابٍ وَمَدَرٍ وَفَحْمٍ رِخْوَيْنِ، بِخِلَافِ التُّرَابِ وَالْفَحْمِ الصُّلْبَيْنِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْفَحْمِ ضَعِيفٌ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الرِّخْوِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ حَجَرَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالِعًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ كَجُزْءِ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ بِهِ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ، وَكَمَطْعُومِ آدَمِيٍّ كَالْخُبْزِ أَوْ جِنِّيٍّ كَالْعَظْمِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ: إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ» يَعْنِي مِنْ الْجِنِّ، فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ فَيَجُوزُ بِهِ، وَالْمَطْعُومُ لَهَا وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَغْلَبُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ، وَالْأَصَحُّ الثُّبُوتُ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، أَمَّا جُزْءُ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ كَشَعْرِهِ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ الْمَنْعُ فِي جُزْءِ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا، وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا، وَهُوَ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ فَلَا يَجُوزُ بِرَطْبِهِ وَلَا يَابِسِهِ. وَالثَّانِي: مَا يُؤْكَلُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلِ. وَالثَّالِثُ: مَا لَهُ قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ، وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ حَبُّهُ فِيهِ، وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وَجِلْدٍ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَشَرْطُ الْحَجَرِ أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجِسُ،   [مغني المحتاج] كَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَاءِ جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا، ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ مَبْسُوطًا، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ وَغَيْرِ قَالِعٍ لَمْ يَنْقُلَا النَّجَاسَةَ، فَإِنْ نَقَلَاهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ عِلْمٌ كَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مَرَّ أَمْ لَا كَحِسَابٍ وَنَحْوٍ وَطِبٍّ وَعَرُوضٍ فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَمَنْطِقٍ مُشْتَمِلٍ عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَلَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ، إطْلَاقُ مَنْ جَوَّزَهُ وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرَقِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهُمَا وَخَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِهِ. وَأُلْحِقَ بِمَا فِيهِ عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، بِخِلَافِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا (وَجِلْدٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى جَامِدٍ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى كُلُّ (دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَدْبُوغَ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِ جِلْدٍ بِجِلْدَيْنِ، وَغَيْرُ الْمَدْبُوغِ مُحْتَرَمٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُوم، وَلِهَذَا يُؤْكَلُ مَعَ الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ دُسُومَةٌ تَمْنَعُ التَّنْشِيفَ أَوْ نَجَسٌ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ: يَجُوزُ بِهِمَا. وَالثَّالِث وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ: لَا يَجُوزُ بِهِمَا، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ إذَا اسْتَنْجَى بِهِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا جَازَ إذْ لَا دُسُومَةَ فِيهِ وَلَيْسَ بِطَعَامٍ، وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفُ جِلْدَ الْحُوتِ الْكَبِيرِ الْجَافِّ فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: الظَّاهِرُ الْجَوَازُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَدْبُوغِ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُ الْمَنْعِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُحْتَرَمِ فَيَقُولُ فَيَمْتَنِعُ بِجِلْدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ دُونَ كُلِّ مَدْبُوغٍ طَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنَّ كَلَامَهُ الْآنَ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ فَلَا خَبَرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى " كُلُّ " كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ فَيَكُونُ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ قَسِيمًا لِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ إلَخْ فَيَكُونُ غَيْرَهُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ بَعْضٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مَجْرُورًا كَمَا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا عَطْفًا عَلَى جَامِدٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَمِنْهُ جِلْدٌ دُبِغَ أَيْ مِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْجَامِدِ جِلْدٌ دُبِغَ دُونَ جِلْدٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ طَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ. فَائِدَةٌ: يَجُوزُ التَّدَلُّكُ وَغَسْلُ الْأَيْدِي بِالنُّخَالَةِ وَدَقِيقِ الْبَاقِلَاءِ وَنَحْوِهِ (وَشَرْطُ الْحَجَرِ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لَأَنْ يُجْزِئَ (أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجِسُ) الْخَارِجُ فَإِنْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ، نَعَمْ لَوْ بَالَ ثَانِيًا بَعْدَ جَفَافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وَلَا يَنْتَقِلَ وَلَا يَطْرَأُ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ نَدَرَ أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ وَحَشَفَتَهُ جَازَ الْحَجَرُ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَجِبُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ، وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ،   [مغني المحتاج] بَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ، وَالْغَائِطُ الْمَائِعُ كَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ (وَ) أَنْ (لَا يَنْتَقِلَ) عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْهُ بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْهُ تَعَيَّنَ فِي الْمُنْفَصِلِ الْمَاءُ، وَأَمَّا الْمُتَّصِلُ بِالْمَحَلِّ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي (وَ) أَنْ (لَا يَطْرَأَ) عَلَيْهِ (أَجْنَبِيٌّ) نَجِسًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا رَطْبًا وَلَوْ بَلَّلَ الْحَجَرَ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. أَمَّا الْجَافُّ الطَّاهِرُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَهُوَ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ نَجِسٌ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ، نَعَمْ الْبَلَلُ بِعَرَقِ الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ مِنْ فَرْجٍ مُعْتَادٍ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ وَلَا فِي مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مُنْسَدًّا أَيْ إذَا كَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَا فِي بَوْلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ آلَةٌ فَقَطْ لَا تُشْبِهُ آلَةَ الرِّجَالِ وَلَا آلَةَ النِّسَاءِ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ فِيهَا، وَلَا فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دَخَلَ مَدْخَلَ الذَّكَرِ لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ إلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَا فِي بَوْلِ الْأَقْلَفِ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْجِلْدَةِ، وَيُجْزِئُ فِي دَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَجَزَتْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ ثُمَّ تَيَمَّمَتْ لِنَحْوِ مَرَضٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا (وَلَوْ نَدَرَ) الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ (أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ النَّاسِ، وَقِيلَ: عَادَةِ نَفْسِهِ (وَلَمْ يُجَاوِزْ) فِي الْغَائِطِ (صَفْحَتَهُ) وَهُوَ مَا انْضَمَّ مِنْ الْأَلْيَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ (وَحَشَفَتَهُ) وَهِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْبَوْلِ (جَازَ الْحَجَرُ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ (فِي الْأَظْهَرِ) فِي ذَلِكَ، أَمَّا النَّادِرُ فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ إلَى مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ فِيهِ الْبَلْوَى فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. وَأَمَّا الْمُنْتَشِرُ فَوْقَ الْعَادَةِ فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلِمَا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتَهُمْ وَهُوَ مِمَّا يُرِقُّ الْبُطُونَ، وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، فَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ مَا ذُكِرَ مَعَ الِاتِّصَالِ لَمْ يَجُزْ الْحَجَرُ لَا فِي الْمُجَاوِزِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (وَيَجِبُ) فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِيُجْزِئَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا (ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ) بِفَتْحِ السِّينِ جَمْعُ مَسْحَةٍ بِسُكُونِهَا بِأَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ جَمِيعَ الْمَحَلِّ (وَلَوْ) كَانَتْ (بِأَطْرَافِ حَجَرٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ لَا يَكْفِي حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ عَنْ ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ عَدَدُ الرَّمْيِ وَهُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ، وَلَوْ غُسِلَ الْحَجَرُ وَجَفَّ جَازَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ وَتُرَابٍ اُسْتُعْمِلَ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ نَحْوِ الْكَلْبِ. فَإِنْ قِيلَ: التُّرَابُ الْمَذْكُورُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَكْفِي ثَانِيًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ الْمَانِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 فَإِنْ لَمْ يُنْقِ وَجَبَ الْإِنْقَاءُ. وَسُنَّ الْإِيتَارُ وَكُلُّ حَجَرٍ لِكُلِّ مَحَلِّهِ. وَقِيلَ يُوَزَّعْنَ لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسَطِ، وَيُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِيَسَارِهِ،   [مغني المحتاج] وَإِنَّمَا أَزَالَهُ الْمَاءُ بِشَرْطِ مَزْجِهِ بِالتُّرَابِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إنْ كَانَ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَلَا لِتَنَجُّسِهِ فَاسْتَفِدْهَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ. ثَانِيهِمَا إنْقَاءُ الْمَحَلِّ (فَإِنْ لَمْ يُنْقِ) بِالثَّلَاثِ (وَجَبَ الْإِنْقَاءُ) بِرَابِعٍ فَأَكْثَرَ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَذَفِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ (وَسُنَّ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِوِتْرٍ (الْإِيتَارُ) بِالْمُثَنَّاةِ بِوَاحِدَةٍ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ وَهَكَذَا لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا» (1) وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» (2) . وَقِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ شَاذٌّ (وَ) سُنَّ (كُلُّ حَجَرٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ (لِكُلِّ مَحَلِّهِ) أَيْ الْخَارِجِ فَيُسَنُّ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الدُّبُرِ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ قُرْبَ النَّجَاسَةِ، وَأَنْ يُدِيرَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ جُزْءًا مِنْهَا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ، وَأَنْ يَعْكِسَ الثَّانِيَ كَذَلِكَ، وَأَنْ يُمِرَّ الثَّالِثَ عَلَى الصَّفْحَتَيْنِ وَالْمَسْرُبَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَبِضَمِّ الْمِيمِ مَجْرَى الْغَائِطِ (وَقِيلَ يُوَزَّعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ (لِجَانِبَيْهِ وَالْوَسَطِ) فَيَجْعَلُ وَاحِدًا لِلْيُمْنَى وَآخَرَ لِلْيُسْرَى، وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ. وَقِيلَ وَاحِدًا لِلْوَسَطِ مُقْبِلًا وَآخَرَ لَهُ مُدْبِرًا وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ لَا فِي الْوُجُوبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَا بُدَّ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْمَحَلِّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ لِيَصْدُقَ أَنَّهُ مَسَحَهُ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعُمَّ بِالْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَحَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بَلْ يَكْفِي مَسْحُهُ لِصَفْحَةٍ وَأُخْرَى لِأُخْرَى. وَالثَّالِثَةُ لِلْمَسْرُبَةِ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَّطَ الْأَصْحَابَ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَائِلُهُ مِنْ حَيْثُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا لَا يَعُمُّ الْمَحَلَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ، وَلِلْمَسْحَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الْكَيْفِيَّةِ حُكْمُ الثَّالِثَةِ، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ " كُلُّ حَجَرٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " الْإِيتَارُ " تَبِعْتُ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَقْدِيرُهُ وَسُنَّ الْإِيتَارُ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ حَجَرٍ إلَخْ. قَالَ فَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَلَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّرِ اهـ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ أَيْ يَجِبُ ذَلِكَ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ النَّقِيبِ. قَالَ: لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنَّ التَّعْمِيمَ سُنَّةٌ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَيَنْدَفِعُ بِمَا تَقَدَّمَ (وَيُسَنُّ الِاسْتِنْجَاءُ) بِمَاءٍ أَوْ نَحْوِ حَجَرٍ (بِيَسَارِهِ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهَا الْأَلْيَقُ بِذَلِكَ، وَيُكْرَهُ بِالْيَمِينِ لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وَلَا اسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ، وَبَعَرٍ بِلَا لَوْثٍ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ» (1) وَقَوْلُ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي إنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ فِيهِ أَوَّلَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يَقَعُ بِمَا فِي الْيَمِينِ لَا بِالْيَدِ فَلَا مَعْصِيَةَ فِي الرُّخْصَةِ اهـ. . أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ، وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْقُبُلِ عَلَى الدُّبُرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ عَكْسُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِيَمِينِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَأْخُذَ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَصُبُّهُ بِيَمِينِهِ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَيَأْخُذُ بِهَا ذَكَرَهُ إنْ مَسَحَ الْبَوْلَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا جَعَلَهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَضَعَهُ فِي يَمِينِهِ وَيَضَعُ الذَّكَرَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَضْعًا لِتَنْتَقِلَ الْبَلَّةُ، وَفِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ مَسْحًا، وَيُحَرِّكُ يَسَارَهُ وَحْدَهَا، فَإِنْ حَرَّكَ الْيَمِينَ أَوْ حَرَّكَهُمَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضَعْ الْحَجَرَ فِي يَسَارِهِ وَالذَّكَرَ فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ بِهَا مَكْرُوهٌ، وَشَرَطَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ لَا يَمْسَحَ ذَكَرَهُ فِي الْجِدَارِ صُعُودًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفِي هَذَا التَّفْصِيلُ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. وَأَمَّا قُبُلُ الْمَرْأَةِ فَتَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَسَارِهَا إنْ كَانَ صَغِيرًا وَتَمْسَحُهُ ثَلَاثًا وَإِلَّا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرَّجُلِ فِيمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ أَنْ يَضَعَهُ أَوَّلًا عَلَى مَكَان طَاهِرٍ قُرْبَ النَّجَاسَةِ وَأَنْ يُدِيرَهُ بِرِفْقٍ، فَإِنْ أَمَرَّ الْحَجَرَ وَلَمْ يُدِرْهُ وَلَمْ يَنْقُلْ شَيْئًا مِنْ الْخَارِجِ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ نَقَلَ مَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ تَعَيَّنَ الْمَاءُ. أَمَّا الْقَدْرُ الْمَضْرُورُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْحَجَرِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لِيَعْلَمَ هَلْ قَلَعَ أَوْ لَا، وَلِلْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِنَحْوِ أَرْضٍ ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَأَنْ يَنْضَحَ بَعْدَهُ أَيْضًا فَرْجَهُ وَإِزَارَهُ مِنْ دَاخِلِهِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ، وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي غَسْلِ الدُّبُرِ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْبَاطِنِ وَهُوَ مَا لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْبِكْرِ أَنْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا فِي الثُّقْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ فَتَغْسِلَهُ (وَلَا اسْتِنْجَاءَ لِدُودٍ وَبَعَرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (بِلَا لَوْثٍ) أَيْ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا. وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ خَفِيَتْ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَجَمَعَ بَيْنَ الدُّودِ وَالْبَعْرِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ. خَاتِمَةٌ: الْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحِهَا بِيَدِهِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْمَحَلِّ وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَى يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ مَحَلَّ الرِّيحِ بَاطِنُ الْأُصْبُعِ الَّذِي كَانَ مُلَاصِقًا لِلْمَحَلِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فِي جَوَانِبِهِ فَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ أَوْ أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ قَدْ خَفَّفَ فِيهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فَخَفَّفَ فِيهِ هُنَا فَاكْتَفَى بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَهَلْ يُسَنُّ شَمُّ الْيَدِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ رَائِحَتَهَا هَلْ تَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَحَلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 بَابُ الْوُضُوءِ   [مغني المحتاج] أَوْ لَا، إنْ قُلْنَا تَدُلُّ اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَقَدْ نَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: إنْ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ بِتَأْثِيمِ فَاعِلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَنَطُّعٌ وَعَدْوٌ. وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ (1) . وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ وَحَصِّنْ فَرْجِي مِنْ الْفَوَاحِشِ. [بَابُ الْوُضُوءِ] (بَابُ الْوُضُوءِ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ: اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَقِيلَ بِفَتْحِهَا فِيهِمَا. وَقِيلَ بِضَمِّهَا كَذَلِكَ وَهُوَ أَضْعَفُهَا، وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ، إذْ قِيَاسُ الْمَصْدَرِ التَّوَضُّؤِ بِوَزْنِ التَّكَلُّمِ وَالتَّعَلُّمِ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الْمَصَادِرِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ وَالضِّيَاءُ مِنْ ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ أَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالنِّيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَسْحًا وَلَا تَنْظِيفَ فِيهِ وَكَانَ وُجُوبُهُ مَعَ وُجُوبِ الْخَمْسِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَاخْتَلَفُوا فِي خُصُوصِيَّتِهِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِي مُوجِبِهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: الْحَدَثُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا. ثَانِيهَا: الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: هُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْغُسْلِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَهُ شُرُوطٌ وَفُرُوضٌ وَسُنَنٌ، فَشُرُوطُهُ وَكَذَا الْغُسْلُ مَاءٌ مُطْلَقٌ، وَمَعْرِفَةُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ ظَنًّا، وَعَدَمُ الْحَائِلِ، وَجَرْيُ الْمَاءِ عَلَى الْعُضْوِ، وَعَدَمُ الْمُنَافِي مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي غَيْرِ أَغْسَالِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا وَمَسِّ ذَكَرٍ، وَعَدَمُ الصَّارِفِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِدَوَامِ النِّيَّةِ وَإِسْلَامٌ، وَتَمْيِيزٌ، وَمَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الصَّلَاةِ، وَإِزَالَةُ خَبَثٍ، عَلَى رَأْيٍ يَأْتِي، وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ جُزْءًا يَتَّصِلُ بِالْمَغْسُولِ وَيُحِيطُ بِهِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ اسْتِيعَابُ الْمَغْسُولِ وَتَحَقُّقُ الْمُقْتَضِي لِلْوُضُوءِ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ لَا فَتَوَضَّأَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَ الْمَغْسُولِ مَا هُوَ مُشْتَبَهٌ بِهِ، فَلَوْ خُلِقَ لَهُ وَجْهَانِ أَوْ يَدَانِ أَوْ رِجْلَانِ وَاشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَيَزِيدُ وُضُوءَ الضَّرُورَةِ بِاشْتِرَاطِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَوْ ظَنًّا وَتَقَدَّمَ الِاسْتِنْجَاءُ وَالتَّحَفُّظُ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوُضُوءِ، وَكَذَا فِي أَفْعَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فَرْضُهُ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ، أَوْ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ   [مغني المحتاج] الْوُضُوءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَأَمَّا فُرُوضُهُ فَذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (فَرْضُهُ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ فَرْضٍ مِنْهُ: أَيْ فُرُوضُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (سِتَّةٌ) وَزَادَ بَعْضُهُمْ سَابِعًا: وَهُوَ الْمَاءُ الطَّهُورُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ. وَاسْتُشْكِلَ بِعَدِّ التُّرَابِ رُكْنًا فِي التَّيَمُّمِ. . وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لَا يَحْسُنُ عَدُّ التُّرَابِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الْآلَةَ جِسْمٌ وَالْفِعْلَ عَرَضٌ فَكَيْفَ يَكُونُ الْجِسْمُ جُزْءًا مِنْ الْعَرَضِ، وَالْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرُّكْنُ لَا الْمَحْدُودُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ (أَحَدُهَا نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ) عَلَيْهِ: أَيْ رَفْعِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَرْتَفِعُ، وَذَلِكَ كَحُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لِمَاسِحِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوُضُوءِ رَفْعُ الْمَانِعِ فَإِذَا نَوَاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْمَقْصُودِ، وَإِنَّمَا نَكَّرَ الْحَدَثَ وَلَمْ يَقُلْ الْحَدَثَ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ نَوَى مَنْ عَلَيْهِ أَحْدَاثٌ رَفْعَ بَعْضِهَا، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَكْفِي وَإِنْ نَفَى بَعْضَهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا ارْتَفَعَ بَعْضُهُ ارْتَفَعَ كُلُّهُ، وَعُورِضَ بِمِثْلِهِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ لَا تَرْتَفِعُ وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهَا وَهُوَ وَاحِدٌ تَعَدَّدَتْ أَسْبَابُهُ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا فَيَلْغُو ذِكْرُهَا، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا عَلَيْهِ مَا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ كَأَنْ بَالَ وَلَمْ يَنَمْ فَنَوَى رَفْعَ حَدَثِ النَّوْمِ، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا لَمْ يَصِحَّ أَوْ غَالِطًا صَحَّ، وَضَابِطُ مَا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ وَمَا لَا يَضُرُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّ مَا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّض لَهُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا أَوْ جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْغَلَطُ فِيهِ، فَالْأَوَّلُ كَالْغَلَطِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسِهِ. وَالثَّانِي: كَالْغَلَطِ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا لَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ كَالْخَطَأِ هُنَا، وَفِي تَعْيِينِ الْمَأْمُومِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ التَّعَرُّض لِلْإِمَامَةِ. أَمَّا إذَا وَجَبَ التَّعَرُّض لَهَا كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (1) أَيْ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَدُّ بِهَا شَرْعًا، وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ طَرِيقُهُ الْأَفْعَالُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ، فَاحْتُرِزَ بِالْعِبَادَةِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِالْمَحْضَةِ عَنْ الْعَدَّةِ. وَبِطَرِيقِهِ الْأَفْعَالِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ، وَقِيلَ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَإِنَّ طَرِيقَهَا التُّرُوكُ، وَحَقِيقَتُهَا لُغَةً الْقَصْدُ، وَشَرْعًا قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَالْمَقْصُودُ بِهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ كَالْجُلُوسِ لِلِاعْتِكَافِ تَارَةً وَلِلِاسْتِرَاحَةِ أُخْرَى أَوْ تَمْيِيزُ رُتْبَتِهَا كَالصَّلَاةِ تَكُونُ لِلْفَرْضِ تَارَةً وَلِلنَّفْلِ أُخْرَى، وَشَرْطُهَا: إسْلَامُ النَّاوِي، وَتَمْيِيزُهُ، وَعِلْمُهُ بِالْمَنْوِيِّ، وَعَدَمُ إتْيَانِهِ بِمَا يُنَافِيهَا بِأَنْ يَسْتَصْحِبَهَا حُكْمًا، وَأَنْ لَا تَكُونَ مُعَلَّقَةً، فَلَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ صَحَّتْ، وَوَقْتُهَا أَوَّلُ الْفُرُوضِ كَأَوَّلِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ هُنَا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُوا الْمُقَارَنَةَ فِي الصَّوْمِ لِعُسْرِ مُرَاقَبَةِ الْفَجْرِ وَتَطْبِيقِ النِّيَّةِ عَلَيْهِ، وَكَيْفِيَّتُهَا تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَبْوَابِ، فَيَكْفِي هُنَا نِيَّةُ رَفْعِ حَدَثٍ كَمَا مَرَّ (أَوْ) نِيَّةُ (اسْتِبَاحَةِ) شَيْءٍ (مُفْتَقِرٌ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 إلَى طُهْرٍ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ.   [مغني المحتاج] صِحَّتُهُ (إلَى طُهْرٍ) أَيْ وُضُوءٍ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ إنَّمَا يُطْلَبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا نَوَاهَا فَقَدْ نَوَى غَايَةَ الْقَصْدِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَهَا وَلِغَيْرِهَا، وَإِنْ نَفَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ وَنَفَى غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ كَمَا مَرَّ، وَالتَّعَرُّض لِمَا عَيَّنَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَيَلْغُو ذِكْرُهُ. وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِهِ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ حَدَثِهِ لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِذَا بَقِيَ بَعْضُهُ بَقِيَ كُلُّهُ. اهـ. وَرَدَّ هَذَا شَيْخُنَا بِمَا تَقَدَّمَ، وَفَرَّقَ ابْنُ شُهْبَةَ بِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ نَفْيَ بَعْضِ حَدَثِهِ الَّذِي رَفَعَهُ وَفِيمَا رَدَّ بِهِ الْبَاقِي غَيْرَ الْحَدَثِ الْمَرْفُوعِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ إذَا رَفَعَ غَيْرَهُ وَهَذَا الْفَرْقُ ظَاهِرٌ. وَقَالَ شَيْخِي: الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ؛ لِأَنَّ النَّافِيَ فِيهِ كَالْمُتَلَاعِبِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ إذَا ارْتَفَعَ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ هَذِهِ وَغَيْرَهَا فَصَارَ كَمَنْ قَالَ: أُصَلِّي بِهِ وَلَا أُصَلِّي بِهِ اهـ. وَعَلَى الْأَوَّلِ دَائِمُ الْحَدَثِ لَا يَسْتَبِيحُ الْمَنْفِيَّ بَدَلَ الْمُعَيَّنِ، وَمَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ كَأَنْ نَوَى صَلَاةَ الْعِيدِ بِوُضُوءٍ فِي رَجَبٍ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ لِتَلَاعُبِهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوُضُوءِ بَدَلَ طُهْرٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ مُفْتَقِرَانِ إلَى طُهْرٍ: وَهُوَ الْغُسْلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِنِيَّتِهِمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ " اسْتِبَاحَةِ " لِأَنَّ نِيَّةَ اسْتِبَاحَتِهِمَا تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ، وَشَرْطُ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ قَصْدُ فِعْلِهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ فِعْلَ الصَّلَاةِ: أَيْ أَوْ نَحْوِهَا بِوُضُوئِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَهُوَ مُتَلَاعِبٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ (أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْوُضُوءِ) أَوْ فَرْضِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ صَبِيًّا، أَوْ أَدَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءِ فَقَطْ لِتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ كَوْنِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِلتَّمْيِيزِ لِلْقُرْبَةِ وَإِلَّا لَمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ قَالَ: وَإِنَّمَا صَحَّ الْوُضُوءُ بِنِيَّةِ فَرْضِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ، أَوْ يُقَالُ: لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا لُزُومَ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَإِلَّا لَامْتَنَعَ وُضُوءُ الصَّبِيِّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، بَلْ الْمُرَادُ فِعْلُ طَهَارَةِ الْحَدَثِ الْمَشْرُوطِ لِلصَّلَاةِ، وَشَرْطُ الشَّيْءِ يُسَمَّى فَرْضًا اهـ. وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ الِاكْتِفَاء بِالْأُمُورِ السَّابِقَةِ مَحَلُّهُ فِي الْوُضُوءِ غَيْرِ الْمُجَدَّدِ. أَمَّا الْمُجَدَّدُ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: يَكْتَفِي بِهَا كَالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّجْدِيدِ أَنْ يُعِيدَ الشَّيْءَ بِصِفَتِهِ الْأُولَى اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ فَرْضُهُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ؟ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الْوُضُوءِ بِذَلِكَ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافَهُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ دُونَ نِيَّةِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ دُونَ الرَّفْعِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا.   [مغني المحتاج] عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَغُسْلِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَا تَنْحَصِرُ كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ صَحَّ جَزْمًا، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَكُونُ عَنْ حَدَثٍ وَقَدْ تَكُونُ عَنْ خَبَثٍ فَاعْتُبِرَ التَّمْيِيزُ. وَقِيلَ: تَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَقَوَّاهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ لَا تَكُونُ عَنْ خَبَثٍ قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ، لَكِنْ حَمَلَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى إرَادَةِ نِيَّةِ الْحَدَثِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى فَرْضَ الطَّهَارَةِ لَمْ يَكْفِ لِمَا ذَكَرَهُ، وَلَوْ نَوَى أَدَاءَ فَرْضِ الطَّهَارَةِ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمُهَذَّبِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ، إذْ يُقَالُ إنَّ هَذَا كَإِطْلَاقِ الطَّهَارَةِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي. وَيُجَابُ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَمَّا أُضِيفَتْ إلَى الصَّلَاةِ شَمِلَتْ رَفْعَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَصَحَّتْ بِخِلَافِ فَرْضِ الطَّهَارَةِ أَوْ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا تَصْدُقُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَقَطْ فَلَمْ تَكْفِ دُونَ الْأَوَّلِ (وَمَنْ دَامَ حَدَثُهُ كَمُسْتَحَاضَةٍ) وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ رِيحٌ (كَفَاهُ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (دُونَ) نِيَّةِ (الرَّفْعِ) الْمَارِّ لِبَقَاءِ حَدَثِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا) وَجْهُ الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ الْقِيَاسُ عَلَى التَّيَمُّمِ بِجَامِعِ بَقَاءِ الْحَدَثِ. وَأَمَّا عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الرَّفْعِ فَلِبَقَاءِ حَدَثِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحُّ فِيهِمَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ يُنْدَبُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لِتَكُونَ نِيَّةُ الرَّفْعِ لِلْحَدَثِ السَّابِقِ، وَنِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ أَوْ نَحْوِهَا لِلَّاحِقِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّهُ قَدْ جَمَعَ فِي نِيَّتِهِ بَيْنَ مُبْطِلٍ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَحْدَهَا تُفِيدُ الرَّفْعَ كَنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ فَالْغَرَضُ يَحْصُلُ بِهَا وَحْدَهَا. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمَا يُؤَدِّي الْمَعْنَى مُطَابَقَةً لَا الْتِزَامًا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِجَمْعِ النِّيَّتَيْنِ، وَيَكْفِيهِ أَيْضًا نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَنَحْوُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: إنَّهُ الْحَقِيقُ بِالِاعْتِمَادِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَيَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ نِيَّةِ دَائِمِ الْحَدَثِ فِيمَا يَسْتَبِيحُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ حُكْمُ نِيَّةِ الْمُتَيَمِّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا وَأَغْفَلَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ اسْتَبَاحَهُ وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَسْطُ ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ تُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ بَعْدَ وُضُوئِهِ فِي حَدَثِهِ احْتِيَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا لَمْ يُجْزِهِ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةَ الظُّهْرِ مَثَلًا شَاكًّا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَا يَكْفِي. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ حَدَثُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ لِلضَّرُورَةِ. وَلَوْ تَوَضَّأَ الشَّاكُّ وُجُوبًا بِأَنْ شَكَّ بَعْدَ حَدَثِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وَمَنْ نَوَى تَبَرُّدًا مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. أَوْ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةٍ فَلَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فِي وُضُوئِهِ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَدَثِ بَلْ لَوْ نَوَى فِي هَذِهِ إنْ كَانَ مُحْدِثًا فَعَنْ حَدَثِهِ وَإِلَّا فَتَجْدِيدٌ صَحَّ أَيْضًا وَإِنْ تَذَكَّرَ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ (وَمَنْ نَوَى) بِوُضُوئِهِ (تَبَرُّدًا) أَوْ شَيْئًا يَحْصُلُ بِدُونِ قَصْدٍ كَتَنْظِيفٍ وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ (مَعَ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ) أَيْ مُسْتَحْضِرًا عِنْدَ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ نَحْوِهِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ (جَازَ) أَيْ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِحُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمُصَلٍّ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفْعَ الْغَرِيمِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ عَنْ الْغَرِيمِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ. وَالثَّانِي: يَضُرُّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْرِيكِ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ فَقَدَ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ كَأَنْ نَوَى التَّبَرُّدَ أَوْ نَحْوَهُ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ غَسْلُ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَنَحْوِهِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ دُونَ اسْتِئْنَافِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الصِّحَّةِ، أَمَّا الثَّوَابُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ حُصُولِهِ، وَقَدْ اخْتَارَ الْغَزَالِيُّ - فِيمَا إذَا شَرَّكَ فِي الْعِبَادَةِ غَيْرَهَا مِنْ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ - اعْتِبَارَ الْبَاعِثِ عَلَى الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدُّنْيَوِيُّ هُوَ الْأَغْلَبُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجْرٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ الدِّينِيُّ أَغْلَبَ فَلَهُ بِقَدْرِهِ وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَا أَجْرَ فِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَتَسَاوَى الْقَصْدَانِ أَمْ اخْتَلَفَا، وَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ التَّيَمُّمُ وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْوُضُوءِ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ فَيُعِيدُهَا لِلْبَاقِي، وَإِذَا بَطَلَ وُضُوءُهُ فِي أَثْنَائِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرُّويَانِيِّ، يُحْتَمَلُ أَنْ يُثَابَ عَلَى الْمَاضِي كَمَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُقَالَ: إنْ بَطَلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَنَعَمْ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا ثَوَابَ لَهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ التَّفْصِيلُ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (أَوْ) نَوَى بِوُضُوئِهِ (مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ كَقِرَاءَةٍ) لِقُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ وَلِدُخُولِ مَسْجِدٍ (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ: أَيْ لَا يُجْزِئُهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَتَضَمَّنُ قَصْدُهُ رَفْعَ الْحَدَثِ، فَكَانَ كَزِيَارَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالصَّدِيقِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِنِيَّتِهِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَحْصِيلُ الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ رَفْعِ الْحَدَثِ، فَكَانَتْ نِيَّتُهُ مُتَضَمِّنَةً لَهُ. أَمَّا مَا لَا يُنْدَبُ لَهُ الْوُضُوءُ كَدُخُولِ السُّوقِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ بِنِيَّتِهِ جَزْمًا. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ: لَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ وَلَا يُصَلِّيَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ لِتَلَاعُبِهِ وَتَنَاقُضِهِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى بِهِ الصَّلَاةَ بِمَكَانٍ نَجِسٍ. الثَّانِي: لَوْ انْغَمَسَ بَعْضُ أَعْضَاءِ مَنْ نَوَى الطُّهْرَ بِسَقْطَةٍ فِي مَاءٍ أَوْ غَسَلَهَا فُضُولِيٌّ وَنِيَّتُهُ فِيهِمَا عَازِبَةٌ لَمْ يُجْزِهِ لِانْتِفَاءِ فِعْلِهِ مَعَ النِّيَّةِ، فَقَوْلُهُمْ: لَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ مُتَذَكِّرًا لِلنِّيَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ غَيْرُهُ فِي نَهْرٍ مُكْرَهًا فَنَوَى فِيهِ رَفْعَ الْحَدَثِ صَحَّ وُضُوءُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. الثَّالِثُ: لَوْ نَسِيَ لَمْعَةً فِي وُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ فَانْغَسَلَتْ فِي الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ بِنِيَّةِ التَّنَفُّلِ أَوْ فِي إعَادَةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ لِنِسْيَانٍ لَهُ أَجْزَأَهُ: أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ نِيَّتِهِ الْأُولَى كَمَالُ غَسْلِهَا قَبْلَ غَيْرِهَا، وَتَوَهُّمُهُ الْغُسْلَ عَنْ غَيْرِهَا لَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ عَنْهَا كَمَا لَوْ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ظَانًّا أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَكْفِي، وَإِنْ تَوَهَّمَهُ الْأَوَّلَ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ الْوَجْهِ. وَقِيلَ يَكْفِي بِسُنَّةٍ قَبْلَهُ، وَلَهُ تَفْرِيقُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ   [مغني المحتاج] وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ: فَلِأَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْغَسَلَتْ فِي تَجْدِيدِ وُضُوءٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مُسْتَقِلٌّ بِنِيَّةٍ لَمْ تَتَوَجَّهْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ أَصْلًا، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا فَانْغَسَلَتْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فِي تَعْلِيلِهِ (وَيَجِبُ قَرْنُهَا) بِسُكُونِ الرَّاءِ مَصْدَرُ قَرَنَ بِفَتْحِهَا (بِأَوَّلِ) غَسْلِ (الْوَجْهِ) لِتَقْتَرِنَ بِأَوَّلِ الْفَرْضِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا عَدَا الصَّوْمَ لِمَا مَرَّ فَلَا يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِمَا بَعْدَ الْوَجْهِ قَطْعًا لِخُلُوِّ أَوَّلِ الْمَغْسُولِ وُجُوبًا عَنْهَا. وَأَمَّا اقْتِرَانُهَا بِمَا قَبْلَهُ مِنْ السُّنَنِ مَا عَدَا الِاسْتِنْجَاءَ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ يَكْفِي) قَرْنُهَا (بِسُنَّةٍ قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَادَةِ أَرْكَانُهَا، وَالسُّنَنُ تَوَابِعُ، أَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَلَا يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِهِ جَزْمًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَزَبَتْ قَبْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ فَإِنْ بَقِيَتْ إلَى غَسْلِهِ كَفَى بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِيُثَابَ عَلَى السُّنَنِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا خَلَتْ عَنْ النِّيَّةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَنْ نَوَى صَوْمَ النَّفْلِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ تَنْعَطِفُ عَلَى الْمَاضِي وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ جَمِيعِ الْيَوْمِ، فَلِمَ لَا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ بِالسُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ النَّهَارِ، وَأَيْضًا الصَّوْمُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا صَحَّ بَعْضُهَا صَحَّ كُلُّهَا، وَالْوُضُوءُ أَفْعَالٌ مُتَفَاصِلَةٌ فَالِانْعِطَافُ فِيهَا أَبْعَدُ، وَلَوْ اُقْتُرِنَتْ النِّيَّةُ بِالْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ وَانْغَسَلَ مَعَهُ جُزْءٌ مِنْ الْوَجْهِ أَجْزَأَ، وَإِنْ عَزَبَتْ النِّيَّةُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَغَسَّلَهُ بِنِيَّةِ الْوَجْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ لَا لِوُجُودِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ مَقْرُونٍ بِالنِّيَّةِ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ الْجُزْءِ مَعَ الْوَجْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَلَا تُجْزِئُ الْمَضْمَضَةُ وَلَا الِاسْتِنْشَاقُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِهِمَا عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ قَالَهُ الْقَاضِي مُجَلِّي (1) ، فَالنِّيَّةُ لَمْ تَقْتَرِنْ بِمَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ حَقِيقَةً، وَلَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَ أَوَّلِهِ كَفَتْ وَوَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْسُولِ مِنْهُ قَبْلَهَا، فَوُجُوبُ قَرْنِهَا بِالْأَوَّلِ لِيَعْتَدَّ بِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الِاسْتِصْحَابِ الذِّكْرَيْ. وَأَمَّا الْحُكْمِيُّ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْوِي قَطْعَهَا وَلَا يَأْتِي بِمُنَافِيهَا كَالرِّدَّةِ فَوَاجِبٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَلَهُ تَفْرِيقُهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ بِأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَكَذَلِكَ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ عَلَى أَفْعَالِهِ وَجَعَلَ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ مِنْ صُوَرِ التَّفْرِيقِ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ مُطْلَقًا عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الثَّانِيَةَ تَتَضَمَّنُ قَطْعَ الْأُولَى: أَيْ كَمَا فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ يُقَالُ: هِيَ مُؤَكَّدَةٌ، وَنِيَّةُ الْوُضُوءِ لَيْسَتْ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَقْطَعَ الثَّانِيَةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فِي الْأَصَحِّ. الثَّانِي: غَسْلُ وَجْهِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ رَأْسِهِ غَالِبًا وَمُنْتَهَى لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَمِنْهُ مَوْضِع الْغَمَمِ، وَكَذَا التَّحْذِيفُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْأُولَى اهـ وَهَذَا حَسَنٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى حَصَلَ بِهَا الْمَقْصُودُ لِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ. وَهَلْ يَقْطَعُ النِّيَّةَ نَوْمٌ مُمْكِنٌ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا: لَا، وَالْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يُحِلُّ كُلَّ الْبَدَنِ بَلْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ خَاصَّةً كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَاسِّ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا وَيَرْتَفِعُ حَدَثُ كُلِّ عُضْوٍ بِمُجَرَّدِ غَسْلِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (الثَّانِي) مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ) ظَاهِرِ (وَجْهِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَلِلْإِجْمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَسْلِ الِانْغِسَالُ سَوَاءٌ أَكَانَ بِفِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ أَمْ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ (وَهُوَ) طُولًا (مَا بَيْنَ مَنَابِتِ) شَعْرِ (رَأْسِهِ غَالِبًا وَ) تَحْتَ (مُنْتَهَى لَحْيَيْهِ) وَهُمَا بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ: الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى (وَ) عَرْضًا (مَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَقَعُ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ " بِظَاهِرِ " دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ قَطْعًا، بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنِ بَلْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْكَرَاهَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَكِنْ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ إنْ تَنَجَّسَ، وَالْفَرْقُ غِلَظُ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُزَالُ عَنْ الشَّهِيدِ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ دَمِ الشَّهَادَةِ. أَمَّا مَآقِي الْعَيْنِ فَيُغْسَلُ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْمَحَلِّ الْوَاجِبِ كَالرَّمَصِ وَجَبَ إزَالَتُهُ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ، وَبِغَالِبًا الْأَصْلَعُ، وَهُوَ مَنْ انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ نَاصِيَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهَا. وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَيْهِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ، وَدَخَلَ مَوْضِعُ الْغَمَمِ كَمَا قَالَ (فَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ (مَوْضِعُ الْغَمَمِ) لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ، وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ مِنْ الْجَبْهَةِ، وَالْغَمَمُ أَنْ يَسِيلَ الشَّعْرُ حَتَّى يَضِيقَ الْجَبْهَةَ أَوْ الْقَفَا، يُقَالُ: رَجُلٌ أَغَمُّ وَامْرَأَةٌ غَمَّاءُ، وَالْعَرَبُ تَذُمُّ بِهِ وَتَمْدَحُ بِالنَّزْعِ؛ لِأَنَّ الْغَمَمَ يَدُلُّ عَلَى الْبَلَادَةِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالنَّزْعَ بِضِدِّ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ: [الطَّوِيل] فَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَنَا ... أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهُ لَيْسَ بِأَنْزَعَا بَلْ قَوْلُهُ: غَالِبًا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْجَبْهَةَ لَيْسَتْ مَنْبَتًا، وَإِنْ نَبَتَ الشَّعْرُ عَلَيْهَا لِعَارِضٍ، وَالنَّاصِيَةُ مَنْبَتٌ، وَإِنْ انْحَسَرَ عَنْهَا الشَّعْرُ لِعَارِضٍ، فَمَنْبَتُ الشَّيْءِ مَا صَلَحَ لِنَبَاتِهِ، وَغَيْرِ مَنْبَتِهِ مَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: الْأَرْضُ مَنْبَتٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا نَبَاتٌ، وَالْحَجَرُ لَيْسَ مَنْبَتًا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ نَبَاتٌ، بَلْ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: إنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ مَنَابِتَ شَعْرِ رَأْسِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ لَا غَالِبَ فِيهِ وَلَا نَادِرَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِقَوْلِهِ غَالِبًا لَوْ عَبَّرَ بِشَعْرِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ اهـ. ، وَمُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا التَّحْذِيفُ) بِالْمُعْجَمَةِ: أَيْ مَوْضِعِهِ مِنْ الْوَجْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُحَاذَاتِهِ بَيَاضَ الْوَجْهِ، وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعَذَارِ وَالنَّزْعَةِ، وَسُمِّيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 لَا النَّزْعَتَانِ، وَهُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ. قُلْتُ: صَحَّحَ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَوْضِع التَّحْذِيفِ مِنْ الرَّأْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ، وَحَاجِبٍ، وَعِذَارٍ، وَشَارِبٍ، وَخَدٍّ وَعَنْفَقَةٍ شَعَرًا وَبَشَرًا، وَقِيلَ لَا يَجِبُ بَاطِنُ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ، وَاللِّحْيَةُ   [مغني المحتاج] بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَشْرَافَ يَحْذِفُونَ الشَّعْرَ عَنْهُ لِيَتَّسِعَ الْوَجْهُ. وَضَابِطُهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِهِ فِي الدَّقَائِقِ: أَنْ تَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِي عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ وَتَفْرِضَ هَذَا الْخَيْطَ مُسْتَقِيمًا، فَمَا نَزَلَ عَنْهُ إلَى جَانِبِ الْوَجْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ (لَا النَّزْعَتَانِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، وَيُقَالُ فِيهِ رَجُلٌ أَنْزَعُ وَلَا يُقَالُ امْرَأَةٌ نَزْعَاءُ بَلْ يُقَالُ زَعْرَاءُ (وَهُمَا بَيَاضَانِ يَكْتَنِفَانِ النَّاصِيَةَ) وَهِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ مِنْ أَعْلَى الْجَبِينِ فَلَيْسَتَا مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَدِّ تَدْوِيرِ الرَّأْسِ (قُلْتُ: صَحَّحَ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنْ الرَّأْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاتِّصَالِ شَعْرِهِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَتَبِعَ فِي الْمُحَرَّرِ تَرْجِيحَ الْغَزَالِيِّ لِلْأَوَّلِ، وَمِنْ الرَّأْسِ أَيْضًا الصُّدْغَانِ وَهُمَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مُتَّصِلَانِ بِالْعِذَارَيْنِ لِدُخُولِهِمَا فِي تَدْوِيرِ الرَّأْسِ. وَيُسَنُّ غَسْلُ مَوْضِعِ الصَّلَعِ وَالتَّحْذِيفِ وَالنَّزْعَتَيْنِ وَالصُّدْغَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فِي غَسْلِهِ، وَيَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَمِنْ الْحَلْقِ وَمِنْ تَحْتِ الْحَنَكِ وَمِنْ الْأُذُنَيْنِ وَتَجِبُ أَدْنَى زِيَادَةٍ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الْوَاجِبِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمِنْ الْوَجْهِ الْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعَذَارِ وَالْأُذُنِ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّهِ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ، وَمِنْ الْأَنْفِ بِالْجَدْعِ. (وَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّ هُدْبٍ) وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَبِفَتْحِهِمَا مَعًا: الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى أَجْفَانِ الْعَيْنِ (وَحَاجِبٍ) جَمْعُهُ حَوَاجِبُ، وَحَاجِبُ الْأَمِيرِ جَمْعُهُ حُجَّابٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْجُبُ عَنْ الْعَيْنِ شُعَاعَ الشَّمْسِ. (وَعَذَارٍ) وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الشَّعْرُ النَّابِتُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِضِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ بِإِزَاءِ الْأُذُنِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ لِلْأَمْرَدِ غَالِبًا. (وَشَارِبٍ) وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَاقَاتِهِ فَمَ الْإِنْسَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ (وَخَدٍّ) أَيْ الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فَهُوَ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ (وَعَنْفَقَةٍ) وَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ السُّفْلَى (شَعَرًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (وَبَشَرًا) أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَ الشَّعْرُ؛ لِأَنَّ كَثَافَتَهُ نَادِرَةٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ شَعَرٍ أَوْ يَقُولُ وَبَشَرَتُهَا: أَيْ بَشَرَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: شَعَرًا تَكْرَارٌ فَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ اسْمٌ لَهَا لَا لِمَنَابِتِهَا، وَقَوْلُهُ وَبَشَرًا غَيْرُ صَالِحٍ لِتَفْسِيرِ مَا تَقَدَّمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الْخَدَّ أَيْضًا فَنَصَّ عَلَى شَعْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَى بَشَرَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشَّعْرِ (وَقِيلَ لَا يَجِبُ) غَسْلُ (بَاطِنِ عَنْفَقَةٍ كَثِيفَةٍ) بِالْمُثْلَةِ وَلَا بَشَرَتِهَا كَاللِّحْيَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَقِيلَ: عَنْفَقَةٌ كَلِحْيَةٍ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ، وَفِي ثَالِثٍ يَجِبُ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِاللِّحْيَةِ (وَاللِّحْيَةُ) مِنْ الرَّجُلِ وَهِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا: الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الذَّقَنِ خَاصَّةً وَهِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 إنْ خَفَّتْ كَهُدْبٍ وَإِلَّا فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنْ الْوَجْهِ. الثَّالِثُ: غَسْلُ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ.   [مغني المحتاج] مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ (إنْ خَفَّتْ كَهُدْبٍ) فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَثُفَتْ (فَلْيَغْسِلْ ظَاهِرَهَا) وَلَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا لِعُسْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ مَعَ الْكَثَافَةِ الْغَيْرِ النَّادِرَةِ، وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غَرْفَةَ غَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ، وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ الْكَرِيمَةُ كَثِيفَةً وَبِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ذَلِكَ غَالِبًا، فَإِنْ خَفَّ بَعْضُهَا وَكَثُفَ بَعْضُهَا وَتَمَيَّزَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِأَنْ كَانَ الْكَثِيفُ مُتَفَرِّقًا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْخَفِيفِ وَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ إفْرَادَ الْكَثِيفِ بِالْغَسْلِ يَشُقُّ، وَإِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْخَفِيف لَا يُجْزِئُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَالشَّعْرُ الْكَثِيفُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ عَنْ الْمُخَاطَبِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ، وَالْعَارِضَانِ: وَهُمَا الْمُنْحَطَّانِ عَنْ الْقَدْرِ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ كَاللِّحْيَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفُ، وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ مِنْهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَةِ كَثَافَتِهَا، وَلِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهَا إزَالَتُهَا؛ لِأَنَّهَا مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِي غَسْلِ مَا ذُكِرَ إنْ لَمْ نَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى ذُكُورَتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ، قِيلَ: إيجَابُ ذَلِكَ فِي الْكَثِيفِ عَلَيْهِمَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا لَكِنَّهُ دَائِمٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّادِرَ الدَّائِمَ كَالْغَالِبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلِسِ الْبَوْلِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيُلْحَقُ نَادِرُ كُلِّ جِنْسٍ بِغَالِبِهِ مَعَ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَأْتِي فِي الْمَرْأَةِ لِلْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ غَسْلُ سِلْعَةٍ نَبَتَتْ فِي الْوَجْهِ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّهِ لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْصِيلَ فِي شُعُورِ الْوَجْهِ إذَا كَانَتْ فِي حَدِّهِ، أَمَّا الْخَارِجَةُ عَنْهُ فَيَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا مُطْلَقًا إنْ خَفَّتْ كَمَا فِي الْعُبَابِ، وَظَاهِرُهَا فَقَطْ مُطْلَقًا إنْ كَثُفَتْ كَمَا فِي الرَّوْضِ، بَلْ عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَكْتَفِي بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَ فِي هَذِهِ الشُّعُورِ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ خَارِجٍ عَنْ) حَدِّ (الْوَجْهِ) مِنْ لِحْيَةٍ وَغَيْرِهَا كَالْعَذَارِ خَفِيفًا كَانَ أَمْ كَثِيفًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا لِخُرُوجِهِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ. وَمَنْ لَهُ وَجْهَانِ وَكَانَ الثَّانِي مُسَامِتًا لِلْأَوَّلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا كَالْيَدَيْنِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ رَأْسَانِ كَفَى مَسْحُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْوَجْهِ غَسْلُ جَمِيعِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِ مَا يُسَمَّى وَجْهًا، وَفِي الرَّأْسِ بَعْضِ مَا يُسَمَّى رَأْسًا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَعْضِ أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (الثَّالِث) مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ يَدَيْهِ) مِنْ كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ لِلْآيَةِ وَالْإِجْمَاعِ (مَعَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَسْكُنُ بِقِلَّةٍ (مِرْفَقَيْهِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ عَكْسِهِ أَوْ قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعُبَابِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ ثُمَّ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ إلَى آخِرِهِ» ، وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا بَقِيَ، أَوْ مِنْ مِرْفَقَيْهِ فَرَأْسُ عَظْمِ الْعَضُدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَوْ فَوْقَهُ نُدِبَ بَاقِي عَضُدِهِ.   [مغني المحتاج] وَجْهُ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تُجْعَلَ الْيَدُ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ عَلَى الْأَصَحِّ مَجَازًا إلَى الْمِرْفَقِ مَعَ جَعْلِ إلَى غَايَةً لِلْغَسْلِ الدَّاخِلَةِ هُنَا فِي الْمُغَيَّا بِقَرِينَتَيْ الْإِجْمَاعِ وَالِاحْتِيَاطِ لِلْعِبَادَةِ. وَالْمَعْنَى اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مِنْ رُءُوسِ أَصَابِعِهَا إلَى الْمَرَافِقِ أَوْ لِلْمَعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] أَوْ تُجْعَلَ بَاقِيَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا إلَى الْمَنْكِبِ مَعَ جَعْلِ إلَى غَايَةً لِلتَّرْكِ الْمُقَدَّرِ فَتَخْرُجُ الْغَايَةُ، وَالْمَعْنَى اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ وَاتْرُكُوا مِنْهَا إلَى الْمَرَافِقِ. قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ إلَى بِمَعْنَى مَعَ: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ أَنَّ إلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَيْدِيَكُمْ مُضَافَةً إلَى الْمَرَافِقِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنَى التَّحْدِيدِ وَلَا لِذِكْرِهِ مَزِيدُ فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَدِ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا أَيْ الْمَرَافِقِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ يَطُولُ الْكَلَامُ بِذِكْرِهَا فَلْتُرَاجَعْ، وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْعَضُدِ لِيَتَحَقَّقَ غَسْلُ الْيَدِ، وَلِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. (فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ) أَيْ: بَعْضُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْيَدَيْنِ، وَالْيَدُ مُؤَنَّثَةٌ (وَجَبَ) غَسْلُ (مَا بَقِيَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (1) (أَوْ) قُطِعَ (مِنْ مِرْفَقَيْهِ) بِأَنْ سُلَّ عَظْمُ الذِّرَاعِ وَبَقِيَ الْعَظْمَانِ الْمُسَمَّيَانِ بِرَأْسِ الْعَضُدِ (فَرَأْسُ عَظْمِ الْعَضُدِ) يَجِبُ غَسْلُهُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمِرْفَقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَجْمُوعُ الْعَظْمَيْنِ وَالْإِبْرَةُ الدَّاخِلَةُ بَيْنَهُمَا لَا الْإِبْرَةُ وَحْدَهَا، وَمُقَابِلُهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَرَفُ عَظْمِ السَّاعِدِ فَقَطْ، وَوُجُوبُ غَسْلِ رَأْسِ الْعَضُدِ بِالتَّبَعِيَّةِ (أَوْ) قُطِعَ مِنْ (فَوْقِهِ) أَيْ الْمِرْفَقِ (نُدِبَ) غَسْلُ (بَاقِي عَضُدِهِ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ، وَلِتَطْوِيلِ التَّحْجِيلِ كَمَا لَوْ كَانَ سَلِيمَ الْيَدِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ التَّابِعُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ كَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ أَيَّامَ الْجُنُونِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْمَتْبُوعِ ثَمَّ رُخْصَةٌ فَالتَّابِعُ أَوْلَى بِهِ، وَسُقُوطَهُ هُنَا لَيْسَ رُخْصَةً بَلْ لِتَعَذُّرِهِ فَحَسُنَ الْإِتْيَانُ بِالتَّابِعِ مُحَافَظَةً عَلَى الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَإِمْرَارِ الْمُحْرِمِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ عِنْدَ عَدَمِ شَعْرِهِ، وَإِنْ قُطِعَ مِنْ مَنْكِبَيْهِ نُدِبَ غَسْلُ مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَيَجِبُ غَسْلُ شَعْرٍ عَلَى الْيَدَيْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِنْ كَثُفَ لِنُدْرَتِهِ، وَغَسْلُ ظُفْرٍ وَإِنْ طَالَ وَغَسْلُ بَاطِنِ ثُقْبٍ وَشُقُوقٍ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَوْرٌ فِي اللَّحْمِ، وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ فَقَطْ وَيَجْرِي هَذَا فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صِفَةِ الْغَسْلِ، وَغَسْلُ يَدٍ زَائِدَةٍ إنْ نَبَتَتْ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ، وَلَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ كَأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَسَلْعَةٍ، سَوَاءٌ جَاوَزَتْ الْأَصْلِيَّةَ أَمْ لَا؟ وَإِنْ نَبَتَتْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُ مَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّهُ لِوُقُوعِ اسْمِ الْيَدِ عَلَيْهِ مَعَ مُحَاذَاتِهِ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُحَاذِهِ، فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزَّائِدَةُ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الرَّابِعُ: مُسَمَّى مَسْحٍ لِبَشَرَةِ رَأْسِهِ، أَوْ شَعَرٍ فِي حَدِّهِ،   [مغني المحتاج] الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا زَائِدَةً وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِنَحْوِ فُحْشِ قِصَرٍ وَنَقْصِ أَصَابِعَ وَضَعْفِ بَطْشٍ غَسَلَهُمَا وُجُوبًا، سَوَاءٌ أُخْرِجَتَا مِنْ الْمَنْكِبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِيَتَحَقَّقَ الْإِتْيَانُ بِالْفَرْضِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ يُقْطَعُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي: بَابِهَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مَبْنَاهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، وَالْحَدُّ عَلَى الدَّرْءِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةُ الْعَضُدِ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهَا لَا الْمُحَاذِي وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا مَعَ خُرُوجِهَا عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، أَوْ تَقَلَّصَتْ جِلْدَةُ الذِّرَاعِ مِنْهُ وَجَبَ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَإِنْ تَدَلَّتْ جِلْدَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ بِأَنْ تَقَلَّعَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَبَلَغَ التَّقَلُّعُ إلَى الْآخَرِ ثُمَّ تَدَلَّتْ مِنْهُ، فَالِاعْتِبَارُ بِمَا انْتَهَى إلَيْهِ تَقَلُّعُهَا لَا بِمَا مِنْهُ تَقَلُّعُهَا، فَيَجِبُ غَسْلُهَا فِيمَا إذَا بَلَغَ تَقَلُّعُهَا مِنْ الْعَضُدِ إلَى الذِّرَاعِ دُونَ مَا إذَا بَلَغَ مِنْ الذِّرَاعِ إلَى الْعَضُدِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ جُزْءًا مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَلَوْ الْتَصَقَتْ بَعْدَ تَقَلُّعِهَا مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَجَبَ غَسْلُ مُحَاذِي الْفَرْضِ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنْ تَجَافَتْ عَنْهُ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا أَيْضًا لِنُدْرَتِهِ، وَإِنْ سَتَرَتْهُ اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ فَتْقُهَا، فَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ زَالَتْ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِهَا؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى ظَاهِرِهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ. وَلَوْ تَوَضَّأَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ تَثَقَّبَتْ لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا ظَهَرَ إلَّا لِحَدَثٍ فَيَجِبُ غَسْلُهُ كَالظَّاهِرِ أَصَالَةً، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْوُضُوءِ لِقَطْعِ يَدِهِ مَثَلًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَصِّلَ مَنْ يُوَضِّئُهُ، وَالنِّيَّةُ مِنْ الْآذِنِ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَعَادَ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ. (الرَّابِعُ) مِنْ الْفُرُوضِ (مُسَمَّى مَسْحٍ ل) بَعْضِ (بَشَرَةِ رَأْسِهِ أَوْ) بَعْضِ (شَعَرٍ) وَلَوْ وَاحِدَةً أَوْ بَعْضَهَا (فِي حَدِّهِ) أَيْ الرَّأْسِ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ بِالْمَدِّ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ، فَلَوْ خَرَجَ بِهِ عَنْهُ مِنْهَا لَمْ يَكْفِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَجَعِّدًا بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ لَخَرَجَ عَنْ الرَّأْسِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَرَوَى مُسْلِمٌ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ» (1) وَاكْتَفَى بِمَسْحِ الْبَعْضِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْمَسْحِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ خُصُوصِ النَّاصِيَةِ، وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي بَيْنَ النَّزْعَتَيْنِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا دُونَهُ، وَالْبَاءُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُتَعَدِّدٍ كَمَا فِي الْآيَةِ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] تَكُونُ لِلْإِلْصَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: صِيغَةُ الْأَمْرِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَاحِدَةٌ فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ التَّعْمِيمَ أَيْضًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَبِأَنَّ الْمَسْحَ ثَمَّ بَدَلٌ، لِلضَّرُورَةِ فَاعْتُبِرَ بِمُبْدَلِهِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ أَصْلٌ فَاعْتُبِرَ لَفْظُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ بَدَلٌ فَهَلَّا وَجَبَ تَعْمِيمُهُ كَمُبْدَلِهِ؟ . أُجِيبَ بِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، وَبِأَنَّ التَّعْمِيمَ يُفْسِدُهُ مَعَ أَنَّ مَسْحَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَالْأَصَحُّ جَوَازُ غَسْلِهِ، وَوَضْعِ الْيَدِ بِلَا مَدٍّ. الْخَامِسُ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ.   [مغني المحتاج] التَّخْفِيفِ لِجَوَازِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْغَسْلِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ إنَّمَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ أَصْلٌ فَإِنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ غَسَلَ بَشَرَةَ الْوَجْهِ، وَتَرَكَ الشَّعْرَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الرَّأْسِ عُرْفًا إذْ الرَّأْسُ اسْمٌ لِمَا رَأَسَ وَعَلَا، وَالْوَجْهُ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الشَّعْرِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اكْتَفَى بِالْمَسْحِ عَلَى النَّازِلِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ كَمَا اكْتَفَى بِذَلِكَ لِلتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاسِحَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَاسِحٍ عَلَى الرَّأْسِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ فِي التَّقْصِيرِ، إنَّمَا هُوَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالنَّازِلِ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ (جَوَازُ غَسْلِهِ) أَيْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ فَأَجْزَأَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ (وَ) جَوَازُ (وَضْعِ الْيَدِ) عَلَيْهِ (بِلَا مَدٍّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ إلَيْهِ، وَأَشَارَ بِالْجَوَازِ إلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَإِلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْحًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَطَرَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلْمَطَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَسْحَ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ أَجْزَأَهُ لِمَا ذُكِرَ، وَيُجْزِئُ مَسْحٌ بِبَرَدٍ وَثَلْجٍ لَا يَذُوبَانِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُجْزِئُ غَسْلٌ بِهِمَا إذَا ذَابَا وَجَرَيَا عَلَى الْعُضْوِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ مَسْحِهِ لَمْ يُعِدْ الْمَسْحَ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ الْيَدِ. (الْخَامِسُ) مِنْ الْفُرُوضِ (غَسْلُ رِجْلَيْهِ) بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدَّ بِإِجْمَاعِهِ (مَعَ كَعْبَيْهِ) (1) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قَدْرِهِمَا إنْ فُقِدَ كَمَا مَرَّ فِي الْمِرْفَقَيْنِ، وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَالْقَدَمِ فَفِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 السَّادِسُ: تَرْتِيبُهُ هَكَذَا.   [مغني المحتاج] «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْصِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ» (1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الْكَعْبَ هُوَ الَّذِي فَوْقَ مُشْطِ الْقَدَمِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْوُجُوهِ لَفْظًا فِي الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى فِي الثَّانِي لِجَرِّهِ عَلَى الْجِوَارِ. وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ مَا دَلَّ عَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ، وَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ هُنَا مِنْ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَرْضٌ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، عَلَى غَيْرِ لَابِسِ الْخُفِّ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْغَسْلُ، وَالْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْهُ. وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا فِي شُقُوقِ الرِّجْلَيْنِ مِنْ عَيْنٍ كَشَمْعٍ وَحِنَّاءٍ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنْ لَمْ يَصِلْ إلَى اللَّحْمِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي اللَّحْمِ غَوْرٌ أَخَذَا مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَلَا أَثَرَ لِدُهْنٍ ذَائِبٍ وَلَوْنِ حِنَّاءٍ، وَيَجِبُ إزَالَةُ مَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ مِنْ وَسَخٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ. وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ الْقَدَمِ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي، وَإِنْ قُطِعَ فَوْقَ الْكَعْبِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْبَاقِي كَمَا مَرَّ فِي الْيَدِ. (السَّادِسُ) مِنْ الْفُرُوضِ (تَرْتِيبُهُ هَكَذَا) أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ، ثُمَّ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ مَسْحَ الرَّأْسِ، ثُمَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنِ لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. «وَلِقَوْلِهِ فِي حَجَّتِهِ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» (2) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّهُ - تَعَالَى - ذَكَرَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَاتٍ، وَتَفْرِيقُ الْمُتَجَانِسِ لَا تَرْتَكِبُهُ الْعَرَبُ إلَّا لِفَائِدَةٍ، وَهِيَ هُنَا: وُجُوبُ التَّرْتِيبِ لَا نَدْبُهُ بِقَرِينَةِ الْأَمْرِ فِي الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ الْآيَةَ بَيَانٌ لِلْوُضُوءِ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ، بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ عَدَمُ التَّنْكِيسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتِيبٍ بِأَنْ غَطَسَ، وَمَكَثَ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] حَتَّى لَوْ اسْتَعَانَ بِأَرْبَعَةٍ غَسَلُوا أَعْضَاءَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَنَوَى صَحَّ وُضُوءُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْصُلُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَسْلُ الْوَجْهِ فَقَطْ كَمَا لَوْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ وَلَوْ سَاهِيًا، فَلَوْ وَضَّئُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ لِحُصُولِ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ فِي مَرَّةٍ. (وَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ) حَدَثًا أَصْغَرَ فَقَطْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَوْ مُتَعَمِّدًا، أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا غَالِطًا وَرَتَّبَ فِيهِمَا أَجْزَأَهُ أَوْ انْغَمَسَ بِنِيَّةِ مَا ذُكِرَ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتِيبٍ بِأَنْ غَطَسَ وَمَكَثَ) قَدْرَ التَّرْتِيبِ (صَحَّ) لَهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَاقَى الْمَاءُ وَجْهَهُ، وَقَدْ نَوَى يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْهُ وَبَعْدَهُ عَنْ الْيَدَيْنِ لِدُخُولِ وَقْتِ غَسْلِهِمَا وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْأَعْضَاءِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ، وَلِهَذَا لَا يَقُومُ الْغَمْسُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ مَقَامَ الْعَدَدِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ قَدْرَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ غَطَسَ وَخَرَجَ فِي الْحَالِ أَوْ غَسَلَ الْأَسَافِلَ قَبْلَ الْأَعَالِي كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (فَلَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ، وَالْوَاجِبُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْغَسْلَ أَكْمَلُ مِنْ الْوُضُوءِ فَلِذَلِكَ قَالَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِرَفْعِ أَعْلَى الْحَدَثَيْنِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى، وَلِتَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ. هَذَا إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ مُنَكِّسًا بِالصَّبِّ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ سِوَى الْوَجْهِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا انْغِمَاسُهُ فَيَكْفِي مُطْلَقًا. وَلَوْ أَغْفَلَ لَمْعَةً مِنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ قَطَعَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي، وَهُوَ عَلَى الرَّاجِحِ مَمْنُوعٌ وَعَلَى غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ، فَإِنْ مَكَثَ أَجْزَأَهُ، وَاكْتَفَى بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا مَعَ أَنَّ الْمَنْوِيَّ طُهْرٌ غَيْرُ مُرَتَّبٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ التَّرْتِيبِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. وَلَوْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ أَجْزَأَ الْغَسْلُ عَنْهُمَا لِانْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ فِي الْأَكْبَرِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا رِجْلَيْهِ أَوْ إلَّا يَدَيْهِ مَثَلًا، ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ غَسَلَهُمَا عَنْ الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا لِارْتِفَاعِ حَدَثِهِمَا بِغَسْلِهِمَا عَنْ الْجَنَابَةِ، وَهَذَا وُضُوءٌ خَالٍ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ بِلَا عِلَّةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَعَنْ التَّرْتِيبِ، وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْهُ، بَلْ هُوَ وُضُوءٌ لَمْ يَجِبْ فِيهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ إنْكَارٌ صَحِيحٌ، وَلَوْ غَسَلَ بَدَنَهُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ، ثُمَّ أَحْدَثَ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا، وَلَوْ شَكَّ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ طَهَّرَهُ وَمَا بَعْدَهُ، أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ صَلَّى فَرْضَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ عَنْ حَدَثٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَرْكَ الْمَسْحِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ مَسَحَ وَغَسَلَ مَا بَعْدَهُ وَأَعَادَ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ نَسِيَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّاهَا ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ عُضْوٍ وَسَجْدَةٍ وَجَهِلَ عَيْنَهُمَا فَوُضُوءُهُ تَامٌّ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعُضْوِ مِنْ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ وَالسَّجْدَةِ مِنْ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ صَلَّى الصُّبْحَ بِطَهَارَةٍ عَنْ حَدَثٍ ثُمَّ جَدَّدَ لِلظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ بِطَهَارَةٍ عَنْ حَدَثٍ، ثُمَّ جَدَّدَ لِلْمَغْرِبِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بِطَهَارَةٍ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وَسُنَنُهُ السِّوَاكُ عَرْضًا بِكُلِّ خَشِنٍ   [مغني المحتاج] حَدَثٍ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ مَسْحِ طَهَارَةٍ مُبْهَمَةٍ أَعَادَ صَلَاةَ طَهَارَاتِ الْحَدَثِ وَكَذَا غَيْرُهَا، وَيَصِحُّ وُضُوءُ مَنْ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهَا خِلَافًا لِلْقَاضِي، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ فَرَاغِهِ تَرْكُ ظُفْرٍ فَقَطَعَهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِقَطْعِهِ وَمَا بَعْدَهُ، وَفِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ يَجِبُ غَسْلُهُ فَقَطْ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأَرْكَانِ شَرَعَ فِي بَعْضِ السُّنَنِ، فَقَالَ (وَسُنَنُهُ) أَيْ الْوُضُوءِ: أَيْ وَمِنْ سَنَتِهِ (السِّوَاكُ) وَهُوَ لُغَةً: الدَّلْكُ وَآلَتُهُ، وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأُشْنَانٍ فِي الْأَسْنَانِ وَمَا حَوْلَهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، وَتَعْلِيقَاتُهُ هَكَذَا صَحِيحَةٌ، وَمَحَلُّهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ النَّقِيبِ فِي عُمْدَتِهِ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَفَّالِ (1) مَحَلُّهُ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي نُكَتِهِ: أَوْ مَعَهَا مُخَالِفًا لِمَا فِي عُمْدَتِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِذَا تَرَكَهُ أَوَّلَهُ أَرَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي أَثْنَائِهِ كَالتَّسْمِيَةِ وَأَوْلَى. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِهِمْ الْوُضُوءَ بِالذِّكْرِ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ السِّوَاكَ لِلْغَسْلِ، وَإِنْ طُلِبَ بِكُلِّ حَالٍ، قِيلَ: وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْبَابِهِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ فِيهِ، وَسُنَّ كَوْنُهُ (عَرْضًا) أَيْ فِي عَرْضِ الْأَسْنَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي طُولِ الْفَمِ لِخَبَرِ «إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا» (2) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَيُجْزِئُ طُولًا لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْمِي اللِّثَةَ وَيُفْسِدُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ، وَقِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَاكُ طُولًا. أَمَّا اللِّسَانُ فَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ فِيهِ طُولًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَيَحْصُلُ (بِكُلِّ خَشِنٍ) مُزِيلٍ لِلْقَلَحِ طَاهِرٍ كَعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ أُشْنَانٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ الْعُودَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَرَاكُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِيدَانِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كُنْتُ أَجْتَنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 لَا أُصْبُعِهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ: [الرَّجَز] تَاللَّهِ إنْ جُزْتَ بِوَادِي الْآرَاكْ ... وَقَبَّلَتْ أَغْصَانُهُ الْخُضْرُ فَاكْ فَابْعَثْ إلَى الْمَمْلُوكِ مِنْ بَعْضِهَا ... فَإِنَّنِي وَاَللَّهِ مَا لِي سِوَاكْ وَقَالَ آخَرُ: طَلَبْتُ مِنْكَ سِوَاكَا وَمَا طَلَبْتُ سِوَاكَا ... وَمَا أَرَدْت أَرَاكَا لَكِنْ أَرَدْتُ أَرَاكَا وَالْيَابِسُ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ الرَّطْبِ، وَمِنْ الْيَابِسِ الَّذِي لَمْ يُنَدَّ، وَمِنْ الْيَابِسِ الْمُنَدَّى بِغَيْرِ الْمَاءِ كَمَاءِ الْوَرْدِ، وَعُودُ النَّخْلِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ الْأَرَاكِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى بَعْدَ الْأَرَاكِ قُضْبَانُ الزَّيْتُونِ، وَيُسَنُّ غَسْلُهُ لِلِاسْتِيَاكِ. ثَانِيًا: إذَا حَصَلَ عَلَيْهِ وَسَخٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُكْرَهُ غَمْسُهُ فِي مَاءِ وُضُوئِهِ كَمَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِرَّ السِّوَاكَ عَلَى سَقْفِ فَمِهِ بِلُطْفٍ وَعَلَى كَرَاسِيِّ أَضْرَاسِهِ وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِيَاكِ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ. وَحُرِّمَ بِدُونِهِ كَالِاسْتِيَاكِ بِمَا فِيهِ سُمٌّ، وَيُكْرَهُ بِعُودِ رَيْحَانٍ يُؤْذِي، وَخَرَجَ بِمُزِيلِ لِلْقَلَحِ الْمِبْرَدُ فَلَا يُجْزِئُ فَإِنَّهُ يُزِيلُ جُزْءًا مِنْ السِّنِّ، وَبِطَاهِرٍ النَّجِسُ فَلَا يُجْزِئُ لِخَبَرِ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» (1) رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَالْمَطْهَرَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا كُلُّ إنَاءٍ يُتَطَهَّرُ بِهِ: أَيْ مِنْهُ، فَشَبَّهَ السِّوَاكَ بِهِ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْفَمَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ فَهُوَ آلَةٌ تُنَظِّفُهُ مِنْ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَقَوْلُهُ (بِكُلِّ خَشِنٍ) مِنْ زِيَادَتِهِ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ (لَا أُصْبُعِهِ) أَيْ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ خَشِنَةً فَلَا تَكْفِي (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِيَاكًا. أَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ الْخَشِنَةُ فَتُجْزِئُ إنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَدَفْنُهَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهَا لَمْ يَجُزْ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ كَمَا لَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا، وَقِيلَ: يُجْزِئُ وَيَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ لِلنَّجَاسَةِ. وَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ. وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي مَعَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْإِبَاحَةُ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالنَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ الِاسْتِيَاكِ فَإِنَّهُ عَزِيمَةٌ مَعَ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِالْيَمِينِ مِنْ يُمْنَى فَمِهِ. قَالَ الزَّنْكَلُونِيُّ: إلَى الْوَسَطِ، وَيَفْعَلُ بِالْأَيْسَرِ مِثْلَ ذَلِكَ لِشَرَفِ الْأَيْمَنِ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ، فِي طَهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَسِوَاكِهِ» (2) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ الْعِبَادَةَ فَبِالْيَمِينِ، أَوْ إزَالَةَ الرَّائِحَةِ فَبِالْيَسَارِ، وَقِيلَ: بِالْيَسَارِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مُسْتَقْذَرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ وَتَغَيُّرِ الْفَمِ، وَلَا يُكْرَهُ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ.   [مغني المحتاج] فَكَانَ كَالْحَجَرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَلْيَنْوِ بِهِ السُّنَّةَ كَمَا أَنَّهُ يَنْوِي بِالْجِمَاعِ النَّسْلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوُضُوءِ وَإِلَّا فَنِيَّتُهُ تَشْمَلُهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُعَوِّدَهُ الصَّغِيرَ لِيَأْلَفهُ، وَلَوْ قَالَ: وَمِنْ سُنَنِهِ السِّوَاكُ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَعَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِئَلَّا يُوهِمُ الْحَصْرَ، فَإِنَّ لَهُ سُنَنًا لَمْ يَذْكُرْهَا، وَسَأَذْكُرُ شَيْئًا مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ) وَلَوْ نَفْلًا، وَلِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ نَحْوِ التَّرَاوِيحِ، أَوْ لِمُتَيَمِّمٍ، أَوْ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، أَوْ صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَمُ مُتَغَيِّرًا وَاسْتَاكَ فِي وُضُوئِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ، وَلِخَبَرِ «رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةٍ بِلَا سِوَاكٍ» رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَجَبْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ بِأَجْوِبَةٍ بَعْضُهَا لِشَيْخِنَا، وَلِلطَّوَافِ وَلَوْ نَفْلًا وَلِسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ. وَلَوْ نَسِيَ أَنْ يَسْتَاكَ قَبْلَ تَحَرُّمِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَهُ هَلْ يُسَنُّ أَنْ يَتَدَارَكَهُ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ لَا؟ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يَتَدَارَكُ بِأَفْعَالٍ خَفِيفَةٍ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ مَطْلُوبٌ فِي الصَّلَاةِ فَمُرَاعَاتُهُ أَوْلَى (وَتَغَيُّرِ الْفَمِ) بِتَثْلِيثِ فَائِهِ أَوْ الْأَسْنَانِ بِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ جُوعٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ أَوْ كَلَامٍ كَثِيرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ مِنْ النَّوْمِ يَشُوصُ فَاهُ: أَيْ: يُدَلِّكُهُ بِالسِّوَاكِ» وَقِيسَ بِالنَّوْمِ غَيْرُهُ بِجَامِعِ التَّغَيُّرِ، وَكَمَا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِيمَا ذُكِرَ يَتَأَكَّدُ أَيْضًا لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، أَوْ حَدِيثٍ، وَلِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِنَوْمٍ، وَلِيَقَظَةٍ كَمَا مَرَّ وَلِدُخُولِ مَنْزِلِهِ، وَعِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَيُقَالُ: إنَّهُ يُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ، وَفِي السَّحَرِ، وَلِلْأَكْلِ، وَبَعْدَ الْوِتْرِ؛ وَلِلصَّائِمِ قَبْلَ وَقْتِ الْخُلُوفِ، كَمَا يُسَنُّ التَّطَيُّبُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. (وَلَا يُكْرَهُ) بِحَالٍ (إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ) وَلَوْ نَفْلًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» (1) وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ، وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِخَبَرِ «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا» . ثُمَّ قَالَ: «وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَكُرِهَتْ إزَالَتُهُ. وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ الْآنَ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِعَارِضٍ كَأَنْ نَسِيَ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَائِمٍ حَقِيقَةً. وَالْمَعْنَى فِي اخْتِصَاصِهَا بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ بِالصَّوْمِ إنَّمَا يَظْهَرُ حِينَئِذٍ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ تَنَاوَلَ فِي اللَّيْلِ شَيْئًا أَوْ لَا، فَيُكْرَهُ لِلْمُوَاصِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ فَمُهُ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ نَاسِيًا بَعْدَ الزَّوَالِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ السِّوَاكُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَسْتَاكُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَبْقَى خُلُوفٌ غَالِبًا إذْ لَا بُدَّ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمُورُ فَعَارِضَةٌ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا ذُكِرَ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حُرِّمَ إزَالَةُ دَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ،   [مغني المحتاج] الشَّهِيدِ مَعَ أَنَّ رَائِحَتَهُ كَرِيحِ الْمِسْكِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخُبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» وَكُرِهَ إزَالَةُ الْخُلُوفِ مَعَ كَوْنِهِ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي إزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ تَفْوِيتَ فَضِيلَةٍ عَلَى الشَّهِيدِ لَمْ يُؤْذَنْ فِي إزَالَتِهَا، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا سَوَّكَ صَائِمًا بِغَيْرِ إذْنِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا أَوْ أَنَّ شَهِيدًا أَزَالَ الدَّمَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَرَضٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْمَوْتُ فِيهِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ كُرِهَ، فَتَفْوِيتُ الْمُكَلَّفِ الْفَضِيلَةَ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ وَتَفْوِيتُ غَيْرِهِ لَهَا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ. قَالَ أَبُو الْخَيْرِ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِ خَصَائِصِ السِّوَاكِ: وَيَجِبُ السِّوَاكُ عَلَى مَنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ لِإِزَالَةِ الدُّسُومَةِ النَّجِسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ إزَالَتُهَا بِسِوَاكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجِبُ السِّوَاكُ عَيْنًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ طُولُ السِّوَاكِ عَلَى شِبْرٍ؛ وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ مَوْضِعُ سِوَاكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ بِهِ أَسْنَانِي وَشُدَّ بِهِ لِثَاتِي، وَثَبِّتْ بِهِ لَهَاتِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فَإِنَّهُ دُعَاءٌ حَسَنٌ. فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " وَخُلُوفُ " إلَخْ. جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُقَيِّدَةٌ لِعَامِلِهَا، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ، وَخَصَّصَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْآخِرَةِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا. فَرْعٌ: مِنْ فَوَائِدِ السِّوَاكِ: أَنَّهُ يُطَهِّرُ الْفَمَ، وَيُرْضِي الرَّبَّ كَمَا مَرَّ، وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيُطَيِّبَ النَّكْهَةَ، وَيُسَوِّي الظَّهْرَ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ، وَيُبْطِئُ الشَّيْبَ، وَيُصَفِّي الْخِلْقَةَ، وَيُذْكِي الْفِطْنَةَ، وَيُضَاعِفُ الْأَجْرَ، وَيُسَهِّلُ النَّزْعَ كَمَا مَرَّ، وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَيُسَنُّ التَّخْلِيلُ قَبْلَ السِّوَاكِ وَبَعْدَهُ، وَمِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ، وَكَوْنُ الْخِلَالِ مِنْ عُودِ السِّوَاكِ، وَيُكْرَهُ بِنَحْوِ الْحَدِيدِ. (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (التَّسْمِيَةُ أَوَّلَهُ) أَيْ: أَوَّلَ الْوُضُوءِ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضُوءًا فَلَمْ يَجِدُوا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ أَيْ: قَائِلِينَ ذَلِكَ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ نَحْوُ سَبْعِينَ رَجُلًا» . وَلِخَبَرِ «تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِآيَةِ الْوُضُوءِ الْمُبَيِّنَةِ لِوَاجِبَاتِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ» فَضَعِيفٌ، وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَأَكْمَلُهَا كَمَالُهَا، ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنِعْمَتِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا، وَزَادَ الْغَزَالِيُّ بَعْدَهَا فِي بِدَايَةِ الْهِدَايَةِ {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] . وَحَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ التَّعَوُّذَ قَبْلَهَا، وَتُسَنُّ لِكُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ: أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا كَغُسْلٍ، وَتَيَمُّمٍ، وَذَبْحٍ، وَجِمَاعٍ، وَتِلَاوَةٍ وَلَوْ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ لَا لِصَلَاةٍ، وَحَجٍّ، وَذِكْرٍ، وَتُكْرَهُ لِمُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ. وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِ الْوُضُوءِ: أَوَّلَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ، فَيَنْوِي الْوُضُوءَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 فَإِنْ تَرَكَ فَفِي أَثْنَائِهِ. وَغَسْلُ كَفَّيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا.   [مغني المحتاج] وَيُسَمِّي اللَّهَ عِنْدَهُ بِأَنْ يَقْرِنَ النِّيَّةَ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ أَوَّلِ غَسْلِهِمَا ثُمَّ يَتَلَفَّظُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ يُكْمِلُ غَسْلَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ سُنَّةٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِمَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ (فَإِنْ تَرَكَ) هَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا أَوْ فِي أَوَّلِ طَعَامٍ كَذَلِكَ (فَفِي أَثْنَائِهِ) يَأْتِي بِهَا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، لِخَبَرِ «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ (1) صَحِيحٌ، وَيُقَاسُ بِالْأَكْلِ الْوُضُوءُ، وَبِالنِّسْيَانِ الْعَمْدُ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ لِانْقِضَائِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْأَكْلِ لِيَتَقَايَأَ الشَّيْطَانُ مَا أَكَلَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ كَالْأَكْلِ. (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (غَسْلُ كَفَّيْهِ) إلَى كُوعَيْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ إبْرِيقٍ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا) بِأَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ (كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ وَلَوْ كَثُرَ (قَبْلَ غَسْلِهِمَا) ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (2) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا لَفْظَ ثَلَاثًا فَلِمُسْلِمٍ فَقَطْ. أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِيهِ إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي النَّوْمِ كَأَنْ تَقَعَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ التَّرَدُّدُ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ الْحَدِيثُ، لَا عَلَى مُطْلَقِ النَّوْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ فَمَنْ لَمْ يَنَمْ وَاحْتَمَلَ نَجَاسَةَ يَدِهِ كَانَ فِي مَعْنَى النَّائِمِ؛ وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ لِيَشْمَلَ الْقَائِمَ مِنْ النَّوْمِ وَغَيْرَهُ، لَكِنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا تَيَقَّنَ نَجَاسَةَ يَدِهِ، وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَهَذِهِ الْغَسْلَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَنْدُوبَةُ أَوَّلَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا عِنْدَ الشَّكِّ عَلَى غَمْسِ يَدِهِ، وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا غَيَّا حُكْمًا بِغَايَةٍ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِاسْتِيعَابِهَا، فَسَقَطَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِوَاحِدَةٍ لِتَيَقُّنِ الطُّهْرِ بِهَا، كَمَا لَا كَرَاهَةَ إذَا تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا ابْتِدَاءً. وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا إذَا كَانَ مُسْتَنِدًا لِيَقِينِ غَسْلِهِمَا ثَلَاثًا، فَلَوْ غَسَلَهُمَا فِيمَا مَضَى عَنْ نَجَاسَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَشْكُوكَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كُرِهَ غَمْسُهُمَا قَبْلَ غَسْلِهِمَا إكْمَالِ الثَّلَاثِ، وَمِثْلُ الْمَائِعِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَأْكُولٍ رَطْبٍ كَمَا فِي الْعُبَابِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَسْلُهُمَا بِالصَّبِّ لِكِبَرِ الْإِنَاءِ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِفُ بِهِ مِنْهُ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ أَوْ أَخَذَهُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ نَظِيفٍ أَوْ بِفِيهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا الْمَاءُ الْكَثِيرُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: اُحْتُرِزَ أَيْ الْمِنْهَاجُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ، ثُمَّ الْأَصَحُّ يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا، وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ.   [مغني المحتاج] بِالْإِنَاءِ عَنْ الْبِرْكَةِ وَنَحْوِهَا. (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (الْمَضْمَضَةُ وَ) بَعْدَهَا (الِاسْتِنْشَاقُ) وَلَوْ ابْتَلَعَ الْمَاءَ أَوْ لَمْ يُدِرْهُ فِي فَمِهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقْرَبُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَسْتَنْثِرُ إلَّا خَرَّتْ خَطَايَا فِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ مَعَ الْمَاءِ» . وَمَعْنَى خَرَّتْ: سَقَطَتْ وَذَهَبَتْ، وَيُرْوَى جَرَتْ بِالْجِيمِ: أَيْ جَرَتْ مَعَ مَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبَا لِمَا مَرَّ فِي الْبَسْمَلَةِ. وَأَمَّا خَبَرُ «تَمَضْمَضُوا وَاسْتَنْشِقُوا» فَضَعِيفٌ. وَعُلِمَ بِمَا قَدَّرْتُهُ وَبِمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ الْأَصَحُّ إلَخْ. أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَقٌّ لَا مُسْتَحَبٌّ، عَكْسُ تَقَدُّمِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ الْيَدَيْنِ مَثَلًا عُضْوَانِ مُتَّفِقَانِ اسْمًا وَصُورَةً، بِخِلَافِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ، فَلَوْ أَتَى بِالِاسْتِنْشَاقِ مَعَ الْمَضْمَضَةِ حُسِبَتْ دُونَهُ، أَوْ أَتَى بِهِ فَقَطْ حُسِبَ لَهُ دُونَهَا، أَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ يُحْسَبُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الْوَجْهُ كَنَظَائِرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ قَدَّمَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى غَسْلِ الْكَفِّ لَمْ يُحْسَبْ الْكَفُّ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَصَوَابُهُ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَحْسِبْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي مَا فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ: لِقَوْلِهِمْ فِي الصَّلَاةِ: الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ خَرَّجَ السُّنَنَ فَيُحْسَبُ مِنْهَا مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ تَرَكَ غَيْرَهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ ثُمَّ أَتَى بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ. وَمِنْ فَوَائِدِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوَّلًا: مَعْرِفَةُ أَوْصَافِ الْمَاءِ، وَهِيَ: اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرَّائِحَةُ هَلْ تَغَيَّرَتْ أَوْ لَا؟ . وَيُسَنُّ أَخْذُ الْمَاءِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ) مِنْ جَمْعِهِمَا الْآتِي لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ الْأَصَحُّ) عَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ (يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا) حَتَّى لَا يَنْتَقِلَ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ مَا قَبْلَهُ، فَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَصْلِ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ السِّتَّ غَرَفَاتٍ أَفْضَلُ بِأَنْ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِثَلَاثٍ، وَهَذِهِ أَنْظَفُ الْكَيْفِيَّاتِ وَأَضْعَفُهَا، وَقُدِّمَ الْفَمُ عَلَى الْأَنْفِ لِشَرَفِهِ فَإِنَّهُ مَدْخَلُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا قِوَامُ الْبَدَنِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْأَذْكَارِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ، وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رِوَايَةِ صَحِيحِ ابْن الْقَطَّانِ إسْنَادُهَا «إذَا تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا» . وَلِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» (1) صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 قُلْتُ: الْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ بِثَلَاثِ غُرَفٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْ كُلٍّ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ،   [مغني المحتاج] وَغَيْرُهُ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ إلَى أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ، وَيُسَنُّ إمْرَارُ إصْبَعِ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يُصْعِدَ الْمَاءَ بِالنَّفْسِ إلَى الْخَيْشُومِ، وَيُسَنُّ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجُّهُ، وَكَذَا الِاسْتِنْثَارُ، وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ بَعْدَ الِاسْتِنْشَاقِ مَا فِي أَنْفِهِ مِنْ مَاءٍ وَأَذًى بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا بَالَغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَلَا يَسْتَقْصِي فَيَصِيرُ سَعُوطًا لَا اسْتِنْشَاقًا، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَأَمَّا الصَّائِمُ فَلَا يُسَنُّ لَهُ الْمُبَالَغَةُ، بَلْ تُكْرَهُ لِخَوْفِ الْإِفْطَارِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ: يُبَالِغُ فِي الْمَضْمَضَةِ دُونَ الِاسْتِنْشَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَضْمِضَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّ الْمَاءِ عَنْ وُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ بِطَبْقِ حَلْقِهِ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْخَيْشُومِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا بِتَحْرِيمِ الْقُبْلَةِ إذَا خَشِيَ الْإِنْزَالَ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خَوْفُ الْفَسَادِ وَلِذَا سَوَّى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَيْنَهُمَا فَجَزَمَ بِتَحْرِيمِ الْمُبَالَغَةِ أَيْضًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُبْلَةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ بَلْ دَاعِيَةٌ لِمَا يُضَادُّ الصَّوْمَ مِنْ الْإِنْزَالِ، بِخِلَافِ الْمُبَالَغَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَبِأَنَّهُ هُنَا يُمْكِنُهُ إطْبَاقُ الْحَلْقِ وَمَجُّ الْمَاءِ، وَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّ الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ دَافِقُ، وَبِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي الْقُبْلَةِ إفْسَادٌ لِعِبَادَةِ اثْنَيْنِ. (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ) بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْفَصْلِ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمُ فَفِي إسْنَادِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَ (بِثَلَاثِ غُرَفٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ) أَفْضَلُ مِنْ الْجَمْعِ بِغَرْفَةٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا، أَوْ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مَرَّةً ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ. الثَّانِي الْأَفْضَلُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مِنْهَا ثُمَّ يَفْعَلَ مِنْهَا كَذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالسُّنَّةُ تَتَأَدَّى بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ: وَبِثَلَاثٍ بِالْوَاوِ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَأَفَادَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ مُطْلَقًا أَفْضَلُ مِنْ الْفَصْلِ كَذَلِكَ (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (تَثْلِيثُ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ) الْمَفْرُوضِ وَالْمَنْدُوبِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّثْلِيثَ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ التَّخْلِيلَ، وَالْقَوْلَ كَالتَّسْمِيَةِ، وَالتَّشَهُّدِ آخِرَهُ، فَقَدْ رَوَى التَّثْلِيثَ فِي التَّخْلِيلِ الْبَيْهَقِيُّ، وَفِي الْقَوْلِ فِي التَّشَهُّدِ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَ التَّشَهُّدِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَالتَّسْمِيَةِ مِثْلُهُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرِيرُ مَسْحِ الْخُفِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ الْجَبِيرَةِ وَالْعِمَامَةِ إذَا كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بِالْخُفِّ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَكَذَا النَّقْصُ عَلَيْهَا إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ. وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ   [مغني المحتاج] «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ صَحِيحٌ. قَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ: فَمَنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا فَقَدْ أَسَاءَ وَظَلَمَ فِي كُلٍّ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَقِيلَ: أَسَاءَ فِي النَّقْصِ، وَظَلَمَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ النَّقْصُ إسَاءَةً وَظُلْمًا عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ إسَاءَةً عَلَى الثَّانِي، أَوْ ظُلْمًا عَلَى الثَّالِثِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ (1) . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ الْحَالِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا أَتَى بِهَا عَلَى قَصْدِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: أَيْ أَوْ أَطْلَقَ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ مَعَ قَطْعِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْهَا لَمْ يُكْرَهْ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ حُرِّمَتْ الزِّيَادَةُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا اهـ. وَقَدْ يُطْلَبُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ كَأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّثْلِيثُ، أَوْ قَلَّ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَا يَكْفِيهِ إلَّا لِلْفَرْضِ، فَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهَا تُحْوِجُهُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التُّحْفَةِ أَوْ احْتَاجَ إلَى الْفَاضِلِ عَنْهُ لِعَطَشٍ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلشُّرْبِ لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَلَوْ ثَلَّثَ لَمْ يَفْضُلْ لِلشُّرْبِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ التَّثْلِيثُ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ فِي الْإِعْجَازِ، وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ، وَلَا يُجْزِئُ تَعَدُّدٌ قَبْلَ تَمَامِ الْعُضْوِ، نَعَمْ لَوْ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ ثَلَاثًا حَصَلَ لَهُ التَّثْلِيثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَثْلِيثُ الْمَمْسُوحِ شَامِلٌ لِذَلِكَ. وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فَمَحَلُّهُ فِي عُضْوٍ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالتَّطْهِيرِ وَلَا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَفِي فُرُوقِ الْجُوَيْنِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنَّ التَّثْلِيثَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَمَ وَالْأَنْفَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَجَازَ ذَلِكَ فِيهِمَا كَالْيَدَيْنِ، بِخِلَافِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مَثَلًا لِتَبَاعُدِهِمَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْرَغَ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى الْآخَرِ (وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ) فِي الْمَفْرُوضِ وُجُوبًا وَفِي الْمَسْنُونِ نَدْبًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا زَادَ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَإِذَا شَكَّ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَغَسَلَ الْأُخْرَى، وَقِيلَ: يَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَزِيدَ رَابِعَةً فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ، وَتَرْكُ سُنَّةٍ أَهْوَنُ مِنْ بِدْعَةٍ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبِدْعَةَ ارْتِكَابُ الرَّابِعَةِ عَالِمًا بِكَوْنِهَا رَابِعَةً (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (مَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيُلْصِقَ سَبَّابَتَهُ بِالْأُخْرَى وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ ثُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ثُمَّ أُذُنَيْهِ. فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ الْعِمَامَةِ كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا، وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ   [مغني المحتاج] يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ يَنْقَلِبُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الذَّهَابُ وَالرَّدُّ مَسْحَةً وَاحِدَةً لِعَدَمِ تَمَامِ الْمَسْحَةِ بِالذَّهَابِ، فَإِنْ لَمْ يُقْلَبْ شَعْرُهُ لِضَفْرِهِ أَوْ قِصَرِهِ أَوْ عَدَمِهِ لَمْ يَرُدَّ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، فَإِنْ رَدَّهُمَا لَمْ تُحْسَبْ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ بِمَنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَاوِيًا رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَهُوَ مُنْغَمِسٌ ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فِي حَالِ انْغِمَاسِهِ فَإِنَّ حَدَثَهُ يَرْتَفِعُ ثَانِيًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَاءَ الْمَسْحِ تَافِهٌ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ كَقُوَّةِ هَذَا، وَلِذَلِكَ لَوْ أَعَادَ مَاءَ غَسْلِ الذِّرَاعِ مَثَلًا ثَانِيًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ غَسْلَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ تَافِهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَاءِ الِانْغِمَاسِ، وَإِذَا مَسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ هَلْ يَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا أَوْ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ؟ وَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَإِخْرَاجِ الْبَعِيرِ عَنْ خَمْسٍ فِي الزَّكَاةِ. وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمَا فِي كُتُبِهِمَا فِي التَّرْجِيحِ فِي ذَلِكَ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْعُبَابِ أَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فِي الرَّأْسِ فَرْضٌ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ فِي التَّجَزِّي كَالرُّكُوعِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ شَيْخِي، هُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ (ثُمَّ) بَعْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ يَمْسَحُ (أُذُنَيْهِ) ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ فِي وُضُوئِهِ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيَأْخُذُ لِصِمَاخَيْهِ أَيْضًا مَاءً جَدِيدًا، وَأَشَارَ بِثُمَّ إلَى اشْتِرَاطِ تَرْتِيبِ الْأُذُنِ عَلَى الرَّأْسِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَخَذَ بِأَصَابِعِهِ مَاءً لِرَأْسِهِ فَلَمْ يَمْسَحْهُ بِمَاءِ بَعْضِهَا وَمَسَحَ بِهِ الْأُذُنَيْنِ كَفَى لِأَنَّهُ مَاءٌ جَدِيدٌ. فَائِدَةٌ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي نَهْرًا يُقَالُ لَهُ الْكَوْثَرُ فِي الْجَنَّةِ لَا يُدْخِلُ أَحَدٌ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ إلَّا سَمِعَ خَرِيرَ ذَلِكَ النَّهْرِ، قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ . قَالَ: أَدْخِلِي أُصْبُعَيْكِ فِي أُذُنَيْكِ وَسُدِّي فَاَلَّذِي تَسْمَعِينَ فِيهِمَا مِنْ خَرِيرِ الْكَوْثَرِ» وَهَذَا النَّهْرُ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ: وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُسَنُّ مَسْحُ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ. قَالَ وَأَمَّا خَبَرُ «مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنْ الْغِلِّ» فَمَوْضُوعٌ، وَأَثَرُ ابْنِ عُمَرَ: مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عُنُقَهُ وُقِيَ الْغِلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ (فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ) نَحْوِ (الْعِمَامَةِ) كَالْخِمَارِ وَالْقَلَنْسُوَةِ أَوْ لَمْ يُرِدْ رَفْعَ ذَلِكَ (كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) وَإِنْ لَبِسَهَا عَلَى حَدَثٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» وَسَوَاءٌ أَعَسُرَ عَلَيْهِ تَنْحِيَتُهَا أَمْ لَا كَمَا قَرَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ كَمَّلَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِتَحْصِيلِ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ التَّكْمِيلُ بَعْدُ أَوْ يَكْفِي وَلَوْ قَبْلُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالتَّكْمِيلِ يَقْتَضِي التَّأَخُّرَ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا فِي غَسْلِ الرِّجْلِ مَعَ السَّاقِ، وَظَاهِرُ التَّكْمِيلِ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَمْسَحُ مَا عَدَا مُقَابِلَ الْمَمْسُوحِ مِنْ الرَّأْسِ فَيَكُونُ مُحَصِّلًا لِلسُّنَّةِ بِذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) وَكُلُّ شَعْرٍ يَكْفِي غَسْلُ ظَاهِرِهِ بِالْأَصَابِعِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وَأَصَابِعِهِ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى، وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ   [مغني المحتاج] أَسْفَلِهِ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» . وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» (1) أَمَّا مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ ذَلِكَ كَالْخَفِيفِ وَالْكَثِيفِ الَّذِي فِي حَدِّ الْوَجْهِ مِنْ لِحْيَةِ غَيْرِ الرَّجُلِ وَعَارِضَيْهِ فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَمَنَابِتِهِ بِتَخْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي سَنِّ التَّخْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، لَكِنَّ الْمُحْرِمَ يُخَلِّلُ بِرِفْقٍ لِئَلَّا يَتَسَاقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ كَمَا قَالُوهُ فِي تَخْلِيلِ شَعْرِ الْمَيِّتِ (وَ) مِنْ سُنَنِهِ تَخْلِيلُ (أَصَابِعِهِ) أَيْ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ لِخَبَرِ لَقِيطِ بْنِ صُبْرَةَ السَّابِقِ فِي الْمُبَالَغَةِ، وَالتَّخْلِيلُ فِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهَا، وَفِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى يُخَلِّلُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى أَوْ الْيُمْنَى كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ، وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَاجِبٌ بِتَخْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَتْ مُلْتَفَّةً لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهَا إلَّا بِالتَّخْلِيلِ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُلْتَحِمَةً لَمْ يَجُزْ فَتْقُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُ الْمُصَنِّفُ وَلَا غَيْرُهُ إلَى تَثْلِيثِ التَّخْلِيلِ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ «تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ» وَمُقْتَضَى هَذَا اسْتِحْبَابُ تَثْلِيثِ التَّخْلِيلِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (تَقْدِيمُ الْيُمْنَى) عَلَى الْيُسْرَى مِنْ كُلِّ عُضْوَيْنِ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِخَبَرِ «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَلِمَا مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» : أَيْ مِمَّا هُوَ لِلتَّكْرِيمِ كَالْغَسْلِ، وَاللُّبْسِ، وَالِاكْتِحَالِ، وَالتَّقْلِيمِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبْطْ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَالسِّوَاكِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَتَحْلِيلِ الصَّلَاةِ، وَمُفَارَقَةِ الْخَلَاءِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالْمُصَافَحَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِ، وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَالتَّيَاسُرِ فِي ضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلَاءِ، وَالِاسْتِنْجَاءِ وَالِامْتِخَاطِ، وَخَلْعِ اللِّبَاسِ وَإِزَالَةِ الْقَذَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ وَكُرِهَ عَكْسُهُ. أَمَّا مَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا كَالْأُذُنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى فِيهَا، نَعَمْ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا ذَلِكَ كَأَنْ قُطِعَتْ إحْدَى يَدَيْهِ يُسَنُّ لَهُ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (إطَالَةُ غُرَّتِهِ) بِغَسْلٍ زَائِدٍ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ الْوَجْهِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، وَغَايَتُهَا غَسْلُ صَفْحَةِ الْعُنُقِ مَعَ مُقَدِّمَاتِ الرَّأْسِ (وَ) إطَالَةُ (تَحْجِيلِهِ) بِغَسْلٍ زَائِدٍ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَغَايَتُهُ اسْتِيعَابُ الْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ بَقَاءِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَسُقُوطِهِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وَالْمُوَالَاةُ، وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ. وَتَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ وَالنَّفْضِ، وَكَذَا التَّنْشِيفُ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] «أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» وَمَعْنَى غُرًّا مُحَجَّلِينَ بِيضُ الْوُجُوهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَالْفَرَسِ الْأَغَرِّ وَهُوَ الَّذِي فِي وَجْهِهِ بَيَاضٌ. وَالْمُحَجَّلُ: وَهُوَ الَّذِي قَوَائِمُهُ بِيضٌ، وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهَا (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (الْمُوَالَاةُ) بَيْنَ الْأَعْضَاءِ فِي التَّطْهِيرِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَمِزَاجِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولًا، هَذَا فِي غَيْرِ وُضُوءِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَإِلَّا فَتَجِبُ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ التَّفْرِيقُ الْكَثِيرُ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ عِنْدَ عُزُوبِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ (وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي قَدَمَيْهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَدَلِيلُ الْجَدِيدِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فِي السُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ فَدُعِيَ إلَى جِنَازَةٍ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى عَلَيْهَا» قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: وَبَيْنَهُمَا تَفْرِيقٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - التَّفْرِيقُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يُبْطِلُهَا التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ، فَكَذَا الْكَثِيرُ كَالْحَجِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي اُسْتُنِدَ إلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ. ضَعِيفٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّفْرِيقِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَفِي طُولِ التَّفْرِيقِ. أَمَّا بِالْعُذْرِ فَلَا يَضُرُّ قَطْعًا. وَقِيلَ: يَضُرُّ عَلَى الْقَدِيمِ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ فَلَا يَضُرُّ إجْمَاعًا. (وَ) مِنْ سُنَنِهِ (تَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ) بِالصَّبِّ عَلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ التَّنْعِيمِ وَالتَّكَبُّرِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ، وَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: تُكْرَهُ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الصَّبِّ الِاسْتِعَانَةُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِإِحْضَارِ الْمَاءِ فَهِيَ لَا بَأْسَ بِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ فَلَا تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَلَا مَكْرُوهَةً دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّطَهُّرُ إلَّا بِهَا وَلَوْ بِبَذْلِ أُجْرَةٍ مَثَلًا، وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَفْعَالِ، لَا طَلَبُ الْإِعَانَةِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ أَعَانَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى التَّعْبِيرُ بِالِاسْتِعَانَةِ عَدَمَ ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ حِينَئِذٍ وَإِذَا اسْتَعَانَ بِالصَّبِّ فَلْيَقِفْ الْمُعِينُ عَلَى الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ وَأَمْكَنُ وَأَحْسَنُ أَدَبًا. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) مِنْ سُنَنِهِ تَرْكُ (النَّفْضِ) لِلْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْوَسِيطِ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى. وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ وَقِيلَ: مُبَاحٌ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَفِي الْمَجْمُوعِ وَنُكَتِ التَّنْبِيهِ (وَكَذَا التَّنْشِيفُ) بِالرَّفْعِ: أَيْ تَرْكُهُ مِنْ بَلَلِ مَاءِ الْوُضُوءِ بِلَا عُذْرٍ خِلَافُ الْأَوْلَى، (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ أَثَرَ الْعِبَادَةِ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَتَتْهُ مَيْمُونَةُ بِمِنْدِيلٍ فَرَدَّهُ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَنْفُضُهُ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِإِبَاحَةِ النَّفْضِ فَقَدْ يَكُونُ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَيَقُولُ بَعْدَهُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ. وَالثَّالِثُ: فِعْلُهُ مَكْرُوهٌ، وَلَوْ تَرَكَ. قَوْلُهُ: وَكَذَا لِيَعُودَ الْخِلَافُ إلَى النَّفْضِ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى. أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ الْتِصَاقِ نَجَاسَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا أَوْ كَانَ يَتَيَمَّمُ عَقِبَ الْوُضُوءِ لِئَلَّا يَمْنَعَ الْبَلَلَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ التَّيَمُّمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالنَّشْفِ عَلَى زِنَةِ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَشِفَ بِكَسْرِ الشِّينِ عَلَى الْأَشْهَرِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالتَّنْشِيفِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ تَرْكُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّنْشِيفَ أَخْذُ الْمَاءِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهِمَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالتَّعْبِيرُ بِهِ هُوَ الْمُنَاسِبُ. وَأَمَّا النَّشْفُ بِمَعْنَى الشُّرْبِ فَلَا يَظْهَرُ هُنَا إلَّا بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَايَاتِيُّ، وَإِذَا نَشَّفَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ بِذَيْلِهِ وَطَرَفِ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْفَقْرَ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يَحْمِلُ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَنَشَّفُ فِيهِ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْمُتَطَهِّرِ: قَالَهُ فِي الْحَاوِي. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَحْصُرْ سُنَنَ الْوُضُوءِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْهَا مِمَّا تَرَكَهُ: مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَضَعَ الْمُتَوَضِّئُ إنَاءَ الْمَاءِ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَ يَغْتَرِفُ مِنْهُ، وَعَنْ يَسَارِهِ إنْ كَانَ يَصُبُّ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ كَإِبْرِيقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْكَنَ فِيهِمَا: قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتَقْدِيمُ النِّيَّةِ مَعَ أَوَّلِ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْوَجْهِ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا كَمَا مَرَّ، وَالتَّلَفُّظُ بِالْمَنْوِيِّ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: سِرًّا مَعَ النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَلْبِ كَفَى، أَوْ التَّلَفُّظُ فَلَا، أَوْ تَلَفَّظَ بِخِلَافِ مَا نَوَى فَالْعِبْرَةُ بِالنِّيَّةِ، وَاسْتِصْحَابُهَا ذِكْرًا إلَى آخِرِهِ، وَالتَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ، وَدَلْكُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَيُبَالِغُ فِي الْعَقِبِ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ وَرَدَ «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» وَالْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ مَاءَهُ بِكَفَّيْهِ مَعًا، وَأَنْ يَبْدَأَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَإِنْ صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمِرْفَقِ إذَا صَبَّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَأَنْ يَقْتَصِدَ فِي الْمَاءِ فَيُكْرَهُ السَّرَفُ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِلَا حَاجَةٍ، وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، وَأَنْ يَتَعَهَّدَ مُوقَهُ، وَهُوَ طَرَفُ الْعَيْنِ الَّذِي يَلِي الْأَنْفَ بِالسَّبَّابَةِ الْأَيْمَنَ بِالْيُمْنَى وَالْأَيْسَرَ بِالْيُسْرَى وَمِثْلُهُ اللِّحَاظُ وَهُوَ الطَّرَفُ الْآخَرُ، وَمَحِلُّ سَنِّ غَسْلِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا رَمَصٌ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ، إلَى مَحَلِّهِ وَإِلَّا فَغَسْلُهُمَا وَاجِبٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُخَافُ إغْفَالُهُ كَالْغُضُونِ، وَأَنْ يُحَرِّكَ خَاتَمًا لِيَصِلَ الْمَاءُ تَحْتَهُ، وَأَنْ يَتَوَقَّى الرَّشَاشَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَ الْفَرَاغِ (وَيَقُولُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي الْعُبَابِ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَخْ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ) زَادَهُ التِّرْمِذِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ. وَحَذَفْتُ دُعَاءَ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا أَصْلَ لَهُ.   [مغني المحتاج] وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ «مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ إلَخْ كُتِبَ فِي رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ» ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا الْخَاتَمُ فَلَمْ يُكْسَرْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ إبْطَالٌ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ: وَصَلَّى اللَّهُ: أَيْ وَسَلَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَوَاوُ وَبِحَمْدِكَ زَائِدَةٌ، فَسُبْحَانَكَ مَعَ ذَلِكَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقِيلَ: عَاطِفَةٌ أَيْ وَبِحَمْدِكَ وَسُبْحَانَكَ فَذَلِكَ جُمْلَتَانِ (وَحَذَفْتُ دُعَاءَ الْأَعْضَاءِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ: اللَّهُمَّ احْفَظْ يَدَيَّ مِنْ مَعَاصِيكَ كُلِّهَا، وَعِنْدَ الْمَضْمَضَةِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ: اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ الرَّأْسِ: اللَّهُمَّ حَرِّمْ شَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ، وَعِنْدَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمَيَّ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ (إذْ لَا أَصْلَ لَهُ) فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنْ عَدَّهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ السُّنَنِ، وَكَذَا فِي الشَّرْحِ. وَقَالَ وَرَدَ بِهِ الْأَثَرُ عَنْ السَّلَفِ وَالصَّالِحِينَ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ: وَتَنْقِيحِهِ لَمْ يَجِئْ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الشَّارِحُ: وَفَاتَ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَمَشَى شَيْخِي عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَأَفْتَى بِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. فَائِدَةٌ: شَرْطُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ شَدِيدَ الضَّعْفِ، وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ، وَأَنْ لَا يُعْتَقَدَ سُنِّيَّتُهُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ. خَاتِمَةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ، وَيُسَنُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ سَمَاعِهِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ سَمَاعِهِ أَوْ رِوَايَتِهِ أَوْ حَمْلِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ الْفِقْهِ وَكِتَابَتِهَا فَيُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ، وَلِقِرَاءَةِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِقْرَائِهِ، وَلِأَذَانٍ، وَجُلُوسٍ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ دُخُولَهُ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالسَّعْيِ، وَلِزِيَارَةِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ، وَلِنَوْمٍ وَيَقَظَةٍ، وَعِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ لِنَحْوُ جُنُبٍ كَحَائِضٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَوَطْءٍ لِجُنُبٍ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءًا» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ " فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ   [مغني المحتاج] «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» . وَقِيسَ بِالْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهُمَا، وَبِالْأَكْلِ الشُّرْبُ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ تَخْفِيفُ الْحَدَثِ غَالِبًا وَالتَّنْظِيفُ. وَقِيلَ: لَعَلَّهُ يَنْشَطُ لِلْغُسْلِ، فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِلَا وُضُوءٍ كُرِهَ لَهُ، نَقَلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَأَمَّا طَوَافُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بَيْنَهُمَا أَوْ تَرَكَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَيُسَنُّ مِنْ مَسِّ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ، أَوْ مِنْ فَصْدٍ وَحَجْمٍ، وَقَيْءٍ، أَوْ أَكْلِ لَحْمِ جَزُورٍ، وَقَهْقَهَةِ مُصَلٍّ، وَكُلِّ مَسٍّ وَلَمْسٍ، أَوْ نَوْمٍ اُخْتُلِفَ فِي نَقْضِهِ لِلْوُضُوءِ، وَمِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بَدَنَ الْخُنْثَى أَوْ أَحَدَ قُبُلَيْهِ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَكُلِّ كَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ، وَلِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلِخُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ. وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ، وَلَا يُنْدَبُ لِلُبْسِ ثَوْبٍ، وَصَوْمٍ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ، وَخُرُوجٍ لِسَفَرٍ، وَلِقَاءِ قَادِمٍ، وَزِيَارَةِ وَالِدٍ وَصَدِيقٍ، وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، وَأَكْلٍ، وَشُرْبٍ لِغَيْرِ نَحْوِ جُنُبٍ، وَلَا لِدُخُولِ سُوقٍ وَلَا لِدُخُولٍ عَلَى نَحْوِ أَمِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَكُلَّمَا كُرِّرَ الشَّيْءُ حَلَا، وَازْدَادَ وُضُوحًا وَانْجَلَى. [بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ] (بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ) (1) لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْوُضُوءِ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ، وَالْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْهُ عَقَّبَ بِهِ بَابَ الْوُضُوءِ وَلَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] يُبَوِّبْ لَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَقِبَ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُمَا مَسْحَانِ يُبِيحَانِ الصَّلَاةَ، وَلَوْ عَبَّرَ كَالتَّنْبِيهِ بِالْخُفَّيْنِ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ لَا يَجُوزُ غَسْلُ رِجْلٍ وَمَسْحُ أُخْرَى وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ لَا التَّوْحِيدَ، وَأَخْبَارُهُ كَثِيرَةٌ كَخَبَرِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 يَجُوزُ فِي الْوُضُوءِ   [مغني المحتاج] «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» (1) وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» (2) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ: يَعْنِي أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثَ جَرِيرٍ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ الْوَارِدُ فِيهَا بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ نَاسِخًا لِلْمَسْحِ كَمَا صَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ. ثُمَّ النَّظَرُ فِي شَرْطِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ وَحُكْمِهِ وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (يَجُوزُ) الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا عَلَى خُفِّ رِجْلٍ مَعَ غَسْلِ أُخْرَى كَمَا مَرَّ وَلَوْ فِي الْخُفِّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلِلْأَقْطَعِ لُبْسُ خُفٍّ فِي السَّالِمَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ بَعْضُ الْمَقْطُوعَةِ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ حَتَّى يُلْبِسَ ذَلِكَ الْبَعْضَ خُفًّا، وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لَمْ يَجُزْ إلْبَاسُ الْأُخْرَى الْخُفَّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ إذْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْعَلِيلَةِ فَهِيَ كَالصَّحِيحَةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ (فِي الْوُضُوءِ) بَدَلًا عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ (3) ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 لِلْمُقِيمِ   [مغني المحتاج] لَابِسِهِ الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ، وَأَشَارَ بِيَجُوزُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ، وَإِلَى أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، نَعَمْ إنْ تَرَكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهِ، لَا أَنَّهُ شَكَّ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ أَوْ لَا أَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ أَوْ عَرَفَةَ أَوْ إنْقَاذَ أَسِيرٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالْمَسْحُ أَفْضَلُ، بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ فِي الْأَوْلَى، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ وَاللَّائِقُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ الْوُجُوبُ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ كَانَ لَابِسُ الْخُفِّ بِشَرْطِهِ مُحْدِثًا وَدَخَلَ الْوَقْتُ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِي الْمَسْحَ فَقَطْ، فَعَنْ الرُّويَانِيِّ وُجُوبُهُ وَتَفَقَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرْهَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ وَمَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لَوْ مَسَحَ وَلَا يَكْفِيهِ لَوْ غَسَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْخُفِّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْدَاثِ فِعْلٍ زَائِدٍ رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَفُرِّقَ أَيْضًا بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْإِدَامَةِ تَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ، فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ طَهَارَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ بِاسْتِصْحَابِ حَالَةٍ هُوَ عَلَيْهَا، وَفِي صُورَةِ اللُّبْسِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُوجَدْ، فَلَا وَجْهَ لِتَكْلِيفِهِ الْإِتْيَانَ بِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ لِأَجْلِ طَهَارَةٍ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، وَخَرَجَ بِالْوُضُوءِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَالْغُسْلُ وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا فَلَا مَسْحَ فِيهِمَا. أَمَّا الْغُسْلُ الْوَاجِبُ فَلِخَبَرِ الْجَنَابَةِ الْآتِي، وَأَمَّا بَاقِي الِاغْتِسَالِ وَغُسْلُ النَّجَاسَةِ فَبِالْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ تَكَرُّرَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ (لِلْمُقِيمِ) وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ، وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا قَصِيرًا أَوْ طَوِيلًا، وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ، وَكَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 يَوْمًا وَلَيْلَةً،   [مغني المحتاج] كُلُّ سَفَرٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْقَصْرُ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً بِلَيَالِيِهَا   [مغني المحتاج] (وَلِلْمُسَافِرِ) سَفَرَ قَصْرٍ (1) (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ (بِلَيَالِيِهَا) فَيَسْتَبِيحُ بِالْمَسْحِ مَا يَسْتَبِيحُهُ بِالْوُضُوءِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْخَبَرُ السَّابِقُ أَوَّلَ الْبَابِ. وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: «سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» (1) . وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا ثَلَاثُ لَيَالٍ مُتَّصِلَةٍ بِهَا، سَوَاءٌ أَسَبَقَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ لَيْلَتَهُ أَمْ لَا، فَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ أَوْ الْيَوْمِ اُعْتُبِرَ قَدْرُ الْمَاضِي مِنْهُ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ يُقَالُ فِي مُدَّةِ الْمُقِيمِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ السَّفَرَ بِسَفَرِ الْقَصْرِ كَمَا قَيَّدْتُهُ بِهِ. أَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ مَسْحَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ قَدْرَهَا وَلَوْ ذَهَابًا وَإِيَابًا اهـ. فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ التَّقْيِيدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بَدَّ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا، وَيَنْدَفِعُ بِقَوْلِي: وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا إلَخْ مَا قِيلَ: إنَّ لَيْلَةَ الْيَوْمِ هِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَيْهِ لَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ، فَالْمُسَافِرُ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلَاثَ لَيَالٍ مُطْلَقًا كَمَا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِلَيَالِيِهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَا إذَا كَانَ عِنْدَ الْفَجْرِ، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ دَائِمَ الْحَدَثِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى لُبْسِهِ وَالِارْتِفَاقِ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الصَّلَاةَ بِطَهَارَتِهِ فَيَسْتَفِيدُ الْمَسْحَ أَيْضًا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَسْحُ ضَعِيفٌ، فَلَا يُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِهِ غَيْرَ حَدَثِهِ الدَّائِمِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا مَسَحَ لِفَرِيضَةٍ وَلِنَوَافِلَ، وَإِنْ أَحْدَثَ وَقَدْ صَلَّى بِوُضُوءِ اللُّبْسِ فَرْضًا لَمْ يَمْسَحْ إلَّا لِنَفْلٍ؛ لِأَنَّ مَسْحَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى طُهْرِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ فَرِيضَةً أُخْرَى وَجَبَ نَزْعُ الْخُفِّ وَالطُّهْرُ الْكَامِلُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا زَادَ عَلَى فَرِيضَةٍ وَنَوَافِلَ فَكَأَنَّهُ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ طُهْرَهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَمَّا حَدَثُهُ الدَّائِمُ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِئْنَافِ طُهْرٍ إلَّا إذَا أَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الطُّهْرِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا، وَحَدَثُهُ يَجْرِي فَإِنَّ طُهْرَهُ يَبْطُلُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ قِيلَ: اللُّبْسُ يَمْنَعُ الْمُبَادَرَةَ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي زَمَنِ الِاشْتِغَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ.   [مغني المحتاج] بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ، وَالْمُتَحَيِّرَةُ تَمْسَحُ عِنْدَ عَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا. وَابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْمَسْحِ (مِنْ) تَمَامِ (الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسٍ) (1) ؛ لِأَنَّ وَقْتَ جَوَازِ الْمَسْحِ أَيْ الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ يَدْخُلُ بِذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مُدَّتُهُ مِنْهُ، فَإِذَا أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ لَمْ تُحْسَبْ الْمُدَّةُ وَلَوْ بَقِيَ شَهْرًا مَثَلًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤَقَّتَةً، فَكَانَ ابْتِدَاءُ وَقْتِهَا مِنْ حِينِ جَوَازِ فِعْلِهَا كَالصَّلَاةِ، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهَذَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلَابِسِ الْخُفِّ أَنْ يُجَدِّدَ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْحَدَثِ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ بِجَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَقِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمَجْمُوعِ، وَيَنْدَفِعُ هَذَا التَّوَهُّمُ بِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 فَإِنْ مَسَحَ حَضَرًا   [مغني المحتاج] قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِغَيْرِي. وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: لَمَّا كَانَتْ مُدَّةُ جَوَازِ الْمَسْحِ هِيَ مُدَّةَ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِنَادُ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَى الْمَسْحِ كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مَا ذُكِرَ فَلَا يَرِدُ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ قَبْلَ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ جَازَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ مُسْتَنَدًا إلَيْهِ اهـ. وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ حَدَثٍ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ ثُمَّ أَحْدَثَ كَانَ ابْتِدَاءُ مُدَّتِهِ مِنْ حَدَثِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ قُوَّةَ الْأَحَادِيثِ تُعْطِيهِ. وَعُلِمَ مِنْ تَقْدِيرِ تَمَامِ أَنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَدَثِ وَهُوَ كَذَلِكَ نَعَمْ أَفْتَى شَيْخِي بِأَنَّ الْحَدَثَ بِالنَّوْمِ تَكُونُ الْمُدَّةُ مِنْ ابْتِدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ غَالِبَ الْمُدَّةِ، وَمِثْلُهُ اللَّمْسُ وَالْمَسُّ، وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ مَسَحَ) بَعْدَ الْحَدَثِ (حَضَرًا) عَلَى خُفَّيْهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 ثُمَّ سَافَرَ أَوْ عَكَسَ لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ. وَشَرْطُهُ أَنْ يَلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ سَاتِرًا مَحَلَّ فَرْضِهِ   [مغني المحتاج] أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (ثُمَّ سَافَرَ) سَفَرَ قَصْرٍ (أَوْ عَكَسَ) أَيْ مَسَحَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ أَقَامَ (لَمْ يَسْتَوْفِ مُدَّةَ سَفَرٍ) تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مُدَّةِ مُقِيمٍ فِي الْأُولَى بِقِسْمَيْهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مِنْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ مَسَحَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَهُوَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ ثُمَّ مَسَحَ الْأُخْرَى بَعْدَ تَوْبَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ إنْ أَقَامَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَهَا لَمْ يَمْسَحْ، وَيُجْزِئُهُ مَا مَضَى وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِيمَا ذُكِرَ بِالْمَسْحِ لَا بِاللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعِبَادَةِ، فَمَنْ ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ فِي السَّفَرِ أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ سَوَاءٌ أَلَبِسَ فِي الْحَضَرِ وَأَحْدَثَ فِيهِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَسَافَرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمْ لَا، وَعِصْيَانُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالسَّفَرِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ، وَمَنْ ابْتَدَأَهُ فِي الْحَضَرِ وَلَوْ إحْدَى خُفَّيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ. (وَشَرْطُهُ) أَيْ جَوَازِ مَسْحِ الْخُفِّ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: (أَنْ يُلْبَسَ بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَلَوْ لَبِسَهُ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ وَغَسَلَهُمَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُمَا مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ ثُمَّ يُدْخِلَهُمَا فِيهِ، وَلَوْ أَدْخَلَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ غَسْلِهَا ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَ الْأُولَى مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمِ ثُمَّ يُدْخِلَهَا فِيهِ، وَلَوْ غَسَلَهُمَا فِي سَاقِ الْخُفِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا مَوْضِعَ الْقَدَمِ جَازَ الْمَسْحُ، وَلَوْ ابْتَدَأَ اللُّبْسَ بَعْدَ غَسْلِهِمَا ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَى مَوْضِعِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدَثَانِ فَغَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ الْجَنَابَةِ وَقُلْنَا بِالِانْدِرَاجِ، وَلُبْسُ الْخُفِّ قَبْلَ غَسْلِ بَاقِي بَدَنِهِ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ قَبْلَ كَمَالِ الطُّهْرِ. فَإِنْ قِيلَ لَفْظَةُ كَمَالٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ كَامِلًا، وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ عَلَى الْوَجِيزِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا يَنْتَظِمُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِنَفْيِ مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ فِيمَا إذَا غَسَلَ رِجْلًا وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ الْأُخْرَى كَذَلِكَ، وَلِاحْتِمَالِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ. وَلَا يُقَالُ يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ عَنْ دَائِمِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ ضِدَّ الْكَامِلِ النَّاقِصُ، وَطَهَارَتُهُ ضَعِيفَةٌ لَا نَاقِصَةٌ وَحُكْمُ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ إنَّمَا يَكُونُ ضِدَّ الْمُدَّعَى. وَشَمِلَ تَنْكِيرُ الطُّهْرِ التَّيَمُّمَ، فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِإِعْوَازِ الْمَاءِ لَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ الْمَسْحَ بَلْ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ لَزِمَهُ نَزْعُهُ وَالْوُضُوءُ الْكَامِلُ وَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَأَحْدَثَ ثُمَّ تَكَلَّفَ الْوُضُوءَ لِيَمْسَحَ فَكَذَا ثُمَّ الْحَدَثُ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، لَكِنَّ الْإِسْنَوِيَّ تَرَدَّدَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّكْلِيفِ: هَلْ هُوَ جَائِزٌ أَوْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الضَّرَرُ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ شُفِيَ دَائِمُ الْحَدَثِ أَوْ الْمُتَيَمِّمُ لَا لِفَقْدِ الْمَاءِ لَمْ يَمْسَحْ لِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ الْمُرَتَّبِ هُوَ عَلَيْهَا، وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ، وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: صَلَاحِيَةُ الْخُفِّ لِلْمَسْحِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا (سَاتِرًا مَحَلَّ فَرْضِهِ) وَهُوَ الْقَدَمُ بِكَعْبَيْهِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَعْلَى، فَلَوْ رُئِيَ الْقَدَمُ مِنْ أَعْلَاهُ كَأَنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 طَاهِرًا يُمْكِنُ تِبَاعُ الْمَشْيِ فِيهِ لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ.   [مغني المحتاج] لَمْ يَضُرَّ عَكْسُ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ لَا مِنْ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ يُتَّخَذُ لِسَتْرِ أَعْلَى الْبَدَنِ، وَالْخُفُّ يُتَّخَذُ لِسَتْرِ أَسْفَلِ الرِّجْلِ، فَإِنْ قَصُرَ عَنْ مَحِلِّ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ بِهِ تَخَرُّقٌ فِي مَحِلِّ الْفَرْضِ ضَرَّ، وَلَوْ تَخَرَّقَتْ الْبِطَانَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَوْ الظِّهَارَةُ بِكَسْرِ الظَّاءِ وَالْبَاقِي صَفِيقٌ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ، وَلَوْ تَخَرَّقَتَا مِنْ مَوْضِعَيْنِ غَيْرِ مُتَحَاذِيَيْنِ لَمْ يَضُرَّ. وَالْمُرَادُ بِالسَّتْرِ هُنَا الْحَيْلُولَةُ لَا مَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ، فَيَكْفِي الشَّفَافُ عَكْسُ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا مَنْعُ نُفُوذِ الْمَاءِ وَثَمَّ مَنْعُ الرُّؤْيَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخُفِّ عُسْرُ غَسْلِ الرِّجْلِ بِسَبَبِ السَّاتِرِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالْمَقْصُودُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ سَتْرُهَا بِجِرْمٍ عَنْ الْعُيُونِ وَلَمْ يَحْصُلْ. وَمِنْ نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ: رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ نَفْيُ الْغَرَرِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ يُرَى غَالِبًا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ (طَاهِرًا) فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ اُتُّخِذَ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَفَائِدَةُ الْمَسْحِ، وَإِنْ لَمْ تَنْحَصِرْ فِيهَا فَالْقَصْدُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَغَيْرُهَا تَبَعٌ لَهَا، وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ وَهِيَ لَا تَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ مَا لَمْ تَزُلْ نَجَاسَتُهَا، فَكَيْفَ يُمْسَحُ عَلَى الْبَدَلِ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ؟ وَالْمُتَنَجِّسُ كَالنَّجِسِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي أَنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَوْضِعِ الطَّاهِرِ وَيَسْتَفِيدُ بِهِ مَسَّ الْمُصْحَفِ قَبْلَ غَسْلِهِ، وَالصَّلَاةَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْمَسْحِ وَمَا عَدَاهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ كَالتَّابِعِ لَهَا، وَلِأَنَّ الْخُفَّ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ تَطْهُرْ عَنْ الْحَدَثِ مَعَ بَقَاءِ النَّجَسِ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَلَى الْخُفِّ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا وَمَسَحَ مِنْ أَعْلَاهُ مَا لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ صَحَّ مَسْحُهُ، فَإِنْ مَسَحَ عَلَى النَّجَاسَةِ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ يَدِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ خَرَّزَ خُفَّهُ بِشَعْرٍ نَجِسٍ، وَالْخُفُّ أَوْ الشَّعْرُ رَطْبٌ طُهِّرَ بِالْغَسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ مَحِلِّ الْخَرَزِ وَيُعْفَى عَنْهُ فَلَا يُنَجِّسُ الرِّجْلَ الْمُبْتَلَّةِ وَيُصَلِّي فِيهِ الْفَرَائِضَ وَالنَّوَافِلَ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَطْعِمَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ قَوِيًّا (يُمْكِنُ) لِقُوَّتِهِ (تِبَاعُ الْمَشْيِ فِيهِ لِتَرَدُّدِ مُسَافِرٍ لِحَاجَاتِهِ) عِنْدَ الْحَطِّ وَالتِّرْحَالِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَوْ كَانَ لَابِسُهُ مُقْعَدًا، وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الْمُتَرَدَّدِ فِيهَا، فَضَبَطَهُ الْمَحَامِلِيُّ (1) بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَصَاعِدًا وَوَافَقَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا ضَبَطَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ تَقْرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَوْ ضَبَطَ بِمَنَازِلِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لَمْ يَبْعُدْ قَالَ: وَهَلْ الْمُرَادُ الْمَشْيُ فِيهِ بِمَدَاسٍ أَمْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ اهـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 قِيلَ: وَحَلَالًا.   [مغني المحتاج] وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ الثَّانِي: إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ لَكَانَ غَالِبُ الْخِفَافِ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ اعْتِدَالُ الْأَرْضِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً، وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّرَدُّدَ فِيهِ بِحَوَائِجِ سَفَرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ وَنَحْوِهِ، وَسَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَجِبُ نَزْعُهُ، فَقُوَّتُهُ تُعْتَبَرُ بِأَنْ يُمْكِنَ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَلِبَدٍ وَزُجَاجٍ وَخِرَقٍ مُطْبَقَةٍ بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ لِثِقَلِهِ كَالْحَدِيدِ أَوْ لِتَحْدِيدِ رَأْسِهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ الثُّبُوتِ، أَوْ ضَعْفِهِ كَجَوْرَبِ الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ جِلْدٍ ضَعِيفٍ، أَوْ لِغِلَظِهِ كَالْخَشَبَةِ الْعَظِيمَةِ، أَوْ لِفَرْطِ سِعَتِهِ أَوْ ضِيقِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ إذْ لَا حَاجَةَ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَا فَائِدَةَ فِي إدَامَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا إنْ كَانَ الضَّيِّقُ يَتَّسِعُ بِالْمَشْيِ فِيهِ. قَالَ فِي الْكَافِي عَنْ قُرْبٍ كَفَى الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ (قِيلَ: وَحَلَالًا) فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ (1) وَالرُّخْصَةُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجُ لَا يَمْنَعُ مَاءً فِي الْأَصَحِّ. وَلَا جُرْمُوقَانِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَالْأَصَحُّ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُفَّ يُسْتَوْفَى بِهِ الرُّخْصَةُ لَا أَنَّهُ الْمُجَوِّزُ لِلرُّخْصَةِ بِخِلَافِ مَنْعِ الْقَصْرِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إذْ الْمُجَوِّزُ لَهُ السَّفَرُ، وَلَا يَشْكُلُ ذَلِكَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِجْمَارِ بِالْمُحْتَرَمِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ ثَمَّ لِمَعْنًى قَائِمٍ بِالْآلَةِ، بِخِلَافِهِ هُنَا، وَعَلَى هَذَا فَيَكْفِي: الْمَسْحُ عَلَى الْمَغْصُوبِ وَالدِّيبَاجِ الصَّفِيقِ وَالْمُتَّخَذِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ لِلرَّجُلِ وَغَيْرِهِ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْعُبَابِ مَا لَوْ كَانَ اللَّابِسُ لِلْخُفِّ مُحْرِمًا بِنُسُكٍ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ: أَنَّ الْمُحَرَّمَ مَنْهِيٌّ عَنْ اللُّبْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لُبْسٌ فَصَارَ كَالْخُفِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ لُبْسِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي اسْتِعْمَالِ مَالِ الْغَيْرِ، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إنْ اتَّخَذَ مِنْهُ خُفًّا، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ قِيلَ: سَاتِرًا وَمَا بَعْدَهُ أَحْوَالٌ مُقَيَّدَةٌ لِصَاحِبِهَا فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الْأَمْرُ بِهَا؟ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ بِشَيْءٍ الْأَمْرُ بِالْمُقَيِّدِ لَهُ بِدَلِيلِ اضْرِبْ هِنْدًا جَالِسَةً. . أُجِيبَ: بِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ مِنْ نَوْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَا مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعِهِ نَحْوُ حُجَّ مُفْرِدًا أَوْ مِنْ فِعْلِهِ نَحْوُ اُدْخُلْ مَكَّةَ مُحْرِمًا فَهِيَ مَأْمُورٌ بِهَا، وَمَا هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ (وَلَا يُجْزِئُ مَنْسُوجٌ لَا يَمْنَعُ مَاءً) أَيْ نُفُوذَهُ إلَى الرِّجْلِ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ الْخَرَزِ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَفَاقَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْخِفَافِ أَنَّهَا تَمْنَعُ النُّفُوذَ، فَتَنْصَرِفُ إلَيْهَا النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّرَخُّصِ فَيَبْقَى الْغَسْلُ وَاجِبًا فِيمَا عَدَاهَا وَالثَّانِي: يُجْزِئُ كَالْمُتَخَرِّقِ ظِهَارَتُهُ مِنْ مَوْضِعٍ وَبِطَانَتُهُ مِنْ آخَرَ غَيْرَ مُتَحَاذِيَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى الرِّجْلِ لَوْ صُبَّا عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ مَنْسُوجٍ وَقَالَ: لَا يُجْزِئُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَاءً لَشَمِلَ الْمَنْسُوجَ وَغَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يُسَمِّيَ خُفًّا، فَلَوْ لَفَّ قِطْعَةَ أُدْمٍ عَلَى رِجْلَيْهِ وَأَحْكَمَهَا بِالشَّدِّ وَأَمْكَنَ تِبَاعُ الْمَشْيِ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِعُسْرِ إزَالَتِهِ وَإِعَادَتِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ مَعَ اسْتِيفَازِ الْمُسَافِرِ فَلَا يَحْصُلُ الِارْتِفَاقُ الْمَقْصُودُ بِالْمَسْحِ فَيُتَّبَعُ مَوْرِدُ النَّصِّ، وَهُوَ الْخُفُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ يَجُوزُ عَائِدٌ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فَخَرَجَ غَيْرُهُ (وَلَا) يُجْزِئُ (جُرْمُوقَانِ) وَهُمَا خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ كُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ الْأَعْلَى مِنْهُمَا (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الْخُفِّ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَالْجُرْمُوقُ لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ مَسْحُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ خُطُوطًا، وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ   [مغني المحتاج] فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ شَيْءٌ كَالْخُفِّ فِيهِ وُسْعٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ لِلْبَرْدِ. وَأَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ خُفٌّ فَوْقَ خُفٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاسِعًا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ. وَالثَّانِي: يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ شِدَّةَ الْبَرْدِ قَدْ تُحْوِجُ إلَى لُبْسِهِ، وَفِي نَزْعِهِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ لِلْمَسْحِ عَلَى الْأَسْفَلِ مَشَقَّةٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ بَيْنَهُمَا وَيَمْسَحَ الْأَسْفَلَ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلْمَسْحِ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، وَإِنْ صَلُحَ الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَالْأَسْفَلُ كَلِفَافَةٍ، وَإِنْ صَلُحَ الْأَسْفَلُ دُونَ الْأَعْلَى، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْبَلَلُ لِلْأَسْفَلِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ لَا بِقَصْدِ الْأَعْلَى فَقَطْ بِأَنْ قَصَدَ الْأَسْفَلَ، وَلَوْ مَعَ الْأَعْلَى أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَفَى، وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ أَيْضًا فِي الْقَوِيَّيْنِ: كَأَنْ يَصِلَ إلَى الْأَسْفَلِ مِنْ مَحَلِّ خَرَزِ الْأَعْلَى، وَلَوْ تَخَرَّقَ الْأَسْفَلُ مِنْ الْقَوِيَّيْنِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ لُبْسِهِمَا مَسَحَ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا لِخُرُوجِ الْأَسْفَلِ عَنْ صَلَاحِيَتِهِ لِلْمَسْحِ، أَوْ وَهُوَ مُحْدِثٌ فَلَا كَاللُّبْسِ عَلَى حَدَثٍ، أَوْ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةِ الْمَسْحِ فَوَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ. كَلَامَهَا أَنَّهُ يَمْسَحُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَالْخُفُّ ذُو الطَّاقَيْنِ غَيْرِ الْمُلْتَصِقَيْنِ كَالْجُرْمُوقَيْنِ. قَالَ: وَعِنْدِي يَجُوزُ مَسْحُ الْأَعْلَى فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُفٌّ وَاحِدٌ، فَمَسْحُ الْأَسْفَلِ كَمَسْحِ بَاطِنِ الْخُفِّ اهـ. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى جَبِيرَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ فَوْقَ مَمْسُوحٍ فَأَشْبَهَ الْعِمَامَةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِعَدَمِ مَا ذُكِرَ. (وَيَجُوزُ مَشْقُوقُ قَدَمٍ شُدَّ) بِالشَّرَجِ، وَهِيَ الْعُرَى بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ إذَا مَشَى: أَيْ فَيَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ السَّتْرِ وَتَيَسَّرَ الْمَشْيُ فِيهِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ فَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَفَّ عَلَى قَدَمِهِ قِطْعَةَ أُدْمٍ وَأَحْكَمَهَا بِالشَّدِّ فَإِنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِعُسْرِ الِارْتِفَاقِ بِهَا فِيمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَشْقُوقُ لَا يُسَمَّى خُفًّا بَلْ زُرْبُولًا وَقَدْ مَرَّ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ يُسَمَّى خُفًّا. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى مُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ فَقَطْ بَلْ مَعَ مُرَاعَاةِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَخْرَجْنَا بِذَلِكَ قِطْعَةَ الْأُدْمِ وَنَحْوَهَا وَعَلَّلْنَاهَا بِعُسْرِ الِارْتِفَاقِ، فَحَيْثُ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَوْجُودُ فِي الْخُفِّ كَفَى (وَيُسَنُّ مَسْحُ) ظَاهِرِ (أَعْلَاهُ) أَيْ السَّاتِرِ لِمُشْطِ الرِّجْلِ (وَأَسْفَلِهِ) وَعَقِبِهِ وَحَرْفِهِ (خُطُوطًا) بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ الْعَقِبِ وَالْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْأَصَابِعِ ثُمَّ يُمِرَّ الْيُمْنَى إلَى سَاقِهِ أَيْ إلَى آخِرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ مَسْحُهُ، وَالْيُسْرَى إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ مِنْ تَحْتُ مُفَرِّجًا بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَلَا يَضُمُّهَا لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْعِبًا لَهُ، وَلَا يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ بِالْمَسْحِ، وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهُ وَغَسْلُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْخُفِّ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ إذَا كَانَ الْخُفُّ مِنْ نَحْوِ زُجَاجٍ وَأَمْكَنَ الْمَشْيُ فِيهِ (وَيَكْفِي مُسَمَّى مَسْحٍ) كَمَسْحِ الرَّأْسِ فَيَكْفِي بِيَدٍ وَعُودٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ وَرَدَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَصِحَّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 يُحَاذِي الْفَرْضَ إلَّا أَسْفَلَ الرِّجْلِ وَعَقِبَهَا فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ. قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ. فَإِنْ أَجْنَبَ وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ.   [مغني المحتاج] تَقْدِيرِ شَيْءٍ فَتَعَيَّنَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ (يُحَاذِي) أَيْ يُقَابِلُ (الْفَرْضَ) مِنْ الظَّاهِرِ لَا مِنْ بَاطِنِهِ الْمُلَاقِي لِلْبَشَرَةِ فَلَا يَكْفِي اتِّفَاقًا. فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ بِالرَّأْسِ أَنَّ الْخُفَّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَنَّ الْمَسْحَ يَكْفِي عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ الشَّعْرِ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنْ يُعْطَى الْمُشَبَّهُ حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (إلَّا أَسْفَلَ الرِّجْلِ وَعَقِبَهَا فَلَا) يَكْفِي الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَرِدْ، وَثَبَتَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْلَى، وَالرُّخْصَةُ يَجِبُ فِيهَا الِاتِّبَاعُ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ. وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ (1) . وَالْعَقِبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا: مُؤَخَّرُ الرِّجْلِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَجَمْعُهَا أَعْقَابٌ. وَقَدْ مَرَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» (2) (قُلْتُ: حَرْفُهُ كَأَسْفَلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ غَالِبًا فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ (وَلَا مَسْحَ لِشَاكٍّ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ (فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ) هَلْ انْقَضَتْ أَوْ لَا وَشَكَّ الْمُسَافِرُ هَلْ ابْتَدَأَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ بِشُرُوطٍ. مِنْهَا الْمُدَّةُ، فَإِذَا شَكَّ فِيهَا رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْغَسْلُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّ الشَّكَّ، إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ لَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَوْ زَالَ الشَّكُّ وَتَحَقَّقَ بَقَاءُ الْمُدَّةِ جَازَ الْمَسْحُ. فَرْعٌ: لَوْ شَكَّ مَنْ مَسَحَ بَعْدَ الْحَدَثِ هَلْ صَلَاتُهُ الرَّابِعَةُ أَوْ الثَّالِثَةُ؟ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الرَّابِعَةِ وَحُسِبَ عَلَيْهِ وَقْتُهَا، فَلَوْ أَحْدَثَ وَمَسَحَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَشَكَّ، أَتَقَدَّمَ حَدَثُهُ وَمَسَحَهُ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَصَلَّاهَا بِهِ أَمْ تَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَيْهِ وَتُجْعَلُ الْمُدَّةُ مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَوْ مَسَحَ شَاكًّا فِيمَا ذُكِرَ وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَإِنْ بَانَ بَقَاءُ الْمُدَّةِ أَعَادَ الْمَسْحَ وَالصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَسَحَ غَيْرَ شَاكٍّ، كَأَنْ مَسَحَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى طَهَارَتِهِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ يُعِيدُ مَا صَلَّاهُ بِهِ عَلَى الشَّكِّ (فَإِنْ أَجْنَبَ) لَابِسُ الْخُفِّ أَوْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ (وَجَبَ تَجْدِيدُ لُبْسٍ) بَعْدَ الْغُسْلِ إنْ أَرَادَ الْمَسْحَ بِأَنْ يَنْزِعَ وَيَتَطَهَّرَ ثُمَّ يَلْبَسَ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ غَسَّانَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفْرًا بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْفَاءِ: أَيْ مُسَافِرِينَ أَلَّا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وَمَنْ نَزَعَ وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ غَسَلَ قَدَمَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ يَتَوَضَّأُ.   [مغني المحتاج] صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. دَلَّ الْأَمْرُ بِالنَّزْعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الْمَسْحِ قَاطِعَةٌ لِمُدَّتِهِ حَتَّى لَوْ اغْتَسَلَ لَابِسًا لَا يَمْسَحُ بَقِيَّتَهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَإِنْ اقْتَضَى مَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَمْسَحُ بَقِيَّتَهَا لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ، وَقِيسَ بِالْجَنَابَةِ غَيْرُهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلْإِبَاحَةِ لِمَجِيئِهِ فِي خَبَرِ النَّسَائِيّ «أَرْخَصَ لَنَا» . فَإِنْ قِيلَ الْجَبِيرَةُ إذَا وُضِعَتْ عَلَى طُهْرٍ لَا يَجِبُ نَزْعُهَا لِمَا ذُكِرَ مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْحًا عَلَى سَاتِرٍ لِحَاجَةٍ مَوْضُوعٍ عَلَى طُهْرٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ ثَمَّ أَشَدُّ وَالنَّزْعُ أَشَقُّ (وَمَنْ نَزَعَ) فِي الْمُدَّةِ خُفَّيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ خَرَجَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ صَلَاحِيَةِ الْمَسْحِ، أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ شَكَّ فِي بَقَائِهَا أَوْ ظَهَرَ بَعْضُ الرِّجْلِ بِتَخَرُّقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَانْحِلَالِ شَرَجٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (غَسَلَ قَدَمَيْهِ) لِبُطْلَانِ طُهْرِهِمَا بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ غَسْلُهُمَا، وَالْمَسْحُ بَدَلٌ، فَإِذَا زَالَ حُكْمُ الْبَدَلِ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ كَالتَّيَمُّمِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ (وَفِي قَوْلٍ يَتَوَضَّأُ) ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَتَبْطُلُ كُلُّهَا بِبُطْلَانِ بَعْضِهَا كَالصَّلَاةِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَيُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ. وَخَرَجَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ طُهْرُ الْغَسْلِ بِأَنْ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ اللُّبْسِ، أَوْ أَحْدَثَ لَكِنْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى غَسْلِ قَدَمَيْهِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ تَنَجَّسَتْ رِجْلُهُ فِي الْخُفِّ بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَأَمْكَنَ غَسْلُهَا فِي الْخُفِّ غَسَلَهَا وَلَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَجَبَ النَّزْعُ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ وَبَطَلَ مَسْحُهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً، أَوْ اعْتَقَدَ طَرَيَانَ حَدَثٍ غَالِبٍ فَأَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْحَالِ، وَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُقْتَدِي بِحَالِهِ وَيُفَارِقُهُ عِنْدَ عُرُوضِ الْمُبْطِلِ، وَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فِي صَلَاةِ نَافِلَةٍ كَانَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ أَنْ يَنْفُضَهُ لِئَلَّا يَكُونَ فِيهِ حَيَّةٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ شَوْكَةٌ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسُ خُفَّهُ حَتَّى يَنْفُضَهُمَا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 بَابُ الْغُسْلِ مُوجِبُهُ مَوْتٌ، وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ، وَكَذَا وِلَادَةٌ بِلَا بَلَلٍ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] [بَابُ الْغُسْلِ] (بَابُ الْغُسْلِ) هُوَ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَسَلَ الشَّيْءَ غَسْلًا، وَالْغِسْلُ بِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ نَحْوِ سِدْرٍ وَخِطْمِيٍّ. وَالْغُسْلُ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِلِاغْتِسَالِ، وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ، فَيَجُوزُ فِي التَّرْجَمَةِ فَتْحُ الْغَيْنِ وَضَمُّهَا، وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّهْذِيبِ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا تَسْتَعْمِلُهُ بِالضَّمِّ، وَهُوَ لُغَةً: سَيَلَانُ الْمَاءِ عَلَى الشَّيْءِ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا سَيَلَانُهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ مَعَ النِّيَّةِ (مُوجِبُهُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: (مَوْتٌ) لِمُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَنَائِزِ، فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا لَكِنْ يَرِدُ عَلَى مَفْهُومِهِ السِّقْطُ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَاتُ حَيَاتِهِ وَظَهَرَ خَلْقُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ فِي تَعْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَدَمُ الْحَيَاةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ، وَقِيلَ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ، وَقِيلَ: عَرَضٌ يُضَادُّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى قَدَرٌ، وَالْعَدَمُ مُقَدَّرٌ. فَإِنْ قِيلَ: عَدَمُ الْمَوْتِ مِنْ الْمُوجِبَاتِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْغُسْلَ وَلَوْ مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ لَزِمَ أَنْ يَعُدُّوا مَنْ تَنَجَّسَ جَمِيعُ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ وَاشْتَبَهَ وَلَمْ يَعُدُّوهُ، وَإِنْ أُرِيدَ الْغُسْلُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ لَزِمَ خُرُوجُ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غُسْلِهِ نِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ، وَالْكَلَامُ فِي الْغُسْلِ عَنْ الْأَحْدَاثِ، فَخَرَجَ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَدَخَلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ عَلَى رَأْيِ أَنَّهُ عَنْ حَدَثٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ الشِّقُّ الْأَوَّلُ وَمُنِعَ عَدُّ تَنَجُّسِ الْبَدَنِ مِنْ الْمُوجِبَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ: إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ كَشْطُ جِلْدِهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ ( وَ) ثَانِيهَا (حَيْضٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي» (1) ( وَ) ثَالِثُهَا: (نِفَاسٌ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَانْقِطَاعِهِ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ أَيْ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ وَالتَّحْقِيقِ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُوجِبَهُ الِانْقِطَاعُ فَقَطْ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَجَنَابَةٌ بِدُخُولِ حَشَفَةٍ إلَخْ أَنَّ الْمُوجِبَ الْإِيلَاجُ أَوْ الْإِنْزَالُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لِهَذَا الْخِلَافِ ثَمَرَةٌ فِقْهِيَّةٌ؟ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَعَمْ، وَهِيَ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ وَجَبَ عَلَيْكِ غُسْلٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَذَكَرَ لَهُ فَوَائِدَ أُخَرَ لَكِنْ عَلَى ضَعْفٍ. وَرَابِعُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا وِلَادَةٌ) وَلَوْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً (بِلَا بَلَلٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ غَالِبًا فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَالنَّوْمِ مَعَ الْخَارِجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 وَجَنَابَةٌ بِدُخُولِ حَشَفَةٍ، أَوْ قَدْرِهَا فَرْجًا،   [مغني المحتاج] وَتُفْطِرُ بِهِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَتْ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَلَا تُفْطِرُ بِهِ بَلْ تَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ ( وَ) خَامِسُهَا: (جَنَابَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَتَحْصُلُ لِآدَمِيٍّ حَيٍّ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ بِهِ (بِدُخُولِ حَشَفَةٍ) وَلَوْ بِلَا قَصْدٍ أَوْ كَانَ الذَّكَرُ أَشَلَّ أَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ (أَوْ قَدْرِهَا) مِنْ مَقْطُوعِهَا (فَرْجًا) وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهًى كَأَنْ كَانَ مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ دُبُرِ ذَكَرٍ أَوْ كَانَ عَلَى الذَّكَرِ خِرْقَةٌ مَلْفُوفَةٌ وَلَوْ غَلِيظَةً. أَمَّا فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَمَّا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِنْزَالِ كَخَبَرِ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» (1) فَمَنْسُوخَةٌ. وَأَجَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالِاحْتِلَامِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ، وَذِكْرُ الْخِتَانِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ فِي فَرْجٍ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ انْضِمَامَهُمَا لِعَدَمِ إيجَابِهِ الْغُسْلَ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ تَحَاذِيهِمَا يُقَالُ: الْتَقَى الْفَارِسَانِ إذَا تَحَاذَيَا وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّا، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِدْخَالِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ؛ إذْ الْخِتَانَانِ مَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الْخِتَانِ، وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَمَخْرَجُ الْبَوْلِ فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَلَوْ أَوْلَجَ حَيَوَانٌ قِرْدٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي آدَمِيٍّ وَلَا حَشَفَةَ لَهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ إيلَاجُ كُلِّ ذَكَرِهِ أَوْ إيلَاجُ قَدْرِ حَشَفَةٍ مُعْتَدِلَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ نَظَرٌ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْفَقِيهِ اهـ. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَيَجْنُبُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ أَوْلَجَا أَوْ أُولِجَ فِيهِمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ بَعْدَ الْكَمَالِ، وَصَحَّ مِنْ مُمَيِّزٍ وَيُجْزِئُهُ وَيُؤْمَرُ بِهِ كَالْوُضُوءِ، وَإِيلَاجُ الْخُنْثَى وَمَا دُونَ الْحَشَفَةِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْغُسْلِ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَيَجِبُ عَلَى الْمُولَجِ فِيهِ بِالنَّزْعِ مِنْ دُبُرِهِ مُطْلَقًا، وَمِنْ قُبُلِ أُنْثَى، وَإِيلَاجُ الْحَشَفَةِ بِالْحَائِلِ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَإِفْسَادِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَيُخَيَّرُ الْخُنْثَى بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ فِي دُبُرِ ذَكَرٍ لَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ بِلَمْسِهِ، أَوْ فِي دُبُرِ خُنْثَى أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ الْمُولِجِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ فِيهِمَا، وَأُنُوثَتِهِ وَذُكُورَةِ الْآخَرِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مُحْدِثٌ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فِيهِمَا مَعَ أُنُوثَةِ الْآخَرِ فِي الثَّانِيَةِ، فَخُيِّرَ بَيْنَهُمَا لِمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَنِيُّ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا يُخَيَّرُ الذَّكَرُ إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي دُبُرِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَإِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ عَلَى الذَّكَرِ وَتَخْيِيرَ الْخُنْثَى. أَمَّا إيلَاجُهُ فِي قُبُلِ خُنْثَى أَوْ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُولِجْ الْآخَرَ فِي قُبُلِهِ فَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِ خُنْثَى فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا غُسْلٌ وَلَا وُضُوءٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ، فَإِنْ أَوْلَجَ ذَلِكَ الْخُنْثَى فِي وَاضِحٍ آخَرَ أَجْنَبَ يَقِينًا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ جَامَعَ أَوْ جُومِعَ فِيهِ بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ لَا جَنَابَةَ عَلَيْهِمَا وَأَحْدَثَ الْوَاضِحُ الْآخَرُ بِالنَّزْعِ مِنْهُ. أَمَّا لَوْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي الرَّجُلِ الْمُولِجِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْنُبُ، وَمَنْ أَوْلَجَ أَحَدَ ذَكَرَيْهِ أَجْنَبَ إنْ كَانَ يَبُولُ بِهِ وَحْدَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْآخَرِ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَنَنِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى سَنَنِهِ، أَوْ كَانَ يَبُولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وَبِخُرُوجِ مَنِيٍّ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ. وَيُعْرَفُ بِتَدَفُّقِهِ، أَوْ لَذَّةٍ بِخُرُوجِهِ، أَوْ رِيحِ عَجِينٍ رَطْبًا، أَوْ بَيَاضِ بَيْضٍ جَافًّا، فَإِنْ فُقِدَتْ   [مغني المحتاج] بِكُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ لَا يَبُولُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَانَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا أَجْنَبَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَ) تَحْصُلُ أَيْضًا (بِخُرُوجِ مَنِيٍّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَسُمِعَ تَخْفِيفُهَا أَيْ مَنِيِّ الشَّخْصِ نَفْسِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ فَرْجَ الثَّيِّبِ، بَلْ وَصَلَ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ إلَى الظَّاهِرِ كَمَا أَنَّهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ عَنْ الْحَشَفَةِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» (1) أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ، فَإِنْ أَمْنَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحَاضَ مِنْ الْآخَرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ (مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحْكِمًا (وَغَيْرِهِ) أَيْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مُسْتَحْكِمًا مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، وَخَرَجَ مِنْ تَحْتَ الصُّلْبِ، فَالصُّلْبُ هُنَا كَالْمَعِدَةِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ وَالْخِلْقِيِّ كَمَا فُرِّقَ هُنَاكَ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَ ذَلِكَ، وَالصُّلْبُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِلرَّجُلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَمَا بَيْنَ تَرَائِبِهَا وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ. قَالَ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] أَيْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَرَائِبِ الْمَرْأَةِ، فَإِنْ خَرَجَ غَيْرُ الْمُسْتَحْكِمِ مِنْ غَيْرِ الْمُعْتَادِ كَأَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَا بِخُرُوجِ مَنِيِّ غَيْرِهِ مِنْهُ وَلَا بِخُرُوجِ مَنِيِّهِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِدْخَالِهِ (وَيُعْرَفُ) الْمَنِيُّ (بِتَدَفُّقِهِ) بِأَنْ يَخْرُجَ بِدُفْعَاتٍ. قَالَ تَعَالَى: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] ، وَسُمِّيَ مَنِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُمْنَى: أَيْ يُصَبُّ (أَوْ لَذَّةٍ) بِالْمُعْجَمَةِ (بِخُرُوجِهِ) مَعَ فُتُورِ الذَّكَرِ وَانْكِسَارِ الشَّهْوَةِ عَقِبَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَدَفَّقْ لِقِلَّتِهِ أَوْ خَرَجَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ (أَوْ رِيحِ عَجِينٍ) لِحِنْطَةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ طَلَعَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (رَطْبًا أَوْ) رِيحَ (بَيَاضِ بَيْضٍ) لِدَجَاجٍ أَوْ نَحْوِهِ (جَافًّا) وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ وَلَمْ يَتَدَفَّقْ كَأَنْ خَرَجَ بَاقِي مَنِيِّهِ بَعْدَ غُسْلِهِ. أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مَنِيُّ جِمَاعِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ إلَّا إنْ قَضَتْ شَهْوَتَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَهْوَةٌ كَصَغِيرَةٍ أَوْ كَانَ وَلَمْ تَنْقَضِ كَنَائِمَةٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَضَتْ شَهْوَتَهَا لَمْ يُتَيَقَّنْ خُرُوجُ مَنِيِّهَا، وَيَقِينُ الطَّهَارَةِ لَا يَرْتَفِعُ بِظَنِّ الْحَدَثِ إذْ حَدَثُهَا وَهُوَ خُرُوجُ مَنِيِّهَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَقَضَاءُ شَهْوَتِهَا لَا يَسْتَدْعِي خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْ مَنِيِّهَا كَمَا قَالَ فِي التَّوْشِيحِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَضَاءَ شَهْوَتِهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ نَوْمِهَا فِي خُرُوجِ الْحَدَثِ فَنَزَّلُوا الْمَظِنَّةَ مَنْزِلَةَ الْمَئِنَّةِ، وَخَرَجَ بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ مَا لَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَرَطْبًا وَجَافًّا حَالَانِ مِنْ الْمَنِيِّ (فَإِنْ فُقِدَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 الصِّفَاتُ فَلَا غُسْلَ. وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ. وَيَحْرُمُ بِهَا مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ، وَالْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ   [مغني المحتاج] الصِّفَاتُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْخَارِجِ (فَلَا غُسْلَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ، فَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنَ الْخَارِجِ مَنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَوَدْيٍ أَوْ مَذْيٍ تُخَيِّرَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا اغْتَسَلَ أَوْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُمَا لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْهُمَا احْتِيَاطًا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ بِتَزْكِيَةِ الْأَكْثَرِ ذَهَبًا وَفِضَّةً فِي الْإِنَاءِ الْمُخْتَلِطِ مِنْهُمَا إذَا جُهِلَ قَدْرُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ ثَمَّ مُمْكِنٌ بِسَبْكِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ أَوْ اخْتَارَهُ لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ وَغَسَلَ مَا أَصَابَهُ، وَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا وَفَعَلَهُ اعْتَدَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَفَعَلَ الْآخَرَ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِذَا اخْتَارَ أَنَّهُ مَنِيٌّ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ لِلشَّكِّ فِي الْجَنَابَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي. قَالَ: وَلِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ بِفِعْلِ مُقْتَضَى الْحَدَثَيْنِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ غَسْلَ مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ (وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِهَا فِيمَا مَرَّ مِنْ حُصُولِ الْجَنَابَةِ بِالطَّرِيقَيْنِ الْمَارَّيْنِ، وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا أَوْ قَدْرَ الْحَشَفَةِ مِنْهُ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اسْتِدْخَالِهِ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَصْلِهِ أَوْ وَسَطِهِ بِجَمْعِ طَرَفَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْحَشَفَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ أَنَّ مَنِيَّهَا يُعْرَفُ بِالْخَوَاصِّ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ: لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّلَذُّذِ وَالرِّيحِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَالْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَوْلُ الْمُخْتَصَرِ: وَإِذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الْمَاءَ الدَّافِقَ. فَرْعٌ: لَوْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَلَوْ بِظَاهِرِهِ مَنِيًّا لَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَإِعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ لَا يَحْتَمِلُ خُلُوَّهَا عَنْهُ، وَيُسْتَحَبُّ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ احْتَمَلَ خُلُوَّهَا عَنْهُ لَا إعَادَةُ الْغُسْلِ، فَإِنَّهُ لَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ مِنْ آخَرَ نَامَ مَعَهُ فِي فِرَاشِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْغُسْلُ وَالْإِعَادَةُ. وَلَوْ أَحَسَّ بِنُزُولِ الْمَنِيِّ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَيَحْرُمُ بِهَا) أَيْ بِالْجَنَابَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ دُخُولِ الْحَشَفَةِ أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ. أَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَسَيَأْتِي مُحَرَّمَاتُهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ (مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْهُ (وَ) شَيْئَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: (الْمُكْثُ) لِمُسْلِمٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِالْمَسْجِدِ) أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَيْ لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُبُورُ سَبِيلٍ؛ بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 لَا عُبُورُهُ،   [مغني المحتاج] الْحَجُّ] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّهُ حَسَنٌ، وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ كَمَا قَالَ (لَا عُبُورُهُ) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَمَا لَا يَحْرُمُ لَا يُكْرَهُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ أَقْرَبَ طَرِيقَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ كُرِهَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الْأَوَّلِ حَيْثُ وَجَدَ طَرِيقًا غَيْرَهُ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعُبُورَ يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَإِلَّا فَالثَّانِي، وَحَيْثُ عَبَّرَ لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ بَلْ يَمْشِي عَلَى الْعَادَةِ، وَلِهَوَاءِ الْمَسْجِدِ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ. نَعَمْ لَوْ قَطَعَ بُصَاقُهُ هَوَاءَ الْمَسْجِدِ وَوَقَعَ خَارِجَهُ لَمْ يَحْرُمْ، كَمَا لَوْ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَبِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ. نَعَمْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ عِنْدَ خَوْفِ التَّلْوِيثِ كَالْمُسْلِمَةِ، وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ، وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ كَإِسْلَامٍ، وَسَمَاعِ قُرْآنٍ، لَا كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الدُّخُولِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ، وَقَدْ قَعَدَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ فِيهِ، وَبِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولُ الْمَسْجِدِ جُنُبًا، وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَبِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبُطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَا مَا وُقِفَ بَعْضُهُ مَسْجِدًا شَائِعًا. لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ، وَفِي التَّحِيَّةِ لِلدَّاخِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَكَذَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَأْمُومِ إذَا تَبَاعَدَ عَنْ إمَامِهِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَبِلَا عُذْرٍ مَا إذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِإِغْلَاقِ بَابٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَةِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ التَّيَمُّمُ إنْ وَجَدَ غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَيَمَّمَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَسَنٌ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ إنَّ قَوْلَهُ يَحْسُنُ مُصَحَّفٌ عَنْ يَجِبُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَنْوَارِ جَوَازَ الدُّخُولِ لِلِاسْتِقَاءَةِ وَالْمُكْثِ لَهَا بِقَدْرِهَا فَقَطْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ، وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ فِيهِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. نَعَمْ إنْ ضِيقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ شُوِّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 وَالْقُرْآنُ، وَتَحِلُّ أَذْكَارُهُ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ. وَأَقَلُّهُ نِيَّةُ رَفْعِ جَنَابَةٍ،   [مغني المحتاج] النَّوْمُ فِيهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ: وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» (1) (وَ) ثَانِيهِمَا: (الْقُرْآنُ) لِمُسْلِمٍ أَيْ وَيَحْرُمُ بِالْجَنَابَةِ الْقُرْآنُ بِاللَّفْظِ وَبِالْإِشَارَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ. كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ هُنَا، وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ كَحَرْفٍ لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَلِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» (2) وَيَقْرَأُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ، لَكِنْ لَهُ مُتَابَعَاتٌ تَجْبُرُ ضَعْفَهُ، وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فِي ذَلِكَ كَالْجُنُبِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ، وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ، وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ. وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَتُهَا كَغَيْرِهَا. أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا وَلَا أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مُطْلَقًا وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَأَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فِي الْحَضَرِ فَيَجُوزُ لَهُ إذَا تَيَمَّمَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ فَذَكَرْتُهُ وَفَوَائِدَ أُخَرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ (وَتَحِلُّ) لِجُنُبٍ (أَذْكَارُهُ) وَغَيْرُهَا كَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ (لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ) كَقَوْلِهِ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] أَيْ مُطِيقِينَ، وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] وَلَا مَا جَرَى بِهِ لِسَانُهُ بِلَا قَصْدٍ، فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الذِّكْرِ حَرُمَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِيمَا يُوجَدْ نَظْمُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ كَالْآيَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَمَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فِيهِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِ مَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ، أَمَّا إذَا قَرَأَ شَيْئًا مِنْهُ لَا عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِهَا هُنَا كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ، بَلْ أَفْتَى شَيْخِي بِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ جَازَ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: (نِيَّةُ رَفْعِ جَنَابَةٍ) أَيْ رَفْعِ حُكْمِهَا إنْ كَانَ جُنُبًا، وَرَفْعِ حَدَثِ الْحَيْضِ إنْ كَانَتْ حَائِضًا، أَوْ لِتُوطَأَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، فَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ، وَحَدَثُهُ الْحَيْضُ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ نَوَى رَفْعَ جَنَابَةِ الْجِمَاعِ، وَجَنَابَتُهُ بِاحْتِلَامٍ أَوْ عَكْسُهُ صَحَّ مَعَ الْغَلَطِ دُونَ الْعَمْدِ كَنَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 أَوْ اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إلَيْهِ، أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ مَقْرُونَةٍ بِأَوَّلِ فَرْضٍ.   [مغني المحتاج] الْمَجْمُوعِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَا عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ كَالْحَيْضِ مِنْ الرَّجُلِ كَمَا قَالَ بِهِ شَيْخِي خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ إيجَابَ الْغُسْلِ فِي النِّفَاسِ بِكَوْنِهِ دَمَ حَيْضٍ مُجْتَمِعٍ أَنَّهُ يَصِحُّ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ عَمْدًا أَوْ لَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَيَانِ، وَتَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ. وَكَذَا مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ لِاسْتِلْزَامِ رَفْعِ الْمُطْلَقِ رَفْعَ الْمُقَيَّدِ، وَلِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حَدَثِهِ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ، فَلَوْ نَوَى الْأَكْبَرَ كَانَ تَأْكِيدًا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا اُجْتُمِعَا عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا بِانْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّعْيِينُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ، فَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَمْدًا لَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهُ لِتَلَاعُبِهِ، أَوْ غَلَطًا ارْتَفَعَتْ عَنْ أَعْضَاءِ الْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهَا وَاجِبٌ فِي الْحَدَثَيْنِ وَقَدْ غَسَلَهَا بِنِيَّتِهِ إلَّا الرَّأْسَ فَلَا تَرْتَفِعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ وَقَعَ عَنْ مَسْحِهِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ فِي الْأَصْغَرِ، وَهُوَ إنَّمَا نَوَى الْمَسْحَ وَهُوَ لَا يُغْنِي عَنْ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ غَسْلِ بَاطِنِ لِحْيَةِ الرَّجُلِ الْكَثِيفَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ هُوَ الْأَصْلُ، فَإِذَا غَسَلَهُ فَقَدْ أَتَى بِالْأَصْلِ. أَمَّا غَيْرُ الْأَصْغَرِ فَلَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ اُجْتُمِعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ كَفَتْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا قَطْعًا (أَوْ) نِيَّةُ (اسْتِبَاحَةِ مُفْتَقِرٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغُسْلِ كَأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافَّ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ، فَإِنْ نَوَى مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ كَالْغُسْلِ لِيَوْمِ الْعِيدِ لَمْ يَصِحَّ. وَقِيلَ: إنْ نُدِبَ لَهُ صَحَّ (أَوْ أَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ) أَوْ فَرْضِ الْغُسْلِ أَوْ الْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ أَوْ أَدَاءِ الْغُسْلِ، وَكَذَا الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَتَقَدَّمَ الِاسْتِشْكَالُ فِيهَا، وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْأَدَاءِ لَا يَجِبُ وَإِنْ اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، أَمَّا إذَا نَوَى الْغُسْلَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي، وَتَقَدَّمَ شُرُوطُ نِيَّةِ الْغُسْلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فِي بَابِهِ (مَقْرُونَةٌ بِأَوَّلِ فَرْضٍ) وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُغْسَلُ مِنْ الْبَدَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَعْلَاهُ أَمْ مِنْ أَسْفَلِهِ إذْ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ، فَلَوْ نَوَى بَعْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِهِ، وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى السُّنَنِ وَعُزُوبِهَا قَبْلَ غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ الْمَفْرُوضِ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، فَإِذَا خَلَا عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ السُّنَنِ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَتَى بِهَا مِنْ أَوَّلِ السُّنَنِ وَعَزَبَتْ قَبْلَ أَوَّلِ الْفُرُوضِ لَمْ تَكْفِ. فَإِنْ قِيلَ: السُّنَنُ الَّتِي قَبْلَهُ مِنْ مَحِلِّ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا نَوَى عِنْدَهَا رَفْعَ الْجَنَابَةِ مَثَلًا وَقَعَ فَرْضًا، بِخِلَافِ سُنَنِ الْوُضُوءِ الَّتِي قَبْلَهُ مِنْ غَسْلِ كَفَّيْهِ وَمَضْمَضَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْفَرْضِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَقْتَرِنَ النِّيَّةُ بِسُنَّةٍ قَبْلَ الْغُسْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُتَصَوَّرُ كَأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَلَمْ يَمَسَّ الْمَاءُ حُمْرَةَ شَفَتَيْهِ كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ مِنْ إبْرِيقٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ النِّيَّةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا. قَالَ: وَإِذَا اغْتَسَلَ مِنْ إنَاءٍ كَإِبْرِيقٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ عِنْدَهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى الْمَسِّ فَيُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ، أَوْ إلَى كُلْفَةٍ فِي لَفِّ خِرْقَةٍ عَلَى يَدِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَمَقْرُونَةٌ بِالرَّفْعِ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَقِيلَ: بِالنَّصْبِ صِفَةُ نِيَّةٍ الْمُقَدَّرَةِ الْمَنْصُوبَةِ بِنِيَّةٍ الْمَلْفُوظَةِ اهـ. أَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِقَوْلِهِ " نِيَّةُ "، وَأَمَّا النَّصْبُ فَعَلَى أَنَّ مَقْرُونَةً صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وَتَعْمِيمِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ. وَلَا تَجِبُ مَضْمَضَةٌ وَاسْتِنْشَاقٌ، وَأَكْمَلُهُ إزَالَةُ الْقَذَرِ   [مغني المحتاج] مَحْذُوفٍ عَامِلُهُ الْمَصْدَرُ الْمَلْفُوظُ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَقْدِيرُهُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْوِيَ كَذَا نِيَّةً مَقْرُونَةً، فَنِيَّةٌ الْمُقَدَّرَةُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ نِيَّةٌ الْمَلْفُوظَةُ، وَالْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ مَصْدَرٌ وَهُوَ يُنْصَبُ بِمِثْلِهِ الَّذِي هُوَ نِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ (وَ) ثَانِيهِمَا (تَعْمِيمُ شَعْرِهِ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ كَثُفَ، وَيَجِبُ نَقْضُ الضَّفَائِرِ إنْ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهَا إلَّا بِالنَّقْضِ، لَكِنْ يُعْفَى عَنْ بَاطِنِ الشَّعْرِ الْمَعْقُودِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَإِنْ كَانَ يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ (وَبَشَرِهِ) حَتَّى الْأَظْفَارِ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ صِمَاخَيْ الْأُذُنَيْنِ، وَمِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَمَا تَحْتَ الْقَلَفَةِ مِنْ الْأَقْلَفِ، وَمَوْضِعُ شَعْرٍ نَتَفَهُ قَبْلَ غَسْلِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَمِنْ بَاطِنِ جُدَرِيٍّ اتَّضَحَ. فَائِدَةٌ: لَوْ اتَّخَذَ لَهُ أُنْمُلَةً أَوْ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، وَمِنْ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَالْأَنْفِ بِالْقَطْعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ لِلْعُذْرِ فَصَارَتْ الْأُنْمُلَةُ وَالْأَنْفُ كَالْأَصْلِيَّيْنِ. (وَلَا تَجِبُ) فِي الْغُسْلِ (مَضْمَضَةٌ وَ) لَا (اسْتِنْشَاقٌ) بَلْ يُسَنُّ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ (وَأَكْمَلُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (إزَالَةُ الْقَذَرِ) بِالْمُعْجَمَةِ طَاهِرًا كَانَ كَالْمَنِيِّ أَوْ نَجِسًا كَوَدْيٍ اسْتِظْهَارًا، وَإِنْ قُلْنَا: يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ (ثُمَّ) بَعْدَ إزَالَةِ الْقَذَرِ (الْوُضُوءُ) كَامِلًا، وَمِنْهُ التَّسْمِيَةُ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِ قَدَمَيْهِ عَنْ الْغُسْلِ (وَفِي قَوْلٍ: يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ مَيْمُونَةَ فِي صِفَةِ غُسْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ: وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ أَخَّرَهُ أَمْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ لِلسُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ، ثُمَّ إنْ تَجَرَّدَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ الْحَدَثِ كَأَنْ احْتَلَمَ وَهُوَ جَالِسٌ مُتَمَكِّنٌ نَوَى سُنَّةَ الْغُسْلِ وَإِلَّا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْدَرِجُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِذَا أَخَّرَ الْوُضُوءَ عَنْ الْغُسْلِ هَلْ يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ أَوْ سُنَّةِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ ارْتَفَعَ عَلَى الْأَصَحِّ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا جَمَعَ بِهِ شَيْخِي بَيْنَ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ، وَهُوَ إنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ نَوَى الْفَرْضَ كَمَا فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ نَوَى الطُّهْرَ مَثَلًا، وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يُقَالَ هُنَا: إنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِلَّا فَسُنَّةَ الْغُسْلِ، فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ كُرِهَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ غُسْلِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَمْ يَحْتَجْ لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ الْوُضُوءِ إلَى إعَادَتِهِ، بِخِلَافِ مَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ إلَى إعَادَةِ غَسْلِهِمَا بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ بَطَلَتْ بِالْحَدَثِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْوُضُوءِ (تَعَهُّدُ مَعَاطِفِهِ) كَأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَيَجْعَلَهُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا انْعِطَافٌ وَالْتِوَاءٌ كَالْأُذُنَيْنِ، وَطَبَقَاتِ الْبَطْنِ، وَدَاخِلِ السُّرَّةِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ثُمَّ الْوُضُوءُ، وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ تَعَهُّدُ مَعَاطِفَهُ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُخَلِّلُهُ، ثُمَّ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، وَيُدَلِّكُ وَيُثَلِّثُ، وَتُتْبِعُ لِحَيْضٍ أَثَرَهُ مِسْكًا، وَإِلَّا فَنَحْوَهُ.   [مغني المحتاج] أَقْرَبُ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِ الْمَاءِ، وَيَتَأَكَّدُ فِي الْأُذُنِ فَيَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُ الْأُذُنَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَعَاطِفِهِ وَزَوَايَاهُ (ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَيُخَلِّلُهُ) أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَكَذَا شَعْرُ لِحْيَتِهِ بِالْمَاءِ، وَلَيْسَتْ الْوَاوُ فِي عِبَارَتِهِ لِلتَّرْتِيبِ، فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ الْعَشْرَ فَيُشْرِبُ بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ، وَأَقْرَبَ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِ الْمَاءِ (ثُمَّ) يُفِيضُهُ عَلَى (شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طَهُورِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَدْلُكُ) مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ مِنْ بَدَنِهِ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ وَالْأَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِوُجُوبِهِ (وَيُثَلِّثُ) تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمَا فِي الْوُضُوءِ. وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَتَعَهَّدَ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ يَغْسِلَ رَأْسُهُ وَيَدْلُكَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ بَاقِي جَسَدِهِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ وَيَدْلُكَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ، ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مَرَّةً، ثُمَّ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً كَذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا قِيلَ أَيْ مَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْمُتَّجَهَ إلْحَاقُهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَا يَنْتَقِلَ إلَى الْمُؤَخَّرِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمُقَدَّمِ رُدَّ بِسُهُولَةٍ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى الْحَيِّ، بِخِلَافِهِ فِي الْمَيِّتِ لِمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ تَقْلِيبِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْسَرِ، وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا كَفَى فِي التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ جَرْيَاتٍ، لَكِنْ قَدْ يَفُوتُهُ الدَّلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ غَالِبًا تَحْتَ الْمَاءِ إذْ رُبَّمَا يَضِيقُ نَفَسُهُ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا انْغَمَسَ فِيهِ ثَلَاثًا بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ وَيَنْقُلَ قَدَمَيْهِ، أَوْ يَنْتَقِلَ فِيهِ مِنْ مَقَامِهِ إلَى آخَرَ ثَلَاثًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِصَالِ جُمْلَتِهِ وَلَا رَأْسِهِ كَمَا فِي التَّسْبِيعِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ، فَإِنَّ حَرَكَتَهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (وَتُتْبِعُ) الْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحِدَّةِ (لِحَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ، وَلَوْ كَانَتْ خَلِيَّةً أَوْ بِكْرًا (أَثَرَهُ) أَيْ أَثَرَ الدَّمِ (مِسْكًا) فَتَجْعَلُهُ فِي قُطْنَةٍ وَتُدْخِلُهَا الْفَرْجَ بَعْدَ غَسْلِهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَثَرِ: وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانُ الثَّاءِ. وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ عَنْ الْغُسْلِ عَنْ الْحَيْضِ، فَقَالَ: خُذِي فُرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا، فَقَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاسْتَتَرَ بِثَوْبِهِ: تَطَهَّرِي بِهَا، فَاجْتَذَبَتْهَا عَائِشَةُ فَعَرَّفَتْهَا أَنَّهَا تَتْبَعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِ» (1) ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ. وَالْمِسْكُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ: الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ الْمَشْمُومَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَمِّيهِ أَطْيَبَ الطِّيبِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ بِأَنْ لَمْ تَجِدْهُ أَوْ لَمْ تَسْمَحْ بِهِ (فَنَحْوَهُ) مِمَّا فِيهِ حَرَارَةٌ كَالْقِسْطِ وَالْأَظْفَارِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طِيبًا فَطِينًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ كَفَى الْمَاءُ. أَمَّا الْمُحْرِمَةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الطِّيبُ بِأَنْوَاعِهِ، وَالْمُحِدَّةُ تَسْتَعْمِلُ قَلِيلَ أَظْفَارٍ أَوْ قِسْطٍ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ: كُلُّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ الدَّمُ تَتْبَعُهُ بِالطِّيبِ. قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ عَنْ مُدٍّ، وَالْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ. وَلَا حَدَّ لَهُ.   [مغني المحتاج] الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ شَاذٌّ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ، وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ لَا سُرْعَةَ الْعُلُوقِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُسْتَحَاضَةُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَسْتَعْمِلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِخُرُوجِ الدَّمِ، فَيَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا تَبْقَى فِيهِ فَائِدَةٌ (وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) أَيْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: يَتَسَلْسَلُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَيَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُفَوَّضٌ إلَيْهِ إنْ أَرَادَ زِيَادَةَ الْأَجْرِ فَعَلَ، نَعَمْ إنْ عَارَضَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَلِّ بِهِ فَلَا يُسَنُّ، فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» وَلِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَنُسِخَ وُجُوبُهُ وَبَقِيَ أَصْلُ الطَّلَبِ، وَيَشْمَلُ إطْلَاقَ تَجْدِيدِهِ لِمَاسِحِ الْخُفِّ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ، وَالْوُضُوءَ الْمُكَمِّلَ بِالتَّيَمُّمِ لِجِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا نَقَلَهُ مُجَلِّي عَنْ الْقَفَّالِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ) فِي مُعْتَدِلِ الْجَسَدِ (عَنْ مُدٍّ) تَقْرِيبًا، وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ (وَالْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ) تَقْرِيبًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ» (1) . أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدِلْ جَسَدُهُ فَيُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَسَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ زِيَادَةً وَنَقْصًا (وَلَا حَدَّ لَهُ) أَيْ لِمَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، فَلَوْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ وَأَسْبَغَ كَفَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ يُرْفِقُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِي، وَيَخْرِقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِي. وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثَيْ مُدٍّ» . وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ النَّقْصِ عَنْ الْمُدِّ وَالصَّاعِ لَا الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا، وَعَبَّرَ آخَرُونَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمُدُّ وَالصَّاعُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَدُلُّ لَهُ الْخَبَرُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ نَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِيمَا نَسَبَهُ لِلْأَصْحَابِ. وَلَا تَنْحَصِرُ السُّنَنُ فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، بَلْ يُسَنُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ النِّيَّةَ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ، وَأَنْ لَا يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَلَوْ كَثُرَ، أَوْ بِئْرٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَهُوَ جُنُبٌ» (2) فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ: كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوءُ فِيهِ كَالْغُسْلِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى وُضُوءِ الْجُنُبِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَمَنْ بِهِ نَجَسٌ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ، وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَكْفِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] طَهُورِيَّةِ ذَلِكَ الْمَاءِ، أَوْ لِشِبْهِهِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ إلَى شَيْءٍ لَازِمٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ، فَيُقَالُ: مَاءُ عِرْقٍ أَوْ وَسَخٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَبْحِرِ، وَأَنْ يَكُونَ اغْتِسَالُهُ بَعْدَ بَوْلٍ لِئَلَّا يَخْرُجَ بَعْدَهُ مَنِيٌّ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ الْمَذْكُورِ فِي الْوُضُوءِ عَقِبَهُ، وَحُكْمُ الْمُوَالَاةِ هُنَا كَحُكْمِهَا فِي الْوُضُوءِ، وَأَنْ يُرَتِّبَهُ فَيَبْدَأَ بَعْدَ الْوُضُوءِ بِأَعْضَائِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لِشَرَفِهَا، ثُمَّ بِالرَّأْسِ، ثُمَّ بِالْبَدَنِ مُبْتَدِئًا بِأَعْلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مُبْتَدِئًا بِالْأَيْمَنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَعْلَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلِّمَ أَوْ يَحْلِقَ أَوْ يَسْتَحِدَّ أَوْ يُخْرِجَ دَمًا أَوْ يُبِينَ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا وَهُوَ جُنُبٌ، إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ سَائِرُ أَجْزَائِهِ فِي الْآخِرَةِ فَيَعُودُ جُنُبًا، وَيُقَالُ: إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ تُطَالِبُ بِجَنَابَتِهَا. فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَنْكَشِفَ لِلْغُسْلِ فِي خَلْوَةٍ أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ» (1) . فَإِنْ قِيلَ: اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُحْجَبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَمَا فَائِدَةٌ السَّتْرِ لَهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنْ يُرَى مُتَأَدِّبًا بَيْنَ يَدَيْ خَالِقِهِ وَرَازِقِهِ (وَمَنْ بِهِ) أَيْ بِبَدَنِهِ شَيْءٌ (نَجِسٌ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّطْهِيرِ وَالنَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ: النَّجَاسَةُ (وَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ مُخْتَلِفَا الْجِنْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ، وَعَلَى هَذَا تَقْدِيمُ إزَالَتِهِ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَكْفِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ، وَلِأَنَّ وَاجِبَهُمَا غَسْلُ الْعُضْوِ وَقَدْ حَصَلَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ النَّجَسُ حُكْمِيًّا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيَرْفَعُهُمَا الْمَاءُ مَعًا، وَلِلسَّابِعَةِ فِي الْمُغَلَّطَةِ حُكْمُ هَذِهِ الْغَسْلَةِ فَإِنْ كَانَ النَّجَسُ عَيْنًا، وَلَمْ تَزُلْ بَقِيَ الْحَدَثُ، أَمَّا غَيْرُ السَّابِعَةِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِبَقَاءِ نَجَاسَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ بِأَنَّ أَقَلَّ الْغُسْلِ اسْتِيعَابُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْغَسْلَةِ فِي الْمَيِّتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَجِبُ فِي غُسْلِهِ. أَجَابَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَيِّ، وَتُرِكَ الِاسْتِدْرَاكُ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْجَنَائِزِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ بَعْدُ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13]-: أَيْ مَعَ ذَلِكَ زَنِيمٍ: أَيْ دَعِيٍّ فِي قُرَيْشٍ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اسْتِيعَابُ بَدَنِهِ مَعَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ حَصَلَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ فَقَطْ. قُلْتُ: وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ كَفَى الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَقْفِ فِي قَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَظْهَرُ، وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ غُسْلِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ بِأَنَّ هَذَا آخِرُ أَحْوَالِهِ فَاحْتِيطَ لَهُ فَيُرَاعَى فِي حَقِّهِ الْأَكْمَلُ كَمَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ، حَتَّى لَوْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجَابُوا إلَى ذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا كَحَيْضٍ (وَ) نَحْوِ (جُمُعَةٍ) كَعِيدٍ بِأَنْ نَوَاهُمَا (حَصَلَا) أَيْ غُسْلُهُمَا كَمَا لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: لَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ، بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ لِحُصُولِهَا ضِمْنًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَكْمَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ لِلْجُمُعَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ جُمَعَةٌ وَكُسُوفٌ وَقَدَّمَ الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ وَنَوَى بِخُطْبَتِهِ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَالْكُسُوفِ لَمْ يَصِحَّ لِلتَّشْرِيكِ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ، فَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكُسُوفِ كَالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَسُنَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ (أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ) غُسْلُهُ (فَقَطْ) اعْتِبَارًا بِمَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْدَرِجْ النَّفَلُ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مَعَ فَرْضِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَصَلَتْ التَّحِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا، أَوْ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ حَصَلَ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ. وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضَانِ كَغُسْلَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ كَفَاهُ الْغُسْلُ لِأَحَدِهِمَا، وَكَذَا لَوْ سُنَّ فِي حَقِّهِ سُنَّتَانِ كَغُسْلَيْ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ، وَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ مَعَ سُنَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الطَّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (قُلْتُ: وَلَوْ أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ وَأَحْدَثَ مَعًا (كَفَى الْغُسْلُ) سَوَاءٌ أَنَوَى الْوُضُوءَ مَعَهُ أَمْ لَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُرَتِّبًا أَمْ لَا (عَلَى الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأُحْثِيَ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ فَإِذَا أَنَا قَدْ طَهُرْتُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. وَلَمْ يَفْصِلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَتَجَرَّدُ عَنْ الْحَدَثِ فَتَدَاخَلَتَا كَالْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ. وَقَدْ نَبَّهَ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْجَنَابَةِ، وَأَنَّ الْأَصْغَرَ يَضْمَحِلُّ مَعَهُ أَوْ لَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ. وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِكَفَى. وَالثَّانِي لَا يَكْفِي وَإِنْ نَوَى مَعَهُ الْوُضُوءَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَهُ. وَالثَّالِثُ: إنْ نَوَى مَعَ الْغُسْلِ الْوُضُوءَ كَفَى، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ سَبَبُ اجْتِمَاعِهِمَا هُوَ الْجِمَاعَ كَفَى وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالِاكْتِفَاءِ لِتَقَدُّمِ الْأَكْبَرِ فِيهَا فَلَا يُؤَثِّرُ بَعْدَهُ الْأَصْغَرُ، فَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا ذَاتُ طُرُقٍ، وَأَمَّا الْأُولَى فَفِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 بَابُ النَّجَاسَةِ   [مغني المحتاج] أَوْجُهٌ لَا طُرُقٌ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِهِ: فَالطَّرِيقَانِ فِي مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الثَّانِيَةُ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: أَيْ لَا فِي جَمِيعِهِمَا فَيَكْفِي فِي صِدْقِ كَوْنِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ كَوْنِهِ فِي الْجَمِيعِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ جَازَ أَنْ يُتِمَّهُ وَلَا يَمْنَعُ الْحَدَثُ صِحَّتَهُ، لَكِنْ لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ فَرَاغِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، أَمَّا قَبْلَ الْفَرَاغِ فَيَأْتِي بِبَقِيَّةِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبَةً وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِهِ. خَاتِمَةٌ: يُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَصَوْنُ عَوْرَتِهِمْ عَنْ الْكَشْفِ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَنَهْيُهُمْ الْغَيْرَ عَنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ الرَّجُلَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ عَارِيًّا لَعَنَهُ مَلَكَاهُ» . رَوَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دُخُولُ الْحَمَّامِ إلَّا بِمِئْزَرٍ» وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ بِلَا عُذْرٍ لِخَبَرِ «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلْهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْإِزَارِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» وَلِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السَّتْرِ وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا الْعَادَةِ، وَآدَابُهُ أَنْ يَقْصِدَ التَّطْهِيرَ وَالتَّنْظِيفَ لَا التَّرَفُّهَ وَالتَّنْعِيمَ، وَأَنْ يُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَأَنْ يُسَمِّيَ لِلدُّخُولِ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ كَمَا فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ، وَكَذَا فِي تَقْدِيمِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى دُخُولًا وَالْيُمْنَى خُرُوجًا، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نَارِ جَهَنَّمَ لِشِبْهِهِ بِهَا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عُرْيَانًا، وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ، وَأَنْ يَدْخُلَ وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبْدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ - تَعَالَى - وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ، وَيُكْرَهُ دُخُولُهُ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ وَلِلصَّائِمِ وَمِنْ جِهَةِ الطِّبِّ صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ وَشُرْبُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، وَلَا بَأْسَ بِدَلْكِ غَيْرِهِ إلَّا عَوْرَةً أَوْ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: عَافَاكَ اللَّهُ، وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ، وَيُسَنُّ لِمَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ التَّنَظُّفُ بِالسِّوَاكِ وَإِزَالَةُ شَعْرٍ وَرِيحٍ كَرِيهَةٍ وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ [بَابُ النَّجَاسَةِ] (بَابُ النَّجَاسَةِ) وَفِي الْبَابِ إزَالَتُهَا وَلَوْ ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 هِيَ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ.   [مغني المحتاج] اللَّائِقُ بِكِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ النَّجَاسَةِ فَتُذْكَرُ تَبَعًا، وَهِيَ لُغَةً كُلُّ مَا يُسْتَقْذَرْ، وَشَرْعًا مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِكُلِّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ مَعَ سُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا وَإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا لَا لِحُرْمَتِهَا وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا وَلَا لِضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ، فَاحْتُرِزَ بِمُطْلَقًا عَمَّا يُبَاحُ قَلِيلُهُ كَبَعْضِ النَّبَاتَاتِ السُّمِّيَّةِ، الِاخْتِيَارِ عَنْ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ فِيهَا تَنَاوُلُ النَّجَاسَةِ، وَبِسُهُولَةِ تَمْيِيزِهَا عَنْ دُودِ الْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهَا فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهُ مَعَهَا، وَهَذَانِ الْقَيْدَانِ لِلْإِدْخَالِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، وَبِإِمْكَانِ تَنَاوُلِهَا عَنْ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ كَالْحَجَرِ، وَبِالْبَقِيَّةِ عَنْ الْآدَمِيِّ وَعَنْ الْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَعَنْ الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ وَالسُّمِّ الَّذِي يَضُرُّ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْرُمْ تَنَاوُلُهَا لِنَجَاسَتِهَا، بَلْ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ وَاسْتِقْذَارِ الْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَضَرَرِ الْبَقِيَّةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ بِعَدَمِ الِاسْتِقْذَارِ مُضِرٌّ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْمُخَاطَ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ غَالِبَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَالْقَيْءِ وَالْقَيْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مُسْتَقْذَرَةٌ، وَحَرُمَتْ لِاسْتِقْذَارِهَا وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ، وَعَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِالْعَدِّ فَقَالَ (هِيَ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ) لَكِنَّ ظَاهِرَهُ حَصْرُهَا فِيمَا عَدَّهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ مِنْهَا أَشْيَاء لَمْ يَذْكُرْهَا وَسَأُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِهَا، فَلَوْ ذَكَرَ لَهَا ضَابِطًا إجْمَالِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ أَوْلَى، بَلْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِيمَا ذَكَرَهُ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَكَيْفَ تُفَسَّرُ بِالْأَعْيَانِ، بَلْ مَا ذُكِرَ حَدٌّ لِلنَّجِسِ لَا لِلنَّجَاسَةِ اهـ. وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْخَمْرَ وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَبِبَاطِنِ عُنْقُودٍ وَمُثَلَّثَةً وَهِيَ الْمَغْلِيُّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى صَارَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالنَّبِيذَ: وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ أَوْ نَحْوِهِ. أَمَّا الْخَمْرُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة: 90] وَالرِّجْسُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ هُوَ النَّجَسُ صَدَّ عَمَّا عَدَاهَا الْإِجْمَاعُ فَبَقِيَتْ هِيَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى نَجَاسَتِهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَحَمَلَ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى طَهَارَتِهَا، وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ وَاللَّيْثِ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى نَجَاسَتِهَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَفَاتَ الِامْتِنَانُ بِكَوْنِ شَرَابِ الْآخِرَةِ طَهُورًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] أَيْ طَاهِرًا، وَعَبَّرَ بِطَهُورًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي طَهَارَتِهِ بِخِلَافِ خَمْرِ الدُّنْيَا. وَأَمَّا النَّبِيذُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ مَعَ التَّنْفِيرِ عَنْ الْمُسْكِرِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَدَلِيلُنَا مَا ذُكِرَ. وَالْخَمْرُ الْمُحْتَرَمَةُ قَالَا فِي الْغَصْبِ هِيَ مَا عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَفِي الرَّهْنِ: مَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَعَمُّ. وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَتَذْكِيرُهَا لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَتَلْحَقُهَا التَّاءُ عَلَى قِلَّةٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَائِعِ مِنْ زِيَادَتِهِ ذُكِرَ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَخَرَجَ بِهِ الْبَنْجُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْحَشِيشِ الْمُسْكِرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا: قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالْأَصَالَةِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ الْخَمْرُ إذَا جَمَدَتْ وَالْحَشِيشَةُ إذَا أُذِيبَتْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَمْرَ مَائِعَةٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهَا وَهِيَ مَائِعَةٌ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُطَهِّرُهَا بِخِلَافِ الْحَشِيشِ الْمُذَابِ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَعَنِّتِينَ: إنَّ الْكَشْكَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَمَّرْ كَالْبُوظَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وَكَلْبٍ،   [مغني المحتاج] يَكُونُ جَفَافُهُ كَالتَّخَلُّلِ (1) فِي الْخَمْرِ فَيَطْهُرُ أَوْ يَكُونُ كَالْخَمْرِ الْمَعْقُودَةِ فَلَا يَطْهُرُ؟ قَالَ شَيْخِي: لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَارَ مُسْكِرًا لَكَانَ طَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَائِعٍ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْبُوظَةَ طَاهِرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مُسْكِرُ الْجِنْسِ لِئَلَّا تَرِدَ عَلَيْهِ الْقَطْرَةُ مِنْ الْخَمْرِ مَثَلًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ مَا أَسْكَرَهُ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَحُدَّ شَارِبُهُ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ نَجَاسَةُ الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ جَمَادٌ وَحَيَوَانٌ، فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ أَوْ يَكْمُلُ بِالطَّهَارَةِ إلَّا مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى نَجَاسَتِهِ: وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ. وَكَذَا الْحَيَوَانُ كُلُّهُ طَاهِرٌ لِمَا مَرَّ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ أَيْضًا، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَكَلْبٍ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وَخِنْزِيرٍ،   [مغني المحتاج] وَلَوْ مُعَلَّمًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ إمَّا لِحَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ أَوْ تَكْرِمَةً وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ وَلَا تَكْرِمَةَ فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ الْخَبَثِ فَثَبَتَتْ نَجَاسَةُ فَمِهِ: وَهُوَ أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ، بَلْ هُوَ أَطْيَبُ الْحَيَوَانِ نَكْهَةً لِكَثْرَةِ مَا يَلْهَثُ فَبَقِيَّتُهُ أَوْلَى، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعِيَ إلَى دَارِ قَوْمٍ فَأَجَابَ، ثُمَّ دُعِيَ إلَى دَارٍ أُخْرَى فَلَمْ يُجِبْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ كَلْبًا، قِيلَ لَهُ: وَإِنَّ فِي دَارِ فُلَانٍ هِرَّةً فَقَالَ: إنَّ الْهِرَّةَ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْكَلْبَ نَجِسٌ، وَأَدْخَلَ شَيْخُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ تَكْرِمَةً لِأَجْلِ دُخُولِ غُسْلِ الْمَيِّتِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَتْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا (وَخِنْزِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وَفَرْعِهِمَا،   [مغني المحتاج] بِحَالٍ، وَنُقِضَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِالْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ، لَكِنْ ادَّعَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَعُورِضَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَرِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ، وَيُرَدُّ النَّقْضُ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ بِلَا ضَرَرٍ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَشَرَاتُ فِيهِمَا. وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَالْمُرَادُ جُمْلَتُهُ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ دَخَلَ فِي عُمُومِ الْمَيْتَةِ (وَفَرْعِهِمَا) أَيْ فَرْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 وَمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَالسَّمَكِ، وَالْجَرَادِ،   [مغني المحتاج] مَعَ الْآخَرِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ وَلَوْ آدَمِيًّا كَالْمُتَوَلِّدِ مَثَلًا بَيْنَ ذِئْبٍ وَكَلْبَةٍ تَغْلِيبًا لِلنَّجَاسَةِ وَلِتَوَلُّدِهِ مِنْهَا، وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ، وَالْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَشْرَفَهُمَا فِي الدِّينِ وَإِيجَابِ الْبَدَلِ وَتَقْرِيرِ الْجِزْيَةِ، وَأَخَفَّهُمَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَأَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ وَتَحْرِيمِ الذَّبِيحَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ (وَمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ) وَإِنْ لَمْ يَسِلْ دَمُهَا لِحُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا. قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَتَحْرِيمُ مَا لَيْسَ بِمُحْتَرَمٍ وَلَا مُسْتَقْذَرٍ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ. وَالْمَيْتَةُ مَا زَالَتْ حَيَاتُهُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُحْرِمِ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَمَا ذُبِحَ بِالْعَظْمِ، وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ إذَا ذُبِحَ، وَدَخَلَ الْجَنِينُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَصَيْدٌ لَمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ، وَالْبَعِيرُ النَّادُّ وَالْمُتَرَدِّي إذَا مَاتَا بِالسَّهْمِ وَدَخَلَ فِي نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ جَمِيعُ أَجْزَائِهَا مِنْ عَظْمٍ وَشَعْرٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ دُودُ نَحْوِ: خَلٍّ وَتُفَّاحٍ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، لَكِنْ لَا تُنَجِّسُهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا، وَيَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ. أَمَّا الْآدَمِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ أَوْ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجَسِ لَا نَجَاسَةُ الْأَبَدَانِ وَأَمَّا خَبَرُ الْحَاكِمِ «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» (1) فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بِالْمَوْتِ لَكَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وَدَمٍ، وَقَيْحٍ، وَقَيْءٍ،   [مغني المحتاج] بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الطَّاهِرَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عُهِدَ غَسْلُ الطَّاهِرِ بِدَلِيلِ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ نَجِسِ الْعَيْنِ. الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْجُسُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِي الْحَيَاةِ غَيْرُ مَأْكُولٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَيْتَاتِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ مَيْتَةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ بِهِمْ الشُّهَدَاءَ، وَأَمَّا مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى طَهَارَتِهِمَا. «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» (1) «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» (2) وَالْمُرَادُ بِالسَّمَكِ كُلُّ مَا أُكِلَ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ سَمَكًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَالْجَرَادُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدَتُهُ جَرَادَةٌ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (وَ) الْمُسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ نَجِسٌ وَهُوَ (دَمٌ) وَلَوْ تَحَلَّبَ مِنْ كَبِدٍ أَوْ طِحَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] أَيْ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَلِخَبَرِ «اغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» وَأَمَّا الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ فَقِيلَ إنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ، وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ «قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كُنَّا نَطْبُخُ الْبُرْمَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْلُوهَا الصُّفْرَةُ مِنْ الدَّمِ فَنَأْكُلُ وَلَا يُنْكِرُهُ» وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لِقِلَّتِهِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَنِيُّ إذَا خَرَجَ دَمًا؛ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ وَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ لَيْسَتَا بِدَمٍ وَهُمَا نَجِسَانِ (وَقَيْحٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ لَا يُخَالِطُهُ دَمٌ، وَصَدِيدٍ: وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يُخَالِطُهُ دَمٌ، وَمَاءِ قُرُوحٍ وَنِفَاطَاتٍ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ (وَقَيْءٍ) وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعِدَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ كَالْبَوْلِ. وَقِيلَ: غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ مُتَنَجِّسٌ لَا نَجِسٌ، وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. أَمَّا الرَّاجِعُ مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَعِدَةِ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ، وَالْبَلْغَمُ الصَّاعِدُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسٌ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَالْمَاءُ السَّائِلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ كَأَنْ خَرَجَ مُنْتِنًا بِصُفْرَةٍ فَنَجِسٌ، لَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شُكَّ فِي أَنَّهُ مِنْهَا أَوْ لَا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِهِ شَخْصٌ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ، وَالْجِرَّةُ نَجِسَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ لِلِاجْتِرَارِ، وَكَذَا الْمِرَّةُ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا فِي الْمَرَارَةِ، وَالزُّبَّادُ طَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ إمَّا لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ عِرْقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كَمَا سَمِعْتُهُ مِنْ ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَرَوْثٍ، وَبَوْلٍ، وَمَذْيٍ، وَوَدْيٍ، وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِهَذَا، لَكِنْ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَلْيُحْتَرَزْ عَمَّا وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ مَنْعُ أَكْلِ الْبَرِّيِّ، وَيَنْبَغِي الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ شَعْرِهِ كَمَا بَحَثَهُ صَاحِبُ الْعُبَابِ وَلْيُحْتَرَزْ أَيْضًا أَنْ يُصِيبَ النَّجَاسَةَ الَّتِي عَلَى دُبُرِهِ فَإِنَّ الْعِرْقَ الْمَذْكُورَ مِنْ نَقْرَتَيْنِ عِنْدَ دُبُرِهِ لَا مِنْ سَائِرِ جَسَدِهِ كَمَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِهِ. وَأَمَّا الْمِسْكُ فَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفَأْرَتُهُ طَاهِرَةٌ، وَهِيَ خُرَّاجٌ بِجَانِبِ سُرَّةِ الظَّبْيَةِ كَالسِّلْعَةِ فَتَحْتَكُّ حَتَّى تُلْقِيَهَا. وَقِيلَ إنَّهَا فِي جَوْفِهَا كَالْإِنْفَحَةِ تُلْقِيهَا كَالْمَشِيمَةِ، وَلَوْ انْفَصَلَ كُلٌّ مِنْ الْمِسْكِ وَالْفَأْرَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَنَجِسٌ كَاللَّبَنِ وَالشَّعْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَنْبَرِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ بَطْنِ دُوَيْبَّةٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ وَيَلْفِظُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَرَوْثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جِيءَ لَهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ لِيَسْتَنْجِيَ بِهَا أَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَرَدَّ الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ» وَالرِّكْسُ النَّجَسُ، وَالْعَذِرَةُ وَالرَّوْثُ: قِيلَ مُتَرَادِفَانِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ الْعَذِرَةُ مُخْتَصَّةٌ بِفَضْلَةِ الْآدَمِيِّ، وَالرَّوْثُ أَعَمُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُمْنَعُ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْآدَمِيِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ وَابْنِ الْأَثِيرِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِذِي الْحَافِرِ. قَالَ: وَعَلَيْهِ فَاسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي سَائِرِ الْبَهَائِمِ تَوَسُّعٌ (وَبَوْلٍ) لِلْأَمْرِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْقَبْرَيْنِ «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيسَ بِهِ سَائِرُ الْأَبْوَالِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُرَنِيِّينَ بِشُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ (2) فَكَانَ لِلتَّدَاوِي، وَالتَّدَاوِي بِالنَّجِسِ جَائِزٌ عِنْدَ فَقْدِ الطَّاهِرِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ. وَأَمَّا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْخَمْرِ (وَمَذْيٍ) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ بِلَا شَهْوَةٍ قَوِيَّةٍ عِنْدَ ثَوَرَانِهَا لِلْأَمْرِ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَوَدْيٍ) وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ أَوْ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِجْمَاعًا، وَهَذِهِ الْفَضَلَاتُ - مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاهِرَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ «؛ لِأَنَّ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ شَرِبَتْ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَنْ تَلِجَ النَّارَ بَطْنُكِ» صَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ: دَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَبَا طَيْبَةَ شَرِبَهُ وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ غُلَامٌ حِينَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَ حِجَامَتِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ خَالَطَ دَمُهُ دَمِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» . وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي حَصَاةٍ تَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَتُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْحَصِيَّةِ هَلْ هِيَ نَجِسَةٌ أَوْ مُتَنَجِّسَةٌ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ إنْ أَخْبَرَ طَبِيبٌ عَدْلٌ بِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ مِنْ الْبَوْلِ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَمُتَنَجِّسَةٌ (وَكَذَا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ) وَنَحْوِ الْكَلْبِ (فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْمُسْتَحِيلَاتِ. أَمَّا مَنِيُّ نَحْوِ الْكَلْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ الْآدَمِيِّ   [مغني المحتاج] فَنَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا مَنِيُّ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ عَلَى الْأَظْهَرِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهَا كَانَتْ تَحُكُّ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ كُنْتُ أَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ، وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ رَوَاهَا ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهَا فَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى الْخَصْمِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا، وَأُلْحِقَ مَنِيُّ الْخُنْثَى بِمَنِيِّ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَوْ بَالَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ تَنَجَّسَ مَنِيُّهُ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ بِمُلَاقَاةِ الْمَنْفَذِ لَا أَنَّ مَجْرَاهُمَا وَاحِدٌ كَمَا قِيلَ، فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ قَدْ شُقَّ ذَكَرٌ بِالرُّومِ فَوُجِدَ مُخْتَلِفًا، وَلَوْ ثَبَتَ اتِّحَادُهُمَا لَمْ تَلْزَمْ النَّجَاسَةُ؛ لِأَنَّ تَلَاقِيهِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ تَلَاقِيهِمَا فِي الظَّاهِرِ، وَلَوْ اسْتَنْجَتْ الْمَرْأَةُ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ جَامَعَهَا الرَّجُلُ فَمَنِيُّهُمَا مُتَنَجِّسٌ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ ذَكَرَهُ، وَيَنْجُسُ دُودُ مَيْتَةٍ وَحَبُّ رَوْثٍ وَقَيْءٍ فِيهِ قُوَّةُ الْإِنْبَاتِ وَإِلَّا فَنَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الْآدَمِيِّ. وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنْ الْمَأْكُولِ، نَجِسٌ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنِهِ. وَالْبَيْضُ الْمَأْخُوذُ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ طَاهِرٌ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ مِنْ مَيْتَةٍ إنْ تَصَلَّبَ، وَبَزْرِ الْقَزِّ وَهُوَ الْبَيْضُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ دُودُ الْقَزِّ، وَلَوْ اسْتَحَالَتْ الْبَيْضَةُ دَمًا فَهِيَ طَاهِرَةٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ هُنَا وَصَحَّحَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْهُ، وَفِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَالْأَوْجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَحِلَّ حَيَوَانًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ. فَائِدَةٌ: يُقَالُ مَذِرَتْ الْبَيْضَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ إذَا فَسَدَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ شَرُّ النِّسَاءِ «الْمَذِرَةُ الْوَذِرَةُ» (1) أَيْ الْفَاسِدَةُ الَّتِي لَا تَسْتَحِي عِنْدَ الْجِمَاعِ (وَلَبَنُ مَا لَا يُؤْكَلُ غَيْرَ) لَبَنِ (الْآدَمِيِّ) كَلَبَنِ الْأَتَانِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْبَاطِنِ كَالدَّمِ. أَمَّا لَبَنُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَلَبَنِ الْفَرَسِ وَإِنْ وَلَدَتْ بَغْلًا فَطَاهِرٌ. قَالَ تَعَالَى: {لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] وَكَذَا لَبَنُ الْآدَمِيِّ، إذْ لَا يَلِيقُ بِكَرَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَنْشَؤُهُ نَجِسًا، وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِلَبَنِ الْمَيْتَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَلَبَنُ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِتَعْبِيرِ الصَّيْمَرِيِّ بِقَوْلِهِ: أَلْبَانُ الْآدَمِيِّينَ وَالْآدَمِيَّاتِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ فِي طَهَارَتِهَا وَجَوَازِ بَيْعِهَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ: لَبَنُ الْمَيْتَةِ وَالذَّكَرِ نَجِسٌ مُفَرَّعٌ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا شَعْرَ الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ، وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ، وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ بِنَجَسٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] نَجَاسَةِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا أَفَادَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ خَرَجَ اللَّبَنُ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ فَالْقِيَاسُ طَهَارَتُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ عَلَى هَيْئَةِ الدَّمِ هَذَا إذَا كَانَتْ خَوَاصُّ اللَّبَنِ مَوْجُودَةً فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْخَادِمِ، وَالْإِنْفَحَةُ: وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ لَبَنٌ فِي جَوْفِ نَحْوِ سَخْلَةٍ فِي جِلْدَةٍ تُسَمَّى إنْفَحَةً أَيْضًا إنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيَوَانٍ مَأْكُولٍ بَعْدَ ذَبْحِهِ لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ طَاهِرَةٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي عَمَلِ الْجُبْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَتْ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ مِنْ مَذْبُوحٍ أَكَلَ غَيْرَ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْمُسْتَحِيلَاتِ فِي الْبَاطِنِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: أَوْ أَكَلَ لَبَنًا نَجِسًا: كَلَبَنِ أَتَانٍ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ. قَالَ شَيْخِي: لِأَنَّ الْبَاطِنَ يُحِيلُ مَا يَدْخُلُهُ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ إلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجِسِ وَغَيْرِهِ، وَهَلْ يُقَالُ: إنَّ الْبَهِيمَةَ إذَا طَعِمَتْ شَيْئًا لِلتَّدَاوِي لَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الْإِنْفَحَةِ كَمَا قَالُوا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ اللَّبَنِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي إجْزَاءِ الرَّشِّ مِنْ بَوْلِهِ أَوْ لَا. الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ كَرِشًا لَا إنْفَحَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ سِنَّهَا بِالْحَوْلَيْنِ كَالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى التَّغَذِّي وَعَدَمِهِ، وَشُرْبُهُ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ يُسَمَّى تَغَذِّيًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِيهَا مَا يُسَمَّى إنْفَحَةً، وَهِيَ مَا دَامَتْ تَشْرَبُ اللَّبَنَ لَا تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ (وَالْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ) الْحَيَوَانِ (الْحَيِّ) وَمَشِيمَتِهِ (كَمَيْتَتِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحَيِّ: إنْ طَاهِرًا فَطَاهِرٌ، وَإِنْ نَجِسًا فَنَجِسٌ، لِخَبَرِ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتَةٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، فَالْمُنْفَصِلُ مِنْ الْآدَمِيِّ أَوْ السَّمَكِ أَوْ الْجَرَادِ طَاهِرٌ، وَمِنْ غَيْرِهَا نَجِسٌ، وَسَوَاءٌ فِي الْمَشِيمَةِ وَهِيَ غِلَافُ الْوَلَدِ، مَشِيمَةُ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ. أَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ بِلَا شَكٍّ (إلَّا شَعْرَ) أَوْ صُوفَ أَوْ رِيشَ أَوْ وَبَرَ (الْمَأْكُولِ فَطَاهِرٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ نُتِفَ مِنْهَا أَوْ اُنْتُتِفَ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُخِذَ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ أَوْ فِي الْحَيَاةِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ وَذَلِكَ مُخَصِّصٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. أَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ فَنَجِسٌ وَلَوْ شَكَكْنَا فِيمَا ذُكِرَ هَلْ انْفَصَلَ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ مِنْ نَجِسٍ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَشَكَكْنَا فِي النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا قِطْعَةَ لَحْمٍ وَشَكَكْنَا هَلْ هِيَ مِنْ مُذَكَّاةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ، وَالشَّعْرُ عَلَى الْعُضْوِ الْمُبَانِ نَجِسٌ إنْ كَانَ الْعُضْوُ نَجِسًا تَبَعًا لَهُ، وَشَعْرُ الْمَأْكُولِ الْمُنْتَتَفُ الطَّالِعُ بِأُصُولِهِ مِنْ الْجِلْدِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ، فَإِنْ انْفَصَلَ أَصْلُهُ مَعَ شَيْءٍ مِمَّا نَبَتَ فِيهِ مِنْ الْجِلْدِ وَفِيهِمَا رُطُوبَةٌ. قَالَ شَيْخِي: فَهُوَ مُتَنَجِّسٌ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ (وَلَيْسَتْ الْعَلَقَةُ) وَهِيَ الدَّمُ الْغَلِيظُ الْمُسْتَحِيلُ مِنْ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَعْلَقُ لِرُطُوبَتِهَا بِمَا تَمُرُّ عَلَيْهِ (وَالْمُضْغَةُ) وَهِيَ الْعَلَقَةُ تَسْتَحِيلُ فَتَصِيرُ قِطْعَةَ لَحْمٍ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ بِقَدْرِ مَا يُمْضَغُ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ (وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ) مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (بِنَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَصْلُ حَيَوَانٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ إلَّا خَمْرٌ تَخَلَّلَتْ   [مغني المحتاج] طَاهِرٍ كَالْمَنِيِّ، وَالثَّالِثَ كَعِرْقِهِ، وَالْقَائِلُ بِالنَّجَاسَةِ يُلْحِقُ الْأُولَى بِالدَّمِ وَالثَّانِيَةَ بِالْمَيْتَةِ، وَيَقُولُ الثَّالِثَةُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ يَنْجُسُ بِهَا ذَكَرُ الْمُجَامِعِ وَالْبَيْضُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَحَلِّ، فَيَجِبُ غَسْلُ الذَّكَرِ وَغَسْلُ الْبَيْضِ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْوَلَدِ إجْمَاعًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعِرْقِ. وَأَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ فَنَجِسَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّاصِقَةِ لِقِلَّتِهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَهَا فِي الْأَنْوَارِ بِاللَّاصِقَةِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَالشَّارِحُ قَيَّدَ الثَّلَاثَةَ بِكَوْنِهَا مِنْ الْآدَمِيِّ لِيُفِيدَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ آخِرَ الْمَقَالَةِ، وَالثَّلَاثَةُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَوْلَى بِالنَّجَاسَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الثَّلَاثَةِ جَارٍ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ الْآدَمِيِّ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَقْوَى مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا مِنْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرْتُهُ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ عَلَى اصْطِلَاحِهِ أَنْ يُعَبِّرَ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ بِالْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ. فُرُوعٌ: دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَعَنْ يَسِيرِهِ عُرْفًا مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَيُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ مِنْ مَرْكُوبٍ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ. أَمَّا شَعْرُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ فَلَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنْ غَيَّرَهُ نَجَّسَهُ، وَبُخَارُ النَّجَاسَةِ إنْ تَصَاعَدَ بِوَاسِطَةِ نَارٍ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَفْصِلُهَا النَّارُ بِقُوَّتِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ كَالْبُخَارِ الْخَارِجِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَنِيفِ فَطَاهِرٌ كَالرِّيحِ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ كَالْجُشَاءِ، وَبِهَذَا جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ مَنْ أَطْلَقَ الطَّهَارَةَ كَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَيْنَ مَنْ أَطْلَقَ النَّجَاسَةَ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إذَا خَرَجَ مِنْ الْإِنْسَانِ رِيحٌ وَكَانَتْ ثِيَابُهُ مَبْلُولَةً تَنَجَّسَتْ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَلَا. قَالَ: وَكَذَلِكَ دُخَانُ كُلِّ نَجَاسَةٍ أَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا كَمَا إذَا دَخَلَ اصْطَبْلًا رَاثَتْ فِيهِ دَوَابُّ وَتَصَاعَدَ دُخَانُهُ فَإِنْ أَصَابَ رَطْبًا نَجَّسَهُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْجَمْعُ، وَلِمَا يَغْلِبُ تَرَشُّحُهُ كَالدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَاللُّعَابِ حُكْمُ حَيَوَانِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فَرَسًا مَعْرُورًا وَرَكَضَهُ وَلَمْ يَجْتَنِبْ عَرَقَهُ» (1) وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ، وَالزَّرْعُ النَّابِتُ عَلَى نَجَاسَةٍ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَيَطْهُرُ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبُّهُ طَاهِرٌ بِلَا غَسْلٍ وَكَذَا الْقِثَّاءُ وَنَحْوُهَا وَأَغْصَانُ شَجَرَةٍ سُقِيَتْ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَثَمَرُهَا (وَلَا يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ) بِغَسْلٍ وَلَا بِاسْتِحَالَةٍ كَالْكَلْبِ إذَا وَقَعَ فِي مَلَّاحَةٍ فَصَارَ مِلْحًا، أَوْ احْتَرَقَ فَصَارَ رَمَادًا. أَمَّا الْمُتَنَجِّسُ فَسَيَأْتِي (إلَّا) شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا (خَمْرٌ) وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَرَمَةِ (تَخَلَّلَتْ) بِنَفْسِهَا فَتَطْهُرُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ وَقَدْ زَالَ، وَلِأَنَّ الْعَصِيرَ غَالِبًا لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ، فَلَوْ لَمْ نَقُلْ بِالطَّهَارَةِ لَتَعَذَّرَ إيجَادُ حِلِّ الْخَلِّ وَهُوَ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَيَطْهُرُ دَنُّهَا مَعَهَا، وَإِنْ غَلَتْ حَتَّى ارْتَفَعَتْ وَتَنَجَّسَ بِهَا مَا فَوْقَهَا مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءٍ فَلَا وَجِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ ظَاهِرُهُ   [مغني المحتاج] وَيُشْرَبُ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ (وَكَذَا إنْ نُقِلَتْ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ) وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ التَّخَلُّلِ أَوْ فَتْحِ رَأْسِ الدَّنِّ لِزَوَالِ الشِّدَّةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةِ خِلْقَتِهَا تَطْهُرُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تَطْهُرُ لِمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ خُلِّلَتْ بِطَرْحِ شَيْءِ) فِيهَا كَالْبَصَلِ وَالْخُبْزِ الْحَارِّ وَلَوْ قَبْلَ التَّخَمُّرِ (فَلَا) تَطْهُرُ لِتَنَجُّسِ الْمَطْرُوحِ بِهَا فَيُنَجِّسُهَا بَعْدَ انْقِلَابِهَا خَلًّا، وَقِيلَ لِاسْتِعْجَالِهِ بِالْمُعَالَجَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَعُوقِبَ بِضِدِّ قَصْدِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْعِلَّتَيْنِ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوُقُوعِ بَدَلَ الطَّرْحِ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ طَرْحٍ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ فَإِنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْقَائِلِ بِالْمُعَالَجَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيمَا ذَكَرَ كَذَلِكَ. نَعَمْ لَوْ عَصَرَ الْعِنَبَ وَوَقَعَ مِنْهُ بَعْضُ حَبَّاتٍ فِي عَصِيرِهِ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَضُرُّ، وَلَوْ نَزَعَ الْعَيْنَ الطَّاهِرَةَ مِنْهَا قَبْلَ التَّخَلُّلِ لَمْ يَضُرَّ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ يَقْبَلُ التَّنْجِيسَ فَلَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ بِلَا غَلَيَانٍ بَلْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَمْ يَطْهُرْ الدَّنُّ، إذْ لَا ضَرُورَةَ، وَلَا الْخَلُّ؛ لِاتِّصَالِهَا بِالْمُرْتَفِعِ النَّجِسِ، فَلَوْ غَمَرَ الْمُرْتَفِعَ بِخَمْرٍ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ وَلَوْ بَعْدَ جَفَافِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِقَبْلِ الْجَفَافِ، وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ. وَالْخَمْرُ هِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ كَمَا مَرَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيذَ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ كَالتَّمْرِ لَا يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهِ حَالَةَ الِاشْتِدَادِ فَيُنَجِّسُهُ بَعْدَ الِانْقِلَابِ خَلًّا. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يَطْهُرُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ خَلَّ تَمْرٍ بِخَلِّ عِنَبٍ أَوْ خَلَّ زَبِيبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ صَحَّ، وَلَوْ اخْتَلَطَ عَصِيرٌ بِخَلٍّ مَغْلُوبٍ ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّةِ الْخَلِّ فِيهِ يَتَخَمَّرُ فَيَتَنَجَّسُ بِهِ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ أَوْ بِخَلٍّ غَالِبٍ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ التَّخَمُّرِ، وَأَمَّا الْمُسَاوِي فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْخَلِّ الْغَالِبِ لِمَا ذُكِرَ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ: قَدْ يَصِيرُ الْعَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا أَنْ يُصَبَّ فِي الدَّنِّ الْمُعْتَقِ بِالْخَلِّ. ثَانِيهَا: أَنْ يُصَبَّ الْخَلُّ فِي الْعَصِيرِ، فَيَصِيرَ بِمُخَالَطَتِهِ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَصِيرُ غَالِبًا. ثَالِثُهَا: إذَا تَجَرَّدَتْ حَبَّاتُ الْعِنَبِ مِنْ عَنَاقِيدِهِ وَيَمْلَأُ مِنْهَا الدَّنَّ وَيُطَيِّنُ رَأْسَهُ، وَيَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا إذَا غُسِلَتْ وَإِمْسَاكُ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا، وَغَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ يَجِبُ إرَاقَتُهَا، فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ (وَ) ثَانِيهِمَا (جِلْدٌ نَجُسَ بِالْمَوْتِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ (فَيَطْهُرُ بِدَبْغِهِ) يَعْنِي بِانْدِبَاغِهِ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ الدَّابِغِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ رِيحٍ أَوْ إلْقَائِهِ عَلَى الدَّابِغِ كَذَلِكَ (ظَاهِرُهُ) وَهُوَ مَا لَاقَى الدَّابِغَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِيهِ وَفِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ بِحِرِّيفٍ لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَدْبُوغُ كَثَوْبٍ نَجِسٍ.   [مغني المحتاج] الْبُخَارِيِّ «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ» (1) ، (وَكَذَا بَاطِنُهُ) وَهُوَ مَا لَمْ يُلَاقِ الدَّابِغَ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. وَالثَّانِي: يَقُولُ آلَةُ الدَّبْغِ لَا تَصِلُ إلَى الْبَاطِنِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهَا تَصِلُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَاءِ أَوْ رُطُوبَةِ الْجِلْدِ، فَعَلَى الثَّانِي لَا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ الرَّطْبِ. وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ كَمَا سَيَأْتِي، وَخَرَجَ بِالْجِلْدِ الشَّعْرُ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِالدَّبْغِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ بَاطِنُ الْجِلْدِ أَنَّهُ لَوْ نَتَفَ الشَّعْرَ بَعْدَ الدَّبْغِ صَارَ مَوْضِعُهُ مُتَنَجِّسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَيَطْهُرُ تَبَعًا. وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالدَّبْغِ كَيْفَ يَطْهُرُ قَلِيلُهُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ يَطْهُرُ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ اهـ. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُعْفَى، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَبَعْضُهُمْ وَجَّهَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ تَبَعًا لِلْمَشَقَّةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأُفْتِي بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ مُطْلَقًا لِخَبَرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ اهـ. وَيَنْجُسُ بِالْمَوْتِ جِلْدُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي إفَادَةِ الطَّهَارَةِ أَبْلَغُ، مِنْ الدَّبْغِ، وَالْحَيَاةُ لَا تُفِيدُ طَهَارَتَهُ (وَالدَّبْغُ نَزْعُ فُضُولِهِ) وَهِيَ مَائِيَّتُهُ وَرُطُوبَاتُهُ الَّتِي يُفْسِدُهُ بَقَاؤُهَا وَيُطَيِّبُهُ نَزْعُهَا بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ النَّتْنُ وَالْفَسَادُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ (بِحِرِّيفٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَا يُحَرِّفُ الْفَمَ: أَيْ يَلْذَعُ اللِّسَانَ بِحَرَافَتِهِ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَالْقُرْطِ وَالْعَفْصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَالشَّثِّ بِالْمُثَلَّثَةِ: وَهُوَ شَجَرٌ مُرُّ الطَّعْمِ طَيِّبُ الرِّيحِ يُدْبَغُ بِهِ، وَالشَّبِّ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ مَعْرُوفٌ يُشْبِهُ الزَّاجَ يُدْبَغُ بِهِ أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطَّاهِرِ كَمَا مَرَّ وَالنَّجِسِ: كَذَرْقِ الطُّيُورِ (لَا شَمْسٍ وَتُرَابٍ) وَتَجْمِيدٍ وَتَمْلِيحٍ مِمَّا لَا يَنْزِعُ الْفُضُولَ وَإِنْ جَفَّ الْجِلْدُ وَطَابَتْ رَائِحَتُهُ؛ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ لَمْ تَزُلْ، وَإِنَّمَا جَمَدَتْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ عَادَتْ إلَيْهِ الْعُفُونَةُ. (وَلَا يَجِبُ الْمَاءُ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الدَّبْغِ (فِي الْأَصَحِّ) تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِحَالَةِ، وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالثَّانِي: يَجِبُ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْإِزَالَةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُطَهِّرُهَا: أَيْ الْإِهَابَ الْمَاءُ وَالْقَرَظُ» وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ عَلَى النَّدْبِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ إحَالَةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَوْ إزَالَةٌ فَيُشْتَرَطُ (وَ) يَصِيرُ (الْمَدْبُوغُ) وَالْمُنْدَبِغُ (كَثَوْبٍ نَجِسٍ) أَيْ مُتَنَجِّسٍ لِمُلَاقَاتِهِ لِلْأَدْوِيَةِ النَّجِسَةِ أَوْ الَّتِي تَنَجَّسَتْ بِهِ قَبْلَ طُهْرِ عَيْنِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسَ الْعَيْنِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ نَقْعِهِ فِي الْمَاءِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ ثَانِيًا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ نَقْعُهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، وَإِذَا لَمْ نُوجِبْهُ فَيُصَلِّي فِيهِ بَعْدَ غَسْلِهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحِلُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَمَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ غُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ   [مغني المحتاج] أَكْلُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» (1) فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمِسْكُ وَاللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ، فَإِنَّهَا كَانَتْ دَمًا نَجِسَ الْعَيْنِ وَصَارَتْ طَاهِرَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَهَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ مَا دَامَ فِي الْجَوْفِ وَمَا لَمْ يَتَّصِلْ بِخَارِجٍ، وَيَطْهُرُ كُلُّ نَجِسٍ اسْتَحَالَ حَيَوَانًا: كَدَمِ بَيْضَةٍ اسْتَحَالَ فَرْخًا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ وَلَوْ كَانَ دُودَ كَلْبٍ؛ لِأَنَّ لِلْحَيَاةِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلِهَذَا تَطْرَأُ بِزَوَالِهَا وَلِأَنَّ الدُّودَ مُتَوَلِّدٌ فِيهِ لَا مِنْهُ، وَلَوْ صَارَ الزِّبْلُ الْمُخْتَلِطُ بِالتُّرَابِ عَلَى هَيْئَةِ التُّرَابِ لِطُولِ الزَّمَانِ لَمْ يَطْهُرْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ إمَّا مُغَلَّظَةٌ، أَوْ مُخَفَّفَةٌ، أَوْ مُتَوَسِّطَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ (وَمَا نَجُسَ) مِنْ جَامِدٍ وَلَوْ بَعْضًا مِنْ صَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِمُلَاقَاةِ شَيْءٍ مِنْ كَلْبٍ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لُعَابُهُ وَبَوْلُهُ وَسَائِرُ رُطُوبَاتِهِ وَأَجْزَائِهِ الْجَافَّةِ إذَا لَاقَتْ رَطْبًا (غُسِلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ) فِي غَيْرِ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ (بِتُرَابٍ) طَهُورٍ يَعُمُّ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ بِأَنْ يَكُونَ قِدْرًا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحَلِّ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَزْجِهِ بِالْمَاءِ إمَّا قَبْلَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ بَعْدَهُ بِأَنْ يُوضَعَا وَلَوْ مُرَتَّبَيْنِ ثُمَّ يُمْزَجَا قَبْلَ الْغَسْلِ وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا إذْ الطَّهُورُ الْوَارِدُ عَلَى الْمَحَلِّ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي اشْتِرَاطِ الْمَزْجِ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: " وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ": أَيْ بِأَنْ يُصَاحِبَ السَّابِعَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " السَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا التِّرْمِذِيُّ " أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ ": وَبَيْنَ رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ تَعَارُضٌ فِي مَحَلِّ التُّرَابِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهِ، وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ "، فَنَصَّ عَلَى اللُّعَابِ وَأَلْحَقَ بِهِ مَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ أَشْرَفُ فَضَلَاتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ فَغَيْرُهُ مِنْ بَوْلٍ وَرَوْثٍ وَعَرَقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْلَى، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ غَيْرَ لُعَابِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ اقْتِصَارًا عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقِيَاسِ، وَإِذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا حُسِبَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهَا سِتٌّ وَإِنْ قَوَّاهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ أَكَلَ لَحْمَ نَحْوِ كَلْبٍ لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ. فَرْعٌ: حَمَّامٌ غُسِلَ دَاخِلَهُ كَلْبٌ وَلَمْ يُعْهَدْ تَطْهِيرُهُ وَاسْتَمَرَّ النَّاسُ عَلَى دُخُولِهِ وَالِاغْتِسَالِ فِيهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَانْتَشَرَتْ النَّجَاسَةُ إلَى حُصْرِ الْحَمَّامِ وَفُوَطِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَا تُيُقِّنَ إصَابَةُ شَيْءٍ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَيَطْهُرُ الْحَمَّامُ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ. إحْدَاهُنَّ بِطَفْلٍ مِمَّا يُغْتَسَلُ بِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّفْلَ يَحْصُلُ بِهِ التَّتْرِيبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِوَاسِطَةِ الطِّينِ الَّذِي فِي نِعَالٍ دَاخِلِيَّةٍ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وَالْأَظْهَرُ تَعَيُّنُ التُّرَابِ، وَأَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ. وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ نَجِسٌ، وَلَا مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ غَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ فِيهَا طَهَارَةُ فَمِهَا (وَالْأَظْهَرُ تَعَيُّنُ التُّرَابِ) وَلَوْ غُبَارَ رَمْلٍ وَإِنْ أَفْسَدَ الثَّوْبَ جَمْعًا بَيْنَ نَوْعَيْ الطَّهُورِ فَلَا يَكْفِي غَيْرُهُ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَيَّنُ وَيَقُومُ مَا ذُكِرَ وَنَحْوُهُ مَقَامَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ. وَالثَّالِثُ: يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ فَقْدِهِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَقُومُ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَقِيلَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ كَالثِّيَابِ دُونَ مَا لَا يُفْسِدُهُ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّ الْخِنْزِيرَ كَكَلْبٍ) وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ كَمَا مَرَّ، وَلِلْمُتَوَلِّدِ حُكْمُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أَخَسَّهُمَا فِي النَّجَاسَةِ كَمَا سَلَفَ. وَالثَّانِي: يَكْفِي لِذَلِكَ الْغَسْلُ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِدَ فِي الْكَلْبِ وَمَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى كَلْبًا، وَيُسَنُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَالْأُولَى أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَتْرِيبِ مَا يَتَرَشَّشُ مِنْ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ. فُرُوعٌ: لَوْ تَعَدَّدَ نَحْوُ الْكَلْبِ وَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ وَلَغَ فِيهِ وَاحِدٌ مِرَارًا كَفَى لَهُ سَبْعُ مَرَّاتٍ إحْدَاهَا بِالتُّرَابِ، وَقِيلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سَبْعٌ وَقِيلَ إنْ تَكَرَّرَ مِنْ وَاحِدٍ كَفَى سَبْعٌ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ سَبْعٌ، وَلَوْ لَاقَى مَحَلَّ التَّنَجُّسِ مِمَّا ذُكِرَ نَجِسٌ آخَرُ كَفَى لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ انْغَمَسَ الْإِنَاءُ الْمُتَنَجِّسُ مِنْهُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ رَاكِدٍ حُسِبَ مَرَّةً وَإِنْ مَكَثَ، فَإِنْ حُرِّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَنْ حُرِّكَ دَاخِلَ الْمَاءِ حُسِبَتْ سَبْعًا، أَوْ فِي جَارٍ وَجَرَى عَلَى الْمَحَلِّ سَبْعَ جَرْيَاتٍ حُسِبَتْ سَبْعًا، وَلَوْ كَانَ فِي إنَاءٍ مَاءٌ كَثِيرٌ فَوَلَغَ فِيهِ نَحْوُ الْكَلْبِ وَلَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَلَا الْإِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَ جِرْمَهُ الَّذِي لَمْ يَصِلْهُ الْمَاءُ مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ مَا وَصَلَهُ الْمَاءُ مِمَّا هُوَ فِيهِ لَمْ يَنْجُسْ وَتَكُونُ كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةً مِنْ تَنَجُّسِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِ التَّحْقِيقِ لَمْ يَنْجُسْ الْإِنَاءُ إنْ لَمْ يُصِبْ جِرْمَهُ، وَلَوْ وَلَغَ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ ثُمَّ كُوثِرَ حَتَّى بَلَغَ قُلَّتَيْنِ طَهُرَ الْمَاءُ دُونَ الْإِنَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ طَهَارَتَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى حَالَةٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَالَةَ الْوُلُوغِ لَمْ يَنْجُسْ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالدَّمِيرِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَهَلْ تَجِبُ إرَاقَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَنَجَّسَ بِوُلُوغِهِ أَوْ تُنْدَبُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ أَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَإِنْ خَرَجَ فَمُهُ جَافًّا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ، أَوْ رَطْبًا فَكَذَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَرُطُوبَتُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ لُعَابِهِ (وَلَا يَكْفِي تُرَابٌ) مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ وَلَا (نَجِسٌ) فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّ النَّجِسَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةً. وَالثَّانِي: يَكْفِي كَالدِّبَاغِ بِالشَّيْءِ النَّجِسِ، وَالْمُسْتَعْمَلُ أَوْلَى مِنْهُ (وَلَا) يَكْفِي (مَمْزُوجٌ بِمَائِعٍ) كَخَلٍّ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَنْصِيصِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَغْسِلُهُ سَبْعًا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْخَلُّ فِي غَيْرِ مَرَّةِ التُّرَابِ. نَعَمْ لَوْ مُزِجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وَمَا تَنَجَّسَ بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ نُضِحَ. وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِمَا إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ   [مغني المحتاج] التُّرَابُ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَزْجِهِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِذَلِكَ تَغَيُّرًا فَاحِشًا كَفَى، وَالثَّانِي: يَكْفِي التُّرَابُ الْمَمْزُوجُ بِالْمَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْغَسْلَةِ إنَّمَا هُوَ التُّرَابُ وَلَا يَجِبُ تَتْرِيبُ أَرْضٍ تُرَابِيَّةٍ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ فَيَكْفِي تَسْبِيعُهَا بِمَاءٍ وَحْدَهُ، وَلَوْ أَصَابَ ثَوْبًا مَثَلًا مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ تَمَامِ السَّبْعِ هَلْ يَجِبُ تَتْرِيبُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ فِي الْأَرْضِ لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؟ أَوْ لَا يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَتْرِيبِهِ اخْتَلَفَ فِيهِ إفْتَاءُ شَيْخِي فَأَفْتَى أَوَّلًا بِالثَّانِي وَثَانِيًا بِالْأَوَّلِ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ أَوَّلًا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كُنْت مَشَيْت عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ثَانِيًا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ حُكْمُ الْمُنْتَفِلِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ النَّجَاسَةِ وَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ فَقَالَ: (وَمَا تَنَجَّسَ) مِنْ جَامِدٍ (بِبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يَطْعَمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ: أَيْ يَتَنَاوَلُ قَبْلَ مُضِيِّ حَوْلَيْنِ (غَيْرَ لَبَنٍ) لِلتَّغَذِّي (نُضِحَ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَقِيلَ مُعْجَمَةٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ غَيْرِ طَاهِرٍ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي الْأُولَى مِنْ التَّخْصِيصِ بِلَبَنِ الْمُرْضِعِ، وَلِلزَّرْكَشِيِّ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ يُغْسَلُ مِنْ النَّجِسِ وَالْمُتَنَجِّسِ قِيَاسًا مِنْهُ عَلَى لَبَنِ الْإِنْفَحَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ بِأَنْ يَرُشَّ عَلَيْهِ مَاءً يَعُمُّهُ وَيَغْلِبُهُ بِلَا سَيَلَانٍ بِخِلَافِ الصَّبِيَّةِ وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ فِي بَوْلِهِمَا مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَيَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ «أَنَّهَا جَاءَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ» (1) وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ» (2) وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِائْتِلَافِ بِحَمْلِ الصَّبِيِّ أَكْثَرَ فَخُفِّفَ فِي بَوْلِهِ، وَبِأَنَّ بَوْلَهُ أَرَقُّ مِنْ بَوْلِهَا فَلَا يَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ لُصُوقَ بَوْلِهَا بِهِ وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى، وَبِأَنَّ بَوْلَ الصَّبِيِّ مِنْ مَاءٍ وَطِينٍ وَبَوْلَهَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ؛ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ الْقَصِيرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ، وَهُوَ الْمَنِيُّ وَبُلُوغُهَا بِمَائِعٍ كَذَلِكَ وَبِنَجِسٍ، وَهُوَ الْحَيْضُ جَازَ أَنْ يَفْتَرِقَا فِي حُكْمِ طَهَارَةِ الْبَوْلِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ هُوَ آدَم وَمِنْ ضِلْعٍ هِيَ حَوَّاءُ. وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمَا فَالْكُلُّ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ وَمُتَغَذٍّ بِدَمِ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُقَالُ يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّغَذِّي تَحْنِيكُهُ بِنَحْوِ تَمْرٍ وَتَنَاوُلُهُ نَحْوَ سَفُوفٍ لِإِصْلَاحٍ فَلَا يَمْنَعَانِ النَّضْحَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِقَبْلِ مُضِيِّ الْحَوْلَيْنِ مَا بَعْدَهُمَا، إذْ اللَّبَنُ حِينَئِذٍ كَالطَّعَامِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ، وَلَا بُدَّ مَعَ النَّضْحِ مِنْ إزَالَةِ أَوْصَافِهِ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ سُهُولَةُ زَوَالِهَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ اللَّوْنِ وَالرِّيحِ لَا يَضُرُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَهِيَ الْمُتَوَسِّطَةُ فَقَالَ (وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِمَا) أَيْ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ وَبَوْلِ الصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ (إنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنٌ) أَيْ عَيْنِيَّةٌ بِأَنْ كَانَتْ حُكْمِيَّةً، وَهُوَ مَا تَيَقَّنَ وُجُودُهَا وَلَا يُدْرَكُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَجَبَ إزَالَةُ الطَّعْمِ، وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ عَسُرَ زَوَالُهُ، وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا مَعًا ضَرَّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ، لَا الْعَصْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ.   [مغني المحتاج] لَهَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ (كَفَى جَرْيُ الْمَاءِ) عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَا يُزَالُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَرْيِ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى الْمَحَلِّ بِحَيْثُ يَسِيلُ عَلَيْهِ زَائِدًا عَلَى النَّضْحِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَقْرَبَ إلَى مُرَادِهِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْعَيْنِ نَفْيُ الْأَثَرِ (وَإِنْ كَانَتْ) عَيْنِيَّةً (وَجَبَ) بَعْدَ زَوَالِ عَيْنِهَا (إزَالَةُ الطَّعْمِ) وَإِنْ عَسُرَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَوَجَبَ مُحَاوَلَةُ إزَالَةِ غَيْرِهِ (وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ لَوْنٍ) كَلَوْنِ الدَّمِ (أَوْ رِيحٍ) كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ (عَسُرَ زَوَالُهُ) فَيَطْهُرُ لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَهُلَ فَيَضُرُّ بَقَاؤُهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ (وَفِي الرِّيحِ قَوْلٌ) أَنَّهُ يَضُرُّ بَقَاؤُهَا كَسَهْلِ الزَّوَالِ. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: هَذَا فِي رَائِحَةٍ تُدْرَكُ عِنْدَ شَمِّ الثَّوْبِ دُونَ مَا يُدْرَكُ فِي الْهَوَاءِ، وَفِي اللَّوْنِ وَجْهٌ كَذَلِكَ فَتُرْتَكَبُ الْمَشَقَّةُ فِي زَوَالِهِمَا (قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَا) بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (مَعًا ضَرَّا عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ. وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ لِاغْتِفَارِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ فَكَذَا مُجْتَمِعَيْنِ، وَالْعُسْرُ مِنْ زَوَالِ رِيحِ الْمُغَلَّظَةِ أَوْ لَوْنِهَا كَغَيْرِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِمْ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي خِلَافُهُ وَلَا تَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي زَوَالِ الْأَثَرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَصَابُونٍ وَحَتٍّ بِالْمُثَنَّاةِ وَقَرْصٍ بِالْمُهْمَلَةِ، بَلْ تُسَنُّ إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَمْ يَزُلْ إلَّا بِهَا، وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ مِنْ إطْلَاقِ وُجُوبِ الِاسْتِعَانَةِ. فَرْعٌ: مَاءٌ نُقِلَ مِنْ الْبَحْرِ فَوُضِعَ فِي زِيرٍ فَوُجِدَ فِيهِ طَعْمُ زِبْلٍ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: وَلَا يُحَدُّ بِرِيحِ الْخَمْرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قُرْبِهِ جِيفَةً لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبِهِ مَنِيًّا، فَإِنَّهُ إنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغَسْلُ وَإِلَّا وَجَبَ (وَيُشْتَرَطُ وُرُودُ الْمَاءِ) عَلَى الْمَحَلِّ إنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْأَصَحِّ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ لَوْ عُكِسَ لَمَا عُلِمَ مِمَّا سَلَفَ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ. وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَصَدَ بِالْغَمْسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ طَهُرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ وَارِدًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ (لَا الْعَصْرُ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ إذْ الْبَلَلُ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، وَقَدْ فُرِضَ طُهْرُهُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى أَنَّ الْغُسَالَةَ طَاهِرَةٌ أَوْ نَجِسَةٌ إنْ طَهَّرْنَاهَا لَمْ يَجِبْ وَإِلَّا وَجَبَ. أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ، وَيُسَنُّ عَصْرُ مَا يُمْكِنُ عَصْرُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَالْأَظْهَرُ طَهَارَةُ غُسَالَةٍ) قَلِيلَةٍ (تَنْفَصِلُ بِلَا تَغَيُّرٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ) ؛ لِأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَحَلِّ هُوَ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، فَلَوْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا لَكَانَ الْمَحَلُّ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُنْفَصِلُ طَاهِرًا لَا طَهُورًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي خَبَثٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَجِسَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وَلَوْ نَجُسَ مَائِعٌ تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ، وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ.   [مغني المحتاج] لِانْتِقَالِ الْمَنْعِ إلَيْهَا، فَإِنْ انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ، وَلَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ فَنَجِسَةٌ قَطْعًا، وَزِيَادَةُ وَزْنِهَا بَعْدَ اعْتِبَارِ مَا يَأْخُذُهُ الْمَحَلُّ مِنْ الْمَاءِ وَيُعْطِيهِ مِنْ الْوَسَخِ الطَّاهِرِ كَالتَّغَيُّرِ، وَيُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ الْمَحَلِّ فِيمَا إذَا انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً أَوْ زَائِدَةَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَحَلِّ هُوَ بَعْضُ مَا انْفَصَلَ كَمَا مَرَّ. أَمَّا الْكَثِيرَةُ فَطَاهِرَةٌ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ الْمَحَلُّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ. وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَصْبُوغٌ بِمُتَنَجِّسٍ انْفَصَلَ عَنْهُ، وَلَمْ يَزِدْ الْمَصْبُوغُ وَزْنًا بَعْدَ الْغَسْلِ عَلَى وَزْنِهِ قَبْلَ الصَّبْغِ وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ لِعُسْرِ زَوَالِهِ، فَإِنْ زَادَ وَزْنُهُ ضَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ لِتَعَقُّدِهِ بِهِ لَمْ يَطْهُرْ لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَالصَّقِيلُ مِنْ سَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَنَحْوِهِمَا كَغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ، وَلَوْ صُبَّ عَلَى مَوْضِعٍ نَحْوُ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ مِنْ أَرْضِ مَاءٍ غَمَرَهُ طَهُرَ وَلَوْ لَمْ يُغْمَرْ. أَمَّا إذَا صُبَّ عَلَى نَفْسٍ نَحْوُ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ شَرْطَ طَهَارَةِ الْغُسَالَةِ أَنْ لَا يَزِيدَ وَزْنُهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يَزِيدُ وَزْنُهُ، وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ خَالَطَ نَجَاسَةً جَامِدَةً كَالرَّوْثِ لَمْ يَطْهُرْ، وَإِنْ طُبِخَ بِأَنْ صَارَ آجُرًّا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ خَالَطَهُ غَيْرُهَا كَالْبَوْلِ طَهُرَ ظَاهِرُهُ بِالْغَسْلِ، وَكَذَا بَاطِنُهُ إنْ نُقِعَ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ مَطْبُوخًا إنْ كَانَ رَخْوًا يَصِلُهُ الْمَاءُ كَالْعَجِينِ، أَوْ مَدْقُوقًا بِحَيْثُ يَصِيرُ تُرَابًا وَلَوْ سُقِيَتْ سِكِّينٌ أَوْ طُبِخَ لَحْمٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ كَفَى غَسْلُهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى سَقْيِ السِّكِّينِ وَإِغْلَاءِ اللَّحْمِ بِالْمَاءِ وَلَا إلَى عَصْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اكْتَفَى بِغَسْلِ ظَاهِرِ السِّكِّينِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي الْآجُرِّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِالْمَاءِ فِي الْآجُرِّ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُتَأَتٍّ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ لَهُ فَلَا حَاجَةَ لِلْحُكْمِ بِطَهَارَةِ بَاطِنِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّكِّينِ. وَيَطْهُرُ الزِّئْبَقُ الْمُتَنَجِّسُ بِغَسْلِ ظَاهِرِهِ إنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ تَنَجُّسِهِ وَغَسْلِهِ تَقَطُّعٌ وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ كَالدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَقَطَّعُ عِنْدَ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِتَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَافٌّ. فَلَوْ وَقَعَ فِيهِ فَأْرَةٌ فَمَاتَتْ وَلَا رُطُوبَةَ لَمْ يَنْجُسْ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَيَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ نَجَاسَةٍ وَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ وَلَوْ عَقِبَ عَصْرِهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً عَلَى مَكَانِهَا وَانْتَشَرَ حَوْلَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَحَلِّ الِانْتِشَارِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْوَارِدَ عَلَى النَّجَاسَةِ طَهُورٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَمْ يَنْفَصِلْ لِقُوَّتِهِ لِكَوْنِهِ فَاعِلًا، فَإِنْ تَغَيَّرَ تَنَجَّسَ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ طَهُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَإِذَا أَدَارَهُ فِي الْإِنَاءِ طَهُرَ (وَلَوْ نَجُسَ مَائِعٌ) غَيْرُ الْمَاءِ وَلَوْ دُهْنًا (تَعَذَّرَ تَطْهِيرُهُ) إذْ لَا يَأْتِي الْمَاءُ عَلَى كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ بِطَبْعِهِ يَمْنَعُ إصَابَةَ الْمَاءِ (وَقِيلَ يَطْهُرُ الدُّهْنُ بِغَسْلِهِ) قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ النَّجِسِ. وَكَيْفِيَّةُ تَطْهِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَيُكَاثِرَهُ ثُمَّ يُحَرِّكَهُ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يَظُنُّ وُصُولَهُ لِجَمِيعِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ لِيَعْلُوَ ثُمَّ يَثْقُبُ أَسْفَلَهُ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَاءُ سُدَّ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَنَجَّسَ الدُّهْنُ بِمَا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ كَالْبَوْلِ، فَإِنْ تَنَجَّسَ بِمَا لَهُ دُهْنِيَّةٌ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» (1) وَفِي رِوَايَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 بَابُ التَّيَمُّمِ   [مغني المحتاج] لِلْخَطَّابِيِّ " فَأَرِيقُوهُ " فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ شَرْعًا لَمْ يَقُلْ فِيهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْجَامِدُ هُوَ الَّذِي إذَا أُخِذَ مِنْهُ قِطْعَةٌ لَا يَتَرَادُّ مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأَ مَحَلَّهَا عَنْ قُرْبٍ، وَالْمَائِعُ بِخِلَافِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. خَاتِمَةٌ: يُنْدَبُ أَنْ يَغْسِلَ غَسْلَتَيْنِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْمُزِيلَةِ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ لِتُكْمَلَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ الْمُزِيلَةَ لِلنَّجَاسَةِ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا مَرَّ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّكِّ فِي النَّجَاسَةِ فِي حَدِيثِ " إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ " فَعِنْدَ تَحَقُّقِهَا أَوْلَى، وَشَمِلَ ذَلِكَ الْمُغَلَّظَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ فَيُنْدَبُ مَرَّتَانِ بَعْدَ طُهْرِهَا. وَقَالَ الْجِيلِيُّ فِي بَحْرِ الْفَتَاوَى فِي نَشْرِ الْحَاوِي: لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُكَبَّرَ لَا يُكَبَّرُ كَمَا أَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ: أَيْ فَتُثَلَّثُ النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ دُونَ الْمُغَلَّظَةِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِي إزَالَتِهَا نِيَّةٌ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الصَّوْمِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا لِقَمِعِ الشَّهْوَةِ وَمُخَالَفَةِ الْهَوَى اُلْتُحِقَ بِالْفِعْلِ، وَيَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ بِغَسْلِ الْمُتَنَجِّسِ عَاصٍ بِالتَّنْجِيسِ كَأَنْ اسْتَعْمَلَ النَّجَاسَةَ فِي بَدَنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِهِ فَلِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُعَجِّلَ بِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ بِالْمُغَلَّظَةِ مُطْلَقًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْعَاصِي بِالْجَنَابَةِ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِالْعَاصِي بِالتَّنْجِيسِ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَصَى بِهِ هُنَا مُتَلَبِّسٌ بِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَإِذَا غَسَلَ فَمَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا فِي حَدِّ الظَّاهِرِ، وَلَا يَبْلَعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا لِلنَّجَاسَةِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَيَغْسِلُ مِنْ رَشَاشِ غَسَلَاتِ الْكُلِّيَّةِ سِتًّا إنْ أَصَابَتْهُ فِي الْأُولَى وَإِلَّا فَبِالْبَاقِي مِنْ السَّبْعِ، وَالْمُرَادُ بِغَسَلَاتِ النَّجَاسَةِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي وَاجِبِ الْإِزَالَةِ. أَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَنْدُوبِهَا فَطَهُورٌ، وَمَا غُسِلَ بِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَقَلِيلِ الدَّمِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّهُ كَغُسَالَةِ الْوَاجِبِ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] (بَابُ التَّيَمُّمِ) هُوَ لُغَةً: الْقَصْدُ يُقَالُ: تَيَمَّمْتُ فُلَانًا وَيَمَّمَتْهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ: أَيْ قَصَدْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: [الْوَافِرُ] فَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا ... أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي أَأَلْخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ ... أَمْ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ لِأَسْبَابٍ: أَحَدُهَا: فَقْدُ الْمَاءِ   [مغني المحتاج] وَشَرْعًا: إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَوْ عُضْوٍ مِنْهُمَا بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَخُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَقِيلَ عَزِيمَةٌ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ: وَالرُّخْصَةُ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ إنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَعَزِيمَةٌ أَوْ لِعُذْرٍ فَرُخْصَةٌ، وَمَنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ لِفَقْدِ الْمَاءِ، فَإِنْ قُلْنَا: رُخْصَةٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: 43] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] أَيْ تُرَابًا طَهُورًا، وَقِيلَ تُرَابًا حَلَالًا، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» (1) وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَخْبَارِ الْآتِي بَعْضُهَا فِي الْبَابِ (يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَمَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ ، فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ، فَقَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» (2) وَفِيهِمَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: «أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ الْمَاءَ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» (3) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى تَمَعَّكْتُ تَدَلَّكْتُ، وَفِي رِوَايَةٍ تَمَرَّغْتُ، وَهُوَ بِمَعْنَى تَدَلَّكْت اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ تَمَعَّكْتُ بِتَمَرَّغْت إذْ هُوَ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ " فَتَمَرَّغْت فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ " وَخَرَجَ بِالْمُحْدِثِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ الْمُتَنَجِّسُ فَلَا يَتَيَمَّمُ لِلنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ فَلَا يَتَجَاوَزُ مَحَلَّ وُرُودِهَا، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُحْدِثِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: ذِكْرُهُ الْجُنُبَ بَعْدَ الْمُحْدِثِ مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ اهـ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمَحَلُّ النَّصِّ وَإِلَّا فَالْمَأْمُورُ بِغُسْلٍ مَسْنُونٍ كَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِوُضُوءٍ مَسْنُونٍ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغُسْلِ وَكَذَا الْمَيِّتُ يَتَيَمَّمُ كَمَا سَيَأْتِي (لِأَسْبَابٍ) جَمْعُ سَبَبٍ يَعْنِي لِوَاحِدٍ مِنْ أَسْبَابٍ. وَالسَّبَبُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَالْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ فِي الْحَقِيقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَلِلْعَجْزِ أَسْبَابٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى لَكِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ، وَلَكِنِّي ذَكَرْتُهُ تَشْحِينًا لِلذِّهْنِ (أَحَدُهَا: فَقْدُ الْمَاءِ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَمِنْ الْفَقْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ، وَإِنْ تَوَهَّمَهُ طَلَبَهُ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ، وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ،   [مغني المحتاج] الشَّرْعِيِّ خَوْفُ طَرِيقِهِ إلَى الْمَاءِ أَوْ بُعْدُهُ عَنْهُ أَوْ الِاحْتِيَاجُ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ وَجَدَ مَاءً مُسَبَّلًا لِلشُّرْبِ حَتَّى قَالُوا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَحِلَ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ مِنْهُ فِي دَوَاةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ إلَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِتُرَابِ غَيْرِهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِأَرَاضِي الْقُرَى الْمَوْقُوفَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِهَا، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالْمُسَامَحَةُ بِذَلِكَ مَجْزُومٌ بِهَا عُرْفًا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكَّ فِي جَوَازِهِ بِهَا اهـ. وَهَذَا مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: إنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَصِرْ طَرِيقًا لِلنَّاسِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الصُّلْحِ - تَحْرِيرُ ذَلِكَ (فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ) أَوْ الْمُقِيمُ فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُسَافِرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ (فَقْدَهُ) أَيْ الْمَاءِ حَوْلَهُ (تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا؛ لِأَنَّ طَلَبَ مَا عُلِمَ عَدَمُهُ عَبَثٌ كَمَا إذَا كَانَ فِي بَعْضِ رِمَالِ الْبَوَادِي، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَطْلُبْ لَمْ يَجِدْ (وَإِنْ تَوَهَّمَهُ) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ: أَيْ ذِهْنِهِ: أَيْ جُوِّزَ ذَلِكَ اهـ. يَعْنِي تَجْوِيزًا رَاجِحًا وَهُوَ الظَّنُّ، أَوْ مَرْجُوحًا وَهُوَ الْوَهْمُ، أَوْ مُسْتَوِيًا وَهُوَ الشَّكُّ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَهْمِ هُنَا الثَّانِي، بَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُطْلَبُ عِنْدَ الشَّكِّ وَالظَّنِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا حَوَّلَ الشَّارِعُ ذَلِكَ لِيُصَيِّرَهُ مَنْطُوقًا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ أَمْرٍ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] [الْإِسْرَاءُ] وَيُفْهَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ الضَّرْبِ وَنَحْوِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (طَلَبَهُ) بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مِمَّا تَوَهَّمَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ الْإِمْكَانِ وَلَهُ طَلَبُهُ بِوَكِيلِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ حَتَّى لَوْ أَرْسَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا ثِقَةً يَطْلُبُ لَهُمْ كَفَاهُمْ، وَلَوْ أَذِنَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِيَطْلُبَ لَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ كَفَى أَيْضًا، وَلَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَنَّ الْمَاءَ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَعْتَمِدْهُ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ مَاءٌ اعْتَمَدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَمَ هُوَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ الْوِجْدَانِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَمَّا طَلَبُ غَيْرِهِ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ لِيَطْلُبَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَطْلَقَ، فَطَلَبَ لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا، فَإِنْ طَلَبَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ فِي الْوَقْتِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ كَنَظِيرِهِ فِي الْمُحْرِمِ يُوَكِّلُ رَجُلًا لِيَعْقِدَ لَهُ النِّكَاحَ، ثُمَّ رَأَيْتُ شَيْخُنَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ (مِنْ رَحْلِهِ) بِأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَدَمَ فِيهِ، وَهُوَ مَنْزِلُ الشَّخْصِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَسْتَصْحِبُهُ الشَّخْصُ مِنْ أَثَاثٍ، وَيُجْمَعُ فِي الْكَثْرَةِ عَلَى رِحَالٍ، وَفِي الْقِلَّةِ عَلَى أَرْحُلٍ (وَرُفْقَتِهِ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ؛ سُمُّوا بِذَلِكَ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَهُمْ الْجَمَاعَةُ يَنْزِلُونَ جُمْلَةً وَيَرْحَلُونَ جُمْلَةً، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يُنَادِيَ نِدَاءً عَامًّا فِيهِمْ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ كَمَا مَرَّ بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَبِيعُهُ أَوْ يَجُودُ بِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَيَسْتَوْعِبُهُمْ إذَا كَثُرُوا إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: يَسْتَوْعِبُهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَقِيلَ: إلَّا أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ رَكْعَةٍ (وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ) مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِيمَا ذُكِرَ إلَى الْحَدِّ الْآتِي (إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) مِنْ الْأَرْضِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ. فَلَوْ عَلِمَ مَاءً يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ وَجَبَ قَصْدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ   [مغني المحتاج] وَيَخُصُّ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَاجْتِمَاعَ الطُّيُورِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ، وَقِيلَ يَمْشِي قَدْرَ غَلْوَةِ سَهْمٍ. (فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (تَرَدَّدَ) إنْ أَمِنَ نَفْسًا وَمَالًا وَعُضْوًا وَاخْتِصَاصًا مُحْتَرَمَاتٍ وَانْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى حَدٍّ تُسْمَعُ اسْتِغَاثَتُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهَا رُفْقَتُهُ لَوْ اسْتَغَاثَ بِهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ تَشَاغُلِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ (قَدْرَ نَظَرِهِ) أَيْ فِي الْمُسْتَوَى، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِغَلْوَةِ سَهْمٍ: أَيْ غَايَةَ رَمْيِهِ، وَهَذَا يُسَمَّى حَدَّ الْغَوْثِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَدُورَ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَصْعَدَ جَبَلًا أَوْ نَحْوَهُ بِقُرْبِهِ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ اهـ. وَيُقَالُ: حَوْلَيْهِ بِلَا أَلِفٍ وَحَوْلَ وَحَوَالَهُ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ سَوَاءٌ أَكَثُرَ الْمَالُ أَمْ قَلَّ أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا لَمْ يَجِبْ التَّرَدُّدُ لِلضَّرَرِ وَلِلْوَحْشَةِ فِي انْقِطَاعِهِ وَإِخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا بِخِلَافِ وَاجِدِ الْمَاءِ لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَاءً بَعْدَ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ (تَيَمَّمَ) لِحُصُولِ الْفَقْدِ وَلَا يَضُرُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ عَنْ الطَّلَبِ إذَا كَانَا فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يَحْدُثْ سَبَبٌ يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ (فَلَوْ) طَلَبَ كَمَا مَرَّ وَ (مَكَثَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا (مَوْضِعَهُ) وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الْعَدَمَ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ مَاءٍ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ) مِمَّا يُحْوِجُ إلَى تَيَمُّمٍ مُسْتَأْنَفٍ كَحَدَثٍ وَفَرِيضَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى بِئْرٍ خَفِيَتْ عَلَيْهِ أَوْ يَجِدُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَيْهِ وَقِيَاسًا عَلَى إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ، وَلَكِنْ يَكُونُ طَلَبُهُ هَذَا أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَاءٌ لَظَفِرَ بِهِ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ تَيَقَّنَ الْعَدَمَ فِي مَوْضِعٍ بِالطَّلَبِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ مَاءٍ لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ أَوْ حَدَثَ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ مَاءٍ كَطُلُوعِ رَكْبٍ وَإِطْبَاقِ غَمَامَةٍ وَجَبَ الطَّلَبُ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ (فَلَوْ عَلِمَ) مُسَافِرٌ بِمَحَلٍّ (مَاءً) فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَهُوَ مَا (يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ) كَاحْتِطَابٍ وَاحْتِشَاشٍ مَعَ اعْتِبَارِ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُعُورَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يَقْصِدُهُ عِنْدَ التَّوَهُّمِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: لَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ (وَجَبَ قَصْدُهُ) أَيْ طَلَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْعَى إلَيْهِ لِأَشْغَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِلْعِبَادَةِ أَوْلَى هَذَا (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ) أَوْ عُضْوٍ (أَوْ مَالٍ) لَا يَجِبُ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَةٍ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ عَنْهُمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْوَحْشَةِ أَوْ خُرُوجِ الْوَقْتِ (فَإِنْ) خَافَ مَا ذُكِرَ أَوْ (كَانَ) الْمَاءُ بِمَحَلٍّ (فَوْقَ ذَلِكَ) الْمَحَلِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 تَيَمَّمَ. وَلَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ. أَوْ ظَنَّهُ فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا يُسَمَّى حَدَّ الْبَعْدِ (تَيَمَّمَ) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ، وَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِالْمَالِ الِاخْتِصَاصَاتُ وَبِمَا لَا يَجِبُ بَذْلُهُ إلَخْ مَا وَجَبَ بَذْلُهُ فَلَا يُمْنَعُ الطَّلَبُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي تَوَهُّمِ الْمَاءِ لِتَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ هُنَا، وَبِهَذَا جَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ إيجَابِ الطَّلَبِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي مَوْضِعٍ، وَمِنْ الْمَنْعِ فِي آخَرَ، وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَلَوْ قَصَدَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَصْدُهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِهِ، أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا يَتَيَمَّمُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى إلَى الْمَاءِ، وَإِنْ فَاتَ بِهِ الْوَقْتُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَيْ لِتَيَمُّمِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَلَا يَرِدُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ: أَيْ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقُوتِ، وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِيهَا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى إلَى الْمَاءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ مَنُوطٌ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَوْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ وُجُودَ الْمَاءِ (آخِرَ الْوَقْتِ) مَعَ جَوَازِ تَيَمُّمِهِ فِي أَثْنَائِهِ (فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْأَكْمَلُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ بِهِ وَلَوْ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِي مَنْزِلِهِ أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ لَهُ الْمَاءُ وَهُوَ فِيهِ أَوْ لَا خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي وُجُوبِ التَّأْخِيرِ فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِي مَنْزِلٍ. وَقَدْ يَكُونُ التَّعْجِيلُ أَفْضَلَ لِعَوَارِضَ كَأَنْ كَانَ يُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ بِسُتْرَةٍ، وَلَوْ أَخَّرَ لَمْ يُصَلِّ بِهَا، أَوْ كَانَ يُصَلِّي فِي أَوَّلِهِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ أَخَّرَ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَوْ أَخَّرَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ، فَالتَّعْجِيلُ بِالتَّيَمُّمِ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ. فَإِنْ شَكَّ فِي وُجُودِهِ آخِرَ الْوَقْتِ (أَوْ ظَنَّهُ) بِأَنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وُجُودُهُ آخِرَهُ (فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأَوْلَى، وَ (فِي الْأَظْهَرِ) فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ التَّقْدِيمِ مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ فَضِيلَةِ الْوُضُوءِ. وَالثَّانِي: التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ وَبِالْوُضُوءِ فِي أَثْنَائِهِ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِمْ، أَمَّا إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْفَقْدُ أَوْ تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّعْجِيلُ أَفْضَلُ جَزْمًا. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ مَا لَوْ صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا، وَآخِرَ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ، وَإِنْ خَفَّ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَلِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْإِقَامَةَ آخِرَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ السَّبَبِ حِينَ الْفِعْلِ. وَلَا يَنْتَظِرُ مُزَاحِمٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهَا إلَّا وَاحِدٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ تَنَاوَبَهَا جَمْعٌ، أَوْ ثَوْبٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْبَسهُ إلَّا وَاحِدٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ تَنَاوَبَهُ عُرَاةٌ، أَوْ مَقَامٌ لَا يَسَعُ إلَّا قَائِمًا وَاحِدًا، وَقَدْ تَنَاوَبَهُ جَمْعٌ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَعُلِمَ أَنَّ نَوْبَتُهُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، بَلْ يُصَلِّي فِيهِ مُتَيَمِّمًا أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ، وَيَكُونُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ. وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ   [مغني المحتاج] عَارِيًّا أَوْ قَاعِدًا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ فِي الْحَالِ، وَجِنْسُ عُذْرِهِ غَيْرُ نَادِرٍ، وَيَنْتَظِرُ نَوْبَتَهُ إذَا تَوَقَّعَ انْتِهَاءَهَا إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ وَسَائِرِ آدَابِهِ، فَإِذَا خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ الْإِمَامِ لَوْ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِآدَابِهِ، فَإِدْرَاكُهَا أَوْلَى مِنْ إكْمَالِهِ، وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا غَيْرِهَا مِنْ الرَّكَعَاتِ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، فَلَا يَشْتَغِلُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ حَتَّى تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ الْمَاءُ عَنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى فَرَائِضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَدْوِيَّ النَّقْلَةُ لِلتَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ عَنْ التَّيَمُّمِ (وَلَوْ وَجَدَ مَاءً) صَالِحًا لِلْغُسْلِ (لَا يَكْفِيهِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ) فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ مُرَتَّبًا إنْ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ، أَوْ مُطْلَقًا إنْ كَانَ غَيْرَهُ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَغْسِلُ كُلَّ بَدَنِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ وُجُوبُهُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْبَاقِي كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مَعْدُومًا أَوْ جَرِيحًا. وَالثَّانِي يَقْتَصِرُ عَلَى التَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْتَاقُهُ وَيَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ بَعْضَ الرَّقَبَةِ لَا يُسَمَّى رَقَبَةً، وَبَعْضَ الْمَاءِ يُسَمَّى مَاءً،؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمَاءَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَجِدَ مَا يُسَمَّى مَاءً (وَيَكُونُ) اسْتِعْمَالُهُ (قَبْلَ التَّيَمُّمِ) عَنْ الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا وَاجِدٌ مَاءً، أَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ تُرَابًا فَالْأَظْهَرُ الْقَطْعُ بِاسْتِعْمَالِهِ. أَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْغُسْلِ كَثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ لَا يَذُوبُ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ هَهُنَا تَقْدِيمُ مَسْحِ الرَّأْسِ، فَتَقْرَأُ مَاءً فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَهْمُوزَةً مُنَوَّنَةً لَا مَوْصُولَةً لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ، فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ، وَمَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ بِهِ بَعْضَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ وَجَدَ مَاءً وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ، وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَلَا يَكْفِي إلَّا لِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ لِلنَّجَاسَةِ لِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بَدَلَ لَهَا، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَأَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: مَحَلُّ تَعْيِينِهِ لَهَا فِي الْمُسَافِرِ. أَمَّا الْمُقِيمُ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِعَادَةِ، لَكِنَّ النَّجَاسَةَ أَوْلَى، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْقِيقِهِ وَمَجْمُوعِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَيَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ، فَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ إزَالَتِهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا الْجَوَازَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا فِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَالذَّخَائِرِ وَالْأَقْيَسُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَيَجِبُ) فِي الْوَقْتِ (شِرَاؤُهُ) أَيْ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ، وَكَذَا التُّرَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَّاطِيُّ (1) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 بِثَمَنِ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ، أَوْ نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ.   [مغني المحتاج] (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) وَهُوَ عَلَى الْأَصَحِّ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ الرَّغَبَاتُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْأَقْرَبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْتَهِي فِيهَا الْأَمْرُ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ، فَإِنَّ الشَّرْبَةَ قَدْ تُشْتَرَى حِينَئِذٍ بِدَنَانِيرَ: أَيْ وَيَبْعُدُ فِي الرُّخْصِ إيجَابُ ذَلِكَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ أُجْرَةِ نَقْلِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الشَّخْصُ. هَذَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ بِنَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَلَّتْ، لَكِنْ إنْ بِيعَ فِيهِ لِأَجَلٍ بِزِيَادَةٍ لَائِقَةٍ بِذَلِكَ الْأَجَلِ وَكَانَ مُوسِرًا وَالْأَجَلُ مُمْتَدٌّ إلَى مَوْضِعِ مَالِهِ وَجَبَ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، وَآلَاتُ الِاسْتِقَاءِ كَالدَّلْوِ وَالرَّشَّاشِ إذَا بِيعَتْ أَوْ أُجِّرَتْ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إذَا لَمْ تَزِدْ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا فِي الْبَيْعِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا فِي الْإِجَارَةِ (إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ) أَيْ الثَّمَنِ (لِدَيْنٍ) عَلَيْهِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَقَوْلُهُ: (مُسْتَغْرِقٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا يَفْضُلُ عَنْ الدَّيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ زِيَادَةَ إيضَاحٍ (أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ) مُبَاحًا كَانَ أَوْ طَاعَةً ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَالْمُؤْنَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ (أَوْ نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَهُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَمْلُوكٍ وَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا يَخَافُ انْقِطَاعَهُمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ، وَكَالنَّفَقَةِ سَائِرُ الْمُؤَنِ حَتَّى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ دَيْنِ غَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِي نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ نَفْسُهُ وَرَقِيقُهُ وَدَوَابُّهُ سَوَاءٌ فِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ، وَتَارِكُ الصَّلَاةِ، وَالْكَلْبُ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ، وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ فِيهِ - إذَا لَمْ يَكُنْ عَقُورًا - تَنَاقُضٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ قَتْلِهِ، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْأَطْعِمَةِ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - هُنَاكَ. فُرُوعٌ: لَوْ احْتَاجَ وَاجِدُ ثَمَنِ الْمَاءِ إلَى شِرَاءِ سُتْرَةٍ لِلصَّلَاةِ قَدَّمَهَا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ وَيَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْمَاءِ بِشَدِّهِ فِي الدَّلْوِ، وَلَوْ مَعَ شَقِّهِ أَوْ بِإِدْلَائِهِ فِي الْبِئْرِ وَعَصْرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَبَ إنْ لَمْ يَزِدْ نُقْصَانُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ وَأُجْرَةِ مِثْلِ الْحَبْلِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ مَحَلَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِحَفْرٍ قَرِيبٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَجَبَ الْحَفْرُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ كَانَ مَالِكُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ أُعِيرَ دَلْوٌ وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وُهِبَ ثَمَنُهُ فَلَا، وَلَوْ نَسِيَهُ فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ   [مغني المحتاج] يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الثَّانِي، وَثَمَّ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ فَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ أَوْ الثَّانِي لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ؟ وَجْهَانِ، وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ اهـ. وَهَلْ تُذْبَحُ قَهْرًا شَاةُ الْغَيْرِ الَّتِي لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ إلَى الْإِطْعَامِ؟ وَجْهَانِ. نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي هُنَا أَحَدُهُمَا، وَعَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْقَاضِي اقْتَصَرَ فِي الْأَطْعِمَةِ، نَعَمْ كَالْمَاءِ فَيَلْزَمُ مَالِكَهَا بَذْلُهَا لَهُ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ لِلشَّاةِ حُرْمَةً؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ رُوحٍ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ (وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ) أَوْ أَقْرَضَهُ (أَوْ أُعِيرَ دَلْوٌ) أَوْ نَحْوُهُ مِنْ آلَاتِ الِاسْتِقَاءِ فِي الْوَقْتِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ) إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُهَا بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ بِذَلِكَ غَالِبَةٌ فَلَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ، فَلَوْ خَالَفَ وَصَلَّى مُتَيَمِّمًا أَثِمَ، وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِتَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ حَالَةَ تَيَمُّمِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ قَبُولُ الْمَاءِ لِلْمِنَّةِ كَالثَّمَنِ وَلَا قَبُولُ الْعَارِيَّةِ إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمُسْتَعَارِ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ أَيْ فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَيَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ، أَمَّا تَلَفُهُ فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُؤَالُ الْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يَحْتَجْ وَاهِبُ الْمَاءِ وَالْمُعِيرُ إلَيْهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ طَلَبِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَدُّ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَلَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ، وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ وُجُوبِ اتِّهَابِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْوَاهِبُ لِعَطَشٍ حَالًا أَوْ مَآلًا وَلِغَيْرِهِ حَالًا، أَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَمْ يَجِبْ اتِّهَابُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ. وَفِي الْمَجْمُوعِ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَذْلُهُ لِطَهَارَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ قَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبُولُ قَرْضِ الْمَاءِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَبُولُ ثَمَنِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ بِهِ بِمَالِ غَائِبٍ كَمَا سَيَأْتِي. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُطَالَبُ بِالْمَاءِ عِنْدَ الْوَجْدَانِ، وَحِينَئِذٍ يَهُونُ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَذَا وَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ أُرِيدَ وِجْدَانُ الْمَاءِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ الْمَاءَ فِي مَفَازَةٍ وَلَقِيَهُ بِبَلَدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَتُهُ فِي الْمَفَازَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ قِيمَتُهُ فَقِيمَتُهُ وَثَمَنُهُ الَّذِي يُقْرِضُهُ إيَّاهُ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى فَإِذَنْ لَا فَرْقَ. أُجِيبَ بِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُتْلِفِ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ. وَأَمَّا الْمُقْتَرِضُ فَلَمْ يَأْخُذَهُ إلَّا بِرِضًا مِنْ مَالِكِهِ، فَيَرُدُّ مِثْلَهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَرَادَ فِي الْبَلَدِ أَمْ فِي الْمَفَازَةِ وَفَاءً بِقَاعِدَةِ الْقَرْضِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَلِهَذَا يَقُولُ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ: أَقْرَضْتُكَ هَذَا أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ، وَالْمَالِكُ قَدْ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ وَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، وَمَعَ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فَلَا يَغْلُظُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ فِيمَا هُوَ عَقْدُ إرْفَاقٍ، وَأَيْضًا لَوْ قُلْنَا: إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ رَدُّ الْقِيمَةِ حَيْثُ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْمِثْلِ لَدَخَلَ ذَلِكَ فِي نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْقَرْضِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً (وَلَوْ وُهِبَ ثَمَنُهُ) أَيْ الْمَاءِ، أَوْ ثَمَنُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ، أَوْ أُقْرِضَ ثَمَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِمَالٍ غَائِبٍ (فَلَا) يَجِبُ قَبُولُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ وَلَوْ مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ (وَلَوْ نَسِيَهُ) أَيْ الْمَاءَ (فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ) إمْعَانُ (الطَّلَبِ) وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَقْدُهُ، هَذَا تَفْسِيرُ إضْلَالِهِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِذَا غَلَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 فَتَيَمَّمَ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ فَلَا يَقْضِي.   [مغني المحتاج] عَلَى ظَنِّهِ فَقْدُهُ (فَتَيَمَّمَ) فِي الْحَالَيْنِ وَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فِي النِّسْيَانِ وَوَجَدَهُ فِي الْإِضْلَالِ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَلَكِنَّهُ قَصَّرَ فِي الْوُقُوفِ عَلَيْهِ فَيَقْضِي كَمَا لَوْ نَسِيَ سَتْرَ الْعَوْرَةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ عُذْرٌ نَادِرٌ لَا يَدُومُ. وَالثَّانِي: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْأُولَى عُذْرٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سَبُعٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الثَّانِيَةِ فِي الطَّلَبِ، وَلَوْ نَسِيَ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ بِئْرًا أَوْ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ (وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ) بِسَبَبِ ظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ، وَفِيهِ الْمَاءُ فَإِنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ قَضَى لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ أَمْعَنَ فِيهِ (فَلَا يَقْضِي) إذْ لَا مَاءَ مَعَهُ حَالَ التَّيَمُّمِ، وَفَارَقَ إضْلَالَهُ فِي رَحْلِهِ بِأَنَّ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ أَوْسَعُ غَالِبًا مِنْ مُخَيَّمِهِ فَلَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ مُخَيَّمَهُ إنْ اتَّسَعَ كَمَا فِي مُخَيَّمِ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ يَكُونُ كَمُخَيَّمِ الرُّفْقَةِ، وَلَوْ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِئْرٍ خَفِيَّةٍ هُنَاكَ فَلَا إعَادَةَ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَاتِينِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ ذِكْرِهِ مَا يُقْضَى مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِإِضْلَالِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ، أَوْ عَنْ الْمَاءِ، أَوْ لِغَصْبِ مَائِهِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ . فُرُوعٌ: لَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَتَنَظُّفٍ وَتَحَيُّرِ مُجْتَهِدٍ لَمْ يَعْصِ لِلْعُذْرِ، أَوْ أَتْلَفَهُ عَبَثًا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ عَصَى لِتَفْرِيطِهِ بِإِتْلَافِ مَا تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ. أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا يَعْصِي مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ يَعْصِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ وَلَا إعَادَةَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فِي الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْمُتَّهِبِ كَعَطَشٍ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا لِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ، وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ هِبَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أَوْ دُيُونٌ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِرْدَادِهِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَقَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي فُوِّتَ الْمَاءُ فِي وَقْتِهَا لِتَقْصِيرِهِ دُونَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَلَا يَقْضِي تِلْكَ الصَّلَاةَ بِتَيَمُّمٍ فِي الْوَقْتِ بَلْ يُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ حَالَةَ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَاءُ فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ أَوَالْمُشْتَرِي ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا سَلَفَ، وَيَضْمَنُ الْمَاءَ الْمُشْتَرِي دُونَ الْمُتَّهِبِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ، ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ عَطِشُوا وَلِمَيِّتٍ مَاءٌ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَضَمِنُوهُ لِلْوَارِثِ بِقِيمَتِهِ لَا بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا إذَا كَانُوا بِبَرِيَّةٍ لِلْمَاءِ فِيهَا قِيمَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى وَطَنِهِمْ وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِيهِ، وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ إذْ لَوْ رَدُّوا الْمَاءَ لَكَانَ إسْقَاطًا لِلضَّمَانِ، فَإِنْ فَرَضَ الْغُرْمَ بِمَكَانَ الشُّرْبِ أَوْ مَكَان آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ وَلَوْ دُونَ قِيمَتِهِ بِمَكَانِ الشُّرْبِ أَوْ زَمَانِهِ غَرِمَ مِثْلَهُ كَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ، وَلَوْ أَوْصَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الثَّانِي: أَنْ يُحْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ وَلَوْ مَآلًا. الثَّالِثُ: مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ   [مغني المحتاج] بِصَرْفِ مَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْعَطْشَانِ الْمُحْتَرَمِ حِفْظًا لِمُهْجَتِهِ، ثُمَّ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ، فَإِنْ مَاتَ اثْنَانِ وَوُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِمَا قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ، فَإِنْ مَاتَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ أَوْ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَهُمَا قُدِّمَ الْأَفْضَلُ لِأَفْضَلِيَّتِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الرَّحْمَةِ لَا بِالْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْوَارِثِ لَهُ كَالْكَفَنِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِ ثُمَّ الْمُتَنَجِّسِ؛ لِأَنَّ طُهْرَهُ لَا بَدَلَ لَهُ ثُمَّ الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ لِعَدَمِ خُلُوِّهِمَا عَنْ النَّجِسِ غَالِبًا وَلِغِلَظِ حَدَثِهِمَا، فَإِنْ اجْتَمَعَا قُدِّمَ أَفْضَلُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْجُنُبِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ، نَعَمْ إنْ كَفَى الْمُحْدِثَ دُونَهُ فَالْمُحْدِثُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ حَدَثُهُ بِكَمَالِهِ دُونَ الْجُنُبِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا فَرَّقَ فِي النَّجَاسَةِ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا فَيُقَدَّمُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى غَيْرِهَا كَمَا تُقَدَّمُ الْحَائِضُ عَلَى الْجُنُبِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَانِعَ النَّجَاسَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَمَانِعُ الْحَيْضِ يَزِيدُ عَلَى مَانِعِ الْجَنَابَةِ (الثَّانِي) مِنْ أَسْبَابِ التَّيَمُّمِ (أَنْ يُحْتَاجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إلَيْهِ) أَيْ الْمَاءِ (لِعَطَشِ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ) مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ حَاجَتُهُ لِذَلِكَ (مَآلًا) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ صَوْنًا لِلرُّوحِ أَوْ غَيْرِهَا عَنْ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا بَدَلَ لَهُ، بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَالْعَطَشُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ مُعْتَبَرٌ بِالْخَوْفِ الْمُعْتَبَرِ فِي السَّبَبِ الْآتِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَيَمَّمَ مَعَ وُجُودِهِ، وَلَوْ تَزَوَّدُوا لِلْمَاءِ وَسَارُوا عَلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، لَا إنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَفْضُلْ مِنْ الْمَاءِ شَيْءٌ، وَلَا إنْ جَدُّوا فِي السَّيْرِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِحَيْثُ لَوْ مَشَوْا عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ فِي الطَّهَارَةِ ثُمَّ يَشْرَبَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافَهُ، وَلَا أَنْ يَشْرَبَ الْمُسْتَعْمَلَ النَّجِسَ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَيَتَطَهَّرَ بِالطَّاهِرِ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ النَّجِسِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّهُ يُكَلَّفُ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعَافُهُ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ حَاجَةَ الْعَطَشِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوُضُوءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثَالًا، وَيُلْحَقُ بِهِ حَاجَةُ الْبَدَنِ لِغَيْرِ الشُّرْبِ كَالِاحْتِيَاجِ لِلْمَاءِ لِعَجْنِ دَقِيقٍ وَلَتِّ سُوَيْقٍ وَطَبْخِ طَعَامٍ بِلَحْمٍ وَغَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَلَا يَدَّخِرُهُ أَيْ الْمَاءَ لِطَبْخٍ وَبَلِّ كَعْكٍ وَفَتِيتٍ اهـ. وَيَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ شِرَاءَ الْمَاءِ لِعَطَشِ بَهِيمَتِهِ الْمُحْتَرَمَةِ عَلَى شِرَائِهِ لِطُهْرِهِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ الْمَاءَ لِعَطَشِ بَهِيمَتِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ بَيْعِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقِيمَةِ فَاشْتَرَاهُ الْعَطْشَانُ كَارِهًا لَزِمَهُ الزَّائِدُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلِلْعَطْشَانِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا إنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لَا أَخْذُهُ مِنْ مَالِكٍ عَطْشَانَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَحَقُّ بِبَقَاءِ مُهْجَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِذَا عَطِشَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَمَعَهُ مَاءٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَتُوبَ (الثَّالِثُ) مِنْ أَسْبَابِ التَّيَمُّمِ (مَرَضٌ يَخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ (عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا أَنْ تَذْهَبَ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ، أَوْ تَنْقُصَ: كَضَعْفِ الْبَصَرِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] الشَّمِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمَرِيضِ يَتَأَذَّى بِالْوُضُوءِ، وَفِي الرَّجُلِ إذَا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ الْقُرُوحِ وَالْجُدَرِيِّ فَيَجْنُبُ فَيَخَافُ إنْ اغْتَسَلَ أَنْ يَمُوتَ فَيَتَيَمَّمُ، إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَالْأَصَحُّ وَقْفُهُ عَلَيْهِ، وَفُهِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ خَوْفَ فَوْتِ النَّفْسِ وَالْعُضْوِ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ كَانَ مَرَضُهُ يَسِيرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ فَخَافَ حُدُوثَ مَرَضٍ مَخُوفٍ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ يَخَافُ شِدَّةُ الضَّنَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: هَذَا إنْ لَمْ يَعْصِ بِالْمَرَضِ، فَإِنْ عَصَى بِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَتُوبَ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " مَرَضٌ " لَيْسَ وُجُودُ الْمَرَضِ شَرْطًا، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَا ذُكِرَ كَمَا تَقَرَّرَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْخَوْفَ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ الْمَرَضِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ قَالَ أَنْ يَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ، كَذَا كَانَ أَوْلَى (وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: أَيْ طُولَ مُدَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْأَلَمُ، وَكَذَا زِيَادَةُ الْعِلَّةِ: وَهُوَ إفْرَاطُ الْأَلَمِ وَكَثْرَةُ الْمِقْدَارِ، وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ (أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ) كَسَوَادٍ كَثِيرٍ (فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ ذَلِكَ فَوْقَ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّهُ يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ وَيُدَوِّمُ ضَرَرَهُ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. وَقِيلَ: مَا لَا يُعَدُّ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ. وَقِيلَ مَا عَدَا الْعَوْرَةَ. وَالشَّيْنُ: الْأَثَرُ الْمُسْتَكْرَهُ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنٍ وَنُحُولٍ وَاسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ: قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ الدِّيَاتِ. وَالثَّانِي لَا يَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّلَفِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا تَفْسِيرُ الْمَرَضِ فِي الْآيَةِ بِاَلَّذِي يُخَافُ مَعَهُ التَّلَفُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ إنْ أَخْبَرَهُ بِكَوْنِهِ يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَبِكَوْنِهِ مَخُوفًا فِيمَا تَقَدَّمَ طَبِيبٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَرَفَ هُوَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَتَيَمَّمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ (1) وَأَقَرَّهُ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي الْأَطْعِمَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا خَافَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُحْضَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْمَيْتَةِ اهـ. وَفَرَّقَ شَيْخِي بِأَنَّ ذِمَّتَهُ هُنَا اشْتَغَلَتْ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَا تَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا كَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَاحِشِ الْيَسِيرُ كَقَلِيلِ سَوَادٍ أَوْ أَثَرِ جُدَرِيٍّ، وَبِالظَّاهِرِ الْفَاحِشُ فِي الْبَاطِنِ فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ. وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْمُتَطَهِّرَ قَدْ يَكُونُ رَقِيقًا فَتَنْقُصُ قِيمَتُهُ نَقْصًا فَاحِشًا فَكَيْفَ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ إبَاحَتِهِ فِيمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ الْمَاءِ إلَّا بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَ حُرًّا فَإِنَّ الْفَلَسَ مَثَلًا أَهْوَنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَشِدَّةُ الْبَرْدِ كَمَرَضٍ وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي عُضْوٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ، وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لِلْجُنُبِ،   [مغني المحتاج] عَلَى النُّفُوسِ مِنْ أَثَرِ الْجُدَرِيِّ عَلَى الْوَجْهِ وَمِنْ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي الْبَاطِنِ لَا سِيَّمَا الشَّابَّةُ الْمَقْصُودَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ. . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخُسْرَانَ فِي الزِّيَادَةِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِهِ فِي نَقْصِ الرَّقِيقِ، وَلِذَا وَجَبَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَخْشَى مِنْهُ الْبَرَصَ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْبَرَصِ غَيْرُ مُحَقَّقٌ وَبِأَنَّ تَفْوِيتَ الْمَاءِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ سَبَبُهُ تَحْصِيلَ الْمَاءِ لَا اسْتِعْمَالَهُ وَلَا لِأَثَرِ نَقْصِ الثَّوْبِ بِبَلِّهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأَمَّا الشَّيْنُ فَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا كَانَ سَبَبُهُ الِاسْتِعْمَالَ، وَالضَّرَرُ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَوْقَ الضَّرَرِ الْمُعْتَبَرِ فِي التَّحْصِيلِ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِطَلَبِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ، وَلَوْ خَافَ خُرُوجَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَا يَتَيَمَّمُ (وَشِدَّةُ الْبَرْدِ) فِي إبَاحَةِ التَّيَمُّمِ (كَمَرَضٍ) إذَا خِيفَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَعْجُوزِ عَنْ تَسْخِينِهِ أَوْ عَمَّا يُدَثِّرُ بِهِ الْأَعْضَاءَ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ مَا تَقَدَّمَ؛ «لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَأَقَرَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ» (1) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ (وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْمَاءِ وُجُوبُهُ (فِي عُضْوٍ) مِنْ مَحَلِّ الطَّهَارَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ) جَزْمًا لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْعِلَّةِ بِلَا طَهَارَةٍ فَيُمِرُّ التُّرَابَ مَا أَمْكَنَ عَلَى مَوْضِعِ الْعِلَّةِ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَعُرِّفَ التَّيَمُّمُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ يُمِرُّ التُّرَابَ عَلَى الْمَحَلِّ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ (وَكَذَا) يَجِبُ (غَسْلُ الصَّحِيحِ) بِقَدْرِ الْإِمْكَانَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «أَنَّهُ غَسَلَ مَعَاطِفَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وَتَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَذَكَرَ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ وَاجِبٌ قَطْعًا، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعَ الْكَسْرِ بِلَا طُهْرٍ. وَقَالَ: لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ الْمُجَاوِرِ لِلْعَلِيلِ فَيُوضَعُ خِرْقَةٌ مَبْلُولَةٌ بِقُرْبِهِ وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهَا لِيَغْسِلَ بِالْمُتَقَاطِرِ مِنْهَا مَا حَوَالَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسِيلَ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ اسْتَعَانَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، فَإِنَّ تَعَذَّرَ فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَقْضِي، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْغَسْلُ. قَالَ: وَفِيهِ نَصٌّ بِالْوُجُوبِ اهـ. فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ لِذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ سَاتِرٍ عَلَى الْعَلِيلِ لِيَمْسَحَ عَلَى السَّاتِرِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا وُجُوبُ ذَلِكَ (وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا) أَيْ التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ الصَّحِيحِ (لِلْجُنُبِ) وَنَحْوِهِ كَالْحَائِضِ، وَكَذَا الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْعَلِيلِ وَالْمُبْدَلُ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ، فَكَذَا بَدَلُهُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ، فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ فَتَيَمُّمَانِ. فَإِنْ كَانَ كَجَبِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ   [مغني المحتاج] وَلَوْ قَالَ: لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا لِلْمُغْتَسَلِ لَشَمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وَجَبَ تَقْدِيمُ غَسْلِ الصَّحِيحِ كَوُجُودِ مَا لَا يَكْفِيهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَاجِزَ هُنَاكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ، وَهُنَا أُبِيحَ لِلْعِلَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، بَلْ النَّصُّ هَهُنَا أَنْ يُنْدَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّيَمُّمِ لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ (فَإِنْ كَانَ) مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ (مُحْدِثًا) حَدَثًا أَصْغَرَ (فَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ) أَيْ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ لِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْعُضْوِ الْمَعْلُولِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ أَصْلًا وَبَدَلًا، وَيُقَدِّمُ مَا شَاءَ مِنْ الْغَسْلِ وَالتَّيَمُّمِ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ، وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى غَسْلِهِ هُنَا أَيْضًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِمَا مَرَّ فِي الْجُنُبِ. وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ كَالْجُنُبِ (فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ) أَيْ الْمُحْدِثِ أَوْ اُمْتُنِعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهِمَا لِغَيْرِ جِرَاحَةٍ (فَتَيَمُّمَانِ) يَجِبَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ لِتَعَدُّدِ الْعَلِيلِ، وَكُلٌّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوٍ، فَإِنْ كَانَ فِي أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ جِرَاحَةٌ، وَلَمْ تَعُمَّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ تَيَمُّمَاتٍ: الْأَوَّلُ لِلْوَجْهِ. وَالثَّانِي: لِلْيَدَيْنِ. وَالثَّالِثُ: لِلرِّجْلَيْنِ، وَالرَّأْسُ يَكْفِي فِيهِ مَسْحُ مَا قَلَّ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ فَأَرْبَعَةٌ، وَإِنْ عَمَّتْ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا فَتَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَمِيعِ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغَسْلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ أَوَّلًا جَازَ تَوَالِي تَيَمُّمَيْهِمَا فَلِمَ لَا يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَنْ عَمَّتْ الْجِرَاحَةُ أَعْضَاءَهُ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا فِي طُهْرٍ تَحَتَّمَ فِيهِ التَّرْتِيبُ، فَلَوْ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ حَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغَسْلِ اهـ. فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْتُهُ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْجِرَاحَ لَوْ عَمَّتْ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ كَفَاهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا لَوْ عَمَّتْهُمَا الرَّأْسُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِسُقُوطِ الْغَسْلِ (فَإِنْ كَانَ) عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهِ سَاتِرٌ (كَجَبِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) لِخَوْفِ مَحْذُورٍ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَكَذَا اللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالشُّقُوقُ الَّتِي فِي الرِّجْلِ إذَا احْتَاجَ إلَى تَقْطِيرِ شَيْءٍ فِيهَا يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ. وَالْجَبِيرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْجِبَارَةُ بِكَسْرِهَا خَشْبٌ أَوْ قَصَبٌ يُسَوَّى وَيُشَدُّ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ أَوْ الْخَلْعِ لِيَنْجَبِرَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَبِيرَةُ مَا كَانَ عَلَى كَسْرٍ، وَاللَّصُوقُ مَا كَانَ عَلَى جَرْحٍ، وَمِنْهُ عِصَابَةُ الْفَصْدِ، وَنَحْوِهَا. وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالسَّاتِرِ لِعُمُومِهِ وَمَثَّلَ بِالْجَبِيرَةِ، وَإِذَا عَسُرَ عَلَيْهِ نَزْعُ مَا ذُكِرَ (غَسَلَ الصَّحِيحَ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ فَاعْتُبِرَ الْإِتْيَانُ فِيهَا بِأَقْصَى الْمُمْكِنِ (وَتَيَمَّمَ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ كُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ عَنْ جَابِرٍ فِي الْمَشْجُوجِ الَّذِي احْتَلَمَ، وَاغْتَسَلَ فَدَخَلَ الْمَاءُ شَجَّتَهُ فَمَاتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 كَمَا سَبَقَ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ بِمَاءٍ، وَقِيلَ بَعْضِهَا. فَإِذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ ثَانٍ وَلَمْ يُحْدِثْ لَمْ يُعِدْ الْجُنُبُ غُسْلًا، وَيُعِيدُ الْمُحْدِثُ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ، وَقِيلَ: يَسْتَأْنِفَانِ،   [مغني المحتاج] (1) (كَمَا سَبَقَ) فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي الْمُحْدِثِ وَتَعَدُّدِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ النَّزْعُ بِلَا خَوْفٍ وَجَبَ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَنُقِلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا سَبَقَ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ صَرَّحَ بِحِكَايَتِهِمَا التَّنْبِيهُ: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ (وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ) الَّتِي يَضُرُّ نَزْعُهَا (بِمَاءٍ) اسْتِعْمَالًا لِلْمَاءِ مَا أَمْكَنَ بِخِلَافِ التُّرَابِ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ مِنْ وَرَاءِ الْحَائِلِ وَلَا يُقَدَّرُ الْمَسْحُ بِمُدَّةٍ، بَلْ لَهُ الِاسْتِدَامَةُ إلَى الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَدْ فِيهِ تَوْقِيتٌ وَلِأَنَّ السَّاتِرَ لَا يُنْزَعُ لِلْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الْخُفِّ فِيهِمَا، وَالتَّيَمُّمُ الْمُتَقَدِّمُ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْعُضْوِ الْعَلِيلِ، وَمَسْحُ السَّاتِرِ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَ أَطْرَافِهِ مِنْ الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّاتِرُ بِقَدْرِ الْعِلَّةِ فَقَطْ أَوْ بِأَزْيَدَ وَغَسَلَ الزَّائِدَ كُلَّهُ لَا يَجِبُ الْمَسْحُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبَ الْمَسْحِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ السَّاتِرَ يَأْخُذُ زِيَادَةً عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ وَلَا يُغْسَلُ (وَقِيلَ) : يَكْفِي مَسْحُ (بَعْضِهَا) كَالْخُفِّ وَالرَّأْسِ وَيَمْسَحُ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ مَتَى شَاءَ، وَالْمُحْدِثُ وَقْتَ غَسْلِ عَلِيلِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ لِيَكْتَفِيَ بِمَا ذُكِرَ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ بِالتَّلَطُّفِ الْمُتَقَدِّمِ وَجَبَ لِخَبَرِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ أَمَسَّ مَا حَوَالَيْ الْجُرْحِ مَاءً بِلَا إفَاضَةٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَصْدُ كَالْجُرْحِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ مَا مَرَّ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ إنْ خَافَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ وَعِصَابَتَهُ كَاللَّصُوقِ وَلِمَا بَيْنَ حَبَّاتِ الْجُدَرِيِّ حُكْمُ الْعُضْوِ الْجَرِيحِ إنْ خَافَ مِنْ غَسْلِهِ مَا مَرَّ، فَإِذَا ظَهَرَ دَمُ الْفَصَادَةِ مِنْ اللَّصُوقِ وَشَقَّ عَلَيْهِ نَزْعُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ مَسْحُهُ، وَيُعْفَى عَنْ هَذَا الدَّمِ الْمُخْتَلَطِ بِالْمَاءِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ عَلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ. قَالَ شَيْخِي: كَوُجُوبِ تَنَحْنُحِ مُصَلِّي الْفَرْضِ حَيْثُ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ الْوَاجِبَةُ (فَإِذَا تَيَمَّمَ) الَّذِي غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي وَأَدَّى فَرِيضَةً (لِفَرْضٍ ثَانٍ) وَثَالِثٍ وَهَكَذَا (وَلَمْ يُحْدِثْ) بَعْدَ طَهَارَتِهِ الْأُولَى (لَمْ يُعِدْ الْجُنُبُ) وَنَحْوُهُ (غَسْلًا) لِمَا غَسَلَهُ وَلَا مَسْحًا لِمَا مَسَحَهُ (وَيُعِيدُ الْمُحْدِثُ) غَسْلَ (مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ غَسْلِ الْعَلِيلِ، وَلَا تَرْتِيبَ فِي حَقِّ الْجُنُبِ بَيْنَ غَسْلِ الْعَلِيلِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ فَإِذَا وَجَبَ إعَادَةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ خَرَجَ ذَلِكَ الْعُضْوُ عَنْ أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ تَامَّةً، فَإِذَا أَتَمَّهَا أَعَادَ مَا بَعْدَهَا كَمَا لَوْ نَسِيَ مِنْهُ لَمْعَةً (وَقِيلَ يَسْتَأْنِفَانِ) أَيْ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ الْغُسْلَ، وَالْمُحْدِثُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا مُخْرَجٌ مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ عَلَى مَاسِحِ الْخُفِّ إذَا نَزَعَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَصْلٍ وَبَدَلٍ، فَإِذَا بَطَلَ الْبَدَلُ بَطَلَ الْأَصْلُ، وَاسْتَغْرَبَ فِي الْمَجْمُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَقِيلَ الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ، قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ   [مغني المحتاج] هَذَا الْوَجْهَ فَقَالَ: اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْغُسْلِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيهِ خِلَافٌ كَالْوُضُوءِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ (وَقِيلَ الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ بَطَلَتْ طَهَارَةُ الْعَلِيلِ، وَطَهَارَةُ الْعَلِيلِ بَاقِيَةٌ إذْ يَتَنَفَّلُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لِضَعْفِهِ عَنْ أَدَاءِ فَرْضٍ ثَانٍ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ لَمْعَةً، فَإِنَّ طَهَارَةَ ذَلِكَ الْعُضْوِ لَمْ تَحْصُلْ (قُلْتُ: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ) لِمَا قُلْنَاهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَيُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّيَمُّمَ فَقَطْ. وَهَلْ إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّدًا هَلْ يُعِيدُهُ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَ تَيَمُّمَاتٍ يُعِيدُهَا كُلَّهَا أَوْ لَا؟ . اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا. قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَ بِالتَّعَدُّدِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، خَرَجَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَا إذَا أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ جَمِيعَ مَا مَرَّ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ أَجْنَبَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ اغْتَسَلَ وَتَيَمَّمَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي إيجَابِ النَّزْعِ مَشَقَّةً، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَتَيَمَّمَ عَنْ جِرَاحَةٍ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ أَدَاءِ فَرِيضَةٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي بِوُضُوئِهِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ وَلَوْ بَرَأَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَوَجَبَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْعُذْرِ، جُنُبًا كَانَ أَوْ مُحْدِثًا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُحْدِثِ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَ مَوْضِعِ الْعُذْرِ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ إعَادَةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ لِبُطْلَانِهِ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ تَامَّ الطُّهْرِ، فَإِذَا أَتَمَّهُ وَجَبَ إعَادَةُ مَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ أَغْفَلَ لَمْعَةً بِخِلَافِ نَحْوِ الْجُنُبِ وَلَا يَسْتَأْنِفَانِ الطَّهَارَةَ، وَبُطْلَانُ بَعْضِهَا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ كُلِّهَا وَلَوْ تَوَهَّمَ الْبُرْءَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا فَرَفَعَ السَّاتِرَ فَبَانَ خِلَافَهُ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ تَوَهُّمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مَاءَ؛ لِأَنَّ تَوَهُّمَهُ يُوجِبُ الطَّالِبَ، وَتَوَهُّمُ الْبُرْءِ لَا يُوجِبُ الْبَحْثَ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأَ كَانْخِلَاعِ الْخُفِّ فَيَشْكُلُ عَلَى مَا هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الصَّحِيحِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا بِأَنْ يَكُونَ اللُّصُوقِ عَلَى قَدْرِ الْجِرَاحَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْعَلِيلُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمِرَّ التُّرَابَ عَلَيْهِ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عُضْوِهِ جَبِيرَتَانِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ رَفْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُمَا جَمِيعًا شَرْطٌ بِخِلَافِ الْجَبِيرَتَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ وَكَيْفِيَّتِهِ] ِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي (يَتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ) وَهُوَ اسْمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 طَاهِرٍ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ لَا بِمَعْدِنِ وَسِحَاقَةِ خَزَفٍ وَمُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ،   [مغني المحتاج] جِنْسٍ، وَقِيلَ: جَمْعٌ وَاحِدَتُهُ تُرَابَةٌ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ التُّرَابِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ طَلْقَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي يَقَعُ ثَلَاثٌ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ (طَاهِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] [الْمَائِدَةُ] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ التُّرَابُ الطَّاهِرُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُرَابٌ لَهُ غُبَارٌ، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] [الْمَائِدَةُ] فَإِنَّ الْإِتْيَانَ بِمِنْ الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ يَقْتَضِي أَنْ يَمْسَحَ بِشَيْءٍ يَحْصُلُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَعْضُهُ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ لَا يَشْتَرِطُ التُّرَابَ بِأَنْ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَضَعَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ لَا يَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ الدُّهْنِ وَمِنْ الْمَاءِ وَمِنْ التُّرَابِ إلَّا مَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَالْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ اهـ. وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي فِيهَا «وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَاسْمُ التُّرَابِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَصْفَرُ وَالْأَعْفَرُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ (حَتَّى مَا) يُؤْكَلُ سَفَهًا، وَهُوَ الْخُرَاسَانِيُّ أَوْ (يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْإِرْمَنِي بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ إذَا سُحِقَ لِوُقُوعِ اسْمِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَالْبَطْحَاءِ وَهُوَ تُرَابٌ بِمَسِيلِ الْمَاءِ فِيهِ دِقَاقُ حَصًى، وَالسَّبِخُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ: وَهُوَ مَا لَا يَنْبُتُ إذَا لَمْ يَعْلُهُ الْمِلْحُ، فَإِنْ عَلَاهُ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَالتُّرَابُ الَّذِي خَرَجَتْ بِهِ أَرْضُهُ مِنْ مَدَرٍ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ، لَا مِنْ خَشَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ وَإِنْ أَشْبَهَهُ، وَلَا أَثَرَ لِلُعَابِهَا الْمُخْتَلَطِ بِالتُّرَابِ، وَلَا أَثَرَ لِتَغَيُّرِ طِينٍ أَسْوَدَ وَلَوْ شُوِيَ وَتَسَوَّدَ؛ لِأَنَّ اسْمَ التُّرَابِ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الشَّيْءِ إلَّا مَا صَارَ رَمَادًا، وَإِنْ انْتَقَضَ مِنْ نَحْوِ كَلْبِ تُرَابٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ تَرَطُّبُهُ عِنْدَ الْتِصَاقِهِ بِهِ بِمَاءٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَقِيقَةً وَأَصَالَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ ذَلِكَ (وَبِرَمْلٍ) لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَلَوْ كَانَ نَاعِمًا (فِيهِ غُبَارٌ) مِنْهُ وَلَوْ بِسَحْقِهِ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ بِرَمْلٍ وَلَوْ نَاعِمًا لَا غُبَارَ فِيهِ أَوْ فِيهِ غُبَارٌ، لَكِنَّ الرَّمْلَ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التُّرَابِ الْمُخْتَلِطِ بِغَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا شَرْطٌ آخَرُ فِي التُّرَابِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، فَإِنْ كَانَ جَرْشًا أَوْ نَدِيًا لَا يَرْتَفِعُ لَهُ غُبَارٌ لَمْ يَكْفِ (لَا بِمَعْدِنِ) بِكَسْرِ الدَّالِ كَنَفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَنُورَةٍ (وَسِحَاقَةِ خَزَفٍ) وَهُوَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ وَيُشْوَى كَالْكِيزَانِ، إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ تُرَابًا. وَمِثْلُهُ سِحَاقَةُ نَحْوِ آجُرٍّ، وَلَا بِتُرَابٍ مُتَنَجِّسٍ كَمَقْبَرَةٍ تُيُقِّنَ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى (وَ) لَا بِتُرَابٍ (مُخْتَلِطٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَزَعْفَرَانٍ وَجِصٍّ لِمَنْعِهِ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِطِ بِرَمْلٍ لَا يَلْصِقُ بِالْعُضْوِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ عُجِنَ التُّرَابُ بِنَحْوِ خَلٍّ فَتَغَيَّرَ بِهِ ثُمَّ جَفَّ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ (وَقِيلَ إنْ قَلَّ الْخَلِيطُ جَازَ) كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا اخْتَلَطَ بِمَائِعٍ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي عَلِقَ بِهِ نَحْوُ الدَّقِيقِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ التُّرَابُ لِكَثَافَتِهِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَطِيفٌ فَيَجْرِي عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْخَلِيطُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 وَلَا بِمُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ، وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ فَرَدَّدَهُ، وَنَوَى لَمْ يُجْزِئْ وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ جَازَ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ عُذْرٌ. وَأَرْكَانُهُ:   [مغني المحتاج] وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ الْإِمَامُ: الْكَثِيرُ مَا يَظْهَرُ فِي التُّرَابِ، وَالْقَلِيلُ مَا لَا يَظْهَرُ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: تُعْتَبَرُ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي الْمَاءِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا (وَلَا ب) تُرَابٍ (مُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ أُدِّيَ بِهِ فَرْضٌ، فَلَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَالْمَاءِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فِي طَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ، فَإِنَّ حَدَثَهُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَهُوَ) أَيْ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ (مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ) حَالَ التَّيَمُّمِ (وَكَذَا مَا تَنَاثَرَ) بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ مَسِّهِ الْعُضْوَ حَالَةَ التَّيَمُّمِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَقْطُوعِ بِهِ كَالْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ. وَالثَّانِي لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ كَثِيفٌ إذَا عَلِقَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْمَحَلِّ مَنَعَ غَيْرَهُ أَنْ يَلْصَقَ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَلْصَقْ بِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ، بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ رَقِيقٌ يُلَاقِي جَمِيعَ الْمَحَلِّ، وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ غَلَطٌ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالصَّحِيحِ أَوْلَى. أَمَّا مَا تَنَاثَرَ، وَلَمْ يَمَسَّ الْعُضْوَ بَلْ لَاقَى مَا لَصَقَ بِالْعُضْوِ فَلَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ قَطْعًا كَالْبَاقِي بِالْأَرْضِ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُتَنَاثِرِ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَعْرَضَ الْمُتَيَمِّمُ عَنْهُ مُرَادُهُ - كَمَا قَالَ شَيْخِي - أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ لَا مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ قَبْلَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ أَنَّهُ يَكْفِي. وَعَلِمَ مَنْ حَصَرَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الْجَمَاعَةُ أَوْ الْوَاحِدُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مَرَّاتٍ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ (وَيُشْتَرَطُ قَصْدُهُ) أَيْ التُّرَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] [الْمَائِدَةُ] أَيْ اقْصِدُوا، فَالْآيَةُ آمِرَةٌ بِالتَّيَمُّمِ: وَهُوَ الْقَصْدُ، وَالنَّقْلُ طَرِيقُهُ (فَلَوْ سَفَتْهُ رِيحٌ عَلَيْهِ) أَيْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ (فَرَدَّدَهُ) عَلَيْهِ (وَنَوَى لِمَا يُجْزِئُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِوُقُوفِهِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ التَّيَمُّمَ لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ مِنْ جِهَتِهِ بِانْتِفَاءِ النَّقْلِ الْمُحَقِّقِ لَهُ، وَالْقَصْدُ الْمَذْكُورُ لَا يَكْفِي هُنَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرَزَ لِلْمَطَرِ فِي الطُّهْرِ بِالْمَاءِ فَانْغَسَلَتْ أَعْضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِيهِ الْغُسْلُ، وَاسْمُهُ مُطْلَقٌ وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (وَلَوْ يُمِّمَ بِإِذْنِهِ) بِأَنْ نَقَلَ الْمَأْذُونُ التُّرَابَ إلَى الْعُضْوِ وَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ (جَازَ) عَلَى النَّصِّ كَالْوُضُوءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْآذِنِ عِنْدَ النَّقْلِ وَعِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمُتَيَمِّمَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا كَمَا لَوْ يَمَّمَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَتَعَرُّضِهِ لِلرِّيحِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) لِجَوَازِ أَنْ يُيَمِّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ (عُذْرٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التُّرَابَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِإِقَامَةِ فِعْلِ مَأْذُونِهِ مَقَامَ فِعْلِهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا (وَأَرْكَانُهُ) أَيْ التَّيَمُّمِ هُنَا خَمْسَةٌ، وَرُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةً فَجَعَلَ التُّرَابَ وَالْقَصْدَ رُكْنَيْنِ وَأَسْقَطَ فِي الْمَجْمُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 نَقْلُ التُّرَابِ فَلَوْ نَقَلَ مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ أَوْ عَكَسَ كَفَى فِي الْأَصَحِّ. ونِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ لَا رَفْعِ حَدَثٍ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] التُّرَابَ وَعَدَّهَا سِتَّةً وَجَعَلَ التُّرَابَ شَرْطًا، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْكِتَابِ، إذْ لَوْ حَسُنَ عَدُّ التُّرَابِ رُكْنًا لَحَسُنَ عَدُّ الْمَاءِ رُكْنًا فِي الطُّهْرِ بِهِ. وَأَمَّا الْقَصْدُ فَدَاخِلٌ فِي النَّقْلِ الْوَاجِبِ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ. الرُّكْنُ الْأَوَّلُ (نَقْلُ التُّرَابِ) إلَى الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَأْذُونِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ عَلَى الْعُضْوِ تُرَابٌ فَرَدَّدَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ لَمْ يَكْفِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْقَصْدِ مَعَ أَنَّ النَّقْلَ الْمَقْرُونَ بِالنِّيَّةِ مُتَضَمِّنٌ لَهُ رِعَايَةً لِلَفْظِ الْآيَةِ (فَلَوْ) تَلَقَّى التُّرَابَ مِنْ الرِّيحِ بِكُمِّهِ أَوْ يَدِهِ وَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَجْزَأَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْحَدَثَ بَعْدَ الضَّرْبِ وَقَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ يَضُرُّ، وَكَذَا الضَّرْبُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي دُخُولِهِ مَعَ أَنَّ الْمَسْحَ بِالضَّرْبِ الْمَذْكُورِ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ التَّمَعُّكِ وَالضَّرْبِ بِمَا عَلَى الْكُمِّ أَوْ الْيَدِ، فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ فِي ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ التُّرَابُ عَلَى يَدَيْهِ ابْتِدَاءً، وَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ تَجْدِيدِهَا لِبُطْلَانِهَا وَبُطْلَانِ النَّقْلِ الَّذِي قَارَنَتْهُ وَلَوْ (نَقَلَ) التُّرَابَ (مِنْ وَجْهٍ إلَى يَدٍ) بِأَنْ حَدَثَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ تُرَابٍ مَسَحَهُ عَنْهُ تُرَابٌ (أَوْ عَكَسَ) أَيْ نَقَلَهُ مِنْ يَدٍ إلَى وَجْهٍ أَوْ نَقَلَهُ مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى أَوْ مِنْ عُضْوٍ وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَمَسَحَهُ بِهِ (كَفَى فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ مُسَمَّى النَّقْلِ. وَالثَّانِي: لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَهُوَ كَالنَّقْلِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ بِالتَّرْدِيدِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ بِالِانْفِصَالِ انْقَطَعَ حُكْمُ ذَلِكَ الْعُضْوِ عَنْهُ بِخِلَافِ تَرْدِيدِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَسَحَ بِمَا سَفَّتْهُ الرِّيحُ عَلَى كُمِّهِ مَثَلًا كَفَى لِوُجُودِ النَّقْلِ (وَ) الرُّكْنُ الثَّانِي: (نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا تَفْتَقِرُ اسْتِبَاحَتُهُ إلَى طَهَارَةٍ كَطَوَافٍ وَحَمْلِ مُصْحَفٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ، إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ. وَأَمَّا مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ فَسَيَأْتِي، وَلَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ ظَانًّا أَنَّ حَدَثَهُ أَصْغَرُ فَبَانَ أَكْبَرَ أَوْ عَكْسُهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُمَا وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَمَّدَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ لِتَلَاعُبِهِ، فَلَوْ أَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ، وَنَسِيَ وَكَانَ يَتَيَمَّمُ وَقْتًا وَيَتَوَضَّأُ وَقْتًا أَعَادَ صَلَاةَ الْوُضُوءِ فَقَطْ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً عِنْدَ جَوَازِهِ فَلَهُ الْإِتْمَامُ أَوْ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ لِعِصْيَانِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ (لَا) نِيَّةَ (رَفْعِ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَدَثُ الَّذِي يَنْوِي رَفْعَهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ، نَحْوِهَا، وَهَذَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَثَ مَنَعَ مُتَعَلِّقُهُ كُلَّ صَلَاةِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً، وَكُلَّ طَوَافٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَنْعُ الْعَامُّ لَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنَّمَا يَرْتَفِعُ بِهِ مَنْعٌ خَاصٌّ، وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ فَرِيضَةٍ فَقَطْ أَوْ وَنَوَافِلَ أَوْ نَوَافِلَ فَقَطْ، وَالْخَاصُّ غَيْرُ الْعَامِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْحَدَثَ الْخَاصَّ صَحَّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَلَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ) أَوْ فَرْضَ الطَّهَارَةِ أَوْ التَّيَمُّمَ الْمَفْرُوضَ أَوْ الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ (لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عَنْ ضَرُورَةٍ فَلَا يُجْعَلُ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ. وَالثَّانِي يَكْفِي كَالْوُضُوءِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ، وَكَذَا اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا أُبِيحَا   [مغني المحتاج] بِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَكْفِيهِ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ بَدَلَ الْغُسْلِ (وَيَجِبُ قَرْنُهَا) أَيْ النِّيَّةِ (بِالنَّقْلِ) الْحَاصِلِ بِالضَّرْبِ إلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ (وَكَذَا) يَجِبُ (اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَسْحِ شَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَلَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِاسْتِحْضَارِهَا عِنْدَهُمَا، وَإِنْ عَزَبَتْ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامٍ لِأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ (1) ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِدَامَةِ كَمَا قَالَ شَيْخِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الزَّمَنَ يَسِيرُ لَا تَعْزُبُ فِيهِ النِّيَّةُ غَالِبًا، بَلْ لَوْ لَمْ يَنْوِ إلَّا عِنْدَ إرَادَةِ مَسْحِ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَجِبُ قَرْنُهَا بِالنَّقْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّقْلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، فَإِنَّ النَّقْلَ الْمُعْتَدَّ بِهِ الْآنَ هُوَ النَّقْلُ مِنْ الْيَدَيْنِ إلَى الْوَجْهِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ الِاسْتِدَامَةُ كَمَا لَوْ قَارَنَتْ نِيَّةُ الْوُضُوءِ أَوَّلَ غَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ نَقَلَ التُّرَابَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنَوَى الْآذِنُ عِنْدَ ضَرْبِ الْمَأْذُونِ لَهُ، وَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْمَسْحِ لَمْ يَضُرَّ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ لَيْسَ بِنَاقِلٍ فَلَا يَبْطُلُ بِحَدَثِهِ، وَالْمَأْمُورَ لَيْسَ بِنَاقِلٍ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَبْطُلَ بِحَدَثِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِحَدَثِ الْآمِرِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنِ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى الْمَفْرُوضَاتِ وَقَارَنَتْ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ كَالتَّسْمِيَةِ وَالسِّوَاكِ فَكَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى بَشَرَةِ امْرَأَةٍ تُنْقَضُ وَعَلَيْهَا تُرَابٌ، فَإِنْ مَنَعَ الْتِقَاءَ الْبَشَرَتَيْنِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُبَاحُ لَهُ بِنِيَّتِهِ، فَقَالَ: (فَإِنْ نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ اسْتِبَاحَتَهُمَا (أُبِيحَا) لَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَعُلِمَ مِنْ تَنْكِيرِهِ الْفَرْضَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِذَا أَطْلَقَ صَلَّى أَيَّ فَرْضٍ شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرَهُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فِي الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَرْضَ الْمَنْوِيَّ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ فَرْضًا وَأَخْطَأَ فِي التَّعْيِينِ كَمَنْ نَوَى فَائِتَةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهْرًا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ عَصْرٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِبَاحَةِ وَاجِبَةٌ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ التَّعْيِينُ، فَإِذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَالْمَيِّتُ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الْوُضُوءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهَا كَمَا لَوْ عَيَّنَ الْمُصَلِّي الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ وَلِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَيَسْتَبِيحُ مَا شَاءَ، وَالتَّيَمُّمُ يُبِيحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 أَوْ فَرْضًا فَلَهُ النَّفَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ نَفْلًا أَوْ الصَّلَاةُ تَنَفَّلَ لَا الْفَرْضُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَسْحُ وَجْهِهِ ثُمَّ يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ.   [مغني المحتاج] وَلَا يَرْفَعُ، فَنِيَّتُهُ صَادَفَتْ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يُسْتَبَاحُ (أَوْ) نَوَى (فَرْضًا فَلَهُ النَّفَلُ) مَعَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَابِعَةٌ، وَإِذَا صَلُحَتْ طَهَارَتُهُ لِلْأَصْلِ فَلِلتَّابِعِ أَوْلَى كَمَا إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ يُعْتَقُ الْحَمْلُ، وَعَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْفَرْضِ فِيهَا قَوْلَانِ، وَالْمُتَأَخِّرَةُ تَجُوزُ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ: وَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لَهُ النَّفَلُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي: لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا. وَالثَّالِثُ: لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُقَدَّمُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ قِيلَ يَسْتَبِيحُ النَّافِلَةَ التَّابِعَةَ لِتِلْكَ الْفَرِيضَةِ دُونَ مَا عَدَاهَا لَمْ يَبْعُدْ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ، وَمَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) نَوَى (نَفْلًا) مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفَرْضِ (أَوْ) نَوَى (الصَّلَاةَ) وَأَطْلَقَ (تَنَفَّلَ) أَيْ لَهُ فِعْلُ النَّفْلِ الْمَنْوِيِّ وَغَيْرِهِ (لَا الْفَرْضُ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِيهِمَا. أَمَّا فِي الْأُولَى: فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَصْلٌ، وَالنَّفَلُ تَابِعٌ فَلَا يُجْعَلُ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا. وَالثَّانِي: يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ: فَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ نَفْلًا، وَالثَّانِي: يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ فَيَسْتَبِيحُهُمَا كَمَا لَوْ نَوَاهُمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِلْعُمُومِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: لَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَالْأَقْوَالُ تَحَصَّلَتْ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَطَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ فِي الثَّانِيَةِ بِالْجَوَازِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى بِعَدَمِهِ، فَسَاغَ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَذْهَبِ. وَالرَّافِعِيُّ حَكَى الْخِلَافَ فِي الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ حَمْلَ الْمُصْحَفِ أَوْ سُجُودَ التِّلَاوَةِ أَوْ الشُّكْرَ أَوْ نَوَى نَحْوُ الْجُنُبِ الِاعْتِكَافَ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ الْحَائِضُ اسْتِبَاحَةَ الْوَطْءِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَنِيَّةِ النَّفْلِ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ وَلَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى إذَا تَيَمَّمَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا جَازَ لَهُ فِعْلُ الْبَقِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَالتَّيَمُّمِ لِلْفَرْضِ. وَالثَّالِثُ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ لَا، فَعَلَى الصَّحِيحِ يَسْتَبِيحُ مَعَهَا النَّفَلَ لَا الْفَرْضَ وَيَسْتَبِيحُهَا بِالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ، وَلَوْ نَوَى فَرِيضَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ أَوْ فَائِتَةً وَمُؤَدَّاةً، أَوْ مَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مَنْذُورَةً وَفَرِيضَةً أُخْرَى صَحَّ تَيَمُّمُهُ لِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضَيْنِ فَقَدْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضٍ (وَ) الرُّكْنُ الثَّالِثُ (مَسْحُ وَجْهِهِ) حَتَّى ظَاهِرِ مُسْتَرْسِلِ لِحْيَتِهِ وَالْمُقْبِلِ مِنْ أَنْفِهِ عَلَى شَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] [الْمَائِدَةُ] وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (ثُمَّ) مَسَحَ (يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ) عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيعَابِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا عُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ، إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وَلَا يَجِبُ إيصَالَهُ مَنْبَتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَلَا تَرْتِيبَ فِي نَقْلِهِ فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ. وَتُنْدَبُ التَّسْمِيَةُ وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] وَالْقَدِيمُ يَكْفِي مَسْحُهُمَا إلَى الْكُوعَيْنِ، وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْقِيحِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّهُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُهُ اهـ. وَهَذَا مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَإِلَّا فَالْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ مَا فِي الْمَتْنِ. وَالرُّكْنُ الْخَامِسُ: التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ ثَمَّ، وَلِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَوْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ وُضُوءٍ مُجَدَّدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي الْغُسْلِ وَوَجَبَ فِي التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْغُسْلَ لِمَا وَجَبَ فِيهِ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ صَارَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَالتَّيَمُّمُ يَجِبُ فِي عُضْوَيْنِ فَقَطْ فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ (وَلَا يَجِبُ إيصَالَهُ) أَيْ التُّرَابِ (مَنْبَتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فَالْكَثِيفُ أَوْلَى (وَلَا تَرْتِيبَ) وَاجِبٌ (فِي نَقْلِهِ) أَيْ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوَيْنِ (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ (فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ) التُّرَابَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ضَرَبَ الْيَمِينَ قَبْلَ الْيَسَارِ (وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ) أَوْ عَكَسَ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ الْمَسْحُ وَالنَّقْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْمَسْحِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاطِ فِي الْمَسْحِ الِاشْتِرَاطُ فِي وَسِيلَتِهِ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ لِعُضْوٍ مُعَيَّنٍ يَمْسَحُهُ: أَيْ أَوْ يُطْلِقُ، فَلَوْ أَخَذَ التُّرَابَ لِيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ مَسَحَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بِذَلِكَ التُّرَابِ يَدَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ لِيَدَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ مَسَحَ الْوَجْهَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ بَعْضِ سُنَنِهِ، فَقَالَ (وَتُنْدَبُ) لِلْمُتَيَمِّمِ وَلَوْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ (التَّسْمِيَةُ) أَوَّلَهُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (وَمَسْحُ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ بِضَرْبَتَيْنِ) لِوُرُودِهِمَا فِي الْأَخْبَارِ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِالضَّرْبَةِ إذَا حَصَلَ بِهَا التَّعْمِيمُ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ إيصَالُ التُّرَابِ وَقَدْ حَصَلَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ ضَرْبَتَيْنِ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِضَرْبَةٍ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا) بِأَنْ يَأْخُذَ خِرْقَةً كَبِيرَةً فَيَضْرِبَهَا ثُمَّ يَمْسَحَ بِبَعْضِهَا وَجْهَهُ وَبِبَعْضِهَا يَدَيْهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ مَسَحَ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِأُخْرَى ذِرَاعَيْهِ» لَكِنَّ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَالثَّانِي فِيهِ رَاوٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَمَعَ هَذَا صَحَّحَ وُجُوبَ الضَّرْبَتَيْنِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ غَالِبًا لَا يَتَأَتَّى بِدُونِهِمَا فَأَشْبَهَا الْأَحْجَارَ الثَّلَاثَةَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ قِيلَ: يُسْتَحَبُّ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ لِكُلِّ عُضْوٍ ضَرْبَةٌ، فَلَوْ جَازَ أَيْضًا النُّقْصَانُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْعَدَدِ. فَائِدَةٌ: فَإِنْ قِيلَ فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ وَأَعْلَى وَجْهِهِ. وَيُخَفِّفُ الْغُبَارَ. وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ. قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ، وَيُنْدَبُ   [مغني المحتاج] رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ صُورَةِ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ، لَا بَيَانُ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي عَلَى مَرَّتَيْنِ: أَيْ إنْ حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا وَإِلَّا لَمْ تُكْرَهْ بَلْ تَجِبُ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ بِنَحْوِ خِرْقَةٍ ضَرْبَةً وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَّا جُزْءًا مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَأُصْبُعٍ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى وَمَسَحَ بِهَا ذَلِكَ الْجُزْءَ أَنَّهُ يَكْفِي لِوُجُودِ الضَّرْبَتَيْنِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ يُخَالِفُهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الضَّرْبُ، فَلَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تُرَابٍ نَاعِمٍ وَعَلِقَ بِهِمَا غُبَارٌ كَفَى، فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى وُجُوبِ ضَرْبَتَيْنِ تَصْحِيحُ جَوَازِ التَّمَعُّك بِالتُّرَابِ (وَيُقَدِّمُ) نَدْبًا (يَمِينَهُ) عَلَى يَسَارِهِ (وَأَعْلَى وَجْهِهِ) عَلَى أَسْفَلِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِأَسْفَلِهِ ثُمَّ يَسْتَعْلِي وَفَارَقَ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَنْحَدِرُ بِطَبْعِهِ فَيَعُمُّ الْوَجْهَ، وَالتُّرَابُ لَا يَجْرِي إلَّا بِإِمْرَارِهِ بِالْيَدِ، فَيَبْدَأُ بِأَسْفَلِ وَجْهِهِ لِيُقِلَّ مَا يَحْصُلُ فِي أَعْلَاهُ مِنْ الْغُبَارِ، فَيَكُونُ أَسْلَمَ لِعَيْنَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْبَابَ فِي الْبُدَاءَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ دُونَ شَيْءٍ اهـ وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ ذِكْرَ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ عَلَيْهَا فِي الدَّقَائِقِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ شَيْئًا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَصُورَتُهَا: أَنْ يَضَعَ بُطُونَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى سِوَى الْإِبْهَامِ عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى سِوَى الْإِبْهَامِ بِحَيْثُ لَا تَخْرُجُ أَنَامِلُ الْيُمْنَى عَنْ مُسَبَّحَةِ الْيُسْرَى وَلَا مُسَبَّحَةُ الْيُمْنَى عَنْ أَنَامِلِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُمْنَى، فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ ضَمَّ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ إلَى حَرْفِ الذِّرَاعِ وَيُمِرُّهَا إلَى الْمِرْفَقِ ثُمَّ يُدِيرُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى بَطْنِ الذِّرَاعِ فَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ رَافِعًا إبْهَامَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ أَمَرَّ إبْهَامَ الْيُسْرَى عَلَى إبْهَامِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْيُسْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَيُمِرُّ التُّرَابُ عَلَى الْعُضْوِ كَالْوُضُوءِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيُخَفِّفُ الْغُبَارَ) مِنْ كَفَّيْهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا إنْ كَانَ كَثِيرًا بِالنَّفْضِ أَوْ النَّفْخِ بِحَيْثُ يَبْقَى قَدْرُ الْحَاجَةِ لِخَبَرِ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَلِئَلَّا تَتَشَوَّهَ بِهِ خِلْقَتُهُ. أَمَّا مَسْحُ التُّرَابِ مِنْ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ فَالْأَحَبُّ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَمُوَالَاةُ التَّيَمُّمِ كَالْوُضُوءِ) فَيَأْتِي فِيهِ الْقَوْلَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا هُنَاكَ الْجَفَافَ اعْتَبَرْنَاهُ هُنَا أَيْضًا بِتَقْدِيرِهِ مَاءً، وَتُسَنُّ الْمُوَالَاةُ أَيْضًا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا، وَتَجِبُ الْمُوَلَّاةُ بِقِسْمَيْهَا فِي تَيَمُّمٍ دَائِمِ الْحَدَثِ كَمَا تَجِبُ فِي وُضُوئِهِ تَخْفِيفًا لِلْمَانِعِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَتَكَرَّرُ، وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ بِالْمُوَالَاةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ شَبَّهَ التَّيَمُّمَ بِالْوُضُوءِ (قُلْتُ: وَكَذَا الْغُسْلُ) أَيْ تُسَنُّ مُوَالَاتُهُ كَالْوُضُوءِ (وَيُنْدَبُ) أَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ الْمَاسِحَةَ عَنْ عُضْوٍ قَبْلَ تَمَامِهِ مَسْحًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بِالْمَاسِحَةِ يَصِيرُ بِالْفَصْلِ مُسْتَعْمَلًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا، وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] هُوَ الْبَاقِي بِالْمَمْسُوحَةِ. وَأَمَّا الْبَاقِي بِالْمَاسِحَةِ فَفِي حُكْمِ التُّرَابِ الَّذِي تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْيَدُ مَرَّتَيْنِ، وَيُسَنُّ (تَفْرِيقُ أَصَابِعِهِ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ الضَّرْبِ فِي الضَّرْبَتَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ إثَارَةِ الْغُبَارِ بِاخْتِلَافِ مَوَاقِعِ الْأَصَابِعِ إذَا تَفَرَّقَتْ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلْيَسْتَغْنِ بِالْوَاصِلِ عَنْ الْمَسْحِ بِمَا عَلَى الْكَفِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى عَدَمُ صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ بِمَنْعِ الْغُبَارِ الْحَاصِلِ فِيهَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وُصُولُ الْغُبَارِ فِي الثَّانِيَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ وُجُوبِ تَرْتِيبِ النَّقْلِ كَمَا مَرَّ، فَحُصُولِ التُّرَابِ الثَّانِي إنْ لَمْ يُزِدْ الْأَوَّلَ قُوَّةً لَمْ يُنْقِصْهُ، وَأَيْضًا الْغُبَارُ عَلَى الْمَحَلِّ لَا يَمْنَعُ الْمَسْحَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَشِيَهُ غُبَارُ السَّفَرِ لَا يُكَلَّفُ نَفْضُهُ لِلتَّيَمُّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ يُكَلَّفُ نَفْضُ التُّرَابِ مَحْمُولٌ عَلَى تُرَابٍ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحَلِّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَيُنْدَبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِهِ بَعْدَ مَسْحِ الْيَدَيْنِ احْتِيَاطًا، وَيَجِبُ إنْ لَمْ يُفَرِّقْ أَصَابِعَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي حُصُولِ الْمَسْحِ، وَيُنْدَبُ مَسْحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى كَمَا مَرَّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُمَا تَأَدَّى بِضَرْبِهِمَا بَعْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا جَازَ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِتُرَابِهِمَا لِعَدَمِ انْفِصَالِهِ وَلِلْحَاجَةِ إذْ لَا يُمْكِنُ مَسْحُ الذِّرَاعِ بِكَفِّهَا فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِنَقْلِ الْمَاءِ تَقَاذُفَهُ الَّذِي يَغْلِبُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُرَادُهُ بِلَا شَكٍّ (وَيَجِبُ نَزْعُ خَاتَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا يَكْفِي تَحْرِيكُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ كَثِيفٌ لَا يَسْرِي إلَى مَا تَحْتَ الْخَاتَمِ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَافْهَمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْأُولَى، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِيَكُونَ مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ بِالْيَدِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ، وَإِيجَابُ النَّزْعِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمَسْحِ لَا عِنْدَ النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ الثَّانِي، وَإِيجَابُهُ لَيْسَ لِعَيْنِهِ، بَلْ لِإِيصَالِ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى غَالِبًا إلَّا بِالنَّزْعِ، فَإِنْ فُرِضَ وُصُولُهُ إلَى مَا تَحْتَهُ لِوُسْعِهِ مَثَلًا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَالْخَاتَمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] [الْأَحْزَابَ] قُرِئَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ خَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ وَخَتَمٌ بِفَتْحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَخِتَامٌ عَلَى وَزْنِ كِتَابٍ، وَيُسَنُّ عَدَمُ تَكْرَارِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهِ تَخْفِيفُ التُّرَابِ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَقِبَهُ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ كَالْوُضُوءِ فِيهِمَا، وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ النَّجِسَةِ لَمْ يَجُزْ كَالْمَسْحِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَصِحُّ غَسْلُهَا عَنْ الْحَدَثِ مَعَ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ، وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَتَقَدَّمَ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وُجُوبُ تَقْدِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى التَّيَمُّمِ، وَيَجِبُ أَيْضًا تَقْدِيمُ إزَالَةِ نَجِسٍ بِبَاقِي الْبَدَنِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ. وَلَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ. وَيَصِحُّ تَيَمُّمُ الْعُرْيَانِ وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى السُّتْرَةِ وَالتَّيَمُّمُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ كَتَيَمُّمِ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّحَّةِ مَعَ الْعُرْيِ بِأَنَّ السِّتْرَ أَخَفُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَ إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ كَعَطَشٍ. أَوْ فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ بِهِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ،   [مغني المحتاج] مِنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِهَا مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ هَذَا، وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ كَصِحَّتِهِ قَبْلَ السِّتْرِ، وَيُفَارِقُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهَا، وَلِهَذَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَالتَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ لَا يَسْتَلْزِمُ اتِّحَادَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي التَّرْجِيحِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ التَّيَمُّمِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: مَا يُبْطِلُهُ غَيْرُ الْحَدَثِ الْمُبْطِلِ لَهُ، وَقَدْ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (وَمَنْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ فَوَجَدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ بَطَلَ) تَيَمُّمُهُ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِخَبَرِ أَبِي ذَرٍّ «التُّرَابُ كَافِيكَ، وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَك» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (1) وَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْمَقْصُودِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ وَوُجُودِ ثَمَنِ الْمَاءِ عِنْدَ إمْكَانِ شِرَائِهِ كَوُجُودِ الْمَاءِ، وَكَذَا تَوَهُّمُ الْمَاءِ، وَإِنْ زَالَ سَرِيعًا لِوُجُوبِ طَلَبِهِ بِخِلَافِ تَوَهُّمِهِ السُّتْرَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ وِجْدَانِهَا بِالطَّلَبِ لِلْبُخْلِ بِهَا، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَيْضًا الرِّدَّةُ كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَمِنْ التَّوَهُّمِ رُؤْيَةُ سَرَابٍ وَهُوَ مَا يُرَى نِصْفَ النَّهَارِ كَأَنَّهُ مَاءٌ أَوْ رُؤْيَةُ غَمَامَةٍ مُطْبِقَةٍ بِقُرْبِهِ أَوْ رُؤْيَةُ رَكْبٍ طَلَعَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ الْمَاءُ، فَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ لِغَائِبٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِعِلْمِهِ بِالْمَاءِ قَبْلَ الْمَانِعِ، أَوْ يَقُولُ عِنْدِي لِغَائِبٍ مَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ لِمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ وُجُودَ الْمَاءِ، وَلَوْ قَالَ: عِنْدِي لِحَاضِرٍ مَاءٌ وَجَبَ طَلَبُهُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ مَاءٌ وَلَمْ يَعْلَمْ السَّامِعُ غَيْبَتَهُ وَلَا حُضُورَهُ وَجَبَ السُّؤَالُ عَنْهُ أَيْ وَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الطَّلَبِ يُبْطِلُهُ، وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ: عِنْدِي مَاءٌ وَرَدَ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَعَرَّضَ لَهُ وَجَزَمَ بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَوُجُودُ مَا ذُكِرَ قَبْلَ تَمَامِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا. فَإِنْ قُلْت: هَلَّا كَانَ وُجُودُ الْمَاءِ كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَكَحَيْضِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْأَشْهُرَ مَقْصُودَانِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ. أَمَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا فَلَا بُطْلَانَ بِتَوَهُّمٍ أَوْ شَكٍّ أَوْ ظَنٍّ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ التَّيَقُّنِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لِفَقْدِ مَاءٍ عَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَلَا أَثَرَ لِوُجُودِهِ وَإِنَّمَا يُبْطِلُهُ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ تَوَهُّمُهُ (إنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ) يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ (كَعَطَشٍ) وَسَبُعٍ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ، وَالْحَالَةَ هَذِهِ كَالْعَدَمِ. (أَوْ) إنْ وَجَدَهُ (فِي صَلَاةٍ لَا تَسْقُطُ) أَيْ لَا يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ صَلَّى فِي مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) إذْ لَا فَائِدَةَ بِالِاشْتِغَالِ بِهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا، وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَيُعِيدُهَا، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فَالْخِلَافُ كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وَإِنْ أَسْقَطَهَا فَلَا، وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَطْعَهَا لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ.   [مغني المحتاج] الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ، فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالصَّحِيحِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجْهُ الْبُطْلَانِ لِلتَّيَمُّمِ لَكَانَ أَوْلَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهَا بُطْلَانُهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي بُطْلَانِهِ لَا فِي بُطْلَانِهَا (وَإِنْ أَسْقَطَهَا) أَيْ أَسْقَطَ التَّيَمُّمُ قَضَاءَهَا (فَلَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْمَقْصُودِ فَكَانَ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ لَيْسَ حَدَثًا. لَكِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ كَالْمُصَلِّي بِالْخُفِّ يَتَخَرَّقُ فِيهَا، إذْ لَا يَجُوزُ افْتِتَاحُهَا مَعَ تَخَرُّقِهِ بِحَالٍ وَلِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ، وَلَا كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَتَحِيضُ فِيهَا لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فِيهِمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرْضِ كَظُهْرٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَالنَّفَلِ كَعِيدٍ وَوِتْرٍ (وَقِيلَ يَبْطُلُ النَّفَلُ) لِقُصُورِ حُرْمَتِهِ عَنْ حُرْمَةِ الْفَرْضِ، إذْ الْفَرْضُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ بِخِلَافِ النَّفْلِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، كَمَا لَوْ قَلَّدَ الْأَعْمَى غَيْرَهُ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ أَبْصَرَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ مَعَ أَنَّ الضَّرُورَةَ زَالَتْ فِيهِمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا قَدْ فَرَغَ مِنْ الْبَدَلِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُقَلِّدٌ، وَلَوْ رَأَى الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاصِرٌ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِتْمَامَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِقَامَةِ فِي الْأُولَى وَلِحُدُوثِ مَا لَمْ يَسْتَبِحْهُ فِيهَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ كَافْتِتَاحِ صَلَاةٍ أُخْرَى وَانْدَفَعَ بِتَصْوِيرِ الْأُولَى بِالْقَصْرِ كَالثَّانِيَةِ مَا اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إنْ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، أَوْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ عَدَمُهُ فَلَا وَإِنْ نَوَاهَا فَلَا تَأْثِيرَ لِنِيَّتِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَاتَانِ الصُّورَتَانِ وَارِدَتَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ شَرَعَ فِيهِمَا فِي مَحَلٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَسْقَطَهَا أَخْرَجَ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ صَارَتْ مِمَّا لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ، وَخَرَجَ بِعِنْدَ رُؤْيَةُ الْمَاءِ مَا لَوْ تَأَخَّرَتْ رُؤْيَتُهُ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ الْإِتْمَامِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَارَنَتْ الرُّؤْيَةُ الْإِقَامَةَ أَوْ الْإِتْمَامَ هَلْ هِيَ كَالْمُتَقَدِّمَةِ فَتَضُرُّ أَوْ كَالْمُتَأَخِّرَةِ فَلَا تَضُرُّ؟ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِعِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ كَمَا عَبَّرْت بِهِ تَبَعًا لِابْنِ الْمُقْرِي الْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَمُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِبَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ الْمُقَارَنَةِ الْمَانِعِ، وَشِفَاءِ الْمَرِيضِ مِنْ مَرَضِهِ فِي الصَّلَاةِ: كَوِجْدَانِ الْمُسَافِرِ الْمَاءَ فِيهَا فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ مِمَّا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ كَأَنْ تَيَمَّمَ وَقَدْ وَضَعَ الْجَبِيرَةَ عَلَى حَدَثٍ بَطَلَتْ (وَالْأَصَحُّ إنْ قَطَعَهَا) أَيْ الْفَرِيضَةَ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ (لِيَتَوَضَّأَ) وَيُصَلِّيَ بَدَلَهَا (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهَا فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا كَوُجُودِ الْمُكَفِّرِ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ، وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ إتْمَامَهَا إلَّا إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَالَ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالثَّانِي الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيهِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] [مُحَمَّدُ] وَقِيلَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْلِبَ فَرْضَهُ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ. أَمَّا النَّفَلُ فَقَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ أَفْضَلُ جَزْمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وَأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ إلَّا مَنْ نَوَى عَدَدًا فَيُتِمُّهُ. وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ،   [مغني المحتاج] 1 - فُرُوعٌ: لَوْ يُمِّمَ مَيِّتٌ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَمْ بَعْدَهَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ وَمَا قَالَهُ مَحَلُّهُ فِي الْحَضَرِ. أَمَّا فِي السَّفَرِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَالْحَيِّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي تَلْقِينِهِ، لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْوِجْدَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَعُلِمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَغَيْرِهَا وَأَنَّ تَيَمُّمَ الْمَيِّتِ كَتَيَمُّمِ الْحَيِّ. وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِسَلَامِهِ مِنْهَا، وَإِنْ عَلِمَ تَلَفَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَعُفَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَكَانَ مُقْتَضَاهُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَكِنْ خَالَفْنَاهُ لِحُرْمَتِهَا، وَيُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ ، وَلَوْ رَأَتْ حَائِضٌ تَيَمَّمَتْ لِفَقْدِ الْمَاءِ - الْمَاءَ وَهُوَ يُجَامِعُهَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَوَجَبَ النَّزْعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِبُطْلَانِ طُهْرِهَا، وَلَوْ رَآهُ هُوَ دُونَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ النَّزْعُ لِبَقَاءِ طُهْرِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ وُجُوبِ النَّزْعِ. وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةٍ قَدْ تَيَمَّمَ لَهَا بَطَلَ تَيَمُّمَهُ بِالرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ أَنَوَى قِرَاءَةَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ أَمْ لَا لِبُعْدِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ) الْوَاجِدَ لِلْمَاءِ فِي صَلَاتِهِ الَّذِي لَمْ يَنْوِ قَدْرًا (لَا يُجَاوِزُ رَكْعَتَيْنِ) بَلْ يُسَلِّمُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْأَحَبُّ وَالْمَعْهُودُ فِي النَّفْلِ. هَذَا إذَا رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلثَّالِثَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَإِلَّا أَتَمَّ مَا هُوَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ كَمَا لَهُ تَطْوِيلُ الْأَرْكَانِ، وَقِيلَ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَمْلَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا (إلَّا مَنْ نَوَى) شَيْئًا (عَدَدًا) أَوْ رَكْعَةً (فَيُتِمُّهُ) لِانْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمَكْتُوبَةَ الْمُقَدَّرَةَ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَافْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بِدَلِيلِ افْتِقَارِهَا إلَى قَصْدٍ جَدِيدٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْته لِيَشْمَلَ الرَّكْعَةَ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْدَأُ الْعَدَدِ، وَلَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ. قَالَ الْفُورَانِيُّ: إنْ قُلْنَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَكَالصَّلَاةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ فَقَالَ (وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِكُلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] [الْمَائِدَةُ] وَالتَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْهُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ» فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ ". وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً، وَمِثْلُ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ فَرْضُ الطَّوَافِ، وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بَيْنَ طَوَافَيْنِ مَفْرُوضَيْنِ وَبَيْنَ طَوَافِ فَرْضٍ وَفَرْضِ صَلَاةٍ، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا عَلَى مَا رَجَّحَاهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ أُلْحِقَتْ بِفَرْضِ الْعَيْنِ، إذْ قِيلَ إنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَمَعَ بَيْنَ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ بِتَيَمُّمٍ، وَهُمَا فَرْضَانِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَفْعَلُ بِتَيَمُّمٍ غَيْرَ فَرْضٍ كَانَ أَوْلَى لِيَعُمَّ الطَّوَافَيْنِ وَالطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَالصَّبِيُّ لَا يُؤَدِّي بِتَيَمُّمِهِ غَيْرَ فَرْضٍ كَالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ مَا يُؤَدِّيهِ كَالْفَرْضِ فِي النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا. نَعَمْ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ ثُمَّ بَلَغَ لَمْ يُصَلِّ بِهِ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ كَمَا صَحَّحَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 وَيَتَنَفَّلُ مَا شَاءَ، وَالنَّذْرُ كَفَرْضٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ مَعَ فَرْضٍ   [مغني المحتاج] فِي التَّحْقِيقِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جُعِلَ كَالْبَالِغِ فِي أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بِتَيَمُّمٍ فَرْضَيْنِ وَلَا يُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ إذَا بَلَغَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلْفَرْضِ الثَّانِي وَيَتَيَمَّمُ إذَا بَلَغَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الِاحْتِيَاطِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ تَمْكِينُ الْحَائِضِ مِنْ الْوَطْءِ مِرَارًا، وَجَمْعُهَا بَيْنَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ، وَقَوْلُ الدَّمِيرِيِّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمُتَيَمِّمُ لِلْجَنَابَةِ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ إذَا تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ فَرَائِضَ ضَعِيفٌ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ عَنْ صَاحِبِ الْمِصْبَاحِ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ مَانِعَةٌ (وَيَتَنَفَّلُ) مَعَ الْفَرِيضَةِ وَبِدُونِهَا بِتَيَمُّمٍ (مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَيُؤَدِّي إيجَابُ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهَا إلَى التَّرْكِ أَوْ إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ فَخُفِّفَ فِي أَمْرِهَا كَمَا خُفِّفَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ، وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ صَلَاةٍ دَخَلَ فِيهَا فَلَهُ جَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهَا نَفْلٌ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا جَمَاعَةً بِهِ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَفَّافُ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ ثُمَّ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْجَبْنَاهَا فِي الْوَقْتِ وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا كَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ، وَلَهُ أَنْ يُعِيدَهَا بِتَيَمُّمِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَإِنْ وَقَعَتْ نَفْلًا فَالْإِتْيَانُ بِهَا فَرْضٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَمَعَهُمَا بِتَيَمُّمٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَالْمَنْسِيَّةِ مِنْ خَمْسٍ يَجُوزُ جَمْعُهَا بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ كَانَتْ فُرُوضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِالذَّاتِ وَاحِدَةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ لِمَا ذُكِرَ (وَالنَّذْرُ) بِالْمُعْجَمَةِ (كَفَرْضٍ) عَيْنِيٍّ (فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَيُّنِهِ عَلَى النَّاذِرِ فَأَشْبَهَ الْمَكْتُوبَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ مَعَ فَرْضٍ آخَرَ مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِعَارِضٍ فَلَا يَلْحَقُ بِالْفَرْضِ الْأَصْلِيِّ فَلَهُ مَا ذُكِرَ، وَلَوْ تَعَيَّنَ عَلَى ذِي حَدَثٍ أَكْبَرَ تَعَلُّمُ فَاتِحَةٍ أَوْ حَمْلُ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: كَحَائِضٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا، وَأَرَادَ الزَّوْجُ وَطَأْهَا وَتَيَمَّمَ مَنْ ذُكِرَ لِفَرِيضَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ مَعَهَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ كَالْمَنْذُورِ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ جَنَائِزَ) أَوْ جِنَازَتَيْنِ أَوْ جِنَازَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى (مَعَ فَرْضٍ) بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ، فَهِيَ كَالنَّفْلِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْقِيَامُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ قِوَامُهَا لِعَدَمِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِيهَا فَتَرْكُهُ يَمْحَقُ صُورَتَهَا، وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْفَرْضُ بِالْفَرْضِ أَشْبَهُ، وَالثَّالِثُ إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ صَحَّتْ كَالنَّفْلِ، وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَلَا كَالْفَرْضِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ مُرَادُهُ إذَا تَيَمَّمَ لِفَرْضٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ ذَلِكَ الْفَرْضَ وَيُصَلِّيَ مَعَهُ أَيْضًا عَلَى جَنَائِزَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْجِنَازَةَ لِأَنَّهَا كَالنَّفْلِ كَمَا مَرَّ، وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَصَّلَ تَفْصِيلًا غَرِيبًا فَقَالَ: صَلَاةُ الْجِنَازَةِ رُتْبَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ: أَيْ فَيُصَلِّي بِتَيَمُّمِ الْفَرِيضَةِ الْجِنَازَةَ وَبِتَيَمُّمِ الْجِنَازَةِ النَّافِلَةَ وَلَا يُصَلِّي بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ الْجِنَازَةَ وَلَا بِتَيَمُّمِ الْجِنَازَةِ الْفَرِيضَةَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ صَحِيحٌ فِي الْبَاقِي. (وَ) الْأَصَحُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وَأَنَّ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ. وَإِنْ نَسِيَ مُخْتَلِفَتَيْنِ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ، وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ أَرْبَعًا وَلَاءً، وَبِالثَّانِي أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا.   [مغني المحتاج] وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (أَنَّ مَنْ نَسِيَ إحْدَى الْخَمْسِ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ، وَإِذَا أَرَادَ صَلَاتَهُنَّ بِالتَّيَمُّمِ (كَفَاهُ تَيَمُّمٌ لَهُنَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِنَّ وَاحِدَةٌ وَالْبَاقِي وَسِيلَةٌ، وَلَوْ قَدَّمَ لَهُنَّ عَلَى تَيَمُّمٍ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ إذَا نَوَى بِهِ الْخَمْسَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لِلْمَنْسِيَّةِ وَيُصَلِّي بِهِ الْخَمْسَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ عَلِقَ لَهُنَّ بِتَيَمُّمٍ، فَإِنْ عُلِّقَ بِكَفَاهُ وَهُوَ أَوْلَى زَالَ التَّوَهُّمَ، وَالثَّانِي: يَجِبُ خَمْسُ تَيَمُّمَاتٍ لِوُجُوبِ الْخَمْسِ، وَلَوْ تَرَدَّدَ هَلْ تَرَكَ طَوَافَ فَرْضٍ أَوْ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ صَلَّى الْخَمْسَ وَطَافَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِمَا مَرَّ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ أَنَّ ذِمَّتَهُ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِالْجَمِيعِ، وَأَغْرَبَ الْمُزَنِيّ فَقَالَ: يَنْوِي الْفَائِتَةَ وَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَيَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْأَخِيرَةِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ آتِيًا بِمَا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ وَيُعْذَرُ فِي زِيَادَةِ الْقُعُودِ وَتَرَدُّدِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَجْلِ ذَلِكَ اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ يَجْهَرُ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الصَّلَوَاتِ جَهْرِيَّةٌ، وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ. (وَإِنْ نَسِيَ) مِنْهُنَّ صَلَاتَيْنِ وَعَلِمَ كَوْنَهُمَا (مُخْتَلِفَتَيْنِ) كَصُبْحٍ وَظُهْرٍ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُمَا مِنْ يَوْمٍ أَوْ مِنْ يَوْمَيْنِ فَإِنْ شَاءَ (صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ) مِنْهُنَّ (بِتَيَمُّمٍ) فَيُصَلِّي الْخَمْسَ بِخَمْسِ تَيَمُّمَاتٍ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ (وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ مَرَّتَيْنِ وَصَلَّى بِالْأَوَّلِ) مِنْ التَّيَمُّمَيْنِ (أَرْبَعًا) وَقَوْلُهُ (وَلَاءً) كَالصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ مِثَالٌ لَا شَرْطٌ، وَقَوْلُهُ (وَبِالثَّانِي) مِنْ التَّيَمُّمَيْنِ (أَرْبَعًا لَيْسَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا) شَرْطٌ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيَبْرَأُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ. إمَّا الصُّبْحُ وَالظُّهْرُ أَوْ إحْدَاهُمَا مَعَ إحْدَى الثَّلَاثِ أَوْ هُمَا مِنْ الثَّلَاثِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ صَلَّى كُلًّا مِنْهُمَا بِتَيَمُّمِ. أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهَا الَّتِي بَدَأَ بِهَا كَأَنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ فَلَا يَبْرَأُ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ كَوْنِ الْمَنْسِيَّتَيْنِ الْعِشَاءَ وَوَاحِدَةً غَيْرَ الصُّبْحِ، فَبِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ دُونَ الْعِشَاءِ، وَبِالثَّانِي لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَاسْتَحْسَنَهَا الْأَصْحَابُ وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا مَا زَادَ مِنْ الْمَنْسِيِّ، وَفِي ضَبْطِهَا ثَلَاثُ عِبَارَاتٍ. الْأُولَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ تَيَمُّمٍ عَدَدًا غَيْرَ الْمَنْسِيِّ وَزِيَادَةَ صَلَاةٍ. وَبَيَانُهُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَنْسِيِّ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّ ثِنْتَانِ وَيَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَاحِدَةً وَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ أَرْبَعًا. الثَّانِيَةُ: مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَ الْمَنْسِيَّ فِي الْمَنْسِيِّ فِيهِ، وَتَزِيدَ عَلَى الْحَاصِلِ قَدْرَ الْمَنْسِيِّ ثُمَّ تَضْرِبَ الْمَنْسِيَّ فِي نَفْسِهِ وَتُسْقِطَ الْحَاصِلَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَالْبَاقِي عَدَدُ الصَّلَوَاتِ، وَبَيَانُهُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَنْ تَضْرِبَ اثْنَيْنِ فِي خَمْسَةٍ يَحْصُل عَشْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى الْحَاصِلِ اثْنَيْنِ ثُمَّ تَضْرِبَهُمَا فِيهِمَا يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ تُسْقِطُهَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ. الثَّالِثَةُ: مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَتَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ عَدَدًا لَا يَنْقُصُ عَمَّا يَبْقَى مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ وَيَنْقَسِمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أَوْ مُتَّفِقَتَيْنِ صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ.   [مغني المحتاج] صَحِيحًا عَلَى الْمَنْسِيِّ، وَبَيَانُهُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَنْسِيَّ صَلَاتَانِ، وَالْمَنْسِيَّ فِيهِ خَمْسٌ تَزِيدُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَمَّا يَبْقَى مِنْ الْخَمْسَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الِاثْنَيْنِ بَلْ تُسَاوِيهِ، وَعَلَى الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتْرُكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَا بَدَأَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ قَبْلَهَا كَمَا عُرِفَ. (أَوْ) نَسِيَ صَلَاتَيْنِ وَعَلِمَ كَوْنَهُمَا (مُتَّفِقَتَيْنِ) وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَهُمَا كَظُهْرَيْنِ (صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ) فَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ الْخَمْسَ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَلَا يَكُونَانِ ذَلِكَ إلَّا مِنْ يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ لَا بُدّ مِنْ عَشْرِ تَيَمُّمَاتٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ اتِّفَاقَهُمَا وَلَا اخْتِلَافَهُمَا أَخَذَ بِالِاتِّفَاقِ احْتِيَاطًا وَلَا يَكْفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ صُبْحَانِ أَوْ عِشَاءَانِ، وَقِسْ مَا زَادَ مِنْ الْمَنْسِيِّ عَلَى صَلَاتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِعَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ الْخَمْسَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ: ثَانِيهِمَا: تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا لَوْ ظَنَّ حَدَثًا فَتَوَضَّأَ لَهُ ثُمَّ تَيَقَّنَهُ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. (وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِ فِعْلِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] [الْمَائِدَةُ] الْآيَةَ، وَالْقِيَامُ إلَيْهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، خَرَجَ الْوُضُوءُ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَلَا تُبَاحُ إلَّا عِنْدَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ قَبْلَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَضْرُورٍ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِدُخُولِهِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، فَلَوْ تَيَمَّمَ شَاكًّا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَخْذُ التُّرَابِ الْمَقْرُونِ بِالنِّيَّةِ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا، فَلَوْ أَخَذَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ مَسَحَ بِهِ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْفَرْضِ الْفَائِتَةَ وَوَقْتَهَا بِالتَّذَكُّرِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ صَلَّى بِهِ حَاضِرَةً أَوْ عَكْسَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ صَحَّ لِمَا قَصَدَهُ فَصَحَّ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ غَيْرَهُ. وَالْمَنْذُورَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالْجِنَازَةُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْقِضَاءِ طُهْرِ الْمَيِّتِ مِنْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ وَإِنْ لَمْ يُكَفَّنْ، لَكِنْ يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ لَهَا قَبْلَ التَّكْفِينِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ لِمَا مَرَّ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْتِ مَا تُجْمَعُ فِيهِ الثَّانِيَةُ مِنْ وَقْتِ الْأُولَى، فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فَصَلَّاهَا ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ لِيَجْمَعَهَا مَعَهَا صَحَّ، فَإِنْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بَطَلَ الْجَمْعُ لِزَوَالِ التَّبَعِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ، وَبَطَلَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ، بَلْ كَلَامُهُ يَقْتَضِي بَقَاءَهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ صَلَّى بِهِ فَرِيضَةً غَيْرَهَا وَنَافِلَةً صَحَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْأَوْلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا صَحَّ تَبَعًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَقَدْ زَالَتْ التَّبَعِيَّةُ بِانْحِلَالِ رَابِطَةِ الْجَمْعِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ غَيْرَ مَا نَوَاهُ دُونَ مَا نَوَاهُ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَكِنْ بَطَلَ الْجَمْعُ لِطُولِ الْفَصْلِ مَثَلًا أَنَّهُ يَبْطُلُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ مُرِيدُ تَأَخُّرِ الظُّهْرِ لِلْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ صَحَّ، أَوْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ صَحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِلْعَصْرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا لَمْ يَدْخُلْ، وَلَوْ نَوَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 وَكَذَا النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ. وَيُعِيدَ.   [مغني المحتاج] مَقْصُورَةً ثُمَّ أَرَادَ تَامَّةً أَوْ نَوَى الصُّبْحَ ثُمَّ أَرَادَ الظُّهْرَ مَثَلًا جَازَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَلَوْ تَيَمَّمَ لِمُؤَدَّاةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَصَلَّاهَا بِهِ فِي آخِرِهِ أَوْ بَعْدَهُ جَازَ، وَلَوْ تَيَمَّمَ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِلْجُمُعَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الْخُطْبَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ السَّتْرِ وَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ الصِّحَّةُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ الْخَطِيبُ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ لِلتَّضَمُّخِ بِهَا مَعَ كَوْنِ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً ضَعِيفَةً لَا لِكَوْنِ زَوَالِهَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا عَنْ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ. (وَكَذَا النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ) كَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْفَرْضِ، وَأَوْقَاتُ النَّفَلِ الْمُؤَقَّتِ مَعْرُوفَةٌ فِي أَبْوَابِهَا، وَوَقْتُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إنْ صُلِّيَتْ جَمَاعَةً فَوَقْتُهَا بِالِاجْتِمَاعِ وَإِلَّا فَمَنْ أَرَادَ صَلَاتَهَا تَيَمَّمَ لَهَا عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِهَا، وَوَقْتُ التَّحِيَّةِ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَوْسَعُ، وَلِهَذَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ نَوَافِلَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ يَقْتَضِي قُوَّةَ الْخِلَافِ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ طَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالْمَنْعِ، فَقَالَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ وَجْهَانِ. وَاحْتُرِزَ بِالْمُؤَقَّتِ عَنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا مَتَى شَاءَ إلَّا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهَا لِيُصَلِّيَ فِي وَقْتِهَا، فَلَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِيُصَلِّيَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي مَنْعُهُ، وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ أَيُّ وَقْتٍ شَاءَ فَهُوَ وَقْتُ الْمُطْلَقَةُ، فَسَاوَتْ الْمُؤَقَّتَةَ إذْ لَمْ يَتَيَمَّمْ أَيْضًا إلَّا فِي وَقْتِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، فَقَالَ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا) بِأَنْ فَقَدَهُمَا حِسًّا كَأَنْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ شَرْعًا كَأَنْ وَجَدَ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِنَحْوِ عَطَشٍ؛ أَوْ وَجَدَ تُرَابًا نَدِيًّا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَجْفِيفِهِ بِنَحْوِ نَارٍ (لَزِمَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ) الْمُؤَدِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا رَجَا أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ حَتَّى يُضَيِّقَ الْوَقْتُ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ وَلَوْ سَبَقَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيُعِيدُ) إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُذْرَ نَادِرٌ وَلَا دَوَامَ لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يُعِيدُ بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلٍّ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ بِهِ فِي مَحَلٍّ لَا يَسْقُطُ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ فِي نُكَتِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَى أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التُّرَابِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يُغْنِي التَّيَمُّمُ فِيهِ عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي الشِّقِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَيَقْضِي الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ لَا الْمُسَافِرُ إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] [الْمَائِدَةَ] وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهِ يُسْقِطُ الْقَضَاءَ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُنْدَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ عَلَى نَحْوِ الصَّخْرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يُجَوِّزُهُ أَيْ التَّيَمُّمَ، ثُمَّ يَقْضِي بِالْمَاءِ أَوْ بِالتَّيَمُّمِ إنْ سَقَطَ فَرْضُهُ بِهِ. وَمَنْ فَوَّتَ صَلَاةً عَمْدًا وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا حِينَئِذٍ لِلتَّسَلْسُلِ اهـ. وَمُقَابِلُ الْجَدِيدِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: تَجِبُ الصَّلَاةُ بِلَا إعَادَةٍ، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. ثَانِيهَا: يُنْدَبُ لَهُ الْفِعْلُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ. ثَالِثُهَا: يُنْدَبُ لَهُ الْفِعْلُ وَلَا إعَادَةَ. رَابِعُهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا، فَفِي مُسْلِمٍ «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ» ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الطَّهَارَةِ، فَأَشْبَهَ الْحَائِضَ، وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا شَيْئًا مِمَّا مَرَّ فِي مُبِيحَاتِ التَّيَمُّمِ أَوْ حُبِسَ عَلَيْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُومِئَ بِالسُّجُودِ فِيمَا إذَا حُبِسَ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَوْ سَجَدَ لَسَجَدَ عَلَيْهَا بِأَنْ يَنْحَنِيَ لَهُ بِحَيْثُ لَوْ زَادَ لَأَصَابَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَضْعَ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ: وَهُمْ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا، وَمَنْ حُبِسَ عَلَيْهَا يُصَلُّونَ الْفَرِيضَةَ فَقَطْ لِأَجْلِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يُصَلُّونَ النَّافِلَةَ، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَالنَّفْلِ فِي أَنَّهَا تُؤَدَّى مَعَ مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ. وَقِيَاسُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُصَلُّونَهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فِي فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَقَلَهُ فِي بَابِهَا عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: وَلَا يَتَنَفَّلُ الْعَارِي وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ. وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ هَؤُلَاءِ صَلَاةَ النَّافِلَةِ مَنْعُهُمْ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ، وَلَا يَقْرَأُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَيُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَتِهَا أَيْضًا عِنْدَ الرَّافِعِيِّ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْقَضَاءُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ أَنَّ الْإِعَادَةَ حَقِيقَةٌ: مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ. وَالْقَضَاءُ: مَا وَقَعَ خَارِجَهُ، وَهَذِهِ لَا تُعَادُ فِي الْوَقْتِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا إلَّا عِنْدَ ضِيقِهِ. (وَيَقْضِي الْمُقِيمُ الْمُتَيَمِّمُ) وُجُوبًا (لِفَقْدِ الْمَاءِ) لِنُدُورِ الْفَقْدِ وَعَدَمِ دَوَامِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْدُورِ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ هَلْ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْكَافِي الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (لَا الْمُسَافِرُ) الْمُتَيَمِّمُ لِفَقْدِهِ وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ الْفَقْدِ فِيهِ (إلَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ، وَمَنْ سَافَرَ لِيُتْعِبَ نَفْسَهُ أَوْ دَابَّتَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَيَقْضِي (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرُّخْصَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَارَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ. أَوْ لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا، أَوْ فِي عُضْوٍ وَلَا سَاتِرَ فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ.   [مغني المحتاج] عَزِيمَةً، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: لَا يَسْتَبِيحُ التَّيَمُّمَ أَصْلًا، وَيُقَالُ: إنْ تُبْتَ اسْتَبَحْتَ وَإِلَّا أَثِمْتَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ فَيَقْضِي، وَالْجُمُعَةُ لَا تُقْضَى فَيُصَلِّيهَا وَيَقْضِي الظُّهْرَ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْإِقَامَةِ وَعَدَمِهِ فِي السَّفَرِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ أَقَامَ فِي مَفَازَةٍ وَطَالَتْ إقَامَتُهُ وَصَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ فَلَا قَضَاءَ، وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً وَعَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ: أَيْ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ، فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا قَضَاءَ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَيَمَّمَ فِي مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَصَلَّى فِي آخَرَ يَنْدُرُ فِيهِ أَوْ عَكْسُهُ: هَلْ الْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ الصَّلَاةِ أَوْ التَّيَمُّمِ؟ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَقَدْ أَفْتَانِي شَيْخِي بِالْأَوَّلِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِعِبَارَاتِ كُتُبٍ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا يَطُولُ الْكَلَامُ بِذَكَرِهَا، فَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ. (وَمَنْ تَيَمَّمَ لِبَرْدٍ) فِي السَّفَرِ وَصَلَّى بِهِ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْبَرْدَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا نَادِرًا فَالْعَجْزُ عَمَّا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ وَعَنْ ثِيَابٍ يَتَدَفَّأُ بِهَا نَادِرٌ لَا يَدُومُ إذَا وَقَعَ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ، وَيُوَافِقُهُ الْمُخْتَارُ الْمَارُّ عَنْ الْمُصَنِّفِ؛؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانٍ. أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ الْمُقِيمُ لِلْبَرْدِ فَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْجُمْهُورَ قَطَعُوا بِهِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ. (أَوْ) تَيَمَّمَ (لِمَرَضٍ يَمْنَعُ الْمَاءَ مُطْلَقًا) أَيْ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ (أَوْ) يَمْنَعُهُ (فِي عُضْوٍ) مِنْ أَعْضَائِهَا (وَلَا سَاتِرَ) عَلَى ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنْ لُصُوقٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَلَا) قَضَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَاضِرًا أَمْ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ عَامٌّ تَشُقُّ مَعَهُ الْإِعَادَةُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجُّ] ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ) بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَيَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ مَحْذُورًا مِمَّا مَرَّ، فَيُصَلِّي مَعَهُ وَيَقْضِي لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ فِيمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إزَالَتِهِ بِمَاءٍ مُسَخَّنٍ وَنَحْوِهِ نَادِرٌ لَا يَدُومُ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ كَثِيرٍ. وَقَالَ فِي الدَّقَائِقِ: لَا بُدَّ مِنْهَا. قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ فِي مُرَادِ الرَّافِعِيِّ لِلْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ فِي مَحَلِّهِ، وَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُنْتَقِلِ عَنْ مَحِلِّهِ. وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ الْعَفْوَ عَنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّمَا لَمْ يُعْفَ عَنْ الْكَثِيرِ هُنَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَرُورَةً فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ الدَّمُ الْكَثِيرُ كَمَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ جَوَازُ تَأْخِيرِ الِاسْتِنْجَاءِ عَنْهُ بِخِلَافِ الطُّهْرِ بِالْمَاءِ، وَيُمْكِنُ أَيْضًا حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى كَثِيرٍ جَاوَزَ مَحِلَّهُ أَوْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، فَلَا يُخَالِفُ مَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَ الْأَصَحَّ عَدَمَ الْعَفْوِ أَخْذًا مِمَّا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ ثُمَّ مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ خِلَافًا لِمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 وَإِنْ كَانَ سَاتِرٌ لَمْ يَقْضِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَضَعَ عَلَى طُهْرٍ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ نَزْعُهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ.   [مغني المحتاج] صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ اهـ. . وَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوْجَهُ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ مَحِلِّ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاحْتُرِزَ عَنْ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ وَكَانَ كَثِيفًا يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْمَحِلِّ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ الْقَضَاءُ لَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ بَلْ لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجَبِيرَةِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ. (وَإِنْ كَانَ) بِالْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا (سَاتِرٌ) كَجَبِيرَةٍ (لَمْ يَقْضِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَضَعَ) السَّاتِرَ (عَلَى طُهْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ لِلضَّرُورَةِ هُنَا. وَالثَّانِي: يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ دَائِمٍ. هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَبِيرَةُ عَلَى مَحِلِّ التَّيَمُّمِ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بِلَا خِلَافٍ لِنَقْصِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ جَمِيعًا وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ اهـ. وَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْجَهُ لِمَا ذُكِرَ (فَإِنْ وُضِعَ) السَّاتِرُ (عَلَى حَدَثٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ أَمْ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ (وَجَبَ نَزْعُهُ) إنْ أَمْكَنَ بِلَا ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ مَسَحَ عَلَى سَاتِرٍ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْوَضْعُ عَلَى طُهْرٍ كَالْخُفِّ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ طَهَارَةُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَقَطْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ كَالْخُفِّ، إذْ الْمُشَبَّهُ قَدْ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْجَبِيرَةَ وُضِعَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهَا بِالْمَسْحِ، وَإِذَا نَزَعَ إحْدَى الْجَبِيرَتَيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْخُفِّ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يُوهِمُ تَخْصِيصُ وُجُوبِ النَّزْعِ بِالْوَضْعِ عَلَى حَدَثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ إذَا وُضِعَ عَلَى طُهْرٍ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي نَزْعِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ نَزْعُهُ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ عِنْدَ تَعَذُّرِ النَّزْعِ فِي الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) نَزْعُهُ وَمَسَحَ وَصَلَّى (قَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ) لِفَوَاتِ شَرْطِ الْوَضْعِ عَلَى طَهَارَةٍ، فَانْتَفَى تَشْبِيهُهُ حِينَئِذٍ بِالْخُفِّ. وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِلْعُذْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى الْجَدِيدِ. أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَلَا قَضَاءَ كَمَا سَبَقَ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِالْقَضَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: لَكِنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِالْمَشْهُورِ الْمُشْعِرِ بِضَعْفٍ عَنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ بِأَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ: أَيْ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ فِي اصْطِلَاحِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُقَابِلَهُ ضَعِيفٌ، فَيُغْنِي ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَغْنِ بِذَلِكَ فِي إفَادَةِ كَوْنِ الْخِلَافِ طَرِيقَيْنِ، فَالِاعْتِذَارُ بِمَا ذُكِرَ ضَعِيفٌ. خَاتِمَةٌ: لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الْأَصْغَرُ لَا الْأَكْبَرُ، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ غُسْلِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ بِلَا مَانِعٍ، فَلَوْ وَجَدَ خَابِيَةَ مَاءٍ مُسْبَلٍ تَيَمَّمَ، وَلَا يَجُوزُ الطُّهْرُ مِنْهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا وُضِعَتْ لِلشُّرْبِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْبَلٌ لِلشُّرْبِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَلَمْ يَقْضِ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَصَلَّى بِهِ، وَلَوْ غَسَلَ نَحْوُ جُنُبٍ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ فَقَدْ الْمَاءَ وَأَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ وَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ كَافِيًا لِرِجْلَيْهِ فَقَطْ تَعَيَّنَ لَهُمَا وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ أَوَّلًا لِتَمَامِ غُسْلِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ كَافِيَهُمَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ الْأَوَّلُ وَلِلرَّجُلِ جِمَاعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 بَابُ الْحَيْضِ   [مغني المحتاج] أَهْلِهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِلَا إعَادَةٍ، وَلَوْ مَنَعَ شَخْصٌ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ وَجَبَ عَلَيْهِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُضُوءِ، فَيَحْصُلُ لَهُ غَسْلُ الْوَجْهِ وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ غُصِبَ مَاؤُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ ثَمَّ عَنْ وُضُوئِهِ بِبَدَلٍ، بِخِلَافِهِ هُنَا. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَوْ رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي الدَّمَ فَقَطْ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. [بَابُ الْحَيْضِ] وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ. وَتُرْجِمَ الْبَابُ بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ أَحْكَامِهِ أَغْلَبُ، وَهُوَ لُغَةً: السَّيَلَانُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: حَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ صَمْغُهَا، وَحَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ. وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ أَيْ تَقْتَضِيهِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ. قَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ: وَاَلَّذِي يَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ أَرْبَعَةٌ: الْآدَمِيَّاتُ، وَالْأَرْنَبُ، وَالضَّبُعُ، وَالْخُفَّاشُ، وَزَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَرْبَعَةً أُخْرَى، وَهِيَ النَّاقَةُ، وَالْكَلْبَةُ، وَالْوَزَغَةُ، وَالْحِجْرُ: أَيْ الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ. وَلَهُ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ: حَيْضٌ، وَطَمْثٌ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَضَحِكٌ، وَإِكْبَارٌ وَإِعْصَارٌ، وَدِرَاسٌ، وَعِرَاكٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِرَاكٌ بِالْفَاءِ، وَطَمْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَنِفَاسٌ. وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمُ عِلَّةٍ يَسِيلُ مِنْ عِرْقٍ مِنْ أَدْنَى الرَّحِمِ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَيُقَالُ بِمُهْمَلَةٍ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ، وَفِي الصِّحَاحِ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ، وَسَوَاءٌ أَخَرَجَ أَثَرُ حَيْضٍ أَمْ لَا. وَاخْتُلِفَ فِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ وَدَمُ فَسَادٍ، وَقِيلَ: لَا تُطْلَقُ الِاسْتِحَاضَةُ إلَّا عَلَى دَمٍ وَقَعَ بَعْدَ حَيْضٍ، وَالنِّفَاسُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنْ الْحَمْلِ، فَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ دَمُ الطَّلْقِ، وَالْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ فَلَيْسَا بِحَيْضٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ، وَلَا نِفَاسَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى خُرُوجِ الْوَلَدِ بَلْ ذَلِكَ دَمُ فَسَادٍ. نَعَمْ الْمُتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ حَيْضٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ آيَةُ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] [الْبَقَرَةُ] أَيْ الْحَيْضِ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَيْضِ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» (1) ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوَّلُ مَنْ وَقَعَ الْحَيْضُ فِيهِمْ ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ حَاضَتْ أُمُّنَا حَوَّاءُ بِالْمَدِّ لَمَّا كَسَرَتْ شَجَرَةَ الْحِنْطَةِ وَأَدْمَتْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لِأُدْمِيَنَّكِ كَمَا أَدْمَيْتِ هَذِهِ الشَّجَرَةَ» . وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 أَقَلُّ سِنِّهِ تِسْعُ سِنِينَ. وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِلَيَالِيِهَا، وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ   [مغني المحتاج] مَعْرِفَةَ سِنِّهِ وَقَدْرِهِ وَقَدْرِ الطُّهْرِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ (أَقَلُّ سِنِّهِ) كَلَبَنِ الرَّضَاعِ (تِسْعُ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَلَوْ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لِلْوُجُودِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ وَلَا ضَابِطَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ يُتْبَعُ فِيهِ الْوُجُودُ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَعْجَلُ مَنْ سَمِعْتُ مِنْ النِّسَاءِ تَحِيضُ نِسَاءُ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ: أَيْ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا فَيُسَامَحُ قَبْلَ تَمَامِهَا بِمَا لَا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا دُونَ مَا يَسَعُهُمَا، وَقِيلَ أَقَلُّهُ أَوَّلُهُ التَّاسِعَةُ، وَقِيلَ مُضِيُّ نِصْفِهَا، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ أَيَّامًا بَعْضُهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَبَعْضُهَا فِيهِ جُعِلَ الثَّانِي حَيْضًا إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ الْآتِيَةُ. (وَأَقَلُّهُ) زَمَنًا (يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: مُتَّصِلًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةٍ تَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: يَعْنِي أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى الِاتِّصَالِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي زَمَانِ الْأَقَلِّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَتَوَالَى فِيهِمَا الدَّمُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ نَقَاءٍ كَمَا يُوهِمُهُ لَفْظُ الِاتِّصَالِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ دِمَاءً يَنْقُصُ كُلٌّ مِنْهَا عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا أَنَّهَا إذَا اجْتَمَعَتْ كَانَتْ مِقْدَارَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى الِاتِّصَالِ كَفَى ذَلِكَ فِي حُصُولِ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَالْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ وَالنَّقَاءُ بَيْنَ أَقَلِّ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَهُمَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَاعَةً، وَهَذَا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَنَصَّ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ قَدْرُ يَوْمٍ فَقَطْ وَقِيلَ دَفْعَةٌ كَالنِّفَاسِ، وَهُوَ غَرِيبٌ (وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا (بِلَيَالِيِهَا) وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الدِّمَاءُ، وَالْمُرَادُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ دَمُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِلَيْلَتِهِ كَأَنْ رَأَتْ الدَّمَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلِاسْتِقْرَاءِ، وَأَمَّا خَبَرُ «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» فَضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ) زَمَنًا (خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ غَالِبًا لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ، وَإِذَا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ الطُّهْرُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ الْحَيْضُ عَلَى النَّفَسِ أَمْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَكَانَ طُرُّوهُ بَعْدَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. أَمَّا إذَا طَرَأَ قَبْلَ بُلُوغِ النِّفَاسِ أَكْثَرُهُ. فَلَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ غَالِبِ الْحَيْضِ، وَذَكَرَ غَالِبَ النِّفَاسِ كَمَا سَيَأْتِي. وَغَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ غَالِبُ الطُّهْرِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوَ سَبْعَةً كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ، وَالْمُرَادُ غَالِبُهُنَّ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَادَةً (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ فِي عُمْرِهَا إلَّا مَرَّةً وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا. حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: أَنَّ امْرَأَةً فِي زَمَنِهِ كَانَتْ تَحِيضُ كُلَّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ، وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: أَنَّ وَالِدَتِي كَانَتْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا، وَأَنَّ أُخْتِي مِنْهَا كَانَتْ تَحِيضُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالْجَنَابَةِ، وَعُبُورُ الْمَسْجِدِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ، وَالصَّوْمُ، وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ،   [مغني المحتاج] فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً وَنِفَاسُهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ امْرَأَةٍ بِأَنْ تَحِيضَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ يُتْبَعْ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَتَمُّ، وَاحْتِمَالُ عُرُوضِ دَمٍ فَاسِدٍ لِلْمَرْأَةِ أَقْرَبُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَقَالَ: (وَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ بِالْحَيْضِ (مَا حَرُمَ بِالْجَنَابَةِ) مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَغْلَظُ مِنْهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِهَا (وَ) أَشْيَاءُ أُخَرُ: أَحَدُهَا (عُبُورُ الْمَسْجِدِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ) صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ أَمِنَتْهُ جَازَ لَهَا الْعُبُورُ كَالْجُنُبِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْحَائِضِ بِهَذَا، بَلْ كُلُّ مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ يُخَافُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْهَا مِثْلُهَا كَمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَاسْتِحَاضَةٌ وَمَنْ بِنَعْلِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ، فَإِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ بِهِ فَلْيُدَلِّكْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ (وَ) ثَانِيهَا (الصَّوْمُ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ وَهَلْ وَجَبَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا؟ ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ: وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَلَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَظْهَرُ هَذَا وَشِبْهُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ بِأَنْ يَقُولَ: مَتَى وَجَبَ عَلَيْكِ صَوْمٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَظْهَرَ غَيْرُهُ فَوَائِدَ أُخَرَ عَلَى ضَعِيفٍ (وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ: أَيْ الْحَيْضُ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ مِنْ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَقَدْ أَعَادَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ، وَهَلْ يَحْرُمُ قَضَاؤُهَا أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، فَنَقَلَ فِيهَا عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ عَنْ الْبَيْضَاوِيِّ (1) أَنَّهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - نَهَتْ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ مَحَلُّهُ فِيمَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ، وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالرُّويَانِيِّ وَالْعِجْلِيِّ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَيُسَنُّ لَهُمَا الْقَضَاءُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ نَهْيُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مُنْتَقِضٌ بِقَضَاءِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً عَدَمُ الِانْعِقَادِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا فِي الصَّوْمِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وَمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْوَطْءِ،   [مغني المحتاج] حَالَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ، وَالْمَنْعُ وَالْوُجُوبُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَثَالِثُهَا: الطَّلَاقُ مِنْ مَمْسُوسَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] [الطَّلَاقُ] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَحْرُمْ طَلَاقُهَا؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا إنَّمَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَرَابِعُهَا: الطَّهَارَةُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهَا إذَا قَصَدَتْ التَّعَبُّدَ بِهَا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِتَلَاعُبِهَا. أَمَّا الطَّهَارَةُ الْمَقْصُودَةُ لِلتَّنْظِيفِ كَأَغْسَالِ الْحَجِّ، فَإِنَّهَا تَأْتِي بِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَ) خَامِسُهَا: أَنَّهُ يَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ بِحَائِلٍ وَالْمُبَاشَرَةُ بِ (مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا) وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] [الْبَقَرَةُ] وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ: مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» (1) وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» (2) وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ فَحُرِّمَ لِخَبَرِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» (3) (وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ غَيْرُ الْوَطْءِ) وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ بِجَعْلِهِ مُخَصَّصًا لِمَفْهُومِ خَبَرِ أَبِي دَاوُد. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَوْجَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ رِعَايَةِ الْأَحْوَطِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَخَرَجَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ هُمَا وَبَاقِي الْجَسَدِ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِمَا، وَعَبَّرْتُ بِالْمُبَاشَرَةِ تَبَعًا لِلتَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ لِيَخْرُجَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالنَّظَرِ، وَلَوْ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ إذْ لَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ، وَعَبَّرَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ يَشْمَلُ النَّظَرَ وَاللَّمْسَ بِشَهْوَةٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَبَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ أَيْ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِاللَّمْسِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا، وَالِاسْتِمْتَاعُ يَكُونُ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِشَهْوَةٍ. قَالَ: وَسَكَتُوا عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَرْأَةِ لِلزَّوْجِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّ مَسَّهَا لِلذَّكَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ تَمَتُّعَاتِهِ بِهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ اهـ. وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ: أَنْ نَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَلْمِسَهُ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَوَطْءُ الْحَائِضِ فِي الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَارِ، يُكَفِّرُ مُسْتَحِلُّهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (4) وَهُوَ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُسَنُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ غَيْرُ الصَّوْمِ، وَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِحَاضَةُ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسٍ،   [مغني المحتاج] لِلْوَاطِئِ الْمُتَعَمِّدِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَقُوَّتِهِ التَّصَدُّقُ بِمِثْقَالٍ إسْلَامِيٍّ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَفِي آخِرِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ بِنِصْفِ مِثْقَالٍ لِخَبَرِ «إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَاطِئِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ، فَغَيْرُ الزَّوْجِ مَقِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْوَطْءُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إلَى الطُّهْرِ كَالْوَطْءِ فِي آخِرِ الدَّمِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَكْفِي التَّصَدُّقُ وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِلْأَذَى إذْ لَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ كَاللِّوَاطِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا كَفَّارَةَ بِوَطْئِهَا وَإِنْ حَرُمَ، وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ بِحَيْضِهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ وَصَدَّقَهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا فَلَا لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقَهَا وَأَخْبَرَتْهُ بِهِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَذَّبَهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ عَجِينٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَإِذَا انْقَطَعَ) دَمُ الْحَيْضِ وَمِثْلُهُ النِّفَاسِ لِزَمَنِ إمْكَانِهِ ارْتَفَعَ عَنْهَا سُقُوطُ الصَّلَاةِ وَ (لَمْ يَحِلَّ) مِمَّا حَرُمَ بِهِ (قَبْلَ الْغُسْلِ) أَوْ التَّيَمُّمِ (غَيْرُ الصَّوْمِ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ لَا بِالْحَدَثِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْجُنُبِ وَقَدْ زَالَ (وَ) غَيْرُ (الطَّلَاقِ) الْمَزِيدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ، وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ وَغَيْرُ الطُّهْرِ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِهِ وَغَيْرُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ تَطْهُرَ بِمَاءٍ أَوْ تَيَمُّمٍ. أَمَّا مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ فَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْحَدَثِ، وَالْحَدَثُ بَاقٍ. وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] [الْبَقَرَةُ] وَقَدْ قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فِي السَّبْعِ. أَمَّا قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ فَصَرِيحَةٌ فِيمَا ذُكِرَ. وَأَمَّا التَّخْفِيفُ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ أَيْضًا الِاغْتِسَالَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] [الْبَقَرَةُ] فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ، فَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] [الْبَقَرَةُ] فَلَا بُدَّ مِنْهُمَا مَعًا. فَائِدَةٌ: حَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْوَطْءَ قَبْلَ الْغُسْلِ يُورِثُ الْجُذَامَ فِي الْوَلَدِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاسْتِحَاضَةِ وَحُكْمِهَا فَقَالَ (وَالِاسْتِحَاضَةُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهَا وَيَأْتِي فِيهَا مَزِيدُ بَيَانٍ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: (حَدَثٌ دَائِمٌ) لَيْسَ حَدَّ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ سَلَسِ الْبَوْلِ اسْتِحَاضَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِحُكْمِهَا الْإِجْمَالِيِّ أَيْ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ حُكْمُ الْحَدَثِ الدَّائِمِ، وَقَوْلُهُ (كَسَلَسٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ هُوَ لِلتَّشْبِيهِ لَا لِلتَّمْثِيلِ. أُجِيبَ بِعَدَمِ لُزُومِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ بِأَنَّهَا حَدَثٌ دَائِمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَنَحْوَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَقَوْلُهُ: كَسَلَسٍ مِثَالٌ لِلْحَدَثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 فَلَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، فَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ وَقْتَ الصَّلَاةِ، وَتُبَادِرُ بِهَا فَلَوْ أَخَّرَتْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَسَتْرٍ وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا فَيَضُرُّ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] الدَّائِمِ (فَلَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ) وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ؛ لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمْنَةَ بِهِمَا وَكَانَتْ مُسْتَحَاضَةً كَمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِهَا التَّفْصِيلِيِّ فَقَالَ: (فَتَغْسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ فَرْجَهَا) قَبْلَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (تَعْصِبُهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ الْمَكْسُورَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِأَنْ تَشُدَّهُ بَعْدَ غَسْلِهِ بِخِرْقَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ تُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنْ أَمَامِهَا وَالْأُخْرَى مِنْ خَلْفِهَا وَتَرْبِطُهُمَا بِخِرْقَةٍ تَشُدُّهَا عَلَى وَسَطِهَا كَالتِّكَّةِ: فَإِنْ احْتَاجَتْ فِي رَفْعِ الدَّمِ أَوْ تَقْلِيلِهِ إلَى حَشْوٍ بِنَحْوِ قُطْنٍ. وَهِيَ مُفْطِرَةٌ وَلَمْ تَتَأَذَّ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَحْشُوَ قَبْلَ الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ، وَتَكْتَفِي بِهِ إنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِمَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ صَائِمَةً أَوْ تَأَذَّتْ بِاجْتِمَاعِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَشْوُ، بَلْ يَلْزَمُ الصَّائِمَةَ تَرْكُهُ إذَا كَانَ صَوْمُهَا فَرْضًا، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَافِظُوا هُنَا عَلَى مَصْلَحَةِ الصَّوْمِ لَا عَلَى مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ عَكَسَ مَا فَعَلُوا فِيمَنْ ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ فَهَلَّا سَوَّوْا بَيْنَهُمَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا، فَلَوْ رَاعَيْنَا الصَّلَاةَ هُنَا لَتَعَذَّرَ قَضَاءُ الصَّوْمِ لِلْحَشْوِ، وَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا لَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ الْحَشْوَ تَنْجُسُ وَهِيَ حَامِلَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ تَعَيُّنُ غَسْلِ فَرْجِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إجْزَاءُ الْحَجَرِ فِي الْأَظْهَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ هُنَاكَ. قَالَ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ هُنَا مَا إذَا تَفَاحَشَ بِحَيْثُ لَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمُعْتَادِ (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (تَتَوَضَّأُ) وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ أَوْ بِبَدَلِهِ عَقِبَ الِاحْتِيَاطِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: لَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَيَكُونُ ذَلِكَ (وَقْتَ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْأَوْقَاتِ فِي بَابِهِ فَيَجِيءُ هُنَا جَمِيعُ مَا سَبَقَ ثَمَّ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ النَّوَافِلُ الْمُؤَقَّتَةُ فَلَا تَتَوَضَّأُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ نَوَافِلَ بِوُضُوءٍ كَمَا قِيلَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ (وَ) بَعْدَ مَا ذُكِرَ (تُبَادِرُ بِهَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ وُجُوبًا تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ مِنْهَا وَهِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْهُ بِالْمُبَادَرَةِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ السَّلِيمِ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ. أَمَّا غَيْرُ السَّلِيمِ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا هُنَا (فَلَوْ أَخَّرَتْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَسَتْرٍ) لِعَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (وَانْتِظَارِ جَمَاعَةٍ) وَاجْتِهَادٍ فِي قِبْلَةٍ وَذَهَابٍ إلَى مَسْجِدٍ وَتَحْصِيلِ سُتْرَةٍ (لَمْ يَضُرَّ) لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ بِذَلِكَ مُقَصِّرَةً. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِأَذَانِ الْمَرْأَةِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لَهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَابَةِ وَبِأَنَّ تَأْخِيرَهَا لِلْأَذَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَذَانَهَا، وَلَوْ اعْتَادَتْ الِانْقِطَاعَ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ اهـ. فَانْقَطَعَ وَجَبَ عَلَيْهَا الْمُبَادَرَةُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا التَّأْخِيرُ لِجَمَاعَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَخَّرَتْ لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَغَزْلٍ وَحَدِيثٍ (فَيَضُرُّ) التَّأْخِيرُ (عَلَى الصَّحِيحِ) فَيَبْطُلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَكَذَا تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَلَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ أَوْ اعْتَادَتْ وَوَسِعَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ وُضُوءًا وَالصَّلَاةُ وَجَبَ الْوُضُوءُ.   [مغني المحتاج] وُضُوءُهَا فَتَجِبُ إعَادَتُهُ وَإِعَادَةُ الِاحْتِيَاطِ لِتَكَرُّرِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا عَنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا عَلَى الْمُبَادَرَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَضُرُّ كَالْمُتَيَمِّمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْمُبَادَرَةَ. قَالَ الْإِمَامُ: ذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى الْمُبَالَغَةِ وَاغْتَفَرَ آخَرُونَ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ، وَضَبَطَهُ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ اهـ. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَخُرُوجُ الدَّمِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهَا لَا يَضُرُّ. فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُ لِتَقْصِيرٍ فِي الشَّدِّ وَنَحْوِهِ كَالْحَشْوِ بَطَلَ وُضُوءُهَا وَكَذَا صَلَاتُهَا إنْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ، وَيَبْطُلُ أَيْضًا وُضُوءُهَا بِالشِّفَاءِ وَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِهِ (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرْضٍ) وَلَوْ مَنْذُورًا كَالْمُتَيَمِّمِ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ الْفَرِيضَةُ الْوَاحِدَةُ لِلضَّرُورَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَلَهَا أَنْ تَتَنَفَّلَ مَا شَاءَتْ بِوُضُوءٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ حُكْمُهَا حُكْمُ النَّافِلَةِ (وَكَذَا) يَجِبُ لِكُلِّ فَرْضٍ (تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ غَسْلٍ وَحَشْوٍ (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ وَلَمْ تُزَلْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ وَقْعٌ وَإِلَّا وَجَبَ التَّجْدِيدُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ كَثُرَتْ مَعَ إمْكَانَ تَقْلِيلِهَا. (وَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ) أَوْ فِيهِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا (وَلَمْ تَعْتَدْ انْقِطَاعَهُ وَعَوْدَهُ) وَلَمْ يُخْبِرْهَا ثِقَةٌ عَارِفٌ بِعَوْدِهِ (أَوْ اعْتَادَتْ) ذَلِكَ أَوْ أَخْبَرَهَا مَنْ ذُكِرَ بِعَوْدِهِ (وَوَسِعَ) بِكَسْرِ السِّينِ (زَمَنُ الِانْقِطَاعِ) بِحَسَبِ الْعَادَةِ أَوْ بِأَخْبَارِ مَنْ ذُكِرَ (وُضُوءًا وَالصَّلَاةِ وَجَبَ الْوُضُوءُ) وَإِزَالَةُ مَا عَلَى الْفَرْجِ مِنْ الدَّمِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِاحْتِمَالِ الشِّفَاءِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ عَوْدِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِإِمْكَانِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَمَالِ فِي الْوَقْتِ. فَلَوْ خَالَفَتْ وَصَلَّتْ بِلَا وُضُوءٍ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهَا، سَوَاءٌ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ أَمْ لَا لِشُرُوعِهَا مُتَرَدِّدَةً فِي طُهْرِهَا، وَلَوْ عَادَ الدَّمُ فَوْرًا لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ الِانْقِطَاعُ الْمُغْنِي عَنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، وَالْمُرَادُ بِبُطْلَانِ وُضُوئِهَا بِذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ وَتُصَلِّي بِهِ قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ، وَوَجْهٌ بِأَنَّهُ بَانَ أَنَّ طُهْرَهَا رَافِعُ حَدَثٍ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ مَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْعَوْدَ عَلَى نُدُورٍ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُلْحَقَ هَذِهِ النَّادِرَةُ بِالْمَعْدُومَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، فَلَوْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ إمْكَانِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ الْمُتَطَهَّرِ لَهَا فِي الْحَالَتَيْنِ فَطُهْرُهَا بِحَالِهِ فَتُصَلِّي بِهِ لَكِنْ تُعِيدُ مَا صَلَّتْ بِهِ قَبْلَ الْعَوْدِ، وَلَوْ اعْتَادَتْ الْعَوْدَ عَنْ قُرْبٍ فَامْتَدَّ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَسَعُ مَا ذُكِرَ، وَقَدْ صَلَّتْ بِطُهْرِهَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَنْ اعْتَادَتْ انْقِطَاعَهُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَوَثِقَتْ بِانْقِطَاعِهِ فِيهِ بِحَيْثُ تَأْمَنُ الْفَوَاتَ لَزِمَهَا انْتِظَارُهُ لِاسْتِغْنَائِهَا حِينَئِذٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتَيَمِّمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 فَصْلٌ رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ فَكُلُّهُ حَيْضٌ. وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ: فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الَّذِي يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بِوُجُوبِ التَّأْخِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَرَجَا الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَكَذَا هُنَا اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهَا التَّأْخِيرَ فِيمَا إذَا اعْتَادَتْ انْقِطَاعَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْقُدْرَةِ. تَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِي الْعَادَةِ الَّتِي تَسَعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ مُدَّةً تَسَعُهُمَا مَعَ سُنَنِهِمَا أَمْ مَا يَسَعُ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ مِنْهُمَا؟ أَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُتَأَكَّدِ مِنْ سُنَنِهِمَا وَغَيْرِهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَمْ يُبَيِّنَا هُنَا مِقْدَارَ الصَّلَاةِ، وَالْمُتَّجَهُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ اعْتِبَارُ أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ كَرَكْعَتَيْنِ فِي ظُهْرِ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْكِتَابِ: فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ الَّتِي طَهُرَتْ لَهَا فَلَهَا الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَاجِبِ مِنْ الْوُضُوءِ وَمِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي تَطَهَّرَتْ لَهَا، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّهَارَةِ بَدَلَ الْوُضُوءِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ بَعْدَهُ، وَطَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ مُبِيحَةٌ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَا تَرْفَعُ حَدَثًا كَمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: تَرْفَعُهُ، وَقِيلَ: تَرْفَعُ الْمَاضِيَ دُونَ غَيْرِهِ، وَكُلُّ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَكَذَا مَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ فِيمَا عَدَا الْوُضُوءَ، وَمَنْ دَامَ خُرُوجُ مَنِيِّهِ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَلَوْ اسْتَمْسَكَ السَّلَسُ بِالْقُعُودِ دُونَ الْقِيَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ قُعُودٍ احْتِيَاطًا لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَلِّقَ قَارُورَةً لِيَتَقَطَّرَ فِيهَا بَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا بِلَا ضَرُورَةٍ، وَيَجُوزُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا. [فَصْلٌ رَأَتْ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ وَلَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرُهُ] (فَصْلٌ) إذَا (رَأَتْ) الْمَرْأَةُ مِنْ الدِّمَاءِ (لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ) أَيْ الْحَيْضِ فَأَكْثَرَ (وَلَمْ يَعْبُرْ) أَيْ يُجَاوِزْ (أَكْثَرَهُ فَكُلُّهُ حَيْضٌ) سَوَاءٌ أَكَانَ أَسْوَدَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَمْ مُعْتَادَةً، تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا أَمْ لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ طُهْرٍ كَأَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا، ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً، ثُمَّ ثَلَاثَةً دِمَاءً، ثُمَّ انْقَطَعَ، فَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ مُفَرَّقًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِزَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ قَدْرَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ لِسِنِّ الْحَيْضِ أَقَلَّهُ لَشَمَلَ مَا ذَكَرَ وَاسْتَغْنَى عَنْ زِيَادَةٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ لَا يَعْبُرُ الْأَكْثَرَ ثُمَّ رَأَيْتُ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ عَبَّرَ بِذَلِكَ. (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ، لِقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 فَإِنْ عَبَرَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا، فَالضَّعِيفُ اسْتِحَاضَةٌ، وَالْقَوِيُّ حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّهِ، وَلَا عَبَرَ أَكْثَرَهُ، وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ.   [مغني المحتاج] مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمَّا كَانَتْ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَيْهَا بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. رَوَاهُ مَالِكٌ. وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ، وَرُوِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: وَهِيَ نَحْوُ خِرْقَةٍ كَقُطْنَةٍ تُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا ثُمَّ تُخْرِجُهَا لِتَنْظُرَ هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَثَرِ الدَّمِ أَوْ لَا؟ وَالْكُرْسُفُ: الْقُطْنُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَضَعُ قُطْنَةً فِي أُخْرَى أَكْبَرَ مِنْهَا، أَوْ فِي نَحْوِ خِرْقَةٍ وَتُدْخِلُهَا فَرْجَهَا، وَكَأَنَّهَا تَفْعَلُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ بَدَنُهَا بِالْقُطْنَةِ الصُّغْرَى وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ: الْجِصُّ، شُبِّهَتْ الرُّطُوبَةُ النَّقِيَّةُ بِالْجِصِّ فِي الصَّفَاءِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رَأَتْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ، فَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْعَادَةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَحَيْضٌ جَزْمًا، لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ لَا بُدَّ مِنْ قَوِيٍّ مَعَهُ. وَقِيلَ: يَجِبُ تَقَدُّمُ الْقَوِيِّ، فَيَحْسُنُ حِينَئِذٍ إطْلَاقُ الْخِلَافِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ دَمَانِ، وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُمَا مَاءٌ أَصْفَرُ وَمَاءٌ كَدِرٌ وَلَيْسَا بِدَمٍ، وَالْإِمَامُ: هُمَا شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ لَيْسَا عَلَى لَوْنِ الدِّمَاءِ اهـ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا إذَا جَاوَزَ دَمُ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتُسَمَّى بِالْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَهَا سَبْعَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مُمَيِّزَةٌ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُبْتَدَأَةٌ أَوْ مُعْتَادَةٌ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ النَّاسِيَةُ لِلْعَادَةِ وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ إمَّا نَاسِيَةٌ لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ أَوْ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، أَوْ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، فَقَالَ مُبْتَدِئًا بِالْمُبْتَدَأَةِ الْمُمَيِّزَةِ (فَإِنْ عَبَرَهُ) أَيْ جَاوَزَ الدَّمُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ (مُبْتَدَأَةً) وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ (مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى) فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دَمًا (قَوِيًّا وَ) فِي بَعْضِهَا دَمًا (ضَعِيفًا) يَعْنِي بِأَنْ تَرَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ حَيْضَةٍ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، فَهُوَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَسْوَدِ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَشْقَرِ، وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَكْدَرِ، وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ، فَالْأَقْوَى مَا صِفَاتُهُ مِنْ ثِخَنٍ وَنَتَنٍ وَقُوَّةِ لَوْنٍ أَكْثَرُ، فَيُرَجَّحُ أَحَدُ الدَّمَيْنِ بِمَا زَادَ مِنْهَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِالسَّبَقِ. وَالْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ الضَّعِيفُ الْمَحْضُ، فَلَوْ بَقِيَ فِيهِ خُطُوطٌ مِمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ (فَالضَّعِيفُ) مِنْ ذَلِكَ (اسْتِحَاضَةٌ) وَإِنْ طَالَ (وَالْقَوِيُّ) مِنْهُ (حَيْضٌ إنْ لَمْ يَنْقُصْ) الْقَوِيُّ (عَنْ أَقَلِّهِ) أَيْ الْحَيْضِ، وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ كَمَا مَرَّ (وَلَا عَبَرَ) أَيْ جَاوَزَ (أَكْثَرَهُ) وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا مَرَّ أَيْضًا مُتَّصِلَةً؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ (وَلَا نَقَصَ الضَّعِيفُ) إنْ اسْتَمَرَّ (عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ) وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا مَرَّ أَيْضًا مُتَّصِلَةً فَأَكْثَرُ حَتَّى لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ الضَّعِيفُ وَتَمَادَى سِنِينَ كَانَ طُهْرًا وَإِنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ دَائِمًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لَا حَدَّ لَهُ كَمَا سَلَفَ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ، كَأَنْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ يَوْمًا فَقَطْ، أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ الضَّعِيفَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، أَوْ رَأَتْ أَبَدًا يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ، فَكَغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَإِنَّمَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَيْدِ الثَّالِثِ إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ كَمَا قَرَّرْتُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ رَأَتْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 أَوْ مُبْتَدَأَةٌ لَا مُمَيِّزَةٌ بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ، أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ.   [مغني المحتاج] عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً حُمْرَةً أَوْ نَحْوَهَا وَانْقَطَعَ الدَّمُ فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا، مَعَ أَنَّ الضَّعِيفَ نَقَصَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا مَعْلُومٌ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِلْإِيضَاحِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ وَأَضْعَفُ، فَالْقَوِيُّ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْهُمَا وَهُوَ الضَّعِيفُ حَيْضٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْقَوِيُّ وَيَتَّصِلَ بِهِ الضَّعِيفُ وَأَنْ يَصْلُحَا مَعًا لِلْحَيْضِ بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى أَكْثَرِهِ كَخَمْسَةٍ سَوَادًا، ثُمَّ خَمْسَةٍ حُمْرَةً، ثُمَّ أُطْبِقَتْ الصُّفْرَةُ، فَالْأَوَّلَانِ حَيْضٌ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُصَنَّفُ فِي تَحْقِيقِهِ وَمَجْمُوعِهِ لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحَا لِلْحَيْضِ كَعَشَرَةٍ سَوَادًا، وَسِتَّةٍ أَحْمَرَ، ثُمَّ أُطْبِقَتْ الصُّفْرَةُ، أَوْ صُلْحًا لَكِنْ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ كَخَمْسَةٍ حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةٍ سَوَادًا، ثُمَّ أُطْبِقَتْ الصُّفْرَةُ أَوْ تَأَخَّرَ، لَكِنْ لَمْ يَتَّصِلْ الضَّعِيفُ بِالْقَوِيِّ كَخَمْسَةٍ سَوَادًا، ثُمَّ خَمْسَةٍ صُفْرَةً، ثُمَّ أُطْبِقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا فِي ذَلِكَ السَّوَادِ فَقَطْ. وَمَا تَقَرَّرَ فِي الثَّالِثَةِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْقِيقِهِ وَشُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، لَكِنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَأَصْلِ الرَّوْضَةِ جَعَلَهَا كَتَوَسُّطِ الْحُمْرَةِ بَيْنَ سَوَادَيْنِ. وَقَالَ فِي تِلْكَ: لَوْ رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا كُلَّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ مَعَ الْحُمْرَةِ، وَفَرَّقَ شَيْخِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الضَّعِيفَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهَا تَوَسَّطَ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ، فَأَلْحَقْنَاهُ بِأَسْبَقِهِمَا وَلَا كَذَلِكَ الْمَقِيسَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ وَالْمُبْتَدَأَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، فَقَالَ (أَوْ) كَانَتْ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ (مُبْتَدَأَةً لَا مُمَيِّزَةً بِأَنْ رَأَتْهُ بِصِفَةٍ) وَاحِدَةٍ (أَوْ) رَأَتْهُ بِصِفَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، لَكِنْ (فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ) مِنْ شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا فَكَمُتَحَيِّرَةٍ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا وَإِنْ عَرَفَتْهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ (وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) تَتِمَّةُ الشَّهْرِ لِيَتِمَّ الدَّوْرُ ثَلَاثِينَ مُرَاعَاةً لِغَالِبِهِ، وَلِذَا لَمْ نُحَيِّضْهَا الْغَالِبَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ. وَأَمَّا خَبَرُ حَمْنَةَ السَّابِقُ فَذَاكَ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُعْتَادَةً عَلَى الرَّاجِحِ، وَمَعْنَاهُ سِتَّةٌ إنْ اعْتَادَتْهَا أَوْ سَبْعَةٌ كَذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّهَا شَكَّتْ هَلْ عَادَتُهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ؟ فَقَالَ: سِتَّةٌ إذَا لَمْ تَذْكُرِي عَادَتَكِ، أَوْ سَبْعَةٌ إنْ ذَكَرْتِ أَنَّهَا عَادَتُكِ، أَوْ لَعَلَّ عَادَتَهَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِيهِمَا؟ فَقَالَ: سِتَّةٌ فِي شَهْرِ السِّتَّةِ، وَسَبْعَةٌ فِي شَهْرِ السَّبْعَةِ. وَالثَّانِي: تَحِيضُ غَالِبَ الْحَيْضِ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ طُهْرٌ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ طُهْرَهَا مَا ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ أَوْ غَالِبُهُ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فِيمَا عَدَا أَقَلَّ الْحَيْضِ إلَى أَكْثَرِهِ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ: وَطُهْرُهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ نَاقِصًا، فَنَصَّ عَلَى الْمُرَادِ. إذَا عَلِمَتْ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ: وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْأَظْهَرِ إلَيْهِ أَيْضًا أَيْ الْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا الْأَقَلُّ لَا الْغَالِبُ. وَالْأَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ طُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَا الْغَالِبُ، وَحِينَئِذٍ فَيُقْرَأُ: وَطُهْرَهَا بِالنَّصْبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ اهـ. نَعَمْ إنْ طَرَأَ لَهَا فِي أَثْنَاءِ الدَّمِ تَمْيِيزٌ عَادَتْ إلَيْهِ نَسْخًا لِمَا مَضَى بِالتَّمْيِيزِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 أَوْ مُعْتَادَةً بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ فَتَرُدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ - مِنْ كَوْنِ فَاقِدَةِ شَرْطِ تَمْيِيزٍ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ - هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا. وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ وَلَكِنَّ تَمْيِيزَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا تُسَمَّى غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ فَقَدَتْ شَرْطَ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ لَا مُمَيِّزَةً، وَتَقْدِيرُهُ أَوْ مُبْتَدَأَةً لَا مُمَيَّزَةً، أَوْ مُبْتَدَأَةٌ مُمَيَّزَةٌ فَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ اهـ وَهَذَا خِلَافٌ فِي مُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ صَحِيحٌ. . فَرْعٌ: لَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ عَشْرَ حُمْرَةً ثُمَّ مِثْلَهَا سَوَادًا تَرَكَتْ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا تَتْرُكُهُ الْحَائِضُ شَهْرًا ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ. قَالَا: وَلَا يُتَصَوَّرُ مُسْتَحَاضَةٌ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهَا قَدْ تُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ أَضْعَافَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ رَأَتْ كُدْرَةً، ثُمَّ صُفْرَةً، ثُمَّ شُقْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً، ثُمَّ سَوَادًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثَّلَاثِينَ: وَهِيَ قُوَّةُ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ مَعَ رَجَاءِ انْقِطَاعِهِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ دُورَ الْمَرْأَةِ غَالِبًا شَهْرٌ، وَالْخَمْسَةَ عَشْرَ الْأُولَى يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ بِالظُّهُورِ، فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا مَا يَنْسَخُهَا لِلْقُوَّةِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشْرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَيُتَصَوَّرُ كَمَا قَالَ الْبَارِزِيُّ (1) : أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِأَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشْرَ حُمْرَةً، ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فَتُؤْمَرُ بِالتَّرْكِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى أَيَّامَ عَادَتِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ لِقُوَّتِهَا رَجَاءَ اسْتِمْرَارِ التَّمْيِيزِ، وَفِي الثَّالِثَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اسْتَمَرَّ السَّوَادُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَرَدَّهَا الْعَادَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، فَقَالَ: (أَوْ) كَانَتْ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ (مُعْتَادَةً) غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ (بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ) وَهِيَ تَعْلَمُهُمَا قَدْرًا وَوَقْتًا (فَتَرُدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا) كَخَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهْرَاقُ الدَّمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِتَنْظُرْ عَدَدَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحَيُّضُهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَدَعْ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَتِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ» قَالَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَتَثْبُتُ بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ الْمُمَيِّزَةِ بِالتَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْمَجْمُوعِ: وَتُهْرَاقُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ: أَيْ تَصُبُّ، وَالدَّمُ مَنْصُوبٌ، بِالتَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، أَوْ بِالتَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ. وَالْمَعْنَى تُهْرِيقُ الدَّمَ. قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالُوا: لَكِنَّ الْعَرَبَ تَعْدِلُ بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا، وَهِيَ فِي مَعْنَى: تُسْتَحَاضُ، وَتُسْتَحَاضُ عَلَى وَزْنِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ (وَتَثْبُتُ) الْعَادَةُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ (بِمَرَّةٍ فِي الْأَصَحِّ) فَلَوْ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ قَدْ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِيهِ كَاَلَّذِي يَلِيهِ لِقُرْبِهِ إلَيْهَا، فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا انْقَضَى، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ. وَالثَّانِي: إنَّمَا تَثْبُتُ بِمَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَفْظَ الْعَادَةِ لَمْ يُرَدْ بِهِ نَصٌّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ. وَالثَّالِثُ: لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، لِحَدِيثِ «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرُئِكِ» وَالْأَقْرَاءُ جَمْعُ قُرْءٍ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ حَاضَتْ خَمْسَةً فِي شَهْرٍ، ثُمَّ سِتَّةً فِي آخَرَ، ثُمَّ سَبْعَةً فِي آخَرَ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِلَى السِّتَّةِ عَلَى الثَّانِي، وَإِلَى الْخَمْسَةِ عَلَى الثَّالِثِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا وَانْتَظَمَتْ كَأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً، وَفِي الثَّالِثِ سَبْعَةً، وَفِي الرَّابِعِ ثَلَاثَةً، وَفِي الْخَامِسِ خَمْسَةً، وَفِي السَّادِسِ سَبْعَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ، أَوْ فِي الثَّامِنِ فَإِلَى الْخَمْسَةِ، أَوْ فِي التَّاسِعِ فَإِلَى السَّبْعَةِ، وَهَكَذَا أَبَدًا، وَأَقَلُّ مَا تَسْتَقِيمُ الْعَادَةُ بِهِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَلَوْ لَمْ تَدُرْ الدَّوْرَ الثَّانِيَ عَلَى النَّظْمِ السَّابِقِ كَأَنْ اُسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ لَا إلَى الْعَادَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ لَمْ تَنْتَظِمْ بِأَنْ كَانَتْ تَتَقَدَّمُ هَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ أُخْرَى رُدَّتْ إلَى مَا قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ ذَكَرَتْهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ، ثُمَّ تَحْتَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ، فَإِنْ نَسِيَتْ مَا قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ، أَوْ نَسِيَتْ كَيْفِيَّةَ الدَّوَرَانِ دُونَ الْعَادَةِ حَيَّضْنَاهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ وَتَحْتَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ، وَتَغْتَسِلُ آخِرَ كُلِّ نَوْبَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عِنْدَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ، فَقَالَ (وَيُحْكَمُ لِلْمُعْتَادَةِ الْمُمَيِّزَةِ بِالتَّمْيِيزِ) حَيْثُ خَالَفَ الْعَادَةَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ (لَا الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ، فَاسْتُحِيضَتْ فَرَأَتْ عَشْرَةً سَوَادًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ حُمْرَةٌ، فَحَيْضُهَا الْعَشَرَةُ السَّوَادُ لِحَدِيثِ «دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» (1) وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ فِي الدَّمِ، وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ فِي صَاحِبَتِهِ، وَلِأَنَّهُ عَلَامَةٌ حَاضِرَةٌ، وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ قَدْ انْقَضَتْ. وَالثَّانِي يُحْكَمُ بِالْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَاسْتَقَرَّتْ، وَصِفَةُ الدَّمِ بِصَدَدِ الزَّوَالِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْهَا، وَالْبَاقِي بَعْدَ الْعَشَرَةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْخَمْسَةُ عَلَى الثَّانِي طُهْرٌ، فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ عُمِلَ بِهِمَا كَأَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 أَوْ مُتَحَيِّرَةً بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا، وَوَقْتًا، فَفِي قَوْلٍ كَمُبْتَدَأَةٍ. وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ، فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ   [مغني المحتاج] رَأَتْ بَعْدَ عَادَتِهَا الْخَمْسَةَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عِشْرِينَ أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَيْضٌ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا طُهْرًا كَامِلًا. وَقِيلَ: يُطَّرَدُ الْخِلَافُ، وَعِنْدَ التَّوَافُقِ الْأَمْرُ وَاضِحٌ. تَنْبِيهٌ: الْمُبْتَدَأَةُ: الْمُمَيِّزَةُ وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ وَالْمُعْتَادَةُ كَذَلِكَ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا تَتْرُكُهُ الْحَائِضُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ فَتَتَرَبَّصُ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فِي حَقِّهِنَّ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ فَيَقْضِينَ الصَّلَاةَ، وَكَذَا الصَّوْمَ إذَا نَوَيْنَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ لِتَلَاعُبِهِنَّ. أَمَّا إذَا نَوَيْنَ قَبْلَ وُجُودِ الدَّمِ أَوْ عِلْمِهِنَّ بِهِ أَوْ لِظَنِّهِنَّ أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ أَوْ لِجَهْلِهِنَّ بِالْحُكْمِ فَيَصِحُّ صَوْمُهُنَّ، أَوْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ، وَلِدُونِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا وَضَعِيفًا وَإِنْ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ عَلَى الْقَوِيِّ، فَإِنْ جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ رُدَّتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مَرَدِّهَا وَقَضَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ صَلَاةَ وَصَوْمَ مَا زَادَ عَلَى مَرَدِّهَا، ثُمَّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ يَتْرُكْنَ التَّرَبُّصَ وَيُصَلِّينَ وَيَفْعَلْنَ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَاتُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَدِّهِنَّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ، فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا، فَإِنْ شَفَيْنَ فِي دَوْرٍ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ كَانَ الْجَمِيعُ حَيْضًا كَمَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَيُعِدْنَ الْغُسْلَ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ صِحَّتِهِ لِوُقُوعِهِ فِي الْحَيْضِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْخَامِسَةِ. وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ فَقَالَ (أَوْ) كَانَتْ مَنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ (مُتَحَيِّرَةً) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَحَيُّرِهَا فِي أَمْرِهَا، وَتُسَمَّى الْمُحَيِّرَةَ أَيْضًا بِكَسْرِ الْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا، وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ نَاسِيَةً لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ، أَوْ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (بِأَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا) لِنَحْوِ غَفْلَةٍ أَوْ جُنُونٍ: وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ الْمُطْلَقَةُ (فَفِي قَوْلٍ كَمُبْتَدَأَةٍ) بِجَامِعِ فَقْدِ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي عَرَفَتْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ فِيهِ أَقَلَّ الْغَالِبِ أَوْ غَالِبَهُ كَمَا سَبَقَ. وَقِيلَ: هُنَا تُرَدُّ إلَى غَالِبِهِ قَطْعًا، فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ أَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ نَسِيَتْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ كَمَا سَبَقَ، فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ وَدَوْرُهَا شَهْرٌ هِلَالِيٌّ، وَمَتَى أُطْلِقَ الشَّهْرُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَالْمُرَادُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ (وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ) بِمَا يَجِيءُ: إذْ كُلُّ زَمَنٍ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ فَاشْتَبَهَ حَيْضُهَا بِغَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُ التَّبْعِيضُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ أَوَّلِهِ وَلَا جَعْلِهَا طَاهِرًا أَبَدًا فِي كُلِّ شَهْرٍ لِقِيَامِ الدَّمِ وَلَا حَائِضًا أَبَدًا فِي كُلِّ شَهْرٍ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِ، فَتَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ لِلضَّرُورَةِ لَا لِقَصْدِ التَّشْدِيدِ عَلَيْهَا (فَيَحْرُمُ) عَلَى الْحَلِيلِ (الْوَطْءُ) وَالِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْحَائِضِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ. وَقِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَالتَّحْرِيمُ دَائِمًا مُوقِعٌ فِي الْفَسَادِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ وُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مُتَوَقَّعٌ وَعِدَّتُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ لِتَضَرُّرِهَا بِطُولِ الِانْتِظَارِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَإِنْ ذَكَرَتْ الْأَدْوَارَ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وَمَسُّ الْمُصْحَفِ، وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا، وَكَذَا النَّفَلُ فِي الْأَصَحِّ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ،   [مغني المحتاج] وَلَا تَجْمَعُ تَقْدِيمًا لِسَفَرٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ تَقَدُّمَ الْأُولَى صَحِيحَةٌ يَقِينًا أَوْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، وَلَا تَؤُمُّ فِي صَلَاتِهَا بِطَاهِرٍ وَلَا مُتَحَيِّرَةٍ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُهَا الْفِدَاءُ عَنْ صَوْمِهَا إنْ أَفْطَرَتْ لِلرَّضَاعِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَائِضًا. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَبْوَابِهَا، وَإِنَّمَا جَمَعْنَاهَا هُنَا لِتُحْفَظَ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (مَسُّ الْمُصْحَفِ) وَحَمْلُهُ كَمَا عُلِمَ بِالْأُولَى (وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) لِاحْتِمَالِهِ أَيْضًا. أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقًا، وَقِيلَ تُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا خَوْفَ النِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ لِقَصْرِ زَمَنِ الْجَنَابَةِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ كَالْجُنُبِ الْفَاقِدِ لِلطَّهُورَيْنِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْجُنُبَ حَدَثُهُ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِهَا، وَشَمَلَ كَلَامُهُ تَحْرِيمَ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذَا كَانَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ لَا لِغَرَضٍ، فَإِنْ كَانَ لِلصَّلَاةِ فَكَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيهَا أَوْ لِاعْتِكَافٍ أَوْ طَوَافٍ فَكَالصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ شَيْخِي وَتَطُوفُ الْفَرْضَ (وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا) وُجُوبًا فِيهِمَا لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكْتُوبِ وَالْمَنْذُورِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ كَذَلِكَ (وَكَذَا النَّفَلُ) أَيْ لَهَا صَلَاتُهُ وَطَوَافُهُ وَصِيَامُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مِنْ، مُهِمَّاتِ الدِّينِ فَلَا وَجْهَ لِحِرْمَانِهَا مِنْهُ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. وَقِيلَ تُصَلِّي الرَّاتِبَةَ دُونَ غَيْرِهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَاقْتَضَى إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ النَّفْلِ لَهَا بَيْنَ أَنْ يَبْقَى وَقْتُ الْفَرِيضَةِ أَوْ يَخْرُجَ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَخَالَفَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ فَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمَ الْجَوَازِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ حَدَثَهَا يَتَجَدَّدُ، وَنَجَاسَتَهَا تَتَزَايَدُ، وَمَعَ هَذَا فَمَا فِي الزَّوَائِدِ أَوْجَهُ، وَقَضِيَّةُ سُكُوتِ الْمُصَنِّفِ عَنْ قَضَاءِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ وَتَصْرِيحُهُ بِوُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ. قَالَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا أَوْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ، لَكِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ يَطُولُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ النَّصَّ وَطَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ: غَيْرُ الْمُتَحَيِّرَةُ وَقَدْ بَيَّنْتُ التَّفْرِيعَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ (وَتَغْتَسِلُ) وُجُوبًا إنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَقَطِّعًا (لِكُلِّ فَرْضٍ) بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ عَلِمَتْ وَقْتَ الِانْقِطَاعِ كَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا عَقِبَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ الْغُسْلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَأَمَّا ذَاتُ التَّقَطُّعِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهْرًا كَامِلَيْنِ، فَيَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا، وَثَلَاثَةً آخِرَهَا، فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْبَاقِيَانِ،   [مغني المحتاج] زَمَنَ النَّقَاءِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ سَبَبُهُ الِانْقِطَاعُ، وَالدَّمُ مُنْقَطِعٌ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةَ إلَى الصَّلَاةِ عَقِبَ الْغُسْلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا كَمَا فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمُبَادَرَةَ هُنَاكَ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ، وَالْغُسْلُ إنَّمَا تُؤْمَرُ بِهِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ، وَلَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُ الِانْقِطَاعِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَإِذَا أَخَّرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ فَقَطْ (وَتَصُومُ) وُجُوبًا (رَمَضَانَ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا جَمِيعَهُ (ثُمَّ شَهْرًا كَامِلَيْنِ) بِأَنْ يَكُونَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ وَتَأْتِي بَعْدَهُ بِثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةٍ (فَيَحْصُلُ) لَهَا (مِنْ كُلِّ) مِنْهُمَا (أَرْبَعَةَ عَشَرَ) يَوْمًا إذَا لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا بِأَنْ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا أَوْ شَكَّتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَيَطْرَأُ الدَّمُ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ، وَيَنْقَطِعُ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَيَفْسُدَ عَلَيْهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَيْضِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ مُبْطِلٌ لَهُ. أَمَّا إذَا اعْتَادَتْهُ لَيْلًا فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَرُبَّمَا تُرَدُّ هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَوْلُهُ كَامِلَيْنِ حَالٌ مِنْ رَمَضَانَ وَشَهْرًا وَإِنْ كَانَ شَهْرًا نَكِرَةً، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا حَصَلَ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَالْمَقْضِيُّ مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِذَا صَامَتْ شَهْرًا كَامِلًا بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَ عَلَيْهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ يَوْمَانِ، فَلَوْ قَالَ: وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ شَهْرًا كَامِلًا وَيَبْقَى يَوْمَانِ لَأَغْنَى عَنْ كَامِلَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ: قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ (ثُمَّ) إذَا بَقِيَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَوْمٍ فَلَهَا فِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ: إحْدَاهُمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَتَجْرِي فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا أَنْ تُضْعِفَ مَا عَلَيْهَا وَتَزِيدَ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ فَتَصُومَ مَا عَلَيْهَا وَلَاءً مَتَى شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْتِيَ بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ صَوْمِهَا وَتَأْتِيَ بِالْيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا تَوَالِيًا أَوْ تَفَرُّقًا اتَّصَلَا بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي أَوْ لَمْ يَتَّصِلَا بِوَاحِدٍ أَوْ اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْأَوَّلِ وَالْآخَرُ بِالثَّانِي، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِقَوْلِهِ (تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) يَوْمًا (ثَلَاثَةً أَوَّلُهَا وَثَلَاثَةً) مِنْ (آخِرِهَا فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْبَاقِيَانِ) لِأَنَّهَا قَدْ ضَاعَفَتْ الصَّوْمَ الَّذِي عَلَيْهَا وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفْسِدُهُ الْحَيْضُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ لَهَا يَوْمَانِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ صَوْمِهَا انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ، أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي انْقَطَعَ فِي السَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ، أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ انْقَطَعَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ لَهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ انْقَطَعَ الثَّانِي فَيَحْصُلُ لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّالِثِ فَيَحْصُل لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ. وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ فِي مَعْرِضِ بَيَانِ الْأَقَلِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُمْكِنُ بِخَمْسَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ وَاسْتَحْسَنَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَجْرِي فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا: أَنْ تَصُومَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقٍ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تُعِيدُ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ غَيْرَ الزِّيَادَةِ يَوْمَ سَابِعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ ثُمَّ الثَّالِثَ، وَالسَّابِعَ عَشَرَ. وَإِنْ حَفِظَتْ شَيْئًا فَلِلْيَقِينِ حُكْمُهُ، وَهِيَ فِي الْمُحْتَمَلِ كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ، وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَاتِ، وَإِنْ احْتَمَلَ انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ.   [مغني المحتاج] عَشْرَةَ وَلَهَا تَأْخِيرُهُ إلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيهِ، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِقَوْلِهِ (وَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ثُمَّ الثَّالِثَ) مِنْ الْأَوَّلِ (وَالسَّابِعَ عَشَرَ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَامَتْ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا أَوَّلًا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَهُ فَيَقَعُ لَهَا يَوْمٌ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي الطُّهْرِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَقَدْ عَلِمْتَ كَيْفِيَّتَهُ فِي الطَّرِيقَةِ الْأُولَى، وَفِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ اسْتَوَى سَابِعَ عَشَرَ الْأَوَّلِ وَخَامِسَ عَشَرَ ثَانِيَهُ؛ لِأَنَّهَا فَرَّقَتْ صَوْمَهَا بِيَوْمٍ فَلَوْ فَرَّقَتْهُ بِأَكْثَرَ تَغَايَرَ. هَذَا فِي غَيْرِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ. أَمَّا الْمُتَتَابِعُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَإِنْ كَانَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا صَامَتْهُ وَلَاءً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. الثَّالِثَةُ مِنْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ شُرُوعُهَا فِي الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى الْأَكْثَرُ، وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ وَلَاءً تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيهِ وَسَابِعَ عَشْرَهُ وَثَامِنَ عَشَرَهُ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَاءً غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّوْمَيْنِ فَتَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ فُقِدَ فِي الْأَوَّلَيْنِ صَحَّ صَوْمُهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ الْأَخِيرَانِ إذْ لَمْ يَعُدْ فِيهِمَا، وَإِلَّا فَالْمُتَوَسِّطَانِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي صَحَّا أَيْضًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ انْقَطَعَ فِيهِ صَحَّ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ، وَتَخَلُّلُ الْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ الْوَلَاءَ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي تَخَلَّلَهُ قَدْرًا يَسَعُهُ وَقْتَ الطُّهْرِ لِضَرُورَةِ تَحَيُّرِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَتَابِعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا صَامَتْ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَاءً ثُمَّ تَصُومُ قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلَاءً بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّتَّةِ عَشَرَ فَلِقَضَاءِ ثَمَانِيَةٍ مُتَتَابِعَةٍ تَصُومُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَاءً فَتَبْرَأُ؛ إذْ الْغَايَةُ بُطْلَانُ سِتَّةَ عَشَرَ فَيَبْقَى لَهَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ الْوَسَطِ وَلِقَضَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهَا شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَاءً فَتَبْرَأُ إذْ يَحْصُلُ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَمَنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ احْتَمَلَ وُقُوعَ الْفِطْرِ فِي الطُّهْرِ فَيَقْطَعُ الْوَلَاءَ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَالَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ فَقَالَ: (وَإِنْ حَفِظَتْ) مِنْ عَادَتِهَا (شَيْئًا) وَنَسِيَتْ شَيْئًا كَأَنْ ذَكَرَتْ الْوَقْتَ دُونَ الْقَدْرِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَلِلْيَقِينِ) مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (حُكْمُهُ) وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ: أَنَّ هَذِهِ تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، فَكَلَامُ الْجُمْهُورِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ (وَهِيَ) أَيْ الْمُتَحَيِّرَةُ الْحَافِظَةُ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ (فِي) الزَّمَنِ (الْمُحْتَمَلِ) لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ (كَحَائِضٍ فِي الْوَطْءِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ (وَطَاهِرٍ فِي الْعِبَادَاتِ) لِمَا سَبَقَ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ (وَإِنْ احْتَمَلَ انْقِطَاعًا وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرْضٍ) لِلِاحْتِيَاطِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَقَطْ، وَيُسَمَّى مُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعِ طُهْرًا مَشْكُوكًا فِيهِ وَاَلَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ حَيْضًا مَشْكُوكًا فِيهِ، مِثَالُ الْحَافِظَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وَالْأَظْهَرُ أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ وَالنَّقَاءَ بَيْنَ أَقَلِّ الْحَيْضِ حَيْضٌ.   [مغني المحتاج] لِلْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ كَأَنْ تَقُولَ: كَانَ حَيْضِي يَبْتَدِئُ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْحَيْضِ، وَنِصْفُهُ الثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ وَالِانْقِطَاعَ، وَمِثَالُ الْحَافِظَةِ لِلْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ تَقُولَ: حَيْضِي خَمْسَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ ابْتِدَاءَهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرٌ فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ، وَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ كَالْعَشْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَالثَّانِي إلَى آخِرِ الْخَامِسِ مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَلِلِانْقِطَاعِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَصْحَابُ: إنَّ الْحَافِظَةَ لِلْقَدْرِ إنَّمَا تَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إذَا حَفِظَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاؤُهُ وَقَدْرَ الْحَيْضِ كَمَا مَثَّلْنَا، فَلَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةٌ وَأَضْلَلْتُهَا فِي دَوْرِي وَلَا أَعْرِفُ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِي حِفْظِهَا لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةٌ وَدَوْرِي ثَلَاثُونَ وَلَا أَعْرِفُ ابْتِدَاءَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: حَيْضِي خَمْسَةٌ وَابْتِدَاؤُهُ يَوْمُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قَدْرَ دَوْرِي، نَعَمْ لَوْ صَامَتْ رَمَضَانَ وَكَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةً فِي ثَلَاثِينَ فَيَصِحُّ لَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إنْ عَلِمَتْ حَيْضَهَا كَأَنْ يَبْتَدِئَهَا فِي اللَّيْلِ وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا، فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا بِالنَّهَارِ أَوْ شَكَّتْ حَصَلَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَتَقْضِي الْخَمْسَةَ فِي أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ قَالَتْ: كُنْتُ أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ حَيْضًا فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ حَيْضٌ يَقِينًا وَمَا بَيْنَ الْأُولَى وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَةَ، وَهَذِهِ اللَّحْظَةُ مَعَ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ يَقِينًا، ثُمَّ إلَى اللَّحْظَةِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ دُونَ الِانْقِطَاعِ (وَالْأَظْهَرُ) الْجَدِيدُ (أَنَّ دَمَ الْحَامِلِ) حَيْضٌ وَإِنْ وَلَدَتْ مُتَّصِلًا بِآخِرِهِ بِلَا تَخَلُّلِ نَقَاءٍ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ دَمَيْ الْجِبِلَّةِ وَالْعِلَّةِ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعِلَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ بِهِ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا لِطَلَبِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَنْقَضِي بِهَا، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا كَأَنْ فُسِخَ نِكَاحُ صَبِيٍّ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا أَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حَامِلًا مِنْ زِنًا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الزِّنَا كَالْمَعْدُومِ، وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ مَثَّلَ لِذَلِكَ بِمَوْتِ صَبِيٍّ عَنْ زَوْجَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زِنًا، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْمَيِّتِ إنَّمَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْأَقْرَاءِ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ بَلْ هُوَ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَسُدُّ مَخْرَجَ الْحَيْضِ وَقَدْ جُعِلَ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ الشَّارِعُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ (وَ) الْأَظْهَرُ أَنَّ (النَّقَاءَ بَيْنَ) دِمَاءِ (أَقَلِّ الْحَيْضِ) فَأَكْثَرَ (حَيْضٌ) تَبَعًا لَهَا بِشُرُوطٍ: وَهِيَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ تَنْقُصْ الدِّمَاءُ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّقَاءُ مُحْتَوَشًا بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ، فَإِذَا كَانَتْ تَرَى وَقْتًا دَمًا وَوَقْتًا نَقَاءً وَاجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ حَكَمْنَا عَلَى الْكُلِّ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وَأَقَلُّ النِّفَاسِ لَحْظَةٌ، وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ، وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ،   [مغني المحتاج] يُسَمَّى قَوْلَ السَّحْبِ. وَالثَّانِي: أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إذَا دَلَّ عَلَى الْحَيْضِ وَجَبَ أَنْ يَدُلَّ النَّقَاءُ عَلَى الطُّهْرِ، وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ اللَّقْطِ وَقَوْلَ التَّلْفِيقِ، أَمَّا النَّقَاءُ بَعْدَ آخِرِ الدِّمَاءِ فَطُهْرٌ قَطْعًا، وَإِنْ نَقَصَتْ الدِّمَاءُ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَهِيَ دَمُ فَسَادٍ، وَإِنْ زَادَتْ مَعَ النَّقَاءِ بَيْنَهَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهِيَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُجْعَلُ النَّقَاءُ طُهْرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إجْمَاعًا وَفِيمَا إذَا زَادَ النَّقَاءُ عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دَفَعَاتِ الْحَيْضِ. أَمَّا الْفَتَرَاتُ فَهِيَ حَيْضٌ قَطْعًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَتْرَةِ وَالنَّقَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْفَتْرَةَ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا جَرَيَانُ الدَّمِ وَيَبْقَى أَثَرٌ لَوْ أَدْخَلَتْ قُطْنَةً فِي فَرْجِهَا لَخَرَجَتْ مُلَوَّثَةٌ، وَالنَّقَاءُ أَنْ تَخْرُجَ نَقِيَّةً لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَالدَّمُ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ حَيْضٌ كَالْخَارِجِ بَعْدَ عُضْوٍ انْفَصَلَ مِنْ الْوَلَدِ الْمُجْتَنِّ لِخُرُوجِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الرَّحِمِ كَدَمِ الْحَامِلِ بَلْ أَوْلَى بِكَوْنِهِ حَيْضًا إذْ إرْخَاءُ الدَّمِ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ أَقْرَبُ مِنْهُ قَبْلَهُمَا لِانْفِتَاحِ فَمِ الرَّحِمِ لِلْوِلَادَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ: إنَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ وَالنَّقَاءُ بَيْنَ الدَّمِ حَيْضٌ ثُمَّ أَصْلَحَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ بَيْنَ أَقَلِّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْسَحِبُ إذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ اهـ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَهَذِهِ النُّسْخَةُ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا السُّبْكِيُّ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَقَدْ رَأَيْت نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ الَّتِي بِخَطِّهِ، وَقَدْ أُصْلِحَتْ كَمَا قَالَ بِغَيْرِ خَطِّهِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَأَقْسَامِهَا شَرَعَ فِي ذِكْرِ النِّفَاسِ وَقَدْرِهِ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ النِّفَاسِ) مَجَّةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ أَيْ دَفْعَةٌ، وَزَمَانُهَا (لَحْظَةٌ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ: أَيْ لَا يَتَقَدَّرُ بَلْ مَا وُجِدَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ يَكُونُ نِفَاسًا، وَلَا يُوجَدُ أَقَلُّ مِنْ مَجَّةٍ، فَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَاتِ كَمَا قَالَ فِي الْإِقْلِيدِ وَاحِدٌ، وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ لُغَةً الْوِلَادَةُ، وَشَرْعًا مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ؛ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَقِبَ النَّفَسِ، أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَنَفَّسَ الصُّبْحُ إذَا ظَهَرَ، وَيُقَالُ لِذَاتِ النِّفَاسِ: نُفَسَاءُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَجَمْعُهَا نِفَاسٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إلَّا نَاقَةٌ عَشْرَاءُ فَجَمْعُهَا عِشَارُ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير: 4] [التَّكْوِيرُ] وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا، وَبِكَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ. وَأَمَّا الْحَائِضُ فَيُقَالُ فِيهَا: نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ) يَوْمًا (وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ) يَوْمًا اعْتِبَارًا بِالْوُجُودِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا» (1) فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، أَوْ عَلَى نِسْوَةٍ مَخْصُوصَاتٍ، فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» . وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ: فَقِيلَ: بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ، فَأَوَّلُهُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالْحَيْضِ، وَعُبُورُهُ سِتِّينَ كَعُبُورِهِ أَكْثَرَهُ.   [مغني المحتاج] خُرُوجُهُ عَنْ الْوِلَادَةِ مِنْ الْخُرُوجِ لَا مِنْهَا، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَكْسَ مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّةُ الْأَخْذِ بِالْأَوَّلِ أَنَّ زَمَنَ النَّقَاءِ لَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ، لَكِنَّ الْبُلْقِينِيُّ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ: ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَزَمَنُ النَّقَاء لَا نِفَاسَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ السِّتِّينَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا اهـ. وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ مَا فَاتَهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا أَنَّ صَوْمَهَا يَبْطُلُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ هُنَاكَ دَمًا إنْ خَفِيَ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى حَلِيلِهَا أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قَبْلَ غُسْلِهَا، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي يَمِيلُ إلَى الثَّانِي، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ وَإِنْ كُنْتُ جَرَيْتُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَرَ الدَّمَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ، فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَعَلَى هَذَا فَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا قَبْلَ غُسْلِهَا كَالْجُنُبِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الصِّيَامِ إنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهَا بِالْوَلَدِ الْجَافِّ: مَحَلُّهُ مَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَائِدَةٌ: أَبْدَى أَبُو سَهْلٍ (1) مَعْنًى لَطِيفًا فِي كَوْنِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ سِتِّينَ: أَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَتَغَيَّرُ ثُمَّ يَمْكُثُ مِثْلَهَا عَلَقَةً، ثُمَّ مِثْلَهَا مُضْغَةً، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْوَلَدُ يَتَغَذَّى بِدَمِ الْحَيْضِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجْتَمِعُ الدَّمُ مِنْ حِينِ النَّفْخِ لِكَوْنِهِ غِذَاءَ الْوَلَدِ، وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا: وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَيَكُونُ أَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتِّينَ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَكْثَرُهُ سَبْعُونَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُونَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (وَيَحْرُمُ بِهِ مَا حَرُمَ بِالْحَيْضِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَيْضَ يُوجِبُ الْبُلُوغَ، وَالنِّفَاسُ لَا يُوجِبُهُ، لِثُبُوتِهِ قَبْلُ بِالْإِنْزَالِ الَّذِي حَبِلَتْ مِنْهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْحَيْضَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ، وَلَا يَتَعَلَّقَانِ بِالنِّفَاسِ لِحُصُولِهِمَا قَبْلَهُ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ: وَلَا يُسْقِطُ بِأَقَلِّهِ الصَّلَاةَ: أَيْ لِأَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِي الْأَثْنَاءِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهَا، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ فَقَدْ لَزِمَتْ بِالِانْقِطَاعِ، بِخِلَافِ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْوَقْتَ، وَرُبَّمَا يُقَالُ: قَدْ يُسْقِطُهُ فِيمَا إذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ، فَنَفِسَتْ أَقَلَّ النِّفَاسِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُسْتَثْنَى مَا قَالَهُ (وَعُبُورُهُ) أَيْ النِّفَاسِ (سِتِّينَ) يَوْمًا (كَعُبُورِهِ) أَيْ الْحَيْضِ (أَكْثَرَهُ) ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ كَالْحَيْضِ فِي غَالِبِ أَحْكَامِهِ، فَكَذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فِي الرَّدِّ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ، فَيُنْظَرُ أَمُبْتَدِئَةٌ فِي النِّفَاسِ أَمْ مُعْتَادَةٌ؟ مُمَيِّزَةٌ أَمْ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ؟ وَيُقَاسُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ، فَتُرَدُّ الْمُمَيِّزَةُ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى التَّمْيِيزِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى سِتِّينَ، وَلَا ضَبْطَ فِي الضَّعِيفِ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إلَى لَحْظَةٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ إلَى التَّمْيِيزِ لَا الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ الْحَافِظَةُ إلَى الْعَادَةِ، وَتَثْبُتُ بِمَرَّةٍ: أَيْ إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ، وَالنَّاسِيَةُ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ فِي قَوْلٍ وَتَحْتَاطُ فِي الْآخَرِ الْأَظْهَرُ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ مُتَحَيِّرَةٍ مُطْلَقَةٍ فِي النِّفَاسِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ لَا تَرَى نِفَاسًا أَصْلًا إذَا وَلَدَتْ فَرَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ السِّتِّينَ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدِئَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ ابْتِدَاءُ نِفَاسِهَا مَعْلُومًا وَبِهِ يَنْتَفِي التَّحَيُّرُ الْمُطْلَقُ. خَاتِمَةٌ: يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعَلُّمُ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَالِمًا لَزِمَهُ تَعْلِيمُهَا، وَإِلَّا فَلَهَا الْخُرُوجُ لِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ بَلْ يَجِبُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهَا إلَّا أَنْ يَسْأَلَ هُوَ وَيُخْبِرَهَا فَتَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى مَجْلِسِ ذِكْرٍ أَوْ تَعَلُّمِ خَيْرٍ إلَّا بِرِضَاهُ، وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ حَيْثُ يُشْرَعُ لَهَا التَّيَمُّمُ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَ الدَّمِ اُسْتُحِبَّ لَهَا التَّوَقُّفُ فِي الْوَطْءِ احْتِيَاطًا. وَفِي كُتُبِ الْغَرِيبِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ الْغَائِصَةَ وَالْمُغَوِّصَةَ» فَالْغَائِصَةُ: هِيَ الَّتِي لَا تُعْلِمُ زَوْجَهَا أَنَّهَا حَائِضٌ لِيَجْتَنِبَهَا، فَيُجَامِعَهَا وَهِيَ حَائِضٌ، وَالْمُغَوِّصَةُ: هِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ حَائِضًا فَتَكْذِبُ عَلَى زَوْجِهَا، وَتَقُولُ: أَنَا حَائِضٌ لِيَجْتَنِبَهَا. . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 كِتَابُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الصَّلَاةِ] ِ جَمْعُهَا صَلَوَاتٌ، وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] [التَّوْبَةُ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَتَقَدَّمَ بَسْطُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَلِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى التَّعَطُّفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى، وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْغَالِبِ، فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْمَكْتُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَأَفْضَلُ، فَقَالَ (الْمَكْتُوبَاتُ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ الْعَيْنِيَّةُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (خَمْسٌ) مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] [الْبَقَرَةُ] : أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا، وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] [النِّسَاءُ] : أَيْ مُحَتَّمَةً مُوَقَّتَةً، وَأَخْبَارٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» (1) ، وَقَوْلِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» ، وَقَوْلِهِ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» (2) . وَأَمَّا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا، وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا، وَالصَّحِيحُ: نَعَمْ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْعَيْنِيَّةُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، لَكِنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ الْعَيْنِيَّةِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي كَلَامِهِ إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ وَهُوَ رَأْيٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَكَانَ فَرْضُ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَمَا مَرَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. فَائِدَةٌ: فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّ الصُّبْحَ كَانَتْ صَلَاةَ آدَمَ، وَالظُّهْرَ كَانَتْ صَلَاةَ دَاوُد، وَالْعَصْرَ كَانَتْ صَلَاةَ سُلَيْمَانَ، وَالْمَغْرِبَ كَانَتْ صَلَاةَ يَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءَ كَانَتْ صَلَاةَ يُونُسَ وَأَوْرَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 الظُّهْرُ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ،   [مغني المحتاج] فِي ذَلِكَ خَبَرًا، فَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأُمَّتِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَلِكَثْرَةِ الْأُجُورِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ. وَلَمَّا كَانَتْ الظُّهْرُ أَوَّلَ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] [الْإِسْرَاءُ] بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهَا، فَقَالَ (الظُّهْرُ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ أَيْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَسَطَ النَّهَارِ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَلِمَ لَمْ يَبْدَأْ بِالصُّبْحِ؟ . أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. الثَّانِي: أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالصَّلَاةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى بَيَانِهَا وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ. وَلَمَّا صَدَّرَ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبَابَ بِذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ، وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] [الرُّومُ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَبِحِينَ تُصْبِحُونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَبِعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَبِحِينَ تُظْهِرُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَخَبَرُ (1) «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِين أَفْطَرَ الصَّائِمُ. أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَالْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ، وَقَالَ: هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ وَالْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: «صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ» أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» (2) وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ (وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) أَيْ الظُّهْرِ (زَوَالُ الشَّمْسِ) أَيْ وَقْتُ زَوَالِهَا: يَعْنِي يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالزَّوَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ الْمُسَمَّى بُلُوغَهَا إلَيْهِ بِحَالَةِ الِاسْتِوَاءِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ ظِلِّ الشَّيْءِ عَلَى ظِلِّهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ أَوْ بِحُدُوثِهِ إنْ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ ظِلٌّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَمَكَّةَ وَصَنْعَاءَ الْيَمَنِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ، فَلَوْ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ ثُمَّ ظَهَرَ الزَّوَالُ عَقِبَ التَّكْبِيرِ أَوْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 وَآخَرُهُ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ. وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ،   [مغني المحتاج] أَثْنَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الظُّهْرُ، وَإِنْ كَانَ التَّكْبِيرُ حَاصِلَا بَعْدَ الزَّوَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْفَجْرِ وَغَيْرِهِ (وَآخَرُهُ) أَيْ وَقْتِ الظُّهْرِ (مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ) الْمَوْجُودِ عِنْدَ الزَّوَالِ، وَإِذَا أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ الزَّوَالِ فَاعْتَبِرْهُ بِقَامَتِكَ أَوْ شَاخِصٍ تُقِيمُهُ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ، وَعَلِّمْ عَلَى رَأْسِ الظِّلِّ، فَمَا زَالَ الظِّلُّ يَنْقُصُ مِنْ الْخَطِّ فَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ وَقَفَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَهُوَ وَقْتُ الِاسْتِوَاءِ، وَإِنْ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ عُلِمَ أَنَّ الشَّمْسَ زَالَتْ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَقَامَةُ كُلِّ إنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ. وَالشَّمْسُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ. وَقَالَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ فِي السَّادِسَةِ: وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَمَرِ لِكَثْرَةِ نَفْعِهَا. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَلِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى آخِرِهِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْء مِثْلَ رُبْعِهِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَ نِصْفِهِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِهِ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَلَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَسَيَأْتِي، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا وَلَا عُذْرَ وَإِنْ وَقَعَتْ أَدَاءً، وَيَجْرِيَانِ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ. فَائِدَةٌ: الظِّلُّ أَصْلُهُ السَّتْرُ، وَمِنْهُ أَنَا فِي ظِلِّ فُلَانٍ، وَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ، وَهُوَ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْفَيْءُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ. وَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا إذَا تَرَاءَتْ لَهُ شَجَرَةٌ يَقُولُ: «يَا رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ فِي ظِلِّهَا» الْحَدِيثُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَظِلُّ وَالشَّمْسُ قَدْ كُوِّرَتْ؟ . أَجَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] [الْوَاقِعَةُ] ، وَبِقَوْلِهِ: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ} [يس: 56] [يس] . إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَكْوِيرِ الشَّمْسِ عَدَمُ الظِّلِّ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِعَدَمِيٍّ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَهُ نَفْعٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَبَدَانِ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ الظِّلُّ عَدَمَ الشَّمْسِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. . (وَهُوَ) أَيْ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى مَا مَرَّ (أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُدُوثُ زِيَادَةٍ فَاصِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْء مِثْلَهُ وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: فَإِذَا جَاوَزَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ بِأَقَلَّ زِيَادَةٍ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا ذُكِرَ، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ إلَّا بِهَا وَهِيَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَقِيلَ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا (وَيَبْقَى) وَقْتُهُ (حَتَّى تَغْرُبَ) الشَّمْسُ لِحَدِيثِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ مِثْلَيْنِ. وَالْمَغْرِبُ بِالْغُرُوبِ، وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ،   [مغني المحتاج] وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ فِي مُسْلِمٍ «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ» (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ إنْ كَانَ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمَارِّ، وَسُمِّيَ مُخْتَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجْحَانِ عَلَى مَا بَعْدَهُ. وَفِي الْإِقْلِيدِ: يُسَمَّى بِذَلِكَ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ (1) : يَخْرُجُ وَقْتُ الْعَصْرِ بِمَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ بِالثُّلُثِ، وَالصُّبْحِ بِالْإِسْفَارِ لِظَاهِرِ بَيَانِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَلِلْعَصْرِ سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَهُوَ آخِرُ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا أَدَاءٌ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ بِوَقْتِ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، وَهَذَا الْوَقْتُ وَقْتُ إيجَابٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ هُوَ الْمُحَرَّمُ، لَا نَفْسُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ اهـ. وَيَأْتِي هَذَا النَّظَرُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ: وَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ ثَامِنًا، وَهُوَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ عَمْدًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ قَضَاءً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ لَا تَصِيرُ قَضَاءً، وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا، وَهُوَ وَقْتُ أَدَاءً إذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَقَطْ. . (وَالْمَغْرِبُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْغُرُوبِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ. وَأَصْلُ الْغُرُوبِ الْبُعْدُ، يُقَالُ غَرَبَ بِفَتْحِ الرَّاءِ إذَا بَعُدَ وَالْمُرَادُ تَكَامُلُ الْغُرُوبِ، وَيُعْرَفُ فِي الْعُمْرَانِ بِزَوَالِ الشُّعَاعِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَإِقْبَالِ الظَّلَامِ مِنْ الْمَشْرِقِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ) لِمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» (2) وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ هَذَا، وَخَرَجَ بِالْأَحْمَرِ الْأَصْفَرُ وَالْأَبْيَضُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْحُمْرَةُ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ (وَفِي الْجَدِيدِ يَنْقَضِي) وَقْتُهَا (بِمُضِيِّ قَدْرِ) زَمَنِ (وُضُوءٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ) ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ جِبْرِيلَ إنَّمَا بَيَّنَ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ الْجَائِزُ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى قَدْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسِ الْمَغْرِبُ وَسُنَّتُهَا الْبَعْدِيَّةُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ سَبْعَ رَكَعَاتٍ فَزَادَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ فِي الْكِتَابِ اسْتِحْبَابَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَاسْتَحَبَّ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ أَرْبَعًا بَعْدَهَا، فَيُعْتَبَرُ عَلَى هَذَا تِسْعُ رَكَعَاتٍ، وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ الْوَسَطُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا قَدْرُ أَكْلِ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَّةَ الْجُوعِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، لَكِنْ صَوَّبَ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ الشِّبَعِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ» وَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الشِّبَعِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، وَالْعَشَاءُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَتَحْسَبُونَهُ عَشَاءَكُمْ الْخَبِيثَ إنَّمَا كَانَ أَكْلُهُمْ لُقَيْمَاتٍ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالطُّهْرِ بَدَلَ الْوُضُوءِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ وَإِزَالَةَ الْخَبَثِ، وَعَبَّرَ جَمَاعَةٌ بِلُبْسِ الثِّيَابِ بَدَلَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِتَنَاوُلِهِ التَّعَمُّمَ وَالتَّقَمُّصَ وَالِارْتِدَاءَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلصَّلَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ. وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجَمْعِ وُقُوعُ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْمَتْبُوعَةِ، فَكَيْفَ يَنْحَصِرُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فِيمَا ذُكِرَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَقْتَ الْمَذْكُورَ يَسَعُ صَلَاتَيْنِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ الشَّرَائِطُ عِنْدَ الْوَقْتِ مُجْتَمِعَةً فَإِنْ فُرِضَ ضِيقُهُ عَنْهُمَا لِأَجْلِ اشْتِغَالِهِ بِالْأَسْبَابِ امْتَنَعَ الْجَمْعُ (وَلَوْ شَرَعَ) فِيهَا (فِي الْوَقْتِ) عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ (وَمَدَّ) بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا (حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ خَرَجَ بِذَلِكَ وَقْتُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَدَّ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طَوَّلَ مَرَّةً فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقِيلَ لَهُ: كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، قَالَ: لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِالْأَعْرَافِ الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ وَقِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْرُبُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِتَدَبُّرِهِ لَهَا وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ بَعْضُهَا عَنْ الْوَقْتِ تَكُونُ قَضَاءً كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْمَدِّ فَيَتَّجِهُ إيقَاعُ رَكْعَةٍ فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ إيقَاعُ رَكْعَةٍ لِتَسْمِيَتِهَا أَدَاءً وَإِلَّا فَتَكُونُ قَضَاءً لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَعَ فِيهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ (قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بَلْ جَدِيدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 وَالْعِشَاءُ بِمَغِيبِ الشَّفَقِ، وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ وَالصُّبْحُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ،   [مغني المحتاج] فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ. مِنْهَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَمَا مَرَّ، وَأَيْضًا أَحَادِيثُ مُسْلِمٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ بِمَكَّةَ، وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ رُوَاةً وَأَصَحُّ إسْنَادًا مِنْهُ. قَالَ وَعَلَى هَذَا لِلْمَغْرِبِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَاخْتِيَارٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتَ الْعِشَاءِ لِمَنْ يَجْمَعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ اهـ، وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَهَا أَيْضًا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ أَدَاءً، وَهُوَ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً فَقَطْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ. . (وَالْعِشَاءُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِمَغِيبِ الشَّفَقِ) الْأَحْمَرِ لِمَا سَبَقَ، لَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْفَرِ ثُمَّ الْأَبْيَضِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِلْمُزَنِيِّ فِي الثَّانِي، وَمَنْ لَا عِشَاءَ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا بِنَوَاحٍ لَا يَغِيبُ فِيهَا شَفَقُهُمْ يُقَدِّرُونَ قَدْرَ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ كَعَادِمِ الْقُوتِ الْمُجْزِئِ فِي الْفِطْرَةِ بِبَلَدِهِ: أَيْ فَإِنْ كَانَ شَفَقُهُمْ يَغِيبُ عِنْدَ رُبْعِ لَيْلِهِمْ مَثَلًا اُعْتُبِرَ مِنْ لَيْلِ هَؤُلَاءِ بِالنِّسْبَةِ، لَا أَنَّهُمْ يَصْبِرُونَ بِقَدْرِ مَا يَمْضِي مِنْ لَيْلِهِمْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ لَيْلَهُمْ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (إلَى الْفَجْرِ) الصَّادِقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِحَدِيثِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، خَرَجَتْ الصُّبْحُ بِدَلِيلٍ، فَبَقِيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ فِي غَيْرِهَا، وَخَرَجَ بِالصَّادِقِ الْكَاذِبُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا (وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ) لِخَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» (2) صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَوَقْتُ عُذْرٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ يَجْمَعُ، وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ. . (وَالصُّبْحُ) بِضَمِّ الصَّادِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي اللُّغَةِ أَوَّلُ النَّهَارِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ بَعْدَ الْفَجْرِ الَّذِي يَجْمَعُ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: وَجْهٌ صَبِيحٌ لِمَا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. وَإِنَّمَا يَحْرُمَانِ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ (وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ) أَيْ نَوَاحِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ. قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَالْعِشَاءُ عَتَمَةً،   [مغني المحتاج] السَّمَاءِ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا بِأَعْلَاهُ ضَوْءٌ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ: أَيْ الذِّئْبِ، ثُمَّ تَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ، وَشُبِّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ لِطُولِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الضَّوْءَ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ كَمَا أَنَّ الشَّعْرَ عَلَى أَعْلَى ذَنَبِ السِّرْحَانِ دُونَ أَسْفَلِهِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُهُ هُنَا الْفَجْرَ بِالصَّادِقِ وَإِهْمَالُهُ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يُعْتَبَرُ هُنَاكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يَخْرُجُ بِالصَّادِقِ كَمَا قَدَّرْتُهُ الَّذِي يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الصُّبْحِ وَلَوْ عَكَسَ فَوَصَفَهُ بِهِ أَوَّلًا وَأَطْلَقَهُ ثَانِيًا فَاللَّامُ الْعَهْدِ لِيَعُودَ إلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَيَبْقَى) وَقْتُهَا (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَالْمُرَادُ بِطُلُوعِهَا هُنَا طُلُوعُ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا فِيمَا مَرَّ إلْحَاقًا لِمَا لَمْ يَظْهَرْ بِمَا ظَهَرَ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ بَعْضِ الْفَجْرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَخْرُجَ بِطُلُوعِ بَعْضِ الشَّمْسِ (وَالِاخْتِيَارُ: أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْأَسْفَارِ) وَهُوَ الْإِضَاءَةُ، لِخَبَرِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الِاحْمِرَارِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ وَهِيَ نَهَارِيَّةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة: 187] [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ، وَلِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. الصَّلَاةُ الْوُسْطَى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ إذْ لَا قُنُوتَ إلَّا فِي الصُّبْحِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِمَنْ يَكْتُبُ لَهَا مُصْحَفًا: اُكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَتْ: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذْ الْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ لِخَبَرِ «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ» . (1) وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ هَذَا مَذْهَبُهُ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا تَوَهَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهَا الْعَصْرُ. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الصُّبْحِ غَدَاةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ، وَتُسَمَّى صُبْحًا وَفَجْرًا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ بِالثَّانِيَةِ، وَالسُّنَّةُ بِهِمَا مَعًا (قُلْتُ يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً، وَ) تَسْمِيَةُ (الْعِشَاءِ عَتَمَةً) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ» (2) وَعَنْ الثَّانِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ» (3) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ «بِحِلَابِ الْإِبِلِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا فِي خَيْرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ: أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَمَّاهَا فِي كِتَابِهِ الْعِشَاءَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَرَاهَةِ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ قَالَ الْمَجْمُوعِ: نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى بِذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَظَهَرَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ. وَقَالَ فِي الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْعِشَاءَانِ، وَلَا لِلْعِشَاءِ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ سُمِّيَتْ فِي الْحَدِيثِ عَتَمَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الصُّبْحِ وَالْعَتَمَةِ» (1) . أُجِيبَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ بِالْعَتَمَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ (وَ) يُكْرَهُ (النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكْرَهُ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ خَوْفُ اسْتِمْرَارِهِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ تَعُمُّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ، وَمَحَلُّهُ إذَا ظَنَّ تَيَقُّظَهُ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَيَقَّظَ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ غَلَبَهُ النَّوْمُ فَلَا يَعْصِي بَلْ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِعُذْرِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ أَيْضًا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فِعْلِ الْمَغْرِبِ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ اسْتِغْرَاقُ الْوَقْتِ لِمَا ذُكِرَ (وَ) يُكْرَهُ (الْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا؛؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ نَوْمَهُ يَتَأَخَّرُ فَيَخَافُ فَوْتَ صَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ كَانَ لَهُ صَلَاةُ لَيْلٍ، أَوْ فَوْتَ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ عَنْ أَوَّلِهِ، وَلِتَقَعَ الصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ خَاتِمَةَ عَمَلِهِ، وَالنَّوْمُ أَخُو الْمَوْتِ، وَرُبَّمَا مَاتَ فِي نَوْمِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّافِلَةِ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا، وَهَذَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ الْحَدِيثُ الْمُبَاحُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ. أَمَّا الْمَكْرُوهُ، فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ جَمَعَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ تَقْدِيمًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ التَّعَالِيلِ، وَلَوْ تَحَدَّثَ قَبْلَهَا فَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ بِالْكَرَاهَةِ أَوْلَى لِزِيَادَةِ الْمَحْذُورِ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَفْضَلِيَّةِ التَّقْدِيمِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ (إلَّا فِي خَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَحَدِيثٍ، وَمُذَاكَرَةِ فِقْهٍ، وَإِينَاسِ ضَيْفٍ وَزَوْجَةٍ عِنْدَ زِفَافِهَا، وَتَكَلُّمٍ بِمَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَحِسَابٍ، وَمُحَادَثَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لِمُلَاطَفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ، وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُنَا عَامَّةَ لَيْلِهِ عَنْ بَنْيِ إسْرَائِيل» وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا الْمُسَافِرَ، وَمِنْ كَرَاهَةِ الْحَدِيثِ قَبْلَهَا إذَا قُلْنَا بِهِ الْمُنْتَظِرَ لِصَلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ.   [مغني المحتاج] الْجَمَاعَةِ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَّا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ» (1) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. فَائِدَةٌ: رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الدَّجَّالَ وَلُبْثَهُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ» (2) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَيُقَاسُ بِهِ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَصَّ عَلَى حُكْمِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ مُوَسَّعٌ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا، وَإِذَا أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى ذَلِكَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا لَمْ يَعْصِ بِخِلَافِ الْحَجِّ إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ وَلَمْ يُقَصِّرْ بِإِخْرَاجِهَا عَنْهُ، نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِهَا كَأَنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَطَالَبَهُ وَلِيُّ الدَّمِ بِاسْتِيفَائِهِ، فَأَمَرَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ تَعَيَّنَتْ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ بِظَنِّهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ أَنَّ الشَّكَّ كَالظَّنِّ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَآخِرُ وَقْتِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَأُبِيحَ لَهُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَادِرَهُ الْمَوْتُ، فَإِذَا لَمْ يُبَادِرْهُ فَقَدْ قَصَّرَ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ وَقْتِهِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا كَمَا قَالَ: (وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ) إذَا تَيَقَّنَهُ وَلَوْ عِشَاءً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَوَابِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ: «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَفِي آخِرِهِ عَفْوُ اللَّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: رِضْوَانُ اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ، وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ، وَلَوْ اشْتَغَلَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ وَالْأَذَانِ وَالسَّتْرِ وَأَكْلُ لُقَمٍ، بَلْ الصَّوَابُ الشِّبَعُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَغْرِبِ، وَتَقْدِيمُ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ أَخَّرَ بِقَدْرِ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يُكَلَّفُ الْعَجَلَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، يُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ شُغْلٌ خَفِيفٌ وَكَلَامٌ قَصِيرٌ وَإِخْرَاجُ حَدَثٍ يُدَافِعُهُ وَتَحْصِيلُ مَاءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ) مَا لَمْ يُجَاوِزْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ (أَفْضَلُ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ» (3) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ، وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ.   [مغني المحتاج] هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ أَقْوَى دَلِيلًا اهـ. . قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِتَكُونَ وَسَطَ اللَّيْلِ بِإِزَاءِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ، وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ التَّعْجِيلِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ فَحَيْثُ قِيلَ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ أُرِيدَ مَا إذَا خَافَ النَّوْمَ وَحَيْثُ قِيلَ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ أُرِيدَ مَا إذَا لَمْ يَخَفْ. . وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْجِيلِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ) أَيْ بِصَلَاتِهِ: أَيْ تَأْخِيرُ فِعْلِهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا (فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» (1) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ هَيَجَانِهَا وَانْتِشَارِ لَهِيبِهَا، أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ مَشَقَّةٌ تَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ، فَسُنَّ لَهُ التَّأْخِيرُ كَمَنْ حَضَرَهُ طَعَامٌ يَتُوقُ إلَيْهِ أَوْ دَافَعَهُ الْخَبَثُ، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَمَنْسُوخٌ وَلَا تُؤَخَّرُ عَنْ نِصْفِ الْوَقْتِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الْأَذَانُ، وَبِالظُّهْرِ غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ جُمُعَةً فَلَا يُسَنُّ فِيهَا الْإِبْرَادُ. أَمَّا غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَلِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ «كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» ، وَلِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَيْهِ تَأْخِيرُهَا بِالتَّكَاسُلِ، وَلِأَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالتَّبْكِيرِ إلَيْهَا فَلَا يَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ. فَإِنْ قِيلَ: وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِهَا» . . أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الظُّهْرِ فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَتَانِ، فَيُعْمَلُ بِخَبَرِ سَلَمَةَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ (وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ) أَيْ الْإِبْرَادِ (بِبَلَدٍ حَارٍّ) قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَالْحِجَازِ وَبَعْضِ الْعِرَاقِ (وَجَمَاعَةٍ) نَحْوَ (مَسْجِدٍ) كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ (يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ) وَيَمْشُونَ إلَيْهِ فِي الشَّمْسِ فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَوْ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَلَا فِي قُطْرٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ بَارِدٍ، وَإِنْ اتَّفَقَ فِيهِ شِدَّةُ الْحَرِّ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً بِبَيْتِهِ أَوْ بِمَحَلٍّ حَضَرَهُ جَمَاعَةٌ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ لَكِنْ يَجِدُ ظِلًّا يَمْشِي فِيهِ إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ، نَعَمْ الْإِمَامُ الْحَاضِرُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ بُعْدٍ يُسَنُّ لَهُ الْإِبْرَادُ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ لِمُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشْعَارٌ بِسَنِّهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ، وَضَابِطُ الْبُعْدِ مَا يَتَأَثَّرُ قَاصِدُهُ بِالشَّمْسِ، وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ، فَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُصَلًّى بَدَلَ مَسْجِدٍ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْتُهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعُ الِاجْتِمَاعِ لِلصَّلَاةِ فَيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ لِمَنْ يَرْمِي الْجِمَارَ وَلِمُسَافِرٍ سَائِرَ وَقْتِ الْأُولَى، وَلِمَنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ أَوْ السُّتْرَةَ أَوْ الْجَمَاعَةَ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ آخِرَ الْوَقْتِ، وَلِمَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ رَكْعَةٌ فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ. وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ.   [مغني المحتاج] اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَظُنَّ فَوَاتَهُ لَوْ أَخَّرَهُ، وَلِدَائِمِ الْحَدَثِ إذَا رَجَا الِانْقِطَاعَ، وَلِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ فَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَإِنْ كَانَ نَازِلًا وَقْتَهَا لِيَجْمَعَهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ إذَا كَانَ سَفَرُهُ سَفَرَ قَصْرٍ، وَلِلْمَعْذُورِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ إذَا أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ. . (وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجُهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ) فِي الْوَقْتِ (رَكْعَةٌ) أَوْ أَكْثَرُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ مُؤَدَّاةً (وَإِلَّا) بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ (فَقَضَاءٌ) لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَغَالِبُ مَا بَعْدَهَا كَالتَّكْرَارِ لَهَا فَكَانَ تَابِعًا لَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ أَدَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَضَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ، وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ التَّحْقِيقُ، وَعَلَى الْقَضَاءِ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا عَلَى الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلتَّحْقِيقِ، وَقِيلَ لَا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مُسَافِرٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ وَخَرَجَ الْوَقْتُ، وَقُلْنَا: إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ صَلَاتَهُ كُلَّهَا أَدَاءٌ كَانَ لَهُ الْقَصْرُ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا فَمَدَّهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَأْثَمْ قَطْعًا وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. قُلْتُ: فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَجْهٌ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) لِعَارِضٍ كَغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَعَدِمَ ثِقَةٍ يُخْبِرُهُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ (اجْتَهَدَ) جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ الْخُرُوجِ وَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا (بِوِرْدٍ) مِنْ قُرْآنٍ وَدَرْسٍ وَمُطَالَعَةٍ وَصَلَاةٍ (وَنَحْوِهِ) أَيْ الْوَرْدِ كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ، وَسَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى، وَعَمِلَ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي ظَنِّهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الْفَجْرِ، وَلِلْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ. أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ رَقِيقًا بِدُخُولِهِ عَنْ عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ كَأَنْ قَالَ: رَأَيْتُ الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ، وَجَازَ إنْ أَمْكَنَهُ، وَفِي الْقِبْلَةِ لَا يَعْتَمِدُ الْخَبَرَ عَنْ عِلْمٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عِلْمَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهِ مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَحَلِّهِ فَلَا عُسْرَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ عَنْ عِلْمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يُقَلِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ بِاجْتِهَادٍ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ أَوْ لَا؟ . قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَفِي الصَّحْوِ مُخْبِرٌ عَنْ عِيَانٍ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ، وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا.   [مغني المحتاج] جَوَازَ تَقْلِيدِهِ فِيهِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَلَعَلَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إصَابَتُهُمْ جَازَ اعْتِمَادُهُمْ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ أَعَادَ مُطْلَقًا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَتَأْخِيرُهُ إلَى خَوْفِ الْفَوَاتِ أَفْضَلُ، وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ بِحِسَابِهِ جَوَازًا لَا وُجُوبًا، وَلَا يُقَلِّدُهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ النُّجُومِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهَا فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ، وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيُّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ. (فَإِنْ) صَلَّى بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ (تَيَقَّنَ) أَنَّ (صَلَاتَهُ) وَقَعَتْ (قَبْلَ الْوَقْتِ) أَوْ بَعْضَهَا وَلَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِذَلِكَ وَعَلِمَ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ أَعَادَهَا بِلَا خِلَافٍ أَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَهُ (قَضَا) هَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْوَقْتُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ مَثَلًا سِنِينَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ صَلَاةً فَقَطْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ صَلَاةَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تُقْضَى بِصَلَاةِ الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّانِي بِالثَّالِثِ، وَهَكَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَلَا نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْوَقْتِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَالثَّانِي لَا قَضَاءَ اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وُقُوعَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ بِأَنْ تَيَقَّنَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ (فَلَا) قَضَاءَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَةَ بَعْدَهُ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهَا. (وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ) نَدْبًا إنْ فَاتَهُ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ وَوُجُوبًا إنْ فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَقِيلَ الْمُبَادَرَة مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ فِيهِمَا، وَعَنْ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَا يَقْضِي لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحِكْمَتُهُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ، وَأُيِّدَ بِأَنَّ تَارِكَ الْأَبْعَاضِ عَمْدًا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الْجَبْرِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا لَا تَصِيرُ قَضَاءً خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَمَنْ تَبِعَهُ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَتُهَا عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْعُبَابِ. (وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْفَائِتِ فَيَقْضِي الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَهَكَذَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَ) يُسَنُّ (تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا) مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَصَلَّاهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ وَلَمْ يُقَدِّمْ الْفَائِتَةَ جَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ   [مغني المحتاج] وَاحِدَةٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْأَدَاءِ لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ حِينَ وَجَبَ الصُّبْحُ لَمْ يَجِبْ الظُّهْرُ، فَإِذَا فَاتَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي قَضَائِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُجَرَّدُ إنَّمَا يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ الْبُدَاءَةُ بِهَا لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً أَيْضًا، وَتَعْبِيرُهُ بِلَا يَخَافُ فَوْتَهَا صَادِقٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً مِنْ الْحَاضِرَةِ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْفَائِتِ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ خِلَافَهُ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ تَحْرِيمِ إخْرَاجِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي حَاضِرَةٍ وَجَبَ إتْمَامُهَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ اتَّسَعَ، وَلَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ مُعْتَقِدًا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ عَنْ إدْرَاكِهَا أَدَاءً وَجَبَ قَطْعُهَا، وَلَوْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَةٍ حَاضِرَةٍ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ التَّرْتِيبُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُرَاعَ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؟ فَقَدْ قِيلَ بِوُجُوبِهَا أَيْضًا، وَلِذَلِكَ رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّرْتِيبِ خِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ، بِخِلَافِهِ فِي الْجَمَاعَةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ أَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا فَاتَتْ كُلُّهَا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَاتَ بَعْضُهَا بِعُذْرٍ، وَبَعْضُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا مَرَّ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُقَالُ: تَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِ، وَقَدْ تَعَارَضَ خِلَافَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ وَالثَّانِي: قَوْلُنَا: يَجِبُ قَضَاءُ الْفَائِتِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْفَوْرِ، وَمُرَاعَاةُ الثَّانِي أَوْلَى فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا أَيْضًا عَلَى الْحَاضِرَةِ عِنْدَ سَعَةِ وَقْتِهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ وَلَا سِيَّمَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ يَوْمًا إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَمُرَّ بِنَائِمٍ إلَّا أَيْقَظَهُ» ، وَكَذَا إذَا رَآهُ أَمَامَ الْمُصَلِّينَ أَوْ كَانَ نَائِمًا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ نَائِمًا عَلَى سَطْحٍ لَا حِجَازَ لَهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ، أَوْ كَانَ نَائِمًا بَعْضُهُ فِي الشَّمْسِ وَبَعْضُهُ فِي الظِّلِّ، أَوْ كَانَ نَائِمًا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، أَوْ كَانَ نَائِمًا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، أَوْ نَامَ خَالِيًا وَحْدَهُ، أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَائِمَةً مُسْتَلْقِيَةً وَوَجْهُهَا إلَى السَّمَاءِ، أَوْ نَامَ الرَّجُلُ مُنْبَطِحًا فَإِنَّهَا ضَجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوقِظَ غَيْرَهُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَلِلتَّسَحُّرِ وَالنَّائِمَ بِعَرَفَاتٍ وَقْتَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ طَلَبٍ وَتَضَرُّعٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى شَخْصًا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ نَجَسٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. (وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي الطَّهَارَةِ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ» (1) فَالظَّهِيرَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقَائِمُهَا هُوَ الْبَعِيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، وَالْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ إلَّا لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ،   [مغني المحتاج] يَكُونُ بَارِكًا فَيَقُومُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْأَرْضِ وَتَضَيَّفُ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ: أَيْ تَمِيلُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالزَّوَالِ وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ لَطِيفٌ لَا يَتَّسِعُ لِصَلَاةٍ وَلَا يَكَادُ يُشْعَرُ بِهِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا أَنَّ التَّحَرُّمَ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِيهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ (إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِاسْتِثْنَائِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مُطْلَقًا؛ سَوَاءٌ أَحَضَرَ إلَى الْجُمُعَةِ أَمْ لَا، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِمَنْ حَضَرَ وَغَلَبَهُ النُّعَاسُ فَيَدْفَعُهُ بِرَكْعَتَيْنِ. (وَ) تُكْرَهُ أَيْضًا (بَعْدَ) طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَّى الصُّبْحَ أَمْ لَا، وَبَعْدَ صَلَاةِ (الصُّبْحِ) أَدَاءٌ (حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ) فِيهِمَا (كَرُمْحٍ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ (وَ) بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ صَلَّى الْعَصْرَ أَمْ لَا، وَبَعْدَ صَلَاةِ (الْعَصْرِ) أَدَاءٌ وَلَوْ مَجْمُوعَةً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (حَتَّى تَغْرُبَ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعِنْدَ الطُّلُوعِ وَالِاصْفِرَارِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، وَلَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرُ الرُّمْحِ، وَهُوَ تَقْرِيبٌ، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْأَوْقَاتَ خَمْسَةٌ هِيَ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَتَبِعَهُمْ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ الْعَصْرَ حَتَّى اصْفَرَّتْ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَتَّى تَرْتَفِعَ أَوْ تَغْرُبَ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ دُونَ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ حَالَ الِاصْفِرَارِ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِسَبَبَيْنِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَوَهَّمَ انْدِرَاجَهُمَا فِي قَوْلِهِ: وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِحَصْرِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَوْقَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَسَتَأْتِي كَرَاهَةُ التَّنَفُّلِ فِي وَقْتِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَوَقْتِ صُعُودِ الْإِمَامِ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ اهـ. وَإِنَّمَا تَرِدُ الْأُولَى إذَا قُلْنَا: إنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَرَاهَةَ وَقْتَيْنِ آخَرَيْنِ: وَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاتِهِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ إلَى صَلَاتِهِ، وَقَالَ: إنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ اهـ. وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِذَا صَلَّى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا عُزِّرَ، وَلَا تَنْعَقِدُ إذَا قُلْنَا إنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَكَذَا عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ لَا لِلتَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعِبَادَةِ الَّتِي لَا تَنْعَقِدُ حَرَامٌ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ تَلَاعُبًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصِّحَّةَ كَنَهْيِ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ (إلَّا لِسَبَبٍ) غَيْرِ مُتَأَخِّرٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ (كَفَائِتَةٍ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا مُتَقَدِّمٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا حَتَّى النَّوَافِلُ الَّتِي اتَّخَذَهَا وِرْدًا وَلِخَبَرِ «فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هُمَا اللَّتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ» . وَفِي مُسْلِمٍ «لَمْ يَزَلْ يُصَلِّيهِمَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» . وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَيْسَ لِمَنْ قَضَى فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ صَلَاةً أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وَكُسُوفٍ، وَتَحِيَّةٍ، وَسَجْدَةِ شُكْرٍ،   [مغني المحتاج] يُدَاوِمَ عَلَيْهَا وَيَجْعَلَهَا وِرْدًا (وَ) صَلَاةُ (كُسُوفٍ) وَاسْتِسْقَاءٍ وَطَوَافٍ (وَتَحِيَّةٍ) وَسُنَّةِ وُضُوءٍ (وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) وَتِلَاوَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ كَرَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَبَعْضَهَا لَهُ سَبَبٌ مُقَارِنٌ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَلِأَنَّ نَحْوَ الْكُسُوفِ وَالتَّحِيَّةِ مُعَرَّضٌ لِلْفَوَاتِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ " أَنَّهُ سَجَدَ سَجْدَةً لِلشُّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ " وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَنْ أُصَلِّيَ» (1) وَالدَّفُّ: صَوْتُ النَّعْلِ وَحَرَكَتُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَمَّا مَا لَهُ سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ كَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِخَارَةَ وَالْإِحْرَامَ سَبَبُهُمَا مُتَأَخِّرٌ عَنْهُمَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ وَقَسِيمَيْهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَوْ إلَى الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا سَبَبُهَا مُتَقَدِّمٌ، وَعَلَى الثَّانِي قَدْ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا، وَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا بِحَسَبِ وُقُوعِهِ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَتَحَرَّ بِهِ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ لِيُوقِعَهَا فِيهِ، وَإِلَّا بِأَنْ قَصَدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ، أَوْ الْجِنَازَةِ لِيُوقِعَهَا فِيهِ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ فَقَطْ، أَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ لِيَسْجُدَهَا فِيهِ، وَلَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَخَبَرِ «لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا» (2) . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي - كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ - أَنْ يَكُونَ الْمَكْرُوهُ الدُّخُولَ لِغَرَضِ التَّحِيَّةِ وَتَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَمَّا فِعْلُهَا فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا بِأَنْ فَاتَتْهُ عَمْدًا، بَلْ الْعَصْرُ الْمُؤَدَّاةُ تَأْخِيرُهَا لِتُفْعَلَ وَقْتَ الِاصْفِرَارِ مَكْرُوهٌ، وَلَا نَقُولُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ إنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مَكْرُوهٌ بَلْ وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ كَالْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْمُؤَدَّاةُ لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا، بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ وَالْفَائِتَةِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَكَوْنُهَا قَدْ تَجِبُ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهَا فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ مُرَاغِمٌ لِلشَّرْعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُقْتَضِي عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا. وَأَمَّا مُدَاوَمَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهَا. أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لَا لِغَرَضِ التَّحِيَّةِ، أَوْ لِغَرَضٍ غَيْرِ التَّحِيَّةِ أَوْ لِغَرَضِهِمَا فَلَا تُكْرَهُ، بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» (3) فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ النَّهْيِ. فَإِنْ قِيلَ: خَبَرُ النَّهْيِ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ خَاصٌّ فِي الْأَوْقَاتِ، وَخَبَرُ التَّحِيَّةِ بِالْعَكْسِ فَلِمَ رُجِّحَ تَخْصِيصُ خَبَرِ النَّهْيِ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ دَخَلَهُ بِمَا مَرَّ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 وَإِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ. فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ إلَّا الْمُرْتَدَّ   [مغني المحتاج] وَصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَهُمَا. وَأَمَّا خَبَرُ التَّحِيَّةِ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِهَذَا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّاخِلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بِالتَّحِيَّةِ بَعْد أَنْ قَعَدَ، وَلَوْ كَانَتْ تُتْرَكُ فِي وَقْتٍ لَكَانَ هَذَا الْوَقْت؛ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ حَالَ الْخُطْبَةِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا التَّحِيَّةَ، وَلِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ أَنْ قَعَدَ الدَّاخِلُ، وَكُلُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي تَعْمِيمِ التَّحِيَّةِ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي وَقْتِ جَوَازِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لَمْ يُجْزِهِ: أَيْ إذَا تَحَرَّى السُّجُودَ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِمَّا إذَا قَرَأَهَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ (وَإِلَّا فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ) لِخَبَرِ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ: لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» (1) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ، نَعَمْ هِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُكْرَهُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَحُمِلَتْ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ سَبَبُهُمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَخْصِيصٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ: بِنَفْسِ الْبَلَدِ، وَخَرَجَ بِحَرَمِ مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ كَغَيْرِهِ. [فَصْلٌ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ] ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيُعْلَمُ مِنْهُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ (فَصْلٌ) (إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ، لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا بِالْإِسْلَامِ (بَالِغٍ) كَذَلِكَ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ (عَاقِلٍ) كَذَلِكَ، فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ لِمَا ذُكِرَ (طَاهِرٍ) فَلَا تَجِبُ عَلَى حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمَا، فَمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْكَافِرِ) إذَا أَسْلَمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] [الْأَنْفَالُ] . وَقَدْ يُؤَدِّي إيجَابُ ذَلِكَ إلَى التَّنْفِيرِ، فَخَفَّفَ عَنْهُ ذَلِكَ تَرْغِيبًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِذَا أَسْلَمَ أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَصَدَقَةٍ وَصِلَةٍ وَعِتْقٍ (إلَّا الْمُرْتَدَّ) فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا بِالْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وَلَا الصَّبِيِّ، وَيُؤْمَرُ بِهَا لِسَبْعِ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ،   [مغني المحتاج] بِالْجُحُودِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ قَضَى أَيَّامَ الْجُنُونِ مَعَ مَا قَبْلَهَا تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ كَسَرَ رِجْلَيْهِ تَعَدِّيًا ثُمَّ صَلَّى قَاعِدًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَانْتِهَاءِ مَعْصِيَتِهِ بِانْتِهَاءِ كَسْرِهِ، وَلِإِتْيَانِهِ بِالْبَدَلِ حَالَةَ الْعَجْزِ، وَلَوْ سَكِرَ مُتَعَدِّيًا ثُمَّ جُنَّ قَضَى الْمُدَّةَ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا سُكْرُهُ لَا مُدَّةَ جُنُونِهِ بَعْدَهَا، بِخِلَافِ مُدَّةِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ مَنْ جُنَّ فِي رِدَّتِهِ مُرْتَدٌّ فِي جُنُونِهِ حُكْمًا، وَمَنْ جُنَّ فِي سُكْرِهِ لَيْسَ سَكْرَانَ فِي دَوَامِ جُنُونِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ، وَلَوْ اسْتَعْجَلَتْ الْحَيْضَ بِدَوَاءٍ أَوْ اسْتَخْرَجَتْ بِهِ جَنِينًا لَمْ تَقْضِ زَمَنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَفَارَقَتْ الْمَجْنُونَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الصَّلَاةِ عَنْهَا عَزِيمَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّرْكِ، وَعَنْهُ رُخْصَةٌ، وَالْمُرْتَدُّ وَالسَّكْرَانُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَمَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَضَاءِ الْحَائِضِ الْمُرْتَدَّةِ زَمَنَ الْجُنُونِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: إلَّا الْمُرْتَدَّ يَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ وَنَصْبُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا كَانَ تَامًّا غَيْرَ مُوجَبٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: 66] [النِّسَاءُ] فَالْأَرْجَحُ إتْبَاعُ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ لِمَا رَوَى سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ وَعِيسَى جَمِيعًا أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ الْمَوْثُوقِ بِعَرَبِيَّتِهِمْ يَقُولُ: مَا مَرَرْتُ بِأَحَدٍ إلَّا زَيْدًا، وَقُرِئَ بِهِ فِي السَّبْعِ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. قَرَأَ بِهِ ابْنُ عَامِرٍ، فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَالشَّارِحُ إنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ الرَّاجِحِ مِنْ الضَّبْطِ لَا أَنَّهُ يَمْنَعُ النَّصْبَ، وَهَذَا دَأْبُهُ فِي الضَّبْطِ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الرَّاجِحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ جَائِزًا (وَلَا) عَلَى (الصَّبِيِّ) إذَا بَلَغَ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالطِّفْلِ كَمَا فِي الْحَاوِي لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّبِيِّ، فَقَالَ: لَوْ قَالَ: " الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ " لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ لَفْظَ الصَّبِيِّ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَلَا اعْتِرَاضَ إذَنْ (وَيُؤْمَرُ) الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ (بِهَا) وَلَوْ قَضَاءً لِمَا فَاتَهُ بَعْدَ السَّبْعِ، وَالتَّمْيِيزِ (لِسَبْعٍ) مِنْ السِّنِينَ: أَيْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِهَا (وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تَرْكِهَا (لِعَشْرٍ) مِنْهَا لِخَبَرِ «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» (1) أَيْ عَلَى تَرْكِهَا، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلضَّرْبِ تَمَامُ الْعَاشِرَةِ، لَكِنْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التِّبْيَانِ: إنَّهُ يُضْرَبُ فِي أَثْنَائِهَا، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ التَّمْيِيزَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي الْأَمْرِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ السَّبْعِ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ضَبْطِ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الطِّفْلُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ مَتَى يُصَلِّي الصَّبِيُّ؟ فَقَالَ: إذَا عَرَفَ شِمَالَهُ مِنْ يَمِينِهِ» (2) . قَالَ الدَّمِيرِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 وَلَا ذِي حَيْضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ، بِخِلَافِ السُّكْرِ. وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ،   [مغني المحتاج] وَالْمُرَادُ عَرَفَ مَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ عَلَى الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَفِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمُلْتَقِطُ وَمَالِكُ الرَّقِيقِ فِي مَعْنَى الْأَبِ، وَكَذَا الْمُودِعُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَنَحْوُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ صِيغَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّهْدِيدِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ، وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ فِي مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ مَالِهِ أُجْرَةَ مَا سِوَى الْفَرَائِضِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ مَعَهُ وَيَنْتَفِعُ بِخِلَافِ حَجِّهِ. وَفِي صِحَّةِ الْمَكْتُوبَاتِ مِنْ الطِّفْلِ قَاعِدًا وَجْهَانِ، رَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ، وَيَجْرِيَانِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ (وَلَا) قَضَاءَ عَلَى شَخْصٍ (ذِي حَيْضٍ) إذَا تَطَهَّرَ وَإِنْ تَسَبَّبَ لَهُ بِدَوَاءٍ، وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَاتٍ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ، وَكَانَ أَوْلَى، وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَوْ يُكْرَهُ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي (أَوْ) ذِي (جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ) إذَا أَفَاقَ، وَمِثْلُهُمَا الْمُبَرْسَمُ وَالْمَعْتُوهُ وَالسَّكْرَانُ بِلَا تَعَدٍّ فِي الْجَمِيعِ، لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْمَجْنُونِ، وَقِيسَ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُ ذَلِكَ أَوْ طَالَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لِمَشَقَّةِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكْثُرُ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. نَعَمْ يُسَنُّ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمَا الْقَضَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجُنُونَ إذَا طَرَأَ عَلَى الرِّدَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي الرِّدَّةِ، وَأَنَّهُ إذَا طَرَأَ الْجُنُونُ عَلَى السُّكْرِ الْعَاصِي بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا سُكْرُهُ، فَمَحَلُّهُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ (بِخِلَافِ) ذِي (السُّكْرِ) أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ الْمُتَعَدِّي بِهِ إذَا أَفَاقَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ زَمَنَ ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُسْكِرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَعْرُوفَةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَمْرِ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ زَوَالِ مَانِعِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الصِّبَا وَالْجُنُونُ وَالْكُفْرُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، فَقَالَ: (وَلَوْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ) الْمَانِعَةُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ (وَ) قَدْ (بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ تَكْبِيرَةٌ) أَيْ قَدْرُ زَمَنِهَا فَأَكْثَرُ (وَجَبَتْ الصَّلَاةُ) ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيجَابُ يَسْتَوِي فِيهِ قَدْرُ الرَّكْعَةِ وَدُونَهَا، كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِإِدْرَاكِ دُونَ تَكْبِيرَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الْجُوَيْنِيُّ (وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ رَكْعَةٌ) أَخَفُّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، كَمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ آخِرَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ آخِرَ الْعِشَاءِ. وَلَوْ بَلَغَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بَعْدَهَا   [مغني المحتاج] «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بَقَاءُ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ بِقَدْرِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةُ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ، فَلَوْ عَادَ الْمَانِعُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُدْرِكَ مَعَ التَّكْبِيرَةِ أَوْ الرَّكْعَةِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ (وَالْأَظْهَرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (وُجُوبُ الظُّهْرِ) مَعَ الْعَصْرِ (بِإِدْرَاكِ) قَدْرِ زَمَنِ (تَكْبِيرَةٍ آخِرَ) وَقْتِ (الْعَصْرِ، وَ) وُجُوبُ (الْمَغْرِبِ) مَعَ الْعِشَاءِ بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ (آخِرَ) وَقْتِ (الْعِشَاءِ) لِاتِّحَادِ وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَوَقْتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْعُذْرِ، فَفِي الضَّرُورَةِ أَوْلَى، وَيُشْتَرَطُ لِلْوُجُوبِ أَنْ يَخْلُوَ الشَّخْصُ مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةُ أَخَفُّ مَا يُجْزِئُ كَرَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيَدْخُلُ فِي الطَّهَارَةِ أَيْ هُنَا، وَفِيمَا مَرَّ الْخَبَثُ وَالْحَدَثُ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ اعْتِبَارُ وَقْتِ السِّتْرِ وَالتَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ اهـ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ وَإِنْ كَانَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا، وَالتَّحَرِّي فِي الْقِبْلَةِ لَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ فِي الْوَقْتِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ، فَلَوْ بَلَغَ ثُمَّ جُنَّ بَعْدَ مَا لَا يَسَعُ مَا ذُكِرَ فَلَا لُزُومَ. نَعَمْ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً آخِرَ الْعَصْرِ مَثَلًا وَخَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ قَدْرَ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا، فَعَادَ الْمَانِعُ بَعْد أَنْ أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ مَا يَسَعُهَا وَطُهْرَهَا صَرَفَهُ لِلْمَغْرِبِ وَمَا فَضَلَ لَا يَكْفِي الْعَصْرَ فَلَا تَلْزَمُهُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْعَصْرِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لَهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْمَغْرِبِ بِاشْتِغَالِهِ بِالْعَصْرِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا وُجُوبًا قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الصَّلَاةَ فِيهِ كَامِلَةً فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا وَيَقَعُ لَهُ الْعَصْرُ نَافِلَةً، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ بِمَا ذُكِرَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلظُّهْرِ فِي الْمُقِيمِ، وَرَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ، وَثَلَاثٍ لِلْمَغْرِبِ عَلَى التَّكْبِيرَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى رَكْعَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ جَمْعَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُلْحَقَ بِهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا تَمَّتْ الْأُولَى، وَشَرَعَ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْوَقْتِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ، فَلَا يَجِبُ وَاحِدٌ مِنْهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِمَّا بَعْدَهَا لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ بَلَغَ) الشَّخْصُ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (أَتَمَّهَا) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْوُجُوبَ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهَا، كَمَا لَوْ بَلَغَ بِالنَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ (وَأَجْزَأَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ صَلَّى الْوَاجِبَ بِشَرْطِهِ كَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ، وَوُقُوعُ أَوَّلِهَا نَفْلًا لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ آخِرَهَا وَاجِبًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَصَوْمِ مَرِيضٍ شُفِيَ فِي أَثْنَائِهِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إتْمَامُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَلَا يُجْزِئْهُ لِابْتِدَائِهَا حَالَ النُّقْصَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلِيُؤَدِّيَهَا حَالَ الْكَمَالِ (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا بِالسِّنِّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فَلَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ حَاضَتْ أَوْ جُنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَبَتْ تِلْكَ إنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا فَلَا. فَصْلٌ الْأَذَانُ   [مغني المحتاج] الْجُمُعَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ إدْرَاكُهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا صَحِيحَةً (فَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ إلَى الْكَمَالِ كَالْأَمَةِ إذَا صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ثُمَّ عَتَقَتْ. نَعَمْ لَوْ صَلَّى الْخُنْثَى الظُّهْرَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا وَأَمْكَنَتْهُ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ. وَالثَّانِي: تَجِبُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ نَفْلٌ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَوْ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الطِّفْلَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ مَضْرُوبٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وُجُوبُهُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ اشْتَرَطْنَا وُقُوعَهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَالثَّالِثُ: إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ إعَادَتُهَا وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ الْمَفْعُولُ ظُهْرًا فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ثُمَّ بَلَغَ، وَالْجُمُعَةُ غَيْرُ فَائِتَةٍ وَجَبَتْ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يُغْنِي عَنْ الْجُمُعَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ إعَادَتُهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا بَلَغَ فِيهَا. (وَلَوْ حَاضَتْ) أَوْ نَفِسَتْ (أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (أَوَّلَ الْوَقْتِ) وَاسْتَغْرَقَ الْمَانِعُ بَاقِيَهُ (وَجَبَتْ تِلْكَ) الصَّلَاةُ لَا الثَّانِيَةُ الَّتِي تُجْمَعُ مَعَهَا (إنْ أَدْرَكَ) مَنْ عَرَضَ لَهُ الْمَانِعُ قَبْلَ عُرُوضِهِ (قَدْرَ الْفَرْضِ) أَخَفَّ مُمْكِنٍ وَلَوْ مَقْصُورَ الْمُسَافِرِ وَوَقْتَ طُهْرٍ لَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ كَتَيَمُّمٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ، فَلَا يَسْقُطُ بِمَا يَطْرَأُ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِمْكَانِ الْأَدَاءِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ - فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ - الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ، لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى اسْتِثْنَاءُ الطَّهَارَةِ الَّتِي يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ، وَيَجِبُ الْفَرْضُ الَّذِي قَبْلَهَا أَيْضًا إنْ كَانَ يَجْمَعُ مَعَهَا وَأَدْرَكَ قَدْرَهُ كَمَا مَرَّ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تُجْمَعُ مَعَهَا إذَا خَلَا مِنْ الْمَوَانِعِ مَا يَسَعُهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْأُولَى لَا يَصْلُحُ لِلثَّانِيَةِ إلَّا إذَا صَلَّاهُمَا جَمْعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَأَيْضًا وَقْتُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ وَقْتٌ لِلثَّانِيَةِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ، بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الثَّانِيَةِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَجَوَازِ تَقْدِيمِ الْأُولَى، بَلْ وُجُوبُهُ عَلَى وَجْهٍ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ. أَمَّا الطَّهَارَةُ الَّتِي يُمْكِنُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُضِيُّ زَمَنٍ يَسَعُهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ قَدْرَ الْفَرْضِ كَمَا وَصَفْنَا (فَلَا) وُجُوبَ فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ فِعْلِهَا كَمَا لَوْ هَلَكَ النِّصَابُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الْحَيْضِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ النِّفَاسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ كَمَا مَرَّ وَعَلَى الْجُنُونِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْإِغْمَاءُ بِالْأَوْلَى، وَلَا يُمْكِنُ طَرَيَانُ الصِّبَا لِاسْتِحَالَتِهِ وَلَا الْكُفْرُ الْمُسْقِطُ لِلْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ رِدَّةٌ وَهُوَ مَلْزُومٌ فِيهَا بِالْإِعَادَةِ. [فَصْلٌ فِي الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ] (فَصْلٌ) (الْأَذَانُ) وَالْأَذِينُ وَالتَّأْذِينُ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً: الْإِعْلَامُ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وَالْإِقَامَةُ سُنَّةٌ،   [مغني المحتاج] الْحَجُّ] أَيْ أَعْلِمْهُمْ. وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] [الْمَائِدَةُ] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (1) وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَوَاتِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: أَوَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى فَقَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ: إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قُمْ إلَى بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» . فَإِنْ قِيلَ: رُؤْيَا الْمَنَامِ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنَدُ الْأَذَانِ الرُّؤْيَا فَقَطْ، بَلْ وَأَيْضًا نُزُولُ الْوَحْيِ، فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَأُسْمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ثُمَّ قَدَّمَهُ جِبْرِيلُ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَأَكْمَلَ لَهُ اللَّهُ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» فَائِدَةٌ: كَانَتْ رُؤْيَا الْأَذَانِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ. قِيلَ إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُمَّ اعْمِنِي حَتَّى لَا أَرَى شَيْئًا بَعْدَهُ فَعَمِيَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَقِيلَ إنَّهُ أَذَّنَ مَرَّةً بِإِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَوَّلُ مُؤَذِّنٍ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: أَوَّلُ مُؤَذِّنٍ هُوَ بِلَالٌ وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ مَرَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ الشَّامَ فَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَيْرُ السُّودَانِ ثَلَاثَةٌ: بِلَالٌ، وَلُقْمَانُ، وَمُهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ» وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ حُسْنُ الْحُورِ الْعِينُ فِي الْجَنَّةِ إلَّا بِسَوَادِ بِلَالٍ، فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ سَوَادَهُ شَامَاتٍ فِي خُدُودِهِنَّ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَكْرَمَ أَهْلَ طَاعَتِهِ (وَالْإِقَامَةُ) فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ، وَسُمِّيَ الذِّكْرُ الْمَخْصُوصُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ، وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَشْرُوعَانِ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ مَشْرُوعِيَّتهمَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا (سُنَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِمَا فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ مَعَ ذِكْرِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُمَا لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِبَا كَقَوْلِهِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً حَيْثُ يُشْرَعُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إشْعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْأَذَانِ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ دُعَاءٌ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِمَكْتُوبَةٍ، وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. وَالْجَدِيدُ:   [مغني المحتاج] مُسْتَحَبٍّ، وَهَذَا دُعَاءٌ إلَى وَاجِبٍ وَهُمَا سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي سَائِرِ سُنَنِ الْكِفَايَةِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ. أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَهُمَا فِي حَقِّهِ سُنَّةُ عَيْنٍ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْخَبَرَ، وَهُوَ عَائِدٌ إلَى شَيْئَيْنِ لِتَأْوِيلِهِ بِالْمَجْمُوعِ كَمَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلَوْ أَتَى بِهِ مَثْنًى كَمَا فَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى (وَقِيلَ) هُمَا (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَلِأَنَّهُمَا مِنْ الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ وَفِي تَرْكِهِمَا تَهَاوُنٌ، فَلَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى تَرْكِهِمَا قُوتِلُوا عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: هُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُمَا دُعَاءٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ فِي غَيْرِهَا فَيَكُونُ الدُّعَاءُ إلَيْهَا كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ فِي الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَهَلْ يَسْقُطُ بِالْأَوَّلِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ وَيَنْبَغِي السُّقُوطُ، وَشَرْطُ حُصُولِهِمَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً أَنْ يَظْهَرَا فِي الْبَلَدِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ جَمِيعَهُمْ لَوْ أَصْغُوا فَيَكْفِي فِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ فِي مَوْضِعٍ، وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَوَاضِعَ يَظْهَرُ الشِّعَارُ بِهَا، فَلَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي جَانِبٍ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ (وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِمَكْتُوبَةٍ) دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَالسُّنَنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا فِيهِ، بَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ: إنَّ الْمَنْذُورَةَ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيُقِيمُ إذَا قُلْنَا يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ، وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَلَا يُقِيمُ وَبِمَا قَرَّرْتُ بِهِ عِبَارَتَهُ سَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَذَانَ يُشْرَعُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى، وَالْإِقَامَةَ فِي الْيُسْرَى كَمَا يَأْتِي فِي الْعَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ يُشْرَعُ إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ أَيْ تَمَرَّدَتْ الْجَانُّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ وَرَدَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا عَبَّرَ بِيُشْرَعَانِ دُونَ يُسَنَّانِ لِيَأْتِيَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ (وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ نَفْلٍ تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي: كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ حَيْثُ يَفْعَلُ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ. قَالَ شَيْخُنَا وَالْوِتْرُ حَيْثُ يُسَنُّ جَمَاعَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَهَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِهِمْ (الصَّلَاةَ جَامِعَةً) لِوُرُودِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي وَالْجُزْءَانِ مَنْصُوبَانِ: الْأَوَّلُ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي بِالْحَالِيَّةِ أَيْ اُحْضُرُوا الصَّلَاةَ وَالْزَمُوهَا حَالَةَ كَوْنِهَا جَامِعَةً، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَرَفْعُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ عَكْسُهُ، وَنَصْبُ الْآخَرِ عَلَى الْإِغْرَاءِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الْحَالِيَّةِ فِي الثَّانِي، وَكَالصَّلَاةِ جَامِعَةً " الصَّلَاةَ " كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَوْ هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ: كَالصَّلَاةِ الصَّلَاةَ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْجِنَازَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَالنَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَالضُّحَى أَوْ سُنَّتْ فِيهَا، لَكِنْ صُلِّيَتْ فُرَادَى فَلَا يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ. أَمَّا غَيْرُ الْجِنَازَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْجِنَازَةُ فَلِأَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لَهَا حَاضِرُونَ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِعْلَامِ. (وَالْجَدِيدُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 نَدْبُهُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ إلَّا بِمَسْجِدٍ، وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] قَالَ الرَّافِعِيُّ: الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ (نَدْبُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (لِلْمُنْفَرِدِ) فِي بَلَدٍ أَوْ صَحْرَاءَ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ لِلْحَدِيثِ الْآتِي، وَالْقَدِيمُ لَا يُنْدَبُ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ: وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ مَشْرُوعِيَّةُ أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الَّذِي نَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَيَكْفِي فِي أَذَانِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ لِلْجَمَاعَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهْرُ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ. أَمَّا الْإِقَامَةُ فَتُسَنُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَيَكْفِي فِيهَا إسْمَاعُ نَفْسِهِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْمُقِيمِ لِلْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْأَذَانِ، لَكِنَّ الرَّفْعَ فِيهَا أَخْفَضُ (وَيَرْفَعُ) الْمُنْفَرِدُ نَدْبًا (صَوْتَهُ) بِالْأَذَانِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ «أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءَ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (1) أَيْ سَمِعْتُ مَا قُلْتُهُ لَك: يَعْنِي قَوْلَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ إلَخْ بِخِطَابٍ لِي: أَيْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَهِمَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَوْرَدُوهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ: أَيْ لَمْ يُورِدُوهُ بِلَفْظِ الْحَدِيث بَلْ بِمَعْنَاهُ فَقَالُوا: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: " إنَّكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ " إلَخْ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَرَفْعِ صَوْتِهِ. وَقِيلَ: إنَّ ضَمِيرَ سَمِعْتُهُ لِقَوْلِهِ لَا يَسْمَعُ إلَخْ فَقَطْ (إلَّا بِمَسْجِدٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَرِبَاطٍ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَاتِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَانْصَرَفُوا. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: أَوْ أَذَّنَ فِيهِ فَيُسَنُّ أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَالتَّقْيِيدُ بِانْصِرَافِهِمْ يَقْتَضِي سَنَّ الرَّفْعِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ. (وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ) الْمَكْتُوبَةِ قَطْعًا مَنْ يُرِيدُ فِعْلَهَا؛ لِأَنَّهَا لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ (وَلَا يُؤَذِّنُ) لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ صَلَوَاتٌ فَقَضَاهَا، وَلَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِشُغْلِهِمْ بِالْقِتَالِ، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَالْقَدِيمُ يُؤَذِّنُ لَهَا: أَيْ حَيْثُ تُفْعَلُ جَمَاعَةً لِيُجَامِعَ الْقَدِيمُ السَّابِقَ فِي الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْجُمْهُورِ فِي الْمُؤَدَّاةِ عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ يَجْرِي الْقَدِيمُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ فَيُؤَذِّنُ لَهَا، سَوَاءٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى. وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ لَا الْأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ.   [مغني المحتاج] أَفُعِلَتْ جَمَاعَةً أَمْ لَا، إذْ لَيْسَ ثَمَّ قَدِيمٌ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَذَانَ لَا يُنْدَبُ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْمُؤَدَّاةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ (قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا نَامَ فِي الْوَادِي هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَارُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَذَانُ فِي الْجَدِيدِ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، وَفِي الْقَدِيمِ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ. (فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ) وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى) بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، لَكِنْ حَكَى ابْنُ كَجٍّ فِيهِ وَجْهًا، وَفِي الْأُولَى الْخِلَافَ السَّابِقَ، وَيُقِيمُ لِكُلٍّ مِنْهَا، فَإِنْ قَضَاهَا مُتَفَرِّقَاتٍ فَفِي الْأَذَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَلَوْ أَتْبَعَ الْفَائِتَةَ بِحَاضِرَةٍ بِلَا فَصْلٍ طَوِيلٍ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْحَاضِرَةِ إلَّا إنْ دَخَلَ وَقْتُهَا بَعْدَ أَذَانِ الْفَائِتَةِ فَيُعِيدُهُ لِلْإِعْلَامِ بِوَقْتِهَا. نَعَمْ لَوْ أَذَّنَ لِمُؤَدَّاةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَائِتَةً لَا يُسَنُّ الْأَذَانُ لَهَا إذَا وَالَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُؤَدَّاةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ وَقْتَهَا حَقِيقَةً. وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَا يُوَالِي بَيْنَ أَذَانَيْنِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. قُلْتُ ذَلِكَ بَحْثًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. وَلَوْ جَمَعَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ وَالَى فِيهِ، وَبَدَأَ بِصَاحِبَةِ الْوَقْتِ أَذَّنَ لِلْأُولَى فِي الصُّورَتَيْنِ دُونَ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ بَدَأَ بِغَيْرِ صَاحِبَةِ الْوَقْتِ وَوَالَى بَيْنَهُمَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِلثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْأُولَى الْخِلَافُ السَّابِقُ، فَيُؤَذِّنُ لَهَا عَلَى الرَّاجِحِ وَيُقِيمُ لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ. وَرَوَيَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ» وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حَفِظَ الْإِقَامَةَ، وَقَدْ حَفِظَ جَابِرٌ الْأَذَانَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَإِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَبِأَنَّ جَابِرًا اسْتَوْفَى حَجَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتْقَنَهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ. (وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ) بِأَنْ تَأْتِيَ بِهَا إحْدَاهُنَّ (لَا الْأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ يُخَافُ مِنْ رَفْعِ الْمَرْأَةِ الصَّوْتَ بِهِ - الْفِتْنَةُ، وَالْإِقَامَةُ لِاسْتِنْهَاضِ الْحَاضِرِينَ لَيْسَ فِيهَا رَفْعُ صَوْتٍ كَالْأَذَانِ. وَالثَّانِي: يُنْدَبَانِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِهِمَا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، لَكِنْ لَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا. وَالثَّالِثُ: لَا يُنْدَبَانِ: الْأَذَانُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْإِقَامَةُ تَبَعٌ لَهُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْمُنْفَرِدَةِ بِنَاءً عَلَى نَدْبِ الْأَذَانِ لِلْمُنْفَرِدِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا يُنْدَبُ لَهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهَا جَزْمًا، فَلَوْ قَالَ: وَيُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ لَكَانَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَذَّنَتْ لَهَا أَوْ لَهُنَّ سِرًّا لَمْ يُكْرَهْ، وَكَانَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ جَهْرًا بِأَنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تُسْمِعُ صَوَاحِبَهَا. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَثَمَّ أَجْنَبِيٌّ حَرُمَ كَمَا يَحْرُمُ تَكَشُّفُهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ يُفْتَتَنُ بِصَوْتِهَا كَمَا يُفْتَتَنُ بِوَجْهِهَا، وَأَسْقَطَ: وَثَمَّ أَجْنَبِيٌّ مِنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ، وَذِكْرُهُ أَوْلَى لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَوَّزُوا غِنَاءَهَا بِحَضْرَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلِمَ لَا سَوَّوْا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وَالْأَذَانُ مَثْنَى. وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا وَتَرْتِيلُهُ. وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ.   [مغني المحتاج] بَيْنَهُمَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ اسْتِمَاعُهُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَالْأَذَانُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جُوِّزَ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الْأَجْنَبِيُّ بِاسْتِمَاعِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةَ وَهُوَ مُمْتَنَعٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهَا كَالْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ اسْتِمَاعُ الْقُرْآنِ. (وَالْأَذَانُ) مُعْظَمُهُ (مَثْنَى) هُوَ مَعْدُولٌ عَنْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فِي آخِرِهِ مَرَّةٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي إفْرَادِهَا الْإِشَارَةُ إلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلِمَاتُهُ مَشْهُورَةٌ، وَعِدَّتُهَا بِالتَّرْجِيعِ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً. (وَالْإِقَامَةُ فُرَادَى إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ) . وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا الْإِقَامَةَ» مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ. وَاسْتِثْنَاءُ لَفْظِ الْإِقَامَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَاعْتَذَرَ فِي الدَّقَائِقِ عَنْ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ التَّكْبِيرَ فَإِنَّهُ يُثَنِّي فِي أَوَّلِهَا وَآخِرَهَا بِأَنَّهُ عَلَى نِصْفِ لَفْظِهِ فِي الْأَذَانِ فَكَأَنَّهُ فَرْدٌ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّكْبِيرِ أَوَّلَهَا. وَأَمَّا فِي آخِرِهَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْأَذَانِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: وَمُعْظَمُهَا فُرَادَى، وَالْحِكْمَةُ فِي تَثْنِيَةِ لَفْظِ الْإِقَامَةِ كَوْنُهَا الْمُصَرِّحَةَ بِالْمَقْصُودِ، وَكَلِمَاتُ الْإِقَامَةِ مَشْهُورَةٌ وَعِدَّتُهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً (وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا) أَيْ الْإِسْرَاعُ بِهَا مَعَ بَيَانِ حُرُوفِهَا، فَيَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْتٍ وَالْكَلِمَةِ الْأَخِيرَةِ بِصَوْتٍ. (وَتَرْتِيلُهُ) أَيْ الْأَذَانِ أَيْ التَّأَنِّي فِيهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ وَيُفْرِدُ بَاقِي كَلِمَاتِهِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْغَائِبِينَ فَكَانَ التَّرْتِيلُ فِيهِ أَبْلَغَ، وَالْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ فَكَانَ الْإِدْرَاجُ فِيهَا أَنْسَبَ. قَالَ الْهَرَوِيُّ: عَوَامُّ النَّاسِ يَقُولُونَ أَكْبَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا وَصَلَ، وَكَانَ الْمُبَرِّدُ يَفْتَحُ الرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ الْأُولَى وَيُسَكِّنُ الثَّانِيَةَ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا فَكَانَ الْأَصْلُ إسْكَانَهَا، لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ قَبْلَ فَتْحَةِ هَمْزَةِ اللَّهِ الثَّانِيَةِ فُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الم} [آل عمران: 1] {اللَّهُ} [آل عمران: 2] [الْ عِمْرَانَ] وَجَرَى عَلَى كَلَامِ الْمُبَرِّدِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمُبَرِّدُ مَمْنُوعٌ: إذْ الْوَقْفُ لَيْسَ عَلَى أَكْبَرَ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ مِيمِ " الم " كَمَا لَا يَخْفَى. (وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ) أَيْ الْأَذَانِ لِثُبُوتِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ: وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا جَهْرًا، فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ وَدَقَائِقِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَحْقِيقِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ لِلثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَجْمُوعِهِمَا. وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ بِهِمَا أَنْ يُسْمِعَ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ: أَيْ أَوْ نَحْوَهُ إنْ كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهِمْ، وَالْمَسْجِدُ مُتَوَسِّطُ الْخُطَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْإِسْرَارِ هُوَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْجَهْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَإِسْرَارِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ، وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّرْجِيعُ هُوَ السِّرَّ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ الثَّانِي أَوْ هُمَا، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ السِّرَّ هُنَا هُوَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ مَنْ بِقُرْبِهِ فَيَكْفِي. أُجِيبَ بِأَنَّ إسْمَاعَ مَنْ بِقُرْبِهِ لَا يَكْفِي إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمُصَلِّي، وَالْكَلَامُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَحِكْمَتُهُ تَدَبُّرُ كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَتَذَكُّرِ خَفَائِهِمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظُهُورِهِمَا وَفِي ذَلِكَ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْحِ. وَأَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ.   [مغني المحتاج] الرَّفْعِ بَعْد أَنْ تَرَكَهُ، أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا. (وَ) يُسَنُّ (التَّثْوِيبُ) وَيُقَالُ: التَّثَوُّبُ بِالْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا (فِي) أَذَانِ (الصُّبْحِ) وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدِ الْحَيْعَلَتَيْنِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَخُصَّ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ لِلنَّائِمِ مِنْ التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِأَذَانِ الْفَائِتَةِ إذَا قُلْنَا بِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَشَامِلٌ لَأَذَانَيْ الصُّبْحِ: وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ إذَا ثَوَّبَ فِي الْأَوَّلِ لَا يُثَوِّبُ فِي الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُثَوِّبَ لِغَيْرِ أَذَانِ الصُّبْحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَسُمِّيَ ذَلِكَ تَثْوِيبًا مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ: أَيْ الْيَقَظَةُ لِلصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ الرَّاحَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ النَّوْمِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ أَوْ الْمُظْلِمَةِ ذَاتِ الرِّيحِ بَعْدَ الْأَذَانِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَلَوْ جَعَلَهُ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ أَوْ عِوَضًا عَنْهُمَا جَازَ، فَفِي الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِذَلِكَ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُؤَذِّنَ) وَيُقِيمَ (قَائِمًا) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ. وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا (لِلْقِبْلَةِ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا فَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ أَوْ الْقِيَامَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْأَذَانِ، وَالِاضْطِجَاعُ فِيمَا ذُكِرَ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الْقُعُودِ. وَيُسَنُّ الِالْتِفَاتُ بِعُنُقِهِ فِي حَيْعَلَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، لَا بِصَدْرِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ عَنْ مَحَلِّهِ وَلَوْ بِمَنَارَةٍ مُحَافَظَةً عَلَى الِاسْتِقْبَالِ يَمِينًا مَرَّةً فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ وَشِمَالًا مَرَّةً فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُتِمَّهُمَا فِي الِالْتِفَاتَيْنِ رَوَى الشَّيْخَانِ " أَنَّ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَلَا يَلْتَفِتُ فِي قَوْلِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: وَاخْتَصَّتْ الْحَيْعَلَتَانِ بِالِالْتِفَاتِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ بَاقٍ بِخِلَافِ الْكَلِمَاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَاعٍ لِلْغَائِبِينَ، وَالِالْتِفَاتُ أَبْلَغُ فِي إعْلَامِهِمْ، وَالْخَطِيبُ وَاعِظٌ لِلْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَعْرِضَ عَنْهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى الْفَرْقِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْإِقَامَةِ، مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِيهَا كَالْأَذَانِ. أُجِيبَ، بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الْإِعْلَامُ أَيْضًا، فَلَيْسَ فِيهَا تَرْكُ أَدَبٍ. وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنَانِ: بِلَالٌ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا» . وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا تُسَنُّ عَلَى عَالٍ إلَّا فِي نَحْوِ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى عُلُوٍّ لِلْإِعْلَامِ بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنَارَةٌ وَلَا سَطْحٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى بَابِ الْمُصَلَّى، فَإِنْ أَذَّنَ فِي صَحْنِهِ جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ. وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُؤَذِّنُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي خَبَرِ أَبِي جُحَيْفَةَ وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَالْمُرَادُ أُنْمُلَتَا سَبَّابَتَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلصَّوْتِ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْأَصَمُّ وَالْبَعِيدُ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسَنُّ فِيهَا ذَلِكَ. وَأَنْ يُبَالِغَ فِي رَفْعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ وَمُوَالَاتُهُ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ. وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ: الْإِسْلَامُ. وَالتَّمْيِيزُ وَالذُّكُورَةُ.   [مغني المحتاج] الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ السَّابِقِ أَوَائِلَ الْبَابِ بِلَا إجْهَادِ النَّفْسِ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا. (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْأَذَانِ وَكَذَا الْإِقَامَةُ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ فَإِنْ عَكَسَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ، وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ فِي خِلَالِهِمَا أَتَى بِالْمَتْرُوكِ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ. (وَ) تَجِبُ (مُوَالَاتُهُ) وَكَذَا الْإِقَامَةُ: أَيْ مُوَالَاةُ كَلِمَاتِهِمَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ كَلَامٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ) بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ، وَقِيلَ: يَضُرُّ كَثِيرُ الْكَلَامِ دُونَ كَثِيرِ السُّكُوتِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَفْحُشْ الطُّولُ فَإِنْ فَحُشَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا أَيْ فِي الْأَذَانِ، وَلَا إقَامَةً فِي الْإِقَامَةِ اسْتَأْنَفَ جَزْمًا. فَإِنْ عَطَسَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُؤَذِّنُ أَوْ الْمُقِيمُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سُنَّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ، وَأَنْ يُؤَخِّرَ رَدَّ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالتَّشْمِيتُ إذَا عَطَسَ غَيْرُهُ، وَحَمَدَ اللَّهَ تَعَالَى إلَى الْفَرَاغِ فَيَرُدُّ وَيُشَمِّتُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ رَدَّ أَوْ شَمَّتَ أَوْ تَكَلَّمَ بِمَصْلَحَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ. وَلَوْ رَأَى أَعْمَى مَثَلًا يَخَافُ وُقُوعَهُ فِي بِئْرٍ وَجَبَ إنْذَارُهُ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَدَمُ بِنَاءِ غَيْرِهِ عَلَى أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَخْصَيْنِ يُوقِعُ فِي لَبْسٍ غَالِبًا فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ الْبِنَاءِ إذَا اشْتَبَهَا صَوْتًا (وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ) وَالْمُقِيمِ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ الصَّلَاةَ الَّتِي هُمَا دُعَاءٌ لَهَا، فَإِتْيَانُهُ بِذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا بِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ، وَالْعِيسَوِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ تُنْسَبُ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْبَهَانِيِّ كَانَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً وَفَارَقَ الْيَهُودَ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ: مِنْهَا أَنَّهُ حَرَّمَ الذَّبَائِحَ، فَإِنْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ غَيْرُ الْعِيسَوِيِّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا اُعْتُدَّ بِالثَّانِي، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ، ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَقَامَ جَازَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعِيدَهُمَا غَيْرُهُ حَتَّى لَا يُصَلِّيَ بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَالِهِ. (وَ) شَرْطُ مَنْ ذُكِرَ (التَّمْيِيزُ) فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ. وَفِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْأَذَانِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الصَّرْفِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ. (وَ) شَرْطُ الْمُؤَذِّنِ (الذُّكُورَةُ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا، فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى لِرِجَالٍ وَخَنَاثَى كَمَا لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمَا لَهُمْ، وَتَقَدَّمَ أَذَانُهُمَا لِغَيْرِ الرِّجَالِ وَالْخَنَاثَى، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الرِّجَالِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَشَرْطُ الْمُرَتَّبِ لِلْأَذَانِ عِلْمُهُ بِالْمَوَاقِيتِ دُونَ مَنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِجَمَاعَةٍ مَرَّةً أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِهَا، بَلْ إذَا عَلِمَ دُخُولَ الْوَقْتِ صَحَّ أَذَانُهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ أَذَانِ الْأَعْمَى، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وَيُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ، وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ. وَيُسَنُّ صَيِّتٌ حَسَنُ الصَّوْتِ   [مغني المحتاج] الرَّاتِبَ إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ إذَا عَرَفَهَا بِخَبَرِ ثِقَةٍ كَغَيْرِ الرَّاتِبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ حَتَّى الْمُتَوَلِّي فِي تَتِمَّتِهِ، فَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ رَاتِبًا أَوْ غَيْرَهُ مَعْرِفَةُ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ بِأَمَارَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ رَاتِبًا مَعَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا بِالْأَمَارَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ لَا يَعْرِفُونَ الْوَقْتَ، وَلَكِنْ يُنْصَبُ لَهُمْ مُوَقِّتٌ يُخْبِرُهُمْ بِالْوَقْتِ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اُعْتُدَّ بِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَالْأَذَانِ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ. (وَيُكْرَهُ) الْأَذَانُ (لِلْمُحْدِثِ) حَدَثًا أَصْغَرَ لِخَبَرِ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» أَوْ قَالَ «عَلَى طَهَارَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلَهَا، وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ مُتَّعِظٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ التَّطَهُّرُ مِنْ الْخَبَثِ أَيْضًا (وَ) الْكَرَاهَةُ (لِلْجُنُبِ أَشَدُّ) مِنْهَا لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ (وَالْإِقَامَةُ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَغْلَظُ) أَيْ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْ الْأَذَانِ لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْجُنُبِ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَسَاوِيهِمَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَغْلَظَ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْجَنَابَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ، وَمَنْ بِهِ نَحْوُ سَلَسِ بَوْلٍ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يُكْرَهُ لَهُمْ الْأَذَانُ أَوْ الْإِقَامَةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْدِثِ أَوْ الْجُنُبِ مَنْ لَا تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ. وَيُجْزِئُ أَذَانُ وَإِقَامَةُ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ وَالْجُنُبِ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الْإِعْلَامِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ، وَلَوْ حَصَلَ لَهُ حَدَثٌ وَلَوْ أَكْبَرَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ لِئَلَّا يُوهِمَ التَّلَاعُبَ، فَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ بَنَى وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى. (وَيُسَنُّ) لِلْأَذَانِ مُؤَذِّنٌ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ (صَيِّتٌ) أَيْ عَالِي الصَّوْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْكَ صَوْتًا» (1) أَيْ أَبْعَدُ، وَلِزِيَادَةِ الْإِبْلَاغِ (حَسَنُ الصَّوْتِ) لِيَرِقَّ قَلْبُ السَّامِعِ وَيَمِيلَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُلْوَ الْمَقَالِ، وَرَوَى الدَّارِمِيُّ (2) ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 عَدْلٌ. وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عِشْرِينَ رَجُلًا فَأَذَّنُوا فَأَعْجَبَهُ صَوْتُ أَبِي مَحْذُورَةَ فَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ» (عَدْلٌ) لِيُقْبَلَ خَبَرُهُ عَنْ الْأَوْقَاتِ، وَيُؤْمَنَ نَظَرُهُ إلَى الْعَوْرَاتِ، وَيُكْرَهُ أَذَانُ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ وَأَعْمَى لَيْسَ مَعَهُ بَصِيرٌ يَعْرِفُ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ، وَلِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْمَوَاقِيتِ. فُرُوعٌ: يُكْرَهُ تَمْطِيطُ الْأَذَانِ: أَيْ تَمْدِيدُهُ وَالتَّغَنِّي بِهِ: أَيْ التَّطْرِيبُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ وَلَدِ مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَسَعْدٍ الْقُرَظِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ أَوْلَادِ مُؤَذِّنِي أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَمِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ لِلْمُقِيمِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْقِيَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَا يُكْرَهُ أَذَانُهُ رَاكِبًا لِلْحَاجَةِ إلَى الرُّكُوبِ فِي السَّفَرِ، فَإِنْ أَذَّنَ مَاشِيًا أَجْزَأَهُ إنْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ مَكَانِ ابْتِدَائِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مَنْ يَسْمَعُ أَوَّلَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِ الْأَذَانِ لِلْإِقَامَةِ وَلَا يُقِيمُ وَهُوَ يَمْشِي، وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ وَبِقَدْرِ أَدَاءِ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرِيضَةِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَغْرِبِ بِنَحْوِ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقُعُودٍ لَطِيفٍ لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَلِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا عَادَةً، وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ سُنَّةً قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا. (وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ الْأَذَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّيْءِ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ إلَيْهِ، وَاخْتَارَ هَذَا السُّبْكِيُّ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ السَّلَامَةَ فِي تَرْكِهَا، وَنَقَلَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا بَعْدَ الْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ قَامُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ: هَؤُلَاءِ بِالنُّبُوَّةِ، وَهَؤُلَاءِ بِالْعِلْمِ، وَهَؤُلَاءِ بِعِمَادِ الدِّينِ (قُلْتُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْأَذَانَ (أَفْضَلُ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33] [فُصِّلَتْ] قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: هُمْ الْمُؤَذِّنُونَ، وَلِخَبَرِ «إنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَلِدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلِلْإِمَامِ بِالْإِرْشَادِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: دَعَا لِلْإِمَامِ بِالرُّشْدِ خَوْفَ زَيْغِهِ، وَلِلْمُؤَذِّنِ بِالْمَغْفِرَةِ لِعِلْمِهِ بِسَلَامَةِ حَالِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَذَانَ يَحْتَاجُ إلَى فَرَاغٍ وَكَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ أَذَّنَ لَوَجَبَ الْحُضُورُ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ، وَضُعِّفَ هَذَا بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَصْرِفُهُ إلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، وَقِيلَ: أَذَّنَ مَرَّتَيْنِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ أَنَّ الْأَذَانَ مَعَ الْإِقَامَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِصَاحِبِ التَّنْبِيهِ، وَإِذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَطَابَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِالْمَشْرُوطِ وَالْخَطِيبُ يَأْتِي بِالشَّرْطِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمَشْرُوطِ أَوْلَى، وَقِيلَ: الْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ إلَّا الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ.   [مغني المحتاج] الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ، وَحُكِيَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ فَضَّلَ الْمُصَنِّفُ الْأَذَانَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ الرَّافِعِيَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَصْحِيحُهُ فَرْضِيَّةَ الْجَمَاعَةِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ سُنَّةٍ عَلَى فَرْضٍ وَإِنَّمَا يُرَجِّحُهُ عَلَيْهَا مَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّتِهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَفْضِيلِ سُنَّةٍ عَلَى فَرْضٍ، فَقَدْ فُضِّلَ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَى الْجَوَابِ، وَإِبْرَاءُ الْمُعْسِرِ عَلَى إنْظَارِهِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِمَا سُنَّةٌ، وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ. فُرُوعٌ: يُسَنُّ لِمَنْ صَلُحَ لِلْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي التِّرْمِذِيِّ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يُبَاحُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ لِخَبَرِ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ أَذَّنَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَأَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذَّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ. وَوَقْتُ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ، وَالْإِقَامَةُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُؤَذِّنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اُعْتُدَّ بِهِ. (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (الْوَقْتُ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْبَاسِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى سُقُوطِ مَشْرُوعِيَّتِهِ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ، لَا لِلْوَقْتِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يُؤَذِّنْ وَإِلَّا أَذَّنَ (إلَّا الصُّبْحَ) أَيْ أَذَانَهُ (فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) يَصِحُّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» (1) زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ» كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا جُعِلَ وَقْتُهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصُّبْحِ إذْ مُعْظَمُ اللَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ وَقَرُبَ الْأَذَانُ مِنْ الْوَقْتِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الصُّبْحِ، وَلِهَذَا تَقُولُ الْعَرَبُ بَعْدَهُ: أَنْعِمْ صَبَاحًا. قَالَ فِي الْإِقْلِيدِ: فَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ خِلَافًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ، فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهَا لَيَنْتَبِهُوا وَيَتَأَهَّبُوا لِيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَخَرَجَ بِالْأَذَانِ الْإِقَامَةُ فَلَا تُقَدَّمُ بِحَالٍ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَتَرَبَّصُ بَعْدَ أَذَانِهِ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَرْقُبُ الْفَجْرَ، فَإِذَا قَارَبَ طُلُوعَهُ نَزَلَ فَأَخْبَرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فَيَتَأَهَّبُ ثُمَّ يَرْقَى، وَقِيلَ: يَدْخُلُ وَقْتُ أَذَانِهِ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ   [مغني المحتاج] مِنْ اللَّيْلِ، وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقَالَ: إنَّ قَائِلَهُ اعْتَمَدَ حَدِيثًا بَاطِلًا مُحَرَّفًا، وَيَدْخُلُ سُبْعُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: وَقْتُهُ جَمِيعُ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: إذَا خَرَجَ وَقْتُ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ، وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي السَّحَرَ بِمَا بَيْنَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ وَالصَّادِقِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ: السَّحَرُ هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ. (وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ) وَنَحْوَهُ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ فَوَائِدِهِمَا أَنَّهُ (يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) لِلصُّبْحِ (قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَيُزَادُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي اسْتِحْبَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَيَتَرَتَّبُونَ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَيَقْتَرِعُونَ لِلْبُدَاءَةِ إنْ تَنَازَعُوا، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ تَفَرَّقُوا فِي أَقْطَارِهِ وَإِنْ صَغُرَ اجْتَمَعُوا إنْ لَمْ يُؤَدِّ اجْتِمَاعُهُمْ إلَى اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَاطٍ وَيَقِفُونَ عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً فَإِنْ أَدَّى إلَى ذَلِكَ أَذَّنَ بَعْضُهُمْ بِالْقُرْعَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَعِنْدَ التَّرْتِيبِ لَا يَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ: لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ سُنَّ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمَرَّتَيْنِ. فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاتِبُ غَيْرَهُ فَالرَّاتِبُ أَوْلَى، وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ الْمُؤَذِّنَ مِنْ مَالٍ الْمَصَالِحِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ مُتَبَرِّعًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْوَصِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَكَذَا الْإِمَامُ. فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَوْ أَمِينٌ، وَثَمَّ أَمِينٌ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْهُ وَأَبَى الْأَمِينُ فِي الْأُولَى وَالْأَحْسَنُ صَوْتًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِهَا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَإِنْ تَعَدَّدُوا بِعَدَدِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَأَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ بِأَحَدِهَا لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ، وَيَبْدَأُ وُجُوبًا إنْ ضَاقَ بَيْتُ الْمَالِ وَنَدْبًا إنْ اتَّسَعَ بِالْأَهَمِّ كَمُؤَنِ الْجَامِعِ، وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ لِكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَقَصْدِ النَّاسِ لَهَا، وَلِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى الْأَذَانِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ يُرْزَقُ عَلَيْهِ كَكِتَابَةِ الصَّكِّ وَلِرُجُوعِ نَفْعِهِ إلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُكَ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَذَانِ ضِمْنًا، وَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا، وَفِي الْأَذَانِ كُلْفَةٌ غَالِبًا لِرِعَايَةِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ بِصَافِيَةٍ عَنْ الْإِشْكَالِ. وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لِلْجَمَاعَةِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، فَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ صَحَّ. وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ، حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَقَرَّهُ. (وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ وَمُسْتَمِعِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَمِثْلُ الْمُؤَذِّنِ الْمُقِيمِ (مِثْلُ قَوْلِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَيُقَاسُ بِالْمُؤَذِّنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ فَيَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.   [مغني المحتاج] الْمُقِيمُ، وَتَنَاوَلَتْ عِبَارَتُهُ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَنَحْوَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُجِيبَانِ لِحَدِيثِ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» وَلِابْنِهِ فِي قَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ، فَيُقَالُ: تُجِيبُ الْحَائِضُ لِطُولِ زَمَنِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَتَنَاوَلَتْ أَيْضًا الْمُجَامِعَ وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ، لَكِنْ إنَّمَا يُجِيبَانِ بَعْدَ الْفَرَاغِ. كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَإِنْ طَالَ لَمْ تُسْتَحَبَّ لَهُمَا الْإِجَابَةُ، وَفَارَقَ هَذَا تَكْبِيرَ الْعِيدِ الْمَشْرُوعَ عَقِبَ الصَّلَاةِ حَيْثُ يُتَدَارَكُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِأَنَّ الْإِجَابَةَ تَنْقَطِعُ مَعَ الطُّولِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَمَنْ فِي صَلَاةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِجَابَةُ بَلْ تُكْرَهُ، فَإِنْ قَالَ فِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، أَوْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبْطُلُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ أَجَابَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا، وَإِذَا كَانَ السَّامِعُ أَوْ الْمُسْتَمِعُ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُمَا وَيُجِيبَ، أَوْ فِي طَوَافٍ أَجَابَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا بِأَنْ لَا يُقَارِنَ وَلَا يَتَأَخَّرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ الْإِجْزَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَامْتِنَاعُهُ عِنْدَ التَّقَدُّمِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَذَانَ غَيْرِهِ أَوْ إقَامَتَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ لَا تُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ فِي خَبَرِ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ» وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. قَالَ: وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ التَّرْجِيعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ بَعْضَ الْأَذَانِ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ فِي الْجَمِيعِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَصْلَ الْفَضِيلَةِ فِي الْإِجَابَةِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَأَكَّدٌ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إجَابَةُ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ إلَّا أَذَانَيْ الصُّبْحِ فَلَا أَفْضَلِيَّةَ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ) وَهُمَا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ (فَيَقُولُ) بَدَلَ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا حَوْلَ) أَيْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى الطَّاعَةِ (إلَّا بِاَللَّهِ) أَيْ بِعَوْنِ اللَّهِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ «كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَدْرِي مَا تَفْسِيرُهَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيَّ وَقَالَ: هَكَذَا أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ أَرْبَعًا، وَفِي الْإِقَامَةِ مَرَّتَيْنِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقِيلَ: يُحَوْقِلُ مَرَّتَيْنِ فِي الْأَذَانِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِحَيْعَلَاتِهِ لَوَافَقَ الْأَوَّلَ الْمُعْتَمَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 قُلْتُ: وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِهِ، ثُمَّ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ   [مغني المحتاج] وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ مِثْلَ مَا يَقُولُ؛ لِأَنَّهُمَا دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ، فَسُنَّ لِلْمُجِيبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِقَوْلِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: أَيْ سَامِعُهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ (1) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ» أَيْ أَجْرُهَا مُدَّخَرٌ لِقَائِلِهَا كَمَا يُدَّخَرُ الْكَنْزُ. فَائِدَةٌ: الْحَاءُ وَالْعَيْنُ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَصْلِيَّةِ الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مَخْرَجِهِمَا إلَّا أَنْ تُؤَلَّفَ كَلِمَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ كَقَوْلِهِمْ حَيْعَلَ، فَإِنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ. مِنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمِنْ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَمِنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ قَوْلُهُمْ حَوْقَلَ إذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ هَكَذَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: حَوْلَقَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْقَافِ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ حَاءِ حَوْلَ وَقَافِ قُوَّةَ، وَكَقَوْلِهِمْ: بَسْمَلَ، إذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَحَمْدَلَ، إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْهَيْلَلَةُ، إذَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَالْجَعْفَلَةُ، جُعِلْتُ فِدَاءَكَ، وَالطَّلْبَقَةُ، أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ، وَالدَّمْعَزَةُ، أَدَامَ اللَّهُ عِزَّكَ. وَالْفَلَاحُ الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاةُ مِنْ الْمَرْهُوبِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ السَّامِعَ يَقُولُ فِي قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ (قُلْتُ: وَإِلَّا فِي التَّثْوِيبِ) فِي أَذَانَيْ الصُّبْحِ (فَيَقُولُ) بَدَلَ كَلِمَتَيْهِ (صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ، وَحُكِيَ فَتْحُ الْأُولَى: أَيْ صِرْت ذَا بِرٍّ: أَيْ خَيْرٍ كَثِيرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ، وَلِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَا يُعْرَفُ مَنْ قَالَهُ، وَقِيلَ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ الْإِجَابَةِ فِي كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ كَمَا تَقَرَّرَ إلَّا فِي كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ، فَيَقُولُ " أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ أَيْضًا، وَلِخَبَرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ أَقِمْهَا وَأَدِمْهَا وَاجْعَلْنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا) (2) وَهُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ يُجِيبُ إلَّا فِي كَلِمَتَيْهَا فَقَطْ. (وَ) يُسَنُّ (لِكُلٍّ) مِنْ مُؤَذِّنٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ قَالَ شَيْخُنَا وَمُقِيمٍ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ (أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَيُسَلِّمَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ إفْرَادُهَا عَنْهُ (بَعْدَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ عَلَى مَا مَرَّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» (ثُمَّ) يَقُولُ: (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ مِنْهُ يَا وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ. فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْقَادِرِ   [مغني المحتاج] مَا مَرَّ (التَّامَّةِ) أَيْ السَّالِمَةِ مِنْ تَطَرُّقِ نَقْصٍ إلَيْهَا (وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ) أَيْ الَّتِي بِهِ تُقَامُ (آتِ) أَعْطِ (مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ ذَلِكَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: أَيْ حَصَلَتْ وَزَادَ فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ وَالْفَضِيلَةَ: وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَبَعْدَ وَعَدْتَهُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَالْوَسِيلَةُ أَصْلُ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى الشَّيْء، وَالْجَمْعُ وَسَائِلُ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا فِي الْحَدِيثِ الْقُرْبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: وَقِيلَ: قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ إحْدَاهُمَا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ يَسْكُنُهَا مُحَمَّدٌ وَآلُهُ، وَالْأُخْرَى مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ، وَالْمَقَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] [الْإِسْرَاءُ] وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالطَّبَرِيُّ: الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجْلِسُهُ عَلَى الْعَرْشِ، وَوَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مُعَرَّفًا، وَنَكَّرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَاعْتَرَضَ بِرِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ لَهُ مُعَرَّفًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ طَلَبِ ذَلِكَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: الَّذِي وَعَدْتَهُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَقَامًا لَا نَعْتٌ لَهُ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمَعْرِفَةِ مِنْ النَّكِرَةِ وَلَا يَجُوزُ نَعْتُ النَّكِرَةِ بِالْمَعْرِفَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ نَعْتُ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَمَرْفُوعًا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِخَبَرِ «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَادْعُوَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَأَكَّدَهُ بِسُؤَالِ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ وَمَنْ سَمِعَهُ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ: اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِكَ وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ فَاغْفِرْ لِي، وَبَعْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ: اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ نَهَارِكَ وَإِدْبَارُ لَيْلِكَ وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ فَاغْفِرْ لِي (2) . [فَصْلٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] (فَصْلٌ) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ: بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ (شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْقَادِرِ) عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ. وَنَفْلُ السَّفَرِ، فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ.   [مغني المحتاج] {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ} [البقرة: 144] أَيْ نَحْوَ {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] [الْبَقَرَةُ] وَالِاسْتِقْبَالُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَهُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ» (1) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرَوَيَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْكَعْبَةِ: أَيْ وَجْهَهَا، وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ» مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا. وَالْقِبْلَةُ فِي اللُّغَةِ: الْجِهَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْكَعْبَةُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا الْقِبْلَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَلَكِنَّ الْقِبْلَةَ صَارَتْ فِي الشَّرْعِ حَقِيقَةَ الْكَعْبَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهَا غَيْرُهَا، سُمِّيَتْ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا، وَكَعْبَةً لِارْتِفَاعِهَا وَقِيلَ لِاسْتِدَارَتِهَا. أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْهُ كَمَرِيضٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَجِّهُهُ إلَيْهَا وَمَرْبُوطٍ عَلَى خَشَبَةٍ فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ وَيُعِيدُ وُجُوبًا. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ دَلِيلٌ عَلَى الِاشْتِرَاطِ: أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْقَادِرِ، فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِلْعَاجِزِ أَيْضًا بِدَلِيلِ الْقَضَاءِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي، وَاسْتَدْرَكَ عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ شَرْطًا لَمَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ لَا دَلِيلَ فِيهِ اهـ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا فُقِدَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَتُعَادُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَذْرَعِيَّ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. (إلَّا فِي) صَلَاةِ (شِدَّة الْخَوْفِ) فِيمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] [الْبَقَرَةُ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ " مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: نَعَمْ لَوْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، بِخِلَافِ الِاسْتِقْبَالِ، وَقَدْ أَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَنَذْكُرُ مَا فِيهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَ) وَإِلَّا فِي (نَفْلِ السَّفَرِ) الْمُبَاحِ لِقَاصِدِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا لِلْقَادِرِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ النَّفَلُ فِي الْحَضَرِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ فِيهِ لِلتَّرَدُّدِ كَمَا فِي السَّفَرِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (فَلِلْمُسَافِرِ) السَّفَرَ الْمَذْكُورَ (التَّنَفُّلُ رَاكِبًا) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَمَاشِيًا) قِيَاسًا عَلَى الرَّاكِبِ، بَلْ أَوْلَى. وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْفِيفِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَسْفَارِ، فَلَوْ شَرَطَ فِيهَا الِاسْتِقْبَالَ لِلنَّفْلِ لَأَدَّى إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ، وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ (وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ الْجُمُعَةِ، وَالسَّفَرِ الْقَصِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ فِي مَرْقَدٍ، وَإِتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. وَيَخْتَصُّ بِالتَّحَرُّمِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي السَّلَامِ أَيْضًا. وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ   [مغني المحتاج] إلَى ضَيْعَةٍ مَسِيرَتُهَا مِيلٌ أَوْ نَحْوَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ: أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا تَلْزَمُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْقَصْرِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّفَلَ أَخَفُّ فَيُتَوَسَّعُ فِيهِ؛ وَلِهَذَا جَازَ مِنْ قُعُودٍ فِي الْحَضَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ. (فَإِنْ أَمْكَنَ) أَيْ سَهُلَ (اسْتِقْبَالُ الرَّاكِبِ) غَيْرَ مَلَّاحٍ (فِي مَرْقَدٍ) كَمَحْمَلٍ وَاسِعٍ وَهَوْدَجٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ (وَإِتْمَامُ) الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا نَحْوَ (رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ لَزِمَهُ) ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ كَرَاكِبِ السَّفِينَةِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ تَضُرُّ بِالدَّابَّةِ بِخِلَافِ السَّفِينَةِ (وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَيْ يَسْهُلْ ذَلِكَ كَأَنْ كَانَ عَلَى سَرْجٍ أَوْ قَتَبٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ) بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً، وَأَمْكَنَ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرِيفُهَا أَوْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ (وَجَبَ) لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ بِأَنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ سَائِرَةً وَهِيَ مَقْطُورَةٌ وَلَمْ يَسْهُلْ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ جَمُوحًا لَا يَسْهُلُ تَحْرِيفُهَا (فَلَا) يَجِبُ لِلْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَالِ أَمْرِ السَّيْرِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ السَّيْرَ. (وَيَخْتَصُّ) وُجُوبُ الِاسْتِقْبَالِ (بِالتَّحَرُّمِ) فَلَا يَجِبُ فِيمَا عَدَاهُ، وَإِنْ سَهُلَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطَ لِغَيْرِهِ لِوُقُوعِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالشَّرْطِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي السَّلَامِ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ ذَلِكَ كَالتَّحَرُّمِ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا بَيْنَهُمَا جَزْمًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَهْلَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً، وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا، فَإِنْ سَارَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى جِهَةِ سَفَرِهِ إنْ كَانَ سَيْرُهُ لِأَجْلِ سَيْرِ الرُّفْقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا لَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ فَرْضُ التَّوَجُّهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْحَاوِي نَحْوَهُ اهـ. وَمَا قَالَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي ظَاهِرٌ فِي الْوَاقِفَةِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوُقُوفِ إتْمَامُ التَّوَجُّهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. أَمَّا الْمَاشِيَةُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ وَإِنْ سَهُلَ. أَمَّا مَلَّاحُ السَّفِينَةِ وَهُوَ الَّذِي يُسَيِّرُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ التَّنَفُّلِ أَوْ عَمَلِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ مَنْ فِي السَّفِينَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ اللُّزُومَ. (وَيَحْرُمُ انْحِرَافُهُ عَنْ) صَوْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 طَرِيقِهِ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ. وَيُومِئُ بِرُكُوعِهِ، وَسُجُودِهِ أَخْفَضَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَاشِيَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إحْرَامِهِ،   [مغني المحتاج] (طَرِيقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقِبْلَةِ (إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ حَتَّى لَوْ انْحَرَفَ بِرُكُوبِهِ مَقْلُوبًا عَنْ صَوْبِ مَقْصِدِهِ إلَى الْقِبْلَةِ لَمْ يَضُرَّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْقِبْلَةُ خَلْفَهُ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الدَّمِيرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَضُرُّ إذَا كَانَتْ خَلْفَهُ، فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَالِمًا مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا النِّسْيَانُ أَوْ خَطَأُ طَرِيقٍ أَوْ جِمَاحُ دَابَّةٍ إنْ طَالَ الزَّمَنُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ عَمْدَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ وَفِعْلُ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَحَّحَاهُ فِي الْجِمَاحِ، وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي النِّسْيَانِ، وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ (1) فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ فِيهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. : وَلَوْ انْحَرَفَتْ الدَّابَّةُ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاحٍ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْهَا ذَاكِرٌ لِلصَّلَاةِ فَفِي الْوَسِيطِ إنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: أَوْجَهُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَلَوْ أَحْرَفَهُ غَيْرُهُ قَهْرًا بَطَلَتْ وَإِنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ لِنُدْرَتِهِ، وَلَوْ كَانَ لِصَوْبِ مَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا يَسْتَقْبِلُ فِيهِ الْقِبْلَةَ. وَالْآخَرُ لَا يَسْتَقْبِلُ فِيهِ فَسَلَكَهُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ فِي سُلُوكِهِ كَمَا فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّفَلَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ. (وَيُومِئُ) أَيْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ (بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) وَيَكُونُ سُجُودُهُ (أَخْفَضَ) مِنْ رُكُوعِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسُجُودُهُ وُجُوبًا إنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى السَّرْجِ وَنَحْوِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلَا أَنْ يَنْحَنِيَ غَايَةَ الْوُسْعِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إيمَاءً إلَّا الْفَرَائِضَ» (2) ، وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ فِي صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالْإِيمَاءِ يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ. (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَاشِيَ يُتِمُّ) وُجُوبًا (رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا وَفِي إحْرَامِهِ) وَجُلُوسِهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ بِالْمُكْثِ. وَالثَّانِي يَكْفِيهِ أَنْ يُومِئَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالرَّاكِبِ، وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهِمَا، وَيَلْزَمُهُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 وَلَا يَمْشِي إلَّا فِي قِيَامِهِ وَتَشَهُّدِهِ. وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ، أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا.   [مغني المحتاج] يَلْزَمُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي السَّلَامِ (وَ) الْأَظْهَرُ أَنَّهُ (لَا يَمْشِي) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ (إلَّا فِي قِيَامِهِ) الشَّامِلِ لِاعْتِدَالِهِ (وَتَشَهُّدِهِ) وَلَوْ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي غَيْرِهِمَا كَجُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْشِي إلَّا فِي الْقِيَامِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: لَا يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ بِالْأَرْضِ فِي شَيْء، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالرَّاكِبِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَامُ الِاعْتِدَالِ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلِمَ جَوَّزْتُمْ فِيهِ الْمَشْيَ دُونَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَشْيَ الْقَائِمِ سَهْلٌ فَسَقَطَ عَنْهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ لِيَمْشِيَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ سَفَرِهِ قَدْرَ مَا يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَسْنُونِ فِيهِ، وَمَشْيُ الْجَالِسِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْقِيَامِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فِيهِ. وَلَوْ بَلَغَ الْمُسَافِرُ الْمُحَطَّ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ السَّيْرُ أَوْ بَلَغَ طَرَفَ بُنْيَانِ بَلَدٍ تَلْزَمُ الْإِقَامَةُ بِهِ، أَوْ نَوَى وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ بِمَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِهِ. وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا لَزِمَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ دَابَّتِهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُتِمَّهَا مُسْتَقْبِلًا، وَهِيَ وَاقِفَةٌ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ بِخِلَافِ الْمَارِّ بِذَلِكَ وَلَوْ بَقَرِيَّةٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ، فَالشَّرْطُ فِي جَوَازِ التَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا دَوَامُ السَّفَرِ وَالسَّيْرِ، فَلَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا لِلْقِبْلَةِ قَبْلَ رُكُوبِهِ، فَإِنْ رَكِبَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ ابْتَدَأَهَا وَهُوَ نَازِلٌ لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ رَكِبَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ إلَى الرُّكُوبِ، وَلَهُ الْعَدْوُ وَرَكْضُ الدَّابَّةِ فِي صَلَاتِهِ لِحَاجَةٍ تَتَعَلَّقُ بِسَفَرِهِ كَخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ كَصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ. وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِهَا، نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الْعُبَابِ: لَوْ دُمِيّ فَمُ الدَّابَّةِ وَعِنَانُهَا بِيَدِهِ ضَرَّ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ كُلُّ نَجَاسَةٍ اتَّصَلَتْ بِالدَّابَّةِ وَعِنَانُهَا بِيَدِهِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ مَسْكِ الْحَبْلِ الْمُتَّصِلِ بِسَاجُورِ الْكَلْبِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا، وَهِيَ وَاقِفَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ. أَمَّا الْمَاشِي فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ وَطِئَ نَجَاسَةً عَمْدًا وَلَوْ يَابِسَةً وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعْدَلًا عَنْ النَّجَاسَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَهَا نَاسِيًا، وَهِيَ يَابِسَةٌ لِلْجَهْلِ بِهَا مَعَ مُفَارَقَتِهِ لَهَا حَالًا، فَأَشْبَهَتْ مَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَنَحَّاهَا فِي الْحَالِ، وَهِيَ يَابِسَةٌ أَوْ رَطْبَةٌ وَهِيَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَذَرْقِ طَيْرٍ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَيْضًا، وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ وَالِاحْتِيَاطَ فِي الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ غَرَضَ السَّيْرِ. (وَلَوْ صَلَّى) مُمَيِّزٌ (فَرْضًا عَلَى دَابَّةٍ وَاسْتَقْبَلَ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ) وَسَائِرُ أَرْكَانِهِ بِأَنْ كَانَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ (وَهِيَ وَاقِفَةٌ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً أَوْ عَلَى سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ وَإِنْ مَشَوْا أَوْ فِي أُرْجُوحَةٍ أَوْ فِي الزَّوْرَقِ الْجَارِي (جَازَ) وَقَيَّدَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالتَّنْبِيهِ الدَّابَّةَ بِالْمَعْقُولَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ: الصَّوَابُ حَذْفُهُ (أَوْ سَائِرَةٌ فَلَا) يَجُوزُ؛ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الطَّوَافِ عَلَيْهَا، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ السَّائِرِينَ بِالسَّرِيرِ، بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَكَادُ تَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُرَاعِي الْجِهَةَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ، قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلدَّابَّةِ مَنْ يَلْزَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ عَلَى سَطْحِهَا مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ جَازَ   [مغني المحتاج] لِجَامَهَا وَيُسَيِّرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَامِلُ لِلسَّرِيرِ غَيْرُ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذُكِرَ، وَشَمَلَتْ عِبَارَتُهُ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ لِسُلُوكِهِمْ بِالْأَوَّلِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَلِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَعْظَمَ فِي الثَّانِيَةِ الْقِيَامُ، وَفِعْلُهَا عَلَى الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ يَمْحُو صُورَتَهَا، فَإِنْ فَرَضَ إتْمَامَهَا عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ الْجَوَازِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي النَّفْلِ إنَّمَا كَانَتْ لِكَثْرَتِهِ وَتَكَرُّرِهِ، وَهَذِهِ نَادِرَةٌ. وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يُصَلِّي فَرْضًا فِي سَفِينَةٍ تَرْكُ الْقِيَامِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَدَوَرَانِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ حَوَّلَتْهَا الرِّيحُ فَتَحَوَّلَ صَدْرُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهَا وَيَبْنِي إنْ عَادَ فَوْرًا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُصَلِّي الْمَصْلُوبُ أَوْ الْغَرِيقُ وَنَحْوُهُ حَيْثُ تَوَجَّهَ لِلضَّرُورَةِ وَيُعِيدُ. (وَمَنْ صَلَّى) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (فِي الْكَعْبَةِ وَاسْتَقْبَلَ جِدَارَهَا أَوْ بَابَهَا مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا مَعَ ارْتِفَاعِ عَتَبَتِهِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ تَقْرِيبًا (أَوْ) صَلَّى (عَلَى سَطْحِهَا) أَوْ فِي عَرْصَتِهَا إذَا انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (مُسْتَقْبِلًا مِنْ بِنَائِهَا مَا سَبَقَ) وَهُوَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ أَوْ اسْتَقْبَلَ شَاخِصًا كَذَلِكَ مُتَّصِلًا بِالْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا كَشَجَرَةٍ نَابِتَةٍ وَعَصًا مُسَمَّرَةٍ أَوْ مَبْنِيَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْرَ قَامَتِهِ طُولًا وَعَرْضًا (جَازَ) أَيْ مَا صَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى مَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الشَّاخِصِ؛؛ لِأَنَّهُ مُوَاجِهٌ بِبَعْضِهِ جُزْءًا وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَ الْكَعْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الشَّاخِصُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُتْرَةُ الْمُصَلِّي فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا،؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الشَّاخِصَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ قِيَامِهِ دُونَ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ كَأَنْ اسْتَقْبَلَ خَشَبَةً عَرْضُهَا ثُلُثَا ذِرَاعٍ مُعْتَرِضَةً فِي بَابِ الْكَعْبَةِ تُحَاذِي صَدْرَهُ فِي حَالِ قِيَامِهِ دُونَ بَقِيَّةِ صَلَاتِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ، وَفِي ذَلِكَ وَقْفُهُ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا عَلَى الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ سُجُودِهِ غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ أُزِيلَ هَذَا الشَّاخِصُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ. وَبِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى إلَى مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ أَوْ زَرْعٍ نَابِتٍ أَوْ خَشَبَةٍ مَغْرُوزَةٍ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عَدُّوا الْأَوْتَادَ الْمَغْرُوزَةَ مِنْ الدَّارِ بِدَلِيلِ دُخُولِهَا فِي بَيْعِ الدَّارِ فَلِمَ لَا يَعُدُّوا الْعَصَا الْمَغْرُوزَة فِي الْكَعْبَةِ مِنْهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِغَرْزِ الْأَوْتَادِ فِي الدَّارِ لِلْمَصْلَحَةِ فَعُدَّتْ مِنْ الدَّارِ لِذَلِكَ. وَلَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَلَوْ عَلَى جَبَلٍ أَجْزَأَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شَاخِصٍ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَوَجِّهًا إلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُصَلِّي فِيهَا، وَالْغَرَضُ فِي الْقِبْلَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ فِي الْقُرْبِ يَقِينًا، وَفِي الْبُعْدِ ظَنَّا فَلَا يَكْفِي إصَابَةُ الْجِهَةِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ. فَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرْفِهَا، وَخَرَجَ عَنْهُ بِبَعْضِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَوْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ وَالِاجْتِهَادُ.   [مغني المحتاج] وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا بَعُدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْحَجْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ زَادَتْ مُحَاذَاتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ الِانْحِرَافِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلُ الْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ. وَلَوْ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ نَاسِيًا، وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَّرَ أَوْ أُمِيلَ عَنْهَا قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ. وَصَلَاةُ النَّفْلِ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ خَارِجَهَا، وَكَذَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ تُرْجَ جَمَاعَةٌ خَارِجَهَا، فَإِنْ رُجِيَتْ فَخَارِجُهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا كَالْجَمَاعَةِ بِبَيْتِهِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَالنَّافِلَةِ بِبَيْتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَاعَ خِلَافُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ بِمُخَالَفَتِهِ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهَا. (وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ) بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَا حَائِلَ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ بِحَيْثُ يُعَايِنُهَا، وَشَكَّ فِيهَا لِظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَ (حَرُمَ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ) أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ (وَالِاجْتِهَادُ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ كَالْحَاكِمِ يَجِدُ النَّصَّ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِخَبَرِ الْغَيْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: حَرُمَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِ لَشَمِلَهُ، فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِ الْمُخْبِرِ لَيْسَ تَقْلِيدًا. وَلَوْ بَنَى مِحْرَابَهُ عَلَى الْعِيَانِ صَلَّى إلَيْهِ أَبَدًا وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْمُعَايَنَةِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِالْمُعَايَنَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ، وَفِي مَعْنَى الْمُعَايِنِ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ، وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْهَا حِينَ يُصَلِّي. وَلَوْ حَالَ بَيْنَ الْحَاضِرِ بِمَكَّةَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ خَلْقِيٌّ كَجَبَلٍ أَوْ حَادِثٌ كَبِنَاءٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَكْلِيفِ الْمُعَايَنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ، فَإِنْ بَنَى حَائِلًا مَنَعَ الْمُشَاهَدَةَ بِلَا حَاجَةٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالِاجْتِهَادِ لِتَفْرِيطِهِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ فَقْدِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنْ وُجِدَ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا سَيَأْتِي. وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحَارِيبِ مُعْظَمِ طَرِيقِهِمْ وَقُرَاهُمْ الْقَدِيمَةِ إنْ نَشَأَ بِهَا قُرُونٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ صَغُرَتْ وَخَرِبَتْ إنْ سَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْصَبْ إلَّا بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَدِلَّةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ عَنْ عِلْمٍ إلَّا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا فَيَجُوزُ إذْ لَا يَبْعُدُ الْخَطَأُ فِيهِمَا بِخِلَافِهِ فِي الْجِهَةِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسَاجِدِهِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا إنْ عُلِمَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خَطَأٍ. فَلَوْ تَخَيَّلَ حَاذِقٌ فِيهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَخَيَالُهُ بَاطِلٌ، وَمَحَارِيبُهُ كُلُّ مَا ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْمِحْرَابُ الَّذِي هُوَ الطَّاقُ الْمَعْرُوفُ. وَالْمِحْرَابُ لُغَةً صَدْرُ الْمَجْلِسِ، سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَارِبُ فِيهِ الشَّيْطَانَ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قِبْلَةَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وَإِلَّا أَخَذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ. فَإِنْ فَقَدَ وَأَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ حَرُمَ التَّقْلِيدُ. فَإِنْ تَحَيَّرَ لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ وَيَقْضِي. وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَحْضُرُ   [مغني المحتاج] بِمَوْضِعٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَصْبِ الصَّحَابَةِ لَهُمَا. وَيَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي خَرِبَةٍ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بَنَاهَا الْكُفَّارُ، وَكَذَا فِي طَرِيقٍ يَنْدُرُ مُرُورُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا أَوْ يَسْتَوِي مُرُورُ الْفَرِيقَيْنِ بِهَا. . (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (أَخَذَ) وُجُوبًا (بِقَوْلِ ثِقَةٍ) بَصِيرٍ مَقْبُولِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً (يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ) بِالْقِبْلَةِ أَوْ الْمِحْرَابِ الْمُعْتَمَدِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَمَّنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنْ بِمَكَّةَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ حَائِلٌ لَا يُكَلَّفُ الصُّعُودَ. أُجِيبَ بِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الصُّعُودِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ مَشَقَّةً لِبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِهِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَمَا فِي تِلْكَ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَخَرَجَ بِمَقْبُولِ الرِّوَايَةِ غَيْرُهُ كَفَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَكَافِرٍ، وَيَعْتَمِدُ الْأَعْمَى وَمَنْ فِي ظُلْمَةِ الْمِحْرَابِ بِالْمَسِّ، وَإِنْ لَمْ يَرَيَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَمِدُهُ الْبَصِيرُ الَّذِي لَيْسَ فِي ظُلْمَةٍ بِالْمُشَاهَدَةِ تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخَبَرِ عَدَمُ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْخَبَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَلَا لِمَنْ هُوَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ الْأَخْذُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِاللَّمْسِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا، نَعَمْ إنْ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ ثِقَةٍ يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ. (فَإِنْ فَقَدَ) مَا ذُكِرَ (وَأَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ) بِأَنْ كَانَ بَصِيرًا يَعْرِفُ أَدِلَّةَ الْقِبْلَةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ أَضْعَفُهَا الرِّيَاحُ لِاخْتِلَافِهَا، وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ، قَالَا: وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ، وَكَأَنَّهُمَا سَمَّيَاهُ نَجْمًا لِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ نَجْمًا، بَلْ نُقْطَةٌ تَدُورُ عَلَيْهَا هَذِهِ الْكَوَاكِبُ بِقُرْبِ النَّجْمِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ، فَفِي الْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ الْمُصَلِّي خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَفِي مِصْرَ خَلْفَ الْيُسْرَى، وَفِي الْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، وَفِي الشَّامِ وَرَاءَهُ، وَقِيلَ يَنْحَرِفُ بِدِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا إلَى الشَّرْقِ قَلِيلًا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (التَّقْلِيدُ) وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ إلَّا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ وَيُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ وُجُوبًا. (فَإِنْ تَحَيَّرَ) الْمُجْتَهِدُ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ لِنَحْوِ تَعَارُضِ أَدِلَّةٍ أَوْ غَيْمٍ أَوْ ظُلْمَةٍ (لَمْ يُقَلِّدْ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ وَقَدْ يَزُولُ التَّحَيُّرُ عَنْ قُرْبٍ (وَصَلَّى كَيْفَ كَانَ) لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَيَقْضِي) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ. وَالثَّانِي: يُقَلِّدُ وَلَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ الْآنَ عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ فَأَشْبَهَ الْأَعْمَى، قَالَ الْإِمَامُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ قَطْعًا. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ: وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ شَاذٌّ، وَالْمَشْهُورُ التَّعْمِيمُ. (وَيَجِبُ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ) أَوْ التَّقْلِيدِ فِي نَحْوِ الْأَعْمَى (لِكُلِّ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ عَيْنِيَّةٍ وَلَوْ مَنْذُورَةً أَوْ قَضَاءً (تَحْضُرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ كَأَعْمَى قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا. وَإِنْ قَدَرَ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ فَيَحْرُمُ التَّقْلِيدُ. وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ فَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ قَضَى فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] عَلَى الصَّحِيحِ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ سَعْيًا فِي إصَابَةِ الْحَقِّ لِتَأَكُّدِ الظَّنِّ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ، وَقُوَّةِ الثَّانِي عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ أَمَارَةٍ أَقْوَى، وَالْأَقْوَى أَقْرَبُ إلَى الْيَقِينِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ الْأَوَّلِ. أَمَّا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِدَلِيلِهِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ لِلنَّافِلَةِ جَزْمًا، وَمِثْلُهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَفْرُوضَةِ الْعَيْنِيَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَنْ عَجَزَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (عَنْ الِاجْتِهَادِ فِي) الْكَعْبَةِ (وَ) عَنْ (تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ كَأَعْمَى) الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ (قَلَّدَ) وُجُوبًا (ثِقَةً) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً (عَارِفًا) بِالْأَدِلَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] [النَّحْلُ] بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَالْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْعَارِفِ، فَإِنْ صَلَّى بِلَا تَقْلِيدٍ قَضَى وَإِنْ صَادَفَ الْقِبْلَةَ بِخِلَافِ مَا صَلَّاهُ بِالتَّقْلِيدِ إذَا صَادَفَ الْقِبْلَةَ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ، وَيُعِيدُ فِيهِ السُّؤَالَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ تَحْضُرُ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مُجْتَهِدَانِ قَلَّدَ أَعْلَمَهُمَا نَدْبًا كَمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلرَّافِعِيِّ، وَوُجُوبًا كَمَا فِي الصَّغِيرِ لَهُ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ، وَقِيلَ يُصَلِّي مَرَّتَيْنِ. (وَإِنْ قَدَرَ) الْمُكَلَّفُ عَلَى تَعَلُّمِ الْأَدِلَّةِ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ) عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ لِعُمُومِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ إلَيْهَا وَكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَضَرِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ السَّلَفُ بَعْدَهُ أَلْزَمُوا آحَادَ النَّاسِ تَعَلُّمَهَا بِخِلَافِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي بَقِيَّةِ كُتُبِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ هُنَا الْإِطْلَاقَ، بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ: مَحَلُّهُ فِي السَّفَرِ الَّذِي يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُونَ بِأَدِلَّتِهَا دُونَ مَا يَكْثُرُ فِيهِ كَرَكْبِ الْحَجِيجِ فَهُوَ كَالْحَضَرِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ (فَيَحْرُمُ) عَلَيْهِ (التَّقْلِيدُ) ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ أَوْ اتَّسَعَ، فَإِنْ ضَاقَ صَلَّى كَيْفَ كَانَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ بِخُصُوصِهِ، بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَيَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ وَلَا يَقْضِي مَا يُصَلِّيهِ بِهِ. (وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ) مِنْهُ أَوْ مِنْ مُقَلِّدِهِ (فَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ) فِي جِهَةٍ أَوْ تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ مُعَيَّنًا قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ أَعَادَ أَوْ بَعْدَهُ (قَضَى) وُجُوبًا (فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الصَّوَابُ لِتَيَقُّنِهِ الْخَطَأَ فِيمَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ، وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ فِيمَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ عَنْ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا وَالْخَطَأِ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِيهَا وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِبْلَةَ بِعُذْرٍ فَأَشْبَهَ تَرْكَهَا فِي حَالِ الْقِتَالِ، وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ، وَخَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَأِ ظَنُّهُ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ هُنَا مَا يَمْنَعُ الِاجْتِهَادَ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةٍ، وَبِمُعَيَّنٍ الْمُبْهَمُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا. وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عُمِلَ بِالثَّانِي وَلَا قَضَاءَ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا قَضَاءَ.   [مغني المحتاج] إلَى جِهَاتٍ أَرْبَعٍ بِاجْتِهَادَاتٍ فَلَا قَضَاءَ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي. (فَلَوْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا) بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا مَضَى، وَإِلَى هَذَا الْبِنَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلَوْ، وَيَنْحَرِفُ عَنْ مُقَابِلِهِ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَيُتِمُّهَا إنْ ظَهَرَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ جِهَةُ الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ مُعْتَدٌ بِهِ، وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ تَيَقُّنُ الْخَطَأِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ) ثَانِيًا فَظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ فِي جِهَةٍ غَيْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى (عُمِلَ بِالثَّانِي) وُجُوبًا إنْ تَرَجَّحَ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ الصَّوَابُ فِي ظَنِّهِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (وَلَا قَضَاءَ) ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ (حَتَّى لَوْ صَلَّى) صَلَاةً (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ) أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ (فَلَا) إعَادَةَ وَلَا (قَضَاءَ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ مُؤَدَّاةٌ بِاجْتِهَادٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا الْخَطَأُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عُمِلَ بِالْأَوَّلِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ مِنْ تَصْحِيحِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالثَّانِي وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي، وَفَارَقَ حُكْمَ التَّسَاوِي قَبْلَهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتَزَمَ بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَةً فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَّا بِأَرْجَحَ مَعَ أَنَّ التَّحَوُّلَ فِعْلٌ أَجْنَبِيٌّ لَا يُنَاسِبُ الصَّلَاةَ فَاحْتِيطَ لَهَا، وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالثَّانِي فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَظُنَّ الصَّوَابَ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ، فَإِنْ لَمْ يَظُنَّهُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوَابِ عَلَى قُرْبٍ لِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَحْسُوبَةٍ. وَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ شَكٌّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْجِهَاتِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ اجْتَهَدَ اثْنَانِ فِي الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمَا وَصَلَّى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، فَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ الِانْحِرَافُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ الْمُفَارَقَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَا تَيَامُنًا وَتَيَاسُرًا، وَالتَّغَيُّرُ الْمَذْكُورُ عُذْرٌ فِي مُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِ. وَلَوْ قِيلَ لِأَعْمَى وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ: صَلَاتُكَ إلَى الشَّمْسِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ قِبْلَتَهُ غَيْرُهَا اسْتَأْنَفَ لِبُطْلَانِ تَقْلِيدِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَبْصَرَ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهَا وَعَلِمَ أَنَّهُ لِلْقِبْلَةِ بِخَبَرِ ثِقَةٍ أَوْ نَجْمٍ أَوْ مِحْرَابٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَتَمَّهَا، أَوْ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ تَرَدَّدَ بَطَلَتْ لِانْتِفَاءِ ظَنِّ الْإِصَابَةِ وَإِنْ ظَنَّ الصَّوَابَ غَيْرَ جِهَتِهِ انْحَرَفَ إلَى مَا ظَنَّهُ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْبَصِيرِ فِيهَا. وَلَوْ قَالَ مُجْتَهِدٌ لِلْمُقَلِّدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ أَخْطَأَ بِك مُقَلِّدُك، وَالْمُجْتَهِدُ الثَّانِي عِنْدَهُ أَعْرَفُ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ عَلَى الْخَطَأِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَعْرَفَ مِنْ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَوَّلَ إنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ مُقَارِنًا لِلْقَوْلِ بِأَنْ أَخْبَرَ بِهِ وَبِالْخَطَأِ مَعًا لِبُطْلَانِ تَقْلِيدِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ فِي الْأُولَى وَبِقَطْعِ الْقَاطِعِ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا قُطِعَ بِأَنَّ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَكُنْ الثَّانِي أَعْلَمَ لَمْ يُؤَثِّرْ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الصَّوَابُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ عَنْ قُرْبٍ لِمَا مَرَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: النِّيَّةُ   [مغني المحتاج] [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] (بَابُ صِفَةِ) أَيْ كَيْفِيَّةُ (الصَّلَاةِ) وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَرْكَانٍ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ هُنَا، وَعَلَى شُرُوطٍ، وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْآتِي وَأَبْعَاضٍ وَهِيَ السُّنَنُ الْمَجْبُورَةُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، وَهَيْئَاتٍ وَهِيَ السُّنَنُ الَّتِي لَا تُجْبَرُ، وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا كَالطُّهْرِ وَالسَّتْرِ، وَالرُّكْنُ: مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَخَرَجَ بِتَعْرِيفِ الشَّرْطِ التُّرُوكُ كَتَرْكِ الْكَلَامِ فَلَيْسَتْ بِشُرُوطٍ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ كَقَطْعِ النِّيَّةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا شُرُوطٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ فِي بَابِ شَرْطِ الصَّلَاةِ، وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ نَاسِيًا لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَضَرَّ. فَإِنْ قِيلَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ بِمَا ذَكَرَ يُخْرِجُ التَّوَجُّهَ لِلْقِبْلَةِ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ شَرْطٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا عُرْفًا، إذْ يُقَالُ عَلَى الْمُصَلِّي حِينَئِذٍ إنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا لَا مُنْحَرِفٌ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا بِبَعْضِ مُقَدَّمِ بَدَنِهِ حَاصِلٌ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَذَلِكَ كَافٍ. فَائِدَةٌ قَدْ شُبِّهَتْ الصَّلَاةُ بِالْإِنْسَانِ، فَالرُّكْنُ كَرَأْسِهِ، وَالشَّرْطُ كَحَيَاتِهِ، وَالْبَعْضُ كَأَعْضَائِهِ، وَالْهَيْئَاتُ كَشَعْرِهِ (أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ كَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ، وَجَعَلَهَا فِي التَّنْبِيهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَزَادَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَجَعَلَهَا فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّوْضَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ لَا تَجِبُ، وَجَعَلَهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَزَادَ الطُّمَأْنِينَةَ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ، فَمَنْ لَمْ يَعُدَّ الطُّمَأْنِينَةَ رُكْنًا جَعَلَهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَكَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ يُشْعِرُ خَبَرُ «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ» الْآتِي، وَمَنْ عَدَّهَا أَرْكَانًا فَذَاكَ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ وَنَحْوِهِ بِدُونِهَا، وَجُعِلَتْ أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا، وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا فَلِكَوْنِهَا جِنْسًا وَاحِدًا كَمَا عَدُّوا السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا لِذَلِكَ. الْأَوَّلُ (النِّيَّةُ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَوَّلُهَا لَا فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَتْ رُكْنًا كَالتَّكْبِيرِ وَالرُّكُوعِ، وَقِيلَ: هِيَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، فَتَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ افْتَتَحَ النِّيَّةَ مَعَ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَتَمَّتْ بِلَا مَانِعٍ. إنْ قُلْنَا: إنَّهَا رُكْنٌ لَمْ تَصِحَّ، أَوْ شَرْطٌ صَحَّتْ، وَفِيهَا كَلَامٌ لِلرَّافِعِيِّ ذَكَرْتُهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] [الْبَيِّنَةُ] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينُهُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، -   [مغني المحتاج] وَالْإِخْلَاصُ فِي كَلَامِهِمْ النِّيَّةُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَدَأَ بِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا. (فَإِنْ صَلَّى) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ (فَرْضًا) وَلَوْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءً أَوْ كِفَايَةً (وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ) بِأَنْ يَقْصِدَ فِعْلَ الصَّلَاةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ، وَهِيَ هُنَا مَا عَدَا النِّيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى لِلُزُومِ التَّسَلْسُلِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَعْمَالِ حُصُولُ صُورَتِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ مَصْلَحَتِهِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ، وَالنِّيَّةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا شَيْئَانِ: تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِحُصُولِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ (وَ) وَجَبَ (تَعْيِينُهُ) مِنْ ظُهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَمْتَازَ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَفِي إجْزَاءِ نِيَّةِ صَلَاةٍ يُشْرَعُ التَّثْوِيبَ فِي أَذَانِهَا، وَالْقُنُوتُ فِيهَا أَبَدًا عَنْ نِيَّةِ الصُّبْحِ تَرَدُّدٌ اهـ. وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: قَصْدُ فِعْلِهَا وَتَعْيِينِهَا لَكَانَ أَوْلَى، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، فَالْمُرَادُ قَصْدُ فِعْلِ الْفَرْضِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَلَاةً لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فَرْضًا وَإِلَّا لَتَضَمَّنَ قَصْدَ الْفَرْضِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ قَصَدَ فِعْلَ الْفَرْضِ فَقَدْ قَصَدَ الْفَرْضِيَّةَ لَا شَكَّ، فَلَا يَحْسُنُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ مَعَ مَا ذَكَرَ الصَّادِقُ بِالصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ لِيَتَعَيَّنَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ لِلصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَفِي الْمُعَادَةِ خِلَافٌ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ مَا يُعَيِّنُهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِدُونِ هَذِهِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا إلَّا بِقَصْدِ الْإِعَادَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكْفِي نِيَّةُ النَّذْرِ فِي الْمَنْذُورِ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ، وَلَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا، فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ. فَائِدَةٌ الْعِبَادَاتُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لِلْفَرْضِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ: يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ كَالزَّكَاةِ هَكَذَا فِي الدَّمِيرِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمَالِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضًا، وَبِهِ فَارَقَتْ مَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ. الثَّانِي: عَكْسُهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. الثَّالِثُ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ كَالصَّلَاةِ. الرَّابِعُ: عَكْسُهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ. الْخَامِسُ: عِبَادَةٌ لَا يَكْفِي فِيهَا ذَلِكَ بَلْ يَضُرُّ، وَهِيَ: التَّيَمُّمُ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَهُ لَمْ يَكْفِ. (دُونَ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -) فَلَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: تَجِبُ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُسْتَحَبُّ لِذَلِكَ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِي تَصْوِيرِ عَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إشْكَالٌ، فَإِنَّ فِعْلَ الْفَرْضِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ، فَلَا يَنْفَكُّ قَصْدُ الْفَرْضِيَّةِ عَنْ نِيَّةِ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا عَدَدُ الرَّكَعَاتِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، وَلَكِنْ تُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَلَوْ غَيْرَ الْعَدَدِ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ. وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ.   [مغني المحتاج] أَوْ خَمْسًا لَمْ يَنْعَقِدْ، وَفَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَالِمِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي الْغَلَطِ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: أَنَّ مَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ أَنَّهُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْعَدَدِ جُمْلَةً فَيَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ) عِنْدَ جَهْلِ الْوَقْتِ بِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ ظَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا قَضَاءً فَبَانَ بَقَاؤُهُ (وَعَكْسُهُ) كَأَنْ ظَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا أَدَاءً فَبَانَ خُرُوجُهُ لِاسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى الْآخَرِ، تَقُولُ: قَضَيْتُ الدَّيْنَ وَأَدَّيْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] [الْبَقَرَةُ] أَيْ أَدَّيْتُمْ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ بَلْ يُشْتَرَطَانِ لِيَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَنُّ لِذَلِكَ. أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَطْعًا لِتَلَاعُبِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِنِيَّةِ الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَتَمَيَّزُ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مِثْلُهَا اُشْتُرِطَ التَّعَرُّضُ لِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْوَقْتِ، فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ. قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي: صَحَّ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِالْوَقْتِ الْمُتَعَيَّنِ لِلْفِعْلِ بِالشُّرُوعِ فَلَغَا خَطَؤُهُ فِيهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفِعْلِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَهُ بِالشُّرُوعِ وَلَمْ يَنْوِ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي التَّيَمُّمِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ الْفَائِتَةِ إنْ شَرَطْنَا نِيَّةَ الْقَضَاءِ. (وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ أَوْ) ذُو (السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ) مِنْ اشْتِرَاطِ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَتَعْيِينِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ عِيدِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَوْ رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَكَسُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ تَعْيِينَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الِاسْمِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ الْمُقَدَّمَةَ كَمَا يَجِبُ تَعْيِينُ الظُّهْرِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِالْعَصْرِ، وَكَمَا يَجِبُ تَعْيِينُ عِيدِ الْفِطْرِ عَنْ الْأَضْحَى لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِهِ، فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا أَخَّرَ الْمُقَدَّمَةَ عَنْ الْفَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَنْ لَا يَجِبَ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِهِ فِطْرًا أَوْ نَحْرًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ فَيَلْتَحِقُ بِالْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لِاخْتِلَافِهِمَا بِالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ. وَالْوِتْرُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا يُضَافُ إلَى الْعِشَاءِ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَوَصَلَ نَوَى الْوِتْرَ، وَإِنْ فَصَلَ نَوَى بِالْوَاحِدَةِ الْوِتْرَ، وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَمُقَدِّمَةِ الْوِتْرِ وَسُنَّتِهِ وَهِيَ أُولَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا نَوَى عَدَدًا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَهَلْ يَلْغُو لِإِبْهَامِهِ أَوْ يَصِحُّ؟ وَيُحْمَلُ عَلَى رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ أَوْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ رَكْعَتَيْنِ مَعَ صِحَّةِ الرَّكْعَةِ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ لَهُ غَايَةٌ؟ فَحَمَلْنَا الْإِطْلَاقَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ.   [مغني المحتاج] إحْدَى عَشْرَةَ وِتْرًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ، وَالْإِحْرَامِ، وَالِاسْتِخَارَةِ، فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ فِعْلِهَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فِي الْأُولَى وَالْإِحْيَاءِ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيَاسًا عَلَيْهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّ الْمَنْقُولَ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي. (وَفِي) اشْتِرَاطِ (نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ) كَمَا فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْفَرْضِ، وَعَبَّرَ بِالتَّعْرِيفِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَكَانَ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ كَشَطَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا إبْهَامَ اشْتِرَاطِهَا، وَقَدْ صَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْجَزْمَ بِخِلَافِهِ، وَقَالَ هُنَا: (قُلْتُ: الصَّحِيحُ لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ النَّفْلِيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلنَّفْلِ، بِخِلَافِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فَرْضًا وَقَدْ لَا تَكُونُ بِدَلِيلِ الْمُعَادَةِ وَصَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا سَبَقَ، وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ السَّابِقُ (وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ (نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ أَدْنَى دَرَجَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا قَصَدَهَا وَجَبَ حُصُولُهُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا خِلَافًا فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ، وَيُمْكِنُ مَجِيئُهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَجِيءُ الْخِلَافِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا الْقَصْدُ، فَلَا يَكْفِي النُّطْقُ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ هُنَا عَلَى جَمِيعِ الْأَبْوَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا هُنَا، وَلَا يَضُرُّ النُّطْقُ بِخِلَافِ مَا فِي الْقَلْبِ، كَأَنْ قَصَدَ الصُّبْحَ وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ. (وَيُنْدَبُ النُّطْقُ) بِالْمَنْوِيِّ (قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ) لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْوَسْوَاسِ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا دَلِيلَ لِلنَّدَبِ اهـ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بَلْ قِيلَ بِوُجُوبِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ. وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ نَوَاهَا وَقَصَدَ بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِالْمَشِيئَةِ لَمْ يَضُرَّ، أَوْ التَّعْلِيقَ، أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِلْمُنَافَاةِ. وَلَوْ قَلَبَ الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ الَّتِي هُوَ فِيهَا صَلَاةً أُخْرَى عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ أَتَى بِمَا يُنَافِي الْفَرْضَ دُونَ النَّفْلِ، كَأَنْ أَحْرَمَ الْقَادِرُ بِالْفَرْضِ قَاعِدًا أَوْ أَحْرَمَ بِهِ الشَّخْصُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَامِدًا عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَمَنْ ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَأَحْرَمَ بِالْفَرْضِ أَوْ قَلَبَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا لِيُدْرِكَ جَمَاعَةً مَشْرُوعَةً وَهُوَ مُنْفَرِدٌ، فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيُدْرِكَهَا، أَوْ رَكَعَ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ تَمَامِ التَّكْبِيرِ جَاهِلًا انْقَلَبَتْ نَفْلًا لِلْعُذْرِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْخُصُوصِ بُطْلَانُ الْعُمُومِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَلْبَهَا نَفْلًا مُعَيَّنًا كَرَكْعَتَيْ الضُّحَى فَلَا تَصِحُّ لِافْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ، وَمَا إذَا لَمْ تُشْرَعْ الْجَمَاعَةُ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَوَجَدَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِهَا، وَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْوَقْتِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّهَا لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ لَهُ نَافِلَةً لِقِيَامِ الْعُذْرِ، كَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَقَعَتْ لَهُ نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِيهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الثَّانِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَادِرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ كَاَللَّهِ أَكْبَرُ وَكَذَا اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: صَلِّ فَرْضَك وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفَعَ الْغَرِيمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا غَيْرَ نَحْوِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِتَشْرِيكِهِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ لَا تَنْدَرِجُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّي لِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْهَرَبِ مِنْ عِقَابِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ. (الثَّانِي) مِنْ الْأَرْكَانِ (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) فِي الْقِيَامِ أَوْ بَدَلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الْوُضُوءُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» (1) ، وَحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا» ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ بَدَلَ قَوْلِهِ (حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا) ، (حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا) . فَائِدَةٌ إنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُصَلِّي مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَهَا مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَيَتَعَيَّنُ) فِيهَا (عَلَى الْقَادِرِ) عَلَى النُّطْقِ بِهَا (اللَّهُ أَكْبَرُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . فَإِنْ قِيلَ: الْأَقْوَالُ لَا تُرَى فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ: أَيْ كَمَا عَلِمْتُمُونِي أُصَلِّي، فَلَا يُجْزِئُ اللَّهُ الْكَبِيرُ لِفَوَاتِ مَدْلُولِ أَفْعَلَ، وَهُوَ التَّفْضِيلُ، وَكَذَا الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ عَنْ الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ أَجَلُّ أَوْ الرَّبُّ أَعْظَمُ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا لِفَوَاتِ اللَّفْظَيْنِ مَعًا. (وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الِاسْمَ) أَيْ اسْمَ التَّكْبِيرِ (كَاَللَّهِ أَكْبَرُ) بِزِيَادَةِ اللَّامِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى التَّكْبِيرِ وَعَلَى زِيَادَةِ مُبَالَغَةٍ فِي التَّعْظِيمِ، وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِالتَّخْصِيصِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إذْ مَعْنَى اللَّهُ أَكْبَرُ: أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، أَوْ (اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ فِي الْأَصَحِّ) وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَطُلْ بِهَا الْفَصْلُ، كَقَوْلِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَكْبَرُ لِبَقَاءِ النَّظْمِ، وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ غَيْرُ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ: اللَّهُ هُوَ الْأَكْبَرُ، أَوْ طَالَتْ صِفَاتُهُ تَعَالَى كَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ أَكْبَرُ، أَوْ طَالَ سُكُوتُهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْ التَّكْبِيرِ، أَوْ زَادَ حَرْفًا فِيهِ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَمَدَّةِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَأَلِفٍ بَعْدَ الْبَاءِ، أَوْ زَادَ وَاوًا سَاكِنَةً أَوْ مُتَحَرِّكَةً بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، أَوْ زَادَهَا قَبْلَ الْكَلِمَتَيْنِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَلَوْ شَدَّدَ الْبَاءَ مِنْ أَكْبَرُ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ، وَوَجْهُهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَشْدِيدُهَا إلَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 لَا أَكْبَرُ اللَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ عَجَزَ تَرْجَمَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ.   [مغني المحتاج] بِتَحْرِيكِ الْكَافِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ الْمُدْغَمَةَ سَاكِنَةٌ، وَالْكَافَ سَاكِنَةٌ وَلَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهِمَا، وَإِذَا حُرِّكَتْ تَغَيَّرَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَكْبَر، وَنَقَلَ عَنْهُ شَيْخُنَا أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شَدَّدَ الرَّاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ، وَلَعَلَّ النَّقْلَ اخْتَلَفَ عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرَ لَمْ يَضُرَّ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الدَّمِيرِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ» اهـ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَمَعْنَاهُ عَدَمُ التَّرَدُّدِ فِيهِ، وَالثَّانِي: تَضُرُّ الزِّيَادَةُ فِيهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِاسْتِقْلَالِهَا بِخِلَافِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْلَى اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ (لَا أَكْبَرُ اللَّهُ) فَإِنَّهُ يَضُرُّ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا بِخِلَافِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ آخِرَ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا، وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْخَبَرِ جَائِزٌ. فَائِدَةٌ: هَمْزَةُ الْجَلَالَةِ: هَمْزَةُ وَصْلٍ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي مَأْمُومًا اللَّهُ أَكْبَرُ بِحَذْفِ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ وَيَخْشَعُ وَلَا يَعْبَثُ، وَيَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ لَا عَارِضَ عِنْدَهُ مِنْ لَغَطٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُقْصِرَهُ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ، وَأَنْ لَا يُمَطِّطَهُ بِأَنْ يُبَالِغَ فِي مَدِّهِ بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيِّنًا، وَالْإِسْرَاعُ بِهِ أَوْلَى مِنْ مَدِّهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ، وَبِخِلَافِ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ لِئَلَّا يَخْلُوَ بَاقِيهَا عَنْ الذِّكْرِ. وَأَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامُ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا صَلَاتَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الْإِسْرَارُ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ صَوْتُ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ جَهَرَ بَعْضُهُمْ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ» . وَلَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَاتٍ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا الِافْتِتَاحَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَخَرَجَ مِنْهَا بِالْأَشْفَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ نَوَى افْتِتَاحَ صَلَاةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ خُرُوجًا وَافْتِتَاحًا وَإِلَّا فَيَخْرُجُ بِالنِّيَّةِ وَيَدْخُلُ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ، وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. أَمَّا مَعَ السَّهْوِ فَلَا بُطْلَانَ. (وَمَنْ عَجَزَ) وَهُوَ نَاطِقٌ عَنْ النُّطْقِ بِالتَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ فِي الْوَقْتِ (تَرْجَمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَدْلُولِ التَّكْبِيرِ بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ، وَقِيلَ إنْ عَرَفَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةِ تَعَيَّنَتْ لِشَرَفِهَا بِإِنْزَالِ بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، وَبَعْدَهُمَا الْفَارِسِيَّةُ أَوْلَى مِنْ التُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ، وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِ التَّرْجَمَةِ لِلْقَادِرِ (وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِسَفَرٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ.   [مغني المحتاج] وَاجِبٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِيَتَوَضَّأَ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ هَذَا تَعَلُّمُ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا طُولَ عُمْرِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَبَعْدَ التَّعَلُّمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ بِالتَّرْجَمَةِ قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّرْجَمَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِحُرْمَتِهِ، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِتَفْرِيطِهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ جَارِيَةٌ فِيمَا عَدَا الْقُرْآنِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ. فَائِدَةٌ: تَرْجَمَةُ التَّكْبِيرِ بِالْفَارِسِيَّةِ خداي بزركتر فَلَا يَكْفِي خداي بزرك لِتَرْكِهِ التَّفْضِيلَ كَاللَّهُ كَبِيرٌ. وَيَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يُعَلِّمَ غُلَامَهُ الْعَرَبِيَّةَ لِأَجْلِ التَّكْبِيرِ أَوْ يُخَلِّيَهُ لِيَكْتَسِبَ أُجْرَةَ الْمُعَلَّمِ فَلَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ وَاسْتَكْسَبَهُ عَصَى بِذَلِكَ. وَأَمَّا الْعَاجِزُ لِخَرَسٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتِهِ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إمْكَانِهِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَكَذَا حُكْمُ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ نَوَاهُ بِقَلْبِهِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ. (وَيُسَنُّ) لِلْمُصَلِّي (رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ) لِلْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ مُضْطَجِعًا مُسْتَقْبِلًا بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ مُمِيلًا أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا نَحْوَهَا كَمَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الْبُلْقِينِيُّ مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُمَا تَفْرِيقًا وَسَطًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، قَالَ وَإِنْ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِهِ كَاشِفًا لَهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ، وَيَرْفَعُهُمَا (حَذْوَ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: أَيْ مُقَابِلَ (مَنْكِبَيْهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ. مَعْنَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ أَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ مَعْنَاهُ كَوْنُ رُءُوسِ أَصَابِعِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَفِّ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَوْ نَقْصٍ مِنْهُ أَتَى بِالْمُمْكِنِ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَالزِّيَادَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ وَزِيَادَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُ إحْدَى يَدَيْهِ رَفَعَ الْأُخْرَى، وَأَقْطَعُ الْكَفَّيْنِ يَرْفَعُ سَاعِدَيْهِ، وَأَقْطَعُ الْمِرْفَقَيْنِ يَرْفَعُ عَضُدَيْهِ تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) فِي زَمَنِ الرَّفْعِ (رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ) أَيْ التَّكْبِيرِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، سَوَاءٌ انْتَهَى التَّكْبِيرُ مَعَ الْحَطِّ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَشَرْحِ الْوَسِيطِ أَنَّهُ يُسَنُّ انْتِهَاؤُهُمَا مَعًا، وَنَقَلَهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ. وَالثَّانِي يَرْفَعُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ وَيُنْهِيه مَعَ انْتِهَائِهِ، وَقِيلَ: يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ مُرْتَفِعَتَانِ فَإِذَا فَرَغَ أَرْسَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ حَتَّى شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ أَتَى بِهِ فِي أَثْنَائِهِ لَا بَعْدَهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَرَدَّهُمَا مِنْ الرَّفْعِ إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ أَوْلَى مِنْ إرْسَالِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ اسْتِئْنَافُ رَفْعِهِمَا إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرَةِ، وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ.   [مغني المحتاج] تَحْتِ صَدْرِهِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ قَبْلَ الرَّفْعِ وَالتَّكْبِيرِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيُطْرِقُ رَأْسَهُ قَلِيلًا. (وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرَةِ) أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عِنْدَ أَوَّلِهَا وَيَسْتَمِرُّ ذَاكِرًا لَهَا إلَى آخِرِهَا كَمَا يَجِبُ حُضُورُ شُهُودِ النِّكَاحِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهُ (وَقِيلَ: يَكْفِي) قَرْنُهَا (بِأَوَّلِهِ) بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ مَا يَنْوِيهِ قَبْلَهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا إلَى آخِرِهِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ عِنْدَ الْعَوَامّ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلِينَ فِي تَسَامُحِهِمْ بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ، وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَزَبَتْ قَبْلَ تَمَامِ التَّكْبِيرِ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِانْعِقَادِ، وَالِانْعِقَادُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ التَّكْبِيرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اشْتِرَاطُ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلْجَلِيلِ مَثَلًا إذَا قَالَ: اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي أَنَّ كَلَامَهُمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ مِنْ عَدَمِ زِيَادَةِ شَيْءٍ بَيْنَ لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِيمَا عَدَا لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، إذْ الْمُعْتَبَرُ اقْتِرَانُهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَيْهِ وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُهَا بِمَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُهَا بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلْعُسْرِ لَكِنَّهُ يُسَنُّ، وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمُنَافِي كَمَا فِي عَقْدِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يَسْتَمِرَّ بَطَلَتْ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا أَضْيَقُ بَابًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَكَانَ تَأْثِيرُهَا بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ أَشَدُّ. فَالْعِبَادَةُ فِي قَطْعِ النِّيَّةِ أَضْرَبُ: الْأَوَّلُ: الْإِيمَانُ وَالصَّلَاةُ يَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ وَبِالتَّرَدُّدِ. الثَّانِي: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يَبْطُلَانِ بِهِمَا. الثَّالِثُ: الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ. الرَّابِعُ: الْوُضُوءُ لَا يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا بِالتَّرَدُّدِ فِيهِ قَطْعًا، وَلَا أَثَرَ لِلْوَسَاوِسِ الطَّارِقَةِ لِلْفِكْرِ بِلَا اخْتِيَارٍ بِأَنْ وَقَعَ فِي فِكْرِهِ أَنَّهُ لَوْ تَرَدَّدَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فَقَدْ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فُرُوعٌ لَوْ عُلِّقَ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحُصُولِ شَيْءٍ بَطَلَتْ فِي الْحَالِ وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ بِحُصُولِهِ كَتَعْلِيقِهِ بِدُخُولِ شَخْصٍ، وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْعَلَ فِي الثَّانِيَةِ فِعْلًا مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ كَتَكَلُّمٍ وَأَكْلٍ حَيْثُ لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ بِأَنَّهُ هُنَا لَيْسَ بِجَازِمٍ وَهُنَاكَ جَازِمٌ، وَالْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَتَى بِتَمَامِ النِّيَّةِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا، فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ طُولِ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِرُكْنٍ وَلَوْ قَوْلِيًّا كَالْقِرَاءَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا، وَنُدْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأُولَى، وَلِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوَقُّفِ إلَى التَّذَكُّرِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ وَيَتَوَقَّفَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رُكْنًا نَاسِيًا إذْ لَا حِيلَةَ فِي النِّسْيَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبَعْضُ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ كَكُلِّهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ أَوْ لَمْ يُعِدْ مَا قَرَأَهُ فِيهِ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَفِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَأَتَمَّ عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ اهـ. فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الزَّمَانِ وَإِتْيَانِهِ بِرُكْنٍ لَمْ تَبْطُلْ لِكَثْرَةِ عُرُوضِ مِثْلِ ذَلِكَ. وَقَوْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الثَّالِثُ الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ.   [مغني المحتاج] ابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ (1) : إنَّهُ لَوْ قَنَتَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ ظَانًّا أَنَّهَا الصُّبْحُ وَطَالَ الزَّمَانُ أَوْ أَتَى بِرُكْنٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَطَلَتْ، قَالَ شَيْخِي: ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ. وَلَوْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَهُوَ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ الطَّهَارَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ إحْدَاثِ فِعْلٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ لِيَتَوَضَّأَ فَتَذَكَّرَ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بَلْ يَعُودُ وَيَبْنِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (الثَّالِثُ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مُمَوَّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» (2) . زَادَ النَّسَائِيُّ " فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا "، وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ وَبِالْقَادِرِ الْعَاجِزُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا، لَكِنَّهُ أَفْهَمَ صِحَّةَ صَلَاةِ الصَّبِيِّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ. وَمِثْلُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِهِ مَسَائِلَ: مِنْهَا مَا لَوْ خَافَ رَاكِبُ سَفِينَةٍ غَرَقًا، أَوْ دَوَرَانَ رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ لَوْ قَامَ سَالَ بَوْلُهُ، وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يُسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ عَلَى الْأَصَحِّ بِلَا إعَادَةٍ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ طَبِيبٌ ثِقَةٌ لِمَنْ بِعَيْنِهِ مَاءٌ: إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ مُنْفَرِدًا بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَهَا قَاعِدًا فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ، وَتَصِحُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قَعَدَ فِي بَعْضِهَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ، وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ، أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ، وَلَوْ قَامُوا لَرَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ تَدْبِيرُ الْحَرْبِ صَلَّوْا قُعُودًا، وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ، لَا إنْ خَافُوا قَصْدَ الْعَدُوِّ لَهُمْ، فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي، وَقِيلَ: تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعُذْرَ هُنَا أَعْظَمُ مِنْهُ ثَمَّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ؛ لِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ عَاجِزٌ إمَّا لِضَرُورَةِ التَّدَاوِي، أَوْ خَوْفِ الْغَرَقِ، أَوْ الْخَوْفِ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وَشَرْطُهُ نَصْبُ فَقَارَهُ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا أَوْ مَائِلًا بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ لَمْ يُطِقْ انْتِصَابًا، وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إمْكَانِهِ. وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ. وَافْتِرَاشُهُ   [مغني المحتاج] الْمُسْلِمِينَ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَتَنَاوَلَهُ كَلَامُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أُخِّرَ الْقِيَامُ عَنْ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرُ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ فَقَطْ، فَلِذَا قُدِّمَا عَلَيْهِ. (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْقِيَامِ (نَصْبُ فَقَارِهَ) أَيْ الْمُصَلِّي، وَهُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ عِظَامٌ مِنْ الظَّهْرِ أَوْ مَفَاصِلِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقِيَامِ دَائِرٌ مَعَهُ، لَا نَصْبَ رَقَبَتِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إطْرَاقُ الرَّأْسِ (فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا) إلَى قُدَّامِهِ أَوْ خَلْفِهِ (أَوْ مَائِلًا) إلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ (بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ) قِيَامُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ. وَالِانْحِنَاءُ السَّالِبُ لِلِاسْمِ: أَنْ يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْقِيَامِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ صَحَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ كَجِدَارٍ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ لَسَقَطَ لِوُجُودِ اسْمِ الْقِيَامِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ إنْ شَاءَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا بَلْ مُعَلِّقًا نَفْسَهُ. (فَإِنْ لَمْ يُطِقْ انْتِصَابًا) لِنَحْوُ مَرَضٍ كَكِبَرٍ (وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقِفُ) وُجُوبًا (كَذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ (وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ) عَلَى الزِّيَادَةِ لِيَتَمَيَّزَ الرُّكْنَانِ. وَالثَّانِي: لَا بَلْ يَقْعُدُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الرُّكُوعِ لَزِمَهُ الِارْتِفَاعُ؛ لِأَنَّ حَدَّ الرُّكُوعِ يُفَارِقُ حَدَّ الْقِيَامِ، فَلَا يَتَأَدَّى هَذَا بِذَاكَ. (وَلَوْ أَمْكَنَهُ) الْقِيَامُ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ الْقِيَامُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَيْسُورُهُ. أَوْ أَمْكَنَهُ (الْقِيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ مَثَلًا تَمْنَعُ الِانْحِنَاءَ (قَامَ) وُجُوبًا (وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إمْكَانِهِ) فِي الِانْحِنَاءِ لَهُمَا بِالصُّلْبِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَإِنْ عَجَزَ فَبِالرَّقَبَةِ وَالرَّأْسِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا. وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ أَتَى بِهِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً لِلرُّكُوعِ وَمَرَّةً لِلسُّجُودِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى الرُّكُوعِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الرُّكُوعِ عَلَى حَدِّ الْكَمَالِ وَيَأْتِيَ بِالزِّيَادَةِ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَالِاضْطِجَاعِ فَقَطْ قَامَ بَدَلَ الْقُعُودِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ: لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ، وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إمْكَانَهُ وَتَشَهَّدَ قَائِمًا (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِلْإِجْمَاعِ (كَيْفَ شَاءَ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِ الْمُصَلِّي قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا نَعْنِي بِالْعَجْزِ عَدَمُ الْإِمْكَانِ فَقَطْ، بَلْ فِي مَعْنَاهُ خَوْفُ الْهَلَاكِ أَوْ الْغَرَقِ وَزِيَادَةُ الْمَرَضِ، أَوْ لِخَوْفِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، أَوْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ فِي حَقِّ رَاكِبِ السَّفِينَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ اهـ. وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّ إذْهَابَ الْخُشُوعِ يَنْشَأُ عَنْ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ. (وَ) لَكِنْ (افْتِرَاشُهُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَنْحَنِي لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامُ رُكْبَتَيْهِ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ صَلَّى لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِيًا.   [مغني المحتاج] مَوْضِعِ قِيَامِهِ (أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ) وَغَيْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا. وَالثَّانِي تَرْبِيعُهُ أَفْضَلُ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقِيلَ: إنَّ تَرْبِيعَ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَقِيلَ: التَّوَرُّكُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي. فَإِنْ قِيلَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْعِبَارَةِ تَفْضِيلُ الِافْتِرَاشِ عَلَى سَائِرِ الْهَيْئَاتِ بَلْ عَلَى التَّرْبِيعِ فَقَطْ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّرْبِيعِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا فَضَلَ عَلَى التَّرْبِيعِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى التَّرْبِيعِ أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى التَّوَرُّكِ؛ لِأَنَّ التَّوَرُّكَ قُعُودُ عِبَادَةٍ، بِخِلَافِ التَّرْبِيعِ، وَإِنَّمَا فُضِّلَ الِافْتِرَاشُ عَلَى التَّوَرُّكِ؛ لِأَنَّهُ قُعُودٌ يَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ فَأَشْبَهَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، فَلَوْ أَطْلَقَ كَالْمُحَرَّرِ أَوْ زَادَ مَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى. (وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ) هُنَا وَفِي سَائِرِ قَعَدَاتِ الصَّلَاةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَفُسِّرَ الْإِقْعَاءُ بِتَفَاسِيرَ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يَجْلِسَ) الْمُصَلِّي (عَلَى وَرِكَيْهِ) وَهُمَا أَصْلُ فَخْذَيْهِ (نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ) بِأَنْ يُلْصِقَ أَلْيَيْهِ بِمَوْضِعِ صَلَاتِهِ، وَيَنْصِبَ فَخْذَيْهِ وَسَاقَيْهِ كَهَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِ، وَضَمَّ إلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَوَجْهُ النَّهْيِ عَنْهُ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكَلْبِ وَالْقِرْدِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَمِنْ الْإِقْعَاءِ نَوْعٌ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الصَّلَاحِ، وَهُوَ أَنْ يَفْرِشَ رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ أَلْيَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَجَعَلَهُ الرَّافِعِيُّ أَحَدَ الْأَوْجُهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ الْمَكْرُوهِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَفْسِيرٌ ثَانٍ لِلْمَكْرُوهِ، وَفَسَّرَ الْبَيْهَقِيُّ الْمُسْتَحَبَّ بِأَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ بِالْأَرْضِ وَأَلْيَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَفِي الْبُوَيْطِيِّ نَحْوَهُ، وَظَاهِرُهُ نَصْبُ قَدَمَيْهِ لَا فَرْشُهُمَا. وَالتَّفْسِيرُ الثَّالِثُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَقْعُدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ (ثُمَّ يَنْحَنِي) الْمُصَلِّي قَاعِدًا (لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي) أَيْ تُقَابِلُ (جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامُ رُكْبَتَيْهِ) وَهَذَا أَقَلُّ رُكُوعِهِ (وَالْأَكْمَلُ أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُضَاهِي رُكُوعَ الْقَائِمِ فِي الْمُحَاذَاةِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ. (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُصَلِّي (عَنْ الْقُعُودِ) بِأَنْ نَالَهُ مِنْ الْقُعُودِ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الْقِيَامِ (صَلَّى لِجَنْبِهِ) مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ وُجُوبًا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ السَّابِقِ: وَكَالْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى (الْأَيْمَنِ) وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَيْسَرِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْجَنْبِ (فَمُسْتَلْقِيًا) عَلَى ظَهْرِهِ وَأُخْمُصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وَضْعِ نَحْوِ وِسَادَةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ لِيَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِهِ الْقِبْلَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: جَوَازُ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَكَذَا عَلَى وَجْهِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْقَفَةً؛ لِأَنَّهُ كَيْفَمَا تَوَجَّهَ فَهُوَ مُتَوَجِّهٌ لِجُزْءٍ مِنْهَا، وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ، فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلسُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ. وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 وللقادر التنفل قاعدا وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ صُدْغِهِ، وَكَانَ بِذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ وَجَبَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِبَصَرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِسُنَنِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ أَتَى بِالْمَقْدُورِ لَهُ وَبَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ، وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ لِتَقَعَ حَالَ الْكَمَالِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، وَلَا تُجْزِئُهُ قِرَاءَتُهُ فِي نُهُوضِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا فِيمَا هُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَلَوْ قَرَأَ فِيهِ شَيْئًا أَعَادَهُ، وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي هُوِيِّ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِمَّا بَعْدَهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَجَبَ قِيَامٌ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ لِيَرْكَعَ مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الطُّمَأْنِينَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ ارْتَفَعَ لَهَا إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ عَنْ قِيَامٍ، فَإِنْ انْتَصَبَ ثُمَّ رَكَعَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ رُكُوعٍ، أَوْ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ، وَلَوْ قَدَرَ فِي الِاعْتِدَالِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ قَامَ وَاطْمَأَنَّ، وَكَذَا بَعْدَهَا إنْ أَرَادَ قُنُوتًا فِي مَحَلِّهِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَلَا يَطُولُ، وَقَضِيَّةُ الْمُعَلَّلِ جَوَازُ الْقِيَامِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ مَنْعُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ، فَإِنْ قَنَتَ قَاعِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ (1) عَنْ رَجُلٍ يَتَّقِي الشُّبُهَاتِ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَأْكُولٍ يَسُدُّ الرَّمَقَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ فَضَعُفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقِيَامِ فِي الْفَرَائِضِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي وَرَعٍ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَلِلْقَادِرِ) عَلَى الْقِيَامِ (التَّنَفُّلُ قَاعِدًا) بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُهَا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يَكْثُرُ، فَاشْتِرَاطُ الْقِيَامِ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ أَوْ التَّرْكِ، وَلِهَذَا قِيلَ: لَا يُصَلِّي الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءَ مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ لِنُدْرَتِهَا. (وَكَذَا) لَهُ النَّفَلُ (مُضْطَجِعًا) مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ (فِي الْأَصَحِّ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» . وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، فَإِنْ اضْطَجَعَ عَلَى الْأَيْسَرِ جَازَ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْعُدَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا أَيْضًا. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ مِنْ اضْطِجَاعٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ، وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ   [مغني المحتاج] لِمَا فِيهِ مِنْ انْمِحَاقِ صُورَةِ الصَّلَاةِ. قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا فَإِنَّ اضْطَجَعَ صَحَّ. قَالَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَمَحَلُّ نُقْصَانِ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ أَجْرِهِمَا شَيْءٌ. (الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْقِرَاءَةُ) لِلْفَاتِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ) أَيْ عَقِبَهُ وَلَوْ لِلنَّفْلِ (دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ) وَهُوَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَّ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي أَيْ عِبَادَتِي وَمَحْيَايَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَمَمَاتِي بِإِسْكَانِ الْيَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ فِيهِمَا، وَيَجُوزُ فِيهِمَا الْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْآيَةِ {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] [الْأَنْعَامَ] وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ: مُسْلِمًا، فَابْنُ حِبَّانَ. وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَيُسْرِعُ بِهِ الْمَأْمُومُ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ قِرَاءَةَ إمَامِهِ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ عَلِمَ رِضَا مُقْتَدٍ بِهِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك وَبِحَمْدِكَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِينِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ: أَيْ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْكَ. وَقِيلَ: لَا يُفْرَدُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْكَ، وَقِيلَ: لَا يَصْعَدُ، وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ: لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَلْقِ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْكَ. وَقَدْ صَحَّ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ أَخْبَارٌ أُخَرُ لَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ: حَنِيفًا وَمِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إرَادَةِ الْأَشْخَاصِ: أَيْ وَأَنَا مِنْ الْأَشْخَاصِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا شَخْصٌ حَنِيفًا مُسْلِمًا، فَتَأْتِي بِهِمَا الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا حَالَانِ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ: ذَاتُ الْإِنْسَانِ وَجُمْلَةُ بَدَنِهِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُمَا حَالَيْنِ مِنْ تَاءِ الضَّمِيرِ فِي وَجَّهْتُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ التَّأْنِيثُ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: قَوْمِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ، وَقَوْلِي: إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إلَى قَوْلِهِ: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12] [التَّحْرِيمَ] : أَيْ الْقَوْمِ الْمُطِيعِينَ، وَلَوْ تَرَكَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُسَنُّ لِمَنْ خَافَ فَوْتَ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ وَقْتِ الْأَدَاءِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَةً، بَلْ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ، فَلَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِالنَّفْلِ وَلَا فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ إلَّا فِيمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ فِي التَّشَهُّدِ وَقَامَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُوَافِقَهُ، وَلَا فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ. (ثُمَّ التَّعَوُّذُ) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 ثُمَّ التَّعَوُّذُ، وَيُسِرُّهُمَا، وَيَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْأُولَى آكَدُ. وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ   [مغني المحتاج] [النَّحْلُ] وَالرَّجِيمُ: الْمَطْرُودُ، وَقِيلَ: الْمَرْجُومُ بِالشُّهُبِ، وَيَحْصُلُ بِكُلٍّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى التَّعَوُّذِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَأَفْضَلُهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقِيلَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ التَّعَوُّذُ فِيهَا (وَيُسِرُّهُمَا) أَيْ الِافْتِتَاحَ وَالتَّعَوُّذَ نَدْبًا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسَّرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ فِي الْجَهْرِيَّةِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ فَأَشْبَهَ التَّأْمِينَ (وَيَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالْكُوعِ وَغَيْرِهِ (وَالْأُولَى آكَدُ) مِمَّا بَعْدَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ افْتِتَاحَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِيهَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا. وَالثَّانِي: يَتَعَوَّذُ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ وَاحِدَةٌ كَمَا لَا يُعِيدُهُ لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ ثُمَّ عَادَ لِلْقِرَاءَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَهُ فِي الْأُولَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ التَّعَوُّذِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَلَمْ تُوجَدْ بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ. (وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ) أَيْ قِرَاءَتُهَا حِفْظًا، أَوْ نَظَرًا فِي مُصْحَفٍ أَوْ تَلْقِينًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) فِي قِيَامِهَا أَوْ بَدَلِهِ لِلْمُنْفَرِدِ وَغَيْرِهِ سِرِّيَّةً كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ جَهْرِيَّةً فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَخَبَرُ «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحَبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي مُسْلِمٍ مَعَ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» . وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] [الْمُزَّمِّلُ] فَوَارِدٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لَا فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ، أَوْ مَحْمُولٌ مَعَ خَبَرِ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْفَاتِحَةِ» أَوْ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهَا، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَتَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ أَيْضًا فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ، وَيَتَعَوَّذُ قَبْلَ قِرَاءَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَائِدَةٌ: نَقَلَ تَعَيُّنَ الْفَاتِحَةِ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِافْتِتَاحِ الْقُرْآنِ بِهَا، وَبِأُمِّ الْكِتَابِ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَالْأَسَاسِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ وَأَصْلُهُ كَمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْضِ وَأَصْلُهَا وَمِنْهَا دُحِيَتْ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا سُمِّيَتْ أَيْضًا السَّبْعَ الْمَثَانِيَ؛ لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ وَتُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ، وَأُنْزِلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ، وَالْوَافِيَةَ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهَا لَا يَجُوزُ، وَالْوَاقِيَةَ بِالْقَافِ؛ لِأَنَّهَا تَقِي مِنْ السُّوءِ، وَالْكَافِيَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ. وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا   [مغني المحتاج] عَنْ غَيْرِهَا، وَالشِّفَاءَ، وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ، وَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ، وَالْكَنْزَ، وَالْحَمْدَ لِذِكْرِ الْحَمْدِ فِيهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِي تَفْسِيرِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ مَخْلَدٍ: أَنَّ إبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - رَنَّ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: رَنَّةٌ حِينَ لُعِنَ، وَرَنَّةٌ حَيْثُ أُهْبِطَ، وَرَنَّةٌ حِينَ وُلِدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَنَّةٌ حِينَ أُنْزِلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) فَإِنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْمَسْبُوقِ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَتَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْإِمَامُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا أَوْ فِي خَامِسَةٍ أَنَّ الرَّكْعَةَ لَا تُحْسَبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ تَعْيِينَهَا لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْهُ، وَيُتَصَوَّرُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ لِلْمَأْمُومِ فِيهِ عُذْرٌ تَخَلَّفَ بِسَبَبِهِ عَنْ الْإِمَامِ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَزَالَ عُذْرُهُ، وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَيَحْتَمِلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ بِسَبَبِ زَحْمَةٍ أَوْ شَكَّ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَتَخَلَّفَ لَهَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى الْحَصْرِ فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ. (وَالْبَسْمَلَةُ) آيَةٌ (مِنْهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعَ آيَاتٍ، وَعَدَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً مِنْهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَرَأْتُمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاقْرَءُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إحْدَى آيَاتِهَا» . وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: أَيْ إلَى آخِرِهَا سِتَّ آيَاتٍ» . فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ وُجُوبُهَا فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (1) كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِقَوْلِهِ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِسُورَةِ الْحَمْدِ، وَيُبَيِّنُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ " إنَّهُ كَانَ يُجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ، وَقَالَ: لَا آلُو أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ أَئِمَّتُنَا: إنَّهُ رِوَايَةٌ لِلَفْظِ الْأُولَى بِالْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِمَا ذَكَرَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ، وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ لَأَصَابَ: إذْ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ، وَآيَةُ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إلَّا بَرَاءَةً لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةَ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ كَمَا قِيلَ لَأُثْبِتَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ، أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا. أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 وَتَشْدِيدَاتِهَا فَائِدَةٌ: مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَالْأَعْشَارُ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ فِي زَمَنِهِ. وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ ظَنِّيٍّ، وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ، وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ التَّوَاتُرُ عِنْدَ قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا، أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا، وَأَيْضًا التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ، وَهِيَ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا، وَكَذَا فِيمَا عَدَا بَرَاءَةً مِنْ بَاقِي السُّوَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي قَوْلٍ إنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصِلَهَا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِهَا حَيْثُ يَشْرَعُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ. (وَتَشْدِيدَاتُهَا) مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا هَيْئَاتٌ لِحُرُوفِهَا الْمُشَدَّدَةِ وَوُجُوبُهَا شَامِلٌ لِهَيْئَاتِهَا فَالْحُكْمُ عَلَى التَّشْدِيدِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ: وَيَجِبُ رِعَايَةُ تَشْدِيدَاتِهَا، فَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى، وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَدَّةً مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْبَسْمَلَةِ فَلَوْ خَفَّفَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً بَطَلَتْ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، بَلْ قَالَ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ: لَوْ تَرَكَ الشَّدَّةَ مِنْ قَوْلِهِ إيَّاكَ مُتَعَمِّدًا وَعَرَفَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّ الْإِيَا ضَوْءُ الشَّمْسِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعْبُدُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. (وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا) مِنْهَا: أَيْ أَتَى بَدَلَهَا (بِظَاءٍ لَمْ تَصِحَّ) قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ وَاخْتِلَافِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الضَّادَ مِنْ الضَّلَالِ وَالظَّاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا ظَلُولًا إذَا فَعَلَهُ نَهَارًا وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْحُرُوفِ، وَالثَّانِي: تَصِحُّ لِعُسْرِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَالْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِقَادِرٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَوْ عَاجِزٍ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمَ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ. أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ التَّعَلُّمِ فَتُجْزِئُهُ قَطْعًا وَهُوَ أُمِّيٌّ، وَالْقَادِرُ الْمُتَعَمِّدُ لَا تُجْزِئُهُ قَطْعًا وَلَوْ أَبْدَلَ الضَّادَ بِغَيْرِ الظَّاءِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ قَطْعًا، وَلَوْ أَبْدَلَ ذَالَ الَّذِينَ الْمُعْجَمَةَ بِالْمُهْمَلَةِ لَمْ تَصِحَّ كَمَا اقْتَضَى إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمَ بِهِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعْهُ، وَلَوْ نَطَقَ بِالْقَافِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ كَمَا يَنْطِقُ بِهَا الْعَرَبُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ أَبْدَلَ ظَاءً بِضَادٍ، إذْ الْبَاءُ مَعَ الْإِبْدَالِ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ لَا عَلَى الْمَأْتِيِّ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ} [البقرة: 108] [الْبَقَرَةُ] وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 16] [سَبَأُ] . أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي التَّبْدِيلِ وَالْإِبْدَالِ إذَا اقْتَصَرَ فِيهِمَا عَلَى الْمُتَقَابِلَيْنِ وَدَخَلَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَأْخُوذِ لَا عَلَى الْمَتْرُوكِ، فَقَدْ نَقَلَ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ بَدَّلْتُ الْخَاتَمَ بِالْحَلَقَةِ إذَا أَذَبْتُهُ وَسَوَّيْتُهُ حَلَقَةً، وَبَدَّلْت الْحَلَقَةَ بِالْخَاتَمِ إذَا أَذَبْتُهَا وَجَعَلْتُهَا خَاتَمًا، وَأَبْدَلْتُ الْخَاتَمَ بِالْحَلَقَةِ إذَا نَحَّيْتُ هَذَا وَجَعَلْتُ هَذِهِ مَكَانَهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ بَعْضَ ذَلِكَ عَنْ الْوَاحِدِيِّ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ الْفَرَّاءِ، وَرَأَيْتُ فِي شِعْرِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: [الْوَافِرُ] فَأَلْهَمَنِي هُدَايَ اللَّهُ عَنْهُ ... وَبَدَّلَ طَالِعِي نَحْسِي بِسَعْدِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا وَمُوَالَاتُهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَمَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ تَوَهُّمُ أَنَّ الْإِبْدَالَ الْمُسَاوِيَ لِلتَّبْدِيلِ كَالِاسْتِبْدَالِ وَالتَّبَدُّلِ، فَإِنَّ ذَيْنَكَ تَدْخُلُ الْبَاءُ فِيهِمَا عَلَى الْمَتْرُوكِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَبِذَلِكَ عُلِمَ فَسَادُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، بَلْ يَلْزَمُ دُخُولُهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ. (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ، فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي مَثَلًا ثُمَّ أَتَى بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالنِّصْفِ الثَّانِي وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ وَلَمْ يُطَلْ الْفَصْلُ وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ وَلَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى أَوْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَتَذَكُّرِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا وَلَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ غَيَّرَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا وَلَمْ يَجِبْ فِي الْوُضُوءِ وَالْأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَتُّبَ هُنَا لَمَّا كَانَ مَنَاطَ الْإِعْجَازِ كَمَا مَرَّ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِهِ أَكْثَرَ فَجَعَلَ قَصْدَ التَّكْمِيلِ بِالْمُرَتَّبِ صَارِفًا عَنْ صِحَّةِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ تِلْكَ الصُّوَرِ، وَمَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَبْنِي فِي ذَلِكَ مُرَادُهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ بِالْمُرَتَّبِ، وَإِنْ تَرَكَهُ سَاهِيًا وَلَمْ يُطِلْ غَيْرَ الْمُرَتَّبِ بَنَى، وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ (وَ) تَجِبُ (مُوَالَاتُهَا) بِأَنْ يَصِلَ الْكَلِمَاتِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَفْصِلُ إلَّا بِقَدْرِ التَّنَفُّسِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَلَوْ أَخَلَّ بِهَا سَهْوًا لَمْ يَضُرَّ كَتَرْكِ الْمُوَالَاةِ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ طَوَّلَ رُكْنًا قَصِيرًا نَاسِيًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ صِفَةٌ، وَالْقِرَاءَةَ أَصْلٌ، فَإِنْ قِيلَ: نِسْيَانُ التَّرْتِيبِ يَضُرُّ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَالَاةِ أَسْهَلُ مِنْ التَّرْتِيبِ بِدَلِيلِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ نَاسِيًا كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِالْمُقَدَّمِ مِنْ سُجُودٍ عَلَى رُكُوعٍ مَثَلًا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَرَأَهَا أَوْ لَا لَزِمَهُ قِرَاءَتُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قِرَاءَتِهَا، أَوْ شَكَّ هَلْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ، فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِهَا اسْتَأْنَفَهَا (فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ) أَجْنَبِيٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ (قَطَعَ الْمُوَالَاةَ) وَإِنْ قَلَّ كَالتَّحْمِيدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَالتَّسْبِيحِ لِلدَّاخِلِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ يُوهِمُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَلِيَسْتَأْنِفهَا، هَذَا إنْ تَعَمَّدَ، فَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بَلْ يَبْنِ، وَقِيلَ إنْ طَالَ الذِّكْرُ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ ضِدُّ الْإِنْصَاتِ وَذَالُهُ مَكْسُورَةٌ، وَبِالْقَلْبِ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَذَالُهُ مَضْمُومَةٌ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى (فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ) إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا وَالْفَتْحُ: هُوَ تَلْقِينُ الْآيَةِ عِنْدَ التَّوَقُّفِ فِيهَا، وَمَحَلُّهُ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ إذَا سَكَتَ فَلَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ مَا دَامَ يُرَدِّدُ التِّلَاوَةَ وَسُجُودِهِ لِتِلَاوَتِهِ وَسُؤَالِ رَحْمَةٍ وَاسْتِعَاذَةٍ مِنْ عَذَابٍ لِقِرَاءَةِ آيَتِهِمَا (فَلَا) يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ (فِي الْأَصَحِّ) لِنَدْبِ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَقْطَعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْدُوبًا كَالْحَمْدِ عِنْدَ الْعُطَاسِ وَغَيْرِهِ. وَرَدَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، وَالِاحْتِيَاطُ اسْتِئْنَافُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَامِدِ، فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ يَقْطَعْ مَا ذُكِرَ جَزْمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 وَيَقْطَعُ السُّكُوتُ الطَّوِيلُ، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فَسَبْعُ آيَاتٍ   [مغني المحتاج] (وَيَقْطَعُ) الْمُوَالَاةَ (السُّكُوتُ) الْعَمْدُ (الطَّوِيلُ) لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ مُخْتَارًا كَانَ أَوْ لِعَائِقٍ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُوَالَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ، أَمَّا النَّاسِي فَلَا يَقْطَعُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (وَكَذَا) يَقْطَعُ (يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِتَأْثِيرِ الْفِعْلِ مَعَ النِّيَّةِ كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا، وَالثَّانِي: لَا يَقْطَعُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْقَطْعِ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَالسُّكُوتُ الْيَسِيرُ وَحْدَهُ لَا يُؤَثِّرُ أَيْضًا فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا، وَجَوَابُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ: الْمَنْعُ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقَطْعَ وَلَمْ يَطُلْ السُّكُوتُ لَمْ يَضُرَّ كَنَقْلِ الْوَدِيعَةِ بِلَا نِيَّةِ تَعَدٍّ، وَكَذَا إنْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يَسْكُتْ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِنِيَّةِ قَطْعِهَا فَقَطْ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ رُكْنٌ تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا نِيَّةُ قَطْعِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ نِيَّةَ الْقَطْعِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْيَسِيرُ: مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَتَنَفُّسٍ وَاسْتِرَاحَةٍ، وَالطَّوِيلُ مَا زَادَ عَلَى سَكْتَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَعَدَلَ إلَيْهِ عَنْ ضَبْطِ أَصْلِهِ لَهُ بِمَا أَشْعَرَ بِقَطْعِ الْقِرَاءَةِ أَوْ إعْرَاضِهِ عَنْهَا مُخْتَارًا أَوْ لِعَائِقٍ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ السُّكُوتَ لِلْإِعْيَاءِ لَا يُؤَثِّرُ، وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الضَّابِطَيْنِ مَا لَوْ نَسِيَ آيَةً فَسَكَتَ طَوِيلًا لِتَذَكُّرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا وَشَكَّ هَلْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَتَى بِهَا أَعَادَ مَا قَرَأَهُ بَعْدَ الشَّكِّ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ أَوْ شَكَّ فِي غَيْرِهِمَا فَكَرَّرَهُ لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَشُكَّ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَاعْتَمَدَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ كَرَّرَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ أَعَادَ بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا بِأَنْ وَصَلَ إلَى {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] [الْفَاتِحَةَ] ثُمَّ قَرَأَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] [الْفَاتِحَةَ] فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَمْدًا عَلَى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] [الْفَاتِحَةُ] لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي التِّلَاوَةِ اهـ. وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي فِي الْأَنْوَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَصِلَ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] بِمَا بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ وَقْفًا وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ. (فَإِنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ) بِكَمَالِهَا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ مَعْرِفَتُهَا لِعَدَمِ مُعَلِّمٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَسَبْعُ آيَاتٍ) إنْ أَحْسَنَهَا عَدَدَ آيَاتِهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةَ ثَمَانِ آيَاتٍ لِتَكُونَ الثَّامِنَةُ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ، نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَدَلِ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ كَمَا فِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلطَّبَرِيِّ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ فَلَا يُجْزِئُ دُونَ عَدَدِ آيَاتِهَا وَإِنْ طَالَ لِرِعَايَتِهِ فِيهَا وَلَا دُونَ حُرُوفِهَا كَالْآيِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمٍ قَصِيرٍ عَنْ طَوِيلٍ لِعُسْرِ رِعَايَةِ السَّاعَاتِ وَلَا التَّرْجَمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ فَمُتَفَرِّقَةٌ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ عَجَزَ أَتَى بِذِكْرٍ.   [مغني المحتاج] يُوسُفُ] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَجَمِيَّ لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرِ أَوْ الْخُطْبَةِ أَوْ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ نَظْمَ الْقُرْآنِ مُعْجِزٌ (مُتَوَالِيَة) ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْفَاتِحَةَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْمُتَوَالِيَةِ (فَمُتَفَرِّقَةٌ) لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ) مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ (مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ جَوَازَ كَوْنِهَا مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْجَوَازِ مَعَ حِفْظِ الْمُتَوَالِيَةِ بَلْ أَطْلَقَ فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِ عَلَى مَا قَيَّدَهُ غَيْرُهُ اهـ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا أَمْ لَا كَثُمَّ نَظَرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّنْقِيحِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ اهـ. وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالثَّانِي هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا عَلَى الْجُنُبِ فَكَذَلِكَ يُعْتَدُّ بِقِرَاءَتِهَا هَهُنَا، وَيَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَحْفَظُ أَوَائِلَ السُّوَرِ خَاصَّةً كَ " الم " وَ " الر " وَ " المر " وَ " طسم " أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا أَوَائِلَ السُّوَرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِقِرَاءَتِهَا وَهِيَ قُرْآنٌ مُتَوَاتِرٌ اهـ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ: أَيْ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا يَنْقَدِحُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ ذَلِكَ، أَمَّا مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً مُنْتَظِمَةَ الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ. وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ: وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، وَمَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ يَأْتِي بِهِ وَبِبَدَلِ الْبَاقِي إنْ أَحْسَنَهُ وَإِلَّا كَرَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا مَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ بَدَلِهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْآيَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِالْبَدَلِ ثُمَّ بِالْآيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا أَتَى بِبَدَلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوَسَطِ ثُمَّ أَتَى بِبَدَلِ الْآخَرِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُرَتَّبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ تُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ التَّفَرُّقِ، وَالْمُرَتَّبُ يُذْكَرُ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلْبِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَتَفْرِيقُ الْقِرَاءَةِ يُخِلُّ بِمُوَالَاتِهَا وَلَا يُخِلُّ بِتَرْتِيبِهَا وَقَدْ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ مُتَوَالِيَةً لَكِنْ لَا مَعَ تَرْتِيبِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَوَالِيَةِ التَّوَالِي عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ فَيُسْتَفَادُ التَّرْتِيبُ مَعَ التَّوَالِي جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمَرْتَبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا التَّوَالِي. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْقُرْآنِ (أَتَى بِذِكْرٍ) غَيْرِهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي عَنْهُ فَقَالَ: قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ» ثُمَّ قِيلَ: يَتَعَيَّنُ هَذَا الذِّكْرُ وَيُضِيفُ إلَيْهِ كَلِمَتَيْنِ: أَيْ نَوْعَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ الذِّكْرِ نَحْوَ: مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ لِتَصِيرَ السَّبْعَةُ أَنْوَاعٍ مَقَامَ سَبْعِ آيَاتٍ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي التَّنْبِيهِ. وَقِيلَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنْ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ. وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ آمِينَ   [مغني المحتاج] تَكْفِي هَذِهِ الْخَمْسَةُ أَنْوَاعٍ لِذِكْرِهَا فِي الْحَدِيثِ وَسُكُوتِهِ عَلَيْهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ سُكُوتَهُ لَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ بَدَلٌ عَنْ الْفَاتِحَةِ وَالذِّكْرَ بَدَلٌ عَنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَتَعَيَّنُ فَكَذَلِكَ هُوَ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِسَبْعَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ أَيْ ذِكْرٍ كَانَ. إمَّا الْمَذْكُورُ أَوْ غَيْرُهُ لِيَقُومَ كُلُّ نَوْعٍ مَقَامَ آيَةٍ، وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ بِالذِّكْرِ الْمَخْصُوصِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُهُ وَلَا يَحْفَظُ مَا سِوَاهُ قَالَ الْإِمَامُ: وَالْأَشْبَهُ إجْزَاءُ دُعَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، قَالَ الْإِمَامُ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا أَتَى بِهِ وَأَجْزَأَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِمَامِ السُّبْكِيُّ. (وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ) مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ (عَنْ) حُرُوفِ (الْفَاتِحَةِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْ آيَاتِهَا، وَحُرُوفُهَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ حَرْفًا بِالْبَسْمَلَةِ، وَبِقِرَاءَةِ مَالِكٍ بِالْأَلِفِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَيُعَدُّ الْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِحَرْفَيْنِ مِنْ الذِّكْرِ وَلَا يُرَاعَى فِي الذِّكْرِ التَّشْدِيدُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءُ مِنْ الْبَدَلِ قَدْرُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ سَبْعُ آيَاتٍ أَوْ سَبْعَةُ أَذْكَارٍ أَقَلُّ مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ كَمَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمٍ قَصِيرٍ قَضَاءً عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ طَوِيلٍ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَخْتَلِفُ زَمَانُهُ طُولًا وَقِصَرًا فَلَمْ يُعْتَبَرُ فِي قَضَائِهِ مُسَاوَاةٌ، بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ لَا تَخْتَلِفُ، فَاعْتُبِرَ فِي بَدَلِهَا الْمُسَاوَاةُ. قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: قَطَعُوا بِاعْتِبَارِ سَبْعَ آيَاتٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، وَالْحُرُوفُ هِيَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهَا اهـ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِمَا الْبَدَلِيَّةَ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِمَا غَيْرَهَا. (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى عَنْ تَرْجَمَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ (وَوَقَفَ) وُجُوبًا (قَدْرَ الْفَاتِحَةِ) فِي ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَهَلْ يُنْدَبُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيَامِ قَدْرَ سُورَةٍ؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ لِلْفَاتِحَةِ سُنَّتَانِ سَابِقَتَانِ وَهُمَا دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ، وَسُنَّتَانِ لَاحِقَتَانِ وَهُمَا التَّأْمِينُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْأُولَيَيْنِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ. فَقَالَ: (وَيُسَنُّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ (آمِينَ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا؟ ، وَلَكِنْ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَالَ: - وَلَا الضَّالِّينَ - قَالَ: - آمِينَ - وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا الضَّالِّينَ، فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ " وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَقِبِ هُنَا أَنْ يَصِلَ التَّأْمِينَ بِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ، وَإِنَّمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَلَا يَفُوتُ التَّأْمِينُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: بِالرُّكُوعِ، وَاخْتَصَّ بِالْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهَا دُعَاءٌ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ - تَعَالَى - إجَابَتَهُ، وَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 خَفِيفَةُ الْمِيمِ بِالْمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] يُسَنُّ عَقِبَ بَدَلِ الْفَاتِحَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَقَالَ الْغَزِّيُّ (1) : يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ دُعَاءً اُسْتُحِبَّ وَمَا بَحَثَهُ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَرْفُوعًا «حَسَدَنَا الْيَهُودُ عَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هُدِينَا إلَيْهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْجُمُعَةِ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ» وَيَجُوزُ فِي عَقِبِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ. وَأَمَّا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَقِيبَ بِيَاءٍ بَعْدَ الْقَافِ، فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَآمِينَ: اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ كَيْفَ وَأَيْنَ (خَفِيفَةُ الْمِيمِ بِالْمَدِّ) هَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ: [الْبَسِيطُ] آمِينَ آمِينَ لَا أَرْضَى بِوَاحِدَةٍ ... حَتَّى أُبَلِّغَهَا أَلْفَيْنِ آمِينَا (وَيَجُوزُ الْقَصْرُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى، وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ مَعَ الْمَدِّ لُغَةً ثَالِثَةً، وَهِيَ الْإِمَالَةُ، وَحُكِيَ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَالْمَدِّ: أَيْ قَاصِدِينَ إلَيْكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ أَنْ لَا تُخَيِّبَ مَنْ قَصْدَكَ وَهُوَ لَحْنٌ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَلَوْ قَالَ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ كَانَ حَسَنًا. (وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (2) وَخَبَرِ «إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَلَيْسَ لَنَا مَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ سِوَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلتَّأْمِينِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْهَا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ إذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ، وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يُوَافِقَهُمْ فِي الزَّمَنِ، وَقِيلَ فِي الصِّفَاتِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ هُنَا الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ، لِخَبَرِ «فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ» . وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا قَالَهَا الْحَفَظَةُ قَالَهَا مَنْ فَوْقَهُمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَهْلِ السَّمَاءِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ، فَإِنْ لَمْ تَتَّفِقْ مُوَافَقَتُهُ أَمَّنَ عَقِبَهُ، فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ هَلْ أَمَّنَ أَوْ لَا؟ أَمَّنَ هُوَ، وَلَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ عَنْ وَقْتِهِ الْمَنْدُوبِ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينُ وَاحِدٍ، أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ: يَنْتَظِرُهُ، وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ. (وَيَجْهَرُ بِهِ) الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ (فِي الْأَظْهَرِ) تَبَعًا لِإِمَامِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَصَحَّحُوهُ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَالثَّانِي يُسِرُّ كَسَائِرِ أَذْكَارِهِ، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَ الْجَمْعُ جَهَرَ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَيَجْهَرَانِ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِمَا وَجْهٌ شَاذٌّ، وَأَمَّا السِّرِّيَّةُ فَيُسِرُّونَ فِيهَا جَمِيعُهُمْ كَالْقِرَاءَةِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنْ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ التَّأْمِينُ جَهْرًا قَطْعًا لِيَسْمَعَهُ الْإِمَامُ فَيَأْتِيَ بِهِ اهـ. وَجَهْرُ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى بِالتَّأْمِينِ كَجَهْرِهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَسَيَأْتِي. فَائِدَةٌ: يَجْهَرُ الْمَأْمُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ تَأْمِينٍ، يُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ، وَفِي دُعَائِهِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ. (وَتُسَنُّ) لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ (سُورَةٌ) يَقْرَؤُهَا فِي الصَّلَاةِ (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً (إلَّا فِي الثَّالِثَةِ) مِنْ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا (وَالرَّابِعَةِ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الشِّقَّيْنِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ دَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَالِاتِّبَاعَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا، وَالسُّورَةُ عَلَى الثَّانِي أَقْصَرُ كَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ سُنَّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ عَلَى الثَّانِي. قَالَ الشَّارِحُ: ثُمَّ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْأَوَّلَ تَقْدِيمٌ لِدَلِيلِهِ النَّافِي عَلَى دَلِيلِ الثَّانِي الْمُثْبِتُ عَكْسَ الرَّاجِحِ فِي الْأُصُولِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوهُ لِتَقْوِيَتِهِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِالْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» (1) اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ السُّورَةُ لِحَدِيثِ «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا مِنْهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَهَا أَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَعَادَهَا يَتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْإِجْزَاءُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ آيَةً، وَالْأَوْلَى ثَلَاثُ آيَاتٍ لِتَكُونَ قَدْرَ أَقْصَرِ سُورَةٍ، وَالسُّورَةُ الْكَامِلَةُ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا وَالْوَقْفَ عَلَى آخِرِهَا صَحِيحَانِ بِالْقَطْعِ بِخِلَافِهِمَا فِي بَعْضِ السُّورَةِ فَإِنَّهُمَا يَخْفَيَانِ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ. أَمَّا فِيهَا فَقِرَاءَةُ بَعْضِ الطَّوِيلَةِ أَفْضَلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالتَّرَاوِيحِ، بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْبَعْضِ فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ كَقِرَاءَةِ آيَتَيْ الْبَقَرَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 قُلْتُ: فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا قَرَأَهَا فِيهِمَا عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ فَإِنْ بَعُدَ أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً قَرَأَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَآلِ عِمْرَانَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (قُلْتُ: فَإِنْ سَبَقَ بِهِمَا) أَيْ بِالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ (قَرَأَهَا فِيهِمَا) حِينَ تَدَارَكَهُمَا (عَلَى النَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ سُورَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا كَمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ يُسَنُّ تَرْكُهَا، بَلْ لَا يُسَنُّ فِعْلُهَا، وَأَيْضًا الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْجَهْرُ صِفَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ أَحَقَّ، وَإِنَّمَا قَدَّرْت الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ لَا الْأُولَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا أَيْضًا لِاتِّحَادِ الضَّمِيرَيْنِ، ثُمَّ مَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا أَفْهَمَهُ التَّعْلِيلُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ، فَإِنْ قَرَأَهَا فِيهِمَا لِسُرْعَةِ قِرَاءَتِهِ وَبُطْءِ قِرَاءَةِ إمَامِهِ أَوْ لِكَوْنِ الْإِمَامِ قَرَأَهَا فِيهِمَا لَمْ يُسَنَّ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَوْ سَقَطَتْ قِرَاءَتُهَا عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا أَوْ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ فَلَا يَقْرَؤُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ. (وَلَا سُورَةَ لِلْمَأْمُومِ) فِي جَهْرِيَّةٍ (بَلْ يَسْتَمِعُ) لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] [الْأَعْرَافُ] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كُنْتُمْ خَلْفِي فَلَا تَقْرَءُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالِاسْتِمَاعُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَجَزَمَ بِهِ الْفَارِقِيُّ (1) فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ. (فَإِنْ) لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ كَأَنْ (بَعُدَ) الْمَأْمُومُ عَنْهُ أَوْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَا يَفْهَمُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ (أَوْ كَانَتْ) الصَّلَاةُ (سِرِّيَّةً) وَلَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِيهَا أَوْ جَهْرِيَّةً، وَأَسَرَّ فِيهَا (قَرَأَ) الْمَأْمُومُ السُّورَةَ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ. أَمَّا إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فِي السَّرِيَّةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ اعْتِبَارًا بِفِعْلِ الْإِمَامِ، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: اعْتِبَارَ الْمَشْرُوعِ فِي الْفَاتِحَةِ، فَعَلَى هَذَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ مُطْلَقًا وَلَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ مُطْلَقًا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ. فُرُوعٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ، وَالْمُنْفَرِدِ الْجَهْرُ فِي الصُّبْحِ وَالْأُولَيَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلِلْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَالْإِجْمَاعِ فِي الْإِمَامِ وَلِلْقِيَاسِ عَلَيْهِ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَيُسِرُّ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، هَذَا فِي الْمُؤَدَّاةِ، وَأَمَّا الْمَقْضِيَّةُ فَيُجْهَرُ فِيهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، وَيُسِرُّ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا، وَيَسْتَثْنِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ صَلَاةُ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ فِي قَضَائِهَا كَمَا يَجْهَرُ فِي أَدَائِهَا، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الذَّكَرِ. أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَجْهَرَانِ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ، وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُهُمَا أَجْنَبِيٌّ أَسَرَّا، فَإِنْ جَهَرَا لَمْ تَبْطُلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطَهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ.   [مغني المحتاج] صَلَاتُهُمَا، وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْخُنْثَى يُسِرُّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مَرْدُودٌ - أَيْ لِأَنَّهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ - إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَفِي الْحَالَيْنِ يُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَأَمَّا النَّوَافِلُ غَيْرُ الْمُطْلَقَةِ فَيَجْهَرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا صَلَّاهُمَا لَيْلًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي أَبْوَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُسِرُّ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَيُسِرُّ فِيهَا نَهَارًا وَيَتَوَسَّطُ فِيهَا لَيْلًا بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ نَحْوَهُ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ الْإِسْرَارُ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَحَلَّ فَضِيلَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إذَا لَمْ يَخَفْ رِيَاءً وَلَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ، وَإِلَّا فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِسْرَارِ، وَالْأَخْبَارِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ الرَّفْعِ اهـ. وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَجْهَرُ بِالذِّكْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ بِحَضْرَةِ مَنْ يُطَالِعُ أَوْ يَدْرِسُ أَوْ يُصَنِّفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي قَالَ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِكَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّوَسُّطِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ، يُعْرَفُ بِالْقَايِسَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء: 110] الْآيَةَ. وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ: يَجْهَرُ تَارَةً وَيُسِرُّ أُخْرَى كَمَا وَرَدَ فِي فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ تَأْمِينِهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ، وَيَشْتَغِلُ حِينَئِذٍ بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سِرًّا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى. فَائِدَةٌ السَّكَتَاتُ الْمَنْدُوبَةُ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةٌ: سَكْتَةٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَفْتَتِحُ فِيهَا، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ، وَسَكْتَةٌ لِلْإِمَامِ بَيْنَ التَّأْمِينِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَبَيْنَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ، وَسَكْتَةٌ قَبْلَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتَسْمِيَةُ كُلٍّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ سَكْتَةٌ مَجَازٌ، فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ حَقِيقَةً لِمَا تَقَرَّرَ فِيهِمَا، وَعَدَّهَا الزَّرْكَشِيُّ خَمْسَةً: الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالِافْتِتَاحِ، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ الِافْتِتَاحِ وَالْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ لَا مَجَازَ إلَّا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ التَّأْمِينِ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. (وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ جَمْعٌ، وَالْمُفْرَدُ طَوِيلٌ وَطُوَالُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ، فَإِذَا أَفْرَطَ فِي الطُّولِ شَدَدْتُهَا (وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطَهُ) وَسُنِّيَّةُ هَذَا فِي الْإِمَامِ مُقَيَّدَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِرِضَا مَأْمُومِينَ مَحْصُورِينَ (وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ) لِخَبَرِ النَّسَائِيّ فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ، وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الظُّهْرِ قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ طَوِيلٌ، وَالصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ فَحَسُنَ تَطْوِيلُهُمَا، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ فَحَسُنَ فِيهِ الْقِصَارُ، وَأَوْقَاتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ طَوِيلَةٌ لَكِنَّ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا طَوِيلَةٌ، فَلَمَّا تَعَارَضَ ذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ التَّوَسُّطَ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ، وَفِيهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى الْخَامِسُ الرُّكُوعُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ   [مغني المحتاج] قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ، وَاسْتَثْنَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْإِحْيَاءِ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ، فَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] [الْكَافِرُونَ] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَالْمُفَصَّلُ الْمُبَيَّنُ الْمُمَيَّزُ. قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] [فُصِّلَتْ] أَيْ جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ بَيْنَ السُّوَرِ، وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ، وَآخِرُهُ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] [النَّاسُ] وَفِي أَوَّلِهِ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ لِلسَّلَفِ، قِيلَ الصَّافَّاتُ، وَقِيلَ الْجَاثِيَةُ، وَقِيلَ الْقِتَالُ، وَقِيلَ الْفَتْحُ، وَقِيلَ الْحُجُرَاتُ، وَقِيلَ قَافٌ، وَقِيلَ الصَّفُّ، وَقِيلَ تَبَارَكَ، وَقِيلَ سَبَّحَ، وَقِيلَ الضُّحَى، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ وَالتَّحْرِيرِ: أَنَّهُ الْحُجُرَاتُ، وَعَلَى هَذَا طِوَالُهُ، كَالْحُجُرَاتِ وَاقْتَرَبَتْ، وَالرَّحْمَنِ، وَأَوْسَاطُهُ كَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى، وَقِصَارُهُ كَالْعَصْرِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقِيلَ طِوَالٌ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَمَّ، وَمِنْهَا إلَى الضُّحَى أَوْسَاطُهُ، وَمِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقُرْآنُ يَنْقَسِمُ إلَى فَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَتَبَّتْ، فَالْأَوَّلُ كَلَامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ وَالثَّانِي كَلَامُ اللَّهِ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاضِلِ وَيَتْرُكَ الْمَفْضُولَ "؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ " وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هِجْرَانِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَنِسْيَانِهِ. (وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى) بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ تَرَكَ الم فِي الْأُولَى سُنَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِمَا أَوْ قَرَأَ غَيْرَهُمَا خَالَفَ السُّنَّةَ قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُمَا أَتَى بِالْمُمْكِنِ وَلَوْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَبَعْضَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] [الْإِنْسَانُ] قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تُسْتَحَبُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِمَا لِيُعْرَفَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقِيلَ لِلشَّيْخِ عِمَادِ الدِّينِ بْنِ يُونُسَ: إنَّ الْعَامَّةَ صَارُوا يَرَوْنَ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةً وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا، فَقَالَ: تُقْرَأُ فِي وَقْتٍ وَتُتْرَكُ فِي وَقْتٍ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ. (الْخَامِسُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (الرُّكُوعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] [الْحَجُّ] وَلِخَبَرِ «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ» وَلِلْإِجْمَاعِ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ الرُّكُوعِ فِي حَقِّ الْقَائِمِ (أَنْ يَنْحَنِيَ) انْحِنَاءً خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ (قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ) أَيْ رَاحَتَيْ يَدَيْ الْمُعْتَدِلِ خِلْقَةً (رُكْبَتَيْهِ) إذَا أَرَادَ وَضْعَهَا فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ وَلَا بِهِ مَعَ انْحِنَاءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُكُوعًا. أَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدِ فَتَقَدَّمَ وَظَاهِرُ تَعْبِيرِهِ بِالرَّاحَةِ وَهِيَ بَطْنُ الْكَفِّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِالْأَصَابِعِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّنْبِيهِ الِاكْتِفَاءَ بِهَا، فَلَوْ طَالَتْ يَدَاهُ أَوْ قَصْرَتَا أَوْ قُطِعَ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَمَّا ذُكِرَ إلَّا بِمُعِينٍ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ أَوْ انْحِنَاءٍ عَلَى شِقِّهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 بِطُمَأْنِينَةٍ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هُوِيِّهِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ. وَأَكْمَلُهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ وَنَصْبُ سَاقَيْهِ وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ. وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هُوِيِّهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ   [مغني المحتاج] لَزِمَهُ، وَالْعَاجِزُ يَنْحَنِي قَدْرَ إمْكَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّكُوعِ أَنْ يَكُونَ (بِطُمَأْنِينَةٍ) لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَقَلُّهَا أَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ رَاكِعًا (بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ) مِنْ رُكُوعِهِ (عَنْ هَوِيِّهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا أَيْ سُقُوطِهِ فَلَا تَقُومُ زِيَادَةُ الْهَوِيِّ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ (وَلَا يَقْصِدُ بِهِ) أَيْ الْهُوِيَّ (غَيْرَهُ) أَيْ الرُّكُوعِ قَصْدَهُ هُوَ أَمْ لَا كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْهِ (فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا لَمْ يَكْفِ) ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، بَلْ يَنْتَصِبُ لِيَرْكَعَ، وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ عَقِبَهَا وَظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ فَهَوَى لِذَلِكَ فَرَآهُ لَمْ يَسْجُدْ فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهُ، وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِلْمُتَابَعَةِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعُ. (وَأَكْمَلُهُ) أَيْ الرُّكُوعِ (تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ) أَيْ يَمُدُّهُمَا بِانْحِنَاءٍ خَالِصٍ بِحَيْثُ يَصِيرَانِ كَالصَّفِيحَةِ الْوَاحِدَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ كُرِهَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَنَصْبُ سَاقَيْهِ) وَفَخْذَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ لَهُ وَلَا يُثْنِي رُكْبَتَيْهِ لِيَتِمَّ لَهُ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ، وَالسَّاقُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ نَصْبُ الْفَخِذِ، وَلِذَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنَصْبُ سَاقَيْهِ إلَى الْحَقْوِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ أَوْ مَا قَدَّرْته، وَالسَّاقُ مُؤَنَّثَةٌ وَتُجْمَعُ عَلَى أَسْوُقَ وَسِيقَانٍ وَسُوقٍ (وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ) أَيْ بِكَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ) تَفْرِيقًا وَسَطًا لِلِاتِّبَاعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْوَسَطِ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ (لِلْقِبْلَةِ) أَيْ لِجِهَتِهَا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَلَى أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِنْ يَمْنَةٍ أَوْ يَسْرَةٍ، وَالْأَقْطَعُ وَنَحْوُهُ كَقَصِيرِ الْيَدَيْنِ لَا يُوصِلُ يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ حِفْظًا لِهَيْئَةِ الرُّكُوعِ، بَلْ يُرْسِلُهُمَا إنْ لَمْ يُسَلِّمَا مَعًا، أَوْ يُرْسِلُ إحْدَاهُمَا إنْ سَلَّمَتْ الْأُخْرَى. (وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هُوِيِّهِ) لِلرُّكُوعِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي الرَّفْعِ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَدَمُ الرَّفْعِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الرَّفْعَ هُنَا كَالرَّفْعِ لِلْإِحْرَامِ، وَأَنَّ الْهُوِيَّ مُقَارَنٌ لِلرَّفْعِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ: فَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ قَائِمًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءَ رَفْعِهِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، فَإِذَا حَاذَى كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ نَحْوَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ: قَالَ فِي الْإِقْلِيدِ: لِأَنَّ الرَّفْعَ حَالَ الِانْحِنَاءِ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ يَمُدُّ التَّكْبِيرَ إلَى آخِرِ الرُّكُوعِ لِئَلَّا يَخْلُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِلَا ذِكْرٍ، وَكَذَا فِي سَائِرِ انْتِقَالَاتِ الصَّلَاةِ لِمَا ذُكِرَ وَلَا نَظَرَ إلَى طُولِ الْمَدِّ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ يُنْدَبُ الْإِسْرَاعُ بِهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ كَمَا مَرَّ (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 ثَلَاثًا. وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي.   [مغني المحتاج] لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74] [الْوَاقِعَةُ] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، قَالَ: وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] الْأَعْلَى: قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الْأَخِيرَانِ. وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الْأَعْلَى بِالسُّجُودِ: أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ بِخِلَافِ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ مَعْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالسُّجُودُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ مَعَ الْأَبْلَغِ وَالْمُطْلَقَ مَعَ الْمُطْلَقِ، وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَبِحَمْدِهِ (ثَلَاثًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةُ لَا تَتَأَدَّى بِمَرَّةٍ وَلَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الذِّكْرُ فِي الرُّكُوعِ تَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ: أَقَلُّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ رَبِّي، وَأَدْنَى الْكَمَالِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ لِلْكَمَالِ دَرَجَاتٌ فَبَعْدَ الثَّلَاثِ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ، وَهُوَ الْأَكْمَلُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ بَلْ يَزِيدُ فِي ذَلِكَ مَا شَاءَ، وَالتَّسْبِيحُ لُغَةً التَّنْزِيهُ وَالتَّبْعِيدُ، تَقُولُ: سَبَّحْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا أَبْعَدْتَ؛ وَمَعْنَى وَبِحَمْدِهِ أُسَبِّحُهُ حَامِدًا لَهُ أَوْ بِحَمْدِهِ سَبَّحْتُهُ. (وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ) عَلَى التَّسْبِيحَاتِ الثَّلَاثِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ) وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ. قَالَ تَعَالَى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل: 94] [النَّحْلُ] فَيَجُوزُ فِي اسْتَقَلَّتْ إثْبَاتُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا عَلَى أَنَّهُ مُفْرَدٌ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا التَّشْدِيدُ عَلَى أَنَّهُ مُثَنَّى لِفِقْدَانِ أَلِفِ الرَّفْعِ، وَلَفْظَةُ مُخِّي مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهِيَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَفِيهِمَا وَفِي الْمُحَرَّرِ وَشَعْرِي وَبَشَرِي بَعْدَ عَصَبِي، وَفِي آخِرِهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَذَا مَعَ الثَّلَاثِ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ إكْمَالِ التَّسْبِيحِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ غَيْرِ الْقِيَامِ اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ وَعَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنَّهُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مُلْتَبِسٌ بِالْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهَا لِيَتَمَيَّزَا عَنْهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ فِي الرُّكُوعِ،؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» (1) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 السَّادِسَ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا، وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ فَلَوْ رَفَعَ فَزِعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ   [مغني المحتاج] (السَّادِسَ) مِنْ الْأَرْكَانِ (الِاعْتِدَالُ) وَلَوْ فِي النَّافِلَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: وَأَمَّا مَا حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي النَّافِلَةِ فَفِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى صِحَّتِهَا مُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ (قَائِمًا) إنْ كَانَ قَبْلَ رُكُوعِهِ كَذَلِكَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَيَعُودُ لِمَا كَانَ أَوْ يَفْعَلُ مَقْدُورَهُ إنْ عَجَزَ (مُطْمَئِنًّا) لِمَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ بِأَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ عَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِاعْتِدَالِ كَالرُّكُوعِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فِي قَلْبِي مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ شَيْءٌ، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي تَرَدُّدًا فِيهَا، وَالْمَعْرُوفُ الصَّوَابُ وُجُوبُهَا اهـ. وَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ فَسَقَطَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ عَادَ وُجُوبًا إلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ اعْتَدَلَ، أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْدَهَا نَهَضَ مُعْتَدِلًا ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَمَّ اعْتِدَالَهُ اعْتَدَلَ وُجُوبًا ثُمَّ سَجَدَ (وَلَا يَقْصِدُ غَيْرَهُ فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا) بِفَتْحِ الزَّايِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ خَوْفًا، أَوْ بِكَسْرِهَا عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ: أَيْ خَائِفًا (مِنْ شَيْءٍ) كَحَيَّةٍ (لَمْ يَكْفِ) رَفْعُهُ لِذَلِكَ عَنْ رَفْعِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ صَارِفٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ) كَمَا سَبَقَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِمَا مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ (قَائِلًا) فِي رَفْعِهِ إلَى الِاعْتِدَالِ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ تَقَبَّلَ مِنْهُ حَمْدُهُ وَجَازَاهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: غَفَرَ لَهُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ كَفَى فِي تَأْدِيَةِ أَصْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، بِخِلَافِ أَكْبَرُ اللَّهُ، لَكِنَّ التَّرْتِيبَ أَفْضَلُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ «إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ» فَمَعْنَاهُ قُولُوا ذَلِكَ مَعَ مَا عَلِمْتُمُوهُ مِنْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِعِلْمِهِمْ بِقَوْلِهِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» مَعَ قَاعِدَةِ التَّأَسِّي بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا خَصَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ غَالِبًا وَيَسْمَعُونَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِهَا لِلْإِمَامِ وَالْمُبَلِّغِ إنَّ اُحْتِيجَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ انْتِقَالٍ وَلَا يَجْهَرُ بِقَوْلِهِ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ الرَّفْعِ فَلَمْ يَجْهَرْ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْجَهْرِ بِهِ وَتَرْكِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيعِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ صَارُوا جَهَلَةً بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ (فَإِذَا انْتَصَبَ) أَرْسَلَ يَدَيْهِ وَ (قَالَ) كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ سِرًّا (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) أَوْ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ أَوْ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، أَوْ وَلَكَ الْحَمْدُ، أَوْ لَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا، أَوْ الْحَمْدُ لِرَبِّنَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْأُمِّ: الثَّانِي أَحَبُّ إلَيَّ - أَيْ لِأَنَّهُ جَمَعَ مَعْنَيَيْنِ الدُّعَاءَ وَالِاعْتِرَافَ - أَيْ: رَبَّنَا اسْتَجِبْ لَنَا وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى هِدَايَتِكَ إيَّانَا، وَزَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَهُ: حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَفِيهِ أَنَّهُ «ابْتَدَرَ ذَلِكَ بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا يَكْتُبُونَهُ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ. وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إلَى آخِرِهِ   [مغني المحتاج] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَدَدَ حُرُوفِهَا كَذَلِكَ، وَأَغْرَبَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ: لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَّا بِرِضَا الْمَأْمُومِينَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ (مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ) أَيْ بَعْدَهُمَا كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] [الْبَقَرَةُ] وَيَجُوزُ فِي مِلْءِ الرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ: أَيْ مَالِئًا لَوْ كَانَ جِسْمًا (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ) وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ سِرًّا (أَهْلَ) مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ: أَيْ يَا أَهْلَ (الثَّنَاءِ) أَيْ الْمَدْحِ (وَالْمَجْدِ) أَيْ الْعَظَمَةِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْكَرْمُ، وَقَوْلُهُ (أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ (وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ) اعْتِرَاضٌ وَقَوْلُهُ (لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ الْغِنَى (مِنْكَ) أَيْ عِنْدَك (الْجَدُّ) وَرُوِيَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَالْمَعْنَى وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْحَظِّ فِي الدُّنْيَا حَظُّهُ فِي الْعُقْبَى إنَّمَا يَنْفَعُهُ طَاعَتُكَ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ " أَحَقُّ " خَبَرًا لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ: أَيْ هَذَا الْكَلَامُ أَحَقُّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَى لَك الْحَمْدُ، وَمُسْلِمٌ إلَى آخِرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَإِثْبَاتُ أَلِفِ أَحَقُّ وَوَاوِ وَكُلُّنَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَقَعُ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ حَذْفُهُمَا، وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُمَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى حَذْفَهُمَا. (وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ) بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِدَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَحَلُّ الْقُنُوتِ إذَا فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فَحِينَئِذٍ يَقْنُتُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَالَ فِي الْإِقْلِيدِ: إنَّهُ قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْقُنُوتَ إذَا انْضَمَّ إلَى الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِي الِاعْتِدَالِ طَالَ الِاعْتِدَالُ، وَهُوَ رُكْنٌ قَصِيرٌ بِلَا خِلَافٍ، وَعَمَلُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِهِ لِجَهْلِهِمْ بِفِقْهِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْجَمْعَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَكْرُوهُ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا أَمَّ قَوْمًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ، وَكَلَامُ الْأَوَّلِينَ عَلَى خِلَافِهِ (وَهُوَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ إلَى آخِرِهِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَتِمَّتُهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ: وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك: إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَبَّنَا، وَقَالَ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الصُّبْحِ وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَزَادَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ: أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وَالْإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِهِ.   [مغني المحتاج] الْقُنُوتِ قَبْلَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ: وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، وَبَعْدَهُ: فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا بَأْسَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي تَحْقِيقِهِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ. (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَقْنُتَ (الْإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَحَمَلَ عَلَى الْإِمَامِ فَيَقُولُ اهْدِنَا وَهَكَذَا، وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصُ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ لِخَبَرِ «لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَضِيَّةُ هَذَا طَرْدُهُ فِي سَائِرِ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فِي كَلَامِهِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصَ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ دُونَ الْقَوْمِ، وَالْجُمْهُورُ لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا فِي الْقُنُوتِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ: اللَّهُمَّ نَقِّنِي اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي» الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ، وَبِهَذَا أَقُولُ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ أَدْعِيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهَا بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي الْقُنُوتِ، وَكَأَنَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكُلَّ مَأْمُورُونَ بِالدُّعَاءِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُؤَمِّنُ فَقَطْ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ تَعَيُّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لِلْقُنُوتِ، وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَنَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوِتْرِ وَهُوَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ إلَخْ كَانَ حَسَنًا، وَيُسَنُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ، وَأَيُّهُمَا يُقَدِّمُ سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ النَّفْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَنَوَى بِهَا الْقُنُوتَ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْ دُعَاءً أَوْ شِبْهَهُ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ الْقُنُوتِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ كَتَبَّتْ يَدَا وَآيَةِ الدَّيْنِ أَوْ فِيهَا مَعْنَاهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْقُنُوتَ لَمْ تُجْزِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مَكْرُوهَةٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ: وَيُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ: أَيْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَغَوِيَّ الْقَائِلَ بِكَرَاهَةِ التَّطْوِيلِ قَائِلٌ بِأَنَّ تَطْوِيلَ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يَبْطُلُ عَمْدُهُ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَلَوْ طَوَّلَ الْقُنُوتَ زَائِدًا عَلَى الْعَادَةِ كُرِهَ، وَفِي الْبُطْلَانِ احْتِمَالَانِ، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَقُولُ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ: اللَّهُمَّ لَا تَعُقْنَا عَنْ الْعِلْمِ بِعَائِقٍ وَلَا تَمْنَعْنَا عَنْهُ بِمَانِعٍ (وَالصَّحِيحُ سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِهِ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ، وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ بَلْ لَا تَجُوزُ حَتَّى تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِهَا عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَجَزَمَ فِي الْأَذْكَارِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِسَنِّ السَّلَامِ وَيُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ (1) . وَقَالَ: هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَاسْتَدَلَّ الْإِسْنَوِيُّ لِسَنِّ السَّلَامِ بِالْآيَةِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وَرَفْعُ يَدَيْهِ وَلَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ وَأَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ.   [مغني المحتاج] وَالزَّرْكَشِيُّ لِسَنِّ الْآلِ بِخَبَرِ " كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ " وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِهِ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ فِيمَا عَدَاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْعُدَّةِ: لَا بَأْسَ بِهَا أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ لِأَثَرٍ وَرَدَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ الْعِجْلِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا اسْمُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَفْتَى الْمُصَنِّفُ خِلَافَهُ. (وَ) سُنَّ (رَفْعُ يَدَيْهِ) فِيهِ وَفِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَفِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: لَا يَرْفَعُ فِي الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي صَلَاةٍ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ الرَّفْعُ قِيَاسًا عَلَى دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّشَهُّدِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ لِيَدَيْهِ فِيهِ وَظِيفَةً وَلَا وَظِيفَةَ لَهُمَا هُنَا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ إنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ، وَعَكْسُهُ إنْ دَعَا لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ، فَهَلْ يَقْلِبُ كَفَّيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْقُنُوتِ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ أَوْ لَا؟ أَفْتَى شَيْخِي بِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ أَيْ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ مَطْلُوبَةً (وَ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ (لَا يَمْسَحُ) بِهِمَا (وَجْهَهُ) أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالثَّانِي يُسَنُّ لِخَبَرِ «فَامْسَحُوا بِهِمَا وُجُوهَكُمْ» وَرُدَّ بِأَنَّ طُرُقَهُ وَاهِيَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ لَوْلَا التَّقْدِيرُ الْمَذْكُورُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْخِلَافِ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: لَا مَسَحَ وَجْهَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفَادَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ. وَأَمَّا مَسْحُ غَيْرِ الْوَجْهِ كَالصَّدْرِ فَلَا يُسَنُّ مَسْحُهُ قَطْعًا بَلْ نَصَّ جَمَاعَةٌ عَلَى كَرَاهَتِهِ. وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ عَقِبَ الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا جَاهِلٌ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَسْحِ بِهِمَا أَخْبَارٌ بَعْضُهَا غَرِيبٌ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ، وَمَعَ هَذَا جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِاسْتِحْبَابِهِ. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلْيَكُنْ جَهْرُهُ بِهِ دُونَ جَهْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي لَا كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الصَّلَاةِ. أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ قَطْعًا (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ لِلدُّعَاءِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ، وَيَجْهَرُ بِهِ كَمَا فِي تَأْمِينِ الْقِرَاءَةِ (وَيَقُولُ الثَّنَاءَ) سِرًّا وَهُوَ فَإِنَّكَ تَقْضِي إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَذِكْرٌ فَكَانَتْ الْمُوَافَقَةُ فِيهِ أَلْيَقَ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَقُولُ الثَّنَاءَ أَوْ يَسْكُتُ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: أَوْ يَقُولُ أَشْهَدُ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: أَوْ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَلَا يَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مِنْ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا أَجَابَ بِهِ الْمُؤَذِّنُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ الْبُطْلَانُ فِيهِمَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ: وَالْمُشَارَكَةُ أَوْلَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُعَاءٌ فَيُؤَمِّنُ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ. وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرٍ الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ، لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ. السَّابِعُ: السُّجُودُ، وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ.   [مغني المحتاج] شَارِحُ التَّنْبِيهِ، وَقَالَ الْغَزِّيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا ثَنَاءٌ، بَلْ قِيلَ: يُشَارِكُهُ وَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا دُعَاءٌ لَمْ يَبْعُدْ، فَفِي الْخَبَرِ «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» اهـ. وَلِذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِي: الْأَوْلَى أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى إمَامِهِ، وَيَقُولَهُ بَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَقِيلَ يُؤَمِّنُ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ يُوَافِقُهُ فِي الْكُلِّ كَالِاسْتِعَاذَةِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ التَّأْمِينِ وَالْقُنُوتِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ خَالَفَ السُّنَّةَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَجَهَرَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا جَهَرَ بِالسَّرِيَّةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَجْهَرْ بِهِ أَوْ جَهَرَ بِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَإِنَّهُ يَقْنُتُ كَمَا قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَمْ يُفَسِّرْهُ (قَنَتَ) نَدْبًا مَعَهُ سِرًّا كَسَائِرِ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ الَّتِي لَا يَسْمَعُهَا. (وَيُشْرَعُ) أَيْ يُسَنُّ (الْقُنُوتُ) بَعْدَ التَّحْمِيدِ (فِي) اعْتِدَالِ أَخِيرَةٍ (سَائِرٍ) أَيْ بَاقِي (الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ) الَّتِي نَزَلَتْ كَأَنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ خَوْفٌ أَوْ قَحْطٌ أَوْ وَبَاءٌ أَوْ جَرَادٌ أَوْ نَحْوُهَا لِلِاتِّبَاعِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْنُتْ إلَّا عِنْدَ النَّازِلَةِ وَخَالَفَتْ الصُّبْحُ غَيْرَهَا لِشَرَفِهَا وَلِأَنَّهَا أَقْصَرُ الْفَرَائِضِ فَكَانَتْ بِالزِّيَادَةِ أَلِيقَ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَعَدَمِهِ وَيَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسَّرِيَّةِ وَيُسِرُّ بِهِ الْمُنْفَرِدُ كَمَا فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُهَا مِنْ نَفْلٍ وَمَنْذُورٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ فَلَا يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِيهَا، فَفِي الْأُمِّ: وَلَا قُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ لَمْ أَكْرَهْهُ وَإِلَّا كَرِهْتُهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي النَّفْلِ وَفِي كَرَاهَتِهِ التَّفْصِيلُ اهـ. وَيُقَاسُ عَلَى النَّفْلِ فِي ذَلِكَ الْمَنْذُورُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ النَّازِلَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِبَعْضِهِمْ كَالْأَسْرِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يُسْتَحَبَّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِخِلَافِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ضَرَرُهُ مُتَعَدِّيًا كَأَسْرِ الْعَالِمِ وَالشُّجَاعِ وَنَحْوِهِمَا قَنَتُوا وَإِلَّا فَلَا. (السَّابِعُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (السُّجُودُ) مَرَّتَيْنِ لِكُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] [الْحَجُّ] وَلِخَبَرِ «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ» وَإِنَّمَا عُدَّا رُكْنًا وَاحِدًا لِاتِّحَادِهِمَا كَمَا عَدَّ بَعْضُهُمْ الطُّمَأْنِينَةَ فِي مَحَالِّهَا الْأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا لِذَلِكَ، وَهُوَ لُغَةً التَّضَامُنُ وَالْمَيْلُ، وَقِيلَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ (وَ) شَرْعًا (أَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ) أَيْ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ «إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ وَلَا تَنْقِرْ نَقْرًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَلِخَبَرِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا: أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا، فَلَوْ لَمْ تَجِبْ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ لَأَرْشَدَهُمْ إلَى سَتْرِهَا وَقِيلَ: يَجِبُ وَضْعُ جَمِيعِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ، بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِصِدْقِ اسْمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] السُّجُودِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِهَا الْجَبِينُ وَالْأَنْفُ فَلَا يَكْفِي وَضْعُهُمَا وَلَا يَجِبُ لِمَا سَيَأْتِي. (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ) كَطَرَفِ كُمِّهِ الطَّوِيلِ أَوْ عِمَامَتِهِ (جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ فِي قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمِنْدِيلٍ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَأَعَادَ السُّجُودَ، وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لِتَحَرُّكٍ لَمْ يَضُرَّ إذْ الْعِبْرَةُ بِالْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَلَى الْيَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلٍ بِهِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ كَعُودٍ بِيَدِهِ فَلَا يَضُرُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ فِيمَا إذَا سَجَدَ عَلَى طَرَفِ مَلْبُوسِهِ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى قَرَارٍ لِلْأَمْرِ بِتَمْكِينِهَا كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْقَرَارُ بِالْحَرَكَةِ، وَالْمُعْتَبَرِ ثَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ مُلَاقِيًا لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] [الْمُدَّثِّرُ] وَالطَّرَفُ الْمَذْكُورُ مِنْ ثِيَابِهِ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْء فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَوَرَقَةٍ، فَإِنْ الْتَصَقَ بِجَبْهَتِهِ وَارْتَفَعَتْ مَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهَا ثَانِيًا ضَرَّ، وَإِنْ نَحَّاهَا ثُمَّ سَجَدَ لَمْ يَضُرَّ. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى عِصَابَةِ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ إزَالَتُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى شَعْرٍ نَبَتَ عَلَى جَبْهَتِهِ؛ لِأَنَّ مَا نَبَتَ عَلَيْهَا مِثْلُ بَشَرَتِهِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ، فَقَالَ: يُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ نَزْعُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. ثُمَّ قَالَ: وَأَوْجَهُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اسْتَوْعَبَتْ الْجَبْهَةُ كَفَى وَإِلَّا وَجَبَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْخَالِي مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ. (وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ) فِي سُجُودِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] [الْفَتْحُ] . وَلِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ «إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ» فَإِفْرَادُهَا بِالذِّكْرِ دَلِيلٌ عَلَى مُخَالَفَتِهَا لِغَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ وَضْعُهَا لَوَجَبَ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ وَضْعِهَا، وَالْإِيمَاءُ بِهَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ وَضْعُهَا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَضْعُ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَهُوَ خَصِيصٌ بِالْجَبْهَةِ وَيُتَصَوَّرُ رَفْعُ جَمِيعِهَا كَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَجَرَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ قَصِيرٌ يَنْبَطِحُ عَلَيْهِ عِنْدَ سُجُودِهِ وَيَرْفَعُهَا (قُلْتُ الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ وَتَقْرِيبُهَا مِنْ الْأَرْضِ كَالْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ السُّجُودِ وَغَايَةَ الْخُضُوعِ بِالْجَبْهَةِ دُونَهَا، وَيَكْفِي وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ كَالْجَبْهَةِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْيَدَيْنِ بِبَطْنِ الْكَفِّ، سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ بِبَطْنِ الْأَصَابِعِ فَلَا يُجْزِئُ الظَّهْرُ مِنْهَا وَلَا الْحَرْفُ وَلَا يَجِبُ كَشْفُهَا، بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ ثِقَلَ رَأْسِهِ وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ، وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ كَشْفُ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَخْذًا بِظَاهِرِ خَبَّابٍ السَّابِقِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهِ فَلَمْ يُشْكِنَا فِي مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْكَفَّيْنِ، وَأُيِّدَ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَسْجِدِ بَنِي الْأَشْهَلِ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُلَفَّعٌ بِهِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ يَقِيهِ الْحَصَى» وَيُسَنُّ كَشْفُهُمَا خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَكَشْفُ قَدَمَيْهِ حَيْثُ لَا خُفَّ، وَيَحْصُلُ تَوْجِيهُ أَصَابِعِهِمَا لِلْقِبْلَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا عَلَى بُطُونِهِمَا، ثُمَّ مَحَلُّ وُجُوبِ وَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِلَّا فَيَسْقُطُ الْفَرْضُ، فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الزَّنْدِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهُ، وَلَا وَضْعُ رِجْلٍ قُطِعَتْ أَصَابِعُهَا لِفَوْتِ مَحَلِّ الْفَرْضِ. فَرْعٌ: لَوْ خُلِقَ لَهُ: رَأْسَانِ، وَأَرْبَعُ أَيْدٍ، وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الْجَبْهَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا مُطْلَقًا، أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ زَائِدًا أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَفْتَانِي شَيْخِي فِيهَا بِأَنَّهُ إنْ عَرَفَ الزَّائِدَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، وَإِلَّا اكْتَفَى فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسَبْعَةِ أَعْضَاءٍ مِنْهَا: أَيْ إحْدَى الْجَبْهَتَيْنِ وَيَدَيْنِ وَرُكْبَتَيْنِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْنِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا أَصْلِيَّةً لِلْحَدِيثِ، فَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا. (وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ) لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ (وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا: مَحَلُّ سُجُودِهِ (ثِقَلُ رَأْسِهِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ «وَإِذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ» . وَمَعْنَى الثِّقَلِ: أَنْ يَتَحَامَلَ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ تَحْتَهُ قُطْنٌ أَوْ حَشِيشٌ لَانْكَبَسَ، وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدٍ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ، وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِإِرْخَاءِ رَأْسِهِ. قَالَ: بَلْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى هَيْئَةِ التَّوَاضُعِ مِنْ تَكَلُّفِ التَّحَامُلِ، وَيَنَالُ مَعْنَاهُ: يُصِيبُ وَيَحْصُلُ، وَمَسْجِدَهُ هُنَا مَنْصُوبٌ، وَثَقُلَ فَاعِلٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي مُخَالِفًا فِيهِ شَيْخَهُ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا غَيْرُ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَعْضَاءِ إذَا أَوْجَبْنَا وَضْعَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّحَامُلُ، وَحُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ تَحَامُلٍ عَلَيْهَا اهـ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْقِيقِهِ: وَيُنْدَبُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُمَا مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِمَا (وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ) أَيْ السُّجُودِ بِأَنْ يَهْوِيَ لَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ (فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ) أَيْ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ (وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ) لِيَهْوِيَ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ فِي السُّقُوطِ، فَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ، بَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودًا إلَّا إنْ قَصَدَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ عَلَى جَنْبِهِ فَانْقَلَبَ بِنِيَّةِ السُّجُودِ، أَوْ بِلَا نِيَّةٍ، أَوْ بِنِيَّتِهِ وَنِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ وَسَجَدَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، بَلْ يَجْلِسُ ثُمَّ يَسْجُدُ، وَلَا يَقُومُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَإِنْ قَامَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ صَرَفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا (وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ) أَيْ عَجِيزَتُهُ وَمَا حَوْلَهَا (عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَلَوْ صَلَّى فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ لِهُوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَيَضَعُ   [مغني المحتاج] سَفِينَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ لِمَيَلَانِهَا صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ نَادِرٌ. وَالثَّانِي وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ عَنْ النَّصِّ: أَنَّهُ يَجُوزُ مُسَاوَاتُهُمَا لِحُصُولِ اسْمِ السُّجُودِ، فَلَوْ ارْتَفَعَتْ الْأَعَالِي لَمْ يَجُزْ جَزْمًا كَمَا لَوْ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا السُّجُودُ إلَّا كَذَلِكَ صَحَّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى وِسَادَةٍ بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ قَطْعًا لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ، بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ، وَلَا يَشْكُلُ بِمَا مَرَّ: مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِصَابُ إلَّا بِاعْتِمَادِهِ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ أَتَى بِهَيْئَةِ الْقِيَامِ، وَهُنَا إذَا وَضَعَ الْوِسَادَةَ لَا يَأْتِي بِهَيْئَةِ السُّجُودِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ. (وَأَكْمَلُهُ) أَيْ السُّجُودِ (يُكَبِّرُ) الْمُصَلِّي (لِهُوِيِّهِ) لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ (بِلَا رَفْعٍ) لِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) أَيْ كَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (ثُمَّ) يَضَعُ (جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ) مَكْشُوفًا لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَلَوْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ كُرِهَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مَعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: هُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ وَضْعُ الْأَنْفِ كَالْجَبْهَةِ، مَعَ أَنَّ خَبَرَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمُقْتَصِرَةِ عَلَى الْجَبْهَةِ، قَالُوا: وَتُحْمَلُ أَخْبَارُ الْأَنْفِ عَلَى النَّدْبِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْأَنْفِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا (وَيَقُولُ) بَعْدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الرُّكُوعِ، وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ) وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قَبْلَ تَبَارَكَ " بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ " قَالَ فِيهَا: وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ: سَبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ. وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ الدُّعَاءُ فِيهِ، وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا فِيهِ الدُّعَاءَ» . وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْك: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» . وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ (وَيَضَعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى. الثَّامِنُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ، وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَاضِعًا يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي   [مغني المحتاج] يَدَيْهِ) فِي سُجُودِهِ (حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) أَيْ مُقَابِلِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً) وَمَكْشُوفَةً (لِلْقِبْلَةِ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ فِي الضَّمِّ وَالنَّشْرِ الْبُخَارِيُّ، وَفِي الْبَاقِي الْبَيْهَقِيُّ (وَيُفَرِّقُ) الذَّكَرُ (رُكْبَتَيْهِ) وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ قَدْرَ شِبْرٍ (وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَقَوْلُهُ: فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ يَعُودُ إلَى الثَّلَاثِ (وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى) وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي رُكُوعِهِمَا وَسُجُودِهِمَا بِأَنْ يُلْصِقَا بَطْنَهُمَا بِفَخِذَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَحْوَطُ لَهُ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ: إنَّ الْمَرْأَةَ تَضُمُّ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَيْ الْمِرْفَقَيْنِ إلَى الْجَنْبَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَانَ الْأَلْيَقُ ذِكْرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَبْلَ قَوْلِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَيَرْفَعُ كُلٌّ مِنْهُمْ ذِرَاعَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ، فَإِنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى كَفَّيْهِ كَأَنْ طَوَّلَ الْمُنْفَرِدُ سُجُودَهُ وَضَعَ سَاعِدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. (الثَّامِنُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا) وَلَوْ فِي نَفْلٍ، لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا» . وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَقُولُ: يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْنَى رَفْعٍ كَحَدِّ السَّيْفِ (وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ) لِمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ (وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ) ؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَطْوِيلِهِمَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا أَقَلُّهُ (وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ) بِلَا رَفْعِ يَدٍ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ سُجُودِهِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّ جُلُوسَهُ يَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ، فَكَانَ الِافْتِرَاشُ فِيهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِ وَرَوَى الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَكُونُ صُدُورُ قَدَمَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ الْإِقْعَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَالِافْتِرَاشُ أَفْضَلُ مِنْهُ (وَاضِعًا يَدَيْهِ) أَيْ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ (قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ) بِحَيْثُ تُسَاوِي رُءُوسُ أَصَابِعِهِ رُكْبَتَيْهِ (وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ) إلَى الْقِبْلَةِ قِيَاسًا عَلَى السُّجُودِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَضُرُّ انْعِطَافُ رُءُوسِهَا عَلَى الرُّكْبَةِ كَمَا قَالَهُ. الشَّيْخَانِ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ: يَنْبَغِي تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِتَوْجِيهِهَا لِلْقِبْلَةِ، وَتَرْكُ الْيَدَيْنِ حَوَالَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِرْسَالِهِمَا فِي الْقِيَامِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى. وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا.   [مغني المحتاج] وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَى بَعْضَهُ أَبُو دَاوُد وَبَاقِيهِ ابْنُ مَاجَهْ، وَارْفَعْنِي وَارْحَمْنِي لَيْسَتَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، وَأَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ ذِكْرَ ارْفَعْنِي، وَزَادَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَاعْفُ عَنِّي بَعْدَ قَوْلِهِ: وَعَافِنِي. وَفِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ يَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافَنِي وَارْزُقْنِي فَإِنَّ هَؤُلَاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ» أَيْ؛ لِأَنَّ الْغَفْرَ السِّتْرُ، وَالْعَافِيَةَ: انْدِفَاعُ الْبَلَاءِ عَنْ الْعَبْدِ، وَالْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ لِلْأَبْدَانِ كَالْأَقْوَاتِ، وَبَاطِنَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ (ثُمَّ يَسْجُدُ) السَّجْدَةَ (الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فَائِدَةٌ: مَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ السُّجُودِ مَرَّتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ فِيهِ، وَأُخْبِرَ بِأَنَّهُ حَقِيقٌ بِالْإِجَابَةِ سَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِجَابَةِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِيمَنْ سَأَلَ مَلِكًا شَيْئًا فَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَقَّى فَقَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ وَأَتَى بِنِهَايَةِ الْخِدْمَةِ أَذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ فَسَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ إيَّاهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السَّمَاءِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَائِمًا سَلَّمُوا عَلَيْهِ قِيَامًا ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ رَاكِعًا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنْ الرُّكُوعِ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ، فَلِذَلِكَ صَارَ السُّجُودُ مَثْنَى مَثْنَى، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَاجِدًا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى رُؤْيَتِهِ، فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ حَالٌ إلَّا وَجَعَلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَالًا مِثْلَ حَالِهِمْ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَقِيلَ: إشَارَةً إلَى أَنَّهُ خَلَقَ مِنْ الْأَرْضِ وَسَيَعُودُ إلَيْهَا، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا وَاحِدًا، وَصَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَظْهَرُ فِي الْمَأْمُومِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ فِي الْأَفْعَالِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ، وَقَدَّمْتُ الْجَوَابَ عَنْهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: السَّابِعَ: السُّجُودُ. (وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ) لِلِاسْتِرَاحَةِ (بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا) بِأَنْ لَا يَعْقُبَهَا تَشَهُّدٌ وَلَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِخَبَرِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ اسْتَوَى قَائِمًا» . وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ غَرِيبٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ كُلَّ رَكْعَةٍ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ إذَا قَامَ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَلْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: يَقُومُ عَنْهَا فِعْلًا أَوْ مَشْرُوعِيَّةً؟ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا ثَبَتَتْ فِي الْأَوْتَارِ، فَفِي مَحَلِّ التَّشَهُّدِ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ وَأَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ لَمْ يَضُرَّ تَخَلُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ: التَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ رُكْنَانِ، وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ، وَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، وَيَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَفِي الْآخَرِ التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ، وَالْأَصَحُّ يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ وَالسَّاهِي   [مغني المحتاج] الْأَوَّلَ، وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِتَطْوِيلِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ لَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَاصِلَةٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا مِنْ الْأُولَى وَلَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَمُدَّ التَّكْبِيرَ مِنْ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ إلَى الْقِيَامِ لَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَتَيْنِ. (التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ) مِنْ الْأَرْكَانِ (التَّشَهُّدُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ الشَّهَادَتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ (وَقُعُودُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي آخِرِهِ وَالْقُعُودُ لَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ (فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ) فَهُمَا (رُكْنَانِ) أَمَّا التَّشَهُّدُ فَلِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ. . . إلَخْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَالدَّلَالَةُ مِنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ. وَالثَّانِي: الْأَمْرُ بِهِ، وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي جُلُوسِ آخِرِ الصَّلَاةِ لِمَا سَيَأْتِي. وَأَمَّا الْجُلُوسُ لَهُ فَلِأَنَّهُ مَحَلُّهُ فَيَتْبَعُهُ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْجُلُوسُ لَهَا فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْقُبْهُمَا سَلَامٌ (فَسُنَّتَانِ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَصَرَفَنَا عَنْ وُجُوبِهِمَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَجْلِسْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ كَبَّرَ، وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ» دَلَّ عَدَمُ تَدَارُكِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِمَا (وَكَيْفَ قَعَدَ) فِي جِلْسَاتِ الصَّلَاةِ (جَازَ، وَ) لَكِنْ (يُسَنُّ فِي) قُعُودِ التَّشَهُّدِ (الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ) بَعْدَ أَنْ يُضْجِعَهَا بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ) أَيْ قَدَمَهَا (وَيَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ) مِنْهَا عَلَى الْأَرْضِ مُتَوَجِّهَةً (لِلْقِبْلَةِ، وَ) يُسَنُّ (فِي) التَّشَهُّدِ (الْآخَرِ) وَمَا مَعَهُ (التَّوَرُّكُ وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالْأَرْضِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْجِلْسَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِيهَا لِلْحَرَكَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَخِيرِ، وَالْحَرَكَةُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ (وَالْأَصَحُّ) ، وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ: (يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ) فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِإِمَامِهِ لِاسْتِيفَازِهِ لِلْقِيَامِ (وَالسَّاهِي) فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ إذْ لَمْ يُرِدْ عَدَمَ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنْ أَرَادَ السُّجُودَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى السُّجُودِ بَعْدَهُ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَنَظَرٌ إلَى الْغَالِبِ مِنْ السُّجُودِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادَ عَدَمَ السُّجُودِ فَيَتَوَرَّكُ لِفَقْدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 وَيَضَعُ فِيهِمَا يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتَيْهِ مَنْشُورَةَ الْأَصَابِعِ بِلَا ضَمٍّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الضَّمُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: إلَّا اللَّهُ وَلَا يُحَرِّكُهَا، وَالْأَظْهَرُ ضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ.   [مغني المحتاج] الْحَرَكَةِ (وَيَضَعُ فِيهِمَا) أَيْ التَّشَهُّدَيْنِ وَمَا مَعَهُمَا (يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتَيْهِ) الْيُسْرَى بِحَيْثُ تَسَامَتْ رُءُوسَهَا الرُّكْبَةُ (مَنْشُورَةُ الْأَصَابِعِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (بِلَا ضَمٍّ) بَلْ يُفْرِجُهَا تَفْرِيجًا وَسَطًا، وَهَكَذَا كُلُّ مَوْضِعٍ أُمِرَ فِيهِ بِالتَّفْرِيجِ، (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الضَّمُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ تَفْرِيجَهَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَيَضُمَّهَا لِيَتَوَجَّهَ جَمِيعُهَا لِلْقِبْلَةِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمَنْ يُصَلِّي دَاخِلَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ مَعَ أَنَّهُ لَوْ فَرَّجَهَا هُوَ مُتَوَجِّهٌ بِهَا لِلْقِبْلَةِ، وَكَذَا يُسَنُّ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّشَهُّدَ وَجَلَسَ لَهُ فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى مِنْ اضْطِجَاعٍ أَوْ اسْتِلْقَاءٍ عِنْدَ جَوَازِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا (وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ) بَعْدَ وَضْعِهَا عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى (الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَثَالِثِهِمَا (وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الْأَظْهَرِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالثَّانِي يُحَلِّقُ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. وَفِي كَيْفِيَّة التَّحْلِيقِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنْ يُحَلِّقَ بَيْنَهُمَا بِرَأْسَيْهِمَا. وَالثَّانِي: يَضَعُ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْنَ عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ (وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا السَّبَّابَةَ؛ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الْمُخَاصَمَةِ وَالسَّبِّ (وَيَرْفَعُهَا) مَعَ إمَالَتِهَا قَلِيلًا كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ (عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا اللَّهُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ إمَالَةٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ رَفْعُهَا إلَى الْقِبْلَةِ نَاوِيًا بِذَلِكَ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ، وَيُقِيمُهَا وَلَا يَضَعُهَا كَمَا قَالَهُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ. وَخُصَّتْ الْمُسَبِّحَةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لِيَجْمَعَ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ، وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ بِمُسَبِّحَتِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ مَقْطُوعِ الْيُمْنَى. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: بَلْ فِي تَسْمِيَتِهَا مُسَبِّحَةً نَظَرٌ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ التَّنْزِيهِ، وَالرَّفْعُ عِنْدَ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ حَالُ إثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: يُشِيرُ بِهَا فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ (وَلَا يُحَرِّكُهَا) عِنْدَ رَفْعِهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَقِيلَ: يُحَرِّكُهَا؛ لِأَنَّ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَتَقْدِيمُ الْأَوَّلِ النَّافِي عَلَى الثَّانِي الْمُثْبِتِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ. وَلَعَلَّهُ طَلَبَ عَدَمَ الْحَرَكَةِ فِي الصَّلَاةِ، بَلْ قِيلَ: إنَّهُ حَرَامٌ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ وَلَا تُبْطَلُ. (وَالْأَظْهَرُ ضَمُّ الْإِبْهَامِ إلَيْهَا) أَيْ الْمُسَبِّحَةِ (كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ) بِأَنْ يَضَعَهَا تَحْتَهَا عَلَى طَرَفِ رَاحَتِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي مُسْلِمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ،   [مغني المحتاج] «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا قَعَدَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ» (1) . وَالثَّانِي: يَضَعُ الْإِبْهَامَ عَلَى الْوُسْطَى كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْفُقَهَاءُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي تَبَعًا لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَاعْتَرَضَ فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلَهُمْ كَعَاقِدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، فَإِنَّ شَرْطَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصِرَ عَلَى الْبِنْصِرِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا، بَلْ مُرَادُهُمْ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى الرَّاحَةِ كَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا تِسْعَةً وَخَمْسِينَ وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهَا تَبَعًا لِلْخَبَرِ. وَأَجَابَ فِي الْإِقْلِيدِ بِأَنَّ عِبْرَةَ وَضْعِ الْخِنْصَرِ عَلَى الْبِنْصِرِ فِي عَقْدٍ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ هِيَ طَرِيقَةُ أَقْبَاطِ مِصْرَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرُهُمْ فِيهَا ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ طَرِيقَةَ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ: إنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْحِسَابِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ لِتِسْعَةٍ وَخَمْسِينَ هَيْئَةٌ أُخْرَى، أَوْ تَكُونُ الْهَيْئَةُ الْوَاحِدَةَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِ فَكَيْفَ فَعَلَ الْمُصَلِّي مِنْ الْهَيْئَاتِ كَأَنْ أَرْسَلَ الْإِبْهَامَ مَعَ الْمُسَبِّحَةِ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى الْوُسْطَى أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِحْدَى الْكَيْفِيَّتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، أَوْ جَعَلَ رَأْسَهَا بَيْنَ عُقْدَتَيْهِ أَتَى بِالسُّنَّةِ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهَا جَمِيعًا، وَكَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا، وَلَعَلَّ مُوَاظَبَتَهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَكْثَرُ، فَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَصَحَّحُوا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَفْقَهُ. فَائِدَةٌ: الْإِبْهَامُ مِنْ الْأَصَابِعِ مُؤَنَّثٌ وَلَمْ يَحْكِ الْجَوْهَرِيُّ غَيْرَهُ. وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُجْمَلِ التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ، وَجَمْعُهَا أَبَاهُمْ عَلَى وَزْنِ أَكَابِرَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَبَاهِيمُ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَقِيلَ كَانَتْ سَبَّابَةُ قَدَمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْوَلَ مِنْ الْوُسْطَى، وَالْوُسْطَى أَطْوَلَ مِنْ الْبِنْصِرِ، وَالْبِنْصِرُ أَطْوَلَ مِنْ الْخِنْصِرِ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ تُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ فِي يَدِهِ. (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ) الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فَقَوْلُهُ (الْأَخِيرِ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَهَا تَشَهُّدَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] [الْأَحْزَابُ] قَالُوا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهَا فِيهَا، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً فِي غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَلِحَدِيثِ «قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا؟ فَقَالَ: قُولُوا إلَخْ» (2) رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْمُنَاسِبُ لَهَا مِنْ الصَّلَاةِ التَّشَهُّدُ آخِرُهَا فَتَجِبُ فِيهِ: أَيْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 وَالْأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ. وَلَا تُسَنُّ عَلَى الْآلِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُسَنُّ فِي الْآخَرِ، وَقِيلَ تَجِبُ. وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ،   [مغني المحتاج] وَلَمْ يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عَنْ الْوُجُوبِ، بِخِلَافِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ فِيهِ، وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكَرْ لَهُ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ لَهُ وَالنِّيَّةَ وَالسَّلَامَ، وَإِذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَبَ الْقُعُودُ لَهَا بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ وُجُوبُ الْقُعُودِ لَهَا مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقُعُودَ فَقَالَ: وَالْقُعُودُ لَهُمَا كَانَ أَوْلَى (وَالْأَظْهَرُ سَنُّهَا فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِيهِ: أَيْ بَعْدَهُ تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ يَجِبُ فِي الْأَخِيرِ فَيُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ كَالتَّشَهُّدِ. وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ فِيهِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفَ. (وَلَا تُسَنُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى الْآلِ فِي) التَّشَهُّدِ (الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ. وَالثَّانِي تُسَنُّ فِيهِ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إذْ لَا تَطْوِيلَ فِي قَوْلِهِ وَآلُهُ أَوْ آلُ مُحَمَّدٍ، وَكَذَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ: إنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا فِيهَا نَظَرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّا جَمِيعًا أَوْ لَا يُسَنَّا، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ مَعَ ثُبُوتِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ اهـ. وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْأَخِيرِ، فَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ تُسَنَّ فِي الْأَوَّلِ جَزْمًا، وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُ الْآلِ فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ رَجَّحَهُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ قَوْلَانِ (وَتُسَنُّ فِي) التَّشَهُّدِ (الْآخَرِ، وَقِيلَ تَجِبُ) فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيث السَّابِقِ «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. (وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ) وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْهَا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَهِيَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَلَّا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَعَلَى رِوَايَةِ عُمَرَ، وَهِيَ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك إلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» لِزِيَادَةِ الْمُبَارَكَاتِ فِيهِ وَلِمُوَافَقَةِ قَوْله تَعَالَى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] [النُّورُ] وَلِتَأَخُّرِهِ عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَكُلُّهَا مُجْزِئَةٌ يَتَأَدَّى بِهَا الْكَمَالُ، وَأَصَحُّهَا خَبَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وَأَقَلُّهُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَقِيلَ يَحْذِفُ وَبَرَكَاتُهُ وَالصَّالِحِينَ،   [مغني المحتاج] بِمَا ذُكِرَ: أَيْ: فَالِاخْتِيَارُ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ (وَأَقَلُّهُ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِوُرُودِ إسْقَاطِ الْمُبَارَكَاتِ، وَمَا يَلِيهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إسْقَاطَ الْمُبَارَكَاتِ صَحِيحٌ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ فَلَمْ يَرِدْ إسْقَاطُهُمَا فِي شَيْءٍ مِنْ التَّشَهُّدَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ حَذْفَهُمَا لَمْ يَرِدْ، وَعُلِّلَ الْجَوَازُ بِكَوْنِهِمَا تَابِعَيْنِ لِلتَّحِيَّاتِ، وَجَعَلَ الضَّابِطَ فِي جَوَازِ الْحَذْفِ إمَّا الْإِسْقَاطُ فِي رِوَايَةٍ، وَإِمَّا التَّبَعِيَّةُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَقَطَتْ فِي غَيْرِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ نَافٍ وَالْمُصَنِّفُ مُثْبِتٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَنْكِيرِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَخْبَارِ، وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ التَّحَلُّلَ، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. وَقِيلَ تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ وَلَا يُسَنُّ فِي أَوَّلِ التَّشَهُّدِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ ضَعِيفٌ. وَالتَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ: وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهَا مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ وَقِيلَ: الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ: السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَجَمِيعُ وُجُوهِ النَّقْصِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ، وَإِنَّمَا جُمِعَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ يُحَيَّا بِهَا، وَمَعْنَى الْمُبَارَكَاتِ النَّامِيَاتُ، وَالصَّلَوَاتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسِ، وَقِيلَ: كُلُّ الصَّلَوَاتِ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَقِيلَ: الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ مَا طَابَ مِنْ الْكَلَامِ. وَالسَّلَامُ قِيلَ: مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيْ: اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ. وَعَلَيْنَا: أَيْ: الْحَاضِرِينَ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ وَغَيْرِهِمْ، وَالْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ، وَالصَّالِحِينَ جَمْعُ صَالِحٍ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُبَلِّغُ خَبَرَ مَنْ أَرْسَلَهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ تَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُغَيِّرْ تَرْكُ التَّرْتِيبِ الْمَعْنَى، فَإِنْ غَيَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُهَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ (وَقِيلَ: يُحْذَفُ وَبَرَكَاتُهُ) لِلْغِنَى عَنْهُ بِرَحْمَةِ اللَّهِ. وَقِيلَ: يُحْذَفُ (وَالصَّالِحِينَ) لِلْغِنَى عَنْهُ بِإِضَافَةِ الْعِبَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِانْصِرَافِهِ إلَى الصَّالِحِينَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] [الْإِنْسَانُ] وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ هُنَا فِي أَقَلِّ التَّشَهُّدِ مِنْ لَفْظَةِ وَبَرَكَاتُهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ: إنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ عُمَرَ وَبَرَكَاتُهُ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ عُمَرَ بِكَمَالِهِ أَجْزَأَهُ، فَأَمَّا كَوْنُهُ يَحْذِفُ بَعْضَ تَشَهُّدِ عُمَرَ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 وَيَقُولُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَالزِّيَادَةُ إلَى حَمِيدٌ مَجِيدٌ   [مغني المحتاج] تَشَهُّدِ غَيْرِهِ وَيَحْذِفُ وَبَرَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي تَشَهُّدِ عُمَرَ فَقَدْ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالتَّشَهُّدِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْمَرْوِيَّةِ (وَ) قِيلَ (يَقُولُ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ) بَدَلَ وَأَشْهَدُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) يَقُولُ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ الشَّارِحُ: لَكِنْ بِلَفْظِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَالْمُرَادُ إسْقَاطُ أَشْهَدُ، أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى دَفْعِ اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ،، وَهُوَ أَنَّ الثَّبَاتَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ كَيْفِيَّاتٍ: إحْدَاهَا: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ. الثَّانِيَةُ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الثَّالِثَةُ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِإِسْقَاطِ وَأَشْهَدُ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى فَلَيْسَ مَا قَالَهُ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا وَرَدَ مَعَ زِيَادَةِ الْعَبْدِ اهـ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْغَزِّيُّ أَيْضًا بِأَنَّ قَصْدَ الْمُصَنِّفِ الرَّدُّ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي تَضْعِيفِهِ إسْقَاطَ لَفْظَةِ أَشْهَدُ الثَّانِيَةِ فَقَالَ: هِيَ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ، وَالْبَاقِي لَمْ يَقَعْ عَنْ قَصْدٍ اهـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاعْتِرَاضُ قَوِيٌّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّوَابُ إجْزَاءُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ لِثُبُوتِهِ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ حَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا اشْتَرَطَ لَفْظَةَ عَبْدِهِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي لِمَا ذُكِرَ. (وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ) حَيْثُ أَوْجَبْنَا الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ أَوْ سَنَنَّاهَا فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرْجُوحِ فِيهِمَا أَوْ سَنَنَّاهَا عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْأَخِيرِ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ) لِحُصُولِ اسْمِ الصَّلَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] [الْأَحْزَابُ] فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَأْتِ بِمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا اسْمَ السَّلَامِ وَلِمَ يَأْتِ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ إلَخْ، وَأَكْمَلُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعْيِينَ تَسْمِيَةِ مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، فَلَوْ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ أَوْ عَلَى النَّبِيِّ كَفَى دُونَ عَلَيْهِ، وَكَذَا عَلَى أَحْمَدَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَذْكَارِ (وَالزِّيَادَةُ) عَلَى ذَلِكَ (إلَى) قَوْلِهِ (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) الْوَارِدَةُ فِيهِ، وَهِيَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَفِي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِ الْأَفْضَلِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَاشْتُهِرَ زِيَادَةُ سَيِّدِنَا قَبْلَ مُحَمَّدٍ، وَفِي كَوْنِهَا أَفْضَلَ نَظَرٌ وَفِي حِفْظِي أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ سُلُوكُ الْأَدَبِ أَمْ امْتِثَالُ الْأَمْرِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 سُنَّةٌ فِي الْآخِرِ. وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَمَأْثُورُهُ أَفْضَلُ، وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ إلَى آخِره.   [مغني المحتاج] يُسْتَحَبُّ دُونَ الثَّانِي. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ (1) أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَزِيدُ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا كَمَا تَرَحَّمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَرُبَّمَا يَقُولُونَ كَمَا رَحِمْت. قَالَ: وَهَذَا لَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ بِدْعَةٌ (سُنَّةٌ فِي) التَّشَهُّدِ (الْآخِرِ) بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَا تُسَنُّ فِيهِ كَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا حَسَنٌ لِلْمُنْفَرِدِ، وَإِمَامُ الرَّاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ دُونَ غَيْرِهِمْ، بَلْ فِي مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَزِيدَ الْإِمَامُ هُنَا عَلَى اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يُخَالِفُهُ، وَآلُ إبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا. فَائِدَةٌ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْبَارِزِيُّ: كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ إلَّا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مِنْ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَعَلَى بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا خَصَّ إبْرَاهِيمَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ هِيَ الرَّحْمَةُ، وَلَمْ تُجْمَعْ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 73] [هُودٌ] فَسَأَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْطَاءَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا سَبَقَ إعْطَاؤُهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَإِنْ قِيلَ: تَقَرَّرَ أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ فَكَيْفَ يَسْأَلُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ كَمَا صَلَّى عَلَى إبْرَاهِيمَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَاسْتَأْنَفَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَخْ. وَالْحَمِيدُ: الَّذِي يُحْمَدُ فِعْلُهُ، وَالْمَجِيدُ الْكَامِلُ الشَّرَفِ. (وَكَذَا) يُسَنُّ (الدُّعَاءُ بَعْدَهُ) أَيْ: التَّشَهُّدِ الْآخَرِ بِمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ «إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ " ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «ثُمَّ لِيَخْتَرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَحَبَّهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو بِهِ» بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَالرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ سُنَّةٌ فِي الدِّينِيِّ مُبَاحٌ فِي الدُّنْيَوِيُّ وَاسْتُحْسِنَ، وَلَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ مُحَرَّمٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الشَّامِلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ فِيهِ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ (وَمَأْثُورُهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ: مَنْقُولُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَفْضَلُ) مِنْ غَيْرِهِ لِتَنْصِيصِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ (وَمِنْهُ) أَيْ: الْمَأْثُورِ ( «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ إلَى آخِرِهِ) ، وَهُوَ مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا تَرْجَمَ، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ الْعَاجِزُ لَا الْقَادِرُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» (1) وَأَوْجَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الدُّعَاءَ. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ (2) : إنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأَخُّرِ فِي الْحَدِيث الْأَوَّلِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا وَقَعَ لِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِغْفَارِ قَبْلَ الذَّنْبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الطَّلَبَ قَبْلَ الْوُقُوعِ أَنْ يُغْفَرَ إنْ وَقَعَ لَا يَسْتَحِيلُ، بَلْ الْمُسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ قَبْلَ الْوُقُوعِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ فِي الْحَدِيث الثَّانِي هُمَا: الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ وَسُمِّيَ الدَّجَّالُ بِالْمَسِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ كُلَّهَا: أَيْ: يَطُوفُهَا إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَسُمِّيَ الدَّجَّالَ لِكَذِبِهِ وَتَمْوِيهِهِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا» بِالْمُثَلَّثَةِ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ «وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» . (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ) الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ (عَلَى قَدْرِ) أَقَلِّ (التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا يُطْلَبُ تَرْكُهَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ، لَكِنْ يُكْرَهُ التَّطْوِيلُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَأْمُومِينَ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ فَيُطِيلُ مَا أَرَادَ مَا لَمْ يَخَفْ وُقُوعَهُ بِهِ فِي سَهْوٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَقَالَ فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ كَرِهْتُهُ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ. (وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ: التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ نَاطِقٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَاجِبَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي (تَرْجَمَ) عَنْهُمَا وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِمَا. أَمَّا الْقَادِرُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْجَمَتُهُمَا، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ (وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ) الْمَنْدُوبِ (وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ) نَدْبًا كَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (الْعَاجِزُ) لِعُذْرِهِ (لَا الْقَادِرُ) لِعَدَمِ عُذْرِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا كَالْوَاجِبِ لِحِيَازَةِ الْفَضِيلَةِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِلْقَادِرِ أَيْضًا لِقِيَامِ غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَقَامَهَا فِي أَدَاءِ الْمَعْنَى. وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْوَاجِبِ، وَلَفْظُ الْمَنْدُوبِ زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَأْثُورِ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ مَحَلُّهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 الثَّانِي عَشَرَ: السَّلَامُ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يُجْزِئُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ   [مغني المحتاج] الْمَأْثُورِ. أَمَّا غَيْرُ الْمَأْثُورِ بِأَنْ اخْتَرَعَ دُعَاءً أَوْ ذِكْرًا بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ تَصْرِيحًا فِي الْأُولَى، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِشْعَارًا فِي الثَّانِيَةِ، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ. (الثَّانِي عَشَرَ) مِنْ الْأَرْكَانِ (السَّلَامُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ: وَالْمَعْنَى فِي السَّلَامِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ النَّاسِ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ (وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) مَرَّةً، فَلَا يُجْزِئُ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ، وَلَا عَلَيْكَ، وَلَا عَلَيْكُمَا، وَلَا سَلَامِي عَلَيْكُمْ، وَلَا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُجْزِئُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِالتَّنْوِينِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ، بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ، فَإِنْ قِيلَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَمْ يَرِدْ وَقُلْتُمْ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّيغَةَ الْوَارِدَةَ فِيهِ وَلَكِنَّهَا مَقْلُوبَةٌ وَلِذَا كُرِهَ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ) مِنْ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ تُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَالثَّانِي تَجِبُ مَعَ السَّلَامِ لِيَكُونَ الْخُرُوجُ كَالدُّخُولِ بِنِيَّةٍ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّسْلِيمَةِ. الْأُولَى، فَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهَا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا إذَا سَلَّمَ الْمُتَطَوِّعُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ قَصْدًا، فَإِنَّ قَصْدَ التَّحَلُّلِ يُفِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا نَوَى، وَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا وَلَمْ يَقْصِدْ التَّحَلُّلَ كَانَ كَلَامًا عَمْدًا مُبْطِلًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ التَّحَلُّلِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ الَّذِي يُرِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا نَوَاهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَصْدِ التَّحَلُّلِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ الْمُسَلِّمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ يَأْتِي بِمَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ نِيَّةُ عَقْدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ. (وَأَكْمَلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ، وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ (مَرَّتَيْنِ) إلَّا أَنْ يُعْرَضَ لَهُ عَقِبَ الْأُولَى مَا يُنَافِي صَلَاتَهُ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى، وَذَلِكَ كَأَنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْأُولَى أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ أَوْ شَكَّ فِيهَا أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِقَامَةَ أَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ نَجِسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ، أَوْ عَتَقَتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوَهُ، أَوْ وَجَدَ الْعَارِي سُتْرَةَ ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ. وَيُسَنُّ إذَا أَتَى بِهِمَا أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 يَمِينًا وَشِمَالًا مُلْتَفِتًا فِي الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْمَنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَيْسَرُ نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ، وَيَنْوِي الْإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ وَهُمْ الرَّدَّ عَلَيْهِ. الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا،   [مغني المحتاج] الْإِحْيَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى (يَمِينًا وَ) الْأُخْرَى (شِمَالًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ (مُلْتَفِتًا فِي) التَّسْلِيمَةِ (الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْمَنُ) فَقَطْ لَا خَدَّاهُ (وَفِي) التَّسْلِيمَةِ (الثَّانِيَةِ) حَتَّى يُرَى خَدُّهُ (الْأَيْسَرُ) كَذَلِكَ، فَيَبْتَدِئَ السَّلَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ، وَيَتِمُّ سَلَامُهُ بِتَمَامِ الْتِفَاتِهِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: «كُنْتُ أَرَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» (نَاوِيًا السَّلَامَ) بِمَرَّةِ الْيَمِينِ الْأُولَى (عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ، وَ) بِمَرَّةِ الْيَسَارِ عَلَى مَنْ عَنْ (يَسَارِهِ) وَبِأَيَّتِهِمَا شَاءَ عَلَى مُحَاذِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ عِبَارَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي (مِنْ مَلَائِكَةٍ وَ) مُؤْمِنِي (إنْسٍ وَجِنٍّ) إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيَنْوِي بِالْمَرَّتَيْنِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَعَلَى مُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ (وَيَنْوِي الْإِمَامُ) زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ (السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ) مَنْ عَنْ يَمِينِهِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ بِالثَّانِيَةِ، وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ (وَهُمْ) أَيْ: الْمُقْتَدُونَ يَنْوُونَ (الرَّدَّ عَلَيْهِ) وَعَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَيَنْوِيهِ مَنْ عَنْ يَمِينِ الْمُسَلِّمِ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَصَحَّحَا فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَصَحَّحَا فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا مِنْهَا، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْوِي مَنْ عَلَى يَسَارِ الْإِمَامِ الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ بِالثَّانِيَةِ، فَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؟ . أُجِيبَ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ إنَّمَا يُسَلِّمُ الْأُولَى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَحَدِيثُ سَمُرَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنْ نَتَحَابَّ، وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ: يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ فَإِنَّ الْخِطَابَ كَافٍ فِي الصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَلَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا لَا يَحْتَاجُ الْمُسَلِّمُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ إلَى نِيَّةٍ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا عَارَضَ ذَلِكَ تَحَلُّلَ الصَّلَاةِ احْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِهِ خَارِجَهَا. (الثَّالِثَ عَشَرَ) مِنْ الْأَرْكَانِ (تَرْتِيبُ الْأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا) فِي عَدِّهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَجَعْلِهِمَا مَعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ، وَجَعْلِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُعُودِ فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادًا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فَإِنَّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ، وَإِلَّا تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ، وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ   [مغني المحتاج] جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ، وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الِاتِّبَاعُ كَمَا فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَدُّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ صَحِيحٌ، وَبِمَعْنَى الْإِجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِعَدِّ الْوَلَاءِ رُكْنًا، وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِعَدَمِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، وَابْنُ الصَّلَاحِ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ سَلَامِهِ نَاسِيًا. وَمِنْ صُوَرِ فَقْدِ الْوَلَاءِ: مَا إذَا شَكَّ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُحْدِثْ رُكْنًا قَوْلِيًّا وَلَا فِعْلِيًّا وَمَضَى زَمَنٌ طَوِيلٌ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا، وَلَمْ يَعُدُّهُ الْأَكْثَرُونَ رُكْنًا لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِالتُّرُوكِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ: الْوَلَاءُ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطَانِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ عَدِّهِمَا رُكْنَيْنِ. اهـ. وَالْمَشْهُورُ عَدُّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا، وَالْوَلَاءِ شَرْطًا، وَأَمَّا السُّنَنُ، فَتَرْتِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ كَالِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَتَرْتِيبُهَا عَلَى الْفَرَائِضِ كَالْفَاتِحَةِ، وَالسُّورَةُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةٌ لَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ: تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ (عَمْدًا) بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَوْ رَكَعَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ، أَوْ سَلَّمَ كَأَنْ سَلَّمَ قَبْلَ سُجُودِهِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) إجْمَاعًا لِتَلَاعُبِهِ. أَمَّا لَوْ قَدَّمَ رُكْنًا قَوْلِيًّا غَيْرَ سَلَامٍ كَتَشَهُّدٍ عَلَى سُجُودٍ، أَوْ قَوْلِيًّا عَلَى قَوْلِيٍّ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّشَهُّدِ، فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ، لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَدَّمَهُ بَلْ يُعِيدُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِكَأَنَّ بَدَلَ بِأَنَّ لَكَانَ أَوْلَى، لَكِنْ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ التَّعْبِيرُ بِأَنَّ مَكَانَ كَأَنَّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ بَيْنَهُمْ (، وَإِنْ سَهَا) أَيْ: تَرَكَ التَّرْتِيبَ سَهْوًا (فَمَا) فَعَلَهُ (بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ) لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (فَإِنْ تَذَكَّرَهُ) أَيْ: الْمَتْرُوكَ (قَبْلَ بُلُوغِ) فِعْلٍ (مِثْلِهِ) مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى (فَعَلَهُ) بَعْدَ تَذَكُّرِهِ فَوْرًا، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ تَذَكُّرُهُ غَيْرُ شَرْطٍ، فَلَوْ شَكَّ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ فِي سُجُودِهِ أَنَّهُ رَكَعَ أَمْ لَا وَجَبَ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ، فَلَوْ مَكَثَ قَلِيلًا لِيَتَذَكَّرَ بَطَلَتْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي الْقِيَامِ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا فَسَكَتَ لِيَتَذَكَّرَ، وَقَوْلُهُ: فَعَلَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي سُجُودِهِ تَرَكَ الرُّكُوعَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مِنْهُ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا، إذْ الِانْحِنَاءُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى بَلَغَ مِثْلَهُ (تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ) الْمَتْرُوكُ آخِرَهَا كَسَجْدَتِهِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا، وَيَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا كَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ (وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ) مِنْ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْغَى مَا بَيْنَهُمَا، هَذَا إذَا عَرَفَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَمَوْضِعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَخَذَ بِالْمُتَيَقَّنِ وَأَتَى بِالْبَاقِي، وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، نَعَمْ إنْ تَرَكَ رُكْنًا، وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ النِّيَّةَ أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ السَّلَامَ، وَتَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ، وَكَذَا إنْ طَالَ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ سُكُوتٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا، وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِمَا. ، وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ سَجَدَ وَقِيلَ: إنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ، وَإِلَّا فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ ، وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٍ   [مغني المحتاج] طَوِيلٌ، وَتَعَمُّدُ طُولِ السُّكُوتِ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، وَلَا تُجْزِئُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ظَانًّا أَنَّهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ عَلِمَ أَجْزَأَهُ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَنْ السُّجُودِ وَجَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ ظَانًّا أَنَّهُ سَجَدَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَسَجَدَ الثَّانِيَةَ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ فِيهَا بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى فَسَلَّمَ الثَّانِيَةَ، فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ الْأُولَى لَمْ تُجْزِ الثَّانِيَةُ عَنْهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ) أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ عُرْفًا وَلَمْ تَتَّصِلْ بِهِ نَجَاسَةٌ (تَرْكَ سَجْدَةً مِنْ) الرَّكْعَةِ (الْأَخِيرَةِ سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ مَتْرُوكٍ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: الْأَخِيرَةِ (لَزِمَهُ رَكْعَةٌ) ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَةَ قَدْ تَكَمَّلَتْ بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَأَلْغَى بَاقِيَهَا (وَكَذَا إنْ شَكَّ فِيهِمَا) أَيْ: هَلْ تَرَكَ السَّجْدَةَ مِنْ الْأَخِيرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا جَعَلَهُ مِنْ غَيْرِهَا أَخَذَا بِالْأَحْوَطِ، وَلَزِمَهُ رَكْعَةٌ أُخْرَى، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الصُّورَتَيْنِ. (، وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ) مَثَلًا (تَرْكَ سَجْدَةٍ) مِنْ الْأُولَى نَظَرْتَ (فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ) الَّتِي قَامَ عَنْهَا (سَجَدَ) مِنْ قِيَامِهِ اكْتِفَاءً بِجُلُوسِهِ، سَوَاءٌ أَنَوَى بِهِ الِاسْتِرَاحَةَ أَمْ لَا (وَقِيلَ: إنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَكْفِهِ) لِقَصْدِهِ سُنَّةً، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ حَيْثُ لَمْ تَكْفِ عَنْ السُّجُودِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَجْلِسَ مُطْلَقًا ثُمَّ يَسْجُدَ لِيَنْتَقِلَ مِنْ الْجُلُوسِ إلَى السُّجُودِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ هَكَذَا وَاجِبٌ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ الَّتِي قَامَ عَنْهَا (فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ) ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ رُكْنٌ فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَرْكِ سَجْدَتَيْنِ فَأَكْثَرَ تَذَكَّرَ مَكَانَهُمَا أَوْ مَكَانَهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ لَهُ جُلُوسٌ فِيمَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ السَّابِقَةُ بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَبِالثَّانِيَةِ (وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ) اكْتِفَاءً بِالْقِيَامِ عَنْ الْجُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ الْفَصْلُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقِيَامِ، وَيَسْجُدُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلسَّهْوِ. (، وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرَ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا) أَيْ: السَّجَدَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَجَبَ رَكْعَتَانِ) أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ. أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ الْأَسْوَأَ تَقْدِيرُ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةُ، فَتَنْجَبِرُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى بِسَجْدَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهَا، وَتَنْجَبِرُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّابِعَة وَيَلْغُو بَاقِيهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّكَ إذَا قَدَّرْتَ مَا ذُكِرَ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَقَدَّرْتَ مَعَهُ تَرْكَ سَجْدَةٍ أُخْرَى مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ شِئْتَ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ (أَوْ) عَلِمَ تَرْكَ (أَرْبَعٍ) مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٍ، فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ.   [مغني المحتاج] رُبَاعِيَّةٍ (فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ) لِاحْتِمَالِ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لَمْ يَتَّصِلَا بِهَا كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَوَاحِدَةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَالْحَاصِلُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً، إذْ الْأُولَى تَمَّتْ بِالثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةٌ فَيُتِمُّهَا، وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَتَا بِهَا كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا إلَّا رَكْعَتَانِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ، وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَتَلْغُو الْأُولَى، وَتَكْمُلُ الثَّانِيَةُ بِالثَّالِثَةِ. اهـ. وَلَوْ قَالَ: فَتَكْمُلُ الْأُولَى بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَيَلْغُو بَاقِيهِمَا، وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَا تَلْغِي (أَوْ) عَلِمَ تَرْكَ (خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ جَهِلَ مَوْضِعَهَا فَثَلَاثٌ) لِاحْتِمَالِ تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَالسَّادِسَةِ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الرَّابِعَة فَتَكْمُلُ الْأُولَى بِالرَّابِعَةِ، وَيَبْقَى ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ (أَوْ) عَلِمَ تَرْكَ (سَبْعٍ) جَهِلَ مَوْضِعَهَا (فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ) إذْ الْحَاصِلُ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً أَوْ عَلِمَ تَرْكَ ثَمَانٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا، فَسَجْدَتَانِ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ أَوْ سُجُودٍ عَلَى نَحْوِ عِمَامَةٍ تَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِهِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْأُصْفُونِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ اعْتِرَاضًا عَلَى الْجُمْهُورِ، فَقَالَ: يَلْزَمُ بِتَرْكِ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَوَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَحْصُلُ مِنْ الثَّانِيَةِ جَبْرُ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا جَبْرُ السُّجُودِ، إذْ لَا جُلُوسَ مَحْسُوبٌ فِي الْأُولَى، فَتَكْمُلُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّالِثَةِ وَتَفْسُدُ الثَّانِيَةُ وَتُجْعَلُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مَتْرُوكَةً مِنْ الرَّابِعَةِ، فَيَلْزَمُ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ، وَيَلْزَمُ بِتُرُوكِ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَيَحْصُلُ لَهُ مِنْهُمَا رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً، وَأَنَّهُ تَرَكَ ثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَلَا تَتِمُّ الرَّكْعَةُ إلَّا بِسَجْدَةٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، وَيَلْغُو مَا سِوَاهَا، وَيَلْزَمُهُ فِي تَرْكِ السِّتِّ ثَلَاثٌ، وَسَجْدَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ فَرْضِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ فَرَضُوا ذَلِكَ فِيمَا إذَا أَتَى بِالْجِلْسَاتِ الْمَحْسُوبَاتِ، بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، وَإِنْ كَانَ وَاضِحَ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِ مَنْ لَا حَاصِلَ لَهُ، وَإِلَّا فَمِنْ حَقِّ هَذَا السُّؤَالِ السَّخِيفِ أَنْ لَا يُدَوَّنَ فِي تَصْنِيفٍ، وَحَكَى ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ أَنَّ وَالِدَهُ وَقَفَ عَلَى رَجَزٍ لَهُ فِي الْفِقْهِ، وَفِيهِ اعْتِمَادُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ: [الرَّجَزُ] لَكِنَّهُ مَعَ حُسْنِهِ لَا يَرِدُ ... إذْ الْكَلَامُ فِي الَّذِي لَا يُفْقَدُ إلَّا السُّجُودَ فَإِذَا مَا انْضَمَّ لَهْ ... تَرْكُ الْجُلُوسِ فَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ وَإِنَّمَا السَّجْدَةُ لِلْجُلُوسِ ... وَذَاكَ مِثْلُ الْوَاضِحِ الْمَحْسُوسِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 قُلْتُ: يُسَنُّ إدَامَةُ نَظَرِهِ إلَى مَوْضِع سُجُودِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ، وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ، إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا. وَالْخُشُوعُ وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ   [مغني المحتاج] (قُلْتُ: يُسَنُّ إدَامَةُ نَظَرِهِ) أَيْ: الْمُصَلِّي (إلَى مَوْضِع سُجُودِهِ) فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ جَمْعَ النَّظَرِ فِي مَوْضِعٍ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ، وَمَوْضِعُ سُجُودِهِ أَشْرَفُ وَأَسْهَلُ، وَخَرَجَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ الْمُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ فَيَنْظُرُ إلَيْهَا، وَاسْتَثْنَى مِنْ النَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ حَالَةَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّ السُّنَّةَ إذَا رَفَعَ مُسَبِّحَتَهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَعَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ إلَى الْكَعْبَةِ، لَكِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ اسْتِحْبَابَ نَظَرِهِ إلَى الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَقِيلَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ نَظَرَ إلَيْهِ، وَقِيلَ: يَنْظُرُ فِي الْقِيَامِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَفِي الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَفِي السُّجُودِ إلَى أَنْفِهِ، وَفِي الْقُعُودِ إلَى حِجْرِهِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْبَصَرِ يُلْهِي فَإِذَا قُصِرَ كَانَ أَوْلَى، وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي. (وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) قَالَهُ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا تَبَعًا لِبَعْضِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ (وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ) عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمُخْتَارِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) مِنْهُ (ضَرَرًا) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا كُرِهَ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ:، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدَمُ ذَلِكَ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ خُشُوعَهُ أَوْ حُضُورَ قَلْبِهِ مَعَ رَبِّهِ فَالتَّغْمِيضُ أَوْلَى مِنْ الْفَتْحِ. (وَ) يُسَنُّ (الْخُشُوعُ) فَيَتَّصِفُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ يُنَاجِيهِ، وَأَنَّ صَلَاتَهُ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلَهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] [الْمُؤْمِنُونَ] فَسَّرَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلِينِ الْقَلْبِ وَكَفِّ الْجَوَارِحِ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِوَجْهِهِ وَقَلْبِهِ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّهُ شَرْطٌ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ أَوْ طَرَفُ عِمَامَتِهِ كُرِهَ لَهُ تَسْوِيَتُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. (وَ) يُسَنُّ (تَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ) أَيْ: تَأَمُّلِهَا؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْخُشُوعِ وَالْأَدَبِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] [مُحَمَّدٌ] ، وَيُسَنُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ التَّأَنِّي فِيهَا، بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَالْإِسْرَاعُ فِي الْقِرَاءَةِ. وَيُسَنُّ لِلْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الرَّحْمَةَ، أَوْ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ، أَوْ بِآيَةِ تَسْبِيحٍ أَنْ يُسَبِّحَ، أَوْ بِآيَةِ مَثَلٍ أَنْ يَتَفَكَّرَ، وَإِذَا قَرَأَ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 8] [التِّينُ] قَالَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ، وَإِذَا قَرَأَ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185] [الْمُرْسَلَاتِ] قَالَ آمَنْتُ بِاَللَّهِ، وَإِذَا قَرَأَ: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وَالذِّكْرِ وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطِ وَفَرَاغِ قَلْبٍ وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ. وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ.   [مغني المحتاج] الْمُلْكُ] قَالَ: اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. (وَ) يُسَنُّ تَدَبُّرُ (الذِّكْرِ) قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَثَلًا غَافِلًا عَنْ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ التَّنْزِيهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا يَقُولُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. (وَ) يُسَنُّ (دُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ) لِلذَّمِّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142] [النِّسَاءُ] ، وَالْكَسَلُ الْفُتُورُ عَنْ الشَّيْءِ وَالتَّوَانِي فِيهِ، وَضِدُّهُ النَّشَاطُ، وَأَنْشَدَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ فِي ذَمِّ مَنْ يَنْتَمِي إلَى الْفَلَاسِفَةِ: [الْوَافِرُ] وَمَا انْتَسَبُوا إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا ... لِصَوْنِ دِمَائِهِمْ أَنْ لَا تُسَالَا فَيَأْتُونَ الْمَنَاكِرَ فِي نَشَاطٍ ... وَيَأْتُونَ الصَّلَاةَ وَهُمْ كُسَالَى (وَفَرَاغِ قَلْبٍ) مِنْ الشَّوَاغِلِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يُكْرَهُ أَنْ يُفَكِّرَ فِي صَلَاتِهِ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ مَسْأَلَةٍ فِقْهِيَّةٍ. أَمَّا التَّفَكُّرُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَأَمَّا فِيمَا يَقْرَؤُهُ فَمُسْتَحَبٌّ. فَائِدَةٌ فِيهَا بُشْرَى: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا «إنَّ الْعَبْدَ إذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَوُضِعَتْ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ: أَيْ: حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» . (وَ) يُسَنُّ (جَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ) وَفَوْقَ سُرَّتِهِ فِي قِيَامِهِ وَفِي بَدَلِهِ (آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ) بِأَنْ يَقْبِضَ بِيَمِينِهِ كُوعَ يَسَارِهِ وَبَعْضَ سَاعِدِهَا وَرُسْغِهَا لِلِاتِّبَاعِ. رَوَى بَعْضَهُ مُسْلِمٌ وَبَعْضَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَاقِي أَبُو دَاوُد، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى فِي عَرْضِ الْمِفْصَلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا صَوْبَ السَّاعِدِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَحُطَّ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ تَحْتَ صَدْرِهِ، وَقِيلَ: يُرْسِلُهُمَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ نَقْلَهُمَا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ، فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ بِهِمَا فَلَا بَأْسَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْكُوعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ وَالرُّسْغُ الْمِفْصَلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الرِّجْلِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: [الطَّوِيلُ] وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي ... لِخِنْصِرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ فِي الْوَسَطِ وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ ... بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ. (وَ) يُسَنُّ (الدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ: أَيْ: حَقِيقٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» وَفِي لَفْظٍ: فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ وَعِمَادُ الدِّينِ وَنُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» (1) وَفِيهِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ. وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا   [مغني المحتاج] ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إلَّا الْبِرُّ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» (1) ، وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - " إنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَتَلَقَّاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» (2) وَيُبَالِغُ الْمُنْفَرِدُ فِي الدُّعَاءِ، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ، وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (3) . (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ، وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي، وَلِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَيْفِيَّةُ الِاعْتِمَادِ أَنْ يَجْعَلَ بَطْنَ رَاحَتَيْهِ، وَبُطُونَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَسَوَاءٌ فِيهِ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ مِنْ الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ كَمَا يَضَعُ الْعَاجِنُ» فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعَاجِنِ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ لَا عَاجِنَ الْعَجِينِ كَمَا قِيلَ: [الطَّوِيلُ] فَأَصْبَحْتُ كُنْتِيًّا وَأَصْبَحْتُ عَاجِنًا ... وَشَرُّ خِصَالِ الْمَرْءِ كُنْتُ وَعَاجِنُ. (وَ) يُسَنُّ (تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي الصُّبْحِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُقَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُطَوِّلُ الثَّالِثَةَ عَلَى الرَّابِعَةِ إذَا قَرَأَ السُّورَةَ فِيهِمَا كَالْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَسَّ بِدَاخِلٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي خِلَافِهِ. أَمَّا مَا فِيهِ نَصٌّ بِتَطْوِيلِ الْأُولَى كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْقِرَاءَةِ بِالسَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ أَوْ بِتَطْوِيلِ الثَّانِي كَسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ فَيُتَّبَعُ أَوْ الْمَصْلَحَةُ فِي خِلَافِهِ كَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِلْإِمَامِ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْأُولَى، وَيُطِيلَ الثَّانِيَةَ حَتَّى تَأْتِيَ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَيُسَنُّ لِلطَّائِفَتَيْنِ التَّخْفِيفُ فِي الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يُطَوِّلَ فِي الِانْتِظَارِ وَيُطِيلَ الثَّانِيَةَ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ لِيَلْحَقَهُ مُنْتَظِرُ السُّجُودِ. (وَ) يُسَنُّ (الذِّكْرُ) وَالدُّعَاءُ (بَعْدَهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَمِنْهَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً» (2) وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» . (3) قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ، وَرُوِيَ «مَنْ قَالَ دُبُرَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنْ الشَّيْطَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ بِالِاسْتِغْفَارِ، «وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ أَيْ: أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَدْعِيَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِيَدِ مُعَاذٍ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاَللَّهِ إنِّي أُحِبُّكَ وَأُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ تَعْلِيمَ الْمَأْمُومِينَ فَيَجْهَرَ بِهِمَا فَإِذَا تَعْلَمُوا أَسَرَّ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَالْأَفْضَلُ جَعْلُ يَمِينِهِ إلَيْهِمْ، وَيَسَارِهِ إلَى الْمِحْرَابِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ: يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَقَوْلُهُمْ: مِنْ أَدَبِ الدُّعَاءِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مُرَادُهُمْ غَالِبًا لَا دَائِمًا، وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَيَّدَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتِحْبَابَ إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَصِرَ فِيهِمَا بِحَضْرَةِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِذَا انْصَرَفُوا طَوَّلَ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. اهـ. وَهُمْ لَا يَمْنَعُونَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: خَاطَبَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِقَوْلِهِ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] [الْبَقَرَةُ] فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْكُرُوهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَخَاطَبَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِقَوْلِهِ {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} [البقرة: 40] [الْبَقَرَةُ] ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّهَ إلَّا بِهَا. فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَصَوَّرُوا النِّعَمَ لِيَصِلُوا بِهَا إلَى ذِكْرِ الْمُنْعِمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ. وَأَفْضَلُهُ إلَى بَيْتِهِ، وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِلَّا فَيَمِينَهُ. وَتَنْقَضِي   [مغني المحتاج] (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ) أَوْ الْفَرْضِ (مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ) أَوْ نَفْلِهِ لِتَكْثُرَ مَوَاضِعُ السُّجُودِ فَإِنَّهَا تَشْهَدُ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِصَلَاةٍ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ وَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ فَلْيَفْصِلْ بِكَلَامِ إنْسَانٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: لِئَلَّا يَشُكَّ هُوَ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ سَلَّمَ أَوْ لَا وَلِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ بَعْدُ فِي صَلَاتِهِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْعِلَّتَانِ يَنْتَفِيَانِ إذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ إلَيْهِمْ أَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ. اهـ. وَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَعَدَ مَكَانَهُ يَذْكُرُ اللَّهَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَحِجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ، أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَسَيَأْتِي. (وَأَفْضَلُهُ) أَيْ: الِانْتِقَالِ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ (إلَى بَيْتِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَغَيْرُهَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ بُعْدُهُ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ التَّفْضِيلُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا» وَالْمُرَادُ صَلَاةُ النَّافِلَةِ، وَرُوِيَ «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا» (1) وَرُوِيَ «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» (2) وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ النَّافِلَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِفَضِيلَةِ الْبُكُورِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ، وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ فِي الْمِيقَاتِ مَسْجِدٌ، أَوْ خَافَ فَوْتَ الرَّاتِبَةِ لِضِيقِ وَقْتٍ، أَوْ بُعْدِ مَنْزِلِهِ، أَوْ خَافَ التَّهَاوُنَ بِتَأْخِيرِهَا، أَوْ كَانَ مُعْتَكِفًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إذَا أَخْفَى نَافِلَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْبَيْتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ مَهْجُورًا أَوْ لَا (وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ مَكَثُوا) أَيْ: مَكَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَمَكَثَ مَعَهُ الرِّجَالُ قَدْرًا يَسِيرًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى (حَتَّى يَنْصَرِفْنَ) وَيُسَنُّ لَهُنَّ أَنْ يَنْصَرِفْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ بِهِنَّ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ. أَمَّا الْخَنَاثَى فَالْقِيَاسُ انْصِرَافُهُمْ فُرَادَى بَعْدَ النِّسَاءِ، وَقَبْلَ الرِّجَالِ. (وَأَنْ يَنْصَرِفَ) الْمُصَلِّي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ (فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ) أَيَّ جِهَةٍ كَانَتْ إنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ أَوْ لَهُ حَاجَةٌ لَا فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ (فَيَمِينَهُ) أَيْ: فَيَنْصَرِفُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَامُنَ مَحْبُوبٌ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ. لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الرِّيَاضِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّلَاةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ طَرِيقٍ، وَيَرْجِعَ مِنْ أُخْرَى. قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ فَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بَابٌ شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ:   [مغني المحتاج] الْإِسْنَوِيُّ: وَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا تَنَافِيَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ: أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرْجِعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى أَوْ وَافَقَتْ جِهَةَ يَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى أَوْلَى لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: انْصَرَفْنَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ: اللَّهُمَّ بِحَمْدِكَ انْصَرَفْتُ وَبِذَنْبِي اعْتَرَفْتُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اقْتَرَفْتُ» ، وَإِنْ أَسْنَدَ الطَّبَرِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: 127] [التَّوْبَةُ] . (وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ) التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِهَا، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ قَبْلَهَا عَامِدًا بِلَا نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَا تَضُرُّ مُقَارَنَتُهُ كَبَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ، وَفَارَقَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، فَلَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْأُولَى إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ (فَلِلْمَأْمُومِ) الْمُوَافِقِ (أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ) لِانْفِرَادِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ حِينَئِذٍ فَيَسْجُدُ (ثُمَّ يُسَلِّمُ) وَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الْحَالِ. أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عَقِبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ، فَإِنْ مَكَثَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ، فَإِنْ كَانَ مَحَلَّ تَشَهُّدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ تَطْوِيلُهُ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ اقْتَصَرَ إمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ سَلَّمَ) (هُوَ ثِنْتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الثَّانِيَةِ وَلِزَوَالِ الْمُتَابَعَةِ بِالْأُولَى بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَوْ تَرَكَهُ إمَامُهُ لَا يَأْتِي بِهِ لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ. خَاتِمَةٌ: سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ بِعَظِيمٍ مِنْ خَلْقِهِ كَالنَّبِيِّ وَالْمَلَكِ وَالْوَلِيِّ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَلَّمَ بَعْضَ النَّاسِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ إلَخْ فَإِنْ صَحَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا يُقْسَمُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ. اهـ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. [بَابٌ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا] بَابٌ بِالتَّنْوِينِ مُشْتَمِلٌ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعِهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (شُرُوطُ الصَّلَاةِ خَمْسَةٌ) وَالشُّرُوطُ جَمْعُ شَرْطٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْعَلَامَةُ، وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ: أَيْ: عَلَامَاتُهَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا: الشَّرْطُ بِالسُّكُونِ: إلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ، لَا الْعَلَامَةُ وَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ، وَالِاسْتِقْبَالُ. وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ.   [مغني المحتاج] عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَعْنَى الشَّرْطِ بِالْفَتْحِ. اهـ. فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَفَرُّدَاتِهِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمَانِعُ لُغَةً الْحَائِلُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ كَالْكَلَامِ فِيهَا عَمْدًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَاضِي أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَى مَوَانِعِهَا، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ انْعِقَادِهَا نَاسَبَ تَأَخُّرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: مِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْعِلْمُ بِفَرْضِيَّتِهَا، وَبِكَيْفِيَّتِهَا، وَتَمْيِيزُ فَرَائِضِهَا مِنْ سُنَنِهَا فَلِمَ لَمْ يَعُدَّهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مُخْتَصٍّ بِالصَّلَاةِ، فَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَلَاتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الطَّوَافِ أَوْ الصَّوْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَرْضًا أَوْ عَلِمَ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ مَا فَعَلَهُ لِتَرْكِهِ مَعْرِفَةَ التَّمْيِيزِ الْوَاجِبَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ مِنْ الْعَامَّةِ فَرْضَ الصَّلَاةِ أَيْ: أَوْ غَيْرَهَا مِنْ سُنَنِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، أَيْ: وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَتَقَيُّدُهُ بِالْعَامِّيِّ يُفْهِمُ أَنَّ الْعَالِمَ إنْ لَمْ يُمَيِّزْ بِقَصْدِهِ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ نَفْلًا. اهـ. بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ، وَلَوْ اعْتَقَدَ عَامِّيٌّ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضٌ صَحَّتْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ. أَوَّلُ الْخَمْسَةِ (مَعْرِفَةُ) دُخُولِ (الْوَقْتِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا بِالِاجْتِهَادِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَدْلُولَ الْمَعْرِفَةِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ لِيَخْرُجَ الظَّنُّ: فَمَنْ صَلَّى بِدُونِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ (وَ) ثَانِيهَا (الِاسْتِقْبَالُ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. (وَ) ثَالِثُهَا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَنْ الْعُيُونِ، وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] [الْأَعْرَافُ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» (1) رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ: الْبَالِغُ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ فِي زَمَنِ حَيْضِهَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بِخِمَارٍ، وَلَا غَيْرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا، وَيُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُومِئُ بِهِمَا وَيُعِيدُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ وَالْإِتْمَامِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي السُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مُرِيدَ التَّمَثُّلِ بَيْنَ يَدَيْ كَبِيرٍ يَتَجَمَّلُ بِالسَّتْرِ وَالتَّطْهِيرِ وَالْمُصَلِّي يُرِيدُ التَّمَثُّلَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ، فَالتَّجَمُّلُ لَهُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَاغْتِسَالٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْحَاجَةِ. قَالَ: وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةُ الثَّوْبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ، وَرُكْبَتِهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْحَرَّةُ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.   [مغني المحتاج] مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْغُبَارِ عِنْدَ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالسُّتْرَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ السَّتْرِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُحْجَبُ عَنْ بَصَرِهِ شَيْءٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرَى عَبْدَهُ الْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا دُونَ غَيْرِهِ، وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَالْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ، وَسُمِّيَ الْمِقْدَارُ الْآتِي بَيَانُهُ بِذَلِكَ لِقُبْحِ ظُهُورِهِ، وَالْعَوْرَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَعَلَى مَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النِّكَاحِ. (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ) أَيْ: الذَّكَرِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الطَّوَافِ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ) لِمَا رَوَى الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَوْرَةُ الْمُؤْمِنِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ» (1) . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرُ: أَيْ: الْأَمَةُ إلَى عَوْرَتِهِ» (2) وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (وَكَذَا الْأَمَةُ) وَلَوْ مُدَبَّرَةً وَمُكَاتَبَةً وَمُسْتَوْلَدَةً وَمُبَعَّضَةً عَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهَا بِالرَّجُلِ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَالثَّانِي عَوْرَتُهَا كَالْحُرَّةِ إلَّا رَأْسَهَا: أَيْ: عَوْرَتُهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَالرَّأْسَ. وَالثَّالِثُ عَوْرَتُهَا مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالِ خِدْمَتِهَا، بِخِلَافِ مَا يَبْدُو كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الرُّكْبَةُ مِنْهَا دُونَ السُّرَّةِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ: وَقِيلَ: السَّوْأَتَانِ فَقَطْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ. فَائِدَةٌ: السُّرَّةُ: مَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ، وَالسُّرُّ مَا يُقْطَعُ مِنْ سُرَّتِهِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ سُرَّةٌ، لِأَنَّ السُّرَّةَ لَا تُقْطَعُ، وَجَمْعُ السُّرَّةِ سُرَرٌ وَسُرَّاتٌ، وَالرُّكْبَةُ مَوْصِلُ مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْفَخِذِ وَأَعَالِي السَّاقِ، وَالْجَمْعُ رُكَبٌ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْبَعٍ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ وَعُرْقُوبَاهُ فِي رِجْلَيْهِ (وَ) عَوْرَةُ (الْحُرَّةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ظَهْرِهِمَا وَبَطْنِهِمَا مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] [النُّورُ] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ أَنَّ بَاطِنَ قَدَمَيْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَيْسَ الْقَدَمَانِ عَوْرَةً، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى رِقًّا وَحُرِّيَّةً، فَإِنْ اقْتَصَرَ الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْأَفْقَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ فِي السَّتْرِ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ الصِّحَّةَ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَكَثِيرٌ الْقَطْعُ بِهِ لِلشَّكِّ فِي عَوْرَتِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 وَشَرْطُهُ مَا مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ، وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ وَجَوَانِبِهِ لَا أَسْفَلِهِ، فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ جَيْبِهِ فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ فَلْيُزِرَّهُ، أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ،   [مغني المحتاج] لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي الْبُطْلَانِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنَّ الْعَدَدَ لَوْ كَمَلَ بِخُنْثَى لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ، وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكَمَلَ الْعَدَدُ بِالْخُنْثَى لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْبُطْلَانِ. (وَشَرْطُهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (مَا) أَيْ: جَزَمَ (مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) لَا حَجْمِهَا فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَلَا مُهَلْهَلٌ لَا يَمْنَعُ إدْرَاكَ اللَّوْنِ وَلَا زُجَاجٌ يَحْكِي اللَّوْنَ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّتْرِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ. أَمَّا إدْرَاكُ الْحَجْمِ فَلَا يَضُرُّ لَكِنَّهُ لِلْمَرْأَةِ مَكْرُوهٌ وَلِلرَّجُلِ خِلَافُ الْأُولَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى عِبَارَتِهِ الظُّلْمَةُ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْإِدْرَاكِ، وَلَطْخُ الْعَوْرَةِ بِنَحْوِ حِبْرٍ كَحِنَّاءٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ، إذْ الْكَلَامُ فِي السَّاتِرِ وَمَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا بَلْ غَيْرُ الظُّلْمَةِ يُسَمَّى مُغَيِّرًا (وَلَوْ) هُوَ (طِينٌ) أَوْ حَشِيشٌ أَوْ وَرَقٌ (وَمَاءٌ كَدِرٌ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَاءٍ صَافٍ مُتَرَاكِمٍ بِخُضْرَةٍ لَمَنَعَ مَا ذَكَرَ الْإِدْرَاكَ، وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ يُمْكِنَهُ السُّجُودُ فِيهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، وَيَسْجُدَ عَلَى الشَّطِّ لَمْ يَلْزَمْهُ: أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ) وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى السَّتْرِ، وَالثَّانِي لَا لِلْمَشَقَّةِ وَالتَّلْوِيثِ (وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهُ) أَيْ: السَّاتِرِ (وَجَوَانِبِهِ) لِلْعَوْرَةِ (لَا أَسْفَلِهِ) لَهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَةً، فَسَتْرٌ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ لِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ " أَعْلَاهُ " وَجَوَانِبِهِ وَأَسْفَلِهِ، وَلَوْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَفْعُولِهِ لَأَنَّثَهَا، فَقَالَ: وَيَجِبُ سَتْرُ أَعْلَاهَا إلَخْ (فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، سَوَاءٌ كَانَ الرَّائِي لَهَا هُوَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ الْغَيْرِ الْمَشْهُورَةِ أَمْ غَيْرَهُ (مِنْ جَيْبِهِ) أَيْ: طَوْقِ قَمِيصِهِ لِسَعَتِهِ (فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ) السَّتْرُ بِهَذَا الْقَمِيصِ (فَلْيَزُرَّهُ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْأَحْسَنِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا (أَوْ يَشُدَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْأَحْسَنِ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ (وَسَطَهُ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا حَتَّى لَا تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ، وَلَوْ سَتَرَ بِلِحْيَتِهِ أَوْ بِشَعْرِ رَأْسِهِ كَفَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُفْسِدِ، وَفَائِدَتُهُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَفِيمَا إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ، وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْجَيْبُ هُوَ الْمَنْفَذُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الرَّأْسُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ ذَيْلِهِ كَأَنْ كَانَ فِي عُلْوٍ وَالرَّائِي فِي سُفْلٍ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، وَمَعْنَى رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُئِيَتْ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ وَقَفَ مَثَلًا فِي خَابِيَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ ضَيِّقَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُمَا، أَوْ أَحَدِهِمَا فَقُبُلَهُ وَقِيلَ: دُبُرَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ.   [مغني المحتاج] الرَّأْسِ يَسْتُرَانِ الْوَاقِفَ فِيهِمَا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَشَرْطُ السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ لُبْسًا وَنَحْوَهُ فَلَا تَكْفِي الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ وَنَحْوُهَا (وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا) أَيْ: عَوْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ السَّوْأَةِ أَوْ مِنْهَا بِلَا مَسٍّ نَاقِضٍ (بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ بَعْضَهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا لَهُ. أَمَّا بِيَدِ غَيْرِهِ فَيَكْفِي قَطْعًا وَإِنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ كَمَا لَوْ سَتَرَ بِقِطْعَةِ حَرِيرٍ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ الثَّوْبَ الْمُخَرَّقَ، وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً نَجِسَةً، وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهَا بِهِ أَوْ وَجَدَ الْمَاءَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَغْسِلُهَا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ غَسْلِهَا أَوْ وَجَدَهُ، وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ، وَلَمْ يَجِدْهَا أَوْ وَجَدَهَا، وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ حُبِسَ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَاحْتَاجَ إلَى فَرْشِ السُّتْرَةِ عَلَيْهَا صَلَّى عَارِيًّا، وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَدَّى غَسْلُ السُّتْرَةِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ غَسَلَهَا وَصَلَّى خَارِجَهُ، وَلَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ عَارِيًّا كَمَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ الْمُصَلِّي بَعْضَ السُّتْرَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَتِرَ بِهِ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ جَرَى فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الطَّهَارَةِ رَفْعُ الْحَدَثِ، وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ، وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا السَّتْرُ، وَهُوَ يَتَجَزَّأُ (فَإِنْ وَجَدَ كَافِيَ سَوْأَتَيْهِ) أَيْ: قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ (تَعَيَّنَ لَهُمَا) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ، وَلِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَسُمِّيَا سَوْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَشْفَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبَهُمَا. قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف: 22] [الْأَعْرَافُ] أَيْ: ظَهَرَتْ لَهُمَا، وَكَانَا لَا يَرَيَانِهَا مِنْ أَنْفُسِهِمَا أَوْ لَا يَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا رَأَيْت مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا رَأَى مِنِّي» (2) (أَوْ) كَافِيَ (أَحَدَهُمَا فَقُبُلَهُ) يَسْتُرُهُ وُجُوبًا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَارِزٌ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالدُّبُرُ مَسْتُورٌ غَالِبًا بِالْأَلْيَيْنِ، وَبَدَلُ الْقِبْلَةِ كَالْقِبْلَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى صَوْبَ مَقْصِدِهِ، وَيَسْتُرُ الْخُنْثَى قُبُلَيْهِ، فَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: سَتْرُ آلَةِ الرَّجُلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ، وَآلَةِ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ (وَقِيلَ:) يَسْتُرُ (دُبُرَهُ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: تَسْتُرُ الْمَرْأَةُ الْقُبُلَ وَالرَّجُلُ الدُّبُرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى بَدَلَ الْوُجُوبِ الِاسْتِحْبَابَ. وَالْقُبُلُ وَالدُّبُرُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَثَانِيهِمَا، وَيَجُوزُ فِي ثَانِيهِمَا الْإِسْكَانُ. فُرُوعٌ: لَيْسَ لِلْعَارِي غَصْبُ الثَّوْبِ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ، بِخِلَافِ الطَّعَامِ فِي الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا، وَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إلَّا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِنَحْوِ دَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ عَارِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُعِيرِ غَيْرُهُ وَقَبُولُ هِبَةٍ نَحْوِ الطِّينِ لَا قَبُولُ هِبَةِ الثَّوْبِ، وَلَا اقْتِرَاضُهُ لِثِقَلِ الْمِنَّةِ، وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ، وَاسْتِئْجَارُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَوْ وُجِدَ ثَمَنُ الثَّوْبِ أَوْ الْمَاءُ قُدِّمَ الثَّوْبُ وُجُوبًا لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، بِخِلَافِ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ وَصَّى بِصَرْفِ ثَوْبٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ أَوْ وَكَّلَ فِي إعْطَائِهِ وَجَبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ، فَإِنْ سَبَقَهُ بَطَلَتْ،   [مغني المحتاج] تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهَا أَفْحَشُ ثُمَّ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ ثُمَّ الرَّجُلِ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَفَى الثَّوْبُ الْمُؤَخَّرُ دُونَ الْمُقَدَّمِ قُدِّمَ الْمُؤَخَّرُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ لِآخَرَ، وَيُصَلِّي عَارِيًّا لَكِنْ يُصَلِّي فِيهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ ثَوْبٌ حَرِيرٌ فَقَطْ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ لُزُومُ قَطْعِهِ إذَا لَمْ يَنْقُصْ أَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ يَجُوزُ لِأَدْوَنَ مِنْ ذَلِكَ كَدَفْعِ الْقَمْلِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ لِلصَّلَاةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَيْهِ فِي الْخَلْوَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَةِ الثَّوْبِ. وَلَوْ صَلَّتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي صَلَاتِهَا وَوَجَدَتْ سُتْرَةً بَعِيدَةً، بِحَيْثُ إنْ مَضَتْ إلَيْهَا احْتَاجَتْ إلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ أَوْ انْتَظَرَتْ مَنْ يُلْقِيهَا إلَيْهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فِي التَّكَشُّفِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ السُّتْرَةَ بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا، وَكَذَا إنَّ وَجَدَتْ قَرِيبًا مِنْهَا فَتَنَاوَلَتْهَا وَلَمْ تَسْتَدْبِرْ قِبْلَتَهَا وَسَتَرَتْ بِهَا رَأْسَهَا فَوْرًا، وَلَوْ وَجَدَ عَارٍ سُتْرَتَهُ فِي صَلَاتِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا فِيمَا ذُكِرَ. وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ بِلَا سَتْرِ رَأْسِهَا عَاجِزَةً عَنْ سَتْرِهَا عَتَقَتْ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهَا أَوْ قَادِرَةً عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا، وَلَمْ تَعْتِقْ لِلدُّورِ، إذْ لَوْ عَتَقَتْ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لَا تَعْتِقُ، فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ. وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ لِلصَّلَاةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَيَتَقَمَّصُ، وَيَتَعَمَّمُ،، وَيَتَطَيْلَسُ، وَيَرْتَدِي،، وَيَتَّزِرُ أَوْ يَتَسَرْوَلُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَقَمِيصٌ مَعَ رِدَاءٍ أَوْ إزَارٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْلَى مِنْ رِدَاءٍ مَعَ إزَارٍ أَوْ سَرَاوِيلَ وَمِنْ إزَارٍ مَعَ سَرَاوِيلَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] [الْأَعْرَافُ] ، وَالثَّوْبَانِ أَهَمُّ الزِّينَةِ، وَلِخَبَرِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى، وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَمِيصٌ، فَإِزَارٌ، فَسَرَاوِيلُ، وَيَلْتَحِفُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إنْ اتَّسَعَ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، فَإِنْ ضَاقَ اتَّزَرَ بِهِ وَجَعَلَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ. وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلِهَا الْخُنْثَى فِي الصَّلَاةِ ثَوْبٌ سَابِغٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهَا وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ كَثِيفَةٌ وَإِتْلَافُ الثَّوْبِ وَبَيْعُهُ فِي الْوَقْتِ كَالْمَاءِ، وَلَا يُبَاعُ لَهُ مَسْكَنٌ، وَلَا خَادِمٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ بِالِاضْطِبَاعِ، وَأَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ، فَإِنْ تَثَاءَبَ غَطَّاهُ بِيَدِهِ نَدْبًا، وَأَنْ يَشْتَمِلَ اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ بِأَنْ يُجَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ بِأَنْ يُجَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ بِدُونِ رَفْعِ طَرَفَيْهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً. (وَ) رَابِعُهَا (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَدَثِ، فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا عِنْدَ إحْرَامِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ مُتَطَهِّرًا، ثُمَّ أَحْدَثَ نَظَرَ (فَإِنْ سَبَقَهُ) الْحَدَثُ غَيْرُ الدَّائِمِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ فِي الْجَدِيدِ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وَفِي الْقَدِيمِ يَبْنِي. ، وَيَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ عَرَضَ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ. وَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا بَطَلَتْ.   [مغني المحتاج] أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَالتَّعْلِيلُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاءُ] فَإِنَّ الرَّبِيبَةَ تَحْرُمُ مُطْلَقًا، فَلَفْظُ الْحُجُورِ لَا مَفْهُومَ لَهُ (وَفِي الْقَدِيمِ) وَالْإِمْلَاءُ، وَهُوَ جَدِيدٌ يَتَطَهَّرُ، وَ (يَبْنِي) عَلَى صَلَاتِهِ لِعُذْرِهِ بِالسَّبْقِ، وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ لِحَدِيثٍ فِيهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُقَلِّلَ الزَّمَانَ، وَالْأَفْعَالَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبِدَارُ الْخَارِجُ عَنْ الْعَادَةِ. فَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ بَابَانِ فَسَلَكَ الْأَبْعَدَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ طَهَارَتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَأَنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يُسْتَخْلَفْ، وَانْتَظَرَهُ الْمَأْمُومُونَ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِمْ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَظِرُوهُ بَلْ أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ فُرَادَى أَوْ قَدَّمُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ مَثَلًا فَلَا يَعُودُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ، أَوْ مَأْمُومًا يَبْتَغِي فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَرَاهَةِ وُقُوفِ الْمَأْمُومِ فَرْدًا، فَلَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا، فَتَطَهَّرَ وَعَادَ لَمْ يَتَجَاوَزْ الصَّفَّ الْأَخِيرَ؛ لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ تَحْصُلُ لَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَمَّا الْحَدَثُ الدَّائِمُ كَسَلَسِ بَوْلٍ، فَلَا يَضُرُّ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ أَحْدَثَ مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَطْعًا، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَمْ نَاسِيًا. وَلَوْ صَلَّى نَاسِيًا لِلْحَدَثِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ لَا عَلَى فِعْلِهِ إلَّا الْقِرَاءَةَ، وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفِي إثَابَتِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ جُنُبًا نَظَرٌ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ عَدَمُ الْإِثَابَةِ (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ: الْقَوْلَانِ (فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ) أَيْ: مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ (عَرَضَ) فِيهَا (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْ الْمُصَلِّي (وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ) كَمَا لَوْ تَنَجَّسَ بَدَنُهُ أَوْ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَاحْتَاجَ إلَى غَسْلِهِ أَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ سُتْرَتَهُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ (فَإِنْ أَمْكَنَ) دَفْعُهُ فِي الْحَالِ (بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ) أَيْ: أَظْهَرَتْ عَوْرَتَهُ أَوْ وَقَعَتْ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ (فَسَتَرَ) الْعَوْرَةَ أَوْ أَلْقَى النَّجَاسَةَ الْيَابِسَةَ أَوْ أَلْقَى الثَّوْبَ فِي الرَّطْبَةِ (فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُغْتَفَرُ هَذَا الْعَارِضُ الْيَسِيرُ. ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَحِّيَ النَّجَاسَةَ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَإِنْ نَحَّاهَا بِعُودٍ فَكَذَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَإِنْ قَصَّرَ) فِي دَفْعِهِ (بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةُ خُفٍّ فِيهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (بَطَلَتْ) قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ حَيْثُ افْتَتَحَهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ أَوْ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ لَمْ يُؤَثِّرْ لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْغُسْلِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ، وَكَذَا لَوْ غَسَلَهُمَا بَعْدَهَا لِمُضِيِّ مُدَّةٍ، وَهُوَ مُحْدِثٌ، حَتَّى لَوْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِي الْمَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ. وَلَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ، وَنَجَسٌ اجْتَهَدَ.   [مغني المحتاج] قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَاسْتَمَرَّ إلَى انْقِضَائِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَدَثٍ ثُمَّ يَرْتَفِعُ، وَأَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ حَدَثٌ لَمْ تَشْمَلْهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ: أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ الْمُدَّةِ إلَى فَرَاغِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّ الْمُدَّةَ تَنْقَضِي فِيهَا، فَيَنْبَغِي عَدَمُ انْعِقَادِهَا، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ يُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ انْعَقَدَتْ، وَلَوْ افْتَصَدَ مَثَلًا فَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ، وَلَمْ يُلَوِّثْ بَشَرَتَهُ أَوْ لَوَّثَهَا قَلِيلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ فِي الْأُولَى غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُغْتَفَرٌ. وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفَ لِيُوهِمَ أَنَّهُ رَعَفَ سَتْرًا عَلَى نَفْسِهِ،، وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ، وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِلصَّلَاةِ خُصُوصًا إذَا قَرُبَتْ إقَامَتُهَا أَوْ أُقِيمَتْ. (وَ) خَامِسُهَا (طَهَارَةُ النَّجَسِ) الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ (فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) أَيْ: ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ حَتَّى دَاخِلَ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ (وَالْمَكَانِ) أَيْ: مَكَانِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِ بِوُجُودِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] [الْمُدَّثِرُ] ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» ثَبَتَ الْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ النَّجَسِ، وَهُوَ لَا يَجِبُ بِغَيْرِ تَضَمُّخٍ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ فِيهَا، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي فَسَادَهَا فَلَزِمَ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا جُعِلَ دَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ هُنَا كَظَاهِرِهِمَا بِخِلَافِ غَسْلِ الْجَنَابَةِ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الطَّهَارَةِ، فَلَوْ أَكَلَ مُتَنَجِّسًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ، وَلَوْ رَأَيْنَا فِي ثَوْبِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ بِهَا لَزِمَنَا إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، كَمَا لَوْ رَأَيْنَا صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ فَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِصْيَانًا، وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ كَثُرَ ذَرْقُ الطَّيْرِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهُ، وَقُيِّدَ فِي الْمَطْلَبِ الْعَفْوُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيِّنٌ. قَالَ شَيْخِي: وَأَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا: أَيْ: أَوْ رِجْلُهُ مَبْلُولَةً. فَرْعٌ لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْسِلُهُ بِهِ وَجَبَ قَطْعُ مَوْضِعِهَا إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ، هَذَا مَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقُيِّدَ أَيْضًا وُجُوبُ الْقَطْعِ بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالظَّاهِرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَلَوْ اشْتَبَهَ) عَلَيْهِ (طَاهِرٌ وَنَجَسٌ) مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ (اجْتَهَدَ) فِيهِمَا لِلصَّلَاةِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا فِي الْأَوَانِي، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى فِيمَا ظَنَّهُ الطَّاهِرَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ،، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِيَاهِ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا لِكُلِّ فَرْضٍ، لِأَنَّ بَقَاءَ الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ فَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وَلَوْ نَجَسَ بَعْضُ ثَوْبٍ، أَوْ بَدَنٍ وَجَهِلَ، وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ. فَلَوْ ظَنَّ طَرَفًا لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجَسٍ ثُمَّ بَاقِيَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ. ،   [مغني المحتاج] عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ فَيُصَلِّي فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ كَمَا لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ بِخِلَافِ الْمِيَاهِ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا، وَلَوْ جَمَعَهُمَا عَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ صَلَّى عَارِيًّا أَوْ فِي أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَأَعَادَ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ، وَلِأَنَّ مَعَهُ ثَوْبًا فِي الْأُولَى، وَمَكَانًا فِي الثَّانِيَةِ طَاهِرًا بِيَقِينٍ. وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَدَنَانِ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِأَحَدِهِمَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا وَعَمِلَ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ وَاحِدٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ إلَى الْآخِرِ صَلَّى خَلْفَهُ، وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى كَمَا لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ تَحَيَّرَ صَلَّى مُنْفَرِدًا. (وَلَوْ نَجَسَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا (بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ) بَعْضُ (بَدَنٍ) أَوْ مَكَان ضَيِّقٍ (وَجَهِلَ) ذَلِكَ الْبَعْضَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ) لِتَصِحَّ الصَّلَاةَ فِيهِ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ مَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ وَاسِعًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا اجْتِهَادٍ، وَسَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ، وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: الْمُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنْ بَلَغَتْ بِقَاعُ الْمَوْضِعِ - لَوْ فُرِّقَتْ - حَدَّ الْعَدَدِ غَيْرَ الْمَحْصُورِ فَوَاسِعٌ وَإِلَّا فَضَيِّقٌ، وَتُقَدَّرُ كُلُّ بُقْعَةٍ بِمَا يَسَعُ الْمُصَلِّيَ. اهـ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي: وَإِذَا جَوَّزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْمُتَّسَعِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مَوْضِعٌ قَدْرَ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوَانِي. وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ رَطْبٌ بَعْضَ مَا ذُكِرَ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ نَجَاسَةَ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي النَّجَاسَةِ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ دُونَ الطَّهَارَةِ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مُقَدَّمِ الثَّوْبِ مَثَلًا، وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا وَجَبَ غَسْلُ مُقَدَّمِهِ فَقَطْ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ الْمَذْكُورَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ الشَّقُّ فِي مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَيَكُونَانِ نَجَسَيْنِ (فَلَوْ ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَرَفًا) مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ أَوْ مَوَاضِعَ مُتَمَيِّزَةٍ كَأَحَدِ طَرَفَيْ الثَّوْبِ وَأَحَدِ الْكُمَّيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالْأَصَابِعِ (لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ لِعَدَمِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَاحِدٌ، وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَيْئَيْنِ، وَلَوْ فَصَلَ كُمَّيْ ثَوْبٍ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا وَجَهِلَ أَوْ فَصَلَ أَحَدَهُمَا جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِتَعَدُّدِ الْمُشْتَبَهِ فِيهِ، فَلَوْ غَسَلَ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ بِالِاجْتِهَادِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا، وَلَوْ جَمَعَهُمَا كَالثَّوْبَيْنِ (وَلَوْ غَسَلَ) بَعْضَ شَيْءٍ مُتَنَجِّسٍ كَأَنْ غَسَلَ (نِصْفَ) ثَوْبٍ (نَجَسٍ ثُمَّ) غَسَلَ (بَاقِيَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيهِ مُجَاوِرَهُ) مِمَّا غَسَلَ أَوَّلًا (طَهُرَ كُلُّهُ وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَعَهُ مُجَاوِرَهُ (فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ) بِفَتْحِ الصَّادِ يَطْهُرُ، وَهُوَ الطَّرَفَانِ فَقَطْ، وَيَبْقَى الْمُنْتَصَفُ نَجَسًا فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ فَيَغْسِلُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ مُلَاقٍ لِنَجَسٍ،، وَيَجْتَنِبُ الثَّوْبَ الْمُتَنَجِّسَ بَعْضُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضُ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. ، وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ عَلَى نَجَسٍ إنْ تَحَرَّكَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ فِي الْأَصَحِّ. فَلَوْ جَعَلَهُ   [مغني المحتاج] الَّذِي جَهِلَ مَكَانَ النَّجَاسَةَ فِيهِ. لَا يُقَالُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ نَجَاسَتَهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ تَيَقَّنَّا نَجَاسَةَ الثَّوْبِ، وَلَمْ نَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهُ، وَالطَّهَارَةُ لَا تُرْفَعُ بِالشَّكِّ، وَلَا يُشْكَلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ مَسَّ شَيْئًا رَطْبًا لَا يُنَجِّسُهُ لِأَنَّا لَا نُنَجِّسُ بِالشَّكِّ، وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ بِالْمُجَاوِرِ مُجَاوِرُهُ وَهَكَذَا، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَدُفِعَ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمُجَاوِرِ لَا تَتَعَدَّى، إلَى مَا بَعْدَهُ كَالسَّمْنِ الْجَامِدِ يَنْجُسُ مِنْهُ مَا حَوْلَ النَّجَاسَةِ فَقَطْ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ عَلَّقَ الثَّوْبَ، وَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْلَاهُ إلَى النِّصْفِ ثُمَّ صَبَّ عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي طَهُرَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَرَادَّ إلَى الْأَعْلَى، وَإِلَّا لَمْ يَطْهُرْ لِأَنَّهُ يَتَرَادَّ، وَمَحَلُّ الْأَوَّلِ مَا إذَا غَسَلَهُ بِالصَّبِّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ، فَإِنْ غَسَلَهُ فِي إنَاءٍ كَجَفْنَةٍ، وَنَحْوِهَا بِأَنْ وَضَعَ نِصْفَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً يَغْمُرُهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يُغْسَلَ دَفْعَةً كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ مَا فِي نَحْوِ الْجَفْنَةِ يُلَاقِيهِ الثَّوْبُ الْمُتَنَجِّسُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَيَنْجُسُ، وَإِذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ. (، وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ - بَعْضُ لِبَاسِهِ -) أَوْ بَدَنِهِ (نَجَاسَةً) فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ كُمِّهِ الطَّوِيلِ الْمُتَّصِلِ بِنَجَاسَةٍ، وَخَالَفَ ذَلِكَ مَا لَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ حَيْثُ تَصِحُّ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ، وَهَذَا يُنَافِيهِ، وَالْمَطْلُوبُ فِي السُّجُودِ كَوْنُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى غَيْرِهِ لِحَدِيثِ " مَكِّنْ جَبْهَتَك " فَإِذَا سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ. (، وَلَا) تَصِحُّ صَلَاةُ نَحْوِ (قَابِضٍ) كَشَادٍّ بِنَحْوِ يَدِهِ (طَرَفَ شَيْءٍ) كَحَبْلٍ طَرَفُهُ الْآخَرُ نَجَسٌ أَوْ مَوْضُوعٌ (عَلَى نَجَسٍ إنْ تَحَرَّكَ) مَا ذُكِرَ بِحَرَكَتِهِ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ) بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمُتَّصِلٍ بِنَجَاسَةٍ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، فَكَأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا، وَالثَّانِي تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الطَّرَفَ الْمُلَاقِيَ لِلنَّجَاسَةِ لَيْسَ مَحْمُولًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ طَرَفُ الْحَبْلِ مُلْقًى عَلَى سَاجُورِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ أَوْ مَشْدُودًا بِدَابَّةٍ أَوْ بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ بِحَيْثُ تَنْجَرُّ بِجَرِّ الْحَبْلِ أَوْ قَابِضِهِ يَحْمِلَانِ نَجَسًا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ لَا تَتَحَرَّكُ بِجَرِّهِ فَإِنَّهَا كَالدَّارِ، وَلَا فَرْقَ فِي السَّفِينَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَرِّ لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً. اهـ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ فِي اتِّصَالِ الْحَبْلِ بِسَاجُورِ الْكَلْبِ، وَلَا بِمَا ذُكِرَ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ مَشْدُودًا بِهِ بَلْ الْإِلْقَاءُ عَلَيْهِ كَافٍ كَمَا عَبَّرْت بِهِ فِي السَّاجُورِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَشْدُودٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، وَلَوْ كَانَ الْحَبْلُ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ نَحْوِ حِمَارٍ، وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي السَّاجُورِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْهُ، لِأَنَّ السَّاجُورِ قَدْ يُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ الْحَبْلِ وَأَجْزَائِهِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ. (فَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ: طَرَفَ مَا طَرَفُهُ الْآخَرُ نَجَسٌ أَوْ الْكَائِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ مُطْلَقًا، وَلَا يَضُرُّ نَجَسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجَسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ فَمَعْذُورٌ، وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا.   [مغني المحتاج] عَلَى نَجَسٍ (تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَتَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَابِسًا، وَلَا حَامِلًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجَسٌ أَوْ مَفْرُوشٌ عَلَى نَجَسٍ أَوْ عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ فِي نَجَسٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجَسٍ صَلَّى، وَتَجَافَى عَنْ النَّجَسِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ،، وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ بَلْ يَنْحَنِي بِالسُّجُودِ إلَى قَدْرٍ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجِسَ ثُمَّ يُعِيدُ (وَلَا يَضُرُّ) فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ (نَجَسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَغَيْرِهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ لَهُ. وَالثَّانِي يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَكَانَ صَلَاتِهِ فَتَعَيَّنَ طَهَارَتُهُ كَاَلَّذِي يُلَاقِيهِ. أَمَّا إذَا لَاقَاهُ فَتَبْطُلُ جَزْمًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ صَلَّى مَاشِيًا وَبَيْنَ خُطُوَاتِهِ نَجَاسَةٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَوْ عَبَّرَ بِيُحَاذِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَقَدْ عَبَرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُوهِمُ طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ كَسَقْفِ الْبَيْتِ وَحِيطَانِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْجِدَارِ النَّجِسِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي مَاشِيًا وَكَانَ بَيْنَ خُطُوَاتِهِ نَجَاسَةٌ كَمَا مَرَّ، وَفِيمَا إذَا جَعَلَ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَوْبًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَتْ مُمَاسَّةُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْفُرَجِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ) لِانْكِسَارِهِ مَثَلًا وَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْوَصْلِ (بِنَجَسٍ لِفَقْدِ الطَّاهِرِ) الصَّالِحِ لِلْوَصْلِ أَوْ وَجَدَهُ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ لَا يَنْفَعُ وَوَصَلَهُ بِالنَّجَسِ (فَمَعْذُورٌ) فِي ذَلِكَ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ إذَا وَجَدَ الطَّاهِرَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ،، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ مَحَلَّهُ إذَا خَافَ مِنْ نَزْعِهِ ضَرَرًا، وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهُ، وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ لَحْمَ الْآدَمِيِّ لَا يَنْجَبِرُ سَرِيعًا إلَّا بِعَظْمِ نَحْوِ كَلْبٍ، فَيَتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ عُذْرٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ فِي بُطْءِ الْبُرْءِ وَعَظْمِ غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِي تَحْرِيمِ الْوَصْلِ بِهِ وَوُجُوبِ نَزْعِهِ كَالْعَظْمِ النَّجِسِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ فِي النَّفْسِ مِنْ عَظْمِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ شَيْئًا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ وَصَلَهُ بِهِ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْوَصْلِ حَرُمَ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (نَزْعُهُ) وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا ظَاهِرًا) ، وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. وَلَوْ اكْتَسَى لَحْمًا لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً تَعَدَّى بِحَمْلِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إزَالَتِهَا كَوَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجَسٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَزِمَ الْحَاكِمَ نَزْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا مُبَالَاةَ بِأَلَمِهِ فِي الْحَالِ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ فِي الْمَآلِ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِنَجَاسَةٍ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا تَعَدَّى بِحَمْلِهَا وَيُمْكِنُهُ إزَالَتُهَا، بِخِلَافِ شَارِبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَايَأْ مَا شَرِبَهُ تَعَدِّيًا لِحُصُولِهِ فِي مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 قِيلَ، وَإِنْ خَافَ فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] (قِيلَ) ، وَيَجِبُ نَزْعُهُ أَيْضًا (وَإِنْ خَافَ) ضَرَرًا ظَاهِرًا لِتَعَدِّيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُصَلِّيَ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ بِنَجَاسَةٍ تَعَدَّى بِحَمْلِهَا وَنَحْنُ نَقْتُلُهُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ رِعَايَةً لِخَوْفِ الضَّرَرِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إمَامَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَصِحَّةِ صَلَاةِ الطَّاهِرَةِ خَلْفَ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَقِيلَ: إنْ اسْتَتَرَ بِاللَّحْمِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَقِيلَ: إنْ خَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ لَمْ يَجِبْ، وَإِلَّا وَجَبَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْكُتُبِ. (فَإِنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ (لَمْ يَنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ عَنْهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَضِيَّةُ التَّعْدِيلِ الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ النَّزْعِ وَالثَّانِي حِلُّهُ. اهـ. وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمَهُ مَعَ تَعْلِيلِهِمْ بِالثَّانِي، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ الْحِلَّ. وَالثَّانِي: يُنْزَعُ لِئَلَّا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ تَعَدَّى بِحَمْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ حَتَّى مَا احْتَرَقَ كَمَا كَانَتْ. أُجِيبَ بِأَنْ يَلْقَاهُ فِي الْقَبْرِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إنَّ الْمُعَادَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ هُوَ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا، وَبِالْجُمْلَةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمَيِّتِ طَلَبًا لِلطَّهَارَةِ لِئَلَّا يَبْقَى عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا نَجَسٌ فَتَجِبُ إزَالَتُهُ. فُرُوعٌ: الْوَشْمُ، وَهُوَ غَرْزُ الْجِلْدِ بِالْإِبْرَةِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ نَحْوُ نِيلَةٍ لِيَزْرَقَّ أَوْ يَخْضَرَّ بِسَبَبِ الدَّمِ الْحَاصِلِ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ حَرَامٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاشِرَةَ، وَالْمُسْتَوْشِرَةَ، وَالنَّامِصَةَ، وَالْمُتَنَمِّصَةَ» (1) أَيْ: فَاعِلَةَ ذَلِكَ وَسَائِلَتَهُ فَتَجِبُ إزَالَتُهُ مَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَهَذَا إذَا فَعَلَهُ بِرِضَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَيْ: بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْ: وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ، وَلَا يَنْجُسُ مَا وَضَعَ فِيهِ يَدَهُ مَثَلًا إذَا كَانَ عَلَيْهَا وَشْمٌ، وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِدَوَاءٍ نَجَسٍ، أَوْ خَاطَهُ بِخَيْطٍ نَجَسٍ أَوْ شَقَّ مَوْضِعًا فِي بَدَنِهِ وَجَعَلَ فِيهِ دَمًا فَكَالْجَبْرِ بِعَظْمٍ نَجَسٍ فِيمَا مَرَّ. وَلَوْ غَسَلَ شَارِبُ الْخَمْرِ أَوْ نَجَسٍ آخَرَ فَمَهُ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَإِنْ شَرِبَهُ لِعُذْرٍ، وَوَصْلُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ بِشَعْرٍ نَجَسٍ أَوْ شَعْرِ آدَمِيٍّ حَرَامٌ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ،، وَلِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ مُسْتَعْمِلٌ لِلنَّجِسِ الْعَيْنِيِّ فِي بَدَنِهِ، وَفِي الثَّانِي مُسْتَعْمِلٌ لِشَعْرِ آدَمِيٍّ، وَالْآدَمِيُّ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَبِسَائِرِ أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ، وَيَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَصْلُ شَعْرٍ بِغَيْرِهِمَا، وَكَالشَّعَرِ الْخِرَقُ وَالصُّوفُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: وَأَمَّا رَبْطُ الشَّعْرِ بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَتَجْعِيدُ الشَّعْرِ، وَوَشْرُ الْأَسْنَانِ:، وَهُوَ تَحْدِيدُهَا، وَتَرْقِيقُهَا لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَيْضًا، وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِخَبَرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ. ، وَطِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ   [مغني المحتاج] «يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ، وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِهِ مَعَ السَّوَادِ، وَالتَّنْمِيصُ: وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ وَالْحَاجِبِ لِلْحُسْنِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّغْرِيرِ. أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَزْيِينِهَا لَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ. هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَخَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَشْرِ فَأَلْحَقَهُمَا بِالْوَشْمِ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إزَالَةُ شَعْرِهِ لِخَبَرِ «لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَحْرِيمَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَمْ يُبْعَدْ، وَنَتْفُ لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَشَارِبِهَا مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُثْلَةٌ فِي حَقِّهَا، وَيُسَنُّ خَضْبُ الشَّيْبِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلِاتِّبَاعِ، وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ خَضْبُ كَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا بِذَلِكَ تَعْمِيمًا لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَهِيَ مَطْلُوبَةٌ مِنْهَا لِزَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا. أَمَّا التَّطْرِيفُ أَوْ التَّنْقِيشُ فَلَا يُسْتَحَبُّ، وَخَرَجَ بِالْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ غَيْرُهُمَا فَيُكْرَهُ لَهَا، وَبِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْخِضَابُ إلَّا لِعُذْرٍ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَقِيقَةِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ. (وَيُعْفَى عَنْ) أَثَرِ (مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ) فِي حَقِّ نَفْسِهِ قَطْعًا لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ، وَلَوْ عَرِقَ مَحَلُّ الْأَثَرِ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ، فَإِنْ جَاوَزَهُ وَجَبَ غَسْلُهُ قَطْعًا، وَمَا أَطْلَقَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْمَجْمُوعِ وَكَذَا الرَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَاقَى الْأَثَرُ رَطْبًا آخَرَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى مُلَاقَاةِ ذَلِكَ (وَلَوْ حَمَلَ) فِي الصَّلَاةِ (مُسْتَجْمِرًا) أَوْ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَثَوْبٍ فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي، أَوْ حَيَوَانًا مُتَنَجِّسَ الْمَنْفَذِ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْهُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ الْعَفْوُ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهِ فِيهَا. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ فِي حَقِّهِ كَالْمَحْمُولِ لِلْعَفْوِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ طَرَفَ شَيْءٍ مُتَنَجِّسًا أَنَّهُ يَضُرُّ أَنَّهُ لَوْ مَسَكَ الْمُصَلِّي مُسْتَجْمِرًا أَوْ مَلْبُوسَهُ أَوْ أَمْسَكَ الْمُسْتَجْمِرُ الْمُصَلِّيَ أَوْ مَلْبُوسَهُ أَنَّهُ يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّائِرُ الَّذِي عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةٌ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِعُسْرِ صَوْنِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَجْمِرِ، فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ. وَلَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي حَيَوَانًا مَذْبُوحًا، وَإِنْ غَسَلَ الدَّمَ عَنْ مَذْبَحِهِ، أَوْ آدَمِيًّا أَوْ سَمَكًا أَوْ جَرَادًا مَيِّتًا أَوْ بَيْضَةً مَذِرَةً اسْتَحَالَتْ دَمًا، أَوْ عِنَبًا اسْتَحَالَ خَمْرًا، أَوْ قَارُورَةً خُتِمَتْ عَلَى دَمٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَبَوْلٍ، وَلَوْ بِرَصَاصٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. أَمَّا فِي الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَلِلنَّجَاسَةِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهَا كَالظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ لِأَنَّ لِلْحَيَاةِ أَثَرًا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ. وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِحَمْلِهِ نَجَاسَةً لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهَا. (وَطِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ) أَيْ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ، وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَعَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَوَنِيمِ الذُّبَابِ،   [مغني المحتاج] يَتَعَسَّرُ (الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا) إذْ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ الِانْتِشَارِ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ ثَوْبٍ، فَلَوْ أُمِرُوا بِالْغُسْلِ كُلَّمَا أَصَابَتْهُمْ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَسَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ (وَيَخْتَلِفُ) الْمَعْفُوُّ عَنْهُ (بِالْوَقْتِ، وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) فَيُعْفَى فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَيُعْفَى فِي الذَّيْلِ وَالرِّجْلِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْكُمِّ وَالْيَدِ وَضَابِطُ الْقَلِيلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى سَقْطَةٍ عَلَى شَيْءٌ أَوْ كَبْوَةٍ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ، فَإِنْ نُسِبَ إلَى ذَلِكَ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْعَفْوَ عَنْهُ، وَلَوْ اخْتَلَطَ بِنَجَاسَةِ كَلْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ لَا سِيَّمَا فِي مَوْضِعٍ تَكْثُرُ فِيهِ الْكِلَابُ، لِأَنَّ الشَّوَارِعَ مَعْدِنُ النَّجَاسَاتِ. اهـ. وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ. وَاحْتُرِزَ بِالْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ عَمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِهَا كَغَالِبِ الشَّوَارِعِ، فَإِنَّ فِيهِ وَأَمْثَالِهِ كَثِيَابِ الْخَمَّارِينَ وَالْأَطْفَالِ وَالْجَزَّارِينَ وَالْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتَدَيَّنُونَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، فَإِنْ لَمْ تُظَنَّ نَجَاسَتُهُ فَطَاهِرٌ قَطْعًا. فُرُوعٌ: مَاءُ الْمِيزَابِ الَّذِي تُظَنُّ نَجَاسَتُهُ وَلَمْ تُتَيَقَّنْ طَهَارَتُهُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي طِينِ الشَّوَارِعِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَزْمَ بِطَهَارَتِهِ، وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْجُوخِ الَّذِي اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ فِيهِ شَحْمَ الْخِنْزِيرِ؟ فَقَالَ: لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ إلَّا بِتَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، وَسُئِلَ عَنْ الْأَوْرَاقِ الَّتِي تُعْمَلُ وَتُبْسَطُ، وَهِيَ رَطْبَةٌ عَلَى الْحِيطَانِ الْمَعْمُولَةِ بِرَمَادٍ نَجَسٍ. فَقَالَ: لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا أَيْ: عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَمَحَلُّ الْعَمَلِ بِهِ إذَا كَانَ مُسْتَنَدُ النَّجَاسَةِ إلَى غَلَبَتِهَا، وَإِلَّا عَمِلَ بِالظَّنِّ، فَلَوْ بَالَ حَيَوَانٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَتَغَيَّرَ وَشَكَّ فِي سَبَبِ تَغَيُّرِهِ هَلْ هُوَ الْبَوْلُ أَوْ نَحْوُ طُولِ الْمُكْثِ حَكَمَ بِتَنَجُّسِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ بِنَجَسِ خُفِّهِ أَوْ نَعْلِهِ لَمْ يَطْهُرْ بِدَلْكِهِ بِنَحْوِ أَرْضٍ كَالثَّوْبِ إذَا تَنَجَّسَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد «إذَا أَصَابَ خُفَّ أَحَدِكُمْ أَذًى فَلْيُدَلِّكْهُ فِي الْأَرْضِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَقْذَرِ الظَّاهِرِ. (وَ) يُعْفَى (عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ) وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ (وَوَنِيمِ الذُّبَابِ) ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ النُّونِ: ذَرْقُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَذَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ بَوْلِ الْخُفَّاشِ، وَالْقِيَاسُ أَوْ رَوْثِهِ وَبَوْلِ الذُّبَابِ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْبَقُّ هُوَ الْبَعُوضُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْبَقَّ الْمَعْرُوفَ، وَالْبَرَاغِيثُ جَمْعُ بُرْغُوثٍ بِالضَّمِّ، وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ، وَيُقَالُ لَهُ: طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ بُرْغُوثًا فَقَالَ لَا تَسُبَّهُ، فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا لِصَلَاةِ الْفَجْرِ» (1) وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ ثُمَّ تَمُجُّهَا وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا، ذَكَرَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وَالْأَصَحُّ لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ، وَلَا قَلِيلٍ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ بِالْعَادَةِ. قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَدَمُ الْبَثَرَاتِ كَالْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: إنْ عَصَرَهُ فَلَا، وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ، وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا فَكَالِاسْتِحَاضَةِ، وَإِلَّا فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا   [مغني المحتاج] الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَالذُّبَابُ مُفْرَدٌ، وَجَمْعُهُ ذِبَّانٌ بِالْكَسْرِ وَأَذِبَّةٌ، وَلَا يُقَالُ ذِبَّانَةٌ بِنُونٍ قَبْلَ الْهَاءِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَالْأَصَحُّ لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ) لِنُدْرَتِهِ وَلِسُهُولَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ (وَلَا) عَنْ (قَلِيلٍ انْتَشَرَ) مِنْهُ (بِعَرَقٍ) لِمُجَاوَزَتِهِ مَحَلَّهُ، وَلِأَنَّ الْبَلْوَى بِهِ لَا تَعُمُّ (وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ) وَالْقِلَّةُ (بِالْعَادَةِ) فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا، وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ قَلِيلٌ، وَإِنْ زَادَ فَكَثِيرٌ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ، وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْمُصَلِّي فَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْكَثِيرُ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانِ نَظَرٍ، وَالْقَلِيلُ دُونَهُ، وَلِلْمَشْكُوكِ فِي كَثْرَتِهِ حُكْمُ الْقَلِيلِ. وَالثَّانِي: يُعْفَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا الْجِنْسِ عُسْرُ الِاحْتِرَازِ فَيَلْحَقُ غَيْرُ الْغَالِبِ مِنْهُ بِالْغَالِبِ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَتَرَخَّصُ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِمَّا يُوجِبُ الْمَشَقَّةَ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ: قَلَّ أَوْ كَثُرَ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ أَمْ لَا لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ أَصَابَهُ الدَّمُ بِلَا تَعَمُّدٍ، فَلَوْ حَمَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ فِي كُمِّهِ، أَوْ فَرَشَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَبِسَهُ، وَكَانَتْ الْإِصَابَةُ بِفِعْلِهِ قَصْدًا كَأَنْ قَتَلَهَا فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ لَمْ يُعْفَ إلَّا عَنْ قَلِيلٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ، وَمِثْلُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا ذَكَرَ مَعَهُ، وَمِمَّا هُوَ آتٍ، وَمِثْلُ حَمْلِهِ مَا لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى تَمَامِ لِبَاسِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمُقْتَضَاهُ مَنْعُ زِيَادَةِ الْكُمِّ عَلَى الْأَصَابِعِ وَلُبْسُ ثَوْبٍ آخَرَ لَا لِغَرَضٍ مِنْ تَجَمُّلٍ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ مَحَلُّ الْعَفْوِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ وَقَعَ الثَّوْبُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: حُكِمَ بِتَنْجِيسِهِ (وَدَمُ الْبَثَرَاتِ) وَهِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ (كَالْبَرَاغِيثِ) أَيْ: كَدَمِهَا، فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ قَطْعًا، وَعَنْ كَثِيرِهِ عَلَى الرَّاجِحِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْهَا غَالِبًا، فَلَوْ وَجَبَ الْغُسْلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَمَّا مَا خَرَجَ مِنْهَا بِفِعْلِهِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ كَلَامِ الْكِفَايَةِ (وَقِيلَ: إنْ عَصَرَهُ فَلَا) يُعْفَى عَنْهُ، لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ (وَالدَّمَامِيلُ وَالْقُرُوحُ) أَثَرُ الْجِرَاحَاتِ (وَمَوْضِعُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ) فَيُعْفَى عَنْ دَمِهَا، وَإِنْ كَثُرَ عَلَى مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَالِبَةً فَلَيْسَتْ بِنَادِرَةٍ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا لِأَنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهَا، بَلْ يُقَالُ فِي جُزْئِيَّاتِ دَمِهَا (إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَدُومُ غَالِبًا فَكَالِاسْتِحَاضَةِ) أَيْ: كَدَمِهَا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِإِزَالَةِ مَا أَصَابَ مِنْهُ وَعَصْبِ مَحَلِّ خُرُوجِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَيُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ بَعْدَ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَدُومُ غَالِبًا. (فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ) يُصِيبُهُ (فَلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 يُعْفَى، وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ، وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَيْحُ، وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ، وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالْمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ، وَكَذَا فِي بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] يُعْفَى) عَنْهُ: أَيْ: مَا لَا يَدُومُ غَالِبًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَمَا أَنَّ دَمَ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ (وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي دَمِ الْأَجْنَبِيِّ، وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى رَاجِعٌ إلَى مَا لَا يَدُومُ غَالِبًا هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَجَعَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ رَاجِعًا إلَى دَمِ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى أَوْ مُتَعَيَّنٌ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ: دَمَ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ، وَمَوْضِعَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ (كَالْبَثَرَاتِ) فِيمَا مَرَّ، فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ خَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ فَصَحَّحَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ عَلَى طُهْرِ التَّيَمُّمِ. اهـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فِي مَنْهَجِهِ وَشَرْحِهِ (وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ) مِنْ نَفْسِهِ كَأَنْ انْفَصَلَ مِنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ نَحْوِ الْكَلْبِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ جِنْسَ الدَّمِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْعَفْوُ فَيَقَعُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَالْقَلِيلُ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ: عَدُّوهُ عَفْوًا، وَعَنْ الْقَدِيمِ يُعْفَى عَمَّا دُونَ الْكَفِّ. أَمَّا دَمُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِغِلَظِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ. وَكَذَا لَوْ أَخَذَ دَمًا أَجْنَبِيًّا وَلَطَّخَ بِهِ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ (وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ النَّجَاسَةِ (كَالدَّمِ) فِيمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ اسْتَحَالَا إلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ (وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ وَالْمُتَنَفِّطِ الَّذِي لَهُ رِيحٌ) كَالدَّمِ قِيَاسًا عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ (وَكَذَا بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى الصَّدِيدِ الَّذِي لَا رَائِحَةَ لَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ كَالْعَرَقِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ) قَطْعًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ سَائِرِ الدِّمَاءِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ، وَلَوْ دَمَ نَفْسِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمٌ أَوْ دَمَتْ لِثَتُهُ لَمْ يَعْفُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، نَعَمْ يُعْفَى عَنْ مَاءِ الطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَضْعَهُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ: لَوْ تَنَجَّسَ أَسْفَلُ الْخُفِّ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ لَا يَمْسَحُ عَلَى أَسْفَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَهُ زَادَ التَّلْوِيثُ وَلَزِمَهُ حِينَئِذٍ غَسْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدِ. اهـ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ نَحْوِ بَرَاغِيثَ وَبَدَنُهُ رَطْبٌ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلْوِيثِ بَدَنِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَفَقُّهًا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الرُّطُوبَةُ بِمَاءِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِعَرَقٍ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ. ، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ نَسِيَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَصْلٌ تَبْطُلُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ،   [مغني المحتاج] جَعَلَ عَلَى جُرْحِهِ دَوَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجُّ] . (وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ) لَا يُعْفَى عَنْهُ (لَمْ يَعْلَمْهُ) ابْتِدَاءَ صَلَاتِهِ ثُمَّ عَلِمَ كَوْنَهُ فِيهَا (وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَالْقَدِيمِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِعُذْرِهِ، وَلِحَدِيثِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الصَّلَاةَ وَاخْتَارَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَمًا يَسِيرًا، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْذَرًا طَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْذَرَ يُطْلَقُ عَلَى النَّجِسِ وَعَلَى فِعْلِهِ، وَفَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَزُّهًا، وَقِيلَ: إنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَاجِبًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ حِينَئِذٍ وَجَبَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ «وُضِعَ سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا» . (وَإِنْ عَلِمَ) بِالنَّجِسِ (ثُمَّ نَسِيَ) فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ أَعَادَهَا أَوْ بَعْدَهُ (وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ التَّطْهِيرِ لَمَّا عَلِمَ بِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ لِعُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ، فَيَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ فِعْلُهَا مَعَ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ اُحْتُمِلَ حُدُوثُهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ فِي أَقْرَبِ زَمَنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: إذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ مَثَلًا نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ، فَالْمَرْجُوُّ مِنْ عَفْوِ اللَّهِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ أَيْ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا صَلَّى نَاسِيًا لِلطَّهَارَةِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ لَا فِعْلِهِ إلَخْ فَيَأْتِي هُنَا. [فَصْلٌ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالنُّطْقِ بِحَرْفَيْنِ أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ] (فَصْلٌ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (بِالنُّطْقِ) بِكَلَامِ الْبَشَرِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَبِغَيْرِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (بِحَرْفَيْنِ) أَفْهَمَا كَقُمْ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ: لَا تَقُمْ أَوْ اُقْعُدْ أَمْ لَا كَعَنْ وَمِنْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] الْبَقَرَةُ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ» (2) . وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْت: وَاثُكْلَ أُمَّاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونِي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» (3) وَالْحَرْفَانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ، أَنَّ التَّنَحْنُحَ، وَالضَّحِكَ، وَالْبُكَاءَ، وَالْأَنِينَ، وَالنَّفْخَ إنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ، أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، لَا كَثِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْكَلَامُ حَرْفَانِ لِلِابْتِدَاءِ وَالْوَقْفِ، وَتَخْصِيصُهُ بِالْمُفْهِمِ فَقَطْ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِلنُّحَاةِ (أَوْ حَرْفٍ مُفْهِمٍ) نَحْوِ " قِ " مِنْ الْوِقَايَةِ وَ " عِ " مِنْ الْوَعْيِ وَ " فِ " مِنْ الْوَفَاءِ وَ " شِ " مِنْ الْوَشْيِ (وَكَذَا مَدَّةٌ بَعْدَ حَرْفٍ فِي الْأَصَحِّ) ، وَإِنْ لَمْ يُفْهِمْ نَحْوُ " آ " وَالْمَدُّ أَلِفٌ أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ، فَالْمَمْدُودُ فِي الْحَقِيقَةِ حَرْفَانِ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمَدَّةَ قَدْ تَتَّفِقُ لِإِشْبَاعِ الْحَرَكَةِ، وَلَا تُعَدُّ حَرْفًا، وَهَذَا كُلُّهُ يَسِيرٌ فَبِالْكَثِيرِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّنَحْنُحَ وَالضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ) وَلَوْ مِنْ خَوْفِ الْآخِرَةِ (وَالْأَنِينَ) وَالتَّأَوُّهَ (وَالنَّفْخَ) مِنْ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ (إنْ ظَهَرَ بِهِ) أَيْ: بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (حَرْفَانِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (وَإِلَّا فَلَا) تَبْطُلُ لِمَا مَرَّ. وَالثَّالِثُ: لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَلَامًا فِي اللُّغَةِ، وَلَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُ مِنْهُ حَرْفٌ مُحَقَّقٌ، فَأَشْبَهَ الصَّوْتَ الْغُفْلَ، وَخَرَجَ بِالضَّحِكِ التَّبَسُّمُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَسَّمَ فِيهَا، فَلَمَّا سَلَّمَ: قَالَ: مَرَّ بِي مِيكَائِيلُ فَضَحِكَ لِي فَتَبَسَّمْتُ لَهُ» (وَيُعْذَرُ فِي يَسِيرِ الْكَلَامِ) عُرْفًا (إنْ سَبَقَ لِسَانُهُ) إلَيْهِ: أَيْ: لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ النَّاسِيَ مَعَ قَصْدِهِ الْكَلَامَ مَعْذُورٌ فِيهِ، فَهَذَا أَوْلَى لِعَدَمِ قَصْدِهِ (أَوْ نَسِيَ الصَّلَاةَ) أَيْ: نَسِيَ أَنَّهُ فِيهَا لِلْعُذْرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى خَشَبَةً بِالْمَسْجِدِ وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» (1) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَهُمْ تَكَلَّمُوا مُجَوِّزِينَ النَّسْخَ ثُمَّ بَنَى هُوَ، وَهُمْ عَلَيْهَا (أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ) أَيْ: الْكَلَامِ فِيهَا (إنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ) أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ مَنْ بَعُدَ إسْلَامُهُ، وَقَرُبَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْعِلْمِ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ الَّذِي نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ وَإِنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ دِينِنَا. اهـ. وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ سَلَّمَ إمَامُهُ فَسَلَّمَ مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثَانِيًا، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ: قَدْ سَلَّمْت قَبْلَ هَذَا، فَقَالَ: كُنْت نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ، وَيُنْدَبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ ظَانًّا كَمَالَ صَلَاتِهِ فَكَالْجَاهِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ (لَا) فِي (كَثِيرِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ وَهَيْئَاتِهَا، وَالْقَلِيلُ يُحْتَمَلُ لِقِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ السَّبْقَ وَالنِّسْيَانَ فِي كَثِيرٍ نَادِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وَفِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ، لَا الْجَهْرِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] هَذَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَبْطُلُ بِالْأَكْلِ الْكَثِيرِ نَاسِيًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَلَبِّسٌ بِهَيْئَةٍ مُذَكِّرَةٍ بِالصَّلَاةِ يَبْعُدُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّائِمِ. وَالثَّانِي: يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْعُذْرِ كَمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْعَمْدِ، وَمَرْجِعُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَى الْعُرْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَتَانِ وَنَحْوُهُمَا، وَقِيلَ: مَا يَسَعُ زَمَانَ رَكْعَةٍ، وَصَحَّحَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي أَنَّ الْكَلَامَ الْكَثِيرَ نَاسِيًا لَا يُبْطِلُ لِقِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ (وَ) يُعْذَرُ (فِي) الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ (التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا مَرَّ وَغَيْرِهِ كَالسُّعَالِ وَالْعُطَاسِ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفَانِ، وَلَوْ مِنْ كُلِّ نَفْخَةٍ وَنَحْوِهَا (لِلْغَلَبَةِ) إذْ لَا تَقْصِيرَ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ لِلْجَمِيعِ (وَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ) الْوَاجِبَةِ، وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْأَرْكَانِ الْقَوْلِيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى التَّنَحْنُحِ فَقَطْ. أَمَّا إذَا كَثُرَ التَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُ لِلْغَلَبَةِ كَأَنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ مِنْ ذَلِكَ وَكَثُرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ كَمَا قَالَاهُ فِي الضَّحِكِ وَالسُّعَالِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَصَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ الْبُطْلَانِ فِي التَّنَحْنُحِ وَالسُّعَالِ وَالْعُطَاسِ لِلْغَلَبَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْأَوَّلِ مَا إذَا لَمْ يَصِرْ السُّعَالُ أَوْ نَحْوُهُ مَرَضًا مُلَازِمًا لَهُ. أَمَّا إذَا صَارَ السُّعَالُ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ بَلْ أَوْلَى (لَا) تَعَذُّرِ (الْجَهْرِ) فَلَا يُعْذَرُ فِي يَسِيرِ التَّنَحْنُحِ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّنَحْنُحِ لَهُ، وَفِي مَعْنَى الْجَهْرِ سَائِرُ السُّنَنِ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ جَوَازُ التَّنَحْنُحِ لِلْجَهْرِ بِأَذْكَارِ الِانْتِقَالَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى سَمَاعِ الْمَأْمُومِينَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ صَلَاةِ غَيْرِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ جَهِلَ بُطْلَانَهَا بِالتَّنَحْنُحِ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ؛ لِخَفَاءِ حُكْمِهِ عَلَى الْعَوَامّ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَجَهِلَ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ شُرْبِ الْخَمْرِ دُونَ إيجَابِهِ الْحَدَّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ، إذْ حَقُّهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الْكَفُّ، وَلَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ كَنِسْيَانِ النَّجَاسَةِ عَلَى ثَوْبِهِ صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ مَا أَتَى بِهِ مِنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِ جِنْسِ الْكَلَامِ فَمَعْذُورٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَيْ: يَسِيرًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّوْمِ، وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ فَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ لَمْ يُفَارِقْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَحَرُّزُهُ عَنْ الْمُبْطِلِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِبَادَةِ، وَقَدْ تَدُلُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ قَرِينَةُ حَالَ الْإِمَامِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَجَبَ مُفَارَقَتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ وَاجِبًا لَكِنْ هَلْ يُفَارِقُهُ فِي الْحَالِ أَوْ حَتَّى يَرْكَعَ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَحَنَ سَاهِيًا، وَقَدْ يَتَذَكَّرُ فَيُعِيدُ الْفَاتِحَةَ؟ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ. اهـ. بَلْ الْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ إمَامَهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ فِي الْحَالِ (وَلَوْ أُكْرِهَ) الْمُصَلِّي (عَلَى الْكَلَامِ) الْيَسِيرِ فِي صَلَاتِهِ (بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَيَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ إنْ قَصَدَ مَعَهُ قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ.   [مغني المحتاج] أَمْرٌ نَادِرٌ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْحَدَثِ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ كَالنَّاسِي. أَمَّا الْكَثِيرُ فَتَبْطُلُ بِهِ جَزْمًا. (وَلَوْ نَطَقَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ التَّفْهِيمِ كَيَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ) مُفْهِمًا بِهِ مَنْ يَسْتَأْذِنُ فِي أَخْذِ شَيْءٍ أَنْ يَأْخُذَهُ وَمِثْلُ قَوْلِهِ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فِي دُخُولٍ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] [الْحِجْرُ] ، وَقَوْلُهُ لِمَنْ يَنْهَاهُ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] [الرُّومُ] إنْ قَصَدَ مَعَهُ أَيْ: التَّفْهِيمِ (قِرَاءَةً لَمْ تَبْطُلْ) لِأَنَّهُ قُرْآنٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ الْخَوَارِجِ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَتَلَا عَلِيٌّ {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا (بَطَلَتْ) بِهِ لِأَنَّهُ فِيهِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ فَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ أَرْبَعُ رَسَائِلَ إحْدَاهَا: إذَا قَصَدَ الْقِرَاءَةَ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَالْإِعْلَامَ. الثَّالِثَةُ: إذَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ. الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا. فَفِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لَا تَبْطُلُ، وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ تَبْطُلُ، وَتُفْهَمُ الرَّابِعَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الثَّالِثَةُ، وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُحَرَّرُ، وَهِيَ نَفِيسَةٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِهَا، وَسَبَقَ مِثْلُهَا فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَتَحِلُّ أَذْكَارُهُ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ. اهـ. وَسُومِحَ فِي أَخْذِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ مِنْ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ، وَجَعَلَ فِي ذَلِكَ قِسْمَيْنِ وَهُمَا: قَصْدُ الْقِرَاءَةِ مَعَهُ، وَعَدَمُ قَصْدِهَا مَعَهُ، فَلَا يَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ قَصْدُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ، وَعَدَمُ قَصْدِ شَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مَا قُصِدَ فِيهِ التَّفْهِيمُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَنْدَرِجَ فِيهِ مَا لَا يُقْصَدُ فِيهِ التَّفْهِيمُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ بِالْقُرْآنِ وَالْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ التَّسْمِيعِ، فَإِنَّهُ إنْ قَصَدَ الرَّدَّ مَعَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْقِرَاءَةَ فَقَطْ أَوْ قَصَدَ التَّكْبِيرَ أَوْ التَّسْمِيعَ فَقَطْ مَعَ الْإِعْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ مَا لَوْ أَتَى بِكَلِمَاتٍ مِنْهُ مُتَوَالِيَةٍ مُفْرَدَاتُهَا فِيهِ دُونَ نَظْمِهَا، كَيَا إبْرَاهِيمُ سَلَامٌ كُنْ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، فَإِنْ فَرَّقَهَا وَقَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَةَ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِهَا الْقِرَاءَةَ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عَلَى انْفِرَادِهَا وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ (1) ، ظَاهِرٌ اهـ. وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 ، وَلَا تَبْطُلُ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ.   [مغني المحتاج] مُتَعَمِّدًا مُعْتَقِدًا كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ أَوْ النَّبِيُّ كَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَتَبْطُلُ بِمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ، وَإِنْ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُهُ لَا بِمَنْسُوخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ. (، وَلَا تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ) وَإِنْ لَمْ يُنْدَبَا، وَلَا بِنَذْرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ النَّذْرِ هَلْ هُوَ قُرْبَةٌ أَوْ لَا إلَّا مَا عَلَّقَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ أَرَدْت، أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ كَذَا فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدُّعَاءُ مُحَرَّمًا، وَيُشْتَرَطُ النُّطْقُ بِذَلِكَ بِالْعَرَبِيَّةِ إنْ كَانَ يُحْسِنُهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِطَابُ مَخْلُوقٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ كَمَا قَالَ (إلَّا أَنْ يُخَاطِبَ) بِهِ (كَقَوْلِهِ لِعَاطِسٍ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَسُبْحَانَ رَبِّي وَرَبِّكَ، أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَكَ فَتَبْطُلُ بِهِ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: دُعَاءٌ فِيهِ خِطَابٌ لِمَا لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ: يَا أَرْضُ رَبِّي، وَرَبُّك اللَّهُ، أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك، وَشَرِّ مَا فِيك، وَشَرِّ مَا دَبَّ عَلَيْك، وَكَقَوْلِهِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ: آمَنْتُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ. ثَانِيهَا: إذَا أَحَسَّ بِالشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِقَوْلِهِ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ. ثَالِثُهَا: لَوْ خَاطَبَ الْمَيِّتَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ: رَحِمَك اللَّهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَك؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خِطَابًا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْهُ مَيِّتًا لَمْ تَطْلُقْ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْحَدِيثَ الَّذِي وَرَدَ بِأَنَّهُ خَاطَبَ الشَّيْطَانَ بِقَوْلِهِ " أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ " وَقَالَ: إنَّهُ إمَّا مُؤَوَّلٌ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ. اهـ. أَمَّا خِطَابُ الْخَالِقِ كَ - إيَّاكَ نَعْبُدُ -، وَخِطَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَ " السَّلَامُ عَلَيْكَ " فِي التَّشَهُّدِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ بِذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك أَوْ الصَّلَاةُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نَحْوَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْجَحُ بُطْلَانَهَا مِنْ الْعَالِمِ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي إلْحَاقِهِ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ إلْحَاقًا لَهُ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ إجَابَةَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِهِ كَإِجَابَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ خِطَابَ الْمَلَائِكَةِ وَبَاقِيَ الْأَنْبِيَاءِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. اهـ. وَالْمُقْتَضِي هُوَ الْمُعْتَمِدُ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ إجَابَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَإِجَابَتِهِ بِالْقَوْلِ، وَلَا تَجِبُ إجَابَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، بَلْ تَحْرُمُ فِي الْفَرْضِ وَتَجُوزُ فِي النَّفْلِ، وَالْأَوْلَى الْإِجَابَةُ فِيهِ إنْ شَقَّ عَلَيْهِمَا عَدَمُهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَبْطُلُ بِإِجَابَةِ أَحَدِهِمَا لَا بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ، وَإِنْ بَاعَ بِهَا وَاشْتَرَى. وَلَوْ قَالَ: قَافْ، أَوْ صَادْ، أَوْ نُونْ، فَإِنْ قَصَدَ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ الْقُرْآنَ لَمْ تَبْطُلْ، وَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْفِ غَيْرِ الْمُفْهِمِ الَّذِي لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ هُوَ مُسَمَّى الْحَرْفِ لَا اسْمُهُ، وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فَقَالَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ تِلَاوَةً أَوْ دُعَاءً كَمَا فِي التَّحْقِيقِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ، أَوْ قَالَ: اسْتَعَنْت بِاَللَّهِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا بِلَا غَرَضٍ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ. ، وَيَسُنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ، وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ، وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى أَنْ يُسَبِّحَ، وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ بِضَرْبِ الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ.   [مغني المحتاج] اسْتَعَنَّا بِاَللَّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الثَّنَاءَ أَوْ الذِّكْرَ كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِي قَالَ: إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَمْ يُفِدْهُ اللَّفْظُ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ. (وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا) عَمْدًا فِي غَيْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ (بِلَا غَرَضٍ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْرُمُ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. أَمَّا تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَطْوِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ طَوِيلًا عَنْ الْيَسِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا، وَبِلَا غَرَضٍ عَنْ السُّكُوتِ نَاسِيًا وَلِتَذَكُّرِ شَيْءٍ نَسِيَهُ فَالْأَصَحُّ فِيهِمَا الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ. اهـ. وَنُظِرَ فِي دَعْوَاهُ الِاحْتِرَازَ بِقَوْلِهِ: بِلَا غَرَضٍ عَنْ النِّسْيَانِ، فَإِنَّ النَّاسِيَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِأَنْ سَكَتَ بِلَا غَرَضٍ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مَا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ. (، وَيَسُنُّ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ) فِي صَلَاتِهِ (كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ) لِنَحْوِ سَهْوٍ (وَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ) اسْتَأْذَنَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ (وَإِنْذَارِهِ أَعْمَى) مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ فِي مَحْذُورٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَغَافِلٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَمَنْ قَصَدَهُ ظَالِمٌ أَوْ نَحْوُ سَبُعٍ (أَنْ يُسَبِّحَ وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (بِضَرْبِ) بَطْنِ (الْيَمِينِ عَلَى ظَهْرِ الْيَسَارِ) أَوْ عَكْسِهِ أَوْ بِضَرْبِ ظَهْرِ الْيَمِينِ عَلَى بَطْنِ الْيَسَارِ أَوْ عَكْسِهِ، فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ تَنَاوَلَهَا قَوْلُ التَّحْقِيقِ تُصَفِّقُ بِظَهْرِ كَفٍّ عَلَى بَطْنِ أُخْرَى وَنَحْوِهِ لَا بَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، فَتَنَاوَلَ كَلَامُهُ أَوَّلًا جَوَازَ الضَّرْبِ بِظَهْرِ الْيُمْنَى عَلَى بَطْنِ الْيُسْرَى، وَبِظَهْرِ الْيُسْرَى عَلَى بَطْنِ الْيُمْنَى، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ عَكْسُهُمَا، وَهُوَ الضَّرْبُ بِبَطْنِ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى، وَبَطْنِ الْيُسْرَى عَلَى ظَهْرِ الْيُمْنَى. وَأَمَّا الضَّرْبُ بِبَطْنِ إحْدَاهُمَا عَلَى بَطْنِ الْأُخْرَى فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا يَنْبَغِي فَإِنَّهُ لَعِبٌ، وَلَوْ فَعَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا، فَإِنَّ اللَّعِبَ يُنَافِي الصَّلَاةَ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا فَعَلَتْ فِعْلَةً مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ اللَّعِبَ لَا يُقْصَدُ إلَّا بِهَا، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخِي فِي شَخْصٍ أَقَامَ أُصْبُعَهُ الْوُسْطَى، وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ لِشَخْصٍ لَاعِبًا مَعَهُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» (1) وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى كَمَا مَرَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الذِّكْرَ مَعَ التَّفْهِيمِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ فَقَطْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ إنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ اسْتِحْبَابَ الْإِنْذَارِ، وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا كَإِنْذَارِ الْأَعْمَى، وَتَارَةً يَكُونُ مُسْتَحَبًّا كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ إذَا هَمَّ بِتَرْكِ مُسْتَحَبٍّ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَتَارَةً يَكُونُ مُبَاحًا كَإِذْنِهِ لِدَاخِلٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ حُكْمِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهَا بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَنْسَى.   [مغني المحتاج] إلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّصْفِيقِ، وَلَمْ يَرِدْ بَيَانُ حُكْمِ التَّنْبِيهِ، وَعَلَى هَذَا يَفُوتُهُ حُكْمُ التَّنْبِيهِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ؟ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَنْدُوبٍ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ فِي الْمَتْنِ، وَمُبَاحٌ لِمُبَاحٍ كَالْمِثَالِ الثَّانِي، وَوَاجِبٌ لِوَاجِبٍ كَالْمِثَالِ الثَّالِثِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، فَلَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ، وَسَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ جَازَ، لَكِنْ خَالَفَا السُّنَّةَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ أَطْلَقُوا التَّصْفِيقَ لِلْمَرْأَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَوْضِعَهُ إذَا كَانَتْ بِحَضْرَةِ رِجَالٍ أَجَانِبَ، فَلَوْ كَانَتْ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ فَإِنَّهَا تُسَبِّحُ كَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ بِحَضْرَتِهِمْ، وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ وَافَقَهُ شَيْخُنَا عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمْ يَعْزُهُ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَصْفِيقَ الْمَرْأَةِ لَا يَضُرُّ إذَا كَثُرَ وَتَوَالَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ يَضُرُّ. فَإِنْ قِيلَ: دَفْعُ الْمَارِّ إذَا تَوَالَى، وَكَثُرَ يَضُرُّ فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ خَفِيفٌ فَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّوَالِي مَعَ الْكَثْرَةِ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ بِسُبْحَةٍ إنْ لَمْ تُحَرِّكْ كَفَّهَا، وَإِلَّا فَكَتَحْرِيكِ الْكَفِّ لِلْجَرَبِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ تَحْرِيكَ الْكَفِّ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْذَارُ الْوَاجِبُ إلَّا بِالْفِعْلِ الْمُبْطِلِ أَوْ بِالْكَلَامِ وَجَبَ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالْأَوَّلِ، وَكَذَا بِالثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بِالصِّحَّةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِهِ. (وَلَوْ فَعَلَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَهَا) أَيْ: فَعَلَ فِيهَا غَيْرَ مَا شُرِعَ فِيهَا (إنْ كَانَ) الْمَفْعُولُ (مِنْ جِنْسِهَا) أَيْ: مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهَا كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ مِنْ الْمَسْبُوقِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ لَكِنْ لَوْ جَلَسَ مِنْ اعْتِدَالِهِ قَدْرَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ سَجَدَ أَوْ جَلَسَ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ قَبْلَ قِيَامِهِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ مَعْهُودَةٌ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ فِيهَا إلَّا رُكْنًا فَكَانَ تَأْثِيرُهُ فِي تَغْيِيرِ نَظْمِهَا أَشَدَّ. نَعَمْ لَوْ انْتَهَى مِنْ قِيَامِهِ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لِقَتْلِ نَحْوِ حَيَّةٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ مَا ذَكَرَ نَاسِيًا كَمَا قَالَ (إلَّا أَنْ يَنْسَى) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَمْ يُعِدْهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْجَهْلُ مَعَ قُرْبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الْبُعْدِ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَالنِّسْيَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ: لَوْ فَعَلَ مَا لَا يَقْتَضِي سُجُودَ سَهْوٍ فَظَنَّ أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ وَسَجَدَ لَمْ تَبْطُلْ إنَّ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ. أَمَّا مَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ لِإِمَامِهِ، فَلَا يَضُرُّ كَأَنْ اقْتَدَى بِمَنْ اعْتَدَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الزَّائِدِ، وَلَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الْإِمَامِ كَانَ لَهُ الْعَوْدُ ثَانِيًا كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ آيَةَ سَجْدَةٍ فَهَوَى لِيَسْجُدَ حَتَّى وَصَلَ لِحَدِّ الرُّكُوعِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَهُ جَازَ كَقِرَاءَةِ بَعْضِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى خَشِنٍ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِئَلَّا تَنْجَرِحَ جَبْهَتُهُ ثُمَّ سَجَدَ ثَانِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ تَحَامَلَ عَلَى الْخَشِنِ بِثُقْلِ رَأْسِهِ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي تَبْطُلُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِعْلُ الْقَوْلِ، فَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وَإِلَّا فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ، لَا قَلِيلِهِ، وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، فَالْخُطْوَتَانِ أَوْ الضَّرْبَتَانِ قَلِيلٌ، وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ إنْ تَوَالَتْ، وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ لَا الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ فِي سَبْحَةٍ، أَوْ حَكٍّ فِي   [مغني المحتاج] قَوْلِيًّا غَيْرَ السَّلَامِ أَوْ كَرَّرَهُ عَمْدًا، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ عَلَى النَّصِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي، أَمَّا نَقْلُ السَّلَامِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَفْعُولُ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهَا كَالْمَشْيِ وَالضَّرْبِ (فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ) وَلَوْ سَهْوًا لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ. أَمَّا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ كَصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَوْ الْمُتَنَفِّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا احْتَاجَ إلَى تَحْرِيكِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَإِنْ كَثُرَ (لَا قَلِيلِهِ) وَلَوْ عَمْدًا، وَفَارَقَ الْفِعْلُ الْقَوْلَ حَيْثُ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فِي الْإِبْطَالِ بِأَنَّ الْفِعْلَ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَعُفِيَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْقَوْلِ، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ بِنْتِهِ، فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» (1) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ» . نَعَمْ الْأَكْلُ الْقَلِيلُ الْعَمْدُ يُبْطِلُهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا الْفِعْلُ الْقَلِيلُ بِقَصْدِ اللَّعِبِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ (وَالْكَثْرَةُ) وَالْقِلَّةُ (بِالْعُرْفِ) فِي الْأَصَحِّ فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ قَلِيلًا كَخَلْعِ الْخُفِّ وَلُبْسِ الثَّوْبِ الْخَفِيفِ وَقَتْلِ قَمْلَةٍ وَدَمُهَا عَفْوٌ فَقَلِيلٌ، نَعَمْ إنْ حَمَلَ جِلْدَ الْقَمْلَةِ الْمَقْتُولَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ (فَالْخُطْوَتَانِ) الْمُتَوَسِّطَتَانِ (أَوْ الضَّرْبَتَانِ) كَذَلِكَ أَوْ الْإِشَارَةُ بِرَدِّ السَّلَامِ (قَلِيلٌ) لِحَدِيثِ خَلْعِ النَّعْلَيْنِ وَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ كَثِيرًا مِمَّا ذُكِرَ أَوْ غَيْرِهِ فَكَثِيرٌ، وَقَدْ مَثَّلَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالثَّلَاثُ) مِنْ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِهِ (كَثِيرٌ إنْ تَوَالَتْ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْخُطُوَاتِ أَمْ أَجْنَاسٍ كَخُطْوَةٍ وَضَرْبَةٍ وَخَلْعِ نَعْلٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْخُطُوَاتُ الثَّلَاثُ بِقَدْرِ خُطْوَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. وَقِيلَ: الْقَلِيلُ مَا لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى كِلْتَا الْيَدَيْنِ، وَالْكَثِيرُ مَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَالتَّعَمُّمِ، وَقِيلَ: الْكَثِيرُ مَا يَسَعُ وَقْتُهُ رَكْعَةً، وَالْقَلِيلُ خِلَافُهُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: إنْ تَوَالَتْ مَا لَوْ أَتَى بِالثَّلَاثِ مُتَفَرِّقَةً بِحَيْثُ تُعَدُّ الثَّانِيَةُ مَثَلًا مُنْقَطِعَةً عَنْ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ مُنْقَطِعَةً عَنْ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ لِحَدِيثِ حَمْلِ أُمَامَةَ، وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ رَكْعَةٍ، وَلَوْ فَعَلَ وَاحِدَةً بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيِّ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَنَوَى أَنْ يَأْتِيَ بِحَرْفَيْنِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي فِعْلٍ فَعَلَهُ هَلْ وَصَلَ إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَتَبْطُلُ بِالْوَثْبَةِ) لِمُنَافَاتِهَا لِلصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ (الْفَاحِشَةِ) يُفْهِمُ أَنَّ لَنَا وَثْبَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَلِكَ عَدَلَ ابْنُ الْمُقْرِي عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ فَحُشَتْ الْفَعْلَةُ كَوَثْبَةٍ بَطَلَتْ (لَا الْحَرَكَاتِ الْخَفِيفَةِ الْمُتَوَالِيَةِ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ) بِلَا حَرَكَةِ كَفِّهِ (فِي سُبْحَةٍ) أَوْ عَقْدٍ أَوْ حَلٍّ (أَوْ حَكٍّ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَتَحْرِيكِ لِسَانِهِ أَوْ أَجْفَانِهِ أَوْ شَفَتَيْهِ أَوْ ذَكَرِهِ مِرَارًا وَلَاءً فَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ (فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 الْأَصَحِّ، وَسَهْوُ الْفِعْلِ كَعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الْأَكْلِ. قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا، أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ فَبَلِعَ ذَوْبَهَا بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي إلَى جِدَارٍ، أَوْ سَارِيَةٍ،   [مغني المحتاج] الْأَصَحِّ) إذْ لَا يُخِلُّ ذَلِكَ بِهَيْئَةِ الْخُشُوعِ وَالتَّعْظِيمِ فَأَشْبَهَ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْخُطُوَاتِ، فَإِنْ حَرَّكَ كَفَّهُ فِي ذَلِكَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً بَطَلَتْ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، وَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَصَابِعِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ جَرَبٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الصَّبْرِ لَمْ تَبْطُلْ بِتَحْرِيكِ كَفِّهِ ثَلَاثًا وِلَاءً كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كَافِيهِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ فَتَحَ كِتَابًا، وَفَهِمَ مَا فِيهِ أَوْ قَرَأَ فِي مُصْحَفٍ، وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا لَمْ تَبْطُلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ أَوْ غَيْرُ مُتَوَالٍ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ، وَالْقَلِيلُ مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي يُبْطِلُ كَثِيرُهُ إذَا تَعَمَّدَهُ بِلَا حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ، لَا فِي فِعْلٍ مَنْدُوبٍ كَقَتْلِ نَحْوِ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ كَمَا مَرَّ. فَائِدَةٌ: هَلْ الْخُطْوَةُ نَقْلُ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا خُطْوَةً أُخْرَى، أَوْ نَقْلُ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْخُطْوَةِ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ. أَمَّا نَقْلُ كُلٍّ مِنْ الرِّجْلَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ إلَى التَّقَدُّمِ أَوْ التَّأَخُّرِ إلَى الْأُخْرَى فَخُطْوَتَانِ بِلَا إشْكَالٍ. اهـ. وَالْمُتَّجَهُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ شَيْخِي، وَهُوَ أَنَّ نَقْلَ الرِّجْلِ الْأُخْرَى خُطْوَةٌ ثَانِيَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْخُطْوَةَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَاسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ (وَسَهْوُ الْفِعْلِ) الْمُبْطِلِ لِفُحْشِهِ أَوْ كَثْرَتِهِ (كَعَمْدِهِ) فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَيُبْطِلُ كَثِيرُهُ وَفَاحِشُهُ لِنُدُورِ السَّهْوِ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي، وَاخْتَارَهُ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ كَعَمْدِ قَلِيلِهِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَجَهْلُ التَّحْرِيمِ كَالسَّهْوِ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي (وَتَبْطُلُ بِقَلِيلِ الْأَكْلِ) لِشِدَّةِ مُنَافَاتِهِ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْقَلِيلَةِ، أَمَّا الْكَثِيرُ فَتَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا، وَيُرْجَعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا مَرَّ وَهَلْ الْمُبْطِلُ الْفِعْلُ أَوْ وُصُولُ الْمُفَطِّرِ جَوْفَهُ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَضْغَ أَيْضًا مِنْ الْأَفْعَالِ (قُلْت: إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا) لِلصَّلَاةِ (أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ) لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا تَبْطُلُ بِقَلِيلِهِ قَطْعًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ. أَمَّا كَثِيرُهُ فَيُبْطِلُ مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ مُفَرَّقًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ لِلصَّلَاةِ هَيْئَةً مَذْكُورَةً بِخِلَافِهِ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ فَرْقًا فِي جَهْلِ التَّحْرِيمِ، وَالْفَرْقُ الصَّالِحُ لِذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ ذَاتُ أَفْعَالٍ مَنْظُومَةٍ وَالْفِعْلُ الْكَثِيرُ يَقْطَعُ نَظْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ كَفٌّ، وَالْمُكْرَهُ هُنَا كَغَيْرِهِ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ. (فَلَوْ كَانَ بِفَمِهِ سُكَّرَةٌ) فَذَابَتْ (فَبَلِعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا (ذَوْبَهَا) بِمَصٍّ وَنَحْوِهِ لَا بِمَضْغٍ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ لِعَدَمِ الْمَضْغِ. ثُمَّ إنَّ الْمَضْغَ مِنْ الْأَفْعَالِ فَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْجَوْفِ شَيْءٌ مِنْ الْمَمْضُوغِ. (وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي) أَنْ يَتَوَجَّهَ (إلَى) سُتْرَةٍ نَحْوِ (جِدَارٍ أَوْ سَارِيَةٍ) أَيْ: عَمُودٍ كَخَشَبَةٍ مَبْنِيَّةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةٍ، أَوْ بَسَطَ مُصَلًّى، أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ دَفْعُ الْمَارِّ، وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ.   [مغني المحتاج] (أَوْ) إلَى نَحْوِ (عَصًا مَغْرُوزَةٍ) كَمَتَاعٍ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِخَبَرِ «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (أَوْ بَسَطَ مُصَلًّى) عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ كَسَجَّادَةٍ بِفَتْحِ السِّينِ (أَوْ خَطَّ قُبَالَتَهُ) عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ خَطًّا طُولًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، رَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ أَمَامَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا. ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» (1) وَقِيسَ بِالْخَطِّ الْمُصَلَّى، وَقُدِّمَ عَلَى الْخَطِّ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ، وَطُولُ الْمَذْكُورَاتِ حَتَّى الْخَطِّ ثُلُثَا ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ تَقْرِيبًا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُصَلِّي ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ. وَإِذَا صَلَّى إلَى شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ سُنَّ لَهُ، وَكَذَا لِغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَفَقُّهًا (دَفْعُ الْمَارِّ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلَّى، وَالْخَطِّ مِنْهُمَا أَعْلَاهُمَا: وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» (2) أَيْ: مَعَهُ شَيْطَانٌ أَوْ هُوَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ (وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ) وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَارُّ سَبِيلًا آخَرَ لِخَبَرِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي - أَيْ: إلَى السُّتْرَةِ - مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (3) " إلَّا مِنْ الْإِثْمِ " فَالْبُخَارِيُّ " وَإِلَّا خَرِيفًا " فَالْبَزَّارُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا وُجُوبُ الدَّفْعِ، وَقَدْ بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِحُرْمَةِ الْمُرُورِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا، وَلَيْسَ كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ احْتَجَّ بِخَبَرِ «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَظْلُومَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الظَّالِمَ» (4) وَالْمَنْقُولُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَبِهَذَا يُلْغَزُ، وَيُقَالُ لَنَا حَرَامٌ لَا يَجِبُ إنْكَارُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ وُجُوبِهِ شِدَّةُ مُنَافَاتِهِ لِمَقْصُودِ الصَّلَاةِ مِنْ الْخُشُوعِ وَالتَّدَبُّرِ، وَأَيْضًا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَالتَّحْرِيمُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصُرْ الْمُصَلِّي بِصَلَاتِهِ فِي الْمَكَانِ، وَإِلَّا كَأَنْ وَقَفَ بِقَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَلَا حُرْمَةَ بَلْ، وَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، وَبِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَارُّ فُرْجَةً أَمَامَهُ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ، بَلْ لَهُ خَرْقُ الصُّفُوفِ وَالْمُرُورُ بَيْنَهَا لِيَسُدَّ الْفُرْجَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَفِيهَا لَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ أَوْ تَبَاعَدَ عَنْهَا: أَيْ: أَوْ لَمْ تَكُنْ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ. لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَقَوْلُهُ فِي غَيْرِهَا: " لَكِنْ يُكْرَهُ " مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ. قَالَ: وَإِذَا صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَهَا مُقَابِلَةً لِيَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَلَا يَصْمُدُ لَهَا بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ: وَلَا يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَإِذَا دَفَعَ دَفَعَ بِالْأَسْهَلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 قُلْت: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ لَا لِحَاجَةٍ. وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ   [مغني المحتاج] فَالْأَسْهَلِ، كَدَفْعِ الصَّائِلِ، فَإِنْ أَدَّى إلَى مَوْتِهِ فَهَدَرٌ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَدْفَعُهُ بِيَدِهِ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي مَكَانِهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الشَّيْءِ أَشَدُّ مِنْ الْمُرُورِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْخَطْوَةَ أَوْ الْخَطْوَتَيْنِ حَرَامٌ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ لَهُمَا الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مُرَادًا: أَيْ لَا يَحِلُّ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ وَلَوْ دَفَعَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصْفِيقِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الصَّلَاةِ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ جِدَارٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الشَّاخِصَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ طُولَ السُّتْرَةِ وَلَا قَدْرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ. فَائِدَةٌ: لَوْ وَضَعَ سُتْرَةً فَأَزَالَهَا الرِّيحُ أَوْ غَيْرُهَا فَمَنْ عَلِمَ فَمُرُورُهُ كَمُرُورِهِ مَعَ وُجُودِ السُّتْرَةِ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ فَوَضَعَهَا لَهُ شَخْصٌ آخَرُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ تَحْرِيمُ الْمُرُورِ حِينَئِذٍ نَظَرًا لِوُجُودِهَا لَا لِتَقْصِيرِ الْمُصَلِّي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَرَاهُ اهـ. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ كَامْرَأَةٍ وَكَلْبٍ وَحِمَارٍ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ» (1) فَالْمُرَادُ مِنْهُ قَطْعُ الْخُشُوعِ لِلشَّغْلِ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْضَ الصُّفُوفِ لَا يَكُونُ سُتْرَةً لِبَعْضِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. (قُلْت: يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ) فِي الصَّلَاةِ بِوَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَإِنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ كَمَا صَحَّ فِي الْبُخَارِيِّ وَلِمُنَافَاتِهِ الْخُشُوعَ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ» (2) وَلِهَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي بِحُرْمَتِهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْخَبَرِ حَرُمَ بَلْ تَبْطُلُ إنْ فَعَلَهُ لَعِبًا اهـ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ كَمَا قَالَ (لَا لِحَاجَةٍ) فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَرْسَلَ فَارِسًا إلَى شِعْبٍ مِنْ أَجْلِ الْحَرْسِ فَجَعَلَ يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشِّعْبِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. أَمَّا صَدْرُهُ، فَإِنْ حَوَّلَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ اللَّمْحُ بِالْعَيْنِ دُونَ الِالْتِفَاتِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: «قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَلَمَحَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنِهِ رَجُلًا لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَقَالَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ» (3) . (وَ) يُكْرَهُ (رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» (4) وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَى الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالنَّهْيِ الْمُسْتَحْضِرِ لَهُ اهـ. وَرُوِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وَكَفُّ شَعْرِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَالْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ، وَالصَّلَاةُ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا، أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَتُوقُ   [مغني المحتاج] «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ، فَنَزَلَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] الْمُؤْمِنُونَ: فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَيُكْرَهُ نَظَرُ مَا يُلْهِي عَنْ الصَّلَاةِ كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ لِخَبَرِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: أَلْهَتْنِي هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّتِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَ) يُكْرَهُ (كَفُّ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ) لِحَدِيثِ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يُصَلِّيَ وَشَعْرُهُ مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودٌ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ ثَوْبُهُ أَوْ كُمُّهُ مُشَمَّرٌ، وَمِنْهُ شَدُّ الْوَسَطِ وَغَرْزُ الْعَذَبَةِ. وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ كَفِّ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، وَلِذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ، وَفِي إبْهَامِهِ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَجُرُّ بِهَا وَتَرَ الْقَوْسِ. قَالَ: لِأَنِّي آمُرُهُ أَنْ يُفْضِيَ بِبُطُونِ كَفَّيْهِ إلَى الْأَرْضِ (وَ) يُكْرَهُ (وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فَمِهِ) لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلِمُنَافَاتِهِ لِهَيْئَةِ الْخُشُوعِ (بِلَا حَاجَةٍ) فَإِنْ كَانَ لَهَا كَمَا إذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَضْعُهَا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَضَعُ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى. وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَيُكْرَهُ النَّفْخُ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَمَسْحُ الْحَصَى وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَسْجُدُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً تَسْوِيَةً لِلْحَصَى» وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ (وَ) يُكْرَهُ (الْقِيَامُ عَلَى رِجْلٍ) وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ يُنَافِي الْخُشُوعَ إلَّا إنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَوَجَعِ الْأُخْرَى فَلَا كَرَاهَةَ (وَ) تُكْرَهُ (الصَّلَاةُ حَاقِنًا) بِالنُّونِ: أَيْ مُدَافِعًا لِلْبَوْلِ (أَوْ حَاقِبًا) بِالْمُوَحَّدَةِ: أَيْ مُدَافِعًا لِلْغَائِطِ أَوْ حَازِقًا بِالْقَافِ، وَهُوَ مُدَافِعُ الرِّيحِ، أَوْ حَاقِنًا بِهِمَا، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا انْتَهَى بِهِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ إلَى أَنْ ذَهَبَ خُشُوعُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ بِحَضْرَةِ) - بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - (طَعَامٍ) مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ (يَتُوقُ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ: أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 إلَيْهِ. وَأَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ.   [مغني المحتاج] يَشْتَاقُ (إلَيْهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا صَلَاةَ - أَيْ كَامِلَةٌ - بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» (1) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ وَتَوَقَانُ النَّفْسِ فِي غَيْبَةِ الطَّعَامِ كَحُضُورِهِ قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ إنْ كَانَ يُرْجَى حُضُورُهُ عَنْ قُرْبٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ بَلْ قِيلَ: إنَّ غَيْبَةَ الطَّعَامِ لَيْسَتْ كَحُضُورِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ يُوجِبُ زِيَادَةَ تَشَوُّقٍ وَتَطَلُّعٍ إلَيْهِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِتَوَقَانٍ يُفْهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ مَا يَنْكَسِرُ بِهِ التَّوَقَانُ، وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْأَعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَأْكُلَ حَاجَتَهُ بِكَمَالِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ. (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَبْصُقَ قِبَلَ وَجْهِهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ» وَيُكْرَهُ الْبُصَاقُ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمَامَهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لَكِنْ مَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَمَامَهُ إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ إكْرَامًا لَهَا. فَائِدَةٌ: رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَا بَزَقْتُ عَنْ يَمِينِي مُنْذُ أَسْلَمْتُ " قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْبُصَاقِ عَنْ يَمِينِهِ مَا إذَا كَانَ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ بُصَاقَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَسَارِهِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْقَبْرُ الشَّرِيفُ عَنْ يَسَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ عَنْ يَسَارِهِ مَلَكٌ آخَرُ فَمَا وِجْهَةُ اخْتِصَاصِ الْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْحَسَنَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فَلَا دَخْلَ لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ فِيهَا، فَفِي الطَّبَرَانِيِّ " فَإِنَّهُ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَكُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ " فَالْبُصَاقُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْقَرِينِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ، وَلَعَلَّ مَلَكَ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ يَكُونُ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، هَذَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَا يَبْصُقُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ، وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَى فَاعِلِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الْمَشْهُورَ الْكَرَاهَةُ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» أَيْ وَلَوْ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ: بَلْ يَبْصُقُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ فِي جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ كَكُمِّهِ. وَبَصَقَ وَبَزَقَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا أَوْ نَحْوَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ وَأَنْ يُطَيِّبَ مَحَلَّهُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَمْ تَجِبْ الْإِزَالَةُ لِأَنَّ الْبُصَاقَ فِيهِ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا قَالُوهُ فِي دَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي كَمَا مَرَّ. (وَ) يُكْرَهُ (وَضْعُ يَدِهِ) أَيْ الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى خَاصِرَتِهِ) لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَعْنِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وَالْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ فِي رُكُوعِهِ، وَالصَّلَاةُ فِي الْحَمَّامِ، وَالطَّرِيقِ، وَالْمَزْبَلَةِ، وَالْكَنِيسَةِ،   [مغني المحتاج] الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الِاخْتِصَارِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَتَوَكَّأَ عَلَى عَصًا. وَالثَّالِثُ: يَخْتَصِرُ السُّورَةَ فَيَقْرَأُ آخِرَهَا. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَخْتَصِرَ صَلَاتَهُ فَلَا يُتِمَّ حُدُودَهَا. وَالْخَامِسُ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ وَيَسْجُدَ فِيهَا. وَالسَّادِسُ: أَنْ يَخْتَصِرَ السَّجْدَةَ إذَا انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهَا وَلَا يَسْجُدُهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ اُخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ، فَقِيلَ: لِأَنَّهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ، وَقِيلَ: فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَقِيلَ: فِعْلُ الشَّيْطَانِ. وَحُكِيَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ إبْلِيسَ هَبَطَ مِنْ الْجَنَّةِ كَذَلِكَ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُفَرْقِعَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُشَبِّكَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ عَبَثٌ، وَأَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ فِيهَا وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِ. (وَ) تُكْرَهُ (الْمُبَالَغَةُ فِي خَفْضِ الرَّأْسِ) عَنْ الظَّهْرِ (فِي رُكُوعِهِ) لِمُجَاوَزَتِهِ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ: أَيْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ: أَيْ لَمْ يَخْفِضْهُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ خَفْضَ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَ) تُكْرَهُ (الصَّلَاةُ فِي) الْأَسْوَاقِ، وَالرِّحَابِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَسْجِدِ قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. قَالَ: وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَضْرِبُ النَّاسَ وَيُقِيمُ مِنْ الرِّحَابِ، وَفِي (الْحَمَّامِ) وَلَوْ فِي مَسْلَخِهِ لِحَدِيثِ صَحِيحٍ أَسْنَدَهُ ابْنُ حِبَّانَ «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» (1) . وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَقِيلَ خَوْفُ النَّجَاسَةِ، وَقِيلَ: لِاشْتِغَالِ الْمُصَلِّي بِدُخُولِ النَّاسِ، وَقِيلَ، غَيْرُ ذَلِكَ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ (وَ) فِي (الطَّرِيقِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَهِيَ أَعْلَاهُ، وَقِيلَ: صَدْرُهُ، وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الطَّرِيقِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فَلِهَذَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالْبَرِّيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي الْبُنْيَانِ دُونَ الْبَرِّيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الشَّوَارِعِ بَاطِلَةٌ بِنَاءً عَلَى تَغْلِيبِ الْغَالِبِ الظَّاهِرِ عَلَى الْأَصْلِ. (وَ) فِي (الْمَزْبَلَةِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا مَوْضِعُ الزِّبْلِ وَنَحْوِهِ كَالْمَجْزَرَةِ، وَهِيَ مَوْضِعُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا بَسَطَ طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ مُصَلٍّ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ عَلَى الْحَائِلِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَقَّقَةً، فَإِنْ بَسَطَهُ عَلَى مَا غَلَبَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ تُكْرَهْ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِالْحَائِلِ (وَ) فِي (الْكَنِيسَةِ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْبَدُ النَّصَارَى، وَفِي الْبِيعَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَمَاكِنِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، نَعَمْ لَوْ مَنَعْنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِ أَمَاكِنِهِمْ حَرُمَ عَلَيْنَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وَعَطَنِ الْإِبِلِ وَالْمَقْبَرَةِ الطَّاهِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] دُخُولُهَا (وَ) فِي (عَطَنِ الْإِبِلِ) وَلَوْ طَاهِرًا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ الشَّارِبَةُ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ سِيقَتْ مِنْهُ إلَى الْمَرْعَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ» (1) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلِنِفَارِهَا الْمُشَوِّشِ لِلْخُشُوعِ، وَالْمَرَابِضُ الْمَرَاقِدُ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ بِأَنَّ خَوْفَ نِفَارِ الْإِبِلِ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ بِخِلَافِ الْغَنَمِ، وَلَا تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ بِالْعَطَنِ، بَلْ مَأْوَاهَا وَمَقِيلُهَا وَمَبَارِكُهَا، بَلْ مَوَاضِعُهَا كُلُّهَا كَذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعَطَنِ أَشَدُّ مِنْ مَأْوَاهَا؛ لِأَنَّ نِفَارَهَا فِي الْعَطَنِ أَكْثَرُ لِازْدِحَامِهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَمَاكِنَ الْمَوَاشِي مُطْلَقًا إنَّ تَنَجَّسَتْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِلَا حَائِلٍ، وَتَصِحُّ بِالْحَائِلِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي مَوْضِع الْغَنَمِ وَنَحْوهَا لِمُحَاذَاةِ النَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي مَوْضِعِ الْإِبِلِ لِذَلِكَ وَلِمَا مَرَّ (وَ) فِي (الْمَقْبَرَةِ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ (الطَّاهِرَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُنْبَشْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ بَيْتِ اللَّهِ الْعَتِيقِ» (2) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَلِنَجَاسَةِ مَا تَحْتَهَا بِالصَّدِيدِ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الصَّلَاةُ فَوْقَ الْبَيْتِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ. أَمَّا الْمَنْبُوشَةُ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا بِغَيْرِ حَائِلٍ وَمَعَهُ تُكْرَهُ، وَاسْتَثْنَى كَمَا فِي التَّوْشِيحِ لِابْنِ السُّبْكِيّ مَقَابِرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَيْ إذَا كَانَتْ أَرْضًا لَيْسَ فِيهَا مَدْفُونٌ إلَّا نَبِيٌّ أَوْ أَنْبِيَاءٌ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ، وَإِنَّمَا هُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنْ تَكُونَ مَقَابِرُ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ كَلَامَ ابْنِ السُّبْكِيّ بِأَنَّ تَجْوِيزَ الصَّلَاةِ فِي مَقْبَرَةِ الْأَنْبِيَاءِ ذَرِيعَةٌ إلَى اتِّخَاذِهَا مَسْجِدًا، وَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ اتِّخَاذِ مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ، وَسَدُّ الذَّرَائِعِ مَطْلُوبٌ اهـ. وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِظَاهِرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، كَالْخَمَّارَةِ وَمَوْضِعِ الْمَكْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي الْفَاحِشَةِ، وَفِي الْوَادِي الَّذِي نَامَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْدِيَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ - تَبَعًا لِلْإِمَامِ - وَالْغَزَالِيِّ الْكَرَاهَةَ فِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ مُطْلَقًا وَعَلَّلُوهُ بِاحْتِمَالِ السَّيْلِ الْمُذْهِبِ لِلْخُشُوعِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَبْرِ فِي الصَّلَاةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» (3) نَعَمْ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَيُقَاسُ بِهِ سَائِرُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَّا الشِّيعَةَ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الصُّوفِ وَفِيهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ تَنْزِيهًا، وَقَالَتْ الشِّيعَةُ: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. خَاتِمَةٌ: فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ يَحْرُمُ تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِينَ وَالْمَجَانِينِ، وَالْبَهَائِمِ، وَالْحُيَّضِ، وَنَحْوِهِنَّ، وَالسَّكْرَانِ مِنْ دُخُولِهِ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لَهُ، وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ، وَكَذَا يَحْرُمُ دُخُولُ الْكَافِرِ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: مُكَلَّفٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْكَافِرِ فِي عَهْدِهِ عَدَمَ الدُّخُولِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَوْ قَعَدَ قَاضٍ لِلْحُكْمِ فِيهِ، وَكَانَ لَهُ حُكُومَةٌ جَازَ لَهُ الدُّخُولُ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِذْنُ لَهُ فِيهِ لِسَمَاعِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهِ، كَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ رَجَاءَ إسْلَامِهِ، لَا لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِذْنُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عَدَمُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ فِي دُخُولِهِ حَرَمَ مَكَّةَ تَفْصِيلًا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ وَاِتِّخَاذُ الشُّرَافَاتِ لَهُ، بَلْ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَيْعِ مَا وُقِفَ عَلَى عِمَارَتِهِ فَحَرَامٌ. وَيُكْرَهُ دُخُولٌ بِلَا ضَرُورَةٍ لِمَنْ أَكَلَ مَا لَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ كَثُومٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ، وَحَفْرُ بِئْرٍ، وَغَرْسُ شَجَرٍ فِيهِ بَلْ إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ ضَرَرٌ حَرُمَ، وَعَمَلُ صِنَاعَةٍ فِيهِ إنْ كَثُرَ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ خَسِيسَةً تُزْرِي بِالْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ حَانُوتًا يُقْصَدُ فِيهِ بِالْعَمَلِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِهِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً لَهُ وَحِفْظًا لِمَا فِيهِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إذَا خِيفَ امْتِهَانُهُ وَضَيَاعُ مَا فِيهِ وَلَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى فَتْحِهِ، وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ عَدَمُ إغْلَاقِهِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ مُسَبَّلٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ غَلْقُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْ الشُّرْبِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ وَالْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَأَذَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ النَّاسُ، وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ مِنْ تَحْرِيمِ نَضْحِ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ: ضَعِيفٌ. قَالَ: وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَاءَهُ مُسْتَعْمَلٌ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْوُضُوءَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ النَّضْحِ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَبِأَنَّ تَلْوِيثَهُ يَحْصُلُ فِي الْوُضُوءِ ضِمْنًا بِخِلَافِهِ فِي النَّضْحِ وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ مَقْصُودًا، وَالْبُصَاقُ فِيهِ حَرَامٌ وَكَفَّارَتُهُ دَفْنُهُ كَمَا مَرَّ، وَلِحَائِطِهِ مِثْلُ حُرْمَتِهِ فَيَحْرُمُ الْبُصَاقُ عَلَيْهَا لَا فِي هَوَائِهِ، فَلَوْ رَمَى نُخَامَةً مَنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ إلَى خَارِجِهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَيُسَنُّ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى دُخُولًا وَالْيُسْرَى خُرُوجًا، وَأَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَيَدْخُلُ، وَكَذَا يَقُولُ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ أَبْوَابَ فَضْلِكَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 بَابٌ سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ،   [مغني المحتاج] وَتُكْرَهُ الْخُصُومَةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ وَنَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى السَّائِلُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِيهِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أَوْ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ كَانَ حِكْمَةً أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [بَابٌ سُجُودِ السَّهْوِ] بِالتَّنْوِينِ فِي مُقْتَضَى سُجُودِ السَّهْوِ وَحُكْمِهِ وَمَحَلِّهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالسَّجَدَاتُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ ثَلَاثٌ: سُجُودُ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ فَقَالَ (سُجُودُ السَّهْوِ) فِي الصَّلَاةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (سُنَّةٌ) لِلْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِيهِ وَلِيَجْبُرَ خَلَلَهَا الْحَاصِلَ عَلَى سُجُودِ التِّلَاوَةِ لِكَوْنِهِ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ فِي التَّنْبِيهِ قَدَّمَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ سَابِقٌ لِسُجُودِ السَّهْوِ، وَقَدَّمَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ عَلَى سُجُودِ الشُّكْرِ لِكَوْنِهِ يُفْعَلُ فِيهَا وَخَارِجَهَا، وَسُجُودُ الشُّكْرِ لَا يُفْعَلُ إلَّا خَارِجَهَا، وَهُوَ لُغَةً: نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ (عِنْدَ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ) مِنْ الصَّلَاةِ (أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ) فِيهَا وَلَوْ بِالشَّكِّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِيهِمَا فِيمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا يُسَنُّ السُّجُودُ لِكُلِّ تَرْكٍ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا لِكُلِّ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَإِنَّهُ أَهْمَلَ سَبَبًا ثَالِثًا وَهُوَ إيقَاعُ بَعْضِ الْفَرْضِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِهِ كَمَا إذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى الرَّابِعَةِ وَيَسْجُدُ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَرَدَّهُ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا بِأَنَّ سَبَبَ السُّجُودِ التَّرَدُّدُ فِي الرَّكْعَةِ الْمَفْعُولَةِ زَائِدَةً وَهُوَ رَاجِعٌ لِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَلَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُبْ عَنْ فَرْضٍ، بَلْ شُرِعَ لِتَرْكِ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَالْبَدَلُ: إمَّا كَالْمُبْدَلِ أَوْ أَخَفَّ مِنْهُ وَبِهَذَا فَارَقَ جُبْرَانَ الْحَاجِّ لِكَوْنِهِ بَدَلًا عَنْ وَاجِبٍ. (فَالْأَوَّلُ) مِنْ السَّبَبَيْنِ وَهُوَ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ (إنْ كَانَ رُكْنًا وَجَبَ تَدَارُكُهُ) بِفِعْلِهِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ السُّجُودُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصَّلَاةِ لَا تُوجَدُ بِدُونِهِ (وَقَدْ يُشْرَعُ) مَعَ تَدَارُكِهِ (السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ) بِالْكَافِ (حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي) رُكْنِ (التَّرْتِيبِ) وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ سَهَا فَمَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ لَغْوٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ فَفِي تِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا إذَا تَدَارَكَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّ، وَمُرَادُهُ بِمَا سَبَقَ بَيَانُ الزِّيَادَةِ لَا السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَاكَ، وَقَدْ لَا يُشْرَعُ السُّجُودُ بِأَنْ لَا تَحْصُلَ زِيَادَةٌ كَمَا إذَا تَرَكَ النِّيَّةَ أَوْ التَّحْرِيمَ أَوْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ وَلَا سُجُودَ، وَمَا لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ السَّلَامَ فَتَذَكَّرَهُ عَنْ قُرْبٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيُسَلِّمْ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَهُوَ مَسْأَلَةُ السُّكُوتِ الطَّوِيلِ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابٍ غَيْرِ هَذَا أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقَدْ يُقَالُ يَسْجُدُ لَهُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِالسُّكُوتِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 أَوْ بَعْضًا وَهُوَ الْقُنُوتُ، وَقِيَامُهُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، أَوْ قُعُودُهُ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ سَجَدَ، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا. قُلْتُ: وَكَذَا الصَّلَاةُ   [مغني المحتاج] وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ، أَوْ انْتَقَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْبَابِ قَبْلَ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ إلَخْ لِعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ غَيْرَ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ، وَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِتَدَارُكِ الرُّكْنِ مِنْ أَفْعَالِهَا لَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ (أَوْ) كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ (بَعْضًا وَهُوَ) سُنَّةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ: الْأَوَّلُ (الْقُنُوتُ) الرَّاتِبُ، وَهُوَ قُنُوتُ الصُّبْحِ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ دُونَ قُنُوتِ النَّازِلَةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا بَعْضِهَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا هُوَ بَعْضٌ مِنْهَا، وَتَرْكُ بَعْضِ الْقُنُوتِ كَتَرْكِ كُلِّهِ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَالْمُرَادُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ أَحَدَ الْقُنُوتَيْنِ كَأَنْ تَرَكَ قُنُوتَ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ أَتَى بِقُنُوتٍ تَامٍّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ وَقْفَةً لَا تَسَعُ الْقُنُوتَ إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الْقِيَامِ، أَفَادَنِيهِ شَيْخِي رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَجَعَلَ قَرَارَهُ الْجَنَّةَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي ( وَ) ثَانِيهَا (قِيَامُهُ) أَيْ الْقُنُوتُ الرَّاتِبُ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ تَرْكُهُ تَرْكَ الْقُنُوتِ، وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ الْحَنَفِيِّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي عَدَمِ السُّجُودِ، فَإِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ ( وَ) ثَالِثُهَا (التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مِنْ الظُّهْرِ نَاسِيًا وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (1) وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَشَهُّدَيْنِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ أَوَّلِهِمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخَائِرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، وَكَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ، لَكِنْ فَصَّلَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ: يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ إنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ الْإِتْيَانِ بِهِ فَنَسِيَهُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا أَظْهَرُ، وَتَرْكُ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ قِيَاسًا عَلَى الْقُنُوتِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ الْوَاجِبُ فِي الْأَخِيرِ خَاصَّةً فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ مَا هُوَ فِيهِ سُنَّةٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ. وَرَابِعُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ قُعُودُهُ) أَيْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ تَرْكُهُ تَرْكَ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ إذَا شُرِعَ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ شُرِعَ لِتَرْكِ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُهُ وَتَرْكُ قِيَامِ الْقُنُوتِ بِأَنْ لَا يُحْسِنَ التَّشَهُّدَ أَوْ الْقُنُوتَ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ أَوْ يَقِفَ بِقَدْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ. وَخَامِسُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ بَعْدَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا مَرَّ فَقَوْلُ (سَجَدَ) رَاجِعٌ لِلصُّوَرِ كُلِّهَا، وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهَا فِيهِ، وَقِيسَ بِالنِّسْيَانِ فِي ذَلِكَ الْعَمْدُ بِجَامِعِ الْخَلَلِ بَلْ خَلَلُ الْعَمْدِ أَكْثَرُ، فَكَانَ لِلْجَبْرِ أَحْوَجَ (وَقِيلَ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا) يَسْجُدُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ عَلَى نَفْسِهِ وَالنَّاسِي مَعْذُورٌ فَنَاسَبَ أَنْ يُشْرَعَ لَهُ الْجَبْرُ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ. وَسَادِسُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (قُلْت: وَكَذَا الصَّلَاةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 عَلَى الْآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ. وَالثَّانِي: إنْ لَمْ يَبْطُلُ عَمْدُهُ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ، وَإِلَّا سَجَدَ إنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ كَثِيرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يَبْطُلُ عَمْدُهُ   [مغني المحتاج] عَلَى الْآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَذَلِكَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهٍ، وَكَذَا بَعْدَ الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَزِيدَ سَابِعٌ: وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُنُوتِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْفِرْكَاحِ، وَيَسْجُدُ أَيْضًا لِتَرْكِ الْقُعُودِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلِتَرْكِ الْقُعُودِ لِلْأَوَّلِ وَلِتَرْكِ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْقُنُوتِ وَلِتَرْكِ الْقِيَامِ لِلْآلِ، وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِأَنْ يَتَيَقَّنَ تَرْكَ إمَامِهِ لَهَا بَعْدَ سَلَامِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ هُوَ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّنَنُ أَبْعَاضًا لِقُرْبِهَا بِالْجَبْرِ بِالسُّجُودِ مِنْ الْأَبْعَاضِ الْحَقِيقِيَّةِ: أَيْ الْأَرْكَانِ (وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ) أَيْ بَاقِيهَا كَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقُنُوتِ النَّازِلَةِ إذَا تُرِكَتْ بِالسُّجُودِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ فِيهَا، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، فَلَوْ فَعَلَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ظَانًّا جَوَازَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ: فِي فَتَاوِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْعَاضِ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِهَا، وَهُوَ السُّجُودُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي (وَالثَّانِي) مِنْ السَّبَبَيْنِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (إنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ) الصَّلَاةَ (كَالِالْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتَيْنِ لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ) وَلَا لِعَمْدِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ لِعَدَمِ وُرُودِ السُّجُودِ لَهُ، وَلِأَنَّ عَمْدَهُ فِي مَحَلِّ الْعَفْوِ فَسَهْوُهُ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ كَرَكْعَةٍ زَائِدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قَلِيلِ أَكْلٍ أَوْ كَلَامٍ (سَجَدَ) لِسَهْوِهِ (إنْ لَمْ تَبْطُلْ) الصَّلَاةُ (بِسَهْوِهِ) كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) وَيُقَاسُ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا أَبْطَلَ سَهْوُهُ (كَكَلَامٍ كَثِيرٍ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا مَرَّ وَأَكْلٍ كَثِيرٍ وَفِعْلٍ كَثِيرٍ كَثَلَاثِ خَطَوَاتٍ وِلَاءً فَلَا سُجُودَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى التَّمْثِيلِ بِمَا يُبْطِلُ سَهْوُهُ، وَهُوَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ لَا إلَى قَوْلِهِ سَجَدَ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْمِثَالِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَبْعَدَ عَنْ الْإِبْهَامِ إذْ لَا سُجُودَ مَعَ الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الِاسْتِقْبَالِ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ فِي السَّفَرِ إذَا انْحَرَفَ عَنْ طَرِيقِهِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ مُبْطِلٌ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ إذْ هُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْقِيَاسُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ السُّجُودِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ سَجَدَ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ سَجَدَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ سَهْوًا فَلَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ) بِسُكُوتٍ أَوْ ذِكْرٍ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ (يُبْطِلُ عَمْدُهُ) الصَّلَاةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فِي الْأَصَحِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فَالِاعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَفَاتِحَةٍ فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا: مَا لَا يَبْطُلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ   [مغني المحتاج] (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ تَطْوِيلَهُ تَغْيِيرٌ لِوَضْعِهِ كَمَا لَوْ قَصَّرَ الطَّوِيلَ فَلَمْ يُتِمَّ الْوَاجِبَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلِأَنَّ تَطْوِيلَهُ يُخِلُّ بِالْمُوَالَاةِ (فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ) قَطْعًا، وَالثَّانِي لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ» وَعَلَى هَذَا فَفِي سُجُودِ السَّهْوِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ (فَالِاعْتِدَالُ قَصِيرٌ) لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ جَوَازَ تَطْوِيلِ كُلِّ اعْتِدَالٍ بِذِكْرٍ غَيْرِ رُكْنٍ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ تَطْوِيلِهِ بِرُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ. أَمَّا تَطْوِيلُهُ بِمَشْرُوعٍ كَقُنُوتٍ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ تَسْبِيحٍ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِوُرُودِهِ (وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) رُكْنٌ قَصِيرٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ كَالِاعْتِدَالِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ الْمَشْرُوعَ فِيهِ أَقْصَرُ مِنْ الْمَشْرُوعِ فِي الِاعْتِدَالِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ طَوِيلٌ؛ لِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَا يَقْتَضِي إطَالَتَهُ بِالذِّكْرِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ طَرْدُ اخْتِيَارِهِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ هُنَا صَحَّحَ أَنَّهُ رُكْنٌ طَوِيلٌ وَعَزَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَوَافَقَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ قَصِيرٌ، وَمِقْدَارُ التَّطْوِيلِ كَمَا نَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنْ يُلْحَقَ الِاعْتِدَالُ بِالْقِيَامِ لِلْقِرَاءَةِ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَالْمُرَادُ قِرَاءَةُ الْوَاجِبِ فَقَطْ لَا قِرَاءَتُهُ مَعَ الْمَنْدُوبِ (وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا) غَيْرَ سَلَامٍ وَتَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ أَوْ بَعْضَهُ إلَى الرُّكْنِ طَوِيلٌ (كَفَاتِحَةٍ) أَوْ بَعْضِهَا (فِي) نَحْوِ (رُكُوعٍ) كَسُجُودٍ (أَوْ) جُلُوسِ (تَشَهُّدٍ) أَوْ نَقَلَ تَشَهُّدًا أَوْ بَعْضَهُ فِي نَحْوِ قِيَامٍ كَرُكُوعٍ (لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَتِهَا بِخِلَافِ نَقْلِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ كَنَقْلِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ. أَمَّا نَقْلُ السَّلَامِ فَيُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ وَكَذَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ. وَأَمَّا نَقْلُ ذَلِكَ إلَى رُكْنٍ قَصِيرٍ، فَإِنْ طَوَّلَهُ فَبَطَلَ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ (وَ) عَلَى الْأَصَحِّ (يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ) وَلِعَمْدِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَرْكِ التَّحَفُّظِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالثَّانِي لَا كَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْأَصَحِّ (تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا) الْمُتَقَدِّمِ (مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ) وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ قَنَتَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ لَمْ يُحْسَبْ بَلْ يُعِيدُهُ فِي اعْتِدَالِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ لَمْ يَسْجُدْ. قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ كَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلًا فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَوْ بَدَلَهُ مَحَلُّهَا فِي الْجُمْلَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقِيَاسُ التَّسْبِيحِ فِي الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ عَبْدَانَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ السُّجُودِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ الْقُنُوتِ بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِذَا قَنَتَ فِي غَيْرِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ فَرَّقَهُمْ فِي الْخَوْفِ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً أَوْ فِرْقَتَيْنِ وَصَلَّى بِإِحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَمِنْهَا: مَا إذَا زَادَ الْقَاصِرُ رَكْعَتَيْنِ سَهْوًا، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ زِيَادَتُهُمَا هَكَذَا اسْتَثْنَاهَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّ عَمْدِ الزِّيَادَةِ بِلَا نِيَّةِ إتْمَامٍ مُبْطِلٌ. (وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ) مَعَ قُعُودِهِ أَوْ وَحْدَهُ أَوْ قُعُودِهِ وَحْدَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْسِنْ التَّشَهُّدَ (فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعُهُ لِسُنَّةٍ (فَإِنْ عَادَ) عَامِدًا (عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا عَمْدًا، وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ (أَوْ) عَادَ لَهُ (نَاسِيًا) أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ (فَلَا) تَبْطُلُ لِعُذْرِهِ وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا وَتَرَكَ تَشَهُّدًا (أَوْ جَاهِلًا) بِتَحْرِيمِ الْعَوْدِ (فَكَذَا) لَا تَبْطُلُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالنَّاسِي؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ وَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْعِلْمِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَالثَّانِي: تَبْطُلُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ إمَامِهِ لِلتَّشَهُّدِ فَإِنْ تَخَلَّفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ فَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِيَقْنُتَ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لَمْ يُحْدِثْ فِي تَخَلُّفِهِ وُقُوفًا، وَهَذَا أَحْدَثَ فِيهِ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ فَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لَهُ التَّخَلُّفَ لِيَتَشَهَّدَ إذَا لَحِقَهُ فِي قِيَامِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُحْدِثْ جُلُوسًا فَمَحَلُّ بُطْلَانِهَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ إمَامُهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ جُلُوسَ الِاسْتِرَاحَةِ هُنَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ فَانْتَصَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ قِيَامِ الْمَأْمُومِ حَرُمَ قُعُودُهُ مَعَهُ لِوُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَلَوْ انْتَصَبَا مَعًا ثُمَّ عَادَ الْإِمَامُ لَمْ يَعُدْ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ إمَّا مُخْطِئٌ بِهِ فَلَا يُوَافِقُهُ فِي الْخَطَإِ، أَوْ عَامِدٌ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، بَلْ يُفَارِقُهُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ عَادَ نَاسِيًا، فَإِنْ عَادَ مَعَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا (وَلِلْمَأْمُومِ) إذَا انْتَصَبَ نَاسِيًا وَجَلَسَ إمَامُهُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ نَهَضَا سَهْوًا مَعًا، وَلَكِنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَعَادَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ (الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ فَرُجُوعُهُ رُجُوعٌ إلَى فَرْضٍ لَا إلَى سُنَّةٍ. وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ بَلْ يَنْتَظِرُ إمَامَهُ قَائِمًا لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِفَرْضٍ وَلَيْسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 قُلْت: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ بَطَلَتْ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ،   [مغني المحتاج] فِيمَا فَعَلَهُ إلَّا التَّقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ (قُلْت: الْأَصَحُّ وُجُوبُهُ) أَيْ الْعَوْدِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ آكَدُ مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ، وَلِهَذَا سَقَطَ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ، فَإِنْ لَمْ يُعِدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا ظَنَّ الْمَسْبُوقُ سَلَامَ الْإِمَامِ فَقَامَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَأْمُومَ هُنَا فَعَلَ فِعْلًا لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَشْكِلِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ هُنَا لِذَلِكَ. أَمَّا إذَا تَعَمَّدَ التَّرْكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبَهُ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِتَحْرِيمِهِ حِينَئِذٍ، وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ الْعَامِدَ انْتَقَلَ إلَى وَاجِبٍ. وَهُوَ الْقِيَامُ، فَخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَ وَاجِبَيْنِ بِخِلَافِ النَّاسِي، فَإِنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا كَانَ قِيَامُهُ كَالْعَدَمِ فَتَلْزَمُهُ الْمُتَابَعَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَالْعَامِدُ كَالْمُفَوِّتِ لِتِلْكَ السُّنَّةِ بِتَعَمُّدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَلَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ نَاسِيًا تُخُيِّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالِانْتِظَارِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِيمَا لَوْ قَامَ نَاسِيًا بِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ ثُمَّ فَيُقَيَّدُ فَرْقُ الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ، أَوْ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ، وَلَوْ ظَنَّ الْمُصَلِّي قَاعِدًا أَنَّهُ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ لِلثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، وَإِنْ سَبَقَهُ لِسَانُهُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ جَازَ لَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ تَعَمُّدَ الْقِرَاءَةِ كَتَعَمُّدِ الْقِيَامِ، وَسَبْقُ اللِّسَانِ إلَيْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ (وَلَوْ تَذَكَّرَ) الْمُصَلِّي التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (قَبْلَ انْتِصَابِهِ) أَيْ قَبْلَ اسْتِوَائِهِ مُعْتَدِلًا (عَادَ لِلتَّشَهُّدِ) الَّذِي نَسِيَهُ أَيْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِفَرْضٍ (وَيَسْجُدُ) لِلسَّهْوِ (إنْ كَانَ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفِعْلٍ غَيَّرَ بِهِ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أَتَى بِهِ عَمْدًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا سَيَأْتِي، فَالسُّجُودُ لِلنُّهُوضِ مَعَ الْعَوْدِ، لَا لِلنُّهُوضِ فَقَطْ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ لِلنُّهُوضِ لَا لِلْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا فَفَارَقَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّ هَذَا قِيَامٌ لَا عَوْدَ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ عَمْدَ هَذَا الْقِيَامِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ بِخِلَافِ مَا قَالَاهُ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ مُبْطِلٌ. أَمَّا إذَا كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ لِقِلَّةِ مَا فَعَلَهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَطْلَقَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَصْحِيحَهُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَبِهِ الْفَتْوَى (وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا) أَيْ قَصَدَ تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (فَعَادَ) لَهُ عَمْدًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (إنْ كَانَ) فِيهَا (إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) مِنْ الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا مَا لَوْ وَقَعَ مِنْهُ سَهْوًا جَبَرَهُ بِالسُّجُودِ فَكَانَ مُبْطِلًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَارٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ عَادَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ. وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ سَجَدَ،   [مغني المحتاج] الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحَرَّرِ الْبُطْلَانَ بِكَوْنِهِ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ، بَلْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَمْدًا قَسِيمٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يَعُدْ لَهُ) لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ (أَوْ قَبْلَهُ) بِأَنْ لَمْ يَضَعْ جَمِيعَ أَعْضَاءِ السُّجُودِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ الْجَبْهَةَ فَقَطْ أَوْ مَعَ بَعْضِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ (عَادَ) أَيْ جَازَ الْعَوْدُ لِعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْجَبْهَةَ فَقَطْ لَا يَعُودُ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ) أَيْ أَقَلَّ الرُّكُوعِ فِي هَوِيِّهِ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا سَهْوًا، وَالْعَمْدُ بِهِ مُبْطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَسْجُدُ، وَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَكَتَرْكِ التَّشَهُّدِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنْ بَلَغَ قَيْدٌ فِي السُّجُودِ لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا فِي الْعَوْدِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَتِهِ عَوْدُهُ لَهُمَا. فُرُوعٌ: لَوْ تَشَهَّدَ سَهْوًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ أَوْ قَعَدَ سَهْوًا بَعْدَ اعْتِدَالِهِ مِنْ أُولَى أَوْ غَيْرِهَا وَأَتَى بِتَشَهُّدٍ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ جَلَسَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ بَعْدَ اعْتِدَالٍ سَهْوًا بِلَا تَشَهُّدٍ فَوْقَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَدَارَكَ مَا عَلَيْهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ أَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِزِيَادَةِ قُعُودٍ طَوِيلٍ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلِذَلِكَ أَوْ لِنَقْلِ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِلْسَةُ فِي الْأَخِيرَةِ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَلَا سُجُودَ؛ لِأَنَّ عَمْدَهَا مَطْلُوبٌ أَوْ مُغْتَفَرٌ، وَلَوْ مَكَثَ فِي السُّجُودِ يَتَذَكَّرُ هَلْ رَكَعَ أَوْ لَا وَأَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ هَلْ سَجَدَ السَّجْدَةَ الْأُولَى أَوْ لَا؟ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ طَالَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ السُّجُودِ فِي هَذِهِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، فَلَوْ قَعَدَ فِي هَذِهِ مِنْ سَجْدَتِهِ وَتَذَكَّرَ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ، وَكَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَشَهَّدَ، قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ كَانَ قُعُودُهُ عَلَى الشَّكِّ فَوْقَ الْقُعُودِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ سَجَدَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي سُجُودِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يَرْكَعَ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا لِأَنَّهُ قَصَدَ بِالرُّكُوعِ غَيْرَهُ، وَلَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى قَرَأَهُ فِي الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ ظَنَّهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كَمَا مَرَّ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَتَى بِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ. (وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ مُعَيَّنٍ كَقُنُوتٍ (سَجَدَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفِعْلِ، بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ قَدْ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ، وَبِخِلَافِ الشَّكِّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ مُبْهَمٍ كَأَنْ شَكَّ فِي الْمَتْرُوكِ هَلْ هُوَ بَعْضٌ أَوْ لَا لِضَعْفِهِ بِالْإِبْهَامِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ مَعْنًى خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ فَجَعَلَ الْمُبْهَمَ كَالْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَالْمُعَيَّنِ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ بَعْضًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ قُنُوتٌ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ يَسْجُدُ لِعِلْمِهِ بِمُقْتَضَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ فَلَا، وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ فَلْيَسْجُدْ. وَلَوْ شَكَّ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ زَائِدًا، وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا لَمْ يَسْجُدْ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ سَجَدَ.   [مغني المحتاج] السُّجُودِ (أَوْ) شَكَّ (فِي ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ) عَنْهُ وَإِنْ أَبْطَلَ عَمْدُهُ كَكَلَامٍ قَلِيلٍ (فَلَا) يَسْجُدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ هَلْ سَهَا بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي سَجَدَ لِتَيَقُّنِ مُقْتَضِيهِ (وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ (هَلْ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ أَوْ لَا (فَلْيَسْجُدْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، أَوْ هَلْ سَجَدَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى. (وَلَوْ شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ فِي رُبَاعِيَّةٍ (أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهَا (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهَا، وَلَا يَرْجِعُ فِي فِعْلِهَا إلَى ظَنِّهِ وَلَا إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَثِيرًا لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ، فَلَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ فِيهِ كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمَهُ لَا يَأْخُذُ بِقَوْلِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاجَعَ الصَّحَابَةَ ثُمَّ عَادَ لِلصَّلَاةِ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا إلَى هَذَا الْحَدِّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِفِعْلِهِمْ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ» (1) أَيْ رَدَّتْهَا السَّجْدَتَانِ إلَى الْأَرْبَعِ، وَيَحْذِفَانِ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهُمَا جَابِرَانِ الْخَلَلَ الْحَاصِلَ مِنْ النُّقْصَانِ تَارَةً وَمِنْ الزِّيَادَةِ أُخْرَى، لَا أَنَّهُمَا يُصَيِّرَانِهَا سِتًّا، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ) بِأَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ لِفِعْلِهَا مَعَ التَّرَدُّدِ. وَالثَّانِي: لَا يَسْجُدُ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالتَّرَدُّدِ بَعْدَ زَوَالِهِ (وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ زَائِدًا) أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّرَدُّدِ فِي زِيَادَتِهِ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ (وَلَا يَسْجُدُ لِمَا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ شَكَّ) فِي رُبَاعِيَّةٍ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّالِثَةِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ فَتَذَكَّرَ فِيهَا) أَيْ الثَّالِثَةِ أَنَّهَا ثَالِثَةٌ أَيْ تَبَيَّنَ لَهُ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ إلَى الرَّابِعَةِ (لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ هَهُنَا مَعَ التَّرَدُّدِ لَا بُدَّ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ شَكَّ فِي رَكْعَةٍ أَثَالِثَةٌ هِيَ، وَإِلَّا فَقَدْ فَرَضَهَا ثَالِثَةً فَكَيْفَ يَشُكُّ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْتُهُ. وَقَالَ الشَّارِحُ: بَدَلُ ذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، وَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ (أَوْ) تَذَكَّرَ (فِي) الرَّكْعَةِ (الرَّابِعَةِ) بِأَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهَا، بَلْ اسْتَمَرَّ تَرَدُّدُهُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى قَامَ إلَى رَكْعَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ رَابِعَةٍ، وَهُوَ إنَّمَا قَامَ إلَيْهَا احْتِيَاطًا مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهَا خَامِسَةٌ ثُمَّ زَالَ تَرَدُّدُهُ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهَا رَابِعَةٌ (سَجَدَ) لِتَرَدُّدِهِ حَالَ قِيَامِهِ إلَى الرَّابِعَةِ هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَوْ خَامِسَةٌ، فَقَدْ أَتَى بِزَائِدٍ عَلَى تَقْدِيرٍ دُونَ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا اقْتَضَى التَّرَدُّدُ فِي زِيَادَتِهَا السُّجُودَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ زَائِدَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَالتَّرَدُّدُ يُضْعِفُ النِّيَّةَ وَيُحْوِجُ إلَى الْجَبْرِ، فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ،   [مغني المحتاج] قِيلَ: لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ قَضَى الْفَائِتَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَإِنَّا نَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ بِلَا سُجُودٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرَدُّدَ ثَمَّ لَمْ يَقَعْ فِي بَاطِلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِأَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا يَكُونُ لِلتَّرَدُّدِ الطَّارِئِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِلسَّابِقِ عَلَيْهَا، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِقَبْلِ الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَسْجُدْ، إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ، وَمَا قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ. قَالَ شَيْخُنَا: فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ مَرْدُودٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِقَبْلِ الْقِيَامِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ بَعْدَ نُهُوضِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ لَمْ يَسْجُدْ، إذْ حَقِيقَةُ الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ، وَمَا قَبْلَهُ انْتِقَالٌ لَا قِيَامٌ. قَالَ شَيْخُنَا: فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّهُمْ أَهْمَلُوهُ مَرْدُودٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ أَنَّهُ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَى مَا ذَكَرَ لَا تَقْتَضِي السُّجُودَ؛ لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُبْطِلُ وَإِنَّمَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ مَعَ عَوْدِهِ كَمَا مَرَّ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ. (وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ) غَيْرِ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (لَمْ يُؤَثِّرْ) وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُهُ عَنْ تَمَامٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ لَعَسُرَ عَلَى النَّاسِ خُصُوصًا عَلَى ذَوِي الْوَسْوَاسِ. وَالثَّانِي: يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهِ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَسْجُدُ كَمَا فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، فَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ. أَمَّا إذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ أَوْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ هَلْ نَوَى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ: وَلَوْ شَكَّ أَنَّ مَا أَدَّاهُ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ وَقَدْ فَاتَتَاهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا جَمِيعًا. فَإِنْ قِيلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ: إنَّ الْمُكَفِّرَ لَوْ صَامَ يَوْمًا وَشَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ فِي النِّيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ النِّيَّةِ بِالصَّلَاةِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالصَّوْمِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ وَطَالَ الزَّمَنُ بَطَلَتْ، وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَرْضٍ الشَّرْطُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ: لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فَارِقًا بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ، وَبِأَنَّ الشَّكَّ فِي الرُّكْنِ حَصَلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ الِانْعِقَادِ، وَالْأَصْلُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى الصِّحَّةِ بِخِلَافِهِ فِي الطُّهْرِ، فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي الِانْعِقَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ أَنْ تَكُونَ الشُّرُوطُ كُلُّهَا كَذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، وَعَلَّلَهُ بِالْمَشَقَّةِ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِالنِّسْبَةِ لِلطُّهْرِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ عَنْ جَمْعٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نَقَلَهُ هُوَ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ هَلْ طَافَ مُتَطَهِّرًا أَمْ لَا؟ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ جَوَازُ دُخُولِ الصَّلَاةِ بِطُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنَّهُ تَطَهَّرَ قَبْلَ شَكِّهِ، وَإِلَّا فَلَا تَنْعَقِدُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالسَّلَامِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بَعْدَهُ الشَّكُّ سَلَامٌ لَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَلَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ عَادَ وَشَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ لَزِمَهُ تَدَارُكُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ، وَخَرَجَ بِالشَّكِّ الْعِلْمُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ إنْ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ وَلَمْ يَطَأْ نَجَاسَةً وَإِنْ تَكَلَّمَ قَلِيلًا وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَتُفَارِقُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَطْءَ النَّجَاسَةِ بِاحْتِمَالِهَا فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمَرْجِعُ فِي طُولِهِ وَقِصَرِهِ إلَى الْعُرْفِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ الْقِصَرُ بِالْقَدْرِ الَّذِي نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ، وَالطُّولُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إمَامُهُ. فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ فَسَلَّمَ فَبَانَ خِلَافُهُ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا سُجُودَ، وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ إلَى رَكْعَتِهِ وَلَا يَسْجُدُ، وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ. فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إمَامِهِ بَنَى وَسَجَدَ،   [مغني المحتاج] وَالْمَنْقُولُ فِي الْخَبَرِ «أَنَّهُ قَامَ وَمَضَى إلَى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَرَاجَعَ ذِي الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الصَّحَابَةَ فَأَجَابُوهُ» (وَسَهْوُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (حَالَ قُدْوَتِهِ) الْحِسِّيَّةِ كَأَنْ سَهَا عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، أَوْ الْحُكْمِيَّةِ كَأَنْ سَهَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِي ثَانِيَتِهَا مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ (يَحْمِلُهُ إمَامُهُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِمَامُ ضَامِنٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُرِيدُ بِالضَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ سَهْوَ الْمَأْمُومِ كَمَا يَتَحَمَّلُ الْجَهْرَ وَالسُّورَةَ وَغَيْرَهُمَا، وَلِأَنَّ مُعَاوِيَةَ شَمَّتَ الْعَاطِسَ، وَهُوَ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَسْجُدْ وَلَا أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسُّجُودِ، وَاحْتُرِزَ بِحَالِ الْقُدْوَةِ عَنْ سَهْوِهِ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا لَوْ سَهَا وَهُوَ مُنْفَرِدٌ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُهُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ تَرْجِيحَ تَحَمُّلِهِ لِعَدَمِ اقْتِدَائِهِ بِهِ حَالَ سَهْوِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ عَنْهُ كَمَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ الْوَاقِعُ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَهِدَ تَعَدِّي الْخَلَلِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ دُونَ عَكْسِهِ، وَعَنْ سَهْوِهِ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُهُ كَمَا سَيَأْتِي. (فَلَوْ ظَنَّ سَلَامَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فَسَلَّمَ) الْمَأْمُومُ (فَبَانَ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ ظَنِّهِ (سَلَّمَ مَعَهُ) أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَلَامِ إمَامِهِ (وَلَا سُجُودَ) لِسَهْوِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ فَيَتَحَمَّلُهُ إمَامُهُ (وَلَوْ ذَكَرَ) الْمَأْمُومُ (فِي) آخِرِ صَلَاتِهِ فِي (تَشَهُّدِهِ) أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (تَرْكَ رُكْنٍ) تَرَكَهُ بَعْدَ الْقُدْوَةِ، وَلَا يَعْرِفُ مَا هُوَ لَكِنَّهُ (غَيْرُ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ) لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَعُدْ لِتَدَارُكِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُتَابَعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَ (قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ إلَى رَكْعَتِهِ) الَّتِي فَاتَتْ بِفَوَاتِ الرُّكْنِ (وَلَا يَسْجُدُ) لِوُجُودِ سَهْوِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ الرُّكْنِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَمَّلْهُ عَنْهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ شَاكٌّ فِيمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، كَمَا لَوْ شَكَّ الْمَسْبُوقُ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلتَّرَدُّدِ فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ تَرَدُّدِهِ فِيمَا ذُكِرَ مُحْتَمِلٌ لِلزِّيَادَةِ، أَمَّا النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ فَالتَّارِكُ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَيْسَ فِي صَلَاةٍ (وَسَهْوُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ إمَامِهِ (لَا يَحْمِلُهُ) أَيْ إمَامُهُ مَسْبُوقًا كَانَ أَوْ مُوَافِقًا لِانْتِهَاءِ الْقُدْوَةِ كَمَا لَا يَحْمِلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ قَبْلَ الْقُدْوَةِ كَمَا مَرَّ. (فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إمَامِهِ) فَذَكَرَهُ حَالًا (بَنَى) عَلَى صَلَاتِهِ (وَسَجَدَ) لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مَعَهُ لَمْ يَسْجُدْ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ ذَكَرَ فِيهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ احْتِمَالَيْنِ، فَإِنْ ظَنَّهُ الْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ مَثَلًا سَلَّمَ فَقَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ تُحْسَبْ لِفِعْلِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَإِذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَعَادَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ، وَلَوْ عَلِمَ فِي الْقِيَامِ أَنَّهُ قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ، وَلَوْ جَوَّزْنَا مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، فَإِذَا جَلَسَ وَوَجَدَهُ لَمْ يُسَلِّمْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَهُ، فَلَوْ أَتَمَّهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ تُحْسَبْ، فَيُعِيدُهَا لِمَا مَرَّ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ نَطَقَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلَّا فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ.   [مغني المحتاج] بِالسَّلَامِ وَلَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ: عَلَيْكُمْ لَمْ يَسْجُدْ لِعَدَمِ الْخِطَابِ وَالنِّيَّةِ، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ وَلَمْ يَقُلْ: عَلَيْكُمْ سَجَدَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ (وَيَلْحَقُهُ) أَيْ الْمَأْمُومَ (سَهْوُ إمَامِهِ) غَيْرِ الْمُحْدِثِ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ لَتَطَرَّقَ الْخَلَلُ لِصَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَلَتَحَمَّلَ الْإِمَامُ عَنْهُ السَّهْوَ. أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُهُ مُحْدِثًا فَلَا يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ وَلَا يَتَحَمَّلُ هُوَ عَنْهُ، إذْ لَا قُدْوَةَ حَقِيقَةً حَالَ السَّهْوِ. فَإِنْ قِيلَ: الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ حَتَّى لَا يَجِبُ عِنْدَ ظُهُورِهِ فِي الْجُمُعَةِ إعَادَتُهَا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهَا جَمَاعَةً لَا يَقْتَضِي لُحُوقَ السَّهْوِ لِأَنَّ لُحُوقَهُ تَابِعٌ لِمَطْلُوبِيَّتِهِ مِنْ الْإِمَامِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ لِبُطْلَانِهَا لَا يُطْلَبُ مِنْهُ جَبْرُهَا، فَكَذَا صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ (فَإِنْ سَجَدَ) إمَامُهُ (لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ) وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ سَهَا حَمْلًا عَنْ أَنَّهُ سَهَا، بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى سَجْدَةٍ سَجَدَ الْمَأْمُومُ أُخْرَى حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ سَهَا أَيْضًا، وَهَذَا السُّجُودُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ لَا لِمُتَابَعَتِهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُومُ الْمُتَابَعَةَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ حَالَ الْقُدْوَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ إلَى خَامِسَةٍ لَمْ يُعْهَدْ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ. وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَلِهَذَا قَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَأَى الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ يَنْوِي الْجُمُعَةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ بِهِ رَكْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَابِعُهُ فِيمَا سَيَأْتِي إذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي، وَهُنَا لَمْ يَعْلَمْ، وَاسْتَثْنَى فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مَا إذَا تَيَقَّنَ غَلَطَ الْإِمَامِ فِي ظَنِّهِ سَبَبَ سُجُودِ السَّهْوِ كَأَنْ ظَنَّ تَرْكَ بَعْضٍ يَعْلَمُ الْمَأْمُومُ فِعْلَهُ قَالَا: فَلَا يُوَافِقُهُ إذَا سَجَدَ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ مُشْكِلٌ تَصْوِيرًا وَحُكْمًا وَاسْتِثْنَاءً فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. وَجْهُ إشْكَالِ تَصْوِيرِهِ كَيْفَ يَعْلَمُ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ لِذَلِكَ؟ . جَوَابُهُ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِذَلِكَ وَهُوَ كَافٍ وَوَجْهُ إشْكَالِ حُكْمِهِ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لِشَيْءٍ ظَنَّهُ سَهَا بِهِ وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ يَسْجُدُ لِذَلِكَ، وَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ أَوَّلًا، وَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ ثَانِيًا، وَوَجْهُ إشْكَالِ اسْتِثْنَائِهِ أَنَّ هَذَا الْإِمَامَ لَمْ يَسْهُ فَكَيْفَ يُسْتَثْنَى مِنْ سَهْوِ الْإِمَامِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ صُورَةً (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ بِأَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ (فَيَسْجُدُ) الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ (عَلَى النَّصِّ) جَبْرًا لِلْخَلَلِ، بِخِلَافِ تَرْكِهِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ أَوْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ، فَلَا يَأْتِي الْمَأْمُومُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ خِلَالَ الصَّلَاةِ، فَلَوْ انْفَرَدَ بِهِمَا لَخَالَفَ الْإِمَامَ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْهُ وَإِنَّمَا سَهَا الْإِمَامُ وَسُجُودُهُ مَعَهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ الْمَتْبُوعُ فَالتَّابِعُ أَوْلَى، وَعَلَى النَّصِّ لَوْ تَخَلَّفَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِيَسْجُدَ، فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَمْ يُتَابِعْهُ، سَوَاءٌ أَسَجَدَ قَبْلَ عَوْدِ إمَامِهِ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ بِسُجُودِهِ فِي الْأُولَى، وَبِاسْتِمْرَارِهِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فِي الثَّانِيَةِ، بَلْ يَسْجُدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ. وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ،   [مغني المحتاج] فِيهِمَا مُنْفَرِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لُزُومُ الْعَوْدِ لِلْمُتَابَعَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قِيَامَهُ لِذَلِكَ وَاجِبٌ وَتَخَلُّفَهُ لِيَسْجُدَ مُخَيَّرٌ فِيهِ، وَقَدْ اخْتَارَهُ فَانْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاسِيًا فَعَادَ الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ لَزِمَهُ مُوَافَقَتُهُ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي السَّلَامِ نَاسِيًا، فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْمُنَافِي لِلسُّجُودِ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ قَاصِرٌ، أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا فَعَادَ الْإِمَامُ لَمْ يُوَافِقْهُ لِقَطْعِهِ الْقُدْوَةَ بِسَلَامِهِ عَمْدًا. (وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ) وَسَجَدَ الْإِمَامُ (فَالصَّحِيحُ) فِي الصُّورَتَيْنِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَسْبُوقَ (يَسْجُدُ مَعَهُ) رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ (ثُمَّ) يَسْجُدُ أَيْضًا (فِي آخِرِ صَلَاتِهِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ السَّهْوِ الَّذِي لَحِقَهُ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَوْضِعَ السُّجُودِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَفِي قَوْلٍ فِي الْأُولَى، وَوَجْهٌ فِي الثَّانِيَةِ يَسْجُدُ مَعَهُ مُتَابَعَةً، وَلَا يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ السَّابِقُ، وَفِي وَجْهٍ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ وَلَا فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ السَّهْوَ، وَلَوْ قَامَ إمَامُهُ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا فَفَارَقَهُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَا قَبْلَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَالْإِمَامِ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ حَنَفِيًّا فَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِهِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَتِهِ، وَلَا يَنْتَظِرُهُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ، وَقِيلَ: يَتْبَعُهُ فِي السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقِيلَ: لَا يُسَلِّمُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ بَلْ يَصْبِرُ، فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ. هَذَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا، أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ وَيَسْجُدُ آخِرَ صَلَاتِهِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَنْوِي الْمُفَارَقَةَ إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ مُفَارَقَةٍ لِقَوْلِهِمْ: وَتَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ) فِي الصُّورَتَيْنِ (سَجَدَ) الْمَسْبُوقُ (آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصِّ) وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ الْمُخَرَّجُ السَّابِقُ. (وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ) السَّهْوُ (سَجْدَتَانِ) لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ تَعَدُّدِهِ، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَتَكَلَّمَ وَمَشَى، وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا بِرُبَاعِيَّةٍ وَأَتَى مِنْهَا بِرَكْعَةٍ وَسَهَا فِيهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ قَاصِرٍ فَسَهَا إمَامُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ أَتَى هُوَ بِالرَّابِعَةِ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَسَهَا فِيهَا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ وَهُمَا لِلْجَمِيعِ أَوْ لِمَا نَوَاهُ مِنْهُ، وَيَكُونُ تَارِكًا لِسُجُودِ الْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ، وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ سَجْدَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَاحِدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهُوَ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ، لَكِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ الْآتِي فِيمَا لَوْ هَوَى لِسُجُودِ تِلَاوَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَهُ بِأَنَّهُ مَسْنُونٌ فَلَهُ أَنْ لَا يُتِمَّهُ كَمَا لَهُ أَنْ لَا يَشْرَعَ فِيهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ سَجْدَةً ابْتِدَاءً، وَكَلَامُ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا بَعْدَ فِعْلِهَا بِقَرِينَةِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ. اهـ. وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، وَكَيْفِيَّتُهُمَا (كَسُجُودِ الصَّلَاةِ) فِي وَاجِبَاتِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ كَوَضْعِ الْجَبْهَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالتَّحَامُلِ وَالتَّنْكِيسِ وَالِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَالتَّوَرُّكِ بَعْدَهُمَا، وَيَأْتِي بِذِكْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ. فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا فَاتَ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَ فِي الْجَدِيدِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى النَّصِّ،   [مغني المحتاج] سُجُودِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا: سُبْحَانَ مَنْ لَا يَنَامُ وَلَا يَسْهُو. قَالَا: وَهُوَ لَائِقٌ بِالْحَالِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّمَا يُتِمُّ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ مَا يَقْتَضِي السُّجُودَ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَائِقًا، بَلْ اللَّائِقُ الِاسْتِغْفَارُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا عَنْ الذِّكْرِ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالذِّكْرِ بَيْنَ سَجْدَتَيْ صُلْبِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ سَجَدَ وَلَمْ يَأْتِ بِالشُّرُوطِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: اُحْتُمِلَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا فِعْلًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْمُتَّجَهُ الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ إتْمَامِ النَّفْلِ. اهـ. وَمَا جُمِعَ بِهِ بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَالْقَفَّالِ يُقَالُ هُنَا أَيْضًا (وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ) وَذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ فَقَامَ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَفِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْهَا. وَأَجَابُوا عَنْ سُجُودِهِ بَعْدَهُ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ لِبَيَانِ حُكْمِ سُجُودِ السَّهْوِ سَوَاءٌ أَكَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ أَمْ بِنَقْصٍ أَمْ بِهِمَا، وَمُقَابِلُ الْجَدِيدِ قَدِيمَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إنْ سَهَا بِنَقْصٍ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بِزِيَادَةٍ فَبَعْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِثُبُوتِ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ: أَيْ مَعَ الذِّكْرِ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالْأَدْعِيَةِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي وَمَحَلُّهُمَا قُبَيْلَ السَّلَامِ أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا أَفَادَهُ تَصْغِيرُ قَبْلَ، نَعَمْ الْمَسْبُوقُ إذَا اسْتَخْلَفَ وَعَلَى الْمُسْتَخْلَفِ سُجُودُ سَهْوٍ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ آخِرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَيَسْجُدُ مَنْ خَلْفَهُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُفَارِقُونَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عِنْدَ كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ، وَتُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهُ، وَلَا يُطْلَبُ بَعْدَهُ تَشَهُّدٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا) أَيْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ (فَاتَ) السُّجُودُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَطَعَ الصَّلَاةَ بِالسَّلَامِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَمْدَ كَالسَّهْوِ، فَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا (أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ) عُرْفًا (فَاتَ) السُّجُودُ (فِي الْجَدِيدِ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالسَّلَامِ وَتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِالطُّولِ، بِخِلَافِ الْقَدِيمِ فِي السَّهْوِ بِالنَّقْضِ، فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جُبْرَانُ عِبَادَةٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَاخَى عَنْهَا كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَلَمْ يُرِدْ السُّجُودَ فَلَا سُجُودَ لِعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِيهِ فَصَارَ كَالْمُسَلِّمِ عَمْدًا فِي أَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالسَّلَامِ، فَإِنْ أَرَادَهُ (فَلَا) يَفُوتُ (عَلَى النَّصِّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَحْمُولِ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ: يَفُوتُ حَذَرًا مِنْ إلْغَاءِ السَّلَامِ بِالْعَوْدِ إلَى الصَّلَاةِ. نَعَمْ لَوْ سَلَّمَ مِنْ الْجُمُعَةِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ سَلَّمَ الْقَاصِرُ فَنَوَى الْإِقَامَةَ، أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ فَاتَهُ السُّجُودُ فَلَا يَأْتِي بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى، وَفِعْلِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِدُونِ سَبَبِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 وَإِذَا سَجَدَ صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ سَهَا إمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا، وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَصَلَاتُهُ الْمَقْصُورَةُ، وَيَفُوتُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ عَقِبَ السَّلَامِ أَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ أَوْ شُفِيَ دَائِمُ الْحَدَثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ عَقِبَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَدَارَكُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الطُّهْرُ فِي الْحَالِ بِأَنْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَاءٍ (وَإِذَا سَجَدَ) فِيمَا إذَا قَرُبَ الْفَصْلُ عَلَى النَّصِّ أَوْ مَعَ طُولِهِ عَلَى الْقَدِيمِ (صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ) بِلَا إحْرَامٍ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ سَلَامِهِ رُكْنًا، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِالْهُوِيِّ بَلْ بِإِرَادَةِ السُّجُودِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ فِي سُجُودِهِ الْإِتْمَامَ، أَوْ بَلَغَتْ فِيهِ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ بَلْ يُعِيدُ السَّلَامَ. وَالثَّانِي: لَا يَصِيرُ عَائِدًا لِأَنَّ التَّحَلُّلَ حَصَلَ بِالسَّلَامِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْخَادِمِ: هَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: صَارَ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِعَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا؟ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا بِلَا نِيَّةٍ وَلَا تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ. وَلِمَا قُدِّمَ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ أَيْ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا قَبْلَهُ وَمَا وَقَعَ فِيهِ وَبَعْدَهُ حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ سَلَامِهِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثَلَاثًا سَهْوًا فَلَا يَسْجُدُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي السُّجُودِ ثَانِيًا فَيَتَسَلْسَلُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا أَبُو يُوسُفَ الْكِسَائِيُّ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ مَنْ تَبَحَّرَ فِي عِلْمٍ اهْتَدَى بِهِ إلَى سَائِرِ الْعُلُومِ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ إمَامٌ فِي النَّحْوِ وَالْأَدَبِ فَهَلْ تَهْتَدِي إلَى الْفِقْهِ؟ فَقَالَ: سَلْ مَا شِئْت، فَقَالَ: لَوْ سَجَدَ سُجُودَ السَّهْوِ ثَلَاثًا هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمُصَغَّرَ لَا يُصَغَّرُ لَكِنَّهُ قَدْ يَتَعَدَّدُ صُورَةً. ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ سَهَا إمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا) لِلسَّهْوِ (فَبَانَ فَوْتُهَا أَتَمُّوا ظُهْرًا) لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا (وَسَجَدُوا) ثَانِيًا آخِرَ الصَّلَاةِ لِتَبَيُّنِ أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ ظَنَّ) أَوْ اعْتَقَدَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ السَّهْوِ (سَجَدَ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ زَادَ سَجْدَتَيْنِ سَهْوًا، وَضَابِطُ هَذَا أَنَّ السَّهْوَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَقْتَضِي السُّجُودَ كَمَا مَرَّ، وَالسَّهْوُ بِهِ يَقْتَضِيهِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُجْبِرُ كُلَّ خَلَلٍ فِي الصَّلَاةِ فَيُجْبِرُ نَفْسَهُ كَمَا يُجْبِرُ غَيْرَهُ كَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، وَلَوْ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَجَدَ ثَانِيًا، فَهَذَا مَا يَتَعَدَّدُ فِيهِ السُّجُودُ صُورَةً لَا حُكْمًا. خَاتِمَةٌ: لَوْ نَسِيَ مِنْ صَلَاتِهِ رُكْنًا وَسَلَّمَ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ عَقِبَهَا بِأُخْرَى لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْأُولَى، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّلَامِ وَتَيَقَّنَ التَّرْكَ بَنَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ يَسِيرٌ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ، أَوْ بَعْدَ طُولِهِ اسْتَأْنَفَهَا لِبُطْلَانِهَا بِطُولِ الْفَصْلِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 بَابٌ تُسَنُّ سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ: وَهُنَّ   [مغني المحتاج] فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْأُخْرَى بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ انْعَقَدَتْ الثَّانِيَةُ لِبُطْلَانِ الْأُولَى بِطُولِ الْفَصْلِ وَأَعَادَ الْأُولَى: وَلَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا نَاسِيًا أَوْ أَحْرَمَ بِمَقْصُورَةٍ فَأَتَمَّهَا نَاسِيًا، وَنَسِيَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَجْدَةً حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؛ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الثَّانِيَةِ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ، وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَهَا بِتَرْكِ قُنُوتٍ مَثَلًا فَسَجَدَ ثُمَّ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ سَهَا بِغَيْرِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ ظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالْعِمْرَانِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعِشَاءِ قَضَاءً ثُمَّ ظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنَّهُ فِي الصُّبْحِ وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ، وَفِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ فِي الْعِشَاءِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا يَظُنُّهُ أَنَّهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ السَّبْتَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَصَوْمُهُ. اهـ. وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لِقَوْلِهِ: قَضَاءً، وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ، فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ تَمَّتْ بِهَا الْأُولَى أَوْ عَلِمَ قَبْلَهُ بَنَى عَلَى الْأُولَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ أَتَى نَاسِيًا بِمَا لَوْ فَعَلَهُ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْإِحْرَامُ الثَّانِي. [بَاب سَجَدَاتٌ التِّلَاوَةِ] ، ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ: بَابٌ بِالتَّنْوِينِ (تُسَنُّ سَجَدَاتُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (التِّلَاوَةِ) بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِنْهَا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ: يَا وَيْلَتَا أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْت فَلِيَ النَّارُ» وَمِنْهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ إلَّا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مُشْرِكًا» وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ، «لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فَلَمْ يَسْجُدْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أُمِرْنَا بِالسُّجُودِ: يَعْنِي لِلتِّلَاوَةِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يَسْجُدْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] . أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ فِي الْكُفَّارِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا (وَهُنَّ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 فِي الْجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ: مِنْهَا سَجْدَتَا الْحَجِّ. لَا (ص)   [مغني المحتاج] سَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ (فِي الْجَدِيدِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ) سَجْدَةً (مِنْهَا سَجْدَتَا الْحَجِّ) وَاثْنَتَا عَشْرَةَ: فِي الْأَعْرَافِ، وَالرَّعْدِ، وَالنَّحْلِ، وَالْإِسْرَاءِ، وَمَرْيَمَ، وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ، وَالَمْ تَنْزِيلُ، وَحُمَّ السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ، وَالِانْشِقَاقِ وَالْعَلَقِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ: مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالسَّجْدَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْهُ سَجْدَةُ (ص) ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَأَسْقَطَ الْقَدِيمُ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ لِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «لَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ لِلْمَدِينَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. . وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْجَدِيدِ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَنَافٍ، وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ وَمُثْبِتٌ، وَأَيْضًا التَّرْكُ إنَّمَا يُنَافِي الْوُجُوبَ دُونَ النَّدْبِ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] » ، وَكَانَ إسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَمَحَالُّ هَذِهِ السَّجَدَاتِ مَعْرُوفَةٌ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا: إحْدَاهَا سَجْدَةُ النَّحْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَثَانِيهَا سَجْدَةُ النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] . وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25] وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ وَلَا تَوْقِيفَ فِيمَا نَعْلَمُهُ. اهـ. وَثَالِثُهَا سَجْدَةُ حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وَقِيلَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] وَرَابِعُهَا سَجْدَةُ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وَقِيلَ إنَّهَا فِي آخِرِ السُّورَةِ: ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ، وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ بِسَجْدَتَيْ الْحَجِّ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ (لَا) سَجْدَةُ (ص) وَهِيَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] فَلَيْسَتْ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: أَيْ مُتَأَكَّدَاتِهِ وَأَثْبَتَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتَحْرُمُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَتُسَنُّ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ، وَتَتَأَكَّدُ لَهُ بِسُجُودِ الْقَارِئِ. قُلْت: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] ابْنُ سُرَيْجٍ فَجَعَلَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لِحَدِيثِ عَمْرٍو الْمُتَقَدِّمِ (بَلْ هِيَ) أَيْ سَجْدَةُ (ص) (سَجْدَةُ شُكْرٍ) لِتَوْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَيْ لِقَبُولِهَا، وَالتِّلَاوَةُ سَبَبٌ لِتَذَكُّرِ ذَلِكَ لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَقَرَأَ (ص) ، فَلَمَّا هَمَّ بِالسُّجُودِ نَشَزْنَا أَيْ تَهَيَّأْنَا لِلسُّجُودِ، فَلَمَّا رَآنَا قَالَ: إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (تُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَتِهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ (وَتَحْرُمُ فِيهَا) وَتُبْطِلُهَا (عَلَى الْأَصَحِّ) لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَتَعَمَّدَهُ. أَمَّا الْجَاهِلُ أَوْ النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِعُذْرِهِ، لَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ سَجَدَهَا إمَامُهُ وَكَانَ يَعْتَقِدُهَا كَحَنَفِيٍّ جَازَ لَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ قَائِمًا كَمَا يَنْتَظِرُهُ قَاعِدًا إذَا قَامَ إمَامُهُ لِرَكْعَةٍ خَامِسَةٍ سَهْوًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إذَا انْتَظَرَهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يُلَاقِي التَّصْوِيرَ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَمْ يَسْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي فِعْلٍ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ فَلَا يَسْجُدُ لِانْتِظَارِهِ، وَإِنْ سَجَدَ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ. وَاسْتَشْكَلَ انْتِظَارُهُ مَعَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ، وَعِنْدَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ قَدْ بَطَلَتْ. وَأَجَبْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَالثَّانِي لَا تَحْرُمُ فِيهَا وَلَا تُبْطِلُهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالتِّلَاوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سُجُودِ الشُّكْرِ. فَائِدَةٌ: الْمَشْهُورُ فِي (ص) وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لَهَا، وَتُقْرَأُ (ص) بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ كُتِبَتْ حَرْفًا وَاحِدًا. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ اسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ (وَتُسَنُّ) سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ (لِلْقَارِئِ) حَيْثُ تُشْرَعُ لَهُ الْقِرَاءَةُ (وَالْمُسْتَمِعِ) أَيْ قَاصِدِ السَّمَاعِ حَيْثُ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِمَاعُ، وَلَوْ كَانَ الْقَارِئُ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ امْرَأَةً وَالْمُسْتَمِعُ رَجُلًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَوْ مُحْدِثًا أَوْ كَافِرًا لَا لِقِرَاءَةِ جُنُبٍ وَسَكْرَانَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَهُمَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا لِنَائِمٍ وَسَاهٍ لِعَدَمِ قَصْدِهِمَا التِّلَاوَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي السُّجُودُ لِقِرَاءَةِ مَلَكٍ وَجِنِّيٍّ لَا لِقِرَاءَةِ دُرَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ. قَالَ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَلَوْ قَرَأَ أَوْ سَمِعَ أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ آيَةَ سَجْدَةٍ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَسْجُدُ، لَكِنْ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ فَوَاتِ التَّحِيَّةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا (وَتَتَأَكَّدُ لَهُ) أَيْ الْمُسْتَمِعِ (بِسُجُودِ الْقَارِئِ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُسْتَمِعِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ عَلَى وَجْهٍ وَلَا يَقْتَدِي فِي سُجُودِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا تَرْتَبِطُ بِهِ فَلَهُ الرَّفْعُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ مَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْقَاضِي الْبَغَوِيِّ جَوَازُهُ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ (قُلْت: وَتُسَنُّ لِلسَّامِعِ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ السَّمَاعَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لَكِنَّهَا لِلْمُسْتَمِعِ آكَدُ مِنْهُ لِلسَّامِعِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ كَأَنْ قَرَأَهَا فِي حَالِ رُكُوعِهِ أَوْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ، وَالْمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ، فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ فَتَخَلَّفَ أَوْ انْعَكَسَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَنْ سَجَدَ خَارِجَ الصَّلَاةِ نَوَى، وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ رَافِعًا   [مغني المحتاج] سُجُودِهِ أَوْ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَمْ يَسْجُدْ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَكَذَا إنْ قَرَأَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَتَدَارَكُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا، بَلْ قِيلَ تُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا لِلْخَطِيبِ إذَا قَرَأَ آيَتَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ مَكَانَهُ إنْ خَشِيَ طُولَ الْفَصْلِ وَإِلَّا نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ مَكَانَهُ سَجَدَ. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ» أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ فَلَا يَسْجُدُ اتِّفَاقًا وَإِنْ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ السَّاجِدِينَ وَنَحْوِهَا. (وَإِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ) فِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ (سَجَدَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (لِقِرَاءَتِهِ فَقَطْ) فَلَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَ) يَسْجُدُ (الْمَأْمُومُ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ) فَقَطْ فَلَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ، لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ سُجُودِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (فَإِنْ سَجَدَ إمَامُهُ فَتَخَلَّفَ) هُوَ (أَوْ انْعَكَسَ) بِأَنْ سَجَدَ دُونَ إمَامِهِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِلْمُخَالَفَةِ هَذَا مَعَ اسْتِمْرَارِهِ مَأْمُومًا، فَإِنْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ السَّجْدَةِ فَهَلْ هِيَ مُفَارَقَةٌ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ؟ مُقْتَضَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا بِعُذْرٍ وَيُنْدَبُ لِلْمَأْمُومِ عِنْدَ تَرْكِ الْإِمَامِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ السَّلَامِ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَمُرَادُهُ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الْأَدَاءُ، إذْ الْوَاقِعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمُ الْقَضَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ وَإِلَّا فَاتَ، وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ وَإِصْغَاءٌ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ الْإِصْغَاءُ لِغَيْرِ قِرَاءَتِهِمَا، وَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُهَا فِيهَا إلَى فَرَاغِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عِنْدَ قِصَرِ الْفَصْلِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ " تَنَازَعَ فِيهِ قَرَأَ وَسَجَدَ، فَالْفَرَّاءُ يُعْمِلُهُمَا فِيهِ، وَالْكِسَائِيُّ يَقُولُ: حُذِفَ فَاعِلُ الْأَوَّلِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُضْمِرُونَهُ، وَالْفَاعِلُ الْمُضْمَرُ عِنْدَهُمْ مُفْرَدٌ لَا مُثَنًّى إذْ لَوْ كَانَ ضَمِيرَ تَثْنِيَةٍ لَبَرَزَ عَلَى رَأْيِهِمْ فَيَصِيرُ قَرَآ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ مَعَ عَوْدِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِتَأْوِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَالتَّرْكِيبُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ قَبْلَهُ، وَلَيْسَتْ صِحَّتُهُ خَاصَّةً بِالْمَذْهَبَيْنِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى عَدَمِ تَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ (وَمَنْ سَجَدَ) أَيْ أَرَادَ السُّجُودَ (خَارِجَ الصَّلَاةِ نَوَى) سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وُجُوبًا لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ) بِهَا كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، لَكِنْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ (رَافِعًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 يَدَيْهِ، ثُمَّ لِلْهَوِيِّ بِلَا رَفْعٍ وَسَجَدَ كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَرَفَعَ مُكَبِّرًا وَسَلَّمَ، وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا السَّلَامُ فِي الْأَظْهَرِ وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ، وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا كَبَّرَ لِلْهَوِيِّ وَلِلرَّفْعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ. قُلْت: وَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَيَقُولُ   [مغني المحتاج] يَدَيْهِ) نَدْبًا كَمَا مَرَّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (ثُمَّ) كَبَّرَ نَدْبًا (لِلْهَوِيِّ) لِلسُّجُودِ (بِلَا رَفْعٍ) لِيَدَيْهِ (وَسَجَدَ) سَجْدَةً (كَسَجْدَةِ الصَّلَاةِ) فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالسُّنَنِ (وَرَفَعَ) رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ بِلَا رَفْعِ يَدَيْهِ (مُكَبِّرًا) نَدْبًا (وَسَلَّمَ) وُجُوبًا بَعْدَ الْقُعُودِ كَالصَّلَاةِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّشَهُّدُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ. وَقِيلَ: يَتَشَهَّدُ أَيْضًا. وَقِيلَ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: إنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ وَلَا يُسَلِّمُ كَمَا لَا يُسَلِّمُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ ثُمَّ يُكَبِّرَ عَلَى الْأَصْوَبِ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِيهِ (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) مَعَ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ (شَرْطٌ) فِيهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ، وَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامَ كَمَا سَيَأْتِي أَرْكَانٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ (وَكَذَا السَّلَامُ) شَرْطٌ فِيهَا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى التَّحَرُّمِ. وَالثَّالِثُ: لَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إذَا سَجَدَ فِي الصَّلَاةِ، وَمَدْرَكُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ هَلْ تُلْحَقُ بِالصَّلَاةِ فَتُشْتَرَطُ، أَوْ لَا فَلَا؟ . (وَتُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ) قَطْعًا كَالِاسْتِقْبَالِ وَالسِّتْرِ وَالطَّهَارَةِ وَالْكَفِّ عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَدُخُولِ وَقْتِ السُّجُودِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بِأَنْ يَكُونَ قَدْ قَرَأَ الْآيَةَ أَوْ سَمِعَهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ سَمَاعَ الْآيَةِ بِكَمَالِهَا شَرْطٌ كَالْقِرَاءَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَكْفِيَ كَلِمَةُ السَّجْدَةِ وَنَحْوُهَا، فَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى آخِرِ السَّجْدَةِ وَلَوْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ (وَمَنْ سَجَدَ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (كَبَّرَ لِلْهَوِيِّ) لِلسُّجُودِ (وَلِلرَّفْعِ) مِنْهُ نَدْبًا (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) فِيهِمَا، أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَنْ سَجَدَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ وَنَوَى وُجُوبًا، لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي تَرْكِ السَّجَدَاتِ فَقَالُوا: لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً سَهْوًا ثُمَّ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ لَا تَكْفِي عَنْهَا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَمِلَتْهُ فَهِيَ كَسُجُودِ السَّهْوِ، كَذَا قِيلَ. وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي نِيَّتُهَا اتِّفَاقًا، لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَنْسَحِبُ عَلَيْهَا بِوَاسِطَةٍ، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَمْ تَشْمَلْهَا: أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَالسُّنَّةُ الَّتِي تَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ مَا شَمِلَتْهُ النِّيَّةُ بِلَا وَاسِطَةٍ كَمَا مَثَّلُوا بِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِلرَّفْعِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ (قُلْت: وَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ) بَعْدَهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ بَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْكَعَ، فَلَوْ قَامَ رَاكِعًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْهُوِيَّ مِنْ الْقِيَامِ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ رُكُوعِهِ فِي قِيَامِهِ مِنْ سُجُودِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ (وَيَقُولُ) فِيهَا دَاخِلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ. وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي مَجْلِسَيْنِ سَجَدَ لِكُلٍّ وَكَذَا الْمَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ، وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ، وَرَكْعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ وَطَالَ الْفَصْلُ لَمْ يَسْجُدْ.   [مغني المحتاج] الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا «سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد» ، رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُمَا وَيُنْدَبُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ قَالَ مَا يَقُولُهُ فِي سُجُودِهِ جَازَ: أَيْ كَفَى، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ التَّسْبِيحِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ: يَدْعُو فِي سُجُودِهِ بِمَا يَلِيقُ بِالْآيَةِ فَيَقُولُ فِي سَجْدَةِ الْإِسْرَاءِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الْبَاكِينَ إلَيْك وَالْخَاشِعِينَ لَك، وَفِي سَجْدَةِ الم السَّجْدَةِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ السَّاجِدِينَ لِوَجْهِك الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِك، وَأَعُوذُ بِك أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ أَمْرِك وَعَلَى أَوْلِيَائِك. (وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً) فِيهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ: أَيْ آتَى بِهَا مَرَّتَيْنِ مَثَلًا خَارِجَ الصَّلَاةِ (فِي مَجْلِسَيْنِ سَجَدَ لِكُلٍّ) مِنْ الْمَرَّتَيْنِ عَقِبَهَا لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ (وَكَذَا الْمَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي تَكْفِيهِ السَّجْدَةُ الْأُولَى عَنْ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ كَرَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلْأُولَى. وَالثَّالِثُ: إنْ طَالَ الْفَصْلُ سَجَدَ لِكُلِّ مَرَّةٍ وَإِلَّا كَفَاهُ سَجْدَةٌ عَنْهُمَا قَالَ فِي الْعُدَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لَا أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى الثَّانِي كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ نُسِبَ فِي ذَلِكَ إلَى السَّهْوِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا سَجَدَ لِلْأُولَى ثُمَّ كَرَّرَ الْآيَةَ فَيَسْجُدُ ثَانِيًا. أَمَّا لَوْ كَرَّرَهَا قَبْلَ السُّجُودِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ قَطْعًا (وَرَكْعَةٌ كَمَجْلِسٍ) وَإِنْ طَالَتْ (وَرَكْعَتَانِ كَمَجْلِسَيْنِ) وَإِنْ قَصُرَتَا فَيَسْجُدُ فِيهِمَا، وَلَوْ قَرَأَ آيَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَكَسَ سَجَدَ ثَانِيًا (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ) مَنْ طُلِبَ مِنْهُ السُّجُودُ عَقِبَ فَرَاغِ آيَةِ السَّجْدَةِ (وَطَالَ الْفَصْلُ) عُرْفًا وَلَوْ بِعُذْرٍ (لَمْ يَسْجُدْ) أَدَاءً لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْقِرَاءَةِ. وَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ ذُو سَبَبٍ عَارِضٍ كَالْكُسُوفِ، فَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ سَجَدَ، وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ الْأَوْجَهُ، فَإِنْ كَانَ الْقَارِئُ أَوْ الْمُسْتَمِعُ أَوْ السَّامِعُ أَوْ مَنْ يَسْجُدُ شُكْرًا مُحْدِثًا فَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ لِآيَةِ سَجْدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِقَصْدِ السُّجُودِ، بَلْ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ بِقَصْدِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنَعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَفْتَى بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا لِقِرَاءَةِ سَجْدَةِ {الم} [السجدة: 1] {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ فِيهَا مَسْنُونَةٌ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ لِيَسْجُدَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ السُّجُودُ، وَسَوَاءٌ قَرَأَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ أَمْ قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالسُّجُودِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ فِيهِمَا سَجْدَةٌ لِيَسْجُدَ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا عِنْدَنَا، وَفِي كَرَاهَتِهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ، وَمُقْتَضَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ، وَتُسَنُّ لِهُجُومِ نِعْمَةٍ، أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ، أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى، أَوْ عَاصٍ. وَيُظْهِرُهَا لِلْعَاصِي لَا لِلْمُبْتَلَى.   [مغني المحتاج] مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا فَفِي كَرَاهَتِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لَا لِغَرَضٍ سِوَى التَّحِيَّةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْقِرَاءَةِ غَرَضٌ سِوَى السُّجُودِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا قَطْعًا. اهـ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّجْدَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ (وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ) لِأَنَّ سَبَبَهَا لَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ، فَلَوْ سَجَدَهَا فِيهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَتُسَنُّ لِهُجُومِ) أَيْ حُدُوثِ (نِعْمَةٍ) كَحُدُوثِ وَلَدٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَالٍ أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ أَوْ نَصْرٍ عَلَى عَدُوٍّ (أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ) كَنَجَاةٍ مِنْ حَرِيقٍ أَوْ غَرَقٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا جَاءَهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ خَرَّ سَاجِدًا» وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي، فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ، فَسَجَدْتُ شُكْرًا لِرَبِّي» . وَخَرَجَ بِالْحُدُوثِ الِاسْتِمْرَارُ كَالْعَافِيَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى اسْتِغْرَاقِ الْعُمُرِ فِي السُّجُودِ، وَقَيَّدَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمُهَذَّبِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ النِّعْمَةَ وَالنِّقْمَةَ بِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَتَيْنِ لِيُخْرِجَ الْبَاطِنَتَيْنِ كَالْمَعْرِفَةِ وَسَتْرِ الْمَسَاوِئِ، وَقَيَّدَهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَفِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] أَيْ يَدْرِي قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِيهِ وَأَنْ لَا، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ؛ وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَصْلِهِ (أَوْ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى) فِي بَدَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُكْرِ اللَّهِ عَلَى سَلَامَتِهِ (أَوْ) رُؤْيَةِ (عَاصٍ) يَجْهَرُ بِمَعْصِيَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَيَفْسُقُ بِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ الْحَاوِي؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدِّينِ أَشَدُّ مِنْهُمَا فِي الدُّنْيَا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا» فَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَافِرِ أَوْلَى، وَلَوْ حَضَرَ الْمُبْتَلَى أَوْ الْعَاصِي فِي ظُلْمَةٍ أَوْ عِنْدَ أَعْمَى، أَوْ سَمِعَ صَوْتَهُمَا سَامِعٌ وَلَمْ يَحْضُرَا، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ اسْتِحْبَابُهَا أَيْضًا (وَيُظْهِرُهَا) أَيْ السَّجْدَةَ (لِلْعَاصِي) الْمُتَجَاهِرِ بِمَعْصِيَتِهِ الَّتِي يَفْسُقُ بِهَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَهُ تَعْيِيرًا لَهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَتَجَاهَرْ بِمَعْصِيَتِهِ أَوْ لَمْ يَفْسُقْ بِهَا بِأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَلَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَلَا يَسْجُدُ لِرُؤْيَتِهِ، أَوْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا فَلَا يُظْهِرُهَا لَهُ، بَلْ يُخْفِيهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي مَعْنَى الْفَاسِقِ: الْكَافِرُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ (لَا لِلْمُبْتَلَى) لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ كَمَقْطُوعٍ فِي سَرِقَةٍ أَظْهَرَهَا لَهُ، قَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وَهِيَ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ. وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُمَا عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ. فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ عَلَيْهَا قَطْعًا.   [مغني المحتاج] الْقَاضِي وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ تَوْبَتَهُ وَإِلَّا فَيُسِرُّهَا وَيُظْهِرُهَا أَيْضًا لِحُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُظْهِرُهَا لِتَجَدُّدِ ثَرْوَةٍ بِحَضْرَةِ فَقِيرٍ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ حَسَنٌ. فَرْعٌ هَلْ يُظْهِرُهَا لِلْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ الْمُبْتَلَى فِي بَدَنِهِ بِمَا هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ يُحْتَمَلُ الْإِظْهَارُ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالزَّجْرِ، وَالْإِخْفَاءُ؛ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَنَّهُ عَلَى الِابْتِلَاءِ فَيَنْكَسِرَ قَلْبُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُظْهِرُ وَيُبَيِّنُ السَّبَبَ وَهُوَ الْفِسْقُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَلَوْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَوْ الْعِصْيَانِ فَهَلْ يَسْجُدُ؟ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يَقْتَضِي السُّجُودَ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَهُ، فَقَدْ يُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ. اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ بَلَائِهِ أَوْ مِنْهُ وَهُوَ زَائِدٌ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفِسْقُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ فِسْقِهِ أَوْ مِنْهُ وَهُوَ أَزْيَدُ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا (وَهِيَ) أَيْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ (كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) خَارِجَ الصَّلَاةِ كَيْفِيَّتِهَا وَشَرَائِطِهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ لِمَا مَرَّ فِي تِلْكَ، وَمَرَّ أَنَّهَا لَا تُقْضَى كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُمَا) أَيْ السَّجْدَتَيْنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ (عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ) بِالْإِيمَاءِ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ، وَخَالَفَ الْجِنَازَةَ عَلَى الرَّاجِحِ، وَإِنْ كَانَ فِي إقَامَةِ كُلٍّ عَلَيْهَا إبْطَالُ رُكْنِهِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ تَمْكِينُ الْجَبْهَةِ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَالْقِيَامُ فِي الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ تَنْدُرُ فَلَا يَشُقُّ النُّزُولُ لَهَا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتِ تَقْتَضِي النُّزُولَ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِفَوَاتِ أَعْظَمِ أَرْكَانِهَا: وَهُوَ الْتِصَاقُ الْجَبْهَةِ مِنْ مَوْضِعِ السُّجُودِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي مَرْقَدٍ وَأَتَمَّ سُجُودَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَالْمَاشِي يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ (فَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةِ صَلَاةٍ جَازَ) الْإِيمَاءُ (عَلَيْهَا) أَيْ الرَّاحِلَةِ (قَطْعًا) تَبَعًا لِلنَّافِلَةِ كَسُجُودِ السَّهْوِ، وَخَرَجَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ سُجُودُ الشُّكْرِ فَإِنَّهُ لَا يُفْعَلُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ مَعَ سَجْدَةِ الشُّكْرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الصَّدَقَةُ وَالصَّلَاةُ لِلشُّكْرِ. وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: لَوْ أَقَامَ التَّصَدُّقَ أَوْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَقَامَ السُّجُودِ كَانَ حَسَنًا، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِيَسْجُدَ بِهَا لِلشُّكْرِ لَمْ يَجُزْ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِسُجُودِهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ، وَتَبْطُلُ أَيْضًا لَوْ قَصَدَ بِهَا التِّلَاوَةَ وَالشُّكْرَ تَغْلِيبًا لِلْمُبْطِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَالرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّ فِي الرَّدِّ مَصْلَحَةً لِلصَّلَاةِ. وَلِهَذَا قِيلَ: لَا تَبْطُلُ، لَوْ قَصَدَ الرَّدَّ فَقَطْ، وَلَوْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَرُمَ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةٍ كَمَا يَحْرُمُ بِرُكُوعٍ مُفْرَدٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَمِمَّا يَحْرُمُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ، عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 بَابٌ صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً،   [مغني المحتاج] [بَابٌ صَلَاةِ النَّفْلِ] بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا عَدَا الْفَرَائِضَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُرَادِفُ النَّفَلَ السُّنَّةُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْحَسَنُ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: غَيْرُ الْفَرْضِ ثَلَاثَةٌ: تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِهِ، بَلْ يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً، وَسُنَّةٌ وَهِيَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا، أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْبَقِيَّةِ لِعُمُومِهَا لِلثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ بَعْضَ الْمَسْنُونَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاسْمِ، وَأَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ الصَّلَاةُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» . وَقِيلَ: الصَّوْمُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . وَقِيلَ: إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالصَّلَاةُ، أَوْ بِالْمَدِينَةِ فَالصَّوْمُ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجْمَعُ مَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ، وَمَنْعِ الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَغَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ، وَيُقْتَلُ تَارِكُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: الْحَجُّ أَفْضَلُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: الْجِهَادُ أَفْضَلُ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: الْعِبَادَاتُ تَخْتَلِفُ أَفْضَلِيَّتُهَا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَفَاعِلهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْخِلَافُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ، وَخَرَجَ بِإِضَافَةِ الْعِبَادَاتِ إلَى الْبَدَنِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: عِبَادَةُ الْقَلْبِ كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ. وَالثَّانِي: الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لِتَعَدِّي النَّفْعِ بِهَا، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْقَاصِرِ أَرْجَحَ فَهُوَ أَرْجَحُ، أَوْ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ أَرْجَحُ، وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ كَمَا مَرَّ، فَفَرْضُهَا أَفْضَلُ الْفُرُوضِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَرِدُ حِفْظُهُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ حَيْثُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ كَمَا قَالَ (صَلَاةُ النَّفْلِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ: أَيْ لَا تُسَنُّ فِيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَهِيَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَقِيلَ لَا رَاتِبَ لِلْعِشَاءِ. وَقِيلَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا. وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ. وَرَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ. قُلْت: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا   [مغني المحتاج] الْجَمَاعَةُ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِهِ فُرَادَى لَا عَلَى الْحَالِ، وَإِلَّا لَكَانَ مَعْنَاهُ نَفْيَ السُّنَّةِ عَنْهُ حَالَ كَوْنِهِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ قَالَ: يُسَنُّ فُرَادَى كَانَ أَحْسَنَ، فَإِنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ جَازَ بِالْجَمَاعَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ «لِاقْتِدَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ فِي التَّهَجُّدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ) وَهِيَ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّتِي (مَعَ الْفَرَائِضِ) . وَقِيلَ: هِيَ مَا لَهُ وَقْتٌ، وَالْحِكْمَةُ فِيهَا تَكْمِيلُ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرَائِضِ بِنَقْصِ نَحْوِ خُشُوعٍ كَتَرْكِ تَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ (وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ» (وَقِيلَ لَا رَاتِبَ لِلْعِشَاءِ) لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ (وَقِيلَ) مِنْ الرَّوَاتِبِ «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ» لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا) لِحَدِيثِ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (وَقِيلَ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» رَوَاهُ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ (وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ) رَاتِبَةٌ قَطْعًا لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُجْمِعِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْجَامِعِ بِمُزْدَلِفَةَ تَرْكُ التَّنَفُّلِ لَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَاهُ عَلَى النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ (وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ) مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدُ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ الْجَمِيعُ مُؤَكَّدٌ، وَعَلَى الرَّاجِحِ: الْمُؤَكَّدُ الْعَشْرُ الْأُوَلُ فَقَطْ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا (وَ) قِيلَ مِنْ الرَّوَاتِبِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) لِمَا سَيَأْتِي (قُلْت: هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا) وَلَفْظُهُ «صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ» . قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ. وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ الْوِتْرُ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ،   [مغني المحتاج] سُنَّةً: أَيْ طَرِيقَةً لَازِمَةً، وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ بِرَكْعَتَيْنِ. نَعَمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ " أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ لَهُمَا: أَيْ لِلرَّكْعَتَيْنِ إذَا أَذَّنَ الْمَغْرِبُ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " حَتَّى إنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ ". وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا لَيْسَتَا بِسُنَّةٍ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهِمَا. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ نَافٍ، وَغَيْرُهُ مُثْبِتٌ خُصُوصًا مَنْ أَثْبَتَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ نَفَى. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ، وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَدَمَ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ رَأَى، وَالْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا عِنْدَ مَنْ اسْتَحَبَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ الرَّوَاتِبِ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُمَا عَنْ تَمَامِ الْكَلَامِ فِي الرَّوَاتِبِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ عَطْفُهُمَا عَلَى أَمْثِلَةِ الرَّوَاتِبِ يُفْهِمُ أَنَّهُمَا مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَاسْتِحْبَابهمَا قَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ، فَإِنْ شَرَعَ فِيهَا كُرِهَ الشُّرُوعُ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَقْدِيمُ الْإِجَابَةِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَدَّى الِاشْتِغَالُ بِهِمَا إلَى عَدَمِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَى مَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِخَبَرِ «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» . وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ، وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ (وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ) رَكْعَتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ غَيْرُ مُؤَكَّدَتَيْنِ كَمَا فِي الظُّهْرِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» (وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ) أَيْ رَكْعَتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ غَيْرُ مُؤَكَّدَتَيْنِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ وَمَا قَرَّرْت بِهِ عِبَارَتُهُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى عِبَارَتِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ مُخَالِفَةٌ لِلظُّهْرِ فِيمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ قَالَ: وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي الرَّوَاتِبِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لَكَانَ أَوْلَى. (وَمِنْهُ) أَيْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الْوِتْرُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. أَمَّا كَوْنُهُ مَطْلُوبًا فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ كَمَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «إنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» وَهُوَ قِسْمٌ مِنْ الرَّوَاتِبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَسِيمٌ لَهَا، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَمِنْهَا لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الرَّوَاتِبِ لَكَانَ أَوْلَى (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» . وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِيتَارُ بِرَكْعَةٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ. وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ. وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ.   [مغني المحتاج] وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا نَهْيَ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ» وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ، وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ، ثُمَّ سَبْعٌ، ثُمَّ تِسْعٌ، ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ أَكْثَرُهُ كَمَا قَالَ (وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ: مِنْهَا خَبَرُ عَائِشَةَ «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» فَلَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ صَحَّ غَيْرَ الْإِحْرَامِ. السَّادِسُ: فَلَا يَصِحُّ وِتْرًا، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمَنْعَ وَتَعَمَّدَ فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ وَإِلَّا وَقَعَ نَفْلًا كَإِحْرَامِهِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا غَالِطًا (وَقِيلَ) أَكْثَرُهُ (ثَلَاثَ عَشْرَةَ) رَكْعَةً لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ تَأَوَّلَهَا الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ مُبَاعِدٌ لِلْأَخْبَارِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَأَنَا أَقْطَعُ بِحِلِّ الْإِيتَارِ بِذَلِكَ وَصِحَّتِهِ، وَلَكِنْ أُحِبُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ غَالِبُ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَنُّ لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى " الْأَعْلَى "، وَفِي الثَّانِيَةِ " الْكَافِرُونَ ". وَفِي الثَّالِثَةِ " الْإِخْلَاصَ "، ثُمَّ " الْفَلَقَ "، ثُمَّ " النَّاسَ " مَرَّةً مَرَّةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ إنْ قَرَأَ فِيهَا ذَلِكَ (وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ) فِي الْوِتْرِ (الْفَصْلُ) بَيْنَ الرَّكَعَاتِ بِالسَّلَامِ فَيَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا مِنْ الْوِتْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ» (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ الْوَصْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَهُ أَكْثَرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِالسَّلَامِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْوَصْلُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُصَحِّحُ الْفَصْلَ، وَالْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ قَالُوا: إنَّمَا يُرَاعِي الشَّافِعِيُّ الْخِلَافَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى مَحْظُورٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا مِنْهُ، فَإِنَّ الْوَصْلَ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ مَكْرُوهٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ خَيْرَانَ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَصِحُّ وَصْلُهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِخَبَرِ «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَلَا تُشَبِّهُوا الْوِتْرَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» وَقِيلَ الْفَصْلُ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ دُونَ الْإِمَامِ إذْ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ حَنَفِيٌّ، وَعَكَسَهُ الرُّويَانِيُّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خَلَلٌ فِيمَا صَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْإِتْيَانِ بِثَلَاثٍ، فَإِنْ زَادَ فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَثَلَاثٌ فَأَكْثَرُ مَوْصُولَةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَةٍ فَرْدَةٍ لَا شَيْءَ قَبْلَهَا (وَ) لِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ (الْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ) فِي الْأَخِيرَةِ (أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي غَيْرِهِمَا فَقَطْ أَوْ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تُفْهِمُ عِبَارَتُهُ اسْتِوَاءَ التَّشَهُّدِ وَالتَّشَهُّدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ وَهُوَ وَجْهٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَطُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقِيلَ شَرْطُ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ. فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ يُعِدْهُ. وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ يُعِيدُهُ.   [مغني المحتاج] مُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرِينَ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْوَصْلَ بِتَشَهُّدٍ أَفْضَلُ مِنْهُ بِتَشَهُّدَيْنِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَشْبِيهِ الْوِتْرِ بِالْمَغْرِبِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ (وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّانِي لِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ خَبَرَ «إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ: وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالْبَاقِي وَقْتُ جَوَازٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ التَّهَجُّدَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُوتِرَ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَقِيلَ شَرْطُ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ) مِنْ سُنَنِهَا أَوْ غَيْرِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ يُوتِرُ النَّفَلَ قَبْلَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي كَوْنُهُ وِتْرًا فِي نَفْسِهِ أَوْ وِتْرًا لِمَا قَبْلَهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ سُنَّةً (وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ) وَلَوْ نَامَ قَبْلَهُ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ أَخَّرَ الْوِتْرَ إلَى أَنْ يَتَهَجَّدَ وَإِلَّا أَوْتَرَ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ وَرَاتِبَتِهَا هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا إذَا لَمْ يَثِقْ بِيَقَظَتِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَإِلَّا فَتَأْخِيرُهُ أَفْضَلُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ» وَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُهُ أَيْضًا «بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ» وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَثِقْ بِيَقَظَتِهِ آخِرَ اللَّيْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّوْمَةِ الثَّانِيَةِ آخِرَ اللَّيْلِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُد: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» (فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَهَجَّدْ (لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ الْوِتْرَ ثَانِيًا: أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهُ لِخَبَرِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» وَالْأَصْلُ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً عَدَمُ الِانْعِقَادِ فَلَوْ أَوْتَرَ ثَانِيًا لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ (وَقِيلَ يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ) أَيْ يُصَلِّي رَكْعَةً حَتَّى يَصِيرَ وِتْرُهُ شَفْعًا ثُمَّ يَتَهَجَّدَ مَا شَاءَ (ثُمَّ يُعِيدُهُ) كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ لِيَقَعَ الْوِتْرُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَيُسَمَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ كُلَّ السَّنَةِ، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ، وَيَقُولُ قَبْلَهُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك إلَى آخِرِهِ.   [مغني المحتاج] هَذَا نَقْضَ الْوِتْرِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ صِحَّةُ النَّهْيِ عَنْ نَقْضِ الْوِتْرِ، وَالْوِتْرُ نَفْسُهُ تَهَجُّدٌ إنْ فُعِلَ بَعْدَ نَوْمٍ وَإِلَّا فَوِتْرٌ لَا تَهَجُّدٌ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلشَّيْخَيْنِ مِنْ تَغَايُرِهِمَا، وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجُّدُ بَعْدَ الْوِتْرِ، لَكِنْ لَا يُسْتَحَبُّ تَعَمُّدُهُ، وَإِذَا أَوْتَرَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَلْيُؤَخِّرْ قَلِيلًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقَالَ فِي اللُّبَابِ: يُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ قَاعِدًا مُتَرَبِّعًا يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] . وَفِي الثَّانِيَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيُثْنِي رِجْلَيْهِ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَأَنْكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ. وَقَالَ فِي الْعُبَابِ: وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بَعْدَ وِتْرِهِ، وَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ جَالِسًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ. اهـ. (وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وِتْرِهِ) بِثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا لَوْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَنَتَ فِيهِ لَمَّا جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ، أَيْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ (وَقِيلَ) يَقْنُتُ فِيهِ فِي (كُلِّ السَّنَةِ) لِإِطْلَاقِ مَا مَرَّ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَنَتَ فِيهِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ وَلَمْ يَطُلْ بِهِ الِاعْتِدَالُ كُرِهَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ طَالَ بِهِ الِاعْتِدَالُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدْ لِلسَّهْوِ (وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ) فِي لَفْظِهِ وَمَحَلِّهِ وَالْجَهْرِ بِهِ، وَاقْتِضَاءِ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ إمَامُ غَيْرِ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ (وَيَقُولُ) غَيْرُهُ (قَبْلَهُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَنَسْتَهْدِيك، وَنُؤْمِنُ بِك، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُك: اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْك نَسْعَى، وَنَحْفِدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ نُسْرِعُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك، إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ: أَيْ الْحَقُّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ: أَيْ لَاحِقٌ بِهِمْ، فَهُوَ كَأَنْبَتَ الزَّرْعُ بِمَعْنَى نَبَتَ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْحَقَهُ بِهِمْ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ: أَيْ يَمْنَعُونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك: أَيْ أَنْصَارَك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ: أَيْ أُمُورَهُمْ وَمُوَاصَلَاتِهِمْ، وَأَلِّفْ: أَيْ اجْمَعْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَهِيَ كُلُّ مَا مَنَعَ الْقَبِيحَ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ، وَأَوْزِعْهُمْ: أَيْ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِك الَّذِي عَاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ إلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ لِيَعُمَّ كُلَّ كَافِرٍ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ، مِنْ أَنَّهُ يَزِيدُ فِي الْقُنُوتِ: رَبَّنَا لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 قُلْت: الْأَصَحُّ بَعْدَهُ. وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْهُ الضُّحَى، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ، وَأَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ.   [مغني المحتاج] تُؤَاخِذْنَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ، ضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ) أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ قُنُوتِ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْوِتْرِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقُنُوتُ الصُّبْحِ أَفْضَلُ لِمَا ذُكِرَ (وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوِتْرِ) فِي جَمِيعِ رَمَضَانَ سَوَاءٌ أَصُلِّيَتْ التَّرَاوِيحُ أَمْ لَا صُلِّيَتْ، فُرَادَى أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ صَلَاةٌ عَقِبَهَا أَمْ لَا، فَقَوْلُهُ (عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالثَّالِثَةِ وَأَنَّهُ يَقُولَ بَعْدَهُ أَيْضًا: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» . (وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الضُّحَى وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا مِنْ الضُّحَى» وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ وَأَكْمَلُ مِنْهُ سِتٌّ وَاخْتُلِفَ فِي أَكْثَرِهَا، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (وَأَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ) رَكْعَةً لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، أَوْ أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، أَوْ سِتًّا كُتِبْتَ مِنْ الْقَانِتِينَ، أَوْ ثَمَانِيَةً كُتِبْتَ مِنْ الْفَائِزِينَ، أَوْ عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْك ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، أَوْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ بَنَى اللَّهُ لَك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: أَفْضَلُهَا ثَمَانٍ، وَأَكْثَرُهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ. وَنُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ فَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ اهـ. وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَرِيبٌ مِنْهُ. وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ: الصَّلَاةُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ، وَيَنْوِيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى، وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ. وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ لَا بِرَكْعَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. قُلْت: وَكَذَا الْجِنَازَةُ. وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] الزَّوَالِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، وَوَقَعَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا: يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالطُّلُوعِ، وَأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى الِارْتِفَاعِ مُسْتَحَبٌّ، وَنُسِبَ إلَى أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا عِنْدَ مُضِيِّ رُبْعِ النَّهَارِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ» بِفَتْحِ الْمِيمِ: أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي خِفَافِهَا، وَلِئَلَّا يَخْلُوَ كُلُّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ عَنْ عِبَادَةٍ. (وَ) مِنْهُ (تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) لِدَاخِلِهِ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهِيَ (رَكْعَتَانِ) قَبْلَ الْجُلُوسِ لِكُلِّ دُخُولٍ، وَلَوْ تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الدُّخُولَاتِ أَوْ دَخَلَ مِنْ مَسْجِدٍ إلَى آخَرَ وَهُمَا مُتَلَاصِقَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» وَمِنْ ثَمَّ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ غَيْرِ تَحِيَّةٍ بِلَا عُذْرٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي سَنِّهَا بَيْنَ مُرِيدِ الْجُلُوسِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمُتَطَهِّرِ وَغَيْرِهِ إذَا تَطَهَّرَ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ بِمُرِيدِ الْجُلُوسِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ مُعَلَّقٌ عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ، وَإِقَامَةً لِلشِّعَارِ كَمَا يُسَنُّ لِدَاخِلِ مَكَّةَ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِهَا أَمْ لَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إذَا أَتَى بِسَلَامٍ وَاحِدٍ، وَتَكُونُ كُلُّهَا تَحِيَّةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَإِنْ فَصَلَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْمَنْعُ، وَالْجَوَازُ مُحْتَمَلٌ. اهـ. . وَالْمَنْعُ أَظْهَرُ (وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ) وَإِنْ لَمْ تَنْوِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا أَنْ لَا يُنْتَهَكَ الْمَسْجِدُ بِلَا صَلَاةٍ، بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَيَحْصُلُ فَضْلُهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُنْوَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي بَهْجَتِهِ، وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ (لَا بِرَكْعَةٍ) أَيْ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ (قُلْت: وَكَذَا الْجِنَازَةُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَ) سَجْدَةُ (الشُّكْرِ) فَلَا تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. وَالثَّانِي: تَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ لِحُصُولِ الْإِكْرَامِ بِهَا الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَبَرِ (وَتَتَكَرَّرُ) التَّحِيَّةُ. أَيْ طَلَبُهَا (بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي كَالْبُعْدِ. وَالثَّانِي: لَا لِلْمَشَقَّةِ، وَتَفُوتُ بِجُلُوسِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ إلَّا إنْ جَلَسَ سَهْوًا، وَقَصُرَ الْفَصْلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَتَفُوتُ بِطُولِ الْوُقُوفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْقُعُودَ لِإِتْمَامِهَا فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْمَنْعِ، وَلَوْ دَخَلَ زَحْفًا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّحِيَّةِ. أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا تُسَنُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِالطَّوَافِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَوْ قَرُبَ إقَامَتُهَا بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالتَّحِيَّةِ فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، أَوْ دَخَلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَطِيبِ مِنْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ وَهُوَ فِي آخِرِهَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَرُبَّمَا يُدَّعَى دُخُولُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي قَوْلِهِمْ: أَوْ قُرْبَ إقَامَتِهَا إلَخْ، أَوْ دَخَلَ الْخَطِيبُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ. وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] حَانَتْ الْخُطْبَةُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، أَوْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي مَكْتُوبَةٍ، أَوْ خَافَ فَوْتَ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَمَا فِي الرَّوْنَقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَإِنْ دَخَلَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ، وَفِي أَذْكَارِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِحَدِيثٍ أَوْ شُغْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ وَلَا بَأْسَ بِهِ، زَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. فَائِدَةٌ: إنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا صَلَاةُ سَائِرِ الْخَلِيقَةِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أَيْ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ وَالذِّكْرُ الْكَثِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] . فَرْعٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ التَّحِيَّاتُ أَرْبَعٌ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ، وَالْبَيْتِ بِالطَّوَافِ، وَالْحَرَامِ بِالْإِحْرَامِ، وَمِنًى بِالرَّمْيِ وَزِيدَ عَلَيْهِ تَحِيَّةُ عَرَفَةَ بِالْوُقُوفِ، وَتَحِيَّةُ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ بِالسَّلَامِ، وَالْخُطْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ فَتَكُونُ التَّحِيَّةُ هُنَا بِالْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ (وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ) الَّتِي (قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَ) وَقْتِ الَّتِي (بَعْدَهُ) وَلَوْ وِتْرًا (بِفِعْلِهِ، وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ) أَيْ وَقْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ (بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ) لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لَهُ، فَفِعْلُ الْقَبَلِيَّةِ بَعْدَهُ أَدَاءٌ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْهُ إلَّا لِمَنْ حَضَرَ وَالصَّلَاةُ تُقَامُ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا سَيَأْتِي، وَفِعْلُ الْبَعْدِيَّةِ قَبْلَهُ لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَقْضِيَّةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ الرَّاتِبَةِ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حُكِيَ عَنْ الشَّامِلِ خِلَافُهُ، وَيُسَنُّ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فِي السَّفَرِ، سَوَاءٌ أَقَصَرَ أَمْ أَتَمَّ لَكِنَّهَا فِي الْحَضَرِ آكَدُ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الرَّاتِبَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. (وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ) سُنَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ لَا كَصَلَاةِ الضُّحَى (نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمَّا نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَفِي مُسْلِمٍ نَحْوُهُ «وَقَضَى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ فَقُضِيَتْ كَالْفَرَائِضِ، وَسَوَاءٌ السَّفَرُ وَالْحَضَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي كَغَيْرِ الْمُؤَقَّتِ. وَالثَّالِثُ: إنْ لَمْ يَتْبَعْ غَيْرَهُ كَالضُّحَى قَضَى لِشَبَهِهِ بِالْفَرْضِ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَإِنْ تَبِعَ غَيْرَهُ كَالرَّوَاتِبِ فَلَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُؤَقَّتَ أَبَدًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالثَّانِي يَقْضِي فَائِتَةَ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ وَفَائِتَةَ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ، وَالثَّالِثُ: يَقْضِي مَا لَمْ يُصَلِّ الْفَرْضَ الَّذِي بَعْدَهُ، وَخَرَجَ بِالْمُؤَقَّتِ مَا لَهُ سَبَبٌ كَالتَّحِيَّةِ وَالْكُسُوفِ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ ابْتَدَأَ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ قَطَعَهُ نُدِبَ لَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَكَذَا لَوْ فَاتَهُ وِرْدٌ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ قَضَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. تَتِمَّةٌ: بَقِيَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ صَلَوَاتٌ لَمْ يَذْكُرْهَا. مِنْهَا صَلَاةُ التَّسْبِيحِ، وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقُولُ فِيهَا ثَلَاثَمِائَةِ مَرَّةٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ عَشْرًا، وَفِي الرُّكُوعِ عَشْرًا، وَكَذَلِكَ فِي الرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالسُّجُودِ الثَّانِي، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي أَرْبَعٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ، وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ، وَحَدِيثُهَا فِي أَبِي دَاوُد وَالْمُسْتَدْرَكِ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَلَهُ طُرُقٌ يَعْضُدُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُعْمَلُ بِهِ، لَا سِيَّمَا فِي الْعِبَادَاتِ، وَوَهِمَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَعَدَّهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ فَقَدْ عَلَّمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْعَبَّاسِ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً» وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَوْ رَمْلِ عَالِجٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ. فَإِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا فَالْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ صَلَّاهَا نَهَارًا فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ نَقْلِ اسْتِحْبَابِهَا عَنْ جَمْعٍ: وَفِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ، وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ صَلَاتِهَا الْمَعْرُوفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْعَلَ. وَمِنْهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ، وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْغَفْلَةِ لِغَفْلَةِ النَّاسِ عَنْهَا بِسَبَبِ عَشَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا وَيَقُولُ هَذِهِ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ» . وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِنْ خَبَرِ الْحَاكِمِ السَّابِقِ أَنَّ صَلَاةَ الْأَوَّابِينَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ هَذِهِ وَصَلَاةِ الضُّحَى. وَمِنْهَا رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ، وَرَكْعَتَا الْوُضُوءِ وَرَكْعَتَا الِاسْتِخَارَةِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ أُمُورِهِ وَمِنْ شَقَاوَتِهِ تَرْكُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ» . وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ اللَّهَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اُنْظُرْ إلَى الَّذِي سَبَقَ قَلْبُكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ» وَرَكْعَتَا الْحَاجَةِ، وَرَكْعَتَا التَّوْبَةِ، وَرَكْعَتَانِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ، وَعِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَ دُخُولِ أَرْضٍ لَمْ يُعْبَدْ اللَّهُ فِيهَا كَدَارِ الشِّرْكِ، وَعِنْدَ مُرُورِهِ بِأَرْضٍ لَمْ يَمُرَّ بِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً، لَكِنْ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ.   [مغني المحتاج] قَطُّ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ عِنْدَ الْقَتْلِ إنْ أَمْكَنَهُ. وَمِنْهَا رَكْعَتَانِ إذَا عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَزُفَّتْ إلَيْهِ، إذْ يُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبْلَ الْوِقَاعِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَدِلَّةُ هَذِهِ السُّنَنِ مَشْهُورَةٌ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ صَلَاةُ الرَّغَائِبِ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةِ رَجَبٍ، وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَلَا يَغْتَرُّ بِمَنْ ذَكَرَهُمَا، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ بَاقِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ غَيْرَ سُنَّةِ الْوُضُوءِ، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّحِيَّةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ سَوَاءٌ كَمَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ الْمَجْمُوعِ، ثُمَّ سُنَّةُ الْوُضُوءِ، ثُمَّ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ، وَالْمُرَادُ مِنْ التَّفْضِيلِ مُقَابِلُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ، وَلَا بُعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ الْعَدَدَ الْقَلِيلَ أَفْضَلَ مِنْ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، دَلِيلُهُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ، فَمَعَ اخْتِلَافِهِ أَوْلَى، ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (وَقِسْمٌ) مِنْ النَّفْلِ (يُسَنُّ جَمَاعَةً) أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ، إذْ فِعْلُهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ لَا (كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ (أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فِيهِ تَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ أَمْرِهِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَ جِنْسِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ (لَكِنْ الْأَصَحُّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ) لِلْفَرَائِضِ (عَلَى التَّرَاوِيحِ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاتِبَةِ لَا التَّرَاوِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَالثَّانِي تَفْضِيلُ التَّرَاوِيحِ عَلَى الرَّاتِبَةِ لِسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا: تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي التَّرَاوِيحِ وَإِلَّا فَالرَّاتِبَةُ أَفْضَلُ مِنْهَا قَطْعًا، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْعِيدَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَسَاوِي الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ. وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ عِيدُ الْفِطْرِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ تَكْبِيرَهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْأَضْحَى. وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: أَنَّ مَنْ صَلَّى عِيدَ الْفِطْرِ فَكَأَنَّمَا حَجَّ، وَمَنْ صَلَّى عِيدَ الْأَضْحَى فَكَأَنَّمَا اعْتَمَرَ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي النَّظَرِ تَرْجِيحُ عِيدِ الْأَضْحَى لِأَنَّهُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، وَفِيهِ نُسُكَانِ: الْحَجُّ وَالْأُضْحِيَّةُ، وَقِيلَ إنَّ عَشْرَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ اهـ. وَرُوِيَ «إنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَصَلَاتُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفِطْرِ، وَتَكْبِيرُ الْفِطْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْبِيرِهِ، ثُمَّ بَعْدَ الْعِيدَيْنِ فِي الْفَضِيلَةِ كُسُوفُ الشَّمْسِ، ثُمَّ خُسُوفُ الْقَمَرِ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ، ثُمَّ التَّرَاوِيحُ. وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَعَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ   [مغني المحتاج] أَنَّهَا الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ: إيمَانًا: أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ مُعْتَقِدًا فَضِيلَتَهُ، وَاحْتِسَابًا: أَيْ إخْلَاصًا، وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مُخْتَصٌّ بِالصَّغَائِرِ. . وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاتُهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» وَرَوَى ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا» الْحَدِيثَ، وَكَانَ جَابِرٌ إنَّمَا حَضَرَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. وَلِأَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَالنِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَانَ قَدْ انْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِنَّمَا صَلَّاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ فُرَادَى خَشْيَةَ الِافْتِرَاضِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» مَعَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ» {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] فَكَيْفَ يَقَعُ الْخَوْفُ مِنْ الزِّيَادَةِ؟ . أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ بِمَعْنَى جَعْلِ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ، وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «خَشِيت أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ» فَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَأَمِنَ مَعَ إذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَكُونُ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ يَكُونُ الْمَخُوفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ. وَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ، وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً» كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا: أَيْ يَسْتَرِيحُونَ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَالسِّرُّ فِي كَوْنِهَا عِشْرِينَ لِأَنَّ الرَّوَاتِبَ: أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قُلْت: الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا   [مغني المحتاج] الْمُؤَكَّدَةَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ فَضُوعِفَتْ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَتَشْمِيرٍ اهـ. وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فِعْلُهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ، فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَجَعَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَدَلَ كُلِّ أُسْبُوعٍ تَرْوِيحَةً لِيُسَاوُوهُمْ. قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِهَا شَرَفًا بِهِجْرَتِهِ وَبِدَفْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَفِعْلُهَا بِالْقُرْآنِ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَوَقْتُهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَلَوْ تَقْدِيمًا وَطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ، وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّرَاوِيحَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَتْ، وَأَخَذَ شَيْخِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا وَصَلَّاهَا بَعْدَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا مَعَ سُنَّتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ. (وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبَ أَيْ لَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِهِ. «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ذَرٍّ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ اسْتَكْثِرْ أَوْ أَقِلَّ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَرُوِيَ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ كَعْبٍ قَالَ «كُنْت أَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقُومُ لَهُ فِي حَوَائِجِهِ نَهَارِي أَجْمَعَ، فَإِذَا صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةِ أَجْلِسُ بِبَابِهِ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ لَعَلَّهُ يَحْدُثُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاجَةٌ حَتَّى تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَرْقُدَ، فَقَالَ لِي يَوْمًا: يَا رَبِيعَةُ سَلْنِي، فَقُلْتُ: أَنْظُرُ فِي أَمْرِي ثُمَّ أُعْلِمُك، قَالَ: فَفَكَّرْت فِي نَفْسِي وَعَلِمْت أَنَّ الدُّنْيَا زَائِلَةٌ وَمُنْقَطِعَةٌ وَأَنَّ لِي فِيهَا رِزْقًا يَأْتِينِي، فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَسْأَلُك أَنْ تَشْفَعَ لِي أَنْ يُعْتِقَنِي اللَّهُ مِنْ النَّارِ وَأَنْ أَكُونَ رَفِيقَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا يَا رَبِيعَةُ؟ . قُلْت: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، فَصَمَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِرَكْعَةٍ وَبِمِائَةِ رَكْعَةٍ (فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي) آخِرِ صَلَاتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ جَازَ، وَفِي (كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَفِي كُلِّ أَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْجُمْلَةِ (وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ) لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً فَرْدَةً وَيَتَحَلَّلَ عَنْهَا كَمَا مَرَّ، وَإِذَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ جَازَ الْقِيَامُ إلَى الْأُخْرَى (قُلْت: الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تُعْهَدْ، وَإِذَا صَلَّى بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا، وَإِنْ صَلَّى بِتَشَهُّدَيْنِ فَأَكْثَرَ قَرَأَ فِي الرَّكَعَاتِ الَّتِي قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالتَّشَهُّدُ آخِرَ الصَّلَاةِ رُكْنٌ كَسَائِرِ التَّشَهُّدَاتِ الْأَخِيرَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، بَلْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الَّذِي يَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ رَكْعَتَانِ (وَإِذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ. فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ. قُلْت: نَفْلُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ، وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ، ثُمَّ آخِرُهُ. وَأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ،   [مغني المحتاج] نَوَى) قَدْرًا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ (عَدَدًا) أَوْ رَكْعَةً (فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ) عَلَى مَا نَوَاهُ (وَ) أَنْ (يَنْقُصَ) عَنْهُ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِلْمُصَنِّفِ، عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْعَدَدِ إذْ الرَّكْعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةُ لَا تُسَمَّى عَدَدًا إذْ الْعَدَدُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحُسَّابِ مَا سَاوَى نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ. نَعَمْ الْعَدَدُ عِنْدَ النُّحَاةِ مَا وُضِعَ لِكَمِّيَّةِ الشَّيْءِ فَالْوَاحِدُ عِنْدَهُمْ عَدَدٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرَّكْعَةُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا) أَيْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إذْ لَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ الْمُتَيَمِّمُ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ عَدَدٍ نَوَاهُ لَيْسَ لَهُ زِيَادَةٌ كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ النِّيَّةَ قَبْلَهُمَا (فَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا لَمْ تَشْمَلْهَا نِيَّتُهُ. (فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ) مَثَلًا (ثُمَّ قَامَ إلَى) رَكْعَةٍ (ثَالِثَةٍ سَهْوًا) ثُمَّ تَذَكَّرَ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ) الزِّيَادَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِزِيَادَةِ الْقِيَامِ، وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقُعُودِ فِي إرَادَةِ الزِّيَادَةِ، بَلْ يَمْضِي فِيهَا كَمَا لَوْ نَوَاهَا قَبْلَ الْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ الزِّيَادَةَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ. أَمَّا النَّفَلُ غَيْرُ الْمُطْلَقِ كَالْوِتْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ عَمَّا نَوَاهُ (قُلْت: نَفْلُ اللَّيْلِ) أَيْ صَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِيهِ (أَفْضَلُ) مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي النَّهَارِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» وَلِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت النَّفَلَ بِالْمُطْلَقِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ. مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى تَفْضِيلُ رَوَاتِبِ اللَّيْلِ عَلَى رَوَاتِبِ النَّهَارِ لِتَفْضِيلِهِمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى مَا عَدَا الْوِتْرَ (وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ) مِنْ طَرَفَيْهِ إذَا قَسَّمَهُ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْغَفْلَةَ فِيهِ أَكْثَرُ وَالْعِبَادَةَ فِيهِ أَثْقَلُ، فَإِنْ أَرَادَ الْقِيَامَ فِي ثُلُثٍ مَا فَالْأَفْضَلُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» (ثُمَّ آخِرُهُ) أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ إنْ قَسَّمَهُ نِصْفَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْ يَنْزِلُ أَمْرُهُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» . (وَ) يُسْتَحَبُّ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ (أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا نَوَاهُمَا أَوْ أَطْلَقَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. وَالْمُرَادُ بِمَثْنَى مَثْنَى أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا مَثْنَى مَثْنَى. أَمَّا التَّنَفُّلُ بِالْأَوْتَارِ فَلَا يُسْتَحَبُّ (وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ، وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا. وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ،   [مغني المحتاج] لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وقَوْله تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] وَهُوَ لُغَةً دَفْعُ النَّوْمِ بِالتَّكَلُّفِ: وَالْهُجُودُ النَّوْمُ. يُقَالُ هَجَدَ إذَا نَامَ، وَتَهَجَّدَ: إذَا أَزَالَ النَّوْمَ بِالتَّكَلُّفِ، وَاصْطِلَاحًا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ النَّوْمِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَيُسَنُّ لِلْمُتَهَجِّدِ الْقَيْلُولَةُ، وَهُوَ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّحُورِ لِلصَّائِمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعِينُوا بِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَّ الْمُتَهَجِّدَ يَشْفَعُ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ الْجُنَيْدَ رُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: طَاحَتْ تِلْكَ الْإِشَارَاتُ، وَغَابَتْ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ، وَفَنِيَتْ تِلْكَ الْعُلُومُ، وَنَفِدَتْ تِلْكَ الرُّسُومُ، وَمَا نَفَعَنَا إلَّا رَكَعَاتٌ كُنَّا نَرْكَعُهَا عِنْدَ السَّحَرِ (وَيُكْرَهُ) قِيَامٌ بِلَيْلٍ يَضُرُّ، وَمِنْ ذَلِكَ (قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّهُ يَضُرُّ الْبَدَنَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمَ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِاللَّيْلِ مَا فَاتَهُ مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ، وَبِمَا قَرَّرْته سَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ التَّقْيِيدَ بِكُلِّ اللَّيْلِ ظَاهِرَةُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ تَعَلُّقُهَا بِالْقَدْرِ الْمُضِرِّ وَلَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ يَقْتَضِيهِ اهـ. أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: إنْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ مَشَقَّةً اُسْتُحِبَّ لَهُ لَا سِيَّمَا الْمُتَلَذِّذُ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ وَجَدَ نُظِرَ إنْ خَشِيَ مِنْهَا مَحْذُورًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا، وَرِفْقُهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ دَائِمًا عَنْ إحْيَاءِ بَعْضِ اللَّيَالِي كَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ، فَيُنْدَبُ إحْيَاؤُهُمَا كَمَا سَيَأْتِي لِلِاتِّبَاعِ. (وَ) يُكْرَهُ (تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ) بِصَلَاةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي» أَمَّا إحْيَاؤُهَا بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي خُصُوصًا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِيهَا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وَتَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إحْيَاؤُهَا مَضْمُومَةً إلَى مَا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ يَوْمِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحُمِلَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِحْيَاءِ: يُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا، وَظَاهِرُ تَخْصِيصِهِمْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ (وَ) يُكْرَهُ (تَرْكُ تَهَجُّدٍ اعْتَادَهُ) بِلَا عُذْرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ ثُمَّ تَرَكَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْفَرِيضَةِ بِاضْطِجَاعٍ عَلَى يَمِينِهِ لِلِاتِّبَاعِ فَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بِاضْطِجَاعٍ فَبِحَدِيثٍ أَوْ تَحَوُّلٍ مِنْ مَكَان أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الِاضْطِجَاعُ أَفْضَلَ، وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُ الِاضْطِجَاعِ إلَّا عِنْدَ الْعُذْرِ، وَأَنْ يَقْرَأَ فِي أُولَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]- وَفِي الثَّانِيَةِ " الْإِخْلَاصَ "، أَوْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ فِي الْأُولَى " قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ "، وَفِي الثَّانِيَةِ " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا "، وَأَنْ يُوقِظَ مَنْ يَطْمَعُ فِي تَهَجُّدِهِ لِيَتَهَجَّدَ فَاسْتِحْبَابُ إيقَاظِ النَّائِمِ لِلرَّاتِبَةِ أَوْلَى. قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأُوتِرُ» هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الشَّخْصُ الْقِيَامَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَأَنْ يَمْسَحَ الْمُسْتَيْقِظُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَنْ يَنْظُرَ إلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 164] إلَى آخِرِهَا، وَأَنْ يَفْتَتِحَ تَهَجُّدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَإِطَالَةُ الْقِيَامِ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِير عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَأَنْ يَنَامَ مَنْ نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَذْهَبَ نَوْمُهُ وَلَا يُعْتَادُ مِنْهُ غَيْرُ مَا يُظَنُّ إدَامَتُهُ عَلَيْهِ، وَيَتَأَكَّدُ إكْثَارُ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ، وَفِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ آكَدُ، وَعِنْدَ السَّحَرِ أَفْضَلُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ هِيَ فِي الْفَرَائِضِ غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ،   [مغني المحتاج] [كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] ِ الْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] ، أَمَرَ بِهَا فِي الْخَوْفِ فَفِي الْأَمْنِ أَوْلَى، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ، أَوْ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ، وَمَكَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُصَلِّي بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا مَقْهُورِينَ يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُفَوِّتُ أَحَدٌ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِذَنْبٍ أَذْنَبَهُ قَالَ: وَكَانَ السَّلَفُ يُعَزُّونَ أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَسَبْعَةَ أَيَّامٍ إذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ، وَأَقَلُّهَا إمَامٌ وَمَأْمُومٌ، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِعَادَةِ، وَذُكِرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي عَشَرَةِ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ دَرَجَاتُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ (هِيَ) أَيْ الْجَمَاعَةُ (فِي الْفَرَائِضِ) أَيْ الْمَكْتُوبَاتِ (غَيْرَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) وَلَوْ لِلنِّسَاءِ لِلْأَحَادِيثِ السَّالِفَةِ. وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُ غَيْرَ بِالنَّصْبِ بِمَعْنَى إلَّا أُعْرِبَتْ إعْرَابَ الْمُسْتَثْنَى وَأُضِيفَتْ إلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ (وَقِيلَ) هِيَ (فَرْضُ كِفَايَةٍ لِلرِّجَالِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ» أَيْ غَلَبَ «فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنْ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ قُوتِلُوا. وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ أَفْضَلُ،   [مغني المحتاج] وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (فَتَجِبُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ الشِّعَارُ) أَيْ شِعَارُ الْجَمَاعَةِ بِإِقَامَتِهَا بِمَحَلٍّ (فِي الْقَرْيَةِ) الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ وَالْبَلَدِ بِمَحَالَّ يَظْهَرُ بِهَا الشِّعَارُ وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِطَائِفَةٍ، وَإِنْ قُلْت فَلَوْ أَطْبَقُوا عَلَى إقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا شِعَارٌ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ (فَإِنْ امْتَنَعُوا كُلُّهُمْ) مِنْ إقَامَتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ (قُوتِلُوا) أَيْ قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دُونَ آحَادِ النَّاسِ، وَهَكَذَا لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ فِي الْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْبَلَدِ، وَعَلَى السُّنَّةِ لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَلَا يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِلنِّسَاءِ تَأَكُّدَهُ لِلرِّجَالِ فِي الْأَصَحِّ) لِمَزِيَّتِهِمْ عَلَيْهِنَّ. قَالَ تَعَالَى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] ، وَالثَّانِي نَعَمْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَتْ فِي حَقِّهِنَّ فَرْضًا جَزْمًا (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِرِجَالٍ أَحْرَارٍ مُقِيمِينَ لَا عُرَاةٍ فِي أَدَاءِ مَكْتُوبَةٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ السَّابِقِ فَلَا تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُنَّ الْخَنَاثَى وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِاشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَةِ السَّادَةِ، وَلَا عَلَى الْمُسَافِرِينَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَلَا عَلَى الْعُرَاةِ بَلْ هِيَ وَالِانْفِرَادُ فِي حَقِّهِمْ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَتُسْتَحَبَّ لَهُمْ، وَلَا فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ مِنْ نَوْعِهَا بَلْ تُسَنُّ. أَمَّا مَقْضِيَّةٌ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ خَلْفَ مَقْضِيَّةٍ لَيْسَتْ مِنْ نَوْعِهَا فَلَا تُسَنُّ وَلَا فِي مَنْذُورَةٍ بَلْ وَلَا تُسَنُّ وَلَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّ الْمُفَاضَلَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الِانْفِرَادِ، وَأَهْلُ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ بِهَا كَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ النَّاجِعِينَ لِرَعْيٍ وَنَحْوِهِ (وَقِيلَ) هِيَ (فَرْضُ عَيْنٍ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الشُّرُوطِ، وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحَدِيثِ «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَرَدَ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّقْهُمْ وَإِنَّمَا هَمَّ بِتَحْرِيقِهِمْ. فَإِنْ قُلْت: لَوْ لَمْ يَجُزْ تَحْرِيقُهُمْ لَمَا هَمَّ بِهِ. أُجِيبَ بِلَعَلَّهُ هَمَّ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحْيٌ بِالْمَنْعِ أَوْ تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ. (وَ) الْجَمَاعَةُ (فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (أَفْضَلُ) مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْبَيْتِ، وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ إلَّا لِبِدْعَةِ   [مغني المحتاج] الشَّرَفِ وَالطَّهَارَةِ وَإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَمِثْلُ النِّسَاءِ الْخَنَاثَى، وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ، وَيُكْرَهُ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ تَمْكِينُهُنَّ مِنْهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ. أَمَّا غَيْرُهُنَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ وَيُنْدَبُ لِمَنْ ذُكِرَ إذَا اسْتَأْذَنَّهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُنَّ إذَا أَمِنَ الْمَفْسَدَةَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا اسْتَأْذَنَتْكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ أَوْ وَلِيٌّ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْحُضُورِ حَرُمَ الْمَنْعُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا، وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلشَّخْصِ بِصَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ كَمَا مَرَّ (وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ) مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (أَفْضَلُ) مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا، وَكَذَا مَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا - أَيْ فَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ الْقَلِيلَةِ فِيمَا ذُكِرَ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ قَلِيلَ الْجَمْعِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا، لِأَنَّ أَصْلَ الْجَمَاعَةِ وُجِدَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَامْتَازَتْ هَذِهِ بِالْمَسْجِدِ فَمَحَلُّ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ تُشَارِكْهَا الْأُخْرَى كَأَنْ يُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ جَمَاعَةً وَفِي الْمَسْجِدِ مُنْفَرِدًا. نَعَمْ لَوْ كَانَ إذَا ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ وَتَرَكَ أَهْلَ بَيْتِهِ لَصَلَّوْا فُرَادَى أَوْ لَتَهَاوَنُوا أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ لَصَلَّى جَمَاعَةً وَإِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى وَحْدَهُ فَصَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ، وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ قَلَّتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَثُرَتْ، بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: الِانْفِرَادُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَتُنَازِعُ فِيهِ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ، وَرُبَّمَا يُقَالُ الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ أَغْلَبِيَّةٌ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا صَلَّى مُفْرَدًا خَشَعَ وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ (إلَّا لِبِدْعَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 إمَامِهِ أَوْ تَعَطُّلِ مَسْجِدٍ قَرِيبٍ لِغَيْبَتِهِ. وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَضِيلَةٌ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ، وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ،   [مغني المحتاج] إمَامِهِ) كَمُعْتَزِلِيٍّ وَقَدَرِيٍّ وَرَافِضِيٍّ، أَوْ كَانَ فَاسِقًا غَيْرَ مُبْتَدِعٍ أَوْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ أَوْ الشُّرُوطِ مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ قَرِيبٌ) أَوْ بَعِيدٌ (لِغَيْبَتِهِ) عَنْهُ لِكَوْنِهِ إمَامَهُ أَوْ يَحْضُرُ النَّاسُ بِحُضُورِهِ فَقَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ الِانْفِرَادُ كَذَلِكَ فِي الْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ فَقَطْ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةُ بَلْ أَوْلَى، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ كَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ، وَبِهِ جَزَمَ الدَّمِيرِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَلِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْمَتْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ كَمَا زِدْتُهُ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ قَلِيلُ الْجَمْعِ فِيهَا أَوْلَى مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ يُبَادِرُ إمَامُهُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ سَرِيعَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَأْمُومُ بَطِيئَهَا لَا يُدْرِكُ مَعَهُ الْفَاتِحَةَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ إمَامٍ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلُ الْجَمْعِ لَيْسَ فِي أَرْضِهِ شُبْهَةٌ، وَكَثِيرُ الْجَمْعِ بِخِلَافِهِ لِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ فَالسَّالِمُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَى الْمَسْجِدَانِ فِي الْجَمَاعَةِ فَالْأَقْرَبُ مَسَافَةً لِحُرْمَةِ الْجِوَارِ، ثُمَّ مَا انْتَفَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ عَنْ مَالِ بَانِيهِ وَوَاقِفِهِ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ. نَعَمْ إنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مُتَرَتِّبًا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُهُ إلَى الْأَوَّلِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ مُؤَذِّنَهُ دَعَاهُ أَوَّلًا. (وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) مَعَ الْإِمَامِ (فَضِيلَةٌ) لِحَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ لَكِنَّهُ مِنْ الْفَضَائِلِ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ، وَرُوِيَ «لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا» رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا (وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِالِاشْتِغَالِ بِالتَّحَرُّمِ عَقِبَ تَحَرُّمِ إمَامِهِ) مَعَ حُضُورِهِ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِهِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَإِبْطَاؤُهُ بِالْمُتَابَعَةِ - لِوَسْوَسَةٍ غَيْرِ ظَاهِرَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ - عُذْرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْطَأَ لِغَيْرِ وَسْوَسَةٍ وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ تَكْبِيرَةَ إحْرَامِ إمَامِهِ، أَوْ لِوَسْوَسَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الْقِرَاءَةِ غَيْرُ عُذْرٍ فِي التَّخَلُّفِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ لِطُولِ زَمَنِهِمَا (وَقِيلَ) تَحْصُلُ (بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى (وَقِيلَ) تَحْصُلُ (بِإِدْرَاكِ بَعْضِ الْقِيَامِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وَقِيلَ بِأَوَّلِ رُكُوعٍ، وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ.   [مغني المحتاج] التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى (وَقِيلَ بِأَوَّلِ رُكُوعٍ) لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ قِيَامِهَا بِدَلِيلِ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِهِ مَعَ الْإِمَامِ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إحْرَامَ الْإِمَامِ، فَأَمَّا مَنْ حَضَرَهُ وَأَخَّرَ فَقَدْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَسِيطِ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ لَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْإِسْرَاعُ، بَلْ يَمْشِي بِسَكِينَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» نَعَمْ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَشِيَ فَوَاتَهُ فَلْيُسْرِعْ كَمَا لَوْ خَشِيَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا لَوْ امْتَدَّ الْوَقْتُ وَكَانَتْ لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ وَلَوْ لَمْ يُسْرِعْ لَتَعَطَّلَتْ. قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: أَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ فَالْمَنْقُولُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْرِعُ (وَالصَّحِيحُ إدْرَاكُ) فَضِيلَةِ (الْجَمَاعَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ) الْإِمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ مَعَهُ بِأَنْ انْتَهَى سَلَامُهُ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِإِدْرَاكِهِ رُكْنًا مَعَهُ لَكِنَّهُ دُونَ فَضْلِ مَنْ يُدْرِكُهَا مِنْ أَوَّلِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ فَضْلَهَا بِذَلِكَ لَمُنِعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ زِيَادَةً بِلَا فَائِدَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي. أَمَّا إذَا سَلَّمَ مَعَ تَحَرُّمِهِ بِأَنْ انْتَهَى تَحَرُّمُ الْمَأْمُومِ مَعَ انْتِهَاءِ سَلَامِ الْإِمَامِ فَلَا تَحْصُلُ لَهُ الْجَمَاعَةُ بَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فُرَادَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ. فَرْعٌ دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَعِنْدَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ جَمَاعَةً ثَانِيَةً، وَجَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِهِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُوَافِقُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بَلْ الْأَفْضَلُ لِلشَّخْصِ إذَا سُبِقَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَرَجَا جَمَاعَةً أُخْرَى يُدْرِكُ مَعَهَا الصَّلَاةَ جَمِيعهَا فِي الْوَقْتِ التَّأْخِيرُ لِيُدْرِكَهَا بِتَمَامِهَا مَعَهَا، وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ هَؤُلَاءِ ثُمَّ يُعِيدَهَا مَعَ الْآخَرِينَ (وَلْيُخَفِّفْ الْإِمَامُ) نَدْبًا الصَّلَاةَ (مَعَ فِعْلِ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ) أَيْ السُّنَنِ غَيْرِ الْأَبْعَاضِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِأَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ بِحَيْثُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ) أَيْ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَهُمْ أَحْرَارٌ غَيْرُ أُجَرَاءَ إجَارَةَ عَيْنٍ فَيُسَنُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ لَمْ يُكْرَهْ انْتِظَارُهُ فِي الْأَظْهَرِ إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ. قُلْت:   [مغني المحتاج] لَهُ التَّطْوِيلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَاسْتِحْبَابُ التَّطْوِيلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَصْدُقُ بِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ أَوْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُطَوِّلْ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَّا إنْ قَلَّ مَنْ لَمْ يَرْضَ كَوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ نَحْوَهَا خَفَّفَ، وَإِنْ كَثُرَ حُضُورُهُ طَوَّلَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الرَّاضِينَ وَلَا يُفَوِّتُ حَقَّهُمْ لِهَذَا الْفَرْدِ الْمُلَازِمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَخْفِيفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبُكَاءِ الصَّبِيِّ، وَلِإِنْكَارِهِ عَلَى مُعَاذٍ التَّطْوِيلَ لَمَّا شَكَاهُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، وَرُدَّ النَّظَرُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ وَقَضِيَّةَ مُعَاذٍ لَمْ يَكْثُرَا فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْغَزِّيُّ. أَمَّا الْأَرِقَّاءُ وَالْأُجَرَاءُ إجَارَةَ عَيْنٍ فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُمْ بِالتَّطْوِيلِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ التَّطْوِيلُ عَلَى قَدْرِ صَلَاتِهِمْ مُنْفَرِدِينَ بِغَيْرِ إذْنٍ فِيهِ مِنْ أَرْبَابِ الْحُقُوقِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِتَطْوِيلِهِ مَحْصُورُونَ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَتَى رَضِيَ مَحْصُورُونَ وَإِنْ كَانُوا بَعْضَ الْقَوْمِ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّطْوِيلُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَا قُلْت: لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ. (وَيُكْرَهُ التَّطْوِيلُ لِيَلْحَقَ آخَرُونَ) سَوَاءٌ كَانَ عَادَتُهُمْ الْحُضُورَ أَمْ لَا، أَوْ رَجُلٌ شَرِيفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَاضِرِينَ وَلِتَقْصِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ انْتِظَارِهِمْ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَصْرِيحِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي تَطْوِيلٍ زَائِدٍ عَلَى هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَطْوِيلَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ هَيْئَاتِهَا فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ وَحَضَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَرَجَوْا زِيَادَةً نُدِبَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ وَلَا يَنْتَظِرَهُمْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِجَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ مِنْهَا آخِرَهُ بِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْمُرَادُ بِآخِرِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ أَفْضَلُ. قَالَ: فَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَمْ يَحِلَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْتَظِرَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ أَيْ لَا يَحِلُّ حَلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ، بَلْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي (وَلَوْ أَحَسَّ فِي الرُّكُوعِ) غَيْرِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخُسُوفِ (أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِدَاخِلٍ) مَحَلَّ الصَّلَاةِ يَأْتَمُّ بِهِ (لَمْ يُكْرَهْ) لَهُ (انْتِظَارُهُ) بَلْ يُبَاحُ (فِي الْأَظْهَرِ) مِنْ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ مُلَفَّقَةٍ مِنْ طُرُقٍ ثَمَانِيَةٍ (إنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ) أَيْ فِي الِانْتِظَارِ بِأَنْ يُطَوِّلَهُ تَطْوِيلًا لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَظَهَرَ أَثَرُهُ. نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ (وَلَمْ يَفْرُقْ) بِضَمِّ الرَّاءِ (بَيْنَ الدَّاخِلِينَ) بِانْتِظَارِ بَعْضِهِمْ لِصَدَاقَةٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ سِيَادَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ بَلْ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ فِي الِانْتِظَارِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ وَاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ (قُلْت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا. وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا،   [مغني المحتاج] الْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ) بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَفَضْلِ الْجَمَاعَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ طَوَّلَ أَوْ فَرَّقَ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ مُطْلَقًا (وَلَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِهِمَا) أَيْ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ قِيَامٍ وَغَيْرِهِ. أَمَّا إذَا أَحَسَّ بِخَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ الصَّلَاةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتِظَارُهُ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ بَالَغَ فِي الِانْتِظَارِ، أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّاخِلِينَ، أَوْ انْتَظَرَهُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ كَأَنْ انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا بَلْ يُكْرَهُ الِانْتِظَارُ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَأَمَّا إذَا خَالَفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي. وَنَقْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَى بُطْلَانِهَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَّلَهُ بِالتَّشْرِيكِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ الِانْتِظَارِ صُوَرٌ مِنْهَا مَا إذَا خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِالِانْتِظَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ لَا يَعْتَقِدُ إدْرَاكَ الرَّكْعَةِ أَوْ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ بِإِدْرَاكِ مَا ذُكِرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الدَّاخِلُ يَعْتَادُ الْبُطْءَ وَتَأْخِيرَ التَّحَرُّمِ إلَى الرُّكُوعِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمُحْدِثِ فِي جَمَاعَةٍ كَلَا جَمَاعَةٍ، وَالْمُتَّجَهُ فِي هَذِهِ اسْتِحْبَابُ انْتِظَارِهِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ عَنْ الْمَأْمُومِ فِي إسْقَاطِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ. فَرْعٌ وَجَدَ مُصَلِّيًا جَالِسًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ أَوْ لَا؟ وَكَذَا لَوْ رَآهُ فِي وَقْتِ الْكُسُوفِ وَشَكَّ فِي أَنَّهُ كُسُوفٌ أَوْ غَيْرُهُ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُتَّجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ. تَنْبِيهٌ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَحَسَّ يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْمُصَلِّي لِلْعِلْمِ بِهِ لِيَشْمَلَ الْمُنْفَرِدَ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالِانْتِظَارِ مِنْ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى حُكْمِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ عَدَمُ التَّطْوِيلِ إذْ لَيْسَ وَرَاءَهُ مَنْ يَتَضَرَّرُ بِتَطْوِيلِهِ، وَقَوْلُهُ أَحَسَّ هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] ، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِلَا هَمْزٍ. (وَيُسَنُّ لِلْمُصَلِّي) صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُؤَدَّاةً (وَحْدَهُ، وَكَذَا جَمَاعَةً فِي الْأَصَحِّ إعَادَتُهَا) مَرَّةً فَقَطْ (مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا) فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ كَانَ إمَامُ الثَّانِيَةِ مَفْضُولًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الصُّبْحَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» «وَقَالَ: وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ رَجُلٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وَفَرْضُهُ الْأُولَى فِي الْجَدِيدِ،   [مغني المحتاج] رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا. وَقَوْلُهُ: صَلَّيْتُمَا يَصْدُقُ بِالِانْفِرَادِ وَالْجَمَاعَةِ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَقْصُرُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ حَصَّلَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَجَوَابُهُ مَنْعُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ جَمَاعَةٍ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَ مُنْفَرِدٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا مَعَهُ جَزْمًا وَلَوْ كَانَ صَلَّى أَوَّلًا فِي جَمَاعَةٍ، وَقَدْ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا مُنْفَرِدًا فِيمَا لَوْ تَلَبَّسَ بِفَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَةَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَنْذُورَةُ إذْ لَا تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَمَا مَرَّ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ إذْ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالنَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا. أَمَّا مَا تُسَنُّ فِيهَا فَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهَا كَالْفَرْضِ فِي سَنِّ الْإِعَادَةِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَلَا تُعَادُ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ فُرِضَ الْجَوَازُ لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فَالْقِيَاسُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِمَكَانٍ ثُمَّ سَافَرَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ فَوَجَدَهُمْ يُصَلُّونَهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِعَادَةِ لِمَنْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لَأَجْزَأَتْهُ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ لِبَرْدٍ أَوْ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضًا: إحْدَاهُمَا: مَا إذَا كَانَ الِانْفِرَادُ لَهُ أَفْضَلَ كَالْعَارِي. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَدْرَكَ مَعْذُورِينَ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُعِيدَ اهـ. وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْإِعَادَةُ وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تُسْتَحَبُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَقُوَّةُ كَلَامِ غَيْرِهِ تُرْشِدُ إلَيْهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَصْوِيرُهُمْ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا تُسَنُّ إذَا حَضَرَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاقُ ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ، وَيَنْتَفِي اللَّازِمُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِعَادَةِ الْإِعَادَةُ اللُّغَوِيَّةُ لَا الِاصْطِلَاحِيَّةُ، وَهِيَ الَّتِي سَبَقَتْ بِأَدَاءٍ مُخْتَلٍّ، وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا فَأَمَّا بَعْدَ فَوَاتِهِ فَلَا تُسَنُّ قَطْعًا. قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْمُذَاكَرَةِ (وَفَرْضُهُ) فِي الصُّورَتَيْنِ (الْأُولَى فِي الْجَدِيدِ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِسُقُوطِ الْخِطَابِ بِهَا، وَالْقَدِيمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا أَنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا وَيَحْتَسِبُ اللَّهُ تَعَالَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَقِيلَ الْفَرْضُ كِلَاهُمَا، وَالْأُولَى مُسْقِطَةٌ لِلْحَرَجِ لَا مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، فَإِذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ فَرْضًا أَيْضًا، وَكَذَا فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ كُلُّهَا، وَقِيلَ الْفَرْضُ أَكْمَلُهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَرْضُهُ الْأُولَى إذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ. وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ إلَّا بِعُذْرٍ عَامٍّ كَمَطَرٍ   [مغني المحتاج] أَغْنَتْ عَنْ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَفَرْضُهُ الثَّانِيَةُ الْمُغْنِيَةُ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْجَدِيدِ (أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ) لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ فِي فَرْضِ وَقْتِهِ حَتَّى يَكُونَ كَمَنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا فِي جَمَاعَةٍ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا. قَالَ بَلْ الْوَجْهُ أَنَّهُ يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَيَكُونُ ظُهْرُهُ نَفْلًا كَظُهْرِ الصَّبِيِّ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَنْوِي إعَادَةَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى لَا تَكُونَ نَفْلًا مُبْتَدَأً لَا إعَادَتَهَا فَرْضًا، وَقَالَ الرَّازِيّ: يَنْوِي مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا الْفَرْضَ عَلَيْهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ مَا فِي الْكِتَابِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَهُوَ هَلْ فَرْضُهُ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ؟ أَوْ يَحْتَسِبُ اللَّهُ مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ فَرْضَهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ نَفْلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى إذَا رَأَى مَنْ يُصَلِّي تِلْكَ الْفَرِيضَةَ وَحْدَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُ لِيَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَهَذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ السَّابِقِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ إلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَ الْحَاضِرِ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوقَ لَا يُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ، وَلَوْ تَذَكَّرَ عَلَى الْجَدِيدِ خَلَلًا فِي الْأُولَى وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَتَرَجَّاهُ السُّبْكِيُّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا. (وَلَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ (وَإِنْ قُلْنَا) هِيَ (سُنَّةٌ) لِتَأَكُّدِهَا (إلَّا بِعُذْرٍ) لِخَبَرِ «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ أَيْ كَامِلَةً إلَّا مِنْ عُذْرٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ السُّنَّةُ يَجُوزُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَيْفَ يُقَالُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: سُنَّةٌ إلَّا بِعُذْرٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ تَهْوِينُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْعُذْرِ، وَلِذَلِكَ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّا إذَا قُلْنَا سُنَّةٌ قُوتِلَ تَارِكُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَأْتِي مَعَ الْعُذْرِ بَلْ لَا يُقَاتَلُ قَطْعًا، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُدَاوِمِ عَلَى تَرْكِهَا لِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْمُدَاوِمِ عَلَى تَرْكِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالْجَمَاعَةِ وَجَبَتْ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرُّخْصَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ. وَالرُّخْصَةُ بِسُكُونِ الْخَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا، لُغَةً: التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ، وَاصْطِلَاحًا: الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ بِعُذْرٍ (عَامٍّ كَمَطَرٍ) أَوْ ثَلْجٍ يَبُلُّ الثَّوْبَ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِنَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ بِاللَّيْلِ، وَكَذَا وَحَلٌّ شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ،   [مغني المحتاج] وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ مَشَقَّةٍ بِالْخُرُوجِ مَعَ الْمَطَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَرَضِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْخَفِيفِ وَلَا بِالشَّدِيدِ إذَا كَانَ يَمْشِي فِي كِنٍّ، وَلَوْ تَقَطَّرَ الْمَطَرُ مِنْ سُقُوفِ الْأَسْوَاقِ كَانَ عُذْرًا فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ النَّجَاسَةُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ (أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ) أَيْ شَدِيدٍ (بِاللَّيْلِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، فَقَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُمْطِرَةِ وَاللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَلِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَارِدَةً أَمْ لَا، وَعَبَّرَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْبَارِدَةِ، وَجَمَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرِّيحَ الشَّدِيدَةَ وَحْدَهَا عُذْرٌ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ مَنْ عَبَّرَ بِالْبَارِدَةِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِاخْتِيَارِهِ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، فَقَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الظُّلْمَةِ وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ عُذْرٌ بِاللَّيْلِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الرِّيحُ الْخَفِيفَةُ لَيْلًا وَالشَّدِيدَةُ نَهَارًا. نَعَمْ الْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ؛ كَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْمَغْرِبِ وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ (وَكَذَا وَحَلٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (شَدِيدٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْمَطَرِ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ مِنْهُ. وَالشَّدِيدُ هُوَ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلْوِيثُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ. لَكِنْ تُرِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ التَّقْيِيدُ بِالشَّدِيدِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَفِيفِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَجَرَى عَلَى التَّقْيِيدِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ الْمُتَقَدِّمُ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ لَمْ يَبُلَّ أَسْفَلَ نِعَالِهِمْ وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ "؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النِّدَاءَ فِي الْحَدِيثِ كَانَ لِلْمَطَرِ كَمَا مَرَّ، وَالْكَلَامُ فِي الْوَحَلِ بِلَا مَطَرٍ (أَوْ خَاصٍّ كَمَرَضٍ) يَشُقُّ الْمَشْيُ مَعَهُ كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْمَطَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُسْقِطُ الْقِيَامَ فِي الْفَرِيضَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا مَرِضَ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ أَيَّامًا كَثِيرَةً» . أَمَّا الْخَفِيفُ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ (وَحَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ) لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِمَا كَالْمَشَقَّةِ فِي الْمَطَرِ، وَإِطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. لَكِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عَلَى الظُّهْرِ، وَكَذَا أَصْلُهَا فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ. لَكِنْ كَلَامُهُ بَعْدُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا اهـ. وَذَكَرَهُ هُنَا كَالْمُحَرَّرِ مِنْ الْخَاصِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ مِنْ الْعَامِّ وَجَمَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ، وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ، وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ مُعْسِرٍ، وَـ [مغني المحتاج] بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّهُمَا إنْ أَحَسَّ بِهِمَا ضَعِيفُ الْخِلْقَةِ دُونَ قَوِيِّهَا فَهُمَا مِنْ الْخَاصِّ، وَإِنْ أَحَسَّ بِهِمَا قَوِيُّهَا فَهُمَا مِنْ الْعَامِّ إذْ يُحِسُّ بِهِمَا ضَعِيفُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى وَمِنْ الْخَاصِّ شِدَّةُ النُّعَاسِ وَلَوْ فِي انْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْ الْعَامِّ السَّمُومُ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الرِّيحُ الْحَارَّةُ، وَالزَّلْزَلَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ تَحْرِيكُ الْأَرْضِ لِمَشَقَّةِ الْحَرَكَةِ فِيهِمَا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا (وَجُوعٍ وَعَطَشٍ ظَاهِرَيْنِ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمَطْعُومُ حَاضِرٌ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ: أَوْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ أَيْ وَقَرُبَ حُضُورُهُ، وَنَفْسُهُ تَتُوقُ بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ تَشْتَاقُ إلَيْهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ» وَقَوْلِ الْمُهِمَّاتِ: الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّوَقَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَلَا عَطَشٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَاكِهِ وَالْمَشَارِبِ اللَّذِيذَةِ تَتُوقُ النَّفْسُ إلَيْهَا عِنْدَ حُضُورِهَا بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ قَالَ شَيْخُنَا: مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ مُفَارَقَتُهُمَا لِلتَّوَقَانِ إذْ التَّوَقَانُ إلَى الشَّيْءِ الِاشْتِيَاقُ إلَيْهِ لَا الشَّوْقُ، فَشَهْوَةُ النَّفْسِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِدُونِهِمَا لَا تُسَمَّى تَوَقَانًا، وَإِنَّمَا تُسَمَّاهُ إذَا كَانَتْ بِهِمَا بَلْ بِشِدَّتِهِمَا (وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ) مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ رِيحٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» فَيَتَخَلَّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ نَدْبًا لِيَتَفَرَّغَ عَنْ الْحَدَثِ وَيَكْسِرَ شَهْوَتَهُ فِي الْجُوعِ بِأَنْ يَأْكُلَ لُقَيْمَاتٍ يَكْسِرُ بِهَا سَوْرَتَهُ. لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ تَصْوِيبُ إكْمَالِ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَكْلِ قَالَ: وَمَا تَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَنَّهُ يَأْكُلُ لُقَمًا تَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَلَوْ خَشِيَ بِتَخَلُّفِهِ فَوَاتَ الْوَقْتِ صَلَّى وُجُوبًا مُدَافِعًا وَجَائِعًا وَعَطْشَانَ وَلَا كَرَاهَةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَخَوْفِ ظَالِمٍ عَلَى) مَعْصُومٍ مِنْ (نَفْسٍ) أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ مَالٍ) أَوْ عَرَضٍ أَوْ حَقٍّ أَوْ لِمَنْ يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عَنْهُ حَتَّى عَلَى خُبْزِهِ فِي التَّنُّورِ وَطَبِيخِهِ فِي الْقِدْرِ عَلَى النَّارِ وَلَا مُتَعَهِّدَ يَخْلُفُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ كَالسَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا قَصَدَ إسْقَاطَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ فِي طَرِيقِهِ، وَكَذَا التَّحِيَّةُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. أَمَّا خَوْفُهُ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ هُوَ ظَالِمٌ فِي مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ، بَلْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَتَوْفِيَةُ الْحَقِّ (وَ) خَوْفِ (مُلَازَمَةِ) أَوْ حَبْسِ (غَرِيمِ مُعْسِرٍ) بِإِضَافَةِ غَرِيمِ إلَى مُعْسِرٍ، وَالْمُرَادُ مُلَازَمَةُ غَرِيمِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَفُهِمَ هَذَا مِنْ عِبَارَتِهِ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ قَلِقٌ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ إثْبَاتُ إعْسَارِهِ وَإِلَّا لَمْ يُعْذَرْ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ، وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ فَوُجُودُهَا كَالْعَدَمِ هَذَا إذَا لَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي الْإِعْسَارِ. أَمَّا إذَا قَبِلَ كَأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ كَصَدَاقِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْإِعْسَارَ وَعَلِمَ الْمُدَّعِي بِإِعْسَارِهِ وَطَلَبَ يَمِينَهُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَالْغَرِيمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَرَامِ وَهُوَ الدَّوَامُ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] فَأَطْلَقُوهُ هُنَا لِدَوَامِ الطَّلَبِ، وَيُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْمَدِينِ وَالدَّائِنِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا (وَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 عُقُوبَةٍ يُرْجَى تَرْكُهَا، إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا، وَعُرْيٍ وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ، وَأَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ،   [مغني المحتاج] خَوْفِ (عُقُوبَةٍ) كَتَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ مِمَّا يَقْبَلُ الْعَفْوَ. (يُرْجَى تَرْكُهَا إنْ تَغَيَّبَ أَيَّامًا) يَسْكُنُ فِيهَا غَيْظُ الْمُسْتَحِقِّ بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُهُ كَحَدِّ الزِّنَا، وَكَذَا مَا يَقْبَلُ إذَا لَمْ يُرْجَ التَّرْكُ لَوْ تَغَيَّبَ، وَقَدْ خَرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُرْجَى تَرْكُهَا. وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، فَإِنَّ مُوجِبَهُ كَبِيرَةٌ، وَالتَّخْفِيفُ يُنَافِيهِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالتَّغَيُّبَ طَرِيقُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْإِشْكَالُ أَقْوَى. تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسْتَفَادُ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّيْخَيْنِ رَجَاءَ الْعَفْوِ بِتَغَيُّبِهِ أَيَّامًا أَنَّ الْقِصَاصَ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ التَّغَيُّبُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَتْرُكَ الْجُمُعَةَ سِنِينَ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُهُمَا أَيَّامًا لَمْ أَرَهُ إلَّا فِي كَلَامِهِمَا، وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا، وَيَظْهَرُ الضَّبْطُ بِأَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْعَفْوَ يَجُوزُ لَهُ التَّغَيُّبُ، فَإِنْ يَئِسَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْعَفْوِ حَرُمَ التَّغَيُّبُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَبِذَلِكَ تَرَكَ ابْنُ الْمُقْرِي هَذَا التَّقْيِيدَ (وَعُرْيٍ) وَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي خُرُوجِهِ بِغَيْرِ لِبَاسٍ يَلِيقُ بِهِ. كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ اعْتَادَ الْخُرُوجَ مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعْذُورًا عِنْدَ فَقْدِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ كَالْقَبَاءِ لِلْفَقِيهِ كَالْمَعْدُومِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ (وَتَأَهُّبٍ لِسَفَرٍ) مُبَاحٍ يُرِيدُهُ (مَعَ رُفْقَةٍ تَرْحَلُ) وَيَخَافُ مِنْ التَّخَلُّفِ لِلْجَمَاعَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ يَسْتَوْحِشُ فَقَطْ لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهُمْ (وَأَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ) كَبَصَلٍ أَوْ فُجْلٍ أَوْ ثُومٍ أَوْ كُرَّاثٍ نِيءٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَكَلَ بَصَلًا أَوْ ثُومًا أَوْ كُرَّاثًا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَفِي رِوَايَةٍ الْمَسَاجِدَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» زَادَ الْبُخَارِيُّ. قَالَ جَابِرٌ: مَا أَرَاهُ إلَّا نِيئَهُ، وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ أَوْ فُجْلًا. هَذَا إنْ تَعَسَّرَ زَوَالُ رِيحِهِ بِغَسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَسَّرْ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا يُعْذَرُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِزَوَالِ رِيحِهِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِقَوْلِهِ كَرِيهٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَحْسَنَ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ لَكِنَّهَا اُغْتُفِرَتْ لِقِلَّتِهَا، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِالْبَخَرِ وَالصُّنَانِ الْمُسْتَحْكِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَتُوُقِّفَ فِي الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّأَذِّي بِهِمَا أَشَدُّ مِنْهُ بِأَكْلِ الثُّومِ وَنَحْوِهِ، قَالَ: وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلَّذِي أَكَلَ مَا سَبَقَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَصَرَّحَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ بِأَكْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلتَّدَاوِي يُعْذَرُ فِي الْحُضُورِ وَإِطْلَاقُ الْحَدِيثِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَعْنَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 وَحُضُورِ قَرِيبٍ مُحْتَضِرٍ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، أَوْ يَأْنَسُ بِهِ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ التَّأَذِّي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَحُضُورِ) نَحْوِ (قَرِيبٍ) كَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ وَصَدِيقٍ وَصِهْرٍ (مُحْتَضَرٍ) أَيْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَحَضَرَ عِنْدَ قَرِيبِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ نَزَلَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِغَيْبَتِهِ عَنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَأَلَّمُ بِذَهَابِ الْمَالِ. وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِمَنْ ذُكِرَ الْأُسْتَاذَ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ الْعَتِيقِ وَالْمُعْتِقِ بِهِمْ أَيْضًا (أَوْ) حُضُورِ (مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ) لَهُ لِئَلَّا يَضِيعَ سَوَاءٌ أَكَانَ قَرِيبًا أَمْ أَجْنَبِيًّا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ خَافَ عَلَيْهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا عَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ يَأْنَسُ) الْقَرِيبُ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بِهِ) وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْأُنْسَ عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَالَ: وَحُضُورُ قَرِيبٍ مُحْتَضَرٍ أَوْ كَانَ يَأْنَسُ بِهِ أَوْ مَرِيضٍ بِلَا مُتَعَهِّدٍ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَالَ الشَّارِحُ: إنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَرِيضٍ عَطْفٌ عَلَى مُحْتَضَرٍ فَيَفُوتُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يُعْذَرُ لِأَجْلِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَعَهِّدُ مُشْتَغِلًا بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ مَثَلًا عَنْ الْخِدْمَةِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَهِّدٌ. تَتِمَّةٌ: بَقِيَ مِنْ الْأَعْذَارِ السِّمَنُ الْمُفْرِطُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَى فِيهِ خَبَرًا، وَكَوْنُهُ مِنْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الذَّخَائِرِ، وَزِفَافُ زَوْجَةٍ فِي الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ، وَغَلَبَةُ النُّعَاسِ وَالنَّوْمِ إنْ انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ وَالْبَحْثُ عَنْ ضَالَّةٍ يَرْجُوهَا، وَالسَّعْيُ فِي اسْتِرْدَادِ مَغْصُوبٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ جَعْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ أَعْذَارًا لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ طَلَبُهَا لِكَرَاهَةِ الِانْفِرَادِ لِلرَّجُلِ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَعْذَارًا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى قَوْلِ الْفَرْضِ، وَالْكَرَاهَةِ عَلَى قَوْلِ السُّنَّةِ، لَا حُصُولُ فَضْلِهَا، وَيُوَافِقُهُ جَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْ خَبَرِ مُسْلِمٍ «سَأَلَ أَعْمَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ لِكَوْنِهِ لَا قَائِدَ لَهُ فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ» بِأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي الصَّلَاةِ بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا تُلْحِقُهُ بِفَضِيلَةِ مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً؟ فَقِيلَ لَا، وَجَزَمَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِلْجَمَاعَةِ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا وَكَانَ قَصْدُهُ الْجَمَاعَةَ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَفَّالِ وَارْتَضَاهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ أَبِي مُوسَى «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ فَضْلِهَا مَرْدُودٌ سَبَبُهُ الذُّهُولُ كَمَا سَبَقَ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ عَلَى مُتَعَاطِي السَّبَبِ كَأَكْلِ بَصَلٍ وَثُومٍ، وَكَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَطَرٍ وَمَرَضٍ وَجَعَلَ حُصُولَهَا كَحُصُولِهَا لِمَنْ حَضَرَهَا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ فِي أَصْلِهَا لِئَلَّا يُنَافِيَهُ خَبَرُ الْأَعْمَى وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 فَصْلٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ إنَاءَيْنِ فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ، فَإِنْ ظَنَّ طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ قَطْعًا، فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ فِيهَا نَجَسٌ عَلَى خَمْسَةٍ فَظَنَّ كُلٌّ طَهَارَةَ إنَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَأَمَّ كُلٌّ فِي صَلَاةٍ فَفِي الْأَصَحِّ يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ. وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ أَوْ   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ] (فَصْلٌ) فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ (لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) كَمَنْ عَلِمَ بِكُفْرِهِ أَوْ حَدَثِهِ أَوْ نَجَاسَةِ ثَوْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ، فَكَيْفَ يَقْتَدِي بِهِ (أَوْ يَعْتَقِدُهُ) أَيْ بُطْلَانَهَا مِنْ حَيْثُ الِاجْتِهَادُ فِي غَيْرِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْفُرُوعِ. أَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي الْفُرُوعِ فَسَيَأْتِي، وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا أَنْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمِثَالِ لَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلٍ (كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ أَوْ) فِي (إنَاءَيْنِ) مِنْ الْمَاءِ طَاهِرٍ وَنَجَسٍ بِأَنْ أَدَّى اجْتِهَادُ أَحَدِهِمَا إلَى غَيْرِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْآخَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَتَوَضَّأَ كُلٌّ مِنْ إنَائِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ. (فَإِنْ تَعَدَّدَ الطَّاهِرُ) مِنْ الْآنِيَةِ كَأَنْ كَانَتْ الْأَوَانِي ثَلَاثَةً وَالطَّاهِرُ مِنْهَا اثْنَانِ وَالْمُجْتَهِدُونَ ثَلَاثَةٌ وَظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمْ طَهَارَةَ إنَائِهِ فَقَطْ (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ (مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ إنَاءُ الْإِمَامِ لِلنَّجَاسَةِ) فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي مِثَالِنَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِوَاحِدٍ فَقَطْ لِتَعَيُّنِ الْإِنَاءِ الثَّالِثِ لِلنَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ (فَإِنْ ظَنَّ) وَاحِدٌ بِاجْتِهَادِهِ (طَهَارَةَ إنَاءِ غَيْرِهِ اقْتَدَى بِهِ) جَوَازًا (قَطْعًا) أَوْ نَجَاسَةً لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَطْعًا كَمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ (فَلَوْ اشْتَبَهَ خَمْسَةٌ) مِنْ الْآنِيَةِ (فِيهَا نَجِسٌ عَلَى خَمْسَةٍ) مِنْ أُنَاسٍ (فَظَنَّ كُلٌّ) مِنْهُمْ (طَهَارَةَ إنَاءٍ) مِنْهَا (فَتَوَضَّأَ بِهِ) وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا فِي الْأَوَائِلِ الْأَرْبَعَةِ (وَأَمَّ كُلٌّ) مِنْهُمْ (فِي صَلَاةٍ) مِنْ الْخَمْسِ الْبَاقِينَ مُبْتَدِئِينَ بِالصُّبْحِ (فَفِي) الْوَجْهِ (الْأَصَحِّ) السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا (يُعِيدُونَ الْعِشَاءَ) لِتَعَيُّنِ النَّجَاسَةِ فِي إنَاءِ إمَامِهَا بِزَعْمِهِمْ (إلَّا إمَامَهَا فَيُعِيدُ الْمَغْرِبَ) لِتَعَيُّنِ إمَامِهَا لِلنَّجَاسَةِ فِي حَقِّهِ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُعِيدُ مَا كَانَ مَأْمُومًا فِيهِ آخِرًا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعِيدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا صَلَّاهُ مَأْمُومًا، وَهُوَ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْخَمْسَةِ إنَاءَانِ نَجِسَانِ صَحَّ اقْتِدَاءُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِاثْنَيْنِ فَقَطْ، أَوْ النَّجِسُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَبِوَاحِدٍ فَقَطْ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ كَانَ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ تَعَيَّنَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِلْبُطْلَانِ كَمَا عُلِمَ مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ أَرْبَعَةً امْتَنَعَ الِاقْتِدَاءُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ سُمِعَ صَوْتُ حَدَثٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَأَنْكَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ وُقُوعَهُ مِنْهُ فَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَوَانِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي الْفُرُوعِ. فَقَالَ (وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ) فَعَلَ مُبْطِلًا عِنْدَنَا دُونَهُ كَأَنْ (مَسَّ فَرْجَهُ) أَوْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ أَوْ الْبَسْمَلَةَ أَوْ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا (أَوْ) عِنْدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي. وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ.   [مغني المحتاج] دُونَنَا كَأَنْ (افْتَصَدَ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ (فِي الْفَصْدِ دُونَ الْمَسِّ) وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ (اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ) أَيْ اعْتِقَادِ (الْمُقْتَدِي) لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ عِنْدَهُ بِالْمَسِّ دُونَ الْفَصْدِ، وَالثَّانِي عَكْسُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ فِي الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَزْمُ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ حَافَظَ الْمُخَالِفُ فِي الْفُرُوعِ كَحَنَفِيٍّ عَلَى وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي إتْيَانِهِ بِهَا تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ فِي أَنَّهُ يُرَاعِي الْخِلَافَ، وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ اعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ وَإِنَّمَا ضَرَّ فِي الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ لِعِلْمِ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِهَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إنْ اقْتَدَى بِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَوْ نَائِبِهِ صَحَّ مَعَ تَرْكِهِ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا لِمَا فِي الْمُفَارَقَةِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَاسْتَحْسَنَاهُ بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا اسْتَحْسَنَاهُ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ كَصِحَّةِ الْجُمُعَةِ السَّابِقَةِ وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الْأُخْرَى، وَلَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ سُنِّيَّتِهِ وَأَمْكَنَهُ هُوَ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى نُدِبَ لَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَإِلَّا تَابَعَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي كَأَصْلِهِ أَنَّهُ إذَا قَنَتَ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَيَسْجُدُ كَمَا لَوْ كَانَ إمَامُهُ شَافِعِيًّا فَتَرَكَهُ. وَلَوْ تَرَكَ شَافِعِيٌّ الْقُنُوتَ وَخَلْفَهُ حَنَفِيٌّ فَسَجَدَ الشَّافِعِيُّ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْحَنَفِيُّ، وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لَمْ يَسْجُدْ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ، وَلَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ فَطَوَّلَهُ لَمْ يُوَافِقْهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا كَمَا يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا إذَا سَجَدَ فِي سَجْدَةِ (ص) ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُ فِي الِاعْتِدَالِ، وَكَلَامُ شَيْخِنَا جَوَازَ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ هُنَاكَ بَيْنَ مِثْلِ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَسِّ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ لَا يَنْتَظِرُهُ فِيهِ، وَمَا أَبْطَلَ عَمْدُهُ دُونَ سَهْوِهِ جَازَ انْتِظَارُهُ، وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى مُسَافِرَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ بِوُصُولِهِمَا سَفَرُ الشَّافِعِيِّ دُونَ الْحَنَفِيِّ وَجَازَ لَهُ بِكُرْهٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْقَاصِرِ فِي الْإِقَامَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْقَصْرَ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَاهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ كَمُجْتَهِدَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْقِبْلَةِ فَصَلَّى أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْمُقْتَدِي مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ قَالَ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى إذْ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ هُنَا. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إلَّا أَنْ يُرَادَ جَزْمُهَا وَعَدَمُهُ (وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةٌ بِمُقْتَدٍ) فِي حَالِ قُدْوَتِهِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ يَلْحَقُهُ سَهْوُهُ، وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وَلَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ، وَلَا قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ،   [مغني المحتاج] الِاسْتِقْلَالُ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ هُوَ سَهْوَ غَيْرِهِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ، وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَدُوا بِأَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ كَمَا. أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ. أَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَلَا بِمَنْ تَوَهَّمَهُ أَوْ ظَنَّهُ مَأْمُومًا كَأَنْ وَجَدَ رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ جَمَاعَةً وَتَرَدَّدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا هَجَمَ، فَإِنْ اجْتَهَدَ فِي أَيِّهِمَا الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ الْإِمَامُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ كَمَا يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالثَّوْبِ وَالْأَوَانِي، وَإِنْ اعْتَقَدَ كُلٌّ مِنْ الْمُصَلِّيَيْنِ أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، إذْ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ أَوْ أَنَّهُ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مُقْتَدٍ بِمَنْ يَقْصِدُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فَمَنْ شَكَّ وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِشَكِّهِ فِي أَنَّهُ تَابِعٌ أَوْ مَتْبُوعٌ، فَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا وَظَنَّ الْآخَرُ صَحَّتْ لِلظَّانِّ أَنَّهُ إمَامٌ دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، وَالْبُطْلَانُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ إنَّمَا يَأْتِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى طَرِيقِ الْعِرَاقِيِّينَ. أَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَرَاوِزَةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي الشَّكِّ فِي النِّيَّةِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ. (وَلَا) قُدْوَةٌ (بِمَنْ تَلْزَمُهُ إعَادَةٌ كَمُقِيمٍ تَيَمَّمَ) لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَلَا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا، وَمُحْدِثٍ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لَا كَرَاهَةَ أَوْ لِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي مِثْلَهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ كَالْفَاسِدَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِالْإِعَادَةِ حَيْثُ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ، وَلِجَوَازِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَضَوْا (وَلَا) قُدْوَةُ (قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ فِي الْجَدِيدِ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَتَحَمَّلَ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ، فَإِذَا لَمْ يُحْسِنْهَا لَمْ يَصْلُحْ لِلتَّحَمُّلِ، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَلْ يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ فِيهَا وَهُوَ الْقَدِيمُ، وَذَهَبَ الْمُزَنِيّ إلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ أَوْ طَاوَعَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ التَّعَلُّمُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فِي الْجَدِيدِ يَعُودُ إلَى اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ لَا إلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْأُمِّيُّ نِسْبَةٌ إلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا، وَأَصْلُهُ لُغَةً لِمَنْ لَا يَكْتُبُ، اسْتَعْمَلَهُ الْفُقَهَاءُ مَجَازًا فِي قَوْلِهِمْ (وَهُوَ مَنْ يُخِلُّ بِحَرْفٍ) ظَاهِرٍ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَخْرَجِهِ (أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ) لِرَخَاوَةِ لِسَانِهِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمِّيِّ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ أَحْسَنَ أَصْلَ التَّشْدِيدِ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْمُبَالَغَةُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 وَمِنْهُ أَرَتُّ يُدْغِمُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَأَلْثَغُ يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَتَصِحُّ بِمِثْلِهِ، وَتُكْرَهُ بِالتَّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ   [مغني المحتاج] الْقَاضِي، وَمَنْ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مَعَ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا الذِّكْرَ كَالْقَارِئِ مَعَ الْأُمِّيِّ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ حَافِظِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِحَافِظِ النِّصْفِ الثَّانِي وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحْسِنُ شَيْئًا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ (وَمِنْهُ) أَيْ الْأُمِّيِّ (أَرَتُّ) وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ مُشَدَّدَةٍ مَنْ (يُدْغِمُ) بِإِبْدَالٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) أَيْ الْإِدْغَامِ كَقَارِئِ الْمُسْتَقِيمَ بِتَاءٍ أَوْ سِينٍ مُشَدَّدَةٍ أَمَّا الْإِدْغَامُ بِلَا إبْدَالٍ كَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَوْ الْكَافِ مِنْ مَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ (وَ) مِنْهُ (أَلْثَغُ) وَهُوَ بِمُثَلَّثَةٍ مَنْ (يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ) كَأَنْ يَأْتِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ مَوْضِعَ السِّينِ أَوْ بِالْغَيْنِ مَوْضِعَ الرَّاءِ، فَيَقُولَ الْمُثْتَقِيمَ، وَغَيْغِ الْمَغْضُوبِ، وَالْإِدْغَامُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُبْطِلِ يَسْتَلْزِمُ الْإِبْدَالَ كَمَا سَبَقَ إلَّا أَنَّهُ إبْدَالٌ خَاصٌّ، فَكُلُّ أَرَتَّ أَلْثَغُ وَلَا عَكْسَ، فَلَوْ كَانَتْ لُثْغَتُهُ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غَيْرِ صَافٍ لَمْ يُؤَثِّرْ. (وَتَصِحُّ) قُدْوَةُ أُمِّيٍّ (بِمِثْلِهِ) إنْ اتَّفَقَا عَجْزًا كَحَافِظِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِحَافِظِهِ، وَكَأَرَتَّ بِأَرَتَّ، وَأَلْثَغَ بِأَلْثَغَ فِي كَلِمَةٍ لِاسْتِوَائِهِمَا نُقْصَانًا كَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَنْعِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِ بِمِثْلِهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ثَمَّ بِخِلَافِ هُنَا، وَالْعِبْرَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ بِالْحَرْفِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ، فَلَوْ أَبْدَلَ أَحَدُهُمَا السِّينَ تَاءً وَالْآخَرُ زَايًا كَانَا مُتَّفِقَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي كَلِمَتَيْنِ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَلَا أَرَتَّ بِأَلْثَغَ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ يُحْسِنُ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُ، وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِخَرَسٍ فَارَقَهُ بِخِلَافِ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَعَادَ لِأَنَّ حُدُوثَ الْخَرَسِ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمَجْهُولِ قِرَاءَتُهُ أَوْ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِسْلَامُ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي أَنْ يُحْسِنَ الْقِرَاءَةَ، فَإِنْ أَسَرَّ هَذَا فِي جَهْرِيَّةٍ أَعَادَهَا الْمَأْمُومُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ، وَيَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ أَئِمَّتنَا؛ لِأَنَّ إسْرَارَ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ يُخَيَّلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا لَجَهَرَ بِهَا فَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الْجَهْرِيَّةِ: نَسِيت الْجَهْرَ أَوْ تَعَمَّدْتُ لِجَوَازِهِ أَيْ وَجَهِلَ الْمَأْمُومُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ كَمَا جَهِلَ مِنْ إمَامِهِ الَّذِي لَهُ حَالَتَا جُنُونٍ وَإِفَاقَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقْتَ جُنُونِهِ أَوْ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ. أَمَّا فِي السِّرِّيَّةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ طَهَارَةِ الْإِمَامِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَتُكْرَهُ) الْقُدْوَةُ (بِالتَّمْتَامِ) وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ، وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ التَّأْتَاءُ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَالْفَأْفَاءِ) وَهُوَ بِهَمْزَتَيْنِ وَمَدٍّ فِي آخِرِهِ: مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَكَذَا مَنْ يُكَرِّرُ الْوَاوَ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَذَا فِي تَكْرِيرِ سَائِرِ الْحُرُوفِ لِلتَّطْوِيلِ وَنَفْرَةِ الطَّبْعِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ، لِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الِاخْتِيَارُ فِي الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ فَصِيحَ اللِّسَانِ، حَسَنَ الْبَيَانِ، مُرَتِّلًا لِلْقُرْآنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وَاللَّاحِنِ، فَإِنْ غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ وَإِلَّا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ. وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ رَجُلٍ وَلَا خُنْثَى بِامْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى.   [مغني المحتاج] غَيْرِهَا، إذْ لَا فَاءَ فِيهَا وَجَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ مَعَ زِيَادَتِهِمْ لِعُذْرِهِمْ فِيهَا (وَ) كَذَا (اللَّاحِنُ) بِمَا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ تُكْرَهُ الْقُدْوَةُ بِهِ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ بَاقٍ، وَإِنْ كَانَ تَعَاطِيهِ مَعَ التَّعَمُّدِ حَرَامًا وَضَمِّ صَادِ الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا وَنَحْوِهِ كَاللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا (فَإِنْ) لَحَنَ لَحْنًا (غَيَّرَ مَعْنًى كَأَنْعَمْت بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ) أَوْ أَبْطَلَ الْمَعْنَى كَالْمُسْتَقِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّغْيِيرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْأَلْثَغِ (أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ) وَلَمْ يَتَعَلَّمْ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّعْلِيمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ. أَمَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَيَقْضِي وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ؛ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبُطْلَانِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَادِرِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ. أَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَضُرُّ لِأَنَّهَا رُكْنٌ، نَعَمْ إنْ تَفَطَّنَ لِلصَّوَابِ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ عَجَزَ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ) مِنْ إسْلَامِ الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا مِنْ تَمْيِيزِ الْمُسْلِمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِكَوْنِ الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَأُمِّيٍّ) وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ كَمَا إذَا قَرَأَ بِجَرِّ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] [التَّوْبَةَ] (فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ) إذَا كَانَ عَاجِزًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ قِيلَ: لَيْسَ لِهَذَا اللَّاحِنِ قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ إنَّ مُقْتَضَاهُ الْبُطْلَانُ فِي الْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ. (وَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ) ذَكَرٍ (رَجُلٍ) أَوْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ (وَلَا خُنْثَى بِأُ) نْثَى (امْرَأَةٍ) أَوْ صَبِيَّةٍ مُمَيِّزَةٍ (وَلَا خُنْثَى) مُشْكِلٍ، لِأَنَّ الْأُنْثَى نَاقِصَةٌ عَنْ الرَّجُلِ، وَالْخُنْثَى الْمَأْمُومُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا ذَكَرًا وَالْإِمَامُ أُنْثَى. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا» (2) وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحَلُّهَا إذَا كَانَ الظُّهُورُ بِأَمَارَةٍ غَيْرِ قَطْعِيَّةٍ، وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ وَبِالْخُنْثَى كَمَا تَصِحُّ قُدْوَةُ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ بِالرَّجُلِ فَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِرَجُلٍ، خُنْثَى بِرَجُلٍ، امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ، امْرَأَةٍ بِخُنْثَى، امْرَأَةٍ بِامْرَأَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وَتَصِحُّ لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ، وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ، وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ، وَالْمُضْطَجِعِ. وَلِلْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ. وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ.   [مغني المحتاج] وَأَرْبَعٌ بَاطِلَةٌ، وَهِيَ قُدْوَةُ رَجُلٍ بِخُنْثَى، رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ، خُنْثَى بِخُنْثَى، خُنْثَى بِامْرَأَةٍ. (وَتَصِحُّ) الْقُدْوَةُ (لِلْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ) الَّذِي لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى عَنْ طَهَارَتِهِ بِبَدَلٍ مُغْنٍ عَنْ الْإِعَادَةِ (وَبِمَاسِحِ الْخُفِّ) لِأَنَّ صَلَاتَهُ مُغْنِيَةٌ عَنْ الْإِعَادَةِ (وَلِلْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ قِيَامًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ، وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ» وَيُقَاسَ الْمُضْطَجِعُ وَلَوْ كَانَ مُومِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي عَلَى الْقَاعِدِ فَقُدْوَةُ الْقَاعِدِ وَالْمُضْطَجِعِ بِهِ أَوْلَى، وَالْمُسْتَلْقِي كَالْمُضْطَجِعِ فِيمَا ذَكَرَ. (وَ) تَصِحُّ الْقُدْوَةُ (لِلْكَامِلِ) وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ (بِالصَّبِيِّ) الْمُمَيِّزِ لِلِاعْتِدَادِ بِصَلَاتِهِ، «وَلِأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ أَقْرَأَ أَوْ أَفْقَهَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ (وَالْعَبْدِ) أَيْ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْكَامِلِ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلِأَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّهَا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ لَكِنَّ الْحُرَّ وَإِنْ كَانَ أَعْمَى كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ خَيْرَانَ قَالَ بِكَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ، وَفِي الْعَبْدِ الْفَقِيهِ وَالْحُرِّ غَيْرِ الْفَقِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانُوا صَحَّحُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ تَقْدِيمَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ، وَالْحُرُّ بِهِمَا أَلْيَقُ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ أَوْلَى مِنْ كَامِلِ الرِّقِّ وَأَنَّ مَنْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ مِنْ الْمُبَعَّضِينَ أَوْلَى مِمَّنْ نَقَصَتْ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْوَاوَ مِنْ قَوْلِهِ، " وَالْعَبْدِ " لَكَانَ أَوْلَى لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ صِحَّةُ قُدْوَةِ الْكَامِلِ بِالصَّبِيِّ الْعَبْدِ بِالْمَنْطُوقِ وَبِالصَّبِيِّ الْحُرِّ، وَبِالْعَبْدِ الْكَامِلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) فِي الْإِمَامَةِ (سَوَاءٌ عَلَى النَّصِّ) فِي الْأُمِّ لِتَعَارُضِ فَضِيلَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخَبَثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ الْأَعْمَى لَا يَبْتَذِلُ، أَمَّا إذَا ابْتَذَلَ: أَيْ تَرَكَ الصِّيَانَةَ عَنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ كَأَنْ لَبِسَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ كَانَ الْبَصِيرُ أَوْلَى مِنْهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى ذَلِكَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، بَلْ ذِكْرُهُ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي فِي نَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَعْمَى، بَلْ لَوْ ابْتَذَلَ الْبَصِيرُ كَانَ الْأَعْمَى أَوْلَى مِنْهُ. وَقِيلَ: الْأَعْمَى أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: الْبَصِيرُ أَوْلَى لِلْمَعْنَى الثَّانِي. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِمَامَةُ الْحُرِّ الْأَعْمَى أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ الْعَبْدِ الْبَصِيرَ، وَالْأَصَمُّ كَالْأَعْمَى فِيمَا ذَكَرَ: كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْلَفِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ، وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ. وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ امْرَأَةً، أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا، قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ. لَا جُنُبًا، وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ. قُلْت الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ قُدْوَةِ السَّلِيمِ بِالسَّلِسِ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ سَلِسِ الْبَوْلِ (وَالطَّاهِرِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ) وَالْمُسْتَنْجِي بِالْمُسْتَجْمِرِ وَالْمَسْتُورِ بِالْعَارِي وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِوُجُودِ النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا صَلَاتَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، أَمَّا الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا تَصِحُّ قُدْوَةُ غَيْرِهَا بِهَا وَلَوْ مُتَحَيِّرَةً لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا. (وَلَوْ بَانَ) لِلْمَأْمُومِ (إمَامُهُ) عَلَى خِلَافِ مَا ظَنَّهُ كَأَنْ عَلِمَهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْقُدْوَةِ (امْرَأَةً) أَوْ خُنْثَى أَوْ مَجْنُونًا (أَوْ كَافِرًا مُعْلِنًا) بِكُفْرِهِ كَذِمِّيٍّ (قِيلَ أَوْ مُخْفِيًا) كُفْرَهُ كَزِنْدِيقٍ (وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ) لِأَنَّ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَالْكَافِرِ الْمُعْلِنِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُمَا أَمَارَةً ظَاهِرَةً، إذْ تَمْتَازُ الْمَرْأَةُ بِالصَّوْتِ وَالْهَيْئَةِ وَغَيْرِهِمَا. وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى لِأَنَّ أَمْرَهُ مُنْتَشِرٌ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ: وَيُعْرَفُ مُعْلِنُ الْكُفْرِ بِالْغِيَارِ وَغَيْرِهِ، فَالْمُقْتَدِي بِهِمْ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُمْ، بِخِلَافِ مُخْفِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ مُقَابِلِهِ، وَلَوْ بَانَ إمَامُهُ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لَوْ خَطَبَ جَالِسًا وَبَانَ قَادِرًا فَكَمَنْ بَانَ جُنُبًا، لَكِنَّهُ صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّهُ كَالْأُمِّيِّ فَيَتَبَيَّنُ عَدَمُ الصِّحَّةِ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الشَّرْطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَشْرُوطِ. (لَا) إنْ بَانَ إمَامُهُ (جُنُبًا) أَوْ مُحْدِثًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى. وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (وَذَا نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ) فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ فَلَا تَجِبُ إعَادَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرَةِ فَتَجِبُ فِيهَا الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَحَمَلَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي تَصْحِيحِهِ كَلَامَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ، وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ الْخَفِيَّةِ. وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَةَ مَا تَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ تَأَمَّلَهَا الْمَأْمُومُ لَرَآهَا، وَالْخَفِيَّةُ بِخِلَافِهَا. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقْتَدِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْمَى مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَوْ ذُو نَجَاسَةٍ خَفِيَّةٍ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ نَاسِيًا وَلَمْ يُحْتَمَلْ أَنَّهُ تَطَهَّرَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: إنَّ مُخْفِيَ الْكُفْرِ هُنَا كَمُعْلِنِهِ) وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّ الْأَقْوَى دَلِيلًا أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ عَدَمُ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ، فَتَجِبُ إعَادَةُ الْمُؤْتَمِّ بِهِ لِنَقْصِهِ بِالْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ وَنَحْوِهِ لَا نَقْصَ فِيهِ بِالْحَدَثِ. وَلَوْ اقْتَدَى بِشَخْصٍ فَبَانَ مُرْتَدًّا، أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ اقْتَدَى بِخُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْعَدْلُ أَوْلَى مِنْ الْفَاسِقِ.   [مغني المحتاج] الْإِحْرَامِ لَا النِّيَّةَ وَإِنْ سَهَا بِتَرْكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى فَيُنْسَبُ إلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ النِّيَّةِ لِخَفَائِهَا، وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ: لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْت حَقِيقَةً، أَوْ أَسْلَمْت ثُمَّ ارْتَدَدْت فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ إمَامَهُ كَافِرٌ بِذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ أُخْبِرَ بِكُفْرِهِ (وَالْأُمِّيُّ كَالْمَرْأَةِ فِي الْأَصَحِّ) فَيُعِيدُ الْقَارِئُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ مِنْ مَنْعِ قُدْوَةِ الْقَارِئِ بِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهَا النَّقْصُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَالْجُنُبِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فَلَا يُعِيدُ الْمُؤْتَمُّ بِهِ، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ فِقْدَانَ الْقِرَاءَةِ نَقْصٌ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ، وَبِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى كَوْنِهِ قَارِئًا أَسْهَلُ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا، لِأَنَّهُ وَإِنْ شَاهَدَ طَهَارَتَهُ فَعُرُوضُ الْحَدَثِ بَعْدَهَا قَرِيبٌ، بِخِلَافِ صَيْرُورَتِهِ أُمِّيًّا بَعْدَمَا سَمِعَ قِرَاءَتَهُ. ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَبَيُّنِ مَا سَبَقَ مِمَّا يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَمِمَّا لَا يُوجِبُهُ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ الْحَدَثُ أَوْ نَحْوُهُ فِي الْأَثْنَاءِ وَجَبَتْ الْمُفَارَقَةُ حَالَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُغْنِي عَنْهَا تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ قَطْعًا. (وَلَوْ اقْتَدَى) رَجُلٌ أَوْ خُنْثَى (بِخُنْثَى) فِي ظَنِّهِ، أَوْ خُنْثَى بِامْرَأَةٍ (فَبَانَ) الْإِمَامُ (رَجُلًا) فِي الْأُولَى، وَالْمَأْمُومُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ امْرَأَةً، أَوْ بَانَا فِي الثَّانِيَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ (لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الظَّاهِرِ لِتَرَدُّدِ الْمَأْمُومِ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عِنْدَهَا فَلَا تَكُونُ النِّيَّةُ جَازِمَةً. وَالثَّانِي يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَصَوَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُنُوثَتَهُ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ، وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْعَالِمِ بِخُنُوثَتِهِ، إذْ صَلَاةُ الرَّجُلِ لَا تَنْعَقِدُ خَلْفَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ جَزْمُ النِّيَّةِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ. بَلْ الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ إذَا بَانَ رَجُلًا فِي تَصْوِيرِ الْمَاوَرْدِيُّ، لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ زَمَنٌ طَوِيلٌ. وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالتَّرَدُّدِ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ عِنْدَ فَقْدِهِ بِأَنْ ظَنَّ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّ إمَامَهُ رَجُلٌ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ بَعْدَ ذَلِكَ كَوْنُهُ رَجُلًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَمْضِ قَبْلَ تَبَيُّنِ الرُّجُولِيَّةِ رُكْنٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛. لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ، لَكِنْ فِي الِابْتِدَاءِ يَضُرُّ مُطْلَقًا. وَفِي الْأَثْنَاءِ إنْ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ مَضَى رُكْنٌ عَلَى ذَلِكَ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا. وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ وَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَا إذَا اقْتَدَى خُنْثَى بِامْرَأَةٍ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا رَجُلٌ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى، وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهَا عَدَمُهَا، إذْ لَا تَرَدُّدَ حِينَئِذٍ (وَالْعَدْلُ أَوْلَى) بِالْإِمَامَةِ (مِنْ الْفَاسِقِ) وَإِنْ اخْتَصَّ الْفَاسِقُ بِصِفَاتٍ مُرَجِّحَةٍ كَكَوْنِهِ أَفْقَهَ أَوْ أَقْرَأَ لِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ، بَلْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا، وَالْمُبْتَدِعُ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُبْتَدِعِ لَا يُفَارِقُهُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ، وَالْأَفْقَهُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ الْأَقْرَأُ أَيْ الْأَكْثَرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ.   [مغني المحتاج] قُرْآنًا أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بِزِيَادَةِ الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ) فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ قُرْآنًا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ (أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَأِ) وَإِنْ حَفِظَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ مَحْصُورًا وَالْحَوَادِثُ فِيهَا لَا تَنْحَصِرُ، وَلِتَقْدِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ لِلْقُرْآنِ؛ «لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ أَرْبَعَةٍ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبْلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ لِتَقَابُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الْأَقْرَأَ أَوْلَى. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ» وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الصَّدْرَ الْأَوَّلَ كَانُوا يَتَفَقَّهُونَ مَعَ الْقِرَاءَةِ، فَلَا يُوجَدُ قَارِئٌ إلَّا وَهُوَ فَقِيهٌ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا كُنَّا نُجَاوِزُ عَشْرَ آيَاتٍ حَتَّى نَعْرِفَ أَمْرَهَا وَنَهْيَهَا وَأَحْكَامَهَا. فَإِنْ قِيلَ فِي الْحَدِيثِ «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ» فَفِيهِ دَلِيلٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَأِ فِي الْخَبَرِ الْأَفْقَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَإِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ اسْتَوَوْا فِي فِقْهِهِ، فَإِذَا زَادَ أَحَدُهُمْ بِفِقْهِ السُّنَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ الْأَفْقَهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ دُونَهُ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ كَمَا مَرَّ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ (الْأَوْرَعِ) أَيْ الْأَكْثَرِ وَرَعًا لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ. وَالْوَرَعُ فَسَّرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْعَدَالَةِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّهُ «سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوَرِعِ. قَالَ: الَّذِي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ» وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ عَلَى الْأَفْقَهِ إذْ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] [الْحُجُرَاتِ] وَفِي الْحَدِيثِ «مِلَاكُ الدِّينِ الْوَرَعُ» . وَأَمَّا مَا يُخَافُ مِنْ حُدُوثِهِ فِي الصَّلَاةِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فَلَا يُفَوِّتُ الْمُحَقَّقَ لِلْمُتَوَهِّمِ. وَأَمَّا الزُّهْدُ فَهُوَ تَرْكُ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ الْوَرَعِ، إذْ هُوَ فِي الْحَلَالِ وَالْوَرَعُ فِي الشُّبْهَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الْمُرَجِّحَاتِ، وَاعْتِبَارُهُ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا اشْتَرَكَا فِي الْوَرَعِ، وَامْتَازَ أَحَدُهُمَا بِالزُّهْدِ قَدَّمْنَاهُ اهـ. تَنْبِيهٌ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْرِفَةُ الْمُقَدَّمِ مِنْ الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ، وَحُكْمُهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ (وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ النَّسِيبِ) فَعَلَى أَحَدِهِمَا مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِقْهَ وَالْقِرَاءَةَ مُخْتَصَّانِ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ شُرُوطِهَا، وَالْفِقْهُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا، وَبَاقِي الصِّفَاتِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَيُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ أَيْضًا عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ الْأَفْقَهُ أَوْ الْأَقْرَأُ أَوْ الْأَوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ زِنًا أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ. فَإِنْ اسْتَوَيَا فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ. وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا.   [مغني المحتاج] مَجْهُولَ الْأَبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى. وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسَافِرُ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَهُوَ أَحَقُّ، وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ إمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَا وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُسَاوِهِ الْمَأْمُومُ، فَإِنْ سَاوَاهُ أَوْ وَجَدَهُ قَدْ أَحْرَمَ وَاقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ (وَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ عَلَى النَّسِيبِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ الْأَسَنِّ فِي ذَاتِهِ وَالنَّسِيبِ فِي آبَائِهِ، وَفَضِيلَةُ الذَّاتِ أَوْلَى، وَالْعِبْرَةُ بِالْأَسَنِّ فِي الْإِسْلَامِ لَا بِكِبَرِ السِّنِّ، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ أَسْلَمَ أَمْسِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ الْيَوْمَ، فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا فَالشَّيْخُ مُقَدَّمٌ لِعُمُومِ خَبَرِ مَالِكٍ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَيُقَدَّمُ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ الْفَضْلَ بِنَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ بُلُوغِ مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا، أَمَّا بَعْدَهُ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ التَّابِعِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَسَاوِيهِمَا حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ. وَالْمُرَادُ بِالنَّسِيبِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى قُرَيْشٍ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ ثُمَّ سَائِرُ قُرَيْشٍ، ثُمَّ الْعَرَبِيُّ ثُمَّ الْعَجَمِيُّ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ. . تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلتَّقْدِيمِ بِالْهِجْرَةِ، وَهِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأَسَنِّ وَالنَّسِيبِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا» (1) . وَفِي رِوَايَةٍ سِلْمًا «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الْأَوْرَعِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: وَأَصْلُهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ تَأْخِيرُهَا عَنْ السِّنِّ وَالنَّسَبِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ تَبَعًا تَقْدِيمُ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ هَاجَرَ أَحَدُ آبَائِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنْتَسِبَ إلَى مَنْ هَاجَرَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ انْتَسَبَ لِقُرَيْشٍ مَثَلًا. (فَإِنْ اسْتَوَيَا) أَيْ الشَّخْصَانِ فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ (فَبِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) مِنْ الْأَوْسَاخِ (وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَنَحْوِهَا) مِنْ الْفَضَائِلِ كَحُسْنِ وَجْهٍ وَسَمْتٍ، وَذِكْرٍ بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبَ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْتِيبٌ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالنَّظَافَةِ ثُمَّ بِحُسْنِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا فَلَهُ التَّقْدِيمُ. وَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ لَا مُكَاتَبِهِ فِي مِلْكِهِ. وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي، وَالْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.   [مغني المحتاج] الصَّوْتِ ثُمَّ بِحُسْنِ الصُّورَةِ. وَفِي التَّحْقِيقِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِحُسْنِ الذِّكْرِ ثُمَّ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَطِيبِ الصَّنْعَةِ، وَحُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ الْوَجْهِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ: تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ صَوْتًا ثُمَّ هَيْئَةً، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِطِيبِ الصَّنْعَةِ: الْكَسْبُ الْفَاضِلُ، وَلَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا عَلَى اسْتِوَائِهِمَا فِيمَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرَ لَفْظِ الْمُحَرَّرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّقْدِيمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ عَلَى الْمُهَاجِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا فِي مَوَاتٍ، أَوْ مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، أَوْ لَهُ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ وَجَعَلَهُ لِأَوْلَى الْحَاضِرِينَ أَيْ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُقَدَّمُ. (وَمُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ بِمِلْكٍ) لِلْعَيْنِ (أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ الْمِلْكِ كَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ وَوَصِيَّةٍ وَإِعَارَةٍ وَإِذْنٍ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ (أَوْلَى) بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْأَفْقَهِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الصِّفَاتِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَرَضِيَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ، لِخَبَرِ أَبِي مَسْعُودٍ السَّابِقِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا) لِإِمَامَةِ الْحَاضِرِينَ كَامْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى لِرِجَالٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ كَكَافِرٍ (فَلَهُ التَّقْدِيمُ) اسْتِحْبَابًا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِمَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ، هَذَا إنْ كَانَ صَحِيحَ الْعِبَارَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ اُسْتُؤْذِنَ وَلِيُّهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ جَمَعُوا وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى. تَنْبِيهٌ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ قُصُورٌ فَإِنَّهَا لَا تَشْمَلُ الْمُسْتَعِيرَ وَالْعَبْدَ الَّذِي أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَحِقَّانِ الْمَنْفَعَةَ مَعَ كَوْنِهِمَا أَوْلَى، فَلَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ بِسَاكِنِ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ لَشَمِلَهُمَا. (وَيُقَدَّمُ) السَّيِّدُ لَا غَيْرُهُ (عَلَى عَبْدِهِ السَّاكِنِ) فِي مِلْكِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجِهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مَلَّكَهُ الْمَسْكَنَ لِرُجُوعِ فَائِدَةِ سُكْنَى الْعَبْدِ إلَيْهِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ يُقَدَّمُ عَلَى سَيِّدِهِ فِيمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ (لَا) عَلَى (مُكَاتَبِهِ) كِتَابَةً صَحِيحَةً (فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّ سَيِّدَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ كَانَ سَاكِنًا بِحَقٍّ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ مِلْكِهِ بِمُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ كَانَ أَوْلَى (وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمُكْرِي) الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ. وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الْمُكْرِي لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ، وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ أَوْلَى مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَعَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا أَجَّرَ لِغَيْرِهِ لَا يُقَدَّمُ بِلَا خِلَافٍ (وَ) يُقَدَّمُ (الْمُعِيرُ) الْمَالِكُ لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِدُونِ الرَّقَبَةِ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ وَالرُّجُوعَ فِيهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَالثَّانِي: يُقَدَّمُ الْمُسْتَعِيرُ لِلسَّكَنِ لَهُ فِي الْحَالِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ» . وَالْمُرَادُ بِبَيْتِهِ مَسْكَنُهُ، إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمِلْكِ لَزِمَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ.   [مغني المحتاج] تَقْدِيمُ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَلَوْ حَضَرَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ، فَلَا يَتَقَدَّمُ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَالْحَاضِرُ مِنْهُمَا أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ بِالْجَمِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرَانِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَالشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ حَضَرَ الْأَرْبَعَةُ كَفَى إذْنُ الشَّرِيكَيْنِ. (وَالْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْلَى) تَقْدِيمًا وَتَقَدُّمًا (مِنْ الْأَفْقَهِ وَالْمَالِكِ) وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَضِيلَةٍ إذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّنْ عَبَّرَ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ: وَذَلِكَ لِخَبَرِ «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» وَلِعُمُومِ سَلْطَنَتِهِ مَعَ أَنَّ تَقَدُّمَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَلِيقُ بِبَذْلِ الطَّاعَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَيُرَاعَى فِي الْوِلَايَةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ، فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْلَى ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُقَدَّمُ الْوَالِي عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَصَّ غَيْرُهُ بِفَضِيلَةٍ، لِخَبَرِ «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ» وَإِذَا تَبَطَّأَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ فِي الْإِمَامَةِ، فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأُمِنَتْ الْفِتْنَةُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ نُدِبَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَؤُمَّ بِالْقَوْمِ لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خِيفَتْ الْفِتْنَةُ صَلَّوْا فُرَادَى وَنُدِبَ لَهُمْ إعَادَتُهَا مَعَهُ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً، وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْوَالِي عَلَى الْإِمَامِ الرَّاتِبِ فِي غَيْرِ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ وَالِي الْبَلَدِ وَقَاضِيهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ إلَّا إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا يُكْرَهُ إقَامَتُهَا فِيهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَطْرُوقًا وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ، أَوْ لَهُ رَاتِبٌ وَأَذِنَ فِي إقَامَتِهَا، أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ عَنْ الْجَمِيعِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ يُخَفْ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ. . تَتِمَّةٌ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ أَوْ مُتَغَلِّبٍ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا أَوْ لَا يَحْتَرِزُ مِنْ النَّجَاسَةِ، أَوْ يَمْحُو هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ، أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً، أَوْ يُعَاشِرُ الْفَسَقَةَ أَوْ نَحْوَهُمْ وَإِنْ نَصَّبَهُ لَهَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرْفَعُ صَلَاتُهُمْ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ شِبْرًا: رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ» وَالْأَكْثَرُ فِي حُكْمِ الْكُلِّ، وَلَا يُكْرَهُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا إذَا كَرِهَهُ دُونَ الْأَكْثَرِ أَوْ الْأَكْثَرِ لَا لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْإِمَامَةُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَرَاهَةِ الْأَكْثَرِ وَغَيْرِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ بِصِفَةِ الْكَرَاهَةِ أَمْ لَا، فَيُعْتَبَرُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ، وَلَا يُكْرَهُ إنْ كَرِهَهُ دُونَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 فَصْلُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ، وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا، وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَقِبِ.   [مغني المحتاج] الْأَكْثَرِ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فَإِنَّهَا تُكْرَهُ إذَا كَرِهَهَا الْبَعْضُ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ مَنْ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ الْأَكْبَرُ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَسٌ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ ابْنِهِ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمِهِ وَفِيهِمْ أَبُوهُ» . [فَصْلٌ فِي شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ] (فَصْلٌ) يَذْكُرُ فِيهِ بَعْضَ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ. وَشُرُوطُهُ سَبْعَةٌ:. أَحَدُهَا: (لَا يَتَقَدَّمُ) الْمَأْمُومُ (عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ) وَلَا فِي مَكَانِ الْقُعُودِ أَوْ الِاضْطِجَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَالِائْتِمَامُ: الِاتِّبَاعُ، وَالْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ تَابِعٍ (فَإِنْ تَقَدَّمَ) عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ (بَطَلَتْ فِي الْجَدِيدِ) الْأَظْهَرِ، أَوْ عِنْدَ التَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ كَالتَّقَدُّمِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قِيَاسًا لِلْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ، وَلِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَفْعَالِ مُبْطِلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ أَفْحَشُ، وَالْقَدِيمُ لَا تَبْطُلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا لَوْ وَقَفَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ وَإِنْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ أَوْ مُتَأَخِّرٌ كَأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ جَاءَ مِنْ خَلْفِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ جَاءَ مِنْ أَمَامِهِ لَمْ تَصِحَّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الثَّانِيَ أَوْجَهُ (وَلَا تَضُرُّ مُسَاوَاتُهُ) لِإِمَامِهِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ (وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ (قَلِيلًا) إذَا كَانَا ذَكَرَيْنِ غَيْرَ عَارِيَّيْنِ بَصِيرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ عَارِيًّا وَالْمَأْمُومُ بَصِيرًا وَلَا ظُلْمَةَ تَمْنَعُ النَّظَرَ اسْتِعْمَالًا لِلْأَدَبِ وَلِتَظْهَرَ رُتْبَةُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ. وَأَمَّا إمَامَةُ النِّسْوَةِ وَإِمَامُ الْعُرَاةِ فَسَيَأْتِي (وَالِاعْتِبَارُ) فِي التَّقَدُّمِ وَغَيْرِهِ لِلْقَائِمِ (بِالْعَقِبِ) وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ لَا الْكَعْبِ، فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّ. نَعَمْ إنْ كَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ ضَرَّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ ضَرَّ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْعَقِبِ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْمَنْكِبِ، وَالْمُرَادُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا فَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَ الْأُخْرَى عَلَى رِجْلِ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ قَدَّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَالِاعْتِبَارُ لِلْقَاعِدِ بِالْأَلْيَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ: أَيْ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ. أَمَّا فِي حَالِ السُّجُودِ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رُءُوسَ الْأَصَابِعِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الرَّاكِبَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْأَقْرَبَ فِيهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا اعْتَبَرُوا بِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ بَعِيدٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَدُّمِ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى تَقَدُّمُ رَاكِبِهَا عَلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وَيَسْتَدِيرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ. وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَا فِي الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا، وَيَقِفُ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ، وَهُوَ أَفْضَلُ.   [مغني المحتاج] رَاكِبِ الْأُخْرَى وَفِي الْمُضْطَجِعِ بِالْجَنْبِ، وَفِي الْمُسْتَلْقِي بِالرَّأْسِ: وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ، وَفِي الْمَصْلُوبِ بِالْكَتِفِ وَفِي الْمَقْطُوعَةِ رِجْلُهُ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاعْتِبَارُ بِالْكَتِفِ. (وَ) الْجَمَاعَةُ (يَسْتَدِيرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ) نَدْبًا لِاسْتِقْبَالِ الْجَمِيعِ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَمْ لَا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، لَكِنَّ الصُّفُوفَ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِدَارَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَلَوْ وَقَفَ صَفٌّ طَوِيلٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِلَا اسْتِدَارَةٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ جَازَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُهُمْ عَنْ سَمْتِهَا لَوْ قَرُبُوا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ (وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ) مِنْهُ إلَيْهَا فِي جِهَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ رِعَايَةَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ جِهَتِهِ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ مُنْكَرَةٌ، فَلَوْ تَوَجَّهَ الْإِمَامُ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ مَثَلًا فَجِهَتُهُ مَجْمُوعُ جِهَتَيْ جَانِبَيْهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ الْمُتَوَجِّهُ لَهُ وَلَا لِإِحْدَى جِهَتَيْهِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (لَوْ وَقَفَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي الْكَعْبَةِ) أَيْ دَاخِلَهَا (وَاخْتَلَفَتْ جِهَتَاهُمَا) بِأَنْ كَانَ وَجْهُهُ إلَى وَجْهِهِ، أَوْ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِهِ، أَوْ ظَهْرُهُ إلَى جَنْبِهِ، أَوْ وَجْهُهُ إلَى جَنْبِهِ قِيَاسًا لِدَاخِلِ الْكَعْبَةِ عَلَى خَارِجِهَا، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَأْمُومِ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْإِمَامِ إلَى مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ. أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ بِأَنْ يَكُونَ ظَهْرُ الْمَأْمُومِ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِيهَا وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا، وَلَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهَا وَالْإِمَامُ خَارِجَهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَتَوَجَّهُ الْمَأْمُومُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لِتَقَدُّمِهِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ. (وَيَقِفُ) الْمَأْمُومُ (الذَّكَرُ) نَدْبًا وَلَوْ صَبِيًّا إذَا لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ» (1) فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ سُنَّ لَهُ أَنْ يَنْدَارَ مَعَ اجْتِنَابِ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: سُنَّ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ (فَإِنْ حَضَرَ) ذَكَرٌ (آخَرُ أَحْرَمَ) نَدْبًا (عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ) بَعْدَ إحْرَامِهِ وَأَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ (يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أَوْ يَتَأَخَّرَانِ) حَالَةَ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (وَهُوَ) أَيْ تَأَخُّرُهُمَا (أَفْضَلُ) مِنْ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُمْت عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا التَّقَدُّمُ أَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صُفَّا خَلْفَهُ وَكَذَا امْرَأَةٌ أَوْ نِسْوَةٌ، وَيَقِفُ خَلْفَهُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ النِّسَاءُ.   [مغني المحتاج] التَّأَخُّرُ لِضِيقِ مَكَان مَثَلًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنْهُمَا، وَخَرَجَ بِحَالَةِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَتَأَتَّى التَّقَدُّمُ أَوْ التَّأَخُّرُ فِيهِ إلَّا بِأَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ غَالِبًا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لِلْعَاجِزِينَ عَنْ الْقِيَامِ، وَأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الثَّانِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُنْفَرِدًا وَلَوْ لَمْ يَسَعْ الْجَائِيَ الثَّانِيَ الْمَوْقِفُ الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ أَحْرَمَ خَلْفَهُ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ. (وَلَوْ حَضَرَ) مَعَ الْإِمَامِ ابْتِدَاءً (رَجُلَانِ) أَوْ صَبِيَّانِ (أَوْ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ صَفًّا) أَيْ قَامَا صَفًّا (خَلْفَهُ) بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَكَذَا مَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ أَمَّا الرَّجُلَانِ فَلِحَدِيثِ جَابِرٍ السَّابِقِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقُمْت أَنَا وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» (1) فَلَوْ وَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ بِجَنْبِهِ أَوْ خَلْفَ الْأَوَّلِ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ. (وَكَذَا امْرَأَةٌ) وَلَوْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجَةً (أَوْ نِسْوَةٌ) تَقُومُ أَوْ يَقُمْنَ خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَ الذَّكَرِ أَوْ امْرَأَةٌ وَذَكَرَانِ وَقَفَا خَلْفَهُ وَهِيَ خَلْفَهُمَا، أَوْ ذَكَرٌ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الذَّكَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ (وَيَقِفُ) إذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ (خَلْفَهُ الرِّجَالُ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ لِفَضْلِهِمْ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ ثُمَّ الْخَنَاثَى كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ (ثُمَّ النِّسَاءُ) لِتَحَقُّقِ أُنُوثَتِهِمْ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا» (2) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَوْلُهُ: لِيَلِيَنِّي بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِحَذْفِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ رِوَايَتَانِ، وَأُولُو: أَيْ أَصْحَابُ. وَالْأَحْلَامُ: جَمْعُ حِلْمٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ التَّأَنِّي فِي الْأَمْرِ. وَالنُّهَى: جَمْعُ نُهْيَةٍ بِالضَّمِّ: وَهِيَ الْعَقْلُ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ النُّهَى: الْعُقُولُ، وَأُولُو الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءُ. وَقِيلَ: الْبَالِغُونَ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى، وَلِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ عُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ تَأْكِيدًا، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مَا إذَا حَضَرَ الْجَمِيعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَوْ سَبَقَ الصِّبْيَانُ بِالْحُضُورِ لَمْ يُؤَخَّرُوا لِلرِّجَالِ اللَّاحِقِينَ كَمَا لَوْ سَبَقُوا إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا تُؤَخَّرُ الصِّبْيَانُ عَنْ الرِّجَالِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا لَمْ يَسَعْهُمْ صَفُّ الرِّجَالِ وَإِلَّا كُمِّلَ بِهِمْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الصِّبْيَانُ أَفْضَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَأَنْ كَانُوا فَسَقَةً وَالصِّبْيَانُ صُلَحَاءُ قُدِّمُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ، وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَرْدًا،   [مغني المحتاج] عَلَيْهِمْ. قَالَهُ الدَّارِمِيُّ (وَتَقِفُ إمَامَتُهُنَّ) نَدْبًا (وَسْطَهُنَّ) بِسُكُونِ السِّينِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ فِعْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. أَمَّا إذَا أَمَّهُنَّ غَيْرُ الْمَرْأَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى فَإِنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ. فَائِدَةٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ وَسْطٌ إنْ صَلُحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ بِالتَّسْكِينِ كَمَا هُنَا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ ذَلِكَ كَجَلَسْت وَسَطَ الدَّارِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَقَدْ أَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ عَارٍ أَمَّ بَصْرَاءَ فِي ضَوْءٍ، فَلَوْ كَانُوا عُرَاةً فَإِنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ فِي ضَوْءٍ لَكِنَّ إمَامَهُمْ مُكْتَسٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ إمَامُهُمْ كَغَيْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا بُصَرَاءَ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى نَظَرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَالْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِمْ وَانْفِرَادِهِمْ سَوَاءٌ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَفَ الْإِمَامُ وَسْطَهُمْ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي هَذَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمْ صَفًّا وَإِلَّا وَقَفُوا صُفُوفًا مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ وَالْجَمِيعُ عُرَاةٌ لَا يُصَلِّينَ مَعَهُمْ لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ بَلْ يَتَنَحَّيْنَ وَيَجْلِسْنَ خَلْفَهُمْ وَيَسْتَدْبِرْنَ الْقِبْلَةَ حَتَّى تُصَلِّيَ الرِّجَالُ، وَكَذَا عَكْسُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ بِمَكَانٍ آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ. ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَفْضَلُ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَالْخَنَاثَى الْخُلَّصِ وَالنِّسَاءِ كَذَلِكَ أَوَّلُهَا، وَهُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ أَوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَأَفْضَلُهَا لِلنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ أَوْ الْخَنَاثَى وَلِلْخَنَاثَى مَعَ الرِّجَالِ آخِرُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ وَأَسْتَرُ. نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ صُفُوفُهَا كُلُّهَا فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصُّفُوفِ فِيهَا مَطْلُوبٌ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْتَنِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَجِهَةُ يَمِينِهِ أَفْضَلُ. وَيُسَنُّ سَدُّ فُرَجِ الصُّفُوفِ، وَأَنْ لَا يُشْرَعَ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ الْأَوَّلُ وَأَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا شَرْطٌ، فَلَوْ خَالَفُوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ (وَيُكْرَهُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِ فَرْدًا) عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ كَامْرَأَةٍ وَلَا نِسَاءَ أَوْ خُنْثَى وَلَا خَنَاثَى فَلَا كَرَاهَةَ، بَلْ يُنْدَبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ «دَخَلَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» (1) وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ ضَعَّفَهُ، وَكَانَ يَقُولُ فِي الْقَدِيمِ لَوْ ثَبَتَ قُلْت بِهِ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ «فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ» الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً، وَإِلَّا فَلْيَجُرَّ شَخْصًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلِيُسَاعِدَهُ الْمَجْرُورُ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا،   [مغني المحتاج] مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِبَعْضِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَوَاتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمُقَارَنَةِ (بَلْ يَدْخُلُ الصَّفَّ إنْ وَجَدَ سَعَةً) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَوْ فُرْجَةً، وَكَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى الْحَاشِيَةِ الْفُرْجَةُ خَلَاءٌ ظَاهِرٌ. وَالسَّعَةُ أَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ وَيَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بَيْنَهُمَا لَوَسِعَهُ اهـ. فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالسَّعَةِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ غَيْرِهِ عَلَى الْفُرْجَةِ، إذْ يُفْهَمُ مِنْ السَّعَةِ الْفُرْجَةُ وَلَا عَكْسَ. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ فُرْجَةً وَكَانَتْ فِي صَفٍّ قُدَّامَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِهَا اهـ. وَالسَّعَةُ كَالْفُرْجَةِ فِي ذَلِكَ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَدْخُلُ لِمَا ذَكَرَ فِي أَيِّ صَفٍّ كَانَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِصَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ كَمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ وَعَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ بِمَسْأَلَةٍ، فَإِنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ إنَّمَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالتَّخَطِّي: هُوَ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقَاعِدِينَ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي شَقِّ الصُّفُوفِ وَهُمْ قِيَامٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ بِكَوْنِهِمَا مَسْأَلَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ سَدَّ الْفُرْجَةِ الَّتِي فِي الصُّفُوفِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لَهُ وَلِلْقَوْمِ بِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَصَلَاتِهِمْ، فَإِنْ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، «وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَدِّ الْفُرَجِ وَقَالَ: إنِّي رَأَيْت الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا» بِخِلَافِ تَرْكِ التَّخَطِّي، فَإِنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُحْرِمَ حَتَّى يُسَوِّيَ بَيْنَ الصُّفُوفِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَعَةً (فَلْيَجُرَّ) نَدْبًا فِي الْقِيَامِ (شَخْصًا) وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَيْهِ (بَعْدَ الْإِحْرَامِ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا جُوِّزَ أَنْ يُوَافِقَهُ، وَإِلَّا فَلَا جَرَّ، بَلْ يَمْتَنِعُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلْيُسَاعِدْهُ الْمَجْرُورُ) نَدْبًا لِمُوَافَقَتِهِ لِيَنَالَ فَضْلَ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا يَجُرُّ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ إذَا كَانَ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا، وَلِهَذَا كَانَ الْجَرُّ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْخَرْقُ لِيَصْطَفَّ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ كَانَ مَكَانُهُ يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَخْرِقَ فِي الْأَوَّلِ وَيَجُرَّهُمَا مَعًا فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِئَلَّا يُخْرِجَهُ عَنْ الصَّفِّ لَا إلَى صَفٍّ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا وَبَسَطَ ذَلِكَ. (وَ) الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ أَنَّهُ (يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ (بِأَنْ يَرَاهُ) الْمَأْمُومُ (أَوْ) يَرَى (بَعْضَ صَفٍّ أَوْ يَسْمَعَهُ أَوْ مُبَلِّغًا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ مُصَلِّيًا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: يُقْبَلُ خَبَرُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ أَوْ بِأَنْ يَهْدِيَهُ ثِقَةٌ إذَا كَانَ أَعْمَى أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا. وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ: أَنْ يُعَدَّا مُجْتَمِعِينَ لِيَظْهَرَ الشِّعَارُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ، وَلَوْ كَانَا بِفَضَاءٍ شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ   [مغني المحتاج] وَالتَّوَادُّ وَالتَّعَاضُدُ، إذْ لَوْ اكْتَفَى بِالْعِلْمِ بِالِانْتِقَالَاتِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ لَبَطَلَ السَّعْيُ الْمَأْمُورُ بِهِ وَالدُّعَاءُ إلَى الْجَمَاعَةِ، وَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي فِي سُوقِهِ أَوْ بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا عَلِمَ بِانْتِقَالَاتِهِ. وَلِاجْتِمَاعِهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا بِمَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فِي فَضَاءٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِمَسْجِدٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ) بَيْنَهُمَا فِيهِ (وَحَالَتْ أَبْنِيَةٌ) كَبِئْرٍ وَسَطْحٍ وَمَنَارَةٍ تُنَفِّذُ أَبْوَابُهَا، وَإِنْ أُغْلِقَتْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بَابٌ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ مَبْنِيٌّ لِلصَّلَاةِ، فَالْمُجْتَمِعُونَ فِيهِ مُجْتَمِعُونَ لِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ مُؤَدُّونَ لِشِعَارِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيرَ لِلْأَبْوَابِ يُخْرِجُهَا عَنْ الِاجْتِمَاعِ، فَإِنْ لَمْ تَتَنَافَذْ أَبْوَابُهَا إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ التَّنَافُذُ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَا يُعَدُّ الْجَامِعُ بِهَا مَسْجِدًا وَاحِدًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فَيَضُرُّ الشُّبَّاكُ، فَلَوْ وَقَفَ مِنْ وَرَائِهِ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ ضَرَّ وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ الْحِصْنِيُّ: وَهُوَ سَهْلٌ، وَالْمَنْقُولُ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَضُرُّ أَيْ أَخْذًا مِنْ شَرْطِهِ تَنَافُذُ أَبْنِيَةِ الْمَسْجِدِ، وَعُلْوُ الْمَسْجِدِ كَسُفْلِهِ: فَهُمَا مَسْجِدٌ وَاحِدٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَكَذَا رَحْبَتُهُ مَعَهُ وَهِيَ مَا كَانَ خَارِجَهُ مُحَجَّرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَمْ لَا. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ انْفَصَلَتْ فَكَمَسْجِدٍ آخَرَ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ يَكُونَانِ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا، وَالْأَشْبَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ غَيْرِهِ اهـ. وَمَعَ هَذَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْآتِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا فَيَضُرَّ أَوْ حَادِثًا فَلَا، وَسَيُبَيَّنُ عَنْ قُرْبٍ، وَتَوَقَّفَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْرِ أُوقِفَتْ مَسْجِدًا أَمْ لَا هَلْ تَكُونُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لَهَا حُكْمَ مَتْبُوعِهَا، أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَقْفِ، وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَخَرَجَ بِالرَّحْبَةِ الْحَرِيمُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ وَطَرْحِ الْقِمَامَاتِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَلْزَمُ الْوَاقِفَ تَمْيِيزُ الرَّحْبَةِ مِنْ الْحَرِيمِ لِتُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي يَنْفُذُ أَبْوَابُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَاخْتَلَفَتْ الْأَبْنِيَةُ وَانْفَرَدَ كُلُّ مَسْجِدٍ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ. نَعَمْ إنْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ قَدِيمٌ بِأَنْ حُفِرَ قَبْلَ حُدُوثِهَا فَلَا تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ، بَلْ تَكُونُ كَمَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. أَمَّا النَّهْرُ الطَّارِئُ الَّذِي حُفِرَ بَعْدَ حُدُوثِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا كَمَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَكَالنَّهْرِ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِيهِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ (وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (بِفَضَاءٍ) أَيْ مَكَان وَاسِعٍ كَصَحْرَاءَ (شُرِطَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، هُوَ شِبْرَانِ لِقُرْبِ ذَلِكَ وَبُعْدِ مَا وَرَاءَهُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 تَقْرِيبًا، وَقِيلَ ِتَحْديدًا. فَإِنْ تَلَاحَقَ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ وَالْوَقْفُ وَالْمُبَعَّضُ وَلَا يَضُرُّ الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ، وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ كَانَا فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ،   [مغني المحتاج] الْعَادَةِ (تَقْرِيبًا) لِعَدَمِ وُرُودِ ضَابِطٍ مِنْ الشَّارِعِ (وَقِيلَ تَحْدِيدًا) وَنُسِبَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ غَلَطٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَضُرُّ زِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ وَهُمْ يَعُدُّونَهُمَا فِي ذَلِكَ مُجْتَمِعِينَ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، إذْ سِهَامُ الْعَرَبِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَعَلَى الثَّانِي يَضُرُّ أَيُّ زِيَادَةٍ كَانَتْ. (فَإِنْ تَلَاحَقَ) أَيْ وَقَفَ (شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ) خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ (اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ) الْمَذْكُورَةُ (بَيْنَ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ) مِنْ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الصَّفَّيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَإِمَامِ الْأَخِيرِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ الْأَشْخَاصُ أَوْ الصُّفُوفُ وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْأَخِيرِ فَرَاسِخَ لَا يَضُرُّ (وَسَوَاءٌ) فِيمَا ذَكَرَ (الْفَضَاءُ الْمَمْلُوكُ وَالْوُقُوفُ وَالْمُبَعَّضُ) أَيْ الَّذِي بَعْضُهُ مِلْكٌ وَبَعْضُهُ وَقْفٌ وَالْمَوَاتُ الْخَالِصُ وَالْمُبَعَّضُ أَيْ الَّذِي بَعْضُهُ مَوَاتٌ وَبَعْضُهُ مِلْكٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَكِنْ نَسِيَهُ الْمُصَنِّفُ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ سِتُّ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٌ فِي الْخَالِصِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مُشْتَرَكًا مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَحُوطِ وَالْمُسَقَّفِ وَغَيْرِهِ (وَلَا يَضُرُّ) بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الصَّفَّيْنِ (الشَّارِعُ الْمَطْرُوقُ وَالنَّهْرُ الْمُحْوِجُ إلَى سِبَاحَةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ الْعَوْمُ (عَلَى الصَّحِيحِ) فِيهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ حَائِلًا فِي الْعُرْفِ، كَمَا لَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، وَالثَّانِي: يَضُرُّ ذَلِكَ. أَمَّا الشَّارِعُ فَقَدْ تَكْثُرُ فِيهِ الزَّحْمَةُ فَيَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَحْوَالِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا النَّهْرُ فَقِيَاسًا عَلَى حَيْلُولَةِ الْجِدَارِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِمَنْعِ الْعُسْرِ وَالْحَيْلُولَةِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ جَزْمًا الشَّارِعُ غَيْرُ الْمَطْرُوقِ وَالنَّهْرُ الَّذِي يُمْكِنُ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ سِبَاحَةٍ بِالْوُثُوبِ فَوْقَهُ أَوْ الْمَشْيِ فِيهِ أَوْ عَلَى جِسْرٍ مَمْدُودٍ عَلَى حَافَّتَيْهِ. (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي بِنَاءَيْنِ كَصَحْنٍ وَصُفَّةٍ أَوْ بَيْتٍ) مِنْ مَكَان وَاحِدٍ كَالْمَدْرَسَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَكَانَيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ لَكِنْ مَعَ مُرَاعَاةِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ مِنْ مُحَاذَاةِ الْأَسْفَلِ لِلْأَعْلَى بِجُزْءٍ مِنْهُمَا (فَطَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا) لِبِنَاءِ الْإِمَامِ (وَجَبَ اتِّصَالُ صَفٍّ مِنْ أَحَدِ الْبِنَاءَيْنِ بِالْآخَرِ) كَأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ بِطَرَفِ الصُّفَّةِ وَآخَرُ بِالصَّحْنِ مُتَّصِلًا بِهِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَبْنِيَةِ يُوجِبُ الِافْتِرَاقَ فَاشْتُرِطَ الِاتِّصَالُ لِيَحْصُلَ الرَّبْطُ بِالِاجْتِمَاعِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِبِنَاءِ الْمَأْمُومِ مَوْقِفُهُ: أَيْ مَوْقِفُ الْمَأْمُومِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ، وَفُهِمَ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وَلَا تَضُرُّ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الْقُدْوَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ كَالْفَضَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ أَوْ حَالَ بَابٌ نَافِذٌ. فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ فَوَجْهَانِ أَوْ جِدَارٌ بَطَلَتْ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ قُلْت الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اتِّصَالُ صَفٍّ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي الْبِنَاءَيْنِ وَكَانَ أَحَدُ شِقَّيْهِ فِي بِنَاءِ الْإِمَامِ وَالشِّقُّ الْآخَرُ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي حُصُولِ الِاتِّصَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِصَفٍّ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ اتِّصَالَ الْمَنَاكِبِ بَيْنَ بِنَاءِ الْمَأْمُومِ وَبِنَاءِ الْإِمَامِ فَقَطْ، فَأَمَّا مَنْ عَلَى يَمِينِ هَذَا فِي بِنَائِهِ وَعَلَى يَسَارِ الْآخَرِ فِي بِنَائِهِ فَكَالْفَضَاءِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّصَالُ الْوَاقِفِينَ بِمَنْ حَصَلَ بِهِ اتِّصَالُ الصَّفِّ فِي الْبِنَاءِ (وَلَا تَضُرُّ) فِي الِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ (فُرْجَةٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا كَغُرْفَةٍ (لَا تَسَعُ وَاقِفًا) أَوْ تَسَعُ وَاقِفًا لَكِنْ تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا كَعَتَبَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ صَفًّا وَاحِدًا، وَالثَّانِي: يَضُرُّ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ وَسِعَتْ وَاقِفًا فَأَكْثَرَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا ضَرَّ (وَإِنْ كَانَ) بِنَاءُ الْمَأْمُومِ (خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ) مِنْ وَجْهَيْنِ:. أَحَدُهُمَا: مَنْعُ الْقُدْوَةِ لِانْتِفَاءِ الرَّبْطِ بِمَا تَقَدَّمَ (صِحَّةُ الْقُدْوَةِ) لِلْحَاجَةِ (بِشَرْطِ) الِاتِّصَالِ الْمُمْكِنِ بَيْنَ أَهْلِ الصُّفُوفِ، وَهُوَ (أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ) أَوْ الشَّخْصَيْنِ الْوَاقِفَيْنِ بِطَرَفِ الْبِنَاءَيْنِ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ) تَقْرِيبًا؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْمِقْدَارِ يَحْصُلُ الِاتِّصَالُ الْعُرْفِيُّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَوْ الشَّخْصَيْنِ لِإِمْكَانِ السُّجُودِ (. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْقُرْبُ) بِأَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا سَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمَأْمُومِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا أَمْ خَلْفَ بِنَاءِ الْإِمَامِ لِلْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (كَالْفَضَاءِ) هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ) يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ (أَوْ حَالَ) مَا فِيهِ (بَابٌ نَافِذٌ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقِفَ بِحِذَائِهِ صَفٌّ أَوْ رَجُلٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: حَالَ بَابٌ نَافِذٌ مُعْتَرِضٌ فَإِنَّ النَّافِذَ لَيْسَ بِحَائِلٍ، وَصَوَابُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ حَائِلٌ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ نَافِذٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا قَدَّرْته تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُحَرَّرُ كَانَ أَوْلَى. (فَإِنْ حَالَ مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَا الرُّؤْيَةَ) كَالشُّبَّاكِ أَوْ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ لَا الْمُرُورَ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ (فَوَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ أَخْذًا مِنْ تَصْحِيحِهِ الْآتِي فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمَوَاتِ. فَائِدَةٌ: لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ ذِكْرُ خِلَافٍ بِلَا تَرْجِيحٍ سِوَى هَذَا، وَقَوْلُهُ فِي النَّفَقَاتِ: وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِيهِ إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ كَالْأَقْوَالِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ هَلْ يُقْرَعُ أَمْ يُوقَفُ أَمْ يُقْسَمُ؟ أَقْوَالٌ بِلَا تَرْجِيحٍ فِيهَا (أَوْ) حَالَ (جِدَارٌ) أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ (بَطَلَتْ) أَيْ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ (بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَيْنِ) لِأَنَّ الْجِدَارَ مُعَدٌّ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْأَمَاكِنِ (قُلْت: الطَّرِيقُ الثَّانِي أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ مُعْظَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ. وَلَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ أَوْ عَكْسُهُ شُرِطَ مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ بَعْضَ بَدَنِهِ.   [مغني المحتاج] الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْأَوْلَى طَرِيقُ الْمَرَاوِزَةِ. (وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ بِنَاءِ الْإِمَامِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ أَوْ الثَّانِي بِلَا شَرْطٍ (صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ) أَوْ بِجَنْبِهِ (وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ بَيْنَهُ) أَيْ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ بِجَنْبِهِ (وَبَيْنَ الْإِمَامِ) وَيَصِيرُ مَنْ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ لِمَنْ خَلْفَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ كَالْإِمَامِ لَهُ فَلَا يُحْرِمُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَلَا يَرْكَعُ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْإِمَامِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ حَصَلَ بِهِ الِاتِّصَالُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ الرَّابِطَةِ بَيْنَهُمَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ مَنْ حَصَلَ بِهِ الِاتِّصَالُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا جَازَ لِلْغَيْرِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ الِانْعِقَادِ لَا لِلدَّوَامِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّوَامِ أَقْوَى، وَفِيهَا وَلَوْ رَدَّ الرِّيحُ الْبَابَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَتْحُهُ حَالًا فَتَحَهُ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ وَإِلَّا فَارَقَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ كَمَا لَوْ أَحْدَثَ إمَامُهُ، فَلَوْ تَابَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ: وَلَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ اهـ. فَلَعَلَّ الْإِفْتَاءَ تَعَدَّدَ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ كَنَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُشْكِلٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ صُورَتَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ هُوَ وَحْدَهُ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ بَعْدَ رَدِّ الْبَابِ وَبِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ لِعَدَمِ إحْكَامِهِ فَتْحَهُ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَائِلَ أَشَدُّ مِنْ الْبُعْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ يَضُرُّ بِخِلَافِ الْبُعْدِ. (وَ) عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى (لَوْ وَقَفَ فِي عُلْوٍ) فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ كَصُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَسَطَ دَارٍ مَثَلًا (وَإِمَامُهُ فِي سُفْلٍ) كَصَحْنِ تِلْكَ الدَّارِ (أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ الْوُقُوفِ - أَيْ وُقُوفًا عَكْسَ الْوُقُوفِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِالْعَكْسِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْضَحَ (شُرِطَ) مَعَ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ اتِّصَالِ صَفٍّ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (مُحَاذَاةُ بَعْضِ بَدَنِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ (بَعْضَ بَدَنِهِ) أَيْ الْإِمَامِ بِأَنْ يُحَاذِيَ رَأْسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى مَعَ اعْتِدَالِ قَامَةِ الْأَسْفَلِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا لَكِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَدِلًا لَحَصَلَتْ الْمُحَاذَاةُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَكَذَا لَوْ كَانَ قَاعِدًا وَلَوْ قَامَ لَحَاذَى كَفَى. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعُلْوِ الْبِنَاءُ وَنَحْوُهُ. أَمَّا الْجَبَلُ الَّذِي يُمْكِنُ صُعُودُهُ فَدَاخِلٌ فِي الْفَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ فِيهَا عَالٍ وَمُسْتَوٍ، فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ، فَالصَّلَاةُ عَلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَهُ نَصٌّ آخَرُ فِيهِ بِالْمَنْعِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ حَالَتْ أَبْنِيَةٌ هُنَاكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُحَاذَاةِ يَأْتِي عَلَى الطَّرِيقَيْنِ مَعًا فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ مَجْزُومًا بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ ذِكْرِ الطَّرِيقَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنَّمَا هُوَ يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ اشْتِرَاطِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 وَلَوْ وَقَفَ فِي مَوَاتٍ وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ، وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ أَوْ بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ، وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ وَعَكْسُهُ   [مغني المحتاج] الِاتِّصَالِ فِي الْبِنَاءِ كَمَا قَدَّرْته. أَمَّا مَنْ لَا يَشْتَرِطُهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا، وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْمَسَافَةُ مِنْ رَأْسِ السَّافِلِ إلَى قَدَمِ الْعَالِي، فَلَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لَاسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا الْإِيهَامِ، ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى لَيْسَ كَافِيًا وَحْدَهُ بَلْ يُضَمُّ إلَى مَا تَقَدَّمَ كَمَا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي الصَّحْنِ فَلَا بُدَّ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وُقُوفِ رَجُلٍ عَلَى طَرَفِ الصُّفَّةِ وَوُقُوفِ آخَرَ فِي الصَّحْنِ مُتَّصِلًا بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مَا إذَا كَانَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ كَانَا فِي سَفِينَتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَكَاقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي الْفَضَاءِ، فَيَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ تُشَدَّ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا مُسَقَّفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَكَاقْتِدَاءِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فِي بَيْتَيْنِ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَعَدَمِ الْحَائِلِ وُجُودُ الْوَاقِفِ بِالْمَنْفَذِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ كَالدَّارِ الَّتِي فِيهَا بُيُوتٌ وَالسُّرَادِقَاتِ بِالصَّحْرَاءِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا يُدَارُ حَوْلَ الْخِيَامِ كَسَفِينَةٍ مَكْشُوفَةٍ وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ. (وَلَوْ وَقَفَ) الْمَأْمُومُ (فِي) نَحْوِ (مَوَاتٍ) كَشَارِعٍ (وَإِمَامُهُ فِي مَسْجِدٍ) مُتَّصِلٍ بِنَحْوِ الْمَوَاتِ (فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (فَالشَّرْطُ التَّقَارُبُ) وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ عَلَى مَا مَرَّ (مُعْتَبَرًا مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ كُلَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ (وَقِيلَ مِنْ آخِرِ صَفٍّ) فِيهِ لِأَنَّهُ الْمَتْبُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَخْرُجْ الصُّفُوفُ عَنْ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْهُ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ صَفٍّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ قَطْعًا، فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ خَارِجَهُ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ مِنْ طَرَفِهِ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: " فَإِنْ لَمْ يَحُلْ شَيْءٌ " مُتَعَقَّبٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ بَابٌ وَلَمْ يَقِفْ بِحِذَائِهِ أَحَدٌ لَمْ تَصِحَّ الْقُدْوَةُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ، وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ فِي بِنَاءٍ صَحَّ اقْتِدَاءُ مَنْ خَلْفَهُ (وَإِنْ حَالَ جِدَارٌ) لَا بَابَ فِيهِ (أَوْ) فِيهِ (بَابٌ مُغْلَقٌ مُنِعَ) الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ (وَكَذَا الْبَابُ الْمَرْدُودُ وَالشُّبَّاكُ) يَمْنَعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْحَائِلِ مِنْ وَجْهٍ، إذْ الْبَابُ الْمَرْدُودُ مَانِعٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، وَالشُّبَّاكُ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ، وَالثَّانِي لَا يَمْنَعُ لِحُصُولِ الِاتِّصَالِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الِاسْتِطْرَاقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشَاهَدَةُ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَعَمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا وَقْتَ الْإِحْرَامِ فَانْغَلَقَ بِهِ وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمُحَاذَاةِ، بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ لِلْحَائِلِ كَمَا سَبَقَ (قُلْت: يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَنْ إمَامِهِ وَعَكْسُهُ) أَمَّا الثَّانِي فَلِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 إلَّا لِحَاجَةٍ فَيُسْتَحَبُّ، وَلَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ، وَلَا يَبْتَدِئُ نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِ أَتَمَّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقِيَاسًا عَلَى الثَّانِي، هَذَا إذَا أَمْكَنَ وُقُوفُهُمَا عَلَى مُسْتَوٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا فِي مَسْجِدٍ أَوْ لَا (إلَّا لِحَاجَةٍ) تَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ كَتَعْلِيمِ الْإِمَامِ الْمَأْمُومِينَ صِفَةَ الصَّلَاةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَكَتَبْلِيغِ الْمَأْمُومِ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ (فَيُسْتَحَبُّ) ارْتِفَاعُهُمَا لِذَلِكَ (وَلَا يَقُومُ) نَدْبًا غَيْرُ الْمُقِيمِ مِنْ مُرِيدِي الصَّلَاةِ قَائِمًا (حَتَّى يَفْرَغَ الْمُؤَذِّنُ) أَوْ غَيْرُهُ (مِنْ الْإِقَامَةِ) وَلَوْ كَانَ شَيْخًا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرَغْ مِنْهُمَا لَمْ يَحْضُرْ وَقْتُ الدُّخُولِ، وَهُوَ قَبْلَ التَّمَامِ مَشْغُولٌ بِالْإِجَابَةِ. أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ فَيَقْعُدُ أَوْ يَضْطَجِعُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ التَّوَجُّهُ لِيَشْمَلَ الْمُصَلِّيَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] [الْبَقَرَةَ] . تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الدَّاخِلَ وَالْمُؤَذِّنَ فِي الْإِقَامَةِ يَجْلِسُ لِيَقُومَ إلَيْهَا، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافُهُ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الْمُؤَذِّنِ وَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْإِقَامَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَلِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته، إذْ قَدْ يُقِيمُ غَيْرُ الْمُؤَذِّنِ لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. أَمَّا الْمُقِيمُ فَيُقِيمُ قَائِمًا إذَا كَانَ قَادِرًا فَإِنَّ الْقِيَامَ مِنْ سُنَنِهَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا يَبْتَدِئُ) مُرِيدُ فِعْلِ الْفَرِيضَةِ الْمُقَامِ لَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرَةِ نَدْبًا (نَفْلًا بَعْدَ شُرُوعِهِ) أَيْ الْمُقِيمِ (فِيهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» (1) ، وَفِي مَعْنَى الشُّرُوعِ قُرْبُ إقَامَتِهَا (فَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ النَّفْلِ (أَتَمَّهُ) نَدْبًا (إنْ لَمْ يَخْشَ) أَيْ يَخَفْ بِإِتْمَامِهِ (فَوْتَ الْجَمَاعَةِ) بِسَلَامِ الْإِمَامِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] [مُحَمَّدٌ] فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَطَعَ النَّافِلَةَ لَهَا نَدْبًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا. نَعَمْ إنْ عَلِمَ إدْرَاكَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِتَلَاحُقِ النَّاسِ، فَالْمُتَّجَهُ إتْمَامُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْجِنْسِ لَا الْمَعْهُودَةِ، وَهِيَ الَّتِي أُقِيمَتْ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ. تَتِمَّةٌ: لَوْ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ وَالْمُنْفَرِدُ يُصَلِّي حَاضِرَةً صُبْحًا أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً وَقَدْ قَامَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إلَى ثَالِثَةٍ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَدَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ فِيهِمَا إلَى ثَالِثَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ قَلْبُهَا نَفْلًا وَيَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَةِ. نَعَمْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ أَتَمَّ الرَّكْعَتَيْنِ اُسْتُحِبَّ لَهُ قَطْعُ صَلَاتِهِ وَاسْتِئْنَافُهَا جَمَاعَةً ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا تَحَقَّقَ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا حَرُمَ السَّلَامُ مِنْهُمَا. أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي فَائِتَةٍ فَلَا يَقْلِبُهَا نَفْلًا لِيُصَلِّيَهَا جَمَاعَةً فِي حَاضِرَةٍ أَوْ فَائِتَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي تِلْكَ الْفَائِتَةِ بِعَيْنِهَا وَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ فَوْرِيًّا جَازَ لَهُ قَطْعُهَا مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ مَعَ التَّكْبِيرِ الِاقْتِدَاءَ أَوْ الْجَمَاعَةَ. وَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ. فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتَابَعَهُ فِي الْأَفْعَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] الزَّرْكَشِيُّ، وَيَجِبُ قَلْبُ الْفَائِتَةِ نَفْلًا إنْ خُشِيَ فَوْتُ الْحَاضِرَةِ. [فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ] وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (فَصْلٌ) شَرْطُ الْقُدْوَةِ: أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهَا فِي الِابْتِدَاءِ (أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ مَعَ التَّكْبِيرِ) لِلْإِحْرَامِ (الِاقْتِدَاءَ) أَوْ الِائْتِمَامَ (أَوْ الْجَمَاعَةَ) بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ إمَّا مَأْمُومًا أَوْ مُؤْتَمًّا بِهِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ عَمَلٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى نِيَّةٍ إذْ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا نَوَى، وَلَا يَكْفِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إطْلَاقُ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَى الْإِمَامِ، وَاعْتُبِرَ اقْتِرَانُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ صَلَاتِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ مَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي. فَإِنْ قِيلَ: الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ مُشْكِلٌ إذْ لَيْسَ فِيهَا رَبْطُ فِعْلِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ لِلِاقْتِدَاءِ وَلِلْإِمَامَةِ فَإِنْ أَضَافَ الْجَمَاعَةَ إلَى مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلِّيَّةِ. (وَالْجُمُعَةُ كَغَيْرِهَا) فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ (عَلَى الصَّحِيحِ) فَيُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلتَّكْبِيرِ لِتَعَلُّقِ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا لِاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا جَمَاعَةً، فَكَانَ التَّصْرِيحُ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ مُغْنِيًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ. (فَلَوْ تَرَكَ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتَابَعَهُ فِي) جِنْسِ (الْأَفْعَالِ) أَوْ تَابَعَهُ وَهُوَ شَاكٌّ فِي النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرْت، فَإِنْ رَكَعَ مَعَهُ أَوْ سَجَدَ مَثَلًا بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ عُرْفًا (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) حَتَّى لَوْ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقِفَ سَلَامَهُ عَلَى سَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ رَابِطٍ بَيْنَهُمَا، وَالثَّانِي: يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمُتَابَعَةِ هُنَا أَنْ يَأْتِيَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْفِعْلِ لَا لِأَجْلِهِ وَإِنْ تَقَدَّمَهُ انْتِظَارٌ كَثِيرٌ لَهُ. قَالَ الشَّارِحُ: فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى: أَيْ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: تَابَعَهُ مَا لَوْ وَقَعَتْ الْمُتَابَعَةُ اتِّفَاقًا، وَبِقَوْلِنَا بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ عُرْفًا مَا لَوْ كَانَ الِانْتِظَارُ يَسِيرًا عُرْفًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى مُتَابَعَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ مُغْتَفَرٌ لِقِلَّتِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ شَكُّهُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي الِانْعِقَادِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَيُسْتَثْنَى مِمَّا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ مُتَابَعَةٍ، مَا لَوْ عَرَضَ فِي الْجُمُعَةِ فَيُبْطِلُهَا إذَا طَالَ زَمَنُهُ لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمَاعَةِ فِيهَا شَرْطٌ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلٍ بَدَلَ الْأَفْعَالِ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ وَمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ تَبَعًا لِشَيْخِنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّكَّ فِيهَا كَالشَّكِّ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فَإِنْ عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ فَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ لَمْ يَضُرَّ. وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي، وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ وَبِالْعُكُوسِ،   [مغني المحتاج] أَصْلِ النِّيَّةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ الطَّوِيلِ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ وَبِالْيَسِيرِ مَعَ الْمُتَابَعَةِ. (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الْمَأْمُومِ (تَعْيِينُ الْإِمَامِ) فِي النِّيَّةِ بِاسْمِهِ كَزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو، بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ أَوْ الْحَاضِرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجَمَاعَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِالتَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يُعَيِّنَهُ فِي نِيَّتِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَيَّنَهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَ (فَإِنْ عَيَّنَهُ) وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ (وَأَخْطَأَ) كَأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا أَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ فَبَانَ مَأْمُومًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ لِرَبْطِهِ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ كَمَنْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ نَوَى الْعِتْقَ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَأَخْطَأَ فِيهِمَا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بُطْلَانُهَا بِمُجَرَّدِ الِاقْتِدَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ لَا إمَامَ لَهُ ثُمَّ إنْ تَابَعَهُ الْمُتَابَعَةَ الْمُبْطِلَةَ بَطَلَتْ مَرْدُودٌ؛ بِأَنَّ فَسَادَ النِّيَّةِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مَأْمُومٌ وَبِأَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِيهَا إذَا عَيَّنَهُ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ عَلَّقَ الْقُدْوَةَ بِشَخْصِهِ سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِمَنْ فِي الْمِحْرَابِ أَمْ بِزَيْدٍ هَذَا أَمْ بِهَذَا الْحَاضِرِ أَمْ بِهَذَا أَمْ بِالْحَاضِرِ، وَظَنَّهُ زَيْدًا فَبَانَ عَمْرًا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّخْصِ لِعَدَمِ تَأَتِّيهِ فِيهِ، بَلْ فِي الظَّنِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْقُدْوَةَ بِالْحَاضِرِ مَثَلًا وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِشَخْصِهِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ صِفَةٌ لِزَيْدٍ الَّذِي ظَنَّهُ وَأَخْطَأَ فِيهِ، وَالْخَطَأُ فِي الْمَوْصُوفِ يَسْتَلْزِمُ الْخَطَأَ فِي الصِّفَةِ فَبَانَ أَنَّهُ اقْتَدَى بِغَيْرِ الْحَاضِرِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِمَامِ) فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ (نِيَّةُ الْإِمَامَةِ) لِاسْتِقْلَالِهِ (بَلْ تُسْتَحَبُّ) لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ إذْ لَيْسَ لِلْمَرْءِ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا مَا نَوَى وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ لَهَا مَعَ تَحَرُّمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إمَامًا وِفَاقًا لِلْجُوَيْنِيِّ وَخِلَافًا لِلْعِمْرَانِيِّ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ، وَإِذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ حَازَ الْفَضِيلَةَ مِنْ حِينِ النِّيَّةِ وَلَا تَنْعَطِفُ نِيَّتُهُ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي النَّفْلِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهَا تَنْعَطِفُ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النَّهَارَ لَا يَتَبَعَّضُ صَوْمًا وَغَيْرَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ جَمَاعَةً وَغَيْرَهَا. أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِيهَا فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَمْ زَائِدًا عَلَيْهِمْ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَنَوَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ مَا ذُكِرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُعَادَةَ كَالْجُمُعَةِ إذْ لَا تَصِحُّ فُرَادَى فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فِيهَا. (فَإِنْ أَخْطَأَ) الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا (فِي تَعْيِينِ تَابِعِهِ) الَّذِي نَوَى الْإِمَامَةَ بِهِ (لَمْ يَضُرَّ) لِأَنَّ غَلَطَهُ فِي النِّيَّةِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهَا. أَمَّا إذَا نَوَى ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا فَيَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ كَمَا مَرَّ. (وَتَصِحُّ قُدْوَةُ الْمُؤَدِّي بِالْقَاضِي وَالْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِالْعَصْرِ وَبِالْعُكُوسِ) أَيْ الْقَاضِي بِالْمُؤَدِّي وَالْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ وَفِي الْعَصْرِ بِالظُّهْرِ إذْ لَا يَتَغَيَّرُ نَظْمُ الصَّلَاةِ بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وَكَذَا الظُّهْرُ بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ. وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ وَالْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الْمَغْرِبِ، وَلَهُ فِرَاقُهُ إذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا. وَيَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا قَامَ لِلثَّالِثَةِ فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. قُلْت: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] عَلَى اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ، وَمَعَ صِحَّةِ ذَلِكَ يُسَنُّ تَرْكُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ. أَمَّا فِيهَا فَيُسَنُّ كَفِعْلِ مُعَاذٍ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ بِالْجَوَازِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالصِّحَّةِ لِاسْتِلْزَامِهِ لَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَكَذَا الظُّهْرُ) وَنَحْوُهُ كَالْعَصْرِ (بِالصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ، وَهُوَ) أَيْ الْمُقْتَدِي حِينَئِذٍ (كَالْمَسْبُوقِ) يُتِمُّ صَلَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامٍ. (وَلَا تَضُرُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ) فِي الصُّبْحِ (وَالْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الْمَغْرِبِ) كَالْمَسْبُوقِ (وَلَهُ فِرَاقُهُ) أَيْ بِالنِّيَّةِ (إذَا اشْتَغَلَ بِهِمَا) بِالْقُنُوتِ وَالْجُلُوسِ مُرَاعَاةً لِنَظْمِ صَلَاتِهِ، وَالْمُتَابَعَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُفَارَقَتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الْقُنُوتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَشْرُوعًا لِلْمَأْمُومِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ بِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ لَهُ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ لَيْسَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيَنْتَظِرُهُ أَوْ يُفَارِقُهُ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ هُنَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُنَاكَ لَا يَرَاهُ الْمَأْمُومُ أَصْلًا. (وَيَجُوزُ الصُّبْحُ خَلْفَ الظُّهْرِ) وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ هِيَ أَقْصَرُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ (فِي الْأَظْهَرِ) وَقَطَعَ بِهِ كَعَكْسِهِ بِجَامِعِ الِاتِّفَاقِ فِي النَّظْمِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ فَرَاغِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ الْإِمَامُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ فَإِنْ سَبَقَهُ بِهَا انْتَفَى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ (فَإِذَا قَامَ) الْإِمَامُ (لِلثَّالِثَةِ فَإِنْ شَاءَ) الْمَأْمُومُ (فَارَقَهُ) بِالنِّيَّةِ (وَسَلَّمَ) لِانْقِضَاءِ صَلَاتِهِ (وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ) لِغَرَضِ أَدَاءِ السَّلَامِ مَعَ الْجَمَاعَةِ (قُلْت: انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا ذُكِرَ، هَذَا إذَا لَمْ يَخْشَ خُرُوجَ الْوَقْتِ قَبْلَ تَحَلُّلِ إمَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَنْتَظِرُهُ، وَمَحَلُّ الِانْتِظَارِ فِي الصُّبْحِ كَمَا صَوَّرَهُ فِي الْكِتَابِ. . أَمَّا لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ فَقَامَ إمَامُهُ إلَى الرَّابِعَةِ فَلَا يَنْتَظِرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ فَإِنَّهُ وَافَقَهُ فِيهِ ثُمَّ اسْتَدَامَ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ تَشَهُّدًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي أَحْدَثَ جُلُوسًا، وَالْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ مَا قُلْنَاهُ بِأَنْ يُقَالَ مُرَادُ الشَّيْخَيْنِ أَحْدَثَ تَشَهُّدًا مَعَ جُلُوسِهِ، وَمُرَادُ ابْنِ الْمُقْرِي أَحْدَثَ جُلُوسَ تَشَهُّدٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ فِي تِلْكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي. وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْعِشَاءِ خَلْفَ مَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ قَنَتَ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَقْنُتَ فَإِنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ جِنَازَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ كَمَا لَوْ اقْتَدَى فِي الظُّهْرِ بِالصُّبْحِ. فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا مُنْفَرِدًا، فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ ثَانِيًا فِي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ جَازَ كَمُنْفَرِدٍ اقْتَدَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِغَيْرِهِ. وَتَصِحُّ الصُّبْحُ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالِاسْتِسْقَاءَ وَعَكْسُهُ لِتَوَافُقِهِمَا فِي نَظْمِ أَفْعَالِهِمَا، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَافِقَهُ فِي التَّكْبِيرِ الزَّائِدِ إنْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ الْعِيدِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا فِي تَرْكِهِ إنْ عَكَسَ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهِ وَلَا تَضُرُّ مُوَافَقَتُهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا يَضُرُّ فِعْلُهَا وَإِنْ لَمْ تُنْدَبْ وَلَا تَرْكُهَا وَإِنْ نُدِبَتْ. (وَإِنْ) صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي غَيْرَهَا (وَأَمْكَنَهُ الْقُنُوتُ فِي الثَّانِيَةِ) بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يَسِيرًا (قَنَتَ) نَدْبًا تَحْصِيلًا لِسُنَّةٍ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ (تَرَكَهُ) خِلَافًا مِنْ التَّخَلُّفِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهُ عَنْهُ (وَلَهُ فِرَاقُهُ) بِالنِّيَّةِ (لِيَقْنُتَ) تَحْصِيلًا لِلسُّنَّةِ وَتَكُونُ مُفَارَقَتُهُ بِعُذْرٍ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَتَخَلَّفَ لِلْقُنُوتِ وَأَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى لَمْ يَضُرَّ، وَقِيلَ هُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ فَقَعَدَ هُوَ لِأَجْلِهِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّهُمَا هُنَا اشْتَرَكَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ الْمَأْمُومُ بِهِ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْفَرْقِ مَا لَوْ جَلَسَ الْإِمَامُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهِ؛ لِأَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ هُنَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِهَا. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ تَوَافُقُ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ (كَمَكْتُوبَةٍ وَكُسُوفٍ أَوْ) مَكْتُوبَةٍ، وَ (جِنَازَةٍ لَمْ تَصِحَّ) الْقُدْوَةُ فِيهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ بِاخْتِلَافِ فِعْلِهِمَا، وَالثَّانِي تَصِحُّ لِإِمْكَانِهَا فِي الْبَعْضِ، وَيُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ وَلَا يُتَابِعُهُ، فَفِي الْجِنَازَةِ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُفَارِقَهُ أَوْ يَنْتَظِرَ سَلَامَهُ، وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرِ، وَفِي الْكُسُوفِ يُتَابِعُهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ وَيُفَارِقُهُ، أَوْ يَنْتَظِرُهُ رَاكِعًا إلَى أَنْ يَرْكَعَ ثَانِيًا فَيَعْتَدِلَ وَيَسْجُدَ مَعَهُ، وَلَا يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، وَمَحَلُّ الْأَوَّلِ إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ. أَمَّا إذَا فَعَلْتَ رَكْعَتَيْنِ فَقَطْ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ثَانِي قِيَامِ ثَانِيَةِ الْكُسُوفِ. أَمَّا فِيهِ فَتَصِحُّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ بَعْدَهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا إشْكَالَ إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ. قَالَ: وَمَنْعُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يُصَلِّي جِنَازَةً أَوْ كُسُوفًا مُشْكِلٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فِي الْقِيَامِ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ، ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى الْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ، فَإِنْ فَارَقَهُ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ كَمَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ إذَا رَكَعَ بَلْ أَوْلَى، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُبْطِلَ ثَمَّ يَعْرِضُ بَعْدَ الِانْعِقَادِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ عِنْدَهُ وَهُوَ اخْتِلَافُ فِعْلِ الصَّلَاتَيْنِ الَّذِي تَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْمُتَابَعَةُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ فَرْضًا لَمْ يُتَابِعْهُ فِي تَرْكِهِ، لِأَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 فَصْلٌ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ عَنْ ابْتِدَائِهِ وَيَتَقَدَّمُ عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ. فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ   [مغني المحتاج] فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَإِلَّا فَفِعْلُهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، أَوْ تَرَكَ سُنَّةً أَتَى هُوَ بِهَا إنْ لَمْ يَفْحُشْ تَخَلُّفُهُ لَهَا كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقُنُوتٍ يُدْرِكُ مَعَهُ السَّجْدَةَ الْأُولَى كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ. أَمَّا إذَا فَحُشَ التَّخَلُّفُ لَهَا كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَلَا يَأْتِي بِهَا، لِخَبَرِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فَلَوْ اشْتَغَلَ بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعُدُولِهِ عَنْ فَرْضِ الْمُتَابَعَةِ إلَى سُنَّةٍ، وَيُخَالِفُ سُجُودَ السَّهْوِ وَالتَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. [فَصْلٌ فِي مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ] وَالشَّرْطُ السَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ الْمُتَابَعَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ. (فَصْلٌ) تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ: لَا فِي أَقْوَالِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي وَكَمَالُ الْمُتَابَعَةِ يَحْصُلُ (بِأَنْ يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ (عَنْ ابْتِدَائِهِ) أَيْ الْإِمَامِ: أَيْ ابْتِدَاءِ فِعْلِ الْإِمَامِ (وَيَتَقَدَّمُ) ابْتِدَاءُ فِعْلِ الْمَأْمُومِ (عَلَى فَرَاغِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْفِعْلِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» ، وَافْهَمْ تَحْرِيمَ التَّقَدُّمِ فِي الْأَفْعَالِ وَإِنْ لَمْ تُبْطِلْ كَأَنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْأَفْعَالِ عَنْ الْأَقْوَالِ كَالتَّشَهُّدِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَإِلَّا فِي السَّلَامِ فَيَبْطُلُ تَقَدُّمُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَاهَا، وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَمُتَابَعِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، خِلَافُ الْمَنْقُولِ. فَإِنْ قِيلَ: تَفْسِيرُهُ الْمُتَابَعَةُ بِمَا ذُكِرَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ بَعْدُ فَإِنْ قَارَنَهُ لَمْ يَضُرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ الْمُتَابَعَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، أَوْ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ: أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَابَعَةِ حُكْمُ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي كُلِّهَا وَاجِبَةٌ، وَالتَّقَدُّمُ بِجَمِيعِهَا مُبْطِلٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالْحُكْمُ ثَانِيًا بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِلْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْرَادُ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْكُلِّ غَيْرُ الْحُكْمِ عَلَى الْأَفْرَادِ، وَهَذَا كَقَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ السُّنَنِ الطَّهَارَةُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مَعَ أَنَّ الْأُولَى وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ بَعِيدٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ ذِكْرُ مَا ذَكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْمُتَابَعَةِ الْوَاجِبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا، تَجِبُ الصَّلَاةُ بِفِعْلِ كَذَا وَكَذَا فَيَذْكُرُ أَوَّلًا وُجُوبَهَا ثُمَّ يُفَسِّرُ كَمَالَهَا، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّبَعِيَّةِ بَدَلَ الْمُتَابَعَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ تَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ غَالِبًا. (فَإِنْ قَارَنَهُ) فِي فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ (لَمْ يَضُرَّ) أَيْ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ مُنْتَظِمَةٌ لَا مُخَالَفَةَ فِيهَا. نَعَمْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَمُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لِارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 إلَّا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ. وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ فَرَغَ مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا،   [مغني المحتاج] أَيْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَاعَةِ، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ حَيْثُ فَعَلَ مَكْرُوهًا مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْمُوَافَقَةِ وَالْمُتَابَعَةِ كَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ فَاتَهُ فَضْلُهَا إذْ الْمَكْرُوهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَمَاعَةٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ فَضْلِهَا انْتِفَاؤُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ حُصُولِ الْجَمَاعَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الثَّوَابِ فِيهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا إمَّا عَلَى الْعَيْنِ أَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِقِيَامِ الشِّعَارِ ظَاهِرًا، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِذَلِكَ الْمُقَارَنَةُ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ أَوْ يُكْتَفَى بِمُقَارَنَةِ الْبَعْضِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيُشْبِهُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي رُكْنٍ وَاحِدٍ لَا تُفَوِّتُ ذَلِكَ: أَيْ فَضِيلَةَ كُلِّ الصَّلَاةِ بَلْ مَا قَارَنَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ رُكْنًا أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَأَمَّا ثَوَابُ الصَّلَاةِ فَلَا يَفُوتُ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا صَلَّى بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ فَالْمَكْرُوهُ أَوْلَى. وَلَا يُقَالُ هَذَا لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ. لِأَنَّا نَقُولُ: وَهَذَا الْمَكْرُوهُ كَذَلِكَ إذْ لَوْ كَانَ لِذَاتِ الصَّلَاةِ لَمَنَعَ انْعِقَادَهَا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (إلَّا) فِي (تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) فَإِنَّهُ إنْ قَارَنَهُ فِيهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ عَنْ قُرْبٍ هَلْ قَارَنَهُ فِيهَا أَمْ لَا؟ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَوْ ظَنَّ التَّأَخُّرَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، هَذَا إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ مَعَ التَّكْبِيرِ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ مُصَلٍّ فَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَتِهِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ، وَفَارَقَ ذَلِكَ الْمُقَارَنَةَ فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ بِانْتِظَامِ الْقُدْوَةِ فِيهَا لِكَوْنِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْبُطْلَانُ بِمَا إذَا نَوَى الِائْتِمَامَ مَعَ التَّكْبِيرِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ اقْتَدَى فَإِنَّهُ تَصِحُّ قُدْوَتُهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ تَكْبِيرُهُ عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ اسْتِثْنَاءُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْأَفْعَالِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ رُكْنٌ قَوْلِيٌّ. نَعَمْ يَصِيرُ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَقَضِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُ شُرُوعِ الْمَأْمُومِ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُ جَمِيعِهَا عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُقَارَنَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْمُسَاوَقَةِ، لِأَنَّ الْمُسَاوَقَةَ فِي اللُّغَةِ مَجِيءُ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ لَا مَعًا. (وَإِنْ تَخَلَّفَ) الْمَأْمُومُ (بِرُكْنٍ) فِعْلِيٍّ عَامِدًا بِلَا عُذْرٍ (بِأَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْهُ وَهُوَ) أَيْ الْمَأْمُومُ (فِيمَا قَبْلَهُ) كَأَنْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ رَفْعَ الِاعْتِدَالِ وَالْمَأْمُومُ فِي قِيَامِ الْقِرَاءَةِ (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ تَخَلُّفٌ يَسِيرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ طَوِيلًا كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ أَمْ قَصِيرًا كَأَنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَهَوَى مِنْ الْجِلْسَةِ بَعْدَهَا لِلسُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. أَمَّا إذَا تَخَلَّفَ بِدُونِ رُكْنٍ كَأَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِ ثُمَّ لَحِقَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، أَوْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ لِعُذْرٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ قَطْعًا. (أَوْ) تَخَلَّفَ (بِرُكْنَيْنِ) فِعْلِيَّيْنِ (بِأَنْ فَرَغَ) الْإِمَامُ (مِنْهُمَا وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُمَا) كَأَنْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ هَوِيَّ السُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بَطَلَتْ: وَإِنْ كَانَ بِأَنْ أَسْرَعَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَقِيلَ يَتْبَعُهُ وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ، وَالصَّحِيحُ يُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ، وَهِيَ الطَّوِيلَةُ. فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ. فَقِيلَ يُفَارِقُهُ، وَالْأَصَحُّ يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ، بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُوَافِقِ. فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ تَرَكَ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ   [مغني المحتاج] قِيَامِ الْقِرَاءَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) كَأَنْ تَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ أَوْ لِتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِكَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ كَأَنْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الِاعْتِدَالِ أَمْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا كَالْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأَمَّا كَوْنُهُمَا قَصِيرَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ. (وَإِنْ كَانَ) عُذْرٌ (بِأَنْ أَسْرَعَ) الْإِمَامُ (قِرَاءَتَهُ) مَثَلًا أَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ لِعَجْزٍ لَا لِوَسْوَسَةٍ (وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ) وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا لَاعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ (فَقِيلَ يَتْبَعُهُ) لِتَعَذُّرِ الْمُوَافِقِ (وَتَسْقُطُ الْبَقِيَّةُ) لِلْعُذْرِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَخَلَّفَ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ (وَالصَّحِيحُ) لَا يَتْبَعُهُ بَلْ (يُتِمُّهَا) وُجُوبًا (وَيَسْعَى خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامَ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ (مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ) بَلْ بِثَلَاثَةٍ فَمَا دُونِهَا (مَقْصُودُهُ) فِي نَفْسِهَا (وَهِيَ الطَّوِيلَةُ) أَخْذًا مِنْ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ فَلَا يُعَدُّ مِنْهَا الْقَصِيرُ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُمَا قَصِيرَانِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ إنَّ الرُّكْنَ الْقَصِيرَ مَقْصُودٌ فَيَسْعَى خَلْفَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِأَنْ ابْتَدَأَ الرَّفْعَ اعْتِبَارًا بِبَقِيَّةِ الرَّكْعَةِ. (فَإِنْ سُبِقَ بِأَكْثَرَ) مِنْ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ لَمْ يَفْرَغْ مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَّا وَالْإِمَامُ قَائِمٌ عَنْ السُّجُودِ أَوْ جَالِسٌ لِلتَّشَهُّدِ (فَقِيلَ يُفَارِقُهُ) بِالنِّيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ (وَالْأَصَحُّ) لَا تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ بَلْ (يَتْبَعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) مَا فَاتَهُ كَالْمَسْبُوقِ لِمَا فِي مُرَاعَاةِ نَظْمِ صَلَاتِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ (وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ) الْمَأْمُومُ (الْفَاتِحَةَ لِشُغْلِهِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ) أَوْ التَّعَوُّذِ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ (فَمَعْذُورٌ) فِي التَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهَا كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرَاغِ مِنْ الرُّكْنِ الِانْتِقَالُ عَنْهُ لَا الْإِتْيَانُ بِالْوَجَبِ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ مُلَابَسَةُ الْإِمَامِ رُكْنًا آخَرَ (هَذَا كُلُّهُ فِي) الْمَأْمُومِ (الْمُوَافِقِ) وَهُوَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ الْمُعْتَدِلَةِ. . أَمَّا الْمَسْبُوقُ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فَهُوَ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فَأَمَّا مَسْبُوقٌ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي) أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ (فَاتِحَتِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ) أَوْ بِأَحَدِهِمَا (تَرَكَ قِرَاءَتَهُ) لِبَقِيَّةِ فَاتِحَتِهِ (وَرَكَعَ) مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ غَيْرَ مَا قَرَأَهُ (وَهُوَ) بِالرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ (مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 وَإِلَّا لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ. وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ بَلْ بِالْفَاتِحَةِ   [مغني المحتاج] فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّ الْفَاتِحَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَيَرْكَعُ مَعَهُ وَيُجْزِئُهُ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بَعْدَ قِرَاءَةِ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِإِتْمَامِهَا وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ وَأَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ رَكْعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي مُعْظَمِهَا وَكَانَ تَخَلُّفُهُ بِلَا عُذْرٍ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْمَسْبُوقِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ رَكَعَ فِيهَا. وَلَوْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا لَزِمَهُ قِرَاءَتُهَا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي (وَإِلَّا) بِأَنْ اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ (لَزِمَهُ قِرَاءَةٌ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ حُرُوفِهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِعُدُولِهِ عَنْ فَرْضٍ إلَى نَفْلٍ. وَالثَّانِي يُوَافِقُهُ مُطْلَقًا، وَيَسْقُطُ بَاقِيهَا لِحَدِيثِ «إذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِتَرْجِيحِ جَمَاعَةٍ. وَالثَّالِثُ: يُتِمُّ الْفَاتِحَةَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَدْرَكَ الْقِيَامَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا فَلَزِمَتْهُ إنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا، وَالشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ مُطْلَقًا، أَوْ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا: التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ فَهُوَ كَالتَّخَلُّفُ بِهَا. أَمَّا الْمُتَخَلِّفُ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ التَّفْصِيلِ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ لِيَقْرَأَ قَدْرَ مَا فَاتَهُ، فَقَالَ الشَّيْخَانِ: كَالْبَغَوِيِّ هُوَ مَعْذُورٌ لِإِلْزَامِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُتَوَلِّي كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِاشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ عَنْ الْفَرْضِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ، وَلَا يَرْكَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ بَلْ يُتَابِعُهُ فِي هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِعُذْرِهِ فِي التَّخَلُّفِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ وَلَا بُطْلَانَ لِتَخَلُّفِهِ قَطْعًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ لَمْ تَفُتْهُ الرَّكْعَةُ: اللَّهُمَّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَصُورَةُ التَّخَلُّفِ لِلْقِرَاءَةِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَلْيُتَابِعْهُ قَطْعًا وَلَا يَقْرَأْ وَذَكَرَ مِثْلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي إحْيَائِهِ، وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ فِي رُكُوعِهِ وَإِلَّا فَيُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ إلَّا عِنْدَ هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَخَلِّفًا بِرُكْنَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِتَقْصِيرِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ إدْرَاكَهُ فِي الرُّكُوعِ فَأَتَى بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَأَعْرَضَ عَنْ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَرْكَعُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ اهـ. وَهَذَا الْمُقْتَضَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْصِيرَهُ بِمَا ذُكِرَ مُنْتَفٍ فِي ذَلِكَ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ. (وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوقُ) نَدْبًا (بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ) كَدُعَاءِ افْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ (بَلْ) يَشْتَغِلُ (بِالْفَاتِحَةِ) فَقَطْ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 إلَّا أَنْ يَعْلَمَ إدْرَاكَهَا وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكٍّ لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. فَلَوْ عَلِمَ أَوْ شَكَّ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ، وَقِيلَ يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ.   [مغني المحتاج] الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِ الْفَرْضِ أَوْلَى وَيُخَفِّفُهَا حَذَرًا مِنْ فَوَاتِهَا (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) أَيْ يَظُنَّ (إدْرَاكَهَا) مَعَ اشْتِغَالِهِ بِالسُّنَّةِ كَعَادَةِ الْإِمَامِ فَيَأْتِي بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْفَاتِحَةِ حِيَازَةً لِفَضِيلَتِهِمَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ يَقْرَأُ سُورَةً قَصِيرَةً لَا يَتَمَكَّنُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ مَعَهُ قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَمَعْنَى عَلَيْهِ: أَيْ يُسَنُّ لَهُ. (وَلَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ فِي رُكُوعِهِ) مَعَ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ (أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) بِنِسْيَانٍ (أَوْ شَكٍّ) فِي فِعْلِهَا هَلْ قَرَأَهَا أَمْ لَا (لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا) أَيْ إلَى مَحَلِّ قِرَاءَتِهَا لِيَأْتِيَ بِهَا: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ (بَلْ يُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) تَدَارُكًا كَالْمَسْبُوقِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهِ وَلَمْ يَرْكَعْ الْإِمَامُ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِيَقْرَأَهَا، إذْ لَا مُتَابَعَةَ حِينَئِذٍ فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ فِي أَنَّهُ سَجَدَ مَعَهُ أَمْ لَا سَجَدَ ثُمَّ تَابَعَهُ، فَلَوْ قَامَ مَعَهُ ثُمَّ شَكَّ فِي ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ لِلسُّجُودِ كَمَا أَفْتَى بِهِمَا الْقَاضِي، وَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ إنَّهُ شَكَّ فِي أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ أَمْ لَا لَمْ يَعُدْ لِلرُّكُوعِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا عَلَى الثَّانِيَةِ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ فِي أَنَّهُ رَكَعَ مَعَهُ أَمْ لَا عَادَ لِلرُّكُوعِ تَخْرِيجًا عَلَى الْأُولَى. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ فَوْتَ مَحَلِّ الْمَتْرُوكِ لِتَلَبُّسِهِ مَعَ الْإِمَامِ بِرُكْنٍ لَمْ يَعُدْ لَهُ وَإِلَّا عَادَ. . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْأُولَى وَشَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَمْ لَا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَرَأَهَا حُسِبَتْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا فَشَكَّ فِي رُكُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ فَمَضَى ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ - أَيْ مَثَلًا أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَرَأَهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، إذْ لَا اعْتِدَادَ بِفِعْلِهِ مَعَ الشَّكِّ اهـ. وَلَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: قَالَ الْقَاضِي: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِقِرَاءَتِهَا إلَى أَنْ يَخَافَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ (فَلَوْ عَلِمَ) الْمَأْمُومُ تَرْكَهَا (أَوْ شَكَّ) فِيهِ (وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَرْكَعْ هُوَ قَرَأَهَا) وُجُوبًا لِبَقَاءِ مَحَلِّهَا (وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ (وَقِيلَ) لَا يَقْرَأُ بَلْ (يَرْكَعُ وَيَتَدَارَكُ) رَكْعَةً (بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ) لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، وَلَوْ انْتَظَرَ سَكْتَةَ إمَامِهِ لِيَقْرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ إمَامُهُ عَقِبَهَا فَكَالنَّاسِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ: بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ عَنْهُ. (وَلَوْ سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّحَرُّمِ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ رَبَطَ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَهَذِهِ فُهِمَتْ مِنْ مَنْعِ الْمُقَارَنَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُكَرَّرَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا أَوْ ظَانًّا أَنَّ إمَامَهُ أَحْرَمَ فَأَحْرَمَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَا بِهِ؛ فَقَالَا: وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 أَوْ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ لَمْ يَضُرَّهُ وَيُجْزِئُهُ، وَقِيلَ تَجِبُ إعَادَتُهُ. وَلَوْ تَقَدَّمَ بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إنْ كَانَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ. فَصْلٌ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ   [مغني المحتاج] فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّ صَلَاتَهُ انْعَقَدَتْ مُنْفَرِدًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِنْ خِلَافُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ مِمَّا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ. (أَوْ) سَبَقَهُ (بِالْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ) بِأَنْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِيهِ (لَمْ يَضُرَّهُ) ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِهِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ (وَيُجْزِئُهُ) ذَلِكَ: أَيْ يُحْسَبُ لَهُ مَا أَتَى بِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَقِيلَ) لَا يُجْزِئُهُ، وَ (تَجِبُ إعَادَتُهُ) إمَّا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ أَوْلَى إنْ تَمَكَّنَ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى فِعْلِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (وَلَوْ تَقَدَّمَ) الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ (بِفِعْلٍ كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إنْ كَانَ) ذَلِكَ (بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ إذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِفُحْشِ الْمُخَالَفَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا طَوِيلَيْنِ أَمْ طَوِيلًا وَقَصِيرًا كَمَا مَرَّ فِي التَّخَلُّفِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ، لَكِنْ لَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَلْ يَتَدَارَكُهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَا يَخْفَى بَيَانُ السَّبْقِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّخَلُّفِ، وَلَكِنْ مَثَّلَهُ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، فَلِمَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ، فَلِمَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا فِي الرُّكُوعِ وَلَا فِي الِاعْتِدَالِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي التَّخَلُّفِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَا بِأَنْ يُقَدَّرَ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا أَوْ بِالْعَكْسِ، وَأَنْ يَخْتَصَّ هَذَا بِالتَّقَدُّمِ لِفُحْشِهِ اهـ. وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي إنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّأَخُّرِ. وَقَالَ النَّشَائِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّسْوِيَةُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ بِرُكْنَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلِيٌّ، وَالْآخَرُ فِعْلِيٌّ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَثَّلَهُ فِي الْأَنْوَارِ بِالْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ التَّقَدُّمُ بِأَقَلَّ مِنْ رُكْنَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِرُكْنٍ أَمْ بِأَقَلَّ أَمْ بِأَكْثَرَ (فَلَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِقِلَّةِ الْمُخَالَفَةِ وَلَوْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ كَعَكْسِهِ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، وَالرُّجُوعُ إلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لِيَرْكَعَ مَعَهُ إنْ تَعَمَّدَ السَّبْقَ جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ، فَإِنْ سَهَا بِهِ تُخُيِّرَ بَيْنَ الِانْتِظَارِ وَالْعَوْدِ، وَالسَّبْقُ بِرُكْنٍ عَمْدًا - كَأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ - حَرَامٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُبَادِرُوا الْإِمَامَ: إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» (1) ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ رَأْسِ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» (2) . وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّبْقَ بِبَعْضِ الرُّكْنِ، كَأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَحِقَهُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ كَالسَّبْقِ بِرُكْنٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا (وَقِيلَ: تَبْطُلُ بِرُكْنٍ) تَامٍّ فِي الْعَمْدِ لِمُنَاقَضَتِهِ الِاقْتِدَاءَ، بِخِلَافِ التَّخَلُّفِ، إذْ لَا يَظْهَرُ فِيهِ فُحْشُ مُخَالَفَةٍ. . [فَصْلٌ فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا] (فَصْلٌ) فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا إذَا (خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ) بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِعُذْرٍ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ.   [مغني المحتاج] (انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ) بِهِ لِزَوَالِ الرَّابِطَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ وَيَقْتَدِي بِغَيْرِهِ وَغَيْرُهُ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) أَيْ الْإِمَامُ (وَقَطَعَهَا الْمَأْمُومُ) بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (جَازَ) مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمُفَارَقَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَطْلُوبَةِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا مُؤَكَّدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا فَارَقَهُ لِعُذْرٍ فَلَا كَرَاهَةَ لِعُذْرِهِ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهَا إمَّا سُنَّةٌ عَلَى قَوْلٍ، فَالسُّنَنُ لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، فَكَذَلِكَ إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ الْأُولَى فَارَقَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ فَانْصَرَفَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِالْقِصَّةِ فَغَضِبَ وَأَنْكَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى الرَّجُلِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى، بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْطَالِ لِعُذْرٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ سُفْيَانَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الشُّذُوذِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ إبْطَالِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ فَعَلَى إبْطَالِ صِفَتِهَا أَوْلَى. وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ الصَّلَاةِ كَانَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ، فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْعِشَاءِ، فَقَرَأَ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ تُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ، وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَهُ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ رِوَايَةِ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ قَرَأَ بِهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهَذِهِ فِي أُخْرَى (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ (لَا يَجُوزُ) أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقُدْوَةَ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ وَفِيهِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] [مُحَمَّدٌ] (إلَّا بِعُذْرٍ) فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْعُذْرَ بِمَا (يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ ابْتِدَاءً، وَقَالَ: إنَّهُ أَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ، وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ الْعُذْرِ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ) وَالْمَأْمُومُ لَا يَصْبِرُ عَلَى التَّطْوِيلِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ لِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ «أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَنَحْنُ أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا فَتَأَخَّرْت وَصَلَّيْت» (أَوْ تَرْكُهُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَتَشَهُّدٍ) أَوَّلٍ وَقُنُوتٍ فَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَأْتِيَ بِتِلْكَ السُّنَّةِ. . تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِيهَا شَرْطٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا، فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ فِيهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ، وَلَوْ تَعَطَّلَتْ الْجَمَاعَةُ بِخُرُوجِهِ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا انْحَصَرَ فِي شَخْصٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. وَلَوْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا، فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ أَوْ هُوَ، فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ. وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ   [مغني المحتاج] رَأَى الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِهِ كَأَنْ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَوْ رَأَى خُفَّهُ تَخَرَّقَ وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ. (وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الْقُدْوَةَ فِي خِلَالِ) أَيْ أَثْنَاءِ (صَلَاتِهِ) قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَشْهُورَةِ لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَاقْتَدَوْا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَقْتَدِيَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَيَصِيرُ إمَامًا، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا (وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى) أَيْ غَيْرِ رَكْعَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ، وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْلِبَ الْفَرِيضَةَ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إذَا وَسِعَ الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا هُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: مَحَلُّهُمَا إذَا اتَّفَقَا فِي الرَّكْعَةِ كَالْأُولَى أَوْ ثَانِيَةٍ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ فِي رَكْعَةٍ بَطَلَتْ قَطْعًا، وَقِيلَ: إنْ دَخَلَ قَبْلَ رُكُوعِهِ صَحَّتْ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ بَعْدَهُ وَقِيلَ: إنْ دَخَلَ بَعْدَ رُكُوعِهِ بَطَلَتْ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ فِيمَا قَبْلَهُ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ إذَا افْتَتَحَهَا فِي جَمَاعَةٍ فَيَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَثَّلَهُ بِمَا إذَا أَحْرَمَ خَلْفَ جُنُبٍ جَاهِلًا ثُمَّ نَقَلَهَا عِنْدَ التَّبَيُّنِ إلَيْهِ بِطُهْرِهِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَوْ أَحْدَثَ إمَامُهُ وَجَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فَاسْتَخْلَفَ، وَلَوْ قَامَ الْمَسْبُوقُونَ أَوْ الْمُقِيمُونَ خَلْفَ مُسَافِرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَدِيَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ دُونَهُمْ، وَكَذَا فِي غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ، فَإِذَا أَتَمُّوهَا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا، لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهَا هُنَا الْجَوَازُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ: اعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِتَصْحِيحِ الِانْتِصَارِ الْمَنْعَ، وَعَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا، وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ حَيْثُ الْفَضِيلَةُ، وَالثَّانِي: مِنْ حَيْثُ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذِكْرِهِ جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْمُنْفَرِدِ. قَالَ: وَاقْتِدَاءُ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ كَغَيْرِهِ اهـ. وَهُوَ جَمْعٌ مُتَعَيَّنٌ (ثُمَّ) بَعْدَ اقْتِدَائِهِ بِهِ (يَتْبَعُهُ) وُجُوبًا فِيمَا هُوَ فِيهِ (قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا) أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ نَظْمِ صَلَاتِهِ لَوْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ (فَإِنْ فَرَغَ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ) فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ (أَوْ) فَرَغَ (هُوَ) أَوَّلًا (فَإِنْ شَاءَ فَارَقَهُ) بِالنِّيَّةِ (وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ) فِي التَّشَهُّدِ إنْ كَانَ مَحَلَّ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ (لِيُسَلِّمَ مَعَهُ) وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي اقْتِدَاءِ الصُّبْحِ بِالظُّهْرِ. (وَمَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ) مَعَ الْإِمَامِ (فَأَوَّلُ صَلَاتِهِ) وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ آخِرَهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِتْمَامُ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَوَّلِهِ. فَإِنْ قِيلَ فِي رِوَايَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ. وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ. قُلْت: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] مُسْلِمٍ «صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ» . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] ، وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 103] ، إذْ الْجُمُعَةُ لَا تُقْضَى، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ خَارِجَ وَقْتِهَا (فَيُعِيدُ فِي الْبَاقِي الْقُنُوتَ) فِي مَحَلِّهِ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصُّبْحِ وَقَنَتَ الْإِمَامُ فِيهَا، وَفِعْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ مُسْتَحَبٌّ لِلْمُتَابَعَةِ. (وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ) مَعَ الْإِمَامِ وَأَرَادَ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ (تَشَهَّدَ فِي ثَانِيَتِهِ) نَدْبًا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ وَتَشَهُّدُهُ مَعَ الْإِمَامِ لِلْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مِنَّا وَمِنْ الْمُخَالِفِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى أَنَّ مَا يُدْرِكُهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَفَاتَتْهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِيهِمَا، فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا سُنَّ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهَا كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ. (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ (رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) ، لِخَبَرِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ، فَقَدْ أَدْرَكَهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى: كِتَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ سَوَاءٌ أَتَمَّ الْإِمَامُ الرَّكْعَةَ فَأَتَمَّهَا مَعَهُ أَمْ لَا كَأَنْ أَحْدَثَ فِي اعْتِدَالِهِ، وَسَوَاءٌ أَقَصَرَ الْمَأْمُومُ فِي تَحَرُّمِهِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ ثُمَّ أَحْرَمَ أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إذَا قَصَّرَ فِي التَّكْبِيرِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ (قُلْت: بِشَرْطِ أَنْ يَطْمَئِنَّ) يَقِينًا (قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ صَرَّحَ بِهِ وَأَنَّ كَلَامَ كَثِيرٍ مِنْ النَّقَلَةِ أَشْعَرَ بِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَكْثَرُونَ اهـ وَفِي الْكِفَايَةِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. اهـ. وَالْمُوَجَّهُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ بِدُونِ الطُّمَأْنِينَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَانْتِفَاؤُهَا كَانْتِفَائِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ إدْرَاكُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ كَاعْتِدَالٍ أَوْ فِيهِ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ أَوْ اطْمَأَنَّ وَالْإِمَامُ مُحْدِثٌ أَوْ فِي رَكْعَةٍ قَامَ إلَيْهَا سَهْوًا أَوْ فِي رُكُوعٍ زَائِدٍ كَأَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الْكُسُوفِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَلَوْ أَتَى الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُحْسَبْ رُكُوعُهُ بِالرَّكْعَةِ كَامِلَةً بِأَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ شَيْئًا. نَعَمْ إنْ عَلِمَ حَدَثَهُ أَوْ سَهْوَهُ وَنَسِيَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (وَلَوْ شَكَّ فِي إدْرَاكِ حَدِّ الْإِجْزَاءِ) الْمُعْتَبَرِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ (لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إدْرَاكِهِ، وَالثَّانِي: تُحْسَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 وَيُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ لِلرُّكُوعِ، فَإِنْ نَوَاهُمَا بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْبِيحَاتِ. وَأَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي سَجْدَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا   [مغني المحتاج] بَقَاءُ الْإِمَامِ فِيهِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِهِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَا جَزَمَ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ خَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَصَحَّحَ أَنَّهُ وَجْهَانِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ مَعَ تَصْحِيحِهِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ. (وَيُكَبِّرُ) الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الرُّكُوعِ (لِلْإِحْرَامِ) وُجُوبًا كَغَيْرِهِ قَائِمًا فَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا قَطْعًا وَلَا نَفْلًا عَلَى الْأَصَحِّ (ثُمَّ لِلرُّكُوعِ) نَدْبًا لِأَنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ فَنُدِبَ لَهُ التَّكْبِيرُ (فَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ (بِتَكْبِيرَةٍ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ لِلتَّشْرِيكِ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ، وَادَّعَى الْإِمَامُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ (وَقِيلَ تَنْعَقِدُ نَفْلًا) قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ: أَيْ فَتَقَعُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَدُفِعَ الْقِيَاسُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ جَامِعٌ مُعْتَبَرٌ. بَيَانُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي بِأَنَّ صَدَقَةَ الْفَرْضِ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ صَدَقَةِ النَّفْلِ فَإِذَا بَطَلَ الْفَرْضُ صَحَّ النَّفَلُ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَكْبِيرَةِ الِانْتِقَالِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهَا شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ فَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ قَرِينَةَ الِافْتِتَاحِ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ وَقَرِينَةُ الْهَوِيّ تَصْرِفُهَا إلَيْهِ فَإِذَا تَعَارَضَتْ الْقَرِينَتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ صَارِفٍ. فَإِنْ قِيلَ: تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مُقَارِنَةً لِلتَّكْبِيرِ لَمْ يَفُتْهُ إلَّا كَوْنُ التَّكْبِيرِ لِلتَّحَرُّمِ، وَقَصْدُ الْأَرْكَانِ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَارِفٌ وَلَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا لَمْ تَنْعَقِدْ أَيْضًا، فَإِنْ نَوَى التَّحَرُّمَ فَقَطْ أَوْ الرُّكُوعَ فَقَطْ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ. (وَلَوْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (فِي اعْتِدَالِهِ فَمَا بَعْدَهُ انْتَقَلَ مَعَهُ مُكَبِّرًا) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ) نَدْبًا (فِي التَّشَهُّدِ) وَالتَّحْمِيدِ (وَالتَّسْبِيحَاتِ) أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ فِي إكْمَالِ التَّشَهُّدِ، وَالثَّانِي: لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَامِ لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (فِي سَجْدَةٍ) مِنْ سَجْدَتَيْ الصَّلَاةِ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا أَوْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ (لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ إلَيْهَا) أَيْ السَّجْدَةِ وَلَا إلَى مَا ذَكَرَ مَعَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَا مُوَافَقَتُهُ لِلْإِمَامِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْتَقَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهِ، وَالثَّانِي يُكَبِّرُ كَالرُّكُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا إنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ. بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ وَخَرَجَ ذَلِكَ بِتَقْيِيدِي لِعِبَارَتِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهَا مَحْسُوبَةٌ، أَيْ إذَا كَانَ سَمِعَ قِرَاءَةَ آيَةِ السَّجْدَةِ. وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يُكَبِّرْ وَإِلَّا كَبَّرَ. (وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَسْبُوقُ مُكَبِّرًا) نَدْبًا (إنْ كَانَ) جُلُوسُهُ مَعَ الْإِمَامِ (مَوْضِعَ جُلُوسِهِ) لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ لَهُ الْمُنْفَرِدُ وَغَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُبْحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ (فَلَا) يُكَبِّرُ عِنْدَ قِيَامِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَكْبِيرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُوَافَقَةٌ لِلْإِمَامِ، وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ لِئَلَّا يَخْلُوَ الِانْتِقَالُ عَنْ ذِكْرٍ، وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ عَقِبَ الْأُولَى وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَهُمَا فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ قَدْرُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. . خَاتِمَةٌ: الْجَمَاعَةُ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صُبْحِ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءِ ثُمَّ الْعَصْرِ أَفْضَلُ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ «إنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ عِنْدَ اللَّهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ» وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ» (1) ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ الْحَقُّ فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهَا لِتَأَكُّدِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالُوهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ لِمَا فِي قِيَامِ الصُّبْحِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَيَلِيهَا فِيهَا الْعِشَاءُ بِخِلَافِ الْعَصْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فَيُحْتَمَلُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا اُخْتُصَّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَيُحْتَمَلُ تَفْضِيلُ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُخَفِّفْ فِيهَا بِالْقَصْرِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ لِتَقَابُلِ فَضِيلَتِهِمَا. . [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ] (بَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ) مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ الْمُخْتَصُّ الْمُسَافِرُ بِجَوَازِهِمَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ. وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ   [مغني المحتاج] السَّفَرِ غَالِبًا، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ لِلْمُقِيمِ. وَالْأَصْلُ فِي الْقَصْرِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [النساء: 101] [النِّسَاءَ] الْآيَةَ. قَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْت لِعُمَرَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] [النِّسَاءَ] وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عَجِبْت مِمَّا عَجِبْت مِنْهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» (1) ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ أَخْبَارٌ تَأْتِي. وَلَمَّا كَانَ الْقَصْرُ أَهَمَّ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ فَقَالَ: (إنَّمَا تُقْصَرُ رُبَاعِيَّةٌ) فَلَا تُقْصَرُ الصُّبْحُ وَلَا الْمَغْرِبُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الصُّبْحَ لَوْ قُصِرَتْ لَمْ تَكُنْ شَفْعًا فَتَخْرُجُ عَنْ مَوْضُوعِهَا، وَالْمَغْرِبُ لَا يُمْكِنُ قَصْرُهَا إلَى رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا وِتْرًا وَلَا إلَى رَكْعَةٍ لِخُرُوجِهَا بِذَلِكَ عَنْ بَاقِي الصَّلَوَاتِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرُّبَاعِيَّةُ مَكْتُوبَةً فَلَا تُقْصَرُ الْمَنْذُورَةُ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَلَا النَّافِلَةُ كَأَنْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ مَثَلًا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (مُؤَدَّاةٌ فِي السَّفَرِ) فَلَا تُقْصَرُ فَائِتَةُ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ. وَأَمَّا فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَيْضًا (الطَّوِيلِ) فَلَا تُقْصَرُ فِي الْقَصِيرِ وَالْمَشْكُوكِ فِي طُولِهِ فِي الْأَمْنِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فِي الْخَوْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» (2) ، فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِأُخْرَى (الْمُبَاحِ) أَيْ الْجَائِزِ لَا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ وَاجِبًا كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ، أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ فَلَا قَصْرَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ خَرَجَ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَبَعًا لِشَخْصٍ لَا يَعْلَمُ سَبَبَ سَفَرِهِ، أَوْ لِتَنْفِيذِ كِتَابٍ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالْمُبَاحِ. وَالْإِتْمَامُ جَائِزٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَصَرْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَتْمَمْتُ بِضَمِّهَا، وَأَفْطَرْتَ بِفَتْحِهَا وَصُمْتُ بِضَمِّهَا. قَالَ: أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ» (3) أَيْ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ فَمَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَمَا ضَبَطْت بِهِ الْحَدِيثَ قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ عَكْسُ الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ. ثُمَّ بَيَّنَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: مُؤَدَّاةٍ فَقَالَ (لَا فَائِتَةُ الْحَضَرِ) أَيْ لَا تُقْصَرُ إذَا قُضِيَتْ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ تَامَّةً، وَكَذَا لَا تُقْصَرُ فِي السَّفَرِ فَائِتَةٌ مَشْكُوكٌ فِي أَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ احْتِيَاطًا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ. (وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ) الطَّوِيلِ الْمُبَاحِ (فَالْأَظْهَرُ قَصْرُهُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 دُونَ الْحَضَرِ. وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: لَا يُشْتَرَطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُورُ الْبَلْدَةِ فَأَوَّلُهُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ   [مغني المحتاج] غَيْرَ سَفَرِ الْفَائِتَةِ (دُونَ الْحَضَرِ) نَظَرًا إلَى وُجُودِ السَّبَبِ، وَالثَّانِي: يَقْصُرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ مَا كَانَ يَلْزَمُهُ فِي الْأَدَاءِ، وَالثَّالِثُ: يُتِمُّ فِيهِمَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ رُدَّتْ إلَى رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَاتَتْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ كَالْجُمُعَةِ، وَالرَّابِعُ إنْ قَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْحَصْرِ لِلْقَصْرِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى الرَّاجِحِ فَيَضُمُّ مِنْهُ إلَى الْمُؤَدَّاةِ مَقْضِيَّةً فَائِتَةَ السَّفَرِ فِيهِ، وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ قَصَرَ عَلَى النَّصِّ، فَإِنْ بَقِيَ مَا يَسَعُ رَكْعَةً إلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَصَرَ أَيْضًا إنْ قُلْنَا: إنَّهَا أَدَاءٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ سَيَأْتِي فِي الْجَمْعِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى التَّأْخِيرَ وَبَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ بِكَمَالِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَحَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِيرُ قَضَاءً وَلَا جَمْعَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ النِّيَّةَ ضَعِيفَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تَكُونُ أَدَاءً، فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَوْقَعَ رَكْعَةً فِي السَّفَرِ وَإِلَّا فَتَكُونُ مَقْضِيَّةَ حَضَرٍ فَلَا تُقْصَرُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت، وَقَدْ عَرَضْت ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيِّ فَقَبِلَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ. (وَمَنْ سَافَرَ مِنْ بَلْدَةٍ) لَهَا سُوَرٌ (فَأَوَّلُ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ سُوَرِهَا) الْمُخْتَصِّ بِهَا وَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ أَوْ كَانَ دَاخِلَهُ مَزَارِعُ وَخَرَابُ؛ لِأَنَّ مَا فِي دَاخِلِ السُّوَرِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْبَلَدِ مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَعْضُ سُورٍ وَهُوَ صَوْبُ سَفَرِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ (فَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عِمَارَةٌ) كَدُورٍ مُلَاصِقَةٍ لَهُ عُرْفًا (اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا مِنْ مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ تَوَابِعِ الْبَلَدِ فَيَثْبُتُ لَهَا حُكْمُهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا يُشْتَرَطُ) مُجَاوَزَتُهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبَلَدِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: سَكَنَ فُلَانٌ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: لَا يَجُوزُ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ السُّورِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلزَّكَاةِ، وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي الصَّوْمِ اشْتِرَاطُ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ حَيْثُ قَالَا: وَإِذَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ الْفِطْرُ إنْ فَارَقَ الْعُمْرَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَا سُورَ لَهَا لِيُوَافِقَ مَا هُنَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَأْتِ لِلْعِبَادَةِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَكَالسُّورِ وَهُوَ بِالْوَاوِ لَا بِالْهَمْزِ الْخَنْدَقُ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ لِلسُّوَرِ الْمُنْهَدِمِ حُكْمُ الْعَامِرِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ لَهُ حُكْمَهُ خِلَافًا لِلدَّمِيرِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ كَالْعَدَمِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهَا (سُورٌ) مُطْلَقًا أَوْ فِي صَوْبِ سَفَرِهِ أَوْ لَهَا سُورٌ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا كَأَنْ جَمَعَ مَعَهَا قَرْيَةً أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ مَعَ التَّقَارُبِ (فَأَوَّلُهُ) أَيْ سَفَرِهِ (مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ) وَإِنْ تَخَلَّلَهُ نَهْرٌ أَوْ بُسْتَانٌ أَوْ خَرَابٌ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْفَصِلٌ لِيُفَارِقَ مَحَلَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 لَا الْخَرَابِ وَالْبَسَاتِينِ، وَالْقَرْيَةُ كَبَلْدَةٍ. وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ. وَإِذَا رَجَعَ   [مغني المحتاج] الْإِقَامَةِ (لَا) مُجَاوَزَةَ (الْخَرَابِ) الَّذِي هُجِرَ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ أَوْ زُرِعَ أَوْ انْدَرَسَ بِأَنْ ذَهَبَتْ أُصُولُ حِيطَانِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ إقَامَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ (وَ) لَا مُجَاوَزَةَ (الْبَسَاتِينِ) وَالْمَزَارِعِ بِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتَا بِمَا سَافَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَتَا مُحَوِّطَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا تُتَّخَذَانِ لِلْإِقَامَةِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبَسَاتِينِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا قُصُورٌ أَوْ دُورٌ تُسْكَنُ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ: أَيْ وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الرَّوْضَةِ مُجَاوَزَتَهَا، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُحَرَّرِ الْمَزَارِعَ الَّتِي زِدْتهَا لِأَنَّهَا تُفْهَمُ مِنْ الْبَسَاتِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَالْقَرْيَةُ) فِيمَا ذُكِرَ (كَبَلْدَةٍ) وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا، وَالْمُنْفَصِلَتَانِ وَلَوْ يَسِيرًا يَكْفِي مُجَاوَزَةُ إحْدَاهُمَا. (وَأَوَّلُ سَفَرِ سَاكِنِ الْخِيَامِ) كَالْأَعْرَابِ (مُجَاوَزَةُ الْحِلَّةِ) فَقَطْ وَهِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ أَوْ مُتَفَرِّقَةٌ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ أَهْلُهَا لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَدْخُلُ فِي مُجَاوَزَتِهَا عُرْفًا مَرَافِقُهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ، وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي، وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مَعْدُودَةٌ مِنْ مَوَاضِعِ إقَامَتِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مُجَاوَزَةِ الْمَرَافِقِ مُجَاوَزَةُ عَرْضِ الْوَادِي إنْ سَافَرَ عَرْضَهُ وَالْهُبُوطُ إنْ كَانَ فِي رَبْوَةٍ وَالصُّعُودُ إنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ. هَذَا إنْ اعْتَدَلَتْ الثَّلَاثَةُ، فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهَا أَكْتَفَى بِمُجَاوَزَةِ الْحِلَّةِ عُرْفًا، وَالْحِلَّتَانِ كَالْقَرْيَتَيْنِ، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى مُحْتَطِبٍ أَوْ مَاءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهِ إلَّا أَنْ يَتَّسِعَ بِحَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّازِلِينَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ سَاكِنَ غَيْرِ الْأَبْنِيَةِ وَالْخِيَامِ كَنَازِلٍ بِطَرِيقٍ خَالٍ عَنْهُمَا رَحْلُهُ كَالْحِلَّةِ فِيمَا تَقَرَّرَ فَائِدَةٌ: الْخَيْمَةُ أَرْبَعَةُ أَعْوَادٍ تُنْصَبُ وَتُسْقَفُ بِشَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، وَجَمْعُهَا خَيْمٌ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ، وَتُجْمَعُ الْخِيَمُ عَلَى خِيَامٍ فَهُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ. وَأَمَّا مَا يُتَّخَذُ مِنْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُقَالُ لَهُ خِبَاءٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ خَيْمَةٌ تَجَوُّزًا. وَيُعْتَبَرُ فِي سَيْرِ الْبَحْرِ الْمُتَّصِلِ سَاحِلُهُ بِالْبَلَدِ جَرْيُ السَّفِينَةِ أَوْ الزَّوْرَقِ إلَيْهَا. قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تَرَخَّصَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُلْصَقًا بِالسُّورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ آخِرَ عُمْرَانِ مَا لَا سُورَ لَهُ كَالسُّورِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: سَيْرُ الْبَحْرِ يُخَالِفُ سَيْرَ الْبَرِّ أَوْ يُمْنَعُ أَنَّ آخِرَ الْعُمْرَانِ كَالسُّورِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا لَا سُورَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَةٌ لَا سُورَ لَهَا بِأُخْرَى كَذَلِكَ كَانَتَا قَرْيَةً، بِخِلَافِ اتِّصَالِ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ بِأُخْرَى، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ السَّفَرِ لِتَعَلُّقِ الْقَصْرِ فِي الْآيَةِ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَيُخَالِفُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَأْتِي، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ كَالْقِنْيَةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ كَذَا فَرَّقَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ الْمُكْثُ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيَأْتِي فَالْمَسْأَلَتَانِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ مُسْتَوِيَتَانِ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يَكْفِي فَلَا حَاجَةَ لِفَارِقٍ. (إذَا) فَارَقَ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ثُمَّ (رَجَعَ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً. وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ. وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] إلَيْهِ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِحَاجَةٍ كَتَطَهُّرٍ أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَهُ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ وَلَوْ بِمَكَانٍ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ وَطَنَهُ صَارَ مُقِيمًا بِابْتِدَاءِ رُجُوعِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَلَا يَتَرَخَّصُ فِي إقَامَتِهِ وَلَا رُجُوعِهِ إلَى أَنْ يُفَارِقَ وَطَنَهُ تَغْلِيبًا لِلْوَطَنِ، وَحَكَى فِيهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَهُ اهـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ تَرَخَّصَ وَإِنْ دَخَلَهُ وَلَوْ كَانَ دَارَ إقَامَتِهِ لِانْتِفَاءِ الْوَطَنِ فَكَانَتْ كَسَائِرِ الْمَنَازِلِ. فَإِنْ رَجَعَ مِنْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ (انْتَهَى سَفَرُهُ بِبُلُوغِهِ مَا شُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً) مِنْ سُورٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَرَخَّصُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ إلَّا بِدُخُولِ الْعُمْرَانِ أَوْ السُّورِ كَمَا لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ هُوَ الْمَنْقُولُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِقَامَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِتَحَقُّقِ السَّفَرِ وَتَحَقُّقُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ ذَلِكَ وَالسَّفَرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَانْقَطَعَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَنْتَهِي بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ مُبْتَدَأَ سَفَرِهِ مِنْ وَطَنِهِ وَإِنْ كَانَ مَارًّا بِهِ فِي سَفَرِهِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ بَعِيدٍ قَاصِدًا الْمُرُورَ بِهِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ لَا مِنْ بَلَدٍ يَقْصِدُهُ وَلَا بَلَدٍ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِذَلِكَ وَيَنْتَهِي أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (وَلَوْ نَوَى) الْمُسَافِرُ الْمُسْتَقِلُّ وَلَوْ مُحَارِبًا (إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) تَامَّةٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَأَطْلَقَ (بِمَوْضِعٍ) عَيَّنَهُ صَالِحٌ لِلْإِقَامَةِ، وَكَذَا غَيْرُ صَالِحٍ كَمَفَازَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ (انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ) أَيْ بِوُصُولِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودُهُ أَمْ فِي طَرِيقِهِ أَوْ نَوَى بِمَوْضِعٍ وَصَلَ إلَيْهِ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ مُكْثِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا. وَلَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بِلَا نِيَّةٍ انْقَطَعَ سَفَرُهُ بِتَمَامِهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْقَصْرَ بِشَرْطِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَالْمُقِيمُ وَالْعَازِمُ عَلَى الْإِقَامَةِ غَيْرُ ضَارِبٍ فِي الْأَرْضِ، وَالسُّنَّةُ بَيَّنَتْ أَنَّ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ لَا يَقْطَعُ السَّفَرَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا» وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ، فَالتَّرَخُّصُ فِي الثَّلَاثِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَنَعَ عُمَرُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْإِقَامَةَ فِي الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِلتَّاجِرِ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ، وَفِي مَعْنَى الثَّلَاثَةِ مَا فَوْقَهَا وَدُونَ الْأَرْبَعَةِ، وَأُلْحِقَ بِإِقَامَةِ الْأَرْبَعَةِ نِيَّةُ إقَامَتِهَا، أَمَّا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْقَصْرِ السَّفَرُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَاهَا غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ كَالْعَبْدِ وَلَوْ مَاكِثًا. (وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (يَوْمَا دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ) إذَا دَخَلَ نَهَارًا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ الْحَطَّ وَفِي الثَّانِي الرَّحِيلَ وَهُمَا مِنْ أَشْغَالِ السَّفَرِ، وَالثَّانِي: يُحْسَبَانِ كَمَا يُحْسَبُ فِي مُدَّةِ مَسْحِ الْخُفِّ يَوْمَ الْحَدَثِ وَيَوْمَ النَّزْعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ بِالسَّيْرِ، وَإِنَّمَا يَسِيرُ فِي بَعْضِهِ وَهُوَ فِي يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ سَائِرٌ فِي بَعْضِ النَّهَارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعَةً، وَفِي قَوْلٍ أَبَدًا، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي خَائِفِ الْقِتَالِ لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ   [مغني المحتاج] بِخِلَافِ اللُّبْسِ. فَإِنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِلْمُدَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا يُحْسَبَانِ إنَّمَا يُحْسَبَانِ بِالتَّلْفِيقِ لَا يَوْمَانِ كَامِلَانِ، فَلَوْ دَخَلَ زَوَالُ السَّبْتِ لِيَخْرُجَ زَوَالُ الْأَرْبِعَاءِ أَتَمَّ، أَوْ قَبْلَهُ قَصَرَ، فَإِنْ دَخَلَ لَيْلًا لَمْ تُحْسَبْ بَقِيَّةُ اللَّيْلَةِ، وَيُحْسَبُ الْغَدُ وَمُقَامُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ مَا يُقِيمُهُ لَوْ دَخَلَ نَهَارًا، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ بَلْ بِعَدَدِ الصَّلَوَاتِ فَيَتَرَخَّصُ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ، وَعَلَى الصَّحِيحِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ فَاقْتَضَى قُوَّةَ الْخِلَافِ خِلَافًا لِتَعْبِيرِهِ هُنَا بِالصَّحِيحِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ. (وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ) مَثَلًا (بِنِيَّةِ أَنْ يَرْحَلَ إذَا حَصَلَتْ حَاجَةٌ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ) أَوْ حَبَسَهُ الرِّيحُ بِمَوْضِعٍ فِي الْبَحْرِ (قَصَرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَهَا بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ لِحَرْبِ هَوَازِنَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ (1) وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ لَهُ شَوَاهِدَ تَجْبُرُهُ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ. وَرُوِيَ " خَمْسَةَ عَشَرَ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ ". رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ، فَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ. وَقَدْ جَمَعَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِشْرِينَ بِأَنَّ رَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَرَاوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعِيفَةٌ، وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَشَاذَّةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورُ آنِفًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا الْجَمْعُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ: يَقْصُرُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهَا مَا عَدَا رِوَايَتَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ بِأَنَّ رَاوِيَ الْعِشْرِينَ عَدَّ الْيَوْمَيْنِ، وَرَاوِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَمْ يَعُدَّهُمَا، وَرَاوِيَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَدَّ أَحَدَهُمَا، وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ اهـ وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَلَى تِسْعَةَ عَشَرَ مَعَ أَنَّهَا أَصَحُّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عِمْرَانَ لَمْ يَضْطَرِبْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَفِيهِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ (وَقِيلَ) يَقْصُرُ (أَرْبَعَةً) غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ التَّرَخُّصَ إذَا امْتَنَعَ بِنِيَّةِ إقَامَتِهَا فَبِإِقَامَتِهَا أَوْلَى، لِأَنَّ الْفِعْلَ أَبْلَغُ مِنْ النِّيَّةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَقْصُرُ (أَبَدًا) أَيْ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ حَاجَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ لَقَصَرَ فِي الزَّائِدِ أَيْضًا (وَقِيلَ: الْخِلَافُ) الْمَذْكُورُ، وَهُوَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ (فِي خَائِفِ الْقِتَالِ) وَالْمُقَاتِلِ (لَا التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ) كَالْمُتَفَقِّهِ فَلَا يَقْصُرَانِ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْحَرْبِ أَثَرًا فِي تَغْيِيرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 وَلَوْ عَلِمَ بَقَاءَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً، فَلَا قَصْرَ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَصْلٌ وَطَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ.   [مغني المحتاج] صِفَةِ الصَّلَاةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقِتَالَ لَيْسَ هُوَ الْمُرَخِّصَ، وَإِنَّمَا الْمُرَخِّصُ السَّفَرُ، وَالْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَارَقَ مَكَانَهُ ثُمَّ رَدَّتْهُ الرِّيحُ إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِ اسْتَأْنَفَ الْمُدَّةَ: لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِيهِ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ فَلَا تُضَمُّ إلَى الْأُولَى بَلْ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ فِيهِ: لَوْ خَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَانٍ يَنْتَظِرُونَ رُفْقَتَهُمْ، فَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ أَتَوْا سَافَرُوا أَجْمَعِينَ وَإِلَّا رَجَعُوا لَمْ يَقْصُرُوا لِعَدَمِ جَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ، وَإِنْ نَوَوْا أَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَأْتُوا سَافَرُوا قَصَرُوا لِجَزْمِهِمْ بِالسَّفَرِ، وَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْقَصْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَطَّرِدُ فِي بَاقِي الرُّخَصِ كَالْجَمْعِ وَالْفِطْرِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْوَجِيزِ بِالتَّرَخُّصِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ سَائِرُ الرُّخَصِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُنْسَحِبٌ عَلَيْهِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَوَجُّهُ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ لِمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا سُقُوطَ الْفَرْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ (وَلَوْ عَلِمَ) الْمُسَافِرُ (بَقَاءَهَا) أَيْ حَاجَتِهِ (مُدَّةً طَوِيلَةً) وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا كَأَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّزُ شُغْلُهُ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ (فَلَا قَصْرَ) لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ سَاكِنٌ مُطْمَئِنٌّ بَعِيدٌ عَنْ هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ، بِخِلَافِ الْمُتَوَقِّعِ لِلْحَاجَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِيَرْحَلَ، وَوَجْهُ الْقَصْرِ الْقِيَاسُ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ الْجَزْمُ بِالْمَنْعِ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ فِيهِ غَلَطٌ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ. [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ] (فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، أَمَّا شُرُوطُهُ فَثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلًا (وَطَوِيلُ السَّفَرِ) بِالْأَمْيَالِ (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَهَا وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ غَيْرَ الْإِيَابِ، فَلَوْ قَصَدَ مَكَانًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ فَلَا قَصْرَ لَهُ ذَهَابًا وَلَا إيَابًا وَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهِيَ تَحْدِيدٌ لَا تَقْرِيبٌ لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْأَمْيَالِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَيُحْتَاطُ فِيهِ بِتَحَقُّقِ تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ ظَنًّا بِخِلَافِ تَقْدِيرَيْ الْقُلَّتَيْنِ وَمَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَمْيَالِ ثَابِتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ تَقْدِيرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي تَقْدِيرِهِمَا بِالْأَرْطَالِ، وَكَذَا مَسَافَةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْأَذْرُعِ: فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا التَّقْرِيبُ، وَالْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ: سِتَّةَ عَشَرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 قُلْت: وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ. وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ قَصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوَّلًا، فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ، وَلَا طَالِبِ غَرِيمٍ وَآبِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ.   [مغني المحتاج] فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَالْمِيلُ: أَرْبَعَةُ آلَافِ خَطْوَةٍ، وَالْخَطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ. وَالْقَدَمَانِ: ذِرَاعٌ، وَالذِّرَاعُ: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ، وَالشُّعَيْرَةُ: سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ. وَهَاشِمِيَّةٌ: نِسْبَةٌ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِتَقْدِيرِهِمْ لَهَا وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ بَعْدَ تَقْدِيرِ بَنِي أُمَيَّةَ لَهَا، لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْيَالَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هُوَ الشَّائِعُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُونَ، وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْجَمِيعَ، وَبِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ، وَبِالثَّالِثِ الْأَمْيَالَ الْأُمَوِيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ بِقَوْلِهِ هَاشِمِيَّةٍ، وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَالْمَسَافَةُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ مِيلًا، إذْ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا قَدْرُ سِتَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ. (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَهُوَ) أَيْ السَّفَرُ الطَّوِيلُ (مَرْحَلَتَانِ) وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ بِلَا لَيْلَةٍ مُعْتَدِلَيْنِ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ بِلَا يَوْمٍ مُعْتَدِلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَذَلِكَ (بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ) أَيْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ، وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ النُّزُولِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِقْدَارُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. (وَالْبَحْرُ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ) الْمَذْكُورَةِ (كَالْبَرِّ) فَيُقْصَرُ فِيهِ (فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ) مَثَلًا لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ أَوْ نَحْوِهِ (قَصَرَ) فِيهَا لِأَنَّهَا مَسَافَةٌ صَالِحَةٌ لِلْقَصْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا يَقْصُرُ لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي الْبَرِّ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ فِي بَعْضِ يَوْمٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُولِ سَفَرِهِ اجْتَهَدَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ حَمْلُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ الْقَصْرِ. وَثَانِي الشُّرُوطِ قَصْدُ مَحَلٍّ مَعْلُومٍ كَمَا قَالَ (وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ) مَعْلُومٍ (مُعَيَّنٍ) أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَقْصُرُ أَوَّلًا (فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ) وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ (وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ) إذْ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيُّ: هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْهَائِمُ الْخَارِجُ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا، وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا، فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. وَيَدُلُّ لَهُ جَمْعُ الْغَزَالِيِّ بَيْنَهُمَا (وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ وَآبِقٍ وَيَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ) أَيْ مَطْلُوبَهُ مِنْهُمَا (وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ قَبْلَهُمَا قَصَرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَكَذَا قَصْدُ الْهَائِمِ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا شَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] شَيْخِي، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّمَا يَتَرَخَّصُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ. وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ بِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا رَجَعَتْ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ، وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ، وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ. فَائِدَةٌ: مَتَى فَاتَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ صَلَاةٌ فِيهِمَا قَصَرَ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ طَوِيلٍ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تُقْصَرُ فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا عَمَّا إذَا نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ أَوْ السُّورِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ رَجَعَ، أَوْ أَنْ يُقِيمَ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَرَخَّصَ إلَى أَنْ يَجِدَ غَرَضَهُ أَوْ يَدْخُلَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَدْ انْعَقَدَ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا غَيَّرَ النِّيَّةِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذَكَرَ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا قَالُوهُ - مِنْ مَنْعِ التَّرَخُّصِ فِيمَا لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ - مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ مُنَافٍ لِلرُّخَصِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَدَخَلَ فِيمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَصَدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَقْصِدِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بِنِيَّةِ أَنْ يَصِلَ إلَى بَطْنِ مَرْوَ ثُمَّ يُشَرِّقَ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ أَوْ يُغَرِّبَ إلَى يَنْبُعَ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِأَنَّهُ سَفَرٌ طَوِيلٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعًا. وَلَوْ نَوَى فِي سَفَرِهِ - ذُو السَّفَرِ الْقَصِيرِ - الزِّيَادَةَ فِي الْمَسَافَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ مَكَانِ نِيَّتِهِ إلَى مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيُفَارِقُ مَكَانَهُ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ بِالنِّيَّةِ، وَيَصِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ مُسَافِرًا سَفَرًا جَدِيدًا. وَلَوْ نَوَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَقْصُرْ لِانْقِطَاعِ كُلِّ سَفْرَةٍ عَنْ الْأُخْرَى. (وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ (طَرِيقَانِ طَوِيلٌ) يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ (وَقَصِيرٌ) لَا يَبْلُغُهَا (فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ) دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إبَاحَةِ الْقَصْرِ (كَسُهُولَةٍ) لِلطَّرِيقِ (أَوْ أَمْنٍ) أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ، أَوْ لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْمَكَّاسِينَ، أَوْ لِرُخَصِ سَفَرٍ وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ تَنَزُّهًا (قَصَرَ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (فَلَا) يَقْصُرُ (فِي الْأَظْهَرِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَصِيرَ، وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَيَسَارًا حَتَّى قَطَعَهَا فِي مَرْحَلَتَيْنِ. وَالثَّانِي: يَقْصُرُ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ مُبَاحٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقْصُرُ إذَا كَانَ الْغَرَضُ النُّزْهَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ إذَا سَافَرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلَ عَلَى السَّفَرِ، بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ، لَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُ مَقْصِدَهُ، فَلَا قَصْرَ، فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ، دُونَهُمَا. وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا انْقَطَعَ، فَإِنْ سَارَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ. وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ.   [مغني المحتاج] الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فِيهِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَامِلَ عَلَيْهِ كَانَ كَالتَّنَزُّهِ هُنَا، أَوْ كَانَ التَّنَزُّهُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِي تِلْكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَقَصِيرٌ مَا لَوْ كَانَا طَوِيلَيْنِ، فَسَلَكَ الْأَطْوَلَ وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ قَصَرَ فِيهِ جَزْمًا. (وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ) أَيْ السَّيِّدَ أَوْ الزَّوْجَ أَوْ الْأَمِيرَ (فِي السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ) لَهُمْ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَحَقَّقْ: وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنْ قَطَعُوهَا قَصَرُوا كَمَا مَرَّ فِي الْأَسِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ الْمَتْبُوعُونَ لِتَيَقُّنِ طُولِ سَفَرِهِمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْغَرِيمِ وَنَحْوَهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَا يَقْصُرُ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ، لِأَنَّ الْمَسَافَةَ هُنَا مَعْلُومَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، إذْ الْمَتْبُوعُ يَعْلَمُهَا بِخِلَافِهَا ثُمَّ، وَإِنْ عَرَفُوا أَنَّ مَقْصِدَهُ مَرْحَلَتَانِ وَقَصَدُوهُ قَصَرُوا (فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ) وَحْدَهُمْ دُونَ مَتْبُوعِهِمْ وَجَهِلُوا (قَصَرَ الْجُنْدِيُّ) أَيْ غَيْرُ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ (دُونَهُمَا) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ. أَمَّا الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَهُوَ مِثْلُهُمَا، لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَتَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ، إذْ لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ كَالْآحَادِ لِعِظَمِ الْفَسَادِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مَالِكَ أَمْرِهِ لَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْجُنْدِيِّ غَيْرِ الْمُثْبَتِ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ لَا يُبَالِي بِانْفِرَادِهِ عَنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُ بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْجَيْشِ: أَيْ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ إذْ يَخْتَلُّ بِهَا نِظَامُهُ. (وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى) وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ (رُجُوعًا) عَنْ مَقْصِدِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْإِقَامَةِ (انْقَطَعَ) سَفَرُهُ، سَوَاءٌ أَرَجَعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّرَخُّصَ قَدْ انْقَطَعَتْ وَانْتَهَى سَفَرُهُ، فَلَا يَقْصُرُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ، لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَلَا يَقْضِي مَا قَصَرَهُ أَوْ جَمَعَهُ قَبْلَ هَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ قَبْلَهَا (فَإِنْ سَارَ) إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ (فَسَفَرٌ جَدِيدٌ) فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا قَصَرَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ. أَمَّا لَوْ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ، أَوْ وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ كَمَا مَرَّ. . وَثَالِثُ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ جَائِزًا فَلَا قَصْرَ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَالَ (وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ) مِنْ سَيِّدِهِ (وَنَاشِزَةٍ) مِنْ زَوْجِهَا، وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّرَخُّصِ لِلْإِعَانَةِ وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَنْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ أَوْ يُعَذِّبُ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا غَرَضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ. . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بِسَفَرِهِ عَنْ الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ بِأَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 فَلَوْ أَنْشَأَ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً فَلَا تَرَخُّصَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَمُنْشِئٌ لِلسَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ. وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ لَحْظَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَلَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ وَاسْتَخْلَفَ   [مغني المحتاج] يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا وَيَعْصِي فِي سَفَرِهِ فَيَتَرَخَّصُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُبَاحٌ (فَلَوْ أَنْشَأَ) سَفَرًا طَوِيلًا (مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً) كَالسَّفَرِ لِأَخْذِ مَكْسٍ أَوْ لِلزِّنَا بِامْرَأَةٍ (فَلَا تَرَخُّصَ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) مِنْ حِينِ الْجَعْلِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي: يَتَرَخَّصُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِ السَّفَرِ مُبَاحًا فِي ابْتِدَائِهِ وَلَوْ تَابَ تَرَخَّصَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ مُبَاحَانِ (وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا) بِهِ (ثُمَّ تَابَ فَمُنْشِئٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ (لِلسَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ) فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا مِنْ التَّوْبَةِ. وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِي الطَّرِيقِ قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَقْصُرُ دُونَ مَنْ أَسْلَمَ. . وَرَابِعُ الشُّرُوطِ عَدَمُ اقْتِدَائِهِ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَوْ بِمُتِمٍّ كَمَا قَالَ (وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ) مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ أَوْ بِمُصَلٍّ صَلَاةَ جُمُعَةٍ أَوْ صُبْحٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَلَوْ (لَحْظَةً) أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ أَحْدَثَ هُوَ عَقِبَ اقْتِدَائِهِ بِهِ (لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) لِخَبَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " سُئِلَ: مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَ وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ؟ فَقَالَ تِلْكَ السُّنَّةُ ". فَإِنْ قِيلَ: تَعْبِيرُهُ بِمُتِمٍّ يُخْرِجُ الظُّهْرَ خَلْفَ مُقِيمٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوْ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُقَالُ لَهُ مُتِمٌّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ مُتِمٌّ، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِصَلَاةٍ تَامَّةٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ وَلَوْ فِي صُبْحٍ وَجُمُعَةٍ فَذَكَرَ مَعَ لَفْظِ الْإِتْمَامِ الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ اللَّتَيْنِ لَا قَصْرَ فِيهِمَا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي نَافِلَةٍ كَمُصَلِّي عِيدٍ وَرَاتِبَةٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَتَعْبِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُقِيمِ فِي نَافِلَةٍ مِثَالٌ إذْ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ فِي نَافِلَةٍ كَذَلِكَ وَلَهُ قَصْرُ الْمُعَادَةِ إنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا مَقْصُورَةً وَصَلَّاهَا ثَانِيًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي مَقْصُورَةً أَوْ صَلَّاهَا إمَامًا. قُلْت ذَلِكَ تَفَقُّهًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمَأْمُومِ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْإِتْمَامُ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَلَوْ قَدَّمَ لَحْظَةً عَلَى مُتِمٍّ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْقَاصِرِ خَلْفَ الْمُتِمِّ وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ إذَا نَوَى الْقَصْرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ، وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا. (وَلَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ) أَيْ سَالَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ أَوْ أَحْدَثَ (وَاسْتَخْلَفَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 مُتِمًّا أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ، وَكَذَا لَوْ أَعَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ. وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ، أَوْ بِأَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثًا أَتَمَّ، وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَتَمَّ، وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ قَصَرَ.   [مغني المحتاج] مُتِمًّا) مِنْ الْمُقْتَدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ (أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ) بِهِ إنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوُوا، وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ صَارُوا مُقْتَدِينَ بِهِ حُكْمًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهِمْ سَهْوَهُ. نَعَمْ لَوْ نَوَوْا فِرَاقَهُ حِينَ أَحَسُّوا بِرُعَافِهِ أَوْ حَدَثِهِ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِخْلَافِ قَصَرُوا. فَائِدَةٌ: رَعَفَ مُثَلَّثُ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَالْأَفْصَحُ فَتْحُ عَيْنِهِ، وَالضَّمُّ ضَعِيفٌ وَالْكَسْرُ أَضْعَفُ مِنْهُ. حَكَى فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَانَتْ سَبَبَ لُزُومِ سِيبَوَيْهِ الْخَلِيلَ فِي الطَّلَبِ لِلْعَرَبِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ يَوْمًا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ أَحَدَّثَكَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ رَعُفَ فِي الصَّلَاةِ وَضَمَّ الْعَيْنَ؟ فَقَالَ لَهُ أَخْطَأَتْ: إنَّمَا هُوَ رَعَفَ بِفَتْحِهَا فَانْصَرَفَ إلَى الْخَلِيلِ وَلَزِمَهُ. وَسِيبَوَيْهِ لَقَبٌ فَارِسِيٌّ مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: رَائِحَةُ التُّفَّاحِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِي عَلَى الْقَطْرِ سَبَبَ لَقَبِهِ بِذَلِكَ (وَكَذَا لَوْ أَعَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ فَرْعٌ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْأَصْلِ أَنْقَصَ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْعِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا عَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا أَوْ اسْتَخْلَفُوهُ أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا أَحَدًا فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُتِمُّونَ مُتِمًّا وَالْقَاصِرُونَ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. (وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ أَوْ لِأَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثًا) أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ (أَتَمَّ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَمَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُهُ، وَلَوْ بَانَ لِلْإِمَامِ حَدَثُ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالضَّابِطُ أَيْ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَعْرِضُ الْفَسَادُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَحَيْثُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْإِتْمَامِ بِذَلِكَ اهـ. وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَوْ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: قَصَرَ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ. وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ بَلْ تُشْبِهُهَا وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ أَعَادَهَا. (وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا) فَنَوَى الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ بِأَنْ يَنْوِيَهُ (فَبَانَ مُقِيمًا) فَقَطْ أَوْ مُقِيمًا ثُمَّ مُحْدِثًا أَتَمَّ لُزُومًا. أَمَّا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذْ لَا قُدْوَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا. (أَوْ) اقْتَدَى نَاوِيًا الْقَصْرَ (بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ) أَيْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ (أَتَمَّ) لُزُومًا وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَالْأَصْلُ: الْإِتْمَامُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيمَا إذَا بَانَ كَمَا ذُكِرَ (وَلَوْ عَلِمَهُ) أَوْ ظَنَّهُ (مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ) الْقَصْرَ فَجَزَمَ هُوَ بِالنِّيَّةِ (قَصَرَ) جَوَازًا إنْ بَانَ الْإِمَامُ قَاصِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 وَلَوْ شَكَّ فِيهَا، فَقَالَ: إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِلَّا أَتْمَمْت قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا دَوَامًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ، أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ   [مغني المحتاج] الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ، وَلَيْسَ لِلنِّيَّةِ شِعَارٌ تُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُقْصِرٍ فِي الِاقْتِدَاءِ عَلَى التَّرَدُّدِ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مُتِمٌّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ عَمَّا إذَا عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَلَمْ يَشُكَّ كَالْإِمَامِ الْحَنَفِيِّ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ لِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا إذَا أَخْبَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِأَنَّ عَزْمَهُ الْإِتْمَامُ. (وَلَوْ شَكَّ فِيهَا) أَيْ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ الْقَصْرَ (فَقَالَ) مُعَلِّقًا عَلَيْهَا فِي ظَنِّهِ (إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَإِلَّا) بِأَنْ أَتَمَّ (أَتْمَمْت قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ) إنْ قَصَرَ إمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى وَالثَّانِي لَا يَقْصُرُ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ. أَمَّا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُتِمًّا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ: كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ، أَوْ نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا. وَقِيلَ: لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْإِمَامِ. . وَخَامِسُ الشُّرُوطِ نِيَّةُ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ) بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَيَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (فِي الْإِحْرَامِ) كَأَصْلِ النِّيَّةِ، وَمِثْلُ نِيَّةِ الْقَصْرِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَا لَوْ قَالَ: أُؤَدِّي صَلَاةَ السَّفَرِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ مَا ذُكِرَ فِيهِ بِأَنْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ أَطْلَقَ أَتَمَّ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ فِي الْأُولَى وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ. . وَسَادِسُ الشُّرُوطِ التَّحَرُّزُ عَمَّا يُنَافِيهَا كَمَا قَالَ (وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا) أَيْ نِيَّةِ الْقَصْرِ (دَوَامًا) أَيْ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ كَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ، فَلَوْ نَوَاهُ بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ أَتَمَّ، وَعُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ التَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ) أَتَمَّ (أَوْ) تَرَدَّدَ: أَيْ شَكَّ (فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ) أَمْ لَا أَتَمَّ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ حَالَ التَّرَدُّدِ عَلَى التَّمَامِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَلَمْ يُصَدِّرْهُمَا بِالْفَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: لِضَمِّهِ إلَيْهِمَا فِي الْجَوَابِ مَا لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ اخْتِصَارًا فَقَالَ: (أَوْ قَامَ) وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أَحْرَمَ (إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ) وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ كَعَدَمِهَا فَزَمَانُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَهُنَا الْمَوْجُودُ حَالَ الشَّكِّ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ الْإِتْمَامَ؛ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، فَصَارَ مُؤَدِّيًا لِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى التَّمَامِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ تَرْكِيبٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قِسْمًا مِمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِتَدَافُعِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَوْ شَكَّ كَمَا قَدَّرْته فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَاسْتَقَامَ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 أَوْ قَامَ إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ. وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا عَادَ وَسَجَدَ لَهُ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ عَادَ ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَتَمَّ. وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ.   [مغني المحتاج] يَصِيرُ حِينَئِذٍ عَطْفًا عَلَى أَحْرَمَ. (وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ) كَنِيَّةٍ أَوْ نِيَّةِ إقَامَةٍ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) كَمَا لَوْ قَامَ الْمُتِمُّ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ (وَإِنْ كَانَ) قِيَامُهُ (سَهْوًا) ثُمَّ تَذَكَّرَ (عَادَ) وُجُوبًا (وَسَجَدَ لَهُ) نَدْبًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يُبْطِلُ عَمْدُهُ (وَسَلَّمَ) وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: هَذَا إنْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا وَهُوَ وَاضِحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَنْ قَامَ (فَإِنْ أَرَادَ) عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَهُوَ قَائِمٌ (أَنْ يُتِمَّ عَادَ) لِلْقُعُودِ وُجُوبًا (ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا) أَيْ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ. وَقِيلَ: لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي قِيَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَاصِرٌ، وَالْجَهْلُ كَالسَّهْوِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ نَدْبًا. وَسَابِعُ الشُّرُوطِ دَوَامُ سَفَرِهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ كَمَا قَالَ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الشَّخْصِ النَّاوِي لِلْقَصْرِ (مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ) الْقَاطِعَةَ لِلتَّرَخُّصِ (فِيهَا) أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا أَوْ لَا (أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ) فِيهَا (دَارَ إقَامَتِهِ) أَوْ شَكَّ هَلْ بَلَغَهَا أَوْ لَا (أَتَمَّ) لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي لِمَرَضٍ فَزَالَ الْمَرَضُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ وَلِلشَّكِّ فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ. . وَثَامِنُ الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ، فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّ تَرْكَهُ لِبُعْدِ أَنْ يَقْصُرَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَوَازَهُ (وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ) سَفَرُهُ (ثَلَاثَ مَرَاحِلَ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْمَلَّاحَ الَّذِي يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بِأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَالِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْأَكْثَرُ عَمَلًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الرَّضَاعِ يُكْرَهُ الْقَصْرُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ دَائِمُ الْحَدَثِ إذَا كَانَ لَوْ قَصَرَ لَخَلَا زَمَنُ صَلَاتِهِ عَنْ جَرَيَانِ حَدَثِهِ وَلَوْ أَتَمَّ لَجَرَى حَدَثُهُ فِيهَا فَيَكُونُ الْقَصْرُ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَلَا عَنْ الْحَدَثِ، وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ، وَكِلَا الْمَسْأَلَتَيْنِ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْحَدَثِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ خَلَا عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ قُعُودٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ مِنْ قُعُودٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ. فَصْلٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا. وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ.   [مغني المحتاج] فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ وَلَا كَذَلِكَ مَا ذُكِرَ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُخْصَةً رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ، أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهَا: أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهَا كُرِهَ لَهُ تَرْكُهَا. (وَالصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ لِمُسَافِرٍ سَفَرًا طَوِيلًا (أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ إخْلَاءِ الْوَقْتِ عَنْ الْعِبَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] [الْبَقَرَةَ] وَلَمْ يُرَاعِ مَنْعَ أَهْلِ الظَّاهِرِ الصَّوْمَ، لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا: قَالَهُ الْإِمَامُ، هَذَا (إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ) أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ بِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ أَلَمٍ يَشُقُّ مَعَهُ احْتِمَالُهُ، فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا صَائِمًا فِي السَّفَرِ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» (1) . نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ الصَّوْمُ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ وَلَوْ صَامَ وَكَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ، فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَكَأَنَّهُ فِي ذِي الرُّفْقَةِ لَا الْمُنْفَرِدِ اهـ. وَهَذَا مُرَادُ الْأَذْرَعِيِّ بِلَا شَكٍّ، وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَا مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي جَوَازِ الرُّخْصَةِ أَوْ تَرَكَهَا رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهَا. . [فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ] (فَصْلٌ) فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا) فِي وَقْتِ الْأُولَى (وَتَأْخِيرًا) فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاعْتَمَدَهُ كَجَمْعِهِمَا بِالْمَطَرِ بَلْ أَوْلَى، وَيُمْتَنَعُ تَأْخِيرًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَتَأَتَّى تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا (وَ) بَيْنَ (الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ) أَيْ تَقْدِيمًا فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَتَأْخِيرًا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ) الْمُبَاحِ لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا جَمْعُ التَّأْخِيرِ فَثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَأَمَّا جَمْعُ التَّقْدِيمِ فَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. . نَعَمْ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا تَجْمَعُ تَقْدِيمًا كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَوَجْهُ امْتِنَاعِهِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى شَرْطُهُ تَقَدُّمُ الْأُولَى صَحِيحَةً يَقِينًا أَوْ ظَنًّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وَكَذَا الْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَإِلَّا فَعَكْسُهُ. وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ: الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى، فَلَوْ صَلَّاهُمَا فَبَانَ فَسَادُهَا فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ. وَنِيَّةُ الْجَمْعِ، وَمَحَلُّهَا أَوَّلُ الْأُولَى، وَتَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِثْلُهَا فِي جَمِيعِ التَّقْدِيمِ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَكُلُّ مَنْ لَمْ تَسْقُطْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ حَذَفَ بِالتَّيَمُّمِ كَانَ أَوْلَى: أَيْ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمُتَيَمِّمِ. (وَكَذَا) يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ (الْقَصِيرِ فِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ كَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَصْرِ، وَالْمَجْمُوعَةِ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى أَدَاءً كَالْأُخْرَى؛ لِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا صَارَا وَاحِدًا، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ مَعَ غَيْرِهَا وَالْعَصْرُ مَعَ الْمَغْرِبِ فَلَا جَمْعَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَلَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي سَفَرِ قَصْرٍ وَلَوْ لِمَكِّيٍّ وَلَا فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ الْجَمْعِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى فِي الْحَجِّ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَبِمُزْدَلِفَةَ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنَّ الْجَمْعَ فِيهِمَا أَفْضَلُ قَطْعًا فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلِاتِّبَاعِ، وَسَبَبُهُ السَّفَرُ فِي الْأَظْهَرِ لَا النُّسُكُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَجِّ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ سَبَبَهُ النُّسُكُ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الشَّاكُّ وَالرَّاغِبُ عَنْ الرُّخْصَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ إذَا جَمَعَ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ خَلَا عَنْ حَدَثِهِ الدَّائِمِ أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فَالْجَمْعُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَذَا مَنْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ عَدَمَ إدْرَاكِ الْعَدُوِّ لِاسْتِنْقَاذِ أَسِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى) نَازِلًا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَسَائِرٍ يَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ (فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى بِأَنْ كَانَ نَازِلًا فِيهِ سَائِرًا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (فَعَكْسُهُ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلْمُسَافِرِ، وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمَتْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتَيْهِمَا أَوْ نَازِلًا فِيهِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ. (وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ) بَلْ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: (الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى) لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا وَالثَّانِيَةَ تَبَعٌ لَهَا، فَلَوْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَصِحَّ وَيُعِيدُهَا بَعْدَ الظُّهْرِ إنْ أَرَادَ الْجَمْعَ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ (فَلَوْ صَلَّاهُمَا) مُبْتَدِئًا بِالْأُولَى. (فَبَانَ فَسَادُهَا) بِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ (فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ) أَيْضًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِفَسَادِهَا بُطْلَانُ كَوْنِهَا عَصْرًا أَوْ عِشَاءً لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ بَلْ تَنْعَقِدُ نَافِلَةً عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ جَاهِلًا بِالْحَالِ (وَ) ثَانِيهَا (نِيَّةُ الْجَمْعِ) لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ عَنْ التَّقْدِيمِ سَهْوًا (وَمَحَلُّهَا) الْفَاضِلُ (أَوَّلُ الْأُولَى) كَسَائِرِ الْمَنْوِيَّاتِ فَلَا يَكْفِي تَقْدِيمُهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَتَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى نِيَّةِ الْقَصْرِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا رُخْصَتَا سَفَرٍ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْجَمْعَ هُوَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ إلَى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 الْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ. وَيُعْرَفُ طُولُهُ بِالْعُرْفِ. وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا،   [مغني المحتاج] الْأَوَّلِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ نِيَّتُهُ وُجِدَ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْقَصْرِ فَإِنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ لَتَأَدَّى بَعْضُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّمَامِ، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَجُوزُ مَعَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ أَوْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْأَثْنَاءِ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَقَدَّرْت الْفَاضِلَ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا نَوَى فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ، وَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ أَوَّلَ الْأُولَى ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ ثُمَّ قَصَدَ فِعْلَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ بِالْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَنَوَى الْجَمْعَ، فَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ التَّحَرُّمِ صَحَّ لِوُجُودِ السَّفَرِ وَقْتَهَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُدُوثِ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يُجْمَعُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَنَزَلَ اخْتِيَارُهُ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَتَهُ بِخِلَافِ الْمَطَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ، فَالْوَجْهُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ هُنَا، وَالْمُعْتَمَدُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي أَوَّلِ الْأُولَى بِخِلَافِ عُذْرِ الْمَطَرِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ فِي الْمُسَافِرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَ) ثَالِثُهَا (الْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ) لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ فَوَجَبَ الْوَلَاءُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهَا تَابِعَةٌ وَالتَّابِعُ لَا يُفْصَلُ عَنْ مَتْبُوعِهِ، وَلِهَذَا تُرِكَتْ الرَّوَاتِبُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ (فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ) كَسَهْوٍ وَإِغْمَاءٍ (وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا) لِفَوَاتِ شَرْطِ الْجَمْعِ (وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَمَعَ بِنَمِرَةَ أَقَامَ لِلصَّلَاةِ بَيْنَهُمَا» (وَيُعْرَفُ طُولُهُ) وَقِصَرُهُ (بِالْعُرْفِ) لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ. وَقِيلَ: إنَّ الْيَسِيرَ يُقَدَّرُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. (وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَالْمُتَوَضِّئِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَبِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْإِقَامَةَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ شَرْطٌ دُونَهَا، بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ، وَالثَّانِي: يَضُرُّ لِطُولِ الْفَصْلِ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالْوُضُوءِ قَطْعًا، وَلَوْ صَلَّى بَيْنَهَا رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةٍ رَاتِبَةٍ بَطَلَ الْجَمْعُ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَغَيْرُ الرَّاتِبَةِ كَالرَّاتِبَةِ. (وَلَوْ جَمَعَ) بَيْنَ صَلَاتَيْنِ (ثُمَّ عَلِمَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا أَوْ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِ الْأُولَى وَعِلْمِهِ (تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا) الْأُولَى لِتَرْكِ الرُّكْنِ، وَتَعَذُّرِ التَّدَارُكِ بِطُولِ الْفَصْلِ، وَالثَّانِيَةُ لِفَقْدِ التَّرْتِيبِ، وَأُعِيدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا (وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا) إنْ شَاءَ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ. أَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ، فَإِنَّ إحْرَامَهُ بِالثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَيَبْنِي عَلَى الْأُولَى. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَلِمَ يُفْهِمُ أَنَّ الشَّكَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ تَدَارَكَ، وَإِلَّا فَبَاطِلَةٌ وَلَا جَمَعَ، وَلَوْ جَهِلَ أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا وَإِذَا أَخَّرَ الْأُولَى لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ، وَنِيَّةُ الْجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَإِلَّا فَيَعْصِي. وَتَكُونُ قَضَاءً. وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا   [مغني المحتاج] لَا يُؤَثِّرُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ (أَوْ) عَلِمَ تَرْكَهُ (مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ) أَيْ الْفَصْلُ (تَدَارَكَ) وَمَضَتْ الصَّلَاتَانِ عَلَى الصِّحَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ طَالَ (فَبَاطِلَةٌ) أَيْ الثَّانِيَةُ لِتَرْكِهِ الْمُوَالَاةَ بِتَخَلُّلِ الْبَاطِلَةِ (وَلَا جَمَعَ) فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فِي وَقْتِهَا (وَلَوْ جَهِلَ) بِأَنْ لَمْ يُدْرِكُونَ الْمَتْرُوكَ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ (أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الْأُولَى، وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَيَطُولُ الْفَصْلُ بِهَا وَبِالْأُولَى الْمُعَادَةِ بَعْدَهَا، أَمَّا جَمْعُهُمَا تَأْخِيرًا فَجَائِزٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ. وَلَوْ شَكَّ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَاهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ قُرْبٍ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَإِلَّا امْتَنَعَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَإِذَا أَخَّرَ) الصَّلَاةَ (الْأُولَى) إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ (لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ) بَيْنَهُمَا (وَ) لَا (الْمُوَالَاةُ، وَ) لَا (نِيَّةُ الْجَمْعِ) فِي الْأُولَى (عَلَى الصَّحِيحِ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا عَدَمُ التَّرْتِيبِ فَلِأَنَّ الْوَقْتَ لِلثَّانِيَةِ فَلَا تُجْعَلُ تَابِعَةً. وَأَمَّا عَدَمُ الْمُوَالَاةِ فَلِأَنَّ الْأُولَى بِخُرُوجِ وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ قَدْ أَشْبَهَتْ الْفَائِتَةَ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْأَذَانِ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَائِتَةٌ، وَيَنْبَنِي عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ عَدَمُ وُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمْعِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَوَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمْعِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ قَالَ: فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ سُنَّةٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا كُلَّهَا وَاجِبَةٌ (وَ) إنَّمَا (يَجِبُ) لِلتَّأْخِيرِ أَمْرَانِ فَقَطْ: أَحَدُهُمَا: (كَوْنُ التَّأْخِيرِ) إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ (بِنِيَّةِ الْجَمْعِ) قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى بِزَمَنٍ لَوْ ابْتَدَئْت فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُمْ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَهُوَ مُبَيَّنٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدَاءِ فِي الرَّوْضَةِ الْأَدَاءُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ يُؤْتَى بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ، فَتَسْمِيَتُهُ أَدَاءً بِتَبَعِيَّةِ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ صَارَتْ قَضَاءً خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ نِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَوْ بِنِيَّتِهِ فِي زَمَنٍ لَا يَسَعُهَا (فَيَعْصِي وَتَكُونُ قَضَاءً) لِخُلُوِّ الْوَقْتِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمِ. وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ: لَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَعْصِ، وَكَانَ جَامِعًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَعْصِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ جَامِعًا لِفَقْدِ النِّيَّةِ. . الشَّرْطُ الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ التَّقْدِيمِ دَوَامُ سَفَرِهِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا) بِأَنْ صَلَّى الْأُولَى فِي وَقْتِهَا نَاوِيًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مُقِيمًا بَطَلَ الْجَمْعُ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَأْخِيرًا فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَقَبْلَهُ يَجْعَلُ الْأُولَى قَضَاءً. وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ تَقْدِيمًا.   [مغني المحتاج] الْجَمْعَ (فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أَوْ فِي الْأُولَى كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (مُقِيمًا) بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ بِانْتِهَاءِ السَّفِينَةِ إلَى الْمَقْصِدِ (بَطَلَ الْجَمْعُ) لِزَوَالِ سَبَبِهِ، فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا. أَمَّا الْأُولَى فَلَا تَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ جَمْعٍ فِيهِ تَسَاهُلٌ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ يَجْمَعُ، وَلَوْ شَكَّ فِي صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَيَقُّنِ الْإِقَامَةِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَزَالَ السَّبَبُ لَدَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ (وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا) لَوْ صَارَ مُقِيمًا (لَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ) لِانْعِقَادِهَا أَوْ تَمَامِهَا قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ قِيَاسًا فِي الْأُولَى عَلَى الْقَصْرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَصْرَ يُنَافِي الْإِقَامَةَ بِخِلَافِ الْجَمْعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إذَا خَرَجَ الْآخِذُ قَبْلَ الْحَوْلِ عَنْ الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا قَدْ تَمَّتْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَصَرَ ثُمَّ طَرَأَتْ الْإِقَامَةُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخَذَهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهَا. الْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ أَمْرَيْ التَّأْخِيرِ: دَوَامُ سَفَرِهِ إلَى تَمَامِهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (أَوْ) جَمَعَ (تَأْخِيرًا فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ) ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ لِتَمَامِ الرُّخْصَةِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ (وَقَبْلَهُ) أَيْ فَرَاغِهِمَا (يَجْعَلُ الْأُولَى قَضَاءً) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ فِي الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ وَقَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا. وَفِي الْمَجْمُوعِ: إذَا أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْلِيلُهُمْ مُنْطَبِقٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأُولَى فَلَوْ عَكَسَ وَأَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَقَدْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِ الْمَتْبُوعَةِ وَأَوَّلُ التَّابِعَةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَنَّهَا أَدَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ، وَأَجْرَى الطَّاوُسِيُّ الْكَلَامَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَقَالَ: وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِدَوَامِ السَّفَرِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ فِي جَمِيعِ التَّأْخِيرِ، بَلْ شَرَطَ دَوَامَهُ إلَى تَمَامِهِمَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَّا فِي السَّفَرِ، وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ عَقْدِ الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ. وَأَمَّا وَقْتُ الْعَصْرِ فَيَجُوزُ فِيهِ الظُّهْرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَنْصَرِفُ فِيهِ الظُّهْرُ إلَى السَّفَرِ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِيهِمَا، وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فِيهِ وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهِمَا فِي غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ اهـ وَكَلَامُ الطَّاوُسِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ فَقَالَ: (وَيَجُوزُ الْجَمْعُ) وَلَوْ لِمُقِيمٍ كَمَا يَجْمَعُ بِالسَّفَرِ وَلَوْ جَمَعَهُ مَعَ الْعَصْرِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (بِالْمَطَرِ) وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا بِحَيْثُ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ ذَائِبِينَ وَشَفَّانٍ كَمَا سَيَأْتِي، (تَقْدِيمًا) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» . زَادَ مُسْلِمٌ «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَالِكٍ: أَرَى ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وَالْجَدِيدُ مَنْعُهُ تَأْخِيرًا. وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ وُجُودُهُ أَوَّلَهُمَا. وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى. وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا. وَالْأَظْهَرُ تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ.   [مغني المحتاج] «مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» . قَالَ: وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَوْلَى. قَالَ: يَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ: الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ أَوْ لَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ، فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ (وَالْجَدِيدُ مَنْعُهُ تَأْخِيرًا) لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ إلَى الْجَامِعِ فَقَدْ يَنْقَطِعُ، فَيُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَالْقَدِيمُ جَوَازُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى السَّفَرِ. (وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ) بَعْدَ شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ فِي جَمْعِهِ بِالسَّفَرِ (وُجُودُهُ) أَيْ الْمَطَرِ (أَوَّلَهُمَا) أَيْ الصَّلَاتَيْنِ لِتَحَقُّقِ الْجَمْعِ مَعَ الْعُذْرِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى) لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اعْتِبَارُ امْتِدَادِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا) لِبَلِّهِمَا الثَّوْبَ، وَالشَّفَّانُ وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِضَمِّهَا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَلَا بِكَسْرِهَا كَمَا وَقَعَ لِلْقَمُولِيِّ وَبِتَشْدِيدِ الْفَاءِ بَرَدُ رِيحٍ فِيهِ بَلَلٌ كَالْمَطَرِ. (وَالْأَظْهَرُ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ (تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً) بِمُصَلًّى (بِمَسْجِدٍ) أَوْ غَيْرِهِ (بَعِيدٍ) عَنْ بَابِ دَارِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ، (يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ) إلَيْهِ نَظَرًا إلَى الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا، بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمُصَلَّى فِي كُنَّ أَوْ كَانَ الْمُصَلَّى قَرِيبًا فَلَا يَجْمَعُ لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي. وَأَمَّا جَمْعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَطَرِ مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ كَانَتْ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ بُيُوتَهُنَّ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً وَأَكْثَرُهَا كَانَ بَعِيدًا، فَلَعَلَّهُ حِينَ جَمَعَ لَمْ يَكُنْ بِالْقَرِيبِ، وَبِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِالْمَطَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ، وَبِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا بِمُصَلَّى لِانْتِفَاءِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلِمَنْ اتَّفَقَ لَهُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ: أَيْ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَجْمَعَ وَإِلَّا لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَيْ أَوْ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ أَوْ فِي إقَامَتِهِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ. وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ يَجْمَعُ الْعَصْرَ مَعَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَالَ الْخُطْبَةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحَلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ. وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازُهُ بِالْمَذْكُورَاتِ وَقَالَ: وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا فِي الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، لَكِنْ فَرَضَهُ فِي الْمَرَضِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَدْ ظَفِرْتُ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجَّ] . وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاعِيَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ   [مغني المحتاج] الْأَرْفَقَ بِنَفْسِهِ، فَمَنْ يُحَمُّ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ يُقَدِّمُهَا بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ، أَوْ فِي وَقْتِ الْأُولَى يُؤَخِّرُهَا بِالْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُلْحِقُوا الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ كَمَا فِي عُذْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا، وَالْجَامِعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ، وَلِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا، بَلْ كُلُّ مَا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْوَحَلُ مِنْهُ، وَعُذْرُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَمْ تَجِئْ بِالْوَحَلِ. . تَتِمَّةٌ: إذَا جَمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَدَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَهُ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ أَجَمَعَ تَقْدِيمًا أَمْ تَأْخِيرًا، وَتَوْسِيطُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا سَوَاءٌ قَدَّمَ الظُّهْرَ أَمْ الْعَصْرَ، وَإِذَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ أَخَّرَ سُنَّتَهُمَا، وَلَهُ تَوْسِيطَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا وَقَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَتَوْسِيطَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا، وَقَدَّمَ الْعِشَاءَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سُنَّةً مُقَدَّمَةً، فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي جَمْعَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. . خَاتِمَةٌ: قَدْ جَمَعَ فِي الرَّوْضَةِ مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ، فَقَالَ: الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعٌ: الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْجَمْعُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ أَيْضًا أَرْبَعٌ: تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفَرِ، وَالتَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالسَّفَرِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ، وَلَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَلَا وَكِيلَهُ وَلَا الْحَاكِمَ وَلَا الْأَمِينَ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ ضَرَّةَ زَوْجَتِهِ بِقُرْعَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَوَقَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ عَكْسِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ سَهْوٌ. . [بَابٌ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] 1 ِ (1) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَجَمْعُهَا جُمُعَاتٌ وَجُمَعٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 إنَّمَا تَتَعَيَّنُ   [مغني المحتاج] لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا. وَقِيلَ: لِمَا جُمِعَ فِي يَوْمِهَا مِنْ الْخَيْرِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ آدَمَ. وَقِيلَ: لِاجْتِمَاعِهِ فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَيْ الْمُبِينِ الْمُعَظَّمِ. وَقِيلَ يَوْمُ الرَّحْمَةِ قَالَ الشَّاعِرُ: [الْبَسِيطَ] نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمْ خَلَطُوا ... يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَيَوْمُهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَخَيْرُ يَوْمِ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، يُعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ سِتَّمِائَةَ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ، مَنْ مَاتَ فِيهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَفِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ مَرْفُوعًا «يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الْأَضْحَى» وَهِيَ بِشُرُوطِهَا فَرْضُ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: 9] [الْجُمُعَةَ] أَيْ امْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ. وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» (2) . وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ» (2) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَفُرِضَتْ الْجُمُعَةُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُصَلِّهَا حِينَئِذٍ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهَا عِنْدَهُ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ شِعَارِهَا الْإِظْهَارَ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا مُسْتَخْفِيًا، وَالْجَدِيدُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتَهُ وَتُدْرَكُ بِهِ، بَلْ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ: وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالْآدَابِ، وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ لِصِحَّتِهَا، وَشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَبِآدَابٍ، وَسَتَأْتِي كُلُّهَا. وَ (إنَّمَا تَتَعَيَّنُ) أَيْ تَجِبُ وُجُوبَ عَيْنٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ. وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَالْمُكَاتَبُ وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ.   [مغني المحتاج] لِصِحَّتِهَا (عَلَى كُلِّ) مُسْلِمٍ (مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ (حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفٍ وَعُرْيٍ وَجُوعٍ وَعَطَشٍ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ إلَخْ، وَلِهَذَا أُسْقِطَ قَيْدُ الْإِسْلَامِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا «لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ» لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلَا عَلَى مَرِيضٍ، لِحَدِيثِ «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى فَلَا تَلْزَمُهُ، وَبِالْمَرِيضِ نَحْوُهُ كَمَا شَمِلَهُمَا قَوْلُهُ. (وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ فِي الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الرِّيحَ بِاللَّيْلِ لَا يُمْكِنُ عُذْرُهَا، وَتَوَقَّفَ السُّبْكِيُّ فِي قِيَاسِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَقَالَ: كَيْفَ يُلْحَقُ فَرْضُ الْعَيْنِ بِمَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مَا سَاوَتْ مَشَقَّتُهُ مَشَقَّةَ الْمَرَضِ يَكُونُ عُذْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَرَضِ الْمَنْصُوصِ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا بِدَلِيلٍ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجُمُعَةُ كَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْأَصْحَابِ، وَمِنْ الْأَعْذَارِ: الِاشْتِعَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَإِسْهَالٌ لَا يَضْبِطُ الشَّخْصُ نَفْسَهُ مَعَهُ، وَيُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْحَبْسَ عُذْرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِيهِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يَجِبُ إطْلَاقُهُ لِفِعْلِهَا وَالْغَزَالِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي مَنْعِهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَوْلَى وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْحَبْسِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِإِقَامَتِهَا فَهَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي لَا يَعْسُرُ فِيهَا الِاجْتِمَاعُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ لَهُمْ أَمْ لَا اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. (وَالْمُكَاتَبُ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَشْعَرَ عَطْفُهُ عَلَى مَنْ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي تَرْكِهَا فَإِنَّهُ رَقِيقٌ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيُشِيرَ إلَى خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ دُونَ الْقِنِّ (وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ كَمَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَتْ الْجُمُعَةُ فِي نَوْبَتِهِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ الْمَتْنِ أَنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا. (وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ) مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَذَلِكَ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا إذَا أَجْزَأَتْ عَنْ الْكَامِلِينَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ، فَأَصْحَابُ الْعُذْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ رِفْقًا بِهِمْ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ. وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ: تُجْزِئُهُ الْجُمُعَةُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّحَّةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمِ بِمَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَلَا تُجْزِئُهُ، وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهَا لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ لِيَتَعَوَّدَ إقَامَتَهَا وَيَتَمَرَّنَ عَلَيْهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِبَاقِي الصَّلَوَاتِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْعَجُوزُ إنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا. (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ (أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) وَنَحْوِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ النُّقْصَانُ لَا يَرْتَفِعُ بِحُضُورِهِمْ (إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ) مِمَّنْ أُلْحِقَ بِهِ كَأَعْمَى لَا يَجِدُ قَائِدًا (فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ) قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهَا (إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ لِزَوَالِ الْمَشَقَّةِ بِالْحُضُورِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ) فِعْلَهَا وَلَمْ تُقَمْ الصَّلَاةُ فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ. أَمَّا إذَا أُقِيمَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَّا إذَا كَانَ ثَمَّ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ كَمَنْ بِهِ إسْهَالٌ ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فَأَحَسَّ بِهِ، بَلْ إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَبَقَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي الصَّلَاةِ كَانَ لَهُ الِانْصِرَافُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ زَادَ ضَرَرُ الْمَعْذُورِ بِتَطْوِيلِ الْإِمَامِ كَأَنْ قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ كَانَ لَهُ الِانْصِرَافُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْجَامِعِ عَنْ الِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ وَلَوْ بِقَلْبِهَا ظُهْرًا لِتَلَبُّسِهِمْ بِالْفَرْضِ. (وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا) مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً وَلَوْ آدَمِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ) عَلَيْهِمَا كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَالشَّيْخُ مَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَالْمَرْأَةُ شَيْخَةٌ وَتَصْغِيرُهُ شُيَيْخٌ، وَلَا يُقَالُ شُوَيْخٌ وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَالْهَرَمُ أَقْصَى الْكِبَرِ، وَالزَّمَانَةُ: الِابْتِلَاءُ وَالْعَاهَةُ (وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا) وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ يَجِدُهَا أَوْ مُتَبَرِّعًا أَوْ مِلْكًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلضَّرَرِ. نَعَمْ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْحُضُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الضَّرَرِ وَهَذَا لَا يَتَضَرَّرُ. (وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ الْمُسْتَوْطِنِينَ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ) مِنْ مُؤَذِّنٍ (عَالٍ) يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ فِي عُلُوِّ الصَّوْتِ (فِي هُدُوٍّ) أَيْ وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ (مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ) مَعَ اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ (لَزِمَتْهُمْ) وَالْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ أَصَمَّ وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ. أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَرْيَةَ كَالْمَدِينَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 وَإِلَّا فَلَا. وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ   [مغني المحتاج] «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى عَالٍ لِأَنَّهُ لَا ضَبْطَ لِحَدِّهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ فِي أَرْضٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَطَبَرِسْتَانَ وَتَابَعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهَا بَيْنَ أَشْجَارٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُلُوُّ عَلَى مَا يُسَاوِي الْأَشْجَارَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُقَالُ: الْمُعْتَبَرُ السَّمَاعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ وَفِي ذَلِكَ مَانِعٌ فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ فَحُضُورُ الْأَكْثَرِ جَمَاعَةً أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ أَوْلَى كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ. وَقِيلَ: مُرَاعَاةُ الْأَبْعَدِ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَا بَلَغَهُمْ الصَّوْتُ الْمَذْكُورُ (فَلَا) تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ، وَلَوْ ارْتَفَعَتْ قَرْيَةٌ فَسَمِعَتْ وَلَوْ سَاوَتْ لَمْ تَسْمَعْ أَوْ انْخَفَضَتْ فَلَمْ تَسْمَعْ وَلَوْ سَاوَتْ لَسَمِعَتْ لَزِمَتْ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْخَبَرُ السَّابِقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَوْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ لَلَزِمَتْ الْبَعِيدَ الْمُرْتَفِعَ دُونَ الْقَرِيبِ الْمُنْخَفِضِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ وُجِدَتْ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ فَدَخَلُوا بَلَدًا وَصَلَّوْهَا فِيهَا سَقَطَتْ عَنْهُمْ، سَوَاءٌ سَمِعُوا النِّدَاءَ أَمْ لَا، وَحَرُمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ: لِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَحَضَرَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَوْ رَجَعُوا إلَى أَهْلِهِمْ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَصَحِّ، فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ. نَعَمْ لَوْ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ انْصِرَافِهِمْ كَأَنْ دَخَلَ عَقِبَ سَلَامِهِمْ مِنْ الْعِيدِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ تَرْكُهَا. (وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا (السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّ وُجُوبَهَا تَعَلَّقَ بِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيتُهُ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَافَرَ لَمْ يَتَرَخَّصْ إلَّا إذَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ وَيُحْسَبُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ مِنْ فَوَاتِهَا لِانْتِهَاءِ سَبَبِ الْمَعْصِيَةِ (إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي) مَقْصِدِهِ أَوْ (طَرِيقِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. قَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ: هَذَا إذَا لَمْ تَبْطُلْ جُمُعَةُ بَلَدِهِ بِسَبَبِهِ بِأَنْ يَنْقُصَ بِهِ عَدَدُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْجُمُعَةَ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ: أَيْ فَهُوَ بَحْثٌ لَهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ بِسَفَرِهِ يَصِيرُونَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (1) وَإِلَّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّفَرُ فَوْرًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَإِنْقَاذِ نَاحِيَةٍ وَطِئَهَا الْكُفَّارُ، أَوْ أَسْرَى اخْتَطَفُوهُمْ وَجُوِّزَ إدْرَاكُهُمْ، بَلْ الْوَجْهُ وُجُوبُ تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَضْلًا عَنْ جَوَازِهَا. فَإِنْ قِيلَ: التَّعْبِيرُ بِالْإِمْكَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِصِدْقِهِ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَلَا شَكَّ فِي التَّحْرِيمِ وَمَعَ التَّرَدُّدِ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمُتَّجَهُ التَّحْرِيمُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَلَبَةُ ظَنِّ الْإِدْرَاكِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِعِبَارَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِقَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْإِدْرَاكِ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ كَثِيرًا مَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ كَبَعْدِهِ فِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ طَاعَةً جَازَ. قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَيُخْفُونَهَا إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ. وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ   [مغني المحتاج] يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَيُرِيدُونَ بِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ (أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ) لَهَا (عَنْ الرُّفْقَةِ) فَلَا يَحْرُمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ بِلَا ضَرَرٍ لَيْسَ عُذْرًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الصَّوَابُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ بِأَنَّ الظُّهْرَ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَبِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَسَائِلِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ (وَقَبْلَ الزَّوَالِ) وَأَوَّلُهُ الْفَجْرُ (كَبَعْدِهِ فِي) الْحُرْمَةِ فِي (الْجَدِيدِ) فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْجُمُعَةُ فِي مَقْصِدِهِ أَوْ طَرِيقِهِ أَوْ تَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْقَدِيمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْوُجُوبِ: وَهُوَ الزَّوَالُ، وَكَبَيْعِ النِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ. وَلِذَلِكَ يَجِبُ السَّعْيُ لَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ وَيُعْتَدُّ بِغُسْلِهَا وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْإِفْرَادِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي. هَذَا (إنْ كَانَ السَّفَرُ مُبَاحًا) كَسَفَرِ تِجَارَةٍ وَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ (وَإِنْ كَانَ طَاعَةً) وَاجِبًا كَانَ كَسَفَرِ حَجٍّ أَوْ مَنْدُوبًا كَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (جَازَ) قَطْعًا (قُلْت: الْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ (أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ) فَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ صِحَّةِ نَصٍّ فِي التَّفْرِقَةِ. وَيُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ وَارْتَضَاهُ. وَفِي الْإِحْيَاءِ «مَنْ سَافَرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ» . (وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ) وَهُمْ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ (تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ) فِي وَقْتِهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الطَّالِبَةِ لِلْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ شِعَارُ الْجُمُعَةِ. أَمَّا إذَا كَانُوا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تُسْتَحَبُّ لَهُمْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُخْفُونَهَا) نَدْبًا (إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ) لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَوْ تَرْكِ الْجُمُعَةِ تَسَاهُلًا، بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: يُكْرَهُ لَهُمْ إظْهَارُهَا وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرٌ إذَا أَقَامُوهَا بِالْمَسَاجِدِ، فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا تُهْمَةَ فَلَا يُنْدَبُ الْإِخْفَاءُ. وَقِيلَ: يُنْدَبُ مُطْلَقًا. (وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ) قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَالْمَرِيضِ يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ وَالرَّقِيقِ يَرْجُو الْعِتْقَ (تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ) إدْرَاكِ (الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ فَرْضِ أَهْلِ الْكَمَالِ، وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: بِأَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَأُيِّدَ بِمَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وَلِغَيْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيلُهَا. وَلِصِحَّتِهَا مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: وَقْتُ الظُّهْرِ فَلَا تُقْضَى جُمُعَةً. فَلَوْ ضَاقَ عَنْهَا صَلَّوْا ظُهْرًا.   [مغني المحتاج] السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ لَازِمَةٌ فَلَا تُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِهَا هُنَا، ثُمَّ مَحَلُّ الصَّبْرِ إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَإِلَّا فَلَا يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ صَلَّى الْمَعْذُورُ قَبْلَ فَوَاتِهَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا لَمْ تَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَ وَقْتِهِ إلَّا إنْ كَانَ خُنْثَى فَبَانَ رَجُلًا، فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ. (وَ) يُنْدَبُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ عُذْرِهِ (كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ) الَّذِي لَا يَجِدُ مَرْكَبًا (تَعْجِيلُهَا) أَيْ الظُّهْرِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ: هَذَا كَالْأَوَّلِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَطُ لَهَا، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُهَا. قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ التَّوَسُّطُ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُهَا وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشَطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّوَسُّطِ شَيْءٌ أَبْدَاهُ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ جَازِمًا جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ يَعِنُّ لَهُ بَعْدَ الْجَزْمِ أَنَّهُ يَحْضُرُ، وَكَمْ مِنْ جَازِمٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَنَسَبَهُ الْقَاضِي لِلْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ زَائِدَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ (وَلِصِحَّتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا) مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا: وَقْتُ الظُّهْرِ) بِأَنْ تَقَعَ كُلُّهَا فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ. لَنَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» (1) ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّهُمَا فَرْضَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يَخْتَلِفْ وَقْتُهُمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ (فَلَا تُقْضَى) إذَا فَاتَتْ (جُمُعَةٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، بَلْ تُقْضَى ظُهْرًا بِالْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا تُقْضَى بِالْفَاءِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوِ وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً وَهُوَ الْقَضَاءُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمٍ آخَرَ كَمَا فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (فَلَوْ ضَاقَ) الْوَقْتُ (عَنْهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ يَقْتَصِرُ فِيهِمَا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (صَلَّوْا ظُهْرًا) كَمَا لَوْ فَاتَ شَرْطُ الْقَصْرِ لَزِمَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَلَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا لَمْ يَجُزْ الشُّرُوعُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ مَدَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى حَتَّى تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَا يَسَعُ الثَّانِيَةَ هَلْ تَنْعَقِدُ ظُهْرًا الْآنَ أَوْ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُجِّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 وَلَوْ خَرَجَ وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً، وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا. وَالْمَسْبُوقُ كَغَيْرِهِ. وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً   [مغني المحتاج] لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا فَأَكَلَهُ فِي الْيَوْمِ هَلْ يَحْنَثُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا وَالرَّاجِحُ غَدًا. (وَلَوْ خَرَجَ) الْوَقْتُ (وَهُمْ فِيهَا) فَاتَتْ سَوَاءٌ أَصَلَّى فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا فَفَاتَتْ بِفَوَاتِهِ كَالْحَجِّ (وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً) عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهَا فَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ وَاحِدٍ فَجَازَ بِنَاءُ أَطْوَلِهِمَا عَلَى أَقْصَرِهِمَا كَصَلَاةِ الْحَضَرِ مَعَ السَّفَرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ (وَفِي قَوْلٍ) مُخَرَّجٍ (اسْتِئْنَافًا) فَيَنْوُونَ الظُّهْرَ حِينَئِذٍ، وَهَلْ يَنْقَلِبُ مَا فَعَلَ مِنْ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا أَوْ يَبْطُلُ؟ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَوَّلًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْنِي، وَعَلَى الثَّانِي يَسْتَأْنِفُ. وَقَضِيَّةُ هَذَا الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ الثَّانِي، لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا كَمَا مَرَّ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا ظُهْرًا وَإِنْ شَاءُوا قَلَبُوهَا نَفْلًا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ، وَالْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ الْبِنَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ اتِّحَادُ التَّرْجِيحِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْوَقْتِ وَهْمٌ فِيهَا لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ. وَقِيلَ: يُؤَثِّرُ كَالشَّكِّ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِهَا، وَلَوْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ. فَالْأَوْجَهُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ فِي إتْمَامِهَا جُمُعَةً عَمَلًا بِخَبَرِ الْعَدْلِ كَمَا فِي غَالِبِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ. (وَ) أَمَّا (الْمَسْبُوقُ) الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَهُوَ (كَغَيْرِهِ) فِيمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَيَقْتَصِرَ عَلَى الْفَرَائِضِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ إلَّا بِذَلِكَ (وَقِيلَ يُتِمُّهَا جُمُعَةً) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَهِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَلَوْ سَلَّمُوا مِنْهَا هُمْ، أَوْ الْمَسْبُوقُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ عَالِمِينَ بِخُرُوجِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَتَعَذَّرَ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُمْ بِخُرُوجِهِ لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ، فَسَلَامُهُمْ كَالسَّلَامِ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ عَمْدًا، وَلَوْ قَلَبُوهَا نَفْلًا قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَلَبُوا الظُّهْرَ نَفْلًا وَإِنْ سَلَّمُوا جَاهِلِينَ بِخُرُوجِهِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا لِعُذْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَنْحَطَّ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْوَقْتُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْقَوْمِ كَمَا حَطَّ عَنْهُ الْقُدْوَةَ وَالْعَدَدَ لِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي. أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِرِعَايَتِهِ أَكْثَرَ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الِانْفِضَاضِ الْمُخِلِّ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ اخْتِلَافِهِ فِي فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِوُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ خَارِجَ الْوَقْتِ. وَلَوْ سَلَّمَ الْأُولَى الْإِمَامُ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا الْبَاقُونَ خَارِجَهُ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ فَقَطْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَكَذَا جُمُعَةُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ لَوْ نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ كَأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِيهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَعَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ خَارِجَهُ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَبَيَّنَ حَدَثُ الْمَأْمُومِينَ دُونَ الْإِمَامِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَيَانِ مَعَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 الثَّانِي: أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ. وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ أَبَدًا فَلَا جُمُعَةَ فِي الْأَظْهَرِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا   [مغني المحتاج] عَدَمِ انْعِقَادِ صَلَاتِهِمْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ الْمُحْدِثَ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا، بِخِلَافِهَا خَارِجَ الْوَقْتِ. (الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ: أَيْ الْمُصَلِّينَ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَسْجِدٍ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَالْخِطَّةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: الْأَرْضُ الَّتِي خَطَّ عَلَيْهَا إعْلَامًا بِأَنَّهُ اخْتَارَهَا لِلْبِنَاءِ، وَأَرَادَ بِهَا الْمُصَنِّفُ الْأَمْكِنَةَ الْمَعْدُودَةَ مِنْ الْبَلَدِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَبْنِيَةُ مُجْتَمِعَةً، وَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ الْأَبْنِيَةُ وَأَقَامُوا لِعِمَارَتِهَا لَمْ يَضُرَّ انْهِدَامُهَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي مَظَالٍّ لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ، وَلَا تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ إلَّا فِي هَذَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلُوا مَكَانًا وَأَقَامُوا فِيهِ لِيَعْمُرُوهُ قَرْيَةً لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ خَارِجَ الْأَبْنِيَةِ خَلْفَ جُمُعَةٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَسَوَاءٌ فِي الْأَبْنِيَةِ الْبِلَادُ وَالْقُرَى وَالْأَسْرَابُ الَّتِي تُسْتَوْطَنُ جَمْعُ سَرَبٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: بَيْتٌ فِي الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ بِالْخَشَبِ وَغَيْرِهِ كَطِينٍ وَقَصَبٍ وَسَعَفٍ، وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي فَضَاءٍ مَعْدُودٍ مِنْ الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمَعَةِ بِحَيْثُ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْكِنِّ الْخَارِجِ عَنْهَا الْمَعْدُودِ مِنْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْدُودِ مِنْهَا، فَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِي الْكِنِّ الْخَارِجِ عَنْهَا أَرَادَ هَذَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْقُرَى يُؤَخِّرُونَ الْمَسْجِدِ عَنْ جِدَارِ الْقَرْيَةِ قَلِيلًا صِيَانَةً لَهُ عَنْ نَجَاسَةِ الْبَهَائِمِ، وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِيهِ بَعِيدٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ بَنَى أَهْلُ الْبَلَدِ مَسْجِدَهُمْ خَارِجَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ الْبِنَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ لَا يُعَدُّ بِهِ مِنْ الْقَرْيَةِ اهـ. وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. (وَلَوْ لَازَمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ) أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا (أَبَدًا) وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ النِّدَاءُ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (فَلَا جُمُعَةَ) عَلَيْهِمْ، وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسْتَوْفِزِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَبْنِيَةُ الْمُسْتَوْطِنِينَ، وَلِأَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ كَانُوا مُقِيمِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَمَا كَانُوا يُصَلُّونَهَا، وَمَا أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا. وَالثَّانِي تَجِبُ وَيُقِيمُونَهَا فِي مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ وَطَنُهُمْ، أَمَّا إذَا بَلَغَهُمْ النِّدَاءُ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ لَمْ يُلَازِمُوهُ أَبَدًا بِأَنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِمْ جَزْمًا. (الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) وَلَوْ عَظُمَتْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُقِيمُوا سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 إلَّا إذَا كَبُرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان، وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ. وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا كَانَا كَبَلَدَيْنِ. وَقِيلَ إنْ كَانَتْ قُرًى فَاتَّصَلَتْ تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا، فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ، وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ،   [مغني المحتاج] أَفْضَى إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ الِاجْتِمَاعِ وَاتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ فِعْلُهَا فِي مَسْجِدَيْنِ لَجَازَ فِي مَسَاجِدِ الْعَشَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا (إلَّا إذَا كَبُرَتْ) أَيْ الْبَلْدَةُ (وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ مَوْضِعٌ يَسَعُهُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ التَّعَدُّدُ لِلْحَاجَةِ بِحَسَبِهَا، لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - دَخَلَ بَغْدَادَ وَأَهْلُهَا يُقِيمُونَ بِهَا جُمُعَتَيْنِ، وَقِيلَ: ثَلَاثًا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى عُسْرِ الِاجْتِمَاعِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَا يَحْتَمِلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِهِ أَفْتَى الْمُزَنِيّ بِمِصْرَ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُسْرِ بِمَنْ يُصَلِّي كَمَا قَالَهُ شَيْخِي لَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ، وَلَا بِجَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ (وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ) وَتُحْتَمَلُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ فِي الِاجْتِمَاعِ، وَهَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُتَابِعِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَإِنَّمَا سَكَتَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّعَدُّدِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا بَعِيدٌ، ثُمَّ انْتَصَرَ لَهُ وَصَنَّفَ فِيهِ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا، وَنَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَنْكَرَ نِسْبَةَ الْأَوَّلِ لِلْأَكْثَرِ وَأَطْنَبَ فِي ذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ صَلَّى جُمُعَةً بِبَلَدٍ تَعَدَّدَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبْقَ جُمُعَتِهِ أَنْ يُعِيدَهَا ظُهْرًا. (وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا) كَبَغْدَادَ (كَانَا) أَيْ الشِّقَّانِ (كَبَلَدَيْنِ) فَتُقَامُ فِي كُلِّ شِقٍّ جُمُعَةٌ. (وَقِيلَ إنْ كَانَتْ) أَيْ الْبَلْدَةُ (قُرًى فَاتَّصَلَتْ) أَبْنِيَتُهَا (تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا) فَتُقَامُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ جُمُعَةٌ كَمَا كَانَ (فَلَوْ سَبَقَهَا جُمُعَةٌ) فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فِيهِ (فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ) لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهَا، وَاللَّاحِقَةُ بَاطِلَةٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ (وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ) إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا (فَهِيَ الصَّحِيحَةُ) حَذَرًا مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ وَمِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُصَلِّينَ مَعَهُ بِإِقَامَةِ الْأَقَلِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّ كُلَّ خَطِيبٍ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ هُوَ كَالسُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ اهـ. . وَقَالَ الْجِيلِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ خَلِيفَتُهُ فِي الْإِمَامَةِ أَوْ الرَّاتِبُ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا الْقَوْلُ مُقَيَّدٌ فِي الْأُمِّ بِأَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلُ الْإِمَامِ مَعَ السَّابِقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا فَالْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ. (وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ) بِتَمَامِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الرَّاءُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْآخَرُ بِالْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ بِهِ الِانْعِقَادَ مِنْ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: الْعِبْرَةُ بِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ الْهَمْزَةُ مِنْ اللَّهِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا أَحْرَمَ إمَامُ جُمُعَةٍ ثُمَّ إمَامُ أُخْرَى بِهَا ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ ثُمَّ بِالْأَوَّلِ مِثْلُهُمْ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، إذْ بِإِحْرَامِهِ تَعَيَّنَتْ جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى، وَقِيلَ: الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 وَقِيلَ التَّحَلُّلُ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ صَلَّوْا ظُهْرًا، وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةً. الرَّابِعُ: الْجَمَاعَةُ وَشَرْطُهَا كَغَيْرِهَا، وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ   [مغني المحتاج] الْإِمَامَ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ وُجُودِ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَ الْقَوْمُ خَارِجَهُ أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ لِلْجَمِيعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَدَدِ لَا بِالْإِمَامِ وَحْدَهُ (وَقِيلَ) الْمُعْتَبَرُ سَبْقُ (التَّحَلُّلِ) وَهُوَ تَمَامُ السَّلَامِ لِلْأَمْنِ مَعَهُ مِنْ عُرُوضِ فَسَادِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا قَبْلَهُ (وَقِيلَ) السَّبْقُ (بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرُوهُمْ بِأَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا وَاسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَصِحَّ ظُهْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ (فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شَكَّ) فِي الْمَعِيَّةِ، فَلَمْ يَدْرِ أَوَقَعَتَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَدَافُعِهِمَا فِي الْمَعِيَّةِ، فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُمْ إذَا أَعَادُوا الْجُمُعَةَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى، فَالْيَقِينُ أَنْ يُقِيمُوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كَافِيَةٌ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا قَالُوهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلِأَنَّ السَّبْقَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَوْ يُظَنَّ لَمْ يُؤَثِّرْ احْتِمَالُهُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ أَوْ ظَنِّهِ لَا إلَى نَفْسِ الْأَمْرِ (وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ) كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَجَهِلَا الْمُتَقَدِّمَ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ، وَالْعَدْلُ الْوَاحِدُ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا (أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ) بَعْدَهُ (صَلَّوْا ظُهْرًا) لِأَنَّا تَيَقَّنَّا وُقُوعَ جُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ جُمُعَةٍ بَعْدَهَا وَالطَّائِفَةُ الَّتِي صَحَّتْ لَهَا الْجُمُعَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَصْلُ. بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ طَائِفَةٍ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الظُّهْرُ (وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةٌ) لِأَنَّ الْمَفْعُولَتَيْنِ غَيْرُ مُجْزِئَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِالْتِبَاسَ يَجْعَلُ الصَّحِيحَةَ كَالْعَدَمِ فَصَارَ وُجُودُهُمَا كَعَدَمِهِمَا. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنْ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ حَدَثٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ. فَائِدَةٌ: الْجَمْعُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا كَالْجُمُعَتَيْنِ الْمُحْتَاجِ إلَى إحْدَاهُمَا، فَفِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُرْهَانُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ. (الرَّابِعُ) مِنْ الشُّرُوطِ (الْجَمَاعَةُ) بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ فَلَا تَصِحُّ بِالْعَدَدِ فُرَادَى، إذْ لَمْ يُنْقَلْ فِعْلُهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، بِخِلَافِ الْعَدَدِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ رَكْعَةً بِأَرْبَعِينَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَتَمَّ كُلٌّ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ أَجْزَأَتْهُمْ الْجُمُعَةُ (وَشَرْطُهَا كَغَيْرِهَا) مِنْ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ إلَّا فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ فَتَجِبُ هُنَا عَلَى الْأَصَحِّ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ، (وَأَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا مُسْتَوْطِنًا لَا يَظْعَنُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ، وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى. وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ.   [مغني المحتاج] ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ، فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ تَوْقِيفٌ. وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ، وَثَبَتَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَلَا بِأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ أُمِّيٌّ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ لِارْتِبَاطِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ. وَشَرْطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا (مُكَلَّفًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا (حُرًّا) كُلًّا (ذَكَرًا) لِأَنَّ أَضْدَادَهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِنَقْصِهِمْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ رَفْعًا بِهِ لَا لِنَقْصِهِ (مُسْتَوْطِنًا) بِمَحَلِّهَا (لَا يَظْعَنُ) مِنْهُ (شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ) كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْكُفَّارِ وَلَا بِالنِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى، وَغَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ وَمَنْ فِيهِمْ رِقٌّ لِنَقْصِهِمْ وَلَا بِغَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِينَ، كَمَنَ أَقَامَ عَلَى عَزْمِ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ وَلَوْ طَوِيلَةً كَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ لِعَدَمِ التَّوَطُّنِ، وَلَا بِالْمُتَوَطَّنِينَ خَارِجَ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ بِمَحَلِّهَا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إحْرَامِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ لِتَصِحَّ لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ أَوْ لَا؟ اشْتَرَطَ الْبَغَوِيّ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي، وَالرَّاجِحُ صِحَّةُ تَقَدُّمِ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ بَلْ صَوَّبَهُ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، فَإِنْ قِيلَ: تَقَدُّمُ إحْرَامِ الْإِمَامِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى إمَامَتِهِ فِيهَا، وَلِلْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ فِي تَكْلِيفِهِ مَعْرِفَةَ تَقَدُّمِ إحْرَامِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِهِ (وَالصَّحِيحُ) مِنْ قَوْلَيْنِ (انْعِقَادُهَا بِالْمَرْضَى) لِأَنَّهُمْ كَامِلُونَ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفٌ. وَالثَّانِي: لَا كَالْمُسَافِرِينَ، وَالْخِلَافُ قَوْلَانِ لَا وَجْهَانِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ (وَ) الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْنِ أَيْضًا (أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ) إذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالثَّانِي، وَنُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْجُمُعَةِ التَّعَبُّدُ، فَلَا يُنْتَقَلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. . وَتَنْعَقِدُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْجِنِّ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ، لَكِنْ عَنْ النَّصِّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَرَى الْجِنَّ يَكْفُرُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] [الْأَعْرَافَ] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ ادَّعَى رُؤْيَتَهُمْ عَلَى مَا خُلِقُوا عَلَيْهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا تَصَوَّرُوا فِي صُورَةِ بَنِي آدَمَ وَنَحْوِهِمْ اهـ. وَهَذَا حَسَنٌ. وَلَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ أَخْرَسَ فَهَلْ تَنْعَقِدُ جُمُعَتُهُمْ؟ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْجَزْمُ بِالِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْخُطْبَةِ. وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 وَلَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ فِي غَيْبَتِهِمْ، وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، وَفِي قَوْلٍ لَا إنْ بَقِيَ   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ، فَكَانَ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ كَالْوَقْتِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) عَلَى هَذَا (لَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ) الْحَاضِرُونَ (أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (فِي غَيْبَتِهِمْ) لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ لَهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] [الْأَعْرَافَ] . قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِهِ الْخُطْبَةُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ أَرْبَعُونَ جَمِيعَ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ، وَلَا يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي الِانْفِضَاضِ مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُصَلٍّ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَتَسَامَحَ فِي نُقْصَانِ الْعَدَدِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ إسْمَاعُ النَّاسِ، فَإِذَا انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ بَطَلَ حُكْمُ الْخُطْبَةِ، وَإِذَا انْفَضَّ بَعْضُهُمْ بَطَلَ حُكْمُ الْعَدَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَرْبَعِينَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ الْكَامِلِ أَرْبَعُونَ فَانْفَضَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَضُرَّ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ عَلَى الْمَتْنِ (وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى) مِنْهَا (إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ) عُرْفًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ لَوْ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ (وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا) وَعَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ لِمَا مَرَّ (فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ) فِيهِمَا لِلْخُطْبَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ ذَلِكَ إلَّا مُتَوَالِيًا، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَهَا مَوْقِعٌ فِي اسْتِمَالَةِ النَّفْسِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُطْبَةِ هُوَ الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، وَمِنْ الصَّلَاةِ إيقَاعُ الْفَرْضِ فِي جَمَاعَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ التَّفْرِيقِ، وَخَرَجَ بِعَادُوا مَا لَوْ عَادَ بَدَلُهُمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِئْنَافِ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ. (وَإِنْ انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ (فِي الصَّلَاةِ) بِأَنْ أَخْرَجُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ أَبْطَلُوهَا (بَطَلَتْ) أَيْ الْجُمُعَةُ لِفَوَاتِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ فِي دَوَامِهَا فَيُتِمُّهَا مَنْ بَقِيَ ظُهْرًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَطَّأَ الْمَأْمُومُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ بِالْإِحْرَامِ عَقِبَ إحْرَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ أَحْرَمُوا، فَإِنْ تَأَخَّرَ تَحَرُّمُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ، فَإِنْ أَدْرَكُوا الرُّكُوعَ مَعَ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا لِإِدْرَاكِهِمْ الرُّكُوعَ وَالْفَاتِحَةَ مَعَهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَسَبَقَهُ فِي الْأَوَّلِ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ إدْرَاكُهُمْ الرَّكْعَةَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ (وَفِي قَوْلٍ لَا) تَبْطُلُ (إنْ بَقِيَ) اثْنَا عَشَرَ مَعَ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 اثْنَانِ. وَتَصِحُّ خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فِي الْأَظْهَرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ. وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] «أَنَّهُمْ انْفَضُّوا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11] الْجُمُعَةَ الْآيَةَ» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ لَا تُشْتَرَطُ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ، وَرَجَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ فِي الصَّلَاةِ وَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ فَلَعَلَّهُمْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَ (اثْنَانِ) مَعَ الْإِمَامِ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمَّى الْجَمْعِ، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ إنَّهُ يَكْفِي بَقَاءُ وَاحِدٍ مَعَهُ لِوُجُودِ اسْمِ الْجَمَاعَةِ، وَفِي رَابِعٍ أَنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ، وَفِي خَامِسٍ إنْ حَصَلَ الِانْفِضَاضُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ وَالْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ انْفِضَاضُ مُسَمَّى الْعَدَدِ لَا الَّذِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ حَضَرُوا الْخُطْبَةَ ثُمَّ انْفَضُّوا بَعْدَ إحْرَامِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ لَمْ يَسْمَعُوهَا أَتَمَّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا وَالْعَدَدُ تَامٌّ صَارَ حُكْمُهُمْ وَاحِدًا، فَسَقَطَ عَنْهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ، وَإِنْ انْفَضُّوا قَبْلَ إحْرَامِهِمْ بِهِ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ بِهِمْ، فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِدُونِهَا، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ لِانْتِفَاءِ سَمَاعِهِمْ وَلُحُوقِهِمْ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِمْ فَانْفَضُّوا إلَّا ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ فَكَمُلُوا أَرْبَعِينَ بِخُنْثَى، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ بَعْدَ انْفِضَاضِهِمْ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَتُهُمْ لِلشَّكِّ فِي تَمَامِ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَإِلَّا صَحَّتْ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْعِقَادِهَا وَصِحَّتِهَا وَشَكَكْنَا فِي نَقْصِ الْعَدَدِ بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ، وَالْأَصْلُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا نُبْطِلُهَا بِالشَّكِّ، كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ هَلْ كَانَ مَسَحَ رَأْسَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ. (وَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (خَلْفَ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ (إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) لِصِحَّتِهَا مِنْهُمْ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ وَالْعَدَدُ قَدْ وُجِدَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَجُمُعَةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ، وَالِاقْتِدَاءُ بِمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ فِيهَا جَائِزٌ. وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُكْنٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْكَمَالُ كَالْأَرْبَعِينَ بَلْ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ بِالْأَظْهَرِ فِي الثَّلَاثَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ طَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالصِّحَّةِ لَا طَرِيقَةُ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى تَقْدِيرِ إثْبَاتِهِ فِيهِمَا وَجْهَانِ لَا قَوْلَانِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْعَطْفَ إذَا كَانَ بِالْوَاوِ لَا يُفْرَدُ الضَّمِيرُ. أَمَّا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ فَلَا تَصِحُّ جَزْمًا. (وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةُ تَقُومُ بِالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَإِذَا بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا بَانَ أَنْ لَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا جَمَاعَةَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ وَصَحَّحَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ (فَلَا) تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ جَزْمًا لِأَنَّ الْكَمَالَ شَرْطٌ فِي الْأَرْبَعِينَ كَمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. الْخَامِسُ: خُطْبَتَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [مغني المحتاج] مَرَّ وَلَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ لَمْ تَصِحَّ جُمُعَةُ مَنْ كَانَ مُحْدِثًا، وَتَصِحُّ جُمُعَةُ الْإِمَامِ فِيهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْعِلْمَ بِطَهَارَتِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً لِسُهُولَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى حَالِهِمْ. أَمَّا الْمُتَطَهِّرُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَتَصِحُّ جُمُعَتُهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْقَمُولِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعَ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْعَدَدُ فِيهَا، وَلِهَذَا شَرَطْنَاهُ فِي عَكْسِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بَلْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ، وَاحْتَمَلَ فِيهِ حَدَثُهُمْ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ مُنْفَرِدًا فَاغْتُفِرَ لَهُ مَعَ عُذْرِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِلْمُتَطَهِّرِ الْمُؤْتَمِّ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَبَعًا لَهُ. (وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ) أَيْ الَّذِي بَانَ حَدَثُهُ (رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَتَحَمَّلَ بِهِ عَنْ الْغَيْرِ، وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ وَإِنْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَالثَّانِي: يُحْسَبُ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ كُلَّ الرَّكْعَةِ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا لَمْ يَأْتِ بِالْقِرَاءَةِ، وَالْإِمَامُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ مُحْدِثًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كَامِلَةً مَعَ الْإِمَامِ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ سَهْوًا صَحَّتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِزِيَادَتِهَا كَمُصَلٍّ صَلَاةً كَامِلَةً خَلْفَ مُحْدِثٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِإِمَامَةِ الْجُمُعَةِ بِحَالٍ. (الْخَامِسُ) مِنْ الشُّرُوطِ (خُطْبَتَانِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا» (1) وَكَوْنُهُمَا (قَبْلَ الصَّلَاةِ) بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ شَذَّ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُصَلِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بَعْدَهُمَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ خُطْبَتَيْنِ، بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ خُطْبَتَيْهِ مُؤَخَّرَتَانِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تُؤَدَّى جَمَاعَةً فَأُخِّرَتْ لِيُدْرِكَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ، وَلِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ. (وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ) الْأَوَّلُ (حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَ) الثَّانِي (الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ. قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَفِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشْكَالٌ، فَإِنَّ الْخُطْبَةَ الْمَرْوِيَّةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فِعْلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَيَبْعُدُ الِاتِّفَاقُ عَلَى فِعْلِ سُنَّةٍ دَائِمًا، وَقَالَ إنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ اهـ. وَيَدُلُّ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِيَاسُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ.   [مغني المحتاج] الْمُتَقَدِّمُ، وَمَا فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّك عَبْدِي وَرَسُولِي» (وَلَفْظُهُمَا) أَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ (مُتَعَيِّنٌ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهُ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عَصْرِنَا، فَلَا يُجْزِئُ الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا الْعَظَمَةُ وَالْجَلَالُ وَالْمَدْحُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ بَلْ يُجْزِئُ بِحَمْدِ اللَّهِ، أَوْ أَحْمَدُ اللَّهَ، أَوْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوْ اللَّهُ أَحْمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيقَةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْحَاوِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَصَرَّحَ الْجِيلِيُّ بِإِجْزَاءِ أَنَا حَامِدٌ لِلَّهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّرْحَيْنِ تُعَيِّنُ لَفْظَ الْحَمْدِ لِلَّهِ بِاللَّامِ. اهـ. وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ اللَّهِ فَلَا يُجْزِئُ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا فِي التَّكْبِيرِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، بَلْ يُجْزِئُ أُصَلِّي أَوْ نُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ الرَّسُولِ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ الْمَاحِي أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْحَاشِرِ أَوْ النَّاشِرِ أَوْ النَّذِيرِ، وَلَا يَكْفِي رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى جِبْرِيلَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيِّنٌ إنْ أَرَادَ تَعْيِينَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ دُونَ لَفْظِ اللَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ يَتَعَيَّنُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَرَادَ تَعَيَّنَ الْمَذْكُورُ بِجُمْلَتِهِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ رَسُولِ اللَّهِ كَمَا مَرَّ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ لَفْظَ الضَّمِيرِ لَا يَكْفِي هُوَ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ، وَجَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (وَ) الثَّالِثُ (الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالتَّحْذِيرُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ وَالْحَمْلُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الْمَوْعِظَةِ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا كَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ غُرُورِ الدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا فَقَدْ يَتَوَاصَى بِهِ مُنْكِرُ الْبَعْثِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالْحَمْلُ عَلَى الطَّاعَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ، وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَيَكُونُ لَفْظُ التَّقْوَى لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى لَفْظِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ اللَّفْظَيْنِ لَا الْوَصِيَّةِ وَلَا التَّقْوَى، وَهُوَ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَهُ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَجَزَمَ الْإِسْنَوِيُّ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَفَسَّرَ بِهِ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي لَفْظِ الْوَصِيَّةِ وَلَا يَجِبُ لَفْظُ التَّقْوَى قَطْعًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ أَطِيعُوا اللَّهَ (وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ) الْأَرْكَانُ الْمَذْكُورَةُ (أَرْكَانٌ فِي) كُلٍّ مِنْ (الْخُطْبَتَيْنِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إحْدَاهُمَا، وَقِيلَ فِي الْأُولَى، وَقِيلَ فِيهِمَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ. وَالْخَامِسُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ.   [مغني المحتاج] لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلِأَنَّ كُلَّ خُطْبَةٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُخْرَى. (وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَعْدًا لَهُمْ أَمْ وَعِيدًا أَمْ حُكْمًا أَمْ قِصَّةً. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي اعْتِمَادُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ الْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ، وَيَعْضُدُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْبُوَيْطِيِّ وَيَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ثُمَّ نَظَرَ أَوْ ثُمَّ عَبَسَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ آيَةً لِأَنَّهَا غَيْرُ مُفْهِمَةٍ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيَكْفِي كَوْنُهَا (فِي إحْدَاهُمَا) لِأَنَّ الْغَالِبَ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ قِرَاءَتِهِمَا. قَالَ وَكَذَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ صَرِيحًا وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى (وَقِيلَ) تَتَعَيَّنُ (فِي الْأُولَى) فَلَا تُجْزِئُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِتَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ بِالْمُخْتَصِّ بِالثَّانِيَةِ، وَلِأَنَّ الْأُولَى أَحَقُّ بِالتَّطْوِيلِ (وَقِيلَ) تَتَعَيَّنُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَقِيلَ لَا تَجِبُ) فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَسَكَتُوا عَنْ مَحَلِّهِ وَيُقَاسُ بِمَحَلِّ الْوُجُوبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ " ق " فِي الْأُولَى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعِ الْمَوَاعِظِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْحَاضِرِينَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ السُّنَّةُ التَّخْفِيفَ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: فَإِنْ أَبَى قَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] [الْأَحْزَابَ] الْآيَةَ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنْ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ طُولَ فَصْلٍ سَجَدَ مَكَانَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَا تُجْزِئُ آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الْأَرْكَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً. وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا آيَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى الصَّلَاةِ مِنَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِهَا ضِمْنَ آيَةٍ كَقَوْلِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 1] [فَاطِرَ] لَمْ يَمْتَنِعْ، وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْقِرَاءَةِ لِئَلَّا يَتَدَاخَلَا، وَإِنْ قَصْدَهُمَا بِآيَةٍ لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ. عَنْهُمَا بَلْ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ تَضْمِينَ شَيْءٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَنَحْوِهِمَا، وَخَصَّهُ جَمَاعَةٌ فِي الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ نَبَاتَةَ وَغَيْرُهُمَا. (وَالْخَامِسُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) بِأُخْرَوِيٍّ لِنَقْلِ الْخَلَفِ لَهُ عَنْ السَّلَفِ وَيَكُونُ (فِي) الْخُطْبَةِ (الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلِيقُ بِالْخَوَاتِمِ. فَإِنْ قِيلَ: تَعْبِيرُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ لَا يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَاتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لَهُنَّ وَبِهِمَا عَبَّرَ فِي الْوَسِيطِ وَفِي التَّنْزِيلِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَلَوْ خَصَّ بِهِ الْحَاضِرِينَ كَقَوْلِهِ: رَحِمَكُمْ اللَّهُ كَفَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَصَّ بِهِ الْغَائِبِينَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا (وَقِيلَ لَا يَجِبُ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْخُطْبَةِ فَكَذَا فِيهَا كَالتَّسْبِيحِ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَنَصَّ عَلَى هَذَا فِي الْإِمْلَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَبَعْدَ الزَّوَالِ. وَالْقِيَامُ فِيهَا إنْ قَدَرَ. وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا.   [مغني المحتاج] أَبُو حَامِدٍ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَجْمُوعِ وَزِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَصْفِهِ مُجَازَفَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الْكَاذِبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. . ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ شُرُوطِهِمَا وَهِيَ تِسْعَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ أَيْ أَرْكَانِهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْخُطْبَتَيْنِ (عَرَبِيَّةً) لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَلُّمُهَا وَجَبَ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَيَكْفِي فِي تَعَلُّمِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، فَقَدْ صَرَّحُوا فِيمَا إذَا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَعَلُّمُهَا خَطَبَ بِلُغَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهَا الْقَوْمُ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ لُغَةً فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا (مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فَيَبْدَأُ بِالْحَمْدِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ، وَكَذَا أَيْضًا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي الْكَبِيرِ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَيَأْتِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُهَا (بَعْدَ الزَّوَالِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -» . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ، وَكَذَا جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَلَوْ جَازَ تَقْدِيمُهَا لَقَدَّمَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخْفِيفًا عَلَى الْمُبَكِّرِينَ وَإِيقَاعًا لَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (الْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ خَطَبَ قَاعِدًا ثُمَّ مُضْطَجِعًا كَالصَّلَاةِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَا أَسْتَطِيعُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا فَكَإِمَامٍ بَانَ مُحْدِثًا، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ. (وَ) الشَّرْطُ الرَّابِعُ (الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَلَوْ خَطَبَ جَالِسًا لِعَجْزِهِ وَجَبَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ، وَلَا يَكْفِي الِاضْطِجَاعُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ هُنَا شَرْطَيْنِ وَفِي الصَّلَاةِ رُكْنَيْنِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ إلَّا الذِّكْرَ وَالْوَعْظَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ لَيْسَا بِجُزْأَيْنِ مِنْهُمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ. وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ، وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ.   [مغني المحتاج] بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جُمْلَةُ أَعْمَالٍ وَهِيَ كَمَا تَكُونُ أَذْكَارًا تَكُونُ غَيْرَ أَذْكَارٍ. (وَ) الْخَامِسُ (إسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ) أَيْ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِأَرْكَانِهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهَا عَدَدُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا وَعْظُهُمْ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا كَمَا مَرَّ كَالْعَامِّيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا فَلَا يَكْفِي الْإِسْرَارُ كَالْأَذَانِ وَلَا إسْمَاعُ دُونِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فَقَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ أَرْبَعِينَ: أَيْ بِالْإِمَامِ، فَلَوْ كَانُوا صُمًّا أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ تَصِحَّ كَبُعْدِهِمْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ إذَا كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَصَمَّ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ بَعِيدٌ. بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ بِالْإِنْصَاتِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ الْخَطِيبُ مَعْنَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَمَنْ يَؤُمُّ الْقَوْمَ وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْفَاتِحَةِ. (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ) فِيهَا لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْأَرْبَعِينَ بَلْ الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ (وَيُسَنُّ) لِلْقَوْمِ السَّامِعِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِمْ بِوُجُوهِهِمْ لِأَنَّهُ الْأَدَبُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَوْجِيهِهِمْ الْقِبْلَةَ، وَ (الْإِنْصَاتُ) لَهُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] [الْأَعْرَافَ] ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ لِلْحَاضِرِينَ الْكَلَامُ فِيهَا لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» (1) وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ فِيهَا وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلنَّدَبِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ. فَأَمَّا إذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدِبُّ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ قَطْعًا بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ أَغْنَتْ، وَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَلَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا لِلدَّاخِلِ مَا لَمْ يَأْخُذْ لَهُ مَكَانًا وَيَسْتَقِرَّ فِيهِ. وَلَوْ سَلَّمَ دَاخِلٌ عَلَى مُسْتَمِعٍ لِلْخُطْبَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ سُنَّةٌ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ السَّلَامَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ يَجِبُ الرَّدُّ وَالسَّلَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَ الْجُرْجَانِيِّ: إنْ قُلْنَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ كُرِهَ الرَّدُّ اهـ. وَلَكِنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ، وَيُسَنُّ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَهْرِيٌّ. وَيَجِبُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ كَانَ فِيهَا عِنْدَ صُعُودِ الْخَطِيبِ الْمِنْبَرِ وَجُلُوسِهِ، وَلَا يُبَاحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالسَّتْرُ.   [مغني المحتاج] لِغَيْرِ الْخَطِيبِ مِنْ الْحَاضِرِينَ نَافِلَةٌ بَعْدَ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ وَجُلُوسِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَقَلَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلَامِ - حَيْثُ لَا بَأْسَ، بِهِ وَإِنْ صَعَدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ مَا لَمْ يَبْتَدِئْ الْخُطْبَةَ - وَبَيْنَ الصَّلَاةِ - حَيْثُ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ - أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ هَيِّنٌ مَتَى ابْتَدَأَ الْخَطِيبُ الْخُطْبَةَ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ بِهَا سَمَاعُ أَوَّلِ الْخُطْبَةِ وَإِذَا حُرِّمَتْ لَمْ تَنْعَقِدْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَيْسَ لَهَا، وَكَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الْمَكْرُوهَةِ. بَلْ أَوْلَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا هُنَا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا ثَمَّ. وَتُسْتَثْنَى التَّحِيَّةُ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَالْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُصَلِّيهَا نَدْبًا مُخَفَّفَةً وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا. ثُمَّ قَالَ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» (1) هَذَا إنْ صَلَّى سُنَّةَ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا صَلَّاهَا مُخَفَّفَةً وَحَصَلَتْ التَّحِيَّةُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ تَحِيَّةٌ كَأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا، فَإِطْلَاقُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ الرَّاتِبَةِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَرْضًا لَا يَأْتِي بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا الدَّاخِلُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّاهَا فَاتَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ صَلَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلَامِ الْخُطْبَةِ بِقَدْرِ مَا يُكْمِلُهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا قَالَهُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ فِيمَا ذُكِرَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَا الْإِسْرَاعُ قَالَ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَأَرَادَ الْوُضُوءَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمَبْسُوطِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ. وَالشَّرْطُ السَّادِسُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ) بَيْنَ أَرْكَانِهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ لَهَا أَثَرًا ظَاهِرًا فِي اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ، وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ شَبِيهَتَانِ بِصَلَاةِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْوَعْظُ، وَالتَّذْكِيرُ يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقِ الْكَلِمَاتِ. تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَتْ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِانْفِضَاضِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ. (وَ) الشَّرْطُ السَّابِعُ (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ (وَالْخَبَثِ) غَيْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ (وَ) الشَّرْطُ الثَّامِنُ (السَّتْرُ) لِلْعَوْرَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ مُرْتَفِعٌ. وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ   [مغني المحتاج] الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَهَا وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَقَصُرَ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِطَهَارَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَتَطَهَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَأَمَّا سَامِعُو الْخُطْبَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ طَهَارَتُهُمْ وَلَا سَتْرُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: وَأَغْرَبَ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ. وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ: لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَدُعَاءٌ وَقِرَاءَةٌ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ تَجِبُ النِّيَّةُ وَفَرْضِيَّتُهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فَرْضٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَالسَّتْرُ وَالْمُوَالَاةُ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الْقَاضِي أَيْ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ، فَقَالَ (وَتُسَنُّ عَلَى مِنْبَرٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّبْرِ، وَهُوَ الِارْتِفَاعِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ يَمِينُ مُصَلَّى الْإِمَامِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَكَذَا وُضِعَ مِنْبَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ. فَائِدَةٌ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْتَزَمَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَمَسَحَهُ، وَفِي أُخْرَى فَسَمِعْنَا لَهُ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ. وَكَانَ مِنْبَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ دَرَجٍ غَيْرَ الدَّرَجَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْمُسْتَرَاحَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِيهَا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ إنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَ عَنْ مَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَرَجَةً، وَعُمَرَ دَرَجَةً أُخْرَى، وَعُثْمَانَ دَرَجَةً أُخْرَى، ثُمَّ وَقَفَ عَلِيٌّ عَلَى مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ بَعْضِهِمْ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ، وَالْمُخْتَارُ مُوَافَقَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ. نَعَمْ إنْ طَالَ الْمِنْبَرُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَعَلَى السَّابِعَةِ: أَيْ لِأَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ زَادَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دَرَجٍ، فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً. وَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ عَلَى الدَّرَجَةِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الْخَطَابَةُ بِمَكَّةَ عَلَى مِنْبَرٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى الْبَابِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَ الْمِنْبَرَ بِمَكَّةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَيُكْرَهُ مِنْبَرٌ كَبِيرٌ يَضِيقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَيُسَنُّ التَّيَامُنُ فِي الْمِنْبَرِ الْوَاسِعِ (أَوْ) عَلَى مَوْضِعٍ (مُرْتَفِعٍ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَنَدَ إلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ كَمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ قَبْلَ فِعْلِ الْمِنْبَرِ. (وَيُسَلِّمُ) عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَ (عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) نَدْبًا إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَيَجْلِسُ ثُمَّ يُؤَذَّنُ. وَأَنْ تَكُونَ بَلِيغَةً مَفْهُومَةً قَصِيرَةً.   [مغني المحتاج] وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ. وَلَا يُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) الْمِنْبَرَ أَوْ نَحْوَهُ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى مَا مَرَّ وَانْتَهَى إلَى مَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَوْ اسْتَنَدَ إلَى مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ (وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ إقْبَالُهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ كَانَ خَارِجًا عَنْ مَقَاصِدِ الْخِطَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ اسْتَدْبَرُوهُ لَزِمَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ لَزِمَ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ وَتَرْكُهُ لِوَاحِدٍ أَسْهَلُ (وَيَجْلِسُ) بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ (ثُمَّ يُؤَذَّنُ) بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِهَا لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ كَوْنِ الْأَذَانِ الْمَذْكُورِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ لَا مِنْ جَمَاعَةٍ كَمَا اسْتَحَبَّهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَأُحِبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا جَمَاعَةُ الْمُؤَذِّنِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَذَّنُوا جَمَاعَةً كَرِهْت ذَلِكَ، وَلَا يُفْسِدُ شَيْءٌ مِنْهُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ إلَيْهَا. وَفِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْرَاءِ» (1) وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ تَكُونَ) الْخُطْبَةُ (بَلِيغَةً) أَيْ فَصِيحَةً جَزْلَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْتَذَلِ الرَّكِيكِ (مَفْهُومَةً) لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً، إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ: أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَكُونُ كَلَامُهُ مُسْتَرْسِلًا مُبِينًا مُعْرِبًا مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَلَا تَمْطِيطٍ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: وَتُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا تُنْكِرُهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ (قَصِيرَةً) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَأَقْصِرُوا الْخُطْبَةَ» بِضَمِّ الْخَاءِ، فَتَكُونُ مُتَوَسِّطَةً كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقِصَرَ وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ إنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى " ق ". (وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا، وَ) لَا (شِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا) لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا وَلَا يَعْبَثُ بَلْ يَخْشَعُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَوْ اسْتَدْبَرَهَا الْحَاضِرُونَ أَجْزَأَ ذَلِكَ وَكُرِهَ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَا شِمَالًا بِزِيَادَةِ لَا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ إذَا الْتَفَتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ. وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. وَإِذَا فَرَغَ شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ. وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا.   [مغني المحتاج] يَمِينًا فَقَطْ أَوْ شِمَالًا فَقَطْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَوْ حَذَفَهُمَا لَكَانَ أَعَمَّ وَأَخْصَرَ. (وَيَعْتَمِدُ) نَدْبًا (عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ) كَقَوْسٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا» ، وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ، وَلِهَذَا يُسَنَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ، وَيُشْغِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سَكَّنَ يَدَيْهِ خَاشِعًا بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلَهُمَا. . وَيُكْرَهُ فِي الْخُطْبَةِ مَا ابْتَدَعَهُ الْخُطَبَاءُ الْجَهَلَةُ مِنْ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا، وَمِنْ الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَفِي دَقِّ الدَّرَجِ فِي صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ بِسَيْفٍ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ نَحْوِهَا، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِاسْتِحْبَابِهِ، وَالشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ يُونُسَ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ فِيهِ تَفْخِيمٌ لِلْخُطْبَةِ وَتَحْرِيكٌ لِهِمَمِ السَّامِعِينَ وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً وَالدُّعَاءُ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ قَبْلَ الْجُلُوسِ لِلْأَذَانِ، وَرُبَّمَا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وَهُوَ جَهْلٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ جُلُوسِهِ. وَأَغْرَبَ الْبَيْضَاوِيُّ، فَقَالَ: يَقِفُ فِي كُلِّ مِرْقَاةٍ وَقْفَةً خَفِيفَةً يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْمَعُونَةَ وَالتَّشْدِيدَ، وَمُبَالَغَةَ الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِهَا، وَالْمُجَازَفَةِ فِي وَصْفِ السَّلَاطِينَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَلَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ كَمَا مَرَّ، إذْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ بِإِصْلَاحِ وُلَاةِ الْأُمُورِ. وَيُكْرَهُ الِاحْتِبَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ ظَهْرَهُ وَسَاقَيْهِ بِثَوْبِهِ أَوْ يَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ فَيَمْنَعُهُ الِاسْتِمَاعَ. (وَيَكُونُ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) اسْتِحْبَابًا، وَقِيلَ إيجَابًا، وَهَلْ يَقْرَأُ فِيهَا أَوْ يَذْكُرُ أَوْ يَسْكُتُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ لَكِنْ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا ". وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّ الدُّعَاءَ فِيهَا مُسْتَجَابٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ. (وَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْخُطْبَةِ (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَحْقِيقًا لِلْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْحَاضِرِينَ. (وَيَقْرَأُ) نَدْبًا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى الْجُمُعَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (الْمُنَافِقِينَ) بِكَمَالِهِمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَلَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الْمُنَافِقِينَ، وَإِنْ أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى لِتَأْكِيدِ السُّورَتَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ بِالْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ بِالْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَةِ. وَرَوَى أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ - {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] الْأَعْلَى: وَ - {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] الْغَاشِيَةُ» . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ. فَهُمَا سُنَّتَانِ، وَقِرَاءَةُ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الْجُمُعَةِ (جَهْرًا) بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ الْكِتَابِ بِلَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 فَصْلٌ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا، وَقِيلَ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ   [مغني المحتاج] تَمْيِيزٍ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ الْجَهْرُ فِي ثَانِيَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ. وَمِنْ الْبِدَعِ فِي الْخُطْبَةِ ذِكْرُ الشِّعْرِ فِيهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَتْبُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْأَوْرَاقَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَالِاتِّعَاظِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ، وَكِتَابَةُ كَلَامٍ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ: كَعَسْلَهُونٍ، وَقَدْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. [فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا] (فَصْلٌ) فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا (يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا) أَيْ لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لِحَدِيثِ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» ، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ» (وَقِيلَ) يُسَنُّ (لِكُلِّ أَحَدٍ) حَضَرَ أَمْ لَا كَالْعِيدِ، وَيُفَارِقُ الْعِيدُ عَلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يُخْتَصَّ بِمَنْ حَضَرَ بِأَنَّ غُسْلَهُ لِلزِّينَةِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ، وَهَذَا لِلتَّنْظِيفِ وَدَفْعِ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ، وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي التَّزْيِينِ. وَرُوِيَ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ: أَيْ مُتَأَكِّدٍ، وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا» زَادَ النَّسَائِيُّ: هُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا مِمَّا انْفَرَدَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ عَنْ بَقِيَّةِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ، وَصَرَفَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ قَوْلُهُ: فِيهَا: أَيْ بِالسُّنَّةِ أَخَذَ: أَيْ بِمَا جَوَّزْته مِنْ الْوُضُوءِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ أَوْ الْفَعْلَةُ، وَالْغُسْلُ مَعَهَا أَفْضَلُ، وَخَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُثْمَانَ دَخَلَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ عَنْ النِّدَاءِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِدْت حِينَ سَمِعْت النِّدَاءَ أَنْ تَوَضَّأْت ثُمَّ جِئْت، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، أَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» (وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ) الصَّادِقِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» الْحَدِيثَ (1) ، فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَهُ. وَقِيلَ: وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ كَالْعِيدِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِقُرْبِ الزَّمَنِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ لَضَاقَ الْوَقْتُ وَتَأَخَّرَ عَنْ التَّبْكِيرِ إلَى الصَّلَاةِ، وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْغُسْلَ لَهَا سُنَّةٌ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ (وَتَقْرِيبِهِ مِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 ذَهَابِهِ أَفْضَلُ، فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَلِغَاسِلِ الْمَيِّتِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا. وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَغْسَالُ الْحَجِّ، وَآكَدُهَا   [مغني المحتاج] ذَهَابِهِ) إلَى الْجُمُعَةِ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَلَوْ تَعَارَضَ الْغُسْلُ وَالتَّبْكِيرُ فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بِجَسَدِهِ رِيحٌ كَرِيهَةٌ اغْتَسَلَ وَإِلَّا بَكَّرَ، وَلَا يُبْطِلُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ الْحَدَثُ فَيَتَوَضَّأُ وَلَا الْجَنَابَةُ فَيَغْتَسِلُ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْمَاءِ بِأَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ عَدِمَهُ أَوْ كَانَ جَرِيحًا فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (تَيَمَّمَ فِي الْأَصَحِّ) بِنِيَّةِ الْغُسْلِ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّيَمُّمَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ. وَالثَّانِي: لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُفِيدُهُ، وَهَذَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ أَثْبَتَهُ الْغَزَالِيُّ وَجْهًا. (وَمِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدِ) الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ (وَالْكُسُوفِ) لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لِذَلِكَ كَالْجُمُعَةِ، وَسَتَأْتِي أَوْقَاتُ هَذِهِ الْأَغْسَالِ فِي أَبْوَابِهَا. (وَ) الْغُسْلُ (لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْغَاسِلُ طَاهِرًا أَمْ لَا كَحَائِضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْ غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَقِيسَ بِالْغُسْلِ الْوُضُوءُ، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ حَمَلَهُ: أَيْ أَرَادَ حَمْلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَنْ حَمَلَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ. (وَ) غُسْلُ (الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا) وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا إنْزَالٌ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْإِغْمَاءِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْجُنُونُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُقَالُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَجِبْ كَمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا عَلَامَةَ ثَمَّ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ مُشَاهَدٌ، فَإِنْ تَحَقَّقَ الْإِنْزَالُ وَجَبَ الْغُسْلُ. (وَ) الْغُسْلُ لِ (لْكَافِرِ) بَعْدَ إسْلَامِهِ (إذَا أَسْلَمَ) تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ. «وَقَدْ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ بِهِ لَمَّا أَسْلَمَ، وَكَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ» رَوَاهُمَا ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً أَسْلَمُوا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ، هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْغُسْلِ فِي الْكُفْرِ فِي الْأَصَحِّ (وَأَغْسَالُ الْحَجِّ) الْآتِي بَيَانُهَا فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَفَادَ التَّعْبِيرُ بِمَنْ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ أَغْسَالٌ أُخَرُ مَسْنُونَةٌ. مِنْهَا الْغُسْلُ مِنْ الْحِجَامَةِ. وَمِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ، وَلِلِاعْتِكَافِ، وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ. وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَلِحَلْقِ الْعَانَةِ، وَلِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ، وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ سَيَلَانِ الْوَادِي، وَلِتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْبَدَنِ، وَعِنْدَ كُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ. قَالَ شَيْخُنَا كَالِاجْتِمَاعِ لِلْكُسُوفِ. وَأَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَفْتَى بِهِ شَيْخِي لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ (وَآكَدُهَا) بِمَدِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْجُمُعَةِ، وَعَكْسُهُ الْقَدِيمُ. قُلْت: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَحَادِيثُهُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. التَّبْكِيرُ إلَيْهَا   [مغني المحتاج] الْهَمْزَةِ (غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ) فِي الْجَدِيدِ، لِأَنَّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ. (ثُمَّ) غُسْلُ (الْجُمُعَةِ) يَلِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ لِأَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ أَيْضًا (وَعَكْسُهُ الْقَدِيمُ) فَقَالَ آكَدُهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ. (قُلْت: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ) مِنْ الْجَدِيدِ، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ الْجَزْمَ بِهِ (وَرَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَأَحَادِيثُهُ) أَيْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ (صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ) هُنَا (حَدِيثٌ صَحِيحٌ) يَدُلُّ لَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: خَرَّجَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِصِحَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ طَرِيقًا، لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْأَشْبَهُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَا أَحْسَنُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ، لِأَنَّ أَخْبَارَ الْجُمُعَةِ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ. وَمِنْ فَوَائِدِ كَوْنِ ذَلِكَ آكَدَ التَّقْدِيمُ لَهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى أَوْ وَكَّلَ بِمَاءٍ لِلْأُولَى كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي التَّيَمُّمِ. تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَرَادَ الْغُسْلَ لِلْمَسْنُونَاتِ نَوَى أَسْبَابَهَا إلَّا الْغُسْلَ مِنْ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ يَنْوِي الْجَنَابَةَ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ اهـ. وَمَحَلُّ هَذَا إذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ. أَمَّا إذَا جُنَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَنْوِي السَّبَبَ كَغَيْرِهِ. (وَ) يُسَنُّ (التَّبْكِيرُ إلَيْهَا) لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذِي عُذْرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْبُكُورُ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَيَنْتَظِرُوا الصَّلَاةَ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ: أَيْ مِثْلَ غُسْلِهَا - ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمِنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ «إنَّ السَّاعَاتِ سِتٌّ» قَالَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَا مَرَّ: وَفِي الرَّابِعَةِ بَطَّةً وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ بِالسَّاعَاتِ السَّاعَاتُ الْفَلَكِيَّةُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً زَمَانِيَّةً صَيْفًا أَوْ شِتَاءً، فَمَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْهَا: أَيْ مَثَلًا، وَمَنْ جَاءَ آخِرَهَا يَشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ الْبَدَنَةِ لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْآخَرِ، وَبَدَنَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ. وَقَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: فَكُلٌّ دَاخِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ كَالْمُقَرِّبِ بَدَنَةً وَبِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَبْلَهُ بِدَرَجَةٍ كَالْمُقَرِّبِ بَقَرَةً وَبِدَرَجَتَيْنِ كَالْمُقَرِّبِ كَبْشًا وَبِثَلَاثٍ دَجَاجَةً وَبِأَرْبَعٍ بَيْضَةً، وَعَلَى هَذَا لَا حَصْرَ لِلسَّاعَاتِ وَالْأَوْلَى الْأَوَّلُ. أَمَّا الْإِمَامُ فَيُسَنُّ لَهُ التَّأْخِيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 مَاشِيًا، بِسَكِينَةٍ.   [مغني المحتاج] إلَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخُلَفَائِهِ، وَكَذَا الْمَعْذُورُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الْبُكُورُ، وَالسَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ النَّهَارِ شَرْعًا وَبِهِ يَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ لَفْظُ الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَيَلْزَمُ الْبَعِيدَ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِتَوَقُّفِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَقْتُهَا مِنْ الشَّمْسِ، وَقِيلَ مِنْ الضُّحَى، وَقِيلَ: مِنْ الزَّوَالِ،. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ إلَيْهَا (مَاشِيًا) إنْ قَدَرَ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَرُوِيَ غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَهُوَ أَرْجَحُ، وَعَلَيْهِمَا فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: غَسَلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا، وَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ. ثَانِيهَا غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ، وَلِذَا قَالَ: يُسَنُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يُشْغِلُ قَلْبَهُ. ثَالِثُهَا غَسَلَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بِأَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ، وَرُوِيَ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَهُوَ أَشْهَرُ، فَعَلَى التَّخْفِيفِ مَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا، وَعَلَى التَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ أَتَى بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا. وَابْتَكَرَ: أَيْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى، جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقَوْلُهُ: مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ. قِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْكَبْ أَفَادَ نَفْيَ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا، وَنَفْيَ احْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ الْمَشْيَ وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَرْكَبَ فِيهَا وَلَا فِي عِيدٍ وَلَا فِي جِنَازَةٍ وَلَا فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ ذَهَابًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إلَّا لِعُذْرٍ فَيَرْكَبُ. أَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَكِبَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ (بِسَكِينَةٍ) إذَا لَمْ يَضِقْ بَعْضُ الْوَقْتِ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» (1) وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْجُمُعَةِ بَلْ كُلُّ صَلَاةٍ قَصَدَهَا الْمُصَلِّي كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] [الْجُمُعَةَ] فَظَاهِرُهُ أَنَّ السَّعْيَ مَطْلُوبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ امْضُوا؛ لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيِّ وَالْعَدْوِ، فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهِ، وَالسَّعْيُ إلَيْهَا مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَإِلَى غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. أَمَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَالْأَوْلَى الْإِسْرَاعُ، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: يَجِبُ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ إلَّا بِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ   [مغني المحتاج] وَحُكْمُ الرَّاكِبِ فِي ذَلِكَ كَالْمَاشِي فَيُسَيِّرُ الدَّابَّةَ بِسُكُونِ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَذْهَبَ فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ إنْ أَمِنَ الْفَوَاتَ وَأَنْ يَرْجِعَ فِي آخِرِ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْعِيدِ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ شَأْنَ الْمُصَلِّي الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَلَفْظُ الطَّرِيقِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ بَلْ عَلَى سَائِرِ كُتُبِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ، وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تِبْيَانِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّرِيقِ جَائِزَةٌ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ إذَا لَمْ يَلْتَهِ صَاحِبُهَا فَإِنْ الْتَهَى عَنْهَا كُرِهَتْ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ الْأَحْوَطَ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، فَقَدْ كَرِهَهَا بَعْضُ السَّلَفِ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا فِي مَوَاضِعِ الزَّحْمَةِ وَالْغَفْلَةِ كَالْأَسْوَاقِ. (وَلَا يَتَخَطَّى) رِقَابَ النَّاسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَآنَيْت» أَيْ تَأَخَّرْت، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (1) وَصَحَّحَاهُ: أَيْ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ: مِنْهَا الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أَوْ الْمِحْرَابَ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا وَجَدَ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً لَمْ يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَاءِ فُرْجَةٍ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى، فَإِنْ زَادَ فِي التَّخَطِّي عَلَيْهِمَا وَلَوْ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَى الْفُرْجَةِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكَثْرَةِ الْأَذَى، وَمِنْهَا الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا لَا يُكْرَهُ لَهُ لِقِصَّةِ عُثْمَانَ الْمَشْهُورَةِ وَتَخَطِّيهِ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا فِيمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَوِلَايَتُهُ فَإِنَّ النَّاسَ يُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا فَلَا يَتَخَطَّى وَإِنْ أَلِفَ مَوْضِعًا يُصَلِّي فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَمِنْهَا مَا إذَا سَبَقَ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ أَوْ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِينَ إلَى الْجَامِعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكَامِلِينَ إذَا حَضَرُوا التَّخَطِّي لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ إذَا كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا مَعَ الْبُعْدِ وَمِنْهَا إذَا جَلَسَ دَاخِلَ الْجَامِعِ عَلَى طَرِيقِ النَّاسِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْقَوْمُ فِي التَّخَطِّي وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ الْإِذْنُ وَالرِّضَا بِإِدْخَالِهِمْ الضَّرَرَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَلَكِنْ يَقُولُ: تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا، فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِي جُلُوسِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] [الْحَشْرَ] فَالْمُرَادُ الْإِيثَارُ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وَأَنْ يَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَطِيبٍ، وَإِزَالَةِ الظُّفُرِ وَالرِّيحِ   [مغني المحتاج] حُظُوظِ النَّفْسِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ بِالْإِذْنِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الْجَالِسُونَ عَبِيدًا لَهُ أَوْ أَوْلَادًا، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ عَبْدَهُ لِيَأْخُذَ لَهُ مَوْضِعًا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَضَرَ السَّيِّدُ تَأَخَّرَ الْعَبْدُ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَقْعُدُ لَهُ فِي مَكَان لِيَقُومَ عَنْهُ إذَا جَاءَ هُوَ، وَلَوْ فُرِشَ لِأَحَدٍ ثَوْبٌ أَوْ نَحْوُهُ فَلِغَيْرِهِ تَنْحِيَتُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ لَا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ، وَلَا يَرْفَعُهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي ضَمَانِهِ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَتَزَيَّنَ) حَاضِرُ الْجُمُعَةِ الذَّكَرُ (بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَطِيبٍ) لِحَدِيثِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَأَفْضَلُ ثِيَابِهِ الْبِيضُ لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. ثُمَّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ نَسْجِهِ كَالْبُرْدِ لَا مَا صُبِغَ مَنْسُوجًا إذْ يُكْرَهُ لُبْسُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَلْبَسْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَبِسَ الْبُرْدَ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ لَهُ بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ» ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْعِمَّةِ وَالِارْتِدَاءِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ، وَتَرْكُ لُبْسِ السَّوَادِ لَهُ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهِ إلَّا إنْ خَشِيَ فِتْنَةً تَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا أَرَادَتْ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَيُكْرَهُ لَهَا التَّطَيُّبُ وَالزِّينَةُ وَفَاخِرُ الثِّيَابِ. نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْخُنْثَى (وَإِزَالَةِ الظُّفُرِ) إنْ طَالَ وَالشَّعْرِ كَذَلِكَ فَيَنْتِفُ إبْطَهُ، وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْتِفُ عَانَتَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ عِنْدَ أَمْرِ الزَّوْجِ لَهَا بِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ تَفَاحَشَ وَجَبَ قَطْعًا، وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوَالَيْ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَقِيلَ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَوْلَى حَلْقُ الْجَمِيعِ. أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ فَلَا يُنْدَبُ إلَّا فِي نُسُكٍ، وَفِي الْمَوْلُودِ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ، وَفِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيَتَزَيَّنُ الذَّكَرُ بِحَلْقِ رَأْسِهِ إنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ وَكَانَ بِرَأْسِهِ زُهُومَةٌ لَا تَزُولُ إلَّا بِالْحَلْقِ، وَيُسَنُّ دَفْنُ. مَا يُزِيلُهُ مِنْ شَعْرٍ وَظُفُرٍ وَدَمٍ، وَالتَّوْقِيتُ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ بِالطُّولِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أُقِّتَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يُكْرَهُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى (وَ) إزَالَةُ (الرِّيحِ) الْكَرِيهَةِ كَالصُّنَانِ لِأَنَّهُ يُتَأَذَّى بِهِ فَيُزَالُ بِالْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ نَظَّفَ ثَوْبَهُ قَلَّ هَمُّهُ، وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ زَادَ عَقْلُهُ، وَيُسَنُّ السِّوَاكُ. ثُمَّ هَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَخْتَصُّ بِالْجُمُعَةِ بَلْ تُسْتَحَبُّ لِكُلِّ حَاضِرٍ بِجَمْعٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ أَشَدُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 قُلْت: وَأَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ   [مغني المحتاج] اسْتِحْبَابًا. (قُلْت وَأَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ الْكَهْفَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» (1) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَرَوَى الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ «مَنْ قَرَأَهَا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ «غُفِرَ لَهُ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ أَلْفُ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَعُوفِيَ مِنْ الدَّاءِ ذَاتِ الْجَنْبِ وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ» وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى قِرَاءَتِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْلَى مُسَارَعَةً وَأَمْنًا مِنْ الْإِهْمَالِ، وَقِيلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقِيلَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَفِي الشَّامِلِ الصَّغِيرِ عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَى الْجَامِعِ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: وَأُحِبُّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكَهْفِ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُرْجَانِيِّ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا. قَالَ: وَقِرَاءَتُهَا نَهَارًا آكَدُ، وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَالْجُمُعَةُ مُشَبَّهَةٌ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ وَفِي الْكَهْفِ ذِكْرُ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَفِي الدَّارِمِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اقْرَءُوا سُورَةَ هُودٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» (2) ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ «مَنْ قَرَأَ الدُّخَانَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ» (3) وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ (4) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ حَتَّى تَجِبَ الشَّمْسُ» أَيْ تَغِيبَ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ «مَنْ قَرَأَهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ غَرَبَتْ الشَّمْسُ بِذُنُوبِهِ» . (وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ) يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا. أَمَّا يَوْمَهَا فَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (5) ، وَسَقَطَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قَائِمٌ يُصَلِّي، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ انْتِظَارُهَا، وَبِالْقِيَامِ الْمُلَازَمَةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالصَّوَابُ فِي سَاعَةِ الْإِجَابَةِ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الصَّلَاةَ» . قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 ، وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ   [مغني المحتاج] مُسْتَغْرِقَةٌ لِمَا بَيْنَ الْجُلُوسِ وَآخِرِ الصَّلَاةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ فَإِنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِهِ إيَّاهَا «وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا خَبَرُ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ فِيهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ يَوْمًا فِي وَقْتٍ وَيَوْمًا فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مُسْتَغْرِقَةٌ لِلْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْهُ لِأَنَّهَا لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: الطَّرِيقُ فِي إدْرَاكِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا تَنْتَقِلُ أَنْ يَقُومَ جَمَاعَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُحْيِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَاعَةً مِنْهُ وَيَدْعُو بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ، وَأَمَّا لَيْلَتُهَا فَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: بَلَغَنِي أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلِلْقِيَاسِ عَلَى يَوْمِهَا، وَيُسْتَحَبُّ كَثْرَةُ الصَّدَقَةِ وَفِعْلُ الْخَيْرِ فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا. (وَ) يُكْثِرُ (الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا لِخَبَرِ «إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» (1) ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ. وَخَبَرِ «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَقْرَبُكُمْ مِنِّي فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُكُمْ صَلَاةً عَلَيَّ فَأَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِي اللَّيْلَةِ الْغَرَّاءِ وَالْيَوْمِ الْأَزْهَرِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: اللَّيْلَةُ الْغَرَّاءُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَالْيَوْمُ الْأَزْهَرُ يَوْمُهَا، وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ: وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ مَرَّةٍ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَمَانِينَ مَرَّةً غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُ ثَمَانِينَ سَنَةً. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْك؟ قَالَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَنَبِيِّك وَرَسُولِك النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَتَعْقِدُ وَاحِدَةً» ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانُ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ابْنُ عَمِّك هَلْ خَصَصْته بِشَيْءٍ؟ قَالَ نَعَمْ سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُحَاسِبَهُ. قُلْت: بِمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَيَّ صَلَاةً لَمْ يُصَلَّ عَلَيَّ مِثْلُهَا، فَقُلْت: وَمَا تِلْكَ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَك الذَّاكِرُونَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ اهـ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَصِلَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَكْفِي الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ أَوْ تَحَوُّلٍ أَوْ نَحْوِهِ. (وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ وَمَنْ يَقْعُدُ مَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي (التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ) مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ فَإِنْ بَاعَ صَحَّ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] وَالصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ تَشَاغُلٌ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) حَالَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] [الْجُمُعَةَ] فَوَرَدَ النَّصُّ فِي الْبَيْعِ وَقِيسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْدًا أَمْ لَا، وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الْآخَرِ أَثِمَا جَمِيعًا وَإِنْ لَمْ تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لِارْتِكَابِ الْأَوَّلِ النَّهْيَ وَإِعَانَةِ الثَّانِي لَهُ عَلَيْهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْإِثْمَ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ حُمِلَ عَلَى إثْمِ التَّفْوِيتِ. أَمَّا إثْمُ الْمُعَاوَنَةِ فَعَلَى الثَّانِي. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَحْرِيمِ الْبَيْعِ مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى مَاءِ طَهَارَتِهِ أَوْ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ أَوْ مَا يَقُوتُهُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّشَاغُلِ إلَى جَوَازِهِ وَهُوَ سَائِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَعْقُودِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ يُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَبَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ إلَى إنْهَاءِ الْأَذَانِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ بَاعَ) مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (صَحَّ) بَيْعُهُ وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ الْعَقْدِ فَلَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَقَدَ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْته (وَيُكْرَهُ) لِمَنْ ذَكَرَ التَّشَاغُلُ بِمَا ذُكِرَ (قَبْلَ الْأَذَانِ) الْمَذْكُورِ (بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِدُخُولِ وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَالتَّشَاغُلُ عَنْهُ كَالْإِعْرَاضِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي بَلَدٍ يُؤَخِّرُونَ فِيهَا كَثِيرًا كَمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَهَذَا مَعَ نَفْيِ التَّحْرِيمِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْأَذَانِ الْمَذْكُورِ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَةِ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مُنْتَظِرُهَا لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ يَعْمَدُ إلَى الصَّلَاةِ» فَإِنْ قِيلَ رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَمَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَشَبَّكَ فِي غَيْرِهِ» . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي وَقَاصِدِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهَا فِي اعْتِقَادِهِ. وَيُسَنُّ إذَا أَتَى الْمَسْجِدَ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ قَائِلًا: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْك، وَأَقْرَبِ مَنْ تَقَرَّبَ إلَيْك، وَأَنْجَحِ مَنْ دَعَاكَ وَتَضَرَّعَ وَأَرْبَحِ مَنْ طَلَبَ إلَيْك، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ «إنَّ لَكُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ حَجَّةً وَعُمْرَةً» فَالْحَجَّةُ التَّجْهِيزُ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْعُمْرَةُ انْتِظَارُ الْعَصْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 فَصْلُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةً. وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَهُ فَاتَتْهُ فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِهِ ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ] (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ، وَجَوَازُ الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (مَنْ أَدْرَكَ) مَعَ إمَامِ الْجُمُعَةِ (رُكُوعَ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) الْمَحْسُوبُ لِلْإِمَامِ لَا كَالْمُحْدِثِ نَاسِيًا كَمَا مَرَّ وَأَتَمَّ الرَّكْعَةَ مَعَهُ (أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ) أَيْ لَمْ تَفُتْهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» (1) وَقَالَ «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى» رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ: " فَلْيُصَلِّ " هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةً) إنْ اسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ وَلَوْ فَارَقَهُ فِي التَّشَهُّدِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. فَإِنْ قِيلَ: الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالسَّلَامِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْأُمِّ: وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ بَنَى عَلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَأَجْزَأَتْهُ الْجُمُعَةُ، وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ أَنْ يُدْرِكَ الرَّجُلَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ فَيَرْكَعَ مَعَهُ وَيَسْجُدَ اهـ. وَأَيْضًا مَا يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَالتَّشَهُّدُ لَيْسَ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ لِأَجْلِ قَوْلِ الْمَتْنِ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَقَيَّدَ ابْنُ الْمُقْرِي إدْرَاكَ الْجُمُعَةِ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِقَوْلِهِ: إنْ صَحَّتْ جُمُعَةُ الْإِمَامِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ: لَوْ خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْهَا قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا جُمُعَةَ لِلْمَأْمُومِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ، بَلْ إذَا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً وَأَتَى بِأُخْرَى أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الْإِمَامُ كَمَا أَنَّ حَدَثَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا لِمَنْ خَلْفَهُ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُحَرَّرِ: مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ تَشْمَلُ مَا لَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَفَارَقَهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّ الْجُمُعَةَ تَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ الرُّكُوعَ وَحْدَهُ كَافٍ، فَيَجُوزُ لِمَنْ أَدْرَكَهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ وَإِتْمَامُهَا مُنْفَرِدًا وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَلِكَ قُلْت: وَأَتَمَّ الرَّكْعَةَ مَعَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَيُسَنُّ لِمَنْ صَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ. (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ (فَاتَتْهُ) أَيْ الْجُمُعَةُ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (ظُهْرًا أَرْبَعًا) مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ نِيَّةٍ لِفَوَاتِ الْجُمُعَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 يَنْوِي فِي اقْتِدَائِهِ الْجُمُعَةَ. وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يَسْتَخْلِفُ لِلْجُمُعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ.   [مغني المحتاج] الْمُدْرِكَ لِلْإِمَامِ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ (يَنْوِي فِي اقْتِدَائِهِ) بِالْإِمَامِ (الْجُمُعَةَ) وُجُوبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ يَنْوِي الْجُمُعَةَ جَوَازًا، وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: نَدْبًا وَالْجَوَازُ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَالنَّدْبُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ هَكَذَا حَمَلَهُ شَيْخِي، وَهُوَ حَسَنٌ، وَالثَّانِي يَنْوِي الظُّهْرَ لِأَنَّهَا الَّتِي يَفْعَلُهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ عَلِمَ حَالَ الْإِمَامِ، وَإِلَّا بِأَنْ رَآهُ قَائِمًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَمُعْتَدِلٌ هُوَ أَوْ فِي الْقِيَامِ فَيَنْوِي الْجُمُعَةَ جَزْمًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ حُكْمُ الِاسْتِخْلَافِ وَشُرُوطُهُ. فَقَالَ: (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا) مِنْ الصَّلَوَاتِ (بِحَدَثٍ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (أَوْ غَيْرِهِ) كَرُعَافٍ وَتَعَاطِي فِعْلٍ مُبْطِلٍ أَوْ بِلَا سَبَبٍ أَيْضًا (جَازَ) لَهُ وَلِلْمَأْمُومِينَ قَبْلَ إتْيَانِهِمْ بِرُكْنٍ (الِاسْتِخْلَافُ فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ بِإِمَامَيْنِ وَهِيَ جَائِزَةٌ، فَقَدْ صَحَّ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَلَسَ إلَى جَنْبِهِ فَاقْتَدَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ اسْتَخْلَفَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ طُعِنَ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاسْتِخْلَافُهُمْ أَوْلَى مِنْ اسْتِخْلَافِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُمْ، فَمَنْ عَيَّنُوهُ لِلِاسْتِخْلَافِ أَوْلَى مِمَّنْ عَيَّنَهُ، وَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فِي الْجُمُعَةِ وَهُمْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ لَزِمَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا فِيهَا وَاحِدًا مِنْهُمْ لِتُدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةُ دُونَ الثَّانِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِخْلَافُ لِإِدْرَاكِهِمْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً كَالْمَسْبُوقِ فَيُتِمُّونَهَا فُرَادَى جُمُعَةً، وَلَا يُشْكِلُ بِالِانْفِضَاضِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ بِهِ لِنَقْصِ الْعَدَدِ لَا لِفَقْدِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْتَثِلَ، وَقِيلَ يَجِبُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ. أَمَّا إذَا فَعَلُوا عَلَى الِانْفِرَادِ رُكْنًا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَيَمْتَنِعُ فِيهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِمَا مَعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ إلَّا مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ لَا امْرَأَةً وَخُنْثَى مُشْكِلًا لِلرِّجَالِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ لَهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ أَتَمَّ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى إنْ كَانَ الْحَدَثُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَوْ فِيهَا لَكِنْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي الْأُولَى مِنْهَا فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا، لِأَنَّ شَرْطَهَا حُصُولُ رَكْعَةٍ فِي جَمَاعَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (وَلَا يَسْتَخْلِفُ) الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ (لِلْجُمُعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ) لِأَنَّ فِي اسْتِخْلَافِ غَيْرِ الْمُقْتَدِي ابْتِدَاءَ جُمُعَةٍ بَعْدَ انْعِقَادِ جُمُعَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ غَيْرِ الْمُقْتَدِي بِهِ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ لِمُوَافَقَتِهِ نَظْمَ صَلَاتِهِمْ لَا فِي الثَّانِيَةِ وَالْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ وَيَحْتَاجُونَ إلَى الْقُعُودِ. نَعَمْ إنْ جَدَّدُوا نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ جَازَ كَمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ كَأَنْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ فِي ثَانِيَةِ مُنْفَرِدٍ أَوْ أَخِيرَتِهِ فَاقْتَدَوْا بِهِ فِيهَا، ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَاسْتَخْلَفَ مُوَافِقًا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَلَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ أَدْرَكَ الْأُولَى تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ، وَإِلَّا فَتَتِمُّ لَهُمْ دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ نَظْمَ   [مغني المحتاج] لَهُمْ جَازَ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِطْلَاقُهُمْ الْمَنْعَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ اثْنَيْنِ وَأَكْثَرَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ يُصَلِّي كُلٌّ بِطَائِفَةٍ، وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ، وَلَوْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْخَلِيفَةِ جَازَ اسْتِخْلَافُ ثَالِثٍ وَهَكَذَا، وَعَلَى الْجَمِيعِ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَصْلِيِّ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ فِي الْجُمُعَةِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي (حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَلَا) أَدْرَكَ (الرَّكْعَةَ الْأُولَى فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ حَضَرَهَا وَسَمِعَهَا، وَلِهَذَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُ كَمَا تَصِحُّ جُمُعَةُ الْحَاضِرِينَ السَّامِعِينَ وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَوْ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْخَلِيفَةَ الَّذِي كَانَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ نَابَ مَنَابَهُ بِاسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ، وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْإِمَامُ لَصَحَّتْ الْقُدْوَةُ فَكَذَا مَنْ نَابَ مَنَابَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ الشَّرَائِطُ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُدْرِكٍ لِلْجُمُعَةِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ حَضَرَ الْخُطْبَةَ بِتَمَامِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَالْبَعْضُ الْفَائِتُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَيْرُ السَّامِعِ مِنْ أَهْلِهَا إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَالسَّمَاعُ هُنَا كَالِاقْتِدَاءِ، نَعَمْ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ امْتَنَعَ الِاسْتِخْلَافُ فِيهَا لِخُرُوجِ مَنْ أَتَى بِالْبَعْضِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَنَوَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ جَازَ. تَنْبِيهٌ الْمَذْكُورُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ نَقَلَ الْخِلَافَ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلَيْنِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " حَضَرَ الْخُطْبَةَ " سَمَاعُهَا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ (ثُمَّ) عَلَى الْأَوَّلِ (إنْ كَانَ) الْخَلِيفَةُ فِي الْجُمُعَةِ (أَدْرَكَ) الرَّكْعَةَ (الْأُولَى) مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ (تَمَّتْ جُمُعَتُهُمْ) أَيْ جُمُعَةُ الْخَلِيفَةِ وَالْمَأْمُومِينَ، سَوَاءٌ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ أَمْ ثَانِيَتِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ صَارَ بِاسْتِخْلَافِهِ قَائِمًا مَقَامَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى وَإِنْ اسْتَخْلَفَ فِيهَا كَأَنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي اعْتِدَالِهَا (فَتَتِمُّ لَهُمْ) الْجُمُعَةُ (دُونَهُ) أَيْ غَيْرَهُ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهَا مَعَهُ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْفَتَى تِلْمِيذُ الْمُقْرِي وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ. رُكُوعَ الثَّانِيَةِ وَسُجُودَهَا، لَكِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ: يُتِمُّهَا جُمُعَةً لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَتِمُّ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَأْمُومَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَالْخَلِيفَةُ إمَامٌ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلْمَأْمُومِينَ، وَالثَّالِثُ: يُتِمُّهَا الْقَوْمُ ظُهْرًا أَيْضًا لَا جُمُعَةً تَبَعًا لِلْإِمَامِ. (وَيُرَاعِي) الْخَلِيفَةُ (الْمَسْبُوقُ) وُجُوبًا (نَظْمَ) صَلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 الْمُسْتَخْلِفِ فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً وَتَشَهَّدَ وَأَشَارَ إلَيْهِمْ لِيُفَارِقُوهُ أَوْ يَنْتَظِرُوا، وَلَا يَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] (الْمُسْتَخْلِفِ) لِيَجْرِيَ عَلَى نَظْمِهَا فَيَفْعَلَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ صَلَاتِهِ (فَإِذَا صَلَّى) بِهِمْ (رَكْعَةً) قَنَتَ لَهُمْ فِيهَا إنْ كَانَتْ ثَانِيَةَ الصُّبْحِ، وَلَوْ كَانَ هُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَتْرُكُ الْقُنُوتَ فِي الظُّهْرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ يُصَلِّي الصُّبْحَ، وَ (تَشَهَّدَ) جَالِسًا وَسَجَدَ بِهِمْ لِسَهْوِ الْإِمَامِ الْحَاصِلِ قَبْلَ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَبَعْدَهُ (وَأَشَارَ إلَيْهِمْ) بَعْدَ تَشَهُّدِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ (لِيُفَارِقُوهُ) أَيْ لِيَتَخَيَّرَ الْمُقْتَدُونَ بَعْدَ إشَارَتِهِ، وَغَايَةُ مَا يَفْعَلُونَ بَعْدَهَا أَنْ يُفَارِقُوهُ بِالنِّيَّةِ وَيُسَلِّمُوا (أَوْ يَنْتَظِرُوا) سَلَامَهُ بِهِمْ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ إنْ لَمْ يَخْشَوْا خُرُوجَ الْوَقْتِ بِانْتِظَارِهِ، فَإِنْ خَشَوْهُ وَجَبَتْ الْمُفَارَقَةُ، وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى رَكْعَةٍ أُخْرَى حَيْثُ أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِلَى ثَلَاثٍ حَيْثُ أَتَمَّهَا ظُهْرًا، وَقَدْ انْدَفَعَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَا يُفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ مِنْ الْمُصَلِّي لَا سِيَّمَا مَعَ الِاسْتِدْبَارِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَخَلْفًا وَلَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى بَقَائِهِ مَعَ إمَامِهِ وَلَا الْقُعُودُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ إمَامِهِ، فَفِي جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِ قَوْلَانِ صُحِّحَ مِنْهُمَا فِي التَّحْقِيقِ الْجَوَازُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ فَيُرَاقِبُ الْقَوْمَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ، فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الرَّكَعَاتِ، وَيَكُونُ مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا اعْتَقَدَ هُوَ شَيْئًا آخَرَ اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْلِيدًا فِي الرَّكَعَاتِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ دَلِيلًا (وَلَا يَلْزَمُهُمْ) أَيْ الْمُقْتَدِينَ (اسْتِئْنَافُ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ) بِالْخَلِيفَةِ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِتَنْزِيلِ الْخَلِيفَةِ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ فِي دَوَامِ الْجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا لَا يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَمَرَّ الْأَوَّلُ لَمْ يَحْتَجْ الْقَوْمُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِاسْتِخْلَافِ، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ صَارُوا مُنْفَرِدِينَ وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمْ إلَّا إنْ اقْتَدَوْا بِهِ لِأَنَّ اسْتِخْلَافَهُ لَغْوٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَسْبُوقُونَ أَوْ مَنْ صَلَاتُهُ أَطْوَلُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ إذْ لَا مَانِعَ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا تَنْشَأُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْإِنْشَاءِ مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ إذْ لَيْسَ فِيهَا إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَا يُشْبِهُهُ صُورَةً، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ هُنَاكَ وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ فِيهِ: اعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الِانْتِظَارِ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَا هُنَا الْمَنْعَ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ حَصَلَتْ وَهُمْ إذَا أَتَمُّوهَا فُرَادَى نَالُوا فَضْلَهَا إذْ لِلِاقْتِدَاءِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَتَحَمُّلِ السَّهْوِ وَتَحَمُّلِ السُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَنَيْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ الْكَامِلِ، وَلَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ سَمِعُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وَأَحْرَمُوا بِالْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ بِهِمْ، لِأَنَّهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 وَمَنْ زُوحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَأَمْكَنَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَعَلَ، وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ، وَلَا يُومِئُ بِهِ ثَمَّ إنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ سَجَدَ، فَإِنْ رَفَعَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ قَرَأَ، أَوْ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَالْأَصَحُّ يَرْكَعُ، وَهُوَ كَمَسْبُوقٍ، فَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ   [مغني المحتاج] مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. (وَمَنْ زُوحِمَ) أَيْ مَنَعَهُ الزِّحَامُ (عَنْ السُّجُودِ) عَلَى أَرْضٍ أَوْ نَحْوِهَا مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ (فَأَمْكَنَهُ) السُّجُودُ مُنَكَّسًا (عَلَى) شَيْءٍ مِنْ (إنْسَانٍ) أَوْ مَتَاعٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَعَلَ) ذَلِكَ وُجُوبًا، لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى إذْنِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا يَسِيرٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ سُجُودٍ يُجْزِئُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ. تَنْبِيهٌ قَدْ عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ بِظَهْرِ إنْسَانٍ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ إنْسَانٍ لَعَمَّ وَقَدْ وَقَعَ هُوَ فِيهِ هُنَا، فَلَوْ قَالَ عَلَى شَيْءٍ كَمَا قَدَّرْته لَعَمَّ، وَالْمُزَاحَمَةُ تَجْرِي فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَذُكِرَتْ هُنَا؛ لِأَنَّ الزِّحَامَ فِيهَا أَغْلَبُ، وَلِأَنَّ تَفَارِيعَهَا مُتَشَعِّبَةٌ مُشْكِلَةٌ لِكَوْنِهَا لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ مُنْتَظِمَةٍ أَوْ مُلَفَّقَةٍ عَلَى خِلَافٍ يَأْتِي، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ: لَيْسَ فِي الزَّمَانِ مَنْ يُحِيطُ بِأَطْرَافِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ كَمَا ذُكِرَ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُنْتَظَرُ) تَمَكُّنَهُ مِنْهُ (وَلَا يُومِئُ بِهِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُومِئُ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ كَالْمَرِيضِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ. وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ وُجُوبَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ قَدْ عَارَضَهُ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ، وَمُقْتَضَى الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ مِنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْجُمُعَةِ قَصْدًا مَعَ تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وِجْهَةَ لَهُ، كَذَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْخُرُوجَ وَأَرَادَ أَنْ يُتِمَّهَا ظُهْرًا فَهَلْ تَصِحُّ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ يُحْرِمُ بِالظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ. أَمَّا الزِّحَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ بَلْ يَسْجُدُ مَتَى تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ مَسْبُوقًا لَحِقَهُ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَسَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي (ثُمَّ) عَلَى الصَّحِيحِ. (إنْ تَمَكَّنَ) مِنْ السُّجُودِ (قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ) فِي الثَّانِيَةِ (سَجَدَ) وُجُوبًا تَدَارُكًا لَهُ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَإِنْ رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ (وَالْإِمَامُ) بَعْدُ (قَائِمٌ قَرَأَ) مَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ فَهُوَ كَمَسْبُوقٍ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ رَكَعَ مَعَهُ، وَلَا يَضُرُّ التَّخَلُّفُ الْمَاضِي لِأَنَّهُ تَخَلُّفٌ بِعُذْرٍ (أَوْ) رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ (وَالْإِمَامُ) بَعْدُ (رَاكِعٌ، فَالْأَصَحُّ يَرْكَعُ) مَعَهُ (وَهُوَ كَمَسْبُوقٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَرْكَعُ مَعَهُ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِهِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ بَلْ تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ وَيَسْعَى وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ (فَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ) فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 وَلَمْ يُسَلِّمْ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي نَظْمَ نَفْسِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ، وَيُحْسَبُ رُكُوعُهُ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَيُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ لَمْ يُحْسَبْ سُجُودُهُ الْأَوَّلُ، فَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا حُسِبَ، وَالْأَصَحُّ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ إذَا كَمُلَتْ السَّجْدَتَانِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ.   [مغني المحتاج] (وَلَمْ يُسَلِّمْ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ) كَالْمَسْبُوقِ (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَهُ) لِفَوَاتِهَا كَالْمَسْبُوقِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْإِمَامُ، وَقِيلَ يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَ) الْإِمَامُ (سَلَّمَ) مِنْهَا (فَاتَتْ الْجُمُعَةُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْحَالِ، فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ) فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ (فَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي) الْمَزْحُومُ (نَظْمَ) صَلَاةِ (نَفْسِهِ) فَيَسْجُدُ الْآنَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ) لِظَاهِرِ خَبَرِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» وَلِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَتْبَعُهُ الْمَسْبُوقُ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ (وَيُحْسَبُ رُكُوعُهُ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ وَقْتَ الِاعْتِدَادِ بِالرُّكُوعِ. وَالثَّانِي لَا يُحْسَبُ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ لِلْمُتَابَعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى وَ) مِنْ (سُجُودِ الثَّانِيَةِ) الَّذِي أَتَى بِهِ فِيهَا (وَيُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ فِي الْأَصَحِّ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى» وَهَذَا قَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً، وَالتَّلْفِيقُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْمَعْذُورِ، وَالثَّانِي: لَا لِنَقْصِهَا بِالتَّلْفِيقِ، وَصِفَةُ الْكَمَالِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْجُمُعَةِ (فَلَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ) نَظْمِ صَلَاةِ (نَفْسِهِ) عَامِدًا (عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ) أَيْ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ (الْمُتَابَعَةُ) لِإِمَامِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِتَلَاعُبِهِ حَيْثُ سَجَدَ فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ، فَيَلْزَمُهُ التَّحَرُّمُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ مَثَلًا فَيَعُودُ إلَيْهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ اتِّفَاقًا، وَهَذَا عَلَى خِلَافٍ قَدْ تَقَدَّمَ وَأَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: إنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ مُسْتَقِيمَةٌ مَمْنُوعٌ (وَإِنْ نَسِيَ) ذَلِكَ الْمَعْلُومَ عِنْدَهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ (أَوْ جَهِلَ) ذَلِكَ (لَمْ يُحْسَبْ سُجُودُهُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا أَتَى بِهِ عَلَى تَرْتِيبِ نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِعُذْرِهِ (فَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا) بَعْدَ أَنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَهُوَ عَلَى نِسْيَانِهِ أَوْ جَهْلِهِ (حُسِبَ) لَهُ وَتَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ الْأُولَى لِدُخُولِ وَقْتِهِ وَأَلْغَى مَا قَبْلَهُ، فَإِنْ زَالَ نِسْيَانُهُ أَوْ جَهْلُهُ قَبْلَ السُّجُودِ الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَالْأَصَحُّ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ) الْمُلَفَّقَةِ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ (إذَا كَمُلَتْ السَّجْدَتَانِ) فِيهَا (قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ) وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ نُقْصَانَانِ: نُقْصَانٌ بِالتَّلْفِيقِ، وَنُقْصَانٌ بِالْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مَوْضِعِ رَكْعَتِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ نَاسِيًا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] مُتَابَعَةً حِسِّيَّةً بَلْ سَجَدَ مُتَخَلِّفًا عَنْهُ، لَكِنَّا أَلْحَقْنَاهُ فِي الْحُكْمِ بِالِاقْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ لِكَوْنِهِ مَعْذُورًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَتَا بَعْدَ سَلَامِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ بِهَا، وَالثَّانِي لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْسُبْ سُجُودَهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْسُبَ وَالْإِمَامُ فِي رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّا إنَّمَا لَمْ نَحْسُبْ لَهُ سُجُودَهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِإِمْكَانِ مُتَابَعَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، فَلَوْ لَمْ نَحْسُبْهُ لَهُ لَفَاتَتْ الرَّكْعَةُ وَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْمُتَابَعَةِ اهـ. فَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ فَرَغَ مِنْ سُجُودِهِ الْأَوَّلِ فَوَجَدَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَتَابَعَهُ فِي سُجُودِهِ حُسِبَ لَهُ، وَتَكُونُ رَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةً. وَلَوْ زُوحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ فِي الْأُولَى وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَّا حَالَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَهُ وَحُسِبَتْ الثَّانِيَةُ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي غَيْرُ مُلَفَّقَةٍ: أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مُلَفَّقَةٌ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى وَالْقِيَامِ فِيهَا وَالْإِحْرَامِ بِهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، لَكِنَّ التَّلْفِيقَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ رَكْعَةً، وَحَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ إلَّا فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ فِيهَا، وَهَلْ يَسْجُدُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُمَا رُكْنٌ وَاحِدٌ أَوْ يَجْلِسُ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ أَوْ يَنْتَظِرُهُ سَاجِدًا حَتَّى يُسَلِّمَ فَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ؟ احْتِمَالَاتٌ. وَالْأَوْجَهُ مِنْهَا الْأَوَّلُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ لِزَحْمَةٍ. أَمَّا التَّخَلُّفُ بِهِ لِغَيْرِ زَحْمَةٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ) فِي الْأُولَى (نَاسِيًا) لَهُ (حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ) فَذَكَرَهُ (رَكَعَ مَعَهُ) وُجُوبًا (عَلَى الْمَذْهَب) وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالْمَزْحُومِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالنِّسْيَانِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَطَرِيقُ الْقَطْعِ أَظْهَرُ، وَالتَّخَلُّفُ لِلْمَرَضِ كَالتَّخَلُّفِ لِلنِّسْيَانِ فِيمَا ذُكِرَ. خَاتِمَةٌ: لَيْسَتْ الْجُمُعَةُ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتَهُ وَتُتَدَارَكُ بِهِ، بَلْ هِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] طَه رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ حَسَنٌ، فَإِنْ عَرَضَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ وُقُوعَهَا جُمُعَةً انْقَلَبَتْ ظُهْرًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَلْبَهَا لِأَنَّهُمَا فَرْضُ وَقْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِلْمُسْتَمِعِ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] [الْأَحْزَابَ] الْآيَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: " الرَّفْعُ الْبَلِيغُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ " فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، بَلْ الِاسْتِمَاعُ أَوْلَى، بَلْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاسْتِمَاعَ، وَمَنْ قَعَدَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ فِي طَرِيقِ النَّاسِ أُمِرَ بِالْقِيَامِ، وَكَذَا مَنْ قَعَدَ مُسْتَقْبِلًا وُجُوهَهُمْ وَالْمَكَانُ ضَيِّقٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَاسِعِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ هِيَ أَنْوَاعٌ: الْأَوَّلُ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي الْقِبْلَةِ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ صَفٌّ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ،   [مغني المحتاج] [بَابٌ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) أَيْ كَيْفِيَّتِهَا، وَالْخَوْفُ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِتَرْجَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] [النِّسَاءَ] الْآيَةَ، وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَاسْتَمَرَّتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى فِعْلِهَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا دَعْوَى الْمُزَنِيِّ نَسَخَهَا لِتَرْكِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَأَجَابُوا عَنْهَا بِتَأَخُّرِ نُزُولِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ، وَالْخَنْدَقُ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ، وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (هِيَ أَنْوَاعٌ) جَاءَتْ فِي الْأَخْبَارِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْضُهَا، وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَفِي ابْنِ حِبَّانَ مِنْهَا تِسْعَةٌ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ، وَاخْتَارَ مِنْهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مَعَهَا الرَّابِعَ الْآتِيَ وَجَاءَ بِهِ وَبِالثَّالِثِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ. النَّوْعُ (الْأَوَّلُ) مِنْهَا الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي) جِهَةِ (الْقِبْلَةِ) وَلَا سَاتِرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَفِينَا كَثْرَةٌ بِحَيْثُ تُقَاوِمُ كُلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ (فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ (وَيُصَلِّي بِهِمْ) جَمِيعًا إلَى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ الْحِرَاسَةَ الْآتِيَةَ مَحَلُّهَا الِاعْتِدَالُ لَا الرُّكُوعُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ) حِينَئِذٍ (صَفٌّ) آخَرُ فِي الِاعْتِدَالِ الْمَذْكُورِ (فَإِذَا قَامُوا) أَيْ الْإِمَامُ وَالسَّاجِدُونَ مَعَهُ (سَجَدَ مَنْ حَرَسَ) فِيهَا (وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ) أَيْ الْفِرْقَةُ السَّاجِدَةُ مَعَ الْإِمَامِ (فَإِذَا جَلَسَ) الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ (سَجَدَ مَنْ حَرَسَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (وَتَشَهَّدَ) الْإِمَامُ (بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ) بِهِمْ (وَهَذِهِ) الْكَيْفِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ (صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِعُسْفَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خَلِيصَ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٌ، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا، وَعِبَارَتُهُ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحَوَّلَ بِمَكَانِ الْآخَرِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ، وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا كَمَا مَرَّ، ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ فَأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 وَلَوْ حَرَسَ فِيهِمَا فِرْقَتَا صَفٍّ جَازَ، وَكَذَا فِرْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ. الثَّانِي يَكُونُ فِي غَيْرِهَا فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ، وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَطْنِ نَخْلٍ. أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ وَيُصَلِّي بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ وَأَتَمَّتْ وَذَهَبَتْ إلَى وَجْهِهِ وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ الثَّانِيَةَ، فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ   [مغني المحتاج] اخْتَصَّتْ الْحِرَاسَةُ بِالسُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ (وَ) لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعَ مَنْ فِي الصَّفِّ بَلْ (لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ (فِرْقَتَا صَفٍّ) عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَاوَمَ غَيْرُهُمَا عَلَى. الْمُتَابَعَةِ (جَازَ) بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَارِسُ وَاحِدًا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ (وَكَذَا) يَجُوزُ لَوْ حَرَسَ فِيهِمَا (فِرْقَةٌ) وَاحِدَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَ أَقَلُّ مِنْهَا، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ صَلَاةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ لِزِيَادَةِ التَّخَلُّفِ فِيهَا عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ، وَدَفَعَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِتَعَدُّدِ الرَّكْعَةِ لَا تَضُرُّ، لَكِنَّ الْمُنَاوَبَةَ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا الثَّابِتَةُ فِي الْخَبَرِ. . النَّوْعُ (الثَّانِي) الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ) الْعَدُوُّ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا، وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ (فَيُصَلِّي) بِهِمْ (مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ) جَمِيعَ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثَةً أَمْ أَرْبَعًا، وَتَكُونُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ ثُمَّ تَذْهَبُ الْمُصَلِّيَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ. وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا مَرَّةً أُخْرَى جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَتَكُونُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ نَفْلًا لِسُقُوطِ فَرْضِهِ بِالْأُولَى (وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِبَطْنِ نَخْلٍ) مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ، رَوَاهَا الشَّيْخَانِ. وَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ بِالشُّرُوطِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمَتْنِ، فَقَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمُفْتَرِضِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِالْمُتَنَفِّلِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ مَحَلُّهُ فِي الْأَمْنِ وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ تَحْرُسُ وَهُوَ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ (وَيُصَلِّي) الْإِمَامُ (بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْحَازَ بِهِمْ إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ (فَإِذَا قَامَ) الْإِمَامُ (لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ) بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ نَدْبًا، وَقَبْلَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ جَوَازًا (وَأَتَمَّتْ) لِنَفْسِهَا (وَذَهَبَتْ) بَعْدَ سَلَامِهَا (إلَى وَجْهِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْأُولَى لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا هَمَّ فِيهِ، وَلَهُمْ كُلُّهُمْ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ (وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ) لِلْحِرَاسَةِ بَعْدَ ذَهَابِ أُولَئِكَ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ وَيُطِيلُ الْقِيَامَ نَدْبًا إلَى لُحُوقِهِمْ (فَاقْتَدَوْا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ فَإِذَا جَلَسَ) الْإِمَامُ (لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ) وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ وَهُمْ غَيْرُ مُنْفَرِدِينَ عَنْهُ بَلْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا (وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ) لِيَحُوزُوا فَضِيلَةَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ فِي بَطْنِ نَخْلٍ، وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ الثَّانِيَةَ وَيَتَشَهَّدُ، وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ   [مغني المحتاج] التَّحَلُّلِ مَعَهُ كَمَا حَازَتْ الْأُولَى فَضِيلَةَ التَّحَرُّمِ مَعَهُ (وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ صِفَةُ صَلَاتِهِ (بِذَاتِ الرِّقَاعِ) مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ، رَوَاهَا الشَّيْخَانِ (1) أَيْضًا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا تَقَرَّحَتْ. وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ، وَقِيلَ لِتُرْفَعَ صَلَاتُهُمْ فِيهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ) صَلَاةِ (بَطْنِ نَخْلٍ) لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَلِأَنَّهَا أَخَفُّ وَأَعْدَلُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ عُسْفَانَ أَيْضًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهَا فِي الْجُمْلَةِ دُونَهُمَا، وَتُسَنُّ عِنْدَ كَثْرَتِنَا فَالْكَثْرَةُ شَرْطٌ لِسُنِّيَّتِهَا لَا لِصِحَّتِهَا خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ فِي تَحْرِيرِهِ، وَفَارَقَتْ صَلَاةُ عُسْفَانَ بِجَوَازِهَا فِي الْأَمْنِ لِغَيْرِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَهَا إنْ نَوَتْ الْمُفَارَقَةَ، بِخِلَافِ تِلْكَ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْأَوَّلِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ قُبَيْلَ النَّوْعِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَثَمَّ فِي الِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، بَلْ ذَهَبُوا وَوَقَفُوا تُجَاهَ الْعَدُوِّ سُكُوتًا فِي الصَّلَاةِ، وَجَاءَتْ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَحِينَ سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ إلَى مَكَانِ صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَذَهَبُوا إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ إلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوهَا جَازَ، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ رَوَاهَا ابْنُ عُمَرَ. وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ؛ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَانَتْ فِي يَوْمٍ وَالْأُخْرَى فِي يَوْمٍ، وَدَعْوَى النَّسْخِ بَاطِلَةٌ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْأُولَى هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِسَلَامَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ (وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ) بَعْدَ قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً بَعْدَهَا (فِي) زَمَنِ (انْتِظَارِهِ) الْفِرْقَةَ (الثَّانِيَةَ) وَلُحُوقِهَا لَهُ فَإِذَا لَحِقَتْهُ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ فَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَرَكَعَ (وَيَتَشَهَّدُ) فِي جُلُوسِهِ لِانْتِظَارِهَا، لِأَنَّ السُّكُوتَ مُخَالِفٌ لِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ الْقِيَامُ مَوْضِعُ ذِكْرٍ (وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ) قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّشَهُّدِ (لِتَلْحَقَهُ) فَتُدْرِكَهُمَا مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَرَأَ مَعَ الْأُولَى فَيُؤَخِّرُهَا لِيَقْرَأَهَا مَعَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَى هَذَا يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَطَرِيقَةُ الْخِلَافِ فِي التَّشَهُّدِ ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ لَاخْتُصَّتْ بِهِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْكَيْفِيَّةَ الْمُخْتَارَةَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي الْأَمْنِ صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الِانْتِظَارَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَضُرُّ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَا تَضُرُّ لَا صَلَاةَ الثَّانِيَةَ إنْ لَمْ تُفَارِقْهُ حَالَ قِيَامِهِمْ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى قَطْعًا وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ. فَرْعٌ: تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَيْثُ وَقَعَ بِبَلَدٍ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَكَذَاتِ الرِّقَاعِ لَا كَصَلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ فِي الْأَظْهَرِ وَيَنْتَظِرُ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] بَطْنِ نَخْلٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ فِي السَّامِعِينَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا لِلْحَاجَةِ مَعَ سَبْقِ انْعِقَادِهَا وَتَجْهَرُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ، وَلَا تَجْهَرُ الثَّانِيَةُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ (فَإِنْ صَلَّى) الْإِمَامُ (مَغْرِبًا) عَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ (فَبِفِرْقَةٍ) مِنْ الْقَوْمِ يُصَلِّي بِهَا (رَكْعَتَيْنِ) ثُمَّ تُفَارِقُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَبِالثَّانِيَةِ) مِنْهُ (رَكْعَةً وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ) الْجَائِزِ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَالسَّابِقُ أَوْلَى بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَزَادَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ تَشَهُّدًا غَيْرَ مَحْسُوبٍ لَهَا لِوُقُوعِهِ فِي رَكْعَتِهَا الْأُولَى وَاللَّائِقُ بِالْحَالِ هُوَ التَّخْفِيفُ دُونَ التَّطْوِيلِ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ أَفْضَلُ لِتَنْجَبِرَ بِهِ الثَّانِيَةُ عَمَّا فَاتَهَا مِنْ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ (يَنْتَظِرُ) الْإِمَامُ فَرَاغَ الْأُولَى وَمَجِيءَ الثَّانِيَةِ (فِي) جُلُوسِ (تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ) أَيْ انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ (أَفْضَلُ) مِنْ انْتِظَارِهِ فِي جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ التَّطْوِيلِ بِخِلَافِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَوْلَى لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا، وَجُعِلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَوْلَيْنِ، وَيَأْتِي فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي الِانْتِظَارِ فِي الْقِيَامِ أَوْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الِانْتِظَارِ فِي جُلُوسِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى النَّصِّ (أَوْ) صَلَّى (رُبَاعِيَّةً فَبِكُلٍّ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ يُصَلِّي (رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمَأْمُومِينَ وَهَلْ الْأَفْضَلُ الِانْتِظَارُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَلَوْ صَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِالْأُخْرَى ثَلَاثًا أَوْ عَكْسُهُ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ، وَالثَّانِيَةَ لِلسَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ (فَلَوْ) فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، وَ (صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً) وَفَارَقَتْهُ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَأَتَمَّتْ لِنَفْسِهَا وَهُوَ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْأُولَى فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَفَرَاغَ الثَّانِيَةِ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا مَرَّ، وَفَرَاغَ الثَّالِثَةِ فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ، وَفَرَاغَ الرَّابِعَةِ فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ لِيُسَلِّمَ بِهَا (صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَشَرْطُ ذَلِكَ أَنْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَاقْتِضَاءُ الرَّأْيِ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الْأَمْنِ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الزَّوَائِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي الدَّقَائِقِ، وَالثَّانِي: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الِانْتِظَارَيْنِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَبَقَ وَصَلَاةِ الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمُوا بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثُ: تَبْطُلُ صَلَاةُ الْفِرَقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ، وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى، وَسَهْوُهُ فِي الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ، وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ. الرَّابِعُ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ فَيُصَلِّيَ كَيْفَ أَمْكَنَ   [مغني المحتاج] الثَّلَاثِ لِمُفَارَقَتِهَا قَبْلَ انْتِصَافِ صَلَاتِهَا عَلَى خِلَافِ الْمُفَارَقَةِ فِي صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الِانْتِصَافِ، وَالرَّابِعُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ الْمَغْرِبُ إذَا صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً (وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ) فِيمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فِرْقَتَيْنِ (مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ) أَيْ رَكْعَتِهِمْ الْأُولَى لِاقْتِدَائِهِمْ فِيهَا (وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ لِلْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ سَهْوُهُمْ مَحْمُولٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ الْمَجْزُومِ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِاقْتِدَائِهِمْ بِالْإِمَامِ فِيهَا حُكْمًا، وَالثَّانِي لَا، لِانْفِرَادِهِمْ بِهَا حِسًّا (لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى) لِانْفِرَادِهِمْ حِسًّا وَحُكْمًا (وَسَهْوُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ) فَيَسْجُدُ الْمُفَارِقُونَ عِنْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ قَبْلَ اقْتِدَاءِ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ لِلنُّقْصَانِ الْحَاصِلِ فِي صَلَاتِهِ (وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ) لِمُفَارَقَتِهِمْ قَبْلَ السَّهْوِ، وَتَسْجُدُ الثَّانِيَةَ مَعَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَلَوْ سَهَا فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ لَحِقَهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ السَّهْوُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. (وَيُسَنُّ) لِلْمُصَلِّي صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ (حَمْلُ السِّلَاحِ) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ وَنَشَّابٍ وَسِكِّينٍ (فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ) السَّابِقَةِ احْتِيَاطًا (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) الْحَمْلُ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] [النِّسَاءَ] ، وَحَمَلَ الْأَوَّلُ الْآيَةَ عَلَى النَّدْبِ، إذْ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ تَرْكُهُ مُفْسِدًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَفْسُدُ بِهِ قَطْعًا، وَلَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ احْتِيَاطًا، وَيَحْرُمُ مُتَنَجِّسٌ وَبَيْضَةٌ أَوْ نَحْوُهَا تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ، وَيُكْرَهُ رُمْحٌ أَوْ نَحْوُهُ يُؤْذِيهِمْ بِأَنْ يَكُونَ بِوَسَطِهِمْ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ خَفَّ بِهِ الْأَذَى، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ، وَلَوْ كَانَ فِي تَرْكِ الْحَمْلِ تَعَرُّضٌ لِلْهَلَاكِ ظَاهِرًا وَجَبَ حَمْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْهُلُ تَنَاوُلُهُ كَسُهُولَةِ تَنَاوُلٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ، بَلْ يَتَعَيَّنُ وَضْعُهُ إنْ مَنَعَ حَمْلُهُ الصِّحَّةَ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ حَمْلِهِ أَوْ وَضْعِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالدِّرْعُ أَوْ التُّرْسُ لَيْسَ بِسِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ ثَقِيلًا يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ كَالْجَعْبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ إطْلَاقُ الْقَوْلِ. بِأَنَّهُمَا مِنْ السِّلَاحِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ سِلَاحٍ يُسَنُّ حَمْلُهُ فِي الصَّلَاةِ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَقْتُلُ، لَا مَا يُدْفَعُ بِهِ. (الرَّابِعُ) مِنْ الْأَنْوَاعِ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّ هَذَا النَّوْعِ، وَهُوَ (أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ) بَيْنَ الْقَوْمِ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِحَيْثُ يَلْتَصِقُ لَحْمُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقَهُ أَوْ عَنْ اخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَاشْتِبَاكِ لُحْمَةِ الثَّوْبِ بِالسُّدَى (أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ بِأَنْ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُ وَانْقَسَمُوا (فَيُصَلِّيَ) كُلٌّ مِنْهُمْ (كَيْفَ أَمْكَنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ لِحَاجَةٍ فِي الْأَصَحِّ، لَا صِيَاحٍ، وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ فَإِنْ عَجَزَ أَمْسَكَهُ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ، وَلَهُ ذَا النَّوْعُ فِي   [مغني المحتاج] رَاكِبًا وَمَاشِيًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] [الْبَقَرَةَ] وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (وَيُعْذَرُ) كُلٌّ مِنْهُمْ (فِي تَرْكِ) تَوَجُّهِ (الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ أَوْ تَقَدَّمُوا عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ (وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ) كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ يُعْذَرُ فِيهَا (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْمَشْيِ وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا مَا نَسَبَاهُ لِلْأَكْثَرِينَ. وَالثَّانِي لَا يُعْذَرُ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي هَذَيْنِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ، وَالثَّالِثُ يُعْذَرُ فِيهَا لِدَفْعِ أَشْخَاصٍ دُونَ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي دَفْعِهِ. أَمَّا الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ غَيْرُ الْمُتَوَالِي فَمُحْتَمَلٌ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْمُتَوَالِي بِلَا حَاجَةٍ فَتَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا (لَا صِيَاحٍ) فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ، وَكَذَا يُبْطِلُهَا النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَيُلْقِي) وُجُوبًا (السِّلَاحَ إذَا دُمِيَ) دَمًا لَا يُعْفَى عَنْهُ حَذَرًا مِنْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَفِي مَعْنَى إلْقَائِهِ جَعْلُهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَمَّا ذُكِرَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدَّ (أَمْسَكَهُ) لِلْحَاجَةِ (وَلَا قَضَاءَ) لِلصَّلَاةِ حِينَئِذٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْمَجْزُومِ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابَيْ التَّيَمُّمِ وَشُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَلَطُّخَ السِّلَاحِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَحَاضَةَ. وَالثَّانِي: يَجِبُ الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَالْفَتْوَى عَلَيْهِ اهـ. وَلَوْ تَنَجَّسَ سِلَاحُهُ بِغَيْرِ الدَّمِ بِنَجَاسَةٍ لَا يُعْفَى عَنْهَا أَمْسَكَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ) بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (وَ) جَعَلَ (السُّجُودَ أَخْفَضَ) مِنْ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَاشِي وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَلَوْ فِي التَّحَرُّمِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلْهَلَاكِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَاشِي الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ بِتَرْكِ الْقِيَامِ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ آكَدُ بِدَلِيلِ النَّفْلِ. تَنْبِيهٌ هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَنْصُوبَانِ بِتَقْدِيرِ " جَعَلَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُحَرَّرُ (وَلَهُ ذَا النَّوْعِ) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ وَهَرَبَ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ وَغَرِيمٍ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَخَوْفِ حَبْسِهِ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ   [مغني المحتاج] أَيْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ حَضَرًا وَسَفَرًا (فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ) أَيْ لَا إثْمَ فِيهِمَا كَقِتَالٍ عَادِلٍ وَدَافِعٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ حَرَمِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ حَرَمِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِيهِ ضَرَرٌ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا النَّوْعُ بِالْقِتَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَهُ ذَلِكَ فِي. (هَرَبَ مِنْ) نَحْوِ (حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ) وَحَيَّةٍ لَا يَجِدُ مَعْدِلًا عَنْهُ بِتَحْصِينٍ بِشَيْءٍ لِوُجُودِ الْخَوْفِ (وَ) فِي هَرَبَ مِنْ (غَرِيمٍ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ (عِنْدَ الْإِعْسَارِ) أَيْ إعْسَارِهِ (وَخَوْفِ حَبْسِهِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْحَبْسِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ وَلَا يُصَدِّقُهُ الْمُسْتَحِقُّ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا بَعْدَ الْحَبْسِ، فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِي هَرَبَ مِنْ مُقْتَصٍّ يَرْجُو بِسُكُونِ غَضَبِهِ بِالْهَرَبِ عَفْوَهُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعَاصِي بِالْقِتَالِ كَالْبُغَاةِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَالْعَاصِي بِفِرَارِهِ كَهَزِيمَةِ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرِينَ فِي الصَّفِّ، فَلَا يُصَلُّونَ هَذِهِ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَلَا يُصَلِّيهَا طَالِبٌ لِعَدُوٍّ مُنْهَزِمٍ مِنْهُ خَافَ فَوْتَ الْعَدُوِّ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ بَلْ هُوَ مُحَصِّلٌ، وَالرُّخَصُ لَا تُجَاوِزُ مَحَلَّهَا إلَّا إنْ خَشِيَ كَرَّتَهُمْ عَلَيْهِ أَوْ كَمِينًا أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ خَائِفٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَطَفَ شَخْصٌ عِمَامَتَهُ أَوْ مَدَاسَهُ مَثَلًا وَهَرَبَ بِهِ وَأَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ خَافَ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَمَا تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَذَلِكَ تَجُوزُ أَيْضًا صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، فَيُصَلِّي بِطَائِفَةٍ وَيَسْتَعْمِلُ طَائِفَةً بِرَدِّ السَّيْلِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ وَدَفْعِ السَّبُعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) بِفَوَاتِ وُقُوفِ عَرَفَةَ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ، بَلْ يَرُومُ تَحْصِيلُ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، فَأَشْبَهَ خَوْفَ فَوَاتِ الْعَدُوِّ عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ كَمَا مَرَّ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ لَا يَنْقُصُ عَنْ ضَرَرِ الْحَبْسِ أَيَّامًا فِي حَقِّ الْمَدْيُونِ الْمُعْسِرِ، وَصَحَّحَ هَذَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيَحْصُلُ الْوُقُوفُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ صَعْبٌ وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ هَيِّنٌ، فَقَدْ جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ لِأُمُورٍ لَا تُقَارِبُ الْمَشَقَّةُ فِيهَا هَذِهِ الْمَشَقَّةَ كَالتَّأْخِيرِ لِلْجَمْعِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَحَقَّقَ فَوَاتُ كُلِّ الصَّلَاةِ، فَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ مَضَى أَدْرَكَ الْحَجَّ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ الْوَقْتِ وَجَبَ الْمُضِيُّ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَلَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَحْرَمَ مَاشِيًا كَهَارِبٍ مِنْ حَرِيقٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْجِيلِيُّ. فَرْعٌ يُصَلِّي عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ الْأَضْحَى وَكُسُوفَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ صَلَاتَهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وَلَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ، ظَنُّوهُ عَدُوًّا فَبَانَ غَيْرُهُ قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ. فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَهَا وَيَخْطُبُ لَهَا إنْ أَمْكَنَ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا كَسُنَّةِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَأَنَّهَا لَا تُشْرَعُ فِي الْفَائِتَةِ بِعُذْرٍ إلَّا إذَا خِيفَ فَوْتُهَا بِالْمَوْتِ. (وَلَوْ صَلَّوْا) صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ (لِسَوَادٍ) كَإِبِلٍ وَشَجَرٍ (ظَنُّوهُ عَدُوًّا) لَهُمْ أَوْ كَثِيرًا، بِأَنْ ظَنُّوا أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ضِعْفِنَا (فَبَانَ) الْحَالُ (غَيْرُهُ) بِخِلَافِهِ أَوْ بَانَ كَمَا ظَنُّوا، وَلَكِنْ بَانَ دُونَهُ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ، أَوْ شَكُّوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَلَّوْهَا (قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ) لِتَفْرِيطِهِمْ بِخَطَئِهِمْ أَوْ شَكِّهِمْ كَمَا لَوْ أَخْطَئُوا أَوْ شَكُّوا فِي الطَّهَارَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ الْخَوْفِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْضُونَ بِمَا مَرَّ لَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ أَوْ ذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَذَا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ صَلَاتَيْ بَطْنِ نَخْلٍ وَذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا فِي الْأَمْنِ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ صَلَاتِهِمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَا رَأَوْهُ عَدُوًّا كَمَا ظَنُّوا، وَلَا حَائِلَ وَلَا حِصْنَ، وَلَكِنْ نِيَّتُهُمْ الصُّلْحُ وَنَحْوُهُ كَالتِّجَارَةِ فَلَا قَضَاءَ، إذْ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخَطَإِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَأَمُّلِهِ، وَلَوْ ظَنَّ الْعَدُوَّ يَقْصِدُهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَلَا قَضَاءَ قَطْعًا كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ فَحَدَثَ خَوْفٌ مُلْجِئٌ لِرُكُوبِهِ رَكِبَ وَبَنَى، فَإِنْ لَمْ يُلْجِئْهُ بَلْ رَكِبَ احْتِيَاطًا أَعَادَ وُجُوبًا، فَإِنْ أَمِنَ الْمُصَلِّي وَهُوَ رَاكِبٌ نَزَلَ حَالًا وُجُوبًا وَبَنَى إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ فِي نُزُولٍ الْقِبْلَةَ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ، وَكُرِهَ انْحِرَافُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فِي نُزُولِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ أَخَّرَ النُّزُولَ بَعْدَ الْأَمْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. [فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ] (فَصْلٌ) فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ وَغَيْرِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ (يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ) فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ (اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ) وَهُوَ مَا يُحَلُّ عَنْ الدُّودَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَالْقَزُّ وَهُوَ مَا قَطَعَتْهُ الدُّودَةُ وَخَرَجَتْ مِنْهُ حَيَّةً وَهُوَ كَمَدِّ اللَّوْنِ (بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا مَا يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ كَلُبْسِهِ وَالتَّدَثُّرِ بِهِ وَاتِّخَاذِهِ سِتْرًا. أَمَّا لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ فَمُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلِلْخُنْثَى احْتِيَاطًا. وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَلِقَوْلِ حُذَيْفَةَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ» (1) ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَذَ فِي يَمِينِهِ قِطْعَةَ حَرِيرٍ وَفِي شِمَالِهِ قِطْعَةَ ذَهَبٍ، وَقَالَ هَذَانِ - أَيْ اسْتِعْمَالُهُمَا - حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» (2) وَعَلَّلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا، وَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ الصَّبِيَّ. قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ.   [مغني المحتاج] الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحُرْمَةَ عَلَى الرَّجُلِ بِأَنَّ فِي الْحَرِيرِ خُنُوثَةً لَا تَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرَّجُلِ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. (وَيَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُهُ) وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَلَيْهِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ افْتِرَاشِهَا) لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، بِخِلَافِ اللُّبْسِ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُهَا وَيَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهَا وَوَطْئِهَا فَيُؤَدِّي إلَى مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَهُوَ كَثْرَةُ التَّنَاسُلِ. وَالثَّانِي يَحِلُّ كَلُبْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ «حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ» وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ (وَ) الْأَصَحُّ. (أَنَّ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسَهُ) أَيْ الْحَرِيرِ (الصَّبِيَّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، إذْ لَيْسَ لَهُ شَهَامَةٌ تُنَافِي خُنُوثَةَ الْحَرِيرِ وَلِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ، وَلِلْوَلِيِّ تَزْيِينُهُ بِالْحُلِيِّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ يَوْمِ عِيدٍ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِي غَيْرِ يَوْمَيْ الْعِيدِ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالثَّالِثُ: لَهُ إلْبَاسُهُ قَبْلَ سَبْعِ سِنِينَ دُونَ مَا بَعْدَهَا لِئَلَّا يَعْتَادَهُ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالصَّبِيِّ يُخْرِجُ الْمَجْنُونَ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُدْخِلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَقَدْ أَلْحَقَهُ بِالصَّبِيِّ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. (قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ افْتِرَاشِهَا) إيَّاهُ (وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ إبَاحَةِ اللُّبْسِ لِلتَّزْيِينِ لِلزَّوْجِ أَيْ وَالسَّيِّدِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْخَلِيَّةِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ. وَاعْتَرَضَ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ بِأَنَّ الشَّيْخَ نَصْرًا الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرَهُ قَطَعَ بِالتَّحْرِيمِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي، وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمْعٍ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الرَّجُلِ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ فِي الْحَرِيرِ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ. قَالَ وَلَا يَغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَرَاهُ وَلَا يُنْكِرُهُ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ: الْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لِلْمَرْأَةِ كَالتَّطْرِيزِ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْفَخْرِ بْنِ عَسَاكِرَ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ قُضَاةُ الْأَمْصَارِ فِي الْأَعْصَارِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِيَاطَةَ لَا اسْتِعْمَالَ فِيهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الرَّجُلِ فِيهِ لِلْمُرَاسَلَاتِ وَنَحْوِهَا. وَسُئِلَ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ رَزِينٍ عَمَّنْ يُفَصِّلُ الْكُلُونَاتِ وَالْأَقْبَاعَ الْحَرِيرَ وَيَشْتَرِي الْقُمَاشَ الْحَرِيرَ مُفَصَّلًا وَيَبِيعُهُ لِلرِّجَالِ، فَقَالَ: يَأْثَمُ بِتَفْصِيلِهِ لَهُمْ وَبِخِيَاطَتِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِصَوْغِ الذَّهَبِ لِلُبْسِهِمْ. قَالَ: وَكَذَا خُلَعُ الْحَرِيرِ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَالتِّجَارَةُ فِيهَا. وَأَمَّا اتِّخَاذُ أَثْوَابِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ بِلَا لُبْسٍ، فَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ حَرَامٌ لَكِنَّ إثْمَهُ دُونَ إثْمِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُرْمَةِ الْحَرِيرِ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَضْمَنَّهُ قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ) وَالْخُنْثَى (لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُهْلِكَيْنِ) أَوْ مُضِرَّيْنِ كَالْخَوْفِ عَلَى عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ إزَالَةً لِلضَّرَرِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ جَوَازِ اللُّبْسِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَخَفُّ (أَوْ فُجَاءَةِ حَرْبٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ بَغْتَتِهَا (وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) يَقُومُ مَقَامَهُ لِلضَّرُورَةِ وَجَوَّزَ ابْنُ كَجٍّ اتِّخَاذَ الْقَبَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ، وَإِنْ وُجِدَ غَيْرُ الْحَرِيرِ مِمَّا يَدْفَعُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْهَيْبَةِ وَانْكِسَارِ قُلُوبِ الْكُفَّارِ كَتَحْلِيَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 وَلِلْحَاجَةِ كَجَرَبٍ وَحَكَّةٍ وَدَفْعِ قَمْلٍ، وَلِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَيَحْرُمُ الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ وَغَيْرِهِ إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ، وَيَحِلُّ عَكْسُهُ، وَكَذَا إنْ اسْتَوَيَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] السَّيْفِ وَنَحْوِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَصَحَّحَهُ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. (وَ) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا (لِلْحَاجَةِ كَجَرَبٍ وَحِكَّةٍ) إنْ آذَاهُ لَيْسَ غَيْرَهُ كَمَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي لُبْسِهِ لِلْحِكَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) . وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - الْجَرَبُ الْيَابِسُ، وَهُوَ الْحَصْفُ، وَلِذَلِكَ غَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا، وَالْجَوْهَرِيُّ جَعَلَ الْحِكَّةَ وَالْجَرَبَ وَاحِدًا، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَتَهْذِيبِ اللُّغَاتِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ مِنْ شَرْطِ جَوَازِهِ لِذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ مَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَاسَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ التَّسْوِيَةِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَرِيرِ أُبِيحَ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَانَ أَخَفَّ مِنْ النَّجَاسَةِ (وَ) لِلْحَاجَةِ فِي (دَفْعِ قَمْلٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْمَلْ بِالْخَاصَّةِ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - شَكَيَا الْقَمْلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إذْ الْمَعْنَى يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالسَّفَرِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَضَرِ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّعَهُّدَ وَالتَّفَقُّدَ فِيهِ سَهْلٌ. تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْحَاجَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ عُيُونِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَرِيرِ، وَكَذَا السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى النَّاسِ. وَالْقَمْلُ جَمْعُ قَمْلَةٍ، وَهُوَ الْقَمْلُ الْمُرْسَلُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ، وَقِيلَ الْبَرَاغِيثُ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ، وَقِيلَ السُّوسُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَ) لِلْحَاجَةِ (لِلْقِتَالِ كَدِيبَاجٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّدْبِيجِ وَهُوَ النَّقْشُ وَالتَّزْيِينُ أَصْلُهُ دِيبَاهٌ بِالْهَاءِ وَجَمْعُهُ دَيَابِيجُ وَدَيَابِجُ (لَا يَقُومُ غَيْرُهُ) فِي دَفْعِ السِّلَاحِ (مَقَامَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ ثُلَاثِيٍّ تَقُولُ: قَامَ هَذَا مَقَامَ ذَاكَ بِالْفَتْحِ، وَأَقَمْته مُقَامَهُ بِالضَّمِّ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ فِي حُكْمِ الضَّرُورَةِ. أَمَّا إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا " أَوْ فَجْأَةِ حَرْبٍ " فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِمُجَرَّدِ الْمُحَارَبَةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْقِتَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَيَحْرُمُ) عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى (الْمُرَكَّبُ مِنْ إبْرَيْسَمَ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ: الْحَرِيرُ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَغَيْرِهِ) كَغَزْلٍ وَقُطْنٍ (إنْ زَادَ وَزْنُ الْإِبْرَيْسَمِ) عَلَى غَيْرِهِ (وَيَحِلُّ عَكْسُهُ) هُوَ مُرَكَّبٌ نَقَصَ فِيهِ الْإِبْرَيْسَمُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْخَزِّ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأَكْثَرِ فِيهِمَا (وَكَذَا) يَحِلُّ (إنْ اسْتَوَيَا) وَزْنًا فِيمَا رُكِّبَ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثَوْبَ حَرِيرٍ وَالْأَصْلُ الْحِلُّ، وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ» . فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَى الثَّوْبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 وَيَحِلُّ مَا طُرِّزَ أَوْ طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ.   [مغني المحتاج] وَالْمُصْمَتُ الْخَالِصُ، وَالْعَلَمُ الطِّرَازُ وَنَحْوُهُ وَلَا أَثَرَ لِلظُّهُورِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي قَوْلِهِ: إنْ ظَهَرَ الْحَرِيرُ فِي الْمُرَكَّبِ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ، وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ، وَيَنْبَغِي عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الْكَرَاهَةُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ الْأَكْثَرُ الْحَرِيرُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ هُمَا مُسْتَوِيَانِ حَرُمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ. (وَيَحِلُّ) لِمَنْ ذُكِرَ (مَا) أَيْ ثَوْبٌ (طُرِّزَ) أَوْ رُقِّعَ بِحَرِيرٍ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ، دُونَ مَا يُجَاوِزُهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ» (1) وَلَوْ كَثُرَتْ مَحَالُّهَا بِحَيْثُ يَزِيدُ الْحَرِيرُ عَلَى غَيْرِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى طِرَازَيْنِ كُلُّ طِرَازٍ عَلَى كَمْ، وَأَنَّ كُلَّ طِرَازٍ لَا يَزِيدُ عَلَى أُصْبُعَيْنِ لِيَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا أَرْبَعَ أَصَابِعَ، وَالتَّطْرِيزُ أَنْ يُرَكَّبَ عَلَى الثَّوْبِ طِرَازٌ كُلُّهُ مِنْ حَرِيرٍ، أَمَّا الْمُطَرَّزُ بِالْإِبْرَةِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ كَالْمَنْسُوجِ حَتَّى يَكُونَ مَعَ الثَّوْبِ كَالْمُرَكَّبِ مِنْ حَرِيرِهِ وَغَيْرِهِ لَا كَالطِّرَازِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مِثْلُهُ، وَيَحِلُّ حَشْوُ جُبَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا بِهِ كَالْمِخَدَّةِ لِأَنَّ الْحَشْوَ لَيْسَ ثَوْبًا مَنْسُوجًا وَلَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ لَابِسَ حَرِيرٍ، وَبِهَذَا فَارَقَ تَحْرِيمَ الْبِطَانَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ بِطَانَةَ الْجُبَّةِ أَوْ نَحْوِهَا حَرِيرًا (أَوْ) يَحِلُّ مَا (طُرِّفَ بِحَرِيرٍ قَدْرَ الْعَادَةِ) بِأَنْ يَجْعَلَ طَرَفَ ثَوْبِهِ مُسْجَفًا بِالْحَرِيرِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ جُبَّةٌ يَلْبَسُهَا لَهَا لِبْنَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ وَفَرْجَاهَا مَكْفُوفَانِ بِالدِّيبَاجِ» وَاللِّبْنَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ رُقْعَةٌ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ أَيْ طَوْقِهِ، وَالْمَكْفُوفُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ كُفَّةٌ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ سِجَافٌ. أَمَّا مَا جَاوَزَ الْعَادَةَ فَيَحْرُمُ، وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اعْتِبَارِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ التَّطْرِيفَ مَحَلُّ حَاجَةٍ وَقَدْ تَمَسُّ الْحَاجَةُ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ زِينَةٍ فَيَتَقَيَّدُ بِالْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُطَرَّزِ وَالْمُطَرَّفِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَكَالتَّطْرِيفِ طَرَفَا الْعِمَامَةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ شِبْرٍ، وَفَرْقُ بَيْنِ كُلِّ أَرْبَعِ أَصَابِعَ مِقْدَارَ قَلَمٍ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ قُطْنٍ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَادَةِ فِيهِ اهـ. فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ عَلَى خِلَافِهِ اُعْتُبِرَتْ إذْ الْعَادَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِحَرِيرٍ عَنْ التَّطْرِيزِ أَوْ التَّطْرِيفِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَإِنْ قَلَّ؛ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ، وَإِنْ جَعَلَ بَيْنَ الْبِطَانَةِ وَالظِّهَارَةِ ثَوْبًا حَرِيرًا جَازَ لُبْسُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ نَظَرٌ، وَتَحِلُّ خِيَاطَةُ الثَّوْبِ بِهِ وَيَحِلُّ لُبْسُهُ وَلَا يَجِيءُ فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُضَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ أَهْوَنُ مِنْ الْأَوَانِي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَحِلُّ مِنْهُ خَيْطُ السُّبْحَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُقَاسَ بِهِ لِيقَةُ الدَّوَاةِ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ: وَيَجُوزُ مِنْهُ كِيسُ الْمُصْحَفِ لِلرَّجُلِ، وَلَوْ فَرَشَ ثَوْبَ قُطْنٍ مَثَلًا فَوْقَ ثَوْبِ دِيبَاجٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَغَطَّى فَوْقَ حَائِلٍ لِأَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وَلُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفُجَاءَةِ قِتَالٍ، وَكَذَا الْمَيْتَةُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] مُسْتَعْمِلٌ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى الْمُزَعْفَرُ دُونَ الْمُعَصْفَرِ كَمَا قَالَهُ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خِلَافًا لِلْبَيْهَقِيِّ فِي قَوْلِهِ: الصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَوْ بَلَغَتْ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهَا، وَمَحَلُّ النَّهْيِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ إذَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ لَا قَبْلَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ ذُكِرَ مَصْبُوغٌ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ وَالْمُعَصْفَرِ سَوَاءٌ الْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَخْضَرُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ أَصُبِغَ قَبْلَ النَّسْجِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ خَالَفَ فِيمَا بَعْدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ، وَيَحِلُّ لُبْسُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ كَانَتْ غَالِيَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ، وَيُكْرَهُ تَزْيِينُ الْبُيُوتِ لِلرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى مَشَاهِدِ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ بِالثِّيَابِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نُلْبِسَ الْجُدْرَانَ وَاللَّبِنَ» وَيَحْرُمُ تَزْيِينُهَا بِالْحَرِيرِ وَالصُّوَرِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا، وَكَذَا يَحْرُمُ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ بِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِالْجَوَازِ، نَعَمْ يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِهِ، وَيَنْبَغِي جَوَازُ سَتْرِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَ) يَحِلُّ (لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ) أَيْ الْمُتَنَجِّسِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ عَطْفًا عَلَى الْمُحَرَّمِ، وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ فِي الْأَصَحِّ (فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ (وَنَحْوِهَا) كَالطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ أَوْ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ إذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ بَدَنُهُ بِوَاسِطَةِ رُطُوبَةٍ بِخِلَافِ لُبْسِهِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ فَيَحْرُمُ، سَوَاءٌ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ لَا لِقَطْعِهِ الْفَرْضَ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِجَوَازِ قَطْعِهِ. أَمَّا إذَا لَبِسَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِنَفْلٍ أَوْ فَرْضٍ مُوَسَّعٍ فَالْحُرْمَةُ عَلَى تَلَبُّسِهِ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ لَا عَلَى لُبْسِهِ، فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ مُهِمٌّ، وَحَيْثُ جَازَ لُبْسُهُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَحْرُمُ مُكْثُهُ بِهِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَاتِ (لَا جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ) فَلَا يَحِلُّ لُبْسُ جِلْدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَكَذَا الْكَلْبُ إلَّا فِي اصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى، وَفَرْعُهُمَا وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَجْأَةِ قِتَالٍ) وَخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ مِنْ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ. وَيَحِلُّ أَنْ يُغَشِّيَ كُلًّا مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ جِلْدَهُ وَجِلْدَ الْآخَرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ كَلْبٌ يُقْتَنَى وَخِنْزِيرٌ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرُوهُ فِي السِّيَرِ، وَمَا اسْتَشْكَلَهُ فِي تَغْشِيَةِ الْخِنْزِيرِ بِامْتِنَاعِ اقْتِنَائِهِ وَالْمُغَشَّى مُقْتَنًى. أُجِيبَ عَنْهُ بِمَنْعِ كَوْنِهِ مُقْتَنًى بِذَلِكَ، وَلَوْ سَلِمَ فَيَأْثَمُ بِالِاقْتِنَاءِ لَا بِالتَّغْشِيَةِ، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى خَنَازِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى مُضْطَرٍّ تَزَوَّدَ بِهِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا يَتَزَوَّدُ بِالْمَيْتَةِ أَمَّا تَغْشِيَةُ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِهِمَا وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ بِجِلْدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَغْشِيَتِهِ بِغَيْرِ جِلْدِهِمَا مِنْ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ (وَكَذَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ) قَبْلَ الدَّبْغِ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحِلُّ كَجِلْدِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْآدَمِيِّ اسْتِعْمَالُ نَجَاسَةٍ فِي بَدَنِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ثَوْبِهِ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبُّدِ فِي اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 وَيَحِلُّ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ   [مغني المحتاج] لِإِقَامَةِ الْعِبَادَةِ وَلَوْ كَانَ النَّجِسُ مُشْطَ عَاجٍ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ هُنَاكَ رُطُوبَةٌ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي قَوْلِهِ يَحْرُمُ مُطْلَقًا، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَكَأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا الْعَاجَ لِشِدَّةِ جَفَافِهِ مَعَ ظُهُورِ رَوْنَقِهِ وَجِلْدَ الْآدَمِيِّ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ اخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. وَيَحْرُمُ إطَالَةُ الْعَذَبَةِ طُولًا فَاحِشًا، وَإِنْزَالُ الثَّوْبِ نَحْوَهُ عَنْ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْعَذَبَةُ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِدُونِهِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ إرْخَاؤُهُ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ ذِرَاعًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ، لَا مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ، وَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ الْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَالْقُمُصِ وَنَحْوِهَا مَزْرُورَةً وَغَيْرَ مَزْرُورَةٍ إذَا لَمْ تُبْدِ عَوْرَتَهُ، وَيُسَنُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِأَنَّ كُمَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إلَى الرُّسْغِ، وَإِفْرَاطُ تَوْسِعَةِ الثِّيَابِ وَالْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَيُسْأَلُوا، فَإِنِّي كُنْتُ مُحْرِمًا فَأَنْكَرْتُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُحْرِمِينَ لَا يَعْرِفُونَنِي مَا أَخَلُّوا بِهِ مِنْ أَدَبِ الطَّوَافِ فَلَمْ يَقْبَلُوا، فَلَمَّا لَبِسْتُ ثِيَابَ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، فَإِذَا لَبِسَهَا لِمِثْلِ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَلِلِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. (وَيَحِلُّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ (الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ) عَيْنُهُ كَوَدَكِ مَيْتَةٍ أَوْ بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَنَحْوِهِ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: «إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ، أَوْ فَانْتَفِعُوا بِهِ» رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ؛ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَجْلِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُصِيبُ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْ السِّرَاجِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهُ مِنْ دُخَانِ الْمِصْبَاحِ لِقِلَّتِهِ. أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْجِيسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ كَانَ مَيْلُ الْإِسْنَوِيِّ إلَى الْجَوَازِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا وَدَكُ نَحْوِ الْكَلْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الزَّيْتَ الْمُتَنَجِّسَ صَابُونًا أَيْضًا لِلِاسْتِعْمَالِ: أَيْ لَا لِلْبَيْعِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ، وَإِطْعَامُهَا لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجِّسِ لِلدَّوَابِّ. خَاتِمَةٌ: يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَخُفٍّ وَاحِدٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَشْيَهُ يُخَلُّ بِذَلِكَ، وَقِيلَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَأَنْ يَنْتَعِلَ قَائِمًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ فِي لُبْسِ النَّعْلِ وَنَحْوِهِ وَالْيَسَارِ فِي الْخَلْعِ، وَيُبَاحُ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ خَاتَمٍ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ، وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ فِي خِنْصَرِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَلُبْسُهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ فِي الْيَسَارِ وَفِيهِمَا مَعًا، وَجَعْلُ الْفَصِّ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ أَفْضَلُ، وَالضَّبْطُ فِي قَدْرِهِ مَا لَا يُعَدُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ هِيَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً، وَلِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ، وَوَقْتُهَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ،   [مغني المحتاج] إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ، وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ النَّشَاءِ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ الْقَمْحِ فِي الثَّوْبِ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ دَقِّ الثِّيَابِ وَصَقْلِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي طَيُّ الثِّيَابِ: أَيْ وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «إذَا طَوَيْتُمْ ثِيَابَكُمْ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا لِئَلَّا تَلْبَسَهَا الْجِنُّ بِاللَّيْلِ وَأَنْتُمْ بِالنَّهَارِ فَتَبْلَى سَرِيعًا» . [بَابٌ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ لَتَكَرُّرِهِ كُلَّ عَامٍ، وَقِيلَ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ بِعَوْدِهِ، وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ، وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوُ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ، وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ. وَالْأَصْلُ فِي صَلَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] [الْكَوْثَرَ] أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الْأَضْحَى وَالذَّبْحَ. وَأَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا فَهِيَ سُنَّةٌ كَمَا قَالَ (هِيَ سُنَّةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ. فَقَالَ لَهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» (مُؤَكَّدَةٌ) لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا (وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) . نَظَرًا إلَى أَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهَا يَتَوَالَى فِيهَا التَّكْبِيرُ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ أَثِمُوا وَقُوتِلُوا عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ (وَتُشْرَعُ جَمَاعَةً) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمِنًى مِنْ تَرْكِهَا بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا هُوَ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً وَتُسَنُّ لَهُ مُنْفَرِدًا (وَ) تُشْرَعُ أَيْضًا (لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ) وَالْخُنْثَى وَالصَّغِيرِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَمَاعَةِ وَالْعَدَدِ وَغَيْرِهِمَا، وَيُسَنُّ الِاجْتِمَاعُ لَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَيُكْرَهُ تَعَدُّدُهُ بِلَا حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ الْمَنْعُ مِنْهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبًا: أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ نَدْبًا، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ إذَا أَمَرَهُمْ بِهَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الِامْتِثَالُ (وَوَقْتُهَا) مَا (بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَزَوَالِهَا) يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَوَاتِ الَّتِي تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَوْقَاتِ، فَمَتَى خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَذَا الْيَوْمُ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ خَالٍ عَنْ صَلَاةٍ تُشْرَعُ لَهَا الْجَمَاعَةُ، وَأَمَّا كَوْنُ آخِرِ وَقْتِهَا الزَّوَالَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، وَسَيَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَعَدَلُوا بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَنَّهَا تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً (وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا لِتَرْتَفِعَ) الشَّمْسُ (كَرُمْحٍ) أَيْ كَقَدْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 وَهِيَ رَكْعَتَانِ يُحْرِمُ بِهِمَا، ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ، وَيُمَجِّدُ، وَيَحْسُنُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ، وَيُكَبِّرُ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْجَمِيعِ،   [مغني المحتاج] فَإِنَّ لَنَا وَجْهًا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالِارْتِفَاعِ، فَفِعْلُهَا قَبْلَ الِارْتِفَاعِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ (وَهِيَ رَكْعَتَانِ) بِالْإِجْمَاعِ وَلِلْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ، وَحُكْمُهَا فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (يُحْرِمُ بِهِمَا) بِنِيَّةِ صَلَاةِ عِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَقِيلَ: لَا يَحْتَاجُ إلَى تَمْيِيزِ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ الْأَضْحَى لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَهَذَا أَقَلُّهَا، وَبَيَانُ أَكْمَلِهَا مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ (ثُمَّ سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. وَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ مِنْ السَّبْعَةِ، وَجَعَلَهَا مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ مِنْهَا، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (1) وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: يُكَبِّرُ ثَلَاثًا (يَقِفُ) نَدْبًا (بَيْنَ كُلِّ ثِنْتَيْنِ) مِنْهَا (كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ (يُهَلِّلُ) أَيْ يَقُولُ: لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ (وَيُكَبِّرُ) أَيْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ (وَيُمَجِّدُ) أَيْ يُعَظِّمُ اللَّهَ، رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلًا وَفِعْلًا (وَيَحْسُنُ) فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ أَنْ يَقُولَ (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ، وَهِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَوْ قَالَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ هُوَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا لَكَانَ حَسَنًا، وَلَا يَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ السَّابِعَةِ وَلَا بَعْدَ الْخَامِسَةِ وَلَا قَبْلَ الْأُولَى مِنْ السَّبْعِ جَزْمًا وَلَا قَبْلَ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ (ثُمَّ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَخِيرَةِ (يَتَعَوَّذُ) لِأَنَّهُ لِاسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ (وَيَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَسَيَأْتِي مَا يَقْرَأُ بَعْدَهَا (وَيُكَبِّرُ فِي) الرَّكْعَةِ. (الثَّانِيَةِ) بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ (خَمْسًا) بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ (قَبْلَ) التَّعَوُّذِ وَ (الْقِرَاءَةِ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَجْهَرُ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) نَدْبًا (فِي الْجَمِيعِ) أَيْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ كَغَيْرِهَا مِنْ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَضَعَ يُمْنَاهُ عَلَى يُسْرَاهُ تَحْتَ صَدْرِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَيَأْتِي فِي إرْسَالِهِمَا مَا مَرَّ ثَمَّ. وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 وَلَسْنَ فَرْضًا وَلَا بَعْضًا، وَلَوْ نَسِيَهَا وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى " ق "، وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ بِكَمَالِهِمَا جَهْرًا، وَيُسَنُّ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَانِ: أَرْكَانُهُمَا كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ،   [مغني المحتاج] عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلَوْ كَبَّرَ ثَمَانِيًا وَشَكَّ هَلْ نَوَى الْإِحْرَامَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. أَوْ شَكَّ فِي أَيُّهَا أَحْرَمَ جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَهُنَّ احْتِيَاطًا، وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُكَبِّرُ سِتًّا أَوْ ثَلَاثًا مَثَلًا تَابَعَهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا نَدْبًا فِيهِمَا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ إمَامُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا لِخَبَرِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» حَتَّى لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَأْتِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجِيلِيُّ (وَلَسْنَ) أَيْ التَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَاتُ (فَرْضًا وَلَا بَعْضًا) بَلْ مِنْ الْهَيْئَاتِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهِنَّ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ لِكُلِّهِنَّ أَوْ بَعْضِهِنَّ مَكْرُوهًا، وَيُكَبِّرُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ هَيْئَاتِهَا كَمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْعِجْلِيِّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (وَلَوْ نَسِيَهَا) فَتَذَكَّرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ (وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ) وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ (فَاتَتْ) فِي الْجَدِيدِ: أَيْ لَمْ يَتَدَارَكْهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ قَدْ يُقْضَى فَلَوْ عَادَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ إنْ كَانَ عَالِمًا مُتَعَمِّدًا وَالْجَهْلُ كَالنِّسْيَانِ وَالْعَمْدُ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَهَا وَتَعَوَّذَ وَلَمْ يَقْرَأْ كَبَّرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الِاسْتِفْتَاحِ لَا يَأْتِي بِهِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ لَا يَكُونُ مُفْتَتِحًا (وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يَرْكَعْ) لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْقِيَامُ. وَعَلَى هَذَا لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا كَبَّرَ وَنُدِبَ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ يُكَبِّرْ جَزْمًا (وَيَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى " ق "، وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ " بِكَمَالِهِمَا) كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ. وَقَوْلُهُ (جَهْرًا) لِلْإِجْمَاعِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] [الْأَعْلَى] وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] [الْغَاشِيَةَ] كَانَتْ سُنَّةً أَيْضًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِهِ أَيْضًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْأَوَّلُ (وَيُسَنُّ بَعْدَهُمَا خُطْبَتَانِ) لِلْجَمَاعَةِ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجَمَاعَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَأْتِي بِهِمَا وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خُطْبَةٍ فَقَطْ لَمْ يَكْفِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا عَلَى الصَّوَابِ فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ كَالسُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قُدِّمَتْ وَ (أَرْكَانُهُمَا) وَسُنَنُهُمَا (كَهِيَ) أَيْ كَأَرْكَانِهِمَا وَسُنَنِهِمَا (فِي الْجُمُعَةِ) وَأَفْهَمَ إطْلَاقُهُ كَالْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الشُّرُوطَ كَالْقِيَامِ فِيهِمَا، وَالسَّتْرُ وَالطَّهَارَةُ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ، وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً، وَيُسَنُّ الْجُلُوسُ قَبْلَهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: قَدْرَ الْأَذَانِ، وَعَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا وَلَوْ ذَكَرَ السُّنَنَ كَمَا زِدْتهَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ إسْقَاطَهَا رُبَّمَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ مُشَابَهَةِ سُنَنِ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ لِسُنَنِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 وَيُعَلِّمُهُمْ فِي الْفِطْرِ الْفِطْرَةَ وَفِي الْأَضْحَى الْأُضْحِيَّةَ، يَفْتَتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً. وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ بِالْفَجْرِ، وَالتَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ كَالْجُمُعَةِ.   [مغني المحتاج] الْمُشَابَهَةُ حَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا وَإِنْ زَادَتَا عَلَى خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ بِسُنَنٍ أُخْرَى (وَيُعَلِّمُهُمْ) نَدْبًا (فِي) كُلِّ عِيدٍ أَحْكَامَهُ، فَفِي عِيدِ (الْفِطْرِ) يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ (الْفِطْرَةِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَبِضَمِّهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ كَابْنِ أَبِي الدَّمِ، وَهِيَ مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ؛ اسْمٌ لِمَا يَخْرُجُ، مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ، وَكَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ أَيْ الْخِلْقَةِ، فَهِيَ صَدَقَةُ الْخِلْقَةِ (وَفِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) يُعَلِّمُهُمْ أَحْكَامَ (الْأُضْحِيَّةِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي بَعْضِهَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالْحَالِ، وَ (يَفْتَتِحُ) الْخُطْبَةَ (الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ) وِلَاءً إفْرَادًا (وَ) الْخُطْبَةَ (الثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ وِلَاءً) إفْرَادًا تَشْبِيهًا لِلْخُطْبَتَيْنِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ الْأُولَى تَشْتَمِلُ عَلَى تِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، وَالرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى سَبْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَتَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ، وَالْوِلَاءُ سُنَّةٌ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَكَذَا الْإِفْرَادُ، فَلَوْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ، أَوْ قُرِنَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ، جَازَ، وَالتَّكْبِيرَاتُ الْمَذْكُورَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْخُطْبَةِ لَا مِنْهَا وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ، وَيُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَتَيْنِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَمَنْ دَخَلَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ بَدَأَ بِالتَّحِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ يُصَلِّي فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ، فَلَوْ صَلَّى فِيهِ بَدَلَ التَّحِيَّةِ الْعِيدَ وَهُوَ أَوْلَى حَصَلَا، لَكِنْ لَوْ دَخَلَ وَعَلَيْهِ مَكْتُوبَةٌ يَفْعَلُهَا وَيَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ سُنَّ لَهُ الْجُلُوسُ لِيَسْتَمِعَ إذْ لَا تَحِيَّةَ وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَّا إنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الِاسْتِمَاعِ، وَإِذَا أَخَّرَهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِغَيْرِهَا إلَّا إنْ خَشِيَ الْفَوَاتَ بِالتَّأْخِيرِ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَةِ أَنْ يُعِيدَهَا لِمَنْ فَاتَهُ سَمَاعُهَا وَلَوْ نِسَاءً لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَرْعٌ قَالَ أَئِمَّتُنَا: الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَأَرْبَعٌ فِي الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ فَقَبْلَهَا، وَكُلٌّ مِنْهَا ثِنْتَانِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْحَجِّ فَفُرَادَى. (وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ) لِعِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فَسُنَّ الْغُسْلُ لَهُ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ (وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ) وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِعْلَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ يُبَكِّرُونَ إلَيْهَا مِنْ قُرَاهُمْ فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْغُسْلُ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعَلَّقَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا قِيلَ فِي أَذَانِهِ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ (وَفِي قَوْلٍ) يَدْخُلُ وَقْتُهُ (بِالْفَجْرِ) كَالْجُمُعَةِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ هُنَاكَ وَتَقْدِيمِهَا هُنَا (وَ) يُنْدَبُ (التَّطَيُّبُ) أَيْ التَّطَيُّبُ لِلذَّكَرِ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ عِنْدَهُ مِنْ الطِّيبِ. فَإِنْ قِيلَ: الطِّيبُ اسْمُ ذَاتٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا قَدَّرْته. (وَالتَّزَيُّنُ) بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَبِإِزَالَةِ الظُّفُرِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ (كَالْجُمُعَةِ) لَكِنَّ الْجُمُعَةَ السُّنَّةُ فِيهَا لُبْسُ الْبَيَاضِ كَمَا مَرَّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْخَارِجِ لِلصَّلَاةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 وَفِعْلُهَا بِالْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ بِالصَّحْرَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَيَسْتَخْلِفُ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ. وَيَذْهَبُ فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى. وَيُبَكِّرُ النَّاسُ،   [مغني المحتاج] وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ نَعَمْ مُرِيدُ الْأُضْحِيَّةِ لَا يُزِيلُ شَعْرَهُ وَلَا ظُفُرَهُ حَتَّى يُضَحِّيَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُضْحِيَّةِ. أَمَّا الْأُنْثَى فَيُكْرَهُ لِذَاتِ الْجَمَالِ وَالْهَيْئَةِ الْحُضُورُ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ، وَتَتَنَظَّفُ بِالْمَاءِ وَلَا تَتَطَيَّبُ وَتَخْرُجُ فِي ثِيَابِ بَذْلِهَا، وَالْخُنْثَى فِي هَذِهِ كَالْأُنْثَى أَمَّا الْأُنْثَى الْقَاعِدَةُ فِي بَيْتِهَا فَيُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الطِّيبَ وَقَالَ: وَالتَّزَيُّنُ كَالْجُمُعَةِ لَكَانَ أَخَصْرَ، لِأَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ أَدْخَلَ الطِّيبَ فِي التَّزَيُّنِ. (وَفِعْلُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ (بِالْمَسْجِدِ) عِنْدَ اتِّسَاعِهِ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (أَفْضَلُ) لِشَرَفِ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ) فِعْلُهَا (بِالصَّحْرَاءِ) أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ بِالرَّاكِبِ وَغَيْرِهِ (إلَّا لِعُذْرٍ) كَمَطَرٍ وَنَحْوِهِ فَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. أَمَّا هُوَ فَهُوَ أَفْضَلُ قَطْعًا اقْتِدَاءً بِالصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ فَضِيلَةُ الْبُقْعَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْكَعْبَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَلْحَقَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ لِلْفَضْلِ وَالسَّعَةِ الْمُفْرِطَةِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى خِلَافِهِ، أَلْحَقَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ اتَّسَعَ الْآنَ، وَمَنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ فَذَاكَ قَبْلَ اتِّسَاعِهِ (وَيَسْتَخْلِفُ) الْإِمَامُ نَدْبًا إذَا خَرَجَ إلَى الصَّحْرَاءِ (مَنْ يُصَلِّي) فِي الْمَسْجِدِ (بِالضَّعَفَةِ) كَالشُّيُوخِ وَالْمَرْضَى وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ وَيَخْطُبُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَخْلَفَ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ فِي ذَلِكَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ لَمْ يَخْطُبْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِكَوْنِهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ خَطَبَ كُرِهَ لَهُ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ حَقٌّ فِي إمَامَةِ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَلَّدَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ فَيَدْخُلَ فِيهِ. قَالَ: وَإِذَا قُلِّدَ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي عَامٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلِّدَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فِي عَامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَقْتًا مُعَيَّنًا تَتَكَرَّرُ فِيهِ بِخِلَافِهِمَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَظَاهِرٌ أَنَّ إمَامَةَ التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ مُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ وَلِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِالضَّعَفَةِ تَيَمُّنٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ بَعْضُ الْأَقْوِيَاءِ، وَلِذَا ذَكَرْته. (وَيَذْهَبُ) نَدْبًا مُصَلِّي الْعِيدِ لِصَلَاتِهَا إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ) مِنْهَا (فِي) طَرِيقٍ (أُخْرَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَيُخَصُّ الذَّهَابُ بِأَطْوَلِهِمَا، وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ وُجُوهٌ أَوْجَهُهَا أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَلِهِمَا تَكْثِيرًا لِلْأَجْرِ، وَيَرْجِعُ فِي أَقْصَرِهِمَا، وَقِيلَ: خَالَفَ بَيْنَهُمَا لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُهُمَا، وَقِيلَ لِيُسْتَفْتَى فِيهِمَا، وَقِيلَ لِيَتَصَدَّقَ عَلَى فُقَرَائِهِمَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَيُسَنُّ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ: كَالْحَجِّ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي رِيَاضِهِ. (وَيُبَكِّرُ النَّاسُ) لِلْحُضُورِ لِلْعِيدِ نَدْبًا بَعْدَ صَلَاتِهِمْ الصُّبْحَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ وَقْتَ صَلَاتِهِ وَيُعَجِّلُ فِي الْأَضْحَى. قُلْت: وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُمْسِكُ فِي الْأَضْحَى وَيَذْهَبُ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ. وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] وَالْأَصْحَابُ لِيَحْصُلَ لَهُمْ الْقُرْبُ مِنْ الْإِمَامِ وَفَضِيلَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: هَذَا إنْ خَرَجُوا إلَى الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ مَكَثُوا فِيهِ إذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ فِيمَا يَظْهَرُ (وَيَحْضُرُ الْإِمَامُ) مُتَأَخِّرًا عَنْهُمْ (وَقْتَ صَلَاتِهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّ انْتِظَارَهُمْ إيَّاهُ أَلْيَقُ (وَيُعَجِّلُ) الْحُضُورَ (فِي الْأَضْحَى) بِحَيْثُ يُصَلِّيهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْفَاضِلِ، وَيُؤَخِّرُهُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَلِيلًا لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِتَفْرِيقِ الْفِطْرَةِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْأَضْحَى لِلتَّضْحِيَةِ (قُلْت) كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ. (وَيَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وِتْرًا فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مَا ذُكِرَ فِي بَيْتِهِ فَفِي الطَّرِيقِ أَوْ الْمُصَلَّى إنْ تَيَسَّرَ (وَيُمْسِكُ) عَنْ الْأَكْلِ (فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) حَتَّى يُصَلِّيَ لِلِاتِّبَاعِ وَلِيَتَمَيَّزَ عِيدُ الْفِطْرِ عَمَّا قَبْلَهُ الَّذِي كَانَ الْأَكْلُ فِيهِ حَرَامًا، وَلِيُعْلَمَ نَسْخُ تَحْرِيمِ الْفِطْرِ قَبْلَ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا قَبْلَهَا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ الْأَضْحَى، وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ، وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. (وَيَذْهَبُ) لِلْعِيدِ (مَاشِيًا) كَالْجُمُعَةِ (بِسَكِينَةٍ) لِمَا مَرَّ فِيهَا، وَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِ الْعَاجِزِ لِلْعُذْرِ وَالرَّاجِعِ مِنْهَا وَلَوْ قَادِرًا مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ أَحَدٌ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ. قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: وَلَوْ كَانَ الْبَلَدُ ثَغْرًا لِأَهْلِ الْجِهَادِ بِقُرْبِ عَدُوِّهِمْ فَرُكُوبُهُمْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِظْهَارُ السِّلَاحِ أَوْلَى. (وَلَا يُكْرَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا) بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ (لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْتِفَاءِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَرَاهَةِ، فَخَرَجَ بِقَبْلِهَا بَعْدَهَا. وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ كُرِهَ لَهُ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا، وَبِبَعْدِ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِهِ، وَبِغَيْرِ الْإِمَامِ فَيُكْرَهُ لَهُ النَّفَلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الْأَهَمِّ وَلِمُخَالَفَتِهِ فِعْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُسَنُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ لِخَبَرِ «مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ (1) ، وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَحَبُّوا الْإِحْيَاءَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ، قِيلَ: وَالْمُرَادُ بِمَوْتِ الْقُلُوبِ شَغَفُهَا بِحُبِّ الدُّنْيَا، وَقِيلَ الْكُفْرُ، وَقِيلَ الْفَزَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَحْصُلُ الْإِحْيَاءُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ كَالْمَبِيتِ بِمِنًى، وَقِيلَ بِسَاعَةٍ مِنْهُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ جَمَاعَةً وَالْعَزْمُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً، وَالدُّعَاءُ فِيهِمَا وَفِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَيْ أَوَّلِ رَجَبٍ وَنِصْفِ شَعْبَانَ مُسْتَجَابٌ فَيُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 فَصْلٌ يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ، وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي، وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ، وَيُكَبِّرُ الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ، وَغَيْرِهِ كَهُوَ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ] (فَصْلٌ) فِي التَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ وَالْمُقَيَّدِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَيُسَمَّى بِالْمُطْلَقِ أَيْضًا، وَهُوَ مَا لَا يَكُونُ عَقِبَ صَلَاةٍ فَقَالَ (يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ) لِحَاضِرٍ وَمُسَافِرٍ وَذَكَرٍ وَغَيْرِهِ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ (بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ) أَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى،، دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] [الْبَقَرَةَ] قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: سَمِعْت مَنْ أَرْضَاهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْعِدَّةِ عِدَّةُ الصَّوْمِ، وَبِالتَّكْبِيرِ عِنْدَ الْإِكْمَالِ، وَدَلِيلُ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلِذَلِكَ كَانَ تَكْبِيرُ الْأَوَّلِ آكَدُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُونَ (فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ) جَمْعُ سُوقٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ وَغَيْرِهَا كَالزَّحْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا (بِرَفْعِ الصَّوْتِ) لِلرَّجُلِ إظْهَارًا لِشِعَارِ الْعِيدِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَرْفَعُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا حَضَرَتْ مَعَ غَيْرِ مَحَارِمِهَا وَنَحْوِهِمْ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ أَيْضًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَالَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ (وَالْأَظْهَرُ إدَامَتُهُ) نَدْبًا لِلْمُصَلِّي وَغَيْرِهِ (حَتَّى يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ) أَيْ يَفْرَغَ مِنْ إحْرَامِهِ بِهَا إذَا الْكَلَامُ يُبَاحُ إلَيْهِ فَالتَّكْبِيرُ أَوْلَى مَا يَشْتَغِلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَشِعَارُ الْيَوْمِ، وَالثَّانِي حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ لَهَا، وَالثَّالِثُ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْهَا قِيلَ وَمِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَالْعِبْرَةُ بِإِحْرَامِهِ (وَلَا يُكَبِّرُ الْحَاجُّ لَيْلَةَ) عِيدِ (الْأَضْحَى بَلْ يُلَبِّي) لِأَنَّ التَّلْبِيَةَ شِعَارُهُ، وَالْمُعْتَمِرُ يُلَبِّي إلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى نَوْعِ التَّكْبِيرِ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْمَفْعُولُ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُسَنُّ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالثَّانِي يُسَنُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْأَذْكَارِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ غَالِبِ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا فَيُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ عَقِبَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ (وَيُكَبِّرُ) عَقِبَ الصَّلَوَاتِ (الْحَاجُّ مِنْ ظُهْرِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِمِنًى وَوَقْتُ انْتِهَاءِ التَّلْبِيَةِ (وَيَخْتِمُ) التَّكْبِيرَ (بِصُبْحِ آخِرِ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ) لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا بِمِنًى كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ الْحَاجِّ (كَهُوَ) أَيْ كَالْحَاجِّ فِي ذَلِكَ (فِي الْأَظْهَرِ) تَبَعًا لَهُ لِأَنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْحَجِيجِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ مِنْ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ، وَلِإِطْلَاقِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 وَفِي قَوْلٍ مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَالنَّافِلَةِ. وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا   [مغني المحتاج] وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا (وَفِي قَوْلٍ) يُكَبِّرُ غَيْرُهُ (مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) وَيَخْتِمُ أَيْضًا بِصُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. تَنْبِيهٌ جَرُّ الْكَافِ لِلضَّمِيرِ قَلِيلٌ، وَالْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْفُقَهَاءِ يُكْثِرُ مِنْهُ (وَفِي قَوْلٍ مِنْ صُبْحِ) يَوْمِ (عَرَفَةَ، وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) فِي الْأَمْصَارِ. وَصَحَّ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَمَجْمُوعِهِ، وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا مُنْفَرِدًا أَوْ غَيْرَهُ (يُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ) لِلْجِنَازَةِ، وَ (لِلْفَائِتَةِ وَالرَّاتِبَةِ) وَالْمَنْذُورَةِ (وَالنَّافِلَةِ) أَوْ الْمُقَيَّدَةِ وَذَاتِ السَّبَبِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ شِعَارُ الْوَقْتِ. وَالثَّانِي: يُكَبِّرُ عَقِبَ الْفَرَائِضِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُؤَدَّاةً أَمْ مَقْضِيَّةً مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ مَحْصُورَةٌ فَلَا يَشُقُّ طَلَبُ ذَلِكَ فِيهَا كَالْأَذَانِ فِي أَوَّلِ الْفَرَائِضِ وَالْأَذْكَارِ فِي آخِرِهَا، وَالثَّالِثُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا عَقِبَ فَرَائِضِ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عَلَى الْأَوَّلِ عَقِبَ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الرَّوْنَقِ: إنَّهُ يُكَبِّرُ عَقِبَهُمَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ عَمَّا لَوْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْهَا وَقَضَاهَا فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ تَدَارَكَهُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ، وَكَذَا إنْ طَالَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَيَجْعَلُهُ شِعَارَ الْيَوْمِ، أَمَّا لَوْ اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ رَأْيُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ اتَّبَعَ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ. (وَصِيغَتُهُ الْمَحْبُوبَةُ) أَيْ الْمَسْنُونَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) ثَلَاثًا فِي الْجَدِيدِ كَذَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَفِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) مَرَّتَيْنِ (وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبُوَيْطِيِّ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ) بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " (كَبِيرًا) كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ: أَيْ بِزِيَادَةِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ كَبِيرًا (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ، وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ، أَوْ بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ أَفْطَرْنَا، وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ. وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا، وَمَعْنَى: بُكْرَةً وَأَصِيلًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ، وَقِيلَ: الْأَصِيلُ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا بَعْدَ هَذَا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، قِيلَ هُوَ عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ: أَيْ كَبَّرْت كَبِيرًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَطْعِ، وَقِيلَ عَلَى التَّمْيِيزِ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ: وَإِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَبَّرَ. (وَلَوْ) شَهِدَا أَوْ (شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ) مِنْ رَمَضَانَ (قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) أَيْ هِلَالِ شَوَّالٍ (اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ أَفْطَرْنَا) وُجُوبًا (وَصَلَّيْنَا الْعِيدَ) نَدْبًا أَدَاءً إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ فِيهِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ رَكْعَةٍ كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بَلْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا دُونَ الِاجْتِمَاعِ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ أَوْ بِمَنْ تَيَسَّرَ حُضُورُهُ لِتَقَعَ أَدَاءً لِأَنَّهُ وَقْتُهَا، وَمُرَاعَاةُ الْوَقْتِ أَوْلَى مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ ثُمَّ يُصَلِّيَهَا مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ شَهِدَا، أَوْ (شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ (لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ) فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ شَوَّالًا قَدْ دَخَلَ يَقِينًا وَصَوْمُ ثَلَاثِينَ قَدْ تَمَّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي شَهَادَتِهِمْ إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، فَلَا نَقْبَلُهَا وَنُصَلِّيهَا مِنْ الْغَدِ أَدَاءً. قَالُوا: وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا بَلْ يَوْمَ فِطْرِ النَّاسِ، وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ، سَوَاءٌ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (1) . وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ «وَعَرَفَةُ يَوْمَ يَعْرِفُونَ» أَمَّا الْحُقُوقُ وَالْأَحْكَامُ الْمُعَلَّقَةُ بِالْهِلَالِ كَالتَّطْلِيقِ وَالْعِدَّةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعِتْقِ فَتَثْبُتُ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّثْنِيَةِ كَمَا قَدَّرْته وَحَذَفَ " الـ " مِنْ الْهِلَالِ وَأَضَافَهُ لِلَّيْلَةِ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيُدْخِلَ فِيهِ الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا (أَوْ) شَهِدُوا (بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ) أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِيدِ أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا كَمَا مَرَّ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ، وَ (أَفْطَرْنَا وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ) أَدَاءً. (وَيُشْرَعُ قَضَاؤُهَا مَتَى شَاءَ) فِي بَاقِي الْيَوْمِ وَفِي الْغَدِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى اتَّفَقَ (فِي الْأَظْهَرِ) كَسَائِرِ الرَّوَاتِبِ، وَالْأَفْضَلُ قَضَاؤُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا فَقَضَاؤُهَا فِي الْغَدِ أَفْضَلُ لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى النَّاسِ الْحُضُورُ، وَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ، لَا فِي صَلَاةِ الْآحَادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 وَقِيلَ فِي قَوْلٍ تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً. بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ   [مغني المحتاج] كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي فِعْلُهَا عَاجِلًا مَعَ مَنْ تَيَسَّرَ، وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا ثُمَّ يَفْعَلُهَا غَدًا مَعَ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَهْرِ الْعِيدِ، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ سَبَقَتْ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ، فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ مُكَرَّرَةٌ، لَكِنَّهُ ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَقِيلَ فِي قَوْلٍ) مِنْ قَوْلَيْنِ هُمَا أَحَدُ طَرِيقَيْنِ لَا تَفُوتُ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ (تُصَلَّى مِنْ الْغَدِ أَدَاءً) لِأَنَّ الْغَلَطَ فِي الْهِلَالِ كَثِيرٌ، فَلَا يَفُوتُ بِهِ هَذَا الشِّعَارُ الْعَظِيمُ. وَهَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَفَاتَتْ الصَّلَاةُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: تَفُوتُ كَطَرِيقِ الْقَطْعِ بِهِ الرَّاجِحَةُ، وَالْأَثَرُ لِلتَّعْدِيلِ لَا لِلشَّهَادَةِ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعُدِّلَا بَعْدَهُ، فَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا، فَتُصَلَّى الْعِيدُ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً، وَقِيلَ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَيَّدُوهُ بِمَا لَوْ شَهِدَا بِحَقٍّ وَعُدِّلَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ، إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ بِشَهَادَتِهِمَا بِشَرْطِ تَعْدِيلِهِمَا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَثَرِ الْحُكْمِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً. خَاتِمَةٌ: قَالَ الْقَمُولِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْعِيدِ وَالْأَعْوَامِ وَالْأَشْهُرِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ عَنْ الْحَافِظِ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مُخْتَلِفِينَ فِيهِ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ. وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا، فَقَالَ: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك، وَسَاقَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ: أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ، وَلَوْ حَضَرَ سُكَّانُ الْبَوَادِي لِلْعِيدِ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ قَبْلَ صَلَاتِهَا وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ وَإِنْ قَرُبُوا مِنْهَا وَسَمِعُوا النِّدَاءَ وَأَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُهَا لَوْ عَادُوا إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ أَوْ بِالْعَوْدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَحْضُرُوا كَأَنْ صَلَّوْا الْعِيدَ بِمَكَانِهِمْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. . [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ] ِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَيُقَالُ فِيهِمَا خَسُوفَانِ، وَالْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ، وَحُكِيَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ بِالْكَافِ: أَوَّلُهُ فِيهِمَا، وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْكُسُوفِ مَعَ أَنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 هِيَ سُنَّةٌ: فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ، ثُمَّ يَرْفَعُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ. فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ، وَلَا   [مغني المحتاج] يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَالْكُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَسَفَتْ حَالُهُ: أَيْ تَغَيَّرَتْ: كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ. وَالْخُسُوفُ مَأْخُوذٌ مِنْ خَسَفَ الشَّيْءُ خُسُوفًا أَيْ ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ. قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ: إنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا لِاسْتِفَادَةِ ضَوْئِهَا مِنْ جِرْمِهَا، وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بِظُلْمَتِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَعَ بَقَاءِ نُورِهَا، فَيُرَى لَوْنُ الْقَمَرِ كَمِدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا. وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةً بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفُهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (هِيَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مُخَاطَبٍ بِالْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ مِنْ الثِّقَاتِ، وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَلَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا: أَيْ الْخَمْسِ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَحَمَلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: " لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا " عَلَى كَرَاهَتِهِ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. وَأَقَلُّ كَيْفِيَّتِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) وَهَذِهِ النِّيَّةُ قَدْ سَبَقَتْ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ: إنَّ النَّفَلَ ذَا السَّبَبِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ، وَلِهَذَا أَهْمَلَ النِّيَّةَ فِي الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ إلَّا أَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ أَقَلِّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، (وَيَقْرَأُ) بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ (الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَرْفَعُ) رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَعْتَدِلُ (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) ثَانِيًا (ثُمَّ يَرْكَعُ) ثَانِيًا أَقْصَرَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ (ثُمَّ يَعْتَدِلُ) ثَانِيًا، وَيَقُولُ فِي الِاعْتِدَالِ عَنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ حَمْدًا طَيِّبًا إلَخْ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ، بَلْ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ اعْتِدَالًا، وَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا بِالرَّفْعِ وَثَانِيًا بِالِاعْتِدَالِ فِيهِ مَيْلٌ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لَا يُسَمَّى اعْتِدَالًا، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ (ثُمَّ يَسْجُدُ) السَّجْدَتَيْنِ وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَالِّهَا (فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي) رَكْعَةً (ثَانِيَةً كَذَلِكَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ أَقَلَّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الْكَمَالِ (وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ) فَأَكْثَرَ (لِتَمَادِي) أَيْ طُولِ مُكْثِ (الْكُسُوفِ، وَلَا) يَجُوزُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 نَقْصُهُ لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الْبَقَرَةَ، وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي الثَّالِثِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَالرَّابِعِ مِائَةً تَقْرِيبًا،   [مغني المحتاج] (نَقْصُهُ) أَيْ نَقْصُ رُكُوعٍ: أَيْ إسْقَاطُهُ مِنْ الرُّكُوعَيْنِ الْمَنْوِيَّيْنِ (لِلِانْجِلَاءِ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا. وَالثَّانِي يُزَادُ وَيُنْقَصُ. أَمَّا الزِّيَادَةُ " فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِيهِ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ أَيْضًا، وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَمَادِي الْكُسُوفِ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَهِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَقُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبُخَارِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَاقِعَةُ وَاحِدَةً وَقَدْ حَصَلَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ وَقَائِعَ فَلَا تَعَارُضَ فِيهَا اهـ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، فَقِيلَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِهَا. وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُهُ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَدَّدْ الْوَاقِعَةُ فَلَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، وَقِيلَ: إنَّهَا تَعَدَّدَتْ وَصَلَّاهَا مَرَّاتٍ، فَالْجَمِيعُ جَائِزٌ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى هَذَا، الْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا أَنْشَأَ الصَّلَاةَ بِنِيَّةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا النَّقْصُ لِلِانْجِلَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَقَاسَهُ عَلَى الِانْجِلَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْمَجْمُوعِ جَوَازُ فِعْلِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَصَدَ فِعْلَهَا ابْتِدَاءً كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: تَجْوِيزُ الزِّيَادَةِ لِأَجْلِ تَمَادِي الْكُسُوفِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة. وَأَمَّا الْأُولَى فَكَيْفَ يُعْلَمُ فِيهَا التَّمَادِي بَعْدَ فَرَاغِ الرُّكُوعَيْنِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ وَاقْتَضَى حِسَابُهُ ذَلِكَ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِدَامَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. نَعَمْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ: أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْكُسُوفَ وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا مَعَهُ كَالْمَكْتُوبَةِ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَهُ قَبْلَ الِانْجِلَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ افْتِتَاحُ صَلَاةِ كُسُوفٍ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَهَلْ يُعِيدُ الْمُصَلِّي جَمَاعَةً مَعَ جَمَاعَةٍ يُدْرِكُهَا؟ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُعِيدُهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَالْأَكْمَلُ) فِيهَا زَائِدًا عَلَى الْأَقَلِّ (أَنْ يَقْرَأَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ) كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) وَسَوَابِقِهَا مِنْ افْتِتَاحٍ، وَتَعَوُّذٍ (الْبَقَرَةَ) بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرَهَا (وَ) أَنْ يَقْرَأَ (فِي) الْقِيَامِ (الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي) الْقِيَامِ (الثَّالِثِ) مِثْلَ (مِائَةٍ وَخَمْسِينَ) مِنْهَا (وَ) فِي الْقِيَامِ (الرَّابِعِ) مِثْلَ (مِائَةٍ) مِنْهَا (تَقْرِيبًا) فِي الْجَمِيعِ، وَالْمُرَادُ الْآيَاتُ الْمُعْتَدِلَةُ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي " آلَ عِمْرَانَ " أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الثَّالِثِ " النِّسَاءَ " أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الرَّابِعِ " الْمَائِدَةَ " أَوْ قَدْرَهَا، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ تَقْدِيرُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ الْبَقَرَةِ وَتَطْوِيلُهُ عَلَى الثَّانِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي ثَمَانِينَ، وَالثَّالِثِ سَبْعِينَ، وَالرَّابِعِ خَمْسِينَ تَقْرِيبًا، وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ قُلْتُ: الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتُسَنُّ جَمَاعَةً وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ لَا الشَّمْسِ،   [مغني المحتاج] وَالثَّالِثِ ثُمَّ الثَّالِثِ عَلَى الرَّابِعِ. وَأَمَّا نَقْصُ الثَّالِثِ عَنْ الثَّانِي أَوْ زِيَادَتُهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ فَلِأَجْلِهِ لَا بُعْدَ فِي ذِكْرِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي الثَّانِي. وَيُسَنُّ التَّعَوُّذُ فِي الْقَوْمَةِ الثَّانِيَةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْبَقَرَةِ أَلْفُ أَمْرٍ، وَأَلْفُ نَهْيٍ، وَأَلْفُ حُكْمٍ، وَأَلْفُ خَبَرٍ (وَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ) مِنْ الرُّكُوعَاتِ الْأَرْبَعَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، وَفِي) الرُّكُوعِ (الثَّانِي) قَدْرَ (ثَمَانِينَ) مِنْهَا (وَ) فِي الرُّكُوعِ (الثَّالِثِ) قَدْرَ (سَبْعِينَ) مِنْهَا بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى السِّينِ (وَ) فِي الرُّكُوعِ (الرَّابِعِ) قَدْرَ (خَمْسِينَ) مِنْهَا (تَقْرِيبًا) فِي الْجَمِيعِ لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ مِنْ الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ (وَلَا يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ فِي الْأَصَحِّ) كَالْجُلُوسِ بَيْنَهَا وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَالتَّشَهُّدِ، وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ (قُلْتُ: الصَّحِيحُ تَطْوِيلُهَا) كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَ (ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) فِي صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُسُوفِ الشَّمْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى (وَنَصَّ فِي) كِتَابِ (الْبُوَيْطِيِّ) وَهُوَ يُوسُفُ أَبُو يَعْقُوبَ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ الْبُوَيْطِيُّ مِنْ بُوَيْطٍ، قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى. كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَلْقَتِهِ بَعْدَهُ، مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ (أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ الْبَغَوِيّ: فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمَأْمُومُونَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدْرَةِ وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي ذَلِكَ تَرْدِيدَاتٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهَا. (وَتُسَنُّ جَمَاعَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ: أَيْ تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِحَالَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَصِحُّ الرَّفْعُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ: أَيْ تُسَنُّ جَمَاعَةٌ فِيهَا. وَيُنَادَى لَهَا «الصَّلَاةَ جَامِعَةً» كَمَا فَعَلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ جَمَاعَةً وَبَعَثَ مُنَادِيًا «الصَّلَاةَ جَامِعَةً» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسَنُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، فَإِنْ اجْتَمَعْنَ فَلَا بَأْسَ، وَتُسَنُّ صَلَاتُهَا فِي الْجَامِعِ كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَيَجْهَرُ) الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ نَدْبًا (بِقِرَاءَةِ) صَلَاةِ (كُسُوفِ الْقَمَرِ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ (لَا الشَّمْسِ) بَلْ يُسِرُّ فِيهَا لِأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ، وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَيَحُثُّ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْخَيْرِ. وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، أَوْ فِي ثَانٍ أَوْ قِيَامٍ ثَانٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. وَتَفُوتُ صَلَاةُ الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ   [مغني المحتاج] «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ (ثُمَّ يَخْطُبُ الْإِمَامُ) نَدْبًا بَعْدَ صَلَاتِهَا لِلِاتِّبَاعِ وَكَمَا فِي الْعِيدِ (خُطْبَتَيْنِ بِأَرْكَانِهِمَا فِي الْجُمُعَةِ) قِيَاسًا عَلَيْهَا. وَأَمَّا الشُّرُوطُ وَالسُّنَنُ فَيَأْتِي فِيهَا هُنَا مَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ لِلْجَمَاعَةِ وَلَوْ مُسَافِرِينَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَأَنَّهُ لَا تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، وَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامٍ حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مَرْدُودٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْبُوَيْطِيِّ لَا تُفْهِمُ ذَلِكَ (وَيَحُثُّ) فِيهِمَا السَّامِعِينَ (عَلَى التَّوْبَةِ) مِنْ الذُّنُوبِ (وَ) عَلَى فِعْلِ (الْخَيْرِ) كَصَدَقَةٍ وَدُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَعِتْقٍ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيُحَذِّرُهُمْ الِاغْتِرَارَ وَالْغَفْلَةَ، وَيَذْكُرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الْحَثِّ وَالزَّجْرِ مَا يُنَاسِبُهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ بِبَلَدٍ وَكَانَ بِهِ وَالٍ، لَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْوَالِي وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ. وَأَمَّا التَّنَظُّفُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَلْمِ الظُّفُرِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فَإِنَّهُ يُضَيِّقُ الْوَقْتَ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلَ) مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ (أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (أَوْ) أَدْرَكَهُ (فِي) رُكُوعٍ (ثَانٍ أَوْ) فِي (قِيَامٍ ثَانٍ) مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ (فَلَا) يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ: أَيْ شَيْئًا مِنْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ، وَقِيَامُهُ وَرُكُوعُ الثَّانِي وَقِيَامُهُ فِي حُكْمِ التَّابِعِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ، وَلِقَوْلِ الثَّانِي يُدْرِكُ مَا لَحِقَ بِهِ الْإِمَامَ، وَيُدْرِكُ بِالرُّكُوعِ الْقَوْمَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ هُوَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ ثُمَّ أَتَى بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهَا، وَلَا يُفْهَمُ هَذَا الْمُقَابِلُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَتْنِ، بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِجُمْلَتِهَا وَيَنْدَفِعُ هَذَا بِمَا قَدَّرْته تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَضَعَّفَ هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ فِيهِ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ مُخَالِفٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ. (وَتَفُوتُ صَلَاةُ) كُسُوفِ (الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ) لِجَمِيعِ الْمُنْكَسِفِ مِنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا يَقِينًا لِخَبَرِ: «إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ - أَيْ الْكُسُوفَ - فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ قَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَفُوتُ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الْوَعْظُ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ، فَلَوْ انْجَلَى بَعْضُ مَا كُسِفَ كَانَ لَهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لِلْبَاقِي كَمَا لَوْ لَمْ يُكْسَفْ مِنْهَا إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَلَوْ انْجَلَى الْجَمِيعُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا سَوَاءٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً، وَالْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا الْفَجْرِ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا بِغُرُوبِهِ خَاسِفًا. وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ قَدَّمَ الْفَرْضَ إنْ خِيفَ فَوْتُهُ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْكُسُوفِ، ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ،   [مغني المحتاج] أَمْ دُونَهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ، وَلَوْ حَالَ سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ أَوْ الْكُسُوفِ لَمْ يُؤَثِّرْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ شَرَعَ فِيهَا ظَانًّا بَقَاءَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ انْجَلَى قَبْلَ تَحَرُّمِهِ بِهَا بَطَلَتْ، وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا عَلَى قَوْلٍ، إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَتَنْدَرِجَ فِي نِيَّتِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ: انْجَلَتْ أَوْ انْكَسَفَتْ لَمْ نَعْتَبِرْهُمْ فَنُصَلِّيَ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ تَخْمِينٌ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ (وَ) تَفُوتُ أَيْضًا (بِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً) لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا يَبْطُلُ بِغُرُوبِهَا نَيِّرَةً أَوْ مَكْسُوفَةً لِزَوَالِ سُلْطَانِهَا (وَ) تَفُوتُ أَيْضًا صَلَاةُ كُسُوفِ (الْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَطُلُوعِ الشَّمْسِ) وَهُوَ مُنْخَسِفٌ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ حِينَئِذٍ بِضَوْئِهِ (لَا) بِطُلُوعِ (الْفَجْرِ) فَلَا تَفُوتُ صَلَاةُ خُسُوفِهِ (فِي الْجَدِيدِ) لِبَقَاءِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ طُلُوعُ الشَّمْسِ فِي صَلَاتِهِ كَالِانْجِلَاءِ، وَالْقَدِيمِ تَفُوتُ لِذَهَابِ اللَّيْلِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ (وَلَا) تَفُوتُ صَلَاتُهُ أَيْضًا (بِغُرُوبِهِ) أَيْ الْقَمَرِ (خَاسِفًا) لِبَقَاءِ مَحَلِّ سَلْطَنَتِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ فَغُرُوبُهُ كَغَيْبُوبَتِهِ تَحْتَ السَّحَابِ خَاسِفًا. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: قَدْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ سُلْطَانُهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى لَيْلَةٍ بِخُصُوصِهَا بَلْ نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَمَا أَنَّا نَنْظُرُ إلَى سُلْطَانِ الشَّمْسِ وَهُوَ النَّهَارُ، وَلَا نَنْظُرُ فِيهِ إلَى غَيْمٍ وَلَا إلَى غَيْرِهِ. (وَلَوْ اجْتَمَعَ) عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قُدِّمَ الْأَخْوَفُ فَوَاتًا ثُمَّ الْآكَدُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ (كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ) غَيْرُهَا وَلَوْ نَذْرًا (قُدِّمَ الْفَرْضُ) جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُتَحَتِّمٌ فَكَانَ أَهَمَّ، هَذَا (إنْ خِيفَ فَوْتُهُ) لِضِيقِ وَقْتِهِ، فَفِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ لَهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا، ثُمَّ الْكُسُوفُ إنْ بَقِيَ أَوْ بَعْضُهُ ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَفْرِضُ بِالْكُسُوفِ مَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ (فَالْأَظْهَرُ) كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَفِي الْمَجْمُوعِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعُوا بِهِ (تَقْدِيمُ) صَلَاةِ (الْكُسُوفِ) لِتَعَرُّضِهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ قِيَامٍ بِالْفَاتِحَةِ وَنَحْوِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ) فِي صُورَتِهَا (مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ) وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْصِدَهُ مَعَهَا بِالْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ مَقْصُودٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَا يَحْصُلُ ضِمْنًا لَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ كَمَا لَوْ ضَمَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إلَى الْفَرْضِ. أُجِيبَ بِأَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَتَضَمَّنُ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكُسُوفِ لَمْ تَكْفِ الْخُطْبَةُ عَنْهُ (ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ؛ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ صَلَاتِهِ وَالْجُمُعَةُ بِالْعَكْسِ، وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْعِيدَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا بِالْخُطْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ، وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ. فَإِنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ.   [مغني المحتاج] قِيلَ: السُّنَّتَانِ إنْ لَمْ تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ تَابِعَتَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ) وَجِنَازَةٌ (أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ) فِيهِمَا خَوْفًا مِنْ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ وَلَا يُشَيِّعُهَا الْإِمَامُ بَلْ يَشْتَغِلُ بِبَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، هَذَا إنْ حَضَرَتْ وَحَضَرَ الْوَلِيُّ؛ فَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ أَوْ حَضَرَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ الْوَلِيُّ أَفْرَدَ الْإِمَامُ لَهَا مَنْ يَنْتَظِرُهَا وَاشْتَغَلَ هُوَ بِغَيْرِهَا بِالْبَاقِينَ، وَقَدْ تُفْهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْجِنَازَةِ فَرْضٌ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُقَدَّمُ الْجِنَازَةُ أَيْضًا وَلَوْ جُمُعَةً لَكِنْ بِشَرْطِ اتِّسَاعِ وَقْتِ الْفَرْضِ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهُ قُدِّمَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ، وَتَعْلِيلُهُمْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَيْ إذَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ. قَالَ: وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِتَأْخِيرِ الْجَنَائِزِ إلَى بَعْدِ الْجُمُعَةِ، فَيَنْبَغِي التَّحْذِيرُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا وُلِّيَ الْخَطَابَةَ بِجَامِعِ مِصْرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُفْتِي الْحَمَّالِينَ وَأَهْلَ الْمَيِّتِ بِسُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ لِيَذْهَبُوا بِهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الْخُسُوفَ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ الْوِتْرِ أَوْ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ آكَدُ، وَاعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:. اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ بِأَنَّ الْعِيدَ إمَّا الْأَوَّلُ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ الْعَاشِرُ وَالْكُسُوفُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ. وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ مَاتَ سَيِّدُنَا إبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي أَنْسَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَهُ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَكَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّهَا كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ، وَأَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ إلَّا فِي ذَلِكَ، فَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَنْكَسِفَ فِي يَوْمٍ بِأَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ بِنَقْصِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً فَتَنْكَسِفُ فِي يَوْمِ عِيدِنَا وَهُوَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالْكُسُوفِ مَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْفَقِيهَ قَدْ يُصَوِّرُ مَا لَا يَقَعُ لِيَتَدَرَّبَ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ. خَاتِمَةٌ: يُنْدَبُ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ كَالْعِيدِ، وَغَيْرُهُنَّ يُصَلِّينَ فِي الْبُيُوتِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَخْطُبْنَ فَإِنْ وَعَظَتْهُنَّ امْرَأَةٌ فَلَا بَأْسَ وَالْخَنَاثَى فِي الْحُضُورِ وَعَدَمِهِ كَالنِّسَاءِ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَضَرَّعَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالْخَسْفِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ» . قِيلَ: إنَّ الرِّيَاحَ أَرْبَعٌ الَّتِي مِنْ تُجَاهِ الْكَعْبَةِ: الصَّبَا، وَمِنْ وَرَائِهَا الدَّبُورُ، وَمِنْ جِهَةِ يَمِينِهَا الْجَنُوبُ، وَمِنْ شِمَالِهَا الشَّمَالُ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا طَبْعٌ، فَالصَّبَا حَارَّةٌ يَابِسَةٌ، وَالدَّبُورُ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ، وَالْجَنُوبُ حَارَّةٌ رَطْبَةٌ، وَالشَّمَالُ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ، وَهُوَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ هِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَتُعَادُ ثَانِيًا وَثَالِثًا إنْ لَمْ يُسْقُوا.   [مغني المحتاج] رِيحُ الْجَنَّةِ الَّتِي تَهُبُّ عَلَى أَهْلِهَا، جَعَلَنَا اللَّهُ وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخَنَا وَأَصْحَابَنَا وَمَنْ انْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَدَعَا لَنَا بِالْمَغْفِرَةِ مِنْهُمْ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] ِ هُوَ لُغَةً: طَلَبُ السُّقْيَا، وَشَرْعًا طَلَبُ سُقْيَا الْعِبَادِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إلَيْهَا. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الِاتِّبَاعُ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} [البقرة: 60] الْآيَةَ، وَلَمْ نَقُلْ: وَيُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ لِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الْأَصَحِّ (هِيَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا» وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: أَدْنَاهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي فُرَادَى أَوْ مُجْتَمِعِينَ، وَأَوْسَطُهَا يَكُونُ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، فَرْضُهَا كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَنَفْلُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، وَيَأْتِي بَيَانُهُمَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَلَوْ بِقَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ وَالْمُسَافِرِ وَلَوْ سَفَرَ قَصْرٍ لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) وَذَلِكَ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ أَوْ قِلَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي أَوْ مُلُوحَتِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ إذَا كَانَ بِهَا نَفْعٌ، وَيَسْتَسْقِي غَيْرُ الْمُحْتَاجِ لِلْمُحْتَاجِ، وَيَسْأَلُ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَك بِمِثْلِ ذَلِكَ» (1) وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْغَيْرُ ذَا بِدَعَةٍ وَضَلَالَةٍ وَبَغْيٍ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَسْقِي لَهُ تَأْدِيبًا وَزَجْرًا، وَلِأَنَّ الْعَامَّةَ تَظُنُّ بِالِاسْتِسْقَاءِ لَهُ حُسْنَ طَرِيقَتِهِ وَالرِّضَا بِهَا، وَفِيهِ مَفَاسِدُ. أَمَّا لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ وَلَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَا نَفْعَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا اسْتِسْقَاءَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَسْتَسْقِي بِالصَّلَاةِ لِطَلَبِ زِيَادَةٍ فِيهَا نَفْعٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَقَرَّرَ (وَتُعَادُ) الصَّلَاةُ مَعَ الْخُطْبَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ (ثَانِيًا وَثَالِثًا) وَأَكْثَرُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (إنْ لَمْ يُسْقُوا) حَتَّى يَسْقِيَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَضَعَّفَاهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يُعَجِّلْ يَقُولُ: دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» وَهَلْ يَتَوَقَّفُونَ عَلَى صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ أَمْ لَا؟ نَصَّانِ حَمَلَهُمَا الْجُمْهُور كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى حَالَيْنِ: الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا شَقَّ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ مِنْ الْغَدِ وَاقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ. وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ، حُكِيَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ قَالَ: اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا، وَالتَّوْبَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ،   [مغني المحتاج] وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمَا، وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ فِي الِاسْتِحْبَابِ. ثُمَّ إذَا عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ. (فَإِنْ تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ فَسُقُوا قَبْلَهَا اجْتَمَعُوا لِلشُّكْرِ) عَلَى تَعْجِيلِ مَا عَزَمُوا عَلَى سُؤَالِهِ بِأَنْ يُثْنُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُمَجِّدُوهُ وَيَحْمَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] (وَالدُّعَاءِ) بِالزِّيَادَةِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ (وَيُصَلُّونَ) صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ الْمَعْرُوفَةَ شُكْرًا أَيْضًا (عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا يَجْتَمِعُونَ لِلدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي لَا يُصَلُّونَ لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَقَطَعَ الْجُمْهُور بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُطْبَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ بِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَمَّا إذَا سُقُوا بَعْدَهَا فَلَا يَجْتَمِعُونَ لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ سُقُوا فِي أَثْنَائِهَا أَتَمُّوهَا جَزْمًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ (وَيَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ) نَدْبًا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوَّلًا) مُتَتَابِعَةٍ، وَيَصُومُ مَعَهُمْ قَبْلَ مِيعَادِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَهِيَ بِهِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُعِينٌ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالْخُشُوعِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَبَرَ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالْمَظْلُومُ» وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ وَيَلْزَمُهُمْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} [النساء: 59] الْآيَةَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورِ بِهِ هُنَا اهـ. وَيَدُلُّ لَهُمْ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ، وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ وُجُوبِ الصَّوْمِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُمْ بِالْعِتْقِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إخْرَاجُ مَالٍ، وَقَدْ قَالُوا إذَا أَمَرَهُمْ بِالِاسْتِسْقَاءِ فِي الْجَدْبِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فَيُقَاسُ الصَّوْمُ عَلَى الصَّلَاةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا يَجِبُ امْتِثَالُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ شَامِلًا لِذَلِكَ إذْ نَفْسُ وُجُوبِ الصَّوْمِ مُنَازَعٌ فِيهِ، فَمَا بَالُك بِإِخْرَاجِ الْمَالِ الشَّاقِّ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُشْتَرَطُ التَّبْيِيتُ لَهُ حِينَئِذٍ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَيَحْسُنُ تَخْرِيجُ وُجُوبِ النِّيَّةِ عَلَى صَوْمِ الصَّبِيِّ رَمَضَانَ أَوْ عَلَى صَوْمِ النَّذْرِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ إذْ لَا يَصِحُّ صَوْمُ مَنْ ذُكِرَ بِغَيْرِ تَبْيِيتٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَقَالَ يَبْعُدُ عَدَمُ صِحَّةِ صَوْمِ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَيْلًا كُلَّ الْبُعْدِ، وَيَأْمُرُهُمْ أَيْضًا بِالصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَشَاحِنِينَ (وَالتَّوْبَةِ) بِالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالنَّدَمِ عَلَيْهَا وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهَا (وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ) مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ. قَالَ تَعَالَى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52] وَقَالَ: {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ} [يونس: 98] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ. وَيَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ، وَتَخَشُّعٍ وَيُخْرِجُونَ الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ،   [مغني المحتاج] (وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ) الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِبَادِ فِي الدَّمِ وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْعُ الْغَيْثِ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إلَّا حُبِسَ عَنْهُمْ الْمَطَرُ» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إذَا بَخَسَ النَّاسُ الْمِكْيَالَ مُنِعُوا قَطْرَ السَّمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] تَلْعَنُهُمْ دَوَابُّ الْأَرْضِ تَقُولُ: مُنِعَ الْمَطَرُ بِخَطَايَاهُمْ. وَالتَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ أَمَرَ بِهَا الْإِمَامُ أَمْ لَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْمَظَالِمِ دَاخِلٌ فِيهَا، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِوُجُوهِ الْبِرِّ. لَكِنْ لِعَظَمِ أَمْرِهِمَا وَكَوْنِهِمَا أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ فَهُمَا مِنْ عَطْفِ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. (وَيَخْرُجُونَ) أَيْ النَّاسُ مَعَ الْإِمَامِ (إلَى الصَّحْرَاءِ) بِلَا عُذْرٍ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ فَلَا يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ غَالِبًا، وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ تَبَعًا لِلنَّصِّ إلَى مُصَلَّى الْعِيدَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِنْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَكَّةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ لِفَضْلِ الْبُقْعَةِ وَسَعَتِهَا لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِحْضَارِ الصِّبْيَانِ وَمَأْمُورُونَ بِأَنْ نُجَنِّبَهُمْ الْمَسَاجِدَ (فِي الرَّابِعِ) مِنْ صِيَامِهِمْ (صِيَامًا) لِحَدِيثِ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ» الْمُتَقَدِّمِ، وَيَنْبَغِي لِلْخَارِجِ أَنْ يُخَفِّفَ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَا أَمْكَنَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُسَنَّ فِطْرُ يَوْمِ الْخُرُوجِ لِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ كَمَا يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَاجَّ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ وَالسَّفَرِ، وَبِأَنَّ مَحَلَّ الدُّعَاءِ ثَمَّ آخِرُ النَّهَارِ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَة مُضْعِفَةٌ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهِ هُنَا. فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُنَا مُسَافِرِينَ وَصَلَّوْا آخِرَ النَّهَارِ أَنَّهُ لَا صَوْمَ عَلَيْهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا أَمَرَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا، نَعَمْ إنْ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَطْلُوبٍ لِكَوْنِ الْفِطْرِ أَفْضَلَ، وَيَخْرُجُونَ غَيْرَ مُتَطَيِّبِينَ وَلَا مُتَزَيِّنِينَ بَلْ (فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مِهْنَةٌ، وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ: أَيْ مَا يُلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ فِي وَقْتِ الشُّغْلِ، وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ (وَ) فِي (تَخَشُّعٍ) وَهُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا التَّذَلُّلُ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّرْته أَنَّ " تَخَشُّعٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى " ثِيَابِ " لَا عَلَى بِذْلَةٍ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِصِفَتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي ثِيَابُ الْبِذْلَةِ وُصْلَةٌ لَهَا، وَيُسَنُّ لَهُمْ التَّوَاضُعُ فِي كَلَامِهِمْ وَمَشْيِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَيَتَنَظَّفُونَ بِالسِّوَاكِ، وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَبِالْغُسْلِ، وَيَخْرُجُونَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُونَ فِي آخَرَ مُشَاةً فِي ذَهَابِهِمْ إنْ لَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِمْ، لَا حُفَاةً مَكْشُوفِي الرُّءُوسِ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي: " لَوْ خَرَجَ أَيْ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ حَافِيًا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ التَّوَاضُعِ " بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ (وَيُخْرِجُونَ) مَعَهُمْ نَدْبًا (الصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ) وَالْعَجَائِزَ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْقَبِيحَ الْمَنْظَرِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ إذْ الْكَبِيرُ أَرَقُّ قَلْبًا وَالصَّغِيرُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 وَكَذَا الْبَهَائِمَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ، وَلَا يَخْتَلِطُونَ بِنَا   [مغني المحتاج] وَرَوَى بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» . وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: [الرَّجَزُ] لَوْلَا عِبَادٌ لِلْإِلَهِ رُكَّعُ ... وَصِبْيَةٌ مِنْ الْيَتَامَى رُضَّعُ وَمُهْمَلَاتٌ فِي الْفَلَاةِ رُتَّعُ ... صُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ الْأَوْجَعُ وَالْمُرَادُ بِالرُّكَّعِ الَّذِينَ انْحَنَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ الْكِبَرِ، وَقِيلَ مِنْ الْعِبَادَةِ، وَلَوْ اُحْتِيجَ فِي حَمْلِ الصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ إلَى مُؤْنَةٍ حُسِبَتْ مِنْ مَالِهِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْجَدْبَ عَمَّهُمْ، وَيُسَنُّ إخْرَاجُ الْأَرِقَّاءِ بِإِذْنِ سَادَاتِهِمْ (وَكَذَا الْبَهَائِمُ) يُسَنُّ إخْرَاجُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْجَدْبَ قَدْ أَصَابَهَا أَيْضًا، وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ هُوَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّ النَّمْلَةَ وَقَعَتْ عَلَى ظَهْرِهَا وَرَفَعَتْ يَدَيْهَا، وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْتَنَا فَإِنْ رَزَقْتَنَا وَإِلَّا فَأَهْلِكْنَا. قَالَ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ " اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ لَا غِنَى بِنَا عَنْ رِزْقِك فَلَا تُهْلِكْنَا بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ " وَالثَّانِي لَا يُسَنُّ إخْرَاجُهَا وَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَالثَّالِثُ: يُكْرَهُ إخْرَاجُهَا، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابَهَا وَاشْتِغَالَ النَّاسِ بِهَا وَبِأَصْوَاتِهَا، وَالثَّانِي عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مَعَ تَصْحِيحِهِ كَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، الْأَوَّلُ: أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَتَقِفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى يَكْثُرَ الصِّيَاحُ وَالضَّجَّةُ وَالرِّقَّةُ، فَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمَرَاوِزَةِ وَأَقَرَّهُ. (وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْحُضُورَ) لِأَنَّهُمْ يَسْتَرْزِقُونَ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَقَدْ يُجِيبُهُمْ اسْتِدْرَاجًا وَطَمَعًا فِي الدُّنْيَا. قَالَ تَعَالَى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] (وَلَا يَخْتَلِطُونَ) أَهْلُ الذِّمَّةِ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ (بِنَا) فِي مُصَلَّانَا وَلَا عِنْدَ الْخُرُوجِ أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ، بَلْ يَتَمَيَّزُونَ عَنَّا فِي مَكَان لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى إذْ قَدْ يَحِلُّ بِهِمْ عَذَابٌ بِكُفْرِهِمْ فَيُصِيبُنَا. قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمَّنَ عَلَى دُعَائِهِمْ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْكَافِرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَدْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ كَمَا اُسْتُجِيبَ دُعَاءُ إبْلِيسَ بِالْإِنْظَارِ. وَقَدْ يُقَالُ: لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْإِنْظَارَ إلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَلَمْ يُجَبْ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَنْظَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُمْ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا كَانُوا سَبَبَ الْقَحْطِ، وَفِي الرَّوْضَةِ يُكْرَهُ خُرُوجُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ فِي غَيْرِ يَوْمِ خُرُوجِنَا لِئَلَّا تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُضَاهَاةُ فِي ذَلِكَ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَخْرُجُونَ وَحْدَهُمْ فَيُسْقَوْنَ فَيَظُنُّ ضَعَفَةُ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ خَيْرًا. أُجِيبَ بِأَنَّ خُرُوجَهُمْ مَعَنَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَلَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَالْعِيدِ، لَكِنْ قِيلَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ - إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا - وَلَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ،   [مغني المحتاج] صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ لَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا يَقْتَضِي كُفْرَ أَطْفَالِ الْكُفَّارِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ إذَا مَاتُوا، فَقَالَ الْأَكْثَرُ: إنَّهُمْ فِي النَّارِ، وَطَائِفَةٌ: لَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ، وَالْمُحَقِّقُونَ: إنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَوُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ، وَتَحْرِيرُ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ إنَّهُمْ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كُفَّارٌ: أَيْ فَلَا نُصَلِّي عَلَيْهِمْ وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْآخِرَةِ مُسْلِمُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَيُسَنُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يَسْتَسْقِي أَنْ يَسْتَشْفِعَ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ خَيْرٍ بِأَنْ يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَيَجْعَلَهُ شَافِعًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَائِقٌ بِالشَّدَائِدِ كَمَا فِي خَبَرِ «الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَوَوْا فِي الْغَارِ» ، وَأَنْ يُسْتَشْفَعَ بِأَهْلِ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُمْ أَرْجَى لِلْإِجَابَةِ، لَا سِيَّمَا أَقَارِبُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا اسْتَشْفَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا قَحَطْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَهِيَ رَكْعَتَانِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (كَالْعِيدِ) أَيْ كَصَلَاتِهِ فِي كَيْفِيَّتِهَا مِنْ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ بِرَفْعِ يَدَيْهِ وَوُقُوفِهِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ كَآيَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى جَهْرًا بِسُورَةِ " ق "، وَفِي الثَّانِيَةِ " اقْتَرَبَتْ " فِي الْأَصَحِّ أَوْ " بِسَبِّحْ " " وَالْغَاشِيَةِ " قِيَاسًا لَا نَصًّا (لَكِنْ قِيلَ) هُنَا إنَّهُ (يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ) بَدَلَ " اقْتَرَبَتْ " (إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ اللَّائِقَيْنِ بِالْحَالِ، وَرَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مَا يُقْرَأُ فِي الْعِيدِ، وَيُنَادِي لَهَا: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، وَفِي اخْتِصَاصِهَا بِوَقْتٍ أَوْجُهٌ، قِيلَ بِوَقْتِ الْعِيدِ، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِيدِ إلَى الْعَصْرِ، وَالْأَصَحُّ لَا تَتَأَقَّتُ فَقَوْلُهُ (وَلَا تَخْتَصُّ) صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (بِوَقْتِ الْعِيدِ فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ يُصَدَّقُ بِالْأَخِيرَيْنِ فَلَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْأَصَحُّ، وَيَجُوزُ فِعْلُهَا مَتَى شَاءَ، وَلَوْ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ فَدَارَتْ مَعَ السَّبَبِ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَيَخْطُبُ كَالْعِيدِ) فِي الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَالسُّنَنِ (لَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَدَلَ التَّكْبِيرِ) فَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى تِسْعًا، وَفِي الثَّانِيَة سَبْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَنَا بِإِرْسَالِ الْمَطَرِ عِنْدَهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ يُكَبِّرُ كَالْعِيدِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَأْتِي بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِسْقَاءِ بَدَلَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَمِنْ قَوْلِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [هود: 3] الْآيَة، وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، وَمِنْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ وَمِنْ رَحْمَتِك نَرْجُو، فَلَا تَكِلْنَا إلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، وَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ - اللَّهُمَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى: اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدِقًا مُجَلِّلًا طَبَقًا دَائِمًا: اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ،   [مغني المحتاج] آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ - وَآيَةُ آخِرِ الْبَقَرَةِ (وَيَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى) بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (أَسْقِنَا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَسْقَى وَوَصْلِهَا مِنْ سَقَى، فَقَدْ وَرَدَ الْمَاضِي ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا. قَالَ تَعَالَى: {لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16] وَقَالَ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] (غَيْثًا) بِمُثَلَّثَةٍ: أَيْ مَطَرًا (مُغِيثًا) بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ مُنْقِذًا مِنْ الشِّدَّةِ بِإِرْوَائِهِ (هَنِيئًا) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ: أَيْ طَيِّبًا لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ (مَرِيئًا) بِوَزْنِ هَنِيئًا: أَيْ مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ (مَرِيعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ: أَيْ ذَا رِيعٍ: أَيْ نَمَاءٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَرَاعَةِ، وَرُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ تَحْتُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرْبَعَ الْبَعِيرُ يُرْبِعُ إذَا أَكَلَ الرَّبِيعَ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: رَتَعَتْ الْمَاشِيَةُ إذَا أَكَلَتْ مَا شَاءَتْ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (غَدَقًا) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ: أَيْ كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ. وَقِيلَ: الَّذِي قَطْرُهُ كِبَارٌ (مُجَلِّلًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ: يُجَلِّلُ الْأَرْضَ أَيْ يَعُمُّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ (سَحًّا) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ شَدِيدَ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ، يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ، وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (طَبَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ مُطْبِقًا عَلَى الْأَرْضِ: أَيْ مُسْتَوْعِبًا لَهَا فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا، يُقَالُ هَذَا مُطَابِقٌ لِهَذَا: أَيْ مُسَاوٍ لَهُ (دَائِمًا) إلَى انْتِهَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ دَوَامَهُ عَذَابٌ (اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ (وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ) أَيْ الْآيِسِينَ بِتَأْخِيرِ الْمَطَرِ: اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْخَلْقِ مِنْ اللَّأْوَاءِ بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ: شِدَّةُ الْجُوعِ، وَالْجَهْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُوَ قِلَّةُ الْخَيْرِ وَسُوءُ الْحَالِ، وَالضَّنْكِ: أَيْ الضِّيقِ، مَا لَا نَشْكُو بِالنُّونِ إلَّا إلَيْكَ: اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْعُرْيَ وَالْجُوعَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك (اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّكَ كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ) أَيْ الْمَطَرَ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا الْمَطَرَ وَالسَّحَابَ (عَلَيْنَا مِدْرَارًا) أَيْ دَرًّا كَثِيرًا: أَيْ مَطَرًا كَثِيرًا، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الْمَتْنِ قَدْ ذُكِرَ مِنْهَا فِي الْمُحَرَّرِ إلَى اللَّهُمَّ ارْفَعْ، وَذُكِرَ الْبَاقِي فِي التَّنْبِيهِ، وَالْجَمِيعُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِحَذْفِ بَعْضِهِ (وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) نَدْبًا (بَعْدَ صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ) وَهُوَ نَحْوُ ثُلُثِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَدْبَرَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ يَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يَفْرُغَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ بَقَاءِ الِاسْتِقْبَالِ إلَى فَرَاغِهَا، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ فِي الْأُولَى لَمْ يُعِدْهُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصّ الْأُمِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ يَسَارَهُ وَعَكْسَهُ وَيُنَكِّسُهُ عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ مِثْلَهُ. قُلْت: وَيُتْرَكُ مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ الثِّيَابَ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ،   [مغني المحتاج] (وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ) حِينَئِذٍ (سِرًّا) وَيُسِرُّ الْقَوْمُ الدُّعَاءَ أَيْضًا (وَجَهْرًا) وَيُؤَمِّنُ الْقَوْمُ عَلَى دُعَائِهِ. قَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ جَاعِلِينَ ظُهُورَ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَكَذَا السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِرَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ، وَإِذَا سَأَلَ شَيْئًا عَكَسَ ذَلِكَ. وَالْحِكْمَةُ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ، بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ النَّجِسَةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُكْرَهُ بِحَائِلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ دُعَائِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، اللَّهُمَّ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقِيَانَا، وَسَعَةٍ فِي رِزْقِنَا، وَذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِصَارًا، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَهُ (وَيُحَوِّلُ) الْخَطِيبُ (رِدَاءَهُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ) الْقِبْلَةَ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ: وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» (فَيَجْعَلُ يَمِينَهُ) أَيْ يَمِينَ رِدَائِهِ (يَسَارَهُ، وَعَكْسَهُ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا (وَيُنَكِّسُهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا وَبِضَمِّهِ مُثَقَّلًا عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ (عَلَى الْجَدِيدِ فَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَعَكْسَهُ) لِمَا فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ هَمَّ بِهِ فَمَنَعَهُ مِنْ فِعْلِهَا مَانِعٌ، وَالْقَدِيمِ لَا يُسْتَحَبُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْآخَرِ عَلَى الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّنْكِيسُ وَالتَّحْوِيلُ جَمِيعًا، وَالْخِلَافُ فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ أَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَطْعًا. قَالَ الْقَمُولِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيسُ، وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ (وَيُحَوِّلُ النَّاسُ) وَيُنَكِّسُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ (مِثْلَهُ) تَبَعًا لَهُ؛ لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّاسَ حَوَّلُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ: وَيَفْعَلُ بَدَلَ يُحَوِّلُ وَهُوَ أَعَمُّ لِمَا تَقَرَّرَ، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ يُحَوِّلُ (قُلْت: وَيُتْرَكُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ رِدَاءُ الْخَطِيبِ وَالنَّاسِ (مُحَوَّلًا حَتَّى يَنْزِعَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (الثِّيَابَ) كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ رُجُوعِهِمَا لِمَنْزِلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ رِدَاءَهُ قَبْلَ ذَلِكَ (وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ فَعَلَهُ النَّاسُ) كَسَائِرِ السُّنَنِ. وَلِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ كَمَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ بَلْ أَشَدُّ، لَكِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَى الصَّحْرَاءِ إذَا كَانَ الْوَالِي بِالْبَلَدِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي السَّيْلِ، وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ، وَيَقُولَ عِنْدَ الْمَطَرِ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا، وَيَدْعُوَ بِمَا شَاءَ، وَبَعْدَهُ:   [مغني المحتاج] (وَلَوْ خَطَبَ) لَهُ (قَبْلَ الصَّلَاةِ جَازَ) لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ أَيْضًا، لَكِنْ فِي حَقِّنَا خِلَافُ الْأَفْضَلِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيُسَنُّ) لِكُلِّ أَحَدٍ (أَنْ يَبْرُزَ) أَيْ يَظْهَرَ (لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ وَيَكْشِفَ) مِنْ جَسَدِهِ (غَيْرَ عَوْرَتِهِ لِيُصِيبَهُ) شَيْءٌ مِنْ الْمَطَرِ تَبَرُّكًا، وَلِلِاتِّبَاعِ، رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَسَرَ عَنْ ثَوْبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ الْمَطَرُ، وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» أَيْ بِخَلْقِهِ وَتَنْزِيلِهِ، بَلْ يُسَنُّ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مَطَرٍ، كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِظَاهِرِ خَبَرٍ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ. وَلَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ فِي) مَاءِ (السَّيْلِ) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ، لَكِنْ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ. «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ قَالَ: اُخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ وَنَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ» . وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ أَحَدِهِمَا بِالْمَنْطُوقِ، وَكِلَيْهِمَا بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ الْجَمْعُ، ثُمَّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ عَلَى الْوُضُوءِ،، وَالْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِمَا النِّيَّةُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ وَقْتَ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ، لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ هِيَ الْحِكْمَةُ فِي كَشْفِ الْبَدَنِ لِيَنَالَ أَوَّلَ مَطَرِ السَّنَةِ وَبَرَكَتِهِ (وَيُسَبِّحُ عِنْدَ الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ) فَيَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَقِيسَ بِالرَّعْدِ الْبَرْقُ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُ سُبْحَانَ مَنْ {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الرعد: 12] وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابَ، وَعَلَى هَذَا الْمَسْمُوعُ صَوْتُهُ أَوْ صَوْتُ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى الرَّعْدِ مَجَازٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ: الرَّعْدُ صَوْتُ اصْطِكَاكِ أَجْرَامِ السَّحَابِ، وَالْبَرْقُ مَا يَنْقَدِحُ مِنْ اصْطِكَاكِهَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَعَثَ اللَّهُ السَّحَابَ فَنَطَقَتْ أَحْسَنَ النُّطْقِ وَضَحِكَتْ أَحْسَنَ الضَّحِكِ، فَالرَّعْدُ نُطْقُهَا وَالْبَرْقُ ضَحِكُهَا» (وَ) أَنْ (لَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ) لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَيَخْتَارُ الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ (وَ) أَنْ (يَقُولَ عِنْدَ) نُزُولِ (الْمَطَرِ) كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ (اللَّهُمَّ صَيِّبًا) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ: أَيْ مَطَرًا شَدِيدًا (نَافِعًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ سَيْبًا بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ: أَيْ عَطَاءً نَافِعًا، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ: صَيِّبًا هَنِيئًا فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَرُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ (وَ) أَنْ يَقُولَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَطَرِ: أَيْ فِي أَثَرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيُكْرَهُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَسَبُّ الرِّيحِ، وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ) عَلَيْنَا (وَرَحْمَتِهِ) لَنَا (وَيُكْرَهُ) قَوْلُ (مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا) بِفَتْحِ نُونِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ: أَيْ بِوَقْتِ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إضَافَةِ الْأَمْطَارِ إلَى الْأَنْوَاءِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّوْءَ مُمْطِرٌ حَقِيقَةً، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْفَاعِلُ لَهُ حَقِيقَةً كَفَرَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَاكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَفَادَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْبَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا لَمْ يُكْرَهْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا نَقَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ، ثُمَّ يَقْرَأُ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] (وَ) يُكْرَهُ (سَبُّ الرِّيحِ) وَتُجْمَعُ عَلَى رِيَاحٍ وَأَرْوَاحٍ، بَلْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِخَبَرِ «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ: أَيْ رَحْمَتِهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَلَوْ تَضَرَّرُوا بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ) وَهِيَ ضِدُّ الْقِلَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا. قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَبِضَمِّهَا (فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى رَفْعَهُ) بِأَنْ يَقُولُوا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ (اللَّهُمَّ) اجْعَلْ الْمَطَرَ (حَوَالَيْنَا) فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَرَاعِي (وَلَا) تَجْعَلْهُ (عَلَيْنَا) فِي الْأَبْنِيَةِ وَالْبُيُوتِ: «اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْآكَامُ بِالْمَدِّ جَمْعُ أُكُمٍ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ إكَامٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ جَمْعُ أَكَمٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَكَمَةٍ، وَهُوَ التَّلُّ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا. وَالظِّرَابُ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَة جَمْعُ ظَرِبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ (وَلَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ وُرُودِ الصَّلَاةِ لَهُ. خَاتِمَةٌ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَرِّبُنِي مِنْ النَّاسِ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَسْأَلَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك مِنْ النَّاسِ فَتَرْكُ مَسْأَلَتِهِمْ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» ثُمَّ أَنْشَدَ: [الْكَامِلَ] اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ. [بَابٌ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ] ِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ، أَخَّرَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 بَابٌ إنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَهَا كَفَرَ، أَوْ كَسَلًا قُتِلَ حَدًّا، وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ بِصَلَاةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ،   [مغني المحتاج] الْبَابَ عَنْ الْجَنَائِزِ، وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ بَابِ الْأَذَانِ، وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْجُمْهُورُ هُنَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَلَيْقُ (إنْ تَرَكَ) الْمُكَلَّفُ (الصَّلَاةَ) الْمَعْهُودَةَ شَرْعًا الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ (جَاحِدًا وُجُوبَهَا) بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ (كَفَرَ) بِالْجَحْدِ فَقَطْ، لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ، لِأَنَّ الْجَحْدَ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا صَلَّى جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَحْدِ كَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ، وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ جَارٍ فِي جُحُودِ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرْتَدِّ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا، بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا (أَوْ) تَرَكَهَا (كَسَلًا) أَوْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ (حَدًّا) لَا كُفْرًا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» (1) وَخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» (2) فَلَوْ كَفَرَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» (3) فَمَحْمُولٌ عَلَى تَرْكِهَا جَحْدًا، أَوْ عَلَى التَّغْلِيظِ، أَوْ الْمُرَادُ بَيْنَ مَا يُوجِبُهُ الْكُفْرُ مِنْ وُجُوبِ الْقَتْلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، لِأَنَّهُ تَرْكٌ لَهَا، وَيُقَاسُ بِهَا الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَمَحَلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ، أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ، بِخِلَافِ الْقَوِيِّ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ، لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. (وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ) وُجُوبًا (بِصَلَاةٍ فَقَطْ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا، فَلَا يُقْتَلُ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا، وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقِتَالِ، بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 وَيُسْتَتَابُ ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ، وَقِيلَ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ، وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى   [مغني المحتاج] بَعْدُ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَلِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ، الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» (1) ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ، وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ، وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا، بَلْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي خَاتِمَةِ الْبَابِ، وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْأَقْوَى لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ الْقَتْلِ وَيُقْتَلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا إنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ، وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَتْرُكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَسَلًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَنْ لَزِمَهُ الْجُمُعَةُ إجْمَاعًا، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا يُقْتَلُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ يُحْتَمَلُ تَرْكُهَا لِشُبْهَةِ الْجَمْعِ، وَالثَّانِي: إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَة، لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فَاغْتُفِرَتْ. وَالثَّالِثُ: إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَنَدَ إلَى تَأْوِيلٍ: مِنْ تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ. وَالرَّابِعُ إذَا صَارَ التَّرْكُ لَهُ عَادَةً. وَالْخَامِسُ: لَا يُعْتَبَرُ وَقْتُ الضَّرُورَةِ (وَيُسْتَتَابُ) عَنْ الْكُلِّ قَبْلَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ جَرِيمَةَ الْمُرْتَدِّ تَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي النَّارِ فَوَجَبَتْ الِاسْتِتَابَةُ رَجَاءَ نَجَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ، لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا، بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحُدُودِ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ، لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ، وَفِي قَوْلٍ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْقَوْلَانِ فِي النَّدْبِ، وَقِيلَ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا إنْسَانٌ أَثِمَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ، وَلَوْ جُنَّ أَوْ سَكِرَ قَبْلَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ، فَإِنْ قُتِلَ وَجَبَ الْقَوَدُ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُرْتَدِّ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ لِقِيَامِ الْكُفْرِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: " نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَعَانَدَ قَبْلَ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ " مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يُبْدِ عُذْرًا (تُضْرَبُ عُنُقُهُ) بِالسَّيْفِ. (وَقِيلَ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ) وَقِيلَ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَيْ عَصًا (حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَمْلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَا قَتْلُهُ (وَ) بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ مِنْ أَنَّهُ (يُغَسَّلُ) ثُمَّ يُكَفَّنُ (وَيُصَلَّى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ.   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ) بَعْدَ غُسْلِهِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الْآتِي (وَيُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) فِي مَقَابِرِهِمْ (وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ) كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ لَا يُفْعَلُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ إهَانَةً لَهُ، وَعَلَى هَذَا يُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، لَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَأَنْ قَالَ: تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بَاطِلَةً لَمْ يُقْتَلْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ، وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا بِأَنْ نَقُولَ لَهُ: صَلِّ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ، سَوَاءٌ أَقَالَ: وَلَمْ أُصَلِّهَا أَوْ سَكَتَ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمَتْنِ: ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ قَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتُبْ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا فَإِذَا صَلَّاهَا زَالَ التَّرْكُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُقْتَلْ وَإِنْ تَابَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَالْقَتْلُ عَلَى التَّأْخِيرِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقَدْ وُجِدَ فَكَيْفَ تَنْفَعُهُ التَّوْبَةُ فَهِيَ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّ الْقَطْعَ لَا يَسْقُطُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَرْكِ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ فَعَلَ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ الْحَدُّ لِأَجْلِ تَرْكِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ عَمْدًا مَعَ تَرْكِهَا، فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِذَا صَلَّى زَالَتْ الْعِلَّةُ، وَهَذَا أَوْلَى. خَاتِمَةٌ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا. لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا أَوْ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِتَقْصِيرِهِ. لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ: أُصَلِّيهَا لِتَوْبَتِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْذُورَةً مُؤَقَّتَةً لَمْ يُقْتَلْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الصَّلَاةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ، لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَأَكْلَ مَالِ السُّلْطَانِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ ادَّعَى التَّصَوُّفَ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ، وَقَتْلُ مِثْلِهِ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 كِتَابُ الْجَنَائِزِ لِيُكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَيَسْتَعِدّ بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْجَنَائِزِ] ِ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ، وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِذَلِكَ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ، وَهِيَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ وَلَمَّا اشْتَمَلَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَى الصَّلَاةِ ذُكِرَ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ، وَصَدَّرَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ الْمُكَلَّفُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَالَ (لِيُكْثِرْ) نَدْبًا الْمُكَلَّفُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا (ذِكْرَ الْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَزْجَرُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَأَدْعَى إلَى الطَّاعَةِ، وَلِخَبَرِ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» يَعْنِي الْمَوْتَ، صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَزَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِي كَثِيرٍ إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ» أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ. وَهَاذِمِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَمَعْنَاهُ الْقَاطِعُ، وَأَمَّا بِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ «اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالُوا: نَسْتَحْيِي يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ فَلْيَحْفَظْ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظْ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَالْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْبَدَنِ. وَالرُّوحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ، وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وقَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] [الزُّمَرُ] تَقْدِيرُهُ عِنْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا، وَعِنْدَ جَمْعٍ مِنْهُمْ: عَرَضٌ وَهُوَ الْحَيَاةُ الَّتِي صَارَ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا، وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ وَالْفَلَاسِفَةُ فَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ جِسْمًا وَلَا عَرَضًا، بَلْ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ وَلَا خَارِجًا عَنْهُ (وَيُسْتَعَدُّ) لَهُ (بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 وَالْمَرِيضُ آكَدُ.   [مغني المحتاج] أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اسْتِحْبَابُهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مُسْتَحَبٍّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَالْمَرِيضُ آكَدُ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِمَّا تَجِبُ مِنْهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا رَدُّ الْمَظَالِمِ الْمُمْكِنِ رَدُّهَا، وَصَرَّحَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ مَعَ دُخُولِهِ فِي التَّوْبَةِ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَلِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِيَتَنَاوَلَ رَدَّ الْعَيْنِ، وَقَضَاءَ الدَّيْنِ، وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُمَا كَانَ أَوْلَى. (وَالْمَرِيضُ آكَدُ) بِذَلِكَ: أَيْ أَشَدُّ طَلَبًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الصَّحِيحِ لِنُزُولِ مُقَدِّمَاتِ الْمَوْتِ بِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِمَرَضِهِ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الْأَنِينِ مِنْهُ جُهْدَهُ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِكَرَاهَتِهِ، وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فِيهِ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ. وَيُسَنُّ لِأَهْلِهِ الرِّفْقُ بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنْ يُحَسِّنَ الْمَرِيضُ خُلُقَهُ، وَيَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَيَسْتَرْضِيَ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَقَةٌ كَزَوْجَتِهِ وَجِيرَانِهِ وَيَتَعَهَّدُ نَفْسَهُ بِالذِّكْرِ وَأَحْوَالِ الصَّالِحِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ، وَيُسَنُّ لِغَيْرِهِ عِيَادَتُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَهُ قَرَابَةٌ أَوْ جِوَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ اُسْتُحِبَّ وَفَاءً بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَحَقِّ الْجِوَارِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» وَإِلَّا جَازَتْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَرْمَدِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا بَيْنَ الصَّدِيقِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ يَعْرِفُهُ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ وَالْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ. قَالَ: وَفِي اسْتِحْبَابِ عِيَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ وَالْمُكُوسِ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ وَلَا جِوَارٌ وَلَا رَجَاءُ تَوْبَةٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِمُهَاجَرَتِهِمْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلْتَكُنْ الْعِيَادَةُ غِبًّا فَلَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَسْتَأْنِسُ بِهِمْ الْمَرِيضُ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِ عَدَمُ رُؤْيَتِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيُوَاصِلُونَهَا مَا لَمْ يُنْهَوْا أَوْ يَعْلَمُوا كَرَاهَتَهُ ذَلِكَ،. وَيُخَفِّفُ الْعَائِدُ الْمُكْثَ عِنْدَهُ بَلْ تُكْرَهُ إطَالَتُهُ، وَيُطَيِّبُ عَائِدُهُ نَفْسَهُ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ رَغَّبَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَنْصَرِفُ، وَيُسَنُّ فِي دُعَائِهِ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، سَبْعَ مَرَّاتٍ، لِخَبَرِ «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ، فَقَالَ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَيُكْرَهُ عِيَادَتُهُ إنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ وَوَعْظُهُ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ، وَيَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] [الْإِسْرَاءِ] . ثُمَّ شَرَعَ فِي آدَابِ الْمُحْتَضَرِ، فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ بِلَا إلْحَاحٍ، وَيُقْرَأُ عَنْهُ يس،   [مغني المحتاج] (وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ) وَهُوَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَلَمْ يَمُتْ (لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) نَدْبًا كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ (إلَى الْقِبْلَةِ) نَدْبًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) يَرْجِعُ لِلِاضْطِجَاعِ وَسَيَأْتِي مُقَابِلُهُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) وَضْعُهُ عَلَى يَمِينِهِ (لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ) كَعِلَّةٍ بِجَنْبِهِ فَلِجَنْبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّوَجُّهِ مِنْ اسْتِلْقَائِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ (أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ) وَهُمَا هُنَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ، وَحَقِيقَتُهَا الْمُنْخَفِضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا (لِلْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا كَأَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ مُرْتَفِعٌ لِيَتَوَجَّهَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِلْقَاءَ أَفْضَلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اُضْطُجِعَ عَلَى الْأَيْمَنِ (وَيُلَقَّنُ) نَدْبًا قَبْلَ الِاضْطِجَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (الشَّهَادَةَ) وَهِيَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّلْقِينِ وَالِاضْطِجَاعِ فُعِلَا مَعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالتَّلْقِينِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] [يُوسُفُ] وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (بِلَا إلْحَاحٍ) عَلَيْهِ لِئَلَّا يَضْجَرَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ، بَلْ يَذْكُرُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ، أَوْ يَقُولُ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ جَمِيعًا، فَإِنْ قَالَهَا لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ الدُّنْيَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ: أَيْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ بِإِرْثٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ حَسَدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُ الْوَرَثَةِ ثُمَّ غَيْرُهُ، وَلَا يُتْرَكُ التَّلْقِينُ حِينَئِذٍ لِمَا ذُكِرَ، وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَقِيلَ تُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ التَّوْحِيدُ، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لُقِّنَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأُمِرَ بِهِمَا لِخَبَرِ الْيَهُودِيِّ السَّابِقِ وُجُوبًا كَمَا قَالَ شَيْخِي إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا، وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَا يُسَنُّ بَعْدَ مَوْتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّ التَّلْقِينَ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ، وَثَمَّ لِئَلَّا يُفْتَنَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ وَهَذَا لَا يُفْتَنُ (وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ) سُورَةُ (يس) لِخَبَرِ «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدِّمَاتِهِ وَإِنْ أَخَذَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقْرَأُ عِنْدَهُ، وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهَا أَنَّ أَحْوَالَ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ مَذْكُورَةٌ فِيهَا، فَإِذَا قُرِئَتْ عِنْدَهُ تُجَدِّدُ لَهُ ذِكْرَ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقْرَأَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ، وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ، وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ، وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ   [مغني المحتاج] عِنْدَهُ سُورَةُ الرَّعْدِ لِقَوْلِ جَابِرٍ فَإِنَّهَا تُهَوِّنُ عَلَيْهِ خُرُوجَ رُوحِهِ، وَيُسَنُّ تَجْرِيعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ، فَإِنَّ الْعَطَشَ يَغْلِبُ مِنْ شِدَّةِ النَّزْعِ فَيُخَافُ مِنْهُ إزْلَالُ الشَّيْطَانِ إذْ وَرَدَ «أَنَّهُ يَأْتِيهِ بِمَاءٍ زُلَالٍ وَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ غَيْرِي حَتَّى نَسْقِيَكَ» نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ الثَّبَاتَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَمَاتِ. وَيُكْرَهُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَحْضُرَ الْمُحْتَضَرَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ؛ لِمَا وَرَدَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ وَالصُّورَةَ وَغَيْرَ الْحَائِضِ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مِثْلُهَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ بِلَا يَجُوزُ بَدَلُ يُكْرَهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَيُكْرَهُ (وَلْيُحْسِنْ) الْمَرِيضُ نَدْبًا (ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) أَيْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْحَمُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ وَيَرْجُو ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - قَالَ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» وَيُسَنُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ يَجِبُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا رَأَى مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوتِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا الْحَالُ مِنْ أَهَمِّهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتَقْلِيمِ الظُّفْرِ، وَأَخْذِ شَعْرِ الشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا الِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالطِّيبُ وَلُبْسُ الثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ، أَمَّا الصَّحِيحُ فَقِيلَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُغَلِّبَ خَوْفَهُ عَلَى رَجَائِهِ، وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] [الِانْفِطَارُ] وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ دَاءُ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى، أَوْ دَاءُ أَمْنِ الْمَكْرِ فَالْخَوْفُ أَوْلَى. (فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) نَدْبًا لِئَلَّا يَقْبُحَ مَنْظَرُهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ. ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» وَشَقَّ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ: شَخَصَ. قِيلَ إنَّ الْعَيْنَ أَوَّلُ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يَشْرَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ) عَرِيضَةٍ تَعُمُّهُمَا وَيَرْبِطُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلَ فِيهِ الْهَوَامُّ (وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) بِأَنْ يَرُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَمُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ، وَذَلِكَ لِيَسْهُلَ غُسْلُهُ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ فَإِذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ حِينَئِذٍ لَانَتْ، وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَلْيِينُهَا بَعْدَ ذَلِكَ (وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (بِثَوْبٍ) فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُجِّيَ حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ» وَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ نَوْعٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ تُنْسَجُ بِالْيَمَنِ، وَسُجِّيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 خَفِيفٍ، وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ، وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَنُزِعَتْ ثِيَابُهُ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ. وَيُبَادَرُ بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ. وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ،   [مغني المحتاج] غُطِّيَ (خَفِيفٍ) لِئَلَّا يُحْمِيَهُ فَيُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ، وَيُجْعَلُ طَرَفَاهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ. أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيُسْتَرُ مِنْهُ مَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ مِنْهُ (وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ) كَسَيْفٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِيدِ ثُمَّ طِينٍ رَطْبٍ ثُمَّ مَا تَيَسَّرَ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ فَيَقْبُحَ مَنْظَرُهُ، وَقَدَّرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ ذَلِكَ بِزِنَةِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُوضَعُ وَإِلَّا فَالسَّيْفُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ يُوضَعُ بِطُولِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَكُونُ فَوْقَ الثَّوْبِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُصَانَ الْمُصْحَفُ عَنْهُ احْتِرَامًا لَهُ وَيَلْحَقُ بِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ مُرْتَفِعٌ: كَدَكَّةٍ لِئَلَّا يُصِيبَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ فَيَتَغَيَّرَ بِنَدَاوَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً قَالَ فِي الْكِفَايَةِ جَازَ وَضْعُهُ عَلَيْهَا: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ خِلَافِ الْأَوْلَى، وَلَا يُوضَعُ عَلَى فِرَاشٍ لِئَلَّا يُحْمَى فَيَتَغَيَّرَ (وَنُزِعَتْ) عَنْهُ (ثِيَابُهُ) الْمَخِيطَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ فَسَادُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا فِيمَنْ يُغَسَّلُ لَا فِي شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ الْقَمِيصُ الَّذِي يُغَسَّلُ فِيهِ إذَا كَانَ طَاهِرًا، إذْ لَا مَعْنَى لِنَزْعِهِ، ثُمَّ إعَادَتِهِ. نَعَمْ يُشَمَّرُ إلَى حَقْوِهِ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِمَا قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ اهـ. وَلَوْ قُدِّمَ هَذَا الْأَدَبُ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ أَوْلَى (وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ) إنْ أَمْكَنَ (كَمُحْتَضَرٍ) أَيْ كَتَوَجُّهِهِ وَتَقَدَّمَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى جَنْبِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إلْقَاؤُهُ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأُخْمُصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَيُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُهُمْ: وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ (وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ) كُلَّهُ (أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ) أَيْ الْمَيِّتِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ مِنْ النِّسَاءِ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ نِسَاءِ الْمَحَارِمِ أَوْ النِّسَاءِ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ جَازَ كَذَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا بِالْعَكْسِ، وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهُ لَهُمَا مَعَ الْغَضِّ وَعَدَمِ الْمَسِّ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَالْمَحْرَمِ فِيمَا ذَكَرَ الزَّوْجَانِ بَلْ أَوْلَى، وَفِي إطْلَاقِ الْمَحْرَمِ عَلَى الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ مُسَامَحَةٌ. (وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ نَدْبًا (بِغُسْلِهِ إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ) بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ أَمَارَاتِهِ كَاسْتِرْخَاءِ قَدَمٍ وَمَيْلِ أَنْفٍ وَانْخِسَافِ صُدْغٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ، فَقَالَ «إنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَإِنْ يُؤْتَى بِهِ فَعَجِّلُوا بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُؤْمِنٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَإِنْ شُكَّ فِي مَوْتِهِ أُخِّرَ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْيَقِينِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ أَوْ غَيْرِهِ. (وَغُسْلُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَحَمْلُهُ (وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي غَيْرِ الدَّفْنِ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَّا فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ، فَمَحَلُّهُمَا فِي الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ فِي الْأَصَحِّ، فَيَكْفِي غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ، قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ مَسْتُورٍ عَلَى لَوْحٍ وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ   [مغني المحتاج] يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عُلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ) بِالْمَاءِ مَرَّةً؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَقِّ الْحَيِّ (بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ) عَنْهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْضًا، فَلَا يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَيِّ أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِي عَنْ النَّجَسِ وَالْحَدَثِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ هُنَاكَ، فَيَتَّحِدُ الْحُكْمَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى نَجَاسَةٍ تَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ، أَوْ أَنَّ مَا هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَجَازَ إسْقَاطُهُ، وَمَا هُنَا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ إسْقَاطُهُ. أُجِيبَ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. وَالثَّانِي عَنْ الْمُدْرَكِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْمَحَلِّ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ، فَيَكْفِي غُسْلُهُ لِذَلِكَ (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلُ) أَيْ لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ (فِي الْأَصَحِّ فَيَكْفِي) عَلَى هَذَا (غَرَقُهُ أَوْ غَسْلُ كَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ هُوَ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ. وَالثَّانِي تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكْفِي الْغَرَقُ وَلَا غَسْلُ كَافِرٍ فَيَنْوِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ (قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا، حَتَّى لَوْ رَأَيْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لَمْ يُسْقِطْ عَنَّا نَجَاسَتَهُ نَظِيرُهُ مِنْ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ، وَمِنْ الْغُسْلِ التَّعَبُّدُ بِفِعْلِنَا لَهُ، وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ، وَهَلْ يَكْفِي تَغْسِيلُ الْجِنِّ؟ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ كَمَا قِيلَ: إنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ (وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ) عَنْ النَّاسِ لَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدٌ إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ. وَلِلْوَلِيِّ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ لِحِرْصِهِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ. وَقَدْ تَوَلَّى غُسْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ (مَسْتُورٍ) عَنْهُمْ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ مَا لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (عَلَى لَوْحٍ) أَوْ سَرِيرٍ هُيِّئَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الرَّشَاشُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ مُسْتَلْقِيًا كَاسْتِلْقَاءِ الْمُحْتَضَرِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِغُسْلِهِ (وَيُغَسَّلُ) نَدْبًا (فِي قَمِيصٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، وَقَدْ غُسِّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَمِيصٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ خَلِقًا أَوْ سَخِيفًا حَتَّى لَا يَمْنَعَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ، وَقِيلَ تَجْرِيدُهُ أَوْلَى. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ تَفَرَّدَ بِالْأَوَّلِ، وَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَلَالَتِهِ وَعِظَمِ قَدْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ فِي الْقَمِيصِ لِلْأَشْرَافِ وَذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ إنْ كَانَ وَاسِعًا وَيُغَسِّلُهُ مِنْ تَحْتِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَتَقَ رُءُوسَ الدَّخَارِيصِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَمِيصًا أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 بِمَاءٍ بَارِدٍ، وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ سَوْأَتَيْهِ ثُمَّ يَلُفُّ أُخْرَى، وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ، وَيُزِيلُ مَا فِي مَنْخَرَيْهِ مِنْ أَذًى، وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ،   [مغني المحتاج] لَمْ يَتَأَتَّ غُسْلُهُ فِيهِ لِضِيقِهِ سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةٍ مِنْ أَوَّلِ مَا يَضَعُهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ (بِمَاءٍ بَارِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ، وَالسُّخْنَ يُرْخِيهِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى السُّخْنِ لِوَسَخٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُسَخَّنُ قَلِيلًا، وَلَا يُبَالَغُ فِي تَسْخِينِهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاسْتَحَبَّ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ كَوْنَهُ مَالِحًا عَلَى كَوْنِهِ عَذْبًا، وَقَالَ أَيْضًا: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لِلْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ، وَيَكُونُ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ، وَيُبْعَدُ بِهِ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَاشُ الْمَاءِ عِنْدَ الْغُسْلِ (وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ) بِرِفْقٍ (مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ) قَلِيلًا لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ (وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ) لِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ، وَالْقَفَا مَقْصُورٌ، وَجَوَّزَ الْفَرَّاءُ مَدَّهُ، وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى) لِئَلَّا يَسْقُطَ (وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ) مِنْ الْفَضَلَاتِ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِهَا بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ التَّكْفِينِ فَيَفْسُدُ بَدَنُهُ أَوْ كَفَنُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بَلِيغًا بِالتَّكْرَارِ لَا فِي شِدَّةِ الِاجْتِهَادِ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى هَتْكِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ احْتِرَامَهُ وَاجِبٌ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ مِجْمَرَةٌ مُتَّقِدَةٌ فَائِحَةٌ بِالطِّيبِ كَالْعُودِ، وَالْمُعِينُ يَصُبُّ عَلَيْهِ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا تَظْهَرَ رَائِحَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُبَخَّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ (ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا (وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ) مَلْفُوفَةٌ بِهَا (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ وَكَذَا مَا حَوْلَهُمَا كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (ثُمَّ يَلُفُّ) خِرْقَةً (أُخْرَى) عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى بَعْدَ إلْقَاءِ الْأُولَى، وَغَسْلِ يَدِهِ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ: يَغْسِلُ كُلَّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ (وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ) السَّبَّابَةَ مِنْ يُسْرَاهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا مَبْلُولَةً بِمَاءٍ (فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ) بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ كَمَا يَسْتَاكُ الْحَيُّ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَيُّ يَسْتَاكُ بِالْيَمِينِ فَلِمَ خُولِفَ فِي هَذَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِأَنَّ الْمَيِّتَ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ إذَا كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لِخَوْفِ سَبْقِ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ فَيُسْرِعُ فَسَادُهُ (وَيُزِيلُ) بِأُصْبُعِهِ الْخِنْصِرِ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ (مَا فِي مَنْخِرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَبِكَسْرِ الْخَاءِ (مِنْ أَذًى) كَمَا فِي مَضْمَضَةِ الْحَيِّ وَاسْتِنْشَاقِهِ (وَيُوَضِّئُهُ) بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ (كَالْحَيِّ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ قَلِيلًا، وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا، وَقِيلَ: يَسْتَغْنِي عَنْهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَتْبَعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَرِّحُهُمَا بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ غَسْلَةٌ، وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً، وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، وَأَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ قَلِيلَ كَافُورٍ،   [مغني المحتاج] تَحْتَ أَظْفَارِهِ (ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوه) كَخِطْمِيٍّ، وَالسِّدْرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكُ لِلْبَدَنِ وَأَقْوَى لِلْجَسَدِ وَلِلنَّصِّ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ (وَيُسَرِّحُهُمَا) أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتَهُ إنْ تَلَبَّدَ (بِمُشْطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَبِضَمِّهَا مَعَ الْمِيمِ لِإِزَالَةِ مَا فِيهِمَا مِنْ سِدْرٍ وَوَسَخٍ كَمَا فِي الْحَيِّ (وَاسِعِ الْأَسْنَانِ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ الشَّعْرَ (بِرِفْقٍ) لِئَلَّا يَنْتَتِفَ شَيْءٌ أَوْ يَقِلَّ الِانْتِتَافُ (وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ) نَدْبًا بِأَنْ يَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لِيُدْفَنَ مَعَهُ إكْرَامًا لَهُ، وَقِيلَ يُجْعَلُ وَسَطَ شَعْرِهِ. وَأَمَّا دَفْنُهُ فَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَغْسِلُ) بَعْدَ مَا سَبَقَ (شِقَّهُ الْأَيْمَنَ) مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ (ثُمَّ الْأَيْسَرَ) كَذَلِكَ (ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ) مِنْ كَتِفِهِ (إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ) أَيْ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ وَظَهْرَهُ مِنْ كَتِفِهِ إلَى الْقَدَمِ، وَقِيلَ: يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ مِنْ ظَهْرِهِ وَكُلٌّ سَائِغٌ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ، وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ فِعْلُهُ (فَهَذِهِ) الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السِّدْرِ وَنَحْوِهِ فِيهَا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُمْنَعُ الِاعْتِدَادُ بِهَا (غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً) كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زِيدَ حَتَّى تَحْصُلَ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ بِوَاحِدَةٍ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لِلتَّنْظِيفِ وَالْإِنْقَاءِ (ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: أَيْ خَالِصًا (مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ) أَوْ نَحْوِهِ بِالْمَاءِ، فَلَا تُحْسَبُ غَسْلَةُ السِّدْرِ وَلَا مَا أُزِيلَ بِهِ مِنْ الثَّلَاثِ لِتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهِ التَّغَيُّرَ السَّالِبَ لِلطَّهُورِيَّةِ وَإِنَّمَا تُحْسَبُ مِنْهَا غَسْلَةُ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَيَكُونُ الْأُولَى مِنْ الثَّلَاثِ بِهِ هِيَ الْمُسْقِطَةُ لِلْوَاجِبِ. تَنْبِيهٌ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأُولَى، بَلْ الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلُ النَّقَاءُ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ، وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ، فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غُسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ. وَيُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ الْحَيِّ اهـ. قَالَ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ قَاضِي عَجْلُونَ فَفِي الْمِنْهَاجِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ: لِأَنَّهُ قَدَّمَ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ (قَلِيلَ كَافُورٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُحْرِمًا بِحَيْثُ لَا يَفْحُشُ التَّغَيُّرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَيَطْرُدُ الْهَوَامَّ وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ. وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ، وَقِيلَ مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ، وَقِيلَ الْوُضُوءِ، وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ، وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ   [مغني المحتاج] وَهُوَ مَا يُغَيَّرُ بِهِ فَيَضُرُّ إلَّا إذَا كَانَ صُلْبًا فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْهُنَّ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» وَقَوْلُهُ: أَوْ خَمْسًا إلَخْ هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فِي النَّظَافَةِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ مَعَ رِعَايَةِ الْوِتْرِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ: " إنْ رَأَيْتُنَّ أَيْ احْتَجْتُنَّ " وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ، وَمَشَطْنَاهَا وَضَفَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ، وَثَلَاثَةُ قُرُونٍ: أَيْ ضَفَائِرَ الْقَرْنَيْنِ وَالنَّاصِيَةِ أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيَحْرُمُ وَضْعُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ، ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِ الْغُسْلِ يُلَيَّنُ الْمَيِّتُ مَفَاصِلَهُ، ثُمَّ يُنَشِّفُ تَنْشِيفًا بَلِيغًا لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَا يَأْتِي فِي التَّنْشِيفِ هُنَا الْخِلَافُ فِي تَنْشِيفِ الْحَيِّ (وَلَوْ خَرَجَ) مِنْ الْمَيِّتِ (بَعْدَهُ) أَيْ الْغُسْلِ (نَجَسٌ) وَلَوْ مِنْ الْفَرْجِ وَقَبْلَ التَّكْفِينِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ نَجِسٌ فِي آخِرِ غُسْلِهِ أَوْ بَعْدِهِ (وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ) لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِمَا وُجِدَ، وَالتَّنْظِيفُ يَحْصُلُ بِنَظَافَةِ مَا حَدَثَ (وَقِيلَ) فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفَّنْ تَجِبُ إزَالَتُهُ (مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ) لِيَخْتِمَ أَمْرَهُ بِالْأَكْمَلِ (وَقِيلَ) فِي الْخَارِجِ مِنْهُ تَجِبُ إزَالَتُهُ مَعَ (الْوُضُوءِ) لَا الْغُسْلِ كَمَا فِي الْحَيِّ. أَمَّا بَعْدَ التَّكْفِينِ فَيُجْزَمُ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَقَطْ، بَلْ حَكَى الْإِسْنَوِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّكْفِينِ، وَلَا يَجْنُبُ مَيِّتٌ بِوَطْءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَا يُحْدِثُ بِمَسٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ مَجْرُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ " مَعَ " كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ؛ لِأَنَّ جَرَّ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ قَلِيلٌ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْغَاسِلِ، فَقَالَ (وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ) فَهُوَ أَوْلَى بِهِ (وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ) فَهِيَ أَوْلَى بِهَا، وَسَيَأْتِي تَرْتِيبُهُمْ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ بِنَصْبِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا بِخَطِّهِ، وَذَلِكَ لِيَصِحَّ إسْنَادُ يُغَسِّلُ الْمُسْنَدِ لِلْمُذَكَّرِ لِلْمَرْأَةِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بِالْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: أَتَى الْقَاضِيَ امْرَأَةٌ، وَيَجُوزُ رَفْعُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَيُقَدَّرُ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ فِعْلٌ مَبْدُوءٌ بِعَلَامَةِ التَّأْنِيثِ (وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَالزَّوْجَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلرَّقَبَةِ وَالْبُضْعِ جَمِيعًا، وَالْكِتَابَةُ تُفْسَخُ بِالْمَوْتِ. نَعَمْ لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ وَالْمُسْتَبْرَأَة لِتَحْرِيمِ بُضْعِهِنَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ بِالْأَوْلَى، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ أَمَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ الْبَارِزِيُّ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ جَوَازُ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْتَبْرَأَةُ إنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِالسَّبْيِ، فَالْأَصَحُّ حِلُّ غَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 وَزَوْجَتَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا، وَيَلُفَّانِ خِرْقَةً وَلَا مَسَّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْوَطْءِ مِنْ التَّمَتُّعَاتِ فَغُسْلُهَا أَوْلَى أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا لَمْسُهَا وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غُسْلُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْغُسْلِ لَيْسَ لِمَا ذُكِرَ بَلْ لِتَحْرِيمِ الْبُضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَهِيَ كَالْمُعْتَدَّةِ بِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْبُضْعِ وَتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِأَجْنَبِيٍّ (وَ) يُغَسِّلُ (زَوْجَتَهُ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ ذِمِّيَّةً وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ. قَالَ شَيْخِي: وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «إذَا كُنْتَ تُصْبِحُ عَرُوسًا» (وَهِيَ) تُغَسِّلُ (زَوْجَهَا) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، «وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا نِسَاؤُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَيَلُفَّانِ) نَدْبًا: أَيْ السَّيِّدُ فِي تَغْسِيلِ أَمَتِهِ، وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي تَغْسِيلِ الْآخَرِ (خِرْقَةً) عَلَى يَدِهِمَا (وَلَا مَسَّ) وَاقِعٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْتَقِضَ وُضُوءُ الْغَاسِلِ فَقَطْ. أَمَّا وُضُوءُ الْمَغْسُولِ فَلَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، نَعَمْ الْمُطَلَّقَةُ وَلَوْ رَجْعِيَّةً لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا غُسْلُ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَفِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ الْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لَا يُغَسِّلُ الْآخَرَ كَمَا لَا يُغَسِّلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَدَّةَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ جَعَلُوهَا كَالْمُكَاتَبَةِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَلَا مَنْعَ مِنْ الْغُسْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمُكَاتَبَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعْتَدَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) هَا (إلَّا أَجْنَبِيٌّ أَوْ) لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا (أَجْنَبِيَّةٌ يُمِّمَ) أَيْ الْمَيِّتُ وُجُوبًا (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ أَيْضًا إنْ كَانَتْ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ إزَالَتَهَا لَا بُدَّ لَهَا بِخِلَافِ غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ إزَالَتِهَا كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يُغَسَّلُ الْمَيِّتُ فِي ثِيَابِهِ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ حَضَرَ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ كَافِرٌ وَمُسْلِمَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ غَسَّلَهُ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ إلَيْهِ دُونَهَا وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمَةُ، وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُشْتَهَى يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِحِلِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لَهُ وَالْخُنْثَى الْكَبِيرُ الْمُشْكِلُ يُغَسِّلُهُ الْمَحَارِمُ مِنْهُمَا، فَإِنْ فُقِدُوا غَسَّلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلْحَاجَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمُقْتَضَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ وَيُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنَّهُ هُنَا يُحْتَمَلُ الِاتِّحَادُ فِي جِنْسِ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَيُفَارِقُ ذَلِكَ أَخْذَهُمْ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ فِي النَّظَرِ بِأَنَّهُ هُنَا مَحَلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ، وَبِهَا قَرَابَاتُهَا، وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ، وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ، ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ. قُلْتُ: إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] حَاجَةٍ (وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ) أَيْ الرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَقَارِبِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهِ (أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُمْ فِي الْفَرْعِ الْآتِي، ثُمَّ الزَّوْجَةُ بَعْدَهُمْ فِي الْأَصَحِّ، نَعَمْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ هُنَا وَفِي الدَّفْنِ (وَ) أَوْلَى النِّسَاءِ (بِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ فِي غُسْلِهَا إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَقَارِبِهَا مَنْ يَصْلُحُ لِغُسْلِهَا (قَرَابَاتُهَا) مِنْ النِّسَاءِ مَحَارِمَ كُنَّ كَالْبِنْتِ أَوْ لَا كَبِنْتِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهِنَّ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ ذَوُو قَرَابَتِي وَلَا تَقُولُ هُمْ قَرَابَتِي، وَلَا هُمْ قَرَابَاتِي؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا وَالْعَامَّةُ تَقُولُ ذَلِكَ (وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى أَلْيَقُ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرْنَ إلَيْهِ مِنْهَا (وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشَدُّ فِي الشَّفَقَةِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَالَّتِي فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ أَوْلَى كَالْعَمَّةِ مَعَ الْخَالَةِ، ثُمَّ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ غَيْرُ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ الْعَمِّ الْبَعِيدَةُ إذَا كَانَتْ أُمًّا أَوْ أُخْتًا مِنْ الرَّضَاعِ مَثَلًا عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ الْقَرِيبَةِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرُوا الرَّضَاعَ هَاهُنَا بِالْكُلِّيَّةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَوَاتُ الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا مَحَارِمَ الرَّضَاعِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَدَّمْنَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ اهـ. وَبَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَزَادَ مَحَارِمَ الْمُصَاهَرَةِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَقْدِيمُ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ عَلَى مَحَارِمِ الْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ (الْأَجْنَبِيَّةُ) ؛ لِأَنَّهَا أَلْيَقُ (ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ عَلَيْهَا وَيَطَّلِعُونَ غَالِبًا عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْغَيْرُ (قُلْتُ: إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ (فَكَالْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ لَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نَظَرُهَا وَلَا الْخَلْوَةُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ) أَيْ رِجَالِ الْقَرَابَةِ الْمَحَارِمِ (الزَّوْجُ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وَالثَّانِي: يُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَدُومُ وَالنِّكَاحَ يَنْتَهِي بِالْمَوْتِ، وَكُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ شَرْطُهُ الْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا لِلْمَيِّتِ، وَلِمَنْ قُدِّمَ فِي الْغُسْلِ تَفْوِيضُهُ لِغَيْرِهِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَلَيْسَ لِرَجُلٍ تَفْوِيضُهُ لِامْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ، وَأَقَارِبُ الْكَافِرِ الْكُفَّارُ أَوْلَى بِهِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُفْصِحٍ عَنْ تَرْتِيبِ الزَّوْجِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، إذْ أَوَّلُ كَلَامِهِ يُفْهِمُ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُقَدَّمْنَ أَيْ الْقَرَابَاتُ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ ثُمَّ الْأَجْنَبِيَّةُ لِكَوْنِهِ حُكِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا، وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ، وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا،   [مغني المحتاج] الْخِلَافُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَرَابَاتِ وَذِكْرُهُ قَبْلَ ذِكْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ أَيْ عَلَى رِجَالِ الْقَرَابَةِ يُفْهِمُ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَالْمَنْقُولُ تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيَّاتِ عَلَيْهِ (وَلَا يَقْرَبُ الْمُحْرِمُ طِيبًا) إذَا مَاتَ أَيْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهُ وَطَرْحُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ كَمَا لَا يُجْعَلُ فِيهِ كَفَنُهُ كَمَا مَرَّ (وَلَا يُؤْخَذُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ) أَيْ يَحْرُمُ إزَالَةُ ذَلِكَ مِنْهُ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَلَا فِدْيَةَ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي أَعْتَقِدُهُ إيجَابُهَا عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا لَوْ حَلَقَ شَعْرَ نَائِمٍ اهـ. وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّائِمَ بِصَدَدِ عَوْدِهِ إلَى الْفَهْمِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى تَكْلِيفِهِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ أَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَلَا بَأْسَ بِالتَّبَخُّرِ عِنْدَ غُسْلِهِ كَجُلُوسِ الْحَيِّ عِنْدَ الْعَطَّارِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُحْلَقُ رَأْسُهُ إذَا مَاتَ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ (وَتُطَيَّبُ الْمُعْتَدَّةُ) الْمُحَدَّةُ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لَا يَحْرُمُ تَطْيِيبُهَا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطِّيبِ عَلَيْهَا إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّجَالِ وَلِلتَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ زَالَا بِالْمَوْتِ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ قِيَاسًا عَلَى الْمُحْرِمِ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْمُحْرِمِ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ) الْمَيِّتِ (الْمُحْرِمِ أَخْذُ ظُفْرِهِ وَشَعْرِ إبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَشَارِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ كَالرُّويَانِيِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَوْ الْكَثِيرِينَ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَالْحَيِّ، وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَى الْبَلَاءِ (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَهُوَ مُحْدَثٌ. وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ كَرَاهَتَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَهُوَ قَوْلٌ جَدِيدٌ، وَلِذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْأَظْهَرِ الْمُفِيدِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ جَدِيدٌ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُخْتَنُ إذَا كَانَ أَقْلَفَ، وَفِي وَجْهٍ يُخْتَنُ إنْ كَانَ بَالِغًا، وَفِي وَجْهٍ يُخْتَنُ مُطْلَقًا. . [فَصْلٌ فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ] (فَصْلٌ) فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ (يُكَفَّنُ) بَعْدَ غُسْلِهِ (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ مَا يَجُوزُ (لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا) مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ،   [مغني المحتاج] وَالْخُنْثَى إذَا وُجِدَ غَيْرُهُمَا. وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ بِالْحَرِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوْجَهُ الْمَنْعُ، وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ فِي الشَّهِيدِ أَنَّهُ يُكَفَّنُ بِهِ إذَا قُتِلَ وَهُوَ لَابِسُهُ بِشَرْطِهِ أَيْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْحَرْبِ، وَلَا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ فِي مُتَنَجِّسٍ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا وَهُنَاكَ طَاهِرٌ وَإِنْ جَازَ لَهُ لُبْسُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ الطَّاهِرُ حَرِيرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي. قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمُصَلِّي، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ: إنَّ النَّجِسَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي التَّطْيِينُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي فِي السُّتْرَةِ فِي الْحَيَاةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمُحَدَّةِ فِيمَا حَرُمَ عَلَيْهَا لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي إبَاحَةِ الطِّيبِ لَهَا (وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ) وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ، وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ: وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (وَلَا تُنَفَّذُ) بِالتَّشْدِيدِ (وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ الثَّوْبِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِث، وَلَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ، وَيَجِبْ تَكْفِينُهُ بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ اهـ. وَهَلْ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الثَّانِي؟ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ مَكْرُوهَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ لَا تَنْفُذُ وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَقَيْسُ: أَيْ فَيَجِبُ أَنْ يُكَفَّنَ بِثَلَاثَةٍ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَالْوَرَثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ. . أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى زِيَادَةِ السَّتْرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ سَاتِرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَلَهَا خَمْسَةٌ، وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ، وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ، وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ: فَإِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ، وَيُسَنُّ الْأَبْيَضُ، وَمَحَلُّهُ   [مغني المحتاج] تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَفَارَقَ الْغَرِيمَ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا، هَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ. أَمَّا إذَا كُفِّنَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مَنْ يُجَهِّزُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَبَيْتِ مَالٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ، بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ. قَالَ: وَيَكُونُ سَابِغًا وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْأُمُورِ الْمُسْتَحَبَّةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَيَكُونُ سَابِغًا أَنَّهُ يُعْطَى ثَوْبًا سَاتِرًا لِلْبَدَنِ وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ (وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ) أَيْ الذَّكَرِ بَالِغًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مُحْرِمًا (ثَلَاثَةٌ) «لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَسُحُولٌ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ، لَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (رَابِعٌ وَخَامِسٌ) ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَفَّنَ ابْنًا لَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِحُرْمَتِهَا وَبَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي وَرَثَةٍ مُتَبَرِّعِينَ وَرَضُوا بِهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَلَا (وَ) الْأَفْضَل (لَهَا) وَلِلْخُنْثَى (خَمْسَةٌ) مِنْ الْأَثْوَابِ لِزِيَادَةِ السَّتْرِ فِي حَقِّهِمَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَمَنْ كُفِّنَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَالْخُنْثَى مُلْحَقٌ بِهَا كَمَا مَرَّ (بِثَلَاثَةٍ فَهِيَ) كُلُّهَا (لَفَائِفٌ) مُتَسَاوِيَةٌ طُولًا وَعَرْضًا يَعُمُّ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ غَيْرَ رَأْسِ الْمُحْرِمِ وَوَجْهِ الْمُحْرِمَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقِيلَ تَكُونُ مُتَفَاوِتَةً، فَالْأَسْفَلُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِزَارِ. وَالثَّانِي مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ، وَالثَّالِثُ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ (وَإِنْ كُفِّنَ) ذَكَرٌ (فِي خَمْسَةٍ زِيدَ قَمِيصٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (وَعِمَامَةٌ تَحْتَهُنَّ) أَيْ اللَّفَائِفِ اقْتِدَاءً بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. أَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ لَا يُلْبَسُ مَخِيطًا (وَإِنْ كُفِّنَتْ) أَيْ امْرَأَةٌ (فِي خَمْسَةٍ فَإِزَارٌ) أَوَّلًا، وَمَرَّ تَعْرِيفُهُ، وَيُقَالُ لَهُ مِئْزَرٌ أَيْضًا (وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ (وَقَمِيصٌ) قَبْلَ الْخِمَارِ (وَلِفَافَتَانِ) بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفَّنَ فِيهَا ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثُ لَفَائِفَ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ) فَاللِّفَافَةُ الثَّالِثَةُ بَدَلُ الْقَمِيصِ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ لَهَا كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ، وَالْقَمِيصُ لَمْ يَكُنْ فِي كَفَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيُسَنُّ) الْكَفَنُ (الْأَبْيَضُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَغْسُولَ مِنْهُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ (وَمَحَلُّهُ) أَيْ الْكَفَنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ: وَكَذَا الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُبْسَطُ أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ، وَأَوْسَعُهَا، وَالثَّانِيَةُ فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ، وَيُذَرُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ حَنُوطٌ   [مغني المحتاج] كَبَقِيَّةِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ (أَصْلُ التَّرِكَةِ) كَمَا سَيَأْتِي أَوَّلَ الْفَرَائِضِ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ فَيُقَدَّمَ عَلَيْهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَنْ لِزَوْجِهَا مَالٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَكَفَنُهَا عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ الْآتِي. وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي، وَقَالَ الْبَعْضُ: مِنْ التَّرِكَةِ. كُفِّنَ مِنْهَا دَفْعًا لِلْمِنَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَيِّتِ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ تَرِكَةٌ فَعَلَى (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ قَرِيبٍ) أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ لِعَجْزِهِ بِالْمَوْتِ (وَسَيِّدٍ) فِي رَقِيقِهِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْحَيَاةِ فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَلِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِ الْمُكَاتَبِ (وَكَذَا) مَحَلُّ الْكَفَنِ أَيْضًا (الزَّوْجُ) الْمُوسِرُ الَّذِي يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا فَعَلَيْهِ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَعَ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهَا وَتَجْهِيزِ خَادِمِهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ الْقَرِيبَ وَالسَّيِّدَ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَتُهُ مُوسِرَةً أَمْ لَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ جُمْلَةَ وَكَذَا الزَّوْجُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَمَحَلُّهُ أَصْلُ التَّرِكَةِ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَنِ عَلَى الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ تَرِكَةٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ التَّمْكِينِ الْمُقَابِلِ لِلنَّفَقَةِ، وَلَوْ مَاتَتْ الْبَائِنُ الْحَامِلُ فَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ وُجُوبَ التَّكْفِينِ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنْ قُلْنَا لِلْحَمْلِ فَلَا، أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَصَغِيرَةٍ وَنَاشِزَةٍ فَمَا ذُكِرَ فِي تَرِكَتِهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَالٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِذَلِكَ كُمِّلَ مِنْ مَالِهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجَهَّزَ الزَّوْجَةَ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ فَعَلُوهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ مَاتَتْ زَوْجَاتُهُ دُفْعَةً بِنَحْوِ هَدْمٍ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا كَفَنًا فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُنَّ أَوْ تُقَدَّمُ الْمُعْسِرَةُ، أَوْ مَنْ يُخْشَى فَسَادُهَا، أَوْ مُتْنَ مُرَتَّبًا هَلْ تُقَدَّمُ الْأُولَى أَوْ الْمُعْسِرَةُ أَوْ يُقْرَعُ؟ احْتِمَالَاتٌ أَقْرَبُهَا أَوَّلُهَا فِيهِمَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ، وَلَا كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ مِنْ كَفَنٍ وَغَيْرِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ فِي الْحَيَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ التَّكْفِينِ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ غَيْرُهُ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ، وَفِيهِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ: وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ بِهِ إلَّا ثَوْبٌ مَعَ مَالِكٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِالْقِيمَةِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، زَادَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمَجَّانًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَهُ لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ وَلَا بَدَلَ يُصَارُ إلَيْهِ (وَ) إذَا وَقَعَ التَّكْفِينُ فِي اللَّفَائِفِ الثَّلَاثِ وَوَقَعَ فِيهَا تَفَاوُتٌ (يُبْسَطُ) أَوَّلًا (أَحْسَنُ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعُهَا) وَأَطْوَلُهَا (وَالثَّانِيَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى فِي ذَلِكَ (فَوْقَهَا وَكَذَا الثَّالِثَةُ) فَوْقَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يَجْعَلُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا، فَلِهَذَا بُسِطَ الْأَحْسَنُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى كُلِّ الْكَفَنِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْسَعَ فَلِإِمْكَانِ لَفِّهِ عَلَى الضَّيِّقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَيَذَرُ) بِالْمُعْجَمَةِ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ (عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ اللَّفَائِفِ قَبْلَ وَضْعِ الْأُخْرَى (حَنُوطٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَيُقَالُ لَهُ الْحِنَاطُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وَكَافُورٌ، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ، وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ، وَيُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ وَتُشَدُّ، فَإِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ، وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ.   [مغني المحتاج] الطِّيبِ يُجْعَلُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَافُورِ وَالصَّنْدَلِ وَذَرِيرَةِ الْقَصَبِ، قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كُلُّ طِيبٍ خُلِطَ لِلْمَيِّتِ (وَكَافُورٌ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْجُزْءُ الْأَعْظَمُ مِنْ الطِّيبِ لِتَأَكُّدِ أَمْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ زِيَادَتُهُ عَلَى مَا يُجْعَلُ فِي أُصُولِ الْحَنُوطِ، وَنَصَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِكْثَارِ مِنْهُ فِيهِ، بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطَيَّبَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالْكَافُورِ؛ لِأَنَّهُ يُقَوِّيهِ وَيَشُدُّهُ، وَلَوْ كُفِّنَ فِي خَمْسَةٍ جُعِلَ بَيْنَ كُلِّ ثَوْبَيْنِ حَنُوطٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا) أَيْ اللَّفَائِفِ بِرِفْقٍ (مُسْتَلْقِيًا) عَلَى قَفَاهُ وَهَلْ تُجْعَلُ يَدَاهُ عَلَى صَدْرِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسَلَانِ فِي جَنْبِهِ؟ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْ ذَلِكَ حَسَنٌ مُحَصِّلٌ لِلْغَرَضِ (وَعَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُ الْهَوَامَّ وَيَشُدُّ الْبَدَنَ وَيُقَوِّيهِ كَمَا مَرَّ، وَيُسَنُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ بِنَحْوِ عُودٍ أَوَّلًا (وَيُشَدُّ أَلْيَاهُ) بِخِرْقَةٍ بَعْدَ دَسِّ قُطْنٍ حَلِيجٍ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ بَيْنَ أَلْيَيْهِ حَتَّى يَصِلَ لِحَلَقَةِ الدُّبُرِ فَيَسُدَّهَا، وَيُكْرَهُ إيصَالُهُ دَاخِلَ الْحَلَقَةِ، وَتَكُونُ الْخِرْقَةُ مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ، وَتُجْعَلُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ (وَيُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ) مِنْ أُذُنَيْهِ وَمَنْخِرَيْهِ وَعَيْنَيْهِ، وَعَلَى أَعْضَاءِ سُجُودِهِ كَجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ (قُطْنٌ) عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ لِيُخْفِيَ مَا عَسَاهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وَيَدْفَعَ عَنْهُ الْهَوَامَّ (وَيُلَفُّ عَلَيْهِ) بَعْدَ ذَلِكَ (اللَّفَائِفُ) بِأَنْ يُثْنِيَ الطَّرَفَ الْأَيْسَرَ ثُمَّ الْأَيْمَنَ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ، وَيَجْمَعَ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَيَكُونُ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ (وَتُشَدُّ) عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ بِشِدَادٍ لِئَلَّا تَنْتَشِرَ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِعَقْدِ الْإِزَارِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا أَنْ يُكْرَى لِلْمَيِّتِ مِنْ الثِّيَابِ مَا فِيهِ زِينَةٌ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ (فَإِذَا وُضِعَ) الْمَيِّتُ (فِي قَبْرِهِ نُزِعَ الشِّدَادُ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يُلْبَسُ الْمُحْرِمُ الذَّكَرُ مَخِيطًا) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ لُبْسُهُ (وَلَا يُسْتَرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُ الْمُحْرِمَةِ) أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ إبْقَاءً لِأَثَرِ الْإِحْرَامِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ كَفَنُهُ فَفِي التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ أَكَانَ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ أَمْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، وَفِي الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَقُسِّمَتْ التَّرِكَةُ ثُمَّ سُرِقَ كَفَنُهُ اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُمْ ثَانِيًا لَلَزِمَهُمْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ وَلَا يُسَنُّ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَى اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ أَوْ أَثَرِ ذِي صَلَاحٍ فَحَسَنٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِعْلُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ، بَلْ لِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْمَنْعَ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُعِدَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ، وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ، وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا أَفْضَلُ،   [مغني المحتاج] لِنَفْسِهِ قَبْرًا يُدْفَنُ فِيهِ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا. . ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَقَالَ (وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ فِي الْأَصَحِّ) لِحَمْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَحَمْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْأَوَّلُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَالثَّانِي التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَصْوَنُ لِلْمَيِّتِ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ، وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ لِحُصُولِ الْمَقْصُود بِكُلٍّ مِنْهُمَا، هَذَا إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَّةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ) أَيْ الْعَمُودَيْنِ (عَلَى عَاتِقِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقِيلَ مُؤَنَّثٌ (وَرَأْسَهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ) الْخَشَبَتَيْنِ (الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ) أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤَخَّرَتَانِ لِرَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا كَانَ وَجْهُهُ إلَى الْمَيِّتِ فَلَا يَنْظُرُ إلَى الطَّرِيقِ وَإِنْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَامِلًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَيُؤَدِّي إلَى ارْتِفَاعِ مُؤَخِّرَةِ النَّعْشِ وَتَنَكُّسِ الْمَيِّتِ عَلَى رَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْحَمْلِ أَعَانَهُ اثْنَانِ بِالْعَمُودَيْنِ وَيَأْخُذُ اثْنَانِ بِالْمُؤَخَّرَتَيْنِ فِي حَالَتَيْ الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ، فَحَامِلُوهُ بِلَا عَجْزٍ ثَلَاثَةٌ وَبِهِ خَمْسَةٌ فَإِنْ عَجَزُوا فَسَبْعَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وِتْرًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ حَمْلَهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ فَقَالَ (وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ) يَضَعُ أَحَدُهُمَا الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ عَكْسُهُ (وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ) يَحْمِلَانِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْحَامِلُونَ أَرْبَعَةً، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ الْكَيْفِيَّةُ بِالتَّرْبِيعِ، فَإِنْ عَجَزَ الْأَرْبَعَةُ عَنْهَا حَمَلَهَا سِتَّةٌ أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يَحْمِلُ مِنْ جَوَانِبِ السَّرِيرِ أَوْ يُزَادُ أَعْمِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ تَحْتَ الْجِنَازَةِ كَمَا فُعِلَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ جَسِيمًا. وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَإِنْ حَمَلَهُ وَاحِدٌ جَازَ إذْ لَا إزْرَاءَ فِيهِ. وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِالْحَمْلِ بِالْهَيْئَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْعَمُودَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى كَتِفَيْهِ، ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَأْخُذَ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ، أَوْ بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ لِئَلَّا يَمْشِيَ خَلْفَهَا فَيَبْدَأَ بِالْأَيْمَنِ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا كَذَلِكَ أَوْ بِالْهَيْئَتَيْنِ فِيمَا أَتَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَيَحْمِلُ الْمُقَدَّمُ عَلَى كَتِفَيْهِ مُؤَخَّرًا أَوْ مُقَدَّمًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ (وَالْمَشْيُ) لِلْمُشَيِّعِ لَهَا وَكَوْنُهُ (أَمَامَهَا) أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ وَحَقُّ الشَّفِيعِ أَنْ يَتَقَدَّمَ. وَأَمَّا خَبَرُ «امْشُوا خَلْفَ الْجِنَازَةِ» فَضَعِيفٌ وَكَوْنُهُ (بِقُرْبِهَا) وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ بِحَيْثُ يَرَاهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا (أَفْضَلُ) مِنْهُ بَعِيدًا بِأَنْ لَا يَرَاهَا لِكَثْرَةِ الْمَاشِينَ مَعَهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وَيُسْرَعُ بِهَا إنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ. فَصْلٌ لِصَلَاتِهِ أَرْكَانٌ: أَحَدُهَا النِّيَّةُ، وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ، وَقِيلَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ،   [مغني المحتاج] فَإِنْ بَعُدَ عَنْهَا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّابِعُونَ كَثِيرِينَ حَصَلَتْ الْفَضِيلَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالْمَاشِي، وَهُوَ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ مِنْ أَنَّ الرَّاكِبَ يَكُونُ خَلْفَهَا بِالِاتِّفَاقِ تَبِعَ فِيهِ الْخَطَّابِيَّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ خَطَأٌ وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ أَصْلِ الْمُتَابَعَةِ وَفَاتَهُ كَمَالُهَا، وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ يُكْرَهْ، ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَامَ حَتَّى تُوضَعُ الْجِنَازَةُ وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ، وَيُكْرَهُ رُكُوبُهُ فِي ذَهَابِهِ مَعَهَا لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى نَاسًا رُكَّابًا فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ: أَلَا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ. أَمَّا مَنْ بِهِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ فَلَا، وَلَا كَرَاهَةَ فِي الرُّكُوبِ فِي الْعَوْدِ (وَيُسْرَعُ بِهَا) نَدْبًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» هَذَا (إنْ لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ بِالْإِسْرَاعِ وَإِلَّا فَيُتَأَنَّى بِهِ، وَالْإِسْرَاعُ فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَدُونَ الْخَبَبِ لِئَلَّا تَنْقَطِعَ الضُّعَفَاءُ، فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأَنِّي زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ، وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ الذَّهَابَ مَعَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا وَيُثْنِيَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ رَأَى جِنَازَةً فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، هَذَا مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ زِدْنَا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً» . . [فَصْلٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ] [فَصْلٌ] فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ، وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. قَالَ: وَكَذَا الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ (لِصَلَاتِهِ أَرْكَانٌ) سَبْعَةٌ (أَحَدُهَا النِّيَّةُ) كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَوَقْتُهَا كَغَيْرِهَا) أَيْ كَوَقْتِ نِيَّةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي وُجُوبِ قَرْنِ النِّيَّةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (وَتَكْفِي) فِيهَا (نِيَّةُ) مُطْلَقِ (الْفَرْضِ) مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْكِفَايَةِ كَمَا تَكْفِي النِّيَّةُ فِي إحْدَى الْخَمْسِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِفَرْضِ الْعَيْنِ (وَقِيلَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ فَرْضِ كِفَايَةٍ) لِيَتَمَيَّزَ عَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْوَجْهَ فِيمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ بَطَلَتْ، وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَاهُمْ. الثَّانِي: أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ، فَإِنْ خَمَّسَ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ خَمَّسَ إمَامُهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ، الثَّالِثُ: السَّلَامُ كَغَيْرِهَا.   [مغني المحتاج] وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَيِّتِ) الْحَاضِرِ بِاسْمِهِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلَا مَعْرِفَتِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَأَمَّا تَعْيِينُهُ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَأُصَلِّي عَلَى هَذَا، أَوْ الْحَاضِرِ، أَوْ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. أَمَّا الْغَائِبُ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالْقَلْبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَعُزِيَ إلَى الْبَسِيطِ (فَإِنْ عَيَّنَ) الْمَيِّتَ الْحَاضِرَ أَوْ الْغَائِبَ كَأَنْ صَلَّى عَلَى زَيْدٍ أَوْ الْكَبِيرِ أَوْ الذَّكَرِ مِنْ أَوْلَادِهِ (وَأَخْطَأَ) فَبَانَ عَمْرًا أَوْ الصَّغِيرَ أَوْ الْأُنْثَى (بَطَلَتْ) أَيْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ (وَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَاهُمْ) أَيْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَلَوْ صَلَّى عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي كَذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ. قَالَ: وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ فَبَانُوا أَحَدَ عَشَرَ أَعَادَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَمِيع؛ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ فَبَانُوا عَشَرَةً فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ. وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَوَّلًا، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى حَيٍّ وَمَيِّتٍ صَحَّتْ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا سَيَأْتِي (الثَّانِي) مِنْ الْأَرْكَانِ (أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (فَإِنْ خَمَّسَ) عَمْدًا (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِثُبُوتِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، لَكِنْ الْأَرْبَعُ أَوْلَى لِتَقَرُّرِ الْأَمْرِ عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ؛ وَلِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَزِيَادَةُ الذِّكْرِ لَا تَضُرُّ، وَالثَّانِي تَبْطُلُ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رُكْنٍ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَأَجْرَى جَمَاعَةٌ الْخِلَافَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَتَشْبِيهُ التَّكْبِيرَةِ بِالرَّكْعَةِ فِيمَا يَأْتِي مَحَلُّهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ فِي الْمُتَابَعَةِ فَقَطْ لِتَأَكُّدِهَا. نَعَمْ لَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ عَمْدًا مُعْتَقِدًا بِهِ الْبُطْلَانَ بَطَلَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ. أَمَّا إذَا كَانَ سَاهِيًا فَلَا تَبْطُلُ جَزْمًا، وَلَا سُجُودَ لِسَهْوٍ فِيهَا، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلسُّجُودِ فِيهَا (وَلَوْ خَمَّسَ) أَيْ كَبَّرَ (إمَامُهُ) فِي صَلَاةٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ، وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ (لَمْ يُتَابِعْهُ) الْمَأْمُومُ أَيْ لَا تُسَنُّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الزَّائِدِ (فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ بِالْمَذْهَبِ لِعَدَمِ سَنِّهِ لِلْإِمَامِ (بَلْ يُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ) وَهُوَ أَوْلَى لِتَأَكُّدِ الْمُتَابَعَةِ، وَالثَّانِي يُتَابِعُهُ لِمَا ذَكَرَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فَارَقَهُ جَزْمًا، وَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الصَّوَابُ أَنَّهُ فِي الْجَوَازِ قَالَ شَيْخُنَا مَمْنُوعٌ (الثَّالِثُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (السَّلَامُ) بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ فِيهَا (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَسَلَامِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 الرَّابِعُ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الْأُولَى. قُلْتُ: تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، الْخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ، السَّادِسُ: الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ.   [مغني المحتاج] غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَتَعَدُّدِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ سَنِّ زِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يُسَنُّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْتَفِتُ فِي السَّلَامِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَة يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَشْهَرُ (الرَّابِعُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ) كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلِعُمُومِ خَبَرِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ " قَرَأَ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَجَهَرَ بِهَا، وَقَالَ: إنَّمَا جَهَرْتُ بِهَا لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ " وَمَحَلُّهَا (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى) وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التِّبْيَانِ. (قُلْتُ: تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ بَعْدَ غَيْرِ الْأُولَى) مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ إخْلَاءُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الْقِرَاءَةِ اهـ. وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي قُرِئَتْ الْفَاتِحَةُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهَا فِي رُكْنٍ وَبَعْضَهَا آخَرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَمْ تَثْبُتْ، وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا بَدَلُهَا (الْخَامِسُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَحَلُّهَا (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ) وَقَبْلَ الثَّالِثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ تَصْرِيحِ السَّرَخْسِيِّ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى. وَأَقَلُّهَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ (وَالصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمَجْمُوعِ (أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ) فِيهَا كَغَيْرِهَا وَأَوْلَى لِبِنَائِهَا عَلَى التَّخْفِيفِ، بَلْ تُسَنُّ كَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ عَقِبَهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجِبُ تَرْتِيبٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالْحَمْدِ لَكِنَّهُ أَوْلَى كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. (السَّادِسُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ) بِخُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمَا قَبْلَهُ مُقَدِّمَةٌ لَهُ. وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ «إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ» فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. وَقِيلَ: يَكْفِي وَيَنْدَرِجُ فِيهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الدُّعَاءُ مُطْلَقًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَاجِبُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ: كَاللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ. وَأَمَّا الْأَكْمَل فَسَيَأْتِي. وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: الْأَشْبَهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ الدُّعَاءُ لَهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَالَ الْغَزِّيُّ: بَاطِلٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ) وَقِيلَ: الرَّابِعَةِ وَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 السَّابِعُ: الْقِيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ قَدَرَ، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ يَجْهَرُ لَيْلًا، وَالْأَصَحُّ نَدْبُ التَّعَوُّذِ دُونَ الِافْتِتَاحِ، وَيَقُولُ فِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ إلَى آخِرِهِ،   [مغني المحتاج] خِلَافٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ الِاتِّبَاعِ اهـ. وَلَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَة ذِكْرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَلَكِنْ يُنْدَبُ كَمَا سَيَأْتِي (السَّابِعُ) مِنْ الْأَرْكَانِ (الْقِيَامُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ قَدَرَ) عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ الْأَعْيَانِ وَقِيلَ: إنْ تَعَيَّنَتْ وَجَبَ الْقِيَامُ، وَإِلَّا فَلَا (وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَاتِ) فِيهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَوَضْعُهُمَا بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ تَحْتَ صَدْرِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (وَإِسْرَارُ الْقِرَاءَةِ) لِلْفَاتِحَةِ وَلَوْ لَيْلًا لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: مِنْ السُّنَّةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ، ثُمَّ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ مَخَافَتَهُ. ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُخْلِصَ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَيُسَلِّمَ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَكَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ بِجَامِعِ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ السُّورَةِ. وَمَا تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ خَبَرَ أَبِي أُمَامَةَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: إنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَعْنِي لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَأْمُورٌ بِهَا (وَقِيلَ يَجْهَرُ لَيْلًا) أَيْ بِالْفَاتِحَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ. أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ فَيُنْدَبُ الْإِسْرَارُ بِهِمَا اتِّفَاقًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ وَالسَّلَامِ فَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْقِرَاءَةَ: أَيْ الْفَاتِحَةَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ (وَالْأَصَحُّ نَدْبُ التَّعَوُّذِ) ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَاسْتُحِبَّ كَالتَّأْمِينِ؛ وَلِأَنَّهُ قَصِيرٌ، وَيُسَرُّ بِهِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (دُونَ الِافْتِتَاحِ) لِطُولِهِ وَالثَّانِي يُسْتَحَبَّانِ كَالتَّأْمِينِ. وَالثَّالِث: لَا يُسْتَحَبَّانِ لِطُولِهِمَا، بِخِلَافِ التَّأْمِينِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَا تُسَنُّ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَيَقُولُ) نَدْبًا (فِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ إلَى آخِرِهِ) الْمَذْكُورَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَاقِيَهُ اسْتِغْنَاءً بِشُهْرَتِهِ، وَلَكِنْ نَذْكُرُ تَتِمَّتَهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَهِيَ: خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ نَسِيمِ رِيحِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا: أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ، إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ كَأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ: أَيْ هُوَ ضَيْفُكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ، وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ أَيْ أَعْطِهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. جَمَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ، وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضَةِ وَمَحْبُوبِهَا، وَكَذَا هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ: وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ بِالْجَرِّ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا: اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَقُولُ فِي الطِّفْلِ مَعَ هَذَا الثَّانِي: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا،   [مغني المحتاج] بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ» قَالَ عَوْفٌ: فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَيِّتُ، هَذَا فِي الْبَالِغِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى عَبَّرَ بِالْأَمَةِ وَأَنَّثَ مَا يَعُودُ عَلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَّرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْمُتَّجَهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَابْنُ أَمَتِكَ اهـ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَيِّتَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّمَائِرِ مُذَكَّرَةً عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ أَوْ الْمَيِّتِ وَمُؤَنَّثَةً عَلَى إرَادَةِ لَفْظِ الْجِنَازَةِ وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَمْعٍ مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَسَيَأْتِي مَا يُقَالُ فِيهِ (وَيُقَدِّمُ) نَدْبًا (عَلَيْهِ) أَيْ الدُّعَاءِ السَّابِقِ « (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا: اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَزَادَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ» وَقُدِّمَ هَذَا لِثُبُوتِ لَفْظِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَتَضَمُّنِهِ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَعْضَهُ مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى وَبَعْضَهُ بِاللَّفْظِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الدُّعَاءَيْنِ الْمُحَرَّرُ وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ (وَيَقُولُ) نَدْبًا (فِي) الْمَيِّتِ (الطِّفْلِ) أَوْ الطِّفْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ (مَعَ هَذَا) الدُّعَاءِ (الثَّانِي) فِي كَلَامِهِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ) أَيْ الْمَيِّتَ بِقِسْمَيْهِ (فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ) أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا مَصَالِحَهُمَا فِي الْآخِرَةِ (وَسَلَفًا وَذُخْرًا) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ ذَخَرَهُ: كَمَنَعَهُ ذُخْرًا بِالضَّمِّ: ادَّخَرَهُ وَاخْتَارَهُ وَاتَّخَذَهُ (وَعِظَةً) هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَوْعِظَةً، أَوْ اسْمُ الْفَاعِلِ: أَيْ وَاعِظًا (وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَلَى هَذَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ، وَيُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى مَا مَرَّ، وَيَشْهَدُ لِلدُّعَاءِ لَهُمَا مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ «وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ» فَيَكْفِي هَذَا الدُّعَاءُ لِلطِّفْلِ وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ: إنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُخَصَّ بِهِ كَمَا مَرَّ لِثُبُوتِ النَّصِّ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ. وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ بِخُصُوصِهِ كَفَى، فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي بُلُوغِ الْمُرَاهِقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَيُخَصِّصَهُ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَهَذَا أَوْلَى. قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 وَيَقُولُ فِي الرَّابِعَةُ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ، وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إمَامُهُ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْفَاتِحَةِ كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَبَّرَهَا وَهُوَ فِي الْفَاتِحَةِ تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا   [مغني المحتاج] الْأَذْرَعِيُّ: فَلَوْ جُهِلَ إسْلَامُهُمَا فَكَالْمُسْلِمِينَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَالدَّارِ اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَهُ عَلَى إيمَانِهِمَا خُصُوصًا فِي نَاحِيَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا الْكُفَّارُ، وَلَوْ عُلِمَ كُفْرُهُمَا كَتَبَعِيَّةِ الصِّغَارِ لِلسَّابِي حَرُمَ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَلَوْ عَلِمَ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا وَكُفْرَ الْآخَرِ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ مِمَّا مَرَّ (وَيَقُولُ) نَدْبًا (فِي) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) أَيْ بَعْدَهَا (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّهَا (أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، أَوْ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُصِيبَةِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) أَيْ بِالِابْتِلَاءِ بِالْمَعَاصِي، وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ: وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ لِثُبُوتِهِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. نَعَمْ لَوْ خَشِيَ تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أَوْ انْفِجَارَهُ لَوْ أَتَى بِالسُّنَنِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ (وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي) عَنْ إمَامِهِ بِالتَّكْبِيرِ (بِلَا عُذْرٍ فَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ إمَامُهُ) تَكْبِيرَةً (أُخْرَى) أَوْ شَرَعَ فِيهَا (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرَاتِ فَيَكُونُ التَّخَلُّفُ بِهَا فَاحِشًا كَالتَّخَلُّفِ بِالرَّكْعَةِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ حَتَّى كَبَّرَ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الرَّابِعَةِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا ذِكْرٌ فَلَيْسَتْ كَالرَّكْعَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا خِلَافًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّمْيِيزِ مِنْ الْبُطْلَانِ. فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَبُطْءِ قِرَاءَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَةٍ فَقَطْ بَلْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّخَلُّفِ بَلْ أَوْلَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي تَرْتِيبِ الْأَرْكَانِ وَإِنْ كَانَ بَحْثُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ (وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا) كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيُرَاعَى تَرْتِيبُهَا (وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْفَاتِحَةِ) بِأَنْ كَبَّرَ عَقِبَ تَكْبِيرِهِ (كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ) كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ عَقِبَ تَكْبِيرِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ (وَإِنْ كَبَّرَهَا وَهُوَ) أَيْ الْمَأْمُومُ (فِي) أَثْنَاءِ (الْفَاتِحَةِ تَرَكَهَا وَتَابَعَهُ) أَيْ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرِ (فِي الْأَصَحِّ) وَتَحَمَّلَ عَنْهُ بَاقِيَهَا كَمَا إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ وَالْمَسْبُوقُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَشْكُلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأَكْمَل قِرَاءَتُهَا فِيهَا فَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْمَسْبُوقِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَتَقَدَّمَ فِي نَظِيرِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ تَخَلَّفَ وَقَرَأَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا تَابَعَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ هُنَا. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِهِ هُنَا بِنَاءً عَلَى نَدْبِ التَّعَوُّذِ: أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَالِافْتِتَاحِ: أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ (وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ) حَتْمًا (بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا) وُجُوبًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 وَفِي قَوْلٍ لَا تُشْتَرَطُ الْأَذْكَارُ. وَيُشْتَرَطُ شُرُوطُ الصَّلَاةِ لَا الْجَمَاعَةِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ، وَقِيلَ يَجِبُ اثْنَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ،   [مغني المحتاج] فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا يَأْتِي فِي الرَّكَعَاتِ بِالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا (وَفِي قَوْلٍ لَا تُشْتَرَطُ الْأَذْكَارُ) بَلْ يَأْتِي بِبَاقِي التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ تُرْفَعُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، فَلَيْسَ الْوَقْتُ وَقْتَ تَطْوِيلٍ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ فَإِنْ اتَّفَقَ، بَقَاؤُهَا لِسَبَبٍ مَا أَوْ كَانَتْ عَلَى غَائِبٍ فَلَا وَجْهَ لِلْخِلَافِ بَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ قَطْعًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّهُ مِنْ تَفَقُّهِهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يُفْهِمُ عَدَمَ الْفَرْقِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَنُّ إبْقَاءُ الْجِنَازَةِ حَتَّى يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ صَلَاتَهُمْ، فَلَوْ رُفِعَتْ قَبْلَهُ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي سَرِيرٍ وَحَمَلَهُ إنْسَانٌ وَمَشَى بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَلَى جِنَازَةٍ يَمْشِي بِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ فَأَقَلُّ وَهُوَ مُحَاذٍ لَهَا كَالْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ جَازَ وَإِنْ بَعُدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (شُرُوطُ) غَيْرِهَا مِنْ (الصَّلَاةِ) كَسَتْرٍ وَطَهَارَةٍ وَاسْتِقْبَالٍ لِتَسْمِيَتِهَا صَلَاةً، فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلَهَا شُرُوطٌ أُخَرُ تَأْتِي كَتَقَدُّمِ غُسْلِ الْمَيِّتِ (لَا الْجَمَاعَةِ) فَلَا تُشْتَرَطُ فِيهَا كَالْمَكْتُوبَةِ بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ» وَإِنَّمَا صَلَّتْ الصَّحَابَةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُرَادَى كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِعِظَمِ أَمْرِهِ وَتَنَافُسِهِمْ فِي أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَعَيَّنَ إمَامٌ يَؤُمُّ الْقَوْمَ، فَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ فِي الصَّلَاةِ لَصَارَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَيَّنَ لِلْخِلَافَةِ، وَمَعْنَى صَلَّوْا فُرَادَى. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: أَيْ جَمَاعَاتٍ بَعْدَ جَمَاعَاتٍ. فَائِدَةٌ قِيلَ حُصِرَ الْمُصَلُّونَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا؛ لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَلَكَيْنِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ عَنْ عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ مِنْهُمْ إلَّا سِتَّةٌ اُخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ عِشْرِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَى أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ أَنَّهُ مَاتَ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا كُلُّهُمْ لَهُ صُحْبَةٌ، وَرَوَى عَنْهُ وَسَمِعَ مِنْهُ (وَيَسْقُطُ فَرْضُهَا بِوَاحِدٍ) لِحُصُولِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهِ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا كَمَا مَرَّ، فَكَذَا الْعَدَدُ كَغَيْرِهَا (وَقِيلَ يَجِبُ) لِسُقُوطِ فَرْضِهَا (اثْنَانِ) أَيْ فِعْلُهُمَا؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ (وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ (وَقِيلَ) يَجِبُ (أَرْبَعَةٌ) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِ فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ فِيهِ عَنْ أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ فِي أَقَلَّ مِنْهَا ازْدِرَاءً بِالْمَيِّتِ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى، وَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ قَوْلَانِ، وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَجْهَانِ. وَالصِّبْيَانُ الْمُمَيِّزُونَ كَالْبَالِغِينَ عَلَى اخْتِلَافِ الْوُجُوهِ، وَفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالصَّبِيِّ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِأَنَّ السَّلَامَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 وَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ،   [مغني المحتاج] كُلًّا مِنْهُمَا آمِنٌ مِنْ الْآخَرِ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ، وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَلَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَةُ فَيُصَلُّونَ فُرَادَى إنْ شَاءُوا. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ: لَوْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ عَدَدٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَقَعَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضَ كِفَايَةٍ (وَلَا يَسْقُطُ) فَرْضُ صَلَاتِهَا (بِالنِّسَاءِ وَهُنَاكَ رِجَالٌ) أَوْ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِهَانَةً بِالْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الذَّكَرِ بِالْعِبَادَةِ أَكْمَلُ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ وَهُنَاكَ ذَكَرٌ مُمَيِّزٌ؛ لَشَمِلَ مَا ذَكَرَ وَكَانَ أَخْصَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِ الذَّكَرِ وُجُودُهُ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وُجُودُهُ مُطْلَقًا وَلَا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَالثَّانِي: يَسْقُطُ بِهِنَّ الْفَرْضُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِنَّ وَجَمَاعَتِهِنَّ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَكَرٌ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَيَسْقُطُ بِهِنَّ الْفَرْضُ. قَالَ فِي الْعُدَّةِ: وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ: تُسَنُّ لَهُنَّ فِي جَمَاعَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَرْأَةِ وَهُنَاكَ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ مَعَ أَنَّهَا الْمُخَاطَبَةُ بِهِ دُونَهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يُخَاطَبُ بِشَيْءٍ وَيَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَسْقُطُ عَنْهُ الشَّيْءُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ تَقْدِيمُهُ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاتُهُنَّ مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرْنَهُ كَالْوَلِيِّ. قَالَهُ شَيْخِي. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ: إنَّ صَلَاتَهُنَّ تُجْزِئُ مَعَ وُجُودِهِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ امْتَنَعَ أَجْزَأَتْ صَلَاتُهُنَّ وَإِلَّا فَلَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَهَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صَلَاتِهِ دُونَ صَلَاتِهَا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَإِنْ صَلَّى سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَعَنْ النِّسَاءِ، وَإِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ النِّسَاءِ. وَأَمَّا عَنْ الْخُنْثَى فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَأْبَى ذَلِكَ اهـ. وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ ذُكُورَتَهُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ (وَيُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ) وَإِنْ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخْبَرَ النَّاسَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ بِمَوْتِ النَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ بِالْحَبَشَةِ» (1) . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ الْحَاضِرِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً وَتَهَاوُنًا بِالْمَيِّتِ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ السُّقُوطُ لِحُصُولِ الْفَرْضِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَوْ يَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ غُسِّلَ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. نَعَمْ إنْ عَلَّقَ النِّيَّةَ عَلَى غُسْلِهِ بِأَنْ نَوَى الصَّلَاةَ إنْ كَانَ غُسِّلَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ كَمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْأَذْرَعِيِّ. أَمَّا الْحَاضِرُ بِالْبَلَدِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إلَّا مَنْ حَضَرَ وَإِنْ كَبُرَتْ الْبَلَدُ لِتَيَسُّرِ حُضُورِهِ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ مَعَ إمْكَانِ حُضُورِهِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ الْحُضُورُ لِحَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يُبْعَدْ الْجَوَازُ كَمَا بَحَثَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ بَعْدَهُ، وَالْأَصَحُّ تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ،   [مغني المحتاج] الْأَذْرَعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِي الْمَحْبُوسِ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ السُّورِ قَرِيبًا مِنْهُ فَهُوَ كَدَاخِلِهِ. نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّهُ: أَيْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَقَابِرَ تُجْعَلُ خَارِجَ السُّورِ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ مَاتُوا فِي يَوْمِهِ أَوْ سَنَتِهِ وَغُسِّلُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُمْ جَازَ، بَلْ يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَتَعْيِينَهُمْ غَيْرُ شَرْطٍ (وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (عَلَى الدَّفْنِ) وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَإِنْ دُفِنَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ أَثِمَ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرٌ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ وَلَا يُنْبَشُ لِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَتَصِحُّ بَعْدَهُ) أَيْ الدَّفْنِ لِلِاتِّبَاعِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَقَدَّمَ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَى مَتَى يُصَلَّى عَلَيْهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا أَبَدًا، فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى الْيَوْمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ. ثَانِيهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دُونَ مَا بَعْدَهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. ثَالِثُهَا: إلَى شَهْرٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ. رَابِعُهَا مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْقَبْرِ فَإِنْ انْمَحَقَتْ أَجْزَاؤُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شُكَّ فِي الِانْمِحَاقِ فَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ. خَامِسُهَا: يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فَيَدْخُلُ الْمُمَيِّزُ عَلَى هَذَا دُونَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ (وَالْأَصَحُّ تَخْصِيصُ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ (بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ) دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا خُوطِبَ بِهِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمُتَطَوِّعٌ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَا يُتَطَوَّعُ بِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَأْتِي بِصُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ مَا قَالُوهُ يُنْقَضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَهُنَّ نَافِلَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى: أَيْ مَنْ صَلَّاهَا لَا يُعِيدُهَا: أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا وَقَعَتْ لَهُ نَافِلَةً، وَكَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الصَّلَاةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً لَا تَنْعَقِدُ. أَمَّا لَوْ صَلَّى عَلَيْهَا مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَوَّلًا فَإِنَّهَا تَقَعُ لَهُ فَرْضًا، وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اعْتِبَارِ أَهْلِيَّةِ الْفَرْضِ. قَالَ فِي الْعَزِيزِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ مَنْعُ الْكَافِرِ وَالْحَائِضِ يَوْمَئِذٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالٍ. فَرْعٌ: الْجَدِيدُ أَنَّ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَتِهَا مِنْ الْوَالِي، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ،   [مغني المحتاج] ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَرَأَى الْإِمَامُ إلْحَاقَهُمَا بِالْمُحْدِثِ وَتَبِعَهُ فِي الْوَسِيطِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاعْتِبَارُ الْمَوْتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ فَتَرَكَ الْجَمِيعُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ، بَلْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا تُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَانَ كَذَلِكَ اهـ. وَهَذَا كَلَامٌ مَتِينٌ، فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الدَّفْنِ لِئَلَّا يُرَدَّ مَا قِيلَ (وَلَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالٍ) وَاسْتَدَلَّ لَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَكْرَمُ عَلَى رَبِّي أَنْ يَتْرُكَنِي فِي قَبْرِي بَعْدَ ثَلَاثٍ» . قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيث بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، لَكِنْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ» اهـ. وَكَذَا لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا نَظَرٌ؛ وَلِأَنَّا لَمْ نَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَقْتَ مَوْتِهِمْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً. . (فَرْعٌ) : فِي بَيَانِ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: زَادَ التَّرْجَمَةَ بِهِ لِطُولِ الْفَصْلِ قَبْلَهُ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَصَ تَرْجَمَةَ التَّعْزِيَةِ بِفَصْلٍ لِقِصَرِ الْفَصْلِ قَبْلَهُ اهـ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّ تَرْجَمَةَ الْمُصَنِّفِ بِالْفَرْعِ قَدْ تَسْتَشْكِلُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ، وَهُوَ بَيَانُ أَوْلَوِيَّةِ الْوَلِيِّ لَيْسَ فَرْعًا عَمَّا قَبْلَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَيْسَ مُتَفَرِّعًا عَلَى الصَّلَاةِ (الْجَدِيدُ أَنَّ الْوَلِيَّ) أَيْ الْقَرِيبَ الذَّكَرَ (أَوْلَى) أَيْ أَحَقُّ (بِإِمَامَتِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ (مِنْ الْوَالِي) وَإِنْ أَوْصَى الْمَيِّتُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ، فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا كَالْإِرْثِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَصَلَّى وَأَنَّ عُمَرَ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ فَصَلَّى وَوَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ، وَالْقَدِيمُ أَنَّ الْوَالِيَ أَوْلَى، ثُمَّ إمَامَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ الْوَلِيَّ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ هُوَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَدُعَاءُ الْقَرِيبِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِتَأَلُّمِهِ وَانْكِسَارِ قَلْبِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ: إذَا لَمْ يَخَفْ الْفِتْنَةَ مِنْ الْوَالِي وَإِلَّا قُدِّمَ قَطْعًا، وَلَوْ غَابَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ قُدِّمَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً. قَالَهُ الْبَغَوِيّ (فَيُقَدَّمُ الْأَبُ) أَوْ نَائِبُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَكَغَيْرِ الْأَبِ أَيْضًا نَائِبُهُ (ثُمَّ الْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ (وَإِنْ عَلَا) ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ أَكْثَرُ شَفَقَةً مِنْ الْفُرُوعِ (ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ) بِتَثْلِيثِ الْفَاءِ. وَخَالَفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 ثُمَّ الْأَخُ، وَالْأَظْهَرُ، تَقْدِيمُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَصَبَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَلَوْ اجْتَمَعَا فِي دَرَجَةٍ فَالْأَسَنُّ الْعَدْلُ أَوْلَى عَلَى النَّصِّ،   [مغني المحتاج] ذَلِكَ تَرْتِيبَ الْإِرْثِ بِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، فَقُدِّمَ الْأَشْفَقُ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ (ثُمَّ الْأَخُ) تَقْدِيمًا لِلْأَشْفَقِ فَالْأَشْفَقِ (وَالْأَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَشْفَقُ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ، وَالثَّانِي هُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي إمَامَةِ الرِّجَالِ فَلَا يُرَجَّحُ بِهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا صَالِحَةٌ لِلتَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَخْلٌ فِي إمَامَةِ الرِّجَالِ، إذْ لَهَا دَخْلٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَأْمُومَةً وَمُنْفَرِدَةً وَإِمَامَةً لِلنِّسَاءِ عِنْدَ فَقْدِ الرِّجَالِ فَقُدِّمَ بِهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَصَبَةُ) النِّسْبِيَّةُ: أَيْ بَقِيَّتُهُمْ (عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ) فَيُقَدَّمُ عَمٌّ شَقِيقٌ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ عَمٍّ شَقِيقٍ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَعْدَ عَمِّ النَّسَبِ عَصَبَةُ الْوَلَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، فَتُقَدَّمُ عَصَبَاتُهُ النِّسْبِيَّةُ، ثُمَّ مُعْتِقُهُ، ثُمَّ عَصَبَاتُهُ السَّبَبِيَّةُ وَهَكَذَا ثُمَّ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ عِنْدَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ (ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ) يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَيُقَدَّمُ أَبُو الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ الْخَالُ، ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ، وَالْأَخُ لِلْأُمِّ هُنَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، بِخِلَافِهِ فِي الْإِرْثِ، وَالْقِيَاسُ هُنَا أَنْ لَا يُقَدَّمَ الْقَاتِلُ كَمَا سَبَقَ فِي الْغُسْلِ، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَشْعَرَ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الزَّوْجِ بِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا وُجِدَ مَعَ الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ ذَكَرٌ، وَإِلَّا فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي وَتُقَدَّمُ بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي تَقْدِيمِ السَّيِّدِ عَلَى أَقَارِبِ الرَّقِيقِ الْأَحْرَارِ نَظَرٌ يَلْتَفِتُ إلَى أَنَّ الرِّقَّ هَلْ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَقَارِبَ مُقَدَّمُونَ (وَلَوْ اجْتَمَعَا) أَيْ وَلِيَّانِ (فِي دَرَجَةٍ) كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِمَامَةِ (فَالْأَسَنُّ) فِي الْإِسْلَامِ (الْعَدْلُ أَوْلَى) مِنْ الْأَفْقَهِ وَنَحْوِهِ (عَلَى النَّصِّ) فِي الْمُخْتَصَرِ، وَنَصَّ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ عَلَى أَنَّ الْأَفْقَهَ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ: أَنَّ الْأَفْقَهَ وَالْأَقْرَأَ مُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الدُّعَاءُ، وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ. وَأَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَمُحْتَاجَةٌ إلَى الْفِقْهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَوَادِثِ فِيهَا، أَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ مِنْ فَاسِقٍ وَمُبْتَدِعٍ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي السِّنِّ الْمُعْتَبَرِ قُدِّمَ أَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمُسْتَوِيَيْنِ زَوْجًا قُدِّمَ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَسَنَّ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْبُوَيْطِيِّ، فَقَوْلُهُمْ: لَا مَدْخَلَ لِلزَّوْجِ مَعَ الْأَقَارِبِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي الْقَرَابَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الصِّفَاتِ كُلِّهَا وَتَنَازَعَا أُقْرِعَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ صَلَّى غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ صَحَّ، وَلَوْ اسْتَنَابَ أَفْضَلُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ اُعْتُبِرَ رِضَا الْآخَرِ فِي أَقْيَسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ، وَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجُزِهَا وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ.   [مغني المحتاج] الْوَجْهَيْنِ فِي الْعُدَّةِ. وَهَذَا شَيْءٌ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَقْرَبِ إذَا كَانَ أَهْلًا فَلَهُ الِاسْتِنَابَةُ، وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأَبْعَدِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ الْبَعِيدُ) كَعَمٍّ حُرٍّ (عَلَى الْعَبْدِ الْقَرِيبِ) كَأَخٍ رَقِيقٍ وَلَوْ أَفْقَهَ وَأَسَنَّ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ وِلَايَةٌ، وَالْحُرُّ أَكْمَلُ فَهُوَ بِهَا أَلْيَقُ، وَقِيلَ الْعَبْدُ أَوْلَى لِقُرْبِهِ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَيُقَدَّمُ الرَّقِيقُ الْقَرِيبُ عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّقِيقُ الْبَالِغُ عَلَى الْحُرِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا، بِخِلَافِهَا خَلْفَ الصَّبِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيَقِفُ) الْمُصَلِّي نَدْبًا مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ (عِنْدَ رَأْسِ) الذَّكَرِ (الرَّجُلِ) أَوْ الصَّغِيرِ (وَعَجُزِهَا) أَيْ الْأُنْثَى، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ أَلْيَاهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَحِكْمَةُ الْمُخَالَفَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي سَتْرِ الْأُنْثَى وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْخُنْثَى. أَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَقِفُ فِي الصَّفِّ حَيْثُ كَانَ. فَائِدَةٌ الْعَجِيزَةُ إنَّمَا تُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ، وَغَيْرُهَا يُقَالُ فِيهِ عَجُزٌ كَمَا يُقَالُ فِيهَا أَيْضًا. قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ عَمَلًا بِالسُّنَّةِ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَتَجُوزُ عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاةٌ) وَاحِدَةٌ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، وَالْجَمْعُ فِيهِ مُمْكِنٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا؛ أَمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا؛ لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَاتَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَصَلَّى عَلَيْهِمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَجَعَلَ الْغُلَامَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَفِي الْقَوْمِ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ: رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، فَجَعَلَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ، وَالنِّسَاءَ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. ثُمَّ إنْ حَضَرَتْ الْجَنَائِزُ دُفْعَةً أُقْرِعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَقُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ الرَّجُلُ ثُمَّ الصَّبِيُّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا أَوْ نِسَاءً جُعِلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لِيُحَاذِيَ الْجَمِيع، وَقُدِّمَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَرَعُ وَالْخِصَالُ الَّتِي تُرَغِّبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ أَقْرَبَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْحُرِّيَّةِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ أَوْ مَرْتَبَةِ قِدَمِ وَلِيٍّ السَّابِقَةِ ذَكَرًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ أُنْثَى، وَقُدِّمَ إلَيْهِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ، ثُمَّ إنْ سَبَقَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ اسْتَمَرَّ أَوْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ أُخِّرَتْ عَنْهُ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ حَضَرَ خَنَاثَى مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ وَرَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَقَوْلُهُ: وَتَجُوزُ يُفْهِمُ أَنَّ الْأَفْضَل إفْرَادُ كُلِّ جِنَازَةٍ بِصَلَاةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَرْجَى قَبُولًا، وَلَيْسَ تَأْخِيرًا كَثِيرًا، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّ الْأَفْضَلَ الْجَمْعُ تَعْجِيلًا لِلدَّفْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 وَتَحْرُمُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ   [مغني المحتاج] نَعَمْ إنْ خَشِيَ تَغَيُّرًا أَوْ انْفِجَارًا بِالتَّأْخِيرِ فَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ. (وَتَحْرُمُ) الصَّلَاةُ (عَلَى الْكَافِرِ) حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] [التَّوْبَةَ] ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] [النِّسَاءَ] (وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ) عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ كَرَامَةٌ وَتَطْهِيرٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا لَكِنَّهُ يَجُوزُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَلِيًّا فَغَسَّلَ وَالِدَهُ وَكَفَّنَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ الْقَرِيبُ وَغَيْرُهُ وَالْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُهُ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَكْفِينِ الذِّمِّيِّ وَدَفْنِهِ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُطْعَمَ وَيُكْسَى فِي حَيَاتِهِ إذَا عَجَزَ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهُوَ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَعَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ انْتَهَتْ بِالْمَوْتِ، وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ الْحَرْبِيُّ فَلَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ قَطْعًا وَلَا دَفْنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَيْهِ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالْأَوْلَى دَفْنُهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ، وَالْمُرْتَدُّ كَالْحَرْبِيِّ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ وَفَاءً بِعَهْدِهِ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ. (وَلَوْ وُجِدَ عُضْوُ مُسْلِمٍ عُلِمَ مَوْتُهُ) بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْجُزْءُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا (صُلِّيَ عَلَيْهِ) بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ بَعْدَ غُسْلِهِ وُجُوبًا كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ. نَعَمْ مَنْ صَلَّى عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دُونَ هَذَا الْعُضْوِ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ شُهْبَةَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَحَلُّ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجُمْلَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّهَا قَدْ غُسِّلَتْ، فَإِنْ لَمْ تُغَسَّلْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْعُضْوِ فَقَطْ اهـ. فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ قَدْ غُسِّلَتْ، وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقْدَحُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ غَيْبَةٌ بَاقِيَةٌ، فَقَدْ صَلَّى الصَّحَابَةُ عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ، وَقَدْ أَلْقَاهَا طَائِرٌ نَسْرٌ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَعَرَفُوهَا بِخَاتَمِهِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا. وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ مِنْ مَيِّتٍ لِيَخْرُجَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ كَمَا سَيَأْتِي كَأُذُنِهِ الْمُلْتَصِقَةِ إذَا وُجِدَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ إنْ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَمَاتَ فِي الْحَالِ فَحُكْمُ الْكُلِّ وَاحِدٌ يَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ، سَوَاءٌ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ أَمْ لَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْجُزْءِ الشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ فَلَا تُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا حُرْمَةَ لَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَأَقَرَّهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْأَوْجَهُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَيَجِبُ مُوَارَاةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِخِرْقَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ، وَلَوْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ سَتْرَ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ. فَمَنْ قَالَ: إنَّمَا يَجِبُ سَتْرُهُ إذَا كَانَ مِنْ الْعَوْرَةِ غَفْلَةٌ مِنْهُ بَلْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ إنَّمَا يَقُولُ بِهِ إذَا أَوْصَى بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَهُنَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ وَصِيَّتَهُ بِذَلِكَ لَا تُنَفَّذُ، وَيَجِبُ دَفْنُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ. أَمَّا مَا انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ أَوْ شَكَكْنَا فِي مَوْتِهِ كَيَدِ سَارِقٍ وَظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَعَلَقَةٍ وَدَمٍ فَصْدٍ وَنَحْوِهِ فَيُسَنُّ دَفْنُهُ إكْرَامًا لِصَاحِبِهَا. وَيُسَنُّ لَفُّ الْيَدِ وَنَحْوهَا بِخِرْقَةٍ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 وَالسِّقْطُ إنْ اسْتَهَلَّ أَوْ بَكَى كَكَبِيرٍ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ بَلَغَهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ،   [مغني المحتاج] الْمُتَوَلِّي. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَالصَّرِيحِ فِي وُجُوبِ هَذِهِ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُصَلَّ عَلَى الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَهَلْ نَقُولُ تَجِبُ تَكْرِمَةً لَهُ كَالْجُمْلَةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ احْتِمَالٌ يُعْرَفُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي النِّيَّةِ ا. هـ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ غُسْلِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَتَجِبُ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِدُونِ غَسْلِ الْعُضْوِ بِوِجْدَانِنَا لَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْكَافِي لَوْ قُطِعَ رَأْسُ إنْسَانٍ بِبَلَدٍ وَحُمِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ صُلِّيَ عَلَيْهِ حَيْثُ هُوَ وَعَلَى الْجُثَّةِ حَيْثُ هِيَ، وَلَا يُكْتَفَى بِالصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَلَوْ جُهِلَ كَوْنُ الْعُضْوِ مِنْ مُسْلِمٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ أَيْضًا إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِيهَا مَيِّتٌ جُهِلَ إسْلَامُهُ. (وَالسِّقْطُ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ مِنْ السُّقُوطِ (إنْ) عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِأَنْ (اسْتَهَلَّ) أَيْ صَاحَ (أَوْ بَكَى) وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبُكَاءِ، وَهُوَ بِالْقَصْرِ الدَّمْعُ، وَبِالْمَدِّ رَفْعُ الصَّوْتِ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ (كَكَبِيرٍ) فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ لِتَيَقُّنِ مَوْتِهِ بَعْدَ حَيَاتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أَوْ لَمْ يَبْكِ (فَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ كَاخْتِلَاجٍ) أَوْ تَحَرُّكٍ (صُلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِاحْتِمَالِ الْحَيَاةِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَلِلِاحْتِيَاطِ. وَالثَّانِي: لَا لِعَدَمِ تَيَقُّنِهَا، وَقَطَعَ فِي الْمَجْمُوعِ بِالْأَوَّلِ، وَيَجِبُ دَفْنُهُ قَطْعًا وَكَذَا غُسْلُهُ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ (وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ) أَمَارَةُ الْحَيَاةِ (وَلَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أَيْ لَمْ يَظْهَرْ خَلْقُهُ (لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) قَطْعًا لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ، وَلَا يُغَسَّلُ عَلَى الْمَذْهَبِ بَلْ يُسَنُّ سَتْرُهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ (وَكَذَا إنْ بَلَغَهَا) أَيْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ أَيْ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا حَدَّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ عَادَةً: أَيْ وَظَهَرَ خَلْقُهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وُجُوبًا وَلَا جَوَازًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ ظُهُورِ حَيَاتِهِ، وَيَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ، وَفَارَقَ الصَّلَاةَ غَيْرُهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَالْعِبْرَةُ فِيمَا ذُكِرَ بِظُهُورِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ كَمَا تَقَرَّرَ، فَالتَّعْبِيرُ بِبُلُوغِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَدَمِ بُلُوغِهَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ ظُهُورِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ عِنْدَهَا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِزَمَنِ إمْكَانِ نَفْخِ الرُّوحِ وَعَدَمِهِ وَبَعْضُهُمْ بِالتَّخْطِيطِ وَعَدَمِهِ، وَكُلُّهَا وَإِنْ تَقَارَبَتْ فَالْعِبْرَةُ بِمَا ذُكِرَ. فَائِدَةٌ السِّقْطُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ تَمَامَ أَشْهُرِهِ، أَمَّا مَنْ بَلَغَهَا فَيُصَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَفَعَلَهُ. (وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ يَحْرُمَانِ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: جَاءَتْ الْأَحَادِيث مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 وَهُوَ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ أَوْ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ «أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَفِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً» فَضَعِيفٌ وَخَطَأٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي لِمَنْ رَوَاهُ أَنْ يَسْتَحِيَ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ» . وَلِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَلِلْأَمْوَاتِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ كَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] [التَّوْبَةَ] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ، وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ تُكْتَسَبُ فَرُغِّبَ فِيهَا وَلَا كَذَلِكَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ (وَهُوَ) أَيْ الشَّهِيدُ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، ضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ (مَنْ مَاتَ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا (فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ) أَوْ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا حَرْبِيِّينَ أَمْ مُرْتَدِّينَ أَمْ أَهْلَ ذِمَّةٍ، قَصَدُوا قَطْعَ الطَّرِيقِ عَلَيْنَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَمْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَمْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ، أَمْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ وَهْدَةٍ، أَمْ رَفَسَتْهُ دَابَّتُهُ فَمَاتَ، أَمْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ بَاغٍ اسْتَعَانَ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ كَمَا شَمِلَهُ قِتَالُ الْكُفَّارِ، أَمْ قَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ حَالَ انْهِزَامِهِمْ انْهِزَامًا كُلِّيًّا بِأَنْ تَبِعَهُمْ فَكَرُّوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْ اتِّبَاعُهُ لَهُمْ لِاسْتِئْصَالِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قُتِلَ فِي حَالِ الْقِتَالِ، أَمْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا، أَمْ انْكَشَفَتْ الْحَرْبُ عَنْهُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْقِتَالِ كَمَا جَزَمَا بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الشَّهَادَةِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ مَنْ يَمُوتُ بِالْمُعْتَرَكِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ يُعْمَلُ بِهِ وَيُتْرَكُ الْأَصْلُ كَمَا إذَا رَأَيْنَا ظَبْيَةً تَبُولُ فِي الْمَاءِ وَرَأَيْنَاهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْمَاءِ (فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ الْقِتَالِ بِجِرَاحَةٍ فِيهِ يُقْطَعُ بِمَوْتِهِ مِنْهَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ؛ لِأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ فِي الْقِتَالِ. أَمَّا لَوْ انْقَضَى الْقِتَالُ وَحَرَكَةُ الْمَجْرُوحِ فِيهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَشَهِيدٌ قَطْعًا أَوْ تُوُقِّعَتْ حَيَاتُهُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا (أَوْ) مَاتَ عَادِلٌ (فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ) لَهُ (فَغَيْرُ شَهِيدٍ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ قَتِيلُ مُسْلِمٍ، فَأَشْبَهَ الْمَقْتُولَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، وَقَدْ غَسَّلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ابْنَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ. نَعَمْ لَوْ اسْتَعَانَ الْبُغَاةُ بِكُفَّارٍ فَقَتَلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَقْتُولِ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ؛ وَلِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يُغَسِّلْ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 وَكَذَا فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ،   [مغني المحتاج] الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ جَزْمًا، فَقَوْلُهُ فِي الْأَظْهَرِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (فِي الْقِتَالِ لَا بِسَبَبِهِ) أَيْ الْقِتَالِ كَمَوْتِهِ بِمَرَضٍ أَوْ فَجْأَةٍ أَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَغَيْرُ شَهِيدٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، خَالَفْنَا فِيمَا إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقِتَالِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِيهِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ. فَائِدَةٌ الشُّهَدَاءُ كَمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ. الْأَوَّلُ: شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ ثَوَابًا خَاصًّا، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ شَهِدَا لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُبْعَثُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِقَتْلِهِ وَهُوَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا، وَمِنْهَا أَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ. وَالثَّانِي: شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا، أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً أَوْ نَحْوَهُ. وَالثَّالِثُ: شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَقَطْ كَالْمَقْتُولِ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَالْمَبْطُونِ إذَا مَاتَ بِالْبَطْنِ، وَالْمَطْعُونِ إذَا مَاتَ بِالطَّاعُونِ، وَالْغَرِيقِ إذَا مَاتَ بِالْغَرَقِ، وَالْغَرِيبِ إذَا مَاتَ فِي الْغُرْبَةِ، وَطَالِبِ الْعِلْمِ إذَا مَاتَ عَلَى طَلَبِهِ، أَوْ مَاتَ عِشْقًا أَوْ بِالطَّلْقِ أَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ الْغَرِيبِ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ، وَمِنْ الْغَرِيقِ الْعَاصِيَ بِرُكُوبِهِ الْبَحْرَ كَأَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَوْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ خَمْرٍ، وَمِنْ الْمَيِّتَةِ بِالطَّلْقِ الْحَامِلَ بِزِنًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ، وَفِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ. نَعَمْ الْمَيِّتُ عِشْقًا شَرْطُهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ لِخَبَرِ «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» (1) وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ يُتَصَوَّرُ إبَاحَةُ نِكَاحِهَا لَهُ شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا كَزَوْجَةِ الْمَلِكِ وَإِلَّا فَعِشْقُ الْمُرْدِ مَعْصِيَةٌ، فَكَيْفَ تَحْصُلُ بِهَا دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِمَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ (وَلَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَحَائِضٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ) كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَمْ يُغَسِّلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: «رَأَيْتُ الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِفِعْلِنَا؛ وَلِأَنَّهُ طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ، إذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَحْرُمُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فَلَمْ تُجْزِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ. وَالثَّانِي: يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي غُسْلٍ وَجَبَ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا الْغُسْلُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ كَغُسْلِ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُصَلَّى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 وَأَنَّهُ تُزَالُ نَجَاسَتُهُ غَيْرَ الدَّمِ. وَيُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا تُمِّمَ. فَصْلٌ أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ،   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّهِيدَ (تُزَالُ) حَتْمًا (نَجَاسَتُهُ) بِغُسْلِهَا (غَيْرَ الدَّمِ) الْمُتَعَلِّقِ بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دَمِهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَثَرِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ دَمِهَا الْخَالِي عَنْ النَّجَاسَةِ فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ؛ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ؛ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ إزَالَةُ الْخُلُوفِ مِنْ الصَّائِمِ مَعَ أَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ غَيْرَهُ أَزَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي: لَا تَزَالُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ. وَالثَّالِث: إنْ أَدَّى غُسْلُهَا إلَى إزَالَةِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُزَلْ وَإِلَّا أُزِيلَتْ. (وَيُكَفَّنُ) الشَّهِيدُ نَدْبًا (فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ ثِيَابُهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَاعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ. لَكِنْ الْمُلَطَّخَةُ بِالدَّمِ أَوْلَى ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، فَالتَّقْيِيدُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ بِالْمُلَطَّخَةِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَعُلِمَ بِالتَّقْيِيدِ بِنَدْبًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَفَارَقَ الْغُسْلَ بِإِبْقَاءِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْبَدَنِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِإِكْرَامِهِ وَالْإِشْعَارِ بِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الدُّعَاءِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا) أَيْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ (تُمِّمَ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا. وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: تُمِّمَ نَدْبًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَهَا وَتَكْفِينَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهَا أَثَرُ شَهَادَةٍ أَمْ لَا إذْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى وَلَوْ طَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ النَّزْعَ وَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ. . أُجِيبَ الْمُمْتَنِعُ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَيُنْدَبُ نَزْعُ آلَةِ الْحَرْبِ عَنْهُ كَدِرْعٍ وَخُفٍّ وَكُلِّ مَا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ غَالِبًا كَجِلْدٍ وَفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ، وَفِي أَبِي دَاوُد فِي قَتْلَى أُحُدٍ الْأَمْرُ بِنَزْعِ الْحَدِيدِ وَالْجُلُودِ وَدَفْنُهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ. . [فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] (فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ) بَعْدَ رَدْمِهَا (الرَّائِحَةَ) أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ (وَ) تَمْنَعُ (السَّبُعَ) عَنْ نَبْشِ تِلْكَ الْحُفْرَةِ لِأَكْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُجُوبِ الدَّفْنِ عَدَمُ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ بِانْتِشَارِ رَائِحَتِهِ وَاسْتِقْذَارِ جِيفَتِهِ، وَأَكْلِ السِّبَاعِ لَهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ، وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَكْتُمُ رَائِحَةً مَعَ مَنْعِهَا الْوَحْشَ فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا. قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ لِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وَيُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ وَيُعَمَّقَ، قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ، وَيُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ   [مغني المحتاج] فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ: إنَّهُ لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيمَا يُصْنَعُ الْآنَ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَقْدِ أَزَجَّ وَاسِعٍ أَوْ مُقْتَصِدٍ شَبَهِ بَيْتٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ، وَحَقِيقَتُهُ بَيْتٌ تَحْتَ الْأَرْضِ فَهُوَ كَوَضْعِهِ فِي غَارٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَدُّ بَابُهُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَاحْتُرِزَ بِالْحَفْرِ عَمَّا إذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَوُضِعَ عَلَيْهِ أَحْجَارٌ كَثِيرَةٌ أَوْ تُرَابٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْتُمُ رَائِحَتَهُ وَيَحْرُسُهُ عَنْ أَكْلِ السِّبَاعِ، فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ الْحَفْرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ (وَيُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ) بِأَنْ يُزَادَ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ (وَيُعَمَّقَ) بِأَنْ يُزَادَ فِي نُزُولِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى أُحُدٍ «احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ كَالْجُمْهُورِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسَّعَ الْقَبْرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ: أَيْ فَقَطْ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ لِيَصُونَهُ مِمَّا يَلِي ظَهْرَهُ مِنْ الِانْقِلَابِ وَمِمَّا يَلِي صَدْرَهُ مِنْ الِانْكِبَابِ. فَائِدَةٌ التَّعْمِيقُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَحَكَى غَيْرُهُ الْإِعْجَامَ، وَقُرِئَ بِهِ شَاذًّا {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] [الْحَجَّ] (قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ) مِنْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا بِأَنْ يَقُومَ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصَّى بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ مَنْعِ ظُهُورِ الرَّائِحَةِ وَنَبْشِ السَّبُعِ، وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ تَبَعًا لِلْمَحَامِلِيِّ (وَاللَّحْدُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْحَاءِ فِيهِمَا أَصْلُهُ الْمَيْلُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَلِ جَانِبِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِوَاءِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ وَيَسْتُرُهُ (أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ قَعْرُ الْقَبْرِ كَالنَّهْرِ أَوْ يُبْنَى جَانِبَاهُ بِلَبِنٍ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَيُجْعَلَ بَيْنَهُمَا شَقٌّ يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ، وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ بِلَبِنٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حِجَارَةٍ وَهِيَ أَوْلَى، وَيُرْفَعَ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ (إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ) لِقَوْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: «الْحَدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) . أَمَّا فِي الرِّخْوَةِ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ (وَيُوضَعُ) نَدْبًا (رَأْسُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ) أَيْ مُؤَخَّرِهِ الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ سُفْلِهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ (وَيُسَلُّ) الْمَيِّتُ (مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ) سَلًّا (بِرِفْقٍ) لَا بِعُنْفٍ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ» ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا، حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ، وَلِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا» . وَمَا قِيلَ: إنَّهُ أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ فَضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وَيُدْخِلُهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ، وَأَوْلَاهُمْ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ. قُلْتُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمْ الزَّوْجُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَكُونُونَ وِتْرًا، وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ عَلَى يَمِينِهِ لِلْقِبْلَةِ   [مغني المحتاج] الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إدْخَالُهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ شَقَّ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ وَلَحْدَهُ تَحْتَ الْجِدَارِ فَلَا مَوْضِع هُنَاكَ يُوضَعُ فِيهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُدْخِلُهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ) إذَا وُجِدُوا، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِ ابْنَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ» وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِرَاوِي الْخَبَرِ أَنَّهَا رُقَيَّةُ، وَرَّدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْهَدْ مَوْتَ رُقَيَّةَ وَلَا دَفْنَهَا أَيْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِبَدْرٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ لَهَا مَحَارِمُ مِنْ النِّسَاءِ كَفَاطِمَةَ وَغَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قُوَّةٍ، وَالرِّجَالُ أَحْرَى بِذَلِكَ بِخِلَافِ النِّسَاءِ لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا، وَيُخْشَى مِنْ مُبَاشَرَتِهِنَّ هَتْكُ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَانْكِشَافُهُنَّ. نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَلِينَ حَمْلَ الْمَرْأَةِ مِنْ مُغْتَسَلِهَا إلَى النَّعْشِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلُّ ثِيَابِهَا فِيهِ. وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامِ الشَّامِلِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ عَلَى الرِّجَالِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ وَتَمَكُّنِهِمْ وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَأَوْلَاهُمْ) أَيْ الرِّجَالِ بِذَلِكَ (الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ دَرَجَةً، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْغُسْلِ وَخَرَجَ بِدَرَجَةً الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ صِفَةً؛ إذْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ وَالْأَقْرَبُ الْبَعِيدُ الْفَقِيهُ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَبِ غَيْرِ الْفَقِيهِ هُنَا عَكْسُ مَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَفْقَهِ الْأَعْلَمُ بِذَلِكَ الْبَابِ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمْ) أَيْ الرِّجَالِ بِإِدْخَالِهَا الْقَبْرَ (الزَّوْجُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ غَيْرُهُ، وَيَلِيهِ الْأَفْقَهُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْمَحَارِمِ، ثُمَّ عَبْدُهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ الْمَمْسُوحُ ثُمَّ الْمَجْبُوبُ ثُمَّ الْخَصِيُّ لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ، وَرُتِّبُوا كَذَلِكَ لِتَفَاوُتِهِمْ فِيهَا، ثُمَّ الْعَصَبَةُ الَّذِي لَا مَحْرَمِيَّةَ لَهُمْ كَبَنِي عَمٍّ وَمُعْتِقٍ وَعَصَبَتِهِ بِتَرْتِيبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَوُو الرَّحِمِ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِيَّةَ لَهُمْ كَذَلِكَ كَبَنِي خَالٍ وَبَنِي عَمَّةٍ، ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ الصَّالِحُ لِخَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ السَّابِقِ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ النِّسَاءُ بِتَرْتِيبِهِنَّ السَّابِقِ فِي الْغُسْلِ، وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَتَنَازَعَا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّ السَّيِّدَ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ كَالزَّوْجِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَهَلْ يَكُونُ مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا؟ الْأَقْرَبُ نَعَمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهُوَ أَحَقُّ بِدَفْنِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ حَتْمًا، وَالْوَالِي لَا يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْقَرِيبِ قَطْعًا (وَيَكُونُونَ) أَيْ الْمُدْخِلُونَ الْمَيِّتَ الْقَبْرَ (وِتْرًا) نَدْبًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ " أَنَّ الدَّافِنِينَ لَهُ كَانُوا ثَلَاثَةً " وَأَبُو دَاوُد " أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَةً " (وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ) أَوْ غَيْرِهِ (عَلَى يَمِينِهِ) نَدْبًا اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَكَمَا فِي الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ، وَيُوَجَّهُ (لِلْقِبْلَةِ) وُجُوبًا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي، وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِلَّا فَلَا يُنْبَشُ، أَوَّلُهَا عَلَى يَسَارِهِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ كَالْمُصَلِّي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إلَى جِدَارِهِ وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ بِلَبِنٍ، وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ ثُمَّ يُهَالُ بِالْمَسَاحِي، وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ،   [مغني المحتاج] وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُهُ وَاسْتِدْبَارُهُ. نَعَمْ لَوْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ جُعِلَ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ وُجُوبًا لِيَتَوَجَّهَ الْجَنِينُ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ يَجِبُ دَفْنُ الْجَنِينِ لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ عَلَى مَا ذَكَرُوا لِظَهْرِ الْأُمِّ، وَتُدْفَنُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. وَقِيلَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَقِيلَ فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ. تَنْبِيهٌ لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ فِي اللَّحْدِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَضْعِ عَلَى الْيَمِينِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِمَا مَا تَقَرَّرَ (وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ) نَدْبًا وَكَذَا رِجْلَاهُ (إلَى جِدَارِهِ) أَيْ الْقَبْرِ وَيُجْعَلُ فِي بَاقِي بَدَنِهِ كَالْمُتَجَافِي فَيَكُونُ كَالْقَوْسِ لِئَلَّا يَنْكَبَّ (وَ) يُسْنَدُ (ظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا) كَطِينٍ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى قَفَاهُ، وَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ حَجَرٌ وَيُفْضِي بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ، أَوْ إلَى التُّرَابِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: بِأَنْ يُنَحَّى الْكَفَنُ عَنْ خَدِّهِ وَيُوضَعُ عَلَى التُّرَابِ (وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَذَا غَيْرُهُ (بِلَبِنٍ) وَهُوَ طُوبٌ لَمْ يُحْرَقْ وَنَحْوُهُ كَطِينٍ لِقَوْلِ سَعْدٍ فِيمَا مَرَّ: وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صِيَانَةِ الْمَيِّتِ عَنْ النَّبْشِ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ اللَّبِنَاتِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعٌ (وَيَحْثُو) نَدْبًا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا (مَنْ دَنَا) مِنْ الْقَبْرِ (ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ) مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ، وَيَكُونُ الْحَثْيُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَثَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْفَرْضِ، يُقَالُ حَثَى يَحْثِي حَثْيًا وَحَثَيَاتٍ، وَحَثَا يَحْثُو حَثْوًا وَحَثَوَاتٍ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَمَعَ الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَمَعَ الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] [طَه] وَلَمْ يُبَيِّنْ الدُّنُوَّ وَكَأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْعُرْفِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: مِنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَأَصْلُهَا كُلُّ مَنْ دَنَا. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ وَهُوَ شَامِلٌ الْعَبْدَ أَيْضًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ ظَاهِرٌ (ثُمَّ يُهَالُ) مِنْ الْإِهَالَةِ وَهِيَ الصَّبُّ: أَيْ يُصَبُّ التُّرَابُ عَلَى الْمَيِّتِ (بِالْمَسَاحِي) ؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلَى تَكْمِيلِ الدَّفْنِ، وَالْمَسَاحِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا، وَهِيَ آلَةٌ تُمْسَحُ الْأَرْضُ بِهَا وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّحْفِ أَوْ الْكَشْفِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هِيَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْإِهَالَةُ بَعْدَ الْحَثْيِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ وُقُوعِ اللَّبِنَاتِ وَعَنْ تَأَذِّي الْحَاضِرِينَ بِالْغُبَارِ (وَيُرْفَعُ) نَدْبًا (الْقَبْرُ شِبْرًا) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ؛ وَلِأَنَّ قَبْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُفِعَ نَحْوَ شِبْرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (فَقَطْ) فَلَا يُزَادُ عَلَى تُرَابِ الْقَبْرِ لِئَلَّا يُعَظَّمَ شَخْصُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ بِتُرَابِهِ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يُزَادَ، هَذَا إذَا كَانَ بِدَارِنَا. أَمَّا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّض لَهُ الْكُفَّارُ إذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ يُخَافُ نَبْشُهُ لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ، وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا، وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ، وَلَا يُوطَأُ،   [مغني المحتاج] مَاتَ بِبَلَدِ بِدْعَةٍ وَخُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ نَبْشِهِ وَهَتْكِهِ وَالتَّمْثِيلِ بِهِ كَمَا صَنَعُوا بِبَعْضِ الصُّلَحَاءِ وَأَحْرَقُوهُ (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالثَّانِي تَسْنِيمُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّسْطِيحَ شِعَارُ الرَّوَافِضِ فَيُتْرَكُ مُخَالَفَةً لَهُمْ وَصِيَانَةً لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ عَنْ الِاتِّهَامِ بِبِدْعَةٍ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا، إذْ لَوْ رُوعِيَ ذَلِكَ، لَأَدَّى إلَى تَرْكِ سُنَنٍ كَثِيرَةٍ (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ) ابْتِدَاءً بَلْ يُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِلِاتِّبَاعِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: الْمُسْتَحَبُّ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ اهـ. فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَحَرُمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْكَرَاهَةُ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ. أَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ اهـ. وَسَيَأْتِي مَا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ كَثُرُوا وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ، وَكَذَا فِي ثَوْبٍ، وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَيُقَدَّمُ) حِينَئِذٍ (أَفْضَلُهُمَا) وَهُوَ الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْأَلُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ عَنْ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ، لَكِنْ لَا يُقَدَّمُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ عَلَا حَتَّى يُقَدَّمَ الْجَدُّ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَكَذَا الْجَدَّةُ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ. أَمَّا الِابْنُ مَعَ الْأُمِّ فَيُقَدَّمُ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى، وَالْخُنْثَى عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي قَبْرٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَمَا فِي الْحَيَاةِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَقَالَ: إنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى فِي الْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي هُوَ الظَّاهِرُ، إذْ الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الْجَمْعِ الْإِيذَاءُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا، وَالْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ، وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمَحْرَمِ، وَيُحْجَزُ بَيْنَ الْمَيِّتَيْنِ بِتُرَابٍ حَيْثُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا نَدْبًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ. أَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ بَعْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ لِدَفْنِ ثَانٍ فِيهِ: أَيْ فِي لَحْدِهِ فَلَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبْلَ الْأَوَّلُ وَيَصِرْ تُرَابًا. وَأَمَّا إذَا جُعِلَ فِي الْقَبْرِ فِي لَحْدٍ آخَرَ مِنْ جَانِبِ الْقَبْرِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ كَثِيرًا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) الْمُحْتَرَمِ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَنَدُ إلَيْهِ (وَلَا يُوطَأُ) عَلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ لَا يَصِلَ إلَى مَيِّتِهِ أَوْ مَنْ يَزُورُهُ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحَفْرِ إلَّا بِوَطْئِهِ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا. وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُعَزَّى   [مغني المحتاج] وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَفُسِّرَ فِيهِ الْجُلُوسُ بِالْحَدَثِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَجَرَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ عَلَى الْحُرْمَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَقَبْرِ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ» وَمَا وَرَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِإِلْقَاءِ السِّبْتِيَّتَيْنِ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لِبَاسِ الْمُتَرَفِّهِينَ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ، وَالنِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ (وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ لَهُ (حَيًّا) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا احْتِرَامًا لَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَادَتُهُ مِنْهُ الْبُعْدَ وَقَدْ أَوْصَى بِالْقُرْبِ مِنْهُ قَرُبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ يُهَابُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لِكَوْنِهِ جَبَّارًا كَالْوُلَاةِ وَالظَّلَمَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ. (وَالتَّعْزِيَةُ) لِأَهْلِ الْمَيِّتِ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ (سُنَّةٌ) فِي الْجُمْلَةِ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» نَعَمْ الشَّابَّةُ لَا يُعَزِّيهَا أَجْنَبِيٌّ وَإِنَّمَا يُعَزِّيهَا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا، وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَابْنُ خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمَمْلُوكِ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزَّى بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَتَّى الزَّوْجَةُ وَالصَّدِيقُ، وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَتُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَضْعَفِهِمْ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ، وَخُرِّجَ بِقَوْلِنَا فِي الْجُمْلَةِ تَعْزِيَةُ الذِّمِّيِّ بِذِمِّيٍّ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ لَا مَنْدُوبَةٌ، وَهِيَ لُغَةً التَّسْلِيَةُ عَمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ، وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ، وَتُسَنُّ (قَبْلَ دَفْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ شِدَّةِ الْجَزَعِ وَالْحَزَنِ (وَ) لَكِنْ (بَعْدَهُ) أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ إلَّا إنْ أَفْرَطَ حُزْنُهُمْ فَتَقْدِيمُهَا أَوْلَى لِيُصَبِّرَهُمْ، وَغَايَتُهَا (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا مِنْ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ، وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ الْمَحْبُوسُ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ، وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدِّدُ حُزْنَهُ، وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لَهَا بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ بِمَكَانٍ لِيَأْتِيَهُمْ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ وَيُكَلِّفُ الْمُعَزِّيَ. وَأَمَّا مَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ» فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ النَّاسُ لِيُعَزُّوهُ (وَيُعَزَّى) بِفَتْحِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 الْمُسْلِمُ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ، وَبِالْكَافِرِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ، وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ. وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ   [مغني المحتاج] الزَّايِ (الْمُسْلِمُ) أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ) أَيْ جَعَلَ (اللَّهُ أَجْرَكَ) عَظِيمًا (وَأَحْسَنَ) أَيْ جَعَلَ اللَّهُ (عَزَاءَكَ) بِالْمَدِّ حَسَنًا وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ) ؛ لِأَنَّهُ لَائِقٌ بِالْحَالِ، وَقُدِّمَ الدُّعَاءُ لِلْمُعَزِّي؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَهُ بِمَا وَرَدَ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَوْتِهِ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ (وَ) يُعَزَّى الْمُسْلِمُ أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْكَافِرِ) الذِّمِّيِّ (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَصَبَّرَكَ) وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إذَا اُحْتُمِلَ حُدُوثُ مِثْلِ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ، يُقَالُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِالْهَمْزِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: رُدَّ عَلَيْكَ مِثْلُ مَا ذَهَبَ مِنْكَ وَإِلَّا خَلَّفَ عَلَيْكَ: أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ مِنْ فَقْدِهِ، وَلَا يَقُولُ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ (وَ) يُعَزَّى (الْكَافِرُ) الْمُحْتَرَمُ جَوَازًا إلَّا إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ فَنَدْبًا: أَيْ يُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ (بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ) وَقُدِّمَ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ لِمُسْلِمٍ وَالْحَيُّ كَافِرٌ، وَلَا يُقَالُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ. أَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يُعَزَّى، وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ الظَّاهِرُ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأُوَلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ. هَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ فَإِنْ رُجِيَ اُسْتُحِبَّتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَلَا يُعَزَّى بِهِ أَيْضًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَعْزِيَةَ الْكَافِرِ بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ، اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ اسْتِحْبَابَهَا مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ، وَصِيغَتُهَا: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَلَا نَقَصَ عَدَدُكَ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ. فَائِدَةٌ سُئِلَ أَبُو بَكْرَةَ عَنْ مَوْتِ الْأَهْلِ فَقَالَ: مَوْتُ الْأَبِ قَصْمُ الظَّهْرِ، وَمَوْتُ الْوَلَدِ صَدْعٌ فِي الْفُؤَادِ، وَمَوْتُ الْأَخِ قَصُّ الْجَنَاحِ، وَمَوْتُ الزَّوْجَةِ حُزْنُ سَاعَةٍ. وَلِذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا يُعَزَّى الرَّجُلُ فِي زَوْجَتِهِ، وَهَذَا مِنْ تَفَرُّدَاتِهِ. وَلَمَّا عُزِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بِنْتِهِ رُقَيَّةَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ دَفْنُ الْبَنَاتِ مِنْ الْمَكْرُمَاتِ» رَوَاهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَمْثَالِ. (وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (قَبْلَ الْمَوْتِ) بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ الْأَوْلَى عَدَمُهُ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضِرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْهُ بَعْدَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ طَلَبُ الْبُكَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ: يُسْتَحَبُّ إظْهَارًا لِكَرَاهَةِ فِرَاقِهِ، وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي مَالِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وَبَعْدَهُ، وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَالنَّوْحِ وَالْجَزَعِ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ.   [مغني المحتاج] ابْنِ الصَّبَّاغِ وَنَظَرَ فِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ (وَ) يَجُوزُ (بَعْدَهُ) أَيْضًا وَلَوْ بَعْدَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ: إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا عَلَى فِرَاقِكَ يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (1) . «وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ. وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» . رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ. وَالثَّالِثَ مُسْلِمٌ. وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ، بَلْ نُقِلَ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الْبُكَاءُ لِلرِّقَّةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ اهـ. وَالثَّانِي أَظْهَرُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنْ كَانَ لِمَحَبَّةٍ وَرِقَّةٍ كَالْبُكَاءِ عَلَى الطِّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ، وَإِنْ كَانَ لِمَا فُقِدَ مِنْ عِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ وَبَرَكَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ، أَوْ لِمَا فَاتَهُ مِنْ بِرِّهِ وَقِيَامِهِ بِمَصَالِحِ حَالِهِ فَيَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِتَضَمُّنِهِ عَدَمَ الثِّقَةِ بِاَللَّهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ. أَمَّا بِمُجَرَّدِ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ اهـ. وَلَفْظُ الْأَوَّلِ مَمْدُودٌ وَالثَّانِي مَقْصُورٌ. قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: [الْوَافِرُ] بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ وَوَهَمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي نِسْبَتِهِ لِحَسَّانَ (وَيَحْرُمُ النَّدْبُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ) جَمْعُ شِمَالٍ كَهِلَالٍ، وَهِيَ مَا اتَّصَفَ بِهِ الْمَيِّتُ مِنْ الطِّبَاعِ الْحَسَنَةِ، كَقَوْلِهِمْ: وَاكَهْفَاهُ، وَاجَبَلَاهْ. لِحَدِيثِ «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهْ، وَاسَنَدَاهْ. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ، أَهَكَذَا كُنْتَ؟» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. هَذَا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ كَانَ كَافِرًا كَمَا سَيَأْتِي، وَاللَّهْزُ الدَّفْعُ فِي الصَّدْرِ بِالْيَدِ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ (وَ) يَحْرُمُ (النَّوْحُ) وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْكَلَامِ الْمُسْجَعِ، وَلَيْسَ بِقَيْدٍ لِخَبَرِ «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ (وَ) يَحْرُمُ (الْجَزَعُ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ) كَشَقِّ جَيْبٍ وَنَشْرِ شَعْرٍ وَتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَإِلْقَاءِ رَمَادٍ عَلَى رَأْسٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِإِفْرَاطٍ فِي الْبُكَاءِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَنَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالضَّابِطُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] [فَاطِرُ] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ: يُبَادِرُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّتِهِ. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ.   [مغني المحتاج] طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ: [الطَّوِيلُ] إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: ذَنْبُ الْمَيِّتِ فِيمَا إذَا أَوْصَى الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَشَاهِدُهُ خَبَرُ " مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً " وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: وَيُكْرَهُ إرْثَاءُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ أَيَّامِهِ وَفَضَائِلِهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي، وَالْأَوْلَى الِاسْتِغْفَارُ لَهُ. وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ تَبَرُّمٌ أَوْ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهُ أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ أَوْ عَلَى مَا يُجَدِّدُ الْحُزْنَ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَمَا زَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهُ، وَقَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ [الْكَامِل] : مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا. (قُلْتُ هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ) : أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْبَابِ زِدْتُهَا عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَالْفَطِنُ يَرُدُّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا إلَى مَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهَا لَاحْتَاجَ أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِ كُلٍّ مِنْهَا. قُلْتُ: وَفِي آخِرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ الْمُنَافِي لِغَرَضِهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ (يُبَادَرُ) نَدْبًا (بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ) إنْ تَيَسَّرَ حَالًّا قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ مُسَارَعَةً إلَى فِكَاكِ نَفْسِهِ، لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ: أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَالًّا سَأَلَ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الْبَرَاءَةَ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُبَرِّئًا لِلْمَيِّتِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ تَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرِكَةِ (وَ) تَنْفِيذُ (وَصِيَّتِهِ) مُسَارَعَةً لِوُصُولِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَالْبِرِّ لِلْمُوصَى لَهُ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ بَلْ وَاجِبٌ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ، وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا. (وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» (لَا لِفِتْنَةِ دِينٍ) فَلَا يُكْرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وَيُسَنُّ التَّدَاوِي، وَيُكْرَهُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ. وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ. وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا   [مغني المحتاج] حِينَئِذٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ وَالْمَجْمُوعِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: لَا بَأْسَ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ غَيْرِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَمَنِّي الْمَوْتِ حِينَئِذٍ. قَالَ: وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَالْأَذْكَارِ عَلَيْهِ. أَمَّا تَمَنِّيهِ لِغَرَضٍ أُخْرَوِيٍّ فَمَحْبُوبٌ كَتَمَنِّي الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ يَتَمَنَّ نَبِيٌّ الْمَوْتَ غَيْرَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا تَمَنَّى الْوَفَاةَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا الْمَوْتَ. (وَيُسَنُّ) لِلْمَرِيضِ (التَّدَاوِي) لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ وَعَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ: أَيْ تَأْكُلُ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَيْكُمْ بِالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ» يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تُرِكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا فَهُوَ أَفْضَلُ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَهُوَ رَأْسُ الْمُتَوَكِّلِينَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَرَزِيِّ أَنَّ مَنْ قَوِيَ تَوَكُّلُهُ فَالتَّرْكُ لَهُ أَوْلَى، وَمَنْ ضَعُفَ يَقِينُهُ وَقَلَّ صَبْرُهُ فَالْمُدَاوَاةُ لَهُ أَفْضَلُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وَجَبَ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِإِفَادَتِهِ بِخِلَافِهَا، وَيَجُوزُ اسْتِيصَافِ الطَّبِيبِ الْكَافِرِ وَاعْتِمَادُ وَصْفِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ عَلَى دُخُولِ الْكَافِرِ الْحَرَمَ (وَيُكْرَهُ إكْرَاهُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (عَلَيْهِ) أَيْ التَّدَاوِي بِاسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ، وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَادَّعَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ حَسَنٌ. (وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ) كَأَصْدِقَائِهِ (تَقْبِيلُ وَجْهِهِ) لِمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ وَجْهَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» (2) وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَبَّلَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ (3) قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ لِأَهْلِهِ وَنَحْوِهِمْ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ وَلَا يَقْتَصِرُ الْجَوَازُ عَلَيْهِمْ، وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ، وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ فَقَيَّدَهُ بِالصَّالِحِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ. (وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ) وَهُوَ النِّدَاءُ (بِمَوْتِهِ لِلصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (وَغَيْرِهَا) كَالمُحَالَلَةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّرَحُّمِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، بَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَلَّى» ، وَقِيلَ يُسَنُّ فِي الْغَرِيبِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ. وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ. وَيُغَسَّلُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمَيِّتُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا فَقَطْ. وَلْيَكُنْ الْغَاسِلُ أَمِينًا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا ذَكَرَهُ أَوْ غَيْرَهُ حَرُمَ ذِكْرُهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ.   [مغني المحتاج] مُطْلَقًا (بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ) وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَصْدَرُ نَعَاهُ، وَمَعْنَاهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ النِّدَاءُ بِذِكْرِ مَفَاخِرِ الْمَيِّتِ وَمَآثِرِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْمُرَادُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا مُجَرَّدُ الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ. فَإِنْ قُصِدَ الْإِعْلَامُ بِمَوْتِهِ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْإِخْبَارُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ. (وَلَا يَنْظُرُ الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِهِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ) كَأَنْ يُرِيدَ بِنَظَرِهِ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَلْ اسْتَوْعَبَهُ بِالْغُسْلِ أَوْ لَا. فَإِنْ نَظَرَ زَائِدًا عَلَى الْحَاجَةِ كُرِهَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَإِنْ صُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ كَانَ يَكْرَهُ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا رَأَى سَوَادًا وَنَحْوَهُ فَيَظُنُّهُ عَذَابًا فَيُسِيءُ بِهِ ظَنًّا. أَمَّا الْعَوْرَةُ فَنَظَرُهَا حَرَامٌ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَمَسَّهُ بِيَدِهِ فَإِنْ مَسَّهُ أَوْ نَظَرَ إلَيْهِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَحْرُمَ، وَقِيلَ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَوْرَةً كَبَدَنِ الْمَرْأَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَأَمَّا غَيْرُ الْغَاسِلِ مِنْ مُعِينٍ وَغَيْرِهِ فَيُكْرَهُ لَهُ النَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ. (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ) لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَأَنْ احْتَرَقَ أَوْ لُدِغَ، وَلَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَفُّظُ (يُمِّمَ) وُجُوبًا قِيَاسًا عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يُغَسَّلُ مُحَافَظَةً عَلَى جُثَّتِهِ لِتُدْفَنَ بِحَالِهَا. وَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ فِيمَا إذَا يُمِّمَ لِفَقْدِهِ قَبْلَ دَفْنِهِ وَجَبَ غُسْلُهُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. وَلَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غُسْلِهِ تَسَارُعُ الْبِلَى إلَيْهِ، بَعْدَ دَفْنِهِ غُسِّلَ؛ لِأَنَّ مَصِيرَ جَمِيعِهِ إلَى الْبِلَى. (وَيُغَسَّلُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ) وَالنُّفَسَاءُ (وَالْمَيِّتُ بِلَا كَرَاهَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ كَغَيْرِهِمَا (وَإِذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهِيدِ الْجُنُبِ، وَانْفَرَدَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِإِيجَابِ غُسْلَيْنِ. (وَلْيَكُنْ الْغَاسِلُ أَمِينًا) نَدْبًا لِيُوثَقَ بِهِ فِي تَكْمِيلِ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشْرُوعِ، وَكَذَا مُعِينُ الْغَاسِلِ، فَإِنْ غَسَّلَهُ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ وَقَعَ الْمُوقَعُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْغُسْلِ (فَإِنْ رَأَى) الْغَاسِلُ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ (خَيْرًا) كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رَائِحَتِهِ (ذَكَرَهُ) نَدْبًا لِيَكُونَ أَدْعَى لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ (أَوْ غَيْرَهُ) كَأَنْ رَأَى سَوَادًا أَوْ تَغَيُّرَ رَائِحَةٍ أَوْ انْقِلَابَ صُورَةٍ (حَرُمَ ذِكْرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ» (1) وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً» (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) كَأَنْ كَانَ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ فَيَذْكُرُ ذَلِكَ لِيَنْزَجِرَ النَّاس عَنْهَا، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ بَحْثًا، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ: إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ، وَيَنْبَغِي اطِّرَادُهُ فِي الْمُتَجَاهِرِ بِالْفِسْقِ وَالظَّالِمِ، وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 وَلَوْ تَنَازَعَ أَخَوَانِ أَوْ زَوْجَتَانِ أُقْرِعَ. وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ الْكَفَنُ الْمُعَصْفَرُ. وَالْمُغَالَاةُ فِيهِ، وَالْمَغْسُولُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ. وَالصَّبِيُّ كَبَالِغٍ فِي تَكْفِينِهِ بِأَثْوَابٍ.   [مغني المحتاج] الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى مِنْ مُبْتَدِعٍ أَمَارَةَ خَيْرٍ كَتَمَهَا، وَلَا يَبْعُدُ إيجَابُهُ لِئَلَّا يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى الْإِغْرَاءِ بِهَا، وَيُسَنُّ كِتْمَانُهُ مِنْ الْمُتَجَاهِرِ بِالْفِسْقِ وَالظَّالِمِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِذِكْرِهَا أَمْثَالُهُ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّفْصِيلِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْكِتَابِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ عَائِدًا لِلْأَمْرَيْنِ اهـ. وَلَا بَأْسَ بِهِ. غَرِيبَةٌ حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مَالِكٍ غَسَّلَتْ امْرَأَةً فَالْتَصَقَتْ يَدُهَا عَلَى فَرْجِهَا فَتَحَيَّرَ النَّاسُ فِي أَمْرِهَا هَلْ تُقْطَعُ يَدُ الْغَاسِلَةِ أَوْ فَرْجُ الْمَيِّتَةِ؟ فَاسْتُفْتِيَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: سَلُوهَا مَا قَالَتْ لَمَّا وَضَعَتْ يَدَهَا عَلَيْهَا؟ فَسَأَلُوهَا فَقَالَتْ: قُلْتُ طَالَمَا عَصَى هَذَا الْفَرْجُ رَبَّهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا قَذْفٌ، اجْلِدُوهَا ثَمَانِينَ تَتَخَلَّصْ يَدُهَا، فَجَلَدُوهَا ذَلِكَ فَخَلَصَتْ يَدُهَا. فَمِنْ ثُمَّ قِيلَ: لَا يُفْتَى وَمَالِكٌ بِالْمَدِينَةِ. (وَلَوْ تَنَازَعَ أَخَوَانِ) مَثَلًا (أَوْ زَوْجَتَانِ) فِي غُسْلِ مَيِّتٍ لَهُمَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا حَتْمًا فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ غَسَّلَهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ. (وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ) فِي تَجْهِيزِهِ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] [الْأَنْفَالَ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ. (وَيُكْرَهُ) لِلْمَرْأَةِ (الْكَفَنُ الْمُعَصْفَرُ) وَالْمُزَعْفَرُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُزَعْفَرُ دُونَ الْمُعَصْفَرِ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَرَاهَةُ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ صَحِيحٌ. وَأَمَّا الْمُزَعْفَرُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَأَمَّا الرَّجُلُ فَيَحْرُمُ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا مَضَى يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا. (وَ) تُكْرَهُ (الْمُغَالَاةُ فِيهِ) أَيْ الْكَفَنِ بِارْتِفَاعِ ثَمَنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَاحْتُرِزَ بِالْمُغَالَاةِ عَنْ تَحْسِينِهِ فِي بَيَاضِهِ وَنَظَافَتِهِ وَسُبُوغِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «إذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» (2) أَيْ يَتَّخِذْهُ أَبْيَضَ نَظِيفًا سَابِغًا، وَفِي كَامِلِ ابْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ» (وَ) الْمَلْبُوسُ (الْمَغْسُولُ) بِأَنْ يُكَفَّنَ فِيهِ الْمَيِّتُ (أَوْلَى مِنْ الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ لِلصَّدِيدِ وَالْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ، فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبِهِ الْخَلَقِ وَزِيَادَةَ ثَوْبَيْنِ، وَقَالَ الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ لِلصَّدِيدِ، وَقِيلَ: الْجَدِيدُ أَوْلَى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَكُفِّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سُحُولِيَّةٍ جُدُدٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا. (وَ) الصَّغِيرُ (الصَّبِيُّ) أَوْ الصَّبِيَّةُ أَوْ الْخُنْثَى (كَبَالِغٍ فِي تَكْفِينِهِ بِأَثْوَابٍ) ثَلَاثَةٍ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْبَالِغِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِأَثْوَابٍ إلَى أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وَالْحَنُوطُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ. وَلَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، وَيَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ وَهَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا كَتَابُوتٍ، وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنْهَا. وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَيُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الْجِنَازَةِ   [مغني المحتاج] الْعَدَدِ لَا فِي جِنْسِ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ يَكُنْ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا. (وَالْحَنُوطُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ ذَرُّهُ كَمَا مَرَّ (مُسْتَحَبٌّ) لَا وَاجِبٌ كَمَا لَا يَجِبُ الطِّيبُ لِلْمُفْلِسِ وَإِنْ وَجَبَتْ كِسْوَتُهُ (وَقِيلَ وَاجِبٌ) كَالْكَفَنِ لِلْأَمْرِ بِهِ. (وَلَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ) نَدْبًا (وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (أُنْثَى) ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ الْحَمْلِ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُنَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِنَّ (وَيَحْرُمُ حَمْلُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ) كَحَمْلِهَا فِي غِرَارَةٍ أَوْ قُفَّةٍ، وَحَمْلِ الْكَبِيرِ عَلَى الْيَدِ أَوْ الْكَتِفِ مِنْ غَيْرِ نَعْشٍ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ (وَهَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِإِهَانَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُحْمَلُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْح أَوْ مَحْمَلٍ وَأَيُّ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَيْهِ أَجْزَأَ، وَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَانْفِجَارُهُ قَبْلَ أَنْ يُهَيَّأَ لَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَيْدِي وَالرِّقَابِ لِلْحَاجَةِ حَتَّى يُوصَلَ إلَى الْقَبْرِ (وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا كَتَابُوتٍ) وَهُوَ سَرِيرٌ فَوْقَهُ خَيْمَةٌ أَوْ قُبَّةٌ أَوْ مِكَبَّةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا، وَأَوَّلُ مَنْ فُعِلَ لَهُ ذَلِكَ زَيْنَبُ زَوْجَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ قَدْ رَأَتْهُ بِالْحَبَشَةِ لَمَّا هَاجَرَتْ وَأَوْصَتْ بِهِ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، (وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ) أَيْ لَا بَأْسَ بِهِ (فِي الرُّجُوعِ مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَكِبَ فَرَسًا مَعْرُورًا لَمَّا رَجَعَ مِنْ جِنَازَةِ أَبِي الدَّحْدَاحِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. وَأَمَّا فِي الذَّهَابُ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا لِعُذْرٍ كَبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ ضَعْفٍ. (وَلَا بَأْسَ بِاتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ (جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُوَارِيَ أَبَا طَالِبٍ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِمُؤْنَتِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ اهـ. وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمَ اتِّبَاعِ الْمُسْلِمِ جِنَازَةَ الْكَافِرِ غَيْرِ الْقَرِيبِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّاشِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْجَارُ كَمَا فِي الْعِيَادَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ الْإِلْحَاقُ. وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ زِيَارَةُ قَبْرِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] [التَّوْبَةَ] قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا غَلَطٌ فَالْأَكْثَرُونَ قَطَعُوا بِالْجَوَازِ: أَيْ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. (وَيُكْرَهُ اللَّغَطُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ (فِي) السَّيْرِ مَعَ (الْجِنَازَةِ) لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَرِهُوا رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ وَعِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الذِّكْرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ السُّكُوتِ فِي حَالِ السَّيْرِ مَعَ الْجِنَازَةِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِقِرَاءَةٍ وَلَا ذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِمَا، بَلْ يَشْتَغِلُ بِالتَّفَكُّرِ فِي الْمَوْتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْقُرَّاءِ بِالتَّمْطِيطِ وَإِخْرَاجِ الْكَلَامِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَحَرَامٌ يَجِبُ إنْكَارُهُ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ قَوْلَهُمْ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَمِعَ ابْنُ عُمَرَ قَائِلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وَإِتْبَاعُهَا بِنَارٍ. وَلَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكَفَّارٍ وَجَبَ غُسْلُ الْجَمِيعِ وَالصَّلَاةُ، فَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى الْجَمِيع بِقَصْدِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمَنْصُوصُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ تَقَدُّمُ غُسْلِهِ، وَتُكْرَهُ قَبْلَ تَكْفِينِهِ، فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ   [مغني المحتاج] يَقُولُ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ (وَ) يُكْرَهُ (إتْبَاعُهَا) بِسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ (بِنَارٍ) فِي مِجْمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاؤُلِ الْقَبِيحِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا تَتَّبِعْ الْجِنَازَةَ بِصَوْتٍ وَلَا نَارٍ» (1) وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ مَعَهَا الْمَجَامِرُ وَالنَّارُ، فَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ فَشَاذٌّ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَفِعْلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَبْرِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (وَلَوْ اخْتَلَطَ) مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ (مُسْلِمُونَ) أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (بِكَفَّارٍ) وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ أَوْ غَيْرُ شَهِيدٍ بِشَهِيدٍ أَوْ سِقْطٌ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِسِقْطٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَجَبَ) لِلْخُرُوجِ عَنْ الْوَاجِبِ (غُسْلُ الْجَمِيعِ) وَتَكْفِينُهُمْ (وَالصَّلَاةُ) عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: يُعَارَضُ ذَلِكَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ مُحَرَّمَةٌ، وَلَا يَتِمُّ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ) دُفْعَةً (بِقَصْدِ الْمُسْلِمِينَ) مِنْهُمْ فِي الْأُولَى وَغَيْرِ الشَّهِيدِ فِي الثَّانِيَةِ وَبِقَصْدِ السِّقْطِ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ (وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْمَنْصُوصُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَالنِّيَّةُ جَازِمَةٌ (أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ نَاوِيًا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ) مِمَّنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ فِي الْأُولَى إنْ كَانَ (مُسْلِمًا) وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ غَيْرَ شَهِيدٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ إنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ (وَيَقُولُ) فِي الْأُولَى (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا الثَّالِثَةِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ وَهُوَ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ، وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ مَحَلُّهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلُ بِالْإِفْرَادِ تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ تَعَيُّنُ الْجَمْعِ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ إلَى اجْتِمَاعِهِمْ يُؤَدِّي إلَى تَغَيُّرِ أَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ إفْرَادُ كُلٍّ بِصَلَاةٍ وَيُدْفَنُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَمَقَابِرِ الْكُفَّارِ. (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ) عَلَى الْجِنَازَةِ زَائِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ صَلَاتِهَا شَرْطَانِ أَشَارَ إلَى أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ (تَقَدُّمُ غُسْلِهِ) أَوْ تَيَمُّمِهِ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ كَصَلَاةِ نَفْسِهِ (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ عَلَيْهِ (قَبْلَ تَكْفِينِهِ) كَمَا قَالَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا وَاسْتَشْكَلَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَوْجُودَانِ فِيهِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْغُسْلَ شَرْطٌ دُونَ التَّكْفِينِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ اهـ. وَرُبَّمَا يُقَالُ إنَّ تَرْكَ السَّتْرِ أَخَفُّ مِنْ تَرْكِ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْقَضَاءِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ (فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ عَمِيقٍ (وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ وَلَا الْقَبْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَيُسَنُّ جَعْلُ صُفُوفِهِمْ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ.   [مغني المحتاج] وَغُسْلُهُ) وَتَيَمُّمُهُ (لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لَا خِلَافَ فِيهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، لِمَا صَحَّ «وَاذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ لِلْمَيِّتِ وَجَزَمَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ مَنْ أُحْرِقَ فَصَارَ رَمَادًا أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ بِذَلِكَ، وَبَسَطَ الْأَذْرَعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمْيَلُ، لَكِنَّ الَّذِي تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ مَشَايِخِنَا مَا فِي الْمَتْنِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْحَاضِرَةِ) إذَا صَلَّى عَلَيْهَا (وَ) أَنْ (لَا) يَتَقَدَّمَ عَلَى (الْقَبْرِ) إذَا صَلَّى عَلَيْهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا) اتِّبَاعًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ؛ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْإِمَامِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِإِمَامٍ مَتْبُوعٍ حَتَّى يَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُهُ بَلْ هُوَ كَعَبْدٍ جَاءَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ عِنْدَ مَوْلَاهُ، وَاحْتُرِزَ بِالْحَاضِرَةِ عَنْ الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ خَلْفَ ظَهْرِهِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ طَرِيقَيْنِ. أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ، وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَكَانٌ وَاحِدٌ، كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا تَنْزِيلًا لِلْمَيِّتِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ. (وَتَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ، بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فِي الْمَسْجِدِ) إنْ لَمْ يُخْشَ تَلْوِيثُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِيهِ عَلَى سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ بَيْضَاءَ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَأَمَّا. حَدِيثُ «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» فَضَعِيفٌ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَيْضًا الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ " فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ " أَمَّا إذَا خِيفَ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ (وَيُسَنُّ جَعْلُ صُفُوفِهِمْ) أَيْ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْمَيِّتِ (ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ) لِحَدِيثٍ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ «مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ وَجَبَتْ: أَيْ حَصَلَتْ لَهُ الْمَغْفِرَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ فَقَدْ غُفِرَ لَهُ وَفِي مُسْلِمٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ فِيهِ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ» وَهُنَا فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَفَضِيلَةُ غَيْرِهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ لِلنَّصِّ عَلَى كَثْرَةِ الصُّفُوفِ هُنَا. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَّى. وَمَنْ صَلَّى لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تُؤَخَّرُ لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ، وَقَاتِلُ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ فِي الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ   [مغني المحتاج] فَرْعٌ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ مَاتَ فِي وَقْتِ فَضِيلَةٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ وَالْعِيدِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ. فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ مَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَدُفِنَ فِي يَوْمِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ» . (وَإِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (فَحَضَرَ مَنْ) أَيْ شَخْصٌ (لَمْ يُصَلِّ) عَلَيْهِ (صَلَّى) عَلَيْهِ نَدْبًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى عَلَى قُبُورِ جَمَاعَةٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا دُفِنُوا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، وَتَقَعُ هَذِهِ الصَّلَاةُ فَرْضًا كَالْأُولَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ الدَّفْنِ أَمْ بَعْدَهُ فَيَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَيُثَابُ ثَوَابَهُ. (وَمَنْ صَلَّى) عَلَى مَيِّتٍ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ (لَا يُعِيدُ) هَا: أَيْ لَا يُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا، وَالثَّانِيَةُ تَقَعُ نَفْلًا، نَعَمْ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا صَلَّى ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَتَطَهَّرُ بِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، وَالثَّانِي يُسَنُّ إعَادَتُهَا فِي جَمَاعَةٍ، سَوَاءٌ أَصَلَّى مُنْفَرِدًا أَمْ فِي جَمَاعَةٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ. وَالثَّالِثُ: إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً سُنَّ لَهُ الْإِعَادَةُ مَعَهُمْ لِحِيَازَةِ فَضِيلَتِهَا وَإِلَّا فَلَا. وَالرَّابِعُ: تُكْرَهُ إعَادَتُهَا. وَالْخَامِسُ: تَحْرُمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى ثَانِيًا وَقَعَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً لَا تَنْعَقِدُ، بَلْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ تَقَعُ فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَالشَّفَاعَةَ لَهُ صَحَّتْ دُونَ غَيْرِهَا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَتَقَعُ صَلَاتُهُ فَرْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا. . أُجِيبَ بِأَنَّ السَّاقِطَ بِالْأُولَى عَنْ الْبَاقِينَ حَرَجُ الْفَرْضِ لَا هُوَ، وَقَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غَيْرَ فَرْضٍ وَبِالدُّخُولِ فِيهِ يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَأَحَدِ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَالَ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ، بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ، وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا. (وَلَا تُؤَخَّرُ) الصَّلَاةُ (لِزِيَادَةِ مُصَلِّينَ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ» وَلَا بَأْسَ بِانْتِظَارِ الْوَلِيِّ عَنْ قُرْبٍ مَا لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُهُ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إذَا حَضَرَ جَمْعٌ قَلِيلٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا يُنْتَظَرُ غَيْرُهُمْ لِيَكْثُرُوا. نَعَمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: إذَا كَانُوا دُونَ أَرْبَعِينَ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُهُمْ عَنْ قُرْبٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مَطْلُوبٌ فِيهَا، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ لِلْأَرْبَعِينَ. قِيلَ: وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ أَرْبَعُونَ إلَّا كَانَ لِلَّهِ فِيهِمْ وَلِيٌّ، وَحُكْمُ الْمِائَةِ كَالْأَرْبَعِينَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ مَنْ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ لَا تُنْتَظَرُ جَمَاعَةٌ أُخْرَى لِيُصَلُّوا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى بَلْ يُصَلُّونَ عَلَى الْقَبْرِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْرَاعَ بِالدَّفْنِ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ؛ وَالصَّلَاةَ لَا تَفُوتُ بِالدَّفْنِ. (وَقَاتِلُ نَفْسِهِ) حُكْمُهُ (كَغَيْرِهِ فِي) وُجُوبِ (الْغُسْلِ) لَهُ (وَالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ صَلَاةَ غَائِبٍ، وَالْمَأْمُومُ صَلَاةَ حَاضِرٍ، أَوْ عَكَسَ جَازَ. وَالدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ.   [مغني المحتاج] وَقَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ إلَّا أَنَّ فِيهِ إرْسَالًا وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أُمُورٍ: مِنْهَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ» فَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ النَّاسُ مَا ارْتَكَبَ. وَأَجَابَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ. فَائِدَةٌ: رَوَى أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ وَلَدًا لَهُ اعْتَلَّ مِنْ كَثْرَةِ الْأَكْلِ، فَقَالَ: إنْ مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاصِيًا. (وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ صَلَاةَ غَائِبٍ، وَ) نَوَى (الْمَأْمُومُ صَلَاةَ حَاضِرٍ أَوْ عَكَسَ) كُلٌّ مِنْهُمَا (جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ نِيَّتِهِمَا لَا تَضُرُّ كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَرَاءَ مُصَلِّي الْعَصْرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَالْمَأْمُومُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا آخَرَ، فَالْحَاصِلُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ نَوَى الْمَأْمُومُ الصَّلَاةَ عَلَى غَيْرِ مَنْ نَوَاهُ الْإِمَامُ لَشَمِلَ الْأَرْبَعَ. (وَالدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ) مِنْهُ بِغَيْرِهَا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ دُعَاءِ الزُّوَّارِ وَالْمَارِّينَ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْفِنُ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ بِالْبَقِيعِ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الدَّفْنَ بِالْبَيْتِ مَكْرُوهٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ. وَأَمَّا دَفْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ؛ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّهِيدَ فَيُسَنُّ دَفْنُهُ حَيْثُ قُتِلَ لِحَدِيثٍ فِيهِ، وَيُسَنُّ الدَّفْنُ فِي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالصَّالِحِينَ. وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ فِي مِلْكِي أَوْ فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ وَالْبَاقُونَ فِي الْمَقْبَرَةِ،. أُجِيبَ طَالِبُهَا فَإِنْ دَفَنَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَمْ يُنْقَلْ أَوْ فِي أَرْضِ التَّرِكَةِ فَلِلْبَاقِينَ لَا لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ جُهِلَ وَالدَّفْنُ لَهُ إنْ بَلَى الْمَيِّتُ أَوْ نُقِلَ مِنْهُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي مَقْبَرَتَيْنِ وَلَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: إنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أُجِيبَ الْمُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً أُجِيبَ الْقَرِيبُ دُونَ الزَّوْجِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَحَلُّهُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ التُّرْبَتَيْنِ وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمَيِّتِ فَيُجَابُ الدَّاعِي إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقْرَبَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ مُجَاوِرَةَ الْأَخْيَارِ وَالْأُخْرَى بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلَحِ مَنَعَهُمْ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ،. وَلَوْ تَنَازَعَ الْأَبُ وَالْأُمُّ فِي دَفْنِ وَلَدٍ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَنَا أَدْفِنُهُ فِي تُرْبَتِي. فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إجَابَةُ الْأَبِ. وَلَوْ كَانَتْ الْمَقْبَرَةُ مَغْصُوبَةً أَوْ اشْتَرَاهَا ظَالِمٌ بِمَالٍ خَبِيثٍ ثُمَّ سَبَلَهَا أَوْ كَانَ أَهْلُهَا أَهْلَ بِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ كَانَتْ تُرْبَتُهَا فَاسِدَةً لِمُلُوحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ كَانَ نَقْلُ الْمَيِّتِ إلَيْهَا يُؤَدِّي إلَى انْفِجَارِهِ فَالْأَفْضَلُ اجْتِنَابُهَا بَلْ يَجِبُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ فِي سَفِينَةٍ وَأَمْكَنَ مَنْ هُنَاكَ دَفْنُهُ لِكَوْنِهِمْ قُرْبَ الْبَرِّ وَلَا مَانِعَ لَزِمَهُمْ التَّأْخِيرَ لِيَدْفِنُوهُ فِيهِ وَإِلَّا جُعِلَ بَيْنَ لَوْحَتَيْنِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَأُلْقِيَ لِيَنْبِذَهُ الْبَحْرُ إلَى مَنْ لَعَلَّهُ يَدْفِنُهُ وَلَوْ ثُقِّلَ بِشَيْءٍ لِيَنْزِلَ إلَى الْقَرَارِ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا. وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ شَيْءٌ وَلَا مِخَدَّةٌ. وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ إلَّا فِي أَرْضٍ نَدْيَةٍ أَوْ رِخْوَةٍ.   [مغني المحتاج] يَأْثَمُوا. وَإِذَا أَلْقَوْهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ أَوْ فِي الْبَحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. وَلَا يَجُوزُ دَفْنُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَا عَكْسُهُ، وَإِذَا اخْتَلَطُوا دُفِنُوا فِي مَقْبَرَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ كَمَا مَرَّ، وَمَقْبَرَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا انْدَرَسَتْ جَازَ أَنْ تُجْعَلَ مَقْبَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَمَسْجِدًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَذَلِكَ. وَلَوْ حَفَرَ شَخْصٌ قَبْرًا فِي مَقْبَرَةٍ لَمْ يَكُنْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ مَيِّتٍ آخَرَ يَحْضُرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي بِأَيِّ أَرْضٍ يَمُوتُ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُزَاحِمَ عَلَيْهِ. (وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا) أَيْ الْمَقْبَرَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ، وَرُبَّمَا رَأَى مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ، وَفِي كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الْقَبْرِ الْمُفْرَدِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مَسْكُونٍ اهـ. وَالتَّفْرِقَةُ أَظْهَرُ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ التُّرَبِ مَسْكُونَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ فِيهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا، وَأَمَّا إذَا كَانُوا جَمَاعَةً كَمَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا فِي الْبَيَاتِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ زِيَارَةٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ. (وَيُنْدَبُ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ (رَجُلًا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَتَرَ قَبْرَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِمَا عَسَاهُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِمَّا كَانَ يَجِبُ سَتْرُهُ وَهُوَ لِلْأُنْثَى آكَدُ مِنْهُ لِغَيْرِهَا بَلْ قِيلَ يَخْتَصُّ السَّتْرُ بِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَلِلْخُنْثَى آكَدُ مِنْ الرَّجُلِ كَمَا فِي الْحَيَاةِ (وَ) يُنْدَبُ (أَنْ يَقُولَ) الَّذِي يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ (بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَفِي رِوَايَةٍ سُنَّةِ بَدَلَ مِلَّةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ مِنْ الدُّعَاءِ مَا يُنَاسِبُ الْحَالَ. (وَلَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ) فِي الْقَبْرِ (شَيْءٌ) مِنْ الْفِرَاشِ (وَلَا) يُوضَعُ تَحْتَ رَأْسِهِ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ جَمْعُهَا مَخَادُّ بِفَتْحِهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا آلَةً لِوَضْعِ الْخَدِّ عَلَيْهَا أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، بَلْ يُوضَعُ بَدَلَهَا حَجَرٌ أَوْ لَبِنَةٌ. وَيُفْضِي بِخَدِّهِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا اُحْتُضِرَ أَوْصَى أَنْ لَا يَجْعَلُوا فِي لَحْدِهِ شَيْئًا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ. وَأَوْصَى عُمَرُ أَنَّهُمْ إذَا نَزَّلُوهُ الْقَبْرَ يُفْضُوا بِخَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا بَأْسَ أَنْ يُبْسَطَ تَحْتَ جَبِينِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ صَادِرًا عَنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا بِرِضَاهُمْ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الِاسْتِيعَابِ أَنَّ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ أُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يُهَالَ التُّرَابُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُتَّخَذُ لَهُ فِرَاشٌ وَلَا مِخَدَّةٌ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ؛ لِأَنَّ الْمِخَدَّةَ إنْ دَخَلَتْ فِيمَا يُفْرَشُ تَحْتَهُ فَقَدْ دَخَلَتْ فِي لَفْظِ الشَّيْءِ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ وَهُوَ الصَّوَابُ لَمْ يَبْقَ لَهَا عَامِلٌ يَرْفَعُهَا. (وَيُكْرَهُ دَفْنُهُ فِي تَابُوتٍ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ (إلَّا فِي أَرْضٍ نَدْيَةٍ) بِسُكُونِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ (أَوْ رِخْوَةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا: ضِدُّ الشَّدِيدَةِ فَلَا يُكْرَهُ لِلْمَصْلَحَةِ وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وَيَجُوزُ الدَّفْنُ لَيْلًا، وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ، وَغَيْرُهُمَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ   [مغني المحتاج] الْمَيِّتِ تَهْرِيَةٌ بِحَرِيقٍ أَوْ لَذْعٍ بِحَيْثُ لَا يَضْبُطُهُ إلَّا التَّابُوتُ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا مَحْرَمَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِئَلَّا يَمَسَّهَا الْأَجَانِبُ عِنْدَ الدَّفْنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَلْحَقَ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِذَلِكَ دَفْنَهُ فِي أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَصُونُهُ مِنْ نَبْشِهَا إلَّا التَّابُوتُ. (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (الدَّفْنُ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ مَا عَدَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دُفِنُوا لَيْلًا، وَقَدْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ إخْرَاجِ جَنَائِزِهِمْ نَهَارًا، وَعَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ (وَ) كَذَا يَجُوزُ (وَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ) بِلَا كَرَاهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا أَوْ مُقَارِنًا، وَهُوَ الْمَوْتُ (مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) فَإِنْ تَحَرَّاهُ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى الْمَتْنُ عَدَمَ الْجَوَازِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَعَلَى الْكَرَاهَةِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ، وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ» وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَحَرِّي الدَّفْنِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِالْفِعْلِ، وَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَصَوَّبَ فِي الْخَادِمِ كَرَاهَةَ تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ اللَّيْلِ، وَوَقْتِ الْكَرَاهَةِ (أَفْضَلُ) أَيْ فَاضِلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَافَ مِنْ تَأْخِيرِهِ إلَى غَيْرِهِمَا تَغَيُّرًا لِسُهُولَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَ مِنْ تَفْضِيلِ غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ عَلَيْهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا يَتَّجِهُ صِحَّتُهُ، فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ. وَيَرُدُّ ذَلِكَ الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَالسُّنَّةُ غَيْرُهُمَا لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ. . فَرْعٌ: يَحْصُلُ مِنْ الْأَجْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ قِيرَاطٌ، وَيَحْصُلُ مِنْهُ وَالْحُضُورُ مَعَهُ إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا لِلْمُوَارَاةِ فَقَطْ قِيرَاطَانِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ» وَفِي رِوَايَةٍ «حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ: قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» وَلِمُسْلِمٍ «أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ» وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ " حَتَّى يُوضَعُ فِي اللَّحْدِ " وَهَلْ ذَلِكَ بِقِيرَاطِ الصَّلَاةِ أَوْ بِدُونِهِ فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ قَرَارِيطَ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، لَكِنْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ التَّصْرِيحُ بِالْأَوَّلِ، وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ شَيَّعَ جِنَازَةً حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا كُتِبَ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ» وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ وَحْدَهُ وَمَكَثَ حَتَّى دُفِنَ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ الْقِيرَاطُ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَهُ أَجْرٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَنَائِزُ وَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً: هَلْ يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهَا أَوْ لَا نَظَرًا لِاتِّحَادِ الصَّلَاةِ؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ التَّعَدُّدُ وَبِهِ أَجَابَ قَاضِي حَمَاةَ الْبَارِزِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ. وَلَوْ بُنِيَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ هُدِمَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ،   [مغني المحتاج] أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالْجِصِّ، وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ الْجِيرُ، وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِيبُهُ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَإِنْ خَالَفَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَاهُ كَالتَّجْصِيصِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ أَكُتِبَ اسْمُ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ لِتَعَرُّضِهِ لِلدَّوْسِ عَلَيْهِ وَالنَّجَاسَةِ وَالتَّلْوِيثِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى عِنْدَ تَكْرَارِ النَّبْشِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ اهـ. لَكِنَّ هَذَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ، فَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى قُبَّةً فَنَحَاهَا، وَقَالَ: دَعُوهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ، وَفِي الْبُخَارِيِّ لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ضَرَبَتْ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً، ثُمَّ رُفِعَتْ فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ: أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا، فَأَجَابَهُ آخَرُ: بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا، وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا النَّاسُ {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8] . (وَلَوْ بُنِيَ) عَلَيْهِ (فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ) وَهِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا (هُدِمَ) الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ قُبَّةً أَوْ بَيْتًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمُسَبَّلِ - كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ - قَرَافَةُ مِصْرَ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ذَكَرَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ فِيهَا مَالًا جَزِيلًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ فَكَاتَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ. فَكَتَبَ إلَيْهِ إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَّا لِأَجْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلُوهَا لِمَوْتَاكُمْ، وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ فِيهَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْبِنَاءَ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ مَكْرُوهٌ، وَلَكِنْ يُهْدَمُ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْبِنَاءِ، وَفَصَلَ فِي الْهَدْمِ بَيْنَ الْمُسَبَّلَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ لِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ التَّجْصِيصَ وَالْكِتَابَةَ وَالْبِنَاءَ فِي غَيْرِ الْمُسَبَّلَةِ لَا حُرْمَةَ فِيهِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِتَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَلَوْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا كَانَ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: هَدْمُ الْحُرْمَةِ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ، فَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: إنَّ غَرْسَ الشَّجَرَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ قَالَ: فَإِنْ غُرِسَتْ قُطِعَتْ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْ الْمُصَنِّفِ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا إذَا بَنَى عَلَى الْقَبْرِ خَاصَّةً بِحَيْثُ يَكُونُ الْبِنَاءُ وَاقِعًا فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ، وَالْحُرْمَةُ مَا عَلَى إذَا بَنَى عَلَى الْقَبْرِ قُبَّةً أَوْ بَيْتًا يَسْكُنُ فِيهِ: وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ مُطْلَقًا. (وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَتَفَاؤُلًا بِالرَّحْمَةِ وَتَبْرِيدًا لِمَضْجَعِ الْمَيِّتِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ حِفْظًا لِلتُّرَابِ أَنْ يَتَنَاثَرَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ طَهُورًا بَارِدًا وَالظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ بِالنَّجِسِ أَوْ تَحْرِيمُهُ اهـ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وَيُوضَعُ عَلَيْهِ حَصًى، وَعِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ. وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي مَوْضِعٍ. وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ،   [مغني المحتاج] فَفِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَخَرَجَ بِالْمَاءِ مَاءُ الْوَرْدِ فَالرَّشُّ بِهِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَمْ يَبْعُدْ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْيَسِيرِ مِنْهُ إذَا قُصِدَ بِهِ حُضُورُ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهَا تُحِبُّ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَانِعُ الْحُرْمَةِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُطْلَى بِالْخَلُوقِ (وَيُوضَعُ عَلَيْهِ حَصًى) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَهُ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ رَأَى عَلَى قَبْرِهِ فُرْجَةً فَأَمَرَ بِهَا فَسُدَّتْ وَقَالَ: إنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا عَمِلَ شَيْئًا أَحَبَّ اللَّهُ مِنْهُ أَنْ يُتْقِنَهُ» وَيُسَنُّ أَيْضًا وَضْعُ الْجَرِيدِ الْأَخْضَرِ عَلَى الْقَبْرِ وَكَذَا الرَّيْحَانُ وَنَحْوُهُ مِنْ الشَّيْءِ الرَّطْبِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْغَيْرِ أَخْذُهُ مِنْ عَلَى الْقَبْرِ قَبْلَ يُبْسِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ يُبْسِهِ لِزَوَالِ نَفْعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ رُطُوبَتِهِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ (وَ) أَنْ يُوضَعَ (عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ صَخْرَةً وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْ الْمَاوَرْدِيُّ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا. (وَ) يُنْدَبُ (جَمْعُ الْأَقَارِبِ) لِلْمَيِّتِ (فِي مَوْضِعٍ) وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَيُسَنُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا دُفِنُوا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ، وَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ: إلْحَاقُ الزَّوْجَيْنِ وَالْعُتَقَاءِ وَالْأَصْدِقَاءِ بِالْأَقَارِبِ. (وَ) يُنْدَبُ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ) الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ (لِلرِّجَالِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا، ثُمَّ نُسِخَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» ، وَلَا تَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي ضَمِيرِ الرِّجَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ، «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا بِكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» وَرُوِيَ «فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْمَوْتَ» وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ أَوَّلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَاشْتَهَرَتْ أَمَرَهُمْ بِهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ مَنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ زِيَارَتُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ صَاحِبٍ، فَيُسَنُّ لَهُ زِيَارَتُهُ فِي الْمَوْتِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيُسَنُّ لَهُ زِيَارَتُهُ إنْ قُصِدَ بِهَا تَذَكُّرُ الْمَوْتِ أَوْ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَحْوَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ مَوْضِعَ النَّدْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ سَفَرٌ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَطْ، بَلْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ لِذَلِكَ، وَاسْتُثْنِيَ قَبْرُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ: أَيْ فَيُكْرَهُ، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ. أَمَّا قُبُورُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَقِيلَ تُبَاحُ، وَيُسَلِّمُ الزَّائِرُ وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو.   [مغني المحتاج] الْكُفَّارِ فَزِيَارَتُهَا مُبَاحَةٌ، وَإِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِحُرْمَتِهَا (وَتُكْرَهُ) زِيَارَتُهَا (لِلنِّسَاءِ) ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَكَثْرَةِ الْجَزَعِ وَقِلَّةِ احْتِمَالِ الْمَصَائِبِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ بِامْرَأَةٍ عَلَى قَبْرٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي» (1) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ حَرَامًا لَنَهَى عَنْهَا، وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ يَعْنِي إذَا زُرْتُ الْقُبُورَ، قَالَ: قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَقِيلَ تَحْرُمُ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَبِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ (وَقِيلَ تُبَاحُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْإِحْيَاءِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ إذَا أُمِنَ الِافْتِتَانُ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَالْخَبَرِ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا بُكَاءٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ. أَمَّا زِيَارَتُهُ فَمِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَأَلْحَقَ الدَّمَنْهُورِيُّ بِهِ قُبُورَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ قَبْرِ أَبَوَيْهَا وَإِخْوَتِهَا وَسَائِرِ أَقَارِبِهَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِالصِّلَةِ مِنْ الصَّالِحِينَ اهـ. وَالْأَوْلَى عَدَمُ إلْحَاقِهِمْ بِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْكَرَاهَةِ (وَيُسَلِّمُ نَدْبًا) (الزَّائِرُ) لِلْقُبُورِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَهُ قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» (3) ، أَوْ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» كَمَا رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ. زَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ، أَوْ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ إنْ بِمَعْنَى إذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] وَقَوْلُهُ دَارَ: أَيْ أَهْلَ دَارِ، وَنَصْبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ، وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي: لَا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْخِطَابِ؛ بَلْ يَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ شَخْصًا قَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى» . وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا إخْبَارٌ عَنْ عَادَةِ الْعَرَبِ لَا تَعْلِيمٌ لَهُمْ (وَيَقْرَأُ) عِنْدَهُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْمَقَابِرِ فَإِنَّ الثَّوَابَ لِلْحَاضِرِينَ وَالْمَيِّتُ كَحَاضِرٍ يُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ، وَفِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ كَلَامٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَصَايَا (وَيَدْعُو) لَهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَعِنْدَ الدُّعَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ: بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَوْ فِي أَرْضٍ، أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ،   [مغني المحتاج] يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَإِنْ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ وَجْهِ الْمَيِّتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ، وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ. (وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ) قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ مِنْ بَلَدِ مَوْتِهِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) لِيُدْفَنَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ وَمِنْ التَّعْرِيضِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْبَلَدِ لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ بَلْ الصَّحْرَاءُ كَذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ مِنْهَا مَعَ الْبَلَدِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: مِنْ بَلَدٍ لِبَلَدٍ، مِنْ بَلَدٍ لِصَحْرَاءَ، وَعَكْسُهُ، وَمَنْ صَحْرَاءَ لِصَحْرَاءَ، وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ فِي الْبَلْدَتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَتَيْنِ، لَا سِيَّمَا وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِالدَّفْنِ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَلَعَلَّ الْعِبْرَةَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ بِمَسَافَةِ مَقْبَرَتِهَا. أَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ نَبْشِهِ (وَقِيلَ) أَيْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (يُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَلَى تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، نَصَّ عَلَيْهِ) الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِفَضْلِهَا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدًا إلَى الْكَرَاهَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ أَوْ عَائِدًا إلَيْهِمَا مَعًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى عَلَى قَاعِدَتِنَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَقِبَ الْجُمَلِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقُرْبِ مَسَافَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا الْمَيِّتُ قَبْلَ وُصُولِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ لَا نَفْسُ الْبَلَدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ الشَّهِيدِ لِخَبَرِ جَابِرٍ قَالَ «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ اهـ. وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: لَا يَبْعُدُ أَنْ تُلْحَقَ الْقَرْيَةُ الَّتِي فِيهَا صَالِحُونَ بِالْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ مِنْ بَلَد مَوْتِهِ إلَى الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ أَيْ عِنْدَ الْقُرْبِ وَأَمْنِ التَّغَيُّرِ لَا مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِذَا جَازَ النَّقْلُ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ ذَلِكَ قَدْ تَعَلَّقَ بِالْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِجَوَازِ النَّقْلِ، وَلَوْ مَاتَ سُنِّيٌّ فِي بِلَادِ الْمُبْتَدِعَةِ نُقِلَ إنْ لَمْ يُمْكِنَ إخْفَاءُ قَبْرِهِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَنَحْوُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ دَفَنَّاهُ ثَمَّ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ تَعَارَضَ الْقُرْبُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَدَفْنُهُ بَيْنَ أَهْلِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى. (وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ) وَقَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ (لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ) كَصَلَاةٍ عَلَيْهِ وَتَكْفِينِهِ (حَرَامٌ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ: بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ) وَلَا تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِبُ غُسْلُهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَاسْتَدْرَكَ عِنْدَ قُرْبِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ نَبْشُهُ وَغُسْلُهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنَتْنٍ أَوْ تَقَطُّعٍ، ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقِيلَ يُنْبَشُ مَا بَقِيَ مِنْهُ جُزْءٌ، وَقِيلَ لَا يُنْبَشُ مُطْلَقًا، بَلْ يُكْرَهُ لِلْهَتْكِ، وَلَوْ قَالَ كَأَنْ دُفِنَ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْحَصْرُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَسَأُنَبِّهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَرَكَهُ (أَوْ) دُفِنَ (فِي أَرْضٍ أَوْ) فِي (ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ) وَطَالَبَ بِهِمَا مَالِكُهُمَا فَيَجِبُ النَّبْشُ، وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ، وَيُسَنُّ لِصَاحِبِهِمَا التَّرْكُ، وَمَحَلُّ النَّبْشِ فِي الثَّوْبِ إذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَالٌ، أَوْ دُفِنَ، لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا لِلتَّكْفِينِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فِيهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّا إذَا لَمْ نَجِدْ إلَّا ثَوْبًا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا وَلَا يُدْفَنُ عُرْيَانًا وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْكَفَنُ الْحَرِيرُ كَالْمَغْصُوبِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ بِعَدَمِ النَّبْشِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ وَقَعَ فِيهِ) أَيْ الْقَبْرِ (مَالٌ) وَإِنْ قَلَّ كَخَاتَمٍ، فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَنِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْكَفَنَ ضَرُورِيٌّ لِلْمَيِّتِ لَا يُجْدِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَيْهِ فَقَدْ رُدَّ بِمُوَافَقَةِ صَاحِبَيْ الِانْتِصَارِ وَالِاسْتِقْصَاءِ لَهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي وُجُوبِ النَّبْشِ أَوْ جَوَازِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُطْلِقِينَ عَلَى الْجَوَازِ، وَكَلَامُ الْمُهَذَّبِ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ الطَّلَبِ، فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِهِمْ اهـ. وَلَوْ بَلَغَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ وَرُدَّ لِصَاحِبِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالتَّقْيِيدُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ غَرِيبٌ، وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الشَّقِّ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ إنْ ابْتَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ فَلَا يُنْبَشُ وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ (أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ) فَيَجِبُ نَبْشُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ اسْتِدْرَاكًا لِلْوَاجِبِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ لَمْ يُنْبَشْ (لَا لِلتَّكْفِينِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ غَرَضَ التَّكْفِينِ السَّتْرُ، وَقَدْ حَصَلَ بِالتُّرَابِ مَعَ مَا فِي النَّبْشِ مِنْ الْهَتْكِ. وَالثَّانِي: يُنْبَشُ قِيَاسًا عَلَى الْغُسْلِ بِجَامِعِ الْوُجُوبِ. تَنْبِيهٌ قَدْ مَرَّ أَنَّ صُوَرَ النَّبْشِ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا قَالَهُ، وَقَدْ ذَكَرْتُ صُوَرًا زِيَادَةً عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ، وَبَقِيَ صُوَرٌ أُخَرُ: مِنْهَا مَا لَوْ دُفِنَتْ امْرَأَةٌ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ تُرْجَى حَيَاتُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ نُبِشَتْ وَشُقَّ جَوْفُهَا وَأُخْرِجَ تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ شَقُّ جَوْفِهَا قَبْلَ الدَّفْنِ، وَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ لَمْ تُنْبَشْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ دُفِنَتْ تُرِكَتْ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ تُدْفَنَ، وَقَوْلُ التَّنْبِيهِ: تُرِكَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمُوتَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ بُشِّرَ بِمَوْلُودٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ أُنْثَى فَأَمَتِي حُرَّةٌ، فَمَاتَ الْمَوْلُودُ وَدُفِنَ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ فَيُنْبَشْ لِيَعْتِقَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ مَيِّتًا فَدُفِنَ وَجُهِلَ حَالُهُ، فَالْأَصَحُّ مِنْ زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ نَبْشُهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَمَا دُفِنَ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ وَطَلَبَ الْإِرْثَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَطَلَبَتْ الْإِرْثَ، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً فَيُنْبَشُ، فَلَوْ نُبِشَ فَبَانَ خُنْثَى تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُوقَفُ الْمِيرَاثُ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ: إنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا. وَمِنْهَا أَنْ يَلْحَقَهُ سَيْلٌ أَوْ نَدَاوَةٌ فَيُنْبَشَ لِيُنْقَلَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدًا ذَكَرًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ حَالُهُ فَيُنْبَشَ لِقَطْعِ النِّزَاعِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَخْصِهِ ثُمَّ دُفِنَ وَاشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ الصُّورَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ   [مغني المحتاج] فَيُنْبَشْ لِيُعْرَفَ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فِي أَنَّ الْمَدْفُونَ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى لِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِي الْمُنَاسَخَاتِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهَا مَا إذَا تَدَاعَيَا مَوْلُودًا وَدُفِنَ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ لِيُلْحِقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ دُفِنَ الْكَافِرُ فِي الْحَرَمِ فَيُنْبَشُ وَيُخْرَجُ. أَمَّا بَعْدَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَلَا يَحْرُمُ نَبْشُهُ بَلْ تَحْرُمُ عِمَارَتُهُ وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ لِظَنِّهِمْ بِذَلِكَ عَدَمَ الْبِلَى. قَالَ الْمُوَفَّقُ حَمْزَةُ الْحْمُويُّ فِي مُشْكَلِ الْوَسِيطِ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُونُ صَحَابِيًّا أَوْ مَنْ اُشْتُهِرَتْ وِلَايَتُهُ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ عِنْدَ الِانْمِحَاقِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ، فَإِنْ قَضِيَّتَهُ جَوَازُ عِمَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَعَ جَزْمِهِمَا هُنَا بِأَنَّهُ إذَا بَلَى الْمَيِّتُ لَمْ تَجُزْ عِمَارَةُ قَبْرِهِ وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ. (وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» (1) رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَفَنْتُمُونِي فَأُقِيمُوا بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلَ قَبْرِي سَاعَةً قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمُ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي. وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ الدَّفْنِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا. لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذْكِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيَقْعُدُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ الطِّفْلُ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ تَكْلِيفٌ فَلَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ. (وَ) يُسَنُّ (لِجِيرَانِ أَهْلِهِ) وَلِأَقَارِبِهِ الْأَبَاعِدِ وَإِنْ كَانَ الْأَهْلُ بِغَيْرِ بَلَدِ الْمَيِّتِ (تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ) أَيْ أَهْلَهُ الْأَقَارِبَ (يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرٍ: اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 فِي الْأَكْلِ. وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. كِتَابُ الزَّكَاةِ   [مغني المحتاج] وَلِأَنَّهُ بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ؛ وَالتَّعْبِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَاضِحٌ إذَا مَاتَ فِي أَوَائِلِ اللَّيْلِ، فَلَوْ مَاتَ فِي أَوَاخِرِهِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ اللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ أَيْضًا لَا سِيَّمَا إذَا تَأَخَّرَ الدَّفْنُ عَنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ (وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ) نَدْبًا (فِي الْأَكْلِ) مِنْهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِئَلَّا يَضْعُفُوا، فَرُبَّمَا تَرَكُوهُ اسْتِحْيَاءً أَوْ لِفَرْطِ الْحُزْنِ، وَلَا بَأْسَ بِالْقَسَمِ إذَا عَرَفَ الْحَالِفُ أَنَّهُمْ يَبِرُّونَ قَسَمَهُ. (وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ) وَالنَّادِبَاتِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ. أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَبِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، رَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصُنْعَهُمْ الطَّعَامَ النِّيَاحَةَ. . خَاتِمَةٌ: صَحَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا، فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالثِّيَابِ الْعَمَلُ، وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا يَحْتَاجُ أَنْ يُجِيبَ عَنْ كَوْنِهِمْ يُحْشَرُونَ عُرَاةً بِأَنَّ الْبَعْثَ غَيْرُ الْحَشْرِ، وَصَحَّ أَنَّ مَوْتَ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسَفٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ مَوْتِ الْفَجْأَةِ، وَرَوَى الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي السَّكَنِ الْهَجَرِيِّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَاتُوا فَجْأَةً، وَيُقَالُ إنَّهُ مَوْتُ الصَّالِحِينَ، وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَوَّلَ عَلَى مَنْ لَهُ تَعَلُّقَاتٌ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ وَالتَّوْبَةِ. أَمَّا الْمُتَيَقِّظُونَ الْمُسْتَعِدُّونَ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَرِفْقٌ بِهِمْ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ أَنَّ مَوْتَ الْفَجْأَةِ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَأَخْذَةُ غَضَبٍ لِلْفَاجِرِ. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 كِتَابُ الزَّكَاةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الزَّكَاةِ] (كِتَابُ الزَّكَاةِ) هِيَ لُغَةً النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ، يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ: إذَا نَمَا، وَزَكَتْ النَّفَقَةُ إذَا بُورِكَ فِيهَا، وَفُلَانٌ زَاكٍ: أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ، وَتُطْلَقُ عَلَى التَّطْهِيرِ. قَالَ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الْأَدْنَاسِ، وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَدْحِ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] أَيْ تَمْدَحُوهَا. وَشَرْعًا اسْمٌ لِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ يَجِبُ صَرْفُهُ لِأَصْنَافٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرَائِطَ سَتَأْتِي، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِبَرَكَةِ إخْرَاجِهَا وَدُعَاءِ الْآخِذِ؛ وَلِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُخْرِجَهَا مِنْ الْإِثْمِ وَتَمْدَحُهُ حِينَ تَشْهَدُ لَهُ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وقَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْخَبَرِ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَإِنْ أَتَى بِهَا، وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا عَلَيْهَا، وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْكَلَامُ فِي الزَّكَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا. أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا كَزَكَاةِ التُّجَّارِ وَالرِّكَازِ وَزَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَوْ الزَّكَاةِ فِي مَالِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهَا، وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ النَّعَمُ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ. الثَّانِي: الْمُعَشَّرَاتُ، وَهِيَ الْقُوتُ وَهُوَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ. الثَّالِثُ النَّقْدُ، وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ فَيَشْمَلُ الْبُرَّ. الرَّابِعُ التِّجَارَةُ. الْخَامِسُ الْفِطْرَةُ وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ إنَّمَا تَجِبُ مِنْهُ فِي النَّعَمِ: وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَا الْخَيْلُ وَالرَّقِيقُ، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ. وَلَا شَيْءَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ،   [مغني المحتاج] ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ، وَالزَّرْعُ، وَالنَّخْلُ، وَالْكَرْمُ، وَلِذَلِكَ وَجَبَتْ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ. . [بَاب زَكَاةِ الْحَيَوَانِ] وَلَمَّا كَانَتْ الْأَنْعَامُ أَكْثَرَ أَمْوَالِ الْعَرَبِ بَدَأَ بِهَا اقْتِدَاءً بِكِتَابِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْآتِي: فَقَالَ: (بَابُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ) وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْإِبِلِ لِلْبَدَاءَةِ بِهَا فِي خَبَرِ أَنَسٍ الْآتِي، وَلِزَكَاةِ الْحَيَوَانِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: كَمَا قَالَ (إنَّمَا تَجِبُ) الزَّكَاةُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَيَوَانِ (فِي النَّعَمِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ) الْإِنْسِيَّةُ، سُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلنَّمَاءِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا، وَالنَّعَمُ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. قَالَ تَعَالَى: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21] وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66] وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ، وَأَنْعَامٌ أَنَاعِمُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ النَّعَمِ كَانَ أَخَصْرَ وَأَسْلَمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَفَادَ بِذِكْرِهَا تَسْمِيَةَ الثَّلَاثِ نَعَمًا (لَا الْخَيْلُ) وَهُوَ مُؤَنَّثٌ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَفِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ التَّحْرِيرِ أَنَّ وَاحِدَهُ خَائِلٌ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: سُمِّيَتْ خَيْلًا لِاخْتِيَالِهَا فِي مَشْيِهَا (وَلَا الرَّقِيقُ) يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» أَيْ إذَا لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي إنَاثِ الْخَيْلِ (وَ) لَا (الْمُتَوَلَّدُ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ ظَبْيٍ وَهُوَ الْغَزَالُ، وَكَذَا كُلُّ مُتَوَلَّدٍ بَيْنَ زَكَوِيٍّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ. وَقَالَ أَحْمَدُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلَّدِ مُطْلَقًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ الْإِنَاثُ غَنَمًا، أَمَّا الْمُتَوَلَّدُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ النَّعَمِ وَمِنْ آخَرَ مِنْهَا كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا، فَالْمُتَوَلَّدُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يُزَكِّي زَكَاةَ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. . الشَّرْطُ الثَّانِي؛ النِّصَابُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا شَيْءَ فِي الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا) وَالْإِبِلُ بِكَسْرِ الْبَاءِ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَتُسَكَّنُ بَاؤُهُ لِلتَّخْفِيفِ، وَيُجْمَعُ عَلَى آبَالٍ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا (فَفِيهَا شَاةٌ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةٌ» وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الشَّاةُ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِلرِّفْقِ بِالْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْبَعِيرِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَإِيجَابُ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ، وَعِشْرِينَ أَرْبَعٌ، وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَسِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَسِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَإِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ، وَسِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَإِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَكُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَبِنْتُ الْمَخَاضِ لَهَا سَنَةٌ،   [مغني المحتاج] وَهُوَ الْخُمْسُ مُضِرٌّ بِهِ وَبِالْفُقَرَاءِ (وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَ) فِي (خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ) مِنْ الشِّيَاهِ (وَ) فِي (عِشْرِينَ أَرْبَعٌ) مِنْهَا (وَ) فِي (خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَ) فِي (سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَ) فِي (سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ، وَ) فِي (إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (وَ) فِي (سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَ) فِي (إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَ) فِي (مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ) يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَيَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فِيهَا، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ بَعْدَهَا، فَ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَ) فِي (كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وُجِّهَ إلَى الْبَحْرَيْنِ عَلَى الزَّكَاةِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِهِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذْ الصَّحِيحُ جَوَازُ تَفْرِيقِ الْحَدِيثِ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ الْمَعْنَى، قَوْلُهُ: فُرِضَ: أَيْ قُدِّرَ، وَقَوْلُهُ: لَا يُعْطِهِ: أَيْ الزَّائِدَ بَلْ يُعْطِي الْوَاجِبَ فَقَطْ، وَتَقْيِيدُ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَاللَّبُونِ بِالْأُنْثَى، وَابْنُ اللَّبُونِ بِالذَّكَرِ تَأْكِيدٌ كَمَا يُقَالُ: رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ بَعْضَ الْوَاحِدَةِ كَالْوَاحِدَةِ لِبِنَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى تَغَيُّرِ وَاجِبِهَا بِالْأَشْخَاصِ دُونَ الْأَشْقَاصِ، وَفِي أَبِي دَاوُد التَّصْرِيحُ بِالْوَاحِدَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ لِخَبَرِ أَنَسٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ إلَخْ قَدْ يَقْتَضِي لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ اسْتِقَامَةَ الْحِسَابِ بِذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا بَعْدُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ تِسْعٍ، ثُمَّ بِزِيَادَةِ عَشْرٍ عَشْرٍ كَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ بَدَلًا عَنْ الْحِقَّةِ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَأَخْرَجَ حِقَّتَيْنِ أَوْ بِنْتَيْ لَبُونٍ بَدَلًا عَنْ الْجَذَعَةِ فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ عَمَّا زَادَ (وَبِنْتُ الْمَخَاضِ لَهَا سَنَةٌ) وَبَلَغَتْ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ وِلَادَتِهَا آنَ لَهَا أَنْ تَحْمِلَ مَرَّةً أُخْرَى فَتَصِيرَ مِنْ الْمَخَاضِ: أَيْ الْحَوَامِلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وَاللَّبُونِ سَنَتَانِ، وَالْحِقَّةُ ثَلَاثٌ، وَالْجَذَعَةُ أَرْبَعٌ، وَالشَّاةُ جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ، وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَقِيلَ سَنَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ، وَأَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ، وَكَذَا بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ   [مغني المحتاج] (وَ) بِنْتُ (اللَّبُونِ سَنَتَانِ) وَطَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا آنَ لَهَا أَنْ تَلِدَ فَتَصِيرَ لَبُونًا (وَالْحِقَّةُ) لَهَا (ثَلَاثٌ) وَطَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَيُحْمَلَ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ، وَاسْتَحَقَّ الْفَحْلُ أَنْ يَطْرُقَ (وَالْجَذَعَةُ) لَهَا (أَرْبَعٌ) وَطَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ، سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا أَجْذَعَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا: أَيْ أَسْقَطَتْهُ، وَقِيلَ: لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّ أَسْنَانَهَا لَا تَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ، قِيلَ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَهَذَا آخِرُ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ، وَتُعْتَبَرُ فِي الْجَمِيعِ الْأُنُوثَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ رِفْقِ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ (وَالشَّاةُ) الْوَاجِبَةُ فِيمَا دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ (جَذَعَةُ ضَأْنٍ لَهَا سَنَةٌ) أَوْ أَجْذَعَتْ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهَا سَنَةٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَنَزَّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَالِاحْتِلَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَقِيلَ) لَهَا (سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَقِيلَ سَنَةٌ) وَوَجْهُ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا دُونَ هَذَيْنِ السِّنَّيْنِ الْإِجْمَاعُ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ (أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ (وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ) لِخَبَرِ «فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» وَالشَّاةُ تُطْلَقُ عَلَى الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى غَنَمِ بَلَدٍ آخَرَ إلَّا بِمِثْلِهَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي: يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ كَمَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُخْرَجِ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ كَوْنُهُ كَامِلًا وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: يَكْفِي كَوْنُهُ لَائِقًا بِحَسَبِ التَّقْسِيطِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَحِيحٌ فَرَّقَ دَرَاهِمَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ) أَيْ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ إنَاثًا لِصِدْقِ اسْمِ الشَّاةِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأُنْثَى؛ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَالثَّالِثُ: يُجْزِئُ فِي الْإِبِلِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ (وَكَذَا) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُ (بَعِيرُ الزَّكَاةِ عَنْ دُونِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ) أَيْ عِوَضًا عَنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الشِّيَاهِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ قِيمَةَ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَعَمَّا دُونَهَا أَوْلَى، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ بَلْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنْ حَيَوَانٍ، وَالثَّالِثُ: لَا يُجْزِئُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ شَاةٍ فِي خَمْسٍ وَشَاتَيْنِ فِي عَشْرٍ وَهَكَذَا. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: بَعِيرُ الزَّكَاةِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَأَفَادَتْ إضَافَتُهُ إلَى الزَّكَاةِ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ أُنْثَى بِنْتَ مَخَاضٍ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَكَوْنُهُ مُجْزِئًا عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَإِنْ لَمْ يُجْزِ عَنْهَا لَمْ يُقْبَلْ بَدَلُ الشَّاةِ، وَهَلْ يَقَعُ الْبَعِيرُ الْمُخْرَجُ عَنْ خَمْسٍ كُلُّهُ فَرْضًا أَوْ خُمْسُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَا إذَا ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً بَدَلَ الشَّاةِ هَلْ تَقَعُ كُلُّهَا فَرْضًا أَوْ سُبْعُهَا، وَفِيمَنْ مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَفِيمَنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ زِيَادَةٌ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّمْيِيزُ كَبَعِيرِ الزَّكَاةِ أَنَّ الْكُلَّ يَقَعُ فَرْضًا، وَمَا أَمْكَنَ كَمَسْحِ الرَّأْسِ يَقَعُ الْبَعْضُ فَرْضًا وَالْبَاقِي نَفْلًا وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْبَعِيرُ يُجْمَعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ، وَالْمَعِيبَةُ كَمَعْدُومَةٍ، وَلَا يُكَلَّفُ كَرِيمَةٌ لَكِنْ تُمْنَعُ ابْنُ لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ لَا لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ اتَّفَقَ فَرْضَانِ كَمِائَتَيْ بَعِيرٍ فَالْمَذْهَبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِنْ   [مغني المحتاج] عَلَى أَبْعِرَةٍ وَأَبَاعِرَ وَبُعْرَانٍ (فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ (فَابْنُ لَبُونٍ) وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهَا، أَوْ كَانَ خُنْثَى، أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى شِرَاءِ بِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» . وَقَوْلُهُ: ذَكَرٌ أَرَادَ بِهِ التَّأْكِيدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْغَلَطِ، وَالْخُنْثَى أَوْلَى، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْخُنْثَى مَعَ وُجُودِ الْأُنْثَى لَمْ يُجْزِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ (وَ) بِنْتُ الْمَخَاضِ (الْمَعِيبَةُ) وَالْمَغْصُوبَةُ الْعَاجِزُ عَنْ تَحْصِيلِهَا، وَالْمَرْهُونَةُ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِحَالٍ وَعَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهَا (كَمَعْدُومَةٍ) فَيُؤْخَذُ عَنْهَا مَا ذُكِرَ مَعَ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ غَيْرُ مُجْزِئٍ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهِ (وَلَا يُكَلَّفُ) أَنْ يُخْرِجَ بِنْتَ مَخَاضٍ (كَرِيمَةً) إذَا كَانَتْ إبِلُهُ مَهَازِيلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ إبِلُهُ كُلُّهَا كَرَائِمُ فَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُ كَرِيمَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ إذْ لَا تَكْلِيفَ (لَكِنْ تَمْنَعُ) الْكَرِيمَةُ عِنْدَهُ (ابْنَ لَبُونٍ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ مُجْزِئَةٍ فِي مَالِهِ. وَالثَّانِي وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الْكَرِيمَةِ لَا يَجِبُ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ (وَيُؤْخَذُ الْحِقُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ) عِنْدَ فَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ اللَّبُونِ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَوَاتِ (لَا) عَنْ بِنْتِ (لَبُونٍ) عِنْدَ فَقْدِهَا: أَيْ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ سِنِّ ابْنِ اللَّبُونِ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِقُوَّةِ وُرُودِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقِّ لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْحِقِّ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالثَّانِي يُجْزِئُ لِانْجِبَارِ فَضِيلَةِ الْأُنُوثَةِ بِزِيَادَةِ السِّنِّ كَابْنِ اللَّبُونِ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ وَلِوُرُودِ النَّصِّ ثَمَّ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّحِيحِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ ضَعِيفٌ جِدًّا. (وَلَوْ اتَّفَقَ) (فَرْضَانِ) فِي الْإِبِلِ (كَمِائَتَيْ بَعِيرٍ) فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ كَمَا قَالَ (فَالْمَذْهَبُ لَا يَتَعَيَّنُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ، بَلْ هُنَّ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ) ؛ لِأَنَّ الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ أَوْ خَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ» أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ، هَذَا هُوَ الْجَدِيدُ، وَفِي قَوْلٍ تَتَعَيَّنُ الْحِقَاقُ، إذْ النَّظَرُ فِي زِيَادَةِ الْإِبِلِ إلَى زِيَادَةِ السِّنِّ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِالْجَدِيدِ، وَحُمِلَ الْقَدِيمُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُ إلَّا الْحِقَاقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ كُلُّ الْوَاجِبِ بِكُلِّ الْحِسَابَيْنِ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا، لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْهُمَا، وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 وُجِدَ بِمَالِهِ أَحَدَهُمَا أُخِذَ، وَإِلَّا فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ، وَقِيلَ يَجِبُ الْأَغْبَطُ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ وَجَدَهُمَا فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ،   [مغني المحتاج] وَجَدَ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ (بِمَالِهِ أَحَدَهُمَا) تَامًّا مُجْزِئًا (أُخِذَ) مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَفْقُودُ أَغْبَطَ وَأَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، أَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ الْآخَرِ إذْ النَّاقِصُ وَالْمَعِيبُ كَالْمَعْدُومِ، وَلَا يَجُوزُ الصُّعُودُ وَلَا النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: أُخِذَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَّلَ الْمَفْقُودَ وَدَفَعَهُ لَا يُؤْخَذُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ: لَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلُ الْآخَرِ وَإِنْ أَغْبَطَ، وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْآخَرُ وَدَفَعَهُ أَجْزَأَهُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ أَغْبَطَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَقَاسَاهُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِابْنِ لَبُونٍ لِفَقْدِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَالِهِ أَحَدُهُمَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا، أَوْ وُجِدَ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ بَعْضُ أَحَدِهِمَا، أَوْ وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ (فَلَهُ تَحْصِيلُ مَا شَاءَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا مُتِمًّا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ أَغْبَطَ لِمَا فِي تَعْيِينِ الْأَغْبَطِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِهِ (وَقِيلَ يَجِبُ) تَحْصِيلُ (الْأَغْبَطِ لِلْفُقَرَاءِ) ؛ لِأَنَّ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْعَدَمِ كَاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُودِ، وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا يَجِبُ إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلَهُ إلَى جَوَازِ تَرْكِهِمَا مَعًا وَيَنْزِلُ أَوْ يَصْعَدُ مَعَ الْجُبْرَانِ، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا وَصَعَدَ إلَى أَرْبَعِ جِذَاعٍ فَأَخْرَجَهَا وَأَخَذَ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا وَنَزَلَ إلَى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَهَا وَدَفَعَ مَعَهَا خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ، وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا وَيَصْعَدُ إلَى خَمْسِ جِذَاعٍ وَيَأْخُذُ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ، وَلَا جَعْلُ الْحِقَاقِ أَصْلًا وَيَنْزِلُ إلَى أَرْبَعِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ ثَمَانِ جُبْرَانَاتٍ لِكَثْرَةِ الْجُبْرَانِ مَعَ إمْكَانِ تَقْلِيلِهِ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا كَثَلَاثِ حِقَاقٍ وَأَرْبَعِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ وَجُبْرَانٍ، أَوْ يَجْعَلَ بَنَاتَ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ حِقَّةٍ وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا، وَلَهُ دَفْعُ حِقَّةٍ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ لِإِقَامَةِ الشَّرْعِ بِنْتُ اللَّبُونِ مَعَ الْجُبْرَانِ مَقَامَ حِقَّةٍ، وَلَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا كَحِقَّةٍ دَفَعَهَا مَعَ ثَلَاثِ جِذَاعٍ وَأَخَذَ ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ. وَلَهُ دَفْعُ خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ دَفْعِ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ (وَإِنْ وَجَدَهُمَا) فِي مَالِهِ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ (فَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ (تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فَرَضَهُ لَوْ انْفَرَدَ، وَمَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَغْبَطِ الْأَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِزِيَادَةِ قِيمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ تَعَيُّنُ الْأَغْبَطِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكِرَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقِيَاسُ جَعْلُهَا كَالْمَعْدُومَةِ حَتَّى يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ الْأَغْبَطِ. وَالثَّانِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنْ كَانَ يُخْرِجُ عَنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ غَيْرُ الْأَغْبَطِ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ إنْ دَلَّسَ أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي، وَإِلَّا فَيُجْزِئُ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ. وَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا،   [مغني المحتاج] يَكُونَا عِنْدَهُ (وَلَا يُجْزِئُ) عَلَى الْأَوَّلِ (غَيْرُهُ) أَيْ الْأَغْبَطِ (إنْ دَلَّسَ) الدَّافِعُ فِي إعْطَائِهِ بِأَنْ أَخْفَى الْأَغْبَطَ (أَوْ قَصَّرَ السَّاعِي) فِي أَخْذِهِ بِأَنْ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ أَنَّ الْأَغْبَطَ مَاذَا؟ فَيَلْزَمُ الدَّافِعَ إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ، وَعَلَى السَّاعِي رَدُّ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ الدَّافِعُ وَلَمْ يُقَصِّرْ السَّاعِي (فَيُجْزِئُ) عَنْ الزَّكَاةِ: أَيْ فَيُحْسَبُ عَنْهَا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الرَّدِّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا قَالَ (وَالْأَصَحُّ) مَعَ إجْزَائِهِ (وُجُوبُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الْأَغْبَطِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْفَرْضَ بِكَمَالِهِ فَوَجَبَ جَبْرُ نَقْصِهِ، هَذَا إنْ اقْتَضَتْ الْغِبْطَةُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ مَعَهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ بَلْ يُسَنُّ؛ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ مَحْسُوبٌ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا إذَا أَدَّى اجْتِهَادُ السَّاعِي إلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ بِأَنْ كَانَ حَنِيفًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ (وَيَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ) مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ دَنَانِيرَ مِنْهُ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَأَخَذَ الْحِقَاقَ، فَالتَّفَاوُتُ خَمْسُونَ، فَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْخَمْسِينَ أَوْ خَمْسَةَ أَتْسَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ خَمْسُونَ؛ وَقِيمَةَ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ تِسْعُونَ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ دَفْعُ النَّقْدِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ شِرَاءِ جُزْئِهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْدِلُ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ) أَيْ بِقَدْرِ التَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ فِي الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ مُمْتَنِعٌ عِنْدَنَا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَغْبَطِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَقِيلَ: مِنْ جِنْسِ الْمُخْرَجِ لِئَلَّا يَتَبَعَّضَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَرْعٌ لَوْ بَلَغَتْ إبِلُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَأَخْرَجَ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْمِائَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ التَّشْقِيصُ، فَلَوْ أَخْرَجَ فِي صُورَةِ الْمِائَتَيْنِ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً أَجْزَأَ. (وَمَنْ لَزِمَهُ) سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى الْأَعْلَى بِدَرَجَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا، وَلَهُ الْهُبُوطُ وَيُعْطِيهِ، وَالْجُبْرَانُ الْوَاحِدُ كَمَا سَيَأْتِي شَاتَانِ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا نَقْرَةً خَالِصَةً، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ الشَّرْعِيَّةُ حَيْثُ وَرَدَتْ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَزِمَهُ (بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَدِمَهَا) فِي مَالِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ دَفَعَهَا وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ) لَزِمَهُ (بِنْتُ لَبُونٍ فَعَدِمَهَا) فِي مَالِهِ (دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ) دَفَعَ (حِقَّةً وَأَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا) كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا مَا نَزَّلَهُ الشَّارِعُ مَنْزِلَتَهُ فَلَهُ الصُّعُودُ إلَى أَعْلَى مِنْهُ وَأَخْذُ الْجُبْرَانِ وَلَهُ النُّزُولُ إلَى أَسْفَلَ مِنْهُ وَدَفْعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ لِلْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ تَكُونَ إبِلُهُ مَعِيبَةً، وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ، وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ، وَنُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْجُبْرَانِ بِشَرْطِ كَوْنِ السِّنِّ الْمَنْزُولِ إلَيْهِ سِنَّ زَكَاةٍ، فَلَيْسَ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ أَنْ يَعْدِلَ إلَى دُونِهَا عِنْدَ فَقْدِهَا وَيُعْطِي الْجُبْرَانَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصُّعُودِ، فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَقَدَهَا قُبِلَ مِنْهُ الثَّنِيَّةُ وَلَهُ الْجُبْرَانُ كَمَا سَيَأْتِي أَمَّا مَنْ وَجَدَ الْوَاجِبَ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ نُزُولٌ مُطْلَقًا وَلَا صُعُودٌ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ جُبْرَانًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَيَمْتَنِعُ الصُّعُودُ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ مَعَ جُبْرَانٍ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهَا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ فِي مَالِهِ السِّنُّ الْوَاجِبُ لَكِنَّهُ مَعِيبٌ أَوْ كَرِيمٌ لَمْ يَمْنَعْ وُجُودُهُ الصُّعُودَ وَالنُّزُولَ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُ بِنْتِ مَخَاضٍ كَرِيمَةٍ يَمْنَعُ الْعُدُولُ إلَى ابْنِ اللَّبُونِ فِي الْأَصَحِّ، وَفَرَّقَ الرُّويَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الذَّكَرَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي فَرَائِضِ الْإِبِلِ فَكَانَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَغْلَظَ مِنْ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ (وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ وَالدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا) سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا أَمْ سَاعِيًا لِظَاهِرِ خَبَرِ أَنَسٍ السَّابِقِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ السَّاعِيَ الْعَمَلُ بِالْأَصْلَحِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَيُسَنُّ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا كَانَ هُوَ الدَّافِعُ اخْتِيَارُ الْأَنْفَعِ لَهُمْ. وَأَمَّا وَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَوْ نَائِبُ الْغَائِبِ فَيُحْتَاطُ لَهُ (وَفِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ) الْخِيرَةُ فِيهِمَا (لِلْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُمَا شُرِّعَا تَخْفِيفًا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُكَلَّفَ الشِّرَاءَ فَنَاسَبَ تَخْيِيرَهُ. وَالثَّانِي أَنَّ الِاخْتِيَارَ إلَى السَّاعِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ لِيَأْخُذَ مَا هُوَ الْأَحَظُّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ غَيْرَ الْأَغْبَطِ، فَإِنْ دَفَعَ الْأَغْبَطَ لَزِمَ السَّاعِيَ أَخْذُهُ قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْخِيرَةُ إلَى الْمَالِكِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَابَهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُ مَا يَدْفَعُهُ لَهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ إبِلُهُ مَعِيبَةً) لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا خِيرَةَ لَهُ فِي الصُّعُودِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ مَعِيبٌ، وَالْجُبْرَانُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّلِيمَيْنِ، وَهُوَ فَوْقَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعِيبِينَ، وَمَقْصُودُ الزَّكَاةِ إفَادَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَا الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ. نَعَمْ إنْ رَأَى السَّاعِي مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ جَازَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ: وَلَوْ أَرَادَ الْعُدُولَ إلَى سَلِيمَةٍ مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ السَّابِقِ الْجَوَازُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ اقْتَضَى إطْلَاقُ الْمَتْنِ الْمَنْعَ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ. أَمَّا هُبُوطُهُ مَعَ إعْطَاءِ الْجُبْرَانِ فَجَائِزٌ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ (وَلَهُ صُعُودُ دَرَجَتَيْنِ وَأَخْذُ جُبْرَانَيْنِ) كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَصَعَدَ إلَى الْجَذَعَةِ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَّةِ (وَ) لَهُ (نُزُولُ دَرَجَتَيْنِ مَعَ) دَفْعِ (جُبْرَانَيْنِ) كَمَا إذَا أَعْطَى بَدَلَ الْحِقَّةِ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (بِشَرْطِ تَعَذُّرِ دَرَجَةٍ) قُرْبَى فِي تِلْكَ الْجِهَةِ (فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَصْعَدُ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَى الْحِقَّةِ أَوْ يَنْزِلُ عَنْ الْحِقَّةِ إلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ بِنْتِ اللَّبُونِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْجُبْرَانِ الزَّائِدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَعَدَ أَوْ نَزَلَ مَعَ إمْكَانِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ الْأَقْرَبَ لَيْسَ وَاجِبَهُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، نَعَمْ لَوْ صَعَدَ وَرَضِيَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ جَازَ قَطْعًا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ بَدَلَ جَذَعَةٍ عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَتُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ لِجُبْرَانَيْنِ. وَلَا الْبَقَرِ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ابْنُ سَنَةٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَكُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، لَهَا سَنَتَانِ،   [مغني المحتاج] وَحُكْمُ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ بِثَلَاثِ دَرَجَاتٍ كَدَرَجَتَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ كَأَنْ يُعْطِيَ عَنْ جَذَعَةٍ فَقَدَهَا وَالْحِقَّةِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ بِنْتَ مَخَاضٍ وَثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ، أَوْ يُعْطِيَ بَدَلَ بِنْتِ مَخَاضٍ عِنْدَ فَقْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَيَأْخُذَ ثَلَاثَ جُبْرَانَاتٍ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى فِي غَيْرِ جِهَةِ الْمُخْرَجَةِ كَأَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا حِقَّةً وَوَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ مَعَ أَخْذِ جُبْرَانَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ لَيْسَتْ فِي جِهَةِ الْجَذَعَةِ (وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ جُبْرَانٍ مَعَ ثَنِيَّةٍ) وَهِيَ الَّتِي تَمَّ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَطَعَنَتْ فِي السَّادِسَةِ يَدْفَعُهَا (بَدَلَ جَذَعَةٍ) عَلَيْهِ عِنْدَ فَقْدِهَا (عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ فَصِيلًا، وَهُوَ مَا لَهُ دُونَ السَّنَةِ مَعَ الْجُبْرَانِ، وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَلَمْ يُصَحِّحْ فِي الْكَبِيرِ شَيْئًا (قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُور الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِزِيَادَةِ السِّنِّ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَرَاتِبِ؛ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهَا بِعَامٍ فَجَازَ كَالْجَذَعَةِ مَعَ الْحِقَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ عَنْهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ انْتِفَاءُ نِيَابَتِهَا. أَمَّا إذَا دَفَعَهَا وَلَمْ يَطْلُبْ جُبْرَانًا فَجَائِزَةٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا (وَلَا تُجْزِئُ شَاةٌ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ) عَنْ جُبْرَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ بَيْنَ شَاتَيْنِ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا يَجُوزُ خَصْلَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الْآخِذَ وَرَضِيَ بِالتَّبْعِيضِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَهُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَتُجْزِئُ شَاتَانِ وَعِشْرُونَ) دِرْهَمًا (لِجُبْرَانَيْنِ) كَمَا يَجُوزُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَكِسْوَةُ عَشَرَةٍ فِي أُخْرَى، وَلَوْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ فَأَخْرَجَ عَنْ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ وَعَنْ الْأُخْرَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَالْأُخْرَى شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا جَازَ. (وَلَا) شَيْءَ فِي (الْبَقَرِ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ (حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ ابْنُ سَنَةٍ) وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْمَرْعَى، وَقِيلَ: لِأَنَّ قَرْنَهُ يَتْبَعُ أُذُنَهُ: أَيْ يُسَاوِيهَا، وَلَوْ أَخْرَجَ تَبِيعَةً أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا (ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَ) فِي (كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لَهَا سَنَتَانِ) وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا» وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَلَا جُبْرَانَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ، فَفِي سِتِّينَ تَبِيعَانِ، وَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، وَثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ بُلُوغِ الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ خِلَافٍ وَتَفْرِيعٍ إلَّا فِي الْجُبْرَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 وَلَا الْغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَشَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَمِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ، وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ. فَصْلٌ إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ أُخِذَ الْفَرْضُ مِنْهُ فَلَوْ أَخَذَ عَنْ ضَأْنٍ مَعْزًا أَوْ عَكْسَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقِيمَةِ.   [مغني المحتاج] كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَتُسَمَّى الْمُسِنَّةُ ثَنِيَّةً، وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهَا تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَقُومُ مَقَامَ السِّنِّ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّبِيعَيْنِ يُجْزِئَانِ عَنْ سِتِّينَ، فَعَنْ أَرْبَعِينَ أَوْلَى بِخِلَافِ بِنْتَيْ الْمَخَاضِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ فَرْضِ نِصَابٍ، وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ لَا يَتَغَيَّرُ إلَّا بِزِيَادَةِ عِشْرِينَ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَتَّفِقُ فَرْضَانِ (وَلَا) شَيْءَ فِي (الْغَنَمِ) هُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ (حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ) شَاةً (فَفِيهَا) (شَاةٌ جَذَعَةُ ضَأْنٍ، أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُمَا (وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وَ) فِي (مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ) مِنْ الشِّيَاهِ (وَ) فِي (أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٌ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ تَفَرَّقَتْ مَاشِيَةُ الْمَالِكِ فِي أَمَاكِنَ فَهِيَ كَالَّتِي فِي مَكَان وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فِي بَلَدَيْنِ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ، وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ فِي بَلَدَيْنِ فِي كُلٍّ أَرْبَعُونَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَهُ عِنْدَ التَّبَاعُدِ شَاتَانِ. . [فَصْلٌ إِن اتَّحَدَ نَوْع الْمَاشِيَةِ] (فَصْلٌ: إنْ اتَّحَدَ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ) كَأَنْ كَانَتْ إبِلُهُ كُلُّهَا مَهْرِيَّةً بِفَتْحِ الْمِيمِ نِسْبَةً إلَى أَبِي مَهِيرَةَ، أَوْ مُجَيْدِيَّةً نِسْبَةً إلَى فَصْلٍ مِنْ الْإِبِلِ يُقَالُ لَهُ: مُجِيدٌ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَجِيمٍ، وَهِيَ دُونُ الْمُهْرِيَّةِ، أَوْ أَرْحَبِيَّةً نِسْبَةً إلَى أَرْحَبَ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ، أَوْ بَقَرُهُ كُلُّهَا جَوَامِيسَ أَوْ عِرَابًا، أَوْ غَنَمُهُ كُلُّهَا ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا، وَسُمِّيَتْ مَاشِيَةً لِرَعْيِهَا وَهِيَ تَمْشِي (أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ، فَتُؤْخَذُ الْمُهْرِيَّةُ مِنْ الْمُهْرِيَّةِ، وَالْأَرْحَبِيَّةُ مِنْ الْأَرْحَبِيَّةِ، وَالضَّأْنُ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزُ مِنْ الْمَعْزِ. نَعَمْ لَوْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ بِأَنْ تَفَاوَتَتْ فِي السِّنِّ مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، وَلَا نَقْصَ، فَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ السَّاعِيَ يَخْتَارُ أَنْفَعَهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحَقَائِقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، وَقِيلَ يَأْخُذُ الْأَوْسَطَ (فَلَوْ أَخَذَ) السَّاعِي (عَنْ ضَأْنٍ) وَهُوَ جَمْعٌ مُفْرَدُهُ لِلذَّكَرِ ضَائِنٌ وَلِلْمُؤَنَّثِ ضَائِنَةٌ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ (مَعْزًا) وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا جَمْعٌ مُفْرَدُهُ لِلذَّكَرِ مَاعِزٌ، وَلِلْمُؤَنَّثِ مَاعِزَةٌ، وَالْمَعْزَاءُ بِمَعْنَى الْمَعْزِ، وَهُوَ مُنَوَّنٌ مُنْصَرِفٌ إذْ أَلِفُهُ لِلْإِلْحَاقِ لَا لِلتَّأْنِيثِ (أَوْ عَكْسَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقِيمَةِ) كَأَنْ تُسَاوِيَ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ فِي الْقِيمَةِ جَذَعَةَ الضَّأْنِ، وَعَكْسُهُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَالثَّانِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وَإِنْ اخْتَلَفَ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَفِي قَوْلٍ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَغْبَطُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا شَاءَ مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَ ثَلَاثُونَ عَنْزًا وَعَشْرُ نَعْجَاتٍ أَخَذَ عَنْزًا أَوْ نَعْجَةً بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ. وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ، وَلَا مَعِيبَةٌ إلَّا مِنْ مِثْلِهَا. وَلَا ذَكَرٌ إلَّا إذَا وَجَبَ، وَكَذَا لَوْ تَمَخَّضَتْ ذُكُورًا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْمَنْعُ كَالْبَقَرِ عَنْ الْغَنَمِ، وَالثَّالِثُ يُؤْخَذُ الضَّأْنُ عَنْ الْمَعْزِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَقَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ كَالْمُهْرِيَّةِ مَعَ الْأَرْحَبِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى جَزْمًا حَيْثُ تَسَاوَيَا فِي الْقِيمَةِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيمَةَ الْجَوَامِيسِ دُونَ قِيمَةِ الْعِرَابِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا عَنْ الْعِرَابِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ، بَلْ قَدْ تَزِيدُ قِيمَةُ الْجَوَامِيسِ عَلَيْهَا وَلَعَلَّ مَا ذُكِرَ كَانَ كَذَلِكَ فِي زَمَنِهِ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ) النَّوْعُ (كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ) مِنْ الْغَنَمِ، وكالأرحبية، وَالْمَهْرِيَّةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْجَوَامِيسِ وَالْعَرَابِينِ مِنْ الْبَقَرِ (فَفِي قَوْلٍ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَكْثَرِ) وَإِنْ كَانَ الْأَحَظُّ خِلَافَهُ اعْتِبَارًا بِالْغَلَبَةِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَغْبَطُ) لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَمَا فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ) الْمَالِكُ (مَا شَاءَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ (مُقَسَّطًا عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (فَإِذَا كَانَ) أَيْ وُجِدَ (ثَلَاثُونَ عَنْزًا) وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ (وَعَشْرُ نَعْجَاتٍ) مِنْ الضَّأْنِ (أَخَذَ) السَّاعِي (عَنْزًا أَوْ نَعْجَةً بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبْعِ نَعْجَةٍ) فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ عَنْزٍ مُجْزِئَةً دِينَارًا وَنَعْجَةٍ مُجْزِئَةً دِينَارَيْنِ لَزِمَهُ عَنْزٌ أَوْ نَعْجَةٌ قِيمَتُهَا دِينَارٌ وَرُبْعٌ، وَفِي عَكْسِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ نَعْجَةٌ أَوْ عَنْزٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ نَعْجَةٍ وَرُبْعِ عَنْزٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِأَعْطَى دُونَ أَخَذَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ لِلْمَالِكِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ النَّقْصِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْمَرَضُ، وَالْعَيْبُ، وَالذُّكُورَةُ، وَالصِّغَرُ وَرَدَاءَةُ النَّوْعِ. فَقَالَ: (وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ وَلَا مَعِيبَةٌ) مِمَّا تُرَدُّ بِهِ فِي الْبَيْعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (إلَّا مِنْ مِثْلِهَا) بِأَنْ تَمَحَّضَتْ مَاشِيَتُهُ مِنْهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخُنُوثَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ابْنِ اللَّبُونِ وَإِنْ كَانَ عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شُرَكَاءُ فَكَانُوا كَسَائِرِ الشُّرَكَاءِ فَتَكْفِي مَرِيضَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَمَعِيبَةٌ مِنْ الْوَسَطِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ مَالُهُ نَقْصًا وَكَمَالًا وَاتَّحَدَ جِنْسًا أَخْرَجَ وَاحِدًا كَامِلًا أَوْ أَكْثَرَ بِرِعَايَةِ الْقِيمَةِ، مِثَالُهُ أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا مِرَاضٌ أَوْ مَعِيبٌ، وَقِيمَةُ كُلٍّ صَحِيحَةً دِينَارَانِ، وَكُلٍّ مَرِيضَةً أَوْ مَعِيبَةً دِينَارٌ لَزِمَهُ صَحِيحَةٌ بِدِينَارٍ وَنِصْفِ دِينَارٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِتِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ أَوْ مَعِيبَةٍ وَبِجُزْءٍ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ، وَذَلِكَ دِينَارٌ وَرُبْعُ عُشْرِ دِينَارٍ، وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، وَإِذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ شَاتَانِ فِي غَنَمٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ أَجْزَأَهُ صَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ وَمَرِيضَةٌ. (وَلَا) يُؤْخَذُ (ذَكَرٌ) ؛ لِأَنَّ النَّصّ وَرَدَ فِي الْإِنَاثِ (إلَّا إذَا وَجَبَ) كَابْنِ اللَّبُونِ، وَالْحِقِّ وَالذَّكَرِ مِنْ الشِّيَاهِ فِي الْإِبِلِ فِيمَا مَرَّ، وَالتَّبِيعِ فِي الْبَقَرِ (وَكَذَا لَوْ تَمَخَّضَتْ) مَاشِيَتُهُ (ذُكُورًا فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ مِنْ مِثْلِهَا. فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنَ لَبُونٍ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وَفِي الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ فِي الْجَدِيدِ. وَلَا رُبَّى، وَأَكُولَةٌ وَحَامِلٌ، وَخِيَارٌ،   [مغني المحتاج] ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْهَا لِئَلَّا يُسَوِّيَ بَيْنَ النِّصَابَيْنِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالتَّقْوِيمِ وَالنِّسْبَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا تَكُونُ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا بِنِسْبَةِ زِيَادَةِ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ خُمُسَانِ وَخُمُسُ خُمُسٍ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ إلَّا أُنْثَى لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي الْحَدِيث. وَعَلَى هَذَا لَا تُؤْخَذُ أُنْثَى كَانَتْ تُؤْخَذُ لَوْ تَمَخَّضَتْ إنَاثًا بَلْ تُؤْخَذُ أُنْثَى قِيمَتُهَا مَا تَقْتَضِي النِّسْبَةُ. فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا إنَاثًا أَلْفَيْنِ وَقِيمَةُ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةِ عَنْهَا خَمْسِينَ وَقِيمَتُهَا ذُكُورًا أَلْفًا أَخَذَ عَنْهَا أُنْثَى قِيمَتُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ. أَمَّا الْغَنَمُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِإِجْزَاءِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَالْمُنْقَسِمَةُ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا تُؤْخَذُ عَنْهَا إلَّا الْإِنَاثُ كَالْمُتَمَحِّضَةِ إنَاثًا، وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَأْخُوذَةِ كَوْنُهَا دُونَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الْإِنَاثِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيطِ. فَإِنْ تَعَدَّدَ وَاجِبُهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أُنْثَى وَاحِدَةٌ أَخْرَجَهَا وَذَكَرًا مَعَهَا. (وَ) يُؤْخَذُ (فِي الصِّغَارِ صَغِيرَةٌ مِنْ الْجَدِيدِ) كَمَا تُؤْخَذُ الْمَرِيضَةُ مِنْ الْمِرَاضِ، وَلِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَالْعِنَاقُ هِيَ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْمَعْزِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ عَنْهَا مِنْ الثَّلَاثِ فَيَبْنِي حَوْلَهَا عَلَى حَوْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي أَوْ يَمْلِكُ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعْزِ، وَيُتَمُّ لَهَا حَوْلٌ فَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ مَا لَهُ سَنَتَانِ. وَالْقَدِيمُ لَا تُؤْخَذُ إلَّا الْكَبِيرَةُ لَكِنْ دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْكِبَارِ فِي الْقِيمَةِ. وَحَكَى الْخِلَافُ وَجْهَيْنِ أَيْضًا. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجْتَهِدُ السَّاعِي فِي غَيْرِ الْغَنَمِ، وَيَحْتَرِزُ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَأْخُذُ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَوْقَ الْمَأْخُوذِ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَلَوْ تَبَعَّضَتْ مَاشِيَتُهُ إلَى صِغَارٍ وَكِبَارٍ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ وُجُوبُ كَبِيرَةٍ فِي الْجَدِيدِ أَيْ بِالتَّقْسِيطِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْقَدِيمِ يُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ فَحِينَئِذٍ يَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ إجْزَاءِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَخَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ صِغَارٍ أَخْرَجَ عَنْهَا شَاةً لَمْ يَجُزْ إلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْكِبَارِ (وَلَا) تُؤْخَذُ (رُبَّى) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَصْرِ، وَهِيَ الْحَدِيثَةُ الْعَهْدِ بِالنِّتَاجِ شَاةً كَانَتْ أَوْ نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا هَذَا الِاسْمُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتِهَا، وَالْجَوْهَرِيُّ إلَى شَهْرَيْنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُرَبِّي وَلَدَهَا (وَ) لَا تُؤْخَذُ (أَكُولَةٌ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْكَافِ عَلَى التَّخْفِيفِ الْمُسَمَّنَةُ لِلْأَكْلِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (وَ) لَا (حَامِلٌ، وَ) لَا (خِيَارٌ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ: إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا تُؤْخَذُ الْأَكُولَةُ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضُ: أَيْ الْحَامِلُ، وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا كَذَلِكَ أَخَذَ مِنْهَا إلَّا الْحَوَامِلَ فَلَا يُطَالِبُ بِحَامِلٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ مَثَلًا فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْحَامِلُ شَاتَانِ كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ صَاحِبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ. وَلَوْ اشْتَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ فِي مَاشِيَةٍ زَكَّيَا كَرَجُلٍ، وَكَذَا لَوْ خَلَطَا مُجَاوَرَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا تَتَمَيَّزَ، فِي الْمَشْرَبِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمُرَاحِ وَمَوْضِعِ الْحَلْبِ،   [مغني المحتاج] التَّقْرِيبِ وَاسْتَحْسَنَهُ (إلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالزِّيَادَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . ثُمَّ شَرَعَ فِي زَكَاةِ الْخُلْطَةِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ خُلْطَةُ شَرِكَةٍ وَتُسَمَّى خُلْطَةَ أَعْيَانٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٌ، وَخُلْطَةُ شُيُوعٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ اشْتَرَكَ أَهْلُ الزَّكَاةِ) كَاثْنَيْنِ (فِي مَاشِيَةٍ) مِنْ جِنْسٍ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهِيَ نِصَابٌ أَوْ أَقَلُّ وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ فَأَكْثَرُ وَدَامَا عَلَى ذَلِكَ (زَكَّيَا كَرَجُلٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ خُلْطَةَ الْجِوَارِ تُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، فَخُلْطَةُ الْأَعْيَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ قَدْ تُفِيدُهُمَا تَخْفِيفًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي ثَمَانِينَ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ تَثْقِيلًا كَالِاشْتِرَاكِ فِي أَرْبَعِينَ أَوْ تَخْفِيفًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَتَثْقِيلًا عَلَى الْآخَرِ كَأَنْ مَلَكَا سِتِّينَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا. وَقَدْ لَا تُفِيدُ تَخْفِيفًا وَلَا تَثْقِيلًا كَمِائَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَتَأْتِي الْأَقْسَامُ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ أَيْضًا، وَقَدْ شَرَعَ فِيهَا وَهِيَ النَّوْعُ الثَّانِي فَقَالَ (وَكَذَا لَوْ خَلَطَا مُجَاوَرَةً) وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ أَنَسٍ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» نَهَى الْمَالِكَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِهَا أَوْ كَثْرَتِهَا، وَنَهَى السَّاعِيَ عَنْهَا خَشْيَةَ سُقُوطِهَا أَوْ قِلَّتِهَا، وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ، وَمِثْلُهَا خُلْطَةُ الشُّيُوعِ، بَلْ أَوْلَى، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ خُلْطَةَ جِوَارٍ، وَخُلْطَةَ أَوْصَافٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: أَهْلُ الزَّكَاةِ قَيْدٌ فِي الْخُلْطَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ مَوْقُوفًا أَوْ لِذِمِّيٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ تُؤَثِّرْ الْخُلْطَةُ شَيْئًا، بَلْ يُعْتَبَرُ نَصِيبُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ إنْ بَلَغَ نِصَابَ زَكَاةٍ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ، وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ: الْأَوَّلُ: كَوْنُ الْمَالَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِد لَا غَنَمَ مَعَ بَقَرَةٍ. الثَّانِي: كَوْنُ مَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ نِصَابًا فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَلِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ فَأَكْثَرُ، فَلَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا عِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ، فَخَلَطَا تِسْعَةَ عَشَرَ بِمِثْلِهَا وَتَرَكَا شَاتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا خُلْطَةَ وَلَا زَكَاةَ. الثَّالِثُ: دَوَامُ الْخُلْطَةِ سَنَةً إنْ كَانَ الْمَالُ حَوْلِيًّا، فَلَوْ مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَخَلَطَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ، فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا خُلْطَةَ فِي الْحَوْلِ، بَلْ إذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَاةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِيًّا اُشْتُرِطَ بَقَاؤُهَا إلَى زَهْوِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي النَّبَاتِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَرِكَةِ الْمُجَاوَرَةِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا تَتَمَيَّزَ) مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ (فِي الْمَشْرَبِ) وَهُوَ مَوْضِعُ شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَلَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي تُوقَفُ فِيهِ عِنْدَ إرَادَةِ سَقْيِهَا وَلَا فِي الَّذِي يُنَحَّى إلَيْهِ لِشُرْبِ غَيْرِهَا (وَ) لَا فِي (الْمَسْرَحِ) وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ ثُمَّ تُسَاقُ إلَى الْمَرْعَى، وَلَا فِي الْمَرْعَى، وَهُوَ الْمَوْضِع الَّذِي تَرْعَى فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا اتِّحَادُ الْمَمَرِّ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) لَا فِي (الْمُرَاحِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ: مَأْوَاهَا لَيْلًا (وَ) لَا فِي (مَوْضِع الْحَلَبِ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ يُقَالُ: لِلَبَنٍ وَلِلْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَحُكِيَ سُكُونُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَيَّزَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يَصِيرَا كَمَالٍ وَاحِدٍ، وَالْقَصْدُ بِالْخُلْطَةِ أَنْ يَصِيرَ الْمَالَانِ كَمَالٍ وَاحِدٍ لِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَلَيْسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وَكَذَا الْفَحْلِ وَالرَّاعِي فِي الْأَصَحِّ لَا نِيَّةِ الْخُلْطَةِ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] الْمَقْصُودُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا إلَّا مَشْرَعٌ أَوْ مَرْعًى أَوْ مُرَاحٌ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ، بَلْ لَا بَأْسَ بِتَعَدُّدِهَا، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَخْتَصَّ مَاشِيَةُ هَذَا بِمُرَاحٍ وَمَسْرَحٍ وَمَاشِيَةُ ذَاكَ بِمُرَاحٍ وَمَسْرَحٍ (وَكَذَا) يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ (الْفَحْلِ وَالرَّاعِي فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الْفَحْلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي الرَّاعِي، وَيَجُوزُ تَعَدُّدُ الرُّعَاةِ قَطْعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَنْفَرِدَ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ بِرَاعٍ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّحَادُ فِي الرَّاعِي؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ فِيهِ لَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّحَادِ أَنْ يَكُونَ الْفَحْلُ أَوْ الْفُحُولُ مُرْسَلَةً فِيهَا تَنْزُو عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَاشِيَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا تَخْتَصُّ مَاشِيَةُ هَذَا بِفَحْلٍ عَنْ مَاشِيَةِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُعَارًا لَهُ أَوْ لَهُمَا إلَّا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ قَطْعًا لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْزَاءُ فِي مَكَان وَاحِدٍ كَالْحَلْبِ. تَنْبِيهٌ لَوْ افْتَرَقَتْ مَاشِيَتُهُمَا زَمَانًا طَوِيلًا وَلَوْ بِلَا قَصْدِ ضُرٍّ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ لَمْ يَضُرَّ، فَإِنْ عَلِمَا بِهِ وَأَقَرَّاهُ أَوْ قَصَدَا ذَلِكَ أَوْ عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ضَرَّ، وَ (لَا) تُشْتَرَطُ (نِيَّةُ الْخُلْطَةِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ خِفَّةَ الْمُؤْنَةِ بِاتِّحَادِ الْمَوَاقِفِ لَا تَخْتَلِفُ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الِاتِّحَادُ فِيمَا مَرَّ لِيَجْتَمِعَ الْمَالَانِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ وَلِتَخِفَّ الْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِالزَّكَاةِ، وَالثَّانِي: تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ مُغَيِّرَةٌ لِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَضَرَرِ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي النُّقْصَانِ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَلَا الْإِنَاءِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ آلَةِ الْجَزِّ وَلَا خَلْطُ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ. الثَّانِي: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْخَلِيطَيْنِ حَالَةُ انْفِرَادٍ، فَإِنْ انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ، فَإِنْ اتَّفَقَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ شَاةً. ثُمَّ خَلَطَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ تَثْبُتْ الْخُلْطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِهَا شَاةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ هَذَا غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا غُرَّةَ صَفَرٍ وَخَلَطَا غُرَّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ حَوْلٍ شَاةٌ، وَإِذَا طَرَأَ الِانْفِرَادُ عَلَى الْخُلْطَةِ، فَمَنْ بَلَغَ مَالُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَمَنْ لَا فَلَا. الثَّالِثُ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ التَّرَاجُعِ إذْ يَجُوزُ لِلسَّاعِي الْأَخْذُ مِنْ مَالِ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهِ، فَإِذَا أَخَذَ شَاةً مَثَلًا مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ قِيمَتِهَا لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مِثْلِيَّةٍ، فَلَوْ خَلَطَا مِائَةً بِمِائَةٍ، وَأَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلٍّ شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهَا، فَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ مِائَةٌ وَلِعَمْرٍو خَمْسُونَ وَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ مِنْ عَمْرٍو رَجَعَ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ زَيْدٍ رَجَعَ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ شَاةٍ رَجَعَ زَيْدٌ بِثُلُثِ قِيمَةِ شَاتِهِ وَعَمْرٌو بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْبَقَرِ، وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فَوَاجِبُهُمَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِمَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ، فَإِنْ أَخَذَهُمَا السَّاعِي مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ رَجَعَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ وَالْجَرِينُ وَالدُّكَّانُ وَالْحَارِسُ وَمَكَانُ الْحِفْظِ وَنَحْوُهَا. وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ شَرْطَانِ: مُضِيُّ الْحَوْلِ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ مَا نُتِجَ مِنْ نِصَابٍ يُزَكَّى بِحَوْلِهِ،   [مغني المحتاج] الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا، وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعٍ، وَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ، وَالْمُسِنَّةَ مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّبِيعَ مِنْ الْآخَرِ، فَالْمَنْصُوصُ أَنْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ إلَّا مَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ. (وَالْأَظْهَرُ تَأْثِيرُ خُلْطَةِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالنَّقْدِ وَعَرْضِ التِّجَارَةِ) بِاشْتِرَاكٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» ؛ وَلِأَنَّ الْمُقْتَضَى لِتَأْثِيرِ الْخُلْطَةِ فِي الْمَاشِيَةِ هُوَ خِفَّةُ الْمُؤْنَةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا لِلِاتِّفَاقِ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالنَّاطُورِ وَغَيْرِهِمَا، وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: لَا تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ فِيهَا أَوْقَاصٌ، فَالْخُلْطَةُ فِيهَا تَنْفَعُ الْمَالِكَ تَارَةً وَالْمُسْتَحَقِّينَ أُخْرَى، وَلَا وَقْصَ فِي غَيْرِ الْمَوَاشِي، وَالثَّالِثُ تُؤَثِّرُ فِي خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ فَقَطْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ فِي الْمُزَارَعَةِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ النَّاطُورُ) وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ الْمُعْجَمَةِ: حَافِظُ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ (وَالْجَرِينُ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ: مَوْضِع تَجْفِيفِ الثِّمَارِ، وَالْبَيْدَرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ: مَوْضِعُ تَصْفِيَةِ الْحِنْطَةِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: الْجَرِينُ لِلزَّبِيبِ، وَالْبَيْدَرُ لِلْحِنْطَةِ، وَالْمِرْبَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ لِلتَّمْرِ (وَ) فِي التِّجَارَةِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ (الدُّكَّانُ) وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْحَانُوتُ (وَالْحَارِسُ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ (وَمَكَانُ الْحِفْظِ) كَخِزَانَةٍ وَإِنْ كَانَ مَالُ كُلٍّ بِزَاوِيَةٍ (وَنَحْوِهَا) كَالْمِيزَانِ وَالْوَزَّانِ وَالنَّقَّادِ وَالْمُنَادِي وَالْحِرَاثِ وَجُذَاذِ النَّخْلِ وَالْكَيَّالِ وَالْجَمَّالِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَالْمُلَقِّحِ وَالْحَصَّادِ وَمَا يُسْقَى بِهِ لَهُمَا، فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَخِيلٌ أَوْ زَرْعٌ مُجَاوِرٌ لِنَخِيلِ الْآخَرِ أَوْ لِزَرْعِهِ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسٌ فِيهِ نَقْدٌ فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ وَأَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي مَخْزَنٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ ثَبَتَتْ الْخُلْطَةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَيْنِ يَصِيرَانِ بِذَلِكَ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فِي الْمَاشِيَةِ. (وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ) أَيْ الزَّكَاةِ فِيهَا (شَرْطَانِ) مُضَافَانِ لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِمَا نِصَابًا مِنْ النَّعَمِ، وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَمَالِ الْمِلْكِ وَإِسْلَامِ الْمَالِكِ وَحُرِّيَّتِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلِوُجُوبِ زَكَاةِ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ النَّعَمَ هُوَ الْأَخَصُّ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ، الشَّرْطُ الثَّالِثُ (مُضِيُّ الْحَوْلِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَالَ: أَيْ ذَهَبَ وَأَتَى غَيْرُهُ (فِي مِلْكِهِ) لِحَدِيثِ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَكَامَلُ نَمَاؤُهُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ (لَكِنْ مَا نُتِجَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْ نِصَابٍ) وَتَمَّ انْفِصَالُهُ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِ النِّصَابِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ (يُزَكَّى بِحَوْلِهِ) أَيْ النِّصَابُ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِمَالِكِ النِّصَابِ بِالسَّبَبِ الَّذِي مَلَكَ بِهِ النِّصَابَ إنْ اقْتَضَى الْحَالُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْحَوْلِ،   [مغني المحتاج] لِقَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِسَاعِيهِ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ. بِالسَّخْلَةِ، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ؛ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِتَكَامُلِ النَّمَاءِ الْحَاصِلِ، وَالنِّتَاجُ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا سَخْلَةً قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَالْأُمَّهَاتُ كُلُّهَا بَاقِيَةٌ لَزِمَهُ شَاتَانِ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ مَاتَتْ كُلُّهَا وَبَقِيَ النِّتَاجُ نِصَابًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ مَا يَكْمُلُ بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى زَكَّى بِحَوْلِ الْأَصْلِ. أَمَّا لَوْ انْفَصَلَ النِّتَاجُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَهُ كَجَنِينٍ خَرَجَ بَعْضُهُ فِي الْحَوْلِ وَلَمْ يَتِمَّ انْفِصَالُهُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ حَوْلُ النِّصَابِ حَوْلَهُ لِانْقِضَاءِ حَوْلِ أَصْلِهِ؛ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى بِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: نُتِجَ عَنْ الْمُسْتَفَادِ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِقَوْلِهِ: مِنْ نِصَابٍ عَمَّا نُتِجَ مِنْ دُونِهِ كَعِشْرِينَ شَاةً فَتَجِبُ عِشْرُونَ وَفُحُولُهَا مِنْ حِينِ تَمَامِ النِّصَابِ، وَبِقَوْلِنَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا إلَخْ عَمَّا لَوْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ لِشَخْصٍ لَمْ يَضُمَّ النِّتَاجَ لِحَوْلِ الْوَارِثِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى الْمُوصَى لَهُ بِالْحَمْلِ بِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِمَالِكِ الْأُمَّهَاتِ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ حَصَلَ النِّتَاجُ لَمْ يُزَكَّ بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَوْلَى وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمَّهَاتِ بِأَنْ حَمَلَتْ الضَّأْنُ بِمَعْزٍ وَبِالْعَكْسِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْمِيلِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِالْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ السَّوْمُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ فَكَيْفَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي النِّتَاجِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ خَاصٌّ بِغَيْرِ النِّتَاجِ التَّابِعِ لِأُمِّهِ فِي الْحَوْلِ وَلَوْ سَلِمَ عُمُومُهُ لَهُ، فَاللَّبَنُ كَالْكَلَأِ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَلَأِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي تَشْرَبُهُ مِنْهُ السَّخْلَةُ لَا يُعَدُّ مُؤْنَةً فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَخْلَفُ إذَا حُلِبَ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَاءِ؛ وَلِأَنَّ اللَّبَنَ وَإِنْ عُدَّ شُرْبُهُ مُؤْنَةً إلَّا أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَجِبُ صَرْفُهُ فِي سَقْيِ السَّخْلَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْلِبَ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْوُضُوءِ، فَكَذَا لَبَنُ الشَّاةِ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى السَّخْلَةِ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ: وَفَائِدَةُ الضَّمِّ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلَغَتْ بِالنِّتَاجِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةً شَاةٍ فَنَتَجَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَجِبُ شَاتَانِ، فَلَوْ نَتَجَتْ عَشْرَةً فَقَطْ لَمْ يَفْدِ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِظُهُورِ فَائِدَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا آخَرَ عِنْدَ التَّلَفِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فَوَلَدَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْأُمَّهَاتِ عِشْرُونَ (وَلَا يُضَمُّ الْمَمْلُوكُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ إلَى مَا عِنْدَهُ (فِي الْحَوْلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ، خَرَجَ النِّتَاجُ لِمَا مَرَّ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَثْرَةِ فِيهِ بَلَغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، فَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً غُرَّةَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرًا أَوْ وَرِثَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوَّلَ رَجَبٍ، فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 فَلَوْ ادَّعَى النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ صُدِّقَ. فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ، لَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ فَعَادَ أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ اسْتَأْنَفَ،   [مغني المحتاج] الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ، وَعِنْدَ تَمَامِ كُلِّ حَوْلٍ لِلْعَشْرِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ (فَلَوْ ادَّعَى) الْمَالِكُ (النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ) أَوْ أَنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِنَحْوِ شِرَاءٍ وَادَّعَى السَّاعِي خِلَافَهُ وَاحْتُمِلَ مَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا (صُدِّقَ) الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ وَالْأَصْلُ مَعَهُ (فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ) اسْتِحْبَابًا احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنْ نَكَلَ تُرِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ. الشَّرْطُ الرَّابِع: بَقَاءُ الْمِلْكِ فِي الْمَاشِيَةِ جَمِيعَ الْحَوْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (لَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ) عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَعْضِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَعَادَ) بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ بَادَلَ بِمِثْلِهِ) مُبَادَلَةً صَحِيحَةً لَا لِلتِّجَارَةِ بِغَيْرِ الصَّرْفِ كَإِبِلٍ بِإِبِلٍ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ: كَإِبِلٍ بِبَقَرٍ (اسْتَأْنَفَ) الْحَوْلَ لِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَهُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا فَلَا بُدَّ مِنْ حَوْلٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ وَبِقَوْلِهِ بِمِثْلِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاسْتِئْنَافُ عِنْدَ طُولِ الزَّمَنِ وَعِنْدَ اخْتِلَافِ النَّوْعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنْ الْقُرْبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَلِلْفِرَارِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمُهُ كَلَامُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَقَصْدُ الْفِرَارِ بِمَا إذَا اتَّخَذَ ضَبَّةً صَغِيرَةً لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّبَّةَ فِيهَا اتِّخَاذٌ، فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ، فَلَوْ عَاوَضَ غَيْرَهُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا بِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا زَكَّى الدِّينَارَ لِحَوْلِهِ، وَالتِّسْعَةَ عَشَرَ لِحَوْلِهَا. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَزَادَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ فِي الْبَاطِنِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَفْعَلُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَالْعِلْمُ عِلْمَانِ: ضَارٌّ وَنَافِعٌ. قَالَ: وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الضَّارِّ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَكُونُ آثِمًا بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ. أَمَّا الْمُبَادَلَةُ الْفَاسِدَةُ فَلَا تَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ، وَيَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ مَا إذَا بَاعَ النَّقْدَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِلتِّجَارَةِ: كَالصَّيَارِفَةِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَأْنِفُونَ الْحَوْلَ كُلَّمَا بَادَلُوا، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الرَّدِّ، فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْحَالِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ، فَهُوَ عَيْبٌ، حَادِثٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَتَأْخِيرُ الرَّدِّ بِإِخْرَاجِهَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الرَّدُّ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا. فَإِنْ سَارَعَ إلَى إخْرَاجِهَا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهَا نُظِرَ. فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ وَاجِبَهُ لَمْ يَرُدَّ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهِ رُدَّ، إذْ لَا شَرِكَةَ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ مَالٍ آخَرَ: أَيْ إذَا بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ. أَمَّا إذَا بَاعَ فِضَّةً بِذَهَبٍ أَوْ عَكْسُهُ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى بَيْعِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ بَاعَ النِّصَابَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، أَوْ مَوْقُوفًا بِأَنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا ثُمَّ فَسَخَ الْعَقْدَ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ فُسِخَ اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ، وَإِنْ أَجَازَ فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَحَوْلُهُ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وَكَوْنُهَا سَائِمَةً، فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ، أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ وَنَحْوِهِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْعَقْدِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ الْوَارِثُ حَوْلَهُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، وَمِلْكُ الْمُرْتَدِّ وَزَكَاتُهُ وَحَوْلُهُ مَوْقُوفَاتٌ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَ فِي مِلْكِهِ وَحَوْلِهِ وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ: (كَوْنُهَا سَائِمَةً) أَيْ رَاعِيَةً، فَفِي خَبَرِ أَنَسٍ " وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إلَخْ " دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، وَقِيسَ بِهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «فِي كُلِّ سَائِمَةِ إبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ» . وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَاخْتَصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ (فَإِنْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ) لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَوْ مُفَرَّقًا (فَلَا زَكَاةَ) فِيهَا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عُلِفَتْ دُونَ الْمُعْظَمِ (فَالْأَصَحُّ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَجَبَتْ) زَكَاتُهَا لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعِيشُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِدُونِهِ أَوْ تَعِيشُ وَلَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ (فَلَا) تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ لِظُهُورِ الْمُؤْنَةِ، وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ الْيَوْمَيْنِ وَلَا تَصْبِرُ الثَّلَاثَةَ غَالِبًا. وَالثَّانِي إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا بَعْدَ مُؤْنَةٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى رِفْقِ الْمَاشِيَةِ فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَجَبَتْ، وَفَسَّرَ الرِّفْقَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا، وَلَوْ أُسِيمَتْ فِي كَلَأٍ مَمْلُوكٍ، فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَأَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّهَا سَائِمَةٌ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْكَلَأِ غَالِبًا تَافِهَةٌ وَلَا كُلْفَةَ فِيهِ لِعَدَمِ جَزِّهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعْلُوفَةٌ لِوُجُودِ الْمُؤْنَةِ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهَا سَائِمَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَأِ قِيمَةٌ أَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَسِيرَةً لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا وَإِلَّا فَمَعْلُوفَةٌ، أَمَّا إذَا جَزَّهُ وَأَطْعَمَهَا إيَّاهُ وَلَوْ فِي الْمَرْعَى فَلَيْسَتْ سَائِمَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. (وَلَوْ سَامَتْ) الْمَاشِيَةُ (بِنَفْسِهَا) أَوْ بِالْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ دُونَ قَصْدِ الِاعْتِرَافِ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَصْدُهُ، وَالِاعْتِلَافُ يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهَا (أَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ) بِنَفْسِهَا أَوْ عَلَفَهَا الْغَاصِبُ الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ مِنْ الْعَلَفِ فِيهِمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ السَّوْمِ، وَكَالْغَاصِبِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا (أَوْ كَانَتْ عَوَامِلَ) لِلْمَالِكِ أَوْ بِأُجْرَةٍ (فِي حَرْثٍ وَنَضْحٍ) وَهُوَ حَمْلُ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ (وَنَحْوِهِ) كَحَمْلِ غَيْرِ الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا (فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَنَى لِلنَّمَاءِ بَلْ لِلِاسْتِعْمَالِ كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَمَتَاعِ الدَّارِ، فَقَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا الْقَدْرَ الَّذِي لَوْ عَلَفَهَا فِيهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُحَرَّمٍ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 وَإِذَا وَرَدَتْ مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ. وَإِلَّا فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا. وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِلَّا فَتُعَدُّ عِنْدَ مَضِيقٍ.   [مغني المحتاج] بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحِلُّ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْحُرْمَةُ إلَّا مَا رُخِّصَ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ الْمَاشِيَةُ فِي الْمُحَرَّمِ رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْفِعْلِ الْخَسِيسِ، وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ الْحُلِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي أَصْلِهِ، وَلَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ نِيَّةِ الْعَلَفِ. وَلَوْ قَصَدَ بِالْعَلَفِ قَطْعَ السَّوْمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَالْكَلَأُ الْمَغْصُوبُ كَالْمَمْلُوكِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِسَامَةُ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ حَتَّى لَوْ غُصِبَتْ وَهِيَ مَعْلُوفَةٌ فَرَدَّهَا الْغَاصِبُ إلَى الْحَاكِمِ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ فَأَسَامَهَا الْحَاكِمُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ إسَامَةَ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَإِسَامَةِ الرَّشِيدِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْحَظُّ لِلْمَحْجُورِ فِي تَرْكِهَا فَهَذَا مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ اهـ. وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، بَلْ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِسَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ وَرِثَ سَائِمَةً وَدَامَتْ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِإِرْثِهَا إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُسِمْهَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسَامَةِ الْوَارِثِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِسَامَةُ الْمَالِكِ الْمَاشِيَةَ فَلَا تَجِبُ فِي سَائِمَةٍ وَرِثَهَا وَتَمَّ حَوْلُهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ. (وَإِذَا وَرَدَتْ) أَيْ الْمَاشِيَةُ (مَاءً أُخِذَتْ زَكَاتُهَا عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْمَالِكِ وَالسَّاعِي وَأَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ مِنْ الْمَرْعَى فَلَا يُكَلِّفُهُمْ السَّاعِي رَدَّهَا إلَى الْبَلَدِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرْعَى، وَفِي الْحَدِيثِ «تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِيَاهِهِمْ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مَاشِيَتَانِ عِنْدَ مَاءَيْنِ أُمِرَ بِجَمْعِهِمَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَرِدْ الْمَاءَ بِأَنْ اسْتَغْنَتْ عَنْهُ فِي زَمَنِ الرَّبِيعِ بِالْكَلَأِ (فَعِنْدَ بُيُوتِ أَهْلِهَا) وَأَفْنِيَتِهِمْ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَأَفْنِيَتِهِمْ» وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْحَالَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ. (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ) وَأَوْلَى مِنْهُ الْمُخْرِجُ لِيَشْمَلَ الْوَلِيَّ وَالْوَكِيلَ (فِي عَدَدِهَا إنْ كَانَ ثِقَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعُدَّهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً أَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا (فَتُعَدُّ) وَالْأَسْهَلُ عَدُّهَا (عِنْدَ مَضِيقٍ) تَمُرُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَلَطِ فَتَمُرُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَبِيَدِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالسَّاعِي أَوْ نَائِبِهِمَا قَضِيبٌ يُشِيرَانِ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ يُصِيبَانِ بِهِ ظَهْرَهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَدَدِ وَكَانَ الْوَاجِبُ يَخْتَلِفُ بِهِ أَعَادَا الْعَدَّ. فَائِدَةٌ: إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مُسْتَوْحِشَةً وَكَانَ فِي أَخْذِهَا وَإِمْسَاكِهَا مَشَقَّةٌ كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ السِّنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمَهُ إلَى السَّاعِي، فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهَا إلَّا بِعِقَالٍ كَانَ عَلَى الْمَالِكِ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا حَمَلُوا قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا "؛ لِأَنَّ الْعِقَالَ هُنَا مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِلسَّاعِي إذَا أَخَذَ الزَّكَاةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَالِكِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ، فَيَقُولُ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ، وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ: الرُّطَبُ: وَالْعِنَبُ، وَمِنْ الْحَبِّ: الْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالْأَرُزُّ، وَالْعَدَسُ، وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا.   [مغني المحتاج] أَبْقَيْتَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الدُّعَاءَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ: إنْ سَأَلَهُ الْمَالِكُ وَجَبَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: يُحَرَّمُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالسَّلَامُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْمُخَاطَبَةَ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَيُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَعْطَى زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ نَحْوَهَا: أَيْ مِنْ إلْقَاءِ دَرْسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ أَوْ أَتَى بِوِرْدٍ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [بَاب زَكَاةِ النَّبَاتِ] (بَابُ زَكَاةِ النَّبَاتِ) النَّبَاتُ يَكُونُ مَصْدَرًا تَقُولُ نَبَتَ الشَّيْءُ نَبَاتًا، وَاسْمًا بِمَعْنَى النَّابِتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا. وَيَنْقَسِمُ إلَى شَجَرٍ وَهُوَ مَا لَهُ سَاقٌ وَنَجْمٍ وَهُوَ مَا لَا سَاقَ لَهُ كَالزَّرْعِ. قَالَ تَعَالَى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] وَالزَّكَاةُ تَجِبُ فِي النَّوْعَيْنِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّبَاتِ لِشُمُولِهِ لَهُمَا، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ: إنَّ اسْتِعْمَالَ النَّبَاتِ فِي الثِّمَارِ غَيْرُ مَأْلُوفٍ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَقَوْلُهُ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَهُوَ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرَهَا (تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ) ؛ لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا حَيَاةَ بِدُونِهِ فَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الشَّارِعُ مِنْهُ شَيْئًا لِأَرْبَابِ الضَّرُورَاتِ، بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ تَنَعُّمًا أَوْ تَأَدُّمًا كَالتِّينِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ. وَالْقُوتُ أَشْرَفُ النَّبَاتِ، وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنْ الطَّعَامِ، قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَقَاءِ نَفْعِهِ فِي الْمَعِدَةِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُقِيتُ وَهُوَ الَّذِي يُعْطِي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ، وَدَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رِزْقَ آلِهِ قُوتًا: أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ مِنْ الطَّعَامِ. وَقَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» (1) : أَيْ مَنْ يَلْزَمُهُ قُوتُهُ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ عِيَالِهِ. وَقَالَ «قَوِّتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» ، سَأَلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ فَقَالَ: صِغَرُ الْأَرْغِفَةِ (وَهُوَ مِنْ الثِّمَارِ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ) بِالْإِجْمَاعِ (وَمِنْ الْحَبِّ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَيُقَالُ بِكَسْرِهَا (وَالْأَرُزُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ فِي أَشْهَرِ اللُّغَاتِ (وَالْعَدَسِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَمِثْلُهُ الْبِسِلَّاءُ (وَسَائِرُ الْمُقْتَاتِ اخْتِيَارًا) كَالْحِمِّصِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْبَاقِلَاءُ، وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ، وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَبِالتَّخْفِيفِ مَعَ الْمَدِّ وَتُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، وَقَدْ تُقْصَرُ: الْفُولُ وَالذُّرَةُ، وَهِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْوَرْسِ، وَالْقُرْطُمِ، وَالْعَسَلِ.   [مغني المحتاج] بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ، وَالْهُرْطُمَانُ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَالْمَاشُ: وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِهِ فِي الْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالسَّيْلُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» (1) وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ «فَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَضْبُ فَعَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَالْقَضْبُ بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: الرَّطْبُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ: كَخُوخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَجَوْزِ هِنْدٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا مِنْ حُبُوبِ الْبَوَادِي كَحَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَسُولِ وَهُوَ أُشْنَانٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا وَأَبْدَلَ التَّنْبِيهُ قَيَّدَ الِاخْتِيَارَ بِمَا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ بِالصَّحْرَاءِ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةُ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالرُّبُطِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ: إذْ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ. وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ. (وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ "، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ فِي الْقَدِيمِ، فَلِذَلِكَ أَوْجَبَهُ لَكِنَّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ (وَ) فِي (الزَّعْفَرَانِ، وَ) فِي (الْوَرْسِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ، رُوِيَ فِي الزَّعْفَرَانِ أَثَرٌ ضَعِيفٌ، وَأُلْحِقَ الْوَرْسُ بِهِ: وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ وَهُوَ كَثِيرٌ بِالْيَمَنِ (وَ) فِي (الْقُرْطُمِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وَضَمِّهِمَا حَبُّ الْعُصْفُرُ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا كَانَ يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْهُ (وَ) فِي (الْعَسَلِ) سَوَاءٌ كَانَ نَحْلُهُ مَمْلُوكًا أَمْ أُخِذَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمُبَاحَةِ. لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ. لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ فِي زَكَاتِهِ شَيْءٌ. فَائِدَةٌ: لُعَابُ عَسَلِ النَّحْلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَيُجْمَعُ إذَا أَرَدْتَ أَنْوَاعَهُ عَلَى أَعْسَالٍ وَعُسُلٍ وَعُسُولٍ وَعُسْلَانٍ. وَمِنْ أَسْمَائِهِ الْحَافِظُ الْأَمِينُ. قَالَ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّهُ وَيَصْطَفِيه، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنْ الْبَلَاءِ» وَفِيهِ أَيْضًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٌ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] «عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَلِ وَالْقُرْآنِ» فَجَمَعَ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالطِّبِّ الْإِلَهِيِّ، وَبَيْنَ طِبِّ الْأَجْسَادِ وَطِبِّ الْأَنْفُسِ، وَبَيْنَ السَّبَبِ الْأَرْضِيِّ وَالسَّبَبِ السَّمَاوِيِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْعَسَلُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَالْقُرْآنُ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ، فَعَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءَيْنِ الْقُرْآنِ وَالْعَسَلِ. (وَنِصَابُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، سَمَّى بِهِ هَذَا الْمِقْدَارَ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] أَيْ جَمَعَ (وَهِيَ) أَيْ الْأَوْسُقُ الْخَمْسَةُ (أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّ الْوَسْقَ سِتُّونَ صَاعًا كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فَمَجْمُوعُ الْخَمْسَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، فَيَكُونُ النِّصَابُ أَلْفَ مُدٍّ وَمِائَتَيْ مُدٍّ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رِطْلَ وَقُدِّرَتْ بِالْبَغْدَادِيِّ؛ لِأَنَّهُ الرِّطْلُ الشَّرْعِيُّ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ (وَبِالدِّمَشْقِيِّ) وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتَّةُ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَثُلُثَانِ) ؛ لِأَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَ الرَّافِعِيِّ: أَنَّ الرِّطْلَ الْبَغْدَادِيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ الْمُدُّ مِائَةً وَثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ دِرْهَمًا وَثُلُثَ دِرْهَمٍ، وَالصَّاعُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ فَاضْرِبْ سِتَّمِائَةٍ وَثَلَاثًا وَتِسْعِينَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَاجْعَلْ كُلَّ سِتِّمِائَةِ رِطْلٍ يَتَحَصَّلْ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) أَنَّهَا بِالدِّمَشْقِيِّ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رِطْلًا وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) أَيْ فَإِذَا ضُرِبَ ذَلِكَ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَقُسِمَ عَلَى الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ بَلَغَ ذَلِكَ وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ الرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تِسْعُونَ مِثْقَالًا، وَالْمِثْقَالُ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فَيُضْرَبُ بَسْطُ الْكَسْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي عَدَدِ تَكَرُّرِهِ وَهُوَ تِسْعُونَ تَبْلُغْ مِائَتَيْنِ وَسَبْعِينَ يُقْسَمُ عَلَى مَخْرَجِهِ، وَهُوَ سَبْعَةٌ يَخْرُجُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ يُجْمَعُ مَعَ الدَّرَاهِمِ يَخْرُجْ مَا قَالَهُ (وَقِيلَ بِلَا أَسْبَاعٍ، وَقِيلَ وَثَلَاثُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَيَانُهُ أَنْ تَضْرِبَ مَا سَقَطَ مِنْ كُلِّ رِطْلٍ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ فِي أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةٍ تَبْلُغُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ تُسْقِطُ ذَلِكَ مِنْ مَبْلَغِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بِالْقِسْمَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْقَاطِ مِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَا دِرْهَمٍ، فَمِائَتَا أَلْفٍ وَخَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ رِطْلًا وَالْبَاقِي وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَسُبْعَا دِرْهَمٍ فِي مُقَابَلَةِ سِتَّةٍ أَسْبَاعِ رِطْلٍ؛ لِأَنَّ سُبْعَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وَيُعْتَبَرُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا إنْ تَتَمَّرَ وَتَزَبَّبَ، وَإِلَّا فَرُطَبًا وَعِنَبًا. وَالْحَبِّ مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ فَعَشَرَةُ أَوْسُقٍ.   [مغني المحتاج] الْمُحَرَّرِ إلَى ضَبْطِ الْأَوْسُقِ بِالْأَرْطَالِ بِالْكُلِّيَّةِ لَا الْبَغْدَادِيَّةِ وَلَا الدِّمَشْقِيَّةِ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ بِالْمَنِّ الصَّغِيرِ ثَمَانِمِائَةِ مَنٍّ، وَبِالْكَبِيرِ الَّذِي وَزْنُهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مَنًّا وَثُلُثَا مَنٍّ فَاخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا سَبَقَ، وَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّطْلَ الدِّمَشْقِيَّ، مُسَاوٍ لِلْمَنِّ الْكَبِيرِ، وَالْمَنُّ الصَّغِيرُ رِطْلَانِ بِالْبَغْدَادِيِّ وَالنِّصَابُ الْمَذْكُورُ تَحْدِيدٌ كَمَا صَحَّحَاهُ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ، وَكَمَا فِي نِصَابِ الْمَوَاشِي وَغَيْرِهَا، وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا أَوْ إذَا وَافَقَ الْكَيْلَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَزْنِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ الْوَسَطُ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْخَفِيفِ وَالرَّزِينِ فَكَيْلُهُ بِالْإِرْدَبِّ الْمِصْرِيِّ قَالَ الْقَمُولِيُّ: سِتَّةُ أَرَادِبَ وَرُبْعُ إرْدَبٍّ يَجْعَلُ الْقَدَحَيْنِ صَاعًا كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: خَمْسَةُ أَرَادِبَ وَنِصْفُ إرْدَبٍّ وَثُلُثٌ فَقَدْ اعْتَبَرْتُ الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْتُهُ فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدَحَانِ إلَّا سُبْعَيْ مُدٍّ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا سَبْعَةُ أَقْدَاحٍ وَكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَيْبَةٌ وَنِصْفٌ وَرُبْعٌ فَثَلَاثُونَ صَاعًا ثَلَاثُ وَيْبَاتٍ وَنِصْفٌ فَثُلْثُمِائَةِ صَاعٍ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَيْبَةً، وَهِيَ خَمْسَةُ أَرَادِبَّ وَنِصْفٌ وَثُلُثٌ، فَالنِّصَابُ عَلَى قَوْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ قَدَحًا، وَعَلَى قَوْلِ الْقَمُولِيِّ سِتُّمِائَةٍ، وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ أَوْجَهُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الصَّاعَ قَدَحَانِ تَقْرِيبًا. (وَيُعْتَبَرُ) فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ (تَمْرًا) بِالْمُثَنَّاةِ (أَوْ زَبِيبًا) هَذَا (إنْ تَتَمَّرَ) الرُّطَبُ (وَتَزَبَّبَ) الْعِنَبُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَاعْتُبِرَ الْأَوْسُقُ مِنْ التَّمْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِلَّا لَمْ يَتَتَمَّرْ الرُّطَبُ وَلَمْ يَتَزَبَّبْ الْعِنَبُ (فَرُطَبًا وَعِنَبًا) أَيْ فَيُوسَقُ رُطَبًا وَعِنَبًا وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهِمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ ذَلِكَ بِالْخَضْرَاوَاتِ؛ لِأَنَّ جِنْسَهُ مِمَّا يَجِفُّ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ نَادِرٌ، وَيُضَمُّ مَا لَا يَجِفُّ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجِفُّ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِذَا كَانَ يَجِفُّ، إلَّا أَنَّ جَافَّهُ يَكُونُ رَدِيئًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا يَجِفُّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ ضَرَّ مَا يَتَجَفَّفُ بِأَصْلِهِ لِامْتِصَاصِ مَائِهِ لِعَطَشٍ قُطِعَتْ. وَأُخْرِجَ الْوَاجِبُ مِنْ رُطَبِهَا، وَيَجِبُ اسْتِئْذَانُ الْعَامِلِ فِي قَطْعِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قَطَعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَثِمَ وَعُزِّرَ، وَعَلَى السَّاعِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُ، وَقِيلَ يُسَنُّ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِقَطْعِ الْبَعْضِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا. (وَ) يُعْتَبَرُ فِي (الْحَبِّ) بُلُوغُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُصَفًّى مِنْ تِبْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ (وَمَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ) وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ (كَالْأَرُزِّ وَالْعَلَسِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ: نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ كَمَا سَيَأْتِي (فَ) نِصَابُهُ (عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ أَوْ أَبْقَى بِالنِّصْفِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ تَصْفِيَتُهُ مِنْ قِشْرِهِ وَأَنَّ قِشْرَهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ. فَلَوْ كَانَتْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَحْصُلُ مِنْ دُونِ الْعَشَرَةِ اعْتَبَرْنَاهُ أَوَّلًا يَحْصُلُ مِنْ الْعَشَرَةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: وَلَا تَدْخُلُ قِشْرَةُ الْبَاقِلَاءُ السُّفْلَى فِي الْحِسَابِ؛ لِأَنَّهَا غَلِيظَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 وَلَا يُكَمَّلُ جِنْسٌ بِجِنْسٍ، وَيُضَمُّ النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ، وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسُرَ أَخْرَجَ الْوَسَطَ، وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا، وَالسُّلْتُ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقِيلَ: شَعِيرٌ، وَقِيلَ حِنْطَةٌ وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ إلَى آخَرَ، وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ،   [مغني المحتاج] وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالْوَجْهُ تَرْجِيحُ الدُّخُولِ أَوْ الْجَزْمُ بِهِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَنْصُوصُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ النَّصَّ فِي الْعَلَسِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْبَاقِلَاءُ وَالْحِمَّصُ وَالشَّعِيرُ فَيُطْحَنُ فِي قِشْرِهِ وَيُؤْكَلُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اعْتَبَرْنَاهُ مَعَ قِشْرِهِ، وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ النَّصِّ. وَلَا أَثَرَ لِلْقِشْرَةِ الْحَمْرَاءِ اللَّاصِقَةِ بِالْأَرُزِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ غَيْرِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ ذُكِرَا مِثَالًا وَأَنَّهُ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْحُبُوبِ غَيْرُهُمَا يُدَّخَرُ فِي قِشْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَيْسَ. غَيْرُهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ. (وَلَا يُكَمَّلُ) فِي النِّصَابِ (جِنْسٌ بِجِنْسٍ) أَمَّا التَّمْرُ مَعَ الزَّبِيبِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَأَمَّا الْحِنْطَةُ مَعَ الشَّعِيرِ وَالْعَدَسُ مَعَ الْحِمَّصِ فَبِالْقِيَاسِ (وَيُضَمُّ) فِيهِ (النَّوْعُ إلَى النَّوْعِ) كَأَنْوَاعِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ وَإِنْ تَبَايَنَا فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا (وَيُخْرِجُ مِنْ كُلٍّ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ الْأَنْوَاعِ (بِقِسْطِهِ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي. فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُخْرِجُ نَوْعًا مِنْهَا بِشَرْطِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَالتَّوْزِيعِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُؤْخَذُ الْبَعْضُ مِنْ هَذَا وَالْبَعْضُ مِنْ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (فَإِنْ عَسُرَ) لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ الْحَاصِلِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ (أَخْرَجَ الْوَسَطَ) مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَقِيلَ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْغَالِبِ، وَيَجْعَلُ غَيْرَهُ تَبَعًا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ لَوْ تَكَلَّفَ، وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا) وَهُوَ قُوتُ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ يَكُونُ فِي الْكِمَامِ حَبَّتَانِ وَثَلَاثٌ وَوَقَعَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ حِنْطَةٌ تُوجَدُ بِالشَّامِ، وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِالشَّامِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ كَانَ بِزَمَنِهِ دُونَ زَمَنِ الرَّادِّ (وَالسُّلْتُ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ (جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ) فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ: شَعِيرٌ) فَيُضَمُّ إلَيْهِ لِشَبَهِهِ بِهِ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ (وَقِيلَ: حِنْطَةٌ) فَيُضَمُّ إلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِهَا لَوْنًا أَوْ مَلَاسَةً. وَالْأَوَّلُ قَالَ: اكْتَسَبَ مِنْ تَرَكُّبِ الشَّبَهَيْنِ طَبْعًا انْفَرَدَ بِهِ وَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ (وَلَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَزَرْعُهُ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ (إلَى) ثَمَرِ وَزَرْعِ عَامٍ (آخَرَ) وَلَوْ فُرِضَ اطِّلَاعُ ثَمَرِ الْعَامِ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ بِالْإِجْمَاعِ (وَيُضَمُّ ثَمَرُ الْعَامِ) الْوَاحِدِ (بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ) فِي إكْمَالِ النِّصَابِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ إدْرَاكُهُ) لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَبِلَادِهِ حَرَارَةً أَوْ بُرُودَةً كَنَجْدٍ وَتِهَامَةَ فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يُسْرِعُ إدْرَاكُ الثَّمَرِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ لِبَرْدِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ هُنَا اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً. قَالَ شَيْخُنَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غَيْرُ صَحِيحٍ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الضَّمِّ هُنَا بِإِطْلَاعِهِمَا فِي عَامٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جَذَاذِ الْأَوَّلِ لَمْ يُضَمَّ. وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ. وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ،   [مغني المحتاج] صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَطْعِ فَيُضَمُّ طَلْعُ نَخْلِهِ إلَى الْآخَرِ إنْ طَلَعَ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ (وَقِيلَ: إنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ وَإِعْجَامِهِمَا: أَيْ قَطْعِهِ (لَمْ يُضَمَّ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ ثَمَرَ عَامَيْنِ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَلَوْ اطَّلَعَ الثَّانِي قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ ضُمَّ إلَيْهِ جَزْمًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَثْمَرَ نَخْلٌ أَوْ كَرْمٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ فَلَا ضَمَّ بَلْ هُمَا كَثَمَرَةِ عَامَيْنِ، وَالْأَصَحُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّ وَقْتَ الْجِذَاذِ كَالْجِذَاذِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ نَخْلَةٌ تِهَامِيَّةٌ تَحْمِلُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَنَجْدِيَّةٌ تُبْطِئُ بِحَمْلِهَا فَحَمَلَتْ النَّجْدِيَّةُ بَعْدَ جِذَاذِ حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ فِي الْعَامِ ضَمَّ ثَمَرَ النَّجْدِيَّةِ إلَى ثَمَرِ التِّهَامِيَّةِ، فَإِنْ أَدْرَكَ حَمْلَ التِّهَامِيَّةِ الثَّانِي لَمْ يُضَمَّ إلَيْهَا، وَلَوْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا؛ لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَيْهَا لَزِمَهُ ضَمُّهُ إلَى حَمْلِ التِّهَامِيَّةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ. (وَزَرْعَا الْعَامِ يَضُمَّانِ) وَإِنْ اخْتَلَفَتْ زِرَاعَتُهُمَا فِي الْفُصُولِ لِمَا مَرَّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الذُّرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُزْرَعُ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَالصَّيْفِ (وَالْأَظْهَرُ) فِي الضَّمِّ (اعْتِبَارُ وُقُوعِ حَصَادَيْهِمَا فِي سَنَةٍ) وَاحِدَةٍ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَنَةُ الزَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الزَّرْعَانِ فِي سَنَةٍ إذْ الْحَصَادُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَعِنْدَهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارَ بِوُقُوعِ الزَّرْعَيْنِ فِي سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَصَادُ الثَّانِي خَارِجًا عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْحَصَادَ فَرْعُهُ وَثَمَرَتُهُ، وَحَكَيَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ أُخَرَ فَجُمْلَةُ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَالْأَوَّلُ عَزَّاهُ الشَّيْخَانِ إلَى الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، إنَّهُ نَقْلٌ بَاطِلٌ يَطُولُ الْقَوْلُ بِتَفْصِيلِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهُ فَضْلًا عَنْ عَزْوِهِ إلَى الْأَكْثَرِينَ بَلْ، رَجَّحَ كَثِيرُونَ اعْتِبَارَ وُقُوعَ الزَّرْعَيْنِ فِي عَامٍ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ النَّقِيبِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ: وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْلِ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ اهـ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَصَادِ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ؟ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: تَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَى الثَّانِي، وَلَوْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا. وَالْآخَرُ بَقْلٌ لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ فِيهِ بِالضَّمِّ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ. . وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ زَرْعُ عَامَ أَوْ عَامَيْنِ صُدِّقَ الْمَالِكُ فِي قَوْلِ عَامَيْنِ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. . وَالْمُسْتَخْلَفُ مِنْ أَصْلٍ كَذُرَةٍ سُنْبِلَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي عَامٍ يُضَمُّ إلَى الْأَصْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ كَمَا سَلَفَ؛ لِأَنَّهُمَا يُرَادَانِ لِلتَّأْبِيدِ فَجَعَلَ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ بِخِلَافِ الذُّرَةِ وَنَحْوِهَا فَأَلْحَقَ الْخَارِجَ مِنْهَا ثَانِيًا بِالْأَوَّلِ كَزَرْعٍ تَعَجَّلَ إدْرَاكَ بَعْضِهِ. (وَوَاجِبُ مَا شَرِبَ بِالْمَطَرِ) أَوْ بِمَا انْصَبَّ إلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ (أَوْ عُرُوقُهُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْمَاءِ) وَهُوَ الْبَعْلُ (مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ الْعُشْرُ، وَ) وَاجِبُ (مَا سُقِيَ) مِنْهُمَا (بِنَضْحٍ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ بِحَيَوَانٍ وَيُسَمَّى الذَّكَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 أَوْ دُولَابٍ أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ نِصْفُهُ. وَالْقَنَوَاتُ كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا سُقِيَ بِهِمَا سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ، وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ.   [مغني المحتاج] نَاضِحًا وَالْأُنْثَى نَاضِحَةً، وَيُسَمَّى هَذَا الْحَيَوَانُ أَيْضًا سَانِيَةً سِينٌ مُهْمَلَةٌ وَنُونٌ وَمُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ (أَوْ دُولَابٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ، وَهُوَ مَا يُدِيرُهُ الْحَيَوَانُ، أَوْ دَالِيَةٍ وَهِيَ الْبَكَرَةُ، أَوْ نَاعُورَةٍ وَهِيَ مَا يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ (أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ) أَوْ وُهِبَهُ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ أَوْ غَصَبَهُ لِوُجُوبِ ضَمَانِهِ (نِصْفُهُ) أَيْ الْعُشْرُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «فِيمَا سَقَتْ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «إنَّ فِي الْبَعْلِ الْعُشْرَ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ كَثْرَةُ الْمَئُونَةِ وَخِفَّتُهَا كَمَا فِي الْمَعْلُوفَةِ وَالسَّائِمَةِ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ. وَالْبَعْلُ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَالْعَثَرِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ: مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّيْلِ الْجَارِي إلَيْهِ فِي حُفْرَةٍ، وَتُسَمَّى الْحُفْرَةُ عَاثُورَاءَ لِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا. تَنْبِيهٌ الْأَوْلَى فِي قِرَاءَةِ " مَا " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِمَا اشْتَرَاهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ لَا مَمْدُودَةٌ اسْمًا لِلْمَاءِ الْمَعْرُوفِ، فَإِنَّهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ تَعُمُّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ بِخِلَافِ الْمَمْدُودَةِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: وَتَعُمُّ عَلَى الْأَوَّلِ الْمَاءَ النَّجِسَ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ. (وَالْقَنَوَاتُ) وَالسَّوَّاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ (كَالْمَطَرِ عَلَى الصَّحِيحِ) فَفِي الْمَسْقِيِّ بِمَا يَجْرِي فِيهَا مِنْهُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تَخْرُجُ لِعِمَارَةِ الْقَرْيَةِ، وَالْأَنْهَارُ إنَّمَا تُحْفَرُ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، فَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِطَبْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْيِ بِالنَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ لِلزَّرْعِ نَفْسِهِ. وَالثَّانِي يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِيهَا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ (وَ) وَاجِبُ (مَا سُقِيَ بِهِمَا) أَيْ بِالنَّوْعَيْنِ كَالنَّضْحِ وَالْمَطَرِ (سَوَاءٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ) أَيْ الْعُشْرِ عَمَلًا بِوَاجِبِ النَّوْعَيْنِ (فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يُعْتَبَرُ هُوَ) فَإِنْ غَلَبَ الْمَطَرُ فَالْعُشْرُ أَوْ النَّضْحُ فَنِصْفُهُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْغَلَبَةِ (وَالْأَظْهَرُ يُقَسَّطُ) ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ؛ فَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَثُلُثُهُ بِالدُّولَابِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ ثُلُثَا الْعُشْرِ لِلثُّلُثَيْنِ وَثُلُثُ نِصْفِ الْعُشْرِ لِلثُّلُثِ، وَفِي عَكْسِهِ ثُلُثَا الْعُشْرِ، وَالْغَلَبَةُ وَالتَّقْسِيطُ (بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ) أَوْ الثَّمَرِ (وَنَمَائِهِ، وَقِيلَ بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ) أَيْ النَّافِعَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ عَيْشِ الزَّرْعِ بِاعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَنَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنْ زَمَنِ الصَّيْفِ إلَى ثَلَاثِ سَقَيَاتٍ فَسُقِيَ بِالنَّضْحِ، فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ عَدَدَ السَّقْيَاتِ بِالنَّضْحِ أَكْثَرُ، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 وَتَجِبُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ.   [مغني المحتاج] فَعَلَى قَوْلِ التَّوْزِيعِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَطْوَلُ. وَلَوْ سُقِيَ الزَّرْعُ أَوْ الثَّمَرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ وَجُهِلَ مِقْدَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَجَبَ فِيهِ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ. وَقِيلَ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَجُهِلَ عَيْنُهُ فَالْوَاجِبُ يَنْقُصُ عَنْ الْعُشْرِ وَيَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ فَيُؤْخَذُ الْيَقِينُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السَّقْيِ بِمَاءَيْنِ أَنْشَأَ الزَّرْعَ عَلَى قَصْدِ السَّقْيِ بِهِمَا أَمْ أَنْشَأَهُ قَاصِدًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ عَرَضَ السَّقْيُ بِالْآخَرِ. وَقِيلَ فِي الْحَالِ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ حُكْمُ مَا قَصَدَهُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ زَرْعٌ أَوْ ثَمَرٌ مَسْقِيٌّ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَآخَرُ مَسْقِيٌّ بِالنَّضْحِ وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَمَامِ النِّصَابِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْعُشْرُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ فِي الْآخَرِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سَقَى؟ صُدِّقَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ نَدْبًا. (وَتَجِبُ) الزَّكَاةُ فِيمَا ذُكِرَ (بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ثَمَرَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ حِصْرِمٌ وَبَلَحٌ (وَ) بِبُدُوِّ (اشْتِدَادِ الْحَبِّ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَعَامٌ وَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بَقْلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا ذُكِرَ وُجُوبَ إخْرَاجِهَا فِي الْحَالِ، بَلْ انْعِقَادَ سَبَبِ وُجُوبِ إخْرَاجِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحَبِّ الْمُصَفَّى عِنْدَ الصَّيْرُورَةِ كَذَلِكَ. وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ضَابِطُ الصَّلَاحِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمَامُ الصَّلَاحِ وَالِاشْتِدَادُ وَلَا بُدُوُّ صَلَاحِ الْجَمِيعِ وَاشْتِدَادُهُ، وَمُؤْنَةُ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْجُذَاذِ وَالدِّيَاسِ وَالْحَمْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْمَالِكِ لَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. فَإِنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِمَّا يَجِفُّ رَطْبًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ رَدَّهَا وُجُوبًا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِ السَّاعِي لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ مِثْلِيٌّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ رَدُّ قِيمَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّطْبَ مُتَقَوِّمٌ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ النَّصَّ عَلَى فَقْدِ الْمِثْلِ، فَلَوْ جَفَّفَهَا السَّاعِي وَنَقَصَتْ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ تَنْقُصْ لَمْ تُجْزِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِفَسَادِ الْقَبْضِ مِنْ أَصْلِهِ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ مِنْ أَنَّهَا تُجْزِئُ. وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي الْحَبَّ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ إلَّا الْأَرُزَّ وَالْعَلَسَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ وَاجِبَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا كَمَا مَرَّ. وَلَوْ اشْتَرَى نَخِيلًا وَثَمَرَتَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مُدَّتِهِ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ الْبَائِعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ لَهُ بِأَنْ أَمْضَى الْبَيْعَ فِي الْأُولَى وَفَسَخَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ. فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ. وَإِنْ اشْتَرَى النَّخِيلَ بِثَمَرَتِهَا أَوْ ثَمَرَتَهَا فَقَطْ كَافِرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا عَلَى أَحَدٍ. أَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا الْبَائِعُ؛ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ حِينَ الْوُجُوبِ. أَوْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا فَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وَيُسَنُّ خَرْصُ الثَّمَرِ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ. وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ.   [مغني المحتاج] بِيَدِهِ، فَلَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ الثَّمَرِ لَمْ يَرُدَّ وَلَهُ الْأَرْشُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَلَهُ الرَّدُّ. أَمَّا لَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِرِضَاهُ فَجَائِزٌ إسْقَاطُ الْبَائِعِ حَقَّهُ. وَإِنْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَبَدَا الصَّلَاحُ حَرُمَ الْقَطْعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ فَلَهُ الْفَسْخُ لِتَضَرُّرِهِ بِمَصِّ الثَّمَرَةِ مَاءَ الشَّجَرَةِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ وَأَبَى الْمُشْتَرِي إلَّا الْقَطْعَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِي الرِّضَا بِالْإِبْقَاءِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ، وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ كَانَ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ أَخَذَهَا السَّاعِي مِنْ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. فَرْعٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ بَدَا الصَّلَاحُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهَذَا عَيْبٌ حَدَثَ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ: وَهَذَا إذَا بَدَا بَعْدَ اللُّزُومِ وَإِلَّا فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ اُسْتُحِقَّ إبْقَاؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَصَارَ كَالْمَشْرُوطِ فِي زَمَنِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ إنْ قُلْنَا: الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ. (وَيُسَنُّ خَرْصُ) أَيْ حَرْزُ (الثَّمَرِ) بِالْمُثَلَّثَةِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ (إذَا بَدَا صَلَاحُهُ عَلَى مَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَقِيلَ: يَجِبُ الْخَرْصُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْخَرْصُ لُغَةً: الْقَوْلُ بِالظَّنِّ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] وَاصْطِلَاحًا مَا تَقَرَّرَ، وَحِكْمَتُهُ الرِّفْقُ بِالْمَالِكِ وَالْمُسْتَحِقِّ وَلَا فَرْقَ فِي الْخَرْصِ بَيْنَ ثِمَارِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ ثِمَارَ الْبَصْرَةِ. فَقَالَ: يَحْرُمُ خَرْصُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِكَثْرَتِهَا وَلِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ فِي خَرْصِهَا، وَلِإِبَاحَةِ أَهْلِهَا الْأَكْلَ مِنْهَا لِلْمُجْتَازِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ. قَالَ: وَهَذَا فِي النَّخْلِ. أَمَّا الْكَرْمُ فَهُمْ فِيهِ كَغَيْرِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ مِنْ شَخْصٍ أَوْ بَلَدٍ مَا عُرِفَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ اهـ. وَيَجُوزُ خَرْصُ الْكُلِّ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي نَوْعٍ دُونَ آخَرَ فِي أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْحَبُّ فَلَا خَرْصَ فِيهِ لِاسْتِتَارِ حَبِّهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا رُطَبًا بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ، وَبِبُدُوِّ الصَّلَاحِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فِيهِ، وَلَا يَنْضَبِطُ الْمِقْدَارُ لِكَثْرَةِ الْعَاهَاتِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ،. وَكَيْفِيَّةُ الْخَرْصِ أَنْ يَطُوفَ بِالنَّخْلَةِ وَيَرَى جَمِيعَ عَنَاقِيدِهَا وَيَقُولَ عَلَيْهَا مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ كَذَا، وَيُجِيبُ مِنْهُ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا كَذَا، ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ بِنَخْلَةٍ بَعْدَ نَخْلَةٍ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ وَقِيَاسِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ فَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ جَازَ أَنْ يُخْرَصَ الْجَمِيعُ رُطَبًا أَوْ عِنَبًا ثُمَّ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَالْمَشْهُورُ إدْخَالُ جَمِيعِهِ فِي الْخَرْصِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْعُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 وَأَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ، وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجهُمَا بَعْدَ جَفَافِهِ، وَيُشْتَرَطُ التَّصْرِيحُ بِتَضْمِينِهِ وَقَبُولُ الْمَالِكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ يَنْقَطِعُ بِنَفْسِ   [مغني المحتاج] «إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّتِهِمْ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْمَخْرُوصِ لِيُفَرِّقَهُ بِنَفْسِهِ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ لِطَمَعِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُ. (وَ) الْمَشْهُورُ (أَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ) وَاحِدٌ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا أَوَّلَ مَا تَطِيبُ الثَّمَرَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْخَارِصِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ اثْنَيْنِ (الْعَدَالَةُ) فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ (وَكَذَا) شَرْطُهُ (الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهَا. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ كَمَا فِي الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ خَارِصَانِ تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمِقْدَارُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. (فَإِذَا خَرَصَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَنْقَطِعُ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرِ وَيَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِيُخْرِجَهَا بَعْدَ جَفَافِهِ) إنْ لَمْ يَتْلَفْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِلَا تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ فِي الْجَمِيعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ حَقِّهِمْ عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِ بَلْ يَبْقَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْلِ حَقٍّ إلَى الذِّمَّةِ، وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ عَلَى هَذَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَيُسَمَّى هَذَا قَوْلَ الْعِبْرَةِ: أَيْ لِاعْتِبَارِهِ الْقَدْرَ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ التَّضْمِينِ. أَمَّا إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بِآفَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُشْتَرَطُ) فِي الِانْقِطَاعِ وَالصَّيْرُورَةِ الْمَذْكُورَيْنِ (التَّصْرِيحُ) مِنْ الْخَارِصِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ (بِتَضْمِينِهِ) أَيْ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْمَالِكِ كَأَنْ يَقُولَ السَّاعِي: ضَمَّنْتُك نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ بِكَذَا تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا (وَقَبُولُ الْمَالِكِ) التَّضْمِينَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَنْتَقِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ أَوْ ضَمَّنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَالِكُ بَقِيَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ كَمَا كَانَ وَالْمُضَمِّنُ هُوَ السَّاعِي أَوَ الْإِمَامُ وَتَقْيِيدُهُ الْقَبُولَ بِالْمَالِكِ رُبَّمَا يُخْرِجُ الْوَلِيَّ وَنَحْوَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا (وَقِيلَ يَنْقَطِعُ) حَقُّهُمْ (بِنَفْسِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 الْخَرْصِ، فَإِذَا ضَمِنَ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ. وَلَوْ ادَّعَى هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ، أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ. وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ أَوْ غَلَطَهُ بِمَا يَبْعُدُ لَمْ يُقْبَلْ،   [مغني المحتاج] الْخَرْصِ) ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ لَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّضْمِينُ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَتْ الثِّمَارُ جَمِيعُهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ بِلَا تَفْرِيطٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ بَنَى عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلضَّمَانِ وَسَيَأْتِي، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا زَكَّى الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ (فَإِذَا ضَمِنَ) أَيْ الْمَالِكُ (جَازَ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ) لِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ عَنْ الْعَيْنِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ قَبْلَ التَّضْمِينِ فِي جَمِيعِ الْمَخْرُوصِ لَا بَعْضِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَ شَائِعًا لِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ لَا مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْحَاكِمُ خَارِصًا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَحَاكَمَ إلَى عَدْلَيْنِ عَالِمَيْنِ بِالْخَرْصِ يَخْرُصَانِ عَلَيْهِ لِيَنْتَقِلَ الْحَقُّ إلَى الذِّمَّةِ، وَيَتَصَرَّفُ فِي الثَّمَرَةِ. وَاسْتَشْكَلَ الْأَذْرَعِيُّ إطْلَاقَهُمْ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَعْدَ التَّضْمِينِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُعْسِرًا، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَصْرِفُ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا فِي دَيْنِهِ أَوْ يَأْكُلُهَا عِيَالُهُ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَيَضِيعُ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ كَوْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ الْخَرِبَةِ. (وَلَوْ ادَّعَى) الْمَالِكُ (هَلَاكَ الْمَخْرُوصِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهْمًا مِنْ كَلَامِهِمْ (أَوْ ظَاهِرٍ عُرِفَ) أَيْ اشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ كَحَرِيقٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ نَهْبٍ دُونَ عُمُومِهِ أَوْ عُرِفَ عُمُومُهُ، وَلَكِنْ اُتُّهِمَ فِي هَلَاكِ الثَّمَرِ بِهِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَإِنْ عُرِفَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَعُمُومُهُ وَلَمْ يُتَّهَمْ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. تَنْبِيهٌ الْيَمِينُ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الْفَصْلِ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَعْلُهُ السَّرِقَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْهَلَاكِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ قَدْ يَكُونُ بَاقِيًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالضَّائِعِ بَدَلَ الْهَلَاكِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الظَّاهِرُ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ) عَلَى وُقُوعِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِسُهُولَةِ إقَامَتِهَا (ثُمَّ) بَعْدَ إقَامَتِهَا (يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْهَلَاكِ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ مَالِهِ بِخُصُوصِهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ شَرْعًا، وَلَوْ ادَّعَى تَلَفَهُ بِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْجَرِينِ مَثَلًا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْجَرِينِ حَرِيقٌ لَمْ يُبَالَ بِكَلَامِهِ. (وَلَوْ ادَّعَى حَيْفَ الْخَارِصِ) فِيمَا خَرَصَهُ: أَيْ إخْبَارَهُ عَمْدًا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا عِنْدَهُ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً (أَوْ غَلَطَهُ) فِيهِ (بِمَا يَبْعُدُ) أَيْ لَا يَقَعُ عَادَةً مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْخَرْصِ كَالرُّبْعِ (لَمْ يُقْبَلْ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَقِيَاسًا عَلَى دَعْوَى الْجَوْرِ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْكَذِبِ عَلَى الشَّاهِدِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِلْعِلْمِ بِبُطْلَانِهِ عَادَةً. نَعَمْ يُحَطُّ عَنْهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَمَلُ، وَهُوَ الَّذِي لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقُبِلَ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ غَلَطَ الْخَارِصِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 أَوْ بِمُحْتَمَلٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ نِصَابُ الْفِضَّةِ   [مغني المحتاج] إلَّا هَذَا فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إذْ لَا تَكْذِيبَ فِيهِ لِأَحَدٍ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. فَائِدَةٌ: يُقَالُ: غَلِطَ فِي مَنْطِقِهِ، وَغَلِتَ بِالْمُثَنَّاةِ فِي الْحِسَابِ (أَوْ) ادَّعَى غَلَطَهُ (بِمُحْتَمَلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَخْرُوصِ وَبَيَّنَ قَدْرَهُ، وَكَانَ مِقْدَارًا يَقَعُ عَادَةً بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ كَوَسْقٍ فِي مِائَةٍ (قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ) وَحُطَّ عَنْهُ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِي دَعْوَى نَقْصِهِ عِنْدَ كَيْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ يَقِينٌ وَالْخَرْصَ تَخْمِينٌ فَالْإِحَالَةُ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَالثَّانِي: لَا يُحَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ النُّقْصَانَ فِي كَيْلِهِ لَهُ وَلَعَلَّهُ يُوَفِّي لَوْ كَالَهُ ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ الْمَخْرُوصُ بَاقِيًا أُعِيدَ كَيْلُهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا كَخَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ مِائَةٍ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَكَعُشْرِ الثَّمَرَةِ وَسُدُسِهَا قُبِلَ قَوْلُهُ، وَحُطَّ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِلَا خِلَافٍ؛ فَإِنْ اُتُّهِمَ فِي دَعْوَاهُ بِمَا ذَكَرَ حَلَفَ، وَلَوْ ادَّعَى غَلَطَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ. خَاتِمَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْجِدَادُ نَهَارًا لِيُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجِدَادِ لَيْلًا سَوَاءٌ وَجَبَتْ فِي الْمَجْدُودِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا. وَإِذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَأَقَامَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ آخَرُ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِحَصَادِهَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَتَكَرَّرُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُكَرَّرُ فِيهِ الْأَمْوَالُ النَّامِيَةُ وَهَذِهِ مُنْقَطِعَةُ النَّمَاءِ مُتَعَرِّضَةٌ لِلْفَسَادِ. وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً، وَالْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُشْرِ، فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْعُشْرِ فَهُوَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ فِي الْأَصَحِّ وَالنَّوَاحِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ وَلَا يُعْلَمُ حَالُهَا يُسْتَدَامُ الْأَخْذُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَنَعَ بِهَا كَمَا صَنَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي خَرَاجِ السَّوَادِ. [بَاب زَكَاةِ النَّقْدِ] (بَابُ زَكَاةِ النَّقْدِ) وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ وَالدَّيْنِ. قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ: فَيَشْمَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ النَّقْدَ هُوَ الْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَاصَّةً، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِهِمَا كَمَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّاضُّ مِنْ الْمَالِ مَا كَانَ نَقْدًا وَهُوَ ضِدُّ الْعَرْضِ، وَيَنْدَفِعُ بِهَذَا اعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ عَلَى التَّنْبِيهِ بِأَنَّ النَّاضَّ هُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ خَاصَّةً وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ. وَأَصْلُ النَّقْدِ لُغَةً الْإِعْطَاءُ. ثُمَّ أُطْلِقَ النَّقْدُ عَلَى الْمَنْقُودِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ. وَالْأَصْلُ، فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ (نِصَابُ الْفِضَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَالذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِوَزْنِ مَكَّةَ، وَزَكَاتُهُمَا رُبْعُ عُشْرٍ.   [مغني المحتاج] مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَ) نِصَابُ (الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا) بِالْإِجْمَاعِ (بِوَزْنِ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ» (1) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَسَوَاءٌ الْمَضْرُوبُ مِنْهُمَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْمِقْدَارُ تَحْدِيدٌ، فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ وَتَمَّ فِي آخَرَ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ، وَقَدَّمَ الْفِضَّةَ عَلَى الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهَا أَغْلَبُ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا، وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ، وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ ضُرِبَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَقِيلَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ. وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَالدَّانِقُ ثَمَانِ حَبَّاتٍ وَخُمُسَا حَبَّةٍ، فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ، وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا، وَمَتَى نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بَقِيَ دِرْهَمٌ. فَائِدَةٌ: كُلُّ دَرَاهِمَ أَخَذَ نِصْفَهَا وَخُمُسَهَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مَثَاقِيلَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ خُمُسَهَا وَنِصْفَ خُمُسِهَا كَانَ الْبَاقِي مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ مَثَاقِيلَ ضُرِبَتْ فِي عَشَرَةٍ وَقُسِمَتْ عَلَى سَبْعَةٍ خَرَجَتْ دَرَاهِمَ. (وَزَكَاتُهُمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (رُبْعُ عُشْرٍ) فِي النِّصَابِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» (2) وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» وَالرِّقَةُ وَالْوَرِقُ الْفِضَّةُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنْ الْوَاوِ، وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ، فَإِنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تَنْقَضِي بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ، فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خَلَقَهَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ. وَيَجِبُ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاشِي ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَا يَكْمُلُ التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ، وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا. وَلَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى الْأَكْثَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ مَيَّزَ.   [مغني المحتاج] الْمَاشِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْقِسْطِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ. وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ عَنْ جَيِّدٍ وَلَا مُكَسَّرٌ عَنْ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ قَالُوا: وَيَجُوزُ عَكْسُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، فَيُسَلِّمُ مُخْرِجُ الدِّينَارِ الصَّحِيحِ أَوْ الْجَيِّدِ إلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نِصْفَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ نِصْفَهُمْ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ. (وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ) أَيْ الْمَخْلُوطِ بِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ بِنُحَاسٍ (حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا) لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، فَإِذَا بَلَغَهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا خَالِصُهُ قَدْرَ الْوَاجِبِ، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ، فَمَا قِيلَ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ بِمِثْلِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قِسْمَةَ بَيْعٍ بِمَغْشُوشٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَعْطَى لِلزَّكَاةِ خَالِصًا عَنْ خَالِصٍ وَالنُّحَاسُ وَقَعَ تَطَوُّعًا كَمَا تَقَرَّرَ. لَكِنَّ الْمُتَّجَهَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ إذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ السَّبْكِ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ الْغِشِّ. وَلَوْ أَخْرَجَ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عَنْ مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهُ،. وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلِئَلَّا يَغُشَّ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا، فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كَاللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ، وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْغِشُّ مَغْلُوبًا صَحَّ التَّعَامُلُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا لَمْ يَصِحَّ، وَالرَّابِعُ: يَصِحُّ التَّعَامُلُ بِهَا فِي الْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ الْغِشُّ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ حَظًّا مِنْ الْوَزْنِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ. وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إمْسَاكُهَا، بَلْ يَسْبُكُهَا وَيُصَفِّيهَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إلَّا إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلَا يُكْرَهُ إمْسَاكُهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَلَوْ اخْتَلَطَ إنَاءٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنْ أُذِيبَا وَصِيغَ مِنْهُمَا الْإِنَاءُ كَأَنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَحَدُهُمَا سِتُّمِائَةٍ وَالْآخَرُ أَرْبَعُمِائَةٍ (وَجَهِلَ أَكْثَرَهُمَا زَكَّى) كُلًّا مِنْهُمَا بِفَرْضِهِ (الْأَكْثَرَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) احْتِيَاطًا إنْ كَانَ رَشِيدًا. أَمَّا غَيْرُهُ فَيَتَعَيَّنُ التَّمْيِيزُ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ فَرْضُ كُلِّهِ ذَهَبًا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْجِنْسَيْنِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ (أَوْ مَيَّزَ) بَيْنَهُمَا بِالنَّارِ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِسَبْكِ قَدْرٍ يَسِيرٍ إذَا تَسَاوَتْ أَجْزَاؤُهُ. قَالَهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ مِنْ حُلِيٍّ وَغَيْرِهِ، لَا الْمُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ، فَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْإِنَاءُ وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ.   [مغني المحتاج] الْبَسِيطِ، أَوْ امْتَحَنَ بِالْمَاءِ فَيَضَعُ مَاءً فِي قَصْعَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا ذَهَبًا وَيَعْلَمُ ارْتِفَاعَهُ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا فِضَّةً وَيُعَلِّمُهُ، وَهَذِهِ الْعَلَامَةُ فَوْقَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ أَكْثَرُ حَجْمًا مِنْ الذَّهَبِ فَيَزِيدُ ارْتِفَاعُ الْمَاءِ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ الْمَخْلُوطَ فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ ارْتِفَاعُهُ أَقْرَبَ فَالْأَكْثَرُ مِنْهُ، وَيَكْتَفِي بِوَضْعِ الْمَخْلُوطِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَأَسْهَلُ مِنْ هَذَا وَأَضْبَطُ أَنْ تَضَعَ فِي الْمَاءِ قَدْرَ الْمَخْلُوطِ مِنْهُمَا مَعًا مَرَّتَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْأَكْثَرُ ذَهَبًا وَالْأَقَلُّ فِضَّةً، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ، وَتُعَلِّمَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَامَةً ثُمَّ تَضَعَ الْمَخْلُوطَ فَيُلْحَقَ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ. قَالَ: وَالطَّرِيقُ الْأَوَّلُ يَأْتِي أَيْضًا فِي مُخْتَلِطٍ جُهِلَ وَزْنُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فَإِنَّك إذَا وَضَعْتَ الْمُخْتَلِطَ الْمَذْكُورَ تَكُونُ عَلَامَتُهُ بَيْنَ عَلَامَتَيْ الْخَالِصِ، فَإِنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا سَوَاءً فَنِصْفُهُ ذَهَبٌ وَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الذَّهَبِ شَعِيرَتَانِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلَامَةِ الْفِضَّةِ شَعِيرَةٌ فَثُلُثَاهُ فِضَّةٌ وَثُلُثُهُ ذَهَبٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ وَمُؤْنَةُ السَّبْكِ عَلَى الْمَالِكِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَعَذَّرَ الِامْتِحَانُ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ بِفَقْدِ آلَاتِ السَّبْكِ أَوْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زَمَانٍ صَالِحٍ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ، ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَ السَّبْكَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ شُرُوطِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَلَا يَعْتَمِدُ الْمَالِكُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ غَلَبَةَ ظَنِّهِ وَلَوْ تَوَلَّى إخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ، وَيُصَدَّقُ فِيهِ إنْ أَخْبَرَ عَنْ عِلْمٍ. وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا نِصْفُهُ فِي يَدِهِ وَبَاقِيه مَغْصُوبٌ أَوْ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ زَكَّى الَّذِي فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ. (وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ) مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مِنْ حُلِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (وَ) مِنْ (غَيْرِهِ) كَالْأَوَانِي بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا الْمَكْرُوهُ كَالضَّبَّةِ الْكَبِيرَةِ لِلْحَاجَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِلزِّينَةِ (لَا) الْحُلِيُّ (الْمُبَاحُ فِي الْأَظْهَرِ) كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ الْعَوَامِلَ مِنْ النَّعَمِ، وَالثَّانِي يُزَكَّى؛ لِأَنَّ زَكَاةَ النَّقْدِ تُنَاطُ بِجَوْهَرِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّ زَكَاتَهُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ لَا بِجَوْهَرِهِ إذْ لَا غَرَضَ فِي ذَاتِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مَا لَوْ مَاتَ عَنْ حُلِيٍّ مُبَاحٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَارِثُهُ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهُ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ وَالِدِهِ احْتِمَالَ وَجْهٍ فِيهِ إقَامَةُ نِيَّةِ مُوَرِّثِهِ مَقَامَ نِيَّتِهِ. وَاسْتَشْكَلَ الْأَوَّلُ بِالْحُلِيِّ الَّذِي اتَّخَذَهُ بِلَا قَصْدِ شَيْءٍ بِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي تِلْكَ اتِّخَاذًا دُونَ هَذِهِ (فَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْإِنَاءُ) مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلذَّكَرِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوَانِي، وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ، وَمِنْهُ الْمَيْلُ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا. نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ شَخْصٌ مَيْلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَوَانِي، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الْأَظْهَرِ (وَالسِّوَارُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا (وَالْخَلْخَالُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ (لِلُبْسِ الرَّجُلِ) بِأَنْ يَقْصِدَهُ بِاِتِّخَاذِهِمَا فَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِالْقَصْدِ،. وَالْخُنْثَى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ، وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 فَلَوْ اتَّخَذَ سِوَارًا بِلَا قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ فَلَا زَكَاةَ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ. وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ إلَّا الْأَنْفَ وَالْأُنْمُلَةَ   [مغني المحتاج] احْتِيَاطًا لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ (فَلَوْ اتَّخَذَ) الرَّجُلُ (سِوَارًا) مَثَلًا (بِلَا قَصْدٍ) لَا لِلُبْسٍ وَلَا لِغَيْرِهِ (أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ) بِلَا كَرَاهَةٍ (فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَالثَّانِي: يَنْظُرُ فِي الْأُولَى إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ مُعَدٌّ لِلنَّمَاءِ أَمَّا لَوْ اتَّخَذَهُ لِيُعِيرَهُ لِمَنْ لَهُ لُبْسُهُ فَلَا زَكَاةَ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا قَصْدٍ مَا إذَا قَصَدَ اتِّخَاذَهُ كَنْزًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ وَلَوْ قَصَدَ بِاتِّخَاذِهِ مُبَاحًا، ثُمَّ غَيَّرَهُ إلَى مُحَرَّمٍ أَوْ بِالْعَكْسِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ) الْمُبَاحُ لِلِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ يُمْنَعُ الِاسْتِعْمَالُ (وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ) وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ دَامَ أَحْوَالًا لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ، وَالثَّانِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِتَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ بِأَنْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ كَنَزَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا، وَبِقَوْلِي وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ مَا لَوْ أَحْوَجَ انْكِسَارُهُ إلَى صَوْغٍ فَإِنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ انْكِسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الِانْكِسَارُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِعْمَالَ فَلَا أَثَرَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ لَا وَزْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي فَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِهِ لَا قِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا، ثُمَّ يَبِيعُهُ السَّاعِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَيُفَرِّقُ ثَمَنَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ نَقْدًا، وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهُ لِيُعْطِيَ مِنْهُ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُكَسِّرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً أَوْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مُشَاعًا. (وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ) وَلَوْ فِي آلَةِ الْحَرْبِ، لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» (إلَّا الْأَنْفَ) إذَا جُدِعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهُ مِنْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ عَرْفَجَةَ بْنَ سَعْدٍ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي كَانَتْ الْوَقْعَةُ عِنْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ لَهُ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْحِكْمَةُ فِي الذَّهَبِ أَنَّهُ لَا يَصْدَأُ إذَا كَانَ خَالِصًا بِخِلَافِ الْفِضَّةِ (وَ) إلَّا (الْأُنْمُلَةَ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِمَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ وَلَوْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الذَّهَبِ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ مَا تَحْتَ الْأُنْمُلَةِ سَلِيمًا دُونَ مَا إذَا كَانَ أَشَلَّ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ بِالْعَمَلِ اهـ. وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 وَالسِّنَّ، لَا الْأُصْبُعَ، وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَحِلُّ لَهُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ.   [مغني المحتاج] غَيْرِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى، ثُمَّ رَأَيْتُ الْغَزِّيَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْأُنْمُلَةُ السُّفْلَى كَالْأُصْبُعِ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ اهـ. فَائِدَةٌ: فِي الْأُنْمُلَةِ تِسْعُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ هَمْزَتِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْمِيمِ، وَأَفْصَحُهَا فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الْمِيمِ، قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْأَنَامِلُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ: أَيْ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَصْحَابُهُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ غَيْرِ الْإِبْهَامِ ثَلَاثُ أَنَامِلَ (وَ) إلَّا (السِّنَّ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ اتِّخَاذُ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَيَجُوزُ أَيْضًا شَدُّ السِّنِّ بِهِ عِنْدَ تَحْرِيكِهَا، وَلَا زَكَاةَ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ أَمْكَنَ نَزْعُهُ وَرَدُّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكُلُّ مَا جَازَ مِنْ الذَّهَبِ فَهُوَ بِالْفِضَّةِ أَوْلَى (لَا الْأُصْبُعَ) فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ الذَّهَبِ وَلَا مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فَتَكُونُ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ وَلَا أُنْمُلَتَيْنِ مِنْهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيكُهُمَا، وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ الْيَدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ) مِنْ الذَّهَبِ اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا عَلَى الرَّجُلِ، وَهِيَ الشُّعْبَةُ الَّتِي يَسْتَمْسِكُ بِهَا الْفَصُّ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ، وَمُقَابِلُهُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ فَقَالَ: لَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْخَاتَمَ أَلْزَمُ لِلشَّخْصِ مِنْ الْإِنَاءِ وَاسْتِعْمَالُهُ أَدْوَمُ. نَعَمْ إنْ صَدَأَ بِحَيْثُ لَا يُبَيَّنُ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي بِأَنَّ الذَّهَبَ لَا يَصْدَأُ بِأَنَّ مِنْهُ نَوْعًا يَصْدَأُ وَهُوَ مَا يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ. وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ: الصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ لَا الْخُيَلَاءُ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْعَيْنُ بِشَرْطِ الْخُيَلَاءِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ. (وَيَحِلُّ لَهُ) أَيْ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى بَلْ أَوْلَى (مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْيَمِينِ أَمْ فِي الْيَسَارِ، لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ مِنْ الرَّوْضَةِ. وَقِيلَ الْيَسَارُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَدِيعَةِ لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ خِلَافًا لِلْخَطَّابِيِّ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ: أَيْ وَهُوَ عُرْفُ تِلْكَ الْبَلَدِ وَعَادَةُ أَمْثَالِهِ فِيهَا، فَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ إسْرَافًا كَمَا قَالُوهُ فِي خَلْخَالِ الْمَرْأَةِ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِدُونِ مِثْقَالٍ لِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَابِسِ الْخَاتَمِ الْحَدِيدِ: مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ؟ قَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمُّهُ مِثْقَالًا» قَالَ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ اهـ. وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عُرْفَ بَلَدِهِ وَعَادَةَ أَمْثَالِهِ، وَتَوْحِيدُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَاتَمَ وَجَمْعُ مَا بَعْدَهُ قَدْ يُشْعِرُ بِامْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وَحِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ: كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ، لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ،   [مغني المحتاج] اتِّخَاذًا وَلُبْسًا، وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ، وَيَجُوزُ التَّخَتُّمُ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِيمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا عُدَّ الْوَاحِدُ جَازَ، فَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ فِي الِاتِّخَاذِ دُونَ اللُّبْسِ، وَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِيهِ مَا أَفَادَهُ شَيْخِي مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى سَرَفٍ، وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ فَفِي حِلِّهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْحِلُّ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. (وَ) يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ (حِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ) وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْخُوذَةِ (وَالرُّمْحِ وَالْمِنْطَقَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: مَا يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ وَالتُّرْسِ وَالْخُفِّ وَسِكِّينِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إرْهَابًا لِلْكُفَّارِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَنَّ نَعْلَ سَيْفِهِ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْقَبِيعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ، وَنَعْلُ السَّيْفِ مَا يَكُونُ فِي أَسْفَلَ غِمْدِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، لَكِنْ خَالَفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فَضَعَّفَهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِجَزْمِ الْأَصْحَابِ بِتَحْرِيمِ تَحْلِيَةِ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ، وَأَمَّا سِكِّينُ الْمِهْنَةِ أَوْ الْمَقْلَمَةُ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا عَلَى الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا تَحْلِيَةِ الْمِرْآةِ وَالدَّوَاةِ (لَا مَا لَا يَلْبَسُهُ كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْفَرَسِ كَالرِّكَابِ وَالْقِلَادَةِ وَالثَّغْرِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ وَأَطْرَافِ السُّيُورِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَلْبُوسٍ لِلرَّاكِبِ، فَهُوَ كَالْأَوَانِي، وَكَذَا يَحْرُمُ تَحْلِيَةُ الْمِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ لِمَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يَجُوزُ كَالسَّيْفِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ لِجَامِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسَرْجِهِمَا وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَدَّانِ لِلْحَرْبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَحْلِيَةُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بِالذَّهَبِ جَزْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْخُيَلَاءِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُقَاتِلِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ جَزْمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْلِيَةِ آلَةِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُجَاهِدَ. (وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ حِلْيَةُ آلَةِ الْحَرْبِ) بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، وَإِنْ جَازَ لَهُنَّ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ كَعَكْسِهِ، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» وَاللَّعْنُ لَا يَكُونُ عَلَى مَكْرُوهٍ، وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ مُخَالِفًا لِهَذَا؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيُّ لُبْسٍ يَخْتَصُّ بِهِنَّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا جَازَ لِلنِّسَاءِ الْمُحَارَبَةُ بِآلَتِهَا غَيْرِ مُحَلَّاةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ؛ لِأَنَّ التَّحَلِّيَ أَجْوَزُ لَهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهُنَّ لُبْسُ آلَةِ الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْلِيَةِ، وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ الْخُنْثَى احْتِيَاطًا. (وَلَهَا لُبْسُ أَنْوَاعِ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ كَالسِّوَارِ، وَالطَّوْقِ وَالْخَاتَمِ، وَالْحَلَقِ فِي الْآذَانِ وَالْأَصَابِعِ، وَالتَّاجِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَوَّدْنَهُ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ وَالنَّعْلِ، وَلَوْ تَقَلَّدَتْ الْمَرْأَةُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَثْقُوبَةَ بِأَنْ جَعَلَتْهَا فِي قِلَادَتِهَا زُكِّيَتْ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ. وَكَذَا إسْرَافُهُ فِي آلَةِ الْحَرْبِ. وَجَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ، وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ بِذَهَبٍ.   [مغني المحتاج] الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ فَقَدْ وَافَقَهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيُحْمَلُ مَا فِي بَابِ اللِّبَاسِ عَلَى الْمُعَرَّاةِ وَهِيَ الَّتِي جُعِلَ لَهَا عُرًا وَجُعِلَتْ فِي الْقِلَادَةِ فَإِنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا (وَكَذَا مَا نُسِجَ بِهِمَا) مِنْ الثِّيَابِ لَهَا لُبْسُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ، وَالثَّانِي: لَا، لِزِيَادَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ. (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ الْمُبَالَغَةِ فِي السَّرَفِ) فِي كُلِّ مَا أَبَحْنَاهُ (كَخَلْخَالٍ) لِلْمَرْأَةِ (وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَلَا زِينَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، بَلْ تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ لِاسْتِبْشَاعِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ إبَاحَةُ مَا تَتَّخِذُهُ النِّسَاءُ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْعَصَائِبِ الذَّهَبِ وَإِنْ كَثُرَ ذَهَبُهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْفِرُ مِنْهُ وَلَا تَسْتَبْشِعُ، بَلْ هُوَ فِي غَايَةِ الزِّينَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ كَمَا لَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِلَ لِتَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ، وَيَأْتِي فِي لُبْسِ ذَلِكَ مَعًا مَا مَرَّ فِي لُبْسِ الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِهِ السَّرَفَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِالْمُبَالَغَةِ مَا إذَا أَسْرَفَتْ وَلَمْ تُبَالِغْ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ، وَفَارَقَ مَا سَيَأْتِي فِي آلَةِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حِلُّهُمَا لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِهِمَا لِغَيْرِهَا فَاغْتُفِرَ لَهَا قَلِيلُ السَّرَفِ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ (إسْرَافُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (فِي آلَةِ الْحَرْبِ) فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ وَلَوْ اتَّخَذَ آلَاتٍ كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ مُحَلَّاةً جَازَ كَمَا مَرَّ فِي اتِّخَاذِ الْخَوَاتِيمِ لِلرَّجُلِ. فَائِدَةٌ: السَّرَفُ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَيُقَالُ فِي النَّفَقَةِ التَّبْذِيرُ وَهُوَ الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ فَالْمُسْرِفُ الْمُنْفِقُ فِي مَعْصِيَةٍ وَإِنْ قَلَّ إنْفَاقُهُ، وَغَيْرُهُ الْمُنْفِقُ فِي الطَّاعَةِ وَإِنْ أَفْرَطَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الْحَلَالِ إسْرَافٌ، وَإِنَّمَا السَّرَفُ فِي ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ: لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْحَلَالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ مَا نَفَقَتُكَ. قَالَ الْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] الْآيَةَ. (وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُ تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِفِضَّةٍ) لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إكْرَامًا لَهُ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالْأَوَانِي، وَالْخِلَافُ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ، وَقِيلَ وَجْهَانِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ (وَكَذَا) يَجُوزُ (لِلْمَرْأَةِ) فَقَطْ (بِذَهَبٍ) لِعُمُومِ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي» وَالثَّانِي: يَجُوزُ لَهُمَا إكْرَامًا. وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ لَهُمَا، وَالطِّفْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْمُصْحَفِ فِي ذَلِكَ اللَّوْحُ الْمُعَدُّ لِكِتَابَةِ الْقُرْآنِ. وَيَحِلُّ تَحْلِيَةُ غِلَافِ الْمُصْحَفِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بِالْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا بِالذَّهَبِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حِلْيَةً لِلْمُصْحَفِ. . قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَنْ كَتَبَ الْمُصْحَفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الْحَوْلُ. وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ. بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِن وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ   [مغني المحتاج] بِذَهَبٍ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لِلرِّجَالِ أَوْ لِلنِّسَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِتَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ عَنْ تَحْلِيَةِ الْكُتُبِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ سَوَاءٌ فِيهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهَا، وَلَوْ حَلَّى الْمَسَاجِدَ أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ قَنَادِيلَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ حَرُمَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ فَيُزَكَّى ذَلِكَ لَا إنْ جُعِلَ وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُزَكَّى لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ وَقْفِهِ إذَا حَلَّ اسْتِعْمَالُهُ بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَوَقْفُ الْمُحَرَّمِ بَاطِلٌ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ وَقْفَهُ لَيْسَ عَلَى التَّحَلِّي كَمَا تُوُهِّمَ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ كَالْوَقْفِ عَلَى تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْشِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ مَعَ صِحَّةِ وَقْفِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ نَقْلًا لَهُ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. (وَشَرْطُ زَكَاةِ النَّقْدِ الْحَوْلُ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» (1) نَعَمْ لَوْ مَلَكَ نِصَابًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ إنْسَانًا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ. (وَلَا زَكَاةَ فِي سَائِرِ الْجَوَاهِرِ كَاللُّؤْلُؤِ) وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْمَرْجَانِ لِعَدَمِ وُرُودِهَا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَتْ الْمَاشِيَةَ الْعَامِلَةَ. . خَاتِمَةٌ: كُلُّ حُلِيٍّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ، مِنْ النَّاسِ حُكْمُ صَنْعَتِهِ كَحُكْمِ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَاسِرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا يَحِلُّ لِبَعْضِ النَّاسِ لَا يُكْسَرُ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ: وَلَوْ كَسَرَهُ أَحَدٌ ضَمِنَهُ:. وَلَا يَجُوزُ تَثْقِيبُ الْآذَانِ لِلْقُرْطِ وَإِنْ أُبِيحَ الْقُرْطُ؛ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ بِلَا فَائِدَةٍ، وَوَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُثَقِّبِ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ. وَيَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالْحَرِيرِ لِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَهُ تَعْظِيمًا لَهَا بِخِلَافِ سَتْرِ غَيْرِهَا بِهِ وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّعْلِيلِ جَوَازَ سَتْرِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا بَأْسَ بِتَزْيِينِ الْمَسْجِدِ بِالْقَنَادِيلِ: أَيْ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالشُّمُوعِ الَّتِي لَا تُوقَدُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ احْتِرَامٍ. [بَاب زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ] (بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ وَالتِّجَارَةِ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا: وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْجَوَاهِرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُدُونِهِ: أَيْ إقَامَتِهِ: يُقَالُ عَدَنَ إذَا أَقَامَ فِيهِ، وَمِنْهُ {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72] أَيْ إقَامَةٍ، وَيُسَمَّى الْمُسْتَخْرَجُ مَعْدِنًا أَيْضًا كَمَا فِي التَّرْجَمَةِ. وَالْأَصْلُ فِي زَكَاتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا} [البقرة: 254] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 مَنْ اسْتَخْرَجَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مِنْ مَعْدِنٍ لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ الْخُمُسُ، فِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِلَّا فَخُمُسُهُ. وَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَيَضُمُّ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ إنْ تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ ضَمَّ، وَإِلَّا فَلَا يَضُمُّ الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي،   [مغني المحتاج] أَيْ زَكُّوا {مِنْ طَيِّبَاتِ} [البقرة: 57] أَيْ خِيَارِ {مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134] أَيْ مِنْ الْمَالِ {وَمِنَ} [البقرة: 8] طَيِّبَاتِ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ} [البقرة: 267] مِنْ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَخَبَرُ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخَذَ مِنْ الْمَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ الصَّدَقَةَ» ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ: نَاحِيَةٌ مِنْ قَرْيَةٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا الْفُرْعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ فَقَالَ (مَنْ اسْتَخْرَجَ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) لَا غَيْرَهُمَا كَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ (مِنْ مَعْدِنٍ) مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ لَهُ (لَزِمَهُ رُبْعُ عُشْرِهِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ كَخَبَرِ «وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ فِي الْمُدَّةُ الْمَاضِيَةِ إذَا وَجَدَهُ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مِلْكَهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأَرْضَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَوْجُودِ مِمَّا يُخْلَقُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَلْزَمُهُ (الْخُمُسُ) كَالرِّكَازِ بِجَامِعِ الْخَفَاءِ فِي الْأَرْضِ (فِي قَوْلٍ إنْ حَصَلَ بِتَعَبٍ) كَأَنْ احْتَاجَ إلَى طَحْنٍ أَوْ مُعَالَجَةٍ بِالنَّارِ أَوْ حَفْرٍ (فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِلَّا) بِأَنْ حَصَلَ بِلَا تَعَبٍ (فَخُمُسُهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَزْدَادُ بِقِلَّةِ الْمُؤْنَةِ وَيَنْقُصُ بِكَثْرَتِهَا كَالْمُعَشَّرَاتِ. (وَيُشْتَرَطُ) لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ (النِّصَابُ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ (لَا الْحَوْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا) وَقَطَعَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ تَكَامُلِ النَّمَاءِ، وَالْمُسْتَخْرَجُ مِنْ الْمَعْدِنِ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ. وَقِيلَ: فِي اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ، وَطَرِيقُ الْخِلَافِ مُفَرَّعٌ فِي النِّصَابِ عَلَى وُجُوبِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ تَخْمِيسُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ النِّصَابُ كَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَفِي الْحَوْلِ عَلَى وُجُوبِ رُبْعِ الْعُشْرِ لِعُمُومِ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّصَابِ وَبِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ. (وَيَضُمُّ بَعْضَهُ) أَيْ الْمُسْتَخْرَجِ (إلَى بَعْضٍ إنْ) اتَّحَدَ الْمَعْدِنُ: أَيْ الْمُخْرَجُ وَ (تَتَابَعَ الْعَمَلُ) كَمَا يَضُمُّ الْمُتَلَاحِقَ مِنْ الثِّمَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى مِلْكِهِ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْمَكَانِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهُ فَلَوْ تَعَدَّدَ لَمْ يَضُمَّ تَقَارَبَا أَوْ تَبَاعَدَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي اخْتِلَافِ الْمَكَانِ اسْتِئْنَافُ عَمَلٍ، هَكَذَا عَلَّلَ بِهِ شَيْخِي، وَكَذَا فِي الرِّكَازِ نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الضَّمِّ (اتِّصَالُ النَّيْلِ عَلَى الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ غَالِبًا إلَّا مُتَفَرِّقًا، وَالْقَدِيمُ إنْ طَالَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ لَمْ يُضَمَّ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْعَمَلَ (وَإِذَا قَطَعَ الْعَمَلَ بِعُذْرٍ) كَإِصْلَاحِ الْآلَةِ وَهَرَبِ الْأُجَرَاءِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ (ضُمَّ) وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِذَلِكَ مُعْرِضًا؛ لِأَنَّهُ عَازِمٌ عَلَى الْعَمَلِ إذَا ارْتَفَعَ الْعُذْرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَطَعَ الْعَمَلَ بِلَا عُذْرٍ (فَلَا يَضُمُّ) سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَنُ أَمْ لَا لِإِعْرَاضِهِ، وَمَعْنَى عَدَمِ الضَّمِّ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ (الْأَوَّلَ إلَى الثَّانِي) فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وَيَضُمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ. وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، يُصْرَفُ مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَشَرْطُهُ النِّصَابُ،   [مغني المحتاج] إكْمَالِ النِّصَابِ (وَيَضُمُّ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا (كَمَا يَضُمُّهُ إلَى مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمَعْدِنِ) كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِمَا (فِي إكْمَالِ النِّصَابِ) فَإِذَا اسْتَخْرَجَ مِنْ الْفِضَّةِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِالْعَمَلِ الْأَوَّلِ وَمِائَةً وَخَمْسِينَ بِالثَّانِي فَلَا زَكَاةَ فِي الْخَمْسِينَ، وَتَجِبُ فِي الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ كَمَا تَجِبُ فِيهَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِخَمْسِينَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْدِنِ وَيَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ حِينِ تَمَامِهِمَا إذَا أَخْرَجَ حَقَّ الْمَعْدِنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ نِصَابًا ضُمَّ الثَّانِي إلَيْهِ قَطْعًا، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ لَا تَرِدُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّهَا بِالْوُجُوبِ أَوْلَى مِمَّا صَرَّحَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِقَوْلِنَا: وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْدِنِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ، وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ أَخْذِ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ دَخِيلٌ فِيهَا، وَالْمَانِعُ لَهُ الْحَاكِمُ فَقَطْ وَإِنْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، فَإِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ مَنْعِهِ مَلَكَهُ كَمَا لَوْ احْتَطَبَ وَيُفَارِقُ مَا أَحْيَاهُ بِتَأَبُّدِ ضَرَرِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَصْرِفَ حَقِّ الْمَعْدِنِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ لَا مَصْرِفُ الْفَيْءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَوَقْتُ وُجُوبِ حَقِّ الْمَعْدِنِ حُصُولُ النَّيْلِ فِي يَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ عَقِبَ التَّخْلِيصِ وَالتَّنْقِيَةِ مِنْ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ، كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْحُبُوبِ فِي الزَّرْعِ اشْتِدَادُ الْحَبِّ، وَوَقْتُ الْإِخْرَاجِ التَّنْقِيَةُ، وَيُجْبَرُ عَلَى التَّنْقِيَةِ، كَمَا فِي تَنْقِيَةِ الْحُبُوبِ، وَمُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ كَمُؤْنَةِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ قَبْلَهَا لِفَسَادِ الْقَبْضِ. فَإِنْ قَبَضَهُ السَّاعِي قَبْلَهَا ضَمِنَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَصُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِهِ إنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ التَّلَفِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ غَرِمَهُ. فَإِنْ كَانَ تُرَابُ فِضَّةٍ قُوِّمَ بِذَهَبٍ، أَوْ تُرَابُ ذَهَبٍ قُوِّمَ بِفِضَّةٍ وَالْمُرَادُ بِالتُّرَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْمَعْدِنُ الْمُخْرَجُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ صُدِّقَ السَّاعِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ مَيَّزَهُ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلسَّاعِي بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ قَبْلَ التَّنْقِيَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا وَمِنْ الْإِخْرَاجِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ لَا زَكَاةُ الْبَاقِي وَإِنْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ فَكَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ. وَلَوْ اسْتَخْرَجَ اثْنَانِ مِنْ مَعْدِنٍ نِصَابًا زَكَّيَاهُ لِلْخُلْطَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَانِي مَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهُ فَقَالَ: (وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَخَالَفَ الْمَعْدِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا مُؤْنَةَ فِي تَحْصِيلِهِ، أَوْ مُؤْنَتُهُ قَلِيلَةٌ فَكَثُرَ وَاجِبُهُ كَالْمُعَشَّرَاتِ (يُصْرَفُ) أَيْ الْخُمُسُ وَكَذَا الْمَعْدِنُ (مَصْرِفَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَرْضِ فَأَشْبَهَ الْوَاجِبَ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَرَجَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْوَاجِدِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ جَاهِلِيٌّ حَصَلَ الظَّفْرُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَكَانَ كَالْفَيْءِ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 وَالنَّقْدُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا الْحَوْلُ، وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ. فَإِنْ وُجِدَ إسْلَامِيٌّ عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ الْوَاجِدُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَصْرِفٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ مَحَلُّ الصَّرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ (وَشَرْطُهُ النِّصَابُ) وَلَوْ بِالضَّمِّ كَمَا مَرَّ (وَالنَّقْدُ) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الْمَضْرُوبُ وَغَيْرُهُ كَالسَّبَائِكِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْأَرْضِ فَاخْتَصَّ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَدْرًا وَنَوْعًا كَالْمَعْدِنِ. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطَانِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» (1) وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ (لَا الْحَوْلُ) فَلَا يُشْتَرَطُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ جَرَى فِي الْمَعْدِنِ خِلَافٌ لِلْمَشَقَّةِ فِيهِ (وَهُوَ) أَيْ الرِّكَازُ بِمَعْنَى الْمَرْكُوزِ (الْمَوْجُودُ الْجَاهِلِيُّ) أَيْ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ - أَيْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ جَهَالَاتِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الدَّفِينِ الْجَاهِلِيِّ رِكَازًا كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّ مَالِكَهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا بَلَغَتْهُ وَعَانَدَ وَوُجِدَ فِي بِنَائِهِ أَوْ بَلَدِهِ الَّتِي أَنْشَأَهَا كَنْزٌ فَلَيْسَ بِرِكَازٍ بَلْ فَيْءٌ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ هَلْ الْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيِّ ضَرْبًا أَوْ دَفْنًا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ: وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ هُوَ. يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ الْأَوَّلَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: الرِّكَازُ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ، قِيلَ: وَهِيَ أَوْلَى فَإِنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِدَفْنِهِمْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى ضَرْبِ الْجَاهِلِيَّةِ كَوْنُهُ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُسْلِمًا عَثَرَ بِكَنْزٍ جَاهِلِيٍّ فَأَخَذَهُ ثُمَّ دَفَنَهُ كَذَا قَالَاهُ. وَ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ عَدَمُ أَخْذِ مُسْلِمٍ لَهُ ثُمَّ دَفْنِهِ ثَانِيًا وَلَوْ قُلْنَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَنَا رِكَازٌ بِالْكُلِّيَّةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ دَفْنِهِمْ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِعَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا أَوْلَى. وَالتَّقْيِيدُ بِدَفْنِ الْجَاهِلِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَا وُجِدَ فِي الصَّحَارِي مِنْ دَفِينِ الْحَرْبِيِّينَ الَّذِينَ عَاصَرُوا الْإِسْلَامَ لَا يَكُونُ رِكَازًا بَلْ فَيْئًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ السَّابِقُ،. وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهِ رِكَازًا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَدْفُونًا، فَإِنْ وَجَدَهُ ظَاهِرًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ السَّيْلَ أَظْهَرَهُ فَرِكَازٌ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ ظَاهِرًا فَلُقَطَةٌ، وَإِنْ شَكَّ فَكَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ ضَرْبُ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ وُجِدَ) دَفِينٌ (إسْلَامِيٌّ) كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ (عُلِمَ مَالِكُهُ فَلَهُ) لَا لِلْوَاجِدِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى مَالِكِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْلِمِ لَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ مَالِكُهُ (فَلُقَطَةٌ) يُعَرِّفُهُ الْوَاجِدُ كَمَا يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ الْمَوْجُودَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ الضَّرْبَيْنِ) الْجَاهِلِيِّ وَالْإِسْلَامِيِّ (هُوَ) بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا أَثَرَ عَلَيْهِ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي، أَوْ كَانَ مِثْلُهُ يُضْرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ (وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ) أَيْ الرِّكَازَ (الْوَاجِدُ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ أَحْيَاهُ. فَإِنْ وُجِدَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَوْ فِي مِلْكِ شَخْصٍ فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي. وَلَوْ تَنَازَعَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ، أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ. فَصْلٌ   [مغني المحتاج] (وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ) فِيهِ (إذَا وَجَدَهُ فِي مَوَاتٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ أَحْيَاهُ الْوَاجِدُ أَوْ أَقْطَعَهُ أَمْ لَا، وَكَالْمَوَاتِ مَا وُجِدَ فِي قُبُورِهِمْ أَوْ خَرَائِبِهِمْ أَوْ قِلَاعِهِمْ (أَوْ) وُجِدَ (فِي مِلْكٍ أَحْيَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرِّكَازَ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ. (فَإِنْ وُجِدَ) الرِّكَازَ (فِي مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ فَلُقَطَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) يَفْعَلُ فِيهِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ جُهِلَ مَالِكُهُ فَيَكُونُ لُقَطَةً. وَالثَّانِي: أَنَّهُ رِكَازٌ كَالْمَوَاتِ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي الثَّلَاثَةِ. (أَوْ) وَجَدَ (مِلْكَ شَخْصٍ) أَوْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ (فَلِلشَّخْصِ إنْ ادَّعَاهُ) يَأْخُذُ بِلَا يَمِينٍ كَأَمْتِعَةِ الدَّارِ كَذَا قَالَاهُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ: الشَّرْطُ أَنْ لَا يَنْفِيَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ كَسَائِرِ مَا بِيَدِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَاهُ وَيُفَارِقُ سَائِرَ مَا بِيَدِهِ بِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ مَعْلُومَةٌ لَهُ غَالِبًا بِخِلَافِهِ فَاعْتُبِرَ دَعْوَاهُ لَهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُ دَفَنَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ بِأَنْ نَفَاهُ أَوْ سَكَتَ (فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ) وَتَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ نَفَاهُ بَعْضُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَسَلَكَ بِالْبَاقِي مَا ذُكِرَ (وَهَكَذَا) يَجْرِي مَا تَقَرَّرَ (حَتَّى يَنْتَهِيَ) الْأَمْرُ (إلَى الْمُحْيِي) لِلْأَرْضِ فَيَكُونَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ مَلَكَ مَا فِيهَا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمْسُ الَّذِي لَزِمَهُ يَوْمَ مَلَكَهُ، وَإِذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُ أَلْزَمْنَاهُ زَكَاةَ الْبَاقِي لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ، فَإِنْ مَاتَ الْمُحْيِي قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْفِهِ بَعْضُهُمْ أُعْطِيَ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَحُفِظَ الْبَاقِي، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَالِكِهِ تَصَدَّقَ بِهِ الْإِمَامُ، أَوْ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ وَقَدْ وُجِدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِمَا فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ الْمَالِكُ مِنْهُمَا فَيُسَلَّمُ إلَيْهِ. (وَلَوْ تَنَازَعَهُ) أَيْ الرِّكَازَ فِي الْمِلْكِ (بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ أَوْ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ أَوْ مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ) بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ هُوَ لِي وَأَنَا دَفَنْتُهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ وَالْمُكْرِي وَالْمُعِيرُ مِثْلَ ذَلِكَ (صُدِّقَ ذُو الْيَدِ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ (بِيَمِينِهِ) كَمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي أَمْتِعَةِ الدَّارِ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِكَوْنِ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَلَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ بَعْدَ عَوْدِ الْمِلْكِ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُكْرِي أَوْ الْمُعِيرِ، فَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ: دَفَنْتُهُ بَعْدَ عَوْدِ الْمِلْكِ إلَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: دَفَنْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِي صُدِّقَ الْمُشْتَرِي وَالْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ سَلَّمَ لَهُ حُصُولَ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَنْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَالِثِ مَا فِي التَّرْجَمَةِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ:. [فَصْلٌ شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ] (فَصْلٌ) أَيْ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَهِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ بِالْمُعَاوَضَةِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي التِّجَارَةِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا، وَفِي الْبُرِّ صَدَقَتُهُ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ الْحَوْلُ، وَالنِّصَابُ مُعْتَبَرًا بِآخِرِ الْحَوْلِ، وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ فَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ رُدَّ إلَى النَّقْدِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ شِرَائِهَا. وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ، وَقِيمَةُ الْعَرْضِ دُونَ النِّصَابِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ، وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ.   [مغني المحتاج] رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَالْبَزُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالزَّايِ، يُقَالُ لِلثِّيَابِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْبَزَّازِينَ، وَعَلَى السِّلَاحِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَزَكَاةُ الْعَيْنِ لَا تَجِبُ فِي الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ، فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ. وَعَنْ سَمُرَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِهَا. وَأَمَّا خَبَرُ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» (2) فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ. (شَرْطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ: الْحَوْلُ) قَطْعًا (وَالنِّصَابُ) كَذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاشِي وَالنَّاضِّ (مُعْتَبَرًا) أَيْ النِّصَابُ (بِآخِرِ الْحَوْلِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ فَلَا يُعْتَبَرُ غَيْرُهُ لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِ الْقِيَمِ (وَفِي قَوْلٍ بِطَرَفَيْهِ) أَيْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ دُونَ وَسَطِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْحَوْلِ. وَأَمَّا الْآخَرُ؛ فَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْعَرْضِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَشُقُّ (وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ) كَالنَّقْدِ وَالْمَوَاشِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا بِالْقِيمَةِ وَتَعْسُرُ مُرَاعَاتُهَا كُلَّ وَقْتٍ لِاضْطِرَابِ الْأَسْعَارِ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا. وَالْأَوَّلُ مَنْصُوصٌ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُخَرَّجَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْهَا بِالْأَوْجُهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَرِّجَ يُعَبِّرُ عَنْهُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْوَجْهِ. (فَعَلَى الْأَظْهَرِ) وَهُوَ اعْتِبَارُ آخِرِ الْحَوْلِ (لَوْ رُدَّ) مَالُ التِّجَارَةِ (إلَى النَّقْدِ) الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ بِأَنْ بِيعَ بِهِ (فِي خِلَالِ) أَيْ أَثْنَاءِ (الْحَوْلِ، وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ وَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَيُبْتَدَأُ حَوْلُهَا مِنْ) وَقْتِ (شِرَائِهَا) لِتَحَقُّقِ نُقْصَانِهَا حِسًّا بِالتَّنْضِيضِ. وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ كَمَا لَوْ بَادَلَ بِهَا سِلْعَةً نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ مَعْدُودَةٌ مِنْ التِّجَارَةِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّقْدِ إلَى الْمَعْهُودِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَالْحَالُ يَقْتَضِي التَّقْوِيمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ كَبَيْعِ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ بِنَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ وَهُوَ نِصَابٌ فَحَوْلُهُ بَاقٍ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْرِيعِ يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ وَقِيمَةُ الْعَرْضِ) بِسُكُونِ الرَّاءِ (دُونَ النِّصَابِ) وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ مِنْ جِنْسِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُبْتَدَأُ حَوْلٌ وَيَبْطُلُ) الْحَوْلُ (الْأَوَّلُ) فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَشِرَاءٍ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِالْهِبَةِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ   [مغني المحتاج] مَضَى فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ، بَلْ مَتَى بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ نِصَابًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَيُبْتَدَأُ الْحَوْلُ الثَّانِي وَقْتَئِذٍ إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ مَالَ التِّجَارَةِ قَدْ أَقَامَ عِنْدَهُ حَوْلًا بَلْ وَزِيَادَةً وَتَمَّ نِصَابًا فَيَقُولُ الْعَامِلُ: هُنَا كَمَا قَالَ الْأَخُ الشَّقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحِمَارِيَّةِ: هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ؟ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَابْتَاعَ بِخَمْسِينَ مِنْهَا عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْجَمِيعِ آخِرَ الْحَوْلِ وَإِنْ مَلَكَهُ فِي أَثْنَائِهِ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ بِالْمِائَةِ ثُمَّ مَلَكَ خَمْسِينَ زَكَّى الْجَمِيعَ إذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ إنَّمَا تُضَمُّ فِي النِّصَابِ لَا فِي الْحَوْلِ. (وَيَصِيرُ عَرْضُ التِّجَارَةِ لِلْقُنْيَةِ بِنِيَّتِهَا) أَيْ الْقُنْيَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَاكْتَفَيْنَا فِيهَا بِالنِّيَّةِ، بِخِلَافِ عَرْضِ الْقُنْيَةِ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ نِيَّتِهَا كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ أَصْلٍ كَمَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إذَا نَوَى وَهُوَ مَاكِثٌ وَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِالْفِعْلِ، وَأَيْضًا الْقُنْيَةُ هِيَ الْحَبْسُ لِلِانْتِفَاعِ وَقَدْ وُجِدَ بِالنِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْإِمْسَاكِ، وَالتِّجَارَةُ: هِيَ التَّقْلِيبُ بِقَصْدِ الْأَرْبَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، فَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَ تِجَارَةٍ بِلَا نِيَّةِ قُنْيَةٍ فَهُوَ مَالُ تِجَارَةٍ، فَإِنْ نَوَاهَا بِهِ فَلَيْسَ مَالَ تِجَارَةٍ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِنِيَّتِهَا اسْتِعْمَالًا جَائِزًا أَوْ مُحَرَّمًا كَلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ بِالسَّيْفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي التَّتِمَّةِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ نَوَى الْقُنْيَةَ بِبَعْضِ عَرْضِ التِّجَارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ فَفِي تَأْثِيرِهِ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي إنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيُرْجَعُ فِي التَّعْيِينِ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَقْرَبُهُمَا الْمَنْعُ (وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إذَا اقْتَرَنَتْ نِيَّتُهَا بِكَسْبِهِ بِمُعَاوَضَةٍ) مَحْضَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهَا (كَشِرَاءٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِعَرْضٍ أَمْ نَقْدٍ أَمْ دَيْنٍ حَالٍّ أَمْ مُؤَجَّلٍ لِانْضِمَامِ قَصْدِ التِّجَارَةِ إلَى فِعْلِهَا، وَمِنْ الْمَمْلُوكِ بِمُعَاوَضَةٍ مَا اتَّهَبَهُ بِثَوَابٍ أَوْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَنْ دَمٍ وَمَا أَجَرَ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ مَالَهُ، أَوْ مَا اسْتَأْجَرَهُ، أَوْ مَنْفَعَةَ مَا اسْتَأْجَرَهُ بِأَنْ كَانَ يَسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ وَيُؤْجِرُهَا بِقَصْدِ التِّجَارَةِ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ عِوَضِهَا كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا الْمَهْرُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ) فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ لِلتِّجَارَةِ إذْ اقْتَرَنَا بِنِيَّتِهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُلِكَا بِمُعَاوَضَةٍ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِهِمَا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ، وَإِذَا ثَبَتَ حُكْمُ التِّجَارَةِ لَمْ يُحْتَجْ فِي كُلِّ مُعَامَلَةٍ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ (لَا بِالْهِبَةِ) غَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ (وَالِاحْتِطَابِ) وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْإِرْثِ (وَالِاسْتِرْدَادِ بِعَيْبٍ) أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ، بَلْ الِاسْتِرْدَادُ الْمَذْكُورُ فَسْخٌ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ مَجَّانًا لَا يُعَدُّ تِجَارَةً، فَلَوْ قَصَدَ التِّجَارَةَ بَعْدَ التَّمَلُّكِ لَمْ يُؤَثِّرْ، إذْ النِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ لَاغِيَةٌ، فَمَنْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلْقُنْيَةِ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ لِلتِّجَارَةِ عَرْضًا لِلْقُنْيَةِ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ لَمْ يَصِرْ مَالَ تِجَارَةٍ، وَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا يَعُودُ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ مَالَ تِجَارَةٍ، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَامَةٍ مِنْ شِرَاءِ عَرْضِ التِّجَارَةِ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَبْقَى حُكْمُ التِّجَارَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَرْضَ التِّجَارَةِ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ عَرْضًا آخَرَ، وَلَوْ اشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ دِبَاغًا لِيَدْبُغَ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 وَإِذَا مَلَكَهُ بِنَقْدِ نِصَابٍ فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ النَّقْدَ، أَوْ دُونَهُ أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ فَمِنْ الشِّرَاءِ، وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا وَيَضُمُّ الرِّبْحَ، إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَا إنْ نَضَّ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] لِلنَّاسِ أَوْ صِبْغًا لِيَصْبُغَ بِهِ لَهُمْ صَارَ مَالَ تِجَارَةٍ فَتَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ بَعْدَ مُضِيِّ حَوْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّابُونِ إذَا اشْتَرَاهُ لَهَا لِيَغْسِلَ بِهِ لِلنَّاسِ أَوْ الْمِلْحِ لِيَعْجِنَ بِهِ لَهُمْ لَا يَصِيرُ مَالَ تِجَارَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَهْلَكُ فَلَا يَقَعُ مُسَلَّمًا لَهُمْ. (وَإِذَا مَلَكَهُ) أَيْ عَرْضَ التِّجَارَةِ (بِنَقْدِ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ (نِصَابٍ) أَوْ دُونَهُ وَفِي مِلْكِهِ بَاقِيه: كَأَنْ اشْتَرَى بِعَيْنٍ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ بِعَيْنٍ عَشَرَةً أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَفِي مِلْكِهِ عَشَرَةٌ أَوْ مِائَةٌ أُخْرَى (فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَ) ذَلِكَ (النَّقْدَ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَفِي جِنْسِهِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ نَقَدَهُ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَوْلُ النَّقْدِ وَيَبْتَدِئُ حَوْلُ التِّجَارَةِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ (أَوْ دُونَهُ) أَيْ أَوْ مَلَكَهُ بِدُونِ النِّصَابِ، وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ بَاقِيهِ (أَوْ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ) كَالثِّيَابِ (فَمِنْ الشِّرَاءِ) حَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِهِ لَمْ يَكُنْ مَالَ زَكَاةٍ (وَقِيلَ إنْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ سَائِمَةٍ بَنَى عَلَى حَوْلِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَالُ زَكَاةٍ جَارٍ فِي الْحَوْلِ، فَكَانَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِنِصَابِ نَقْدٍ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمَقِيسِ مُخْتَلِفٌ، بِخِلَافِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ. (وَيَضُمُّ الرِّبْحَ) الْحَاصِلُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ (إلَى الْأَصْلِ فِي الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ) بِكَسْرِ النُّونِ: أَيْ يَصِرْ نَاضًّا بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى النِّتَاجِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى حَوْلِ كُلِّ زِيَادَةٍ مَعَ اضْطِرَابِ الْأَسْوَاقِ مِمَّا يَشُقُّ، فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا فِي الْمُحَرَّمِ بِمِائَتِي دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلَاثَمِائَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْلِ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ الرِّبْحُ بِزِيَادَةٍ فِي نَفْسِ الْعَرْضِ كَسِمَنِ الْحَيَوَانِ أَمْ بِارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَرْضَ بِدُونِ قِيمَتِهِ زَكَّى الْقِيمَةَ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَفِي زَكَاةِ الزَّائِدِ مَعَهَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْوُجُوبُ (لَا إنْ نَضَّ) أَيْ صَارَ الْكُلُّ نَاضًّا بِنَقْدِ التَّقْوِيمِ بِبَيْعٍ أَوْ إتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ وَأَمْسَكَهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ عَرْضًا قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَضُمُّ بَلْ يُزَكِّي الْأَصْلَ بِحَوْلِهِ وَيُفْرِدُ الرِّبْحَ بِحَوْلِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ بَاعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا وَاشْتَرَى بِهَا عَرْضًا آخَرَ وَبَلَغَ آخِرَ الْحَوْلِ بِالتَّقْوِيمِ أَوْ بِالتَّنْضِيضِ مِائَةً زَكَّى خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عِشْرُونَ وَنَصِيبَهَا مِنْ الرِّبْحِ ثَلَاثُونَ، فَتُزَكَّى الثَّلَاثُونَ الرِّبْحَ مَعَ أَصْلِهَا الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ نُضُوضٍ لَهُ قَبْلَهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ بَاعَ الْعَرْضَ قَبْلَ حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحِ كَأَنْ بَاعَهُ آخِرَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ زَكَّاهَا لِحَوْلِهَا: أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُضِيِّ الْأَوَّلِ، وَزَكَّى رِبْحَهَا، وَهُوَ ثَلَاثُونَ بِحَوْلِهِ: أَيْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي زَكَّى عَنْهَا أَوَّلًا بَاقِيَةً زَكَّاهَا أَيْضًا لِحَوْلِ الثَّلَاثِينَ، وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَاعَ الْعَرْضَ قَبْلَ حَوْلِ الْعِشْرِينَ الرِّبْحِ زَكَّى رِبْحَهَا وَهُوَ الثَّلَاثُونَ مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنِضَّ قَبْلَ فَرَاغِ حَوْلِهَا، وَالثَّانِي يُزَكِّي الرِّبْحَ بِحَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا يُزَكِّي النِّتَاجَ بِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ النِّتَاجَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ بِحُسْنِ التَّصَرُّفِ، وَلِهَذَا يَرُدُّ الْغَاصِبُ نِتَاجَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ وَثَمَرَهُ مَالُ تِجَارَةٍ وَأَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ، وَوَاجِبُهَا رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ. فَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ، وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِعَرْضٍ فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَبَلَغَ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ،   [مغني المحتاج] الْحَيَوَانِ دُونَ الرِّبْحِ. أَمَّا إذَا كَانَ النَّاضُّ الْمَبِيعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَا يُقَوَّمُ بِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ عَرْضٍ بِعَرْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيُضَمُّ الرِّبْحُ إلَى الْأَصْلِ، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دُونَ نِصَابٍ: كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَأَمْسَكَهَا إلَى تَمَامِ حَوْلِ الشِّرَاءِ زَكَّاهُمَا إنْ ضَمَمْنَا الرِّبْحَ إلَى الْأَصْلِ وَاعْتَبَرْنَا النِّصَابَ آخِرَ الْحَوْلِ فَقَطْ وَإِلَّا زَكَّى مِائَةَ الرِّبْحِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَدَ الْعَرْضِ) مِنْ الْحَيَوَانِ غَيْرِ السَّائِمَةِ كَمَعْلُوفَةٍ وَخَيْلٍ (وَثَمَرَهُ) كَثَمَرِ الشَّجَرَةِ وَأَغْصَانِهَا وَأَوْرَاقِهَا وَصُوفِ الْحَيَوَانِ وَوَبَرِهِ وَشَعْرِهِ (مَالُ تِجَارَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا جُزْءَانِ مِنْ الْأُمِّ وَالشَّجَرِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَحْصُلَا بِالتِّجَارَةِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ، أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ الْأُمُّ تُسَاوِي أَلْفًا فَصَارَتْ بِالْوِلَادَةِ ثَمَانِيَةً وَقِيمَةُ الْوَلَدِ مِائَتَانِ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ يُجْبَرُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ جَزْمًا، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّ حَوْلَهُ حَوْلُ الْأَصْلِ) تَبَعًا كَنِتَاجِ السَّائِمَةِ. وَالثَّانِي: لَا، بَلْ تُفْرَدُ بِحَوْلٍ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ، فَأُفْرِدَتْ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّبْحِ النَّاضِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، تَصْحِيحُ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ (وَوَاجِبُهَا) أَيْ التِّجَارَةِ (رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ) أَمَّا كَوْنُهُ رُبْعَ عُشْرٍ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَالنَّقْدِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهُوَ الْجَدِيدُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُتَعَلِّقُ هَذِهِ الزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ عَيْنِ الْعَرْضِ، وَالْقَدِيمُ: يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ، وَالْقِيمَةُ تَقْدِيرٌ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ. (فَإِنْ مُلِكَ) الْعَرْضُ (بِنَقْدٍ قُوِّمَ بِهِ إنْ مُلِكَ بِنِصَابٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ النَّقْدُ هُوَ الْغَالِبُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا بِيَدِهِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ إنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ دَائِمًا. حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (وَكَذَا) إذَا مُلِكَ الْعَرْضُ بِنَقْدٍ (دُونَهُ) أَيْ النِّصَابِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ. وَالثَّانِي: يُقَوَّمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِعَرْضٍ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْلِكْ بَقِيَّةَ النِّصَابِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ. فَإِنْ مَلَكَهُ قَوَّمَ بِهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِبَعْضِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَابْتَدَأَ الْحَوْلَ مِنْ وَقْتِ مَلَكَ الدَّرَاهِمَ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَكِنْ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلُ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (أَوْ) مُلِكَ الْعَرْضُ (بِعَرْضٍ) لِلْقُنْيَةِ أَوْ بِخُلْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمِ عَمْدٍ (فَبِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ يُقَوَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّقْوِيمُ بِالْأَصْلِ رُجِعَ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ عَلَى قَاعِدَةِ التَّقْوِيمَاتِ فِي الْإِتْلَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ بِمَحَلٍّ لَا نَقْدَ فِيهِ كَبَلَدٍ يُتَعَامَلُ فِيهِ بِالْفُلُوسِ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ، وَلَوْ مُلِكَ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ أَوْ بِنَحْوِ سَبَائِكَ قُوِّمَ بِجِنْسِهِ مِنْ النَّقْدِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ) عَلَى التَّسَاوِي (وَبَلَغَ) مَالُ التِّجَارَةِ (بِأَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ (نِصَابًا قُوِّمَ بِهِ) لِبُلُوغِهِ نِصَابًا بِنَقْدٍ غَالِبٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا بَلَغَ النَّقْدُ الَّذِي عِنْدَهُ نِصَابًا فِي أَحَدِ الْمِيزَانَيْنِ دُونَ الْآخَرَ، فَإِنَّهُ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 فَإِنْ بَلَغَ بِهِمَا قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ لِلْفُقَرَاءِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ. وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِيَ بِالْغَالِبِ. وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً، فَإِنْ كَمُلَ نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ فَقَطْ وَجَبَتْ أَوْ نِصَابُهُمَا فَزَكَاةُ الْعَيْنِ فِي الْجَدِيدِ فَعَلَى هَذَا لَوْ سَبَقَ حَوْلُ التِّجَارَةِ، بِأَنْ اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نِصَابَ سَائِمَةٍ   [مغني المحتاج] زَكَاةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُنَا قَدْ تَحَقَّقَ تَمَامُ النِّصَابِ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ دُونَ ذَاكَ (فَإِنْ بَلَغَ) نِصَابًا (بِهِمَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (قُوِّمَ بِالْأَنْفَعِ) مِنْهُمَا (لِلْفُقَرَاءِ) كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، هَذَا مَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحًا عَنْ مُقْتَضَى إيرَادِ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ) فَيُقَوَّمُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي شَاتَيْ الْجُبْرَانِ وَدَرَاهِمِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيِّ وَبِهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ أَنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْقِيمَةِ فَلَمْ يَجِبْ لِلتَّقْوِيمِ بِالْأَنْفَعِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الشِّرَاءُ بِالْأَنْفَعِ لِيُقَوِّمَ بِهِ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ. (وَإِنْ مُلِكَ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ) كَأَنْ اشْتَرَى بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعَرْضٍ قُنْيَةً (قَوَّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَالْبَاقِي بِالْغَالِبِ) مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا، وَهَكَذَا إذَا اشْتَرَى بِجِنْسٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفِ الصِّفَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ إذَا تَفَاوَتَا. (وَتَجِبُ فِطْرَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ مَعَ زَكَاتِهَا) أَيْ التِّجَارَةِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهَا، فَلَا يَتَدَاخَلَانِ: كَالْقِيمَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ (وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ سَائِمَةً) أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ كَثَمَرٍ (فَإِنَّ كَمُلَ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ (نِصَابُ إحْدَى الزَّكَاتَيْنِ) الْعَيْنِ وَالتِّجَارَةِ (فَقَطْ) دُونَ نِصَابِ الْأُخْرَى كَأَنْ مَلَكَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا مِائَتَانِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ قِيمَتُهَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ (وَجَبَتْ) زَكَاةُ مَا كَمُلَ نِصَابُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهَا مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ (أَوْ) كَمُلَ (نِصَابُهُمَا) كَأَرْبَعِينَ شَاةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ (فَزَكَاةُ الْعَيْنِ) تَجِبُ (فِي الْجَدِيدِ) وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا بِخِلَافِ الْأُولَى، وَأَيْضًا زَكَاةُ التِّجَارَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقِيمَةِ، فَقُدِّمَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْعَيْنِ كَالْعَبْدِ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى، وَتُقَدَّمُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَزَكَاةُ الْعَيْنِ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الزَّكَاتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ: لَوْ كَانَ مَعَ مَا فِيهِ زَكَاةُ عَيْنِ مَا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ، كَأَنْ اشْتَرَى شَجَرًا لِلتِّجَارَةِ، فَبَدَا صَلَاحُ ثَمَرِهِ وَجَبَ مَعَ تَقْدِيمِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ عَنْ الثَّمَرِ زَكَاةُ الشَّجَرِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ كَانَ الْعَرْضُ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ لَكَانَ أَعَمَّ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى نَقْدًا بِنَقْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا كَالصَّيَارِفَةِ فَالْأَصَحُّ انْقِطَاعُهُ أَيْضًا. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ (فَعَلَى هَذَا) أَيْ الْجَدِيدِ (لَوْ سَبَقَ حَوْلُ) زَكَاةِ (التِّجَارَةِ) حَوْلَ زَكَاةِ الْعَيْنِ (بِأَنْ) وَأَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ (اشْتَرَى بِمَالِهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حَوْلِهَا (نِصَابَ سَائِمَةٍ) وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُنْيَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِجارة لِتَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يَفْتَتِحُ حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا. وَإِذَا قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ فَعَلَى الْمَالِكِ زَكَاةُ الْجَمِيعِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالشُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ، وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ. بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ   [مغني المحتاج] (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا) لِئَلَّا يُحَطَّ بَعْضُ حَوْلِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ وُجِدَ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ (ثُمَّ يَفْتَتِحُ) مِنْ تَمَامِهِ (حَوْلًا لِزَكَاةِ الْعَيْنِ أَبَدًا) أَيْ فَيَجِبُ فِي بَقِيَّةِ الْأَحْوَالِ، وَمَا مَضَى مِنْ السَّوْمِ فِي بَقِيَّةِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالثَّانِي يَبْطُلُ حَوْلُ التِّجَارَةِ، وَتَجِبُ زَكَاةُ الْعَيْنِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا مِنْ الشِّرَاءِ، وَلِكُلِّ حَوْلٍ بَعْدَهُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ الْمَذْكُورِ: تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ لِكُلِّ حَوْلٍ. (وَإِذَا قُلْنَا: عَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَمْلِكُ الرِّبْحَ) الْمَشْرُوطَ لَهُ (بِالظُّهُورِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ، بَلْ بِالْقِسْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَعَلَى الْمَالِكِ) عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ (زَكَاةُ الْجَمِيعِ) رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِلْكُهُ (فَإِنَّ أَخْرَجَهَا مِنْ) غَيْرِ (مَالِ الْقِرَاضِ) فَذَاكَ، أَوْ مِنْ مَالِهِ (حُسِبَتْ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَجْعَلُ إخْرَاجَهَا كَاسْتِرْدَادِ الْمَالِكِ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤَنِ الَّتِي تَلْزَمُ الْمَالَ مِنْ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ وَالْكَيَّالِ وَفِطْرَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ وَجِنَايَاتِهِمْ. وَالثَّانِي تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ لَهُ الْمَالُ. وَالثَّالِثُ: زَكَاةُ الْأَصْلِ مِنْ الْأَصْلِ، وَزَكَاةُ الرِّبْحِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِيهِمَا (وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ) الْعَامِلُ الْمَشْرُوطُ لَهُ (بِالظُّهُورِ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ رَأْسِ الْمَالِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمَا (وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ) مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ بِالْقِسْمَةِ، فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ الْحَالَّ عَلَى مَلِيءٍ، وَعَلَى هَذَا فَابْتِدَاءُ حَوْلِ حِصَّتِهِ مِنْ حِينِ الظُّهُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي. خَاتِمَةٌ يَصِحُّ بَيْعُ عَرْضِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَاعَهُ بِعَرْضِ قُنْيَةٍ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ زَكَاتِهِ الْقِيمَةُ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التِّجَارَةِ أَوْ وَهَبَهُ فَكَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا يُبْطِلَانِ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ يُبْطِلُ مُتَعَلِّقَ زَكَاةِ الْعَيْنِ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَهُ صَدَاقًا أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ أَوْ نَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنْ بَاعَهُ مُحَابَاةً فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ كَالْمَوْهُوبِ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ. [بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ] ِ وَيُقَالُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِدُخُولِ الْفِطْرِ، وَيُقَالُ أَيْضًا زَكَاةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ، فَتُخْرَجُ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ.   [مغني المحتاج] الْفِطْرَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَالتَّاءُ فِي آخِرِهَا، كَأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: بِضَمِّ الْفَاءِ وَاسْتَغْرَبَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخِلْقَةِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا. قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ: زَكَاةُ الْفِطْرَةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَةِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. يُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَهِيَ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ وَلَا مُعَرَّبَةٌ، بَلْ اصْطِلَاحِيَّةٌ لِلْفُقَرَاءِ، فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً عَلَى الْمُخْتَارِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (1) وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرَةِ؛ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ مَا عِشْتُ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا وَجَبَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ عَامَ فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ. (تَجِبُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ (بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ وَالثَّانِي تَجِبُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِيدِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا عَلَيْهِ كَالْأُضْحِيَّةِ كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لَا الْفَجْرُ، وَالثَّالِثُ: تَجِبُ بِمَجْمُوعِ الْوَقْتَيْنِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْفِطْرِ وَالْعِيدِ جَمِيعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قَالَهُ لِزَوْجَتِهِ اهـ. أَيْ قَالَهُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَةٌ فِي رَقِيقٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ أَوْ نَفَقَةُ قَرِيبٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهِيَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي نَوْبَتِهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ أَدَّى فِطْرَةَ عَبْدِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ مَاتَ الْمُخْرِجُ فَانْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ (فَتُخْرَجُ) عَلَى الْأَظْهَرِ (عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) مِمَّنْ يُؤَدَّى عَنْهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَعَبْدٍ وَقَرِيبٍ لِوُجُودِ السَّبَبِ فِي حَيَاتِهِ، وَكَذَا مَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَطَلَاقٍ، وَكَذَا لَوْ اسْتَغْنَى الْقَرِيبُ وَلَوْ مَاتَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ فِطْرَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ تَلَفِ الْمَالِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْفِطْرَةَ بِالذِّمَّةِ (دُونَ مَنْ وُلِدَ) أَوْ تَجَدَّدَ مِنْ زَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ. وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ إلَّا فِي عَبْدِهِ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ الْمُوجِبَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا وُجُوبَ فِيهِمَا. (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ) أَيْ الْعِيدِ لِلْأَمْرِ بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالصَّلَاةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ فِعْلِهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِنْ أُخِّرَتْ اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ عَلَى قِيَاسِ زَكَاةِ الْمَالِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَيُسَنُّ أَنْ تُخْرَجَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ تَعْبِيرَهُ لَيْسَ فِيهِ نَدْبُ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ، بَلْ هُوَ صَادِقٌ بِإِخْرَاجِهَا مَعَ الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَرُدُّهُ، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُسَنُّ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ إخْرَاجُهَا يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الصَّلَاةِ (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ الْعِيدِ بِلَا عُذْرٍ كَغَيْبَةِ مَالِهِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ إغْنَاؤُهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ السُّرُورِ، فَلَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَقَضَى لِخُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى الْفَوْرِ لِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ الْمُؤَخَّرَةَ عَنْ التَّمْكِينِ تَكُونُ أَدَاءً، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ كَالصَّلَاةِ. (وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَهُوَ إجْمَاعٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ مُطَالَبًا بِإِخْرَاجِهَا، وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ الْخَاصَّ لَمْ يَشْمَلْهُمْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " وَأَمَّا فِطْرَةُ الْمُرْتَدِّ وَمَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمُرْتَدُّ وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَمَنْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ مُرْتَدٌّ لَمْ تَلْزَمْهُ فِطْرَتُهُ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ (إلَّا فِي عَبْدِهِ) أَيْ رَقِيقِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً (وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمَا، وَهَكَذَا كُلُّ مُسْلِمٍ يَلْزَمُ الْكَافِرَ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ الذِّمِّيَّةِ إذَا أَسْلَمَتْ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ فِي الْعِدَّةِ وَأَوْجَبْنَا نَفَقَةً مُدَّةَ التَّخَلُّفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ هَلْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْمُخْرِجُ أَمْ وَجَبَتْ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُخْرِجِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ، فَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ. قَالَ الْإِمَامُ: لَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُتَحَمِّلَ عَنْهُ يَنْوِي، وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَّةُ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ إلَّا فِي رَقِيقِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 وَلَا رَقِيقٍ، وَفِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ قِسْطُهُ. وَلَا مُعْسِرٍ فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ فَمُعْسِرٌ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يَعْطِفُ الْقَرِيبَ بِأَوْ. (وَلَا) فِطْرَةَ عَلَى (رَقِيقٍ) لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ الْمَذْكُورُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ، وَلَا نَفَقَةُ قَرِيبِهِ، وَلَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ؛ لِاسْتِقْلَالِهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَإِنَّ فِطْرَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (وَفِي الْمُكَاتَبِ) كِتَابَةً صَحِيحَةً (وَجْهٌ) أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَفِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَرَقِيقِهِ فِي كَسْبِهِ كَنَفَقَتِهِمْ. أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَتَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ جَزْمًا (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ) مِنْ الْفِطْرَةِ (قِسْطُهُ) أَيْ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَبَاقِيهَا عَلَى مَالِكِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ تَتْبَعُ النَّفَقَةَ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ. هَذَا حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ بَعْضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ اخْتَصَّتْ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ. (وَلَا) فِطْرَةَ عَلَى (مُعْسِرٍ) وَقْتَ الْوُجُوبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ لَحْظَةٍ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا أَيْسَرَ قَبْلَ فَوَاتِ يَوْمِ الْعِيدِ الْإِخْرَاجُ. ثُمَّ حَدَّهُ بِقَوْلِهِ (فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ) بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا (عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ) أَيْ الَّذِي (فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ شَيْءٌ) يُخْرِجُهُ عَنْ فِطْرَتِهِ (فَمُعْسِرٌ) وَمَنْ فَضَلَ عَنْهُ مَا يُخْرِجُهُ فَمُوسِرٌ؛ لِأَنَّ الْقُوتَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤَدَّى فَاضِلًا عَنْ رَأْسِ مَالِهِ وَضَيْعَتِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ بِدُونِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفَارِقُ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِالْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَوْجَبُوا الْكَسْبَ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الْبَعْضِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَجِبُ الِاكْتِسَابُ لِنَفْسِهِ لِإِحْيَائِهَا، فَكَذَلِكَ يَجِبُ لِإِحْيَاءِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِاَلَّذِي كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ " مَنْ " إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ " مَنْ " لِمَنْ يَعْقِلُ. نَعَمْ يُؤْتَى بِهَا لِاخْتِلَاطِ مَنْ يَعْقِلُ بِغَيْرِهِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ التَّعْبِيرُ بِمَنْ. (وَيُشْتَرَطُ) فِيمَا يُؤَدِّيهِ فِي الْفِطْرَةِ (كَوْنُهُ فَاضِلًا) أَيْضًا ابْتِدَاءً (عَنْ) مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ (مَسْكَنٍ) يَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ التَّطْهِيرِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ، وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الْخَادِمِ أَنْ يَحْتَاجَهُ لِخِدْمَتِهِ أَوْ خِدْمَةِ مَمُونِهِ. أَمَّا حَاجَتُهُ لِعَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَخَرَجَ بِاللَّائِقِ بِهِ مَا لَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ يُمْكِنُ إبْدَالُهُمَا بِلَائِقٍ بِهِ، وَيَخْرُجُ التَّفَاوُتُ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ، وَبِالِابْتِدَاءِ مَا لَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهَا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَبِمَمُونِهِ كَمَا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ فِي الدُّيُونِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَلَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ. وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ، وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ. وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ   [مغني المحتاج] وَالْأَصْحَابِ: لَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ هَلَّ شَوَّالٌ فَالْفِطْرَةُ فِي مَالِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدُّيُونِ، وَبِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَلَا يَمْنَعُ إيجَابَ الْفِطْرَةِ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِهِ، وَالنَّفَقَةُ ضَرُورِيَّةٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ فِيهِمَا لَا يُجْدِي، وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَرَّرَ وَإِنْ رَجَّحَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ خِلَافَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ) أَيْ فِطْرَةُ نَفْسِهِ (لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) بِمِلْكٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَيْ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ وَوَجَدَ مَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ» وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَالْجَامِعُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَدَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ مَا لَوْ أَخْدَمَ زَوْجَتَهُ الَّتِي تَخْدِمُ عَادَةً أُمَّهَا لَا أَجْنَبِيَّةً وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ لِخِدْمَتِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا الَّتِي صَحِبَتْهَا لِتَخْدُمَهَا بِنَفَقَتِهَا بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُؤَجَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ تَجِبُ فِطْرَتُهَا. أَمَّا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ النَّاشِزَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَتَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، وَإِلَّا الزَّوْجَةَ الْمُحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَتَجِبُ فِطْرَتُهَا عَلَيْهِ دُونَ نَفَقَتِهَا، وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِإِخْرَاجِ فِطْرَتِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَيْهِ لِنَفَقَتِهَا لَا لِفِطْرَتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِانْقِطَاعِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِإِخْرَاجِهَا، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَبِ الزَّمِنِ وَمُرَادُهُ الْعَاجِزُ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ) أَوْلَى مِنْهُ الرَّقِيقُ (وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ) وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ " مِنْ الْمُسْلِمِينَ ". (وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا وَإِنْ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فِي كَسْبِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُبَعَّضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَلَا الِابْنُ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ) وَمُسْتَوْلَدَتِهِ وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَازِمَةٌ لِلْأَبِ مَعَ إعْسَارِهِ فَيَتَحَمَّلُهَا الْوَلَدُ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؛ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْفِطْرَةِ لَا يُمَكِّنُ الزَّوْجَةَ مِنْ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ (وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ) أَنْ يَلْزَمَهُ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ كَنَفَقَتِهَا، وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ مَسَائِلَ: مِنْهَا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ يَلْزَمُ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ، وَمِنْهَا عَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ دُونَ فِطْرَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ وَشَرَطَ نَفَقَتَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَالِكِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ إذَا شَرَطَ عَمَلَهُ مَعَ الْعَامِلِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَجَّ بِالنَّفَقَةِ، وَمِنْهَا عَبْدُ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُمَا وَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُمَا، سَوَاءٌ أَكَانَ عَبْدُ الْمَسْجِدِ مِلْكًا لَهُ أَمْ وَقْفًا عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَرَجُلٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ. (وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ) وَقْتَ الْوُجُوبِ (أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا، وَكَذَا سَيِّدُ الْأَمَةِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ إذَا عَادَ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ   [مغني المحتاج] كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا) إذْ أَيْسَرَتْ بِهَا (وَكَذَا) يَلْزَمُ (سَيِّدَ الْأَمَةِ) فِطْرَتُهَا، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُمَا، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَهَذَا أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ) وَتَلْزَمُ سَيِّدَ الْأَمَةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ؛ لِأَنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا وَيَسْتَخْدِمَهَا؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا شَيْئَانِ: الْمِلْكُ وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْمِلْكُ أَقْوَى. فَإِنْ قِيلَ: يَنْتَقِضُ ذَلِكَ بِمَا إذَا سَلَّمَهَا السَّيِّدُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ، فَإِنَّ الْفِطْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ قَوْلًا وَاحِدًا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا عِنْدَ الْيَسَارِ لَا تَسْقُطُ عَنْ السَّيِّدِ بَلْ يَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ عَنْهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُرَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تُخْرِجَ الْفِطْرَةَ عَنْ نَفْسِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِتَطْهِيرِهَا. تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِالتَّحَمُّلِ هَلْ هُوَ كَالضَّمَانِ أَوْ الْحَوَالَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَلِلْخِلَافِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ إنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ فَلَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ بِبَلَدٍ وَالْمُؤَدِّي بِبَلَدٍ آخَرَ وَاخْتَلَفَ قُوتُ الْبَلَدَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى مِنْ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ جَازَ أَنْ تُؤَدَّى مِنْ بَلَدِ الْمُؤَدِّي؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ غَيْرِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ. وَمِنْهَا دُعَاءُ الْمُسْتَحِقِّ يَكُونُ لِلْمُؤَدِّي خَاصَّةً إنْ قُلْنَا بِالْحَوَالَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ دَعَا لَهُمَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ) أَيْ الرَّقِيقِ الْغَائِبِ، فَلَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ وَلَمْ تَنْتَهِ غَيْبَتُهُ إلَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ فِيهَا بِمَوْتِهِ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ أَوْ لَيْلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا (وَقِيلَ) إنَّمَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا (إذَا عَادَ) كَزَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا جُوِّزَ هُنَاكَ لِلنَّمَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَحَلُّهُ إذَا اسْتَمَرَّ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ، فَلَوْ بَانَتْ حَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَادَ إلَى سَيِّدِهِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى يَدِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّالِّ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إذَا عَادَ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْإِمْلَاءِ فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقِيلَ، وَقَوْلُهُ: وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَقِيلَ قَوْلَانِ. ثَانِيهِمَا لَا شَيْءَ، وَطَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ هِيَ الَّتِي فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ، وَهِيَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَاتِبِ. أَمَّا إذَا انْتَهَتْ غَيْبَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ فَلَا فِطْرَةَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ. فَإِنَّ قِيلَ: الْأَصَحُّ فِي جِنْسِ الْفِطْرَةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْعَبْدِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَكَيْفَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ نَفْسَهُ، ثُمَّ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، ثُمَّ الْأَبَ، ثُمَّ الْأُمَّ، ثُمَّ الْكَبِيرَ. وَهِيَ صَاعٌ، وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ   [مغني المحتاج] يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ بَلَدِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ يُخْرِجُ مِنْ قُوتِ آخِرِ بَلْدَةٍ عُلِمَ وُصُولُهُ إلَيْهَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا عَلَى هَذَا، وَيَدْفَعُ فِطْرَتَهُ لِلْقَاضِي لِيُخْرِجَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْأَقْوَاتِ نَعَمْ إنْ دَفَعَ إلَى الْقَاضِي الْبُرَّ خَرَجَ عَنْ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى الْأَقْوَاتِ، وَالنَّقْلُ جَائِزٌ لِلْقَاضِي الَّذِي لَهُ أَخْذُ الزَّكَوَاتِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ يَلْزَمُهُ) إخْرَاجُهُ مُحَافَظَةً بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالثَّانِي: لَا كَبَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ) وُجُوبًا (نَفْسَهُ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ» (1) وَالثَّانِي يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ (ثُمَّ زَوْجَتَهُ) ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَالثَّانِي: يُقَدِّمُ الْقَرِيبَ، وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ (ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ) لِأَنَّ نَفَقَتَهُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْجَزُ مِمَّنْ بَعْدَهُ (ثُمَّ الْأَبَ) وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِشَرَفِهِ (ثُمَّ الْأُمَّ) لِقُوَّةِ حُرْمَتِهَا بِالْوِلَادَةِ (ثُمَّ) الْوَلَدَ (الْكَبِيرَ) عَلَى الْأَرِقَّاءِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ أَشْرَفُ وَعَلَاقَتُهُ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ عَارِضٌ وَيَقْبَلُ الزَّوَالَ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَبِيرِ إذَا كَانَ لَا كَسْبَ لَهُ وَهُوَ زَمِنٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ النَّفَقَاتِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي صَحَّحَاهُ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ تَقْدِيمُ الْأُمِّ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لِسَدِّ الْخُلَّةِ وَالْأُمَّ أَكْثَرُ حَاجَةً وَأَقَلُّ حِيلَةً، وَالْفِطْرَةَ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ، وَالْأَبَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ اهـ. وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي الْبَابَيْنِ. وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوا الْوَلَدَ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءِ الْمُخْرِجِ مَعَ كَوْنِهِ أَعْجَزَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ الرَّقِيقَ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ مِنْهُ أُمُّ الْوَلَدِ ثُمَّ الْمُدَبَّرُ ثُمَّ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَزَوْجَتَيْنِ وَابْنَيْنِ تَخَيَّرَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوَزِّعْ بَيْنَهُمَا لِنَقْصِ الْمُخْرَجِ عَنْ الْوَاجِبِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا بَعْضَ الْوَاجِبِ. (وَهِيَ) أَيْ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (صَاعٌ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ (وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ) دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا (قُلْتُ: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَجِنْسُهُ الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ، وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجِبُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، وَقِيلَ قُوتِهِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ،   [مغني المحتاج] وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ) مِنْ كَوْنِ الرِّطْلِ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَقَدْ سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ إيضَاحُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا، وَالْعِبْرَةُ بِالصَّاعِ النَّبَوِيِّ إنْ وُجِدَ أَوْ مِعْيَارِهِ، فَإِنْ فُقِدَ أَخْرَجَ قَدْرًا يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الصَّاعِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ جَمَاعَةٌ: الصَّاعُ أَرْبَعُ حِفَانٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِهِمَا اهـ. وَالصَّاعُ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ قَدَحَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ شَيْئًا يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِهِمَا عَلَى طِينٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ السُّكَّرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ حِينَ يَخْطُبُ بِمِصْرَ خُطْبَةَ عِيدِ الْفِطْرِ: وَالصَّاعُ قَدَحَانِ بِكَيْلِ بَلَدِكُمْ هَذِهِ سَالِمٌ مِنْ الطِّينِ وَالْعَيْبِ وَالْغَلْثِ، وَلَا يُجْزِئُ فِي بَلَدِكُمْ هَذِهِ إلَّا الْقَمْحُ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي الصَّاعِ كَلَامٌ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ فَرَاجِعْهُ. فَائِدَةٌ ذَكَرَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ مَعْنًى لَطِيفًا فِي إيجَابِ الصَّاعِ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ تَمْتَنِعُ غَالِبًا مِنْ الْكَسْبِ فِي الْعِيدِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ الصَّاعِ عِنْدَ جَعْلِهِ خُبْزًا ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ مِنْ الْخُبْزِ، فَإِنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ كَمَا مَرَّ، وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ نَحْوُ الثُّلُثِ، فَيَأْتِي مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ كِفَايَةُ الْفَقِيرِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ يَوْمٍ رِطْلَانِ. (وَجِنْسُهُ) أَيْ الصَّاعِ الْوَاجِبِ (الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ) أَيْ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْمُعَشَّرَاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاقْتِيَاتِ، وَفِي الْقَدِيمِ لَا يُجْزِئُ الْعَدَسُ وَالْحِمَّصُ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَمَانِ (وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ) لِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِهَذَا قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَبِإِسْكَانِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ: لَبَنٌ يَابِسٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُشْرَ فِيهِ فَأَشْبَهَ التِّينَ وَنَحْوَهُ، وَفِي مَعْنَى الْأَقِطِ لَبَنٌ وَجُبْنٌ لَمْ يُنْزَعْ زُبْدُهُمَا فَيُجْزِئَانِ، وَإِجْزَاءُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَمْ الْحَاضِرَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ دُونَ الْحَاضِرَةِ. حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَضَعَّفَهُ. أَمَّا مَنْزُوعُ الزُّبْدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الْكَشْكُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَخِيضُ، وَلَا الْمَصْلُ، وَلَا السَّمْنُ، وَلَا اللَّحْمُ، وَلَا مُمَلَّحٌ مِنْ الْأَقِطِ أَفْسَدَ كَثِيرُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ، بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمِلْحِ فَيُجْزِئُ، لَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمِلْحُ فَيُخْرِجُ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا. (وَيَجِبُ) الصَّاعُ (مِنْ) غَالِبِ (قُوتِ بَلَدِهِ) إنْ كَانَ بَلَدِيًّا وَفِي غَيْرِهِ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِيَ (وَقِيلَ) مِنْ غَالِبِ (قُوتِهِ) عَلَى الْخُصُوصِ (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ) جَمِيعِ (الْأَقْوَاتِ) فَأَوْفَى الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّنْوِيعِ، وَعَلَى الثَّالِثِ لِلتَّخْيِيرِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَالِبِ الْقُوتِ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا غَالِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى، وَلَا عَكْسَ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ، وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ، فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ، وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ. وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِهِ، وَعَنْ قَرِيبِهِ أَعْلَى مِنْهُ. وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ. وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ، وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا.   [مغني المحتاج] قُوتِ وَقْتِ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ كَمَا قَدَّرْتُ غَالِبَ فِي عِبَارَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْبَلَدِ أَقْوَاتٌ وَغَلَبَ بَعْضُهَا وَجَبَ مِنْ الْغَالِبِ وَلْيَحْسُنْ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ (وَيُجْزِئُ) عَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْقُوتُ (الْأَعْلَى عَنْ) الْقُوتِ (الْأَدْنَى) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ بِنْتَ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ كَالْحِنْطَةِ عَنْ الشَّعِيرِ، وَالذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ، وَفَرَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزَّكَوَاتِ الْمَالِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، فَأُمِرَ أَنْ يُوَاسِيَ الْمُسْتَحِقِّينَ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا إلَى مَا هُوَ غِذَاءُ الْبَدَنِ وَبِهِ قِوَامُهُ، وَالْأَعْلَى يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْغَرَضُ وَزِيَادَةٌ (وَلَا عَكْسَ) لِنَقْصِهِ عَنْ الْحَقِّ فَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (وَالِاعْتِبَارُ) فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى (بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ) رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ (وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ فَقَالَ (فَالْبُرُّ) لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ اقْتِيَاتًا (خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأُرْزِ) وَمِنْ الزَّبِيبِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قِيلَ أَفْضَلُهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ لَكَانَ مُتَّجِهًا، وَرُدَّ بِأَنَّ النَّظَرَ لِلْغَالِبِ لَا لِلْبَلَدِ نَفْسِهِ (وَالْأَصَحُّ: أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ (وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ) لِمَا مَرَّ فَالشَّعِيرُ خَيْرٌ مِنْهُ بِالْأَوْلَى، وَالثَّانِي أَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الشَّعِيرِ، وَأَنَّ الزَّبِيبَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ نَظَرًا إلَى الْقِيمَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْأَرُزِّ، وَأَنَّ الْأَرُزَّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ. (وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتِهِ) الْوَاجِبَ (وَعَنْ قَرِيبِهِ) أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ، أَوْ مَنْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ (أَعْلَى مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ لِأَحَدِ جُبْرَانَيْنِ شَاتَيْنِ، وَلِلْآخَرِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ وَعَنْ غَيْرِهِ أَعْلَى مِنْهُ لَشَمَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ. . (وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ) الْمُخْرَجُ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مِنْ جِنْسَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنْ يَكْسُوَ خَمْسَةً وَيُطْعِمَ خَمْسَةً، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْمُخْرَجُ عَنْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ مَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ اثْنَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ وَاحِدٌ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُبَعَّضَيْنِ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَبْعِيضُ الصَّاعِ، وَبِقَوْلِنَا: مِنْ جِنْسَيْنِ مَا لَوْ أَخْرَجَ صَاعًا مِنْ نَوْعَيْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَا مِنْ الْغَالِبِ. (وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا) إذَا لَمْ نَعْتَبِرْ قُوتَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا تَقَدَّمَ (تَخَيَّرَ) إذْ لَيْسَ تَعْيِينُ الْبَعْضِ بِأَوْلَى مِنْ تَعْيِينِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَصْلَحُ كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ (وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا) أَيْ أَعْلَاهَا فِي الِاقْتِيَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَوْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْقَمْحَ الْمَخْلُوطَ بِالشَّعِيرِ تَخَيَّرَ إنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ. قُلْتُ: الْوَاجِبُ الْحَبُّ السَّلِيمُ. وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ، بِخِلَافِ الْكَبِيرِ. وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْدٍ لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ. وَلَوْ أَيْسَرَا وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] كَانَ الْخَلِيطَانِ عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَجَبَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا نِصْفًا مِنْ ذَا وَنِصْفًا مِنْ ذَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُخْرِجُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ الْآخَرُ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَعَّضَ الصَّاعُ مِنْ جِنْسَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ لَهُمْ فِيهَا يُجْزِئُ بِأَنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْأَشْيَاءَ النَّادِرَةَ أَخْرَجَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَى إلَيْهِ بَلَدَانِ فِي الْقُرْبِ، وَاخْتَلَفَ الْغَالِبُ مِنْ أَقْوَاتِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَفْضَلُ الْأَعْلَى. (وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُتَحَمِّلِ عَنْهُ ابْتِدَاءً وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ السَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُتَحَمِّلِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ. (قُلْتُ: الْوَاجِبُ الْحَبُّ) حَيْثُ تَعَيَّنَ فَلَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا، وَلَا الْخُبْزُ وَلَا الدَّقِيقُ وَلَا السَّوِيقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ يَصْلُحُ لِمَا لَا تَصْلُحُ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ (السَّلِيمُ) فَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوَّسُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُهُ وَالْمَعِيبُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] . (وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْهُ، وَالْجَدُّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ، وَكَذَا السَّفِيهُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ، وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ أَنَّ هَذَا فِي أَبٍ أَوْ جَدٍّ يَلِي الْمَالَ، فَإِنْ لَمْ يَلِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيَكُونُ كَالْأَجْنَبِيِّ. أَمَّا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ (كَأَجْنَبِيٍّ أَذِنَ) فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَمْ يُجْزِئْهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا عَادَةً مُفْتَقِرَةٌ إلَى نِيَّةٍ فَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِغَيْرِ إذْنٍ (بِخِلَافِ) وَلَدِهِ (الْكَبِيرِ) الرَّشِيدِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ. (وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ) مُنَاصَفَةً مَثَلًا (فِي عَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ وَالْمُعْسِرُ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ (لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَإِنْ كَانَ وَصَادَفَ زَمَنُ الْوُجُوبِ نَوْبَةَ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ الصَّاعُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، أَمَّا الْمُعْسِرُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُبَعَّضِ الْمُعْسِرِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالرَّقِيقِ عِوَضًا عَنْ الْعَبْدِ، وَبِالْحِصَّةِ أَوْ الْقِسْطِ عِوَضًا عَنْ النِّصْفِ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ. (وَلَوْ أَيْسَرَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ فِي الرَّقِيقِ (وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا) لِاخْتِلَافِ قُوتِ بَلَدِهِمَا بِأَنْ كَانَا بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقُوتِ، أَوْ لِاخْتِلَافِ قُوتِهِمَا عَلَى مَقَالَةٍ (أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ) أَيْ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ، أَوْ مِنْ قُوتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُخْرِجُهُ مِنْ قُوتِ مَحِلِّ الرَّقِيقِ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ السَّابِقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَكِنْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْمُؤَدِّي، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا: إنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى صُورَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَهَلَّ هِلَالُ شَوَّالٍ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ نِسْبَتُهَا فِي الْقُرْبِ إلَى بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعْتَبَرُ قُوتُ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا بَلَدَ لِلْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي بَلَدٍ لَا قُوتَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُحْمَلُ إلَيْهَا مِنْ بَلْدَتَيْ السَّيِّدَيْنِ مِنْ الْأَقْوَاتِ مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ كَالدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى تَصْوِيرٍ صَحِيحٍ لَا يُعْدَلُ إلَى تَغْلِيطِهِمْ، وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا صَحَّحَهُ هُنَا وَبَيْنَ مَا صَحَّحَهُ أَوَّلًا مِنْ كَوْنِ الْأَصَحِّ اعْتِبَارَ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كُنْتُ قَرَّرْتُهُ أَوَّلًا تَبَعًا لِلشَّارِحِ وَلِغَالِبِ شُرَّاحِ الْكِتَابِ. فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ صَرْفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الْأَصْنَافِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّدَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ يَكْفِي الدَّفْعُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ فِي الْغَالِبِ، وَبِهَذَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ. وَقِيلَ يَجُوزُ صَرْفُهَا لِوَاحِدٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ. ثَانِيهِمَا: لَوْ دَفَعَ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ فَدَفَعَهَا الْفَقِيرُ إلَيْهِ عَنْ فِطْرَتِهِ جَازَ لِلدَّافِعِ الْأَوَّلِ أَخْذُهَا، فَإِنْ قِيلَ: وُجُوبُ الْفِطْرَةِ يُنَافِي أَخْذَ الصَّدَقَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَخْذَهَا لَا يَقْتَضِي غَايَةَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَقَدْ تَجِبُ زَكَاةُ الْمَالِ عَلَى مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ مِنْ غَيْرِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ. خَاتِمَةٌ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَهُمَا فِي خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ بِأَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْمِلْكُ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَئُولُ لَهُ الْمِلْكُ. وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ عَنْ رَقِيقٍ فَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَنْ أَرِقَّاءَ فَالْفِطْرَةُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي التَّرِكَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَالدَّيْنِ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ فِطْرَةِ عَبْدٍ أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَجَبَتْ فِي تَرِكَتِهِ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِهَا وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَالْفِطْرَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَعَلَى الْوَارِثِ فِطْرَتُهُ لِبَقَائِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى مِلْكِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فَوَارِثُهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ قَبِلَ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَيِّتِ وَفِطْرَةُ الرَّقِيقِ فِي التَّرِكَةِ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ جُزْءٌ فِيهَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِهَا أَوْ مَعَهُ فَالْفِطْرَةُ عَلَى وَرَثَتِهِ عَنْ الرَّقِيقِ إنْ قَبِلُوا الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ كَانَ فِي مِلْكِهِمْ. وَهَلْ تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ الْمُقِيمِينَ فِي الرِّبَاطِ؟ قَالَ الْفَارِقِيُّ: إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْغَلَّةَ، وَكَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى الْمُقِيمِينَ بِالرِّبَاطِ إذَا حَدَثَتْ غَلَّةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ،   [مغني المحتاج] مَلَكُوهَا وَلَا يُشَارِكُهُمْ مَنْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ عَلَى الصُّوفِيَّةِ مُطْلَقًا فَمَنْ دَخَلَ الرِّبَاطَ قَبْل الْغُرُوبِ عَلَى عَزْمِ الْمُقَامِ لَزِمَهُ الْفِطْرَةُ فِي الْمَعْلُومِ الْحَاصِلِ لِلرِّبَاطِ، وَإِنْ شَرَطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ قُوتَهُ كُلَّ يَوْمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ. قَالَ وَهَكَذَا حَكَمَ الْمُتَفَقِّهَةُ فِي الْمَدَارِسِ، فَإِنَّ جِرَايَتَهُمْ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّهْرِ، فَإِذَا أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلِلْوَقْفِ غَلَّةٌ لَزِمَهُمْ الْفِطْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَبَضُوا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهُمْ عَلَى قَدْرِ الْمُشَاهَرَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْغَلَّةِ. [بَاب مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَمَا تَجِبُ فِيهِ] بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ أَيْ زَكَاةُ الْمَالِ (وَمَا تَجِبُ فِيهِ) مِمَّا اتَّصَفَ بِوَصْفٍ قَدْ يُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ وَقَدْ لَا يُؤَثِّرُ كَالْغَصْبِ وَالْجُحُودِ وَالْإِضْلَالِ أَوْ مُعَارَضَتِهِ بِمَا قَدْ يُسْقِطُ كَالدَّيْنِ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَنْوَاعِ الْمَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ شُرُوطِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَقَالَ (شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ) بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ وَهِيَ الْحَيَوَانُ وَالنَّبَاتُ وَالنَّقْدَانِ وَالْمَعْدِنُ وَالرِّكَازُ وَالتِّجَارَةُ عَلَى مَالِكِهِ (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتُرِزَ بِزَكَاةِ الْمَالِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا قَدْ تَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا كَانَ يُخْرِجُ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ،   [مغني المحتاج] رَقِيقٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمَّ وَلَدٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ، وَعَلَى الْقَدِيمُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ مِلْكًا ضَعِيفًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ غَيْرِ سَيِّدِهِ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ) زَكَاةُ الْمَالِ الَّذِي حَالَ حَوْلُهُ فِي رِدَّتِهِ (إنْ أَبَقِينَا مِلْكَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ إنْ أَزَلْنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَمَوْقُوفَةٌ، فَمَفْهُومُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُنَا بِالْوَقْفِ. أَمَّا إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 دُونَ الْمُكَاتَبِ وَتَجِبُ فِي مَالٍ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَكَذَا عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْمَغْصُوبِ   [مغني المحتاج] سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ قُتِلَ كَمَا نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، وَيُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فِي هَذِهِ، وَفِي الْأُولَى عَلَى قَوْلِ اللُّزُومِ فِيهَا، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ (دُونَ الْمُكَاتَبِ) فَلَا تَلْزَمُهُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إلَى ذِكْرِهِ، فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ بِعَجْزٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَالْعَقْدُ حَوْلَ السَّيِّدِ مِنْ حِينِ زَوَالِهَا. تَنْبِيهٌ ضَمَّ فِي الْحَاوِي إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُهُ لِمُعَيَّنٍ فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ، وَتَجِبُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ. الثَّانِي: كَوْنُهُ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْحَمْلِ الْمَوْقُوفِ لَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا ثِقَةَ بِحَيَاتِهِ، فَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ، وَيُمْكِنُ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ: وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ: (وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) لِشُمُولِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَهُمَا، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى زَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَإِنَّ الْخَصْمَ قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَصِحَّ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ وَلَا فِي تَأَخُّرِ إخْرَاجِهَا إلَى الْبُلُوغِ شَيْءٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْرِفُ عَنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا صَحِيحًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَتَطْهِيرُ الْمَالِ وَمَا لَهُمَا قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَاهُ، وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ مَحْضَ عِبَادَةٍ حَتَّى تَخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ، وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ وَلِيُّهُمَا، وَمَحِلُّ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَهَا فِي مَالِهِمَا، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ، وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَحْسِبَ زَكَاةَ الْمَالِ حَتَّى يُكْمِلَا فَيُخْبِرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا، فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا فَوَاضِحٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ أَيْضًا: إنَّ قَيِّمَ الْحَاكِمِ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرَ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِمَا أَخْرَجَاهَا إنْ كَمُلَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا، وَمِثْلُهُمَا فِيمَا ذُكِرَ السَّفِيهُ. فَائِدَةٌ أَجَابَ السُّبْكِيُّ عَنْ سُؤَالٍ صُورَتُهُ: كَيْفَ تُخْرَجُ الزَّكَاةُ مِنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ وَالْغِشُّ فِيهَا مِلْكُهُمْ بِأَنَّ الْغِشَّ إنْ كَانَ يُمَاثِلُ أُجْرَةَ الضَّرْبِ وَالتَّخْلِيصِ فَيُسَامَحُ بِهِ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهَا. (وَكَذَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ (عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْمُوسِرِ أَيْ بِمَا عَدَا الْعِتْقَ، وَالثَّانِي: لَا لِنُقْصَانِهِ بِالرِّقِّ، فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ. (وَ) تَجِبُ (فِي الْمَغْصُوبِ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِهِ، وَمِثْلُهُ الْمَسْرُوقُ وَأَهْمَلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 وَالضَّالِّ وَالْمَجْحُودِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ. وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَتَجِبُ فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَكَمَغْصُوبٍ. وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ، أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا فَكَذَا فِي   [مغني المحتاج] الْمُصَنِّفُ مَعَ ذِكْرِ الْمُحَرِّرِ لَهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ (وَالضَّالِّ) وَالْوَاقِعِ فِي بَحْرٍ وَمَا دَفَنَهُ ثُمَّ نَسِيَ مَكَانَهُ (وَالْمَجْحُودِ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنِ الَّذِي لَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ وَلَا عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ لِمِلْكِ النِّصَابِ وَتَمَامِ الْحَوْلِ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: لِامْتِنَاعِ النَّمَاءِ وَالتَّصَرُّفِ، فَأَشْبَهَ مَالَ الْمُكَاتَبِ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى السَّيِّدِ. أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى نَزْعِ الْمَغْصُوبِ أَوْ كَانَ لَهُ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ قَطْعًا، وَكَذَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي، وَقُلْنَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ (وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ) الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ قَبْلَهُ، فَإِذَا عَادَ زَكَّاهُ لِلْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الْمَاشِيَةِ سَائِمَةً عِنْدَ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَنْقُصَ النِّصَابُ بِمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُعَوِّضُ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَمْ تَجِبْ زَكَاةُ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ. (وَ) تَجِبُ قَطْعًا فِي (الْمُشْتَرَى قَبْلَ قَبْضِهِ) بِأَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا مِنْ الشِّرَاءِ (وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ) فِي الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ لَا يَصِحُّ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَانْتِزَاعِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الْقَبْضِ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ. (وَتَجِبُ فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَالِ الْحَاضِرِ، وَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ فِي بَلَدِ الْمَالِ إنْ اسْتَقَرَّ فِيهِ، فَإِنْ بَعُدَ بَلَدُ الْمَالِ عَنْ الْمَالِكِ وَمَنَعْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ أَوْ حَاكِمٌ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ دَفَعَهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّ لَهُ نَقْلَ الزَّكَاةِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ أَوْ شَكٍّ فِي سَلَامَتِهِ (فَكَمَغْصُوبٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً) لَا لِلتِّجَارَةِ، كَأَنْ أَقْرَضَهُ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِيهَا وَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ قَبَضَهُ أَوْ كَانَ (غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ. أَمَّا الْمَاشِيَةُ؛ فَلِأَنَّ عِلَّةَ الزَّكَاةِ فِيهَا النَّمَاءُ وَلَا نَمَاءَ فِيهَا فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ نَقْدًا وَهُوَ حَاصِلٌ؛ وَلِأَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي زَكَاتِهَا، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ. وَاعْتَرَضَ هَذَا التَّعْلِيلَ الرَّافِعِيُّ بِجَوَازِ ثُبُوتِ لَحْمِ رَاعِيَةٍ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ رَاعِيَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا الْتَزَمَهُ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ مِنْ الْخَارِجِ، وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ السَّوْمَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْخَارِجِ، وَمِثْلُ الْمَاشِيَةِ الْمُعَشَّرُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الزَّهْوُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا دَيْنُ الْكِتَابَةِ؛ فَلِأَنَّ لِلْعَبْدِ إسْقَاطَهُ مَتَى شَاءَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحَالَ الْمُكَاتَبُ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ عَلَى شَخْصٍ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِهِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ (أَوْ عَرْضًا) لِلتِّجَارَةِ (أَوْ نَقْدًا فَكَذَا) أَيْ لَا زَكَاةَ فِيهِ (فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ فَكَمَغْصُوبٍ، وَإِنْ تَيَسَّرَ وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِّ، أَوْ مُؤَجَّلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ، وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ: يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ   [مغني المحتاج] الْقَدِيمِ) إذْ لَا مِلْكَ فِيهِ حَقِيقَةً، فَأَشْبَهَ دَيْنَ الْمُكَاتَبِ (وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ) كَمَطْلٍ أَوْ غَيْبَةِ مَلِيءٍ وَجُحُودٍ (فَكَمَغْصُوبٍ) فَتَجِبُ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَحْصُلَ وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا لَهُ فِي الْبَاطِنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ دُونَ الْإِخْرَاجِ قَطْعًا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ. (وَإِنْ تَيَسَّرَ) أَخْذُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ حَاضِرٍ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ وَبِهِ بَيِّنَةٌ أَوْ يَعْلَمُهُ الْقَاضِي، وَقُلْنَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ (وَجَبَتْ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِّ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى قَبْضِهِ فَهُوَ كَالْمُودَعِ، وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُخْرِجُ فِي الْحَالِّ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَقِيلَ: لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ فَيُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الظَّفَرُ بِأَخْذِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ الْجَاحِدِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا ضَرَرٍ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ وَالدَّارِمِيِّ تَزْكِيَتَهُ فِي الْحَالِّ (أَوْ مُؤَجَّلًا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ) فَفِيهِ الْقَوْلَانِ، وَقِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَطْعًا، وَقِيلَ عَكْسُهُ (وَقِيلَ يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ) كَالْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ وَلَا مَانِعَ سِوَى الْأَجَلِ، وَحِينَئِذٍ مَتَى حَلَّ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، قَبَضَ أَمْ لَا. فَائِدَةٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الدَّيْنِ وَقُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ اقْتَضَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَابُ الْأَصْنَافِ رُبُعَ عُشْرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَذَلِكَ يَجُرُّ إلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَاقِعٍ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، كَالدَّعْوَى بِالصَّدَاقِ وَالدُّيُونِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْجَمِيعِ فَكَيْفَ يَدَّعِي بِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ الْقَبْضَ لِأَجْلِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْمُسْقِطِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ حِينَ حَلِفِهِ وَلَا يَقُولُ إنَّهُ بَاقٍ لَهُ اهـ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ صَدَاقِهَا وَقَدْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ أَحْوَالٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ مِنْ جَمِيعِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ فَتَفَطَّنْ لَهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ (وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا) سَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَمْ لَا، مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَمْ لَا، لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ أَمْ لَا (فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلزَّكَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلنِّصَابِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَمْنَعُ كَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ. (وَالثَّالِثُ: يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ، وَهُوَ النَّقْدُ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ كَانَ أَوْلَى،، وَالرِّكَازُ (وَالْعَرْضُ) وَلَا يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَعْدِنُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ يَنْمُو بِنَفْسِهِ وَالْبَاطِنَ إنَّمَا يَنْمُو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَحُوجُ إلَى صَرْفِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 فَعَلَى الْأَوَّلِ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ. وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ قُدِّمَتْ، وَفِي قَوْلٍ الدَّيْنُ، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ.   [مغني المحتاج] فِي قَضَائِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَهِيَ مِنْ الْبَاطِنِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْبَاطِنِ لَكِنْ لَا مَدْخَلَ لَهَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَزِدْ الْمَالُ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ زَادَ وَكَانَ الزَّائِدُ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ قَطْعًا، وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ قَطْعًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهَلْ يَلْتَحِقُ دَيْنُ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ بِبَاقِي الدُّيُونِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِوَالِدِ الرُّويَانِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْأَدَاءِ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِهَا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ (لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ) ؛ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْقَاضِي لِكُلِّ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ شَيْئًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ التَّقْسِيطُ وَمَكَّنَهُ مِنْ الْأَخْذِ فَلَمْ يَتَّفِقَ الْأَخْذُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ، وَلَا عَلَى الْمَالِكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِمْ أَحَقَّ بِهِ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَخَذُوهُ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَلَوْ تَرَكُوهُ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ لِتَبَيُّنِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، ثُمَّ عَدَمُ لُزُومِهَا عَلَيْهِ مَحَلُّهُ - كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ - إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِمْ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا بَيْعٍ أَوْ تَعْوِيضٍ: قَالَ: وَقَدْ صَوَّرَهَا بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي السِّلْسِلَةِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْحَجْرِ يَقْتَضِيهِ. فَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ. (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا (لَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ) بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهَا (قُدِّمَتْ) أَيْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ فِطْرٍ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْمَرْهُونِ تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» ؛ وَلِأَنَّ مَصْرِفَهَا أَيْضًا إلَى الْآدَمِيِّينَ، فَقُدِّمَتْ لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا مَعَ الدَّيْنِ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَجُّ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْكَفَّارَةُ وَالنَّذْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ الْجِزْيَةُ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ يَسْتَوِيَانِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَفِي قَوْلٍ) يُقَدَّمُ (الدَّيْنُ) ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ لِافْتِقَارِهِمْ وَاحْتِيَاجِهِمْ، وَكَمَا يُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ (وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ) فَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَالِيَّ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَعُودُ إلَى الْآدَمِيِّينَ أَيْضًا، وَهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ مِنْهُمَا وُجُوبًا، وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَكَفَّارَةٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ النِّصَابُ مَوْجُودًا: أَيْ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَيَسْتَوِيَانِ، وَبِالتَّرِكَةِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، هَذَا إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ فَالزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ جَعَلَهُ صَدَقَةً أَوْ أُضْحِيَّةً قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ حَوْلٌ، وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ، وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ. وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ   [مغني المحتاج] زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَزِمَهُ الْحَجُّ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الزَّكَاةَ فِي مَالِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ. (وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَبَعْدَ الْحِيَازَةِ وَانْقِضَاءِ الْحَرْبِ (إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (حَوْلٌ وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ) بِدُونِ الْخُمْسِ (فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ) مَاشِيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا (وَجَبَتْ زَكَاتُهَا) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ بِأَنْ لَمْ يَخْتَارُوا تَمَلُّكَهَا أَوْ لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ أَوْ مَضَى، وَالْغَنِيمَةُ أَصْنَافٌ أَوْ صِنْفٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ بِخُمْسِ الْخُمْسِ (فَلَا) زَكَاةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ أَوْ ضَعْفِهِ لِسُقُوطِهِ بِالْإِعْرَاضِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَلِعَدَمِ الْحَوْلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الثَّانِي، وَلِعَدَمِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مَاذَا نَصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ، وَلِعَدَمِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَلِعَدَمِ بُلُوغِهِ نِصَابًا عِنْدَ الشَّرْطِ الْخَامِسِ، وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ السَّادِسِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ أَهْلِ الْخُمْسِ، إذْ لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. (وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ) سَوَاءٌ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ وَالْقَبْضِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا بَعْضَ نِصَابٍ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ السَّوْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ إصْدَاقِ التَّقْدِيمِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَبَعْدَ الْحَوْلِ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْجَمِيعِ شَائِعًا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الْمُصَدَّقِ أَوْ لَمْ يَأْخُذَ شَيْئًا، فَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي بَعْدَ الرُّجُوعِ وَأَخَذَهَا مِنْهَا أَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا مِنْهَا قَبْلَ الرُّجُوعِ فِي بَقِيَّتِهَا رَجَعَ أَيْضًا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهَا وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ إنْ دَامَتْ الْخُلْطَةُ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ تَمَامِ النِّصَابِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا إذَا عَلِمَتْ بِالسَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ انْبَنَى عَلَى أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ شَرْطٌ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ. نَعَمْ وَلَوْ طَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ بِهِ فَامْتَنَعَ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى خَلَاصِهِ فَكَالْمَغْصُوبِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كَالصَّدَاقِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بَحْثًا مَالَ الْجَعَالَةِ. (وَلَوْ أَكْرَى) غَيْرَهُ (دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا) مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ كُلَّ سَنَةٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا (وَقَبَضَهَا) مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ) عَلَيْهِ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ، وَلِتَمَامِ الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ، وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ، وَلِتَمَامِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لِسَنَةٍ، وَعِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلِتَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ، وَالثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ الْأُولَى زَكَاةَ الثَّمَانِينَ. فَصْلٌ فَصْلٌ   [مغني المحتاج] مَا لَا يَسْتَقِرُّ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ حَلَّ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَجْعُولَةِ أُجْرَةً؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ارْتِفَاعِ الضَّعْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُسْتَحَقُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ، فَبِفَوَاتِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ تُسَلَّمْ الْمَنَافِعُ لِلزَّوْجِ، وَتَشَطُّرُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَصَرُّفِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، فَيُفِيدُ مِلْكًا جَدِيدًا، وَلَيْسَ نَقْضًا لِمِلْكِهَا مِنْ الْأَصْلِ (فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ) وَهُوَ نِصْفُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَ) زَكَاةَ (عِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ) السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَ) زَكَاةَ (عِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ) السَّنَةِ (الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَ) زَكَاةَ (عِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ بِالسَّنَةِ الثَّانِيَةِ يَسْتَقِرُّ عَلَى مِلْكِهِ رُبْعُ الثَّمَانِينَ الَّذِي هُوَ حِصَّتُهَا وَلَهُ فِي مِلْكِهِ سَنَتَانِ وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ، فَيَكُونُ قَدْ مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ نِصْفَ دِينَارٍ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ ذَلِكَ، وَهَكَذَا قِيَاسُ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ غَيْرَ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ فَأَوَّلُ الْحَوْلِ الثَّانِي فِي رُبُعِ الثَّمَانِينَ بِكَمَالِهِ مِنْ حِينِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَا مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِمْ إلَى حِينِ الْأَدَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَجَّلَ الْإِخْرَاجَ قَبْلَ حَوَلَانِ كُلَّ حَوْلٍ فَلَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ حَقٌّ فِي الْمَالِ (وَ) الْقَوْلُ (الثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ) السَّنَةِ (الْأُولَى زَكَاةَ الثَّمَانِينَ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا مَرَّ، وَسُقُوطُهَا بِالِانْهِدَامِ لَا يَقْدَحُ كَمَا فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ مَحَلُّ مَا مَرَّ إذَا تَسَاوَتْ أُجْرَةُ السِّنِينَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكُلٌّ مِنْهَا بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا انْفَسَخَتْ تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّتَيْنِ الْمَاضِيَةِ والْمُسْتَقَبَلَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ وَتَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى قِسْطِ الْمَاضِي، وَالْحُكْمُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ: فَلَوْ كَانَ أَخْرَجَ زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْهَا عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ. [فَصْلٌ فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ] (فَصْلٌ) فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُتَرْجِمَ لَهُ بِبَابٍ، وَكَذَا لِلْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا غَيْرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ، وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْأَصْنَافِ. وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ وَكَذَا الظَّاهِرُ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ،   [مغني المحتاج] دَاخِلَيْنِ فِي التَّبْوِيبِ، فَلَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِالْفَصْلِ، وَلِهَذَا عَقَدَ فِي الرَّوْضَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ ثَلَاثَةَ أَبْوَابٍ: بَابًا فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَبَابًا فِي تَعْجِيلِهَا، وَبَابًا فِي تَأْخِيرِهَا. (تَجِبُ الزَّكَاةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَيْهَا نَاجِزَةٌ (إذَا تَمَكَّنَ) مِنْ الْأَدَاءِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ؛ وَلِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِدُونِهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا يُطَاقُ، فَإِنْ أَخَّرَ أَثِمَ وَضَمِنَ إنْ تَلِفَ كَمَا سَيَأْتِي. نَعَمْ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا مَرَّ (وَذَلِكَ) أَيْ التَّمَكُّنُ (بِحُضُورِ الْمَالِ) فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ. نَعَمْ إنْ مَضَى بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الْمُضِيُّ إلَى الْغَائِبِ فِيهَا صَارَ مُتَمَكِّنًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ (وَ) حُضُورُ (الْأَصْنَافِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ حُضُورُ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي لِاسْتِحَالَةِ الْإِعْطَاءِ بِدُونِ الْقَابِضِ، وَبِجَفَافِ الثِّمَارِ، وَتَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَالْمَعْدِنِ، وَخُلُوِّ الْمَالِكِ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ، وَإِنْ حَضَرَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّتَهُمْ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِيَتَرَوَّى حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِرِينَ، وَكَذَا لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ، أَوْ لِانْتِظَارِ الْأَفْضَلِ مِنْ تَفْرِقَتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ. نَعَمْ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ حِينَئِذٍ ضَمِنَ. (وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ) وَهُوَ النَّقْدَانِ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَالرِّكَازُ كَمَا مَرَّ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَإِنْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَبْضِهَا لِلْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يُزَكِّي فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَدِّهَا وَإِلَّا ادْفَعْهَا إلَيَّ. وَكَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مُبَاشَرَةِ السَّفِيهِ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ (وَكَذَا الظَّاهِرُ) وَهُوَ النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرُ وَالْمَعْدِنُ كَمَا مَرَّ (عَلَى الْجَدِيدِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَاطِنِ، وَالْقَدِيمُ يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةَ، وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، هَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ، فَإِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا بَذْلًا لِلطَّاعَةِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ، إذْ لَا نَظَرَ لَهُ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ الْجَائِرُ بِغَيْرِهِ لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِهَا إلَيْهِ قَاتَلَهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: نُسَلِّمُهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِأَنْفُسِنَا لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَذْلِ الطَّاعَةِ (وَلَهُ) مَعَ الْأَدَاءِ فِي الْمَالَيْنِ (التَّوْكِيلُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَجَازَ التَّوْكِيلُ فِي أَدَائِهِ: كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ جِوَارُ تَوْكِيلِ الْكَافِرِ وَالرَّقِيقِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي الصَّبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْكَافِرِ (وَالصَّرْفُ) بِنَفْسِهِ وَوَكِيلِهِ (إلَى الْإِمَامِ) أَوْ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِهِمْ وَأَقْدَرُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَلِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. وَتَجِبُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا، وَلَا يَكْفِي هَذَا فَرْضُ مَالِي، وَكَذَا الصَّدَقَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَالِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ،   [مغني المحتاج] بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْطِي غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي فَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَوْلَى قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِرًا) فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: الْأَفْضَلُ الصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: الْأَفْضَلُ تَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لِيَخُصَّ الْأَقَارِبَ وَالْجِيرَانَ وَالْأَحَقَّ وَيَنَالَ أَجْرَ التَّفْرِيقِ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. أَمَّا الظَّاهِرَةُ: فَتَسْلِيمُهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ لَهَا اهـ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ فَلِلْمَالِكِ تَأْخِيرُهَا مَا دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَجِيئِهِ وَفَرَّقَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ طَالَبَهُ السَّاعِي وَجَبَ تَصْدِيقُهُ وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا إنْ اُتُّهِمَ، وَصَرْفُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَادِلِ الْعَادِلُ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَادِ بِالْعَدْلِ وَالْجَوْرِ هُنَا. (وَتَجِبُ النِّيَّةُ) فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيهَا بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهَا (فَيَنْوِي: هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي وَنَحْوَهُمَا) كَزَكَاةِ مَالِي الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ أَوْ الْوَاجِبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ الْمَالِ دُونَ الْفَرِيضَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ مَعَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ زَكَاةٌ أَجْزَأَهُ أَيْضًا (وَلَا يَكْفِي: هَذَا فَرْضُ مَالِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَكَذَا الصَّدَقَةُ) أَيْ صَدَقَةُ مَالِي أَوْ الْمَالِ لَا يَكْفِي (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَصْدُقُ عَلَى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَالثَّانِي: يَكْفِي لِظُهُورِهَا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عُهِدَتْ فِي الْقُرْآنِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ. قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ. أَمَّا لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ» . (وَلَا يَجِبُ) فِي النِّيَّةِ (تَعْيِينُ الْمَالِ) الْمُخْرَجِ عَنْهُ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ كَالْكَفَّارَاتِ، فَلَوْ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا غَائِبًا عَنْ مَحِلِّهِ، فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَلَهُ الْمُخْرَجُ عَنْ الْحَاضِرِ (وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ بَانَ الْمُعَيَّنُ تَالِفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ الْغَيْرَ، فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ، فَأَخْرَجَ شَاةً عَنْ الْأَبْعِرَةِ فَبَانَتْ تَالِفَةً لَمْ تَقَعْ عَنْ الشِّيَاهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ إنْ بَانَ ذَلِكَ الْمَنْوِيُّ عَنْهُ تَالِفًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ أَيْضًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ   [مغني المحتاج] فَعَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَبَانَ بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ مُوَرِّثِي قَدْ مَاتَ فَبَانَ مَوْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَالْفَرْقُ عَدَمُ الِاسْتِصْحَابِ لِلْمَالِ فِي هَذِهِ، إذْ الْأَصْلُ فِيهَا بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْإِرْثِ وَفِي تِلْكَ بَقَاءُ الْمَالِ، وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ فِي لَيْلَةِ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ: أَصُومُ غَدًا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَيَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ فِي لَيْلَةِ آخِرِ شَعْبَانَ أَصُومُ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ (وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالسَّفِيهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ مِنْ الْمَالِكِ فَقَامَ بِهَا وَلِيُّهُ كَالْإِخْرَاجِ، فَإِذَا دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُفَوِّضَ النِّيَّةَ لَهُ كَغَيْرِهِ (وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ) عَنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ الْمُخَاطَبِ بِالزَّكَاةِ مُقَارِنَةً لِفِعْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (أَيْضًا) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُسْتَنِيبِ فِي الْحَجِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْحَجِّ فِعْلُ النَّائِبِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، وَهِيَ هُنَا بِمَالِ الْمُوَكِّلِ فَكَفَتْ نِيَّتُهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَوَى الْوَكِيلُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا إنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ النِّيَّةَ وَكَانَ الْوَكِيلُ أَهْلًا لَهَا كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا، وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ عِنْدَ تَفْرِقَةِ الْوَكِيلِ جَازَ قَطْعًا، وَلَوْ عَزَلَ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ وَنَوَى عِنْدَ الْعَزْلِ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ كَالصَّوْمِ لِعُسْرِ الِاقْتِرَانِ بِأَدَاءِ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ حَاجَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِهَا، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةُ أَخْذَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ زِيَادَةَ الْعَبَّادِيِّ إنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهُ الْوَكِيلُ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ إذَا كَانَ الْقَابِضُ مُسْتَحِقًّا (وَلَوْ دَفَعَ) الزَّكَاةَ (إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ الزَّكَاةُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَالسَّاعِي فِي ذَلِكَ كَالسُّلْطَانِ. (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْمَالِكُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ (لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ) عِنْدَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِلَا نِيَّةٍ لَا يُجْزِئُ فَكَذَا نَائِبُهُمْ. وَالثَّانِي: يُجْزِئُ نَوَى السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ إنَّمَا هُوَ الْفَرْضُ فَأَغْنَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عَنْ النِّيَّةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَّةِ جَازَ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ، وَأَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي. فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ، وَيَجُوزُ قَبْلَ الْحَوْلِ،   [مغني المحتاج] يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَائِهَا نِيَابَةً عَنْهُ. وَالثَّانِي: لَا تَلْزَمُهُ وَتُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نِيَّتَهُ) أَيْ السُّلْطَانِ (تَكْفِي) فِي الْإِجْزَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي النِّيَّةِ كَمَا فِي التَّفْرِقَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَكْفِي؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَنْوِ، وَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِالزَّكَاةِ وَمَحِلُّ لُزُومِ السُّلْطَانِ النِّيَّةَ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُمْتَنِعُ عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ قَهْرًا. فَإِنْ نَوَى كَفَى وَبَرِئَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَتَسْمِيَتُهُ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعًا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ امْتِنَاعِهِ السَّابِقِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ بِنِيَّتِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ. فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ وَلَا الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ بَاطِنًا. وَكَذَا ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْأَخْذِ وَنَوَى عِنْدَ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ خِلَافَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَمُولِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَالِكِ وَالْمَالِكُ لَوْ نَوَى فِي هَذِهِ الْحَالَّةِ أَجْزَأَهُ. وَلَوْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي اللُّزُومِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الِاكْتِفَاءِ. [فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ] (فَصْلٌ) فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ) فِي مَالٍ حَوْلِيٍّ (عَلَى مَالِكِ النِّصَابِ) فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ كَأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ زَكَاةً إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِفَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ، فَأَشْبَهَ أَدَاءَ الثَّمَنِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَتَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْيَمِينِ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا بِالتَّوَالُدِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ زَكَاةِ الْعَيْنِ عَلَى النِّصَابِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَتَيْنِ، وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ ثُمَّ وَلَدَتْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ لَمْ يُجْزِهِ الْمُعَجَّلُ عَنْ السِّخَالِ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْهَا، وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاتَيْنِ فَحَدَثَتْ سَخْلَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ تَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَبِيرِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ النِّتَاجَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِمَثَابَةِ الْمَوْجُودِ فِي أَوَّلِهِ، وَخَرَجَ بِالْعَيْنِيَّةِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ فِيهَا يُعْتَبَرُ آخِرَ الْحَوْلِ، فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ، أَوْ قِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِي ذَلِكَ أَجْزَأَهُ (وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (قَبْلَ) تَمَامِ (الْحَوْلِ) فِيمَا انْعَقَدَ حَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ قَبْلَهُ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ، وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا. وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْمُعَجَّلِ بَقَاءُ الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ،   [مغني المحتاج] وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ؛ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا النِّصَابُ وَالْحَوْلُ، فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَتَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْحِنْثِ، فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَابْتَاعَ عَرْضًا يُسَاوِيهِمَا فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ (وَلَا تُعَجَّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) وَلَا لِأَكْثَرَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ زَكَاةَ غَيْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهُ، وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ، فَإِنْ عَجَّلَ لِعَامَيْنِ فَأَكْثَرَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَوَّلِ دُونَ غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْإِجْزَاءُ؛ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ مُسَلَّمٌ إنْ مَيَّزَ حِصَّةَ كُلِّ عَامٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُجْزِئَ عَنْ خَمْسِينَ شَاةً مَثَلًا إنَّمَا هُوَ شَاةٌ مُعَيَّنَةٌ لَا شَائِعَةٌ وَلَا مُبْهَمَةٌ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ، وَصَحَّحَ هَذَا الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَزَوْهُ لِلنَّصِّ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَتَعْجِيلِ شَاتَيْنِ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً. وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ تَسَلَّفَ صَدَقَةَ عَامَيْنِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ صَدَقَةَ مَالَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَوْلٌ مُفْرَدٌ. (وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ) لَيْلَةِ (رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبَيْنِ وَهُمَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى أَحَدِهِمَا؛ وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُخَالِفِ فَأُلْحِقَ الْبَاقِي بِهِ قِيَاسًا بِجَامِعِ إخْرَاجِهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ (وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ) أَيْ التَّعْجِيلِ (قَبْلَهُ) أَيْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ سَبَبٌ. وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ مَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِدَلِيلِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الزَّوْجِيَّةُ وَالظِّهَارُ وَالْعَوْدُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ. (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إدْرَاكُ الثِّمَارِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَزَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالنَّقْدِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ ظُهُورِهِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا (وَ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ (يَجُوزُ بَعْدَهُمَا) أَيْ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ النِّصَابِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ تَخْمِينًا؛ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ ثَبَتَ إلَّا أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَا يَجِبُ، وَهَذَا تَعْجِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ، لَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِخْرَاجِ مِنْ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ، وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ عِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ، أَوْ رُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ أَجْزَأَ قَطْعًا إذْ لَا تَعْجِيلَ. (وَشَرْطُ إجْزَاءِ) أَيْ وُقُوعِ (الْمُعَجَّلِ) زَكَاةً (بَقَاءُ الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ) عَلَيْهِ (إلَى آخِرِ الْحَوْلِ) وَبَقَاءُ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ أَيْضًا، فَلَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ أَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَالَ تِجَارَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وَكَوْنُ الْقَابِضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا وَقِيلَ إنْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِهِ. وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ. وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَدْ يَبْقَى الْمَالُ وَأَهْلِيَّةُ الْمَالِكِ، وَلَكِنْ تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الْوَاجِبِ، كَمَا لَوْ عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَتَوَالَدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ حَتَّى بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَلَا تُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ صَارَتْ بِنْتَ لَبُونٍ فِي يَدِ الْقَابِضِ، بَلْ يَسْتَرِدُّهَا وَيُعِيدُهَا أَوْ يُعْطِي غَيْرَهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ، وَالْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَصْفُهُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ (وَكَوْنُ الْقَابِضِ) لَهُ (فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا) فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِمَوْتٍ أَوْ رِدَّةٍ لَمْ يُحْسَبْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَنْ الزَّكَاةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ الْوُجُوبِ، وَالْقَبْضُ السَّابِقُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ (وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ) كَأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الْمَالِكَ الْمُعَجَّلُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْأَخْذِ مُسْتَحِقًّا ثُمَّ صَارَ كَذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ اكْتِفَاءً بِالْأَهْلِيَّةِ فِي طَرَفَيْ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا فِي آخِرِ الْحَوْلِ، فَلَوْ غَابَ عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ أَوْ احْتِيَاجَهُ لَمْ يُجْزِهِ، لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ: الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ بِالْمَسْأَلَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَصَلَ الْمَالُ عِنْدَ الْحَوْلِ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْقَابِضِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الْقَابِضُ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ أَوْ يُخْرِجَ الْمَالَ عَنْ بَلَدِ الْقَابِضِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافُهُ، وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ شَكَّ هَلْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَ فِي أَقْرَبِ الْوَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَابِضَ إذَا مَاتَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَالِكَ دَفْعُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ. (لَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ) الْمُعَجَّلَةِ إمَّا لِكَثْرَتِهَا أَوْ لِتَوَالُدِهَا وَدَرِّهَا أَوْ التِّجَارَةِ فِيهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَى الزَّكَاةَ لِيَسْتَغْنِيَ فَلَا يَكُونُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ، وَأَيْضًا لَوْ أَخَذْنَاهَا مِنْهُ لَافْتَقَرَ وَاحْتَجْنَا إلَى رَدِّهَا إلَيْهِ، فَإِثْبَاتُ الِاسْتِرْجَاعِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ وَيَضُرُّ غِنَاهُ بِغَيْرِهَا كَزَكَاةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ مُعَجَّلَةٍ أَخَذَهَا بَعْدَ أُخْرَى وَقَدْ اسْتَغْنَى بِهَا. وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ مَا إذَا كَانَتَا مُعَجَّلَتَيْنِ وَاتَّفَقَ حَوْلُهُمَا، إذْ لَيْسَ اسْتِرْجَاعُ إحْدَاهُمَا بِالْأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى. ثُمَّ قَالَ: وَالثَّانِيَةُ أَوْلَى بِالِاسْتِرْجَاعِ، وَكَلَامُ الْفَارِقِيِّ يُشْعِرُ بِاسْتِرْجَاعِ الْأُولَى، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ وَاجِبَةً فَالْأُولَى هِيَ الْمُسْتَرْجَعَةُ، وَعَكْسُهُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُبَالَاةَ بِعُرُوضِ الْمَانِعِ بَعْدَ قَبْضِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ. أَمَّا إذَا أَخَذَهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا اسْتِرْدَادَ، وَلَوْ اسْتَغْنَى بِالزَّكَاةِ وَبِغَيْرِهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ وَجَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهَا لَيْسَ بِغَنِيٍّ خِلَافًا لِقَوْلِ الْجُرْجَانِيِّ فِي شَافِيهِ إنَّهُ يَضُرُّ. (وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً) لِعُرُوضِ مَانِعٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ثَانِيًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ فَتَلِفَتْ بِيَدِ الْقَابِضِ لَمْ يَجِبْ التَّجْدِيدُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ، وَلَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 اسْتَرَدَّ إنْ كَانَ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ اسْتَرَدَّ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ، وَأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ صُدِّقَ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ،   [مغني المحتاج] السَّائِمَةِ، وَ (اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (إنْ كَانَ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ دَفَعَهُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْقَابِضُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا عَرَضَ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ اسْتَرَدَّ: كَمَا إذَا عَجَّلَ أُجْرَةَ الدَّارِ ثُمَّ انْهَدَمَتْ فِي الْمُدَّةِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ عُرُوضِ الْمَانِعِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّعَ بِالتَّعْجِيلِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ بِدُونِ مَانِعٍ لَا يَسْتَرِدُّ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي صِحَّةِ الْقَبْضِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ) عِنْدَ دَفْعِهِ بِنَفْسِهِ (هَذِهِ زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ) أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ (اسْتَرَدَّ) لِذِكْرِهِ التَّعْجِيلَ أَوْ الْعِلْمَ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ. وَالثَّانِي: لَا يَسْتَرِدُّ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا دَفَعَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ. أَمَّا إذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ قَطْعًا إذَا ذَكَرَ التَّعْجِيلَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى شَرْطِ الرُّجُوعِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِعِلْمِ الْقَابِضِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فَإِنَّهُ قَدْ احْتَاجَ إلَيْهِ بَعْدَ هَذَا فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فَقَالَ (وَ) الْأَصَحُّ وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ (أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الزَّكَاةِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا (وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ) وَيَكُونُ تَطَوُّعًا لِتَفْرِيطِ الدَّافِعِ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ عِنْدَ الْأَخْذِ. وَالثَّانِي: يَسْتَرِدُّ لِظَنِّهِ الْوُقُوعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْهَا. وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ الْمُعْطِي هُوَ الْإِمَامُ رَجَعَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَالِكُ فَلَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُعْطِي مَالَ الْغَيْرِ فَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ تَطَوُّعًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ عَمَّا إذَا عَلِمَهُ عِنْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ تَجَدَّدَ لَهُ الْعِلْمُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَهَلْ هُوَ كَالْمُقَارِنِ أَوْ لَا؟ قَالَ السُّبْكِيُّ: فِي كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَالْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ أَنَّهُ كَالْمُقَارِنِ. وَهُوَ الْأَقْرَبُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ) وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِالرُّجُوعِ عِنْدَ عُرُوضِ مَانِعٍ، أَوْ فِي ذِكْرِ التَّعْجِيلِ أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ (صُدِّقَ الْقَابِضُ) أَوْ وَارِثُهُ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ؛ وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهُ؛ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ وَيَحْلِفُ الْقَابِضُ عَلَى الْبَتِّ وَوَارِثُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْطَى ثَوْبًا لِغَيْرِهِ وَتَنَازَعَا فِي أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ هِبَةٌ صُدِّقَ الدَّافِعُ، وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَعُدَّ مِنْهُ سَبْقُ الْقَلَمِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ عِلْمِ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ. أَمَّا فِيهِ فَيُصَدَّقُ الْقَابِضُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّعْجِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِمَا قَالَهُ الدَّافِعُ لَضَمِنَ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي نَقْصِ الْمَالِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ تَلَفِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْدِيقُ الْقَابِضِ بِيَمِينِهِ وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وَمَتَى ثَبَتَ وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا فَلَا أَرْشَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا، وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ.   [مغني المحتاج] كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ (وَمَتَى ثَبَتَ) الِاسْتِرْدَادُ (وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ) بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ. (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمُتَقَوِّمِ (اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا حَصَلَ فِي مِلْكِ الْقَابِضِ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَالثَّانِي قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى الْقِيمَةِ، وَفِي مَعْنَى تَلَفِهِ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا) نَقْصَ أَرْشِ صِفَةٍ كَالْمَرَضِ وَالْهُزَالِ حَدَثَ قَبْلَ سَبَبِ الرَّدِّ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالْأَبِ إذَا رَجَعَ فِي الْمَوْهُوبِ نَاقِصًا، وَالثَّانِي لَهُ أَرْشُهُ؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَلِكَ جُزْؤُهُ وَلَيْسَ كَالْهِبَةِ، فَإِنَّ جُمْلَتَهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَجُزْؤُهَا أَوْلَى. أَمَّا نَقْصُ الْجُزْءِ كَتَلَفِ شَاةٍ مِنْ شَاتَيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِبَدَلِ التَّالِفِ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْكِفَايَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَلَبَنٍ وَوَلَدٍ حَدَثَتْ قَبْلَ وُجُوبِ سَبَبِ الِاسْتِرْدَادِ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ وَنَحْوُ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ كَالْمُنْفَصِلِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ حُكْمًا، وَالثَّانِي: يَسْتَرِدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ. أَمَّا لَوْ حَلَّ النَّقْصُ أَوْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الرُّجُوعِ أَوْ كَانَ الْقَابِضُ حَالَ الْقَبْضِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ فَيَجِبُ الْأَرْشُ، وَيَسْتَرِدُّ الزِّيَادَةَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُنْفَصِلَةِ عَنْ الْمُتَّصِلَةِ كَالسِّمَنِ وَالتَّعْلِيمِ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ، وَلَوْ وُجِدَ الْمُعَجَّلُ بِحَالِهِ وَأَرَادَ الْقَابِضُ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ وَلَمْ يَرْضَ الْمَالِكُ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي الْقَرْضِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، فَيَكُونُ الْأَصَحُّ إجَابَةَ الْمَالِكِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْأَصَحِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِلَافِ وَقُوَّتِهِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ. (وَتَأْخِيرُ) أَدَاءِ (الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (يُوجِبُ الضَّمَانَ) لَهَا وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ كَأَنْ أَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ) الْمُزَكَّى أَوْ أَتْلَفَ لِتَقْصِيرِهِ بِحَبْسِ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَجَمِيعُ مَا بَعْدَهَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّعْجِيلِ، فَكَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُهُ بِفَصْلٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَفِي جَعْلِهِ التَّلَفَ غَايَةً نَظَرٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ مَحَلُّ الضَّمَانِ. وَأَمَّا قَبْلَ التَّلَفِ فَيُقَالُ: وَجَبَ الْأَدَاءُ وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ الْقَوْلُ بِالضَّمَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْوَاوِ (وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) وَبَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا تَقْصِيرٍ (فَلَا) ضَمَانَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ. أَمَّا إذَا قَصَّرَ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ) بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ) بَعْدَ إسْقَاطِ الْوَقْصِ، فَلَوْ تَلِفَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً مِنْهَا حَوْلًا فَهَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ خَمْسَةٌ وَجَبَ أَرْبَعَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ. وَفِي قَوْلٍ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ، وَفِي قَوْلٍ بِالذِّمَّةِ. فَلَوْ بَاعَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا، فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فِي قَدْرِهَا، وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي.   [مغني المحتاج] أَخْمَاسِ شَاةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ، وَأَنَّ الْأَوْقَاصَ عَفْوٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِيهِمَا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَجَبَتْ شَاةٌ، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِاللُّزُومِ بَدَلَ الْغُرْمِ كَانَ أَوْلَى، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ يَبْقَى قِسْطُ مَا بَقِيَ. (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) الْمَالِكُ (بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ أَمْ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِتْلَافِ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ. فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَعَلَّقْنَا الزَّكَاةَ بِالْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا انْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قَتَلَ الرَّقِيقُ الْجَانِيَ وَالْمَرْهُونَ (وَهِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ) الَّذِي تَجِبُ فِيهِ (تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ) بِقَدْرِهَا لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِصِفَةِ الْمَالِ مِنْ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ،. وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إخْرَاجِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا يَقْسِمُ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنْ قِسْمَتِهِ وَإِنَّمَا جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْمُشْتَرَكَاتِ رِفْقًا بِالْمَالِكِ وَتَوْسِيعًا عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهَا وَجَبَتْ مَجَّانًا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، وَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَشَاةٍ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَهَلْ الْوَاجِبُ شَاةٌ لَا بِعَيْنِهَا أَوْ شَائِعٌ أَيْ: جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ؟ وَجْهَانِ. حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْمَالِ، الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الثَّانِي، إذْ الْقَوْلُ بِالْأَوَّلِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ لِإِبْهَامِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لِلْمَالِكِ تَعْيِينُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا قَطْعًا رِفْقًا بِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ إطْلَاقُ الْخِلَافِ فِي النُّقُودِ وَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ وَاجِبَهَا شَائِعٌ بِلَا خِلَافٍ (وَفِي قَوْلٍ تَعَلَّقَ الرَّهْنُ) بِقَدْرِهَا مِنْهُ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ وَالنِّصَابُ مَرْهُونٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَجِدْ الْوَاجِبَ فِي مَالِهِ بَاعَ الْإِمَامُ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى وَاجِبَهُ كَمَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي الدَّيْنِ، وَقِيلَ: تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهِ (وَفِي قَوْلٍ) تَتَعَلَّقُ (بِالذِّمَّةِ) وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْعَيْنِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا، وَفِي قَوْلٍ رَابِعٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ كَمَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ وَالتَّعَلُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ بِجَمِيعِهِ، وَفِي خَامِسٍ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ مِنْ الْمَالِ تَبَيَّنَ تَعَلُّقُهَا بِهِ وَإِلَّا فَلَا. (فَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَالَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَ (قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (فِي قَدْرِهَا وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَائِعٌ، فَأَيُّ قَدْرٍ بَاعَهُ كَانَ حَقَّهُ وَحَقَّهُمْ. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ. وَالثَّالِثُ: صِحَّتُهُ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَوَّلَانِ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَيَأْتِيَانِ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ وَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَيَأْتِي الثَّالِثُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اسْتَثْنَى قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ كَبِعْتُكَ هَذَا إلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِهِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ أَهُوَ عُشْرٌ أَمْ نِصْفُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ. وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَإِنْ عَيَّنَ كَقَوْلِهِ: إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ صَحَّ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ زَكَاةُ التَّمْرِ إذَا خُرِصَ وَقُلْنَا: الْخَرْصُ تَضْمِينٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ - فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ جَمِيعِهِ قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ. هَذَا كُلُّهُ فِي بَيْعِ الْجَمِيعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ بَاعَهُ. فَأَمَّا إذَا بَاعَ بَعْضَهُ فَإِنْ لَمْ يُبْقِ قَدْرَ الزَّكَاةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ أَبْقَى قَدْرَهَا بِنِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهَا أَوْ بِلَا نِيَّةٍ بَطَلَ أَيْضًا فِي قَدْرِهَا عَلَى أَقْيَسِ الْوَجْهَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ جَزْمِ الشَّيْخَيْنِ بِالصِّحَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ اللَّفْظِيَّ أَقْوَى مِنْ الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي زَكَاةِ الْأَعْيَانِ. أَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْكُلِّ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَقَبْلَ إخْرَاجِهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَ الزَّكَاةِ الْقِيمَةُ، وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ أَمْوَالَ التِّجَارَةِ فَهُوَ كَبَيْعِ مَا وَجَبَتْ فِي عَيْنِهِ فَيَأْتِي فِيهِ الْأَقْوَالُ السَّابِقَةُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ عَلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يُخْرِجْهَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِسَبَبِ أَنَّ مِلْكَهُ فِي بَعْضِ مَا اشْتَرَاهُ لَمْ يَكْمُلْ؛ لِأَنَّ لِلسَّاعِي انْتِزَاعَهُ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَوْ أَدَّى الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا فِي قَدْرِهَا، وَقِيلَ: يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ قَدْ زَالَ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِلْمُسْتَحِقِّ وَالسَّاعِي الدُّعَاءُ لِلْمَالِكِ عِنْدَ الْأَخْذِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ، وَلَا يَتَعَيَّنُ دُعَاءٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى - بِفَتْحِ اللَّامِ - عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شِعَارُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا لَا يُقَالُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ صَحَّ الْمَعْنَى فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَصًّا بِهِ إلَّا تَبَعًا لَهُمْ كَالْآلِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ مَا اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَلُقْمَانَ وَمَرْيَمَ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِنَبِيَّيْنِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَذْكَارِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرْتَفِعَانِ عَنْ حَالِ مَنْ يُقَالُ فِيهِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَى غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقُّهُمَا فَلَهُمَا الْإِنْعَامِ بِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا. وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» وَالسَّلَامُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَرَنَ بَيْنَهُمَا. لَكِنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِهِ مُسْتَحَبَّةٌ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ابْتِدَاءً، وَوَاجِبَةٌ جَوَابًا كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا يَقَعُ مِنْهُ غِيبَةٌ فِي الْمُرَاسَلَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ مَا يَقَعُ خِطَابًا. وَيُسَنُّ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَخْيَارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ التَّرَضِّيَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّرَحُّمَ بِغَيْرِهِمْ ضَعِيفٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 كِتَابُ الصِّيَامِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الصِّيَامِ] هُوَ وَالصَّوْمُ لُغَةً: الْإِمْسَاكُ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ   [مغني المحتاج] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنْ الْكَلَامِ. وَشَرْعًا: إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي آيَةُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] ، وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ، وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صَائِمٌ، وَنِيَّةٌ، وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ (يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ) لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ. وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَهُ غَيْرَ جَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ: كَأَنْ قَالَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَلَكِنْ لَا أَصُومُ، حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ نَهَارًا لِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الصَّوْمِ بِذَلِكَ، سُمِّيَ رَمَضَانَ مِنْ الرَّمَضِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمَّا أَرَادَتْ أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ بِعَدْلٍ، وَفِي قَوْلٍ   [مغني المحتاج] تَضَعَ أَسْمَاءَ الشُّهُورِ وَافَقَ أَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَسُمِّيَ بِذَلِكَ كَمَا سُمِّيَا الرَّبِيعَانِ لِمُوَافَقَتِهِمَا زَمَنَ الرَّبِيعِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرْمِضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرُقُهَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بِهِ ثَابِتَةٌ قَبْلَ الشَّرْعِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ. وَفِي الْحَدِيثِ «رَمَضَانُ سَيِّدُ الشُّهُورِ» وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ بِدُونِ الشَّهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ، وَمَا نَقَلَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ (بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» (1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَيُضَافُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعَدَدِ ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَمَارَةَ الظَّاهِرَةَ الدَّالَّةَ كَرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فِي حُكْمِ الرُّؤْيَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَلَا يَجُوزُ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] الِاهْتِدَاءُ إلَى أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ؛ وَلِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ. قَالَ: وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا يَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالْحَاسِبُ: وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ، وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ ضَبْطِ الرَّائِي، لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ. وَهَلْ تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِثُبُوتِهِ كَالزَّكَاةِ، وَقِيلَ: لَا كَالْحُدُودِ (وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ) يَحْصُلُ (بِعَدْلٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَمْ لَا؛؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رَآهُ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسُ بِصِيَامِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ هِلَالَ رَمَضَانَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: تَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» (2) صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْمَعْنَى فِي ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ (وَفِي قَوْلٍ) يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 عَدْلَانِ.   [مغني المحتاج] (عَدْلَانِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا كَانَ لَهُ قَوْلَانِ وَعُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا كَانَ مَذْهَبُهُ الْمُتَأَخِّرَ فَفِي الْأُمِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ: لَا يَجُوزُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ. وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ مَعَ هَذَا النَّصِّ نَصًّا آخَرَ صِيغَتُهُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ، فَقَالَ: لَا يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ أَوْ شَهَادَةَ ابْنِ عُمَرَ قُبِلَ الْوَاحِدُ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ. وَقَدْ صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَعِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا رَجَعَ إلَى اثْنَيْنِ بِالْقِيَاسِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ تَمَسَّكَ لِلْوَاحِدِ بِأَثَرٍ عَنْ عَلِيٍّ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ رَأَيْتُ أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ اهـ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا ذُكِرَ، وَعَلَيْهِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَشَهِدَ بِهِلَالِهِ وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ فِي الْأَصَحِّ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَمَحِلُّ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ بِعَدْلٍ فِي الصَّوْمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَتَوَابِعُهُ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِدُخُولِ رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا ثَبَتَ ذَلِكَ ضِمْنًا كَمَا ثَبَتَ شَوَّالٌ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِوَاحِدٍ وَالنَّسَبُ وَالْإِرْثُ بِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِالنِّسَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الضِّمْنِيَّ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لَازِمٌ لِلْمَشْهُودِ بِهِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَبِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَثْبُتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 وَشَرْطُ الْوَاحِدِ صِفَةُ الْعُدُولِ فِي الْأَصَحِّ، لَا عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ.   [مغني المحتاج] ضِمْنًا إذَا كَانَ التَّابِعُ مِنْ جِنْسِ الْمَتْبُوعِ كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَكَالْوِلَادَةِ وَالنَّسَبِ وَالْإِرْثِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَالِ، وَالْآيِلُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، فَإِنَّ التَّابِعَ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْآيِلِ إلَيْهِ، وَالْمَتْبُوعَ مِنْ الْعِبَادَاتِ. هَذَا كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ، فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ: إنْ ثَبَتَ رَمَضَانُ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَقَعَا، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّاهِدِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ثَبَتَ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ. فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَاقْتَضَى الْحِسَابُ عَدَمَ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَالظَّنِّيُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ رَدِّ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ قَبُولُهَا، إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْحُسَّابِ كَمَا مَرَّ، وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ نَهَارًا لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الْمَاضِيَةِ فَلَا نُفْطَرُ إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي رَمَضَانَ وَلَا نُمْسِكُ إنْ كَانَ فِي ثَلَاثِي شَعْبَانَ. وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهَا لِلْمَاضِيَةِ أَيْ وَلَا لِلْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ لَوْ قِيلَ إنَّهَا لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ (وَشَرْطُ الْوَاحِدِ صِفَةُ الْعُدُولِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (لَا عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ) فَلَيْسَا مِنْ الْعُدُولِ فِي الشَّهَادَةِ. قَالَ الشَّارِحُ وَإِطْلَاقُ الْعُدُولِ يَنْصَرِفُ إلَى الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ الْعَدْلِ فَيُصَدَّقُ بِهَا وَبِالرِّوَايَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ وَحْدَهَا اهـ. فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا قِيلَ إنْ قَوْلَهُ: وَشَرْطُ الْوَاحِدِ صِفَةُ الْعُدُولِ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِعَدْلٍ فِيهِ رَكَاكَةٌ، فَإِنَّ الْعَدْلَ مَنْ كَانَتْ فِيهِ صِفَةُ الْعُدُولِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ بِالْوَاحِدِ شَهَادَةٌ أَوْ رِوَايَةٌ، فَلَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ بِهِ عَلَى الثَّانِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ، وَتَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ فِيهِ، وَهِيَ الَّتِي يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ يُكْتَفَى بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَسْتُورُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ لَا رِوَايَةٌ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ النَّاسِ. أَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الرَّائِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ عَدْلًا، فَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ: يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يُفَرِّعُوهُ عَلَى شَيْءٍ، وَمَثَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِزَوْجَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَصَدِيقِهِ. وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي شُرَيْحٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ وَصِفَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْهِلَالِ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُهُ فِي نَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ، وَيَذْكُرَ صِغَرَهُ وَكِبَرَهُ، وَتَدْوِيرَهُ وَتَقْدِيرَهُ، وَأَنَّهُ بِحِذَاءِ الشَّمْسِ أَوْ فِي جَانِبٍ مِنْهَا، وَأَنَّ ظَهْرَهُ إلَى الْجَنُوبِ أَوْ الشَّمَالِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي السَّمَاءِ غَيْمٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَفَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ حَتَّى إذَا رُئِيَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ بَانَ كَذِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 وَإِذَا صُمْنَا بِعَدْلٍ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً. إذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ   [مغني المحتاج] الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ صِفَاتِهِ الَّتِي طَلَعَ عَلَيْهَا بِالْأَمْسِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ، فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، بَلْ طَرِيقُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِطُلُوعِ الْهِلَالِ أَوْ عَلَى أَنَّ اللَّيْلَةَ مِنْ رَمَضَانَ مَثَلًا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ إذَا قَالَتْ: أَشْهَدُ أَنِّي أَرْضَعْتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ رَمَضَانَ قَدْ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ وَقَدْ يَثْبُتُ بِأَكْثَرَ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِ " يَثْبُتُ " كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا يَأْتِي بِالْمُبْتَدَإِ الْمُشْعِرِ بِالْحَصْرِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ. (وَإِذَا صُمْنَا بِعَدْلٍ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً) أَيْ لَا غَيْمَ فِيهَا لِكَمَالِ الْعَدَدِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ يُؤَدِّي إلَى ثُبُوتِ شَوَّالٍ بِقَوْلِ وَاحِدٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ مَقْصُودًا، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَيَثْبُتَانِ ضِمْنًا بِالْوِلَادَةِ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً أَفْطَرْنَا وَإِنْ كَانَتْ مُصْحِيَةً فَلَا لِقُوَّةِ الرُّؤْيَةِ. ، وَلَوْ صُمْنَا بِعَدْلٍ ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ، فَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ كَالْحُكْمِ قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (إذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ) مِنْهُ قَطْعًا كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُمَا كَبَلَدٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (دُونَ الْبَعِيدِ فِي الْأَصَحِّ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 دُونَ الْبَعِيدِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْبَعِيدُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَقِيلَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى الْبَلَدَ الْآخَرِ فَسَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ فِي الصَّوْمِ آخِرًا، وَمَنْ سَافَرَ مِنْ الْبَلَدِ الْآخَرِ إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ عَيَّدَ مَعَهُمْ وَقَضَى يَوْمًا. وَمَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدًا فَسَارَتْ سَفِينَتُهُ إلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ   [مغني المحتاج] كَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُ فِي الْبَعِيدِ أَيْضًا (وَالْبَعِيدُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ) وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ بِهَا كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ (وَقِيلَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْهِلَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ كُرَيْبٍ قَالَ: «رَأَيْتُ الْهِلَالَ بِالشَّامِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ قُلْتُ: لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، قَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الْعِدَّةَ. فَقُلْتُ: أَوَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ قَالَ: لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقِيَاسًا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا. قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ التَّبْرِيزِيُّ: وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ لَا يَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا. فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارُ اتِّحَادِ الْمَطَالِعِ وَاخْتِلَافِهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُمَا فِي إثْبَاتِ رَمَضَانَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِي التَّوَابِعِ وَالْأُمُورِ الْخَاصَّةِ، فَإِنْ شُكَّ فِي الِاتِّفَاقِ فِي الْمَطْلَعِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ قُرْبِهِمْ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ وَتَكُونُ الرُّؤْيَةُ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ مُسْتَلْزِمَةً لِلرُّؤْيَةِ فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ، فَمَتَى اتَّحَدَ الْمَطْلَعُ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ، وَمَتَى اخْتَلَفَ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْغَرْبِيِّ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَعَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ كُرَيْبٍ فَإِنَّ الشَّامَ غَرْبِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّامِ رُؤْيَتُهُ فِيهَا. (وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ عَلَى) أَهْلِ (الْبَلَدَ الْآخَرِ) وَهُوَ الْبَعِيدُ (فَسَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ) مَنْ صَامَ بِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَافِقُهُمْ) وُجُوبًا (فِي الصَّوْمِ آخِرًا) وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ ثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى بَلَدِهِمْ صَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُمْ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ كُرَيْبًا بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ حُكْمُ الْبَلَدِ الْأَوَّلِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ (وَمَنْ سَافَرَ مِنْ الْبَلَدِ الْآخَرِ) أَيْ الَّذِي لَمْ يُرَ فِيهِ (إلَى بَلَدِ الرُّؤْيَةِ عَيَّدَ مَعَهُمْ) وُجُوبًا لِمَا مَرَّ، سَوَاءٌ أَصَامَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ بِأَنْ كَانَ رَمَضَانُ أَيْضًا عِنْدَهُمْ نَاقِصًا فَوَقَعَ عِيدُهُ مَعَهُمْ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِ، أَمْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِأَنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا عِنْدَهُمْ (وَقَضَى يَوْمًا) إنْ صَامَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ كَذَلِكَ. (وَ) عَلَى الْأَصَحِّ (مَنْ أَصْبَحَ مُعَيِّدًا فَسَارَتْ سَفِينَتُهُ) مَثَلًا (إلَى بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ أَهْلُهَا صِيَامٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ.   [مغني المحتاج] فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ) وُجُوبًا لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ إمْسَاكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَتَجْزِئَةُ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ بِإِمْسَاكِ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ بَعِيدٌ. وَرَدَّ الرَّافِعِيُّ الِاسْتِبْعَادَ الْمَذْكُورَ بِيَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ الْهِلَالُ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إمْسَاكُ بَاقِيهِ دُونَ أَوَّلِهِ. وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ تَبْعِيضَ الْحُكْمِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي الظَّاهِرِ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَهُوَ تَبْعِيضٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِالنِّسْبَةِ إلَى حُكْمِ الْبَلَدَيْنِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَهُوَ مُفْطِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِ الْبَلَدَيْنِ، لَكِنَّ الْمُنْتَقَلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَرَوْهُ بِأَنْ يَكُونَ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَوْمِهِمْ لِتَأَخُّرِ ابْتِدَائِهِ بِيَوْمٍ. فَائِدَةٌ: فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» . وَفِي أَبِي دَاوُد كَانَ يَقُولُ: " هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ " مَرَّتَيْنِ " آمَنْتُ بِمَنْ خَلَقَكَ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ سُورَةَ تَبَارَكَ لِأَثَرٍ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُنَجِّيَةُ الْوَاقِيَةُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً بِعَدَدِ أَيَّامِ الشَّهْرِ؛ وَلِأَنَّ السَّكِينَةَ تَنْزِلُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَؤُهَا عِنْدَ النَّوْمِ. [فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ] (فَصْلٌ) فِي أَرْكَانِ الصَّوْمِ، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ كَمَا مَرَّ: نِيَّةٌ، وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَصَائِمٌ. عَبَّرَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ بِالشُّرُوطِ مُشِيرًا إلَى أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (النِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَلَا تَكْفِي بِاللِّسَانِ قَطْعًا، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِهَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 فَصْلٌ النِّيَّةُ شَرْطٌ لِلصَّوْمِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نِيَّةً وَبِهِ صَرَّحَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ   [مغني المحتاج] فِي الْعُدَّةِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ لِيَصُومَ، أَوْ شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ خَوْفَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا لِتَضَمُّنِ كُلٍّ مِنْهَا قَصْدَ الصَّوْمِ. (وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِهِ) أَيْ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 التَّبْيِيتُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النِّصْفُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ إذَا نَامَ ثُمَّ تَنَبَّهَ. وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ   [مغني المحتاج] كَقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ (التَّبْيِيتُ) وَهُوَ إيقَاعُ النِّيَّةِ لَيْلًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ بِقَرِينَةِ خَبَرِ عَائِشَةَ الْآتِي. وَلَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمَيْنِ بِمَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاةِ يَتَخَلَّلُهَا السَّلَامُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُخْرِجُ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ فَإِنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَالْبَالِغِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا صَوْمُ نَفْلٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ إلَّا هَذَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ نِيَّتُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهَا، وَلَوْ نَوَى ثُمَّ شَكَّ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَلَوْ شَكَّ نَهَارًا هَلْ نَوَى لَيْلًا ثُمَّ تَذَكَّرَ وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ النَّهَارِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ النَّهَارَ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَمْ تَنْجَبِرْ بِالتَّذَكُّرِ نَهَارًا. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ لَمْ يُجْزِهِ، وَالظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ هَلْ نَوَى أَوْ لَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ لَمْ يُؤَثِّرْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ: إنْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ هَلْ نَوَى أَوْ لَا أَجْزَأَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا شَكَّ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حَيْثُ تُلْزِمُهُ الْإِعَادَةُ التَّضْيِيقَ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهَا بَطَلَتْ فِي الْحَالِّ وَلَا كَذَلِكَ الصَّوْمُ، وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي التَّبْيِيتِ (النِّصْفُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ) بَلْ يَكْفِي وَلَوْ مِنْ أَوَّلِهِ لِإِطْلَاقِ التَّبْيِيتِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ اللَّيْلِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ، وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ. فَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ أَوْجَبْنَا النِّصْفَ الْأَخِيرَ كَمَا فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَغُسْلِ الْعِيدِ وَالدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ) وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُنَافِي الصَّوْمِ (بَعْدَهَا) أَيْ النِّيَّةِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يُبْطِلُ النِّيَّةَ فَيُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِهَا. نَعَمْ إنَّ رَفْضَ النِّيَّةِ قَبْلَ الْفَجْرِ ضُرٌّ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ مَا نَوَى لَيْلًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَجْرِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ) لَهَا (إذَا نَامَ) بَعْدَهَا (ثُمَّ تَنَبَّهَ) لَيْلًا؛ لِأَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ مُنَافِيًا لِلصَّوْمِ. وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْرِيبًا لِلنِّيَّةِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِقَدْرِ الْوُسْعِ. أَمَّا إذَا اسْتَمَرَّ النَّوْمُ إلَى الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ. (وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ يَوْمًا: هَلْ عِنْدَكُمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 وَكَذَا بَعْدَهُ فِي قَوْلٍ، وَالصَّحِيحُ اشْتِرَاطُ حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَيَجِبُ التَّعْيِينُ فِي الْفَرْضِ،   [مغني المحتاج] مِنْ غَدَاءٍ؟ قَالَتْ لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ أَصُومُ، قَالَتْ: وَقَالَ لِي يَوْمًا آخَرُ أَعِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: إذَنْ أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْتُ فَرَضْتُ الصَّوْمَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَاخْتَصَّ بِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِلْخَبَرِ، إذْ الْغَدَاءُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَالْعَشَاءُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ بَيِّنٌ وَلِإِدْرَاكِ مُعْظَمِ النَّهَارِ بِهِ كَمَا فِي رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ صَوْمَ النَّفْلِ، وَإِلَّا فَلَوْ نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَدْ مَضَى مُعْظَمُ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ (وَكَذَا) يَصِحُّ بِنِيَّةٍ (بَعْدَهُ فِي قَوْلٍ) قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ تَسْوِيَةً بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ كَمَا فِي النِّيَّةِ لَيْلًا (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (اشْتِرَاطُ حُصُولِ شَرْطِ الصَّوْمِ) فِي النِّيَّةِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) بِأَنْ لَا يَسْبِقَهَا مُنَافٍ لِلصَّوْمِ كَكُفْرٍ، وَجِمَاعٍ، وَأَكْلٍ، وَجُنُونٍ، وَحَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الصَّوْمِ، وَهُوَ خُلُوُّ النَّفْسِ عَنْ الْمَوَانِعِ فِي الْيَوْمِ بِكَمَالِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ مَا ذَكَرَهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يُثَابَ عَلَى جَمِيعِهِ، إذْ صَوْمُ الْيَوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ كَمَا فِي الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ جَزْمًا، وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ مَضْمَضَةٍ أَيْ أَوْ اسْتِنْشَاقٍ بِلَا مُبَالَغَةٍ إلَى جَوْفِهِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْأَصَحِّ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ مُهِمَّةٌ (وَيَجِبُ) فِي النِّيَّةِ (التَّعْيِينُ فِي الْفَرْضِ) بِأَنْ يَنْوِيَ كُلَّ لَيْلَةٍ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ، أَوْ عَنْ نَذْرٍ، أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَهَا أَمْ لَا، لَكِنْ لَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَمْ يُجْزِئْهُ، فَإِنْ جَهِلَ سَبَبَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ مِنْ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً كَفَاهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَيُجْزِئُهُ عَمَّا عَلَيْهِ، وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ الصَّلَاةِ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَنْوِي يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عَنْ النَّذْرِ وَيَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا لَمْ تَشْتَغِلْ بِالثَّلَاثِ. وَالْأَصْلُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا زَادَ، بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ الْتَزَمَ فِيهِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اكْتَفَوْا فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً بِثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ، الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَإِحْدَى رُبَاعِيَّةٍ يَنْوِي فِيهَا الصَّلَاةَ الْوَاجِبَةَ كَنَظِيرِهَا هُنَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا هُنَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا ثَمَّ بِدَلِيلِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِهِمَا فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْفَرْضِ عَنْ النَّفْلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ كَعَرَفَةَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 وَكَمَالُهُ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ الْمَذْكُورِ فِي الصَّلَاةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ   [مغني المحتاج] وَعَاشُورَاءَ، وَأَيَّامِ الْبِيضِ، وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمِهَا (وَكَمَالُهُ) أَيْ التَّعْيِينِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِكَمَالِ النِّيَّةِ (فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ غَدٍ) أَيْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي اللَّيْلَةَ الَّتِي يَنْوِي فِيهَا (عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِلَّهِ تَعَالَى) بِإِضَافَةِ رَمَضَانَ، وَذَلِكَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ أَضْدَادِهَا لَكِنَّ فَرْضَ غَيْرِ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً، وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَفْظُ الْأَدَاءِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ، ثُمَّ التَّعَرُّضُ لِلْغَدِ قَدْ يَكُونُ بِخُصُوصِهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَقَدْ يَكُونُ بِإِدْخَالِهِ فِي عُمُومٍ كَأَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الشَّهْرِ فَيَكْفِيهِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِدُخُولِهِ فِي صَوْمِ الشَّهْرِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَفْظُ الْغَدِ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي تَفْسِيرِ التَّعْيِينِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ مِنْ حَدِّ التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَظَرِهِمْ إلَى التَّبْيِيتِ (وَفِي الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ) كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ اشْتِرَاطَ الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْأَدَاءِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا هُنَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ، فَإِنْ قِيلَ الْجُمُعَةُ لَا تَقَعُ مِنْ الْبَالِغِ إلَّا فَرْضًا مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا بِمَكَانٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فِي آخَرَ يُصَلُّونَهَا فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْهُ فَرْضًا (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ) كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِيَمْتَازَ ذَلِكَ عَمَّا يَأْتِي بِهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ الِاثْنَيْنِ فَكَانَ الثُّلَاثَاءَ، أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ صَحَّ صَوْمُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى صَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فِي الْأُولَى الْغَدُ وَفِي الثَّانِيَةِ السَّنَةُ الْحَاضِرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ الَّذِي نَوَى فِي لَيْلَتِهِ، وَتَصْوِيرُ مِثْلِهِ بَعِيدٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَيْنِ فَنَوَى صَوْمَ غَدٍ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ قَضَاءِ أَيِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ: وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ نَذْرٍ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَنَوَى صَوْمَ النَّذْرِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ نَوْعَهُ، وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَجَعَلَ الزَّرْكَشِيُّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ وُجُوبِ التَّعْيِينِ. ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُنَجَّزَةً، وَيَأْتِي فِي تَعْلِيقِهَا بِالْمَشِيئَةِ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا التَّعْلِيقُ بِغَيْرِهَا فَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ) وَصَامَهُ (فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ) سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 إلَّا إذَا اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَانٍ رُشَدَاءَ. وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ.   [مغني المحتاج] أَمْ زَادَ بَعْدَهُ، فَقَالَ: وَإِلَّا أَنَا مُفْطِرٌ أَوْ مُتَطَوِّعٌ لِلشَّكِّ فِي أَنَّهُ مِنْهُ حَالَ النِّيَّةِ فَلَيْسَتْ جَازِمَةً، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا جَزَمَ وَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ " إنْ " الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَدُّدِ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِهِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ حَدِيثُ نَفْسٍ (إلَّا إذَا اعْتَقَدَ) أَيْ ظَنَّ (كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ) أَوْ فَاسِقٍ (أَوْ صِبْيَانٍ رُشَدَاءَ) أَيْ مُخْتَبَرِينَ بِالصِّدْقِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ هُنَا كَالْيَقِينِ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَتَصِحُّ النِّيَّةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ لَيْلًا كَوْنَ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى. : تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا جَمْعُ الصِّبْيَةِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، فَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ أَخْبَرَهُ بِالرُّؤْيَةِ مُرَاهِقٌ وَنَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ فَبَانَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ. ثَانِيهَا لَوْ رَدَّدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَالَ: أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ وَبَانَ مِنْهُ قَالَ الْإِمَامُ لَمْ يُجْزِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي: وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالْقَلْبِ، وَالتَّرَدُّدَ حَاصِلٌ فِي الْقَلْبِ قَطْعًا ذَكَرَهُ أَمْ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَقَصْدُهُ الصَّوْمَ إنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكَانَ كَالتَّرَدُّدِ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ طَوَائِفَ، وَكَلَامُ الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِهِ، وَلَا نَقْلَ يُعَارِضُهُ إلَّا دَعْوَى الْإِمَامِ أَنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. ثَالِثُهَا: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرُّشْدِ هُنَا الْمُرَادَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: شَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرْتُهُ زَادَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَا يَبْعُدُ اجْتِنَابُ النَّوَاهِي خُصُوصًا الْكَبَائِرَ مِنْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرُّشْدَ قَيْدٌ فِي الصِّبْيَانِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْبَاقِي. وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ إعَادَةُ قَوْلِهِ " رُشَدَاءَ " إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ غَلَطٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ يَوْمِ الشَّكِّ عِنْدَ التَّكَلُّمِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ: أَصُومُ غَدًا نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ أَمَارَةٌ فَبَانَ مِنْ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا فَكَانَ سَالِمًا أَجْزَأَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي نِيَّتِهِ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَلَا أَثَرَ لِتَرَدُّدٍ يَبْقَى بَعْدَ حُكْمِهِ وَلَوْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لِلِاسْتِنَادِ إلَى ظَنٍّ مُعْتَمَدٍ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَا بَأْسَ فِي التَّرَدُّدِ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَاحِدٍ اهـ. وَأُهْمِلَ ذَلِكَ فِي الْمِنْهَاجِ لِوُضُوحِهِ وَفَهْمِهِ مِنْ كَلَامِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَكِنْ لَا يَكْفِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الِاخْتِصَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ جَهِلَ حَالَ الشَّاهِدِ. أَمَّا الْعَالِمُ بِفِسْقِهِ وَكَذِبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ حَيْثُ حَرُمَ صَوْمُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 وَلَوْ اشْتَبَهَ صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ، فَإِنْ وَافَقَ مَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ نَقَصَ وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ، وَلَوْ غَلِطَ بِالتَّقْدِيمِ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ صَوْمُهُ، وَإِلَّا فَالْجَدِيدُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ. وَلَوْ نَوَتْ الْحَائِضُ صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ لَيْلًا صَحَّ إنْ تَمَّ لَهَا فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ،   [مغني المحتاج] كَيَوْمِ الشَّكِّ. (وَلَوْ اشْتَبَهَ) رَمَضَانُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ مَحْبُوسٍ أَوْ نَحْوِهِ (صَامَ شَهْرًا بِالِاجْتِهَادِ) كَمَا يَجْتَهِدُ لِلصَّلَاةِ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ، وَذَلِكَ بِأَمَارَةٍ كَالرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَلَوْ صَامَ بِلَا اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِتَرَدُّدٍ فِي النِّيَّةِ فَلَوْ اجْتَهَدَ وَتَحَيَّرَ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الصَّوْمُ وَيَقْضِيَ كَالْمُتَحَيِّرِ فِي الْقِبْلَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبَ وَلَمْ يَظُنَّهُ، وَأَمَّا فِي الْقِبْلَةِ فَقَدْ تَحَقَّقَ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَعَجَزَ عَنْ شَرْطِهَا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ اللَّيْلَ مِنْ النَّهَارِ وَاسْتَمَرَّتْ الظُّلْمَةُ، فَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي وَالصَّوْمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ اللَّيْلَ وَيُفْطِرُ النَّهَارَ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ بِالِاجْتِهَادِ رَمَضَانَ وَقَعَ أَدَاءً وَإِنْ نَوَاهُ قَضَاءً؛ لِظَنِّهِ خُرُوجَهُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ أَوْ (مَا بَعْدَ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ) قَطْعًا وَإِنْ نَوَى الْأَدَاءَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ (وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ) لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَدَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ قَدْ يَجْعَلُ غَيْرَ الْوَقْتِ وَقْتًا كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ نَقَصَ) الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَكُنْ شَوَّالًا وَلَا الْحِجَّةَ (وَكَانَ رَمَضَانُ تَامًّا لَزِمَهُ يَوْمٌ آخَرُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَضَاءٌ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ أَدَاءٌ كَفَاهُ النَّاقِصُ وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ قَضَاءٌ فَلَهُ إفْطَارُ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ إذَا عَرَفَ الْحَالَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ أَدَاءٌ فَلَا، فَإِنْ كَانَ شَوَّالًا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَزِمَهُ يَوْمَانِ أَوْ الْحِجَّةَ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَفِي عَكْسِهَا لَا قَضَاءَ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي التَّسَاوِي يَلْزَمُهُ فِي الْأُولَى يَوْمٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ، وَلَوْ وَافَقَ رَمَضَانَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ وَقَعَ عَنْهَا لَا عَنْ الْقَضَاءِ (وَلَوْ غَلِطَ) فِي اجْتِهَادِهِ وَصَوْمِهِ (بِالتَّقْدِيمِ وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ) بَعْدَ تَبَيُّنِ الْحَالِّ (لَزِمَهُ صَوْمُهُ) قَطْعًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي وَقْتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَمَضَانَ بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْحَالُ إلَّا بَعْدَهُ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (فَالْجَدِيدُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ) لِمَا فَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ لِلْعُذْرِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِنْ الْحَالُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَلَوْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى فَوَاتِ رَمَضَانَ فَصَامَ شَهْرًا قَضَاءً فَبَانَ أَنَّهُ رَمَضَانُ أَجْزَأَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَلَوْ تَحَرَّى لِشَهْرِ نَذْرٍ فَوَافَقَ رَمَضَانَ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى النَّذْرَ وَرَمَضَانُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ قَضَاءٍ فَأَتَى بِهِ فِي رَمَضَانَ. (وَلَوْ نَوَتْ الْحَائِضُ) أَوْ النُّفَسَاءُ فِي اللَّيْلِ (صَوْمَ غَدٍ قَبْلَ انْقِطَاعِ دَمِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ) دَمُهَا (لَيْلًا صَحَّ) صَوْمُهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ (إنْ تَمَّ) لَهَا (فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ) أَوْ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهَا جَازِمَةٌ بِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وَكَذَا قَدْرُ الْعَادَةِ فِي الْأَصَحِّ. فَصْلٌ شَرْطُ الصَّوْمِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْجِمَاعِ (وَالِاسْتِقَاءَةِ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ بَطَلَ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ   [مغني المحتاج] غَدِهَا كُلَّهُ طُهْرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَمْ غَيْرَهَا. لَكِنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الِانْقِطَاعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى تَمَّ فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ الْحَيْضِ صَحَّتْ نِيَّتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الصَّوْمَ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَكَذَا) إنْ تَمَّ لَهَا (قَدْرُ الْعَادَةِ) الَّتِي هِيَ دُونُ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهَا بِتِلْكَ النِّيَّةِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَاتَّسَقَتْ وَلَمْ تَنْسَ اتِّسَاقَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لَيْلًا، أَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُتَّسِقَةٍ أَوْ مُتَّسِقَةٌ وَنَسِيَتْ اتِّسَاقَهَا وَلَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ عَادَتِهَا لَيْلًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْزِمْ وَلَا بَنَتْ عَلَى أَصْلٍ وَلَا أَمَارَةٍ. [فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ مَا قِيلَ: إنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ النِّيَّةَ شَرْطًا وَالْإِمْسَاكَ شَرْطًا فَلَا حَقِيقَةَ لِلصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ غَيْرُ النِّيَّةِ وَالْإِمْسَاكِ، فَإِذَا كَانَا شَرْطَيْنِ فَأَيْنَ الصَّوْمُ؟ فَقَالَ: (فَصْلٌ) شَرْطُ الصَّوْمِ أَيْ: شَرْطُ صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ (الْإِمْسَاكُ عَنْ الْجِمَاعِ) بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ. نَعَمْ فِي إتْيَانِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الدُّبُرِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ خِلَافٌ فَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِيهِ التَّعْزِيرَ فَقَطْ. (وَالِاسْتِقَاءَةِ) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ - أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِ -، وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَلْيَقْضِ» (1) هَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ عَامِدًا مُخْتَارًا لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَمَالَ فِي الْبَحْرِ إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ يُعْذَرُ مُطْلَقًا، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِمَا ذُكِرَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ) بِالِاسْتِقَاءَةِ كَأَنْ تَقَايَأَ مُنَكَّسًا (بَطَلَ) صَوْمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ عَيْنُهَا كَالْإِنْزَالِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُفْطِرَ رُجُوعُ شَيْءٍ مِمَّا خَرَجَ وَإِنْ قَلَّ (وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ فَلَا بَأْسَ) أَيْ لَمْ يَضُرَّ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ (وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 نُخَامَةً وَلَفَظَهَا فِي الْأَصَحِّ فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ مُفْطِرٌ بِالِاسْتِعَاطِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ الْحُقْنَةِ أَوْ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ وَنَحْوِهِمَا.   [مغني المحتاج] نُخَامَةً) مِنْ الْبَاطِنِ وَهِيَ الْفَضْلَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي يَلْفِظُهَا الشَّخْصُ مِنْ فِيهِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا النُّخَاعَةُ بِالْعَيْنِ (وَلَفَظَهَا) أَيْ رَمَاهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَمْ مِنْ بَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ تَتَكَرَّرُ فَرُخِّصَ فِيهِ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ بِهِ كَالِاسْتِقَاءَةِ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: اقْتَلَعَ عَمَّا لَوْ لَفَظَهَا مَعَ نُزُولِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَلَبَةِ سُعَالٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ جَزْمًا، وَبِلَفْظِهَا عَمَّا إذَا بَقِيَتْ فِي مَحَلِّهَا فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ جَزْمًا، وَعَمَّا إذَا ابْتَلَعَهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجَتْ إلَى الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ جَزْمًا، (فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ) بِأَنْ انْصَبَّتْ مِنْ الدِّمَاغِ فِي الثُّقْبَةِ النَّافِذَةِ مِنْهُ إلَى أَقْصَى الْفَمِ فَوْقَ الْحُلْقُومِ (فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا) إنْ أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَصِلَ شَيْءٌ إلَى الْبَاطِنِ (فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى ذَلِكَ (فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ فِي الْأَصَحِّ) لِتَقْصِيرِهِ، وَالثَّانِي لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَنْ الْفِعْلِ، فَلَوْ لَمْ تَصِلْ إلَى حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ، وَهُوَ مَخْرَجُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا الْحَاءُ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ بِأَنْ كَانَتْ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ أَوْ حَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِهَا وَمَجِّهَا لَمْ يَضُرَّ. (وَ) الْإِمْسَاكِ (عَنْ وُصُولِ الْعَيْنِ) وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ أَوْ لَمْ تُؤْكَلْ كَحَصَاةٍ. (إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا) ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، وَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الْأَثَرُ، كَالرِّيحِ بِالشَّمِّ، وَحَرَارَةِ الْمَاءِ وَبُرُودَتِهِ بِالذَّوْقِ، وَبِالْجَوْفِ عَمَّا لَوْ دَاوَى جُرْحَهُ الَّذِي عَلَى لَحْمِ السَّاقِ أَوْ الْفَخِذِ فَوَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى دَاخِلِ الْمُخِّ أَوْ اللَّحْمِ أَوْ غَرَزَ فِيهِ حَدِيدَةً فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْفٍ. فَإِنْ قِيلَ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ فَبَصَقَ حَتَّى صَارَ رِيقُهُ صَافِيًا ثُمَّ ابْتَلَعَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ فِي الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى جَوْفِهِ غَيْرُ رِيقِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّيقَ لَمَّا تَنَجَّسَ حَرُمَ ابْتِلَاعُهُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ) أَيْ الْجَوْفِ (قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ (أَوْ الدَّوَاءَ) بِالْمَدِّ وَاحِدُ الْأَدْوِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا لَا تُحِيلُهُ لَا تَتَغَذَّى بِهِ النَّفْسُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَدَنُ فَأَشْبَهَ الْوَاصِلَ إلَى غَيْرِ الْجَوْفِ (فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ بَاطِنُ الدِّمَاغِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ) أَيْ الْمَصَارِينِ جَمْعُ مِعًى بِوَزْنِ رِضًا (وَالْمَثَانَةِ) بِالْمُثَلَّثَةِ، وَهِيَ مَجْمَعُ الْبَوْلِ (مُفْطِرٌ بِالِاسْتِعَاطِ) رَاجِعٌ لِلدِّمَاغِ (أَوْ الْأَكْلِ) رَاجِعٌ لِلْبَطْنِ (أَوْ الْحُقْنَةِ) رَاجِعٌ لِلْأَمْعَاءِ وَالْمَثَانَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْبَوْلَ يُعَالَجُ بِهَا كَمَا يُعَالَجُ بِهَا الْغَائِطُ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ كَمَا تَقَرَّرَ، وَقَوْلُهُ (أَوْ الْوُصُولِ مِنْ جَائِفَةٍ) يَرْجِعُ لِلْبَطْنِ (أَوْ مَأْمُومَةٍ) يَرْجِعُ لِلرَّأْسِ (وَنَحْوِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ جَوْفٌ مُحِيلٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ. وَشَرْطُ الْوَاصِلِ كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ بِتَشَرُّبِ الْمَسَامِّ. وَلَا الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ. وَكَوْنُهُ بِقَصْدٍ: فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ، أَوْ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالِاحْتِقَانِ؛ لِأَنَّ الْحُقْنَةَ هِيَ الْأَدْوِيَةُ الَّتِي يَحْتَقِنُ بِهَا الْمَرِيضُ، وَالْفِعْلُ هُوَ الِاحْتِقَانُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ: بَاطِنُ الدِّمَاغِ أَنَّ وُصُولَ عَيْنٍ إلَى خَرِيطَةِ الدِّمَاغِ الْمُسَمَّاةِ أُمَّ الرَّأْسِ دُونَ بَاطِنِهَا الْمُسَمَّى بَاطِنَ الدِّمَاغِ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفْطِرُ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْخَرِيطَةِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمْعَاءُ لَا يُشْتَرَطُ بَاطِنُهَا بَلْ لَوْ كَانَ عَلَى بَطْنِهِ جَائِفَةٌ، فَوَضَعَ عَلَيْهَا دَوَاءً فَوَصَلَ جَوْفَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ بَاطِنَ الْأَمْعَاءِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. (وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ) وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ (وَ) بَاطِنِ (الْإِحْلِيلِ) وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَثَانَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ أَوْ الْحَلَمَةَ (مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ كُلِّ مَا يُسَمَّى جَوْفًا، وَالثَّانِي: لَا، بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ الْإِحَالَةِ، وَأُلْحِقَ بِالْجَوْفِ عَلَى الْأَوَّلِ الْحَلْقُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمُجَاوَزَةُ الْحُلْقُومِ، وَيَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ طَرَفَ أُصْبُعِهِ دُبُرَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَكَذَا حُكْمُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ فَوَصَلَ السِّكِّينُ جَوْفَهُ أَوْ 53 أَدْخَلَ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ أُذُنِهِ عُودًا أَوْ نَحْوَهُ فَوَصَلَ إلَى الْبَاطِنِ بَطَلَ صَوْمُهُ. فَرْعٌ: لَوْ ابْتَلَعَ بِاللَّيْلِ طَرَفَ خَيْطٍ فَأَصْبَحَ صَائِمًا، فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَطَرِيقُهُ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طَعَنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، بَلْ لَوْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ اهـ. هَذَا الْقِيَاسُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ إلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ. (وَشَرْطُ الْوَاصِلِ كَوْنُهُ مِنْ مَنْفَذٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ (مَفْتُوحٌ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّهْنِ) إلَى الْجَوْفِ (بِتَشَرُّبِ الْمَسَامِّ) وَهِيَ ثُقَبُ الْبَدَنِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَهِيَ جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَمَا لَوْ طَلَى رَأْسَهُ أَوْ بَطْنَهُ بِهِ كَمَا لَا يَضُرُّ اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ وَإِنْ وَجَدَ لَهُ أَثَرًا بِبَاطِنِهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مَنْفَذٍ (وَلَا) يَضُرُّ (الِاكْتِحَالُ وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ) أَيْ الْكُحْلِ (بِحَلْقِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاصِلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَسَامِّ. وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ وَهُوَ صَائِمٌ» فَلَا يُكْرَهُ الِاكْتِحَالُ لِلصَّائِمِ. (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْوَاصِلِ (بِقَصْدٍ، فَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ ذُبَابٌ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 بَعُوضَةٌ، أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ، أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ. وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ أَوْ مُتَنَجِّسًا أَفْطَرَ. وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بَعُوضَةٌ أَوْ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غَرْبَلَةُ الدَّقِيقِ لَمْ يُفْطِرْ) وَإِنْ أَمْكَنَهُ اجْتِنَابُ ذَلِكَ بِإِطْبَاقِ الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَلَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ التُّرَابُ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْ جِنْسِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَشَبَّهُوهُ بِالْخِلَافِ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَحِلَّ عَدَمِ الْإِفْطَارِ بِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ مَقْعَدَةُ الْمَبْسُورِ فَرَدَّهَا قَصْدًا أَنَّهُ يُفْطِرُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ كَمَا لَا يَبْطُلُ طُهْرُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِخُرُوجِ الدَّمِ. فَائِدَةٌ: جَمَعَ الْمُصَنِّفُ الذُّبَابَ وَأَفْرَدَ الْبَعُوضَةَ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} [الحج: 73] ، وَقَالَ تَعَالَى {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] . فَائِدَةٌ أُخْرَى: الْغَرْبَلَةُ إدَارَةُ الْحَبِّ فِي الْغِرْبَالِ لِيُنْتَقَى خَبِيثُهُ وَيَبْقَى طَيِّبُهُ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَنْ غَرْبَلَ النَّاسَ نَخَلُوهُ: أَيْ مَنْ فَتَّشَ عَنْ أُمُورِهِمْ وَأُصُولِهِمْ جَعَلُوهُ نُخَالَةً. وَفِي الْحَدِيثِ «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ تُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً» أَيْ يَذْهَبُ خِيَارُهُمْ وَيَبْقَى أَرَاذِلُهُمْ. (وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ) بِالْإِجْمَاعِ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَمَعْدِنُهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ قَرَارُهُ، وَمِنْهُ يَنْبُعُ، وَهُوَ الْحَنَكُ الْأَسْفَلُ تَحْتَ اللِّسَانِ (فَلَوْ خَرَجَ عَنْ الْفَمِ) وَلَوْ إلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ (ثُمَّ رَدَّهُ) إلَيْهِ بِلِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ (وَابْتَلَعَهُ أَوْ بَلَّ خَيْطًا بِرِيقِهِ وَرَدَّهُ إلَى فَمِهِ) كَمَا يُعْتَادُ عِنْدَ الْفَتْلِ (وَعَلَيْهِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ) وَابْتَلَعَهَا (أَوْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مَخْلُوطًا بِغَيْرِهِ) الطَّاهِرِ: كَأَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ (أَوْ) ابْتَلَعَهُ (مُتَنَجِّسًا) كَمَنْ أَكَلَ شَيْئًا نَجِسًا وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَوْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ وَإِنْ ابْيَضَّ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ صَافِيًا (أَفْطَرَ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا الْأُولَى؛ فَلِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مَعْدِنِهِ وَصَارَ كَالْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ. نَعَمْ لَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْفَمِ، فَإِنَّ اللِّسَانَ كَدَاخِلِ الْفَمِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ الْفِطْرِ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَلَوْ غَسَلَ السِّوَاكَ وَاسْتَاكَ بِهِ: أَيْ مَعَ بَقَاءِ الرُّطُوبَةِ فَكَالْخَيْطِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقَدْ ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ الْمَعْدِنَ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ؛ فَلِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الرِّيقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ مَنْ عَمَّتْ بَلْوَاهُ بِدَمِ لِثَتِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي دَائِمًا أَوْ غَالِبًا أَنَّهُ يُسَامَحُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَيَكْفِي بَصْقُهُ الدَّمَ، وَيُعْفَى عَنْ أَثَرِهِ اهـ. وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. (وَلَوْ جَمَعَ رِيقَهُ) وَلَوْ بِنَحْوِ مَصْطَكَى (فَابْتَلَعَهُ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مَعْدِنِهِ فَهُوَ كَابْتِلَاعِهِ مُتَفَرِّقًا مِنْ مَعْدِنِهِ، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ هَيِّنٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: جَمَعَهُ عَمَّا لَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ، وَمَجِّهِ. وَلَوْ أُوجِرَ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ. وَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] اجْتَمَعَ بِلَا قَصْدٍ كَالْمُجْتَمِعِ بِكَثْرَةِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ جَزْمًا. (وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ) الْمَشْرُوعِ (إلَى جَوْفِهِ) مِنْ بَاطِنٍ أَوْ دِمَاغٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ بَالَغَ) فِي ذَلِكَ (أَفْطَرَ) ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُبَالَغَةِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ (فَلَا) يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَقِيلَ: يُفْطِرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِفِعْلِهِ، وَقِيلَ: لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ. أَمَّا سَبْقُ مَاءِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ: كَأَنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ أَوْ سَبَقَ مَاءُ غُسْلِ التَّبَرُّدِ أَوْ الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ، بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَلَا يُفْطِرُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ إنْشَاءِ صَوْمِ نَفْلٍ سَبَقَ مَاءُ تَطْهِيرِ الْفَمِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَإِنْ بَالَغَ فِيهِ. (وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ) مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ أَفْطَرَ لِتَقْصِيرِهِ، وَقِيلَ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ نَقَّى أَسْنَانَهُ بِالْخِلَالِ عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِلَّا أَفْطَرَ. أَمَّا إذَا ابْتَلَعَهُ قَصْدًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ جَزْمًا. فَائِدَةٌ: مَا خَرَجَ مِنْ الْأَسْنَانِ إنْ أَخْرَجَهُ بِالْخِلَالِ كُرِهَ أَكْلُهُ أَوْ بِالْأَصَابِعِ فَلَا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَلَوْ أُوجِرَ) كَأَنْ صُبَّ مَاءٌ فِي، حَلْقِهِ (مُكْرَهًا) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا (لَمْ يُفْطِرْ) لِانْتِفَاءِ الْفِعْلِ وَالْقَصْدِ مِنْهُ. (وَإِنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ) أَوْ شَرِبَ (أَفْطَرَ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ فِعْلِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَأَفْطَرَ بِهِ كَمَا لَوْ أَكَلَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْجُوعِ (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِيَارِهِ سَاقِطٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَكَلَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ النَّاسِيَ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْأَكْلِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْإِكْرَاهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالنَّاسِي لَيْسَ مُخَاطَبًا بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ أُكْرِهَتْ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْوَطْءِ، وَقُلْنَا: يُتَصَوَّرُ إكْرَاهُهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْفِطْرِ عَلَى الْمَرْجُوحِ لَا كَفَّارَةَ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ أَفْطَرَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. (وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» (1) وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ " وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ " (إلَّا أَنْ يُكْثِرَ) فَيُفْطِرَ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَعَ الْكَثْرَةِ نَادِرٌ؛ وَلِهَذَا بَطَلَتْ بِكَثِيرِ الْكَلَامِ نَاسِيًا دُونَ قَلِيلِهِ، وَالْكَثِيرُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ: ثَلَاثُ لُقَمٍ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ، وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ (لَا يُفْطِرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ الْمَارِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ لَهَا حَالًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 وَالْجِمَاعُ كَالْأَكْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَنْ الِاسْتِمْنَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ، وَكَذَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ لَا فِكْرٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ. وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ، وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ   [مغني المحتاج] تُذَكِّرُ الْمُصَلِّيَ أَنَّهُ فِيهَا فَيَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْجَاهِلِ بِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ هَلْ يُفْطِرُ أَوْ لَا، وَحُكْمُهُ كَالنَّاسِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اعْتَقَدَ جَوَازَ الْأَكْلِ فَمَا الصَّوْمُ الَّذِي نَوَاهُ وَالْجَاهِلُ بِحَقِيقَةِ الصَّوْمِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْوِيَهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُفْطِرٍ خَاصٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ النَّادِرَةِ كَالتُّرَابِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْفَى وَيَكُونُ الصَّوْمُ الْإِمْسَاكَ عَنْ الْمُعْتَادِ، وَمَا عَدَاهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ (وَالْجِمَاعُ) نَاسِيًا (كَالْأَكْلِ) نَاسِيًا فَلَا يُفْطِرُ بِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُفْطِرَاتِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جِمَاعِ الْمُحْرِمِ نَاسِيًا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَهُ هَيْئَةٌ يَتَذَكَّرُ بِهَا الْإِحْرَامَ، فَإِذَا نَسِيَ كَانَ مُقَصِّرًا بِخِلَافِ الصَّائِمِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِ الْجِمَاعِ بِالْأَكْلِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَطُولَ زَمَنُهُ أَوْ لَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مُتَّجَهٌ، بَلْ مَجِيئُهُ فِي الْجِمَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ إنْ نَسِيَ أَحَدُهُمَا ذَكَّرَهُ الْآخَرُ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ تَقْتَضِي خِلَافَهُ. (وَ) الْإِمْسَاكُ (عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ مُحَرَّمًا كَأَنْ أَخْرَجَهُ بِيَدِهِ، أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَإِخْرَاجِهِ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ (فَيُفْطِرُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ مُفْطِرٌ، فَالْإِنْزَالُ بِنَوْعِ شَهْوَةٍ أَوْلَى (وَكَذَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ) يُفْطِرُ بِهِ إذَا كَانَ (بِلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ وَمُضَاجَعَةٍ) بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِمُبَاشَرَةٍ (لَا فِكْرٍ) وَهُوَ إعْمَالُ الْخَاطِرِ فِي الشَّيْءِ (وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ) إذَا أَمْنَى بِهِمَا أَوْ بِضَمِّ امْرَأَةٍ بِحَائِلٍ بِشَهْوَةٍ وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الثَّلَاثَةُ بِهَا، إذْ لَا مُبَاشَرَةَ، فَأَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَكْرِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَقِيلَ: إنْ اعْتَادَ الْإِنْزَالَ بِالنَّظَرِ أَفْطَرَ، وَقِيلَ: إنْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ، وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَ امْرَأَةٍ فَأَنْزَلَ فَفِي فِطْرِهِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَجْهَانِ بَنَاهُمَا عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَبَّلَهَا وَفَارَقَهَا سَاعَةً ثُمَّ أَنْزَلَ، فَالْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُسْتَصْحَبَةً وَالذَّكَرُ قَائِمًا حَتَّى أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ: وَلَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسِ عُضْوِهَا الْمُبَانِ لَمْ يُفْطِرْ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهَا عُضْوُهَا الْمُبَانُ لِحَرَارَةِ الدَّمِ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِنَاءِ فِي لَمْسِ الشَّعْرِ أَنَّهُ لَوْ لَمَسَ الْفَرْجَ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَأَنْزَلَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ اسْمُهُ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَوْ حَكَّ ذَكَرَهُ لِعَارِضِ سَوْدَاءَ أَوْ حَكَّهُ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَاضِحِ. أَمَّا الْمُشْكِلُ فَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ وَإِمْنَاؤُهُ بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ كَخُرُوجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّهُ إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ. (وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ) فِي الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ (لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً كَمَا هُوَ الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِحَيْثُ يَخَافُ مَعَهُ الْجِمَاعَ أَوْ الْإِنْزَالَ، وَالْمُعَانَقَةُ وَاللَّمْسُ وَنَحْوُهُمَا بِلَا حَائِلٍ كَالْقُبْلَةِ فِيمَا ذُكِرَ (وَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، تَرْكُهَا   [مغني المحتاج] تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ وَلَوْ شَابًّا (تَرْكُهَا) حَسْمًا لِلْبَابِ، إذْ قَدْ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُحَرِّكَةٍ وَهِيَ مُحَرِّكَةٌ؛ وَلِأَنَّ الصَّائِمَ يُسَنُّ لَهُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ مُطْلَقًا (قُلْتُ: هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِإِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِمٌ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ، وَقَالَ: الشَّيْخُ يَمْلِكُ إرَبَهُ، وَالشَّابُّ يُفْسِدُ صَوْمَهُ» فَفَهِمَ الْأَصْحَابُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ مَعَ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَعَدَلَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلَيْهِمَا: تُحَرِّكُ إلَى حَرَّكَتْ لِمَا لَا يَخْفَى يَعْنِي أَنَّا إذَا قُلْنَا: تُكْرَهُ الْقُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ يَكُونُ ذَلِكَ شَامِلًا لِمَنْ حَرَّكَتْ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ وَلِمَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ، وَالثَّانِي لَيْسَ مُرَادًا، وَإِذَا قُلْنَا لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ لَمْ تَشْمَلْ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحْرِيكَ الْقُبْلَةِ الشَّهْوَةَ أَخَصُّ مِنْ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ الْمُطْلَقِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ أَيْ بِسَبَبِ الْقُبْلَةِ فَهُوَ بِمَعْنَى التَّحْرِيكِ. فَائِدَةٌ: سَأَلَ رَجُلٌ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ] سَلْ الْعَالِمَ الْمَكِّيَّ هَلْ فِي تَزَاوُرٍ ... وَضَمَّةِ مُشْتَاقِ الْفُؤَادِ جُنَاحُ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: [الطَّوِيلُ] فَقُلْتُ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُذْهِبَ التُّقَى ... تَلَاصُقُ أَكْبَادٍ بِهِنَّ جِرَاحُ قَالَ الرَّبِيعُ: فَسَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ كَيْفَ أَفْتَى بِهَذَا، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ أَعْرَسَ فِي هَذَا الشَّهْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ، فَسَأَلَ هَلْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ أَنْ يُقَبِّلَ أَوْ يَضُمَّ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ فَأَفْتَيْتُهُ بِهَذِهِ الْفُتْيَا اهـ. وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ. (وَلَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ) أَمَّا الْفَصْدُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ. وَأَمَّا الْحِجَامَةُ؛ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (1) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ» . وَهُوَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ بِسَنَتَيْنِ، وَزِيَادَةٍ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِب وَهُوَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ: أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ» . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. نَعَمْ الْأَوْلَى تَرْكُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِهِ. فَائِدَةٌ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ فِيهَا شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا بِيَقِينٍ وَيَحِلُّ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ. قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا وَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ بِلَا ظَنٍّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ إنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِهِ وَبَطَلَ فِي آخِرِهِ. وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ صَحَّ صَوْمُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الْحَالِ   [مغني المحتاج] (وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْكُلَ آخِرَ النَّهَارِ إلَّا بِيَقِينٍ) كَأَنْ يُعَايِنَ الْغُرُوبَ لِيَأْمَنَ الْغَلَطَ (وَيَحِلُّ) الْأَكْلُ آخِرَهُ (بِالِاجْتِهَادِ) بِوِرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَوَقْتِ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِي: لَا، لِإِمْكَانِ الصَّيْرِ إلَى الْيَقِينِ. أَمَّا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ بِظَنٍّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، وَقِيَاسُ اعْتِمَادِ الِاجْتِهَادِ جَوَازُ اعْتِمَادِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِالْغُرُوبِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ، وَإِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ بِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ فَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْقِبْلَةِ وَالْوَقْتِ وَالْأَذَانِ (وَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ) بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ شَكَّ) فِيهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ (وَلَوْ أَكَلَ بِاجْتِهَادٍ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ النَّهَارِ (أَوْ آخِرًا) أَيْ آخِرَ النَّهَارِ (وَبَانَ الْغَلَطُ بَطَلَ صَوْمُهُ) لِتَحَقُّقِهِ خِلَافَ مَا ظَنَّهُ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ (أَوْ بِلَا ظَنٍّ) كَأَنْ هَجَمَ وَهُوَ جَائِزٌ فِي آخِرِ اللَّيْلِ حَرَامٌ فِي آخِرِ النَّهَارِ (وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ إنْ وَقَعَ) الْأَكْلُ (فِي أَوَّلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ (وَبَطَلَ) إنْ وَقَعَ الْأَكْلُ (فِي آخِرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا مُبَالَاةَ بِالتَّسَمُّحِ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى عَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَكَلَ، أَوْ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَكَلَ. (وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ) الصَّادِقُ (وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ) أَيْ رَمَاهُ (صَحَّ صَوْمُهُ) وَإِنْ سَبَقَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهُ فِي فَمِهِ نَهَارًا لَمْ يُفْطِرْ فَبِالْأَوْلَى إذَا جَعَلَهُ فِيهِ لَيْلًا، وَمِثْلُ اللَّفْظِ مَا لَوْ أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَبْلَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ ابْتَلَعَ مِنْهُ شَيْئًا بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ (وَكَذَا) يَصِحُّ صَوْمُهُ (لَوْ كَانَ) عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (مُجَامِعًا فَنَزَعَ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ تَرْكُ الْجِمَاعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ فَنَزَعَهُ، وَسَوَاءٌ أَنْزَلَ حَالَ النَّزْعِ أَمْ لَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ. تَنْبِيهٌ إتْيَانُ الْمُصَنِّفُ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْلَمَ بِالْفَجْرِ أَوَّلَ طُلُوعِهِ فَيَنْزِعُ عَلَى الْفَوْرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مَا لَوْ أَحَسَّ وَهُوَ مُجَامِعٌ بِتَبَاشِيرِ الصُّبْحِ فَنَزَعَ بِحَيْثُ وَافَقَ آخِرُ النَّزْعِ ابْتِدَاءَ الطُّلُوعِ، وَيَخْرُجُ بِهِ مَا لَوْ مَضَى زَمَنٌ بَعْدَ الطُّلُوعِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِالنَّزْعِ التَّرْكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَعْلَمُ بِأَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَهُ الْحَقِيقِيَّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى عِلْمِنَا بِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّا إنَّمَا تَعَبَّدْنَا بِمَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَلَا مَعْنَى لِلصُّبْحِ إلَّا طُلُوعَ الضَّوْءِ لِلنَّاظِرِ، وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الشَّخْصُ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ وَمَنَازِلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 فَإِنْ مَكَثَ بَطَلَ. فَصْلٌ شَرْطُ الصَّوْمِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ جَمِيعَ النَّهَارِ. وَلَا يَضُرُّ النَّوْمُ الْمُسْتَغْرِقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يَضُرُّ إذَا أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ نَهَارِهِ.   [مغني المحتاج] الْفَجْرِ وَرَصَدَ بِحَيْثُ لَا حَائِلَ فَهُوَ أَوَّلُ الصُّبْحِ الْمُعْتَبَرُ (فَإِنْ مَكَثَ بَطَلَ) صَوْمُهُ - أَيْ لَمْ يَنْعَقِدْ لِوُجُودِ الْمُنَافِي - وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ اللَّيْلِ إلَّا مَا يَسَعُ الْإِيلَاجَ لَا النَّزْعَ، فَعَنْ ابْنِ خَيْرَانَ مَنْعُ الْإِيلَاجِ - أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَنْ غَيْرِهِ جَوَازُهُ. [فَصْلٌ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الصِّيَامُ مُنَبِّهًا عَلَى شُرُوطِهِ، فَقَالَ: (فَصْلٌ) (شَرْطُ الصَّوْمِ) أَيْ شَرْطُ صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الْفَاعِلُ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْكَافِرِ بِحَالٍ، أَصْلِيًّا كَانَ أَمْ غَيْرَهُ (وَالْعَقْلُ) أَيْ التَّمْيِيزُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمَجْنُونِ وَالطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِفُقْدَانِ النِّيَّةِ، وَيَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ. (وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ) فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ (جَمِيعَ النَّهَارِ) فَلَوْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ رِدَّةٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ بُطْلَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ وَإِنْ قَلَّ، وَلَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: عَدَمُ الْبُطْلَانِ أَقْوَى، فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْغُسْلِ كَوْنُهُ مَنِيًّا مُنْعَقِدًا، وَخُرُوجُهُ بِلَا مُبَاشَرَةٍ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ اهـ. وَمَالَ إلَى هَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَدْ جَمَعْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فِي بَابِ الْحَيْضِ فَرَاجِعْهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ. (وَلَا يَضُرُّ النَّوْمُ الْمُسْتَغْرِقُ) لِجَمِيعِ النَّهَارِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ، وَالثَّانِي يَضُرُّ كَالْإِغْمَاءِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْإِغْمَاءَ يَخْرُجُ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ وِلَايَتِهِ عَلَى مَالِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ النَّائِمِ فِيهِمَا، فَإِنْ أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ جَزْمًا (وَالْأَظْهَرُ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَذْهَبُ (أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يَضُرُّ إذَا أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ نَهَارِهِ) أَيَّ لَحْظَةٍ كَانَتْ، اتِّبَاعًا لِزَمَنِ الْإِغْمَاءِ زَمَنَ الْإِفَاقَةِ، فَإِنْ لَمْ يُفِقْ ضَرَّ. وَالثَّانِي وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ: يَضُرُّ مُطْلَقًا كَالْحَيْضِ. وَالثَّالِثُ: عَكْسُهُ كَالنَّوْمِ. وَالرَّابِعُ: إنْ أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْفَارِقِيُّ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الْأَوَّلُ إفَاقَتَهُ لَحْظَةً؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْعَقْلِ فَوْقَ النَّوْمِ وَدُونَ الْجُنُونِ، فَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُسْتَغْرِقَ مِنْهُ لَا يَضُرُّ كَالنَّوْمِ لَأَلْحَقْنَا الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ اللَّحْظَةَ مِنْهُ تَضُرُّ كَالْجُنُونِ لَأَلْحَقْنَا الْأَضْعَفَ بِالْأَقْوَى، فَتَوَسَّطْنَا وَقُلْنَا إنَّ الْإِفَاقَةَ فِي لَحْظَةٍ كَافِيَةٌ وَلَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا لَيْلًا، فَإِنْ أَفَاقَ فِي بَعْضِ نَهَارِهِ فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَذَا نَقَلَاه وَأَقَرَّاهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ الصِّحَّةُ فِي شُرْبِ الدَّوَاءِ أَيْ إذَا أَفَاقَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْعِيدِ وَكَذَا التَّشْرِيقُ فِي الْجَدِيدِ. وَلَا يَحِلُّ التَّطَوُّعُ يَوْمَ الشَّكِّ بِلَا سَبَبٍ، فَلَوْ صَامَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ صَوْمُهُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَوْ وَافَقَ عَادَةً تَطَوُّعُهُ   [مغني المحتاج] بَعْضِ النَّهَارِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ بَطَلَ صَوْمُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ قَابِلِيَّةُ الْوَقْتِ فَيَصِحُّ الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا لَا مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ. (وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْعِيدِ) أَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَوْ عَنْ وَاجِبٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِلْإِجْمَاعِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ (وَكَذَا التَّشْرِيقُ) أَيْ أَيَّامُهُ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ الْأَضْحَى لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا (فِي الْجَدِيدِ) وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ صَوْمُهَا لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ عَنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْأَضَاحِيّ وَالْهَدَايَا - أَيْ يَنْشُرُونَهَا - وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ فِيهَا بِذِكْرِهِ. (وَلَا يَحِلُّ) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ (التَّطَوُّعُ) بِالصَّوْمِ (يَوْمَ الشَّكِّ) لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (1) رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمَعْنَى فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، وَضَعَّفَهُ السُّبْكِيُّ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ صَوْمِ شَعْبَانَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ إذَا أَلِفَتْ شَيْئًا هَانَ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا كَانَ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْ اسْتِمْرَارِ الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ، هَذَا إذَا صَامَهُ (بِلَا سَبَبٍ) يَقْتَضِي صَوْمَهُ (فَلَوْ صَامَهُ) تَطَوُّعًا بِلَا سَبَبٍ (لَمْ يَصِحَّ) صَوْمُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَيَوْمِ الْعِيدِ بِجَامِعِ التَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَالَ (وَلَهُ صَوْمُهُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ) وَالْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّ لَهُ سَبَبًا فَجَازَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَإِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ قَضَاءَ الْمُسْتَحَبِّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ إنَّ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فِيهَا جَائِزٌ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً، وَصُورَةُ قَضَاءِ الْمُسْتَحَبِّ هُنَا أَنْ يَشْرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ ثُمَّ يُفْسِدَهُ فَإِنَّهُ يُسَنُّ قَضَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَكَذَا لَوْ وَافَقَ عَادَةً تَطَوُّعُهُ) . قَالَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ، وَلَيْسَ إطْبَاقُ الْغَيْمِ بِشَكٍّ.   [مغني المحتاج] الْمَجْمُوعِ: سَوَاءٌ أَكَانَ يَسْرِدُ الصَّوْمَ أَمْ يَصُومُ يَوْمًا مُعَيَّنًا كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، أَوْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَوَافَقَ صَوْمُهُ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَهُ صِيَامُهُ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» (1) وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا الْخَبَرُ بِخَبَرِ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» (2) لِتَقَدُّمِ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَخَّرَ صَوْمَهُ لِيُوقِعَهُ يَوْمَ الشَّكِّ، فَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا تَحْرِيمُهُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ احْتِيَاطًا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُهُ إنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ حِينَئِذٍ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً، وَهِيَ هُنَا خَبَرُ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» (وَهُوَ) أَيْ يَوْمُ الشَّكِّ (يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ) أَيْ بِأَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ اللَّيْلَةَ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ رَآهُ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ (أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ) أَوْ نِسَاءٌ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، أَوْ عَدْلٌ وَلَمْ يُكْتَفَ بِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ، أَوْ قَالَ عَدَدٌ مِنْ النِّسْوَةِ أَوْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْفُسَّاقِ قَدْ رَأَيْنَاهُ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِشَمُولِهَا الِاثْنَيْنِ مِمَّنْ ذَكَرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْهُ، نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ الْمُعْتَقِدِ لِذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ. قَالَ الشَّارِحُ: فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ هُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ، هَذَا مَوْضِعٌ. وَأَمَّا مَنْ ظَنَّهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ صَحَّتْ النِّيَّةُ مِنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ: إنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُتَنَاقِضٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرَ سَوَاءٌ أَطْبَقَ الْغَيْمُ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَهْجَةِ بِعَدَمِ إطْبَاقِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ " (وَلَيْسَ إطْبَاقُ الْغَيْمِ) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ (بِشَكٍّ) بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ لِخَبَرِ " فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ عَلَى تَمْرٍ، وَإِلَّا فَمَاءٍ.   [مغني المحتاج] فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَإِنْ وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا حِفْظًا لِأَصْلِ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ. الثَّانِي: الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَتَنَاوَلَ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعُ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ، وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ أَيْ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْفِطْرِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ أَيْضًا: لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» (1) زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ " وَأَخَّرُوا السُّحُورَ " وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ. نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَفِيهِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِمَاءٍ وَيَمُجَّهُ، وَأَنْ يَشْرَبَهُ وَيَتَقَايَأَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. قَالَ: وَكَأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ الْخُلُوفَ اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كَرَاهَةَ السِّوَاكِ لَا تَزُولُ بِالْغُرُوبِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ. وَخَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ بِهِ وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ. وَيُسَنُّ كَوْنُهُ (عَلَى) رُطَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَى (تَمْرٍ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ (فَمَاءٍ) لِخَبَرِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَضِيَّتُهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَتَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ فِي حَرْمَلَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِ جَمَاعَةٍ بِتَمْرَةٍ بِحَمْلِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى أَصْلِ السُّنَّةِ، وَهَذَا عَلَى كَمَالِهَا، وَنَقَلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى حُلْوٍ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَاءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ مِنْ النَّهْرِ؛ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَانِ شَاذَّانِ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: مَنْ بِمَكَّةَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ، وَلِلْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ حِفْظُ الْبَصَرِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يُضْعِفُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ. وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ   [مغني المحتاج] وَالتَّمْرَ يَرُدُّهُ، أَوْ أَنَّ التَّمْرَ إذَا نَزَلَ إلَى مَعِدَةٍ فَإِنْ وَجَدَهَا خَالِيَةً حَصَلَ الْغِذَاءُ، وَإِلَّا أَخْرَجَ مَا هُنَاكَ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي مَاءِ زَمْزَمَ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى السُّنَّةِ الْوَارِدَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَالِاسْتِدْرَاكُ عَلَى النُّصُوصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مَمْنُوعٌ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِيمَا شَرَعَهُ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَ الْأَطِبَّاءُ بِأَنَّ أَكْلَ التَّمْرِ يُضْعِفُ الْبَصَرَ فَكَيْفَ يُعَلَّلُ بِأَنَّهُ يَرُدُّهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَثِيرَهُ يُضْعِفُهُ وَقَلِيلَهُ يُقَوِّيهِ، وَالشَّيْءُ قَدْ يَنْفَعُ قَلِيلُهُ وَيَضُرُّ كَثِيرُهُ. وَيُسَنُّ السُّحُورُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» (2) وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ، وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» (وَ) يُسَنُّ (تَأْخِيرُ السُّحُورِ مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ) فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ كَأَنْ تَرَدَّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ، بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» . تَنْبِيهٌ السَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمَأْكُولُ فِي السَّحَرِ، وَبِضَمِّهَا الْأَكْلُ حِينَئِذٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِالْفَتْحِ. وَقِيلَ: إنَّ الصَّوَابَ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ وَالْبَرَكَةَ فِي الْفِعْلِ، عَلَى أَنَّ الْآخَرَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَهَلْ الْحِكْمَةُ فِي السُّحُورِ التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ أَوْ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ وَجْهَانِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا لَهُمَا، وَلَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِسَنِّهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ اسْتِحْبَابَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ وَبِالْمَاءِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِيمَانِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا. وَقِيلَ بِدُخُولِ السُّدُسِ الْأَخِيرِ. (وَلْيَصُنْ) أَيْ الصَّائِمُ نَدْبًا (لِسَانَهُ عَنْ) الْفُحْشِ مِنْ (الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ) وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتْمِ وَنَحْوِهَا، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» . وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ الصِّيَامُ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْبِطُ الثَّوَابَ. فَإِنْ قِيلَ: صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلصَّائِمِ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ، فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ ارْتِكَابِ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وَنَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ عَنْ الْجَنَابَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ. وَأَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ الْحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ   [مغني المحتاج] وَحَدِيثُ «خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ» إلَى آخِرِهِ ضَعِيفٌ وَإِنْ صَحَّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَالْمُرَادُ بُطْلَانُ الثَّوَابِ لَا الصَّوْمِ. قَالَ: وَمِنْ هُنَا حَسُنَ عَدُّ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ آدَابِ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا مُطْلَقًا، فَإِنْ شَتَمَهُ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ. لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ» يَقُولُ بِقَلْبِهِ لِنَفْسِهِ لِتَصْبِرْ وَلَا تُشَاتِمْ فَتَذْهَبَ بَرَكَةُ صَوْمِهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ، أَوْ بِلِسَانِهِ بِنِيَّةِ وَعْظِ الشَّاتِمِ وَدَفْعِهِ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَمْعٍ وَصَحَّحَهُ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ جَمَعَهُمَا فَحَسَنٌ. وَقَالَ: إنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إمْسَاكِ صَاحِبِهِ عَنْهُ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَقُولُهُ مَرْدُودٌ بِالْخَبَرِ السَّابِقِ. فَائِدَةٌ: سُئِلَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ كَمْ وَجَدْتَ فِي ابْنِ آدَمَ مِنْ عَيْبٍ؟ قَالَ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَاَلَّذِي أَحْصَيْتُهُ مِنْهَا ثَمَانِيَةُ آلَافِ عَيْبٍ. قَالَ: وَيَسْتُرُ جَمِيعَ ذَلِكَ حِفْظُ اللِّسَانِ. (وَ) لْيَصُنْ (نَفْسَهُ) نَدْبًا (عَنْ الشَّهَوَاتِ) الَّتِي لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ مِنْ الْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصِرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا وَلَمْسِهَا وَسَمَاعِ الْغِنَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ، وَهِيَ لِتَنْكَسِرَ النَّفْسُ عَنْ الْهُوَى وَتَقْوَى عَلَى التَّقْوَى، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ عَنْ الْجَنَابَةِ) وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّوْمِ، وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَيْثُ قَالَ: لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ، وَخَشْيَةً مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ أُذُنٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ نَحْوِهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ إنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْغُسْلُ الْكَامِلُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الِاغْتِسَالِ عَقِبَ الِاحْتِلَامِ نَهَارًا، فَلَوْ وَصَلَ شَيْءٌ مِنْ الْمَاءِ إلَى مَا ذُكِرَ مِنْ غُسْلِهِ، فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ. وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ: يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ دُخُولُ الْحَمَّامِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَضُرَّهُ فَيُفْطِرَ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: هَذَا لِمَنْ يَتَأَذَّى بِهِ دُونَ مَنْ اعْتَادَهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ لَيْلًا وَنَوَتْ الصَّوْمَ وَصَامَتْ أَوْ صَامَ الْجُنُبُ بِلَا غُسْلٍ صَحَّ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» (1) وَقِيسَ بِالْجُنُبِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ. وَأَمَّا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ» فَحَمَلُوهُ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى النَّسْخِ، وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ الْحِجَامَةِ) وَالْفَصْدِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُهُ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ جَزَمَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِكَرَاهَتِهِ. وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ: يُكْرَهُ أَنْ يَحْجُمَ غَيْرَهُ أَيْضًا (وَ) عَنْ (الْقُبْلَةِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 وَذَوْقِ الطَّعَامِ وَالْعَلْكِ. وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ. وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنْ يَعْتَكِفَ لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَإِطَاقَتُهُ،   [مغني المحتاج] مُكَرَّرَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَرَاهَتُهَا بَلْ تَحْرِيمُهَا (وَ) عَنْ (ذَوْقِ الطَّعَامِ) خَوْفًا مِنْ وُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ أَوْ تَعَاطِيهِ لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ (وَ) عَنْ (الْعَلْكِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَصْدَرٌ مَعْنَاهُ الْمَضْغُ، وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ، فَإِنْ ابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ، وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ) أَيْ عَقِبَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ) وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسَلًا. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ: يَقُولُ حِينَئِذٍ «اللَّهُمَّ ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» . وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفَطِّرَ الصَّائِمِينَ بِأَنْ يُعَشِّيَهُمْ لِخَبَرِ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ أَجْرُ صَائِمٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عَشَائِهِمْ فَطَّرَهُمْ عَلَى شَرْبَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا يُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ؟ فَقَالَ: يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ» . (وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ) فِي رَمَضَانَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّ الْحَسَنَاتِ مُضَاعَفَةٌ فِيهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْطِيرِ الصَّائِمِ، فَإِنَّهُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى فِطْرِهِ (وَ) أَنْ يُكْثِرَ (تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ) وَمُدَارَسَتَهُ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (فِي رَمَضَانَ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَلْقَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ» (وَأَنْ يَعْتَكِفَ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى صِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَإِتْيَانِهَا بِالْمَأْمُورَاتِ (لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ) لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إذْ هِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ عِنْدَنَا. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ وَتِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَالِاعْتِكَافَ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي رَمَضَانَ فَصَارَ كَالصَّدَقَةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَلَفْظَةُ سِيَّمَا كَلِمَةٌ مُنَبِّهَةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِمَّا قَبْلَهَا، وَالْأَشْهَرُ فِيهَا تَشْدِيدُ الْيَاءِ؛ وَيَجُوزُ فِي الِاسْمِ بَعْدَهَا الْجَرُّ وَالرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، وَالْجَرُّ أَرْجَحُ. [فَصْلٌ شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ] (فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَمَا يُبِيحُ تَرْكَ صَوْمِهِ (شَرْطُ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ) الْإِسْلَامُ وَلَوْ فِيمَا مَضَى وَ (الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ (وَإِطَاقَتُهُ) أَيْ الصَّوْمِ، وَالصِّحَّةُ، وَالْإِقَامَةُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ لِسَبْعٍ إذَا أَطَاقَ. وَيُبَاحُ تَرْكُهُ لِلْمَرِيضِ إذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا. وَلِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا. وَلَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَمَرِضَ أَفْطَرَ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَا، وَلَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا الْفِطْرَ جَازَ،   [مغني المحتاج] وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُطِيقُهُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا عَلَى مَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ بِقَيْدٍ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَوُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْحَائِضِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ مَنْ عَبَّرَ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمْ وُجُوبُ انْعِقَادِ سَبَبٍ كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَنْ أَلْحَقَ بِهِمْ الْمُرْتَدَّ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَهَا فَإِنَّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وُجُوبُ تَكْلِيفٍ (وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ) الْمُمَيِّزُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى رَأْيِ ابْنِ حَزْمٍ (لِسَبْعٍ إذَا أَطَاقَ) وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ كَالصَّلَاةِ، وَإِنْ فَرَّقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا ضُرِبَ عَلَى الصَّلَاةِ لِلْحَدِيثِ، وَالصَّوْمُ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَمُكَابَدَةٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ، وَالْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبَانِ عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. (وَيُبَاحُ تَرْكُهُ) بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ (لِلْمَرِيضِ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (إذَا وَجَدَ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا) وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَهَذَا مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَصْعُبُ عَلَيْهِ أَوْ يَنَالُ بِهِ ضَرَرًا شَدِيدًا فَاقْتَضَى الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصَّوَابُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَسَوَاءٌ أَتَعَدَّى بِسَبَبِ الْمَرَضِ أَمْ لَا. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مُطْبِقًا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ أَوْ مُتَقَطِّعًا كَأَنْ كَانَ يُحَمُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ نَظَرَ إنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ، وَإِنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْإِفْطَارِ أَفْطَرَ، وَيَجِبُ الْفِطْرُ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَلِمَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ حُكْمُ الْمَرِيضِ. (وَ) يُبَاحُ تَرْكُهُ (لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَأَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ إنْ تَضَرَّرَ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ لَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ الْمُؤَدَّى. أَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ فِطْرُهُ فِي السَّفَرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَسَافَرَ فِيهِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَأَقَرَّاهُ. (وَلَوْ أَصْبَحَ) الْمُقِيمُ (صَائِمًا فَمَرِضَ أَفْطَرَ) لِوُجُودِ الْمُبِيحِ لِلْإِفْطَارِ (وَإِنْ سَافَرَ فَلَا) يُفْطِرُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ فَغَلَبَ جَانِبُ الْحَضَرِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلَوْ نَوَى وَسَافَرَ لَيْلًا، فَإِنْ جَاوَزَ قَبْلَ الْفَجْرِ مَا اُعْتُبِرَ مُجَاوَزَتُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَفْطَرَ، وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ صَائِمَيْنِ ثُمَّ أَرَادَا الْفِطْرَ جَازَ) لَهُمَا لِدَوَامِ عُذْرِهِمَا، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ بِالْقَصْرِ تَارِكٌ الْإِتْمَامَ الَّذِي الْتَزَمَهُ لَا إلَى بَدَلٍ وَالصَّوْمُ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْفِطْرُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 فَلَوْ أَقَامَ وَشُفِيَ حَرُمَ الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ قَضَيَا كَذَا الْحَائِضُ. وَالْمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ، وَتَارِكُ النِّيَّةِ. وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالْإِغْمَاءِ وَالرِّدَّةِ دُونَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَإِذَا بَلَغَ بِالنَّهَارِ صَائِمًا وَجَبَ إتْمَامُهُ بِلَا قَضَاءٍ، وَلَوْ بَلَغَ فِيهِ مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ أَوْ أَسْلَمَ فَلَا قَضَاءَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي   [مغني المحتاج] التَّرَخُّصِ نِيَّتُهُ كَالْمُحْصَرِ يُرِيدُ التَّحَلُّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْفِطْرِ لَهُمَا وَلَوْ نَذَرَا إتْمَامَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الشَّرْعِ أَقْوَى مِنْهُ (فَلَوْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (وَشُفِيَ) الْمَرِيضُ (حَرُمَ) عَلَيْهَا (الْفِطْرُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِانْتِفَاءِ الْمُبِيحِ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِأَوَّلِ الْيَوْمِ، وَلِهَذَا لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ (وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ قَضَيَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 185] أَيْ فَأَفْطَرَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (وَكَذَا) تَقْضِي (الْحَائِضٌ) مَا فَاتَهَا بِهِ إجْمَاعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَالنُّفَسَاءُ فِي ذَلِكَ كَالْحَائِضِ. (وَ) يَقْضِي (الْمُفْطِرُ بِلَا عُذْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَ) يَقْضِي (تَارِكُ النِّيَّةِ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ إذْ صِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهَا. (وَيَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِالْإِغْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ، فَانْدَرَجَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] الْآيَةَ، وَخَالَفَ الصَّلَاةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا لِلْمَشَقَّةِ فِيهَا بِتَكَرُّرِهَا، وَخَالَفَ الْجُنُونَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْهُ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ. (وَالرِّدَّةِ) أَيْ يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِهَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْوُجُوبَ بِالْإِسْلَامِ وَقَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُصَلِّيَ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى السَّكْرَانِ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِهِ (دُونَ الْكُفْرِ الْأَصْلِيِّ) بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِي وُجُوبِهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَ) دُونَ (الصِّبَا وَالْجُنُونِ) فَلَا يَجِبُ قَضَاءُ مَا فَاتَ بِهِمَا لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَمَّنْ تَلَبَّسَ بِهِمَا وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ فَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْأُولَى قَضَاءُ الْجَمِيعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَيَّامُ السُّكْرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدَّةِ مُسْتَمِرٌّ بِخِلَافِ السُّكْرِ (وَلَوْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ كَمَا مَرَّ (بِالنَّهَارِ صَائِمًا) بِأَنْ نَوَى لَيْلًا (وَجَبَ) عَلَيْهِ (إتْمَامُهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ (بِلَا قَضَاءٍ) فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ إتْمَامُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي. (وَلَوْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ، (فِيهِ) أَيْ النَّهَارِ (مُفْطِرًا أَوْ أَفَاقَ) الْمَجْنُونُ فِيهِ (أَوْ أَسْلَمَ) الْكَافِرُ فِيهِ (فَلَا قَضَاءَ) عَلَيْهِمْ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْأَدَاءَ، وَالتَّكْمِيلُ عَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ رَكْعَةً ثُمَّ جُنَّ، وَالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْفَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ إلَّا بِيَوْمٍ فَيُكْمِلُ كَمَا يَصُومُ فِي الْجَزَاءِ عَنْ بَعْضِ مُدٍّ يَوْمًا (وَلَا يَلْزَمُهُمْ) أَيْ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ (إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 الْأَصَحِّ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ، لَا مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ، وَلَوْ زَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا فَكَذَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ.   [مغني المحتاج] الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا لِعُذْرٍ فَأَشْبَهُوا الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ. لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا وَقْتَ الْإِمْسَاكِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا وَقْتَ الصَّوْمِ (وَيَلْزَمُ) الْإِمْسَاكُ (مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ) الشَّرْعِيِّ كَأَنْ ارْتَدَّ، أَوْ الْحِسِّيِّ كَأَنْ أَكَلَ عُقُوبَةً لَهُ وَمُعَارَضَةً لِتَقْصِيرِهِ (أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ) مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ نِسْيَانَهُ يُشْعِرُ بِتَرْكِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الْعِبَادَةِ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ التَّقْصِيرِ (لَا مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا زَالَ عُذْرُهُمَا بَعْدَ الْفِطْرِ) كَأَنْ أَكَلَا: أَيْ لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ بَعْدَ التَّرَخُّصِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ قَصَرَ الْمُسَافِرُ ثُمَّ أَقَامَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ. لَكِنْ يُسَنُّ لَهُمَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، فَإِنْ اسْتَمَرَّا عَلَى الْفِطْرِ اُسْتُحِبَّ لَهُمَا إخْفَاؤُهُ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَا لِلتُّهْمَةِ وَالْعُقُوبَةِ (وَلَوْ زَالَ) عُذْرُهُمَا (قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا) مَثَلًا (وَلَمْ يَنْوِيَا لَيْلًا فَكَذَا) لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِمْسَاكُ (فِي الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ تَارِكَ النِّيَّةِ مُفْطِرٌ حَقِيقَةً، فَكَانَ كَمَا لَوْ أَكَلَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ حُرْمَةً لِلْيَوْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَنْوِيَا عَمَّا لَوْ نَوَيَا فَأَصْبَحَا صَائِمَيْنِ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ يَجِبُ. تَنْبِيهٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَا قَبْلَهُ - أَيْ الْفِطْرِ - فَهُوَ أَشْمَلُ وَيَسْتَغْنِي عَمَّا قَدَّرْتُهُ وَأَخْصَرُ، وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إذَا طَهُرَتَا فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَلْزَمُهُمَا الْإِمْسَاكُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ) الْإِمْسَاكُ (مَنْ أَكَلَ) مَثَلًا (يَوْمَ الشَّكِّ) إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ (ثُمَّ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ جَهِلَهُ، فَإِذَا بَانَ لَهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ لِعُذْرِهِ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ بَعْدَ الْأَكْلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ، أَمَّا لَوْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْأَكْلِ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَزْمِ بِاللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِيَوْمِ الشَّكِّ هُنَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَالْمَأْمُورُ بِالْإِمْسَاكِ يُثَابُ عَلَيْهِ لِقِيَامِهِ بِوَاجِبٍ، وَلَيْسَ فِي صَوْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، فَلَوْ ارْتَكَبَ فِيهِ مَحْظُورًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِثْمِ (وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ) فَلَا إمْسَاكَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا لِانْتِفَاءِ شَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا، وَهَذَا مَا نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْجَمِيعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 فَصْلٌ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا تَدَارُكَ لَهُ وَلَا إثْمَ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ بَلْ يُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّ طَعَامٍ، وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ. قُلْت: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَالْوَلِيُّ كُلُّ قَرِيبٍ عَلَى الْمُخْتَارِ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ] (فَصْلٌ) فِي فِدْيَةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (مَنْ فَاتَهُ) مِنْ الْأَحْرَارِ (شَيْءٌ مِنْ) صَوْمِ (رَمَضَانَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ) بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ الْمُبَاحُ إلَى مَوْتِهِ (فَلَا تَدَارُكَ لَهُ) أَيْ الْفَائِتِ بِالْفِدْيَةِ وَلَا بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَلَا إثْمَ) بِهِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ كَالْحَجِّ، هَذَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ إلَى الْمَوْتِ أَمْ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ أَوْ حَدَثَ بِهِ عُذْرٌ آخَرُ قَبْلَ فَجْرِ ثَانِي شَوَّالٍ، بَلْ لَوْ طَرَأَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ مَرَضٌ قَبْلَ غُرُوبِهِ فَلَا تَمَكُّنَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. أَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ وَهُوَ الْمُتَعَدِّي بِالْفِطْرِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَيَتَدَارَكُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ فِي نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا وَقَاسَ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِتَمْثِيلِهِ بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ) مِنْ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ (لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْهُ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ. فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْقِسْمِ بَيْنَ أَنْ يَفُوتَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ مَاتَ عَنْ الْحَيِّ الَّذِي تَعَذَّرَ صَوْمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّهُ إجْمَاعٌ (بَلْ يُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ) فَاتَهُ صَوْمُهُ (مُدَّ طَعَامٍ) وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ كَمَا مَرَّ، وَبِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ نِصْفُ قَدَحٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ، وَذَلِكَ لِخَبَرِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَ وَقْفَهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. وَفِي الْقَدِيمِ: يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ - أَيْ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ عَنْهُ - بَلْ يُنْدَبُ لَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ الْإِطْعَامُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّدَارُكِ لَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ (وَكَذَا النَّذْرُ وَالْكَفَّارَةُ) بِأَنْوَاعِهِمَا فَيَجْرِي فِيهِمَا الْقَوْلَانِ فِي رَمَضَانَ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمَارَّةِ، وَإِنْ قَيَّدَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ الْكَفَّارَةَ بِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ (قُلْت: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنْ السُّنَّةِ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ (وَ) عَلَى الْقَدِيمِ (الْوَلِيُّ) الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ (كُلُّ قَرِيبٍ) لِلْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِبًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَلِيَّ مَالٍ (عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ احْتِمَالَاتٍ لِلْإِمَامِ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وَلَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ، لَا مُسْتَقِلًّا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يَفْعَلْ عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ، وَفِي الِاعْتِكَافِ قَوْلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمُدِّ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِلْكِبَرِ.   [مغني المحتاج] «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِامْرَأَةٍ قَالَتْ لَهُ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ صَوْمِي عَنْ أُمِّكِ» . قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةِ، وَقَدْ قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنْ يَصُومَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ جَازَ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فَفِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ لِلْفَارِقِيِّ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. (وَ) عَلَيْهِ (لَوْ صَامَ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ) أَيْ الْقَرِيبِ أَوْ بِإِذْنِ الْمَيِّتِ بِأَنْ أَوْصَى بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِأُجْرَةٍ أَمْ لَا (صَحَّ) قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَإِنْ قَامَ بِالْقَرِيبِ مَا يَمْنَعُ الْإِذْنَ كَصِبًا وَجُنُونٍ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ وَالصَّوْمِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبٌ فَهَلْ يَأْذَنُ الْحَاكِمُ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَتَتَعَيَّنُ الْفِدْيَةُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ. قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ (لَا مُسْتَقِلًّا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَمَا يُوَفِّي دِينَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْحَجِّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وَصِيَّةٍ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ مُشْكِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجَّ يَدْخُلُهُ الْمَالُ فَأَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ. وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الصَّوْمِ عَلَى الْحَجِّ. (وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يُفْعَلْ) ذَلِكَ (عَنْهُ وَلَا فِدْيَةَ) لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهَا بَلْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ (وَفِي الِاعْتِكَافِ قَوْلٌ) فِي الْبُوَيْطِيِّ إنَّهُ يُعْتَكَفُ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَفٌّ وَمَنْعٌ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِلَيْلَتِهِ مُدًّا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ مَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ فِي الصَّلَاةِ فَيُطْعَمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ عَنْ الْمَيِّتِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ تَبَعًا لِلْحَجِّ، وَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ: إنْ قُلْنَا لَا يُفْرَدُ الصَّوْمُ عَنْ الِاعْتِكَافِ: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقُلْنَا بِصَوْمِ الْوَلِيِّ، فَهَذَا يَعْتَكِفُ عَنْهُ صَائِمًا وَإِنْ كَانَتْ النِّيَابَةُ لَا تُجْزِئُ فِي الِاعْتِكَافِ. (وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمُدِّ) لِكُلِّ يَوْمٍ بِلَا قَضَاءٍ (عَلَى مَنْ أَفْطَرَ) فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ نَذَرَ نَذْرَهُ حَالَ قُدْرَتِهِ أَوْ قَضَاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ (لِلْكِبَرِ) لِكَوْنِهِ شَيْخًا هَرِمًا تَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] فَإِنَّ كَلِمَةَ (لَا) مُقَدَّرَةٌ - أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجِزُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَانَا يَقْرَآنِ: " وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ " بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً، وَمَعْنَاهُ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ فَلَا يُطِيقُونَهُ، وَقِيلَ: لَا تَقْدِيرَ فِي الْآيَةِ، بَلْ كَانُوا مُخَيَّرِينَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ فَنُسِخَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ لِعُذْرٍ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ إذَا مَاتَا قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الشَّيْخَ لَا يُتَوَقَّعُ زَوَالُ عُذْرِهِ بِخِلَافِهِمَا، وَفِي مَعْنَى الْكَبِيرِ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بِعُذْرٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ أَوْ عَلَى الْوَلَدِ لَزِمَتْهُمَا الْفِدْيَةُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَقْتٍ آخَرَ لِبُرُودَتِهِ أَوْ قِصَرِ أَيَّامِهِ فَهُوَ كَاَلَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَفَائِدَتُهُ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّةِ الْفَقِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ كَالْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهَا تَبِعَ فِيهِ الْقَاضِيَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ إذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، إذْ سَبَبُهُ فِطْرُهُ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَهَلْ الْفِدْيَةُ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً؟ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَيَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِيمَا لَوْ قَدَرَ بَعْدُ عَلَى الصَّوْمِ وَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ لَهُ، فَإِذَا نَذَرَ مَنْ عَجَزَ لِهَرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ صَوْمًا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً بَلْ بِالْفِدْيَةِ، وَلَوْ قَدَرَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ قَضَاءً لِذَلِكَ، وَبِهِ فَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَعْضُوبِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَنْ ذُكِرَ، فَلَوْ تَكَلَّفَ وَصَامَ فَقِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ، لَكِنْ الْأَصَحُّ لَا فِدْيَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ. (وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ) فَيَجُوزُ لَهُمَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى الْوَلَدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلَدُ وَلَدَ الْمُرْضِعَةِ أَمْ لَا فَتَعْبِيرُهُ بِالْوَلَدِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ التَّنْبِيهِ بِوَلَدَيْهِمَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً أَمْ لَا، وَيَجِبُ الْإِفْطَارُ إنْ خَافَتْ هَلَاكَ الْوَلَدِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِتَمَامِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَخَفْ هَلَاكَ الْوَلَدِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ (فَإِنْ أَفْطَرَتَا خَوْفًا) مِنْ حُصُولِ ضَرَرٍ بِالصَّوْمِ كَالضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَرِيضِ (عَلَى نَفْسِهِمَا) وَالْأَوْلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَوْ مَعَ الْوَلَدِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ) كَالْمَرِيضِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مَعَ وَلَدَيْهِمَا فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، فَكَانَ يَنْبَغِي الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي عَدَمِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مَعَ غَيْرِهِمَا أَوْ لَا، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] [الْبَقَرَة] إلَى آخِرِهَا (أَوْ) خَافَتَا (عَلَى الْوَلَدِ) وَحْدَهُ بِأَنْ تَخَافَ الْحَامِلُ مِنْ إسْقَاطِهِ أَوْ الْمُرْضِعُ بِأَنْ يَقِلَّ اللَّبَنُ فَيَهْلَكَ الْوَلَدُ (لَزِمَتْهُمَا) مِنْ مَالِهِمَا مَعَ الْقَضَاءِ (الْفِدْيَةُ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] الْبَقَرَة أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ، وَالنَّاسِخُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] [الْبَقَرَة] وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَالثَّانِي لَا تَلْزَمُهُمَا كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِأَنَّ فِطْرَهُمَا لِعُذْرٍ، وَالثَّالِثُ: تَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ فِطْرَهَا لِمَعْنًى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ لَا الْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ،   [مغني المحتاج] فِيهَا كَالْمَرِيضِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُسْتَثْنَى الْمُتَحَيِّرَةُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ أَوْ لَا. ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتْ سِتَّة عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهَا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَنْ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْمُسْتَأْجَرَةِ عَدَمُ لُزُومِ التَّمَتُّعِ لِلْأَجِيرِ بِأَنَّ الدَّمَ ثَمَّ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ، وَهُنَا الْفِطْرُ مِنْ تَتِمَّةِ إيصَالِ الْمَنَافِعِ اللَّازِمَةِ لِلْمُرْضِعِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَحِلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُتَطَوِّعَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الْإِرْضَاعُ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ) فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ فِي الْأَظْهَرِ مَعَ الْقَضَاءِ (مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ) آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ (مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ) بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ بِجَامِعِ الْإِفْطَارِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِفِطْرِهِ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَهُوَ حُصُولُ الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ وَالْخَلَاصُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَفْطَرَ لِتَخْلِيصِ مَالٍ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقَ بِهِ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَجِبُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَفْهُومِ تَقْيِيدِ الْقَفَّالِ بِالْمَالِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْبَهِيمَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْحَيَوَانَ الْمُحْتَرَمَ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ، بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ لَوْلَا مَا قَدَّرْته، وَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ لِلْحَيَوَانِ الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ، وَالثَّانِي: لَا يُلْحَقُ بِهَا لِأَنَّ إيجَابَ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِهِ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (لَا لِلْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ) فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ فِي الْأَصَحِّ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْفِدْيَةِ تَوْقِيفٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالثَّانِي: يُلْحَقُ بِهِمَا فِي اللُّزُومِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَعَدِّيهِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِطْرَ الْمُرْضِعِ وَنَحْوِهَا ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، فَجَازَ أَنْ يَجِبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ لَمَّا حَصَلَ مَقْصُودُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. تَعَلَّقَ بِهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ، وَإِنَّمَا هِيَ حِكْمَةٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَبِمَا ذُكِرَ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ بَعْضًا مِنْ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لَهُ لِلسَّهْوِ فَقَدْ قَالُوا هُنَاكَ: إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَبْرِ مِنْ السَّهْوِ. (وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُ (مَعَ إمْكَانِهِ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرَ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ) لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا بِذَلِكَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَأْثَمُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُدُّ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ. وَأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إمْكَانِهِ فَمَاتَ أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ. وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ.   [مغني المحتاج] كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا، أَوْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِهَذَا الْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَ التَّأْخِيرِ بِعُذْرٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ أَمْ لَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْمُجَرَّدِ، لَكِنْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ أَنَّ مَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ بِعُذْرِ السَّفَرِ، وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الْفِدْيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْكِتَابِ مَا إذَا نَسِيَ الْقَضَاءَ أَوْ جَهِلَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْإِثْمُ لَا الْفِدْيَةُ. فَائِدَةٌ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ هُنَا لِلتَّأْخِيرِ، وَفِدْيَةُ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ لِأَصْلِ الصَّوْمِ، وَفِدْيَةُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ (وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ) أَيْ الْمُدِّ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ (بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ، وَالثَّانِي لَا يَتَكَرَّرُ كَالْحُدُودِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَ الْفِدْيَةَ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ لَمْ يَقْضِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَجَبَتْ ثَانِيًا بِلَا خِلَافٍ، وَهَكَذَا حُكْمُ الْعَامِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَصَاعِدًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ بَعْدَ إقَامَتِهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ عِنْدَ الْفِعْلِ ثَانِيًا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهَا أَخَفُّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْعَدَدِ مِنْهَا حَدٌّ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ) أَيْ قَضَاءَ رَمَضَانَ (مَعَ إمْكَانِهِ) وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ السَّابِقِ حَتَّى بِلَا رَمَضَانَ آخَرَ (فَمَاتَ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ: مُدٌّ لِلْفَوَاتِ) لِلصَّوْمِ (وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ) لِلْقَضَاءِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُوجِبٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالثَّانِي يَكْفِي مُدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ، وَالْفَوَاتُ يَقْتَضِي مُدًّا وَاحِدًا كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ بَدَلَ الصَّوْمِ أَعْوَامًا، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ صَوْمُ الْوَلِيِّ وَصَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَوَجَبَتْ فِدْيَةُ التَّأْخِيرِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَخَّرَهُ سَنَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَخَّرَ سِنِينَ وَمَاتَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. تَنْبِيهٌ: تَجِبُ فِدْيَةُ التَّأْخِيرِ بِتَحَقُّقِ الْفَوَاتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَصْلِ الصَّوْمِ إذَا لَمْ يَصُمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنُهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ، وَتَعْجِيلُ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ جَائِزٌ فِي الْأَصَحِّ كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ، وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرِمِ، وَلَا الزَّمِنِ، وَلَا مَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ إذَا أَخَّرُوهَا عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِلْحَامِلِ وَلَا لِلْمُرْضِعِ تَعْجِيلُ فِدْيَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. (وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ) فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْآتِيَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] [الْبَقَرَة] وَالْفَقِيرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَجِنْسُهَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ. فَصْلٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ   [مغني المحتاج] أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ صَرْفُهَا إلَى الْمِسْكِينِ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. (وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ) مِنْ الْفِدْيَةِ (إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ، بِخِلَافِ الْمُدِّ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ صَرْفِ فِدْيَتَيْنِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدُ مِنْ زَكَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ (وَجِنْسُهَا) أَيْ الْفِدْيَةِ (جِنْسُ الْفِطْرَةِ) وَنَوْعُهَا وَصِفَتُهَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَعَامٌ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُدِّ الَّذِي نُوجِبُهُ هُنَا وَفِي الْكَفَّارَاتِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَكَذَا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَمَلْبُوسٍ وَخَادِمٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ. . [فَصْلٌ فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ] (فَصْلٌ) فِي مُوجِبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ (تَجِبُ الْكَفَّارَةُ) مَعَ التَّعْزِيرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (بِإِفْسَادِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ) بِالْفِطْرِ لِصَوْمِ نَفْسِهِ (بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ) وَلَا شُبْهَةَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - أَيْ جَبَلَيْهَا - أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ» بِالْأَمْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَأُتِيَ بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا» . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا. وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَجُ مِنْ خَوْصِ النَّخْلِ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُ بَعْضِ هَذَا الضَّابِطِ فِي كَلَامِهِ. وَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ أُمُورًا طَرْدًا وَعَكْسًا، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا جَامَعَ الْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُ امْرَأَتَهُ فَفَسَدَ صَوْمُهَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِإِفْسَادِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهَذَا خَرَجَ بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ. فَلَوْ زَادَهُ كَانَ أَوْلَى، وَمِنْهُ مَا لَوْ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ بِلَا أَمَارَةٍ فَجَامَعَ ثُمَّ بَانَ نَهَارًا فَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْهَتْكَ. قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ وَلَا مُفْسِدٍ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَلَا مُسَافِرٍ جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ اللَّيْلَ   [مغني المحتاج] وَغَيْرُهُ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا الْإِمَامَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَلَا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِالظَّنِّ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ الْمُقْتَضِي الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَبِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ شَكِّهِ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ وَخُرُوجِهِ، وَعُلِّلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَغَوِيَّ لَمْ يُصَرِّحْ فِي التَّهْذِيبِ بِمَسْأَلَةِ الظَّنِّ لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأُولَى مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا، وَمِنْهُ مَا لَوْ شَكَّ فِي النَّهَارِ هَلْ نَوَى لَيْلًا أَمْ لَا ثُمَّ جَامَعَ فِي حَالِ الشَّكِّ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَإِنْ قَالَ الْغَزِّيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَمِنْهُ مَا إذَا نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ نَهَارًا بِجِمَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ: أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ أَثِمَ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَوْ أَبْدَلَ مِنْ رَمَضَانَ بِ (عَنْ) لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ أَنْ يَزِيدَ أَدَاءً لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ. وَمِنْ الثَّانِي مَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فَالْجِمَاعُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمًا وَمَعَ ذَلِكَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ جِمَاعَهُ وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْ الصَّوْمَ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا يُفْسِدُهُ فَكَأَنَّهُ انْعَقَدَ ثُمَّ فَسَدَ، عَلَى أَنَّ السُّبْكِيَّ اخْتَارَ أَنَّهُ انْعَقَدَ ثُمَّ فَسَدَ، وَعَلَى هَذَا لَا إيرَادَ، وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ فَلَا يَلْزَمُ بِجِمَاعِهِ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ بَقِيَّةِ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ بِقَوْلِهِ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ) أَوْ مُكْرَهٍ أَوْ جَاهِلِ التَّحْرِيمِ، فَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِإِفْسَادٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَأُمِرَ بِالْإِمْسَاكِ فَجَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَطْعًا (وَلَا) عَلَى (مُفْسِدٍ غَيْرَ رَمَضَانَ) مِنْ نَفْلٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَمَخْصُوصٌ بِفَضَائِلَ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ (أَوْ) مُفْسِدِ رَمَضَانَ (بِغَيْرِ الْجِمَاعِ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْإِنْزَالِ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِجِمَاعٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ (وَلَا) عَلَى صَائِمٍ (مُسَافِرٍ) أَوْ مَرِيضٍ (جَامَعَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ) وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَثِمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ لِوُجُودِ الْقَصْدِ مَعَ الْإِبَاحَةِ (وَكَذَا بِغَيْرِهَا) وَإِنْ قُلْنَا: يَأْثَمُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ لَهُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا تُبَاحُ بِدُونِ قَصْدِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ إنْ كَانَ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ جَمَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفِطْرَ يَحْصُلُ بِلَا نِيَّةٍ بِدَلِيلِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَا كَذَلِكَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ تَرِدُ عَلَى الضَّابِطِ لِأَنَّهُ جِمَاعٌ أَثِمَ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ وَنَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَلَا عَلَى مَنْ ظَنَّ) وَقْتَ الْجِمَاعِ (اللَّيْلَ) أَيْ بَقَاءَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ ظَنَّ بِاجْتِهَادِهِ دُخُولَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 فَبَانَ نَهَارًا، وَلَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَوْمِهِ، وَلَا مَنْ زَنَى نَاسِيًا وَلَا مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا. وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ، وَفِي قَوْلٍ عَنْهُ وَعَنْهَا وَفِي قَوْلٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى.   [مغني المحتاج] (فَبَانَ) جِمَاعُهُ (نَهَارًا) لِانْتِفَاءِ الْإِثْمِ (وَلَا) عَلَى (مَنْ جَامَعَ) عَامِدًا (بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِهِ) أَيْ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ، وَقَوْلُهُ: نَاسِيًا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَكْلِ (وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَوْمِهِ) بِهَذَا الْجِمَاعِ كَمَا لَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ كَمَا لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ نَاسِيًا وَتَكَلَّمَ عَامِدًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِنَصِّ الشَّارِعِ فِي الصَّلَاةِ بِعَدَمِ الْبُطْلَانِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَاغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ لِتَكَرُّرِهَا وَكَثْرَةِ حُصُولِ ذَلِكَ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ بِالْأَكْلِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ جَزْمًا (وَلَا) عَلَى (مَنْ زَنَى نَاسِيًا) لِلصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى نَاسٍ (وَلَا) عَلَى (مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا) بِالْفِطْرِ لِأَنَّ الْفِطْرَ جَائِزٌ لَهُ، وَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا لَا بِالصَّوْمِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ الْجِمَاعَ بِالتَّامِّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِهِ بِدُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الذَّكَرِ فَرْجَهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ، وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ تِلْكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظُ أَوْ تَتَذَكَّرُ وَتَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمُ فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمُوَاقِعُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ، وَلِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهَا الْكَفَّارَةُ فَتَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ، وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ، وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلِلِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ هُنَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ شَرَعَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ (وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ) فَقَطْ دُونَهَا لِمَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيلِ (وَفِي قَوْلٍ) الْكَفَّارَةُ (عَنْهُ وَعَنْهَا) أَيْ يَلْزَمُهُمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي السَّبَبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ يَجِبُ كَمَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا ثُمَّ يَتَحَمَّلُ الزَّوْجُ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: يَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ تَامَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَلَكِنْ يَحْمِلُهَا الزَّوْجُ عَنْهَا وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَمَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى الزَّوْجِ. أَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِالشُّبْهَةِ أَوْ الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يُتَحَمَّلُ عَنْهَا قَطْعًا (وَفِي قَوْلٍ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ أُخْرَى) قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ لِتُسَاوِيهِمَا فِي السَّبَبِ وَالْإِثْمِ كَحَدِّ الزِّنَا وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ. أَمَّا هِيَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَحِلُّ هَذَا الْقَوْلِ إذَا وُطِئَتْ الْمَرْأَةُ فِي قُبُلِهَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 وَتَلْزَمُ مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ. وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، وَحُدُوثُ السَّفَرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَكَذَا الْمَرَضُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَجِبُ مَعَهَا قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا،   [مغني المحتاج] فَإِنْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَائِمَةً وَمَكَّنَتْهُ طَائِعَةً عَالِمَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاطِرَةً بِحَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهَا لِكَوْنِهَا نَائِمَةً مَثَلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا قَطْعًا. (وَتَلْزَمُ) الْكَفَّارَةُ (مَنْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) مِنْ رَمَضَانَ (وَجَامَعَ فِي يَوْمِهِ) لِهَتْكِ حُرْمَةِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُ بِالْجِمَاعِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ الضَّابِطُ الْمُتَقَدِّمُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ، كَمَا أَنَّهُ إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ يَجِبُ فِطْرُهُ، وَإِذَا أَفْطَرَ هَلْ يُعَزَّرُ أَوْ لَا؟ يُنْظَرُ إنْ شَهِدَ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ يُعَزَّرْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَإِنْ أَفْطَرَ ثُمَّ شَهِدَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ وَعُزِّرَ لِإِفْطَارِهِ فِي رَمَضَانَ فِي الظَّاهِرِ، وَحَقُّهُ إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُخْفِيَهُ لِئَلَّا يُتَّهَمَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْفَسَادِ فَقَالَ (وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَفَّارَتَاهُمَا، سَوَاءٌ أَكَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي أَمْ لَا، كَحَجَّتَيْنِ جَامَعَ فِيهِمَا، فَلَوْ جَامَعَ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِهَا، فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَا تَعَدُّدَ، وَإِنْ كَانَ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا وَيَتَحَمَّلُهَا الزَّوْجُ فَعَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ (وَحُدُوثُ السَّفَرِ) وَلَوْ طَوِيلًا (بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ) جَزْمًا لِأَنَّ السَّفَرَ الْمُنْشَأَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ إنَّهُ كَحُدُوثِ الْمَرَضِ (وَكَذَا الْمَرَضُ) أَيْ حُدُوثُهُ لَا يُسْقِطُهَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ. وَالثَّانِي يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَقَعْ وَاجِبًا، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ هَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِمَا فَعَلَ، هَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ كَالسَّفَرِ، وَحُدُوثُ الرِّدَّةِ لَا يُسْقِطُهَا قَطْعًا، وَحُدُوثُ الْجُنُونِ أَوْ الْمَوْتِ يُسْقِطُهَا قَطْعًا، وَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا فَطَرَأَ عَلَيْهَا حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ أَسْقَطَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي صِحَّةَ الصَّوْمِ فَهُوَ كَالْجُنُونِ. (وَيَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (مَعَهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (قَضَاءُ يَوْمِ الْإِفْسَادِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمَعْذُورِ. فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْخَلَلَ الْحَاصِلَ قَدْ انْجَبَرَ بِالْكَفَّارَةِ. وَالثَّالِثُ: إنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ دَخَلَ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا فَلَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ جَزْمًا إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَتَجِبُ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ مُرَتَّبَةٌ فَيَجِبُ أَوَّلًا (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) صَوْمَهُمَا (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَهَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ صِفَتُهَا مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ عِتْقُهَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ. وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ.   [مغني المحتاج] الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ (فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ (اسْتَقَرَّتْ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (فِي ذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ: كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ اسْتَقَرَّتْ لَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ (فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ) مِنْهَا (فَعَلَهَا) كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا حَالَ الْوُجُوبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ أَحَدُ الْخِصَالِ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ هُوَ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ، وَكَلَامُ الْجُمْهُورِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْكَفَّارَةُ وَأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ فِي الذِّمَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ إنْ قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ فَعَلَهَا أَوْ أَكْثَرَ رَتَّبَ، وَالثَّانِي: لَا تَسْتَقِرُّ، بَلْ تَسْقُطُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْعُدُولَ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ) وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ، وَلَامٍ سَاكِنَةٍ شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَشِدَّةَ الْغُلْمَةِ قَدْ يُفْضِيَانِ بِهِ إلَى الْوِقَاعِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَهُمَا لِبُطْلَانِ التَّتَابُعِ، وَهُوَ حَرَجٌ شَدِيدٌ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ كَصَوْمِ رَمَضَانَ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ) كَالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» فَفِي الْأُمِّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً، أَوْ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا لَهُمْ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الْكِفَايَةِ، أَوْ أَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ وَسَوَّغَ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُكَفِّرِ التَّطَوُّعَ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، وَأَنَّ لَهُ صَرْفَهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ عَنْهُ أَيْ وَلَهُ فَيَأْكُلُ هُوَ وَهُمْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ. وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ صَرَفَ لَهُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفُ: وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ قَدْ يَكُونُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ الصَّارِفَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْأَجْنَبِيُّ الْمُكَفِّرُ خَاتِمَةٌ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُتَتَابِعًا، وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصَوْمٍ قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ: فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَعْبَانَ أَبَدًا وَأُسِرَ مَثَلًا فَتَحَرَّى وَصَامَ رَجَبًا عَلَى أَنَّهُ شَعْبَانَ، وَصَامَ شَعْبَانَ عَلَى أَنَّهُ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَالُ بَعْدَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ قَضَاءُ شَهْرَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ شَعْبَانَ وَالْآخَرُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ يُسَنُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ، وَالْخَمِيسِ. وَعَرَفَة.   [مغني المحتاج] [بَاب فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ] بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَالتَّطَوُّعُ: التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ هُنَا بِهِ، وَفِي الصَّلَاةِ بِالنَّفْلِ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 158] الْآيَةَ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّوْمَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» وَفِي الْحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: مِنْ أَحْسَنِهَا قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: إنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقُ خُصَمَاءُ الْمَرْءِ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رَجُلٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَانْتَهَكَ عِرْضَ هَذَا، وَيَأْتِي وَلَهُ صَلَاةٌ وَزَكَاةٌ وَصَوْمٌ، قَالَ: فَيَأْخُذُ هَذَا بِكَذَا إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا بِصَوْمِهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ لَا يَتَكَرَّرُ كَصَوْمِ الدَّهْرِ، وَقِسْمٌ يَتَكَرَّرُ فِي أُسْبُوعٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ شَهْرٍ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ: (يُسَنُّ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَ) صَوْمُ (الْخَمِيسِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ: إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالْمُرَادُ عَرْضُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا رَفْعُ الْمَلَائِكَةِ لَهَا، فَإِنَّهُ فِي اللَّيْلِ مَرَّةٌ وَفِي النَّهَارِ مَرَّةٌ، وَلَا يُنَافِي هَذَا رَفْعَهَا فِي شَعْبَانَ كَمَا فِي خَبَرِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ عَنْ إكْثَارِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ: إنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» لِجَوَازِ رَفْعِ أَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ مُفَصَّلَةً وَأَعْمَالِ الْعَامِ جُمْلَةً، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ «لَا يَفُتْك صِيَامُ الِاثْنَيْنِ، فَإِنِّي وُلِدْتُ فِيهِ وَبُعِثْتُ فِيهِ وَأَمُوتُ فِيهِ أَيْضًا» وَأَغْرَبَ الْحَلِيمِيُّ فَعَدَّ مِنْ الْمَكْرُوهِ اعْتِيَادَ صَوْمِ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَشْبِيهًا بِرَمَضَانَ، وَسُمِّيَ مَا ذُكِرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ، وَالْخَمِيسَ لِأَنَّهُ خَامِسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَاقِلًا لَهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ الْأَحَدُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ أَوَّلَهُ السَّبْتُ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا ابْنَ جَرِيرٍ، وَجَمْعُ الِاثْنَيْنِ أَثَانِينُ، وَالْخَمِيسِ أَخْمِسَاءُ وَأَخْمِسَةٌ وَأخَامِيسُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي مِنْهُ، فَقَالَ (وَ) صَوْمُ يَوْمِ (عَرَفَةَ) وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ لِخَبَرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ. وَأَيَّامِ الْبِيضِ.   [مغني المحتاج] مُسْلِمٍ «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذُكِرَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ دُونَ الْكَبَائِرِ. قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: وَهَذَا مِنْهُ تَحَكُّمٌ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ، وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ لَا يُحْجَرُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» هَذَا قَوْلٌ عَامٌّ يُرْجَى أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلِلتَّكْفِيرِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: الْغُفْرَانُ، وَالثَّانِي: الْعِصْمَةُ حَتَّى لَا يُعْصَى، وَيُسَنُّ أَيْضًا صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِغَيْرِ الْحَاجِّ، فَيُسَنُّ صَوْمُهَا لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ. أَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ، بَلْ يُسَنُّ لَهُ فِطْرُهُ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ، فَصَوْمُهُ لَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، بَلْ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِيهَا كَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُهُ لِحَاجٍّ لَمْ يَصِلْ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا لِفَقْدِ الْعِلَّةِ. هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ. أَمَّا هُمَا فَيُسَنُّ لَهُمَا فِطْرُهُ مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ. (وَ) صَوْمُ (عَاشُورَاءَ) وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» وَحَمَلُوا الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ. فَائِدَةٌ: الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِسَنَتَيْنِ، وَعَاشُورَاءَ بِسَنَةٍ أَنَّ عَرَفَةَ يَوْمٌ مُحَمَّدِيٌّ - يَعْنِي أَنَّ صَوْمَهُ مُخْتَصٌّ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَاشُورَاءَ يَوْمٌ مُوسَوِيٌّ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -، فَكَانَ يَوْمُهُ بِسَنَتَيْنِ (وَ) صَوْمُ (تَاسُوعَاءَ) وَهُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ الْيَوْمَ التَّاسِعَ» فَمَاتَ قَبْلَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحِكْمَةُ صَوْمِ يَوْمِ تَاسُوعَاءَ مَعَ عَاشُورَاءَ الِاحْتِيَاطُ لَهُ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَلِمُخَالَفَةِ الْيَهُودِ فَإِنَّهُمْ يَصُومُونَ الْعَاشِرَ، وَالِاحْتِرَازُ مِنْ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ كَمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ مَعَهُ تَاسُوعَاءَ سُنَّ أَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْحَادِيَ عَشَرَ، بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَتَتَابُعُهَا أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ.   [مغني المحتاج] الثَّلَاثَةِ. وَعَاشُورَاءُ وَتَاسُوعَاءُ مَمْدُودَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّالِثِ مِنْهُ فَقَالَ (وَ) صَوْمُ (أَيَّامِ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ) وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ لِلْأَمْرِ بِصَوْمِهَا فِي النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا فَصَوْمُهَا كَصَوْمِ الشَّهْرِ، وَمِنْ ثُمَّ سُنَّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَوْ غَيْرَ أَيَّامِ الْبِيضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسَنُّ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ، وَأَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسُّنَّتَيْنِ، وَالْأَحْوَطُ صَوْمُهُ الثَّانِيَ عَشَرَ مَعَهَا أَيْضًا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ إنَّهُ أَوَّلُ الثَّلَاثَةِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَيَّامُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَبْيَضُّ بِطُلُوعِ الْقَمَرِ مِنْ أَوَّلِهَا لِآخِرِهَا، وَيُسْتَثْنَى ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَصُومُ بَدَلًا عَنْهُ السَّادِسَ عَشَرَ، وَيُسَنُّ صَوْمُ أَيَّامِ اللَّيَالِي السُّودِ، وَهُوَ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَتَالِيَاهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَصُومَ مَعَهَا السَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ احْتِيَاطًا، وَخُصَّتْ أَيَّامُ الْبِيضِ وَأَيَّامُ السُّودِ بِذَلِكَ لِتَعْمِيمِ لَيَالِي الْأُولَى بِالنُّورِ وَالثَّانِيَةِ بِالسَّوَادِ فَنَاسَبَ صَوْمَ الْأُولَى شُكْرًا، وَالثَّانِيَةِ لِطَلَبِ كَشْفِ السَّوَادِ، وَلِأَنَّ الشَّهْرَ ضَيْفٌ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الرَّحِيلِ فَنَاسَبَ تَزْوِيدَهُ بِذَلِكَ. (وَ) صَوْمُ (سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) وَهَذَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، فَيُسَنُّ صَوْمُهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعُهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (1) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ خَبَرَ «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ السَّنَةِ» أَيْ كَصِيَامِهَا فَرْضًا، وَإِلَّا فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهَا لِكُلِّ أَحَدٍ، سَوَاءٌ أَصَامَ رَمَضَانَ أَمْ لَا، كَمَنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ أَوْ صِبًا أَوْ كُفْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ كَثِيرِينَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ أَنْ يُتْبِعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ كَلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِصَوْمِهَا مُتَفَرِّقَةً (وَ) لَكِنْ (تَتَابُعُهَا أَفْضَلُ) عَقِبَ الْعِيدِ مُبَادَرَةً إلَى الْعِبَادَةِ وَلِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ الْآفَاتِ، وَلَوْ صَامَ فِي شَوَّالٍ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، هَلْ تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّةُ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَالظَّاهِرُ الْحُصُولُ. لَكِنْ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ خُصُوصًا مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ وَصَامَ عَنْهُ شَوَّالًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسْتَحَبُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَصُومَ سِتًّا مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الرَّاتِبِ اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا: إنَّ صَوْمَهَا لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِحُصُولِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ: سِتَّةٌ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ مَعَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ لُغَةً، وَالْأَفْصَحُ حَذْفُهَا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَيُسَنُّ صَوْمُ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ لِمَا مَرَّ فِي صَوْمِ أَيَّامِ السَّوَادِ، فَإِنْ صَامَهَا أَتَى بِالسَّنَتَيْنِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ يَوْمُ الشَّكِّ فَإِنَّهُ آخِرُ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ. (وَيُكْرَهُ إفْرَادُ) يَوْمِ (الْجُمُعَةِ) بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 وَإِفْرَادُ السَّبْتِ، وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ، وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلِيَتَقَوَّى بِفِطْرِهِ عَلَى الْوَظَائِفِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ، وَلِذَلِكَ خَصَّهُ الْبَيْهَقِيُّ وَجَمَاعَةٌ نَقْلًا عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِمَنْ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُبَالَغَ فِي تَعْظِيمِهِ كَالْيَهُودِ فِي السَّبْتِ، وَقِيلَ: لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَطَعَامٍ. (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (إفْرَادُ السَّبْتِ) أَوْ الْأَحَدِ بِالصَّوْمِ لِخَبَرِ «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَرَجَ بِإِفْرَادِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ جَمْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُكْرَهُ جَمْعُ الْجُمُعَةِ مَعَ السَّبْتِ، وَلَا السَّبْتِ مَعَ الْأَحَدِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يُعَظِّمُهُ أَحَدٌ، وَحُمِلَ عَلَى هَذَا مَا رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ وَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُعْرَفُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظِيرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ضُمَّ مَكْرُوهٌ إلَى مَكْرُوهٍ آخَرَ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ. فَإِنْ قِيلَ: التَّعْلِيلُ بِالتَّقَوِّي بِالْفِطْرِ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إفْرَادِهَا وَجَمْعِهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا جَمَعَهَا حَصَلَ لَهُ بِفَضِيلَةِ صَوْمٍ غَيْرِهِ مَا يَجْبُرُ مَا حَصَلَ فِيهَا مِنْ النَّقْصِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ كَرَاهَةِ إفْرَادِ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ كَأَنْ اعْتَادَ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ فَوَافَقَ صَوْمُهُ يَوْمًا مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَقِيسَ بِالْجُمُعَةِ الْبَاقِي، وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِ أَهْلِ الْمِلَلِ بِالصَّوْمِ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفُ كَرَاهَةَ إفْرَادِهِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْمُعْتَادِ وَالْفَرْضِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرَ) يَوْمَيْ (الْعِيدِ، وَ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ) وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَبَيْنَ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَجَاءَ سَلْمَانُ يَزُورُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذَلَةً فَقَالَ: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَتْ: إنَّ أَخَاك لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا، فَقَالَ سَلْمَانُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَأْتِ أَهْلَك، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَذَكَرَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَهُ سَلْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ مِثْلَ مَا قَالَ سَلْمَانُ " فَإِنْ صَامَ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا حَرُمَ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ» (وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَمَعْنَى ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا، أَوْ لَا يَكُونُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا وَلَا قَضَاءَ. وَمَنْ تَلَبَّسَ بِقَضَاءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ إنْ كَانَ عَلَى   [مغني المحتاج] لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَمُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ عَبَّرَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لَا الِاسْتِحْبَابِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَعَ اسْتِحْبَابِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» ، وَفِيهِ أَيْضًا " لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْعَكْسِ وَقَالَ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَحُمِلَ قَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ " لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " أَيْ لَك، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ. لَكِنْ مَحِلُّهُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ مَا لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ النَّذْرِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الدَّهْرُ الْأَبَدُ الْمَحْدُودُ، وَالْجَمْعُ أَدْهُرٌ وَدُهُورٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا أَصَابَك مِنْ الدَّهْرِ فَاَللَّهُ فَاعِلُهُ لَيْسَ الدَّهْرُ، فَإِذَا سَبَبْت بِهِ الدَّهْرَ، فَكَأَنَّك أَرَدْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ. (وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا) أَمَّا الصَّوْمُ، فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ» (1) قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّوَافِلِ غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَاعْتِكَافٍ وَطَوَافٍ، وَوُضُوءٍ، وَقِرَاءَةِ سُورَةِ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا، وَالتَّسْبِيحَاتِ عَقِبَ الصَّلَاةِ، وَلِئَلَّا يُغَيِّرَ الشُّرُوعُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ. أَمَّا التَّطَوُّعُ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ لِمُخَالَفَتِهِ غَيْرَهُ فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ وَالْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ إتْمَامَهُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ كَمُسَاعَدَةِ ضَيْفٍ فِي الْأَكْلِ إذَا عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مَضِيفِهِ مِنْهُ أَوْ عَكْسُهُ، فَلَا يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ لِخَبَرِ «وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْك حَقًّا» وَخَبَرِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعِزَّ عَلَى أَحَدِهِمَا امْتِنَاعُ الْآخَرِ مِنْ ذَلِكَ، فَالْأَفْضَلُ عَدَمُ خُرُوجِهِ مِنْهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى مَا مَضَى إنْ خَرَجَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ إنْ خَرَجَ بِعُذْرٍ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يُثَابُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ تَتِمَّ، وَمَا حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ (وَلَا قَضَاءَ) وَاجِبٌ لِقَطْعِ التَّطَوُّعِ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ سَوَاءٌ أَخْرَجَ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ قَضَاءَهُ. أَمَّا مَنْ فَاتَهُ وَلَهُ عَادَةٌ بِصِيَامِهِ كَالِاثْنَيْنِ، فَلَا يُسَنُّ لَهُ قَضَاؤُهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تَلَبَّسَ بِتَطَوُّعٍ غَيْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ. (وَمَنْ تَلَبَّسَ بِقَضَاءٍ) لِصَوْمٍ فَاتَ عَنْ وَاجِبٍ (حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ) جَزْمًا (إنْ كَانَ) قَضَاؤُهُ (عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الْفَوْرِ، وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْأَصَحِّ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ.   [مغني المحتاج] الْفَوْرِ، وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ تَدَارُكًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ) يَحْرُمُ قَطْعُهُ (فِي الْأَصَحِّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ) لِأَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ يَشْرَعُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ ضَبْطَ الْفَوْرِ بِالتَّعَدِّي يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَسَعُ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ، سَوَاءٌ أَفَاتَ بِعُذْرٍ أَمْ لَا، وَقَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ مَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى الْفَوْرِ بِقَوْلِهِ: إنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ التَّشْبِيهُ بِالصَّائِمِينَ، فَقَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِمَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ قَضَاءَهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ عَلَى مَنْ أَكَلَ عَلَى ظَنِّ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَاَلَّذِي يَمِيلُ الْقَلْبُ إلَيْهِ إلْحَاقُ يَوْمِ الشَّكِّ بِذَلِكَ، وَيَأْتِي انْقِسَامُ الْقَضَاءِ إلَى مَا يَكُونُ بِالتَّعَدِّي وَإِلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. خَاتِمَةٌ: أَفْضَلُ الشُّهُورِ لِلصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ثُمَّ رَجَبٌ» خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ فَضَّلَهُ عَلَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ بَاقِيهَا ثُمَّ شَعْبَانُ لِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: اللَّفْظُ الثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْأَوَّلِ، فَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ غَالِبُهُ، وَقِيلَ كَانَ يَصُومُهُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ، وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ، وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ، وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ، لَكِنْ فِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ أَفْضَلُ مِنْهُ؟ . أُجِيبَ بِلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَتْ تَعْرِضُ لَهُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ» ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ. وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِنَفْلٍ، فَلَوْ صَامَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ، وَعِلْمُهَا بِرِضَاهُ كَإِذْنِهِ، وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَوْمُ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ. أَمَّا صَوْمُهَا فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا عَنْ بَلَدِهَا فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ قِيلَ هَلَّا جَازَ صَوْمُهَا مَعَ حُضُورِهِ، وَإِذَا أَرَادَ التَّمَتُّعَ بِهَا تَمَتَّعَ وَفَسَدَ صَوْمُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ صَوْمَهَا يَمْنَعُهُ التَّمَتُّعَ عَادَةً؛ لِأَنَّهُ يُهَابُ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يَلْحَقُ بِالصَّوْمِ صَلَاةُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ لِقِصَرِ زَمَنِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 كِتَابُ الِاعْتِكَافِ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] (كِتَابُ الِاعْتِكَافِ) هُوَ لُغَةً: اللُّبْثُ وَالْحَبْسُ وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا. قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] ، وَقِيلَ عَكَفَ عَلَى الْخَيْرِ وَانْعَكَفَ عَلَى الشَّرِّ. وَشَرْعًا: اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةٍ (1) . وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ الْأُولَى، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَلَازَمَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» (2) وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] (هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ وَقْتٍ) فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ (وَ) هُوَ (فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ) مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ،   [مغني المحتاج] فِي غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي سُنَنِ الصَّوْمِ، وَأَعَادَهَا لِذِكْرِ حِكْمَةِ الِاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ قَوْلُهُ (لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ. قَالَ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] أَيْ خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْحِصَارُهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَأَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا لَا تَنْتَقِلُ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ: إنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَا يَنَالُ فَضْلَهَا إلَّا مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَامَهَا إنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُنَازِعُهُ حَيْثُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الْعَشْرِ حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ عَلَى الْيَقِينِ اهـ. وَهَذَا أَوْلَى، نَعَمْ حَالُ مَنْ اطَّلَعَ أَكْمَلُ إذَا قَامَ بِوَظَائِفِهَا. وَقَدْ نُقِلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظِّهِ مِنْهَا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ فِي لَيْلَتِهَا مِنْ قَوْلِ: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفْوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، وَأَنْ يَجْتَهِدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا يَجْتَهِدُ فِي لَيْلَتِهَا، وَخُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُسَنُّ إنْ رَآهَا أَنْ يَكْتُمَهَا (وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) تَعَالَى (إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي) وَالْعِشْرِينَ (أَوْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ) مِنْهُ، يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ. وَلِلثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ نَصُّ الْمُخْتَصَرِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ مَيْلَهُ إلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لَا غَيْرُ، وَفِي الْقَدِيمِ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ إحْدَى أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَوْتَارِ، ثُمَّ لَيْلَةُ أَشْفَاعِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ إنَّهَا فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ، وَخَصَّهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَشْفَاعِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ: هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهَا نَحْوُ الثَّلَاثِينَ قَوْلًا. وَالسَّبَبُ فِي إبْهَامِهَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَكْثُرَ اجْتِهَادُهُمْ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَيَطْلُبُونَهَا فِي جَمِيعِهَا، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ شُعَاعٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْعَلَامَةِ لِأَنَّهَا قَدْ انْقَضَتْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْتَهَدَ فِي يَوْمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنَّهُ يَبْقَى يَعْرِفُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً وَاحِدَةً. وَأَرْكَانُ الِاعْتِكَافِ أَرْبَعَةٌ: مَسْجِدٌ، وَلُبْثٌ، وَنِيَّةٌ، وَمُعْتَكِفٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا فَقَالَ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] إذْ ذِكْرُ الْمَسَاجِدِ لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ لِجَعْلِهَا شَرْطًا فِي مَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ لِمَنْعِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَلِمَنْعِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْهَا فَتَعَيَّنَ كَوْنُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وَالْجَامِعُ أَوْلَى. وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ امْرَأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ. وَلَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ تَعَيَّنَ،   [مغني المحتاج] الِاعْتِكَافِ، وَلَا يَفْتَقِرُ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَى مَسْجِدٍ إلَّا التَّحِيَّةَ وَالِاعْتِكَافَ وَالطَّوَافَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، وَيَصِحُّ فِي رَحْبَتِهِ لِأَنَّهَا مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِيهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَلَا فِيمَا أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ وَوُقِفَ بِنَاؤُهُ مَسْجِدًا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْحِيلَةُ فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ مَصْطَبَةً أَوْ صِلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَقِفَهَا مَسْجِدًا فَيَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا كَمَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُبْنَ نَحْوُ مَصْطَبَةٍ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا، وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الصِّحَّةِ (وَ) الْمَسْجِدُ (الْجَامِعُ) وَهُوَ مَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ (أَوْلَى) بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ، وَلِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجُمُعَةِ. وَيَجِبُ الْجَامِعُ لِلِاعْتِكَافِ فِيهِ إنْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فِيهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَكَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْخُرُوجُ لَهَا؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِتَقْصِيرِهِ بَعْدَ اعْتِكَافِهِ فِي الْجَامِعِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تُقَامُ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْقَرْيَةِ لَا فِي جَامِعٍ لَمْ يَبْطُلْ تَتَابُعُهُ بِالْخُرُوجِ لَهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ صَغِيرَةً لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَهْلِهَا فَأُحْدِثَ بِهَا جَامِعٌ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَ نَذْرِهِ اعْتِكَافَهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى الْخُرُوجَ لَهَا وَكَانَ فِي الْبَلَدِ جَامِعَانِ فَمَرَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَذَهَبَ إلَى الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ يُصَلِّي فِيهِ أَوَّلًا لَمْ يَضُرَّهُ، أَوْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُشْرَطْ التَّتَابُعُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَامِعُ بَلْ يَصِحُّ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِمُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي تَحْرِيمِ الْمُكْثِ جُنُبًا وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ الْجَامِعِ أَوْلَى مَا إذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ غَيْرَ الْجَامِعِ فَالْمُعَيَّنُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ. (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ امْرَأَةٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَغْيِيرِهِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ فِيهِ، وَلِأَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُنَّ كُنَّ يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَفَى بُيُوتُهُنَّ لَكَانَتْ لَهُنَّ أَوْلَى، وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَكَانُ صَلَاتِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانُ صَلَاةِ الرَّجُلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ، وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ اعْتِكَافِهَا فِي بَيْتِهَا يَكُونُ الْمَسْجِدُ لَهَا أَفْضَلَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَلَوْ عَيَّنَ) النَّاذِرُ (الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ تَعَيَّنَ) فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ لِتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ وَزِيَادَةِ فَضْلِهِ لِكَثْرَةِ تَضَاعُفُ الصَّلَاةِ فِيهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» . وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي النَّذْرِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ زِيَادَةُ الْفَضِيلَةُ قِيلَ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ الَّذِي يُطَافُ فِيهِ حَوْلَهَا، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: إنَّهُ الْكَعْبَةُ وَمَا فِي الْحِجْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى فِي الْأَظْهَرِ، وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا، وَلَا عَكْسَ، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى، وَلَا عَكْسَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا، وَقِيلَ يَكْفِي مُرُورٌ بِلَا لُبْثٌ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ.   [مغني المحتاج] مِنْ الْبَيْتِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْبَيَانِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ بِقَاعِ الْحَرَمِ، وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ شَيْخِهِ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ، وَالْقَلْبُ إلَى هَذَا أَمْيَلُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ عَيَّنَ الْكَعْبَةَ أَوْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ وَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الْحِجْرِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ التَّضْعِيفَ مُخْتَصٌّ بِذَلِكَ، وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يَقُولُ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَرَى التَّضْعِيفَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِتَعْيِينِ ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِالْمَسْأَلَةِ فَقَالَ عَنْ شَيْخِهِ: إنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي الْكَعْبَةِ وَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي بَابِ النَّذْرِ (وَكَذَا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، وَ) مَسْجِدُ (الْأَقْصَى) إذَا عَيَّنَهُمَا النَّاذِرُ فِي نَذْرِهِ تَعَيَّنَا (فِي الْأَظْهَرِ) وَلَا يُجْزِئُ دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَسْجِدَانِ تُشَدُّ إلَيْهِمَا الرِّحَالُ فَأَشْبَهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نُسُكٌ فَأَشْبَهَا بَقِيَّةَ الْمَسَاجِدِ، وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، لَكِنْ مَا عَيَّنَهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَيُشْعِرُ أَيْضًا تَعْبِيرُهُ بِالِاعْتِكَافِ أَنَّ نَذْرَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَا يَتَعَيَّنُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالتَّعْيِينِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (وَيَقُومُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مَقَامَهُمَا) لِمَزِيدِ فَضْلِهِ عَلَيْهِمَا وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَا يَقُومَانِ مَقَامَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُمَا دُونَهُ فِي الْفَضْلِ (وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَإِنَّهُ صَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَلْفٍ، وَعَلَى هَذَا هُمَا مُتَسَاوِيَانِ (وَلَا عَكْسَ) لِمَا سَبَقَ، سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْيِينِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ التَّعْيِينُ أَيْضًا، فَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَخَّرَهُ كَانَ قَضَاءً، وَيَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَ، وَأَجْزَاءُ الْمَسْجِدِ كُلُّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي أَدَاءِ الْمَنْذُورِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْهُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَجْزَاءِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فَقَالَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثُ قَدْرٍ يُسَمَّى عُكُوفًا) أَيْ إقَامَةً بِحَيْثُ يَكُونُ زَمَنُهَا فَوْقَ زَمَنِ الطُّمَأَنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَكْفِي قَدْرُهَا، وَلَا يَجِبُ السُّكُونُ بَلْ يَكْفِي التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ يَرْجِعُ إلَى جُمْلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَصْلُ اللُّبْثِ، وَالثَّانِيَةُ قَدْرُهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَقِيلَ يَكْفِي الْمُرُورُ بِلَا لُبْثٍ) كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمُقَابِلُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُكْثُ نَحْوِ يَوْمٍ) أَيْ قَرِيبٍ مِنْهُ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ مُعْتَادٌ فِي الْحَاجَةِ الَّتِي تَعِنُّ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي طَرِيقِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقُرْبَةِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ يَصِحُّ نَذْرُ اعْتِكَافِ سَاعَةٍ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُطْلَقًا كَفَاهُ لَحْظَةٌ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ كَلَمْسٍ، وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ إنْ أَنْزَلَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ. وَلَا يَضُرُّ التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ.   [مغني المحتاج] يَوْمٌ، وَيُسَنُّ كُلَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ. (وَيَبْطُلُ بِالْجِمَاعِ) مِنْ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهِ ذَاكِرًا لِلِاعْتِكَافِ سَوَاءٌ أَجَامَعَ فِي الْمَسْجِدِ أَمْ خَارِجَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لِمُنَافَاتِهِ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ جِمَاعَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ مُطْلَقًا إذَا أَدَّى إلَى مُكْثٍ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَكِفًا أَمْ لَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ اعْتِكَافُهُ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا. وَأَمَّا إذَا جَامَعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مُعْتَكِفًا فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا لَمْ يَحْرُمْ إذْ غَايَتُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الْمَاضِي فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَنْذُورًا مُتَتَابِعًا فَيُسْتَأْنَفُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَتَابِعًا لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَنْذُورًا أَمْ نَفْلًا، وَلَوْ شَتَمَ إنْسَانًا، أَوْ اغْتَابَهُ، أَوْ أَكَلَ حَرَامًا لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَبَطَلَ ثَوَابُهُ. قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ أَوْ أَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ، أَوْ أَوْلَجَ الْخُنْثَى فِي رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ (وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ بِشَهْوَةٍ) فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ تُبْطِلُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافَ (إنْ أَنْزَلَ، وَإِلَّا فَلَا) تُبْطِلُهُ لِمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ. وَالثَّانِي تُبْطِلُهُ مُطْلَقًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] [الْبَقَرَةَ] وَالثَّالِثُ: لَا مُطْلَقًا كَالْحَجِّ، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ هِيَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ إنْ لَزِمَ مِنْهَا مُكْثٌ فِيهِ وَهُوَ جُنُبٌ، وَكَذَا خَارِجَهُ إنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ وَاجِبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَفْلًا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُبَاشَرَةِ عَمَّا إذَا نَظَرَ أَوْ تَفَكَّرَ فَأَنْزَلَ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَبِالشَّهْوَةِ عَمَّا إذَا قَبَّلَ بِقَصْدِ الْإِكْرَامِ وَنَحْوِهِ، أَوْ بِلَا قَصْدٍ فَلَا يُبْطِلُهُ إذَا أَنْزَلَ جَزْمًا، وَالِاسْتِمْنَاءُ كَالْمُبَاشَرَةِ، وَقَدْ عُرِفَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْخُنْثَى مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بُطْلَانِ الِاعْتِكَافِ بِالْجِمَاعِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْخُنْثَى أَنْ يُنْزِلَ مِنْ فَرْجَيْهِ. (وَلَوْ جَامَعَ نَاسِيًا) لِلِاعْتِكَافِ (فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ) نَاسِيًا صَوْمَهُ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي الصِّيَامِ، وَلَوْ جَامَعَ جَاهِلًا فَكَجِمَاعِ الصَّائِمِ جَاهِلًا وَقَدْ مَرَّ فِي الصِّيَامِ أَيْضًا، وَالْمُبَاشَرَةُ بِشَهْوَةٍ فِي ذَلِكَ كَالْجِمَاعِ. (وَلَا يَضُرُّ) فِي الِاعْتِكَافِ، (التَّطَيُّبُ وَالتَّزَيُّنُ) بِاغْتِسَالٍ وَقَصِّ شَارِبٍ، وَلُبْسِ ثِيَابٍ حَسَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ وَلَا أَمَرَ بِتَرْكِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُزَوِّجَ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ. وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الصَّنَائِعُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ مَا لَمْ يَكْثُرْ مِنْهَا، فَإِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا كُرِهَتْ لِحُرْمَتِهِ إلَّا كِتَابَةَ الْعِلْمِ فَلَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ كَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُكْرَهُ لَهُ الْحِرْفَةُ فِيهِ بِخِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا كَالْمُعَاوَضَةِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ، وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَغْسِلَ يَدَهُ فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْكُلَ فِي سُفْرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ فِي طَسْتٍ أَوْ نَحْوِهَا لِيَكُونَ أَنْظَفَ لِلْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ نَضْحُهُ بِمُسْتَعْمَلٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِيهِ وَإِسْقَاطِ مَائِهِ فِي أَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ، وَلِأَنَّهُ أَنْظَفُ مِنْ غُسَالَةِ الْيَدِ الْخَالِصَةِ يَغْسِلُهَا فِيهِ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 وَالْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ. وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا لَزِمَاهُ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ جَمْعِهِمَا.   [مغني المحتاج] وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَيَجُوزُ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ فِيهِ فِي إنَاءٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ، وَكَالْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَفَتْحِ دُمَّلٍ وَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ لِلْحَاجَةِ، أَمَّا مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُمَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ تَحْرِيمَ إدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ هَوَائِهِ بِهَا مَعَ زِيَادَةِ الْقُبْحِ، وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ جَوَازِ إدْخَالِ النَّعْلِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِيهِ إذَا أَمِنَ التَّلْوِيثَ، فَإِنْ لَوَّثَ الْخَارِجُ بِمَا ذُكِرَ الْمَسْجِدَ أَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فِيهِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ حَرُمَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ أَنَّ الدِّمَاءَ أَخَفُّ مِنْهُمَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَحِلِّهَا وَإِنْ كَثُرَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ بِفِعْلِهِ، وَلِأَنَّهُمَا أَقْبَحُ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ نَحْوِ الْفَصْدِ مُتَوَجِّهًا لِلْقِبْلَةِ بِخِلَافِهِمَا. وَإِنْ اشْتَغَلَ الْمُعْتَكِفُ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ فَزِيَادَةُ خَيْرٍ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ فِي طَاعَةٍ، وَيُسَنُّ لَهُ الصَّوْمُ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) لَا يَضُرُّهُ (الْفِطْرُ، بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَحْدَهُ) وَاعْتِكَافُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِخَبَرِ أَنَسٍ «لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» (1) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَحُكِيَ قَوْلٌ قَدِيمٌ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. (وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ هُوَ فِيهِ صَائِمٌ لَزِمَهُ) الِاعْتِكَافُ يَوْمَ صَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ أَفْضَلُ؛ فَإِذَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ لَزِمَهُ كَالتَّتَابُعِ، وَلَيْسَ لَهُ إفْرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ قَطْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الصَّوْمُ عَنْ رَمَضَانَ أَمْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهَذَا النَّذْرِ صَوْمًا، وَإِنَّمَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِصِفَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ. (وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) أَوْ يَصُومَ (أَوْ) عَكْسَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ (يَصُومَ مُعْتَكِفًا) أَوْ بِاعْتِكَافٍ (لَزِمَاهُ) أَيْ الِاعْتِكَافُ وَالصَّوْمُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الصَّوْمَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَمُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهَا مُخَصَّصَةٌ لِمَوْصُوفِهَا، وَأَلْحَقُوا الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ بِالْحَالِ الصَّرِيحَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (وُجُوبُ جَمْعِهِمَا) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أَوْ عَكْسَهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ جَمْعُهُمَا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّوْمَ يُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْكَفِّ، وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ مُبَاشِرَةٌ لَا تُنَاسِبُ الِاعْتِكَافَ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ الْجَمْعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لِلصَّوْمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ، وَيَنْوِي فِي الْمَنْذُورِ الْفَرْضِيَّةَ. وَإِذَا أَطْلَقَ كَفَتْهُ، وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ لَكِنْ لَوْ خَرَجَ وَعَادَ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَلَوْ نَوَى مُدَّةً فَخَرَجَ فِيهَا وَعَادَ، فَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ أَوَّلَهَا فَلَا، وَقِيلَ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ خُرُوجِهِ اسْتَأْنَفَ   [مغني المحتاج] وَالصَّوْمُ يَصْلُحُ وَصْفًا لِلِاعْتِكَافِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ لَوْ اعْتَكَفَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ نَفْلًا كَانَ الصَّوْمُ أَوْ وَاجِبًا بِغَيْرِ هَذَا النَّذْرِ لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُلْتَزَمِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ أَنْ يَكْفِيَهُ اعْتِكَافُ لَحْظَةٍ مِنْ الْيَوْمِ وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ صَادِقٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَكَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَهُ اهـ. وَالْأَوْجُهُ الْأَوَّلُ وَلَوْ عَيَّنَ وَقْتًا لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ كَالْعِيدِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: اعْتَكَفَهُ وَلَا يَقْضِي الصَّوْمَ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ وُجُوبِ الْجَمْعِ، وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ جَازَ لَهُ تَفْرِيقُهُمَا وَهُوَ أَفْضَلُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي ابْتِدَائِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ، سَوَاءٌ الْمَنْذُورُ وَغَيْرُهُ، تَعَيَّنَ زَمَانُهُ أَوْ لَا (وَ) لَكِنْ (يَنْوِي) حَتْمًا (فِي) الِاعْتِكَافِ (الْمَنْذُورِ الْفَرْضِيَّةَ) لِيَتَمَيَّزَ عَنْ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الِاعْتِكَافِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا، وَلَوْ نَوَى كَوْنَهُ عَنْ نَذْرِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ ذِكْرِ الْفَرْضِ كَمَا قَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ اعْتِكَافُ مَنْذُورٍ فَائِتٍ وَمَنْذُورٍ غَيْرِ فَائِتٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِي التَّعَرُّضِ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الصَّلَاةِ. وَلَوْ دَخَلَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ كَالصَّوْمِ (وَإِذَا أَطْلَقَ) نِيَّةَ الِاعْتِكَافِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً (كَفَتْهُ) هَذِهِ النِّيَّةُ (وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ) لِشُمُولِ النِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِذَلِكَ (لَكِنْ لَوْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ (وَعَادَ) إلَيْهِ (احْتَاجَ) إنْ لَمْ يَعْزِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَى الْعَوْدِ (إلَى الِاسْتِئْنَافِ) لِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، سَوَاءٌ أَخَرَجَ لِتَبَرُّزٍ أَمْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى عِبَادَةٌ تَامَّةٌ وَهُوَ يُرِيدُ اعْتِكَافًا جَدِيدًا. فَإِنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَزِيمَةُ قَائِمَةً مَقَامَ النِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. فَإِنْ قِيلَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْعِبَادَةِ شَرْطٌ فَكَيْفَ يَكْتَفِي بِعَزِيمَةٍ سَابِقَةٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ نِيَّةَ الزِّيَادَةِ وُجِدَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَصَارَ كَمَنْ نَوَى الْمُدَّتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا مُطْلَقًا ثُمَّ نَوَى، قِيلَ السَّلَامُ زِيَادَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. (وَلَوْ نَوَى مُدَّةً) أَيْ اعْتِكَافَهَا كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ تَطَوُّعًا أَوْ كَانَ قَدْ نَذَرَ أَيَّامًا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا التَّتَابُعَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ وَفَاءِ نَذْرِهِ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (فِيهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (وَعَادَ) إلَيْهِ (فَإِنْ خَرَجَ) مِنْهُ (لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) مِنْ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ (لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) لِلنِّيَّةِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ إنْ أَرَادَهُ بَعْدَ الْعَوْدِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَنُ لِقَطْعِهِ الْأَوَّلَ بِالْخُرُوجِ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا الْعَوْدُ فَلَا يَلْزَمُهُ فِي النَّفْلِ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْهُ (أَوْ) خَرَجَ (لَهَا) أَيْ الْحَاجَةِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَهُوَ كَالْمُسْتَثْنَى عِنْدَ النِّيَّةِ (وَقِيلَ إنْ طَالَتْ مُدَّةَ خُرُوجِهِ) لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا (اسْتَأْنَفَ) النِّيَّةَ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِخِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 وَقِيلَ لَا يَسْتَأْنِفُ مُطْلَقًا. وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لَمْ يَجِبْ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ، وَقِيلَ إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةً وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجَبَ. وَشَرْطُ الْمُعْتَكِفِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ.   [مغني المحتاج] مَا إذَا لَمْ يَطُلْ (وَقِيلَ: لَا يَسْتَأْنِفُ) النِّيَّةَ (مُطْلَقًا) لِأَنَّ النِّيَّةَ شَمِلَتْ جَمِيعَ الْمُدَّةِ بِالتَّعْيِينِ. أَمَّا إذَا نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ فِيهَا التَّتَابُعَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً فَخَرَجَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ) كَقَضَاءِ حَاجَةٍ وَحَيْضٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ وَعَادَ (لَمْ يَجِبْ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ) عِنْدَ الْعَوْدِ لِشُمُولِهَا جَمِيعَ الْمُدَّةِ، وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْعَوْدِ عِنْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. فَإِنْ أَخَّرَ ذَاكِرًا عَالِمًا مُخْتَارًا انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ وَتَعَذَّرَ الْبِنَاءُ (وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ لِغَيْرِ) قَضَاءِ (حَاجَةً، وَ) غَيْرِ (غُسْلِ الْجَنَابَةِ) يَعْنِي مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ كَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحْيِ مِنْهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَافِ الشُّرْبِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْأَصَحِّ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْيَا مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ (وَجَبَ) اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ بِمَا عَرَضَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ مِمَّا لَهُ عَنْهُ بُدٌّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ اقْتِصَارَهُ كَالْمُحَرَّرِ عَنْ اسْتِثْنَاءِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ مِنْ مَحِلِّ الْخِلَافِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَلَوْ عَبَّرَ: بِمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَمَّا يَقْطَعُهُ فَإِنَّهَا تَجِبُ قَطْعًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَلَهُ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَشَرْطُ الْمُعْتَكِفِ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ عَنْ الْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ (وَالْجَنَابَةِ) فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ كَافِرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَمُبَرْسَمٍ، وَسَكْرَانَ، وَمُغْمًى عَلَيْهِ، وَمَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِيَّتِهِمْ وَلَا حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَجُنُبٍ لِحُرْمَةِ مُكْثِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَرُمَ مُكْثُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَذِي جِرَاحٍ وَقُرُوحٍ وَاسْتِحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حِفْظُ الْمَسْجِدِ مِنْهَا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ. نَعَمْ لَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ وُقِفَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ صَحَّ اعْتِكَافُهُ فِيهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ لُبْثُهُ فِيهِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ عَدَمِ صِحَّةِ اعْتِكَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ، أَمَّا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ اعْتِكَافِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَحْسُبُ زَمَنَهُ مِنْ اعْتِكَافِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ لِلرَّقِيقِ وَمِنْ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ وَالتَّمَتُّعُ مُسْتَحَقٌّ لِلزَّوْجِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ. نَعَمْ إنْ لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِمَا مَنْفَعَةً كَأَنْ حَضَرَا الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَا الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ كَمَا فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْجَمَاعَةِ، وَلِلزَّوْجِ إخْرَاجُ الزَّوْجِ، وَلِلسَّيِّدِ إخْرَاجُ الرَّقِيقِ مِنْ التَّطَوُّعِ وَإِنْ اعْتَكَفَا بِإِذْنِهِمَا لِمَا مَرَّ، وَكَذَا مِنْ النَّذْرِ إلَّا إنْ أَذِنَا فِيهِ وَفِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنًا وَلَا مُتَتَابِعًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَزَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنٌ، وَكَذَا إنْ أَذِنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ بَطَلَ، وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ. وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى إنْ لَمْ يُخْرَجْ،   [مغني المحتاج] فِي الشُّرُوعِ فِيهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُتَتَابِعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إخْرَاجُهُمَا فِي الْجَمِيعِ؛ لِإِذْنِهِمَا فِي الشُّرُوعِ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إذْنٌ فِي الشُّرُوعِ فِيهِ، وَالْمُعَيَّنُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ وَالْمُتَتَابِعُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ نَذَرَ الْعَبْدُ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ فَلَهُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقًّا قَبْلَ تَمَكُّنِهِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ. لَكِنْ إنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ اعْتِكَافُ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي مَنْفَعَتِهِ فَهُوَ كَالْحُرِّ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: صَوَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِمَا لَا يُخِلُّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِهِ أَوْ لِإِمْكَانِ كَسْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَهُوَ كَالْقِنِّ إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ، وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ. (وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ أَوْ سَكِرَ) مُتَعَدِّيًا (بَطَلَ) اعْتِكَافُهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ وَسُكْرِهِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِمَا الْمُتَتَابِعِ) فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَقْبَحُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا عُذْرٍ، وَهُوَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَبْنِيَانِ. أَمَّا فِي الرِّدَّةِ فَتَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا فِي السُّكْرِ فَإِلْحَاقًا بِالنَّوْمِ، وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: يَبْنِي الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلِهَذَا تَجُوزُ اسْتِتَابَتُهُ فِيهِ وَلَا يَبْنِي السَّكْرَانُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ لِلْآيَةِ، وَالرَّابِعُ: يَبْنِي السَّكْرَانُ دُونَ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ كَالنَّوْمِ وَالرِّدَّةُ تُنَافِي الْعِبَادَةَ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ لَا حُبُوطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ مِنْ حَيْثُ التَّتَابُعُ، وَهَذَا فِي السَّكْرَانِ وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الثَّوَابَ إنْ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْمَوْتِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ بِهِ فَهِيَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. فَإِنْ قِيلَ ثَنَّى الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ فِي اعْتِكَافِهِمَا، وَالْأَوْلَى إفْرَادُهُ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ هُنَا بِأَوْ، وَقَدْ أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مُفْرَدًا حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَخْرُجْ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ هُوَ الْفِعْلُ، وَالضَّمِيرُ لَيْسَ عَائِدًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالسَّكْرَانِ الْمَفْهُومَيْنِ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ، عَلَيْهِمَا فَصَحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِمَا. (وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ) عَلَى الْمُعْتَكِفِ (لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى) مِنْ اعْتِكَافِهِ الْمُتَتَابِعِ (إنْ لَمْ يُخْرَجْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِمَا عَرَضَ لَهُ، فَإِنْ أَخْرَجَ مَعَ تَعَذُّرِ ضَبْطِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ أَيْضًا كَمَا لَوْ حَمَلَ الْعَاقِلُ مُكْرَهًا، وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ بِمَشَقَّةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ لِاسْتِوَاءِ حُكْمِهِمَا. أَمَّا لَوْ طَرَأَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ كَالسُّكْرِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وَيُحْسَبُ زَمَنُ الْإِغْمَاءِ مِنْ الِاعْتِكَافِ دُونَ الْجُنُونِ. أَوْ الْحَيْضُ وَجَبَ الْخُرُوجُ، وَكَذَا الْجَنَابَةُ إذَا تَعَذَّرَ الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَوْ أَمْكَنَ جَازَ الْخُرُوجُ، وَلَا يَلْزَمُ، وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا الْجَنَابَةِ. فَصْلٌ إذَا نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ،   [مغني المحتاج] الْجُنُونِ، وَبَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْإِغْمَاءِ (وَيُحْسَبُ زَمَنُ الْإِغْمَاءِ مِنْ الِاعْتِكَافِ) الْمُتَتَابِعِ كَمَا فِي الصَّائِمِ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْضَ النَّهَارِ (دُونَ) زَمَنِ (الْجُنُونِ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْبَدَنِيَّةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ. (أَوْ) طَرَأَ (الْحَيْضُ) أَوْ النِّفَاسُ عَلَى مُعْتَكِفَةٍ (وَجَبَ) عَلَيْهَا (الْخُرُوجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ لِتَحْرِيمِ الْمُكْثِ عَلَيْهَا (وَكَذَا الْجَنَابَةُ) بِمَا لَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ كَالِاحْتِلَامِ (إذَا) طَرَأَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ، وَ (تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (الْغُسْلُ فِي الْمَسْجِدِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ مُكْثِهِ فِيهِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى التَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وُجُوبُ الْخُرُوجِ لَهُ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ تُرَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ لُبْثًا إلَى إكْمَالِ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مَارًّا مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَلَا تَرَدُّدٍ لَمْ يَجِبُ الْخُرُوجُ لِأَنَّ الْمُرُورَ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (فَلَوْ أَمْكَنَهُ) الْغُسْلُ فِيهِ بِلَا مُكْثٍ (جَازَ) لَهُ (الْخُرُوجُ وَلَا يَلْزَمُهُ) الْخُرُوجُ لِأَجْلِ الْغُسْلِ، بَلْ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مُرَاعَاةً لِلتَّتَابُعِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مُسْتَجْمِرًا بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِالْغُسَالَةِ ضَرَرٌ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِلْمُصَلِّينَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَادِرَ بِالْغُسْلِ لِئَلَّا يَبْطُلَ تَتَابُعُ اعْتِكَافِهِ (وَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الْحَيْضِ) وَالنِّفَاسِ (وَلَا) زَمَنُ (الْجَنَابَةِ) مِنْ الِاعْتِكَافِ إنْ اتَّفَقَ الْمُكْثُ مَعَهَا فِي الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمُنَافَاةِ مَا ذُكِرَ لِلِاعْتِكَافِ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَفْصِيلٌ فِي أَنَّ الْحَائِضَ هَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهَا أَوْ لَا؟ وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ فَإِنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ اعْتِكَافِهَا فَإِنْ خَرَجَتْ بَطَلَ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ] (فَصْلٌ) فِي حُكْمِ الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ (إذَا نَذَرَ مُدَّةً مُتَتَابِعَةً) كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ (لَزِمَهُ) التَّتَابُعُ فِيهَا إنْ صَرَّحَ بِهِ لَفْظًا لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَقْصُودٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْبَاقِي عَقِبَ الْإِتْيَانِ بِبَعْضِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ اعْتِكَافُ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَتَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْأَيَّامِ، وَلَوْ نَذَرَ بِلَفْظِهِ التَّفْرِيقَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَجَازَ لَهُ التَّتَابُعُ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا نَذَرَ فِي الصَّوْمِ التَّتَابُعَ أَوْ التَّفْرِيقَ لَزِمَهُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ يَجِبُ فِيهِ التَّفْرِيقُ فِي حَالَةٍ، وَهِيَ صَوْمُ التَّمَتُّعِ فَكَانَ مَطْلُوبًا فِيهِ التَّفْرِيقُ، بِخِلَافِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِلَا شَرْطٍ، وَأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ يَوْمًا لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مُدَّةً كَأُسْبُوعٍ وَتَعَرَّضَ لِلتَّتَابُعِ وَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقَضَاءِ.   [مغني المحتاج] الِاعْتِكَافِ لَمْ يُطْلَبْ فِيهِ التَّفْرِيقُ أَصْلًا، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ إنَّهُ لَوْ نَوَى أَيَّامًا مُعَيَّنَةً كَسَبْعَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوَّلُهَا غَدٌ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ التَّفْرِيقُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ كَاللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَالصَّحِيحُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِلَا شَرْطٍ) لَكِنْ يُسَنُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأُسْبُوعِ مَثَلًا يَصْدُقُ عَلَى الْمُتَتَابِعِ وَالْمُتَفَرِّقِ فَلَا يَجِبُ أَحَدُهُمَا بِخُصُوصِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالثَّانِي: يَجِبُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَتَابِعًا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ الْهِجْرَانُ وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ التَّتَابُعِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ التَّابِعُ لَا يَجِبُ، وَإِنْ نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ كَأَصْلِ النَّذْرِ وَإِنْ اخْتَارَ السُّبْكِيُّ اللُّزُومَ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا نَوَى اعْتِكَافَ اللَّيَالِي الْمُتَخَلِّلَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ فِيهِ وَقْتًا زَائِدًا فَوُجُوبُ التَّتَابُعِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَصْفٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّتَابُعَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الزَّمَنِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِ اللَّيَالِي بِالنِّسْبَةِ لِلْأَيَّامِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْجِنْسِ بِنِيَّةِ التَّتَابُعِ إيجَابُ غَيْرِهِ بِهَا وَحُكْمُ الْأَيَّامِ مَعَ نَذْرِ اللَّيَالِي كَحُكْمِ اللَّيَالِي مَعَ نَذْرِ الْأَيَّامِ فِيمَا مَرَّ. (وَ) الصَّحِيحُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ يَوْمًا لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُ سَاعَاتِهِ) مِنْ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْيَوْمِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا. قَالَ الْخَلِيلُ: الْيَوْمُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ تَنْزِيلًا لِلسَّاعَاتِ مِنْ الْيَوْمِ مَنْزِلَةَ الْأَيَّامِ مِنْ الشَّهْرِ. وَمَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ يَوْمًا فَإِنْ عَيَّنَهُ لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ قَطْعًا، وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَقْتَ الظُّهْرِ مَثَلًا، وَخَرَجَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَكَثَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَعَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِاللَّيْلِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِحُصُولِ التَّتَابُعِ بِالْبَيْتُوتَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَقَالَ الشَّيْخَانِ: إنَّهُ الْأَوْجُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِيَوْمٍ مُتَوَاصِلِ السَّاعَاتِ، وَاللَّيْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْيَوْمِ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا أَوَّلُهُ مِنْ أَثْنَاءِ يَوْمٍ أَوَّلُهُ وَقْتُ الظُّهْرِ مَثَلًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لَيْلًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَاسْتَشْكَلَا مَنْعَ خُرُوجِهِ لَيْلًا بِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، قَالَا: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجْعَلَ فَائِدَةَ تَقْيِيدِهِ فِي هَذِهِ الْقَطْعَ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ لَا غَيْرُ (وَ) الصَّحِيحُ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ مُدَّةً كَأُسْبُوعٍ) عَيَّنَهُ (وَتَعَرَّضَ لِلتَّتَابُعِ) فِيهَا لَفْظًا (وَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ) بِهِ لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَقَعُ ضَرُورَةً فَلَا أَثَرَ لِتَصْرِيحِهِ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأُسْبُوعَ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ فَوَاتٌ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي (وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ) أَيْ التَّتَابُعِ (لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْقَضَاءِ) جَزْمًا لِأَنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا، بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ فَأَشْبَهَ التَّتَابُعَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَثَلًا دَخَلَتْ لَيَالِيُهُ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهَا لَفْظًا. أَمَّا لَوْ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الِاعْتِكَافُ بِنِيَّتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا نَوَى دُخُولَهَا بِقَلْبِهِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 وَإِذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ صَحَّ الشَّرْطُ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] مَرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَبِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ النِّيَّةِ هُنَاكَ مَا قَدْ يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ، وَهَذَا إخْرَاجُ مَا شَمِلَهُ اللَّفْظُ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَهُ فَقَضَاهُ لَيْلًا أَجْزَأَهُ، بِخِلَافِ الْيَوْمِ الْمُطْلَقِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ بِصِفَتِهِ الْمُلْتَزِمَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعَيَّنِ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْقِسْمَيْنِ، حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَقِيَاسُ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ نَدْبُ اعْتِكَافِ يَوْمِ شُكْرٍ لِلَّهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، فَإِنْ قَدِمَ نَهَارًا أَجْزَأَهُ الْبَقِيَّةُ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ حِينِ الْقُدُومِ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا كَامِلًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُزَنِيِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لُزُومَ قَضَائِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النَّذْرِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا قَدِمَ حَيًّا مُخْتَارًا، فَلَوْ قَدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ قَدِمَ مُكْرَهًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا قَدِمَ مُكْرَهًا فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ لِلنَّاذِرِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ اعْتِكَافَهُ شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى حُضُورِ غَائِبِهِ عِنْدَهُ وَقَدْ وُجِدَ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْقُدُومِ، وَقُدُومُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ دَخَلَتْ لَيَالِيُهُ حَتَّى اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَيُجْزِئُهُ وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ يَقَعُ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَكَانَ نَاقِصًا لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ جَرَّدَ الْقَصْدَ إلَيْهَا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ بَعْدَهُ يَوْمًا وَيُسَنُّ فِي هَذِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا قَبْلَ الْعَشْرِ لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ دَاخِلًا فِي نَذْرِهِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ الْعَشَرَةِ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، فَلَوْ فَعَلَ هَذَا ثُمَّ بَانَ النَّقْصُ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِإِجْزَائِهِ عَنْ قَضَاءِ يَوْمٍ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ فَتَوَضَّأَ مُحْتَاطًا فَبَانَ مُحْدِثًا: أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَإِذَا ذَكَرَ) النَّاذِرُ (التَّتَابُعَ) فِي نَذْرِهِ لَفْظًا (وَشَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ) مُبَاحٍ مَقْصُودٌ غَيْرِ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ (صَحَّ الشَّرْطُ فِي الْأَظْهَرِ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا لَزِمَ بِالْتِزَامِهِ فَيَجِبُ بِحَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ، فَإِنْ شَرْطَهُ لِخَاصٍّ مِنْ الْأَغْرَاضِ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى خَرَجَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَهَمَّ مِنْهُ، أَوْ عَامٍّ كَشُغْلٍ يَعْرِضُ لَهُ خَرَجَ لِكُلِّ مُهِمٍّ دِينِيٍّ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْ دُنْيَوِيٍّ مُبَاحٍ كَلِقَاءِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَاقْتِضَاءِ الْغَرِيمِ، وَالثَّانِي: يَلْغُو الشَّرْطُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى التَّتَابُعِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: شَرَطَ الْخُرُوجَ لِعَارِضٍ مَا لَوْ شَرَطَ قَطْعَ الِاعْتِكَافِ لَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ عِنْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِلْعَارِضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَوْدُ، وَبِقَوْلِهِ: لِعَارِضٍ مَا لَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، فَإِنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمُجَرَّدِ الْخِيَرَةِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ الِالْتِزَامَ، وَكَذَا النَّذْرُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْأَشْبَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا بِتَرْجِيحٍ، وَبِقَوْلِي: مُبَاحٍ مَا لَوْ شَرَطَهُ لِعَارِضٍ مُحَرَّمٍ كَسَرِقَةٍ، وَبِمَقْصُودٍ مَا لَوْ شَرَطَهُ لِغَيْرِ مَقْصُودٍ كَنُزْهَةٍ، وَبِغَيْرِ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ مَا لَوْ شَرَطَهُ لِمُنَافٍ لَهُ كَالْجِمَاعِ كَأَنْ قَالَ: إنْ اخْتَرْت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وَالزَّمَانُ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ إنْ عَيَّنَ الْمُدَّةَ كَهَذَا الشَّهْرِ، وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ بِلَا عُذْرٍ. وَلَا يَضُرُّ إخْرَاجُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَلَا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ دَارِهِ،   [مغني المحتاج] جَامَعْت أَوْ إنْ اتَّفَقَ لِي جِمَاعٌ جَامَعْت فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْمُحْرِمِ وَالْجِمَاعِ وَمِثْلُهُمَا الْبَقِيَّةُ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ (وَالزَّمَانُ الْمَصْرُوفُ إلَيْهِ) أَيْ الْعَارِضُ الْمَذْكُورُ (لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ إنْ عَيَّنَ الْمُدَّةَ كَهَذَا الشَّهْرِ) لِأَنَّ الْمَنْذُورَ مِنْ الشَّهْرِ إنَّمَا هُوَ اعْتِكَافُ مَا عَدَا الْعَارِضَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مُدَّةً كَشَهْرٍ مُطْلَقٍ (فَيَجِبُ) تَدَارُكُهُ أَيْ الزَّمَنِ الْمَصْرُوفِ لِلْعَارِضِ لِتَتِمَّ الْمُدَّةُ الْمُلْتَزَمَةُ، وَتَكُونُ فَائِدَةُ الشَّرْطِ تَنْزِيلَ ذَلِكَ الْعَارِضِ مَنْزِلَةَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي أَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَنْقَطِعُ بِهِ (وَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ) أَيْضًا (بِالْخُرُوجِ) مِنْ الْمَسْجِدِ بِكُلِّ بَدَنِهِ أَوْ بِمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرَّأْسِ قَائِمًا أَوْ مُنْحَنِيًا أَوْ مِنْ الْعَجُزِ قَاعِدًا أَوْ مِنْ الْجَنْبِ مُضْطَجِعًا (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِيَةِ، وَإِنْ قَلَّ زَمَنُهُ لِمُنَافَاتِهِ اللُّبْثَ؛ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ الْخُرُوجِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ، وَهَذَا فِي الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَارِ. (وَلَا يَضُرُّ) فِي تَتَابُعِ الِاعْتِكَافِ (إخْرَاجُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ) مِنْ الْمَسْجِدِ كَرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَارِجًا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ فَتُرَجِّلُهُ» (1) أَيْ تُسَرِّحُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُرُوجِ، فَإِنْ أَخْرَجَهُمَا وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا ضَرَّ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ دَاخِلًا (وَلَا) يَضُرُّ (الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَلَوْ كَثُرَ لِعَارِضٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الضَّرُورَةُ، وَإِذَا خَرَجَ لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعُ بَلْ يَمْشِي عَلَى سَجِيَّتِهِ. فَلَوْ تَأَنَّى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَحْرِ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بَعْدَ قَضَائِهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَبَعًا لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ مُنْفَرِدًا إنْ كَانَ تَجْدِيدًا، وَكَذَا عَنْ حَدَثٍ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا أَمْكَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِغَيْرِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَرُعَافٍ، وَكَذَا الْأَكْلُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ فِي الْمَسْجِدِ يُسْتَحْيَا مِنْهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْأَكْلُ فِيهِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الشُّرْبِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِيهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْجِدٍ مَطْرُوقٍ بِخِلَافِ الْمُخْتَصِّ لِمَنْفَعَتِهَا وَلَوْ مُسْتَعَارَةً وَالْمَهْجُورِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ خَرَجَ لِلشُّرْبِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ انْقَطَعَ تَتَابُعُهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَنْدُوبَ لِغُسْلِ الِاحْتِلَامِ مُغْتَفَرٌ كَالتَّثْلِيثِ فِي الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ (وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ دَارِهِ) الْمُسْتَحِقِّ لِمَنْفَعَتِهَا وَلَوْ مُسْتَعَارَةً كَسِقَايَةِ الْمَسْجِدِ، وَدَارِ صَدِيقٍ لَهُ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَخَرْمِ الْمُرُوءَةِ، وَتَزِيدُ دَارُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وَلَا يَضُرُّ بُعْدُهَا إلَّا أَنْ يَفْحُشَ فَيَضُرَّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يُطِلْ وُقُوفَهُ أَوْ يَعْدِلْ عَنْ طَرِيقِهِ، وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِمَرَضٍ، يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ. وَلَا بِحَيْضٍ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ، فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تَخْلُو عَنْهُ انْقَطَعَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] الصَّدِيقِ بِالْمِنَّةِ بِهَا. نَعَمْ مَنْ لَا يَحْتَشِمُ مِنْ السِّقَايَةِ يُكَلَّفُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ السِّقَايَةُ مَصُونَةً مُخْتَصَّةً بِالْمَسْجِدِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا يَضُرُّ بُعْدُهَا) أَيْ دَارِهِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الْمَسْجِدِ مُرَاعَاةً لِمَا سَبَقَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْمِنَّةِ (إلَّا أَنْ يَفْحُشَ) الْبُعْدُ، وَضَابِطُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَنْ يَذْهَبَ أَكْثَرُ الْوَقْتِ فِي التَّرَدُّدِ إلَيْهَا مَعَ وُجُودِ مَكَان لَائِقٍ بِطَرِيقِهِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ أُخْرَى أَقْرَبُ مِنْهَا (فَيَضُرَّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ فِي عَوْدِهِ إلَيْهَا إلَى الْبَوْلِ فَيُمْضِي يَوْمَهُ فِي الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ، وَلِاغْتِنَائِهِ بِالْأَقْرَبِ مِنْ دَارَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي طَرِيقِهِ مَكَانًا أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَلِقْ بِهِ أَنْ يَدْخُلَهُ لَمْ يَضُرَّ فُحْشُ الْبُعْدِ. وَالثَّانِي: لَا يَضُرُّ هُنَا الْفُحْشُ مُطْلَقًا لِمَا سَبَقَ مِنْ مَشَقَّةِ الدُّخُولِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِنَوْمٍ وَلَا لِغُسْلِ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. (وَلَوْ عَادَ مَرِيضًا) أَوْ زَارَ قَادِمًا (فِي طَرِيقِهِ) لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ (لَمْ يَضُرَّ مَا لَمْ يَطُلْ وُقُوفُهُ) بِأَنْ لَمْ يَقِفْ أَصْلًا، أَوْ وَقَفَ وَقْفَةً يَسِيرَةً، كَأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّلَامِ وَالسُّؤَالِ (أَوْ) لَمْ (يَعْدِلْ عَنْ طَرِيقِهِ) بِأَنْ كَانَ الْمَرِيضُ أَوْ الْقَادِمُ فِيهَا لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: " إنِّي كُنْت أَدْخُلُ الْبَيْتَ لِلْحَاجَةِ - أَيْ التَّبَرُّزِ - وَالْمَرِيضُ فِيهِ فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مَرْفُوعًا عَنْهَا «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْهُ وَلَا يُعَرِّجُ» فَإِنْ طَالَ وُقُوفُهُ عُرْفًا أَوْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ وَإِنْ قَلَّ ضَرَّ، وَلَوْ صَلَّى فِي طَرِيقِهِ عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرْ وَلَمْ يَعْدِلْ إلَيْهَا عَنْ طَرِيقِهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ ب) خُرُوجِهِ ل (مَرَضٍ يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ) أَيْ إذَا خَرَجَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ كَالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَفِي قَوْلٍ إنَّهُ يَنْقَطِعُ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَلَا غَالِبٍ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ هُوَ الَّذِي يَشُقُّ الْمُقَامُ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِحَاجَةِ فَرْشٍ وَخَادِمٍ وَتَرَدُّدِ طَبِيبٍ، أَوْ بِأَنْ يُخَافَ مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ كَإِسْهَالٍ وَإِدْرَارِ بَوْلٍ، بِخِلَافِ مَرَضٍ لَا يُحْوِجُ إلَى الْخُرُوجِ كَصُدَاعٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَيَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِالْخُرُوجِ لَهُ، وَفِي مَعْنَى الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ الْخَوْفُ مِنْ لِصٍّ أَوْ حَرِيقٍ. (وَلَا) يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ (بِحَيْضٍ إنْ طَالَتْ مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ) بِأَنْ كَانَتْ لَا تَخْلُو عَنْهُ غَالِبًا كَشَهْرٍ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَمَثَّلَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْعِشْرِينَ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ غَالِبًا، لِأَنَّ غَالِبَ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الشَّهْرَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِيهِ إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ وَحَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَتُبْنَى عَلَى مَا سَبَقَ إذَا طَهُرَتْ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا (فَإِنْ كَانَتْ) مُدَّةُ الِاعْتِكَافِ (بِحَيْثُ تَخْلُو عَنْهُ) أَيْ الْحَيْضِ (انْقَطَعَ) التَّتَابُعُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِإِمْكَانِ الْمُوَالَاةِ بِشُرُوعِهَا عَقِبَ الطُّهْرِ. وَالثَّانِي: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 وَلَا بِالْخُرُوجِ نَاسِيًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَا بِخُرُوجِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَى مَنَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ لِلْأَذَانِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَيْضِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّتَابُعِ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَلَا) يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ (بِالْخُرُوجِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (نَاسِيًا) لِاعْتِكَافِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إنْ تَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ كَمَا لَا يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا، وَقِيلَ: يَنْقَطِعُ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ مَكَانِ الِاعْتِكَافِ مُذَّكِّرَةٌ لَهُ فَيَبْعُدُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنْ طَالَ فَهُوَ كَالْأَكْلِ الْكَثِيرِ نَاسِيًا وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَالْجَاهِلُ الَّذِي يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالنَّاسِي. وَلَوْ حُمِلَ وَأُخْرِجَ مُكْرَهًا لَمْ يَضُرَّ. وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ فِي الْأَظْهَرِ إنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ وَهُوَ مُمَاطِلٌ بِهِ أَوْ اعْتَكَفَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَأُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ لِتَقْصِيرِهِ. وَفِي مَعْنَى الْإِكْرَاهِ خَوْفُهُ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ خَوْفُ غَرِيمٍ لَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَلَا بَيِّنَةَ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ لِعُذْرِهِ، وَلَوْ خَرَجَ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُهَا وَأَدَاؤُهَا لَمْ يَنْقَطِعْ تَتَابُعُهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَى الْخُرُوجِ وَإِلَى سَبَبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَوْ تَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَإِلَّا فَتَحَمُّلُهُ لَهَا إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَدَاءِ فَهُوَ بِاخْتِيَارِهِ، وَمَحَلُّ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إذَا تَحَمَّلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الِاعْتِكَافِ وَإِلَّا فَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ فَفَوَّتَهُ لِصَوْمِ كَفَّارَةٍ لَزِمَتْهُ قَبْلَ النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ خَرَجَ لِإِقَامَةِ حَدٍّ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ تَتَابُعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمُعْتَكِفَةُ لِقَضَاءِ عِدَّةٍ لَا بِسَبَبِهَا وَلَا فِي مُدَّةٍ أَذِنَ زَوْجُهَا لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَارَةً لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُبَاشِرُ لِلْعِدَّةِ بِخِلَافِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْأَدَاءِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِسَبَبِهَا كَأَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَشِيئَتِهَا فَقَالَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ: شِئْت، أَوْ قَدَّرَ زَوْجُهَا مُدَّةً لِاعْتِكَافِهَا فَخَرَجَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنَّ تَتَابُعَهَا يَنْقَطِعُ. (وَلَا) يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ (بِخُرُوجِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ إلَى مَنَارَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ لِلْمَسْجِدِ (مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمَسْجِدِ) قَرِيبَةٍ مِنْهُ (لِلْأَذَانِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لَهُ مَعْدُودَةٌ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَقَدْ اعْتَادَ الرَّاتِبُ صُعُودَهَا، وَأَلِفَ النَّاسُ صَوْتَهُ فَيُعْذَرُ فِيهِ، وَيُجْعَلُ زَمَنُ الْأَذَانِ كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِكَافِهِ. وَالثَّانِي: يَنْقَطِعُ مُطْلَقًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ فَيُؤَذِّنُ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: يَجُوزُ لِلرَّاتِبِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ لِلْمَسْجِدِ مَعْدُودَةٌ مِنْ تَوَابِعِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ خَرَجَ غَيْرُ الرَّاتِبِ لِلْأَذَانِ، أَوْ خَرَجَ الرَّاتِبُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَهُ لَكِنْ إلَى مَنَارَةٍ لَيْسَتْ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لَهُ لَكِنْ بَعِيدَةٌ عَنْهُ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُنْفَصِلَةِ عَنْ مَنَارَةٍ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ فِي رَحْبَتِهِ فَلَا يَضُرُّ صُعُودُهَا مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ سَمْتِ الْبِنَاءِ وَتَرْبِيعِهِ، وَتَكُونُ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ كَمَنَارَةٍ مَبْنِيَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ مَالَتْ إلَى الشَّارِعِ فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ، وَلَوْ اُتُّخِذَ لِلْمَسْجِدِ جَنَاحٌ إلَى شَارِعٍ فَاعْتَكَفَ فِيهِ إنْسَانٌ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ بِالصِّحَّةِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ بُنِيَتْ لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لَهَا قَرِيبَةً كَانَتْ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 وَيَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْخُرُوجِ بِالْأَعْذَارِ إلَّا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ.   [مغني المحتاج] بَعِيدَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ إنْ بُنِيَتْ لِمَسْجِدٍ مُتَّصِلٍ بِمَسْجِدِ الِاعْتِكَافِ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا تَبَعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ، وَخَرَجَ بِالْقَرِيبَةِ الْبَعِيدَةُ فَيَقْطَعُ الْخُرُوجُ لَهَا التَّتَابُعَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحَدِّ الْبَعِيدَةِ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ تَكُونَ خَارِجَةً عَنْ جِوَارِ الْمَسْجِدِ وَجَارِهِ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ: يُحْتَمَلُ ضَبْطُ الْبَعِيدَةِ بِمَا جَاوَزَ حَرِيمَ الْمَسْجِدِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. (وَيَجِبُ قَضَاءُ أَوْقَاتِ الْخُرُوجِ) مِنْ الْمَسْجِدِ مِنْ نَذْرِ اعْتِكَافٍ مُتَتَابِعٍ (بِالْأَعْذَارِ) السَّابِقَةِ الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ بِهَا التَّتَابُعُ كَوَقْتِ أَكْلٍ وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَاغْتِسَالِ جَنَابَةٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَكِفٍ فِيهَا (إلَّا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُطْلَبُ لَهُ الْخُرُوجُ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ عَادَةً كَغُسْلِ جَنَابَةٍ وَأَذَانٍ رَاتِبٍ وَأَكْلٍ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مُعْتَكَفٌ فِيهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيَّ، وَلَمْ أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَحْصِ الشَّدِيدِ، بِخِلَافِ مَا يَطُولُ زَمَنُهُ كَمَرَضٍ وَعِدَّةٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الزَّمَنَ الْمَصْرُوفَ إلَى مَا شُرِطَ مِنْ عَارِضٍ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ. . خَاتِمَةٌ: لَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِالْحَجِّ وَخَشِيَ فَوْتَهُ قَطَعَ الِاعْتِكَافَ وَلَمْ يَبْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ عَلَى اعْتِكَافِهِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ أَتَمَّ اعْتِكَافَهُ ثُمَّ خَرَجَ لِحَجِّهِ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَبَانَ أَنَّهُ انْقَضَى قَبْلَ نَذْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّ اعْتِكَافَ شَهْرٍ قَدْ مَضَى مُحَالٌ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ لِلْمُتَطَوِّعِ الْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ دَوَامُ الِاعْتِكَافِ؟ قَالَ الْأَصْحَابُ: هُمَا سَوَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ الْخُرُوجَ لَهَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ لِذَلِكَ وَكَانَ اعْتِكَافُهُ تَطَوُّعًا. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ التَّسْوِيَةِ فِي عِيَادَةِ الْأَجَانِبِ. أَمَّا ذُو الرَّحِمِ وَالْأَقَارِبُ وَالْأَصْدِقَاءُ وَالْجِيرَانُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُرُوجَ لِعِيَادَتِهِمْ أَفْضَلُ، لَا سِيَّمَا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 كِتَابُ الْحَجِّ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْحَجِّ] (كِتَابُ الْحَجِّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ لُغَةً: الْقَصْدُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] يُعَظَّمُ. وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنَّاسِكِ الْآتِي بَيَانُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: هُوَ قَصْدُ الْأَفْعَالِ الْآتِيَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ. وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْحَجُّ يَجْمَعُ مَعَانِيَ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، فَمَنْ حَجَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 هُوَ فَرْضٌ وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] فَكَأَنَّمَا صَامَ وَصَلَّى وَاعْتَكَفَ وَزَكَّى وَرَابَطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَغَزَا، وَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّا دُعِينَا إلَيْهِ وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ. رُوِيَ " أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَك بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ ". وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا، وَقِيلَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ إلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ، وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ (هُوَ فَرْضٌ) أَيْ مَفْرُوضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] [آلَ عِمْرَانَ] الْآيَةَ، وَلِحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ، وَلِحَدِيثِ «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا، قَالُوا: كَيْفَ نَحُجُّ قَبْلَ أَنْ لَا نَحُجَّ؟ قَالَ أَنْ تَقْعُدَ الْعَرَبُ عَلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ يَمْنَعُونَ النَّاسَ السَّبِيلَ» وَهُوَ إجْمَاعٌ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَ؟ فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَعَلَى هَذَا قِيلَ فُرِضَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي، وَقِيلَ السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَصَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ فِي الثَّامِنَةِ حَكَاهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: وَقِيلَ فِي التَّاسِعَةِ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَقِيلَ فِي الْعَاشِرَةِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ غَلَطٌ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ، وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: لَا بَلْ لِلْأَبَدِ» وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» قِيلَ: إنَّ رَجُلًا قُتِلَ وَأُوقِدَ عَلَيْهِ النَّارُ طُولَ اللَّيْلِ فَلَمْ تَعْمَلْ فِيهِ وَبَقِيَ أَبْيَضَ الْبَدَنِ فَسَأَلُوا سَعْدُونَ الْخَوْلَانِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ، قَالُوا: نَعَمْ. وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِعَارِضٍ: كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ (وَكَذَا الْعُمْرَةُ) فَرْضٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] [الْبَقَرَةَ] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ، وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وَشَرْطُ صِحَّتِهِ: الْإِسْلَامُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ   [مغني المحتاج] «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرٍ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» فَضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّهُ بَاطِلٌ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى السَّائِلِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: أَنْ تَعْتَمِرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَالْعُمْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ، لُغَةً: الزِّيَارَةُ، وَقِيلَ الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عُمْرَةً، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ، وَشَرْعًا: قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ، وَلَا يُغْنِي عَنْهَا الْحَجُّ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا، وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ حَيْثُ يُغْنِي عَنْ الْوُضُوءِ بِأَنَّ الْغُسْلَ أَصْلٌ فَأَغْنَى عَنْ بَدَلِهِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَصْلَانِ. فَائِدَةٌ: النُّسُكُ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. وَإِمَّا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهُوَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَإِمَّا تَطَوُّعٌ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ، إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ لَكِنْ لَوْ تَطَوَّعَ مِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْمُخَاطَبِينَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَيُسَنُّ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ ذَلِكَ عَنْ سَنَةِ الْإِمْكَانِ مُبَادَرَةً إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَمُسَارَعَةً إلَى الطَّاعَاتِ. قَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] [الْبَقَرَةَ] وَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَفَعَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهُ إلَى السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ بِلَا مَانِعٍ، وَقِيسَ بِهِ الْعُمْرَةُ، لَكِنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَتَضَيَّقَ بِنَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ خَوْفِ عَضْبٍ، فَلَوْ خَشِيَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ الْعَضْبَ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ إنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ إلَى وَقْتِ فِعْلِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَمِثْلُهُ مَنْ خَشِيَ هَلَاكَ مَالِهِ. (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (الْإِسْلَامُ) فَقَطْ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي نَفْيِ اشْتِرَاطِ مَا عَدَا الْإِسْلَامَ، وَلِذَلِكَ قَيَّدْتُهُ بِفَقَطْ مَعَ أَنَّ الْمُحَرَّرَ قَدْ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجِّ لِلشَّخْصِ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَيْضًا الْوَقْتُ وَالنِّيَّةُ مَمْنُوعٌ فِي النِّيَّةِ، فَإِنَّ النِّيَّةَ مِنْ الْأَرْكَانِ. وَأَمَّا الْوَقْتُ أَيْ اتِّسَاعُهُ فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ مَا ذُكِرَ تَكْلِيفٌ (فَلِلْوَلِيِّ) فِي الْمَالِ وَلَوْ وَصِيًّا وَقَيِّمًا بِنَفْسِهِ وَبِمَأْذُونِهِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْوَلِيُّ نُسُكَهُ أَوْ أَحْرَمَ بِهِ (أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَرَفَعَتْ امْرَأَةٌ إلَيْهِ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 وَالْمَجْنُونِ،   [مغني المحتاج] وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ وَرَفَعَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا» وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُحْمَلُ بِعَضُدِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْمِحَفَّةِ لَا تَمْيِيزَ لَهُ (وَ) أَنْ يُحْرِمَ عَنْ (الْمَجْنُونِ) قِيَاسًا عَلَى الصَّبِيِّ خِلَافًا لِلْكَثِيرِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِالْمَنْعِ وَإِنْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ نَوْعِ مَنْ يَصِحُّ عِبَادَتُهُ فَيَنْوِي الْوَلِيُّ بِقَلْبِهِ جَعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُحْرِمًا أَوْ يَقُولُ أَحْرَمْت عَنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا وَلَا مُوَاجَهَتُهُمَا بِالْإِحْرَامِ وَلَا يَصِيرُ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ مُحْرِمًا. وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ الْمُمَيِّزِ أَيْضًا وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ أَوْ مَيَّزَ كَانَ أَوْلَى، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ كَالْجَدِّ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ الْإِحْرَامُ عَمَّنْ ذُكِرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَجَابُوا عَمَّا يُوهِمُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ مِنْ جَوَازِ إحْرَامِ الْأُمِّ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ أَنَّ الْأَجْرَ الْحَاصِلَ لَهَا إنَّمَا هُوَ أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ، إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا الَّتِي أَحْرَمَتْ بِهِ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ أَذِنَ لَهَا فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُحْرِمُ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ الْوَلِيُّ ثُمَّ أَعْطَاهُ لِمَنْ يُحْضِرُهُ الْحَجَّ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ صَارَ الصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مُحْرِمًا فَعَلَ الْوَلِيُّ الْمَذْكُورَ بِهِ وَكَذَا بِالْمَجْنُونِ مَا لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْوَلِيِّ فَقَطْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ فَيَطُوفُ بِهِ وَيَسْعَى وَلَكِنْ يَرْكَعُ عَنْهُ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافِ، فَإِنْ أَرْكَبَهُ الْوَلِيُّ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ فَلْيَكُنْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا لِلدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الطَّوَافِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ وَالصَّبِيُّ مُتَوَضِّئَيْنِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُتَوَضِّئًا دُونَ الْوَلِيِّ لَمْ يُجْزِهِ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ وَكَأَنَّهُ اغْتَفَرَ صِحَّةَ وُضُوءِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا اغْتَفَرَ صِحَّةَ طُهْرِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْضُرُ الْوَلِيُّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوَاقِفِ وُجُوبًا فِي الْوَاجِبَةِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبَةِ، فَإِنْ قَدَرَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى الرَّمْيِ رَمَى وُجُوبًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَنَاوُلِ الْأَحْجَارِ نَاوَلَهَا لَهُ وَلِيُّهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ اُسْتُحِبَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ ثُمَّ يَرْمِيَ بِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَعَ الرَّمْيُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الصَّبِيَّ، وَلَوْ فَرَّطَ الصَّبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ كَانَ وُجُوبُ الدَّمِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ ارْتَكَبَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُمَيِّزٌ وَتَعَمَّدَ فِعْلَ ذَلِكَ فَالْفِدْيَةُ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِي الْأَظْهَرِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا فِدْيَةَ فِي ارْتِكَابِهِ مَحْظُورًا عَلَى أَحَدٍ، وَالنَّفَقَةُ الزَّائِدَةُ بِسَبَبِ السَّفَرِ فِي مَالِ الْوَلِيِّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبِلَ لِلْمُمَيِّزِ نِكَاحًا، إذْ الْمَنْكُوحَةُ قَدْ تَفُوتُ وَالنُّسُكُ، يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ إلَى الْبُلُوغِ، وَفَارَقَ ذَلِكَ أُجْرَةَ تَعْلِيمِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ حَيْثُ وَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ التَّعْلِيمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَاشَرَةِ إذَا بَاشَرَهُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ دُونَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ.   [مغني المحتاج] كَالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْوَلِيُّ فِي الصِّغَرِ احْتَاجَ الصَّبِيُّ إلَى اسْتِدْرَاكِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَبِأَنَّ مُؤْنَةَ التَّعْلِيمِ يَسِيرَةٌ غَالِبًا، وَإِذَا جَامَعَ الصَّبِيُّ فِي حَجِّهِ فَسَدَ وَقَضَى وَلَوْ فِي الصِّبَا كَالْبَالِغِ الْمُتَطَوِّعِ بِجَامِعِ صِحَّةِ إحْرَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ لِفَسَادِ حَجِّهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَالِغِ مِنْ كَوْنِهِ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا مُجَامِعًا قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَ مِنْ الطَّاعَاتِ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِحْرَامِ عَنْ الْعَبْدِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ كَانَ بَالِغًا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ، وَمَفْهُومُهُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَتَزْوِيجِهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: رَأَيْتُ فِي الْأُمِّ الْجَزْمَ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالصَّغِيرِ، ثُمَّ سَاقَ كَلَامَ الْأُمِّ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهَا عَلَى الصَّغِيرِ فَيَتَوَافَقُ الْكَلَامَانِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ) وَلَوْ صَغِيرًا وَرَقِيقًا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ. وَيُشْتَرَطُ إذْنُ الْوَلِيِّ لِلصَّغِيرِ الْحُرِّ وَإِذْنُ السَّيِّدِ لِلصَّغِيرِ الرَّقِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا لَهُمَا وَاسْتَقَلَّا بِالْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَلَكِنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، فَلَا تَصِحُّ مُبَاشَرَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ (وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَعُمْرَتِهِ (بِالْمُبَاشَرَةِ) أَوْ النِّيَابَةِ (إذَا بَاشَرَهُ) الْمُسْلِمُ (الْمُكَلَّفُ) أَيْ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (الْحُرُّ) وَإِنْ لَمْ يُكَلَّفْ بِالْحَجِّ، وَالْمُرَادُ الْمُكَلَّفُ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالْحَجِّ، وَلِهَذَا قَالَ (فَيُجْزِئُ حَجُّ الْفَقِيرِ) وَكُلُّ عَاجِزٍ إذَا جَمَعَ الْحُرِّيَّةَ وَالتَّكْلِيفَ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ، أَوْ الْغَنِيُّ خَطَرَ الطَّرِيقِ وَحَجَّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِالْمُبَاشَرَةِ تَقْيِيدٌ مُضِرٌّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي بَاشَرَهُ مُكَلَّفٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَجُّ لِلْمُبَاشِرِ أَمْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَالْمَيِّتِ وَالْمَعْضُوبِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ الْفَقِيرُ الْحَجَّ وَأَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَفَاهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَأَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا، فَلَوْ أَفْسَدَهُ ثُمَّ قَضَاهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (دُونَ) حَجِّ (الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ) إذَا كَمَّلَا بَعْدَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ لَا يَتَكَرَّرُ فَاعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، فَإِنْ كَمَّلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ وَأَدْرَكَا بَعْدَ الْكَمَالِ زَمَنًا يُعْتَدُّ بِمِثْلِهِ فِي الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَا قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ أَجْزَأَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَدْرَكَا مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ، فَصَارَ كَإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَأَعَادَ السَّعْيَ مِنْهُمَا مَنْ كَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ الْقُدُومِ لِوُقُوعِهِ فِي حَالِ النُّقْصَانِ، وَيُخَالِفُ الْإِحْرَامَ فَإِنَّهُ مُسْتَدَامٌ بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاسْتِطَاعَةُ. وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَمُؤْنَةِ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ تُشْتَرَطْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ،   [مغني المحتاج] الْكَمَالِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ أَيْضًا إذَا تَقَدَّمَ الطَّوَافُ أَوْ الْحَلْقُ وَأَعَادَهُ بَعْدَ إعَادَةِ الْوُقُوفِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَتُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلَوْ كَمَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ كَانَ كَكَمَالِهِ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ: أَيْ وَأَتَى بِمَا مَضَى قَبْلَ كَمَالِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَمَّلَ بَعْدَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا لَوْ أَعَادَ الْوُقُوفَ بَعْدَ الْكَمَالِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَالطَّوَافُ فِي الْعُمْرَةِ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ عَوْدُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ ثَانِيًا كَالسَّعْيِ، وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ مُصَرَّحًا بِهَا اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَوُقُوعُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْعُمْرَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَيْضًا، وَالطَّوَافُ فِيهَا كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ، وَلَا دَمَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِإِتْيَانِهِ بِالْإِحْرَامِ بَعْدَ الْكَمَالِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ كَامِلًا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَلَا إسَاءَةَ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ أَجْزَأَ مَنْ ذَكَرَ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ أَوَّلًا تَطَوُّعًا وَانْقَلَبَ بَعْدَ الْكَمَالِ فَرْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ وَالْمَجْنُونِ إذَا حَجَّ عَنْهُ وَلِيُّهُ ثُمَّ أَفَاقَ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ مَا يُوهِمُ اشْتِرَاطَ الْإِفَاقَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. (وَشَرْطُ) أَيْ وَشُرُوطُ (وُجُوبِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (الْإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ) بِالْإِجْمَاعِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] [آلَ عِمْرَانَ] فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ بِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَهُوَ مُعْسِرٌ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ فِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ فَلَيْسَ مُسْتَطِيعًا، وَلَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسَ مَرَاتِبَ: الصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ، وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْوُقُوعُ عَنْ النَّذْرِ، وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَالْوُجُوبُ، فَيُشْتَرَطُ مَعَ الْوَقْتِ الْإِسْلَامُ وَحْدَهُ لِلصِّحَّةِ، وَمَعَ التَّمْيِيزِ لِلْمُبَاشَرَةِ، وَمَعَ التَّكْلِيفِ لِلنَّذْرِ، وَمَعَ الْحُرِّيَّةِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ، وَمَعَ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْوُجُوبِ. (وَهِيَ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِنَفْسِهِ (وَلَهَا شُرُوطٌ) سَبْعَةٌ، وَغَالِبُهَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَتْنِ، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَدَّهَا أَرْبَعَةً، فَقَالَ: (أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ) الَّذِي يَكْفِيهِ (وَأَوْعِيَتِهِ) حَتَّى السُّفْرَةِ (وَمُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (ذَهَابِهِ) لِمَكَّةَ (وَإِيَابِهِ) أَيْ رُجُوعِهِ مِنْهَا إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ (أَهْلٌ) مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ كَالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ (وَعَشِيرَةٌ) أَيْ أَقَارِبُ وَلَوْ كَانُوا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ - أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (لَمْ تُشْتَرَطْ) فِي حَقِّهِ (نَفَقَةُ الْإِيَابِ) لِأَنَّ الْبِلَادَ كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِمَا فِي الْغُرْبَةِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ أَيْضًا فِي الرَّاحِلَةِ لِلرُّجُوعِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 فَلَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ، وَإِنْ قَصُرَ وَهُوَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ كُلِّفَ الثَّانِي وُجُودُ الرَّاحِلَةِ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي الْمُؤْنَةِ الزَّادُ وَأَوْعِيَتُهُ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُؤْنَةِ أَغْنَى عَنْهُمَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَهْلٌ أَوْ عَشِيرَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَأَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته وَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وُجُودَ أَحَدِهِمَا كَافٍ فِي الْجَزْمِ بِاشْتِرَاطِ نَفَقَةِ الْإِيَابِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ مَسْكَنٌ، وَمَا إذَا كَانَ لَهُ فِي الْحِجَازِ حِرْفَةٌ تَقُومُ بِمُؤْنَتِهِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ نَفَقَةُ الْإِيَابِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُؤْنَةِ الْإِيَابِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الصُّوَرَ الَّتِي زِدْتهَا وَنَحْوَهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمَعَارِفِ وَالْأَصْدِقَاءِ لِتَيَسُّرِ اسْتِبْدَالِهِمْ (فَلَوْ) لَمْ يَجِدْ مَا ذُكِرَ، وَلَكِنْ (كَانَ يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ) فِي سَفَرِهِ (مَا يَفِي بِزَادِهِ) وَبَاقِي مُؤَنِهِ (وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ) مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ (لَمْ يُكَلَّفْ الْحَجَّ) وَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ لِعَارِضٍ وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ وَالْكَسْبِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ (وَإِنْ قَصُرَ) السَّفَرُ كَأَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، أَوْ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا (وَهُوَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ) أَيْ أَيَّامِ الْحَجِّ (كُلِّفَ) الْحَجَّ بِأَنْ يَخْرُجَ لَهُ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَكْسِبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا يَفِي بِهِ فَقَطْ فَلَا يُكَلَّفُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ كَسْبِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيَّامَ الْحَجِّ بِمَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحَجَّةِ وَزَوَالِ ثَالِثَ عَشَرَهُ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ يَنْفِرُ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ كُرِهَ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى السُّؤَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَإِلَّا مُنِعَ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُكْتَسِبِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ فِي الْحَضَرِ عَلَى أَنْ يَكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ وَلِلْحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ؟ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَفَقُّهًا: إذَا كَانَ السَّفَرُ قَصِيرًا لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْزَمُوهُ بِهِ فِي السَّفَرِ فَفِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا فَكَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ اهـ. وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافَهُ فِي الطَّوِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ الِاكْتِسَابُ لِإِيفَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلَا يُجَابُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لِإِيفَائِهِ أَوْلَى. وَالْوَاجِبُ فِي الْقَصِيرِ إنَّمَا هُوَ الْحَجُّ لَا الِاكْتِسَابُ، فَقَدْ نَقَلَ الْخُوَارِزْمِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ. (الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ) الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ) فَأَكْثَرُ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ الْحَجُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ أَوْجَبَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجُ مَاشِيَةً لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَرُبَّمَا تَظْهَرُ لِلرِّجَالِ إذَا كَانَتْ مَاشِيَةً، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِوَلِيِّهَا مَنْعُهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ، وَالرُّكُوبُ لِوَاجِدِ الرَّاحِلَةِ أَفْضَلُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَرْكَبَ عَلَى قَتَبٍ أَوْ رَحْلٍ لَا مَحْمِلٍ وَهَوْدَجٍ. وَالرَّاحِلَةُ - وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ - هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لَأَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، فَإِنْ ضَعُفَ فَكَالْبَعِيدِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَنْ دَيْنِهِ   [مغني المحتاج] تَرْحَلَ، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهَا كُلُّ مَا يُرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَفِي مَعْنَى الرَّاحِلَةِ كُلُّ دَابَّةٍ اُعْتِيدَ الْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ مِنْ بِرْذَوْنٍ أَوْ بَغْلٍ، أَوْ حِمَارٍ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا مَسَافَةَ الْقَصْرِ هُنَا مِنْ مَبْدَأِ سَفَرِهِ إلَى مَكَّةَ لَا إلَى الْحَرَمِ عَكْسَ مَا اعْتَبَرُوهُ فِي حَاضِرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمُتَمَتِّعِ رِعَايَةً لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِمَا (فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) وَضَبَطَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا يُوَازِي ضَرَرُهُ الضَّرَرَ الَّذِي بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ، وَعَبَّرَ غَيْرُهُ بِمَا يَخْشَى مِنْهُ الْمَرَضَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ بِأَنْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِيمَا أَظُنُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ لِلْمُتَأَمِّلِ أَوْ كَانَ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (اُشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ مِيمِهِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بِخَطِّ مُؤَلِّفِهِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ بِعِوَضِ مِثْلٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأُنْثَى وَأَحْوَطُ لِلْخُنْثَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَحْسُنُ الضَّبْطُ فِي حَقِّ الْأُنْثَى بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهَا أَوْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا فِي سَفَرِهَا الدُّنْيَوِيِّ وَغَايَةُ الرِّفْقِ أَنْ يَسْلُكَ بِالْعِبَادَةِ مَسْلَكَ الْعَادَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ نِسَاءِ الْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ وَالتُّرْكُمَانِ كَالرِّجَالِ فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ تَرْكَبُ الْخَيْلَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ. وَمَعَ هَذَا فَالسَّتْرُ مِنْهَا مَطْلُوبٌ، فَإِنْ لَحِقَ مَنْ ذُكِرَ فِي رُكُوبِ الْمَحْمِلِ الْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ الْكَنِيسَةُ، وَهِيَ أَعْوَادٌ مُرْتَفِعَةٌ فِي جَوَانِبِ الْمَحْمِلِ يَكُونُ عَلَيْهَا سِتْرٌ دَافِعٌ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ (وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ) أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمَحْمِلِ (يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ) لِتَعَذُّرِ رُكُوبِ شِقٍّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ، وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ بِتَمَامِهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ بِالْأَثْقَالِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ لِمُرِيدِ النُّسُكِ رَفِيقٌ مُوَافِقٌ، رَاغِبٌ فِي الْخَيْرِ كَارِهٌ لِلشَّرِّ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ، وَيَحْمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لَهُ عَلَيْهِ فَضْلًا وَحُرْمَةً، وَإِنْ رَأَى رَفِيقًا عَالِمًا دَيِّنًا كَانَ ذَاكَ هُوَ الْفَضْلُ الْعَظِيمُ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " ابْتَغِ الرَّفِيقَ قَبْلَ الطَّرِيقِ، فَإِنْ عَرَضَ لَكَ أَمْرٌ نَصَرَك، وَإِنْ احْتَجْت إلَيْهِ رَفَدَك " (وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ مَكَّةَ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَشْعَرَ تَعْبِيرُهُ بِالْمَشْيِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ أَوْ الزَّحْفُ وَإِنْ أَطَاقَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ (فَإِنْ ضَعُفَ) عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ (فَكَالْبَعِيدِ) عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ) مَا ذُكِرَ مِنْ (الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ) مَعَ الْمَحْمِلِ وَالشَّرِيكِ (فَاضِلِينَ عَنْ دَيْنِهِ) حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا، سَوَاءٌ كَانَ لِآدَمِيٍّ أَمْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ مَالٌ فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ فِي الْحَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا.   [مغني المحتاج] فَكَالْحَاصِلِ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ (وَ) عَنْ (مُؤْنَةِ) أَيْ كُلْفَةِ (مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) لِئَلَّا يُضَيَّعُوا. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ دَسْتِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُؤْنَةِ يَشْمَلُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْخِدْمَةَ وَالسُّكْنَى وَإِعْفَافَ الْأَبِ، وَكَذَا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ حَيْثُ احْتَاجَ إلَيْهَا الْقَرِيبُ وَالْمَمْلُوكُ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالنَّفَقَةِ، وَلَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى النَّفَقَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ دُونَ الْمُؤْنَةِ فَتَجِبُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ قَدْ يُوهِمُ جَوَازَ الْحَجِّ عِنْدَ فَقْدِ مُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَتْرُكَ لَهُمْ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْإِيَابِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مُضَيِّعًا لَهُمْ. قَالَهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ مَا سَبَقَ جَمِيعِهِ (فَاضِلًا) أَيْضًا (عَنْ مَسْكَنِهِ) اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ (وَ) عَنْ (عَبْدٍ) يَلِيقُ بِهِ وَ (يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ) لِمَنْصِبٍ أَوْ عَجْزٍ كَمَا يُبْقَيَانِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تَقْدِيرٌ صَرَفَهُ إلَيْهِمَا مُكِّنَ مِنْهُ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يُبَاعَانِ قِيَاسًا عَلَى الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مُسْتَغْرِقَةً لِحَاجَتِهِ وَكَانَتْ سُكْنَى مِثْلِهِ وَالْعَبْدُ يَلِيقُ بِهِ كَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ بَيْعُ بَعْضِ الدَّارِ وَلَوْ غَيْرَ نَفِيسَةٍ وَوَفَى ثَمَنُهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ، أَوْ كَانَا نَفِيسَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَبْدَلَهُمَا لَوَفَى التَّفَاوُتُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ جَزْمًا وَلَوْ كَانَا مَأْلُوفَيْنِ، بِخِلَافِهِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّمَتُّعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ الْمَكْفِيَّةَ بِإِسْكَانِ الزَّوْجِ وَإِخْدَامِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ قَدْ تَنْقَطِعُ فَتَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَكَذَا الْمَسْكَنُ لِلْمُتَفَقِّهَةِ السَّاكِنِينَ بِبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالصُّوفِيَّةِ بِالرُّبُطِ وَنَحْوِهِمَا اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُسْتَطِيعُونَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ، وَلِهَذَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ كَانَ غَنِيًّا لَيْلَةَ الْعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّمُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُنَاكَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاجَةِ حَاجَةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَاجَتَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ فَاضِلًا أَيْضًا عَنْ كُتُبِ الْعَالِمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ تَصْنِيفٍ وَاحِدٍ نُسْخَتَانِ فَيَبِيعَ إحْدَاهُمَا، وَحُكْمُ خَيْلِ الْجُنْدِيِّ وَسِلَاحِهِ كَكُتُبِ الْفَقِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَهَذَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْفِطْرَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَى النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لِخَائِفِ الْعَنَتِ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ وَلِغَيْرِهِ تَقْدِيمُ النُّسُكِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَيْهِمَا) أَيْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَيَلْزَمُ مَنْ لَهُ مُسْتَغِلَّاتٌ يَحْصُلُ مِنْهَا نَفَقَتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَا ذُكِرَ فِي دَيْنِهِ، وَيُخَالِفُ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 الثَّالِثُ أَمْنُ الطَّرِيقِ فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ،   [مغني المحتاج] فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يُتَّخَذُ ذَخِيرَةً لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ مَا ذُكِرَ لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِالْمَسَاكِينِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَسْبٌ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ بُعْدٌ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْحَجِّ، وَإِنْ عَجَزَ بِالْإِفْلَاسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَحُجَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَاتَ مَاتَ عَاصِيًا. تَنْبِيهٌ وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ النُّسُكِ وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (أَمْنُ الطَّرِيقِ) وَلَوْ ظَنًّا فِي كُلِّ مَكَان بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَلَوْ خَافَ) فِي طَرِيقِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) أَوْ عُضْوِهِ أَوْ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ مَعَهُ أَوْ عُضْوِهَا (أَوْ مَالِهِ) وَلَوْ يَسِيرًا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْيِيدُهُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلنَّفَقَةِ وَالْمُؤَنِ، أَمَّا إذَا أَرَادَ اسْتِصْحَابَ مَالٍ خَطِيرٍ لِلتِّجَارَةِ وَكَانَ الْخَوْفُ لِأَجْلِهِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ (سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ مَنْ يَرْصُدُ - أَيْ يَرْقُبُ مَنْ يَمُرُّ لِيَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا (وَلَا طَرِيقَ) لَهُ (سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ) عَلَيْهِ لِحُصُولِ الضُّرِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْنِ الْأَمْنُ الْعَامُّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ قُضِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَجَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَالنَّفْرِ الْقَلِيلِ لَمْ يُمْنَعْ الْوُجُوبُ، وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَكِنْ إنْ كَانُوا كُفَّارًا وَأَطَاقَ الْخَائِفُونَ مُقَاوَمَتَهُمْ سُنَّ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا لِلنُّسُكِ وَيُقَاتِلُوهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ النُّسُكِ وَالْجِهَادِ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُسَنَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ وَالْقِتَالُ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْكُفَّارُ مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ لِمَ لَا يَجِبُ قِتَالُهُمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ السِّيَرِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُنَا عَنْهُمْ حِينَئِذٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصَدِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَيَّدُوا تَخْصِيصَ الْكَرَاهَةِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ بِالْكُفَّارِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهَا هُنَاكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَبَذْلُ الْمَالِ عَلَى الْمُحْرِمِ أَسْهَلُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا قَبْلَهُ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لِارْتِكَابِ الذُّلِّ وَعَارِضُ الْكَرَاهَةِ هُنَاكَ اسْتِمْرَارُ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعْطِي هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَبَ الْحَجُّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَسَكَتَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِلْمِنَّةِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ آمِنٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ سُلُوكُهُ وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الْأَوَّلِ (وَالْأَظْهَرُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحْرِ) بِسُكُونِ الْحَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا لِمَنْ لَا طَرِيقَ لَهُ غَيْرُهُ وَلَوْ امْرَأَةً (إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ) فِي رُكُوبِهِ كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ لَمْ يَجِبْ، بَلْ يَحْرُمُ فِي الْأَوَّلِ قَطْعًا، وَفِي الثَّانِي عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَوْفِ وَالْخَطَرِ وَتَعَسُّرِ دَفْعِ عَوَارِضِهِ. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ مُطْلَقًا لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ،   [مغني المحتاج] دُونَ الْمَرْأَةِ وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ رُكُوبَهُ وَجَوَّزْنَاهُ اُسْتُحِبَّ لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِذَا لَمْ نُجَوِّزْهُ فَرَكِبَهُ لِعَارِضٍ فَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا قَطَعَهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ، أَوْ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَقَلَّ أَوْ تَسَاوَيَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ التَّمَادِي لِقُرْبِهِ مِنْ مَقْصِدِهِ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي حَقِّهِ فِي الثَّانِي، وَهَذَا بِخِلَافِ جَوَازِ تَحَلُّلِ الْمُحْرِمِ إذَا أَحَاطَ بِهِ الْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَرَ مَحْبُوسٌ وَعَلَيْهِ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ رَاكِبِ الْبَحْرِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا كَانَ كَالْمُحْصَرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الذَّهَابِ وَمَنْعِهِ مِنْ الِانْصِرَافِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ خَشِيَ الْعَضْبَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْوُجُوبِ، هَذَا إنْ وَجَدَ بَعْدَ الْحَجِّ طَرِيقًا آخَرَ فِي الْبَرِّ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ الْخَطَرِ بِرُكُوبِ الْبَحْرِ فِي رُجُوعِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْكَثْرَةِ وَالتَّسَاوِي الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ النَّظَرُ إلَى الْمَسَافَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْخَوْفِ فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ. أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَمَامَهُ أَقَلُّ مَسَافَةً لَكِنَّهُ أَخْوَفُ أَوْ هُوَ الْمَخُوفُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَإِنْ كَانَ أَطْوَلَ مَسَافَةً وَلَكِنَّهُ سَلِيمٌ وَخَلَفَ الْمَخُوفَ وَرَاءَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَلَا خَطَرَ فِي الْأَنْهَارِ الْعَظِيمَةِ كَجَيْحُونٍ وَسَيْحُونٍ وَالدِّجْلَةِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا مُطْلَقًا إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا؛ لِأَنَّ الْمُقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ، وَالْخَطَرُ فِيهَا لَا يَعْظُمُ لِأَنَّ جَانِبَهَا قَرِيبٌ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ سَرِيعًا بِخِلَافِ الْبَحْرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَانَ التَّصْوِيرُ فِيمَا إذَا كَانَ يَقْطَعُهَا عَرْضًا. أَمَّا لَوْ كَانَ السَّيْرُ فِيهَا طُولًا فَهِيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْبَحْرِ وَأَخْطَرَ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ خُصُوصًا أَيَّامَ زِيَادَةِ النِّيلِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجَّ] (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْبَذْرَقَةِ) وَهِيَ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَذَالٍ سَاكِنَةٍ مُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ عَجَمِيَّةٍ مُعَرَّبَةٍ الْخِفَارَةُ لِأَنَّهَا أُهْبَةٌ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ مَأْخُوذَةٌ بِحَقٍّ فَكَانَتْ كَأُجْرَةِ الدَّلِيلِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الطَّرِيقُ إلَّا بِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَيَخْفِرُهُ بِحَيْثُ يَأْمَنُ مَعَهُ فِي غَالِبِ الظَّنِّ وَجَبَ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ مُشْعِرَةً بِخِلَافِهِ. وَالثَّانِي وَأَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ: لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهَا خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظَّالِمِ فَأَشْبَهَ التَّسْلِيمَ إلَى الظَّالِمِ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَ طَلَبِهَا، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَجْهَانِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي وُجُوبِ النُّسُكِ (وُجُودُ الْمَاءِ وَالزَّادِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ) فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا أَوْ أَحَدُهُمَا، كَأَنْ كَانَ عَامَ جَدْبٍ وَخَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِق بِهِ، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ وَفِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ أَوْ نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ   [مغني المحتاج] بَعْضُ الْمَنَازِلِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ أَوْ وَجَدَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْمِلْ ذَلِكَ مَعَهُ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ حَمَلَهُ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً يَسِيرَةً فَتُغْتَفَرَ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَهَا بَدَلٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ (وَهُوَ) أَيْ ثَمَنُ الْمِثْلِ (الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) وَإِنْ غَلَتْ الْأَسْعَارُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَحَمْلِ الزَّادِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَّةَ وَحَمْلِ الْمَاءِ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَانَ هَذَا عَادَةَ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَإِلَّا فَعَادَةُ الشَّامِ حَمْلُهُ غَالِبًا بِمَفَازَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ ضِعْفُ ذَلِكَ اهـ. وَكَذَا عَادَةُ أَهْلِ مِصْرَ حَمْلُهُ إلَى الْعَقَبَةِ وَالضَّابِطُ الْعُرْفُ، وَالظَّاهِرُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي (وَ) وُجُودُ (عَلَفِ الدَّابَّةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ) لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ بِحَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعَادَةِ كَالْمَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ آفَاقِيًّا الْحَجُّ أَصْلًا، فَإِنْ عَدِمَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ جَهِلَ الْمَانِعَ وَثَمَّ أَصْلٌ اُسْتُصْحِبَ وَإِلَّا وَجَبَ الْخُرُوجُ، وَيَتَبَيَّنُ لُزُومُ الْخُرُوجِ بِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْمَانِعِ، فَلَوْ ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقِ فِيهِ مَانِعٌ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا مَانِعَ لَزِمَهُ النُّسُكُ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ السَّيْرِ الْمُعْتَادِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَاسْتِقْرَارِهِ لَا لِوُجُوبِهِ، فَقَدْ صَوَّبَ الْمُصَنِّفُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا يَشْهَدُ لَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رِفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ الْخُرُوجَ فِيهِ، وَأَنْ يَسِيرُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ، فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُونَ إلَى مَكَّةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ كَانُوا يَسِيرُونَ فَوْقَ الْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ، هَذَا إنْ احْتَاجَ إلَى الرُّفْقَةِ لِدَفْعِ الْخَوْفِ، فَإِنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهَا لَزِمَهُ، وَلَا حَاجَةَ لِلرُّفْقَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْوَحْشَةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِمَا هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي) وُجُوبِ نُسُكِ (الْمَرْأَةِ) زَائِدًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجُلِ (أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ) لَهَا بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ نِسْوَةٌ) : بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا (ثِقَاتٌ) لِأَنَّ سَفَرَهَا وَحْدَهَا حَرَامٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي قَافِلَةٍ لِخَوْفِ اسْتِمَالَتِهَا وَخَدِيعَتِهَا، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ» وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِمَا: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ كَوْنَهُمَا ثِقَتَيْنِ كَمَا قَالُوا نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ، وَهُوَ فِي الزَّوْجِ وَاضِحٌ. وَأَمَّا فِي الْمَحْرَمِ فَيُشْبِهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ، وَكَالْمَحْرَمِ عَبْدُهَا الْأَمِينُ وَالْمَمْسُوحُ. وَشَرَطَ الْعَبَّادِيُّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لِإِحْدَاهُنَّ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا. ،   [مغني المحتاج] الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا، وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، وَيَنْبَغِي مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالصَّبِيِّ، إذْ لَا يَحْصُلُ لَهَا مَعَهُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا إلَّا فِي مُرَاهِقٍ ذِي وَجَاهَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مَعَهُ الْأَمْنُ لِاحْتِرَامِهِ، وَأَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ فِي النِّسْوَةِ الثِّقَاتِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَيْرُ الثِّقَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمَحَارِمِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بُلُوغُهُنَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِخَطَرِ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُنَّ مُرَاهِقَاتٍ فَيَظْهَرَ الِاكْتِفَاءُ بِهِنَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ لَا مَعْنَى لَهُ، بَلْ الْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِأَقَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ ثَلَاثٌ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرْأَتَيْنِ لِأَنَّهُنَّ يَصِرْنَ ثَلَاثًا، وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يَكْتَفِي بِاجْتِمَاعِ نِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لِإِحْدَاهُنَّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ الْأَطْمَاعِ عَنْهُنَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ، وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّسْوَةِ هُوَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ. أَمَّا الْجَوَازُ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ لِأَدَاءِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْمَرْأَةِ الثِّقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَافْهَمْهُ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: شَرْطُ وُجُوبِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالثَّانِيَةُ: شَرْطُ جَوَازِ الْخُرُوجِ لِأَدَائِهَا وَقَدْ اشْتَبَهَتَا عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى تَوَهَّمُوا اخْتِلَافَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ مَا دَلَّ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ وَحْدَهَا. أَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَا تَجِبُ فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ مَعَ امْرَأَةٍ بَلْ وَلَا مَعَ النِّسْوَةِ الْخُلَّصِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ لَوْ تَطَوَّعَتْ بِحَجٍّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَمَاتَ فَلَهَا إتْمَامُهُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَهَا الْهِجْرَةُ مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ وَحْدَهَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ لَا أَجْنَبِيَّاتٍ، كَذَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ عَنْ أَبِي الْفُتُوحِ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ جَوَازُ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِنِسْوَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا بِقَلِيلٍ عَلَى الصَّوَابِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي حَقِّهِ مَا يَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ) أَوْ زَوْجٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (لِإِحْدَاهُنَّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُهُنَّ أَمْرٌ فَيَسْتَعِنَّ بِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ) مَعَهَا (إلَّا بِهَا) إذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَأُجْرَةِ الْبَذْرَقَةِ وَأَوْلَى بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى الْتِزَامِ هَذِهِ الْمُؤْنَةِ مَعْنِيٌّ فِيهَا فَأَشْبَهَ مُؤْنَةَ الْحَمْلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الزَّوْجِ كَالْمَحْرَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَفِي أُجْرَةِ النِّسْوَةِ نَظَرٌ لِلْإِسْنَوِيِّ، وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُنَّ بِالْمَحْرَمِ، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ حَجُّ التَّطَوُّعِ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَكَذَا السَّفَرُ لِلْفَرْضِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِالْأُجْرَةِ لَمْ يُجْبَرْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 الرَّابِعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ إنْ وَجَدَ قَائِدًا، وَهُوَ كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ: النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ،   [مغني المحتاج] حَدِّ الزِّنَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ عَبْدُهَا مَحْرَمًا لَهَا كَانَ لَهَا إجْبَارُهُ، وَكَذَا لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: نَعَمْ إنْ كَانَ قَدْ أَفْسَدَ حَجَّهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ بِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ بِلَا أَجْرٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ لُزُومِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّعْصِيَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَنْهَا مِنْ تَرِكَتِهَا، أَوْ تَكُونُ نَذَرَتْ الْحَجَّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ خَشِيَتْ الْعَضْبَ، فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا النُّسُكُ. (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ (أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ) أَوْ فِي مَحْمِلٍ وَنَحْوِهِ (بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا أَصْلًا أَوْ ثَبَتَ فِي مَحْمِلٍ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِكِبَرٍ وَغَيْرِهِ انْتَفَى عَنْهُ اسْتِطَاعَةُ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا تَضُرُّ مَشَقَّةٌ تُحْتَمَلُ فِي الْعَادَةِ (وَعَلَى الْأَعْمَى الْحَجُّ) وَالْعُمْرَةُ (إنْ وَجَدَ) مَعَ مَا مَرَّ (قَائِدًا) يَقُودُهُ وَيَهْدِيهِ عِنْدَ نُزُولِهِ وَيُرَكِّبُهُ عِنْدَ رُكُوبِهِ (وَهُوَ) فِي حَقِّهِ (كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ، وَلَوْ أَمْكَنَ مَقْطُوعُ الْأَطْرَافِ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَزِمَهُ بِشَرْطِ وُجُودِ مُعِينٍ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّاحِلَةِ هُنَا الْبَعِيرُ بِمَحْمِلٍ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافُ الرَّاحِلَةِ فِيمَا سَبَقَ فَإِنَّهَا الْبَعِيرُ الْخَالِي عَنْ الْمَحْمِلِ (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ) فِي وُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ (لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إلَيْهِ) لِئَلَّا يُبَذِّرَهُ (بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ) بِنَفْسِهِ إنْ شَاءَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ (أَوْ يَنْصِبُ شَخْصًا لَهُ) ثِقَةً يَنُوبُ عَنْ الْوَلِيِّ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا كَافِيًا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَتَهُ كَأُجْرَةِ مَنْ يَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي إذَا قَصُرَتْ مُدَّةُ السَّفَرِ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ النَّفَقَةُ، لِقَوْلِهِمْ فِي الْوَصَايَا وَغَيْرِهَا: إنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ فَأُسْبُوعٍ إذَا كَانَ لَا يُتْلِفُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي الْحَضَرِ يُرَاقِبُهُ، فَإِنْ أَتْلَفَهَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَرُبَّمَا أَتْلَفَ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَيُضَيَّعُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَلِيُّ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ السَّفِيهُ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ تُوجَدَ هَذِهِ الْمُعْتَبَرَاتُ فِي إيجَابِ الْحَجِّ فِي الْوَقْتِ، فَلَوْ اسْتَطَاعَ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا ثُمَّ افْتَقَرَ فِي شَوَّالٍ فَلَا اسْتِطَاعَةَ، وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ رُجُوعِ مَنْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الذَّهَابُ وَالْإِيَابُ. (النَّوْعُ الثَّانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحْصِيلِهِ) أَيْ الْحَجِّ لَا بِالْمُبَاشَرَةِ بَلْ (بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ) وَاجِبٌ مُسْتَقِرٌّ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمُضِيِّ إمْكَانِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ ثُمَّ مَاتَ أَثِمَ وَلَوْ شَابًّا، وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ (وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ) وَلَوْ كَانَ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا مُسْتَأْجَرًا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ كَمَا يَقْضِي مِنْهَا دَيْنَهُ لِرِوَايَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 وَالْمَعْضُوبُ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ   [مغني المحتاج] الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَتَهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ: اقْضُوا دَيْنَ اللَّهِ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» وَلَفْظُ النَّسَائِيّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيك دَيْنٌ أَكُنْت قَاضِيَهُ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» فَشَبَّهَ الْحَجَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُ التَّأْخِيرَ لَا التَّفْوِيتَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْثَمْ إذَا مَاتَ أَثْنَاءَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا مَعْلُومٌ فَلَا تَقْصِيرَ مَا لَمْ يُؤَخِّرْهُ عَنْهُ وَالْإِبَاحَةُ فِي الْحَجِّ بِشَرْطِ الْمُبَادَرَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ أَشْعَرَ الْحَالُ بِالتَّقْصِيرِ، وَاعْتِبَارُ إمْكَانِ الرَّمْيِ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ زَمَنٍ يَسَعُ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، وَيُعْتَبَرُ الْأَمْنُ فِي السَّيْرِ إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ لَيْلًا اهـ. وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ سِنِينَ فَلَمْ يَحُجَّ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عَضَبَ فَعِصْيَانُهُ مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا فَيَتَبَيَّنُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَضْبِهِ فِسْقُهُ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ وَفِيمَا بَعْدَهَا فِي الْمَعْضُوبِ إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَنْقُضُ مَا شَهِدَ بِهِ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ بَلْ وَفِيمَا بَعْدَهَا فِي الْمَعْضُوبِ إلَى مَا ذُكِرَ كَمَا فِي نَقْضِ الْحُكْمِ بِشُهُودٍ بَانَ فِسْقُهُمْ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِلَا إذْنٍ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنٍ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً لَمْ يَجِبْ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ لَا عَلَى الْوَارِثِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْوُجُوبِ كَأَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ تَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ حَجِّ النَّاسِ لَمْ يَقْضِ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْحَجِّ. فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَثْنَى مِنْ الصَّوَابِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَقَعَ عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ لَا تَرِكَةَ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ زَوَالُ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ (وَالْمَعْضُوبُ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ الْعَضْبِ، وَهُوَ الْقَطْعُ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ، وَبِصَادٍ مُهْمَلَةٍ كَأَنَّهُ قُطِعَ عَصَبُهُ، وَوَصَفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ) حَالًا أَوْ مَآلًا؛ لِكِبَرٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ فِي مَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْمَعْضُوبِ وَلَيْسَتْ خَبَرًا لَهُ بَلْ الْخَبَرُ جُمْلَتَا الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ وَجَدَ أُجْرَةَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ مِثْلِ مُبَاشَرَتِهِ. أَيْ فَمَا دُونَهَا (لَزِمَهُ) الْحَجُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ كَمَا تَكُونُ بِالنَّفْسِ تَكُونُ بِبَذْلِ الْمَالِ وَطَاعَةِ الرِّجَالِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْبِنَاءَ: إنَّك مُسْتَطِيعٌ بِنَاءَ دَارِك إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَفِي بِبِنَائِهَا، وَإِذَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذَهَابًا وَإِيَابًا،   [مغني المحتاج] وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ لِلْآيَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ نَعَمْ» وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَحُجَّ بِنَفْسِهِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فَيُضْطَرُّ إلَى الِاسْتِنَابَةِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أُجْرَةَ مَاشٍ. قِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْجَارُ إذَا كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا كَمَا لَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ مَاشِيًا، وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ، لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ غَيْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا كَمَا يَأْخُذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْمُطَاعِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْمَعْضُوبَ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَلَا يَقَعُ الْحَجُّ عَنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ كَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا وَإِنْ رَجَّحَا قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ (فَاضِلَةً عَنْ الْحَاجَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ) وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا (لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ) وَلَا غَيْرُهَا مِنْ مُؤَنِهِمْ (ذَهَابًا وَإِيَابًا) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْ أَهْلَهُ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ نَفَقَتِهِمْ وَنَفَقَتُهُ كَنَفَقَتِهِمْ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَأَقَرَّهُ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ فَاضِلَةً عَنْ مُؤْنَتِهِمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَنْ مُؤْنَتِهِ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُؤْنَةِ بَدَلَ النَّفَقَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْته (وَلَوْ) وَجَدَ دُونَ الْأُجْرَةِ وَرَضِيَ بِهِ أَجِيرٌ لَزِمَهُ الِاسْتِئْجَارُ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ، وَالْمِنَّةُ فِيهِ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ أُجْرَةً وَ (بَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ أَعْطَى لَهُ (وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِي قَبُولِ الْمَالِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَالثَّانِي: يَجِبُ كَبَذْلِ الطَّاعَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَجْنَبِيِّ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي الِابْنِ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، وَالْأَبُ كَالِابْنِ فِي أَصَحِّ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ، وَالِاحْتِمَالُ الْآخَرُ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْوَلَدُ الْمُطِيعُ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ أَيْضًا وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ مَنْ يَحُجَّ وَبَذَلَ لَهُ ذَلِكَ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَى الْمَبْذُولِ لَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُتَوَلِّي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْمُطِيعُ إنْسَانًا لِلْحَجِّ عَنْ الْمُطَاعِ الْمَعْضُوبِ، فَالْمَذْهَبُ لُزُومُهُ إنْ كَانَ الْمُطِيعُ وَلَدًا لِتَمَكُّنِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمُطِيعُ أَجْنَبِيًّا فَفِيهِ وَجْهَانِ اهـ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لُزُومُهُ، وَكَلَامِ الْبَغَوِيِّ عَدَمُ لُزُومِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وَلَوْ بَذَلَ وَلَدُهُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ مَالًا لِلْأُجْرَةِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ الطَّاعَةَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَكَالْوَلَدِ فِي هَذَا الْوَالِدُ (وَلَوْ بَذَلَ الْوَلَدُ) وَإِنْ سَفَلَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (الطَّاعَةَ) فِي النُّسُكِ بِنَفْسِهِ (وَجَبَ قَبُولُهُ) وَهُوَ الْإِذْنُ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ كَالْمِنَّةِ فِي الْمَالِ لِحُصُولِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يَأْذَنْ الْحَاكِمُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْحَجَّ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّرَاخِي (وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ) لَوْ بَذَلَ الطَّاعَةَ يَجِبُ قَبُولُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ، وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمَحَلُّ اللُّزُومِ إذَا وَثِقَ بِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ حَجٌّ وَلَوْ نَذْرًا، وَكَانُوا مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُمْ فَرْضُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَكُونُوا مَعْضُوبِينَ، وَلَوْ تَوَسَّمَ الطَّاعَةَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَزِمَهُ أَمْرُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ طَاعَتُهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ إعْفَافِهِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ هُنَا عَلَى الْوَالِدِ بِامْتِنَاعِ وَلَدِهِ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ لَا يَأْثَمُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَحِقَ الْوَالِدَ وَضَرَرُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالنَّفَقَةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ كَانَ الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ أَوْ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا مَاشِيًا أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ مُعَوَّلًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ وَلَوْ رَاكِبًا، أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَغْرُورًا بِنَفْسِهِ بِأَنْ كَانَ يَرْكَبُ مَفَازَةً لَيْسَ فِيهَا كَسْبٌ وَلَا سُؤَالٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولٌ فِي ذَلِكَ لِمَشَقَّةِ مَشْيِ مَنْ ذُكِرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشْيِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْكَسْبُ قَدْ يَنْقَطِعُ وَالسَّائِلُ قَدْ يَرُدُّ وَالتَّغْرِيرُ بِالنَّفْسِ حَرَامٌ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ وَالْمُكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لَا يُعْذَرُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْقَبُولُ فِي الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُطِيعُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ عَنْ طَاعَتِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ جَازَ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الشُّرُوعُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ. وَإِذَا رَجَعَ فِي الْأُولَى قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ أَهْلُ بَلَدِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُطَاعِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَعْضُوبُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَوْ مِنْ اسْتِنَابَةِ الْمُطِيعِ لَمْ يُلْزِمْهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ وَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ مَنْ عَضَبَ مُطْلَقًا فِي الْإِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَلَوْ مَاتَ الْمُطِيعُ أَوْ رَجَعَ عَنْ الطَّاعَةِ أَوْ مَاتَ الْمُطَاعُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ إمْكَانِ الْحَجِّ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّةِ الْمُطَاعِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ مُطِيعٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْمَالِ وَلَا بِطَاعَةِ الْمُطِيعِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَعُمْرَتِهِ كَمَا فِي النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِالنَّفَقَةِ وَهِيَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ كَمَا يَجُوزُ بِالْإِجَارَةِ وَالْجَعَالَةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بِهَا لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَلَوْ قَالَ الْمَعْضُوبُ: مَنْ يَحُجُّ عَنِّي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَمَنْ حَجَّ عَنْهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ أَوْ سَمِعَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْهَا اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ اثْنَانِ مُرَتَّبًا اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، فَإِنْ أَحْرَمَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا مَعَ جَهْلِ سَبْقِهِ أَوْ بِدُونِهِ وَقَعَ حَجُّهُمَا عَنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لَهُمَا عَلَى الْقَائِلِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ عَلِمَ سَبْقَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ نَسِيَ فَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِ، وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا كَأَنْ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ ثَوْبٌ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. خَاتِمَةٌ: الِاسْتِئْجَارُ فِيمَا ذُكِرَ ضَرْبَانِ: اسْتِئْجَارُ عَيْنٍ، وَاسْتِئْجَارُ ذِمَّةٍ، فَالْأَوَّلُ كَاسْتَأْجَرْتُكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 بَابُ الْمَوَاقِيتِ وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ وَجْهٌ:   [مغني المحتاج] لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي هَذِهِ السَّنَةَ، فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ، وَحُمِلَ عَلَى السَّنَةِ الْحَاضِرَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى مَكَّةَ إلَّا لِسَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَالْأُولَى مِنْ سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَاتِّسَاعُ الْمُدَّةِ لَهُ، وَالْمَكِّيُّ وَنَحْوُهُ يُسْتَأْجَرُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي كَقَوْلِهِ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك تَحْصِيلَ حَجَّةٍ، وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ فِي هَذَا الضَّرْبِ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى السَّفَرِ لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك لِتَحُجَّ عَنِّي بِنَفْسِك صَحَّ وَتَكُونُ إجَارَةَ عَيْنٍ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدِينَ أَعْمَالَ الْحَجِّ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْمِيقَاتِ، وَيُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِلْقِرَانِ فَالدَّمُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْأَجِيرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْقِرَانِ مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الدَّمِ عَلَى الْأَجِيرِ: لِأَنَّ بَعْضَهُ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ وَاَلَّذِي فِي الْحَجِّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَجِيرُ، وَجِمَاعُ الْأَجِيرِ مُفْسِدٌ لِلْحَجِّ وَتَنْفَسِخُ بِهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ لَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ، وَيَنْقَلِبُ فِيهِمَا الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَحْصُلُ بِالْحَجِّ الْفَاسِدِ فَانْقَلَبَ لَهُ كَمُطِيعِ الْمَعْضُوبِ إذَا جَامَعَ فَسَدَ حَجُّهُ وَانْقَلَبَ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي فَاسِدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَنْ نَفْسِهِ بِحَجٍّ آخَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَامٍ آخَرَ أَوْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ عَلَى التَّرَاخِي لِتَأَخُّرِ الْمَقْصُودِ، وَيَسْقُطُ فَرْضُ مَنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ بِمَالٍ حَرَامٍ كَمَغْصُوبٍ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي مَغْصُوبٍ أَوْ ثَوْبِ حَرِيرٍ. [بَابُ الْمَوَاقِيتِ] (بَابُ الْمَوَاقِيتِ) لِلنُّسُكِ زَمَانًا وَمَكَانًا: جَمْعُ مِيقَاتٍ، وَالْمِيقَاتُ فِي اللُّغَةِ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَهُنَا زَمَانُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا، وَقَدْ بَدَأَ بِالزَّمَانِ فَقَالَ: (وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ) لِمَكِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَجَمْعُهُ ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِيهِ (وَعَشْرُ لَيَالٍ) بِالْأَيَّامِ بَيْنَهَا وَهِيَ تِسْعَةٌ (مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا وَجَمْعُهُ ذَوَاتُ الْحِجَّةِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ. وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] الْبَقَرَةَ بِذَلِكَ: أَيْ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِهِ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ إذْ فِعْلُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَشْهُرٍ، وَأَطْلَقَ الْأَشْهُرَ عَلَى شَهْرَيْنِ وَبَعْضِ شَهْرٍ تَنْزِيلًا لِلْبَعْضِ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ، أَوْ إطْلَاقًا لِلْجَمِيعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: 26] [النُّورَ] أَيْ عَائِشَةُ وَصَفْوَانُ (وَفِي لَيْلَةِ النَّحْرِ) وَهِيَ الْعَاشِرَةُ (وَجْهٌ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ.   [مغني المحتاج] أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِهِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ تَبَعٌ لِلْأَيَّامِ، وَيَوْمُ النَّحْرِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْإِحْرَامُ فَكَذَا لَيْلَتُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ إذَا ضَاقَ زَمَنُ الْوُقُوفِ عَنْ إدْرَاكِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْجُمُعَةِ لِبَقَاءِ الْحَجِّ حَجًّا بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ. (فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ الْحَجِّ حَلَالٌ (فِي غَيْرِ وَقْتِهِ) كَأَنْ أَحْرَمَ بِهِ فِي رَمَضَانَ أَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُ بِذَلِكَ (عُمْرَةً) مُجْزِئَةً عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَقْتَ مَا أَحْرَمَ بِهِ انْصَرَفَ إلَى مَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ قَصْدُ الْحَجِّ فِيمَا إذَا نَوَاهُ بَقِيَ مُطْلَقُ الْإِحْرَامِ، وَالْعُمْرَةُ تَنْعَقِدُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ عُمْرَةً بَلْ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّمَانَيْنِ لَيْسَ وَقْتًا لِلْحَجِّ، وَخَرَجَ بِحَلَالٍ مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، فَإِنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَلَا عُمْرَةً لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّحِيحِ دُونَ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ طُرُقِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهُوَ عُمْرَةٌ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي أَشْهُرِهِ أَوْ قَبْلَهَا. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: كَانَ حَجًّا؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ إحْرَامَهُ الْآنَ وَشَكَّ فِي تَقَدُّمِهِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْعُمْرَةِ جَمِيعُ السَّنَةِ كَمَا قَالَ (وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ) وَجَمِيعُ أَفْعَالِهَا، فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اعْتَمَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ: أَيْ فِي ثَلَاثِ أَعْوَامٍ، وَأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَإِنْ أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ عَائِشَةُ، وَأَنَّهُ قَالَ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا " حَجَّةً مَعِي ". وَرُوِيَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَمَضَانَ وَفِي شَوَّالٍ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْقِيتِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا فِي أَوْقَاتٍ مِنْهَا، مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ نَفْرِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ: فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ التَّشَاغُلِ بِعَمَلِهَا. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ حَلَالٌ، وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ إلَّا هَذَا، وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا وَهُوَ مُجَامِعٌ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا امْتِنَاعُ حَجَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إجْمَاعٌ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا صِحَّةُ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ إذَا قَصَدَ تَرْكَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. أَمَّا إحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ نَفْسُ مَكَّةَ، وَقِيلَ كُلُّ الْحَرَمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ   [مغني المحتاج] نَفْرِهِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ الرَّمْيِ بَعْدَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا لِأَنَّ بِالنَّفْرِ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَصَارَ كَمَا لَوْ مَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ. نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا وَلَوْ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ فَلَا تُكْرَهُ فِي وَقْتٍ وَلَا يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا «فَقَدْ أَعْمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ، وَاعْتَمَرَتْ فِي عَامٍ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَ عُمَرَ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَفِعْلُهَا فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَ بِفَاضِلٍ كَفَضْلِهِ فِي غَيْرِهِمَا لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُ الْحَجِّ فِيهِمَا. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي الطَّوَافِ وَالِاعْتِمَارِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ ثَالِثُهُمَا: إنْ اُسْتُغْرِقَ زَمَنُ الِاعْتِمَارِ بِالطَّوَافِ فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالِاعْتِمَارُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَكَانِيِّ فَقَالَ: (وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ) وَلَوْ بِقِرَانٍ (فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ) مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ (نَفْسُ مَكَّةَ) لِلْخَبَرِ الْآتِي (وَقِيلَ: كُلُّ الْحَرَمِ) لِأَنَّ مَكَّةَ وَسَائِرَ الْحَرَمِ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ، فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فِرَاقِهِ بُنْيَانَ مَكَّةَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ مُسِيئًا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَأَمَّا غَيْرُهُ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي (فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ، وَأَحَدُ الْحَلْفَاءِ مِثْلُ قَضْبَةٍ وَقَضْبَاءَ، وَهُوَ النَّبَاتُ الْمَعْرُوفُ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهُوَ عَلَى نَحْوِ عَشْرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهُوَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ سَبْعَةٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ تَزِيدُ قَلِيلًا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْأَفْضَلُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ هَذَا مِيقَاتُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) الْمُتَوَجِّهِ (مِنْ الشَّامِ) بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ، وَالْمَدِّ مَعَ فَتْحِ الشِّينِ ضَعِيفٌ. وَأَوَّلُهُ كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ نَابُلُسُ وَآخِرُهُ الْعَرِيشُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَدُّهُ طُولًا مِنْ الْعَرِيشِ إلَى الْفُرَاتِ، وَعَرْضًا مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ مِنْ نَحْوِ الْقِبْلَةِ إلَى بَحْرِ الرُّومِ، وَمَا سَامَتْ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) مِنْ (مِصْرَ) وَهِيَ الْمَدِينَةُ الْمَعْرُوفَةُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَتُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَهُوَ الْفَصِيحُ، وَحَدُّهَا طُولًا مِنْ بَرْقَةَ الَّتِي فِي جَنُوبِ الْبَحْرِ الرُّومِيِّ إلَى أَيْلَةَ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَرْضُهُ مِنْ مَدِينَةِ أُسْوَانَ وَمَا سَامَتَهَا مِنْ الصَّعِيدِ الْأَعْلَى إلَى رَشِيدٍ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ مَسَاقِطِ النِّيلِ فِي الْبَحْرِ الرُّومِيِّ، وَمَسَافَةُ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَنْ سَكَنَهَا أَوَّلًا، وَهُوَ مُضَرُ بْنُ قَيْصَرَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ (وَ) مِنْ (الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ) وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْ مَكَّةَ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بَعِيدٌ، وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ نَزَلَ عَلَيْهَا فَأَجْحَفَهَا، وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ، وَيُقَالُ لَهَا مَهْيَعَةٌ بِوَزْنِ مَرْتَبَةٍ، وَمَهْيَعَةٌ بِوَزْنِ مَعِيشَةٍ (وَمِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ) بِكَسْرِ التَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنُ إقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 يَلَمْلَمُ، وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ، وَمِنْ الْمَشْرِقِ ذَاتُ عِرْقٍ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ   [مغني المحتاج] (يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ وَهُوَ أَصْلُهُ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً، وَيَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (وَمِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَوَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَحْرِيكِ الرَّاءِ وَفِي قَوْلِهِ: أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْنٍ قَبِيلَةٍ مِنْ مُرَادٍ كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ، وَنَجْدٌ فِي الْأَصْلِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ وَيُسَمَّى الْمُنْخَفِضُ غَوْرًا، وَإِذَا أُطْلِقَ نَجْدٌ فَالْمُرَادُ نَجْدُ الْحِجَازِ (وَمِنْ الْمَشْرِقِ) الْعِرَاقُ وَغَيْرُهُ (ذَاتُ عِرْقٍ) وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ خَرِبَتْ وَالْعَقِيقُ، وَهُوَ وَادٍ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَخُرَاسَانُ أَفْضَلُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِاحْتِمَالِ صِحَّتِهِ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ: هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» وَخَبَرُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ الْجُحْفَةَ» . وَخَبَرُ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» . وَقِيلَ: إنَّ ذَاتَ عِرْقٍ إنَّمَا كَانَ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ مَيْلِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِالنَّصِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ لِلرَّافِعِيِّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْأَجِيرُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي يَحُجُّ عَنْهُ، فَإِنْ مَرَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ بِإِزَائِهِ إذَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ مِنْ مَكَّةَ. حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْفُورَانِيِّ وَأَقَرَّهُ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: فِي أَيْ سَنَةٍ أَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوَاقِيتَ الْإِحْرَامِ قَالَ: عَامَ حَجَّ. (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ) وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَبْعَدُ مِنْ مَكَّةَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ مِنْ وَسَطِهِ وَمِنْ آخِرِهِ لِيَقْطَعَ الْبَاقِيَ مُحْرِمًا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى ذُو الْحُلَيْفَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا حَقٌّ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ هُوَ الْمَسْجِدُ الْمَوْجُودُ آثَارُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ أَوْ مِيقَاتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَمِنْ مَسْكَنِهِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ.   [مغني المحتاج] هُوَ اهـ. (وَيَجُوزُ مِنْ آخِرِهِ) لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، وَالْعِبْرَةُ بِالْبُقْعَةِ لَا بِمَا بُنِيَ وَلَوْ قَرِيبًا مِنْهَا (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا) فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ (لَا يَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ) مِمَّا ذُكِرَ (فَإِنْ حَاذَى) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: أَيْ سَامَتْ (مِيقَاتًا) مِنْهَا بِمُفْرَدِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لَا مِنْ ظَهْرِهِ أَوْ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَرَاءَهُ وَالثَّانِي أَمَامَهُ (أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ - أَيْ مَائِلٌ - عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا، قَالَ: فَانْظُرُوا حُذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ عُمَرُ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ الْمُحَاذَاةِ اجْتَهَدَ، وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ حَيْثُ أَوْجَبَهُ (أَوْ) حَاذَى (مِيقَاتَيْنِ) طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا، أَوْ كَانَا مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ مُحَاذَاةِ) أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ إلَى مَكَّةَ، إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ (أَبْعَدِهِمَا) مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ فَكِلَاهُمَا مِيقَاتٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِيقَاتَهُ الْأَبْعَدُ إلَى مَكَّةَ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِيمَا لَوْ جَاوَزَهُمَا مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَ الْمُحَاذَاةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْأَبْعَدِ، أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لَا إنْ رَجَعَ إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهَا وَإِلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِمَا إنْ لَمْ يُحَاذِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَمِنْ مُحَاذَاةِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَنْتَظِرُ مُحَاذَاةَ الْآخَرِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَارِّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ. قَالَ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَحْرَمَ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُحَاذِي لِأَبْعَدِهِمَا وَإِنْ شَاءَ لِأَقْرَبِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مِيقَاتٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ وَقَدْ أَحْرَمَ مُحَاذِيًا الْمِيقَاتَ (وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ) مِيقَاتًا مِمَّا سَبَقَ (أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) إذْ لَا مِيقَاتَ أَقَلُّ مَسَافَةً مِنْ هَذَا الْقَدْرِ، وَالْمُرَادُ تَقَدُّمُ الْمُحَاذَاةِ فِي عِلْمِهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ تَعُمُّ جِهَاتِ مَكَّةَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُحَاذِيَ أَحَدَهُمَا (وَمِنْ مَسْكَنِهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ) لِلنُّسُكِ (مَسْكَنُهُ) قَرْيَةً كَانَتْ أَوْ حِلَّةً أَوْ مَنْزِلًا مُنْفَرِدًا فَلَا يُجَاوِزُهُ حَتَّى يُحْرِمَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمِيقَاتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ: «فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ» . (وَمَنْ بَلَغَ) يَعْنِي جَاوَزَ (مِيقَاتًا) مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوْ مَوْضِعًا جَعَلْنَاهُ مِيقَاتًا وَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوْ مَوْضِعًا جَعَلْنَاهُ مِيقَاتًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ، وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا،   [مغني المحتاج] لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا أَصْلِيًّا (غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ) وَلَا يُكَلَّفُ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَإِنْ بَلَغَهُ) أَيْ وَصَلَ إلَيْهِ (مُرِيدًا) نُسُكًا (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَيَجُوزُ إلَى جِهَةِ الْيَمْنَةِ أَوْ الْيَسْرَةِ، وَيُحْرِمُ مِنْ مِثْلِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (فَعَلَ) مَا مُنِعَ مِنْهُ بِأَنْ جَاوَزَهُ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ (لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ وَقَدْ أَمْكَنَهُ تَدَارُكَهُ فَيَأْتِي بِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لِيُحْرِمَ مِنْهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ حَتَّى لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ عَادَ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ جَازَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لَمَّا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ قَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَالْإِحْرَامُ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَتَّى ادَّعَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا وُجُوبَ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْعَوْدِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا؛ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَوْدَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مُسْقِطٌ لِلدَّمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي كَانَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يَعُودَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا كَالْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الِاعْتِمَارَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمَ وُجُوبِ الْعَوْدِ إذَا أَحْرَمَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي عَوْدَةِ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، لِأَنَّ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا إثْمَ عَلَى النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَصُورَةُ السَّهْوِ لَا تَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ، لِأَنَّ السَّاهِيَ عَنْ الْإِحْرَامِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ، وَرُبَّمَا يُتَصَوَّرُ بِمَنْ أَنْشَأَ سَفَرَهُ مِنْ بَلَدِهِ قَاصِدًا لَهُ وَقَصْدُهُ مُسْتَمِرٌّ فَسَهَا عَنْهُ حِينَ الْمُجَاوَزَةِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِ الْعَوْدِ قَوْلَهُ (إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ) عَنْ الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ (أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا) أَوْ كَانَ مَعْذُورًا لِمَرَضٍ شَاقٍّ أَوْ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ يُرِيقُ دَمًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إلَّا لِعُذْرٍ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الطَّرِيقِ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ الْعَوْدِ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ لَفَاتَ الْحَجُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إذَا كَانَ مَاشِيًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِالْمَشْيِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ مَاشِيًا اهـ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْمُتَّجَهُ لُزُومِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ لِمَا تَعَدَّى فِيهِ فَأَشْبَهَ وُجُوبَ قَضَاءِ الْحَجِّ الْفَاسِدِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَدْ تَعَدَّى بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ، وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ. وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمِيقَاتِ. قُلْت: الْمِيقَاتُ أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] (فَإِنْ لَمْ يَعُدْ) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دَمٌ) بِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ فَلِيُهْرِقْ دَمًا " رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَشَرْطُ لُزُومِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ بِحَجٍّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ النُّسُكِ لَا بَدَلَ لَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ دُونَهُ يَكُونُ كَالْمُسْلِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ مَرَّ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ بِالْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْعَبْدِ وَابْنُ قَاسِمٍ فِيهِمَا فِي شَرْحَيْهِمَا عَلَى الْكَاتِبِ. (وَإِنْ أَحْرَمَ) مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (ثُمَّ عَادَ) إلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ) عَنْهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْمَسَافَةَ مِنْ الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا وَأَدَّى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بَعْدَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ دَخَلَ مَكَّةَ أَمْ لَا، وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ إذَا عَادَ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهَا وَقِيلَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَادَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ وَلَوْ طَوَافَ قُدُومٍ (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ لِتَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الدَّمَ وُجُوبٌ ثُمَّ سَقَطَ بِالْعَوْدِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصُحِّحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا لِأَنَّ وُجُوبَهُ تَعَلَّقَ بِفَوَاتِ الْعَوْدِ وَلَمْ يَفُتْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَحَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ بِالْعَوْدِ لَمْ تَكُنْ الْمُجَاوَزَةُ حَرَامًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالرُّويَانِيُّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ (وَالْأَفْضَلُ) لِمَنْ فَوْقَ الْمِيقَاتِ (أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمَا أَنْ يُحْرِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى النَّصِّ (وَفِي قَوْلٍ) الْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قُلْت: الْمِيقَاتُ) أَيْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامَ مِمَّا قَبْلَهُ (أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي. وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةٍ بِالْإِحْرَامِ بِالتَّقَدُّمِ عُسْرًا وَتَغْرِيرًا بِالْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا جَازَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ دُونَ الزَّمَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْعِبَادَةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالْمَكَانِ، وَلِأَنَّ الْمَكَانِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ الزَّمَانِيِّ. أَمَّا إذَا الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ الْإِحْرَامَ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ، وَاسْتَشْكَلَ لُزُومُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَعَ تَصْحِيحِهِ أَفْضَلِيَّةَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي النَّذْرِ فِيمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَنَذْكُرُ مَا فِيهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَمَنْ بِالْحَرَمِ، يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَتْهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ. فَلَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ، ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ صُوَرٌ: مِنْهَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَالْأَفْضَلُ لَهُمَا الْمِيقَاتُ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ شَكَّ فِي الْمِيقَاتِ لِخَرَابِ مَكَانِهِ، فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَسْتَظْهِرَ نَدْبًا، وَقِيلَ وُجُوبًا، وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ النَّذْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ) الْمَكَانِيُّ (لِمَنْ هُوَ خَارِجَ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ " مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ " (وَمَنْ) هُوَ (بِالْحَرَمِ) مَكِّيٌّ أَوْ غَيْرُهُ (يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ) أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ مِنْ جِهَاتِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْسَلَ عَائِشَةَ بَعْدَ قَضَاءِ الْحَجِّ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ» ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخُرُوجُ وَاجِبًا لَمَا أَمَرَهَا لِضِيقِ الْوَقْتِ بِرَحِيلِ الْحَاجِّ، وَسَبَبُهُ أَنْ يَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ: إلَى أَدْنَى الْحِلِّ أَوْ زَادَ بَدَلَ " وَلَوْ بِخُطْوَةٍ " بِقَلِيلٍ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته وَلِمَنْ بِمَكَّةَ الْقِرَانُ تَغْلِيبًا لِلْحَجِّ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى أَدْنَى الْحِلِّ (وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) بَعْدَ إحْرَامِهِ بِهَا فِي الْحَرَمِ انْعَقَدَتْ عُمْرَتُهُ جَزْمًا، وَ (أَجْزَأَتْهُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ عَنْ عُمْرَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْعِقَادِ إحْرَامِهِ وَإِتْيَانِهِ بَعْدَهُ بِالْوَاجِبَاتِ (وَ) لَكِنْ (عَلَيْهِ دَمٌ) لِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ وَهُوَ عَرَفَةُ. (فَلَوْ خَرَجَ) عَلَى الْأَوَّلِ (إلَى) أَدْنَى (الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ) وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (سَقَطَ الدَّمُ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُحْرِمًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالسُّقُوطِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ عَلَى قَصْدِ النُّسُكِ ثُمَّ جَاوَزَهُ فَكَانَ مُسِيئًا حَقِيقَةً، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ هَهُنَا، فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ. (وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ) لِمَنْ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ (الْجِعْرَانَةُ) لِإِحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهِيَ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِ الْعَيْنِ وَتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى الثَّانِي، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهِيَ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَحْرَمَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (ثُمَّ التَّنْعِيمُ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي عِنْدَ الْمَسَاجِدِ الْمَعْرُوفَةِ بِمَسَاجِدِ عَائِشَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ، فَهُوَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَمِينِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نُعَيْمٌ، وَعَلَى شِمَالِهِ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ نَاعِمٌ، وَالْوَادِي نُعْمَانُ (ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْهَا فَصَدَّهُ الْكُفَّارُ فَقَدَّمَ فِعْلَهُ ثُمَّ أَمْرَهُ ثُمَّ هَمَّهُ، كَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ هَمَّ بِالِاعْتِمَارِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 بَابُ الْإِحْرَامِ يَنْعَقِدُ مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا، وَمُطْلَقًا بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ،   [مغني المحتاج] قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَّا أَنَّهُ هَمَّ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - وَهِيَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ أَفْصَحُ مِنْ تَثْقِيلِهَا - وَهِيَ اسْمٌ لِبِئْرٍ هُنَاكَ بَيْنَ طَرِيقِ جُدَّةَ وَطَرِيقِ الْمَدِينَةِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ عَلَى سِتَّةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ التَّنْعِيمِ مَعَ أَنَّ الْجِعْرَانَةَ أَفْضَلُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّفْضِيلَ لَيْسَ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَنْ يَخْرُجَ عَقِبَ إحْرَامِهِ وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ. وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ بَطْنَ وَادٍ ثُمَّ يُحْرِمَ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحَكَاهُ فِي الْإِبَانَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. [بَابُ الْإِحْرَامِ] (بَابُ الْإِحْرَامِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الدُّخُولُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ فِيهِمَا أَوْ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُطْلَقُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ هَذَا: أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ. فَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الدُّخُولُ فِيمَا ذُكِرَ. أَيْ بِالنِّيَّةِ. وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ يَسْتَشْكِلُ حَقِيقَةَ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ قِيلَ لَهُ: إنَّهُ النِّيَّةُ اعْتَرَضَ بِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ، وَشَرْطُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: أَقَمْت عَشْرَ سِنِينَ لَا أَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْإِحْرَامِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ إمَّا لِاقْتِضَائِهِ دُخُولَ الْحَرَمِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، كَأَنْجَدَ إذَا دَخَلَ نَجْدًا، أَوْ لِاقْتِضَائِهِ تَحْرِيمَ الْأَنْوَاعِ الْآتِيَةِ (يَنْعَقِدُ) الْإِحْرَامُ (مُعَيَّنًا بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا) بِالْإِجْمَاعِ. وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ» وَلَوْ نَوَى حَجَّتَيْنِ أَوْ نِصْفَ حَجَّةٍ انْعَقَدَ حَجَّةً أَوْ عُمْرَتَيْنِ أَوْ نِصْفَ عُمْرَةٍ انْعَقَدَ عُمْرَةً قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ فِي مَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ وَإِلْغَاءً لِلْإِضَافَةِ إلَى ثِنْتَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْحَجَّتَيْنِ وَالْعُمْرَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ فِي وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى بِتَيَمُّمٍ فَرِيضَتَيْنِ لَا يَسْتَبِيحُ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَفَارَقَ عَدَمَ الِانْعِقَادِ فِي نَظِيرِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ يُحَافِظُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً كَمَا مَرَّ (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (مُطْلَقًا) وَذَلِكَ (بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 وَالتَّعْيِينُ أَفْضَلُ وَفِي قَوْلٍ الْإِطْلَاقُ فَإِنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْأَعْمَالِ. وَإِنْ أَطْلَقَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ عُمْرَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ. وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ   [مغني المحتاج] الدُّخُولَ فِي النُّسُكِ الصَّالِحِ لِلْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَحْرَمْت. رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مُهِلِّينَ يَنْتَظِرُونَ الْقَضَاءَ - أَيْ نُزُولَ الْوَحْيِ، فَأَمَرَ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَجْعَلَ إحْرَامَهُ عُمْرَةً، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ حَجًّا» ، وَيُفَارِقُ الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا مُطْلَقًا بِأَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ النُّسُكِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكِ نَفْلٍ وَعَلَيْهِ نُسُكُ فَرْضٍ انْصَرَفَ إلَى الْفَرْضِ، وَلَوْ قَيَّدَ الْإِحْرَامَ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ انْعَقَدَ مُطْلَقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي فِي هَذَا أَوْ فِي مَسْأَلَتَيْ النِّصْفِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطٌ فِيهَا، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ وَيَقْبَلُ الْأَخْطَارَ وَيَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ (وَالتَّعْيِينُ أَفْضَلُ) مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لِيُعْرَفَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخَلَاصِ (وَفِي قَوْلٍ الْإِطْلَاقُ) أَفْضَلُ مِنْ التَّعْيِينِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى مَا لَا يُخَافُ فَوْتُهُ (فَإِنْ أَحْرَمَ) إحْرَامًا (مُطْلَقًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ) لَا بِاللَّفْظِ فَقَطْ (إلَى مَا شَاءَ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ إلَيْهِمَا) مَعًا إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا (ثُمَّ اشْتَغَلَ) بَعْدَ الصَّرْفِ (بِالْأَعْمَالِ) فَلَا يُجْزِئُ الْعَمَلُ قَبْلَهُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْبِيرُ بِثُمَّ، لَكِنْ لَوْ طَافَ ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ عَنْ الْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ، وَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ احْتَمَلَ الْإِجْزَاءَ لِوُقُوعِهِ تَبَعًا وَاحْتُمِلَ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فَيُحْتَاطُ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ تَبَعًا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عُمْرَةً كَمَا لَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ وَعَلَيْهِ التَّعَيُّنُ، فَإِنْ عَيَّنَ عُمْرَةً مَضَى أَوْ حَجًّا كَانَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ صَرْفَهُ إلَى مَا شَاءَ، وَيَكُونُ عِنْدَ صَرْفِهِ إلَى الْحَجِّ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ فَأَيَّهُمَا عَيَّنَهُ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْإِحْرَامَ (فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ) أَيْ الْحَجِّ (فَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (انْعِقَادُهُ عُمْرَةً فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ) أَيْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْعُمْرَةِ، وَالثَّانِي يَنْعَقِدُ مُبْهَمًا فَلَهُ صَرْفُهُ إلَى عُمْرَةٍ، وَبَعْدَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى النُّسُكَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ كَانَ كَإِحْرَامِهِ بِهِ قَبْلَهَا فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً عَلَى الصَّحِيحِ. (وَلَهُ) أَيْ لِعَمْرٍو مَثَلًا (أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) كَأَنْ يَقُولَ: أَحْرَمْت بِمَا أَحْرَمَ بِهِ زَيْدٌ أَوْ كَإِحْرَامِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَهَلَّ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ لَهُ: أَحْسَنْت طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ، وَكَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَدَّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا   [مغني المحتاج] وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ مُحْرِمًا) أَوْ كَانَ كَافِرًا بِأَنْ أَتَى بِصُورَةِ الْإِحْرَامِ، أَوْ مُحْرِمًا إحْرَامًا فَاسِدًا (انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِحْرَامَ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، فَإِذَا بَطَلَتْ بَقِيَ أَصْلُ الْإِحْرَامِ وَلَغَتْ إضَافَتُهُ لِزَيْدٍ (وَقِيلَ إنْ عَلِمَ عَدَمَ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ) إحْرَامُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ، فَقَالَ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَفَرَّقَ الْأَصَحَّ بِأَنَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ تَعْلِيقُ أَصْلِ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ جَازِمًا بِهِ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ فَإِنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِحْرَامِ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا) بِإِحْرَامٍ صَحِيحٍ (انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ) مِنْ تَعْيِينٍ أَوْ إطْلَاقٍ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْمُطْلَقِ كَمَا يَتَخَيَّرُ زَيْدٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ زَيْدٌ، وَلَوْ عَيَّنَ زَيْدٌ قَبْلَ إحْرَامِ عَمْرٍو حَجًّا انْعَقَدَ إحْرَامُ عَمْرٍو مُطْلَقًا، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ زَيْدٌ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَيَنْعَقِدُ لِعَمْرٍو عُمْرَةً لَا قِرَانًا، وَلَا يَلْزَمُهُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّشْبِيهَ فِي الْحَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَيَكُونَ فِي الْأُولَى حَاجًّا وَفِي الثَّانِيَةِ قَارِنًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَبْلَ صَرْفِهِ فِي الْأُولَى وَقَبْلَ إدْخَالِ الْحَجِّ فِي الثَّانِيَةِ وَقَصَدَ التَّشْبِيهَ بِهِ فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِإِحْرَامِهِ الْحَاضِرِ وَالْآتِي، فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِمُسْتَقْبَلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ جَازِمٌ فِي الْحَالِ، وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ فِي الْكَيْفِيَّةِ دُونَ الْأَصْلِ، فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْطُرْ بِهِ التَّشْبِيهُ بِإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي أَوَّلِهِ، فَإِنْ خَطَرَ لَهُ التَّشْبِيهُ بِأَوَّلِهِ أَوْ بِالْحَالِ فَالِاعْتِبَارُ بِمَا خَطَرَ لَهُ قَطْعًا، وَلَوْ أَخْبَرَهُ زَيْدٌ بِمَا أَحْرَمَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ خِلَافُهُ عَمِلَ بِمَا أَخْبَرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ إحْرَامَهُ عَلَى إحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَأَنْ قَالَ إذَا أَوْ نَحْوَهَا كَمَتَى، أَوْ إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَعْلَقُ بِالْأَخْطَارِ، أَوْ قَالَ: إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ وَكَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ وَإِلَّا فَلَا تَبَعًا لَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْأُولَى كَهَذِهِ إلَّا أَنَّ تِلْكَ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَقْبَلٍ، وَهَذِهِ تَعْلِيقٌ بِحَاضِرٍ، وَمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ الْعُقُودِ يَقْبَلُهُمَا جَمِيعًا. وَأُجِيبَ، بِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِحَاضِرٍ أَقَلُّ غَرَرًا لِوُجُودِهِ فِي الْوَاقِعِ فَكَانَ قَرِيبًا مِنْ أَحْرَمْت، كَإِحْرَامِ زَيْدٍ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ بِمُسْتَقْبَلٍ (فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ) وَعَبَّرَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ بِتَعَسَّرَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ التَّعَذُّرُ، وَسَوَاءٌ عُلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ أَمْ جُهِلَ حَالُهُ (بِمَوْتِهِ) أَوْ جُنُونِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَغَيْبَةٍ بَعِيدَةٍ (جَعَلَ) عَمْرٌو (نَفْسَهُ قَارِنًا) بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ وَكَذَا إنْ نَسِيَ الْمُحْرِمُ مَا أَحْرَمَ بِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ يَقِينًا فَلَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِيَقِينِ الْإِتْيَانِ بِالْمَشْرُوعِ فِيهِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ لَا يَجْتَهِدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ أَنَّ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِيَقِينٍ إلَّا بَعْدَ فِعْلٍ مَحْظُورٍ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ. فَصْلٌ الْمُحْرِمُ يَنْوِي وَيُلَبِّي فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ،   [مغني المحتاج] الْقِبْلَةِ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ نَجِسًا فَلِذَلِكَ جَازَ التَّحَرِّي، وَهُنَا يَحْصُلُ الْأَدَاءُ بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مَحْظُورٍ (وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ) لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْحَجِّ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِأَعْمَالِهِ، لِأَنَّهُ إمَّا مُحْرِمٌ بِهِ أَوْ مُدْخِلٌ لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَيَمْتَنِعُ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ. إذْ الْحَاصِلُ لَهُ الْحَجُّ فَقَطْ، وَاحْتِمَالُ حُصُولِ الْعُمْرَةِ لَا يُوجِبُهُ إذْ لَا وُجُوبَ بِالشَّكِّ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ وَأَتَى بِأَعْمَالِهِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْحَجِّ فَقَطْ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَالْوَاجِبُ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ نِيَّتُهُ أَوْ نِيَّةُ الْقِرَانِ، وَهِيَ أَوْلَى لِتَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ لَا الْبَرَاءَةُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا لِشَكِّهِ فِيمَا أَتَى بِهِ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ الْعُمْرَةِ لَمْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ أَيْضًا. وَإِنْ نَوَاهَا؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَهُ مَعَ أَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ وَبَكْرٍ صَارَ مِثْلَهُمَا فِي إحْرَامِهِمَا إنْ اتَّفَقَا فِيمَا أَحْرَمَا بِهِ وَإِلَّا صَارَ قَارِنًا فَيَأْتِي بِمَا يَأْتِيَانِ بِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ إحْرَامُهُمَا فَاسِدًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَوْ أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ إحْرَامَهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا فِي الصَّحِيحِ، وَمُطْلَقًا فِي الْفَاسِدِ. [فَصْلٌ فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ] (فَصْلٌ) فِي رُكْنِ الْإِحْرَامِ وَمَا يُطْلَبُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ (الْمُحْرِمُ) أَيْ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (يَنْوِي) بِقَلْبِهِ حَتْمًا دُخُولَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ فِيهِمَا، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ جَزْمًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى النَّفَلَ لَوَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا مَرَّ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِيجَابِ (وَيُلَبِّي) مَعَ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّلَفُّظِ بِهَا فَيَنْوِي بِقَلْبِهِ وَيَقُولُ بِلِسَانِهِ: نَوَيْت الْحَجَّ مَثَلًا وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَخْ، وَلَا يُسَنُّ ذِكْرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ التَّلْبِيَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ إخْفَاءَ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ نُسُكًا وَنَطَقَ لِسَانُهُ بِغَيْرِهِ انْعَقَدَ مَا نَوَاهُ بِقَلْبِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَحْرَمَ لَكَ شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي (فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ) عَلَى الْأَصَحِّ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ وَتَقُومُ التَّلْبِيَةُ مَقَامَ النِّيَّةِ (وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ لِإِطْبَاقِ الْأُمَّةِ عَلَيْهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَالصَّلَاةِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ. (وَيُسَنُّ الْغُسْلُ) لِأَحَدِ أُمُورٍ سَبْعَةٍ: أَحَدُهُمَا: (لِلْإِحْرَامِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ لِمُسْتَقْبَلٍ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 فَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ، وَلِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ، وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ   [مغني المحتاج] وَإِحْرَامُهُ جُنُبًا، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّ حِكْمَةَ هَذَا الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ، وَلِهَذَا سُنَّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ خَبَرَ «أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ وَتَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؟ وَإِذَا اغْتَسَلَتَا نَوَتَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَا الْإِحْرَامَ حَتَّى يَطْهُرَا إنْ أَمْكَنَ التَّأْخِيرُ بِأَنْ أَمْكَنَهُمَا الْمُقَامُ بِالْمِيقَاتِ لِيَقَعَ إحْرَامُهُمَا فِي أَكْمَلِ أَحْوَالِهِمَا، وَيُنْدَبُ أَيْضًا لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَطْلُوبِ إزَالَتُهَا كَشَعْرِ الْإِبِطِ وَالْعَانَةِ وَالْأَظْفَارِ وَالْأَوْسَاخِ، وَغَسْلُ الرَّأْسِ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْغُسْلِ كَمَا فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَيُنْدَبُ أَيْضًا أَنْ يُلَبِّدَ الذَّكَرُ شَعْرَهُ بِصَمْغٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ فِيهِ الْقَمْلُ، وَلَا يَتَشَعَّثُ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ، وَيَكُونُ التَّلْبِيدُ بَعْدَ الْغُسْلِ (فَإِنْ عَجَزَ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ عَنْ الْغُسْلِ لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ (تَيَمَّمَ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيهِ لِلْغُسْلِ وَيَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِي الْوُضُوءَ أَيْضًا اسْتَعْمَلَهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَهَلْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْغُسْلِ وَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَوْ يَتَيَمَّمُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ ثَانِيًا عَنْ الْغُسْلِ؟ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي إنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ الْغُسْلِ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّيَمُّمَ عَقِبَ جَمِيعِ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِ الْحُكْمِ لِكُلِّهَا. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ يَتَنَاوَلُ الْفِقْدَانَ وَالْمَرَضَ وَالْجِرَاحَةَ وَالْبَرْدَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَ) الْغُسْلُ الثَّانِي لِدُخُولِ الْحَرَمِ، وَالْغُسْلُ الثَّالِثُ: (لِدُخُولِ مَكَّةَ) وَلَوْ حَلَالًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُحْرِمِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْحَلَالِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ، وَلَوْ فَاتَ لَمْ يَبْعُدْ نَدْبُ قَضَائِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَظْهَرُ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا هُنَاكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ لِكَوْنِهِ مُقِيمًا هُنَاكَ (وَ) الْغُسْلُ الرَّابِعُ بَعْدَ الزَّوَالِ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِنَمِرَةَ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا وَقَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ، لَكِنْ تَقْرِيبُهُ لِلزَّوَالِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَسُمِّيَتْ عَرَفَةَ قِيلَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا ثَمَّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ فِيهَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنَاسِكَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَ) الْغُسْلُ الْخَامِسُ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِلْوُقُوفِ (بِمُزْدَلِفَةَ) عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ (غَدَاةَ) يَوْمِ (النَّحْرِ) أَيْ بَعْدَ فَجْرِهِ (وَ) الْغُسْلُ السَّادِسُ (فِي) كُلِّ يَوْمٍ مِنْ (أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 لِلرَّمْيِ. وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَكَذَا ثَوْبُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ، لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَأَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ لِلْإِحْرَامِ يَدَيْهَا.   [مغني المحتاج] (لِلرَّمْيِ) أَيْ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ لِآثَارٍ وَرَدَتْ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ اجْتِمَاعٍ فَأَشْبَهَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْغُسْلَ عَلَى الزَّوَالِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ نَظِيرَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْغُسْلُ السَّابِعُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ، وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ عَرَفَةَ، وَلَا لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ، وَلَا لِطَوَافِ الْقُدُومِ لِقُرْبِهِ مِنْ غُسْلِ الدُّخُولِ، وَلَا لِلْحَلْقِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَكَذَا الْمُصَنِّفُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَإِنْ جَزَمَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى بِاسْتِحْبَابِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُطَيِّبَ) مُرِيدُ الْإِحْرَامِ (بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ) رَجُلًا كَانَ أَوْ خُنْثَى أَوْ امْرَأَةً شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا خَلِيَّةً أَوْ مُتَزَوِّجَةً اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقِيلَ لَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ كَذَهَابِهَا إلَى الْجُمُعَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ زَمَانَ الْجُمُعَةِ وَمَكَانَهَا ضَيِّقٌ وَلَا يُمْكِنُهَا تَجَنُّبُ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ. نَعَمْ الْمُحِدَّةُ لَا تَتَطَيَّبُ (وَكَذَا ثَوْبُهُ) مِنْ إزَارِ الْإِحْرَامِ وَرِدَائِهِ يُسَنُّ تَطْيِيبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْبَدَنِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ يُنْزَعُ وَيُلْبَسُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي اسْتِحْبَابِ تَطْيِيبِ الثَّوْبِ، وَصُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَقَالَ: لَا يُنْدَبُ جَزْمًا، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَوَازَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ) أَيْ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ (بَعْدَ الْإِحْرَامِ) كَالْبَدَنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَالْوَبِيصُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْوَاوِ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: هُوَ الْبَرِيقُ، وَالْمَفْرِقُ وَسَطُ الرَّأْسِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الِاسْتِدَامَةِ مَا إذَا لَزِمَهَا الْإِحْدَادُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ (وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ) لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ الْمُطَيَّبَ) أَيْ الَّذِي رَائِحَةُ الطِّيبِ فِيهِ مَوْجُودَةٌ (ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ أَوْ أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُخْلَعَ وَيُلْبَسَ فَجُعِلَ عَفْوًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِحَةُ الطِّيبِ فِيهِ مَوْجُودَةً فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ مَاءً ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ امْتَنَعَ لُبْسُهُ بَعْدَ نَزْعِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَيَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لِلطِّيبِ ابْتِدَاءً جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِانْتِقَالِ الطِّيبِ بِإِسَالَةِ الْعَرَقِ، وَلَوْ تَعَطَّرَ ثَوْبُهُ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَضُرَّ جَزْمًا. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ) غَيْرُ الْمُحِدَّةِ (لِلْإِحْرَامِ يَدَيْهَا) أَيْ كُلَّ يَدٍ مِنْهَا إلَى الْكُوعِ فَقَطْ بِالْحِنَّاءِ خَلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُزَوَّجَةً، شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ وَتَمْسَحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَنَعْلَيْنِ   [مغني المحتاج] وَجْهَهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فَتَسْتَتِرُ بَشَرَتُهُ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ بِالْحِنَّاءِ تَعْمِيمًا دُونَ التَّطْرِيفِ وَالتَّنْقِيشِ وَالتَّسْوِيدِ. أَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَبِغَيْرِ الْمُحِدَّةِ الْمُحِدَّةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَيُنْدَبُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ أَيْضًا وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ اخْتِصَاصَ النَّدْبِ بِالْمُحْرِمَةِ لَكِنَّهُ لِلْمُحْرِمَةِ آكَدُ. نَعَمْ يُكْرَهُ لِلْخَلِيَّةِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ. (وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّافِعِيِّ (لِإِحْرَامِهِ عَنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ) لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي، لَكِنْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ بِسُنِّيَّتِهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ كَالْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ لَمْ يُوجَدْ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الصَّيْدِ عَدَمَ وُجُوبِ إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مَعَ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِيهِمَا وَاحِدٌ. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ النَّزْعُ عَقِبَهُ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَلِأَنَّ مُوجِبَهُ لَيْسَ الْوَطْءَ بَلْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ الْإِحْرَامِ بِالْوَطْءِ. وَأَمَّا الصَّيْدُ فَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ نَزْعِ الثَّوْبِ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَيَجِبُ قَبْلَهُ كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِنَاءً عَلَى أَنْ يَتَجَرَّدَ بِالنَّصْبِ، وَقَدْ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالرَّفْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ رَأَيْت فِي الْأَصْلِ قَابِلَتَهُ عَلَى خَطِّ الْمُصَنِّفِ: وَيَتَجَرَّدُ مَضْبُوطًا بِضَمِّ الدَّالِ: أَيْ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فَلَا يُعْطَفُ عَلَى السُّنَنِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مَخِيطٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَأَوْلَى مِنْهُ مُحِيطٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لِشُمُولِهِ اللِّبْدَ وَالْمَنْسُوجَ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَ الثِّيَابِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَجِبُ نَزْعُ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّزْعُ قَبْلَ الطِّيبِ، وَأَنْ (يَلْبَسَ) الرَّجُلُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ (إزَارًا وَرِدَاءً) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَبْيَضَيْنِ) لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ» ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَا جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَغْسِلَ الْجَدِيدَ الْمَقْصُورَ لِنَشْرِ الْقَصَّارِينَ لَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَصَى الْجِمَارِ احْتِيَاطًا، وَهَذَا أَوْلَى بِهِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ غَيْرَ الْمَقْصُورِ كَذَلِكَ: أَيْ إذَا تُوُهِّمَتْ نَجَاسَتُهُ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُكْرَهُ الْمَصْبُوغُ وَلَوْ بِنِيلَةٍ أَوْ مَغْرَةٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْمَصْبُوغُ أَيْ بِغَيْرِ الزَّعْفَرَانِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ أَنَّ لُبْسَهُ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ كَرَاهَةَ الْمَصْبُوغِ بِمَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ (نَعْلَيْنِ) لِخَبَرِ «لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا، وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ. وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ،   [مغني المحتاج] وَالْكَفَّيْنِ. (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) لِلْإِحْرَامِ قَبْلَهُ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ» ، وَيُحْرِمَانِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ فِي وَقْتِ فَرِيضَةٍ فَصَلَّاهَا أَغْنَتْ عَنْهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَا تَنْدَرِجُ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا، وَمِثْلُ الْفَرِيضَةِ الرَّاتِبَةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِحْرَامُ بَعْدَ صَلَاةٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي مَسْجِدِ الْمِيقَاتِ إنْ كَانَ ثَمَّ مَسْجِدٌ، وَلَا فَرْقَ فِي صَلَاتِهِمَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ. (ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ) الشَّخْصُ إنْ كَانَ رَاكِبًا (إذَا انْبَعَثَتْ) أَيْ اسْتَوَتْ (بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ دَابَّتُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ قَائِمَةً إلَى طَرِيقِ مَكَّةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَوْ) يُحْرِمَ إذَا (تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مَاشِيًا) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَهْلَلْنَا - أَيْ أَرَدْنَا أَنْ نُهِلَّ - أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا» ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ إذَا بَدَأَ بِالسَّيْرِ أَحْرَمَ، وَهِيَ أَخَصْرُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَأَشْمَلُ (وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ عَقِبَ الصَّلَاةِ) جَالِسًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا. نَعَمْ الْإِمَامُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ يَوْمَ السَّابِعِ بِمَكَّةَ، وَأَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَيَتَقَدَّمَ إحْرَامُهُ مَسِيرَهُ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّ مَسِيرَهُ لِلنُّسُكِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامُ غَيْرِهِ يُنَازِعُهُ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ غَرِيبٌ وَمُحْتَمَلٌ. (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمُحْرِمِ (إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ) مِنْ لَبَّ، وَأَلَبَّ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طَاهِرٍ وَحَائِضٍ وَجُنُبٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ شِعَارُ النُّسُكِ (وَرَفْعُ صَوْتِهِ) أَيْ الذَّكَرِ (بِهَا) رَفْعًا لَا يَضُرُّ نَفْسَهُ (فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِإِكْثَارُ وَرَفْعُ - أَيْ مَا دَامَ مُحْرِمًا - فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّهُ اسْتِثْنَاءُ التَّلْبِيَةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْفِضُ صَوْتُهَا بِحَيْثُ تَقْتَصِرُ عَلَى سَمَاعِ نَفْسِهَا فَإِنْ رَفَعَتْ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَيُسَنُّ لِلْمُلَبِّي فِي التَّلْبِيَةِ إدْخَالُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 وَخَاصَّةً عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ. وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ بِلَا جَهْرٍ، وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ،   [مغني المحتاج] ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَخَاصَّةً) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ خُصُوصًا أَيْ يَتَأَكَّدُ، وَقَوْلُهُ (عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ قُصِدَ بِهِ إفَادَةُ ضَابِطٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا قَوْلُهُ (كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا بِخَطِّهِ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ اسْمُ مَكَان يَصْعَدُ فِيهِ وَيَهْبِطُ (وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ يُرْفَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَأَشَارَ بِالْكَافِ فِي كَرُكُوبٍ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيمَا ذُكِرَ، فَتَتَأَكَّدُ فِي أُمُورٍ أُخَرَ كَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفَرَاغٍ مِنْ صَلَاةٍ وَعِنْدَ نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْهُ، وَعِنْدَ سَمَاعِ رَعْدٍ أَوْ هَيَجَانِ رِيحٍ، قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَمُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا، رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ وَوَقْتِ السَّحَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْبَابِ، وَتُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ تَنْزِيهًا لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَا تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ أَدْعِيَةٌ وَأَذْكَارٌ خَاصَّةٌ فَصَارَ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، وَلَا تُسْتَحَبُّ فِي السَّعْيِ بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَا فِي الطَّوَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ بَعْدَهُ وَفِي الْمُتَطَوِّعِ بِهِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ. لَكِنْ (بِلَا جَهْرٍ) فِي ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِمَا قَطْعًا (وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ) وَمَعْنَاهَا أَنَا مُقِيمٌ فِي طَاعَتِكَ. مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ بِهِ إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَزَادَ الْأَزْهَرِيُّ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، وَهُوَ مُثَنَّى مُضَافٌ أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ سَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ عَنْهُ الْمِيمُ (لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ) أَرَادَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا شَرِيكَ لَكَ إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ (إنَّ الْحَمْدَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا عَلَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ (وَالنِّعْمَةَ لَكَ) بِنَصَبِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَإِنْ شِئْت جَعَلْت خَبَرَ إنَّ مَحْذُوفًا - أَيْ إنَّ الْحَمْدَ لَكَ وَالنِّعْمَةَ مُسْتَقِرَّةٌ لَكَ (وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ) وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمُلْكَ. ثُمَّ يَبْتَدِئَ بِلَا شَرِيكٍ لَهُ، وَأَنْ يُكَرِّرَ التَّلْبِيَةَ ثَلَاثًا إذَا لَبَّى، وَالْقَصْدُ بِلَبَّيْكَ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] [الْحَجُّ] فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَامَ إبْرَاهِيمُ عَلَى مَقَامِهِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَمَنْ حَجَّ الْيَوْمَ فَهُوَ مِمَّنْ أَجَابَ إبْرَاهِيمَ حِينَئِذٍ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلَا يَنْقُصَ عَنْهَا، وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَزِيدُ فِي تَلْبِيَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ.   [مغني المحتاج] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ. زَادَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ (وَإِذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ) أَوْ يَكْرَهُهُ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ مُقَابِلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] [النَّحْلَ] أَيْ وَالْبَرْدَ (قَالَ) نَدْبًا (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ) أَيْ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ الدَّائِمَةَ الْهَنِيَّةَ (عَيْشُ) أَيْ حَيَاةُ الدَّارِ (الْآخِرَةِ) قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ وَرَأَى جَمْعَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا. وَقَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا. وَمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ يُلَبِّي بِلُغَتِهِ. وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُلَبِّيَ بِالْعَجَمِيَّةِ؟ وَجْهَانِ بَنَاهُمَا الْمُتَوَلِّي عَلَى الْخِلَافِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَسْبِيحَاتِ الصَّلَاةِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هُنَا الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِخِلَافِ التَّلْبِيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى) وَسَلَّمَ (عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَقِبَ فَرَاغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] [الشَّرْحَ:] أَيْ لَا أُذْكَرُ إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي لِطَلَبِي وَتَقُولُ ذَلِكَ بِصَوْتٍ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ التَّلْبِيَةِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْهُ. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: وَيُصَلِّي عَلَى آلِهِ (وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى) بَعْدَ ذَلِكَ (الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ) كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ دِينًا وَدُنْيَا. قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَلِرَسُولِك وَآمَنُوا بِكَ، وَوَثِقُوا بِوَعْدِك، وَوَفَوْا بِعَهْدِك، وَاتَّبَعُوا أَمْرَك، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت وَارْتَضَيْت، اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ. خَاتِمَةٌ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي التَّلْبِيَةِ إلَّا بِرَدِّ سَلَامٍ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهَا أَحَبُّ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِعَارِضٍ كَأَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ بِبِئْرٍ، وَيُكْرَهُ التَّسْلِيمُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَائِهَا لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَقْطَعَهَا. [بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ] (بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ) زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يُقَالُ: مَكَّةُ بِالْمِيمِ وَبَكَّةَ بِالْبَاءِ لُغَتَانِ، وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ لِلْحَرَمِ كُلِّهِ، وَبِالْبَاءِ اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَقِيلَ بِالْمِيمِ الْبَلَدُ، وَبِالْبَاءِ الْبَيْتُ مَعَ الْمَطَافِ، وَقِيلَ بِدُونِهِ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ تَقْرُبُ مِنْ ثَلَاثِينَ اسْمًا ذَكَرَهَا الدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا نَعْلَمُ بَلَدًا أَكْثَرَ اسْمًا مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا أَفْضَلَ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّسْمِيَةِ وَكَثْرَةِ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى. وَلِهَذَا كَثُرَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قِيلَ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ. وَمَكَّةُ أَفْضَلُ الْأَرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْأَرْضِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوًى وَيَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ،   [مغني المحتاج] سِوَاهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ مَكَّةَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي سُوقِ مَكَّةَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ الْبَكْرِيُّ: وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِلَادِ إلَيْك» فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَكَارَتِهِ وَضَعْفِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِيضَاحِ: الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُهُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الْمَحْذُورَةِ وَ (الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَلَوْ قَارِنًا (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَهُ لِلِاتِّبَاعِ، وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلَ الْجَائِيُّ (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ (بِذِي طُوًى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَطَوًى بِالْقَصْرِ وَتَثْلِيثِ الطَّاءِ وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ: وَادٍ بِمَكَّةَ بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ وَأَقْرَبُ إلَى السُّفْلَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى بِئْرٍ مَطْوِيَّةٍ بِالْحِجَارَةِ. يَعْنِي مَبْنِيَّةً بِهَا، وَالطَّيُّ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الدَّاخِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ تَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحَاجِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُقْتَضَى حَدِيثِ، الصَّحِيحَيْنِ اسْتِحْبَابُهُ لِمُحْرِمٍ وَحَلَالٍ وَالرَّاجِحُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ. أَمَّا الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِبَيَانِ مَحِلِّهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ ذِي طُوًى، وَأَمَّا الْجَائِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ كَالْيَمَنِ فَيَغْتَسِلُ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَلَوْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ لِكُلِّ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ لَمْ يَبْعُدْ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ (وَ) أَنْ (يَدْخُلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ، وَهِيَ الثَّنِيَّةُ الْعُلْيَا، وَهِيَ مَوْضِعٌ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَوَّبَهُ لِمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَجَ إلَيْهِ قَصْدًا، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ تَخْصِيصَهُ بِالْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لِلْمَشَقَّةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي كَدَاءٍ مِنْ الْحِكْمَةِ الْآتِيَةِ غَيْرُ حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا، وَفِي الْغُسْلِ مِنْ قَصْدِ النَّظَافَةِ حَاصِلٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ الثَّنِيَّةُ السُّفْلَى عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» ، وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَخُصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَوْضِعًا عَالِي الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجُ عَكْسُهُ، وَلِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 وَيَقُولَ إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ   [مغني المحتاج] حِينَ قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37] إبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى الْعُلْيَا كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَضِيَّتُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَيُسَنُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي قَلْبِهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَيَتَذَكَّرُ جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وَأَمْنُك، فَحَرِّمْنِي عَلَى النَّارِ. وَأَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَمَاشِيًا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا إنْ لَمْ تَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ وَلَمْ يَخَفْ نَجَاسَةَ رِجْلَهُ، وَدُخُولُهُ أَوَّلُ النَّهَارِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ دُخُولُ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ لَيْلًا أَفْضَلُ، وَأَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ بِخُشُوعٍ مُتَضَرِّعًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَكُونُ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُكَ وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْتُ أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا بِقَدَرِك مُسْلِمًا لِأَمْرِك. أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك، وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك، وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَك (وَ) أَنْ (يَقُولَ) دَاخِلُهَا (إذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ) أَيْ الْكَعْبَةَ وَالدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَى الْبَيْتَ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ قَبْلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَوْ وَصَلَ مَحِلَّ رُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَرَهُ لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ رَافِعًا يَدَيْهِ (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) هُوَ التَّرَفُّعُ وَالْإِعْلَاءُ (وَتَعْظِيمًا) هُوَ التَّبْجِيلُ (وَتَكْرِيمًا) هُوَ التَّفْضِيلُ (وَمَهَابَةً) هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ (وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَعِظَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا) هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ، وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَكَرِّمْهُ بَدَلَ وَعَظِّمْهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ (وَمِنْكَ السَّلَامُ) أَيْ ابْتَدَأَ مِنْكَ، وَمَنْ أَكْرَمْتَهُ بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ (فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ (ثُمَّ يَدْخُلُ) عَقِبَ ذَلِكَ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) أَحَدِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ بَابَ الْكَعْبَةِ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ الْبَابِ، وَهِيَ أَشْرَفُ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ، وَشَيْبَةُ اسْمُ رَجُلٍ مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدُّخُولَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا يُسَنُّ لِمَنْ أَتَى مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَيَدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْبَقُوا عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 وَيَبْتَدِئُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ. وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ،   [مغني المحتاج] اسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ مِنْهُ لِكُلِّ قَادِمٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي طَرِيقِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، فَإِنْ فِيهِ الْخِلَافَ الْمَارَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ لَا يَشُقُّ بِخِلَافِهِ حَوْلَ الْبَلَدِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى الصَّفَا، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ الصَّفَا، وَمِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى الْيَوْمَ بِبَابِ الْعُمْرَةِ. (وَيَبْتَدِئُ) نَدْبًا أَوَّلَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ تَغْيِيرِ ثِيَابِهِ وَاكْتِرَاءِ مَنْزِلِهِ وَنَحْوِهِمَا (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ لَا الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ يُبْدَأُ بِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ خَافَ فَوْتَ مَكْتُوبَةٍ أَوْ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ أَوْ وَجَدَ جَمَاعَةً قَائِمَةً أَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً مَكْتُوبَةً، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ ذَلِكَ عَلَى الطَّوَافِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ قَطَعَهُ وَصَلَّى؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ لَا يَفُوتُ، وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ قَطَعَهُ إنْ كَانَ نَفْلًا نَصَّ عَلَيْهِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ يَبْدَأُ بِإِزَالَتِهِ، وَلَوْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ نَهَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَمَالٍ أَوْ شَرَفٍ. وَهِيَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ سُنَّ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهُ إلَى اللَّيْلِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضٌ بِمَا إذَا أَمِنَتْ الْحَيْضَ الَّذِي يَطُولُ زَمَنُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَسَنٌ، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَيْهَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْبَيْتَ وَتَحِيَّتُهُ الطَّوَافُ، وَلِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ غَالِبًا، وَلَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْقُدُومِ فَفِي فَوَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا تَفُوتُ بِهِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، نَعَمْ يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ) فِي الْمُحْرِمِ (بِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ) مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَالْمُعْتَمِرَ قَدْ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِمَا الْمَفْرُوضِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافٍ قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ الصَّلَاةَ حَيْثُ أَمَرَ بِالتَّحِيَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ. أَمَّا الْحَلَالُ فَيُسَنُّ طَوَافُ الْقُدُومِ لَهُ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ الْوُرُودِ وَالْوَارِدِ وَالتَّحِيَّةِ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ أَسْبَاطٍ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَزَمْزَمَ قُبُورُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ قَبْرَ هُودٍ وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ وَإِسْمَاعِيلَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: اُعْتُرِضَ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَصَوَابُهُ وَيَخْتَصُّ حَاجٌّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِطَوَافِ الْقُدُومِ فَإِنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ اهـ لَكِنَّ هَذَا أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ فَالتَّعْبِيرُ بِالصَّوَابِ خَطَأٌ. (وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمَ (لَا لِنُسُكٍ اُسْتُحِبَّ) لَهُ (أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ) إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِهِ وَيُمْكِنُهُ إدْرَاكَهُ (أَوْ عُمْرَةٍ) قِيَاسًا عَلَى التَّحِيَّةِ وَهَذَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) وَهُوَ مَنْصُوصُ الْأُمِّ وَجَعَلَهُ فِي الْبَيَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ. فَصْلٌ لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ: أَمَّا الْوَاجِبَاتُ فَيُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ،   [مغني المحتاج] الْأَشْهَرَ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ السَّابِقُ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَلَوْ وَجَبَ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ لَمَا عَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ (إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا جَزْمًا لِلْمَشَقَّةِ بِالتَّكْرِيرِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ لَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَصْرِ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا مِنْ الْحِلِّ، وَأَنْ لَا يَدْخُلَ لِقِتَالٍ مُبَاحٍ وَلَا خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَالرَّقِيقُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَصَدَ الْحَرَمَ كَقَصْدِ مَكَّةَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ. [فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ] (فَصْلٌ) فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ (لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ) مِنْ قُدُومٍ وَرُكْنٍ وَوَدَاعٍ وَمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ فِي الْفَوَاتِ وَطَوَافِ نَذْرٍ وَتَطَوُّعٍ (وَاجِبَاتٌ) لَا بُدَّ مِنْهَا فِيهِ شُرُوطًا كَانَتْ أَوْ أَرْكَانًا فَلَا يَصِحُّ بِدُونِهَا وَلَوْ كَانَ نَفْلًا (وَسُنَنٌ) يَصِحُّ بِدُونِهَا (أَمَّا الْوَاجِبُ) فِي الطَّوَافِ فَثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَيُشْتَرَطُ) لَهُ (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) كَسَتْرِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا طَافَ عَارِيًّا وَأَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ صَلَّى كَذَلِكَ (وَ) ثَانِيهَا (طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ) فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَطَافِ، وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا الْعَفْوَ عَنْهَا، قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْقَمْلِ وَالْبَقِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ، وَكَمَا فِي كَثْرَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ، وَكَمَا فِي طِينِ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ اهـ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمْ أَرَ لِلْأَئِمَّةِ تَشْبِيهُ مَكَانِ الطَّوَافِ بِالطَّرِيقِ فِي حَقِّ الْمُنْتَقِلِ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْبِدَعِ غَسْلَ بَعْضِ النَّاسِ الْمَطَافَ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ مَنْعُ الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ الْعَاجِزَيْنِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ طَوَافِ الرُّكْنِ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَالطَّوَافُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ إذَا صَلَّى ثُمَّ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ) عَمْدًا (تَوَضَّأَ) وَأَوْلَى مِنْهُ تَطَهَّرَ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ (وَبَنَى) مِنْ مَوْضِعِ الْحَدَثِ سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الرُّكْنِ أَمْ لَا (وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ) كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَفَرَّقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمُبْتَدِئًا بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجَرِ لَمْ يُحْسَبْ، فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ،   [مغني المحتاج] الْأَوَّلَ بِأَنَّ الطَّوَافَ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا، فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَمْدِ وَأَوْلَى بِالْبِنَاءِ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ، وَكَذَا إنْ طَالَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ أَوْ مَطَافُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ كَأَنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ ظُفْرٍ مِنْ رِجْلِهَا لَمْ يَصِحَّ الْمَفْعُولُ بَعْدُ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ بَنَى عَلَى مَا مَضَى كَالْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوِلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَلَوْ نَامَ فِي الطَّوَافِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَمْ يَنْقَطِعْ طَوَافُهُ (وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ يَجْعَلَ) الطَّائِفُ، (الْبَيْتَ) فِي طَوَافِهِ (عَنْ يَسَارِهِ) مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ إلَى جِهَةِ الْبَابِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . فَإِنْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَمَشَى أَمَامَهُ أَوْ اسْتَقْبَلَهُ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ وَطَافَ مُعْتَرِضًا أَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَمَشَى الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمُنَابَذَتِهِ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَوْ طَافَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ كَوْنِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ صَحَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَافَ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ إلَى أَسْفَلَ وَرِجْلَاهُ إلَى فَوْقُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ مَا زِدْته لَكَانَ أَوْلَى لِيُخْرِجَ هَذِهِ الصُّوَرَ الْمَذْكُورَةَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ قِسْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِمَّا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَلَا يَقْبَلُ تَجْوِيزَهُ الذِّهْنُ وَكَانَ السُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى، مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِقْبَالُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) رَابِعُهَا كَوْنُهُ (مُبْتَدِئًا) فِي ذَلِكَ (بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (مُحَاذِيًا) بِالْمُعْجَمَةِ (لَهُ) أَيْ الْحَجَرِ أَوْ بَعْضِهِ (فِي مُرُورِهِ) عَلَيْهِ ابْتِدَاءً (بِجَمِيعِ بَدَنِهِ) بِأَنْ لَا يَتَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنْ بَدَنِهِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ، وَالْمُرَادُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ جَمِيعُ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، وَاكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ كَمَا اكْتَفَى بِمُحَاذَاةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِجُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي لِجِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ. ثُمَّ يَنْوِيَ الطَّوَافَ وَيَمُرَّ مُسْتَقْبِلًا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالطَّوْفَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ لَنَا حَالَةٌ يَجُوزُ اسْتِقْبَالُ الْبَيْتِ فِيهَا فِي الطَّوَافِ إلَّا هَذِهِ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ كَمَا مَرَّ وَهَذَا مَنْدُوبٌ، فَلَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ ابْتَدَأَ. مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالٍ صَحَّ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ الْوَاجِبَةَ تَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ لَا بِالْحَجَرِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ نُحِّيَ عَنْ مَكَانِهِ وَجَبَتْ مُحَاذَاةُ الرُّكْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَيُسَنُّ حِينَئِذٍ اسْتِلَامُ مَحَلِّهِ وَتَقْبِيلُهُ وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَوْ بَدَأَ) فِي طَوَافِهِ (بِغَيْرِ الْحَجَرِ) كَأَنْ ابْتَدَأَ بِالْبَابِ (لَمْ يُحْسَبْ) مَا طَافَهُ (فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ (ابْتَدَأَ مِنْهُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَوْ مَسَّ الْجِدَارَ فِي مُوَازَاتِهِ أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنْ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ، وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا   [مغني المحتاج] وَحُسِبَ لَهُ الطَّوَافُ مِنْ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْمُتَوَضِّئُ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ غَسْلَ عُضْوٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْوَجْهَ أَوَّلَ وُضُوئِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ النِّيَّةَ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِهَا عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا خُرُوجُ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَارِجُ عَنْ عُرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ مُرْتَفِعًا عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: وَالشَّاذَرْوَانُ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: أَيْ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا رَفْعَهُ لِتَهْوِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلِّهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا (أَوْ) أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ كَأَنْ (مَسَّ الْجِدَارَ) الْكَائِنَ (فِي مُوَازَاتِهِ) أَيْ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ، أَوْ هَوَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ (أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْمَحُوطِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ (وَخَرَجَ مِنْ) الْفَتْحَةِ (الْأُخْرَى) أَوْ خَلَّفَ مِنْهُ قَدْرَ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَاقْتَحَمَ الْجِدَارَ وَخَرَجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ (لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْحِجْرِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] [الْحَجَّ] وَإِنَّمَا يَكُونُ طَائِفًا بِهِ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ وَإِلَّا فَهُوَ طَائِفٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْحِجْرُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا طَافَ خَارِجَهُ. وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ. قُلْت: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مِنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ لَفَعَلْت» وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الْحِجْرَ جَمِيعَهُ مِنْ الْبَيْتِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الَّذِي هُوَ مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ، وَقِيلَ: سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ، وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّ الْحَجَّ بَابُ اتِّبَاعٍ، وَعُلِمَ مِنْ مَنْعِ مُرُورِ بَعْضِ الْبَدَنِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَنَّ مُرُورَ بَعْضِ ثِيَابِهِ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ) بِصِحَّةِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ بَدَنِهِ خَارِجٌ فَيُصَدَّقُ أَنَّهُ طَائِفٌ بِالْبَيْتِ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْفُورَانِيُّ (وَ) خَامِسُهَا (أَنْ يَطُوفَ) بِالْبَيْتِ (سَبْعًا) مِنْ الطَّوَفَاتِ وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي الْعَدَدِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 وَدَاخِلَ الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا السُّنَنُ فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا   [مغني المحتاج] اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَافَ سَبْعًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ سِتًّا اُسْتُحِبَّ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ. قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ بِخِلَافِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زِيَادَةَ الرَّكَعَاتِ مُبْطِلَةٌ بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُحَاذِيَ شَيْئًا مِنْ الْحِجْرِ بَعْدَ الطَّوْفَةِ السَّابِعَةِ مِمَّا حَاذَاهُ أَوَّلًا (وَ) سَادِسُهَا كَوْنُهُ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ) لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا فَلَا يَصِحُّ حَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَصِحُّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ وَسِعَ وَحَالَ حَائِلٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي. نَعَمْ لَوْ زِيدَ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ الْحِلَّ فَطَافَ فِيهِ فِي الْحِلِّ لَمْ يَصِحَّ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَيَصِحُّ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ أَعْلَى مِنْ الْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْبَيْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ جِهَةُ بِنَائِهَا فَإِذَا عَلَا كَانَ مُسْتَقْبِلًا، وَالْمَقْصُودُ فِي الطَّوَافِ نَفْسُ بِنَائِهَا، فَإِذَا عَلَا لَمْ يَكُنْ طَائِفًا بِهِ. وَسَابِعُهَا: نِيَّةُ الطَّوَافِ إنْ اسْتَقَلَّ بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَالطَّوَافِ الْمَنْذُورِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي خِلَافُ الَّذِي شَمِلَهُ نُسُكٌ وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَطَوَافُ الْقُدُومِ فَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ لِشُمُولِ نِيَّةِ النُّسُكِ لَهُ. وَثَامِنُهَا: عَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ صَرَفَهُ انْقَطَعَ لَا إنْ نَامَ فِيهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ. . (وَأَمَّا السُّنَنُ) الْمَطْلُوبَةُ لِلطَّائِفِ فَثَمَانِيَةٌ: أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا) وَلَوْ امْرَأَةً لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا مَحْمُولًا عَلَى آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِمُنَافَاةِ الْخُشُوعِ، وَلِأَنَّ الْبَهِيمَةَ قَدْ تُؤْذِي النَّاسَ وَتُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَدِمَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» وَفِيهِمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ رَاكِبًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيَظْهَرَ فَيُسْتَفْتَى» فَلِمَنْ اُحْتِيجَ إلَى ظُهُورِهِ لِلْفَتْوَى أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ، فَلَوْ رَكِبَ بَهِيمَةً بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُكْرَهُ وَكَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ، هَذَا عِنْدَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ، وَإِلَّا حَرُمَ إدْخَالُهَا الْمَسْجِدَ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ شَيْءٌ: أَيْ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ، فَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِيثَاقُ فَذَاكَ أَيْ خِلَافُ الْأُولَى وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا مَكْرُوهٌ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ حَرَامٌ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهِيمَةِ إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ إقَامَةِ السُّنَّةِ كَمَا فَعَلَهُ إطْلَاقُهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهَا، وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ عَلَى إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمُحْرِمِينَ الْمَسْجِدَ، لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عِنْدَ الْخَوْفِ بِالتَّحَفُّظِ وَنَحْوِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ عَنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي الْفَصْلِ الْمَعْقُودِ لِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ. وَقَالَ: إنَّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَا رُدَّ بِهِ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مَمْنُوعٌ، إذْ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَالْإِسْنَوِيُّ مُثْبِتُ الْكَرَاهَةِ، وَغَيْرُهُ نَافٍ لَهَا. وَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ أَوَّلَ طَوَافِهِ وَيُقَبِّلَهُ، وَيَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلَمَ،   [مغني المحتاج] الْأُشْمُونِيُّ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ: قُلْت نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ بِلَا عُذْرٍ وَجَزَمَ بِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَقَالَ مِنْ " زِيَادَتِهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إدْخَالُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ إنْ غَلَبَ تَنْجِيسُهُمْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ فَمَكْرُوهٌ. قَالَ أَعْنِي الْأُشْمُونِيَّ: وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْبَهَائِمِ أَنْ تَكُونَ كَالصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ بِلَا شَكٍّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَتَرْكُ الْكَرَاهَةِ هُنَا كَمَا مَرَّ أَوْلَى لِلْحَاجَةِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ، بِخِلَافِ إدْخَالِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُكْرَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ كَمَا مَرَّ أَيْضًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَحْمُولِ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ كَالرَّاكِبِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِذَا كَانَ مَعْذُورًا فَطَوَافُهُ مَحْمُولًا أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدَّابَّةِ، وَرُكُوبُ الْإِبِلِ أَيْسَرُ حَالًا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ. ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ: وَلَوْ طَافَ زَحْفًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَشْيِ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ حَافِيًا فِي طَوَافِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ. قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: وَأُحِبُّ لَوْ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَافِيًا أَنْ يُقَصِّرَ فِي الْمَشْيِ لِتَكْثُرَ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ لَهُ. (وَ) ثَانِيهَا أَنْ (يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ: أَيْ يَلْمَسَهُ بِيَدِهِ (أَوَّلَ طَوَافِهِ) وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ الْيُمْنَى (وَيُقَبِّلَهُ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ اسْتَلَمَ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْيَدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَسْتَلِمُهُ بِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ، وَلَا يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ اسْتِلَامٌ وَلَا تَقْبِيلٌ، وَلَا قُرْبٌ مِنْ الْبَيْتِ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ فِي الْكِفَايَةِ بِاللَّيْلِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ (وَيَضَعُ) بَعْدَ ذَلِكَ (جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْبِيلُ وَالسُّجُودُ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ لِلرُّكْنِ حَتَّى لَوْ نُحِّيَ الْحَجَرُ أَوْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكَعْبَةِ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ. حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَقْبِيلِهِ وَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ لِزَحْمَةٍ مَثَلًا (اسْتَلَمَ) بِيَدِهِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَا عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً وَإِلَّا فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَلَوْ كَانَ الزِّحَامُ كَثِيرًا مَضَى وَكَبَّرَ وَلَمْ يَسْتَلِمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ. وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: إلَّا فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ وَآخِرِهِ، فَأُحِبُّ لَهُ الِاسْتِلَامَ وَلَوْ مَعَ الزِّحَامِ، وَهَذَا مَا تَوَقَّى التَّأَذِّي وَالْإِيذَاءَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ اسْتَلَمَهُ بِنَحْوِ عَصًا، ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ نَحْوِ الْعَصَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَلِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُ يَدَهُ وَيَقُولُ: مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ» مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ مَعَ أَخْبَارٍ أُخَرَ أَنَّهُ يُقَبِّلُ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بِهَا مَعَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مَنْسَكِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ بِيَدِهِ، وَيُرَاعَى ذَلِكَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا، وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ وَلَا يُقَبِّلُهُ. وَأَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ،   [مغني المحتاج] لَكِنْ خَصَّهُ الشَّيْخَانِ، وَمُخْتَصَرُ كَلَامِهِمَا يَتَعَذَّرُ تَقْبِيلُهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا (أَشَارَ) إلَيْهِ (بِيَدِهِ) أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ «طَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرٍ لَهُ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ» وَلَا يُنْدَبُ أَنْ يُشِيرَ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْفَمِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ بِمَا فِيهَا مَعَ أَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِلَامَ وَالْإِشَارَةَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى. قَالَ شَيْخُنَا: عَلَى الْأَقْرَبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُرَاعَى ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ (فِي كُلِّ طَوْفَةٍ) مِنْ الطَّوَفَاتِ السَّبْعِ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ» وَهُوَ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَلِمًا فِي افْتِتَاحِهِ وَاخْتِتَامِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا (وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ) وَهُمَا اللَّذَانِ عِنْدَهُمَا الْحِجْرُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا) بِيَدِهِ وَلَا بِشَيْءٍ فِيهَا: أَيْ لَا يُسَنُّ ذَلِكَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَسْتَلِمُ إلَّا الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ» (وَيَسْتَلِمُ) الرُّكْنَ (الْيَمَانِيَّ) نَدْبًا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (وَلَا يُقَبِّلُهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَكِنْ يُقَبِّلُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَكَذَا هُنَا، وَمُقْتَضَى الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي. وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَقْبِيلِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ سُنَّةً، فَلَوْ قَبَّلَهُنَّ أَوْ غَيْرَهُنَّ مِنْ الْبَيْتِ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى، بَلْ يَكُونُ حَسَنًا، كَمَا نَقَلَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: وَأَيَّ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُهِمٌّ. فَائِدَةٌ: السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ. وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ. (وَ) ثَالِثُهُمَا: الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ، فَيُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) وَكَذَا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى آكَدُ (بِسْمِ اللَّهِ) أَطُوفُ (وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَاسْتَحَبَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 اللَّهُمَّ إيمَانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ: اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك، وَالْحَرَمُ حَرَمُك، وَالْأَمْنُ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ.   [مغني المحتاج] (اللَّهُمَّ) أَطُوفُ (إيمَانًا بِكَ، وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك، وَوَفَاءً) أَيْ تَمَامًا (بِعَهْدِك) وَهُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ (وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَإِيمَانًا وَمَا بَعْدَهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالتَّقْدِيرُ أَفْعَلُهُ إيمَانًا بِكَ إلَخْ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ صُلْبِهِ، وَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] [الْأَعْرَافَ] ، فَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ بِذَلِكَ عَهْدٌ وَيُدْرَجَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (وَلْيَقُلْ) نَدْبًا (قُبَالَةَ الْبَابِ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُقَابِلُهُ (اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بَيْتُك، وَالْحَرَمُ حَرَمُك، وَالْأَمْنُ أَمْنُك، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ النَّارِ) هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ زَوَائِدِ الْمِنْهَاجِ، وَأَصْلُهُ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، وَقَالَ: يُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَشَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَعْنِي بِالْعَائِذِ نَفْسَهُ: أَيْ هَذَا الْمُلْتَجِئُ الْمُسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ النَّارِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَأَنَّ الْعَائِذَ هُوَ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَلَطٌ فَاحِشٌ وَقَعَ لِبَعْضِ عَوَامِّ مَكَّةَ، وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ، وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ، وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى تَحْتِ الْمِيزَابِ: اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا ظِلِّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا، وَعَمَلًا مَقْبُولًا، وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ - أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَقِسْ بِهِ الْبَاقِيَ، وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ: عُمْرَةٌ مَبْرُورَةٌ وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ، وَيَقْصِدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي فِي الرَّمَلِ، وَمَحَلُّ الدُّعَاءِ بِهَذَا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَإِلَّا فَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ (وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ: اللَّهُمَّ) وَفِي الْمَجْمُوعِ - رَبَّنَا (آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) قِيلَ هِيَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَقِيلَ الْعِلْمُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) قِيلَ هِيَ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ الْعَفْوُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَهَذَا أَحَبُّ مَا يُقَالُ فِي الطَّوَافِ إلَيَّ وَأُحِبُّ أَنْ يُقَالَ فِي كُلِّهِ - أَيْ الطَّوَافِ - (وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ) فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ مَأْثُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْثُورُ أَفْضَلَ كَمَا قَالَ (وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ) بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ الْمَنْقُولِ مِنْ الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ (أَفْضَلُ) مِنْ غَيْرِهِ، وَ (مِنْ الْقِرَاءَةِ) فِيهِ لِلِاتِّبَاعِ (وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ) لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وَأَنْ يَرْمُلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى: بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي، وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ وَفِي قَوْلٍ بِطَوَافِ الْقُدُومِ،   [مغني المحتاج] مَوْضِعُ ذِكْرٍ، وَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَفِي الْحَدِيثِ: يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ، وَيُرَاعَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كُلِّ طَوْفَةٍ اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ، وَهُوَ فِي الْأُولَى، ثُمَّ فِي الْأَوْتَارِ آكَدُ. (وَ) رَابِعُهَا (أَنْ يَرْمُلَ) الذَّكَرُ الْمَاشِي وَلَوْ صَبِيًّا (فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) كُلِّهَا مُسْتَوْعِبًا بِهِ الْبَيْتَ لَا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالرَّمَلِ فِي بَعْضِهَا، وَالْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الطَّوَافِ بِالْأَشْوَاطِ، وَقِيسَ بِهِ الرَّمَلُ (بِأَنْ يُسْرِعَ) الطَّائِفُ (مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ) لَا عَدْوَ فِيهِ وَلَا وَثْبَ (وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي) مِنْ طَوَافِهِ عَلَى هِينَتِهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ خَبَّ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا» . وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ: «رَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ وَمَشَى أَرْبَعًا» فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ الْحَامِلُ. وَيُكْرَهُ تَرْكُ الرَّمَلِ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ تَرَكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السُّكُونُ فَلَا يُغَيَّرُ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَلَا يَقْضِي بَعْدَهُمَا لِتَفْوِيتِ سُنَّةِ الْإِسْرَارِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هِينَتِهِ كَمَا زِدْته تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، فَإِنَّ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ لَيْسَ قَسِيمَةَ الْمَشْي بَلْ التَّأَنِّي فِيهِ. وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ الرَّمَلِ مَعَ زَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ السَّعْيُ لِأَجْلِهِ، وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ الْحُمَّى، فَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَأَنْ يَمْشُوا أَرْبَعًا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ، هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ كَذَا وَكَذَا» ؛ لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَسْتَحْضِرُ بِهِ سَبَبَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُهُورُ أَمْرِهِمْ، فَيَتَذَكَّرُ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْإِسْرَاعِ فِيهِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ (وَيَخْتَصُّ الرَّمَلُ) وَيُسَمَّى خَبَبًا (بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ) مَشْرُوعٌ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ رُكْنٍ (وَفِي قَوْلٍ) يَخْتَصُّ (بِطَوَافِ الْقُدُومِ) لِأَنَّ مَا رَمَلَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَكَذَا مَنْ سَعَى عَقِبَ طَوَافِهِ لِلْقُدُومِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ عَقِبَهُ، وَكَذَا إنْ أَرَادَهُ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ مِنْهُ، وَإِنْ طَافَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 وَلْيَقُلْ فِيهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا. وَأَنْ يَضْطَبِعَ فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ، فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى   [مغني المحتاج] لِلْقُدُومِ وَلَمْ يَسْعَ عَقِبَهُ ثُمَّ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ رَمَلَ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَالْحَاجُّ مِنْ مَكَّةَ يَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَسَعَى عَقِبَهُ وَلَمْ يَرْمُلْ فِيهِ لَا يَقْضِيهِ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَلَوْ طَافَ وَرَمَلَ وَلَمْ يَسْعَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِبَقَاءِ السَّعْيِ عَلَيْهِ (وَلْيَقُلْ فِيهِ) أَيْ فِي رَمَلِهِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ) أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ (حَجًّا مَبْرُورًا) وَهُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ مَعْصِيَةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبِرِّ، وَهُوَ الطَّاعَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُتَقَبَّلُ (وَذَنْبًا مَغْفُورًا) أَيْ اجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا (وَسَعْيًا مَشْكُورًا) وَالسَّعْيُ هُوَ الْعَمَلُ وَالْمَشْكُورُ الْمُتَقَبَّلُ، وَقِيلَ الَّذِي يُشْكَرُ عَلَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا قَالَهُ " الرَّافِعِيُّ، هَذَا إذَا كَانَ حَجًّا. فَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي دُعَاءِ الْمَطَافِ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَمَّا يَقُولُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ، وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِيهَا: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتَجَاوَزَ عَمَّا تَعْلَمُ، إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ، اللَّهُمَّ - {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]-. (وَ) خَامِسُهَا (أَنْ يَضْطَبِعَ) الذَّكَرُ وَلَوْ صَبِيًّا (فِي جَمِيعِ كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَكَذَا) يَضْطَبِعُ (فِي السَّعْيِ عَلَى الصَّحِيحِ) قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَصْدِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرِيرِهَا، وَسَوَاءٌ اضْطَبَعَ فِي الطَّوَافِ قَبْلَهُ أَمْ لَا، وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِكَرَاهَةِ الِاضْطِبَاعِ فِي الصَّلَاةِ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهَا وَيُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّعْيِ. وَلَا يُسَنُّ فِي طَوَافٍ لَا يُسَنُّ فِيهِ رَمَلٌ (وَهُوَ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ فِي الْأَفْصَحِ (تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ) وَيَكْشِفَهُ (وَ) جَعْلُ (طَرَفَيْهِ عَلَى الْأَيْسَرِ) كَدَأْبِ أَهْلِ الشَّطَارَةِ، وَالِاضْطِبَاعُ افْتِعَالٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الضَّبُعِ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، وَهُوَ الْعَضُدُ (وَلَا تَرْمُلُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَضْطَبِعُ) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا ذَلِكَ، لِأَنَّ بِالرَّمَلِ تَتَبَيَّنَ أَعْطَافُهَا، وَبِالِاضْطِبَاعِ يَنْكَشِفُ مَا هُوَ عَوْرَةٌ مِنْهَا. وَالْمَعْنَى السَّابِقُ، وَهُوَ كَوْنُهُ دَأْبَ أَهْلِ الشَّطَارَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ بَلْ بِأَهْلِ الشَّطَارَةِ مِنْهُمْ، وَالتَّشْبِيهُ بِهِمْ حَرَامٌ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى. (وَ) سَادِسُهَا (أَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) لِشَرَفِهِ، وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ، وَالْأَوْلَى - كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ - أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ ثَلَاثَ خَطَوَاتٍ لِيَأْمَنَ مُرُورَ بَعْضِ جَسَدِهِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ. نَعَمْ إنْ تَأَذَّى أَوْ أَذَى غَيْرَهُ بِنَحْوِ زَحْمَةٍ فَالْبُعْدُ أَوْلَى، وَهَذَا كُلُّهُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيَكُونَانِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ فَإِنْ طَافَا خَالِيَيْنِ فَكَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ الْقُرْبِ (فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ) مِنْ الْبَيْتِ (لِزَحْمَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً مَعَ الْقُرْبِ يَرْمُلُ فِيهَا لَوْ انْتَظَرَ (فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ) عَنْهُ (أَوْلَى) لِأَنَّ الْقُرْبَ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ، وَالرَّمَلُ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 إلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى، وَأَنْ يُوَالِيَ طَوَافَهُ. وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ،   [مغني المحتاج] بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَالْمُتَعَلِّقَةُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ رَجَاهَا وَقَفَ لِيَرْمُلَ فِيهَا (إلَّا أَنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ) بِأَنْ كُنَّ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ (فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى) مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ مُحَافَظَةً عَلَى الطَّهَارَةِ، وَلَوْ خَافَ مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا لَمْسَهُنَّ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى. وَيُسَنُّ أَنْ يَتَحَرَّك فِي مَشْيِهِ وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَرَمَلَ كَمَا فِي الْعَدْوِ فِي السَّعْيِ (وَ) سَابِعُهَا (أَنْ يُوَالِيَ) الطَّائِفُ (طَوَافَهُ) اتِّبَاعًا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ» وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَّا فِي خَيْرٍ كَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلٍ، وَجَوَابِ مُسْتَفْتٍ. وَيُكْرَهُ أَنْ يُبْصَقَ فِيهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ يَدَيْهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ مُكْتَنِفًا، وَأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ إلَّا فِي حَالَةِ التَّثَاؤُبِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ، وَأَنْ يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ أَوْ يُفَرْقِعَهَا، وَأَنْ يَكُونَ حَاقِنًا أَوْ حَاقِبًا أَوْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ إلَيْهِ نَفْسُهُ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً وَيُكْرَهُ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ خَاشِعًا خَاضِعًا، حَاضِرَ الْقَلْبِ، مُلَازِمًا لِلْأَدَبِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ مُسْتَحْضِرًا فِي قَلْبِهِ عَظَمَةَ مَنْ هُوَ طَائِفٌ بِبَيْتِهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهِ، وَقَلْبَهُ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَرْضَى، وَيُعَلِّمَ السَّائِلَ بِرِفْقٍ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ التَّطَوُّعُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالطَّوَافِ أَوْ الصَّلَاةِ؟ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الطَّوَافُ أَفْضَلُ، وَظَاهِرُ قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ. (وَ) ثَامِنُهَا (أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) وَتُجْزِئُ عَنْهُمَا الْفَرِيضَةُ وَالرَّاتِبَةُ كَمَا فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَفِعْلُهُمَا (خَلْفَ الْمَقَامِ) الَّذِي لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ لِلِاتِّبَاعِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ فِي الْحَرَمِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ مَتَى شَاءَ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ، وَمَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى أَنَّ فِعْلَهُمَا فِي الْكَعْبَةِ أَوْلَى مِنْهُ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَالْأَفْضَلُ مَا فِي الْمَتْنِ، لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ اتِّبَاعٍ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ، وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَلَا أَحْسَبُ فِي أَفْضَلِيَّةِ فِعْلِهِمَا خَلْفَ الْمَقَامِ خِلَافًا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ مُتَوَارَثٌ لَا يُشَكُّ فِيهِ، بَلْ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا إلَّا خَلْفَ الْمَقَامِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ الْمَسْجِدِ بَيْتَ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - ثُمَّ بَاقِيَ مَكَّةَ ثُمَّ الْحَرَمَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيُسَنُّ لَهُ إذَا أَخَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إرَاقَةُ دَمٍ أَيْ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِمَا إذَا صَلَّاهُمَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِتَأَخُّرِهِمَا إلَيْهِ عَنْ الْحَرَمِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ، وَيُصَلِّيهِمَا الْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْوَلِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ وَالَى بَيْنَ أَسَابِيعَ طَوَافَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ وَالَى بَيْنَ رَكَعَاتِهَا لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْأَفْضَلُ خِلَافُهُ بِأَنْ يُصَلِّيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 يَقْرَأُ فِي الْأُولَى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ، وَيَجْهَرُ لَيْلًا، وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَالصَّلَاةُ، وَلَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ،   [مغني المحتاج] عَقِبَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى لِلْجَمِيعِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ (يَقْرَأُ فِي الْأُولَى) مِنْهُمَا سُورَةَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّانِيَةِ) سُورَةَ (الْإِخْلَاصِ) لِلِاتِّبَاعِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِمَا فِي قِرَاءَتِهِمَا مِنْ الْإِخْلَاصِ الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ (وَيَجْهَرُ) فِيهِمَا (لَيْلًا) مَعَ مَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَسَكَتَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ. وَيُسَنُّ فِيمَا فِي ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ وَغَيْرِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِ النُّسُكِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ الْمَفْعُولَةِ لَيْلًا أَنْ يَتَوَسَّطَ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا مَرَّ (وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ) بَيْنَ أَشْوَاطِهِ وَأَبْعَاضِهَا (وَ) تَجِبُ (الصَّلَاةُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى بِالْأَمْرَيْنِ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. أَمَّا الْمُوَالَاةُ: فَلِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْخِلَافَ هُنَا هُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّفْرِيقِ الْكَثِيرِ بِلَا عُذْرٍ، فَإِنْ فَرَّقَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا بِعُذْرٍ لَمْ يَضُرَّ جَزْمًا كَالْوُضُوءِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْكَثِيرُ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِتَرْكِهِ تَرْكُ الطَّوَافِ: إمَّا بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ، أَوْ بِظَنٍّ أَنَّهُ أَتَمَّهُ. وَمِنْ الْعُذْرِ إقَامَةُ الْمَكْتُوبَةِ لَا صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالرَّوَاتِبِ بَلْ يُكْرَهُ قَطْعُ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ لَهُمَا. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِخَبَرِ " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ " وَالْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا كَانَ فَرْضًا، فَإِنْ كَانَ نَفْلًا فَسُنَّةٌ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلَا بُعْدَ فِي اشْتِرَاطِ فَرْضٍ فِي نَفْلٍ كَالطَّهَارَةِ وَالسِّتْرِ فِي النَّافِلَةِ، وَعَلَى الْوُجُوبِ يَصِحُّ الطَّوَافُ بِدُونِهِمَا، إذْ لَيْسَا بِشَرْطٍ وَلَا رُكْنٍ لَهُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ إذَا دَخَلَ تَحْتَ نُسُكِ النِّيَّةِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ إفَاضَةٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ زَمَنُهُ وَدَخَلَ وَقْتَ مَا عَلَيْهِ فَنَوَى غَيْرُهُ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ تَطَوُّعًا أَوْ قُدُومًا أَوْ وَدَاعًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ النَّذْرِ كَمَا فِي وَاجِبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَقَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّوَافَ يَقْبَلُ الصَّرْفَ: أَيْ إذَا صَرَفَهُ لِغَيْرِ طَوَافٍ آخَرَ كَطَلَبِ غَرِيمٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْخِصَالِ أَنَّ سُنَنَ الطَّوَافِ تَصِلُ إلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ خَصْلَةً وَفِيمَا ذَكَرْته لَكَ كِفَايَةٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ الْمُتَّبِعِينَ وَلَا يَجْعَلَنَا مِنْ الْمُبْتَدِعِينَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْرِمِ أَنْ يَطُوفَ بِنَفْسِهِ (وَ) لِهَذَا (لَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا) لِمَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ أَوَّلًا لَمْ يَطُفْ الْمُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ (وَطَافَ بِهِ) وَلَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا (حُسِبَ) الطَّوَافُ (لِلْمَحْمُولِ) عَنْ الطَّوَافِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ إحْرَامُهُ كَرَاكِبِ بَهِيمَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ بِشَرْطِهِ - أَيْ بِشَرْطِ الطَّوَافِ فِي حَقِّ الْمَحْمُولِ مِنْ طَهَارَةٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَدُخُولِ وَقْتٍ، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا وَقَعَ لِلْحَامِلِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ لِإِحْرَامِهِ، فَكَمَا لَوْ حَمَلَ حَلَالًا، وَسَيَأْتِي أَوْ صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وَكَذَا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَصْدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ، وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ.   [مغني المحتاج] أَوْ لَهُمَا وَقَعَ لَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فِي حَقِّهِ. (وَكَذَا) يُحْسَبُ لِلْمَحْمُولِ أَيْضًا (لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَدْ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ) لِإِحْرَامِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْمُحْرِمُ الْحَامِلُ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَصْدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ) خَاصَّةً تَنْزِيلًا لِلْحَامِلِ مَنْزِلَةَ الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَامِلِ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُصْرَفَ الطَّوَافُ إلَى غَرَضٍ آخَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لِلْحَامِلِ خَاصَّةً كَمَا إذَا أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَضُرُّ الصَّارِفَ، وَالثَّالِثُ: يَقَعُ لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ دَارَ وَالْآخَرَ قَدْ دِيرَ بِهِ (وَإِنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا) أَوْ أَطْلَقَ (فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ) وَإِنْ قَصَدَ مَحْمُولَهُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ حَمَلَ حَلَالٌ حَلَالًا وَنَوَيَا وَقَعَ لِلْحَامِلِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُقَاسُ بِالْمُحْرِمَيْنِ الْحَلَالَانِ النَّاوِيَانِ، فَيَقَعُ لِلْحَامِلِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَسَوَاءٌ فِي الصَّغِيرِ حَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ أَمْ غَيْرُهُ. لَكِنْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي حَمْلِ غَيْرِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الصَّغِيرَ إذَا طَافَ رَاكِبًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، فَلَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ بَلْ جَعَلَهُ فِي شَيْءٍ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ وَجَذَبَهُ، فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِطَوَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطَوَافِ الْآخَرِ لِانْفِصَالِهِ عَنْهُ وَنَظِيرُهُ لَوْ كَانَ بِسَفِينَةٍ وَهُوَ يَجْذِبُهَا. تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا نَوَاهُمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى خِلَافِهِ إلَّا أَنَّ نَصَّ الْأُمِّ فِي وُقُوعِهِ لِلْمَحْمُولِ، وَنَصَّ الْإِمْلَاءِ فِي وُقُوعِهِ لَهُمَا كَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ فَالنَّصَّانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى نَفْيِ مَا ذُكِرَ، وَنَصُّ الْأُمِّ أَقْوَى عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ هُنَا بِخُصُوصِهِ أَظْهَرُ مِنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ نَقْلِهِ عَنْ الْإِمْلَاءِ مِنْ وُقُوعِهِ لَهُمَا غَلَطٌ بَلْ الَّذِي فِيهِ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ عَنْ الْإِمْلَاءِ وُقُوعُهُ لِلْحَامِلِ دُونَ الْمَحْمُولِ، وَرَجَّحَهُ الْأَصْحَابُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى الْحَجَّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَقَعَ لَهُ فَكَذَا رُكْنُهُ قَالَ: وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حُبُّ التَّغْلِيظِ، وَالرَّجُلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثِقَةٌ، وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الْوَهْمِ فِي الْفَهْمِ وَالنَّقْلِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ اهـ. وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَحْمُولُ وَاحِدًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْكَافِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَحْكَامِ الْمَحْمُولِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْوُقُوفِ أَجْزَأَ فِيهِمَا. يَعْنِي مُطْلَقًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ ثَمَّ السُّكُونُ أَيْ الْحُضُورُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَا الْفِعْلُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا، وَلَوْ طَافَ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ مُعْتَقِدًا أَنَّ إحْرَامَهُ عُمْرَةٌ فَبَانَ حَجًّا وَقَعَ عَنْهُ كَمَا لَوْ طَافَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ طَوَافٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 فَصْلٌ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَصَلَاتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِلسَّعْيِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا، وَأَنْ يَسْعَى سَبْعًا، ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةٌ، وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ؛ أُخْرَى،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ السَّعْيِ] (فَصْلٌ) فِيمَا يُخْتَمُ بِهِ الطَّوَافُ وَبَيَانُ كَيْفِيَّةَ السَّعْيِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ يَعُودُ نَدْبًا، وَ (يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ بِشَرْطِهِ فِي الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (بَعْدَ الطَّوَافِ) بِأَنْ يَخْتِمَهُ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ (وَ) قَوْلُهُ بَعْدَ (صَلَاتِهِ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ مَا ابْتَدَأَ بِهِ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الِاسْتِلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ وَلَا السُّجُودُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ سَبَبَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى السَّعْيِ اهـ. وَصَرَّحَ أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ يُقَبِّلُهُ: أَيْ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الِاسْتِلَامِ اكْتِفَاءً بِمَا بَيَّنُوهُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ وَالْمِيزَابَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَيَدْعُو شَاذٌّ (ثُمَّ يَخْرُجُ) نَدْبًا (مِنْ بَابِ الصَّفَا) وَهُوَ الْبَابُ الْمُقَابِلُ لِمَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ (لِلسَّعْيِ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا (أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا) بِالْقَصْرِ. جَمْعُ صَفَاةٍ، وَهِيَ الْحَجَرُ الصُّلْبُ، وَالْمُرَادُ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِالْمَرْوَةِ وَيَخْتِمَ بِالصَّفَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالسَّادِسَةِ، فَلَوْ عَكَسَ لَمْ تُحْسَبْ الْمَرَّةُ الْأُولَى، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالصَّفَا وَقَالَ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ. لَكِنْ بِلَفْظِ " أَبْدَأُ " عَلَى الْخَبَرِ لَا الْأَمْرِ، وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ بِلَفْظِ " نَبْدَأُ " بِالنُّونِ. عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ، فَلَوْ تَرَكَ الْخَامِسَةَ جَعَلَ السَّابِعَةَ خَامِسَةً، وَأَتَى بِالسَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ مَرَّاتِهِ كَالطَّوَافِ بَلْ أَوْلَى (وَ) وَثَانِيهَا (أَنْ يَسْعَى سَبْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَأَصْلُهَا الْحَجَرُ الرَّخْوُ، وَهِيَ فِي طَرَفِ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ (مَرَّةٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ ذَهَابِهِ (وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ) مَرَّةٌ (أُخْرَى) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَدَأَ بِالصَّفَا وَخَتَمَ بِالْمَرْوَةِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيلَ: إنَّ الذَّهَابَ وَالْإِيَابَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ بِالصَّفَا وَهُوَ خِلَافُ الْوَارِدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَسَافَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِأَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَرُءُوسَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، الرَّاكِبُ يُلْصِقُ حَافِرَ دَابَّتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَبَعْضُ الدَّرَجِ مُحْدَثٌ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يُخَلِّفَهَا وَرَاءَهُ فَلَا يَصِحَّ سَعْيُهُ حِينَئِذٍ، بَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْعَدَ الدَّرَجَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وَأَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ،   [مغني المحتاج] حَتَّى يَسْتَيْقِنَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَعْيُ الرَّاكِبِ حَتَّى يَصْعَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ عَدَلَ عَنْ مَوْضِعِ السَّعْيِ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَابْتَدَأَ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الصَّفَا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الْمَرَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَزِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْمَرْوَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِقْبَالِهَا. قَالَ: وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَفْضَلُهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ، وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ، فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ اهـ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لِتَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ (وَ) ثَالِثُهَا (أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ) طَوَافِ (قُدُومٍ) لِأَنَّهُ الْوَارِدُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَطَوَافِ النَّفْلِ. أَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَلِعَدَمِ تَصَوُّرِ وُقُوعِ السَّعْيِ بَعْدَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ السَّعْيُ لَمْ يَكُنْ الْمَأْتِيُّ بِهِ طَوَافَ وَدَاعٍ. نَعَمْ إنْ بَلَغَ قَبْلَ سَعْيِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَقَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ قَائِلٌ اُعْتُدَّ بِهِ نَدْبًا، وَقَائِلٌ وُجُوبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا. وَالْأَوْجَهُ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُ ذَلِكَ، إذْ الْمُرَادُ طَوَافُ الْوَدَاعِ الْمَشْرُوعُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخِ لَا كُلُّ وَدَاعٍ. وَأَمَّا طَوَافُ النَّفْلِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ تَنَفَّلَ بِالطَّوَافِ وَأَرَادَ السَّعْيَ بَعْدُ فَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِعَدَمِ إجْزَائِهِ (بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمْ) أَيْ السَّعْيِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ طَوِيلٌ، فَإِنْ وَقَفَ بِهَا لَمْ يُجْزِهِ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْعَى الْآنَ لِفَوَاتِ التَّبَعِيَّةِ بِتَخَلُّلِ الْوُقُوفِ فَالْحَيْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ قَيْدٌ فِي الْقُدُومِ فَقَطْ (وَمَنْ سَعَى بَعْدَ) طَوَافِ (قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ لَمْ تُسَنَّ لَهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ، وَلِأَنَّ السَّعْيَ لَيْسَ قُرْبَةً فِي نَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَا وَحْدَهَا، فَإِنْ أَعَادَهُ فَخِلَافُ الْأَوْلَى، وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ. نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِعَرَفَةَ إعَادَتُهُ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ. وَيُسَنُّ لِلْقَارِنِ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ، وَهَلْ الْأَفْضَلُ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى الْأَوَّلُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِهَا (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْقَى) الذَّكَرُ (عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ) لِإِنْسَانٍ مُعْتَدِلٍ، وَأَنْ يُشَاهِدَ الْبَيْتَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَقَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قِيلَ: إنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تُرَى فَحَالَتْ الْأَبْنِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَرْوَةِ، وَالْيَوْمَ لَا نَرَى الْكَعْبَةَ إلَّا عَلَى الصَّفَا مِنْ بَابٍ، بَلْ الْمَرْوَةُ الْآنَ لَيْسَ بِهَا مَا يُرْقَى عَلَيْهِ إلَّا مَصْطَبَةٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 فَإِذَا رَقَى قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا. قُلْت: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ: وَيَعْدُوَ فِي الْوَسَطِ، وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ مَعْرُوفٌ.   [مغني المحتاج] فَيُسَنُّ رُقِيُّهَا. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تَرْقَى كَمَا فِي التَّنْبِيهِ: أَيْ لَا يُسَنُّ لَهَا ذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُفْرَدَاتِ التَّنْبِيهِ، وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْمُهَذَّبِ وَلَا شَرْحِهِ وَلَا الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخُنْثَى كَذَلِكَ. قَالَ وَلَوْ فُصِلَ فِيهِمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا بِخَلْوَةٍ أَوْ بِحَضْرَةِ مَحَارِمَ، وَأَنْ لَا يَكُونَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي جَهْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يُعِدْ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الرُّقِيُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا (فَإِذَا رَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ، أَوْ أَلْصَقَ أَصَابِعَهُ بِلَا رُقِيٍّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَ (قَالَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَلِلَّهِ الْحَمْدُ) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ (اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا عَلَى طَاعَتِهِ بِالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا) مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي خُطْبَةِ الْمَتْنِ (لَهُ الْمُلْكُ) أَيْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ (وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ (الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مُمْكِنٍ (قَدِيرٌ) لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا. قُلْت: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ) السَّابِقَيْنِ (ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ وَنَقْصِ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْخَيْرُ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الدُّعَاءُ بِأَمْرِ الدِّينِ يَكُونُ مَنْدُوبًا مُتَأَكِّدًا لِلتَّأَسِّي وَبِأَمْرِ الدُّنْيَا مُبَاحًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] غَافِرٍ وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتَنِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُهُ عَلَى الصَّفَا (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَمْشِيَ) عَلَى هِينَتِهِ (أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ، وَ) أَنْ (يَعْدُوَ) الذَّكَرُ، أَيْ يَسْعَى سَعْيًا، شَدِيدًا فَوْقَ الرَّمَلِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (فِي الْوَسَطِ) الَّذِي بَيْنَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ) أَيْ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (مَعْرُوفٌ) هُنَاكَ فَيَمْشِي حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَعْدُو، فَإِنْ عَجَزَ تَشَبَّهَ حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ دَارِ الْعَبَّاسِ الْمَشْهُورَةِ الْآنَ بِرِبَاطِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَيَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْمَرْوَةِ، فَإِذَا عَادَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إلَى مِنًى، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ،   [مغني المحتاج] مَشَى فِي مَحِلِّ مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحِلِّ سَعْيِهِ أَوَّلًا. أَمَّا الْأُنْثَى فَتَمْشِي فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: إنْ خَلَتْ بِاللَّيْلِ سَعَتْ كَالذَّكَرِ، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ عَنْ أَبِي الْفُتُوحِ وَأَقَرَّهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ الذَّكَرُ فِي عَدْوِهِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فِي مَحِلِّهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. . تَنْبِيهٌ: سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَنْ السِّتْرِ وَالطَّهَارَةِ مَعَ اشْتِرَاطِهِ لَهُمَا فِي الطَّوَافِ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ وُجُوبِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَيُسَنَّانِ. وَيُسَنُّ أَيْضًا الْمُوَالَاةُ فِي مَرَّاتِ السَّعْيِ، وَكَذَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَنْ يَكُونَ مَاشِيًا إلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ رَكِبَ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَرِهَ السَّعْيَ رَاكِبًا إلَّا لِعُذْرٍ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَرَّاتِهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ ثِقَةٍ أَخْبَرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ كَمَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ أَيْضًا ثُمَّ بَعْدَ السَّعْيِ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَصَارَ حَلَالًا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ. . [فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ] (فَصْلٌ) فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ إنْ خَرَجَ مَعَ الْحَجِيجِ (أَوْ مَنْصُوبِ) الْمُؤَمَّرِ عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ (أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ فِي سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، الْمُسَمَّى بِيَوْمِ الزِّينَةِ لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ، وَإِنَّمَا يَخْطُبُ (بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) أَوْ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ يَوْمَهَا (خُطْبَةً فَرْدَةً) وَلَا يَكْفِي عَنْهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا التَّأْخِيرُ عَنْ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَا التَّعْلِيمُ لَا الْوَعْظُ وَالتَّخْوِيفُ فَلَمْ تُشَارِكْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ (يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ) الْيَوْمَ الثَّامِنَ الْمُسَمَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَرَوُّونَ فِيهِ الْمَاءَ (إلَى مِنًى) بِكَسْرِ الْمِيمِ تُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَتُذَكَّرُ وَهُوَ الْأَغْلَبُ وَقَدْ تُؤَنَّثُ وَتَخْفِيفُ نُونِهَا أَشْهَرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُمْنَى - أَيْ يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ، وَيَفْتَتِحُ الْخُطْبَةَ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَبِالتَّكْبِيرِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ (وَيُعَلِّمُهُمْ) فِيهَا (مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ خَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكِهِمْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ كَانَ الْخَطِيبُ فَقِيهًا قَالَ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ، وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ: هَذِهِ، وَخُطْبَةُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَيَوْمِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَّا يَوْمَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وَيَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى وَيَبِيتُونَ بِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا عَرَفَاتًا. قُلْت: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ يَخْطُبُ   [مغني المحتاج] عَرَفَةَ فَثِنْتَانِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ الْخَبَرُ السَّابِقُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، أَنَّهُ يُخْبِرُهُمْ فِي كُلِّ خُطْبَةٍ بِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى الْخُطْبَةِ الْأُخْرَى، وَلَا مُنَافَاةَ، إذْ الْإِطْلَاقُ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَالتَّقْيِيدُ بَيَانٌ لِلْأَقَلِّ، وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ نَقْلُ الْمَجْمُوعِ لَهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْأَصْحَابِ، بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ الْآفَاقِيَّيْنِ لَا يُؤْمَرَانِ بِطَوَافِ وَدَاعٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَحَلَّلَا مِنْ مَنَاسِكِهِمَا لَيْسَتْ مَكَّةُ مَحَلَّ إقَامَتِهِمَا (وَيَخْرُجُ) نَدْبًا (بِهِمْ مِنْ الْغَدِ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ لَمْ يَكُنْ جُمُعَةً (إلَى مِنًى) فَيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَبَاقِيَ الْخَمْسِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ حَرَامٌ، فَمَحِلُّهُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إقَامَتُهَا بِمِنًى، فَإِنْ حَدَثَ فِيهَا قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ صَلَّوْا فِيهَا الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ إقَامَتِهَا وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ ثَمَّ، وَيَجُوزُ خُرُوجُهُمْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجُمُعَةَ بِعَرَفَةَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ (وَيَبِيتُونَ) نَدْبًا (بِهَا) فَلَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ بِإِجْمَاعٍ. وَمِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ إيقَادِ الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنْكَرَاتٍ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الزَّعْفَرَانِيُّ: يُسَنُّ الْمَشْيُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا إلَى انْقِضَاءِ الْحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَقْصِدَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُكْثِرَ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَيُصَلِّيَ مَكْتُوبَاتِ يَوْمِهِ وَصُبْحَ غَدِهِ فِي مَسْجِدِهَا (فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ) عَلَى ثَبِيرٍ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ: جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ (قَصَدُوا عَرَفَاتٍ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَهُوَ الْجَبَلُ الْمُطِلُّ عَلَى مِنًى وَيَعُودُونَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ السَّائِرُ: اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت، وَإِلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ أَرَدْت، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْرُورًا، وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنْ يَعُودَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُونَ بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا: مَوْضِعٌ (بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِنَمِرَةَ لِلْوُقُوفِ، فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبُوا إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: إنَّهُ أَحَدُ أُمَرَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ بَابُ إبْرَاهِيمَ بِمَكَّةَ، وَصَدْرُهُ مِنْ عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ وَتُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَصَدْرُهُ مَحِلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ (ثُمَّ يَخْطُبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 الْإِمَامُ بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا. وَيَقِفُوا بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ، وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ   [مغني المحتاج] الْإِمَامُ) أَوْ مَنْصُوبُهُ (بَعْدَ الزَّوَالِ) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (خُطْبَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ يُعَلِّمُهُمْ فِي الْأُولَى الْمَنَاسِكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى إكْثَارِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَوْقِفِ، وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَحِينَ يَقُومُ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْأُولَى يُؤَذَّنُ لِلظُّهْرِ فَيَفْرَغُ مِنْ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْأَذَانِ. فَإِنْ قِيلَ الْأَذَانُ يَمْنَعُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَيَفُوتُ مَقْصُودُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُطْبَةِ مِنْ التَّعْلِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُولَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ، وَشُرِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ قَصْدًا لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا) تَقْدِيمًا لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا، وَالْقَصْرُ وَالْجَمْعُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِلنُّسُكِ، فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ الْمَكِّيِّينَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ بِالْإِتْمَامِ وَعَدِمِ الْجَمْعِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ بَعْدَ السَّلَامِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ: إنَّ الْحُجَّاجَ إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ، فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ مَنَاسِكِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الصَّلَاةِ، يَذْهَبُونَ إلَى الْمَوْقِفِ وَيُعَجِّلُونَ السَّيْرَ إلَيْهِ، وَأَفْضَلُهُ لِلذِّكْرِ مَوْقِفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ الْمُفْتَرِشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ هِلَالٍ، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِزَحْمَةٍ قَرُبَ مِنْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَبَيْنَ مَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ نَحْوُ مِيلٍ. أَمَّا الْأُنْثَى فَيُنْدَبُ لَهَا الْجُلُوسُ فِي حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَقِفُوا) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَنْصُوبُهُ وَالنَّاسُ (بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ حَتَّى تَزُولَ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: وَيَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ. الْمُصَنِّفُ يَقِفُوا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَخْطُبَ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْوُقُوفِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبٌ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَيَّدَ الْوُقُوفَ بِالِاسْتِمْرَارِ إلَى الْغُرُوبِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الصَّحِيحِ (وَ) أَنْ (يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوهُ) بِإِكْثَارٍ وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وَيُكْثِرُوا التَّهْلِيلَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ   [مغني المحتاج] يَتَكَلَّفُ - السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِالسَّجْعِ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا، أَوْ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ، وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: - قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْحَشْرِ فِي عَرَفَةَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - أَلْفَ مَرَّةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ» وَيُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ، وَأَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَطَهِّرًا، وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا عَلَى الْأَظْهَرِ. وَأَمَّا صُعُودُ الْجَبَلِ فَلَا فَضِيلَةَ فِي صُعُودِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَنَّهُ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ الْمُخْتَارَةِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] . الْآيَةَ. «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ اُنْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ الْمَعْصِيَةِ إلَى عِزِّ الطَّاعَةِ، وَاكْفِنِي بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك، وَاغْنِنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك، وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي، وَاهْدِنِي، وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، وَاجْمَعْ لِي الْخَيْرَ، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» وَالْحَذَرَ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ، وَالْمَوْقِفُ أَعْظَمُ الْمَجَامِعِ، يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَوْلِيَاءُ وَالْخَوَاصُّ، وَيَكْثُرُ الْبُكَاءُ مَعَ ذَلِكَ، فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ، وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلتَّوْفِيقِ فِي دُعَائِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَلْيُحْسِنْ الْوَاقِفُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ نَظَرَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ إلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ سَارُوا إلَى رَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ؟ فَقَالُوا لَا فَقَالَ: وَاَللَّهُ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ إجَابَةِ رَجُلٍ بِدَانِقٍ. وَرَأَى سَالِمٌ مَوْلَى بْنِ عُمَرَ سَائِلًا يَسْأَلُ النَّاسَ فِي عَرَفَةَ فَقَالَ يَا عَاجِزًا فِي هَذَا الْيَوْمِ يَسْأَلُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: إذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ وَغَيْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِوَاسِطَةٍ: أَيْ يَهَبَ مُسِيئُهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي دُعَائِهِ لِخَبَرِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ، وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْمَوْقِفَيْنِ، وَالْجَمْرَتَيْنِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِمَا الرَّأْسَ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الْجَهْلِ بِالدُّعَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ بَلْ يَبْنِي لِلشَّمْسِ، إلَّا لِعُذْرٍ. . (فَرْعٌ) التَّعْرِيفُ بِغَيْرِ عَرَفَةَ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ لِلسَّلَفِ فِيهِ خِلَافٌ، فَفِي الْبُخَارِيِّ " أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ " وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَخَذَ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالضَّرَاعَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ الْحَسَنُ وَجَمَاعَاتٌ، وَكَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَنْ جَعَلَهُ بِدْعَةً لَمْ يُلْحِقْ بِفَاحِشِ الْبِدَعِ، بَلْ يُخَفِّفُ أَمْرَهُ: أَيْ إذَا خَلَا عَنْ اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ أَفْحَشِهَا. (فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ) يَوْمَ عَرَفَةَ (قَصَدُوا مُزْدَلِفَةَ) مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا، وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقِيَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ،   [مغني المحتاج] الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ، وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ مَأْزَمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَنْفِرُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى، وَالِازْدِلَافُ التَّقَرُّبُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] أَيْ قُرِّبَتْ، وَقِيلَ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا، وَالِاجْتِمَاعُ الِازْدِلَافُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: 64] أَيْ جَمَعْنَاهُمْ، وَقِيلَ لِمَجِيءِ النَّاسِ إلَيْهَا فِي زُلَفٍ مِنْ اللَّيْلِ: أَيْ سَاعَاتٍ، وَتُسَمَّى أَيْضًا جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا، وَقِيلَ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا (وَأَخَّرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. هَذَا إنْ أَمِنُوا فَوَاتَ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَلَا جَمَعُوا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ (وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمُ أَدْنَى لَحْظَةٍ بَعْدَ زَوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَوَقَفْت هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحَدُّ عَرَفَةَ مَا جَاوَزَ وَادِي عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ ابْنِ عَامِرٍ، وَلَيْسَ مِنْهَا وَادِي عُرَنَةَ وَلَا نَمِرَةَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ، فَخَبَرُ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَيْلَةُ جَمْعٍ هِيَ لَيْلَةُ مُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُكْثُ بِهَا كَمَا قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَدَابَّةٍ شَارِدَةٍ، وَلَا أَنْ لَا يَصْرِفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا الْبُقْعَةَ أَوْ الْيَوْمَ، وَلَكِنْ (يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) مُحْرِمًا (أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ) إذَا أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ (لَا مُغْمًى عَلَيْهِ) جَمِيعَ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَلَا يُجْزِئُ وُقُوفُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ، فَإِنْ أَفَاقَ لَحْظَةً كَفَى كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَالسَّكْرَانُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِسُكْرِهِ وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لَهُمْ أَنْ لَا يَقَعَ فَرْضًا وَلَكِنْ يَصِحُّ حَجُّهُمْ نَفْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْمَجْنُونِ وَفِي حَجِّ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ لِصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ وَلِيُّهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ لَا يُكْتَفَى بِوُقُوفِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا زِدْته (وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ) وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا جَمِيعَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الصَّوْمِ (وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ) حِينِ (الزَّوَالِ) لِلشَّمْسِ (يَوْمَ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ كَذَلِكَ وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَتَابَعَهُ أَهْلُ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ بَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ جَمْعًا وَإِمْكَانِ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا قَالُوا بِمِثْلِهِ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقِفْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ، وَكَذَا إنْ عَادَ لَيْلًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا أَجْزَأَهُمْ، إلَّا أَنْ يُقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَرَدَّ هَذَا النَّفَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِ الزَّوَالِ لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ عَلَى الْوُقُوفِ مُرَاعَاةً لِفَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْهَا بِالْوُقُوفِ (وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ: أَيْ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ لِلصَّلَاةِ بِمُزْدَلِفَةَ «مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» وَالتَّفَثُ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْ إزَالَةِ شَعْثٍ وَوَسَخٍ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ ظُفْرٍ (وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا) بَعْدَ الزَّوَالِ (ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ) إلَيْهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَ (أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) لِتَرْكِهِ نُسُكًا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْأَصْلُ فِي تَرْكِ النُّسُكِ إيجَابُ الدَّمِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ (وَإِنْ عَادَ) لِعَرَفَةَ (فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ جَزْمًا لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (وَكَذَا إنْ عَادَ) إلَيْهَا (لَيْلًا) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ الْقَطْعَ بِهِ. وَالثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ، لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ (وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا) نَظُنُّ أَنَّهُ التَّاسِعُ كَأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا بِمُدَّةِ ذِي الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْهِلَالَ أَهَلَّ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ كَانَ وُقُوفُهُمْ بَعْدَ تَبَيُّنِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ، كَمَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لَيْلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ (أَجْزَأَهُمْ) الْوُقُوفُ لِلْإِجْمَاعِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد مُرْسَلًا «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ» وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا الْقَضَاءَ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِيهِ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَامَّةً (إلَّا أَنْ يُقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُونَ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ الْعَامَّةِ وَالثَّانِي لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ مِثْلَهُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادِ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْحِسَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَإِذَا وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا حُسِبَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ فَلَا يُقِيمُونَ بِمِنًى إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَاصَّةً. تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَالُ بَعْدَ الْعَاشِرِ أَوْ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الْوُقُوفِ. فَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ فِيهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ. فَقَالَ الْبَغَوِيّ: الْمَذْهَبُ لَا يُحْسَبُ، وَأَنْكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ غَلَطًا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لِيَشْمَلَ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ. وَأَمَّا إذَا جُعِلَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ بِمَعْنَى غَالِطِينَ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ وُقُوفَهُمْ فِيهَا لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وَإِنْ وَقَفُوا فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ. فَصْلٌ وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،   [مغني المحتاج] يُقَارِنْهُ غَلَطٌ،. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمْ لَوْ وَقَفُوا لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِنْ بَحَثَ السُّبْكِيُّ الْإِجْزَاءَ كَالْعَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَوَقَفَ قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ أَجْزَأَهُ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي دُخُولِ وَقْتِ عَرَفَةَ وَخُرُوجِهِ بِاعْتِقَادِهِ، وَهَذَا كَمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ (وَإِنْ وَقَفُوا فِي) الْيَوْمِ (الثَّامِنِ) غَلَطًا بِأَنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ ثُمَّ بَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ (وَعَلِمُوا قَبْلَ) فَوْتِ (الْوُقُوفِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ) تَدَارُكًا لَهُ (وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَوْتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِهَذِهِ الْحِجَّةِ فِي عَامٍ آخَرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِنُدْرَةِ الْغَلَطِ فِي التَّقَدُّمِ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ احْتِرَازٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِلْغَلَطِ فِي الْحِسَابِ وَلِلْخَلَلِ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ، وَالْغَلَطُ بِالتَّأْخِيرِ قَدْ يَكُونُ بِالْغَيْمِ الْمَانِعِ مِنْ الرُّؤْيَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا غَلِطُوا بِالتَّأْخِيرِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَفَوْقَ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ غَلِطُوا بِيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ فِي الْمَكَانِ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا لِنُدْرَةِ ذَلِكَ. . [فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا] (فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهَا (وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ) بَعْدَ دَفْعِهِمْ مِنْ عَرَفَةَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِرُكْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَلِلسُّبْكِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ رُكْنٌ، وَيَكْفِي فِي الْمَبِيتِ بِهَا الْحُصُولُ بِهَا لَحْظَةً كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَيَكْفِي الْمُرُورُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ مُعْظَمَ اللَّيْلِ فِي مَبِيتِ مِنًى لِوُرُودِ التَّعْبِيرِ بِالْمَبِيتِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْوُجُوبِ اشْتِرَاطَ الْمُعْظَمِ هُنَا، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبْعِ اللَّيْلِ مَعَ جَوَازِ الدَّفْعِ مِنْهَا بَعْدَ النِّصْفِ، وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ التِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ (وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ) وَلَمْ يَعُدْ (أَوْ قَبْلَهُ) وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ (وَعَادَ) إلَيْهَا (قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا دَمَ عَلَيْهِ. أَمَّا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنَّ - الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَرَاقَ دَمًا، وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلَانِ، وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى، وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ ثُمَّ يَدْفَعُونَ إلَى مِنًى وَيَأْخُذُونَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَصَى الرَّمْلِ   [مغني المحتاج] «أَفَاضَتَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهُمَا وَلَا مَنْ كَانَ مَعَهُمَا بِدَمٍ» . وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي) سَوَاءٌ أَكَانَ بِهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا (أَرَاقَ دَمًا وَفِي وُجُوبِهِ) أَيْ الدَّمِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ فِي وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِعَرَفَةَ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْبِنَاءِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا كَمَا لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ. لَكِنْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا عَدَا الْمِنْهَاجَ مِنْ كُتُبِهِ الْوُجُوبَ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالصَّحِيحُ جِهَةُ الْمَذْهَبِ: أَيْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ، وَمَحِلُّ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ لَا عُذْرَ، أَمَّا الْمَعْذُورُ بِمَا سَيَأْتِي فِي مَبِيتِ مِنًى فَلَا دَمَ عَلَيْهِ جَزْمًا وَمِنْ الْمَعْذُورِينَ. مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلًا فَاشْتَغَلَ بِالْوُقُوفِ عَنْهُ، وَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ لِلرُّكْنِ وَفَاتَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ: أَيْ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ جَمْعًا بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ طُرُوَّ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَبَادَرَتْ إلَى مَكَّةَ بِالطَّوَافِ (وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى مِنًى) لِيَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ زَحْمَةِ النَّاسِ، وَلِمَا مَرَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، وَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ (وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ) بِمُزْدَلِفَةَ (مُغَلِّسِينَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَيْسَ التَّغْلِيسُ بِالصُّبْحِ خَاصًّا بِمُزْدَلِفَةَ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كُلَّ يَوْمٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ هُنَاكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: فُرِضَ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُصَلُّوا الصُّبْحَ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي يُقِيمُ الْحَجَّ بِمُزْدَلِفَةَ قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا حَجَّ لَهُ (ثُمَّ يَدْفَعُونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (إلَى مِنًى) وَشِعَارُهُمْ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ التَّلْبِيَةُ وَالتَّكْبِيرُ تَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَيَأْخُذُونَ) مَعْطُوفٌ عَلَى يَبِيتُونَ لِيَعُمَّ الضَّعَفَةَ وَغَيْرَهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَطَفَ عَلَى يَدْفَعُونَ فَإِنَّهُ يُقْصَرُ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى غَيْرِ الضَّعَفَةِ وَالنِّسَاءِ (مِنْ مُزْدَلِفَةَ) نَدْبًا (حَصَى الرَّمْيِ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ: الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ: فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» وَلِأَنَّ بِهَا جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَقَفُوا وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ،   [مغني المحتاج] رَخَاوَةٌ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنَّهُ إذَا أَتَى إلَى مِنًى لَا يُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ، فَسُنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَصَى مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتَّى لَا يَشْغَلَهُ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَخْذُ جَمِيعِ مَا يُرْمَى بِهِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ سَبْعُونَ حَصَاةٍ، وَهُوَ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَنَاسِكِ الْكُبْرَى، لَكِنَّ الْأَصَحَّ اسْتِحْبَابُ الْأَخْذِ لِيَوْمِ النَّحْرِ خَاصَّةً، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعًا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَزِيدَ فَرُبَّمَا سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَكُونُ الْأَخْذُ لَيْلًا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِفَرَاغِهِمْ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ: نَهَارًا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ. ، وَلَوْ أَخَذَ الْحَصَى مِنْ غَيْرِ مُزْدَلِفَةَ جَازَ كَوَادِي مُحَسِّرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ مَوْضِعِ أَخْذِ حَصَى الْجِمَارِ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: تُؤْخَذُ مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا تُؤْخَذُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا مِنْ مِنًى نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيُكْرَهُ أَخْذُ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ حِلٍّ لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ وَمِنْ مَسْجِدٍ كَمَا ذَكَرَاهُ لِأَنَّهَا فَرْشُهُ، وَمِنْ حَشٍّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَهُوَ الْمِرْحَاضُ لِنَجَاسَتِهِ، وَكَذَا مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ نَجِسٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَمِمَّا رَمَى بِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ فَإِنْ رَمَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَازَ الرَّمْيُ بِحَجَرٍ رَمَى بِهِ دُونَ الْوُضُوءِ بِمَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ؟ . قُلْنَا: فَرَّقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ إتْلَافٌ لَهُ كَالْعِتْقِ فَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ مَرَّتَيْنِ كَمَا لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَرَّتَيْنِ، وَالْحَجَرُ كَالثَّوْبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَوَاتٍ. تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ أَخْذِ حَصَى الْمَسْجِدِ قَدْ خَالَفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فَجَزَمَ بِتَحْرِيمِ إخْرَاجِ الْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: " وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَصَاةٍ وَحَجَرٍ وَتُرَابٍ، وَجَزَمَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَهُ هُنَا وَهُنَاكَ قَضَيْت عَجَبًا مِنْ مَنْعِهِ التَّيَمُّمَ وَتَجْوِيزِ أَخْذِ الْحَصَى، وَبَالَغَ فِي التَّشْنِيعِ، وَجَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كَلَامَهُ هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَصَى وَالتُّرَابُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَكَلَامُهُ هُنَا مُنَزَّلٌ عَلَى مَا جُلِبَ إلَيْهِ مِنْ الْحَصَى الْمُبَاحِ وَفُرِشَ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ. (فَإِذَا) دَفَعُوا إلَى مِنًى، وَ (بَلَغُوا الْمَشْعَرَ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ فِي الْمَشْهُورِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا: جَبَلٌ صَغِيرٌ آخِرَ مُزْدَلِفَةَ اسْمُهُ قُزَحٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالزَّايِ وَسُمِّيَ مَشْعَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّعَارِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ (الْحَرَامَ) أَيْ الْمُحَرَّمَ (وَقَفُوا) عَلَيْهِ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ وَوُقُوفُهُمْ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ وَقُوفُهُمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ بِهِ بِلَا وُقُوفٍ وَذَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى الْإِسْفَارِ) مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِأَنَّ الْقِبْلَةَ. أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 ثُمَّ يَسِيرُونَ فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ،   [مغني المحتاج] إصْعَادُ الْجَبَلِ فَلْيَقِفْ بِجَنْبِهِ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ، وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ: اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتَنَا فِيهِ وَأَرَيْتَنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] إلَى قَوْلِهِ: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (ثُمَّ يَسِيرُونَ) قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَالذِّكْرُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّيْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا فَإِذَا بَلَغُوا وَادِي مُحَسِّرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَرَاءٍ: مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنَى وَسُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ - أَيْ أَعْنِي أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ إنْ كَانَ مَاشِيًا، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ مَنْ كَانَ رَاكِبًا بِقَدْرِ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعُوا عُرْضَ الْوَادِي لِلِاتِّبَاعِ فِي الرَّاكِبِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْمَاشِي، وَلِنُزُولِ الْعَذَابِ فِيهِ عَلَى أَصْحَابِ الْفِيلِ الْقَاصِدِينَ هَدْمَ الْبَيْتِ، وَلِأَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ فِيهِ فَأُمِرْنَا بِمُخَالَفَتِهِمْ، وَيُسَمَّى وَادِيَ النَّارِ أَيْضًا يُقَالُ إنَّ رَجُلًا صَادَ فِيهِ صَيْدًا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا اهـ. وَيَقُولُ الْمَارُّ بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ نَاقَتِي تَعْدُو إلَيْك مُسْرِعَةً فِي طَاعَتِك قَلِقًا وَضِينُهَا، وَالْوَضِينُ حَبْلٌ كَالْحِزَامِ مِنْ كَثْرَةِ السَّيْرِ وَالْإِقْبَالِ التَّامِّ وَالِاجْتِهَادِ الْبَالِغِ فِي طَاعَتِك، وَالْمُرَادُ صَاحِبُ النَّاقَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ: يُسَنُّ لِلْمَارِّ بِوَادِي مُحَسِّرٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَعْدَ قَطْعِهِمْ وَادِي مُحَسِّرٍ يَسِيرُونَ بِسَكِينَةٍ (فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ) مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ وُصُولِهِ (سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهُوَ تَحِيَّةُ مِنًى فَلَا يَبْتَدِئُ فِيهَا بِغَيْرِهِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى، وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ حَدُّ مِنًى مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ جِهَةَ مَكَّةَ وَالسُّنَّةُ لِرَامِي هَذِهِ الْجَمْرَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا، وَيَجْعَلَ مَكَّةَ يَسَارَهُ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ وَإِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْجَمْرَةَ وَيَسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ. هَذَا فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ. أَمَّا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي بَقِيَّةِ الْجَمَرَاتِ وَيَحْسُنُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: إذَا وَصَلَ إلَى مِنًى أَنْ يَقُولَ مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتُهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ،   [مغني المحتاج] تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِك: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا لَمَّا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَالَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْيِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ مُلَبِّيًا حَتَّى رَمَاهَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ. هَذَا إذَا جَعَلَهُ أَوَّلَ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ كَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ. أَمَّا إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ أَوْ الْحَلْقَ، عَلَيْهِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مِنْ وَقْتِهِ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَالتَّلْبِيَةُ شِعَارُ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا افْتَتَحَ الطَّوَافَ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ تَحَلُّلِهَا (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) بَدَلَ التَّلْبِيَةِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَيَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُسَنُّ أَنْ يَرْمِيَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا لَهَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فَلَا تَرْفَعُ وَلَا يَقِفُ الرَّامِي لِلدُّعَاءِ عِنْدَ هَذِهِ الْجَمْرَةِ، وَشُرُوطُ الرَّمْيِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى الْكَلَامِ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الرَّمْيِ يَنْصَرِفُونَ، فَيَنْزِلُونَ مَوْضِعًا بِمِنًى وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا مَنْزِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا قَارَبَهُ. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: وَمَنْزِلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ ثُمَّ (يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ فِي الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا فِي الثَّانِيَةِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى لِمَكَّةَ وَحَرَمِهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا لَكِنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اسْمٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (ثُمَّ يَحْلِقُ) الذَّكَرُ (أَوْ يُقَصِّرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] وَلِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ (وَ) لَكِنَّ (الْحَلْقَ) لَهُ (أَفْضَلُ) إجْمَاعًا، وَلِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنْ الْعَرَبَ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَفْضَلِ، وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ» وَيُنْدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ فَيَسْتَوْعِبَهُ بِالْحَلْقِ ثُمَّ يَحْلِقُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَغْفَلَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ خُصُوصًا الشَّعْرَ الْحَسَنَ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ، وَأَنْ يَسْتَوْعِبَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ. قَالَ فِي الْخِصَالِ: وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ كَمَالِ الرَّمْيِ وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرَ التَّكْبِيرِ. نَعَمْ التَّقْصِيرُ أَفْضَلُ إنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ فِي وَقْتٍ لَوْ حَلَقَ فِيهِ جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلَمْ يَسْوَدَّ رَأْسُهُ مِنْ الشَّعْرِ نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ، وَالْحَلْقُ نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ   [مغني المحتاج] بِحَلْقِ بَعْضِ رَأْسِهِ فِي الْحَجِّ وَبَعْضِهِ فِي الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ وَحَلَقَ أَحَدَهُمَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْآخَرَ فِي الْحَجِّ لَمْ يُكْرَهْ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَاتِ مِنْ الْأَصْدَاغِ، وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ظُفْرِهِ عِنْدَ فَرَاغِهِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ آتِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً، وَامْحُ عَنِّي سَيِّئَةً، وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً، وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ إذَا لَمْ يَنْذِرْهُ، فَإِنْ نَذَرَهُ وَجَبَ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْحَلْقِ إنْ نَذَرَ الِاسْتِيعَابَ أَوْ عَبَّرَ بِالْحَلْقِ مُضَافًا وَإِنْ أَطْلَقَ كَفَاهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ وَلَا يُجْزِئُهُ قَصٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُسَمَّى حَلْقًا كَنَتْفٍ إذْ الْحَلْقُ اسْتِئْصَالُ الشَّعْرِ بِالْمُوسَى وَلَا يَبْقَى الْحَلْقُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ شَعْرٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ مَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَرَكِبَ وَنَذْرُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرَ كَنَذْرِ الرَّجُلِ الْحَلْقَ فِيمَا ذُكِرَ، وَأَنْ يَتَطَيَّبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَلْبَسَ ثِيَابَهُ (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ) وَلَا تُؤْمَرُ بِالْحَلْقِ إجْمَاعًا بَلْ يُكْرَهُ لَهَا الْحَلْقُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَتَشَبُّهٌ بِالرِّجَالِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُزَوَّجَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ حَيْثُ لَا يُؤْذَنُ لَهَا فِيهِ. نَعَمْ يَحْرُمُ حَلْقُهَا لَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ، وَيُنْدَبُ لَهَا أَنْ تُقَصِّرَ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِ رَأْسِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَمْ تَنْتَهِ إلَى سِنٍّ يُتْرَكُ فِيهِ شَعْرُهَا كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ. قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ لِعِلَّةِ التَّشْبِيهِ، وَلَيْسَ الْحَلْقُ بِمَشْرُوعٍ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ إذَا أَسْلَمَتْ لَا تَحْلِقُ رَأْسَهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ ثُمَّ اغْتَسِلْ» فَمَحْمُولٌ عَلَى الذَّكَرِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُسْتَثْنَى حَلْقُ رَأْسِ الصَّغِيرَةِ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهَا لِلتَّصَدُّقِ بِزِنَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ كَرَاهَةِ الْحَلْقِ لِلْمَرْأَةِ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ إلَّا بِالْحَلْقِ كَمُعَالَجَةِ حَبٍّ وَنَحْوِهِ الثَّانِيَةُ: إذَا حَلَقَتْ رَأْسَهَا لِتُخْفِيَ كَوْنَهَا امْرَأَةً خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهَا لُبْسُ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْأُنْثَى (وَالْحَلْقُ) أَيْ إزَالَةُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فِي وَقْتِهِ (نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ فَيُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ لِلذَّكَرِ، وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُبَاحَاتِ، وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لِكُلِّ مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَعَلَى هَذَا هُوَ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَقِيلَ وَاجِبٌ. وَالثَّانِي: هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَلُبْسِ الْمَخِيطِ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ إزَالَةِ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ التَّقْصِيرِ (ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] أَيْ شَعْرَ رُءُوسِكُمْ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا يُحْلَقُ، وَالشَّعْرُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ، وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا كَانَ مُضَافًا كَانَ لِلْعُمُومِ، وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. نَعَمْ الطَّرِيقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا، وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ،   [مغني المحتاج] إلَى تَوْجِيهِ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ الشَّعْرِ مُنَكَّرًا مَقْطُوعًا عَنْ الْإِضَافَةِ، وَالتَّقْدِيرُ شَعْرًا مِنْ رُءُوسِكُمْ، أَوْ تَقُولُ قَامَ الْإِجْمَاعُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَجْمُوعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ فَاكْتَفَيْنَا فِي الْوُجُوبِ بِمُسَمَّى الْجَمْعِ اهـ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا شَعْرَةٌ وَجَبَ إزَالَتُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشَّعَرَاتِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا دُفْعَةً أَوْ فِي دُفُعَاتٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنَاسِكِ لَكِنَّ حَاصِلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَصْحِيحُ مَنْعِ التَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُجَابُ عَنْ الْبِنَاءِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ فِي الصَّحِيحِ. نَعَمْ يَزُولُ بِالتَّفْرِيقِ الْفَضِيلَةُ، وَلَا يَأْتِي التَّصْحِيحُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَأْخُوذَةِ بِدُفُعَاتٍ، وَإِنْ سَوَّى أَصْلُ الرَّوْضَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ فَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَعْرُ اللِّحْيَةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ شَعْرِ الْبَدَنِ وَإِنْ اسْتَوَى الْجَمِيعُ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَيَجُوزُ مِمَّا يُحَاذِي الرَّأْسَ قَطْعًا وَكَذَا مِنْ الْمُسْتَرْسِلِ النَّازِلِ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ، وَيَكْفِي فِي الْإِزَالَةِ أَخْذُ الشَّعْرِ (حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إحْرَاقًا أَوْ قَصًّا) أَوْ أَخْذُهُ بِنُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِزَالَةُ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إلَيْهَا. نَعَمْ مَنْ نَذَرَ الْحَلْقَ، وَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ تَعَيَّنَ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِهِ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَزَالَ بِغَيْرِهِ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ (وَمَنْ لَا شَعْرَ) كَائِنٌ (بِرَأْسِهِ) أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنْ حَلَقَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ قَدْ حَلَقَ، وَاعْتَمَرَ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا مَثَّلَهُ الْعِمْرَانِيُّ (يُسْتَحَبُّ) لَهُ (إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ تَشْبِيهًا بِالْحَالِقِينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْإِمْرَارُ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِجُزْءِ آدَمِيٍّ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ كَغَسْلِ الْيَدِ فِي الْوُضُوءِ. وَأَمَّا خَبَرُ «الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ» فَضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ فَقْدِ شَعْرِهِ الْوُجُوبُ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ، وَهُنَا بِشَعْرِهِ. وَبِأَنَّ مَنْ مَسَحَ بَشَرَةَ الرَّأْسِ يُسَمَّى مَاسِحًا. وَمَنْ مَرَّ بِالْمُوسَى عَلَيْهِ لَا يُسَمَّى حَالِقًا وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ هَذَا لِلرَّجُلِ دُونَ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لَهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ شَيْئًا لِيَكُونَ قَدْ وَضَعَ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْمُوسَى بِأَلِفٍ فِي آخِرِهِ وَتُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ: آلَةٌ مِنْ الْحَدِيدِ (فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالسَّنَةُ أَنْ يَرْمِيَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ ثُمَّ يَنْحَرَ ثُمَّ يَحْلِقَ ثُمَّ يَطُوفَ ضَحْوَةً. وَهَذَا الطَّوَافُ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرُ ذَلِكَ. وَهِيَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَطَوَافُ الْفَرْضِ. وَقَدْ يُسَمَّى طَوَافَ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ طَوَافُ الْوَدَاعِ. وَيُسَمَّى طَوَافَ الرُّكْنِ الْفَرْضِ لِتَعَيُّنِهِ وَالْإِفَاضَةِ لِإِتْيَانِهِمْ بِهِ عَقِبَ الْإِفَاضَةِ مِنْ مِنًى وَالزِّيَارَةِ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْ مِنًى زَائِرِينَ الْبَيْتَ وَيَعُودُونَ فِي الْحَالِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَطُوفُوا يَوْمَ النَّحْرِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مِنْ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 وَسَعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى، وَهَذَا الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمٍ   [مغني المحتاج] صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ (وَسَعَى) بَعْدَهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا السَّعْيُ رُكْنٌ كَمَا سَيَأْتِي (ثُمَّ يَعُودُ) مِنْ مَكَّةَ (إلَى مِنًى) قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ صَلَّى بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى وَصَلَّى ثَانِيًا إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِطَائِفَةٍ وَمَرَّةً بِأُخْرَى، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ صَلَاتَهُ بِمِنًى، وَجَابِرٌ صَلَاتَهُ بِمَكَّةَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى اللَّيْلِ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ طَوَافَ نِسَائِهِ وَذَهَبَ مَعَهُنَّ (وَهَذَا) الَّذِي يُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ، وَهِيَ (الرَّمْيُ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا) وَلَا يَجِبُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ: ارْمِ وَلَا حَرَجَ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) إلَّا ذَبْحَ الْهَدْيِ (بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ» وَقِيسَ بِالرَّمْيِ الْآخَرَانِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ، وَوُجِّهَتْ الدَّلَالَةُ مِنْ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الرَّمْيَ بِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ صَالِحٌ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ، وَلَا ضَابِطَ لَهُ، فَجُعِلَ النِّصْفُ ضَابِطًا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلِأَذَانِ الصُّبْحِ، فَكَانَ وَقْتًا لِلرَّمْيِ كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ. وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا إذَا فَعَلَهَا بَعْدَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا. وَأَمَّا ذَبْحُ الْهَدْيِ الْمَسُوقِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت، فَقَالَ: لَا حَرَجَ» وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ يَقَعُ أَدَاءً، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ وَقْتَهُ لَا يَخْرُجُ بِالْغُرُوبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى وَقْتِ الْجَوَازِ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ بِزَمَنٍ قُلْت: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، وَإِذَا قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ فَبِفِعْلِ اثْنَيْنِ: مِنْ الرَّمْيِ   [مغني المحتاج] لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ، فَيَكُونُ لِرَمْيِهِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ إلَى الْغُرُوبِ، وَوَقْتُ جَوَازٍ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَلَا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ) لِلْهَدْيِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ (بِزَمَنٍ) لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ، بِخِلَافِ الضَّحَايَا فَتَخْتَصُّ بِالْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قُلْت: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ) بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، (وَسَيَأْتِي) لِلْمُحَرَّرِ (فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، هَذَا بَنَاهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ بِالْهَدْيِ هُنَا: الْمُسَاقُ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَاعْتَرَضَهُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ الْمُصَنِّفَ بِأَنَّ الْهَدْيَ يُطْلَقُ عَلَى دَمِ الْجُبْرَانَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَفِي قَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ، وَعَلَى مَا يُسَاقُ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ بَابِ، مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، فَلَمْ يَتَوَارَدْ الْكَلَامَانِ عَلَى مَحِلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى يُعَدَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا، وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ، ذَلِكَ فِي بَابِ الْهَدْيِ مِنْ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، فَذَكَرَ أَنَّ الْهَدْيَ يَقَعُ عَلَى الْكُلِّ، وَأَنَّ الْمَمْنُوعَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ لَكِنَّهُ لَمْ يُفْصِحْ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْمُرَادِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَبِيرِ، فَظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاحِدَةٌ فَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَجِيءُ الِاسْتِدْرَاكُ مَعَ تَصْرِيحِ الرَّافِعِيِّ هُنَاكَ بِمَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ اهـ. أَيْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَحْمِلَ كَلَامَهُ هُنَا عَلَى كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْمَحْمَلِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَيْثُ أَمْكَنَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ ظَاهِرُهُمَا التَّنَاقُضُ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ الِاعْتِرَاضِ (وَالْحَلْقُ) الْمَعْنَى السَّابِقُ أَوْ التَّقْصِيرُ (وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ بَعْدَ طَوَافَ قُدُومٍ (لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّأْقِيتِ وَيَبْقَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا يَوْمَ النَّحْرِ. وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ وَعَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدَّ كَرَاهَةً، وَعَنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَشَدَّ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا عَنْ أَيَّامِ الْحَجِّ. فَإِنْ قِيلَ: بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الْفَوَاتِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى إحْرَامِهِ لِلسَّنَةِ الْقَابِلَةِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَجُوزُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي تِلْكَ لَا يَسْتَفِيدُ بِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ شَيْئًا غَيْرَ مَحْضِ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَحَرُمَ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَأُمِرَ بِالتَّحَلُّلِ. وَأَمَّا هُنَا فَوَقْتُ مَا أَخَّرَهُ بَاقٍ فَلَا يَحْرُمُ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ مَدَّهَا بِالْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ. فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ وَخَرَجَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْفَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلْوَدَاعِ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَسْتَبِحْ النِّسَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا (وَإِذَا قُلْنَا: الْحَلْقُ نُسُكٌ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ (فَفَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْ الرَّمْيِ) أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ، وَكَذَا الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتَ: الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَحَلَّ بِهِ، بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ   [مغني المحتاج] (وَالْحَلْقَ) أَوْ التَّقْصِيرَ (وَالطَّوَافَ) الْمَتْبُوعَ بِالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ قَبْلُ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ) مِنْ تَحَلُّلَيْ الْحَجِّ (وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ) وَسَتْرُ الرَّأْسِ لِلرَّجُلِ وَالْوَجْهِ لِلْمَرْأَةِ (وَالْحَلْقُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْ وَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ نُسُكًا (وَالْقَلْمُ) وَالطِّيبُ بَلْ يُسَنُّ التَّطَيُّبُ. قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالدَّهْنُ مُلْحَقٌ بِالتَّطَيُّبِ، وَكَذَا الْبَاقِي بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ (وَكَذَا) يَحِلُّ (الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ) وَالْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، كَالْقُبْلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا يُوجِبُ تَعَاطِيهَا إفْسَادًا، فَأَشْبَهَتْ الْحَلْقَ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ لَا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ) وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ " إذَا رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ " وَهَذَا مَا نَسَبَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ أَوْفَقُ لِكَلَامِ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ) بَعْدَ الِاثْنَيْنِ (حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي وَحَلَّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ) بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَيُطْلَبُ مِنْهُ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ، لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَهُنَاكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ. وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ بَاقِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لِيَزُولَ عَنْهُ أَثَرُ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ خَبَرُ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَا يَمْتَنِعُ فِيهَا ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْحَاجِّ تَرْكُ الْجِمَاعِ لِمَا ذُكِرَ، وَمَنْ فَاتَهُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْبَدَلِ وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُحْصَرِ إذَا عَدِمَ الْهَدْيَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ تَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَى بَدَلٍ وَهُوَ الصَّوْمُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ، فَلَوْ تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْبَدَلِ لَشَقَّ عَلَيْهِ الْمُقَامُ عَلَى سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَاَلَّذِي يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا أَتَى بِهِ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدَهُ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ هَذَا فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ. أَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَعْمَالُهُ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ، وَبَعْضُهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ لَمَّا طَالَ زَمَنُ الْحَيْضِ جُعِلَ لَارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهِ مَحِلَّانِ: انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالُ، وَالْجَنَابَةُ لَمَّا قَصُرَ زَمَنُهَا جُعِلَ لِارْتِفَاعِ مَحْظُورَاتِهَا مَحِلٌّ وَاحِدٌ. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 فَصْلٌ إذَا عَادَ إلَى مِنًى بَاتَ بِهَا لَيْلَتَيْ التَّشْرِيقِ، وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ وَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ، وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ] (فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (إذَا عَادَ إلَى مِنًى) بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ (بَاتَ بِهَا) حَتْمًا (لَيْلَتَيْ) يَوْمَيْ (التَّشْرِيقِ) وَالثَّالِثَةَ أَيْضًا لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَالْوَاجِبُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِسَاعَةٍ فِي نِصْفِهِ الثَّانِي مُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَعَ فِيهَا بِخُصُوصِهَا، إذْ بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالنِّصْفِ، وَهِيَ كَثِيرَةُ مَشَقَّةٍ، فَسُومِحَ فِي التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِإِشْرَاقِ نَهَارِهَا بِنُورِ الشَّمْسِ وَلَيْلِهَا بِنُورِ الْقَمَرِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ اللَّحْمَ فِيهَا فِي الشَّمْسِ، وَهَذِهِ الْأَيَّامُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَةِ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَأَمَّا الْمَعْلُومَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَهِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ وَتَالِيَاهُ (إلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ) وَالْأُولَى مِنْهَا تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، وَهِيَ الْكُبْرَى، وَالثَّانِيَةُ الْوُسْطَى، وَالثَّالِثَةُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى، بَلْ مِنًى تَنْتَهِي إلَيْهَا، وَيَرْمِي (كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ) لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَمَجْمُوعُ الْمَرْمِيِّ بِهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً. وَيُسَنُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي هَذِهِ الْجَمَرَاتِ (فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ) الْأَوَّلَ، وَ (الثَّانِيَ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَأَرَادَ النَّفْرَ) مَعَ النَّاسِ (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا) وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَلِإِتْيَانِهِ بِمُعْظَمِ الْعِبَادَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا بَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَبِتْهُمَا لَمْ يَسْقُطْ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ نَفَرَ بَعْدَ الْمَبِيتِ وَقَبْلَ الرَّمْيِ كَمَا يُفْهِمُهُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِبَعْدِ الرَّمْيِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ النَّفْرِ إلَى الثَّالِثِ، لَا سِيَّمَا لِلْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِعُذْرٍ كَغَلَاءٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمَى الْغَدَ،   [مغني المحتاج] الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ، فَلَا يَنْفِرُ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الْمَنَاسِكِ حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَتْرُكُ حَصَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَوْ يَدْفَعُهَا لِمَنْ لَمْ يَرْمِ وَلَا يَنْفِرُ بِهَا. وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ دَفْنِهَا فَلَا أَصْلَ لَهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْفِرْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا: أَيْ يَذْهَبْ. وَأَصْلُهُ لُغَةً: الِانْزِعَاجُ (حَتَّى غَرَبَتْ) أَيْ الشَّمْسُ (وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمْيُ الْغَدِ) لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ارْتَحَلَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى فَإِنَّ لَهُ النَّفْرَ، وَهَذَا مَا جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّفْرُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ غَلَطٌ، وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى زَائِرًا أَوْ مَارًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَمْ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا بَلْ لَوْ بَاتَ هَذَا مُتَبَرِّعًا سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ لَهُ بِالنَّفْرِ وَيَجِبُ بِتَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِي مِنًى دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمَبِيتَ الْوَاجِبَ كَمَا يَجِبُ فِي تَرْكِ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ دَمٌ، وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ مُدٌّ وَاللَّيْلَتَيْنِ مُدَّانِ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي تَرْكِ الثَّلَاثِ مَعَ لَيْلَةِ مُزْدَلِفَةَ دَمَانٍ لِاخْتِلَافِ الْمَبِيتَيْنِ مَكَانًا، وَيُفَارِقُ مَا يَأْتِي فِي تَرْكِ الرَّمْيَيْنِ بِأَنَّ تَرْكَهُمَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَكَانَيْنِ وَزَمَانَيْنِ، وَتَرْكُ الرَّمْيَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَرْكَ زَمَانَيْنِ، فَلَوْ نَفَرَ مَعَ تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَتَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ بِمِنًى فِيهِمَا، وَيَسْقُطُ مَبِيتُ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَالدَّمُ عَنْ الرِّعَاءِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ إنْ خَرَجُوا مِنْهُمَا قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ أَنْ يَتْرُكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى، وَقِيسَ بِمِنًى مُزْدَلِفَةَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا حِينَئِذٍ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ بِأَنْ كَانُوا بِهَا بَعْدَهُ لَزِمَهُمْ مَبِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ. وَأَمَّا أَهْلُ السِّقَايَةِ، وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ: مَوْضِعٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُسْقَى فِيهِ الْمَاءُ وَيُجْعَلُ فِي حِيَاضٍ يُسَبَّلُ لِلشَّارِبِينَ فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الْمَبِيتُ، وَلَوْ نَفَرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَكَانَتْ السِّقَايَةُ مُحْدَثَةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِلْعَبَّاسِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى لِأَجْلِ السِّقَايَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَغَيْرُ الْعَبَّاسِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَبَّاسِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِمْ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِاللَّيْلِ بِخِلَافِ الرِّعَاءِ، وَمَا ذُكِرَ فِي السِّقَايَةِ الْحَادِثَةِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ، وَلِرِعَاءِ الْإِبِلِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ يَوْمًا فَقَطْ وَيُؤَدُّونَهُ فِي تَالِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَا رَمْيَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يُرَخَّصُ لِلرِّعَاءِ فِي تَرْكِ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ: أَيْ فِي تَأْخِيرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ وَعَدَمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا وَقِيلَ يَبْقَى إلَى الْفَجْرِ. وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَتَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ   [مغني المحتاج] لُزُومِ الدَّمِ خَائِفٌ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ فَوْتِ أَمْرٍ يَطْلُبُهُ كَآبِقٍ أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِتَرْكِ تَعَهُّدِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو عُذْرٍ فَأَشْبَهَ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِأَهْلِ السِّقَايَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْغُولَ بِتَدَارُكِ الْحَجِّ عَنْ مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ وَمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ لِيَطُوفَ لِلْإِفَاضَةِ أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ الطَّوَافِ وَالرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْمَبِيتِ وَمَنْ يُعْذَرُ فِيهِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِمِنًى خُطْبَةَ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلِاتِّبَاعِ، وَيُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ، وَيُوَدِّعُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِخَتْمِ الْحَجِّ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَاتَانِ الْخُطْبَتَانِ لَمْ نَرَ مَنْ يَفْعَلُهُمَا فِي زَمَانِنَا (وَيَدْخُلُ رَمْيُ) كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ) مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُسَنُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمَحِلُّهُ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَإِلَّا قَدَّمَ الصَّلَاةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا فَيُؤَخِّرَهَا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ (وَيَخْرُجُ) أَيْ وَقْتُهُ اخْتِيَارِيٌّ (بِغُرُوبِهَا) مِنْ كُلِّ يَوْمٍ. أَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِغُرُوبِهَا مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (وَقِيلَ يَبْقَى إلَى الْفَجْرِ) كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمَحِلُّ هَذَا الْوَجْهِ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ. أَمَّا هُوَ فَيَخْرُجُ وَقْتُ رَمْيِهِ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ جَزْمًا لِخُرُوجِ وَقْتِ الْمَنَاسِكِ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ،. وَلِلرَّمْيِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي رَمْيِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ (رَمْيُ) الْحَصَيَاتِ (السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْمُرَادُ بِسَبْعِ رَمَيَاتٍ فَيُجْزِئُ وَإِنْ وَقَعْنَ مَعًا أَوْ سَبَقَتْ الْأَخِيرَةُ الْأُولَى فِي الْوُقُوعِ. فَلَوْ رَمَى السَّبْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ إحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بِيَسَارِهِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةً وَإِنْ تَعَاقَبَ الْوُقُوعُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى إنْسَانٍ فَجُلِدَ بِمِائَةٍ مَشْدُودَةٍ فَإِنَّهَا تُحْسَبُ مِائَةً؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَأَيْضًا الْمَقْصُودُ مِنْ الضَّرَبَاتِ الْإِيلَامُ وَهُوَ حَاصِلٌ، وَأَمَّا الرَّمْيُ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ التَّعَبُّدُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةٌ سَبْعَ مَرَّاتٍ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ وَجْهٌ رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّهُ الْأَقْوَى، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ الْمَقَامُ مَقَامُ اتِّبَاعٍ وَتَعَبُّدٍ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ الْجَوَازُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ رَمَى جُمْلَةَ السَّبْعِ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَجْزَأَهُ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ يُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ: وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ الْحَصَيَاتِ السَّبْعِ فِي سَبْعِ دُفُعَاتٍ لَكَانَ أَوْلَى (وَتَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاحِدَتُهَا جَمْرَةٌ بِسُكُونِهَا بِأَنْ يَبْدَأَ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، وَهِيَ أُولَاهُنَّ مِنْ جِهَةِ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلَوْ بَدَأَ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ الَّتِي تَلِي الْمَسْجِدَ حَصَلَتْ فَقَطْ، وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً وَشَكَّ فِي مَحِلِّهَا جَعَلَهَا مِنْ الْأُولَى احْتِيَاطًا فَيَرْمِي بِهَا إلَيْهَا وَيُعِيدُ رَمْيَ الْجَمْرَتَيْنِ، إذْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الرَّمْيِ فِي الْجَمَرَاتِ لَا تَجِبُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا، وَأَنْ يُسَمِّيَ رَمْيًا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ،   [مغني المحتاج] وَإِنَّمَا تُسَنُّ فِيهِ كَمَا فِي الطَّوَافِ، لَوْ تَرَكَ حَصَاتَيْنِ لَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُمَا احْتَاطَ وَجَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةً مِنْ ثَالِثَةٍ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ كَانَتْ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ) الرَّمْيِ بِالْيَدِ، وَكَوْنُ (الْمَرْمِيِّ حَجَرًا) لِلِاتِّبَاعِ فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ عَنْ قَوْسٍ، وَلَا الرَّمْيُ بِالرِّجْلِ، وَلَا بِالْمِقْلَاعِ، وَلَا بِالرَّمْيِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَلُؤْلُؤٍ وَإِثْمِدٍ وَزَرْنِيخٍ وَجِصٍّ وَجَوْهَرٍ، وَيُجْزِئُ الْحَجَرُ بِأَنْوَاعِهِ كَيَاقُوتٍ وَحَجَرِ حَدِيدٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيُجْزِئُ حَجَرُ نُورَةٍ لَمْ يُطْبَخْ بِخِلَافِ مَا طُبِخَ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى حَجَرًا بَلْ نُورَةً (وَأَنْ يُسَمَّى رَمْيًا فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) فِي الْمَرْمَى لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا، وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ. فَإِنْ قِيلَ: ذِكْرُ اشْتِرَاطِ الرَّمْيِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ سِيقَ لِبَيَانِ التَّعَدُّدِ لَا لِلْكَيْفِيَّةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ هُنَا احْتِيَاطًا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا قَصْدُ الْجَمْرَةِ بِالرَّمْيِ، فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهَا كَأَنْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَمْ يَكْفِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّتِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَأَصَابَهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَا يُجْزِئُ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ اهـ. بَلْ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَبْعُدَ عَنْهُ احْتِيَاطًا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى، فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ أَجْزَأَهُ، وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَحَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ: مَوْضِعُ الرَّمْيِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ، وَرَمْيُ كَثِيرِينَ مِنْ أَعْلَاهَا بَاطِلٌ اهـ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَالسُّنَّةُ) فِي رَمْيِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ (أَنْ يَرْمِيَ) الْجَمْرَةَ لَا بِحَجَرٍ كَبِيرٍ وَلَا صَغِيرٍ جِدًّا بَلْ (بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا فِي قَدْرِ الْبَاقِلَّاءِ، فَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ بِأَصْغَرَ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ، وَهَيْئَةُ الْخَذْفِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِ الْإِبْهَامِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَةِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَرْمِيهِ عَلَى غَيْرِ هَيْئَةِ حَصَى الْخَذْفِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَرْفَعَ الذَّكَرُ يَدَهُ بِالرَّمْيِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَأَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي رَمْيِ التَّشْرِيقِ، وَأَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا لَا رَاكِبًا إلَّا فِي يَوْمِ النَّفْرِ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ رَاكِبًا لِيَنْفِرَ عَقِبَهُ، وَأَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي كَمَا مَرَّ فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ عُلْوٍ، وَأَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْجَمْرَةِ فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ حَصَى الرَّامِينَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَدْعُو وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ الْأُولَى بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةَ، وَكَذَا بَعْدَ رَمْيِ الثَّانِيَةِ لَا الثَّالِثَةِ، بَلْ يَمْضِي بَعْدَ رَمْيِهَا لِلِاتِّبَاعِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى، وَلَا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الْجَمْرَةِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ اسْتَنَابَ، وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] ذَلِكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. إلَّا بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ (وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى) فَلَا يَضُرُّ تَدَحْرُجُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ فِيهِ لِحُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ (وَلَا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الْجَمْرَةِ) فَلَوْ وَقَفَ بِبَعْضِهَا وَرَمَى إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا صَحَّ لِمَا مَرَّ مِنْ حُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ، وَلَوْ رَمَى الْحَجَرَ فَأَصَابَ شَيْئًا كَأَرْضٍ أَوْ مَحْمَلٍ فَارْتَدَّ إلَيْهِ الْمَرْمِيُّ لَا بِحَرَكَةِ مَا أَصَابَهُ أَجْزَأَهُ؛ لِحُصُولِهِ فِي الْمَرْمَى بِفِعْلِهِ لَا بِمُعَاوَنَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ بِحَرَكَةِ مَا أَصَابَهُ، وَلَوْ رَدَّتْ الرِّيحُ الْحَصَاةَ إلَى الْمَرْمَى أَوْ تَدَحْرَجَتْ إلَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّ إلَّا إنْ تَدَحْرَجَتْ مِنْ ظَهْرِ بَعِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ كَعُنُقِهِ وَمَحْمَلٍ فَلَا يَكْفِي، وَيُشْتَرَطُ إصَابَةُ الْمَرْمَى يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِيهَا لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ وَبَقَاءُ الرَّمْيِ عَلَيْهِ، وَصُرِفَ الرَّمْيُ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِ النُّسُكِ كَأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْجَمْرَةِ كَصَرْفِ الطَّوَافِ بِهَا إلَى غَيْرِهِ فَيَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ بَحَثَ فِي الْمُهِمَّاتِ إلْحَاقَ الرَّمْيِ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ كَرَمْيِ الْعَدُوِّ فَأَشْبَهَ الطَّوَافَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ. وَأَمَّا السَّعْيُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَالْوُقُوفِ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ) لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا قَبْلَ فَوْتِ وَقْتِ الرَّمْيِ كَمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ (اسْتَنَابَ) مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وُجُوبًا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ حَلَالًا كَانَ النَّائِبُ أَوْ مُحْرِمًا، لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ جَائِزَةٌ فِي النُّسُكِ، فَكَذَلِكَ فِي أَبْعَاضِهِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى الْيَأْسِ، كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الْحَجِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَبْسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْحَبْسِ بِحَقٍّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَصُورَةُ الْمَحْبُوسِ بِحَقٍّ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قَوَدٌ لِصَغِيرٍ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْلُغَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الصُّورَةَ. وَأَمَّا إذَا حُبِسَ بِدَيْنٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِعَاجِزٍ عَنْ الرَّمْيِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ أَنْ يَكُونَ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا فَلَوْ لَمْ يَرْمِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ كَأَصْلِ الْحَجِّ وَيُنْدَبُ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَى وَيُكَبِّرَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا تَنَاوَلَهَا النَّائِبُ وَكَبَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِإِغْمَاءِ الْمُسْتَنِيبِ كَمَا لَا يَنْعَزِلُ عَنْهُ وَعَنْ الْحَجِّ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ زِيَادَةٌ فِي الْعَجْزِ الْمُبِيحِ لِلْإِنَابَةِ فَلَا يَكُونُ مُفْسِدًا لَهَا وَفَارَقَ سَائِرَ الْوَكَالَاتِ بِوُجُوبِ الْإِذْنِ هُنَا، فَلَوْ نَوَى فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الرَّمْيِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لَكِنَّهَا تُسَنُّ، أَمَّا إغْمَاءُ النَّائِبِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ شُرُوطِ الرَّمْيِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ (وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ) أَوْ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا (تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ) مِنْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ، وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ، إذْ لَوْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَيَّامِ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلرَّمْيِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِيهَا بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَكَذَا يَتَدَارَكُ رَمْيَ يَوْمِ النَّحْرِ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ إذَا تَرَكَهُ، وَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، وَالثَّانِي أَوْ الْأَوَّلَيْنِ فِي الثَّالِثِ وَالثَّانِي لَا كَمَا يَتَدَارَكُ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 وَلَا دَمَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: إذَا قُلْنَا بِالتَّدَارُكِ فَتَدَارَكَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَدَاءٌ، وَالْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ لَهُ وَقْتُ اخْتِيَارٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالْأَيَّامِ، وَالْأَيَّامُ حَقِيقَةً لَا تَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ الْمَنْعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَيْضًا الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِمَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْمَنْعَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ رَمْيٌ فَصَارَ كَاللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ، وَالْمَنْعَ فِي الثَّانِي بِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ مَمْنُوعٌ فِي التَّدَارُكِ، فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى زَوَالِ شَمْسِهِ كَمَا مَرَّ. وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنْ خَالَفَ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ. فَلَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ وَسَبْعًا عَنْ يَوْمِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ يَوْمِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّائِبَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ نَفْسِهِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ مُنِيبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا اقْتَضَاهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ، وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَدَارُكِهِ مَعَ الْبَيَاتِ بِمِنًى، وَالْكَلَامُ الَّذِي سَبَقَ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ، فَامْتِنَاعُ تَأْخِيرِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ فِي حَقِّهِمْ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالْمَبِيتِ لَيْلَتَيْنِ، وَرَمْيِ يَوْمَيْنِ، فَامْتَنَعَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ أَتَى بِالْبَيْتِ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِشِعَارِهِ فَسُومِحَ بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ يَوْمَيْنِ، هَذَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَا تَقَدَّمَ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَمَا هُنَا فِي وَقْتِ الْجَوَازِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. فَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِينَ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ عَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ تَنَاقُضًا. (وَلَا دَمَ) مَعَ التَّدَارُكِ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهُ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً لِحُصُولِ الِانْجِبَارِ بِالْمَأْتِيِّ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) فِي رَمْيِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِاتِّحَادِ جِنْسِ الرَّمْيِ فَأَشْبَهَ حَلْقَ الرَّأْسِ. وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ طُرُقًا وَاخْتِلَافًا كَثِيرًا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ) لِوُقُوعِ الْجَمْعِ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةً كَمَا سَيَأْتِي. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ» وَفِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدٌّ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ مُدَّانِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْجَمْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. أَمَّا لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْجَمْرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِبُطْلَانِ مَا بَعْدَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ كَمَا مَرَّ. وَقِيلَ إنَّمَا يَكْمُلُ الدَّمُ فِي وَظِيفَةِ جَمْرَةٍ كَمَا يَكْمُلُ فِي وَظِيفَةِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَفِي الْحَصَاةِ وَالْحَصَاتَيْنِ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ الْأَقْوَالُ فِي حَقِّ الشَّعْرَةِ وَالشَّعْرَتَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ فِي الْحَصَاةِ الْوَاحِدَةِ مُدَّ طَعَامٍ وَالثَّانِي دِرْهَمًا، وَالثَّالِثُ ثُلُثُ دَمٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ طَافَ لِلْوَدَاعِ، وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَفِي قَوْلٍ سُنَّةٌ لَا يُجْبَرُ،   [مغني المحتاج] عَلَى الْأَوَّلِ وَسُبْعَهُ عَلَى الثَّانِي، وَفِي الْحَصَاتَيْنِ ضِعْفُ ذَلِكَ. . تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَبِيتَ لَيَالِي مِنًى يَسْقُطُ عَنْ الْمَعْذُورِينَ. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِي التَّشْرِيقِ دَمٌ. وَفِي قَوْلٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ دَمٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فِي اللَّيْلَةِ مُدٌّ. وَفِي قَوْلٍ: دِرْهَمٌ. وَفِي آخَرَ: ثُلُثُ دِرْهَمٍ. وَفِي اللَّيْلَتَيْنِ ضِعْفُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثِ، فَإِنْ نَفَرَ قَبْلَهَا فَفِي وَجْهٍ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الدَّمِ بِكَمَالِهِ لِتَرْكِ جِنْسِ الْمَبِيتِ بِمِنًى. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَتَرْكُ الْمَبِيتِ نَاسِيًا كَتَرْكِهِ عَامِدًا وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَإِذَا أَرَادَ) بَعْدَ قَضَاءِ مَنَاسِكِهِ (الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ) لِسَفَرٍ - وَلَوْ مَكِّيًّا - طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (طَافَ لِلْوَدَاعِ) طَوَافًا كَامِلًا بِرَكْعَتَيْهِ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ طَافَ لِلْوَدَاعِ» وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَيْ الطَّوَافِ بِهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَلَا طَوَافَ وَدَاعٍ عَلَى مُرِيدِ الْإِقَامَةِ وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَلَا عَلَى مُرِيدِ السَّفَرِ قَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ، وَلَا عَلَى الْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الْخَارِجِ إلَى التَّنْعِيمِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَخَا عَائِشَةَ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِوَدَاعٍ، وَهَذَا فِيمَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ يَعُودُ، وَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ أَرَادَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ مَحِلٍّ يُقِيمُ فِيهِ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا (وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَهُ) وَبَعْدَ رَكْعَتَيْهِ وَبَعْدَ الدُّعَاءِ الْمَحْبُوبِ عَقِبَهُ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَإِتْيَانِ زَمْزَمَ وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، فَإِنْ مَكَثَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ كَالزِّيَارَةِ وَالْعِيَادَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ أَوْ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَشِرَاءِ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ وَشَدِّ الرَّحْلِ، أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّاهَا مَعَهُمْ كَمَا قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَلَا الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ خِلَافًا لِأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ لَا؟ وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوْ لَا؟ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَطْوِفَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَوَافٍ يَخُصُّهُ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفَعَلَهُ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى وَأَرَادَ الْخُرُوجَ عَقِبَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِهِ (وَهُوَ وَاجِبٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» (يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ) وُجُوبًا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ: (وَفِي قَوْلٍ سُنَّةٌ لَا يُجْبَرُ) بِدَمٍ كَطَوَافِ الْقُدُومِ تَحِيَّةً وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ تَحِيَّةُ الْبُقْعَةِ، فَلَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا خِلَافَ فِي الْجَبْرِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَخَرَجَ بِلَا وَدَاعٍ وَعَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ الدَّمُ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بِلَا وَدَاعٍ.   [مغني المحتاج] مَنْدُوبًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَخَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى (بِلَا وَدَاعٍ) عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِهِ (وَعَادَ) بَعْدَ خُرُوجِهِ (قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) مِنْ مَكَّةَ. وَقِيلَ: مِنْ الْحَرَمِ وَطَافَ لِلْوَدَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (سَقَطَ الدَّمُ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ، وَكَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ: لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ فِيهِ نَظَرٌ إذَا سَوَّيْنَا بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ فِي وُجُوبِ الْوَدَاعِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ سَفَرَهُ هُنَا لَمْ يَتِمَّ لِعَوْدِهِ بِخِلَافِهِ هُنَاكَ. أَمَّا إذَا عَادَ لِيَطُوفَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ، فَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَرَّرُ (أَوْ) عَادَ (بَعْدَهَا) وَطَافَ (فَلَا) يَسْقُطُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ، وَوُقُوعُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَوْدِ حَقٌّ لِلْخُرُوجِ الثَّانِي، وَالثَّانِي يَسْقُطُ كَالْحَالَةِ الْأُولَى، وَيَجِبُ الْعَوْدُ فِيهَا وَلَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ لِلْمَشَقَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ أَوْ بَعْدَهَا يُفْهِمُ أَنَّ بُلُوغَهَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ بُلُوغَهَا كَمُجَاوَزَتِهَا. (وَلِلْحَائِضِ النَّفْرُ بِلَا) طَوَافِ (وَدَاعٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ " وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَنْصَرِفَ بِلَا وَدَاعٍ» نَعَمْ إنْ طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ لِتَطُوفَ بِخِلَافِ مَا إذَا طَهُرَتْ خَارِجَ مَكَّةَ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ، وَكَالْحَائِضِ النُّفَسَاءُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَخَرَجَ بِالْحَائِضِ الْمُتَحَيِّرَةُ فَإِنَّهَا تَطُوفُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَإِنْ لَمْ تَطُفْ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَلَا دَمَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ فِي طُهْرِهَا. وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ غَيْرُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَإِنْ نَفَرَتْ فِي طُهْرِهَا لَزِمَهَا الْعَوْدُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، أَوْ فِي حَيْضِهَا فَلَا، وَمَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ تَصِيرُ مُحْرِمَةً حَتَّى تَرْجِعَ لِمَكَّةَ فَتَطُوفَ وَلَوْ طَالَ ذَلِكَ سِنِينَ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَنْبَغِي أَنَّهَا إذَا وَصَلَتْ بَلَدَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ عَادِمَةُ النَّفَقَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْوُصُولُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ يَكُونُ حُكْمُهَا كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَتَقْصِيرٍ وَنِيَّةِ تَحَلُّلٍ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ فِي الْمَجْمُوعِ اهـ. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَبَحَثَ بَعْضٌ آخَرُ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَافِعِيَّةً تُقَلِّدُ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي أَنَّهَا تَهْجِمُ وَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَلْزَمُهَا تَوْبَةٌ وَتَأْثَمُ بِدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ حَائِضًا، وَيُجْزِئُهَا هَذَا الطَّوَافُ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا فِي بَقَائِهَا عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ. . وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَتْبُوعِ بِرَكْعَتَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ مَا لَمْ يُؤْذِ أَوْ يَتَأَذَّ بِزِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ حَافِيًا، وَأَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى أَرْضِهِ، وَلَا يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى سَقْفِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَيَاءً مِنْهُ، وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَمْشِيَ بَعْدَ دُخُولِ الْبَابِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَأَنْ يَدْعُوَ فِي جَوَانِبِهِ، ثُمَّ يَدْعُوَ عِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُمْ يَلْتَزِمُونَهُ بِالدُّعَاءِ، وَيُسَمَّى الْمُدَّعَى وَالْمُتَعَوَّذَ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَأْتِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ.   [مغني المحتاج] الْمُلْتَزَمَ فَيُلْصِقَ بَدَنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطَ يَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمَأْثُورِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ الْمَأْثُورَ أَفْضَلُ، وَمِنْ الْمَأْثُورِ مَا فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ " اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك، وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَابْنُ أَمَتِك، حَمَلْتَنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى صَيَّرْتَنِي فِي بِلَادِك، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتَنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك، فَإِنْ كُنْت رَضِيَتْ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمُنَّ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عَنْهُ مَزَارِي، هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلَا بَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك. اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي الْعَمَلَ بِطَاعَتِك مَا أَبْقَيْتَنِي " وَمَا زَادَ فَحَسَنٌ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ " وَاجْمَعْ لِي خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ " وَلَفْظُ فَمُنَّ الْآنَ يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ وَكَسْرُ الْمِيمِ وَتَخْفِيفُ النُّونِ مَعَ فَتْحِهَا وَكَسْرِهَا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ اُسْتُحِبَّ أَنْ تَأْتِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَمْضِيَ. . وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَالطَّوَافِ تَطَوُّعًا وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ،. وَأَنْ يَزُورَ الْمَوَاضِعَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. مِنْهَا: بَيْتُ الْمَوْلِدِ، وَبَيْتُ خَدِيجَةَ، وَمَسْجِدُ دَارِ الْأَرْقَمِ، وَالْغَارُ الَّذِي فِي ثَوْرٍ وَاَلَّذِي فِي حِرَاءَ. وَقَدْ أَوْضَحَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَأَنْ يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا " لِمَا رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. قَالَ: مَنْ نَظَرَ إلَى الْكَعْبَةِ إيمَانًا وَتَصْدِيقًا خَرَجَ مِنْ الْخَطَايَا كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ". وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ: سِتُّونَ لِلطَّائِفَيْنِ، وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ، وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ» وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ هُنَاكَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الدُّعَاءُ يُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ فِي الطَّوَافِ، وَالْمُلْتَزَمِ، وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي السَّعْيِ، وَخَلْفَ الْمَقَامِ، وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ. (وَيُسَنُّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) لِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقِيلَ شِفَاءُ سَقَمٍ لَمْ يَرْوِهَا مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا رَوَاهَا أَبُو الطَّيَالِسِيِّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِحَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ لِوُرُودِهِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ جَابِرٍ. وَيُسَنُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ شُرْبِهِ، وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ» . وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا مَطْلُوبَهُمْ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ شُرْبِهِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا، وَيَذْكُرُ مَا يُرِيدُ دِينًا وَدُنْيَا: اللَّهُمَّ فَافْعَلْ، ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى، وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَيُسَنُّ الدُّخُولُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ.   [مغني المحتاج] إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهَا، وَأَنْ يَنْزِعَ مِنْهَا بِالدَّلْوِ الَّذِي عَلَيْهَا وَيَشْرَبَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُسَنُّ أَنْ يَنْضَحَ مِنْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ، وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ مَائِهَا، وَيَسْتَصْحِبَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ، فَفِي الْبَيْهَقِيّ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ وَتُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْمِلُهُ فِي الْقِرَبِ، وَكَانَ يَصُبُّهُ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ مِنْهُ» . وَيُسَنُّ الشُّرْبُ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَالدُّعَاءُ، فَإِنَّ أَكْثَرَهُ مِنْ الْبَيْتِ كَمَا مَرَّ. . وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ، وَأَنْ يَنْصَرِفَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مُسْتَدْبِرَ الْبَيْتِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَصَوَّبَهُ فِي مَجْمُوعِهِ، وَقِيلَ: يَخْرُجُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ إلَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَقِيلَ يَلْتَفِتُ إلَيْهِ بِوَجْهِهِ مَا أَمْكَنَهُ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَى فِرَاقِهِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ. (وَ) تُسَنُّ (زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِغَيْرِ زَائِرِهِ، «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَمْ تَنْزِعْهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي سُنَنِهِ الصِّحَاحِ الْمَأْثُورَةِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ، وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَزِيَارَةُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ، فَقَوْلُهُ (بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ) كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَيْسَ الْمُرَادُ اخْتِصَاصَ طَلَبِ الزِّيَارَةِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ بَعْدَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قَبْلَهُمَا أَوَّلًا مَعَ نُسُكٍ، بَلْ الْمُرَادُ تَأَكُّدُ الزِّيَارَةِ فِيهَا لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَجِيجِ الْوُرُودُ مِنْ آفَاقٍ بَعِيدَةٍ، فَإِذَا قَرُبُوا مِنْ الْمَدِينَةِ يَقْبُحُ تَرْكُهُمْ الزِّيَارَةَ، وَالثَّانِي لِحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» ، رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَغَيْرُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ لِلْحَاجِّ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَحُكْمُ الْمُعْتَمِرِ حُكْمُ الْحَاجِّ فِي تَأَكُّدِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَشْمَلْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ. وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» فَتُسَنُّ زِيَارَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَزِيَارَةُ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَعَلُّقَ لَهُمَا بِالْحَجِّ، وَيُسَنُّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزِيدَ فِيهِمَا إذَا أَبْصَرَ أَشْجَارَهَا مَثَلًا، وَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ دُخُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَلْبَسَ أَنْظَفَ وَأَحْسَنَ ثِيَابِهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَنْبِ الْمِنْبَرِ، وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهِمَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ فَيَسْتَقْبِلُ رَأْسَهُ، وَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ، وَيَقِفُ نَاظِرًا إلَى أَسْفَلِ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فِي مَقَامِ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ، فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَائِقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الدُّنْيَا، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَبَرِ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ لَهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ تَأَدُّبًا مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ آخَرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَتَاهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَيَسْتَشْفِعَ بِهِ إلَى رَبِّهِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا اقْتَرَفَ آدَم الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُك بِحَقِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَيْفَ عَرَفْت مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ. قَالَ: يَا رَبِّ لِأَنَّك لَمَّا خَلَقْتَنِي وَنَفَخْت فِي مِنْ رُوحِك رَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ فِي قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَعَرَفْت أَنَّك لَمْ تُضِفْ إلَى نَفْسِك إلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَيْك، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى صَدَقْت يَا آدَم: إنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيَّ، إذْ سَأَلْتَنِي بِهِ فَقَدْ غَفَرْت لَك، وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُك» قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُهُ الزَّائِرُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ رُوحِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ أَنْتَ الْحَبِيبُ الَّذِي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ ... يَوْمَ الْحِسَابِ إذَا مَا زَلَّتْ الْقَدَمُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ سَائِرِ الْمُشَاهَدِ بِالْمَدِينَةِ، وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ. وَيُسَنُّ زِيَارَةُ الْبَقِيعِ وَقُبَاءَ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ. وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْآبَارِ السَّبْعَةِ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: الطَّوِيلُ أَرِيسٌ وَغَرْسٌ رُومَةٌ وَبُضَاعَةٌ ... كَدَابِضَةٍ قُلْ بَيْرُحَاءَ مَعَ الْعِهْنِ وَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ، وَلْيَحْذَرْ مِنْ الطَّوَافِ بِقَبْرِهِ، وَمِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ. وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَيُقَبِّلُهُ، بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ، وَأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقِيمِينَ وَالْغُرَبَاءِ بِمَا أَمْكَنَهُ. وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوَدِّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ، وَيَأْتِيَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ، وَيُعِيدَ السَّلَامَ الْأَوَّلَ، وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسِّرْ لِي الْعَوْدَ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلًا؛ وَارْزُقْنِي الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَرُدَّنَا إلَى أَهْلِنَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ، وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَلَا يَمْشِي الْقَهْقَرَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 فَصْلٌ، أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ، وَالْحَلْقُ إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَلَا تُجْبَرُ بِدَمٍ، وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا. وَيُؤَدَّى النُّسُكَانِ عَلَى أَوْجُهٍ:   [مغني المحتاج] وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَصْحِبَ شَيْئًا مِنْ الْأُكَرِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمَيْنِ، وَلَا مِنْ الْأَبَارِيقَ وَالْكِيزَانِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ الْبِدَعِ تَقَرُّبُ الْعَوَامّ بِأَكْلِ التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ. . [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ] (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ) بَلْ سِتَّةٌ: أَحَدُهَا (الْإِحْرَامُ) أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَ) ثَانِيهَا: (الْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» (وَ) ثَالِثُهَا: (الطَّوَافُ) بِالْكَعْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَالْمُرَادُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (وَ) رَابِعُهَا: (السَّعْيُ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي السَّعْيِ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» (وَ) خَامِسُهَا: (الْحَلْقُ) أَوْ التَّقْصِيرُ (إذَا جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ (وَ) سَادِسُهَا: (التَّرْتِيبُ) فِي مُعْظَمِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ عَدَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ وَيُؤَخِّرَ السَّعْيَ عَنْ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ وَيُقَدِّمَ الْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَلَا تُجْبَرُ) هَذِهِ الْأَرْكَانُ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا (بِدَمٍ) بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِجَمِيعِ أَرْكَانِهَا. وَأَمَّا وَاجِبَاتُهُ فَخَمْسَةٌ أَيْضًا الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالرَّمْيُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالْمَبِيتُ لَيَالِيَ مِنًى، وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَهَذِهِ تُجْبَرُ بِدَمٍ، وَتُسَمَّى أَبْعَاضًا وَغَيْرُهَا يُسَمَّى هَيْئَةً (وَمَا سِوَى الْوُقُوفِ) مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ (أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ لَهَا، وَلَكِنَّ التَّرْتِيبَ يُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ أَرْكَانِهَا فَيَجِبُ تَأْخِيرُ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرُ عَنْ سَعْيِهَا، وَوَاجِبُ الْعُمْرَةِ شَيْئَانِ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. (وَيُؤَدَّى النُّسُكَانِ عَلَى) ثَلَاثَةِ (أَوْجُهٍ) فَقَطْ، وَلِهَذَا عَبَّرَ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ، وَوَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْإِحْرَامَ إنْ كَانَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَالْإِفْرَادُ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَالتَّمَتُّعُ، أَوْ بِهِمَا مَعًا فَهُوَ الْقِرَانُ عَلَى تَفْصِيلٍ وَشُرُوطٍ لِبَعْضِهَا سَتَأْتِي، وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِنُسُكٍ عَلَى حَدَثِهِ لَيْسَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ النُّسُكَانِ بِالتَّثْنِيَةِ. أَمَّا أَدَاءُ النُّسُكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَعَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ فَقَطْ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَطْ، وَقَدْ سَبَقَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ» الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 أَحَدُهَا الْإِفْرَادُ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ: كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا. الثَّانِي الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَيَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ فَيَحْصُلَانِ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ بِحَجٍّ قَبْلَ الطَّوَافِ كَانَ قَارِنًا.   [مغني المحتاج] رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (أَحَدُهَا الْإِفْرَادُ) وَالْأَفْضَلُ يَحْصُلُ (بِأَنْ يَحُجَّ) أَيْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ وَيَفْرَغُ مِنْهُ (ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ) بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِهَا (وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا) أَمَّا غَيْرُ الْأَفْضَلِ فَلَهُ صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فِي سَنَتِهِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِصِدْقِ الْإِفْرَادِ عَلَى هَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلَّا بِمَا قَدَّرْته. فَإِنَّ الْإِفْرَادَ هُوَ الْأَفْضَلُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ (الثَّانِي الْقِرَانُ) وَالْأَكْمَلُ يَحْصُلُ (بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا) مَعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (مِنْ الْمِيقَاتِ) لِلْحَجِّ، وَغَيْرُ الْأَكْمَلِ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ، وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ فَتَقْيِيدُهُ بِالْمِيقَاتِ لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ لَا لِكَوْنِ الثَّانِي لَا يُسَمَّى قِرَانًا (وَيَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْحَجِّ أَكْثَرُ (فَيَحْصُلَانِ) وَيَدْخُلُ عَمَلُ الْعُمْرَةِ فِي عَمَلِ الْحَجِّ فَيَكْفِيه طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْقِرَانِ (وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ) صَحِيحَةٍ (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ) أَحْرَمَ (بِحَجٍّ قَبْلَ) الشُّرُوعِ فِي (الطَّوَافِ كَانَ قَارِنًا) بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فَيَكْفِيه عَمَلُ الْحَجِّ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ مَا شَأْنُك؟ قَالَتْ: حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجِّك وَعُمْرَتِك جَمِيعًا» . . تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فِي أَشْهُرِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَكُونُ قَارِنًا، وَلَيْسَ مُرَادًا. فَإِنْ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَصِحُّ: أَيْ وَيَكُونُ قَارِنًا فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْقَيْدِ فَيَقُولُ: وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحَجٍّ قَبْلَ الطَّوَافِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَانَ قَارِنًا، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الطَّوَافِ اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا طَافَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ شَرَعَ فِيهِ وَلَوْ بِخُطْوَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِاتِّصَالِ إحْرَامِهَا بِمَقْصُودِهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِقُوَّتِهِ، وَلَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ فَفِي صِحَّةِ الْإِدْخَالِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي تَصْحِيحُ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ مُقَدِّمَتُهُ لَا بَعْضُهُ، وَكَلَامُهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ فَاسِدًا، وَلِذَا قُيِّدَتْ الْعُمْرَةُ بِالصَّحِيحَةِ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَفْسُدُ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَيَسْتَمِرُّ، وَكَلَامُهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مُحْتَمِلٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ فِي الْجَدِيدِ. الثَّالِثُ: التَّمَتُّعُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ. وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ وَبَعْدَ التَّمَتُّعِ الْقِرَانُ، وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ.   [مغني المحتاج] لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ (وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ) هُوَ إدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا آخَرَ بِخِلَافِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَيْهَا فَيَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ وَالرَّمْيَ وَالْمَبِيتَ، وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إدْخَالُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ كَفِرَاشِ النِّكَاحِ مَعَ فِرَاشِ الْمِلْكِ لِقُوَّتِهِ عَلَيْهِ جَازَ إدْخَالُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَكْسِ حَتَّى لَوْ نَكَحَ أُخْتَ أَمَتِهِ جَازَ وَطْؤُهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ كَعَكْسِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي أَسْبَابِ تَحَلُّلِهِ. (الثَّالِثُ: التَّمَتُّعُ) وَيَحْصُلُ (بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ) فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ) أَوْ غَيْرِهِ (وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ) أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ أَوْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ بَلَدِهِ وَمِنْ مَكَّةَ لِلتَّمْثِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، وَسُمِّيَ الْآتِي بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ. (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ أَوْجُهِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ الْمُتَقَدِّمَةِ (الْإِفْرَادُ) إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ، فَلَوْ أُخِّرَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ كَانَ الْإِفْرَادُ مَفْضُولًا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ مَكْرُوهٌ (وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ وَبَعْدَ التَّمَتُّعِ الْقِرَانُ) لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْشِئُ لَهُمَا مِيقَاتَيْنِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مِنْ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ (وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْرَادِ) وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ» . وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ، وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ، وَبِالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَبِأَنَّ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ يَجِبُ فِيهِمَا الدَّمُ، بِخِلَافِ الْإِفْرَادِ، وَالْجَبْرُ دَلِيلُ النُّقْصَانِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالصَّوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ بِحَجٍّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَخُصَّ بِجَوَازِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ، وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَوَّلُ الْإِحْرَامِ، وَعُمْدَةُ رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرُهُ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ، وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّتُهُ مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، أَوْ بِحَجٍّ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ، وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ، وَقِسْمٌ بِحَجٍّ وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَاضِرُوهُ مَنْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. قُلْت: الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْلِبُوهُ عُمْرَةً وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَمَرَهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ كَذَلِكَ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا، فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِي عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَظَنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ. وَأَمَّا تَفْضِيلُ الْمُتَمَتِّعِ عَلَى الْقَارِنِ فَلِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ أَكْمَلُ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُنَا: وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ: أَيْ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ فَقَطْ ثُمَّ الْحَجُّ فَقَطْ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَرَنَ وَاعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْرَادِ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ مَعَ زِيَادَةِ عُمْرَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّهُ إذَا رَجَا الْمَاءَ فَصَلَّى أَوَّلًا بِالتَّيَمُّمِ عَلَى قَصْدِ إعَادَتِهَا بِالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ لَا مَحَالَةَ، وَهَكَذَا إذَا اعْتَمَرَ الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَ الْحَجِّ أَيْضًا خُصُوصًا إذَا كَانَ مَكِّيًّا وَعَادَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ، فَإِنَّ فَوَاتَ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا وَإِنَّمَا سَقَطَ الدَّمُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ إتْيَانِهِ بِنُسُكَيْنِ فَقَطْ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَدْ أَتَى بِنُسُكٍ ثَالِثٍ، فَلَيْسَتْ هِيَ الصُّورَةَ الْمُتَكَلَّمَ عَلَيْهَا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَبْرَ دَلِيلُ النُّقْصَانِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيمَا ذُكِرَ وُجُوبُ الدَّمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ النُّسُكَ الثَّالِثَ جَبَرَ ذَلِكَ النَّقْصَ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي إفْرَادِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا الْكَرَاهَةَ بِضَعْفِهِ عَمَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ، وَقَالُوا لَوْ صَامَ مَعَهُ غَيْرُهُ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَجْبُرُ مَا يَفُوتُهُ. (وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالْمَعْنَى فِي إيجَابِ الدَّمِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ لَكَانَ يَحْتَاجُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ. وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وَالْوَاجِبُ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَيَقُومُ مَقَامَهَا سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ، وَكَذَا جَمِيعُ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ إلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] قَوْله تَعَالَى " ذَلِكَ " أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَقَوْلُهُ " لِمَنْ " مَعْنَاهُ عَلَى مَنْ (وَحَاضِرُوهُ مَنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَتَهُ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ الْحَرَمُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَمَكَّةُ عِنْدَ آخَرِينَ، وَحَمْلُهُ عَلَى مَكَّةَ أَقَلُّ تَجَاوُزًا مِنْ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: إنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ الْحَرَمُ إلَّا قَوْله تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ.   [مغني المحتاج] فَهُوَ نَفْسُ الْكَعْبَةِ فَإِلْحَاقُ هَذَا بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْلَى، وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا أَيْ عَامًّا لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يُشْكِلُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ ثُمَّ فَاتَهُ وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا بِتَمَتُّعِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِيقَاتًا عَامًّا لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ، وَلَا يُشْكِلُ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ فِي هَذَا وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ، وَهُوَ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ بِعَدَمِ عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِسَاءَتِهِ بِمُجَاوَزَتِهِ مَا عُيِّنَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ «وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَهُ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» عَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ: أَحَدُهُمَا بَعِيدٌ وَالْآخَرُ قَرِيبٌ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ بِوُجُودِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِأَحَدِهِمَا وَمَالُهُ بِالْآخَرِ اُعْتُبِرَ بِمَكَانِ الْأَهْلِ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ تَحْتَ حِجْرِهِ دُونَ الْآبَاءِ وَالْإِخْوَةِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِعَزْمِ الرُّجُوعِ إلَى أَحَدِهِمَا لِلْإِقَامَةِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْمٌ اُعْتُبِرَ بِإِنْشَاءِ مَا خَرَجَ مِنْهُ، وَلِلْغَرِيبِ الْمُسْتَوْطِنِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ حُكْمُ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ الدَّمُ آفَاقِيًّا تَمَتَّعَ نَاوِيًا الِاسْتِيطَانَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ فَلَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَأَتَمَّهَا وَلَوْ فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَأَشْبَهَ الْمُفْرِدَ، وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الَّذِي اعْتَمَرَ فِيهِ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا لَمْ يَحُجُّوا مِنْ عَامِهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُهْدُوا " (وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ) الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ أَوْ مِيقَاتٍ آخَرَ وَلَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتُ عُمْرَتِهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ مِيقَاتِهَا، فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ وَأَحْرَمَ مِنْهُ بِالْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِي لِإِيجَابِ الدَّمِ وَهُوَ رِبْحُ الْمِيقَاتِ قَدْ زَالَ بِعَوْدِهِ إلَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَلَا وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَا بَقَاؤُهُ حَيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ الْمُتَمَتِّعُ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ خَارِجَهَا وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، وَالْأَفْضَلُ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ. تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ،   [مغني المحتاج] يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ وَلَا إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَلَا إلَى مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا لِلْإِسَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مَعَ عَدَمِ عَوْدِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ. وَهَلْ تُعْتَبَرُ فِي تَسْمِيَتِهِ تَمَتُّعًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ فَلَوْ فَاتَ شَرْطًا كَانَ مُفْرِدًا وَأَشْهَرُهُمَا لَا تُعْتَبَرُ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ يَصِحُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مِنْ الْمَكِّيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. (وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ) عَلَيْهِ (إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ. وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ جَوَازُ ذَبْحِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا أَحْرَمَ بِهَا وَلَا يَتَأَقَّتُ ذَبْحُهُ بِوَقْتٍ كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ (وَ) لَكِنَّ (الْأَفْضَلَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) حِسًّا بِأَنْ فَقَدَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ غَابَ عَنْهُ مَالٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (فِي مَوْضِعِهِ) وَهُوَ الْحَرَمُ سَوَاءٌ أَقَدَرَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَمْ غَيْرِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَخْتَصُّ (صَامَ) بَدَلَهُ وُجُوبًا (عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] أَيْ الْهَدْيَ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ، وَالدَّمَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ عَدِمَ الْهَدْيَ فِي الْحَالِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُهُ قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ فَإِنَّ لَهُ الصَّوْمَ عَلَى الْأَظْهَرِ مَعَ أَنَّهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ رَجَا وُجُودَهُ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ وَفِي اسْتِحْبَابِ انْتِظَارِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ وَلَكِنْ (تُسْتَحَبُّ) لَهُ (قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ فَيَحْرُمُ قَبْلَ سَادِسِ ذِي الْحَجَّةِ وَيَصُومُهُ وَتَالِيَيْهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ فِي زَمَنٍ يَسَعُ الثَّلَاثَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الطَّوَافُ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ نَادِرٌ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ. وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا لِأَنَّ صَوْمَهَا مُتَعَيِّنٌ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ؛ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا فِيهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَكَذَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْجَدِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهِ وَإِذَا فَاتَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحَجَّةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ. وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. قُلْت: بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] الصَّحِيحَيْنِ، وَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّيهِمْ فِيهِ الْمَاءَ، وَيُسَمَّى يَوْمَ النُّقْلَةِ لِانْتِقَالِهِمْ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى (وَ) صَامَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ (سَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى) وَطَنِهِ، (وَأَهْلِهِ فِي الْأَظْهَرِ) إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] [الْبَقَرَةَ] ، «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ. فَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ صَامَهَا بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَالثَّانِي: إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ فَكَأَنَّهُ بِالْفَرَاغِ رَجَعَ عَمَّا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ) الْأَيَّامِ (الثَّلَاثَةِ) أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً (وَكَذَا السَّبْعَةُ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ يُنْدَبُ تَتَابُعُهَا أَيْضًا كَذَلِكَ، لِأَنَّ فِيهِ مُبَادَرَةً لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ أَوْجَبَهُ. نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ سَادِسَ ذِي الْحَجَّةِ لَزِمَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ مُتَتَابِعَةً لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا لِلتَّتَابُعِ نَفْسِهِ (وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ) بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ) قَضَاؤُهَا لِمَا مَرَّ وَ (أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ) بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَمُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ، فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وَلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالْبَقِيَّةِ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ التَّفْرِيقُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ التَّفْرِيقِ لَوْلَا مَا قَدَّرْته وَلَوْ بِيَوْمٍ، وَهُوَ قَوْلٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ. (وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَفِعْلُ الْمُتَمَتِّعِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِ الْقَارِنِ، فَإِذَا لَزِمَهُ الدَّمُ فَالْقَارِنُ أَوْلَى، وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ» ، قَالَتْ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ (كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي أَحْكَامِهِ السَّابِقَةِ جِنْسًا وَسِنًّا وَبَدَلًا عَنْ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَنْ دَمِ التَّمَتُّعِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ) الْقَارِنُ (مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وَسَبَقَ بَيَانُ حَاضِرِيهِ وَأَنْ لَا يَعُودَ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنْ عَادَ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ فَرْعٌ عَنْ دَمِ التَّمَتُّعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَدَمُ التَّمَتُّعِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْحَاضِرِ فَفَرْعُهُ كَذَلِكَ، وَذِكْرُ هَذَا الشَّرْطِ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ إيضَاحٌ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ: كَدَمِ التَّمَتُّعِ يُغْنِي عَنْهُ وَإِذَا ذَكَرَ ذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا قَدَّرْته. خَاتِمَةٌ لَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ شَخْصًا أَحَدُهُمَا لِحَجٍّ وَالْآخَرُ لِعُمْرَةٍ فَتَمَتَّعَ عَنْهُمَا أَوْ اعْتَمَرَ أَجِيرُ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ كَانَ قَدْ تَمَتَّعَ بِالْإِذْنِ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ أَحَدُهَا: سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا   [مغني المحتاج] فِي الْأُولَى وَمِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الثَّانِيَةِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْآذِنَيْنِ أَوْ الْآذِنِ وَالْأَجِيرِ نِصْفُ الدَّمِ إنْ أَيْسَرَا، وَإِنْ أَعْسَرَا قَالَ شَيْخُنَا بَحَثْنَا. أَوْ أَحَدِهِمَا فَالصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ فِي الْحَجِّ، أَوْ تَمَتَّعَ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لَزِمَهُ دَمَانِ: دَمٌ لِلتَّمَتُّعِ وَدَمٌ لِأَجْلِ الْإِسَاءَةِ بِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ، وَلَوْ وَجَدَ فَاقِدُ الْهَدْيِ الْهَدْيَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ، لَا إنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَإِذَا مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بَلْ يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ يَصُومُ لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا بِذَلِكَ فَكَرَمَضَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهِ وَيُصَامُ أَوْ يُطْعَمُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدًّا إنْ تَمَكَّنَ. [بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ] أَكْثَرُ بَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ بِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ» زَادَ الْبُخَارِيُّ، " وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ " وَكَخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْأَقْبِيَةِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ النَّعْلَيْنِ» . فَإِنْ قِيلَ: السُّؤَالُ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَمَّا يُلْبَسُ، وَأُجِيبَ بِمَا لَا يُلْبَسُ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا لَا يُلْبَسُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يُلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ، وَبِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ صَرِيحًا، وَهِيَ أُمُورٌ. قَالَ فِي الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ: إنَّ مَجْمُوعَهَا عِشْرُونَ شَيْئًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ، وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ إنَّهَا عَشَرَةٌ أَيْ وَالْبَاقِيَةُ مُتَدَاخِلَةٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ بَالَغَ فِي اخْتِصَارِ أَحْكَامِ الْحَجِّ لَا سِيَّمَا هَذَا الْبَابُ وَأَتَى فِيهِ بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَالْمُحَرَّرُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: يَحْرُمُ فِي الْإِحْرَامِ أُمُورٌ مِنْهَا كَذَا وَكَذَا اهـ. وَالْمُصَنِّفُ عَدَّهَا سَبْعَةً فَقَالَ (أَحَدُهَا سَتْرُ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ) وَلَوْ الْبَيَاضَ الَّذِي وَرَاءَ الْأُذُنِ، سَوَاءٌ أَسَتَرَ الْبَعْضَ الْآخَرَ أَمْ لَا (بِمَا يُعَدُّ سَاتِرًا) عُرْفًا مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، كَالْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالْخِرْقَةِ وَكَذَا الطِّينُ وَالْحِنَّاءُ الثَّخِينَيْنِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ مَيِّتًا «لَا تُخَمِّرُوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 إلَّا لِحَاجَةٍ، وَلُبْسُ الْمَخِيطِ أَوْ الْمَنْسُوجِ أَوْ الْمَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ إلَّا إذَا   [مغني المحتاج] رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» بِخِلَافِ مَا لَا يُعَدُّ سَاتِرًا كَاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمَلٍ وَإِنْ مَسَّهُ وَكَحَمْلِ قُفَّةٍ أَوْ عِدْلٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ سَتْرٍ بِذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ بِحَمْلِ الْقُفَّةِ وَنَحْوِهَا السِّتْرَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ كَانْغِمَاسِهِ فِي مَاءٍ وَلَوْ كَدِرًا وَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ بِكَفِّهِ أَوْ كَفِّ غَيْرِهِ وَشَدِّهِ بِخَيْطٍ، وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِثَوْبٍ تَبْدُو الْبَشَرَةُ مِنْ وَرَائِهِ، فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ وَأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِوَضْعِ الزِّنْبِيلِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاتِرًا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ (إلَّا) سَتْرَ بَعْضِ رَأْسِ الرَّجُلِ أَوْ كُلِّهِ (لِحَاجَةٍ) مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ كَأَنْ جُرِحَ رَأْسُهُ فَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَيَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجَّ] لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى الْحَلْقِ بِسَبَبِ الْأَذَى تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: إلَّا لِحَاجَةِ مُدَاوَاةٍ لِأَنَّهَا أَخْصَرُ وَأَحْصَرُ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ (لُبْسُ الْمَخِيطِ) كَقَمِيصٍ وَقَبَاءٍ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ وَخَرِيطَةٍ لِخِضَابِ لِحْيَتِهِ وَقُفَّازٍ وَسَرَاوِيلَ وَتُبَّانٍ وَخُفٍّ (أَوْ الْمَنْسُوجِ) كَدِرْعٍ (أَوْ الْمَعْقُودِ) كَجُبَّةِ لَبْدٍ (فِي سَائِرِ) أَيْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ (بَدَنِهِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي اللُّبْسِ الْعَادَةُ فِي كُلِّ مَلْبُوسٍ إذْ بِهِ يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ فَلَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ الْقَبَاءِ أَوْ الْتَحَفَ بِهِمَا أَوْ اتَّزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا فِدْيَةَ كَمَا لَوْ اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَقَهُ مِنْ رِقَاعٍ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ سَاقَيْ الْخُفِّ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَى نَفْسِهِ قَبَاءً أَوْ فَرْجِيَّةً وَهُوَ مُضْطَجِعٌ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ أَوْ قَعَدَ لَمْ يَسْتَمْسِكْ عَلَيْهِ إلَّا بِمَزِيدِ أَمْرٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ زَرَّ الْإِزَارَ أَوْ خَاطَهُ حَرُمَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ إزَارَهُ لَا رِدَاءَهُ، وَأَنْ يَشُدَّ عَلَيْهِ خَيْطًا لِيَثْبُتَ وَأَنْ يَجْعَلَهُ مِثْلَ الْحُجْزَةِ وَيُدْخِلَ فِيهِ التِّكَّةَ إحْكَامًا، وَلَهُ تَقْلِيدُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَشَدِّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَلُفَّ بِوَسَطِهِ عِمَامَةً وَلَا يَعْقِدُهَا، وَأَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَأَنْ يَغْرِزَ طَرَفَ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ رِدَاءَهُ وَلَا أَنْ يُخَلِّلَهُ بِنَحْوِ مِسَلَّةٍ. وَلَا يَرْبِطُ طَرَفَهُ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ بِخَيْطٍ، وَلَوْ اتَّخَذَ لَهُ شَرَجًا وَعُرًى وَرَبَطَ الشَّرَجَ بِالْعُرَى حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ. فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مُنِعَ مِنْهُ الْمُحْرِمُ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ عَنْ عَادَتِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ مُذَكِّرًا لَهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ فَيَشْتَغِلَ بِهَا. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى سَائِرٍ فِي آخِرِ خُطْبَةِ الْكِتَابِ هَلْ هُوَ بِمَعْنَى بَاقِي أَوْ جَمِيعٍ؟ قِيلَ: وَلَا يَصِحُّ هُنَا أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِمَعْنَى بَاقِي فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمُ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَنِ حَتَّى يَكُونَ هَذَا حُكْمَ بَاقِيهِ فَإِنَّ الرَّأْسَ قَسِيمُ الْبَدَنِ لَا بَعْضُهُ؛ وَلِذَلِكَ قُدِّرَتْ جَمِيعٌ فِي كَلَامِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَخَرِيطَةُ اللِّحْيَةِ لَا تَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْبَدَنِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْوَجْهَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ سَتْرُهُ عَلَى الرَّجُلِ عِنْدَنَا. قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ فِعْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يَبْقَى شَيْئًا لِيَسْتَوْعِبَ الرَّأْسَ بِالْكَشْفِ (إلَّا إذَا) كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ كَرَأْسِهِ وَلَهَا لُبْسُ الْمَخِيطِ إلَّا الْقُفَّازَ فِي الْأَظْهَر   [مغني المحتاج] لُبْسُهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِدْيَةِ، أَوْ (لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) أَيْ الْمَخِيطِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ وَلَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى الِاتِّزَارُ بِهَا عِنْدَ فَقْدِ الْإِزَارِ، وَلُبْسُ مَدَاسٍ - أَيْ مُكَعَّبٍ - وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالسُّرْمُوزَةِ وَالزُّرْبُولِ الَّذِي لَا يَسْتُرُ الْكَعْبَيْنِ، وَكَذَا لُبْسُ خُفٍّ إنْ قَطَعَ أَسْفَلَ كَعْبِهِ وَإِنْ سَتَرَ ظَهْرَ الْقَدَمَيْنِ فِيهِمَا بِبَاقِيهِمَا عِنْدَ فَقْدِ النَّعْلَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّعْلِ التَّاسُومَةُ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْقَبْقَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَخِيطٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي جَوَازِ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ قَطْعَهُ فِيمَا جَاوَزَ الْعَوْرَةَ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ قَطْعِ الْخُفِّ عِنْدَ فَقْدِ النَّعْلِ مُشْكِلٌ، لَكِنْ وَرَدَ النَّصُّ بِذَلِكَ. نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ جَوَازِ قَطْعِ الْخُفِّ إذَا وُجِدَ الْمُكَعَّبُ، وَلَا يَجُوزُ لُبْسُ الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ وَالْمَدَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ أَمَّا الْمَدَاسُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ، فَهَذَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحِيطًا بِالْقَدَمِ؟ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَنَاسِكِهِ يَحْرُمُ لُبْسُ الْمَدَاسِ، الْمُرَادُ بِهِ الْمُكَعَّبُ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ لِلْحَاجَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْإِزَارَ أَوْ الْخُفَّ ثُمَّ وَجَدَ النَّعْلَ لَزِمَهُ نَزْعُهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِالسَّرَاوِيلِ إزَارًا مُتَسَاوِيَ الْقِيمَةِ، فَالصَّوَابُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وُجُوبُهُ إنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ تَبْدُو فِيهِ عَوْرَتُهُ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اللُّبْسُ لِحَاجَةِ الْبَرْدِ وَالْمُدَاوَاةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ الْمَنْقُولُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْجَوَازُ، لَكِنْ مَعَ الْفِدْيَةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْحَاجَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّأْسِ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ إلَّا أَنَّ الْإِثْمَ يَخْتَصُّ بِالْمُكَلَّفِ، وَيَأْثَمُ الْوَلِيُّ إذْ أَقَرَّ الصَّبِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طُولِ زَمَنِ اللُّبْسِ وَقِصَرِهِ (وَوَجْهُ الْمَرْأَةِ) وَلَوْ أَمَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (كَرَأْسِهِ) أَيْ الرَّجُلِ فِي حُرْمَةِ السِّتْرِ لِوَجْهِهَا أَوْ بَعْضِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِدْيَةِ، وَعَلَى الْحُرَّةِ أَنْ تَسْتُرَ مِنْهُ مَا لَا يَتَأَتَّى سَتْرُ جَمِيعِ رَأْسِهَا إلَّا بِهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسَتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ وَوَجْهَيْنِ فِي الْمُبَعَّضَةِ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ اهـ. فَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ سَتْرَ وَجْهِهَا عَنْ النَّاسِ أَرْخَتْ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُهُ بِنَحْوِ ثَوْبٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ بِنَحْوِ خَشَبَةٍ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَشَرَةِ وَسَوَاءٌ أَفَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ أَمْ لَا، كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِنَحْوِ مِظَلَّةٍ، فَلَوْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ مَثَلًا فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهَا فَرَفَعَتْهُ فَوْرًا لَمْ تَلْزَمْهَا الْفِدْيَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهَا مَعَ الْإِثْمِ (وَلَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (لُبْسُ الْمَخِيطِ) وَغَيْرِهِ فِي الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ (إلَّا الْقُفَّازَ) فَلَيْسَ لَهَا سَتْرُ الْكَفَّيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا بِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلْحَدِيثِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 الثاني: استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه.   [مغني المحتاج] الْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ الْقُفَّازَ مَلْبُوسُ عُضْوٍ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ خُفَّ الرَّجُلِ وَخَرِيطَةَ لِحْيَتِهِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُمَا، لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ بِلُبْسِهِمَا فِي الْإِحْرَامِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْقُفَّازُ: شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ، وَيَجُوزُ لَهَا سَتْرُ الْكَفَّيْنِ بِغَيْرِ الْقُفَّازِ كَكُمٍّ وَخِرْقَةٍ تَلُفُّهَا عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، سَوَاءٌ أَخَضَبَتْهُمَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْقُفَّازَيْنِ عَلَيْهَا مَا مَرَّ آنِفًا، وَيَحْرُمُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ رَأْسِهِ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ، وَلَيْسَ لَهُ سَتْرُ وَجْهِهِ مَعَ كَشْفِ رَأْسِهِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُهَا بِالشَّكِّ، نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَازَ لَهُ كَشْفُ رَأْسِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ، وَفِي أَحْكَامِ الْخَنَاثَى لِابْنِ الْمُسْلِمِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ رَأْسَهُ وَأَنْ يَكْشِفَ وَجْهَهُ وَأَنْ يَسْتُرَ بَدَنَهُ إلَّا بِالْمَخِيطِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالْإِسْنَوِيِّ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ اهـ. وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَجْمُوعِ. (الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ) لِلْمُحْرِمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ أَخْشَمَ بِمَا يُقْصَدُ مِنْهُ رَائِحَتَهُ غَالِبًا وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ كَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ أَشْهُرُ طِيبٍ بِبِلَادِ الْيَمَنِ وَالزَّعْفَرَانِ وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ لِلصَّبْغِ وَالتَّدَاوِي أَيْضًا (فِي) مَلْبُوسِهِ مِنْ (ثَوْبِهِ) أَوْ غَيْرِهِ كَخُفٍّ أَوْ نَعْلٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ «وَلَا يَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ مَا مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ» وَالْوَرْسُ طِيبٌ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَلْبُوسِهِ بَدَلَ ثَوْبِهِ لَكَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته (أَوْ) فِي (بَدَنِهِ) قِيَاسًا عَلَى ثَوْبِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَوْ بَاطِنًا بِأَكْلٍ أَوْ اسْتِعَاطٍ أَوْ احْتِقَانٍ فَيَجِبُ مَعَ التَّحْرِيمِ فِي ذَلِكَ الْفِدْيَةُ وَبَعْضُ الْبَدَنِ كَكُلِّهِ وَأَدْرَجَ فِي الطِّيبِ مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ رَائِحَتُهُ الطَّيِّبَةُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسْمِينَ وَالْبَنَفْسَجِ وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الطِّيبِ مِنْ الدُّهْنِ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَاسْتِعْمَالُهُ أَنْ يُلْصِقَ الطِّيبَ بِبَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ، فَلَوْ احْتَوَى عَلَى مِجْمَرَةٍ أَوْ حَمَلَ فَأْرَةً مَشْقُوقَةً أَوْ مَفْتُوحَةً أَوْ جَلَسَ أَوْ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ أَوْ شَدَّ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ طِيبًا أَوْ جَعَلَهُ فِي جَيْبِهِ، أَوْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ الْحُلِيَّ الْمَحْشُوَّ بِهِ حَرُمَ وَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَطْيِيبٌ، وَلَوْ وَطِئَ بِنَعْلِهِ طِيبًا حَرُمَ إنْ تَعَلَّقَ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَالتَّطَيُّبُ بِالْوَرْدِ أَنْ يَشُمَّهُ مَعَ اتِّصَالِهِ بِأَنْفِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ، وَالتَّطَيُّبُ بِمَائِهِ أَنْ يَمَسَّهُ كَالْعَادَةِ بِأَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ فَلَا يَكْفِي شَمُّهُ، وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا وَنَحْوَهُ فِي خِرْقَةٍ مَشْدُودَةٍ أَوْ فَأْرَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ شَمَّ الرِّيحَ لِوُجُودِ الْحَائِلِ. وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الطِّيبَ فِي الْمُخَالِطِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَلَا لَوْنٌ كَأَنْ اُسْتُعْمِلَ فِي دَوَاءٍ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ بَقِيَ الرِّيحُ فِيمَا اسْتَهْلَكَ ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا يَظْهَرُ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَدَى، لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الطِّيبِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ.   [مغني المحتاج] الرِّيحُ وَكَذَا لَوْ بَقِيَ الطَّعْمُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَاءِ الطِّيبِ، لَا إنْ بَقِيَ اللَّوْنُ فَقَطْ، لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الزِّينَةُ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي وَإِنْ كَانَ لَهُ رِيحٌ طَيِّبَةٌ كَالتُّفَّاحِ وَالْأُتْرُجِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيُقَالُ الْأُتْرُنْجُ وَالْقُرُنْفُلُ وَالدَّارَصِينِيُّ وَالسُّنْبُلُ وَسَائِرُ الْأَبَازِيرِ الطَّيِّبَةِ كَالْمُصْطَكَى لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ فِدْيَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ أَوْ التَّدَاوِي، وَكَذَا مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ كَالشِّيحِ وَالْإِذْخِرِ وَالْخَزَامَى، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ طِيبًا، وَلَا فِدْيَةَ بِالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ لَوْنُهُ وَلَوْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا كَمِسْكٍ وَكَافُورٍ فَلَزِقَ بِهِ رِيحُهُ لَا عَيْنُهُ أَوْ حَمَلَ الْعُودَ أَوْ أَكَلَهُ لَمْ يَحْرُمْ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ الْعَقْلُ إلَّا السَّكْرَانُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِحْرَامِ وَبِأَنَّ الْمَلْمُوسَ طِيبٌ يَعْلَقُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُطَيَّبِ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِكَوْنِ الْمَلْمُوسِ طِيبًا أَوْ رَطْبًا لِعُذْرِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فَقَطْ دُونَ التَّحْرِيمِ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ الِامْتِنَاعُ، فَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ بَعْدَ لُبْسِهِ جَاهِلًا بِهِ وَأَخَّرَ إزَالَتَهُ مَعَ إمْكَانِهَا فَدَى وَأَثِمَ وَلَوْ طَيَّبَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ عَلَيْهِ طِيبًا فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَنْ طَيَّبَهُ، لَكِنْ تَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْإِزَالَةِ عِنْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ. (وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأْسِ) لَهُ (أَوْ اللِّحْيَةِ) وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ كَمَا قَالَ الْقَاضِي بِدُهْنٍ، وَلَوْ غَيْرَ مُطَيِّبٍ كَزَيْتٍ وَشَمْعٍ مُذَابٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزْيِينِ الْمُنَافِي لِحَالِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي فَيَحْرُمُ: أَيْ الدُّهْنُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشَّعْرِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَوْ وَاحِدَةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ كَانَ شَعْرُ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْيِينِ الشَّعْرِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْأَقْرَعِ وَالْأَصْلَعِ وَذَقَنِ الْأَمْرَدِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى، فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِحُرْمَةِ الطِّيبِ عَلَى الْأَخْشَمِ كَمَا مَرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُنْتَفٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى فِيهِ التَّرَفُّهُ بِالطِّيبِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّطَيُّبِ وَإِنْ كَانَ الْمُطَيَّبُ أَخْشَمَ، وَلَهُ دَهْنُ بَدَنِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَسَائِرِ شَعْرِهِ بِذَلِكَ وَأَكْلُهُ وَجَعْلُهُ فِي شَيْءٍ وَلَوْ بِرَأْسِهِ، وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ شَعْرَ الْوَجْهِ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ التَّحْرِيمُ ظَاهِرٌ فِيمَا اتَّصَلَ بِاللِّحْيَةِ كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعَذَارِ. وَأَمَّا الْحَاجِبُ وَالْهَدِبُ وَمَا عَلَى الْجَبْهَةِ: أَيْ وَالْخَدِّ فَفِيهِ بُعْدٌ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ دَهْنُ الْحَلَالِ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي الْحَلْقِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَحْسُنُ إدْرَاجُ هَذَا فِي قِسْمِ الطِّيبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطِّيبِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ جَعَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قِسْمًا مُسْتَقِلًّا، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ أَدْخَلَهُ فِي نَوْعِ الطِّيبِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمَا تَرَفُّهٌ وَلَيْسَ فِيهِمَا إزَالَةُ عَيْنٍ، وَقَوْلُهُ: دَهْنُ: هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّدْهِينِ، وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ (وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ بِخَطْمِيٍّ) وَنَحْوِهِ كَسِدْرٍ مِنْ غَيْرِ نَتْفِ شَعْرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ لَا لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّنْمِيَةِ لَكِنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 الثَّالِثُ: إزَالَةُ الشَّعْرِ أَوْ الظُّفْرِ، وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ مُدَّيْنِ   [مغني المحتاج] الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَتَرْكُ الِاكْتِحَالِ الَّذِي لَا طِيبَ فِيهِ، وَقِيلَ يُكْرَهَانِ وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ فِي الِاكْتِحَالِ، فَقَالُوا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِينَةٌ كَالتُّوتْيَا لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كَإِثْمِدٍ كُرِهَ إلَّا لِحَاجَةِ رَمَدٍ وَنَحْوِهِ وَصُحِّحَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَرْأَةِ أَشَدُّ، وَلِلْمُحْرِمِ الِاحْتِجَامُ وَالْفَصْدُ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِهِمَا شَعْرًا وَلَهُ خَضْبُ لِحْيَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الشُّعُورِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَمِّي الشَّعْرَ وَلَيْسَ طِيبًا، وَلَهُ إنْشَادُ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ كَالْحَلَالِ فِيهِمَا. (الثَّالِثُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (إزَالَةُ الشَّعْرِ) مِنْ الرَّأْسِ أَوْ غَيْرِهِ بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ الظُّفْرِ) مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ. أَمَّا الشَّعْرُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أَيْ شَعْرَهَا، وَشَعْرُ سَائِرِ الْجَسَدِ مُلْحَقٌ بِهِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ. وَأَمَّا الظُّفْرُ فَقِيَاسًا عَلَى الشَّعْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِبَعْضِ شَعْرَةٍ أَوْ ظُفْرٍ (وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي) إزَالَةِ (ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ شَعْرَةٍ بِسُكُونِهَا وَلَاءً (أَوْ) إزَالَةِ (ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ) كَذَلِكَ بِأَنْ اتَّحَدَ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ، وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثِ، وَقِيسَ بِهَا الْأَظْفَارُ وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدَّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدَّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهَا. نَعَمْ لَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ، بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ، وَلَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ بِقَطْعِ جِلْدٍ أَوْ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ، وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ فِي تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُوَالِ بِأَنْ أَزَالَهَا فِي ثَلَاثِ أَمَاكِنَ أَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلَمْ يَتَّحِدْ الزَّمَانُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ انْفَرَدَتْ وَهُوَ مُدٌّ كَمَا سَيَأْتِي، وَحُكْمُ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ حُكْمُهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَشَعْرَ بَدَنِهِ وَلَاءً أَوْ أَزَالَ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ كَذَلِكَ لَزِمَهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِي) إزَالَةِ (الشَّعْرَةِ) الْوَاحِدَةِ أَوْ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا (مُدَّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ) أَوْ الظُّفْرَيْنِ (مُدَّيْنِ) لِأَنَّ تَبْعِيضَ الدَّمِ فِيهِ عُسْرٌ، وَالشَّارِعُ قَدْ عَدَلَ الْحَيَوَانَ بِالْإِطْعَامِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، وَالشَّعْرَةُ الْوَاحِدَةُ هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْقِلَّةِ، وَالْمُدُّ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَاتِ فَقُوبِلَتْ الشَّعْرَةُ بِهِ. وَالثَّانِي فِي الشَّعْرَةِ دِرْهَمٌ، وَفِي الثِّنْتَيْنِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَاعْتُبِرَتْ تِلْكَ الْقِيمَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّوْزِيعِ، وَالثَّالِثُ: فِي الشَّعْرَةِ ثُلُثُ دَمٍ وَفِي الثِّنْتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ، وَمَحَلُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 وَلِلْمَعْذُورِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ. الرَّابِعُ: الْجِمَاعُ   [مغني المحتاج] الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا اخْتَارَ الدَّمَ، فَإِنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا صَوْمُ يَوْمٍ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ صَوْمُ يَوْمَيْنِ، أَوْ الطَّعَامَ فَفِي وَاحِدَةٍ صَاعٌ، وَفِي اثْنَتَيْنِ صَاعَانِ، نَقَلَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ: إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَلَامُ الْعِمْرَانِيِّ إنْ ظَهَرَ عَلَى قَوْلِنَا: الْوَاجِبُ ثُلُثُ دَمٍ لَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِنَا: الْوَاجِبُ مُدٌّ إذْ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَالشَّخْصُ لَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَعْضِهِ وَجَوَابُهُ الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، وَهُوَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَعْضِهِ، وَلَوْ انْسَلَّ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ سَلَّهُ الْمُشْطِ بَعْدَ انْتِتَافِهِ أَوْ نَتَفَهُ فَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّ النَّتْفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَمْتَشِطَ وَأَنْ يُفْلِي رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأَنْ يَحُكَّ شَعْرَهُ لَا جَسَدَهُ بِأَظْفَارِهِ لَا بِأَنَامِلِهِ (وَلِلْمَعْذُورِ) فِي الْحَلْقِ لِإِيذَاءِ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ فِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اُدْنُ فَدَنَوْتُ، فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قَالَ ابْنُ عَوْفٍ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَأَمَرَنِي بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» . تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرِّجْلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا، وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَمْنُوعٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ صُوَرٌ لَا فِدْيَةَ فِيهَا. مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ مَا نَبَتَ مِنْ الشَّعْرِ فِي عَيْنِهِ وَتَأَذَّى بِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ قَدَمًا يُغَطِّيهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إذَا طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِيَ مِنْهُ فَقَطْ، وَيَأْثَمُ الْحَالِقُ بِلَا عُذْرٍ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَوْ حَلَقَ شَخْصٌ رَأْسَ مُحْرِمٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَنْعِهِ، أَوْ أَحْرَقَتْ نَارٌ شَعْرَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَلْقِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِإِضَافَةِ الْفِعْلِ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَمْرِ فَلِمَ قَدَّمَ عَلَيْهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَعُدْ نَفْعُهُ عَلَى الْآمِرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً فَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا الْغَاصِبُ، فَإِنْ حَلَقَ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ وَلَيْسَ قَادِرًا عَلَى مَنْعِهِ أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَتْ الْفِدْيَةُ عَلَى الْحَالِقِ وَلَوْ حَلَالًا لِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ، وَلِلْمَحْلُوقِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِهِ، وَلِأَنَّ نُسُكَهُ يَتِمُّ بِأَدَائِهَا فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَلَوْ أَخْرَجَهَا الْمَحْلُوقُ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْحَالِقِ لَمْ تَسْقُطُ عَنْهُ، بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ شَبِيهَةٌ بِالْكَفَّارَةِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي إخْرَاجِهَا سَقَطَتْ، وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ حَلْقُ شَعْرِ الْحَلَالِ، وَلَوْ أَمَرَ شَخْصٌ آخَرَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ مُحْرِمٍ نَائِمٍ أَوْ نَحْوَهُ فَحَلَقَ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْآمِرِ إنْ جَهِلَ الْحَالِقُ الْحَالَ، أَوْ كَانَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ طَاعَةَ آمِرِهِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْحَالِقِ. (الرَّابِعُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (الْجِمَاعُ) بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، وَكَذَا الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَيَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ، وَالْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ   [مغني المحتاج] أَوْ دُبُرٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَلَالِ تَمْكِينُ زَوْجِهَا الْمُحْرِمِ مِنْ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ جِمَاعُ زَوْجَتِهِ الْمُحْرِمَةِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَا يَحْرُمُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَكَذَا الِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ إنْ أَنْزَلَ، لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ جَامَعَ بَعْدَ ذَلِكَ لِدُخُولِهِ فِي بَدَنَةِ الْجِمَاعِ (وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ) الْمُفْرَدَةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُفْرَدَةِ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْحَجِّ صِحَّةً وَفَسَادًا (وَكَذَا) يَفْسُدُ (الْحَجُّ) بِالْجِمَاعِ الْمَذْكُورِ (قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ) قَبْلَ الْوُقُوفِ بِإِجْمَاعٍ وَبَعْدَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ إحْرَامًا صَحِيحًا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ فِي الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ رَقِيقًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَجِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] أَيْ لَا تَرْفُثُوا، فَلَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ إذْ لَوْ بَقِيَ عَلَى الْخَبَرِ امْتَنَعَ وُقُوعُهُ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ إخْبَارَ اللَّهِ تَعَالَى صَدَقَ قَطْعًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ كَثِيرًا وَالْأَصْلُ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ، وَقَاسُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فَلَا يَفْسُدُ ذَلِكَ بِجِمَاعِهِ وَكَذَا النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ قُيِّدَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِهِ وَكَذَا الْعُمْرَةُ التَّابِعَةُ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: تَفْسُدُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ مُجَامِعًا لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ حَالَ النَّزْعِ صَحَّ فِي أَحَدِ الْأَوْجُهِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِجِمَاعٍ (وَيَجِبُ بِهِ) أَيْ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَلَى الرَّجُلِ (بَدَنَةٌ) بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يُجَامِعَ فِي الْحَجِّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجَامِعَ ثَانِيًا بَعْدَ جِمَاعِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، فَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَإِنْ شَمِلَتْهَا عِبَارَتُهُ فَإِنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي الصَّوْمِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ، مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُحْرِمَةً دُونَهُ أَنَّ عَلَيْهَا الْفِدْيَةَ، وَلَنَا هُنَا طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بِاللُّزُومِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ الْوَاطِئُ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَدَنَةَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ الْمُرَادُ بِهَا الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا تُطْلَقُ هَذِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا. وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ: إنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ، وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّحْرِيرِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الشَّاةِ وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْبَدَنَةَ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَسَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا قَوَّمَ الْبَدَنَةَ وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ مَرَاتِبِ الدِّمَاءِ (وَ) يَجِبُ (الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ) أَيْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ.   [مغني المحتاج] الْمَذْكُورِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إفْتَاءِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمُضِيِّ فِيهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا كَانَ يَأْتِي بِهِ قَبْلَ الْجِمَاعِ وَيَتَجَنَّبَ مَا كَانَ يَتَجَنَّبُهُ قَبْلَهُ، فَإِنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْهَا بِالْفَسَادِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا بَعْدَهُ. نَعَمْ يَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا مَرَّ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ زَمَنِهِ (وَ) يَجِبُ (الْقَضَاءُ) اتِّفَاقًا (وَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ تَطَوُّعًا) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَصَارَ فَرْضًا بِخِلَافِ بَاقِي الْعِبَادَاتِ، وَإِذَا جَامَعَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَسَدَ نُسُكُهُ وَيُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ حَالَ الصِّبَا وَالرِّقِّ، وَيَلْزَمُ الْمُفْسِدَ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِمَّا أَحْرَمَ بِهِ فِي الْأَدَاءِ مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ قَبْلَهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَلَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا لَزِمَهُ فِي الْقَضَاءِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا إنْ سَلَكَ فِيهِ غَيْرَ طَرِيقِ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْإِحْرَامِ فِي الْأَدَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَاوَزَ فِيهِ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَإِلَّا أَحْرَمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ. وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَفْرَدَ الْحَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا كَفَاهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي قَضَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ، وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ سُلُوكُ طَرِيقِ الْأَدَاءِ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قَدْرِ مَسَافَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي الْقَضَاءِ أَنْ يُحْرِمَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي أَحْرَمَ فِيهِ بَلْ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَالتَّقْدِيمُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ الْإِحْرَامُ فِيهِ، وَفَارَقَ الْمَكَانَ فَإِنَّهُ يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الزَّمَانِ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ الثَّانِيَ بِالْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَقَضَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ وَاحِدٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ قَضَاءَ الْفَاسِدِ (عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَقْتُهُ مُوَسَّعًا يُضَيَّقُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَاسْتَشْكَلَ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ قَضَاءً بِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَعَادَهَا الْوَقْتَ كَانَتْ أَدَاءً لَا قَضَاءً لِوُقُوعِهَا فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ خِلَافًا لِلْقَاضِي. وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَضَاءَ هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَبِأَنَّهُ يَتَضَيَّقُ بِالْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَضَيَّقْ وَقْتُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالشُّرُوعِ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهَا بَعْدَ الْإِفْسَادِ مُوقِعًا لَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَالنُّسُكُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِوَقْتِ الْفَوَاتِ فَفَعَلَهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ خَارِجَ وَقْتِهِ فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ وَأَيَّدَ وَلَدُهُ فِي التَّوْشِيحِ الْأَوَّلَ بِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: إنَّهُ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَتَصَوُّرُ قَضَاءِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْفَوْرِ وَاضِحٌ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَيُتَصَوَّرُ عَامَ الْإِفْسَادِ بِأَنْ يَتَحَلَّلَ بَعْدَهُ لِلْإِحْصَارِ ثُمَّ يُطْلِقَ مِنْ الْحَصْرِ أَوْ بِأَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَهُ أَوْ يَتَحَلَّلَ كَذَلِكَ لِمَرَضٍ شُرِطَ التَّحَلُّلُ بِهِ ثُمَّ يُشْفَى وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَيَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ لِقَضَاءِ نُسُكِهَا لَزِمَ الزَّوْجَ زِيَادَةُ نَفَقَةِ السَّفَرِ مِنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَلَزِمَتْهُ كَالْكَفَّارَةِ، وَلَوْ عَضِبَتْ لَزِمَهُ الْإِنَابَةُ عَنْهَا مِنْ مَالِهِ وَمُؤْنَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا أَوْ شُبْهَةٍ عَلَيْهَا. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْحَصْرِ فَلَا تَلْزَمُ الزَّوْجَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا، وَيُسَنُّ افْتِرَاقُهُمَا مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ التَّحَلُّلَانِ وَافْتِرَاقُهُمَا فِي مَكَانِ الْجِمَاعِ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَفْسَدَ مُفْرِدٌ نُسُكَهُ فَتَمَتَّعَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ قَرَنَ جَازَ وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَوْ أَفْسَدَ الْقَارِنُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 الْخَامِسُ: اصْطِيَادُ كُلِّ مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ. قُلْت: وَكَذَا الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ، فَإِنْ أَتْلَفَ صَيْدًا ضَمِنَهُ.   [مغني المحتاج] نُسُكَهُ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ لِانْغِمَارِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْقِرَانِ الَّذِي أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِفْسَادِ، وَلَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِلْقِرَانِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالْإِفْسَادِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِفْرَادِ، وَلَوْ فَاتَ الْقَارِنُ الْحَجَّ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ فَاتَتْ الْعُمْرَةُ تَبَعًا لَهُ وَلَزِمَهُ دَمَانِ: دَمٌ لِلْفَوَاتِ وَدَمٌ لِأَجْلِ الْقِرَانِ، وَفِي الْقَضَاءِ دَمٌ ثَالِثٌ. وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ فَسَدَ إحْرَامُهُ فَيَفْسُدُ نُسُكُهُ كَصَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْضِي فِيهِ. وَإِنْ أَسْلَمَ لِعَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَفْسَدَ بِهِ نُسُكَهُ لَمْ يُفْسِدْ بِهِ إحْرَامَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ كَمَا مَرَّ. (الْخَامِسُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (اصْطِيَادُ كُلِّ) صَيْدٍ (مَأْكُولٍ بَرِّيٍّ) وَحْشِيٍّ كَبَقَرِ وَحْشٍ وَدَجَاجَةٍ وَحَمَامَةٍ (قُلْت: وَكَذَا الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ) أَيْ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ (وَمِنْ غَيْرِهِ) كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ وَظَبْيٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] أَيْ أَخْذُهُ {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] . وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلِاحْتِيَاطِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ زَكَوِيٍّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُوَاسَاةِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ وَحْشِيٍّ غَيْرِ مَأْكُولٍ وَإِنْسِيٍّ مَأْكُولٍ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَشَاةٍ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ غَيْرِ مَأْكُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَحْشِيٌّ كَالْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ حِمَارٍ وَذِئْبٍ، وَمَا تَوَلَّدَ بَيْنَ أَهْلِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَأْكُولٍ كَالْبَغْلِ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا (وَ) حِينَئِذٍ (يَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ اصْطِيَادُ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ (فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلَالِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا حَلَالٍ فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى، وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ (فَإِنْ أَتْلَفَ) مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ (صَيْدًا) مِمَّا ذُكِرَ مَمْلُوكًا أَوْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ (ضَمِنَهُ) بِمَا يَأْتِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] ، وَقِيسَ بِالْمُحْرِمِ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ الْآتِي ذِكْرُهُ بِجَامِعِ حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ فَيَضْمَنُ سَائِرَ أَجْزَائِهِ كَشَعْرٍ وَرِيشٍ بِالْقِيمَةِ وَكَذَا لَبَنُهُ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ وَلَوْ وَدِيعَةً كَالْغَاصِبِ لِحُرْمَةِ إمْسَاكِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْحَلَالُ مَعَهُ إلَى الْحَرَمِ صَيْدًا مَمْلُوكًا لَهُ لَا يَضْمَنُهُ بَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ فِيهِ وَذَبْحُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَلَّ. وَلَوْ دَلَّ الْمُحْرِمُ آخَرَ عَلَى صَيْدٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهُ أَوْ فِي يَدِهِ وَالْقَاتِلُ حَلَالٌ ضَمِنَ الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حِفْظَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُودَعِ إذَا دَلَّ سَارِقًا عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا قَبْلَ إحْرَامِهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَهُ أَوْ عَكَسَ ضَمِنَ تَغْلِيبًا الْإِحْرَامِ فِيهِمَا، وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا لَوْ رَمَى إلَى مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ ثُمَّ أَصَابَهُ فَقُتِلَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِمَا أَحْدَثَهُ مِنْ إهْدَارِهِ، وَلَوْ نَصَبَ نَحْوَ شَبَكَةٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ فِي الْحَرَمِ ضَمِنَ مَا وَقَعَ فِيهَا وَتَلِفَ، سَوَاءٌ أَنَصَبَهَا فِي مِلْكِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ وَوَقَعَ الصَّيْدُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ أَمْ بَعْدَهُ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ نَصَبَهَا لِلْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لَمْ يَضْمَنْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ نَصَبَهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُحْرِمُ كَلْبًا أَوْ حَلَّ رِبَاطَهُ وَالصَّيْدُ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ ثُمَّ ظَهَرَ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ كَحَلَالٍ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ، وَكَذَا لَوْ انْحَلَّ بِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَنَفَذَ مِنْهُ إلَى صَيْدٍ آخَرَ فَقَتَلَهُمَا ضَمِنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْخَاطِئِ وَالْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَالنَّاسِي لِلْإِحْرَامِ، وَالتَّعَمُّدُ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. . لَكِنْ. يُسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ بَاضَ حَمَامٌ أَوْ غَيْرُهُ فِي فِرَاشِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَفَرَّخَ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِالتَّعَرُّضِ لَهُ فَفَسَدَ بِذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْقَلَبَ عَلَيْهِ فِي نَوْمِهِ فَأَفْسَدَهُ، أَوْ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا. فَإِنْ قِيلَ هَذَا إتْلَافٌ وَالْمَجْنُونُ فِيهِ كَالْعَاقِلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إتْلَافًا فَهُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَفُرِّقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ، وَيَأْتِي أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ تَخْلِيصًا مِنْ سَبُعٍ أَوْ مُدَاوِيًا لَهُ أَوْ لِيَتَعَهَّدَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا فَلَا ضَمَانَ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ وَأَكَلَ الصَّيْدَ بَعْدَ ذَبْحِهِ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ عَلَى قَتْلِهِ ضَمِنَهُ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَرَمِ حَالٌ مِنْ ذَا الْمُشَارِ بِهِ إلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّائِدِ، وَالصَّيْدُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ، وَالْآخَرُ فِي الْحِلِّ: كَأَنْ رَمَى مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَضْمَنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، أَوْ رَمَى صَيْدًا مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ فَاعْتَرَضَ السَّهْمُ الْحَرَمَ ضَمِنَ، وَفِي مِثْلِهِ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلصَّيْدِ مَهْرَبٌ إلَّا بِالدُّخُولِ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ فِي الْحِلِّ إلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَقَتَلَهُ فِيهِ أَوْ قَتَلَ فِيهِ صَيْدًا غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِمَا فِي السَّهْمِ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا بَعْضُ قَوَائِمِهِ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ، وَلَوْ سَعَى الصَّيْدُ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ فَقَتَلَهُ الْحَلَالُ، أَوْ سَعَى مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحِلِّ وَلَكِنْ سَلَكَ فِي أَثْنَاءِ سَعْيِهِ الْحَرَمَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ قَطْعًا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ صَارَ مَيْتَةً وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ مَا أَعَانَ عَلَيْهِ فَمَا ذَبَحَهُ أَوْلَى، وَهَلْ يَتَأَبَّدُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ أَوْ مُدَّةَ إحْرَامِهِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَضَمِنَهُ لِمَالِكِهِ، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ حَلَالًا كَانَ أَوْ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الذَّبْحِ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْمَجُوسِيِّ، وَلَوْ كَسَرَ الْمُحْرِمُ أَوْ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ بَيْضَ صَيْدٍ أَوْ قَتَلَ جَرَادًا كَذَلِكَ ضَمِنَهُ، وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَبَ لَبَنَ صَيْدٍ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَقَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَمْنَعُ مِنْ إدَامَةِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ابْتِدَائِهِ " وَلِأَنَّهُ أُهْدِيَ إلَيْهِ حِمَارُ وَحْشٍ فَرَدَّهُ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِ الْمُهْدِي، فَقَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ " فَلَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ فَإِنْ قَبَضَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ لَا هِبَةٍ وَأَرْسَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَسَقَطَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الْوَحْشِ،   [مغني المحتاج] ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ وَالْهِبَةِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ. وَإِنْ رَدَّهُ لِمَالِكِهِ سَقَطَتْ الْقِيمَةُ لَا الْجَزَاءُ مَا لَمْ يُرْسِلْ وَيَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِإِرْسَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا؛ وَيَجِبُ إرْسَالُهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَضَمِنَ الْجَزَاءَ مَا لَمْ يُرْسِلْ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَائِعَ الْجَزَاءُ. وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَأَحْرَمَ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَتَحْرُمُ اسْتَدَامَتْهُ كَاللِّبَاسِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ، إذْ لَا يَرْتَفِعُ اللُّزُومُ بِالتَّعَدِّي، بِخِلَافِ مَنْ أَمْسَكَ خَمْرًا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ حَتَّى تَخَلَّلَتْ لَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهَا، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ انْتَقَلَتْ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ تَحَلُّلُهُ كَإِسْلَامِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ عَبْدًا مُسْلِمًا حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ أَضْيَقُ مِنْ ذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْرِمِ اسْتِعَارَةُ الصَّيْدِ وَاسْتِيدَاعُهُ وَاسْتِئْجَارُهُ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَإِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ لَا غُرْمَ إذَا قَتَلَ أَوْ أَرْسَلَهُ، وَمَنْ أَخَذَهُ وَلَوْ قَبْلَ إرْسَالِهِ وَلَيْسَ مُحْرِمًا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْإِرْسَالِ صَارَ مُبَاحًا، وَلَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرْسَالِهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ كَنَظِيرِهِ فِي إلْزَامِ الصَّلَاةِ لِمَنْ جُنَّ بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ وَقْتِهَا دُونَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ فِعْلِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ أَحْرَمَ أَحَدُ مَالِكَيْهِ تَعَذَّرَ إرْسَالُهُ فَيَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا يَغْرَمُ قِيمَةَ النَّفَقَةِ الزَّائِدَةِ بِالسَّفَرِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ اهـ. وَيَنْبَغِي اللُّزُومُ. وَلَوْ حَفَرَ الْمُحْرِمُ بِئْرًا حَيْثُ كَانَ أَوْ حَفَرَهَا حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ فَأَهْلَكَ صَيْدًا نَظَرْت، فَإِنْ حَفَرَهَا عُدْوَانًا ضَمِنَ وَإِلَّا فَالْحَافِرُ فِي الْحَرَمِ فَقَطْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَا تَخْتَلِفُ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حَلَالٌ صَيْدًا وَأَتْلَفَهُ مُحْرِمًا ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ لِمَالِكِهِ وَبِمِثْلِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَيْتَيْنِ، فَقَالَ: عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ ... فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ ... وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعَا. وَلَوْ دَخَلَ كَافِرٌ الْحَرَمَ وَأَتْلَفَ صَيْدًا ضَمِنَهُ، وَقِيلَ: لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُرْمَتُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْمُسْلِمِ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ إلَّا فِي الصَّوْمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ ضَرْبَانِ: مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ تَقْرِيبًا فَيَضْمَنُ بِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِيهِ نَقْلٌ بَعْضُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْضُهُ عَنْ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ (فَفِي) إتْلَافِ (النَّعَامَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بَدَنَةٌ) كَذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ أَوْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ (وَفِي) وَاحِدٍ مِنْ (بَقَرِ الْوَحْشِ، وَ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَالْغَزَالِ عَنْزٌ، وَالْأَرْنَبِ عَنَاقٌ، وَالْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ. وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ عَدْلَانِ.   [مغني المحتاج] فِي وَاحِدٍ مِنْ (حِمَارِهِ) أَيْ الْوَحْشِ (بَقَرَةٌ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْبَقَرِ (وَ) فِي (الْغَزَالِ) وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنَاهُ مَعْزٌ صَغِيرٌ، فَفِي الذَّكَرِ جَدْيٌ أَوْ جَفْرَةٌ وَالْأُنْثَى عَنَاقٌ أَوْ جَفْرَةٌ عَلَى حَسَبِ جِسْمِ الصَّيْدِ، فَإِنْ طَلَعَ قَرْنَاهُ سُمِّيَ الذَّكَرُ ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَةً، وَفِيهَا (عَنْزٌ) وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ (وَ) فِي (الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ) وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا أُنْثَى الْمَعْزِ مِنْ حِينِ تُولَدُ حَتَّى تَرْعَى، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ. (وَ) فِي (الْيَرْبُوعِ) أَوْ الْوَبْرِ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ (جَفْرَةٌ) وَهِيَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا، وَالذَّكَرُ جَفْرٌ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ، أَيْ عَظُمَا، هَذَا مَعْنَاهُمَا لُغَةً. قَالَ الشَّيْخَانِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْجَفْرَةِ هُنَا مَا دُونَ الْعَنَاقِ إذْ الْأَرْنَبُ خَيْرٌ مِنْ الْيَرْبُوعِ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ، وَفِي الضَّبِّ أَوْ أَمِّ حُبَيْنٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ دَابَّةٌ عَلَى خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عَظِيمَةُ الْبَدَنِ: جَدْيٌ. (وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ) مِنْ الصَّيْدِ عَمَّنْ سَيَأْتِي (يَحْكُمُ بِمِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ (عَدْلَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُمَاثَلَةِ بِالْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا فَأَيْنَ النَّعَامَةُ مِنْ الْبَدَنَةِ، لَا بِالْقِيمَةِ. فَيَلْزَمُ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ كَأَنْ كَانَ عَوَرُ أَحَدِهِمَا فِي الْيَمِينِ وَالْآخَرِ فِي الْيَسَارِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا، وَفِي السَّمِينِ سَمِينٌ، وَفِي الْهَزِيلِ هَزِيلٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فُدِيَ الْمَرِيضُ بِالصَّحِيحِ، أَوْ الْمَعِيبُ بِالسَّلِيمِ، أَوْ الْهَزِيلُ بِالسَّمِينِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيُجْزِئُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَعَكْسُهُ، لَكِنَّ الذَّكَرَ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ وَلَا تُذْبَحُ بَلْ تُقَوَّمُ، فَإِنْ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَمَاتَتْ فَكَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِنْ عَاشَتْ ضَمِنَ نَقْصَهَا، أَوْ حَيًّا وَمَاتَا ضَمِنَهُمَا، أَوْ مَاتَ دُونَهَا ضَمِنَهُ وَنَقْصَهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَامِلًا وَحَائِلًا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا، وَعَلَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ اعْتِبَارِ الْفِقْهِ بِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ لَا يَكْفِي الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا. وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَتِهِ، وَيَحْكُمُ الْعَدْلَانِ بِالْمِثْلِ فِيمَا قَتَلَاهُ بِلَا عُدْوَانٍ كَخَطَأٍ أَوْ اضْطِرَارٍ إلَيْهِ: لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ رَجُلًا قَتَلَ ظَبْيًا بِالْحُكْمِ فِيهِ فَحَكَمَ فِيهِ بِجَدْيٍ فَوَافَقَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَمِينًا فِيهِ كَالزَّكَاةِ. أَمَّا الْعُدْوَانُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يَحْكُمَانِ لِفِسْقِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَبِيرَةً فَكَيْفَ تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِارْتِكَابِهِ مَرَّةً. أُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ إتْلَافُ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا فَائِدَةَ، وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ أَوْ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ تَخَيَّرَ مَنْ لَزِمَهُ الْمِثْلُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 وَفِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ الْقِيمَةُ. وَيَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ،   [مغني المحتاج] الْأَوْلَى كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ وَقُدِّمَ مُثْبِتَيْ الْمِثْلِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ مَعَهُمَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِمَعْرِفَةِ دَقِيقِ الشَّبَهِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ عَنْ حَيَوَانٍ فِيهِ نَصٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ صَحَابِيَّيْنِ، أَوْ عَنْ عَدْلَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَيُتْبَعُ مَا حَكَمُوا بِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ. (وَ) يَجِبُ (فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ) مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ كَالْجَرَادِ وَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامَ لِمَا سَيَأْتِي، سَوَاءٌ أَكَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً مِنْ الْحَمَامِ أَمْ لَا كَالْعُصْفُورِ (الْقِيمَةُ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ، وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ لَا مِثْلَ لَهُ فَضَمِنَ بِالْقِيمَةِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ وَيُرْجَعُ فِي الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْقِيمَةِ بِمَوْضِعِ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّلَفِ لَا بِمَكَّةَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا فِيهِ نَقْلٌ وَهُوَ الْحَمَامُ، وَهُوَ مَا عَبَّ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ وَهَدَرَ - أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ - وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقُمْرِيِّ وَالدَّلَسِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مُطَوَّقٍ، فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهَا شَاةٌ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، فَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَفِي مُسْتَنَدِهِمْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ فِيهِ. وَالثَّانِي مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ وَهُوَ إلْفُ الْبُيُوتِ، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ، إذْ لَا يَأْتِي فِي الْفَوَاخِتِ وَنَحْوِهَا، وَأَلْحَقَ الْجُرْجَانِيِّ الْهُدْهُدَ بِالْحَمَامِ فِي التَّضْمِينِ بِشَاةٍ. وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْهُدْهُدَ الرَّاجِحُ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ. فُرُوعٌ: لَوْ أَزَالَ إحْدَى مَنَعَتَيْ النَّعَامَةِ وَنَحْوِهَا وَهُمَا قُوَّةُ عَدْوِهَا وَطَيَرَانِهَا اُعْتُبِرَ النَّقْصُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ، فَالزَّائِلُ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ فَيَجِبُ النَّقْصُ لَا الْجَزَاءُ الْكَامِلُ، وَلَوْ جَرَحَ ظَبْيًا وَانْدَمَلَ جُرْحُهُ بِلَا إزْمَانٍ فَنَقَصَ عُشْرُ قِيمَتِهِ فَعَلَيْهِ عُشْرُ شَاةٍ لَا عُشْرُ قِيمَتِهَا تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ، فَإِنْ بَرِئَ وَلَا نَقْصَ فِيهِ فَالْأَرْشُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْحُكُومَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآدَمِيِّ فَيُقَدِّرُ الْقَاضِي فِيهِ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ مُرَاعِيًا فِي اجْتِهَادِهِ مِقْدَارَ الْوَجَعِ الَّذِي أَصَابَهُ. وَعَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَرْشُهُ، وَلَوْ أَزْمَنَ صَيْدًا لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ كَامِلًا كَمَا لَوْ أَزْمَنَ عَبْدًا لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ فَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ مُزْمِنًا أَوْ قَتَلَهُ الْمُزْمِنُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مُزْمِنًا. وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا وَشَكَّ أَمَاتَ بِجُرْحِهِ أَمْ بِحَادِثٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا زَادَ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مُحْرِمٍ وَحَلَالٍ (قَطْعُ) أَوْ قَلْعُ (نَبَاتِ الْحَرَمِ) الرَّطْبِ (الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَسْتَنْبِتَهُ الْآدَمِيُّونَ بِأَنْ يَنْبُتَ بِنَفْسِهِ كَالطَّرْفَاءِ شَجَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ الْمَارِّ " وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ " أَيْ لَا يُقْطَعُ " وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ " وَهُوَ بِالْقَصْرِ: الْحَشِيشُ الرَّطْبُ: أَيْ لَا يُنْتَزَعُ بِقَطْعٍ وَلَا بِقَلْعٍ، وَقِيسَ بِمَا فِي الْخَبَرِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْحَشِيشُ الْيَابِسُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ لَا قَلْعُهُ وَالشَّجَرُ الْيَابِسُ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَلْعِ أَنَّ الْحَشِيشَ يَنْبُتُ بِنُزُولِ الْمَاءِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ وَبِقَطْعِ أَشْجَارِهِ فَفِي الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ   [مغني المحتاج] الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْحَشِيشَ إذَا جَفَّ وَمَاتَ يَجُوزُ قَلْعُهُ؛ لِأَنَّ الْيَابِسَ قَدْ يَفْسُدُ مَنْبَتُهُ وَيَمُوتُ أَيْ فَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِالْحَرَمِ نَبَاتُ الْحِلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ قَلَعَ شَجَرَةً رَطْبَةً مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ مَوْضِعٍ آخَرَ فِيهِ فَنَبَتَتْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. أَمَّا مَا بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ، وَبِمَا لَا يُسْتَنْبَتُ مَا يُسْتَنْبَتُ، وَسَيَأْتِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الشَّجَرِ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَلِمَالِكِهِ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ، وَلَوْ قَطَعَ غُصْنًا فِي الْحَرَمِ أَصْلُهُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَضْمَنْهُ وَيَضْمَنُ صَيْدًا قَتَلَهُ فَوْقَهُ، وَحُكْمُ عَكْسِهِ عَكْسُ حُكْمِهِ. قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَلَوْ غَرَسَ فِي الْحِلِّ نَوَاةَ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْأَصْلِ وَلَا ضَمَانَ بِقَطْعِ الْأَغْصَانِ الْحَرَمِيَّةِ الْمُؤْذِيَةِ لِلنَّاسِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حُرْمِيَّةٍ فَأَخْلَفَ مِثْلُهُ فِي سَنَتِهِ بِأَنْ كَانَ لَطِيفًا كَالسِّوَاكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ أَوْ أَخْلَفَ لَا مِثْلُهُ أَوْ مِثْلُهُ لَا فِي سَنَتِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَإِنْ أَخْلَفَ مِثْلُهُ بَعْدَ وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَ، وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ. بِلَا خَلْطٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ، وَنُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْغُصْنَ اللَّطِيفَ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَنُقِلَ مَا يُؤَيِّدُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ (وَالْأَظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ) أَيْ بِقَطْعِ نَبَاتِ الْحَرَمِ الرَّطْبِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلشَّجَرِ كَمَا مَرَّ فَقَوْلُهُ (وَبِقَطْعِ أَشْجَارِهِ) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ (فَفِي) أَيْ يَجِبُ فِي قَطْعِ أَوْ قَلْعِ (الشَّجَرَةِ) الْحَرَمِيَّةِ (الْكَبِيرَةِ) بِأَنْ تُسَمَّى كَبِيرَةً عُرْفًا (بَقَرَةٌ) كَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَسَوَاءٌ أَخْلَفَتْ الشَّجَرَةُ أَمْ لَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْبَدَنَةُ فِي مَعْنَى الْبَقَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ تَسْمَحُوا بِهَا عَنْ الْبَقَرَةِ وَلَا عَنْ الشَّاةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا الْمِثْلِيَّةَ فِي الصَّيْدِ بِخِلَافِهِ هُنَا (وَ) فِي (الصَّغِيرَةِ) إنْ قَارَبَتْ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ (شَاةٌ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا، فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَفِيهَا الْقِيمَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَاوَزَ سَبُعَ الْكَبِيرَةِ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْكِبَرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيهِ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبْعِ الْكَبِيرَةِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ الشَّجَرِ مِنْ النَّبَاتِ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ يَدْفَعُهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِسِنِّ الْبَقَرَةِ، وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ لَا يُشْتَرَطُ إجْزَاؤُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بَلْ يَكْفِي فِيهَا التَّبِيعُ. وَأَمَّا الشَّاةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِي سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّاةَ لَمْ يُوجِبْهَا الشَّرْعُ إلَّا فِي هَذَا السِّنِّ بِخِلَافِ الْبَقَرَةِ بِدَلِيلِ التَّبِيعِ فِي الثَّلَاثِينَ مِنْهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 قُلْت: وَالْمُسْتَنْبَتُ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَحِلُّ الْإِذْخِرُ، وَكَذَا الشَّوْكُ كَالْعَوْسَجِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ وَلِلدَّوَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] قَلْعِ الشَّجَرَةِ، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِالْمَسْأَلَةِ. نَعَمْ عَبَّرَ الرَّافِعِيُّ بِالتَّامَّةِ، وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ الْغُصْنِ (قُلْت: وَالْمُسْتَنْبَتُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ مَا اسْتَنْبَتَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ الشَّجَرِ (كَغَيْرِهِ) فِي الْحُرْمَةِ وَالضَّمَانِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ تَشْبِيهًا لَهُ بِالزَّرْعِ أَيْ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ فَإِنَّهُ قَطَعَهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَيَحِلُّ) مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ (الْإِذْخِرُ) قَطْعًا وَقَلْعًا لِاسْتِثْنَائِهِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ، قَالَ الْعَبَّاسُ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا الْإِذْخِرَ» وَمَعْنَى كَوْنِهِ لِبُيُوتِهِمْ أَنَّهُمْ يَسْقُفُونَهَا بِضَمِّ الْقَافِ بِهِ فَوْقَ الْخَشَبِ، وَالْقَيْنُ الْحَدَّادُ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ آخِذَهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي (وَكَذَا الشَّوْكُ) يَحِلُّ شَجَرُهُ (كَالْعَوْسَجِ) جَمْعُ عَوْسَجَةٍ نَوْعٌ مِنْ الشَّوْكِ (وَغَيْرِهِ) مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ يَحِلُّ (عِنْدَ الْجُمْهُورِ) كَالصَّيْدِ الْمُؤْذِي فَلَا ضَمَانَ فِي قَطْعِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ بِقَلْعِهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَارَهُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ وَتَصْحِيحِهِ. قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيُودِ الْمُؤْذِيَةِ أَنَّهَا تَقْصِدُ الْأَذَى بِخِلَافِ الشَّجَرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِأَجْلِ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ الْمَنْعَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالصَّحِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إطْلَاقُ تَصْحِيحِ الْجَوَازِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ، وَلَا تَصْحِيحِ الْمَنْعِ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ اهـ. لَكِنَّهُ لَمْ يَحْتَرِزْ عَنْ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ، بَلْ قَالَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَفِي الْمَجْمُوعِ نَحْوُهُ: وَيَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ بَلْ وَشَجَرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِلْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا فِي الْحَرَمِ، وَيَحِلُّ أَخْذُ حَشِيشِهِ لِلْبَهَائِمِ (وَالْأَصَحُّ حِلُّ أَخْذِ نَبَاتِهِ) مِنْ حَشِيشٍ وَنَحْوِهِ بِالْقَطْعِ (لِعَلْفِ الْبَهَائِمِ) بِسُكُونِ اللَّامِ كَمَا يَجُوزُ تَسْرِيحُهَا فِيهِ (وَلِلدَّوَاءِ) بِالْمَدِّ كَالْحَنْظَلِ وَلِلتَّغَذِّي كَالرِّجْلَةِ وَالْبَقْلَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ، وَلَا يُقْطَعُ ذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَالثَّانِي: يُمْنَعُ ذَلِكَ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يُعْلَفُ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الَّذِي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ جَوَازُ أَخْذِهِ لِلدَّوَاءِ أَنَّهُ لَا يُتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ حَتَّى يَجُوزَ أَخْذُهُ لِيَسْتَعْمِلَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ اهـ. وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّ مَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِحَاجَةٍ يُقَيَّدُ بِوُجُودِهَا كَمَا فِي اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى النَّبَاتِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَيَحْرُمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ، وَلَا يُضْمَنُ فِي الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] نَقْلُ تُرَابِ الْحَرَمِ وَأَحْجَارِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْ طِينِهِ كَالْأَبَارِيقِ وَغَيْرِهَا إلَى الْحِلِّ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَاءِ زَمْزَمَ كَمَا مَرَّ، وَنَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ، فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ، وَأَمَّا سِتْرُهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ يَصْرِفُهُ فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً لِئَلَّا يَتْلَفَ بِالْبِلَى، وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَجَوَّزُوا لِمَنْ أَخَذَهُ لُبْسَهُ وَلَوْ جُنُبًا وَحَائِضًا،. تَنْبِيهٌ نَقْلُ تُرَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَأَحْجَارِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْهُ كَالْكِيزَانِ وَإِدْخَالُ ذَلِكَ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ وَالْحَرَمُ لَهُ حُدُودٌ مَعْرُوفَةٌ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَافَتَهَا بِالْأَمْيَالِ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْتَ إتْقَانَهْ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَالسِّينُ فِي سَبْعَةٍ: الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ بَيْتًا ثَالِثًا فَقَالَ: وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهِ ... وَقَدْ كَمُلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ. (وَصَيْدُ) حَرَمِ (الْمَدِينَةِ) أَوْ أَخْذُ نَبَاتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (حَرَامٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضَاهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ زَادَ الْمُصَنِّفُ حَرُمَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَدِينَةِ، وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَهِيَ أَرْضٌ تَرْكَبُهَا حِجَارَةٌ سُودٌ: لَابَةٌ شَرْقِيِّ الْمَدِينَةِ وَلَابَةٌ غَرْبِيُّهَا فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا طُولًا وَهُمَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا، وَهُوَ بِمَكَّةَ غَلَطٌ مِنْ الرُّوَاةِ وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ أُحُدٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ فَأُحُدٌ مِنْ الْحَرَمِ (وَلَا يُضْمَنُ) الصَّيْدُ وَلَا النَّبَاتُ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِسَلَبِ الصَّائِدِ وَالْقَاطِعِ لِشَجَرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الشَّجَرِ وَأَبُو دَاوُد فِي الصَّيْدِ، وَاخْتُلِفَ عَلَى هَذَا فِي السَّلَبِ مَا هُوَ وَلِمَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ كَسَلَبِ الْقَتِيلِ الْكَافِرِ، وَقِيلَ: ثِيَابُهُ فَقَطْ، وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ يُتْرَكُ لِلْمَسْلُوبِ مَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ السَّلَبَ لِلسَّالِبِ، وَقِيلَ لِفُقَرَاءِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَنَقْلُ تُرَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَأَحْجَارِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْهُ كَالْكِيزَانِ وَإِدْخَالُ ذَلِكَ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ حُكْمُ حَرَمِ مَكَّةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وَيَتَخَيَّرُ فِي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ وَيَشْتَرِيَ بِهِ طَعَامًا لَهُمْ، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ، وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ،   [مغني المحتاج] فِيمَا مَرَّ، وَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ الطَّائِفِ وَنَبَاتِهِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا قَطْعًا، وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ، وَقِيلَ بِالْبَاءِ لَيْسَ بِحَرَمٍ وَلَكِنْ حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ فَلَا يُمْلَكُ شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِهِ وَلَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَلَا يُضْمَنُ وَيُضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَبَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَيَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَمَصْرِفُهَا مَصْرِفُ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَبَحَثَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الدِّمَاءِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ إمَّا مُخَيَّرٌ أَوْ مُرَتَّبٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُعَدَّلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ وَسَأَجْمَعُهَا لَكَ فِي خَاتِمَةِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ بَدَأَ بِالْمُخَيَّرِ الْمُعَدَّلِ فَقَالَ (وَيَتَخَيَّرُ فِي) جَزَاءِ إتْلَافِ (الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ) ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (ذَبْحِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (مِثْلِهِ) بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ (وَالصَّدَقَةِ بِهِ) بِأَنْ يُفَرِّقَ لَحْمَهُ مَعَ النِّيَّةِ حَتْمًا (عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ) وَعَلَى فُقَرَائِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، أَوْ يُمَلِّكُهُمْ جُمْلَتَهُ مَذْبُوحًا، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ حَيًّا وَلَا أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ (وَبَيْنَ أَنْ يُقَوَّمَ الْمِثْلُ) بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ (دَرَاهِمَ) أَوْ غَيْرَهَا (وَيَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا لَهُمْ) مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ أَوْ يُخْرِجَ مِقْدَارَهَا مِنْ طَعَامِهِ إذْ الشِّرَاءُ مِثَالٌ (أَوْ يَصُومَ) فِي أَيْ مَكَان شَاءَ (عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] إلَى قَوْلِهِ: {صِيَامًا} [المائدة: 95] وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ ذَبْحَ الْمِثْلِ مَا إذَا قَتَلَ صَيْدًا مِثْلِيًّا حَامِلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ مِثْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ بَلْ يُقَوَّمُ الْمِثْلُ حَامِلًا وَيَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ دَرَاهِمَ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِدَرَاهِمَ، وَالتَّقْوِيمُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: لَهُمْ أَيْ لِأَجْلِهِمْ لَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لَهُمْ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ وَيَصُومُ عَنْهُ يَوْمًا، وَلَا يُفْعَلُ مَكَانَ الْمُنْكَسِرِ كَامِلٌ إلَّا هُنَا وَفِي الْقَسَامَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ إلَّا فِي الصَّوْمِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ. (وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ) مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ الصَّيْدِ يَتَخَيَّرُ فِي جَزَاءِ إتْلَافِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: (يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ فَلَا يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ. وَثَانِيهِمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ يَصُومُ) عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ وَزَمَانِهِ قِيَاسًا عَلَى كُلِّ مُتْلَفٍ مُتَقَوِّمٍ، وَفِي قِيمَةِ مِثْلِ الْمِثْلِيِّ بِمَكَّةَ وَقْتَ إرَادَةِ تَقْوِيمِهِ؛ لِأَنَّهَا مَحِلُّ ذَبْحِهِ لَوْ أُرِيدَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُدُولِ إلَى الطَّعَامِ سِعْرُهُ بِمَكَّةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ (وَيَتَخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ) لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَفِي قَلْمِ أَظْفَارٍ كَذَلِكَ وَفِي التَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَالِادِّهَانِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ بِشَهْوَةٍ، وَشَاةُ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَالْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ (بَيْنَ) ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (ذَبْحِ شَاةٍ) تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيَقُومُ مَقَامَهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ سُبْعٌ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 وَالتَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ دَمُ تَرْتِيبٍ، فَإِذَا عَجَزَ اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَدَمُ الْفَوَاتِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْأَصَحِّ. وَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ،   [مغني المحتاج] وَاحِدُهُ مِنْهُمَا (وَ) بَيْنَ (التَّصَدُّقِ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ صَاعٍ، وَآصُعٍ أَصْلُهُ أَصْوُعٌ أَبْدَلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةً مَضْمُومَةً قُدِّمَتْ عَلَى الصَّادِ وَنُقِلَتْ ضَمَّتُهَا وَقُلِبَتْ هِيَ أَلِفًا (لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ (وَ) بَيْنَ (صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] أَيْ فَحَلَقَ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَلِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «أَيُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اُنْسُكْ شَاةً أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ فَرَقًا مِنْ الطَّعَامِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» ، وَالْفَرَقُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَقِيسَ بِالْحَلْقِ وَبِالْمَعْذُورِ غَيْرُهُمَا. فَائِدَةٌ: سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُزَادُ الْمِسْكِينُ فِيهَا عَلَى مُدٍّ إلَّا فِي هَذِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ) الَّذِي لَا يَفُوتُ بِهِ الْحَجُّ (كَالْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَوْ مِمَّا يَلْزَمُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ بِمِنًى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ (دَمُ تَرْتِيبٍ) إلْحَاقًا لَهُ بِدَمِ التَّمَتُّعِ لِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقِيسَ بِهِ تَرْكُ بَاقِي الْمَأْمُورَاتِ (فَإِذَا عَجَزَ) عَنْ الدَّمِ (اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا) أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَعَامِهِ كَمَا مَرَّ (وَتَصَدَّقَ بِهِ) عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ (فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كَالْإِمَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الدَّمِ يَصُومُ كَالْمُتَمَتِّعِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ، فَهُوَ مُرَتَّبٌ مُقَدَّرٌ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي الْخَاتِمَةِ (وَدَمُ الْفَوَاتِ) لِلْحَجِّ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ (كَدَمِ التَّمَتُّعِ) فِي صِفَتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفُ الْمَتْرُوكُ فِي الْفَوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ (وَيَذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ) وُجُوبًا لَا فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ (فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ: الْأَظْهَرُ لِفَتْوَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالثَّانِي: يَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي سَنَةِ الْفَوَاتِ قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْإِفْسَادِ، وَوَقْتُ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَوَّلِ مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ بِالْقَضَاءِ كَمَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ مَنُوطٌ بِالتَّحَرُّمِ بِالْحَجِّ، وَعَلَيْهِ إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَا يُقَدِّمُ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَصُومُ السَّبْعَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ دَمَ الْفَوَاتِ بَيْنَ التَّحَلُّلِ وَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ أَجْزَأَهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَكَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. (وَالدَّمُ الْوَاجِبُ) عَلَى مُحْرِمٍ (بِفِعْلِ حَرَامٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالْحَلْقِ لِعُذْرٍ. (أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ) عَلَيْهِ غَيْرِ رُكْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَدَمِ الْجُبْرَانَاتِ وَكَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْحَلْقِ (لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ) بَلْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إلَى مَسَاكِينِهِ. وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ الْمَرْوَةُ، وَلِلْحَاجِّ مِنًى، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا مِنْ   [مغني المحتاج] يَفْعَلُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ (وَيَخْتَصُّ ذَبْحُهُ) بِأَيِّ مَكَان (بِالْحَرَمِ فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نَحَرْتُ هَهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ الذَّبْحَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْهَدْيِ فَيَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ كَالتَّصَدُّقِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَذْبَحَ خَارِجَ الْحَرَمِ بِشَرْطِ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهِ وَيُفَرَّقَ لَحْمُهُ فِيهِ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ اللَّحْمُ، فَإِذَا وَقَعَتْ تَفْرِقَتُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ حَصَلَ الْغَرَضُ (وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ) وَجِلْدِهِ وَبَقِيَّةِ أَجْزَائِهِ مِنْ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ إنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ (إلَى مَسَاكِينِهِ) أَيْ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ مِنْهُمْ وَالْغُرَبَاءِ، وَالصَّرْفُ إلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَشْتَدَّ حَاجَةُ الثَّانِي فَهُوَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَذْبُوحَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعْطِيَهُ بِجُمْلَتِهِ لَهُمْ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْكَلَامِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّيْدِ، وَيَكْفِي دَفْعُهُ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ سَوَاءٌ انْحَصَرُوا أَمْ لَا، لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَقَلُّ الْجَمْعِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَى اثْنَيْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ثَالِثٍ ضَمِنَ لَهُ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ اسْتِيعَابُهُمْ إذَا انْحَصَرُوا كَمَا فِي الزَّكَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا حُرْمَةُ الْبَلَدِ وَهُنَاكَ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا كَمَا فِي الزَّكَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ كُلَّهُ فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ كَذَلِكَ وَأَمَّا دَمُ الْإِحْصَارِ فَسَيَأْتِي، وَدَفْعُ الطَّعَامِ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لَا يَتَعَيَّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مُدٌّ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ دَمُهُ دَمَ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ. أَمَّا دَمُ الِاسْتِمْتَاعَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا دَمُهُ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ سِتَّةِ مَسَاكِينَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ كَمَا مَرَّ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ. ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةَ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ. فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّقْلُ كَالزَّكَاةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا. (وَأَفْضَلُ بُقْعَةٍ) مِنْ الْحَرَمِ (لِذَبْحِ الْمُعْتَمِرِ) الَّذِي لَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَلَا قَارِنًا وَلَوْ مُفْرِدًا (الْمَرْوَةُ) لِأَنَّهَا مَوْضِعٌ تَحَلُّلِهِ (وَلِ) ذَبْحِ (الْحَاجِّ) وَلَوْ قَارِنًا أَوْ مُرِيدًا إفْرَادًا أَوْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ عَنْ دَمِ تَمَتُّعِهِ (مِنًى) لِأَنَّهَا مَحَلُّ تَحَلُّلِهِ، وَالْأَحْسَنُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فِي " بُقْعَةٍ " ضَبْطُهَا بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الْحَرَمِ (وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَا) أَيْ الْمُعْتَمِرُ وَالْحَاجُّ (مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 هَدْيٍ مَكَانًا. وَوَقْتُهُ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] هَدْيٍ) نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ (مَكَانًا) فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ. (وَوَقْتُهُ) أَيْ ذَبْحِ هَذَا الْهَدْيِ (وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَدِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ نُظِرَ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَجَبَ ذَبْحُهُ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَ هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِهَدْيِ التَّقَرُّبِ غَيْرَ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَعْيِينِ الْيَوْمِ قُرْبَةٌ. نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ، وَالْهَدْيُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَهَذَا الثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ أَنَّ مَا يَسُوقُهُ الْمُعْتَمِرُ يَخْتَصُّ أَيْضًا بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ. خَاتِمَةٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمُ، فَالْمُرَادُ بِهِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ فَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، فَلَوْ ذَبَحَهَا عَنْ دَمٍ وَجَبَ فَالْفَرْضُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِهِ. . وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ، وَدَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَالْمَنُوطِ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافِ الْوَدَاعِ فَهَذِهِ الدِّمَاءُ دِمَاءُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ، وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَيَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَهُوَ تَخْيِيرٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ وَلَاءً بَيْنَ ذَبْحٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَى دَمِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ التَّطَيُّبُ وَالدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ وَبَعْضِ شُعُورِ الْوَجْهِ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ وَاللُّبْسُ وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَالْجِمَاعُ غَيْرُ الْمُفْسِدِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الدِّمَاءِ عِشْرُونَ دَمًا، وَنَظَمَ الدَّمِيرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْخَاتِمَةَ، فَقَالَ: خَاتِمَةٌ مِنْ الدِّمَاءِ مَا الْتُزِمْ ... مُرَتَّبًا وَمَا بِتَخْيِيرٍ لَزِمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ مَنْ أُحْصِرَ تَحَلَّلَ.   [مغني المحتاج] وَالصِّفَتَانِ لَا اجْتِمَاعَ لَهُمَا ... كَالْعَدْلِ وَالتَّقْوِيمِ حَيْثُ فُهِمَا فَالدَّمُ بِالتَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ فِي ... تَمَتُّعٍ فَوْتِ قِرَانٍ اُكْتُفِيَ وَتَرْكُ مِيقَاتٍ وَرَمْيٍ وَوَدَاعْ ... مَعَ الْمَبِيتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ يُشَاعْ ثُمَّ مُرَتَّبٌ بِتَعْدِيلٍ سَقَطْ ... فِي مُفْسِدِ الْجِمَاعِ وَالْحَصْرِ فَقَطْ مُخَيَّرٌ مُقَدَّرٌ دُهْنٌ لِبَاسْ ... وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ وَطِيبٌ فِيهِ بَاسْ وَالْوَطْءُ حَيْثُ الشَّاةُ وَالْمُقَدَّمَاتْ ... مُخَيَّرٌ مُعَدَّلٌ صَيْدٌ نَبَاتْ وَهَذِهِ الدِّمَاءُ كُلُّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ كَمَا مَرَّ، وَتُرَاقُ فِي النُّسُكِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ يُجْزِئُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ كَالْمُتَمَتِّعِ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْبَحَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي إنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ، وَكُلُّ هَذِهِ الدِّمَاءِ وَبَدَلُهَا مِنْ الطَّعَامِ تَخْتَصُّ تَفْرِقَتُهُ بِالْحَرَمِ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَكَذَا يَخْتَصُّ بِهِ الذَّبْحُ إلَّا دَمَ الْمُحْصَرِ فَيَذْبَحُ حَيْثُ أُحْصِرَ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ كَمَا مَرَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُقَرَاءِ بَلَدٍ فَلَمْ يَجِدْهُمْ. وَيُسَنُّ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَهْدَى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّذْرِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةِ نَعْلَيْنِ مِنْ النِّعَالِ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْإِحْرَامِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِمَا بَعْدَ ذَبْحِهَا ثُمَّ يَجْرَحَ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ مُسْتَقْبِلًا لَهَا الْقِبْلَةَ وَيُلَطِّخَهَا بِالدَّمِ لِتُعْرَفَ، فَإِنْ قَرَنَ هَدْيَيْنِ بِحَبْلٍ جَرَحَ الْآخَرَ فِي الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى، وَالْغَنَمُ لَا تُجْرَحُ بَلْ تُقَلَّدُ عُرَى الْقِرَبِ وَآذَانِهَا، وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ ذَبْحُهَا. [بَابُ الْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ] بَابُ الْإِحْصَارِ عَنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (وَالْفَوَاتِ) لِلْحَجِّ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ، وَالْمَوَانِعُ سِتَّةٌ: أَوَّلُهَا الْإِحْصَارُ الْعَامُّ وَهُوَ مَنْعُ الْمُحْرِمِينَ عَنْ الْمُضِيِّ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ، يُقَالُ أَحَصَرَهُ وَحَصَرَهُ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَشْهَرُ فِي حَصْرِ الْمَرَضِ، وَالثَّانِي أَشْهَرُ فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِحُكْمِ هَذَا الثَّانِي، فَقَالَ (مَنْ أُحْصِرَ) أَيْ مُنِعَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (تَحَلَّلَ) جَوَازًا بِمَا سَيَأْتِي لَا وُجُوبًا، سَوَاءٌ كَانَ حَاجًّا أَمْ مُعْتَمِرًا أَمْ قَارِنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْعُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَمْ بِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَانِعُ كَافِرًا أَمْ مُسْلِمًا، سَوَاءٌ أَمْكَنَ الْمُضِيُّ بِقِتَالٍ أَمْ بِبَذْلِ مَالٍ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ مَنْعٌ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَمْ لَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] : أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] إذْ الْإِحْصَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ الْهَدْيَ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْتِ، وَكَانَ مُعْتَمِرًا فَنَحَرَ ثُمَّ حَلَقَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا» وَلِأَنَّ فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَعْمَالِ مَشَاقٌّ، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عَنَّا بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا إذَا تَمَكَّنُوا مِنْ الْقِتَالِ أَوْ بَذْلِ مَالٍ فَلَا يَتَحَلَّلُونَ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ مِنْهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بَذْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ: أَيْ قِلَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى أَدَاءِ النُّسُكِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَنَحْوُ الدِّرْهَمَيْنِ وَالثَّلَاثِ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ أَجْلِهَا. وَيُكْرَهُ بَذْلُ مَالٍ لِكَافِرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّغَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَلَا يَحْرُمُ كَمَا لَا تَحْرُمُ الْهِبَةُ لَهُمْ. أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُكْرَهُ بَذْلُهُ لَهُمْ. وَالْأَوْلَى قِتَالُ الْكُفَّارِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِيَجْمَعُوا بَيْنَ الْجِهَادِ وَنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ وَإِتْمَامِ النُّسُكِ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَجِبْ إذَا كَانُوا مِثْلَيْنَا فَأَقَلَّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الثَّبَاتُ لَهُمْ فِي غَيْرِ الصَّفِّ كَمَا قَالُوهُ فِي السِّيَرِ. وَيَجُوزُ لِلْمُحْصَرِ إذَا أَرَادَ الْقِتَالَ لُبْسُ الدِّرْعِ وَنَحْوِهِ وَيَفْدِي وُجُوبًا كَمَا لَوْ لَبِسَهُ الْمُحْرِمُ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ. وَالْأَوْلَى لِلْمُحْصَرِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ التَّحَلُّلِ وَكَذَا لِلْحَاجِّ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ. وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعَجُّلُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْحَجِّ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ بَعْدَهَا أَوْ فِي الْعُمْرَةِ وَتَيَقَّنَ قُرْبَ زَوَالِهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ امْتَنَعَ تَحَلُّلُهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ هُنَا الظَّنُّ الْغَالِبُ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِنَصٍّ فِي الْبُوَيْطِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ التَّحَلُّلِ فِيمَا إذَا أَحَاطَ بِهِمْ الْعَدُوُّ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ يَسْتَفِيدُونَ بِهِ الْأَمْنَ مِنْ الْعَدُوِّ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُونَ فِرَقًا مُتَمَيِّزَةً لَا تَعْضُدُ كُلُّ وَاحِدَةٍ الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُونَ لِجَمِيعِ الْجَوَانِبِ فِرْقَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ فَتَفَطَّنْ لَهُ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لِمَا فِي مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ مِنْ الْمَشَقَّةِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَتَنَاوَلُ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْوُقُوعِ دُونَ الْبَيْتِ وَعَكْسَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ، فَفِي الْأُولَى يَدْخُلُ مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَفِي الثَّانِيَةُ يَقِفُ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَقَرَّهُ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ لَا قَضَاءَ، وَخَرَجَ بِالْأَرْكَانِ مَا لَوْ مُنِعَ مِنْ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ وَيُجْزِئُهُ عَنْ نُسُكِهِ، وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ يُجْبَرَانِ بِالدَّمِ، وَاسْتَنْبَطَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْإِحْصَارِ عَنْ الطَّوَافِ، أَنَّ الْحَائِضَ إذَا لَمْ تَطُفْ لِلْإِفَاضَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ حَتَّى تَطْهُرَ وَجَاءَتْ بَلَدَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ وَعَدِمَتْ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ أَنَّهَا كَالْمُحْصَرِ فَتَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ وَالذَّبْحِ وَالتَّقْصِيرِ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِيمَنْ صُدَّ عَنْ طَرِيقٍ وَوَجَدَ آخَرَ أَطْوَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَفَقَةٌ تَكْفِيهِ لِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلَهُ التَّحَلُّلُ، وَذَكَرَ الْبَارِزِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، وَقَدْ قَدَّمْتُ التَّنْبِيهَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا أَعَدْتُهَا لِئَلَّا يُغْفَلَ عَنْهَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فَيُتَفَطَّنُ لَهَا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا أُحْصِرَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ. يُمْكِنُهُ سُلُوكُهُ وَوَجَدَ شَرَائِطَ الِاسْتِطَاعَةِ فِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَلْزَمُهُ سُلُوكُ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، سَوَاءٌ أَطَالَ الزَّمَانُ أَمْ قَصُرَ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْفَوْتَ، وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَلَوْ فَاتَهُمْ الْحَجُّ لِطُولِ الطَّرِيقِ الْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ. وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ حَصْرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ. وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ، فَإِنْ شَرَطَهُ تَحَلَّلَ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ،   [مغني المحتاج] الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَلَوْ وَاحِدًا. (وَقِيلَ لَا تَتَحَلَّلُ الشِّرْذِمَةُ) بِمُعْجَمَةٍ، وَهِيَ طَائِفَةٌ أُحْصِرَتْ مِنْ بَيْنِ الرُّفْقَةِ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَمْ يَعُمَّ الْكُلَّ، فَأَشْبَهَ الْمَرَضَ وَخَطَأَ الطَّرِيقِ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ لِأَنَّ مَشَقَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ لَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَتَحَمَّلَ غَيْرُهُ مِثْلَهَا أَوْ لَا يَتَحَمَّلُ. وَأَمَّا الْحَصْرُ الْخَاصُّ وَهُوَ الْمَانِعُ الثَّانِي بِأَنْ حُبِسَ ظُلْمًا: كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْمُفْلِسَ الْمَحْبُوسَ ظُلْمًا يَتَحَلَّلُ لِأَنَّ فِي بَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ مَشَقَّةٌ كَمَا فِي حَصْرِ الْعَدُوِّ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُبِسَ تَعَدِّيًا لَمْ يَسْتَفِدْ بِالتَّحَلُّلِ الْخَلَاصَ مِمَّا فِيهِ كَالْمَرِيضِ وَلُحُوقُ الْمَشَقَّةِ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، إذْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَرِيضِ، بَلْ حَالُ الْمَرِيضِ آكَدُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّحَلُّلِ بِالْحَبْسِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يَمْنَعُ الْإِتْمَامَ، فَالْمَرِيضُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ مَعَهُ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا. أَمَّا إذَا حُبِسَ بِحَقٍّ، كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ مُتَمَكِّنٍ مِنْ أَدَائِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَيَمْضِيَ فِي نُسُكِهِ، فَلَوْ تَحَلَّلَ لَمْ يَصِحَّ تَحَلُّلُهُ، فَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَتَحَلَّلْ إلَّا بِعَمَلِ عُمْرَةٍ بَعْدَ إتْيَانِهِ مَكَّةَ كَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِلَا إحْصَارٍ. (وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) وَنَحْوِهِ كَضَلَالِ طَرِيقٍ، وَفَقْدِ نَفَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ، بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا، أَوْ بِحَجٍّ وَفَاتَهُ تَحَلُّلٌ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ التَّحَلُّلُ بِهِ (فَإِنْ شَرَطَهُ) بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فِي إحْرَامِهِ: أَيْ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا مَرِضَ مَثَلًا (تَحَلَّلَ) جَوَازًا (بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ضُبَاعَةَ " بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ " بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: «أَرَدْتِ الْحَجَّ؟ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» وَيُقَاسُ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ بِالشَّرْطِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْسِ الْمَوْتُ أَوْ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ، ثُمَّ إنَّهُ إنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ لَزِمَهُ أَوْ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَلِظَاهِرِ خَبَرِ ضُبَاعَةَ، فَالتَّحَلُّلُ يَكُونُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بِالنِّيَّةِ وَالْحَلْقِ أَوْ نَحْوِهِ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَرِضْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ فَأَنَا حَلَالٌ فَوَجَدَ الْعُذْرَ صَارَ حَلَالًا بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمْلُ خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَإِنْ شَرَطَ قَلْبَ الْحَجِّ عُمْرَةً بِذَلِكَ جَازَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ بَلْ أَوْلَى، فَلَهُ إذَا وَجَدَ الْعُذْرَ أَنْ يَقْلِبَ حَجَّهُ عُمْرَةً وَتُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَنْقَلِبَ حَجُّهُ عُمْرَةً عِنْدَ الْعُذْرِ فَوَجَدَ الْعُذْرَ انْقَلَبَ عُمْرَةً وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ لَا تُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 وَمَنْ تَحَلَّلَ ذَبَحَ شَاةً حَيْثُ أُحْصِرَ. قُلْت: إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَكَذَا الْحَلْقُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا، فَإِنْ فُقِدَ الدَّمُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا وَأَنَّهُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا،   [مغني المحتاج] الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عُمْرَةً، وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُ عُمْرَةٍ (وَمَنْ تَحَلَّلَ) أَيْ أَرَادَ التَّحَلُّلَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَكُونُ قَبْلَ التَّحَلُّلِ كَمَا سَيَأْتِي: أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ النُّسُكِ بِالْإِحْصَارِ (ذَبَحَ) حَتْمًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (شَاةً) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ سُبُعِ أَحَدِهِمَا (حَيْثُ أُحْصِرَ) فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْمَرَضِ، لِأَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطٍ، فَالشَّرْطُ فِيهِ لَاغٍ. وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ مِنْ الْحِلِّ، وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ هُنَاكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَمَا مَعَهُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وَلَهُ ذَبْحُهُ عَنْ إحْصَارِهِ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الذَّبْحِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْحِلِّ إذَا أُحْصِرَ فِيهِ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ بَعْضِ الْحَرَمِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ. تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: حَيْثُ أُحْصِرَ أَنَّهُ لَوْ أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ وَأَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ، لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ قَدْ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْعِ الْمُتَنَفِّلِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ إيصَالِهِ الْحَرَمَ لَكِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يُعْلَمَ بِنَحْرِهِ، وَلَوْ أَحُصِرَ فِي الْحَرَمِ جَازَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ خِلَافَهُ. (قُلْت) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (إنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] (وَنِيَّةِ التَّحَلُّلِ) الْمُقَارِنَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّحَلُّلِ. وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ صَارِفٍ، وَكَيْفِيَّتُهَا: أَنْ يَنْوِيَ خُرُوجَهُ عَنْ الْإِحْرَامِ (وَكَذَا الْحَلْقُ) أَوْ نَحْوُهُ (إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَسَبَقَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لَهُ كَمَا فِي الذَّبْحِ وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُهُ عَنْ الذَّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (فَإِنْ فُقِدَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ (الدَّمُ) حِسًّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهُ. أَوْ شَرْعًا كَأَنْ احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ وَجَدَهُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا) قِيَاسًا عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّانِي: لَا، لِعَدَمِ النَّصِّ فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ) أَيْ الْبَدَلَ (طَعَامٌ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَيَوَانِ مِنْ الصِّيَامِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَالِيَّةِ، فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْفَقْدِ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ قِيلَ: يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ. وَالْأَصَحُّ (بِقِيمَةِ الشَّاةِ) مُرَاعَاةً لِلْقُرْبِ فَيُقَوِّمُ الشَّاةَ بِدَرَاهِمَ وَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الطَّعَامِ (صَامَ) حَيْثُ شَاءَ (عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ الْوَاجِبِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَدَلُهُ الصَّوْمُ، وَهُوَ كَصَوْمِ التَّمَتُّعِ، أَوْ الْحَلْقِ أَوْ التَّعْدِيلِ أَقْوَالٌ لَمْ يُصَحِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 وَلَهُ التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ   [مغني المحتاج] مِنْهَا، وَصَحَّحَ الْفَارِقِيُّ آخِرَهَا بِأَنْ يَعْرِفَ مَا يَتَأَتَّى بِقِيمَتِهِ طَعَامًا فَيَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا (وَلَهُ) إذَا انْتَقَلَ إلَيَّ الصَّوْمِ (التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ) عِنْدَهُ (فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ، فَلَوْ وَقَفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لَحِقَهُ الْمَشَقَّةُ لِتَضَرُّرِهِ بِالْمُقَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ. وَالثَّانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الصَّوْمِ كَالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَهُوَ الرِّقُّ فَقَالَ (وَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ) وَفِي مَعْنَاهُ الْأَمَةُ وَلَوْ مُبَعَّضًا فِي غَيْرِ نَوْبَتِهِ، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ فِيمَا أَحْرَمَ بِهِ (فَلِسَيِّدِهِ تَحْلِيلُهُ) بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ لَا نُسُكَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى إحْرَامِهِ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ وَإِصْلَاحِ الطِّيبِ وَقُرْبَانِ الْأَمَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ تَحْلِيلُهُ، وَلَا خِيَارَ لَهُ عِنْدَ جَهْلِهِ بِإِحْرَامِهِ لَكِنْ الْأَوْلَى لَهُمَا أَنْ يَأْذَنَا لَهُ فِي إتْمَامِ نُسُكِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّيِّدِ وَمِثْلُهُ الْمُشْتَرِي، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي الْمُضِيِّ فِيهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ فِيمَا بَعْدُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ حَرْبِيٌّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا تَحْلِيلُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَالِغِ فَإِنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا إحْرَامَ الْغَيْرِ الْحُرِّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ اهـ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ، وَلِلرَّقِيقِ أَنْ يَتَحَلَّلَ قَبْلَ أَمْرِ سَيِّدِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ فِي الزَّوْجَةِ لَكِنْ قِيَاسُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا سَيَأْتِي، وَالْأَقْرَبُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ سَيِّدُهُ، بَلْ إذَا أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَعَلَيْهِ التَّحَلُّلُ حِينَئِذٍ فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ، فَعُلِمَ أَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرْتَفِعُ إحْرَامُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْعَصْرِيِّينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَلَبَّسَ بِعِبَادَةٍ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ جَوَازِ رِضَا السَّيِّدِ بِدَوَامِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ أَيْضًا وَلَا لِمَنْ اشْتَرَاهُ، لَكِنْ يَتَخَيَّرُ إنْ جَهِلَ، وَلِلسَّيِّدِ الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَلَوْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِرُجُوعِهِ فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَوْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ الْإِذْنَ صُدِّقَ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَفِي تَصْدِيقِ السَّيِّدِ فِي تَقْدِيمِ رُجُوعِهِ تَرَدُّدٌ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَصْدِيقُهُ: أَيْ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتَ الرُّجُوعِ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الرَّجْعَةِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ جَازَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، لَا إنْ أَذِنَ فِي الْحَجِّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهَا دُونَهُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ رَجَعَ فِي الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 وَلِلزَّوْجِ تَحْلِيلُهَا مِنْ حَجِّ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ،   [مغني المحتاج] الشُّرُوعِ فِيهِ، وَلَوْ قَرَنَ بَعْدَ إذْنِهِ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ فِي الْحَجِّ أَوْ فِي الْإِفْرَادِ لَمْ يُحْلِلْهُ؛ لِأَنَّ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُسَاوٍ لِلْقِرَانِ أَوْ فَوْقَهُ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُشْكِلٌ فِي صُورَةِ التَّمَتُّعِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ: لِأَنَّهُ يَقُولُ كَانَ غَرَضِي مِنْ التَّمَتُّعِ أَنِّي كُنْت أَمْنَعُك مِنْ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ تَحَلُّلُهُ، وَلَوْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ فِي وَقْتٍ فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْوَقْتُ. قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا وَأَرَادَ السَّيِّدُ صَرْفَهُ إلَى نُسُكٍ وَالرَّقِيقُ صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِ فَفِيمَنْ يُجَابُ؟ قَوْلَانِ اهـ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُجَابُ إنْ كَانَ مَا طَلَبَهُ أَدْوَنَ. فَرْعٌ: يَصِحُّ نَذْرُ الرَّقِيقِ الْحَجَّ وَيُجْزِئُهُ فِي رِقِّهِ، فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُبَعَّضُ فِي نَوْبَتِهِ وَوَسِعَتْ النُّسُكُ فَكَالْحُرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتُوُقِّفَ فِيهِ فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ، فَإِطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ كَالرَّقِيقِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَقَيَّدَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَحْلِيلَ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ أَنْ يَحْتَاجَ الْمُكَاتَبُ فِي أَدَاءِ نُسُكِهِ إلَى سَفَرٍ: أَيْ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ النَّجْمُ وَهُوَ مُوسِرٌ وَمَعَ هَذَا هُوَ مُشْكِلٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ السَّفَرِ لَا أَنَّهُ يُحَلِّلُهُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ مُطْلَقًا حَيْثُ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَهُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ تَبَرُّعِهِ، وَلَوْ أَفْسَدَ الرَّقِيقُ نُسُكَهُ بِالْجِمَاعِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدُ الْإِذْنَ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِفْسَادِ، وَمَا لَزِمَهُ مِنْ دَمٍ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ كَاللِّبَاسِ أَوْ بِالْفَوَاتِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ وَلَوْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ بَلْ لَا يُجْزِئُهُ إذَا ذَبَحَ عَنْهُ إذْ لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ وَوَاجِبُهُ الصَّوْمُ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي مُوجَبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ لِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ لِإِذْنِهِ فِي مُوجَبِهِ، وَلَوْ ذَبَحَ عِنْدَ السَّيِّدِ بَعْدَ مَوْتِهِ جَازَ لَهُ لِحُصُولِ الْيَأْسِ مِنْ تَكْفِيرِهِ، وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ صَوْمِهِ وَقَدَرَ عَلَى الدَّمِ لَزِمَهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْأَدَاءِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْمَانِعِ الرَّابِعِ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ فَقَالَ (وَلِلزَّوْجِ) الْحَلَالُ أَوْ الْمُحْرِمُ (تَحْلِيلُهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً (مِنْ حَجٍّ) أَوْ عُمْرَةِ (تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ حَقُّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ كَمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا لَمْ يَجُزْ لِرِضَاهُ بِالضَّرَرِ. وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحُجَّ بِزَوْجَتِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَيُسَنُّ لِلْحُرَّةِ أَنْ لَا تُحْرِمَ بِنُسُكِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَازِمٌ لِلْحُرَّةِ فَتَعَارَضَ فِي حَقِّهَا وَاجِبَانِ: الْحَجُّ وَطَاعَةُ زَوْجِهَا فَجَازَ لَهَا الْإِحْرَامُ، وَنُدِبَ لَهَا الِاسْتِئْذَانُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَجُّ؛ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الشُّرُوعُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْفَرْضِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إحْرَامُهَا بِالنَّفْلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً تَوَقَّفَ إحْرَامُهَا عَلَى إذْنِهِ مَعَ إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا، فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمَنْعُ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَلَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيلُهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وَكَذَا مِنْ الْفَرْضِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] (وَكَذَا) لَهُ تَحْلِيلُهَا أَيْضًا (مِنْ الْفَرْضِ) أَيْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالنُّسُكَ عَلَى التَّرَاخِي. وَالثَّانِي: لَا، قِيَاسًا عَلَى الْمَفْرُوضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا لَا تَطُولُ فَلَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ كَبِيرُ ضَرَرٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ: إنْ لَمْ تَحُجِّي فِي هَذَا الْعَامِ عَضَبْتِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَحْلِيلُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قِيلَ كُلٌّ مِنْ الْوَاجِبَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ فَمَا وَجْهُ تَقْدِيمِ الْحَجِّ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ. وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَأَحْرَمَتْ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ كَبِيرَةً وَسَافَرَتْ مَعَهُ وَأَحْرَمَتْ حَالَ إحْرَامِهِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفَوِّتْ عَلَيْهِ اسْتِمْتَاعًا، كَمَا أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْنَعُ عَبْدَهُ مِنْ صَوْمِ تَطَوُّعٍ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ بِهِ أَمْرَ الْخِدْمَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ، وَحُكْمُ حَجَّةِ النَّذْرِ حُكْمُ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسْتَثْنَى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ نُكِحَتْ بَعْدَ تَحَلُّلِهَا مِنْ الْفَائِتِ فَلَا مَنْعَ وَلَا تَحَلُّلَ مِنْهُ لِلتَّضْيِيقِ، وَكَذَا لَوْ حَجَّتْ خَلِيَّةٌ فَأَفْسَدَتْهُ ثُمَّ نُكِحَتْ، وَالْحَابِسَةُ نَفْسَهَا لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَحْرَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهَا، وَالْمُرَادُ بِتَحْلِيلِهِ إيَّاهَا أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّحَلُّلِ، وَتَحَلُّلُهَا كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحَلُّلُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَتُفَارِقُ الرَّقِيقَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ مُحَرَّمٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ فَلَوْ لَمْ تَتَحَلَّلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْإِثْمُ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي جَوَازِهِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَحْلِيلُ الرَّجْعِيَّةِ بَلْ يَحْبِسُهَا لِلْعِدَّةِ، وَكَذَا الْبَائِنُ أَيْضًا وَإِنْ فَاتَ الْحَجُّ، هَذَا إنْ طَلُقَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ لُزُومَهَا سَبَقَ الْإِحْرَامَ، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أَوْ حَجَّهَا إنْ بَقِيَ الْوَقْتُ وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ، فَإِنْ طَلُقَتْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً إنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ الْفَوَاتَ جَازَ الْخُرُوجُ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِي تَعَيُّنِ الصَّبْرِ مِنْ مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ، نَعَمْ لَوْ رَاجَعَ الرَّجْعِيَّةَ فَلَهُ تَحْلِيلُهَا إنْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَحَكَى الْمُتَوَلِّي كَالْبَغَوِيِّ فِي الْقَضَاءِ وَجْهَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ فِي الْقَضَاءِ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ مَنْعِهَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ أَجْنَبِيُّ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَإِنْ وَطِئَهَا الْأَجْنَبِيُّ بَعْدَهُ فِي نُسُكٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ فَلَهُ الْمَنْعُ كَمَا فِي الْأَدَاءِ، وَإِنْ أَذِنَ فَفِي الْمَنْعِ نَظَرٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْ إحْرَامِ الرَّقِيقِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إذَا أَفْسَدَ نُسُكَهُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ أَنَّ لِلزَّوْجِ هُنَا مَنْعَهَا، وَالْقَضَاءُ إذَا كَانَ سَبَبُهُ الْفَوَاتَ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا: أَيْ اسْتِحْبَابًا كَمَا مَرَّ، وَأَنَّ الْحَصْرَ الْخَاصَّ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ أَنَّ إذْنَهُ لَيْسَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهَا بَلْ الْحَجُّ وَجَبَ، وَإِذَا أَحْرَمَتْ فَمَنَعَهَا الزَّوْجُ وَمَاتَتْ وَقَضَى مِنْ تَرِكَتِهَا مَعَ كَوْنِهَا لَا تَعْصِي لِكَوْنِهِ مَنَعَهَا إلَّا إذَا تَمَكَّنَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ. . [كِتَابُ الْبَيْعِ] 1 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبَيْعِ أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَفْظَ الْبَيْعِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ كَغَيْرِهِ بِالْبُيُوعِ تَأَسِّيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَيُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَسِيمُ الشِّرَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُشْتَقُّ مِنْهُ لِمَنْ صَدَرَ عَنْهُ لَفْظُ الْبَيْعِ. وَحَدُّهُ: نَقْلُ مِلْكٍ بِثَمَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَالشِّرَاءُ قَبُولُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: بِعْت بِمَعْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] شَرَيْتُ وَبِالْعَكْسِ. قَالَ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 102] وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَائِعٌ وَبَيْعٌ وَمُشْتَرٍ وَشَارٍ. الثَّانِي: الْعَقْدُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجَمَةِ، وَهُوَ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ: مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمْ ... وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، كَذَا قَالُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ أَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِيَخْرُجَ رَدُّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْعًا اهـ. وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ الْقَرْضُ كَمَا لَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا بِمِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَإِنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا وَلَيْسَا بِبَيْعٍ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدَانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. فَإِنْ أُجِيبَ عَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَالَ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، رُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْحَدِّ غَيْرَ جَامِعٍ لِجَوَازِ جَعْلِ الثَّمَنِ مَنْفَعَةً. وَقَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ بِدُخُولِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْمَالِ، فَقَالَ: الْأَمْوَالُ تَنْقَسِمُ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِعَ، وَأَيْضًا الْمُقَابَلَةُ الْمُطْلَقَةُ لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهَا فِي عَقْدٍ وَلَا أَنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ يَقْتَضِي انْتِقَالَ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا زَادَ فِي الْمَجْمُوعِ تَمْلِيكًا. أُجِيبَ عَنْ الْقَرْضِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ حَالَةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْمُقَابَلَةِ مُفَاعَلَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْجَانِبَيْنِ وَالْقَرْضُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي الدَّفْعُ وَتَسْمِيَةُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ خَاصَّةً، حَتَّى لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الْعِوَضَيْنِ لِتَحَقُّقِ الْمُفَاعَلَةِ، وَعَنْ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ وَالْمَجَازِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهَا. وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، فَقَدْ مَنَعَ جَمَاعَةٌ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ مَنَافِعُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَنْفَعَةٍ لَمْ يُقْبَلْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تُحْسَبُ قِيمَتُهَا مِنْ الثُّلُثِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا كَالْمَالِ الْمُفَوَّتِ لَا أَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَالٌ لِأَنَّهَا لَا وُجُودَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَأَيْضًا الْمَحْدُودُ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الْأَعْيَانِ لَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ جِنْسٌ بِرَأْسِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُسَمَّى مَالًا حَقِيقَةً لَمْ تَرِدْ عَلَى الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي كِتَابِ الِاصْطِلَامِ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِأَجْلِ صِحَّةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 شَرْطُهُ الْإِيجَابُ:   [مغني المحتاج] الْعَقْدِ وَمَا دَخَلَهُ التَّقْدِيرُ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا يُقَدَّرُ الْمَيِّتُ حَيًّا لِيَمْلِكَ الدِّيَةَ وَتُورَثُ عَنْهُ، وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ يُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ فَدَخَلَ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوِهِ، وَخَرَجَتْ الْإِجَارَةُ بِقَيْدِ التَّأْقِيتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا. وَلِهَذَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْقَرْضُ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا، وَعَقْدُ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ بِقَيْدِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَالزَّوْجَةُ وَالْجَانِي لَا يَمْلِكَانِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدَانِ رَفْعَ سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ وَمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ خَرَجَ بِقَيْدِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعَاوَضَةً عُرْفًا، وَهَذَا الْحَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِمَا لَا يَخْفَى. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَأَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ بَيْعٍ إلَّا مَا خُصَّ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بُيُوعٍ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَدَلُّ بِهَا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُسْتَدَلُّ وَأَحَادِيثُ كَحَدِيثِ سُئِلَ النَّبِيُّ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» أَيْ لَا غِشَّ فِيهِ وَلَا خِيَانَةَ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَحَدِيثِ «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» . [كتاب البيع] وَأَرْكَانُهُ فِي الْمَجْمُوعِ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ: عَاقِدٌ وَهُوَ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ، وَصِيغَةٌ وَهِيَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْعَاقِدِ. ثُمَّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ الصِّيغَةِ، لَكِنَّهُ بَدَأَ بِهَا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْعَاقِدَ وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالشَّرْطِ خِلَافَ تَعْبِيرِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَالْغَزَالِيِّ بِأَرْكَانِ الْبَيْعِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرُّكْنِ أَوْلَى. نَعَمْ قَدْ يُرَادُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِالرُّكْنِ، فَقَالَ: (شَرْطُهُ) أَيْ الْبَيْعِ صِيغَةٌ، وَهِيَ (الْإِيجَابُ) مِنْ الْبَائِعِ، وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 كَبِعْتُك وَمَلَّكْتُك، وَالْقَبُولُ: كَاشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت.   [مغني المحتاج] التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ دَلَالَةً ظَاهِرَةً (كَبِعْتُك) بِكَذَا (وَمَلَّكْتُك) بِكَذَا، وَهَذَا مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا، أَوْ أَنَا بَائِعُهُ لَك بِكَذَا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَهَذَا لَك بِكَذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَبِعْتُك أَوْ مَلَّكْتُك، وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ (وَالْقَبُولُ) مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً (كَاشْتَرَيْت وَتَمَلَّكْت وَقَبِلْت) وَرَضِيت كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ، وَنَعَمْ فِي الْجَوَابِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَوَلَّيْت وَنَحْوِهَا، وَبِعْت عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ، فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِدُونِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ حَتَّى أَنَّهُمَا يُشْتَرَطَانِ فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ طَرَفَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] كَالْبَيْعِ لِمَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ وَعَكْسُهُ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا، إذْ مَعْنَى التَّحْصِيلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِزَالَةِ، وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونُ وَكَذَا السَّفِيهُ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا، وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ الْحَاكِمُ فَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهُ لَيْسَتْ كَشَفَقَةِ الْأَبِ، فَلَوْ وَكَّلَ الْحَاكِمُ الْأَبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَتَوَلَّ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. وَهَلْ لِلْأَبِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ أَحَدِ ابْنَيْهِ مِنْ الْآخَرِ، وَهُمَا تَحْتَ حَجْرِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِي الْبَيْعِ إلَى الصِّيغَةِ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُعَاطَاةِ إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِوَضْعِهِ، فَالْمَقْبُوضُ بِهَا كَالْمَقْبُوضِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، فَيُطَالِبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] كُلٌّ صَاحِبَهُ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ، وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ إنْ سَاوَى قِيمَةَ مَا دَفَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ ظَفِرَ بِمِثْلِ حَقِّهِ وَالْمَالِكُ رَاضٍ. هَذَا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لِطِيبِ النَّفْسِ بِهَا، وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَأَقَرَّهُ قَالَ: وَخِلَافُ الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي فِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ، وَيُعْطِيَا مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا قَبُولٍ، وَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ الِانْعِقَادَ بِهَا فِي كُلِّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ فَيُرْجَعُ لِلْعُرْفِ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَبَعْضُهُمْ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالرُّويَانِيِّ خَصَّصَ جَوَازَ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْمُحَقَّرَاتِ، وَهِيَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالْمُعَاطَاةِ: كَرِطْلِ خُبْزٍ وَحُزْمَةِ بَقْلٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَنْ وَسَمَ بِالْبَيْعِ اكْتَفَى مِنْهُ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْعَامِّيِّ وَالتَّاجِرِ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بِاللَّفْظِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا إذَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْبَيَّاعِ وَيُحَاسِبُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ وَيُعْطِيهِ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ لَفْظِيٍّ وَلَا مُعَاطَاةٍ. فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ وَلْيَحْذَرْ مِنْهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ تَفَقُّهًا، وَمِنْ كَلَامِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْإِحْيَاءِ مُسَامِحٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَأَخْذُ الْحَاجَاتِ مِنْ الْبَيَّاعِ يَقَعُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي بِكَذَا لَحْمًا أَوْ خُبْزًا مَثَلًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ، فَيَدْفَعُ إلَيْهِ مَطْلُوبَهُ فَيَقْبِضُهُ وَيَرْضَى بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يُحَاسِبُهُ وَيُؤَدِّي مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ، فَهَذَا مَجْزُومٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُعَاطَاةَ فِيمَا أَرَاهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَلْتَمِسَ مَطْلُوبَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِثَمَنٍ كَأَعْطِنِي رِطْلَ خُبْزٍ أَوْ لَحْمٍ مَثَلًا فَهَذَا مُحْتَمَلٌ، وَهَذَا مَا رَأَى الْغَزَالِيُّ إبَاحَتَهُ وَمَنَعَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: " إنَّهُ لَا يُعَدُّ مُعَاطَاةً " وَلَا بَيْعًا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا، وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] ثَمَنِ الْحَاجَةِ مَعْلُومًا لَهُمَا عِنْدَ الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لَهُ لَفْظًا اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ صِيَغِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِيهِ، فَيَكْفِي غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ، وَمِنْ أَلْفَاظِ صِيَغِ الْإِيجَابِ صَارَفْتُكَ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ، وَقَرَّرْتُك بَعْدَ الِانْفِسَاخِ بِأَنْ يَقُولُ الْبَائِعُ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْبَيْعِ قَرَّرْتُك عَلَى مُوجَبِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَقْبَلُ صَاحِبُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْقِرَاضِ وَوَلَّيْتُك وَأَشْرَكْتُك، وَمِنْ أَلْفَاظِ الْقَبُولِ صَارَفْتُ وَتَقَرَّرَتْ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ فِي جَوَابِ قَرَّرْتُك وَتَعَوَّضْت فِي جَوَابِ عَوَّضْتُك، وَقَدْ فَعَلْت فِي جَوَابِ اشْتَرِ مِنِّي ذَا بِكَذَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي النِّكَاحِ، وَفِي جَوَابِ بِعْتُك كَمَا فِي زِيَادَاتِ الْعَبَّادِيِّ. نَقَلَهُ عَنْهَا الْإِسْنَوِيُّ، وَبِكَافِ الْخِطَابِ فِي الْإِيجَابِ إلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إسْنَادَ الْبَيْعِ إلَى الْمُخَاطَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُسْنَدْ إلَى أَحَدٍ كَمَا يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: بِعْت هَذَا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، فَيَقُولُ: بِعْتُ فَيَقْبَلُهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى غَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَبِعْت مُوَكِّلَك بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ ثَمَّ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ الْخِطَابُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُتَوَسِّطِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِلْبَائِعِ: بِعْت هَذَا بِكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَوْ بِعْت، وَيَقُولُ لِلْآخَرِ اشْتَرَيْت؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَوْ اشْتَرَيْت، فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ، وَلَوْ كَانَ الْخِطَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَاوِي الصِّحَّةُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُخَاطَبَةِ وَلَمْ يُوجَدْ. نَعَمْ إنْ أَجَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ فِيمَا إذَا قَالَ الْبَائِعُ نَعَمْ دُونَ بِعْت، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَسِّطِ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ هَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: نَعَمْ أَوْ قَالَ: بِعْتُك فَقَالَ الْمُشْتَرِي: نَعَمْ صَحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ اسْتِطْرَادًا، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا الْتِمَاسَ فَلَا جَوَابَ، وَيَدُلُّ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ بِنَعَمْ مُتَأَخِّرَةً عِبَارَةُ ابْن قَاضِي عَجْلُونٍ فِي تَصْحِيحِهِ، وَهِيَ: وَيَمْتَنِعُ الِابْتِدَاءُ بِنَعَمْ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَبُولِ بِهَا مُتَأَخِّرَةً وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. الْأَمْرُ الثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ إسْنَادِهِ إلَى جُمْلَتِهِ فَلَا يَصِحُّ بِعْته لِيَدِك، أَوْ لِنِصْفِك. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الرُّكْن الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الظِّهَارِ ضَابِطَ مَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَى الْجُزْءِ وَمَا لَا يَصِحُّ فَقَالَ: قَالَ الْأَصْحَابُ: مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ مَحَلِّ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا لَا يَقْبَلُهُ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى بَعْضِ الْمَحَلِّ كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَتَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى جُزْءٍ لَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَرَأْسِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى أَيِّ جُزْءٍ كَانَ، وَهَذَا إلَى جُزْءٍ مَخْصُوصٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اعْتِبَارُ الصِّيغَةِ جَارٍ حَتَّى فِي الْبَيْعِ الضِّمْنِيِّ، لَكِنْ تَقْدِيرًا كَأَنْ يُقَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَيَفْعَلُ، فَإِنَّهُ يُعْتِقُ عَنْ الطَّالِبِ وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي. وَقَدْ أَجَابَهُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صِيغَةِ الثَّمَنِ لِوُضُوحِ اشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، وَلَهُ صِيَغٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ بِكَذَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الْأَصْلُ. وَمِنْهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَنِي كَذَا. وَمِنْهَا وَلِي عَلَيْك كَذَا أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي: وَلَك عَلَيَّ كَذَا. وَمِنْهَا: بِعْتُك عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْمُشْتَرِي) عَلَى لَفْظِ الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ، وَمَنَعَ الْإِمَامُ وَالْقَفَّالُ تَقَدُّمَ قَبِلْت، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ هُنَا. لَكِنْ ذَكَرَا فِي التَّوْكِيلِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوَّلًا: قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْكَ لِفُلَانٍ فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتهَا فُلَانًا جَازَ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَبِلْت بَيْعَ هَذَا مِنْكَ بِكَذَا لِمُوَكِّلِي أَوْ لِنَفْسِي، فَقَالَ: بِعْتُك أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي الْبَيْعِ (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ: (بِعْنِي) كَذَا بِكَذَا (فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِدَلَالَةِ بِعْنِي عَلَى الرِّضَا. وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ: اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ: بِعْنِي لِاسْتِبَانَةِ الرَّغْبَةِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ مِنِّي فَقَالَ: اشْتَرَيْت، فَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي، فَقَالَ: بِعْتُك قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ لَمْ تُفْهِمْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت هَذَا مِنْكَ بِكَذَا، فَقَالَ: بِعْتُك انْعَقَدَ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ، فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ أَتَى بِلَفْظِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ كَقَوْلِهِ: بِعْتنِي أَوْ تَبِيعُنِي، فَقَالَ: بِعْتُك لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمُضَارِعِ الْمَقْرُونِ فَاللَّامُ الْأَمْرِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ كَذَا بِكَذَا فَقَالَ الْبَائِعُ: مَلَّكْتُك. أَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ: مَلَّكْتُك فَقَالَ: اشْتَرَيْت صَحَّ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِفَعَلْت فِي جَوَابِ بِعْنِي، وَكَذَا بِنَعَمْ فِي جَوَابِ بِعْت وَاشْتَرَيْت كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ. وَاسْتَغْنَى عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَيَنْعَقِدُ) أَيْ الْبَيْعُ (بِالْكِنَايَةِ) وَهِيَ مَا تَحْتَمِلُ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مَعَ النِّيَّةِ (كَجَعَلْتُهُ لَك) أَوْ خُذْهُ أَوْ تَسَلَّمْهُ أَوْ سَلَّطْتُك عَلَيْهِ (بِكَذَا) نَاوِيًا الْبَيْعَ فَيَنْعَقِدُ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) فَفِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ   [مغني المحتاج] إلَى الِانْعِقَادِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا تَقَرَّرَ لَا إلَى كَوْنِ جَعَلْته مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ فِي الْأَصَحِّ كَجَعَلْتُهُ لَك بِكَذَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَالثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْرِي أَخُوطِبَ بِبَيْعٍ أَمْ بِغَيْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْبَيْعِ، وَمِنْ الْكِنَايَةِ بَاعَكَهُ اللَّهُ بِكَذَا كَأَقَالَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِكَذَا أَوْ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْك فِي الْإِقَالَةِ بِخِلَافِ أَبْرَأَك اللَّهُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ كَطَلَّقَكِ اللَّهُ، وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الشَّخْصُ وَحْدَهُ كَالْبَرَاءَةِ كَانَ صَرِيحًا وَمَا لَا كَالْبَيْعِ فَكِنَايَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ كِنَايَةِ الْبَيْعِ أَبَحْتُكَ إيَّاهُ بِكَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ مَجَّانًا فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْمَطْلَبِ صِحَّةُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ بِالْكِنَايَةِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقِيَاسُهُ مَنْعُ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِهَا اهـ. وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ سَائِرُ الْعُقُودِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ، فَإِنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَجَبَ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ، وَالنِّكَاحُ وَبَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْإِشْهَادُ لَا يَنْعَقِدَانِ بِهَا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ. نَعَمْ إنْ تَوَفَّرَتْ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ، وَصُورَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ: بِعْ هَذَا عَلَى أَنْ تُشْهِدَ. فَإِنْ قَالَ: بِعْ وَأَشْهِدْ لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ شَرْطًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَرْعَشِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَالْكِتَابَةُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ عَلَى نَحْوِ لَوْحٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ أَرْضٍ كِنَايَةٌ فِي ذَلِكَ، فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْمَائِعِ وَنَحْوِهِ كَالْهَوَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ الِاطِّلَاعِ لِيَقْتَرِنَ بِالْإِيجَابِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. فَإِذَا قَبِلَ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ قَبُولِهِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْكَاتِبِ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِيجَابِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَجْلِسَهُ صَحَّ رُجُوعُهُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ: أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ لِحَاضِرٍ صَحَّ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالسُّبْكِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ غَائِبٍ كَأَنْ قَالَ: بِعْت دَارًا لِفُلَانٍ وَهُوَ غَائِبٌ فَقَبِلَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ صَحَّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ بَلْ أَوْلَى. . فَرْعٌ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ قَطْعًا، وَفِي النِّكَاحِ خِلَافُ التَّعَبُّدِ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ) بَيْنَ الْإِيجَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا.   [مغني المحتاج] وَالْقَبُولِ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ، وَقَوْلُهُ (بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا) مِثَالٌ. وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى، فَإِنْ طَالَ ضَرَّ؛ لِأَنَّ طُولَ الْفَصْلِ يُخْرِجُ الثَّانِي عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَالطَّوِيلُ كَمَا قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ: هُوَ مَا أَشْعَرَ بِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْيَسِيرِ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبُولِ، وَيَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ وَلَوْ يَسِيرًا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ، لِأَنَّ فِيهِ إعْرَاضًا عَنْ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ فِي الْخُلْعِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ شَائِبَةَ التَّعْلِيقِ، وَمِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ شَائِبَةَ جَعَالَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَسَّعٌ فِيهِ مُحْتَمِلٌ لِلْجَهَالَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ الْعَقْدَ أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَمِنْ عَدِّهِمْ فِي بَابِ الْخُلْعِ الرِّدَّةَ مِنْ الْمُوجِبِ كَلَامًا يَسِيرًا: أَيْ أَجْنَبِيًّا، وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ تَعَلُّقُهُ بِالْعَقْدِ بَاقٍ مَا لَمْ يَقَعْ الْقَبُولُ فَإِنَّهُ لَوْ جُنَّ أَوْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْقَابِلِ. وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ لَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَخَرَجَ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُهُ فَلَا يَضُرُّ، وَفُسِّرَ فِي الْأَنْوَارِ الْأَجْنَبِيُّ بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مِنْ مَصَالِحِهِ وَلَا مِنْ (مُسْتَحَبَّاتِهِ) . قَالَ: فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَبِلْت صَحَّ اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ، لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي النِّكَاحِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مِمَّنْ صَدَرَ مَعَهُ الْخِطَابُ، فَلَوْ مَاتَ الْمُخَاطَبُ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ فَقَبِلَ وَارِثُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَكَذَا لَوْ قَبِلَ وَكِيلُهُ أَوْ مُوَكِّلُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ خِلَافًا لِلنَّاشِرِيِّ الْقَائِلِ بِالصِّحَّةِ فِي الْمُوَكِّلِ، وَأَنْ يَصِرَّ الْبَادِي عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِيجَابِ إلَى الْقَبُولِ، وَأَنْ تَبْقَى أَهْلِيَّتُهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ أَوْجَبَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ أَوْ الْخِيَارَ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِضَعْفِ الْإِيجَابِ وَحْدَهُ، وَأَنْ يَتَلَفَّظَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ صَاحِبُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا شَهْرًا مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَلَوْ قَالَ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ بِعْتُك كَذَا لَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَقَوْلِهِ: بِعْتُك هَذَا بِكَذَا إنْ شِئْت، فَقَالَ: اشْتَرَيْت أَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ هَذَا بِكَذَا إنْ شِئْت فَقَالَ: بِعْتُك صَحَّ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّعْلِيقُ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ، قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ لَمْ يَصِحَّ.   [مغني المحتاج] مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ بِكَذَا، وَلَوْ قَالَ الْجَوَابَ: شِئْت، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَشِيئَةِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنَّ إنْ رَضِيت أَوْ إنْ أَجَبْت أَوْ إنْ اخْتَرْت أَوْ إنْ أَرَدْت كَأَنْ شِئْت، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك إنْ قَبِلْت، فَقَبِلَ صَحَّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْكَ بِكَذَا فَقَالَ: بِعْتُك إنْ شِئْت لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِاقْتِضَاءِ التَّعْلِيقِ وُجُودَ شَيْءٍ بَعْدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ: اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، إذْ يَبْعُدُ حَمْلُ الْمَشِيئَةِ عَلَى اسْتِدْعَاءِ الْقَبُولِ، وَقَدْ سَبَقَ فَيَتَعَيَّنُ إرَادَتُهَا نَفْسَهَا فَيَكُونُ تَعْلِيقًا مَحْضًا وَهُوَ مُبْطِلٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت بِعْتُكَهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِأَصْلِ الْعَقْدِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ التَّعْلِيقِ مَسْأَلَةُ الْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ: إنْ كُنْت أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ قَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ مَرَّتْ فِي الْوُضُوءِ وَالْقِيَاسُ مَجِيئُهَا هُنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ تَمَامِ الْإِيجَابِ وَمَصَالِحِهِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ بِشَرْطِ خِيَارِ الثَّلَاثِ فَقَبِلَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْبَائِعُ مِنْهُ بَطَلَ كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ. (وَأَنْ يَقْبَلَ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ) فِي الْمَعْنَى كَالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ (فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك) هَذَا الْعَبْدَ مَثَلًا (بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ فَقَالَ: قَبِلْت بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ) أَوْ عَكْسُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى أَوْ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ أَوْ قَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ، كَأَنْ قَالَا: بِعْنَاك عَبْدَنَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا (لَمْ يَصِحَّ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَالَ الْمُخَاطَبُ فِيمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: بِعْتُك بِأَلْفٍ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ مَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلَى الْبُطْلَانِ، إذْ لَا مُخَالَفَةَ بِذِكْرِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَيْ مِنْ الْإِشْكَالِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ: أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ الصِّحَّةُ. أَمَّا الْمُوَافَقَةُ لَفْظًا فَلَا تُشْتَرَطُ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك فَقَالَ: اشْتَرَيْت أَوْ نَحْوَهُ صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ. وَشَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ.   [مغني المحتاج] لِي نِصْفَهَا صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ إلَّا نِصْفَهَا، وَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي بِمَعْنَى الْهِبَةِ: كَأَعْمَرْتُك أَوْ أَرْقَبْتُك كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّعْلِيقَةِ تَبَعًا لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِلنَّصِّ، وَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْكَ كَذَا فِي هَذَا الثَّوْبِ مَثَلًا فَقَبِلَ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْعٌ وَلَا سَلَمًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مَعْنَى الْبَيْعِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ أَوْ قَصَدَهُ لَا لِمَعْنَاهُ، كَمَنْ لَقَّنَ أَعْجَمِيًّا مَا لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْبَيْعَ أَوْ غَيْرَهُ هَازِلًا صَحَّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ. (وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ) وَكِتَابَتُهُ (بِالْعَقْدِ كَالنُّطْقِ) لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا فِي فُؤَادِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النُّطْقُ مِنْ النَّاطِقِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: مِنْ زِيَادَتِهِ بِالْعَقْدِ، بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهَا مَضَرَّةٌ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ وَالدَّعَاوَى وَالْأَقَارِيرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ إشَارَتِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِالشَّهَادَةِ. وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ النُّطْقِ، وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الطَّلَاقِ وَضَمَّ الْحِلَّ إلَى الْعَقْدِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إشَارَتَهُ إنْ فَهِمَهَا الْفَطِنُ وَغَيْرُهُ فَصَرِيحَةٌ أَوْ الْفَطِنُ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ، فَيَقُولَ كَالنُّطْقِ فِيهِ وَإِلَّا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُ الْأَخْرَسِ الْبَيْعَ فِي الصَّلَاةِ كَقَبُولِ النُّطْقِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَاقِدُ، وَقَدَّمَهُ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَتَقَدُّمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ طَبْعًا، فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْعَاقِدِ) بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا (الرُّشْدُ) وَهُوَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْبُلُوغِ وَالصَّلَاحِ لِدِينِهِ وَمَالِهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَإِنْ قَصَدَ اخْتِبَارَهُ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ، وَإِنَّمَا صَحَّ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ: إنَّ عِبَارَتَهُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالسَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ. وَالثَّالِثُ: الْمُكْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ: وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى الْمِنْهَاجِ اهـ. بَلْ وَلَا عَلَى الْمُحَرَّرِ. أَمَّا السَّكْرَانُ فَفِي كَوْنِهِ مُكَلَّفًا خِلَافٌ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.   [مغني المحتاج] فَقَالَ وَهَذَا: أَيْ السَّكْرَانُ آثِمٌ مَضْرُوبٌ عَلَى السُّكْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْهُ الْقَلَمُ اهـ. وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا السَّفِيهُ وَالْمُكْرَهُ فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ التَّكْلِيفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ بَيْعٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَكْسُهُ، وَهُوَ اعْتِبَارُ بَيْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَكِنَّ التَّعَرُّضَ لَهُمَا أَحْسَنُ لَكِنْ لَا يَرُدَّانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ كَمَا يَدِينُ الشَّخْصُ يُدَانُ: أَحَدُهَا: أَنَّ تَعْبِيرَهُ يُخْرِجُ السَّكْرَانَ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ قَيْدُ التَّكْلِيفِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، إلَّا أَنْ يَفْرِضَ فِي سُكْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الرُّشْدِ لِجَهْلٍ أَوْ إكْرَاهٍ وَهُوَ نَادِرٌ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ فَإِنَّ بَيْعَهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِرَشِيدٍ، إذْ الرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَإِذَا بَاعَ قَبْلَ إعَادَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحَّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ عِبَارَتَهُ تَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ وَصَفَهُ بِالرُّشْدِ فِي قَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ: أَوْ صِبْيَانٌ رُشَدَاءُ. وَخَامِسُهَا: الْأَعْمَى لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مَعَ أَنَّهُ رَشِيدٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. (قُلْت: وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُ مُكْرَهٍ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُكْرَهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا لِفِعْلِهِ إلَّا فِي الرَّضَاعِ وَالْحَدَثِ وَالتَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَكَذَا الْقَتْلُ وَنَحْوُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ هَذَا يَأْتِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَرُدُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بَيْعِ مَالِهِ أَوْ عِتْقِ عَبْدِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ، وَعَلَى الثَّانِي مَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ أَكْلِهِ أَوْ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ فَذَبَحَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ، وَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ غُسْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَأَحْبَلَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْتَقِرُّ لِلزَّوْجَةِ بِهِ الْمَهْرُ وَلِلْأَمَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ وَحَلَّتْ الزَّوْجَةُ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا، وَمَا لَوْ حَضَرَ الْمُحْرِمُ عَرَفَةَ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوفُهُ. أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ إقَامَةً لِرِضَا الشَّرْعِ مَقَامَ رِضَاهُ، وَصَوَّرَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ وَالْبَيْعِ، فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَزَّرَهُ وَحَبَسَهُ إلَى أَنْ يَبِيعَهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُصَوِّرُهُ بِمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِالْبَيْعِ فَامْتَنَعَ فَأَكْرَهَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْوَاجِبِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الْوَلِيَّ عَلَى بَيْعِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ.   [مغني المحتاج] وَمِنْ صُوَرِهِ: مَا إذَا أَذِنَ شَخْصٌ لِعَبْدِ غَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَالِهِ، قَالَ: فَلِلسَّيِّدِ إكْرَاهُهُ عَلَى بَيْعِهِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُصَادَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ مِنْ جِهَةِ ظَالِمٍ: بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ لِدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي نَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهِ، إذْ مَقْصُودُ مَنْ صَادَرَ تَحْصِيلُ الْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ كَانَ. فُرُوعٌ: لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ أَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ مَا ابْتَاعَ أَوْ مَا اقْتَرَضَ مِنْ رَشِيدٍ وَأَقْبَضَهُ لَهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمُقْبِضَ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، هَذَا فِي الظَّاهِرِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَغْرَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَوْ مِنْ صَبِيٍّ مِثْلِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ الْوَلِيَّانِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا قَبَضَ مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْوَلِيَّيْنِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَقَطْ لِوُجُودِ التَّسْلِيطِ مِنْهُمَا وَعَلَى الْبَائِعِ لِلصَّبِيِّ رَدُّ الثَّمَنِ إلَى وَلِيِّهِ فَلَوْ رَدَّهُ إلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَهُوَ مِلْكُ الصَّبِيِّ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ أَوْ لِلْوَلِيِّ بَرِئَ مِنْهُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ بِالدَّفْعِ لِلصَّبِيِّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا بَرِئَ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ: سَلِّمْ وَدِيعَتِي إلَى الصَّبِيِّ أَوْ أَلْقِهَا فِي الْبَحْرِ فَفَعَلَ بَرِئَ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي حَقِّهِ الْمُتَعَيَّنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ أَعْطَى صَبِيٌّ دِينَارًا لِنَقَّادٍ يَنْقُدُهُ أَوْ مَتَاعًا لِمُقَوِّمٍ يُقَوِّمُهُ ضَمِنَ مَنْ أَخَذَهُ إنْ لَمْ يَرُدَّهُ لِوَلِيِّهِ إنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ وَلَوْ أَوْصَلَ صَبِيٌّ هَدِيَّةً إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ: هِيَ مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ أَخْبَرَ بِالْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عُمِلَ بِخَبَرِهِ مَعَ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ مِنْ قَرِينَةٍ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ لِاعْتِمَادِ السَّلَفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْفَاسِقُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ) وَلَوْ مُرْتَدًّا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمِثْلِهِ (الْمُصْحَفَ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَا يَتَمَلَّكُهُ بِسَلَمٍ وَلَا بِهِبَةٍ وَلَا وَصِيَّةٍ وَلَا كُتُبَ حَدِيثٍ وَلَا آثَارَ سَلَفٍ وَلَا كُتُبَ فِقْهٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ لَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ: وَالْمُرَادُ بِآثَارِ السَّلَفِ حِكَايَاتُ الصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِهَانَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: كُتُبَ عِلْمٍ، وَإِنْ خَلَتْ عَنْ الْآثَارِ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ اهـ. وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُهُ: وَتَعْلِيلُهُ يُفِيدُ جَوَازَ تَمَلُّكِهِ كُتُبَ عُلُومٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ، وَيَنْبَغِي مَنْعُهُ مِنْ تَمَلُّكِ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالشَّرْعِ كَكُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ. قَالَ شَيْخُنَا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ: أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ نَسَخَ الْكَافِرُ مُصْحَفًا: أَيْ أَوْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ مِنْ كُتُبِ حَدِيثٍ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يُمَكَّنُ الْكَافِرُ مِنْ تَجْلِيدِ الْمُصْحَفِ اهـ. وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 وَالْمُسْلِمُ فِي الْأَظْهَرِ، إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يُسَلَّمُ إلَيْهِ وَلَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ بِخِلَافِ تَمْكِينِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْإِهَانَةِ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِتَمَلُّكِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ وَعَلَيْهَا الْآيَاتُ مِنْ الْقُرْآنِ. وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا مِنْ الْخَلَفِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَكَأَنَّهُ سُومِحَ فِي ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ. (وَ) لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ (الْمُسْلِمَ) لِنَفْسِهِ وَلَا لِمِثْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْمُسْلِمِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَقَوْلُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ. وَأَمَّا فِي الْمُصْحَفِ فَلَا بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِ وَفِيمَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالتَّهْذِيبِ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِرَجَاءِ الْعِتْقِ وَالرَّافِعِيُّ، بِأَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ وَدَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَمُقَابِلُهُ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَا ذُكِرَ الْكَافِرُ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَيُفَارِقُ مَنْعَ إنَابَةِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ بِاخْتِصَاصِ النِّكَاحِ بِالتَّعَبُّدِ لِحُرْمَةِ الْأَبْضَاعِ، وَبِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُهُ لِمُسْلِمَةٍ، بِخِلَافِ مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يَتَمَلَّكُ الْكَافِرُ مُرْتَدًّا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَام، وَلَا شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِالْوَكَالَةِ لِكَافِرٍ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُصْحَفُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَعْتِقَ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: الْأُولَى: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا لِلْمُشْتَرِي. الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنِّي بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَأَجَابَهُ. الثَّالِثَةُ: إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، لَكِنْ الصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الثَّالِثَةِ أَنَّهُ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لَا شِرَاءٌ (فَيَصِحُّ) بِالرَّفْعِ: أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَيَمْلِكُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ فَلَا إذْلَالَ، وَإِنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالرَّفْعِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِيَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، إذْ لَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لَكَانَ مِنْ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ نَقِيضِهِ: أَيْ يَلْزَمُ اسْتِثْنَاءُ الصِّحَّةِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ فَاسِدٌ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ إذْلَالٍ،. وَلِلْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُ مُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ إذْ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا تَسَلُّطٌ تَامٌّ، وَإِنَّمَا يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهُ بِعِوَضٍ، وَقَدْ أَجَّرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفْسَهُ لِكَافِرٍ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي غَيْرِ الْأَعْمَالِ الْمُمْتَهَنَةِ. أَمَّا فِيهَا كَإِزَالَةِ قَاذُورَاتِهِ فَتَمْتَنِعُ قَطْعًا، وَيُؤْمَرُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ بِإِجَارَتِهِ لِمُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِيُزِيلَ مِلْكَهُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الرَّقَبَةِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ فِيهَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ، وَلَهُ ارْتِهَانُهُ وَارْتِهَانُ الْمُصْحَفِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، لِأَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مُجَرَّدُ اسْتِيثَاقٍ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَتُرْفَعُ يَدُهُ عَنْهُمَا فَيُوضَعَانِ عِنْدَ عَدْلٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُهُمَا أَوَّلًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسَلَّمُ أَوَّلًا لِلْعَدْلِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ الرَّقِيقُ ثُمَّ يُنْزَعُ حَالًا إذْ لَا مَحْذُورَ كَمَا فِي إيدَاعِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ مُكَلَّفٌ فَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مُتَّجَهٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمُصْحَفِ مِمَّا أُلْحِقَ بِهِ كَالْعَبْدِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ، وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ رَقِيقًا مُسْلِمًا بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ، وَلَوْ أَسْلَمَ رَقِيقُ الْكَافِرِ أُمِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دَفْعًا لِلْإِهَانَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَطْعًا لِسَلْطَنَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَتْ، الزَّوْجَةُ تَحْتَ كَافِرٍ إذْ مِلْكُ النِّكَاحِ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَكْفِي رَهْنُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَلَا تَزْوِيجُهُ وَلَا تَدْبِيرُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَوْ يَصِحُّ؟ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَلَا يَكْفِي وَقْفُهُ عَلَى ذِمِّيٍّ عَلَى الْمُتَّجَهِ، وَيَكْفِي كِتَابَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِهَا الْمِلْكُ لِإِفَادَتِهَا الِاسْتِقْلَالَ. . مُهِمَّةٌ: يَدْخُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ابْتِدَاءً فِي أَرْبَعِينَ صُورَةً، وَهَا أَنَا أَسْرُدُهَا لَك تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ: الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ: مِنْ صُوَرِ اسْتِعْقَابِ الْعِتْقِ الْمَذْكُورَاتِ. الثَّالِثَةُ: الْإِرْثُ كَأَنْ يَمُوتَ كَافِرٌ عَنْ ابْنٍ كَافِرٍ وَيُخَلِّفَ فِي تَرِكَتِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا. الرَّابِعَةُ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. الْخَامِسَةُ: الْإِفْلَاسُ. السَّادِسَةُ: الْإِقَالَةُ. السَّابِعَةُ: أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِتَلَفِ مُقَابِلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ، فَإِنَّا نُخَيِّرُ الْبَائِعَ فَإِذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ عَادَ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ. الثَّامِنَةُ: أَنْ يَبِيعَهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ يَجِدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ. التَّاسِعَةُ: إذَا تَبَايَعَ كَافِرَانِ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ فَسَخَ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ. الْعَاشِرَةُ: إذَا بَاعَ كَافِرٌ مُسْلِمًا لِمُسْلِمٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَفَسَخَ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: تَبَايَعَ كَافِرَانِ كَافِرًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فَأَسْلَمَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِانْقِضَاءِ خِيَارِ الْبَائِعِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنْ يَرُدَّهُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ كَالْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: اشْتَرَى ثَمَرَةً بِعَبْدٍ كَافِرٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ اخْتَلَطَتْ وَفَسَخَ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: بَاعَ كَافِرٌ عَبْدًا مَغْصُوبًا لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ فَعَجَزَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فَغُصِبَ قَبْلَ الْقَبْضِ. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: إذَا بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَلَهُ الْفَسْخُ. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ مَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلِلْكَافِرِ الْفَسْخُ. السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: بَاعَهُ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ فَظَهَرَ تَحْتَهَا دَكَّةٌ فَلَهَا الْفَسْخُ. الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: جَعَلَهُ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ فَانْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَهُ الْفَسْخُ. التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَقْرَضَهُ فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمُقْتَرِضِ جَازَ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ. الْمُتَمِّمَةُ عِشْرِينَ: وَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بَاعَهُ فَظَهَرَ دَيْنٌ عَلَى التَّرِكَةِ وَلَمْ يَقْضِ فَيَفْسَخُ الْبَيْعَ وَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ مُتَعَلِّقًا بِهِ الدَّيْنُ. الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: وَكَّلَ كَافِرًا فِي شِرَاءِ كَافِرٍ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَعِيبٌ وَأَخَّرَ الْوَكِيلُ الرَّدَّ، فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ. الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاضِ الْكَافِرُ عَبْدًا لِلْقِرَاضِ، ثُمَّ اقْتَسَمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمْ. الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَجْعَلَهُ أُجْرَةً أَوْ جُعْلًا ثُمَّ يَقْتَضِي الْحَالُ الْفَسْخَ. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ. الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُصْدِقَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ عَبْدًا كَافِرًا فَيُسْلِمَ ثُمَّ يَرْجِعَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ إلَى الزَّوْجِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ. السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَلْتَقِطَ الْمُلْتَقِطُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ بِشَرْطِهِ إمَّا لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، أَوْ وَقْتَ نَهْبٍ وَغَارَةٍ فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَثْبَتَ كَافِرٌ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ، لِأَنَّ تَمَلُّكَ الِالْتِقَاطِ كَالتَّمَلُّكِ بِالْقَرْضِ. السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يَقِفَ عَلَى كَافِرٍ أَمَةً كَافِرَةً فَتُسْلِمَ ثُمَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُوصَى لِكَافِرٍ بِمَا تَحْمِلُهُ أَمَتُهُ مِنْ زَوْجِهَا الْكَافِرِ فَيَقْبَلَ ثُمَّ تُسْلِمَ الْجَارِيَةُ وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ. التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ يُخَالِعَ الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ الْكَافِرَةَ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ فَيُسْلِمَ، ثُمَّ يَقْتَضِيَ الْحَالُ فَسْخَ الْخُلْعِ بِعَيْبٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ. الْمُتَمِّمَةُ ثَلَاثِينَ: أَنْ يُزَوِّجَ كِتَابِيٌّ أَمَةً كَافِرَةً لِكِتَابِيٍّ، ثُمَّ تُسْلِمَ وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهَا. الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا أَوْلَدَ كَافِرٌ أَمَةً مُسْلِمَةً لِوَلَدِهِ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ. الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا وَطِئَ مُسْلِمٌ أَمَةَ كَافِرٍ ظَانًّا أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ، فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ مَمْلُوكٌ لِلْكَافِرِ. الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا أَسْلَمَ عَبْدٌ لِكَافِرٍ بَعْدَ أَنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَبَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَتَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْفِدَاءِ، أَوْ تَأَخَّرَ لِإِفْلَاسِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ، أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَيَعُودُ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ. الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يُكَاتِبَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَيُسْلِمَ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ تَأْتِيَ أَمَتُهُ الْمُسْلِمَةُ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا، ثُمَّ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ وَيَفْسَخَ الْكِتَابَةَ، فَيَدْخُلُ الْوَلَدُ أَوْ الْعَبْدُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ. الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا حَضَرَ الْكُفَّارُ الْجِهَادَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَكَانَتْ الْغَنِيمَةُ أَطْفَالًا وَنِسَاءً وَعَبِيدًا وَأَسْلَمُوا بِالِاسْتِقْلَالِ أَوْ التَّبَعِيَّةِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ التَّمَلُّكَ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْضَخَ لِلْكَافِرِ مِمَّا وَجَدَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ أَوْ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ عَبِيدٌ مُسْلِمُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ وَاقْتَسَمُوا. السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: أَنْ يَعْتِقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 وَلَا الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ:   [مغني المحتاج] الْكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْبَاقِيَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْبَيْعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ. الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا وَهَبَهُ لِفَرْعِهِ فَأَسْلَمَ فِي يَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ. التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ مُسْلِمٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَمَا ذُكِرَ هَهُنَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ افْتِدَاءً الْمُتَمِّمَةُ أَرْبَعِينَ: أَنْ تُسْلِمَ مُسْتَوْلَدَةُ الْكَافِرِ ثُمَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا مَمْلُوكًا لَهُ وَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ أُمِّهِ. وَالشَّامِلُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ: الْأَوَّلُ الْمِلْكُ الْقَهْرِيُّ. الثَّانِي مَا يُفِيدُ الْفَسْخَ. الثَّالِثُ: مَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ، فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ضَابِطٌ مُهِمٌّ. (وَلَا) يَصِحُّ شِرَاءُ (الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا) كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَتُرْسٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ، لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى قِتَالِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فِي دَارِنَا، فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا، وَبِخِلَافِ عُدَّةِ غَيْرِ الْحَرْبِ، وَلَوْ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُ كَالْحَدِيدِ، إذْ لَا يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ عِدَّةَ حَرْبٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ سِلَاحًا كَانَ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَنَاهِي. أَمَّا الذِّمِّيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِأَنَّ التُّرْسَ وَالدِّرْعَ لَيْسَا مِنْ السِّلَاحِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي السَّلَبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ، وَلِذَا قُلْت أَوْ غَيْرِهِ وَمَثَّلْت بِذَلِكَ، لَكِنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى بَيْعِ السِّلَاحِ وَرَهْنِهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى سِلَاحًا، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا سَمَّاهُ سِلَاحًا، لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى قِتَالِنَا كَمَا مَرَّ، وَيَمْتَنِعُ شِرَاءُ الْحَرْبِيِّ الْخَيْلَ أَيْضًا كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَبِيعُ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا ذَاكِرًا لِشُرُوطِهِ فَقَالَ: (وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ، وَزَادَ الْبَارِزِيُّ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ   [مغني المحتاج] ذَلِكَ الرُّؤْيَةَ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرُّؤْيَةِ دَاخِلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ رُؤْيَةٍ، وَلَوْ وُصِفَ فَوَرَاءَ الْوَصْفِ أُمُورٌ تَضِيقُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ شُرُوطٌ أُخَرُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ لَهَا بَابٌ يَخُصُّهَا. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ حَرِيمُ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ إحْدَاثُ حَرِيمٍ لِلْمِلْكِ، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ رَاجِعٌ إلَى عَدَمِ قُدْرَةِ تَسْلِيمِهِ كَبَيْعِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكُ وَالْمَنْفَعَةُ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ غَيْرُهُمَا. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ النَّجَسَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالْعِلْمِ بِهِ فَشَرْطٌ فِي الْعَاقِدِ، وَكَذَا كَوْنُ الْمِلْكِ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَيَانِ الْخَمْسَةِ فَقَالَ: أَحَدُهَا (طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) نَجِسِ الْعَيْنِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا كَالسِّرْجِينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ وَالْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ،   [مغني المحتاج] وَ (الْكَلْبِ) وَلَوْ مُعَلَّمًا (وَالْخَمْرِ) وَلَوْ مُحْتَرَمَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ» . وَقِيسَ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا (وَ) لَا بَيْعُ (الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ) وَالصِّبْغِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِالزِّبْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 وَكَذَا الدُّهْنُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] مَعْنَى نَجَسِ الْعَيْنِ. أَمَّا مَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَالْآجُرِّ الْمَعْجُونِ بِمَائِعٍ نَجِسٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ (وَكَذَا الدُّهْنُ) كَالزَّيْتِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَةِ السَّمْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَأَرِيقُوهُ» ، وَالثَّانِي يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِغَسْلِهِ بِأَنْ يُوضَعَ عَلَى قُلَّتَيْنِ مَاءٌ أَوْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يُغْمَرُهُ ثُمَّ يُحَرَّكُ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي بَابِ النَّجَاسَاتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ بَيْعِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِخَبَرِ الْفَأْرَةِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ (وَبَيْنَ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ حَيْثُ صَحَّ بَيْعُهُ) قَطْعًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ وَمُقْتَضَاهُ الْمَنْعُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ الْآجُرِّ فَسَادُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إنَّمَا يَدْخُلُ تَبَعًا فِي بَيْعِ الدَّارِ لِلطَّاهِرِ مِنْهَا كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِهَا كَالْحَيَوَانِ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَبِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ، وَيَنْزِلُ كَلَامُهُمْ عَلَى بَيْعِ الْآجُرِّ مُنْفَرِدًا، وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: صَحَّ بَيْعُهَا لِلْحَاجَةِ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمُسَمَّدَةِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا إلَّا بِإِزَالَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ السَّمَادُ، وَالطَّاهِرُ مِنْهَا غَيْرُ مَرْئِيٍّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهَا، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِدُهْنٍ نَجِسٍ لِنَحْوِ اسْتِصْبَاحٍ بِهِ عَلَى إرَادَةِ نَقْلِ الْيَدِ جَازَ، وَكَالتَّصَدُّقِ الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا، وَكَالدُّهْنِ السِّرْجِينُ وَالْكَلْبُ وَنَحْوُهُمَا. فَائِدَةٌ: سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْوَشْمِ النَّجِسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ مِنْ الْبَدَنِ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا؟ فَقَالَ: الَّذِي أَرَاهُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْوَشْمَ النَّجِسَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ امْتِنَاعَ بَيْعِ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ طَاهِرُ الْعَيْنِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 الثَّانِي: النَّفْعُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ، وَكُلِّ سَبُعٍ لَا يَنْفَعُ، وَلَا حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا، وَآلَةِ اللَّهْوِ،   [مغني المحتاج] الْحَاوِي: طَاهِرٌ أَوْ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ أَنْ لَا يَكُونَ نَجِسًا نَجَاسَةً لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ. فُرُوعٌ: يَصِحُّ بَيْعُ فَأْرَةِ الْمِسْكِ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبَيْعُ الْقَزِّ وَفِيهِ الدُّودُ وَلَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ كَالْحَيَوَانِ بِبَاطِنِهِ النَّجَاسَةُ، وَيُبَاعُ جُزَافًا وَوَزْنًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَالدُّودُ فِيهِ كَنَوَى التَّمْرِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّتِهِ بِالْوَزْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَ فِي الْكِفَايَةِ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ وَتَرْبِيَةُ الزَّرْعِ بِهِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ لِمَنْ يَصِيدُ بِهِ، أَوْ يَحْفَظُ بِهِ نَحْوَ مَاشِيَةٍ كَزَرْعٍ وَدَرْبٍ، وَتَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الَّذِي يُتَوَقَّعُ تَعْلِيمُهُ لِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِغَيْرِ مَالِكِ مَاشِيَةٍ لِيَحْفَظَهَا بِهِ إذَا مَلَكَهَا، وَلَا لِغَيْرِ صَيَّادٍ لِيَصْطَادَ بِهِ إذَا أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْخِنْزِيرِ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ الْفَهْدِ كَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَغَيْرِهِمَا. . الشَّرْطُ (الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (النَّفْعُ) أَيْ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا وَلَوْ فِي الْمَآلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) مَا لَا نَفْعَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا، فَأَخْذُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهِ مُمْتَنِعٌ لِلنَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَعَدَمُ مَنْفَعَتِهِ إمَّا لِخِسَّتِهِ كَ (الْحَشَرَاتِ) الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا جَمْعُ حَشَرَةٍ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يُذْكَرُ مِنْ مَنَافِعِهَا فِي الْخَوَاصِّ (وَ) لَا بَيْعُ (كُلِّ سَبُعٍ) أَوْ طَيْرٍ (لَا يَنْفَعُ) كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْحِدَأَةِ وَالْغُرَابِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، وَلَا نَظَرَ لِمَنْفَعَةِ الْجِلْدِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا لِمَنْفَعَةِ الرِّيشِ فِي النَّبْلِ، وَلَا لِاقْتِنَاءِ الْمُلُوكِ لِبَعْضِهَا لِلْهَيْبَةِ وَالسِّيَاسَةِ. أَمَّا مَا يَنْفَعُ مِنْ ذَلِكَ كَالْفَهْدِ لِلصَّيْدِ، وَالْفِيلِ لِلْقِتَالِ، وَالْقِرْدِ لِلْحِرَاسَةِ، وَالنَّحْلِ لِلْعَسَلِ، وَالْعَنْدَلِيبِ لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ، وَالطَّاوُوسِ لِلْأُنْسِ بِلَوْنِهِ، وَالْعَلَقِ لِامْتِصَاصِ الدَّمِ فَيَصِحُّ، وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ الرَّقِيقِ الزَّمِنِ؛ لِأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ بِعِتْقِهِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ الزَّمِنِ وَلَا أَثَرَ لِمَنْفَعَةِ جِلْدِهِ إذَا مَاتَ، وَأَمَّا لِقِلَّتِهِ كَمَا قَالَ (وَلَا) بَيْعُ (حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا) كَحَبَّةِ الشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ، وَلَا أَثَرَ لِضَمِّ ذَلِكَ إلَى أَمْثَالِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي فَخٍّ، وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ غَصْبُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ إنْ تَلِفَ إذْ لَا مَالِيَّةَ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْخِلَالِ وَالْخِلَالَيْنِ مِنْ خَشَبِ الْغَيْرِ يُحْمَلُ عَلَى عِلْمِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ السُّمِّ إنْ قَتَلَ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ، فَإِنْ نَفَعَ قَلِيلُهُ وَقَتَلَ كَثِيرُهُ كَالسَّقَمُونْيَا وَالْأَفْيُونِ جَازَ بَيْعُهُ (وَ) لَا بَيْعُ (آلَةِ اللَّهْوِ) لِلْحُرْمَةِ كَالطَّنْبُورِ وَالصَّنْجِ وَالْمِزْمَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وَقِيلَ: يَصِحُّ فِي الْآلَةِ إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا مَالًا. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ، وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ فِي الْأَصَحِّ. الثَّالِثُ   [مغني المحتاج] وَالرَّبَابِ وَالْعُودِ. وَكَذَا الْأَصْنَامُ وَالصُّوَرُ وَإِنْ اُتُّخِذَتْ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ نَقْدٍ إذْ لَا نَفْعَ بِهَا شَرْعًا (وَقِيلَ يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْآلَةِ) أَيْ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا (إنْ عُدَّ رُضَاضُهَا) وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مُكَسَّرُهَا (مَالًا) لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَوَقَّعًا كَالْجَحْشِ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا لَا يُقْصَدُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّرْدِ إلَّا إنْ صَلَحَ بَيَادِقَ فَيَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَبَيْعِ الشِّطْرَنْجِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ، وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ بَيْعِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَالصُّوَرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ آنِيَتَهُمَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ تِلْكَ، وَالصَّلِيبِ مِنْ النَّقْدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَانِي أَوْ بِالصَّنَمِ وَنَحْوِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّنَمِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَصِحُّ بَيْعُ جَارِيَةِ الْغِنَاءِ وَكَبْشِ النِّطَاحِ، وَدِيكِ الْهِرَاشِ وَلَوْ زَادَ الثَّمَنُ لِذَلِكَ قُصِدَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَصَالَةً الْحَيَوَانُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَطْبَاقِ وَالثِّيَابِ وَالْفُرُشِ الْمُصَوَّرَةِ بِصُوَرِ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَسْكَنٍ بِلَا مَمَرٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمَرٌّ، أَوْ لَهُ مَمَرٌّ وَنَفَاهُ فِي بَيْعِهِ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَسَوَاءٌ أَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنْ اتِّخَاذِ مَمَرٍّ إلَى شَارِعٍ، أَوْ مَلَكَهُ أَمْ لَا كَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَإِنْ شَرَطَ الْبَغَوِيّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى بَيْتًا مِنْهَا وَنَفَى الْمَمَرَّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ أَمْكَنَهُ اتِّخَاذُ مَمَرٍّ وَإِلَّا فَلَا فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ، وَهُوَ هُنَا دَوَامُ الْمِلْكِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ كُتُبِ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالتَّنْجِيمِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالْفَلْسَفَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ: بَلْ يَجِبُ إتْلَافُهَا لِتَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهَا. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ عَلَى الشَّطِّ) وَالْحَجَرِ عِنْدَ الْجَبَلِ (وَالتُّرَابِ بِالصَّحْرَاءِ) مِمَّنْ حَازَهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الثَّانِي مِنْ إمْكَانِ تَحْصِيلِ مِثْلِهَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ. تَنْبِيهٌ: الشَّطُّ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَهُوَ جَانِبُ الْوَادِي وَالنَّهْرِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الشِّيَاهِ، وَمِثْلُهُ لَبَنُ الْآدَمِيِّينَ بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ دَارٍ شَائِعٍ بِنِصْفِهَا الْآخَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ رُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، وَعَدَمُ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي عَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي. الشَّرْطُ (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ.   [مغني المحتاج] (إمْكَانُ تَسْلِيمِهِ) فِي بَيْعٍ غَيْرِ ضِمْنِيٍّ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيُوثَقَ بِحُصُولِ الْعِوَضِ وَلِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي مُسْلِمٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْغَرَرُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا. وَقِيلَ: مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ الْيَأْسُ مِنْ التَّسْلِيمِ، بَلْ ظُهُورُ التَّعَذُّرِ كَافٍ، وَقَدْ يَصِحُّ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى التَّسَلُّمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغْصُوبِ، وَكَكَوْنِ الْبَيْعِ ضِمْنِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِثْلُهُ مَنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. تَنْبِيهٌ: قَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَذْكُرَ أَوَّلًا مَحَلَّ الِاتِّفَاقِ ثُمَّ يَذْكُرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ، فَإِمْكَانُ تَسْلِيمِهِ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِمْكَانُ تَسَلُّمِهِ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَنْ لَا اعْتِرَاضَ لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْقُدْرَةِ بَدَلَ الْإِمْكَانِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمَجْمُوعِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ إمْكَانِهِ وَنَفْيِ الِاسْتِحَالَةِ عَنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ يَعِزُّ وُجُودُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، ثُمَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إنْ وُجِدَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيُسْتَبْدَلُ، وَإِذَا عُلِمَ اعْتِبَارُ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ) مَا يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِنْ تَعَوَّدَ الْعَوْدَ إلَى مَحَلِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوثَقُ بِهِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةُ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ. نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ النَّحْلِ الْمُوثَقَةِ أُمِّهِ، وَهِيَ يَعْسُوبُهُ وَهُوَ أَمِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْكُوَّارَةِ، وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ فِيهِمَا وَمَعَ تَخْفِيفِهَا فِي الْأُولَى الْخَلِيَّةُ، وَهِيَ بَيْتٌ يُعْمَلُ لِلنَّحْلِ مِنْ عِيدَانٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: هُوَ الْعَسَلُ فِي شَمْعِهِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ هُنَا، وَحُكِيَ أَيْضًا كَسْرُ الْكَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الْوَاوِ، وَفَارَقَ بَقِيَّةَ الطُّيُورِ بِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِالْجَوَارِحِ، وَبِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ عَادَةً إلَّا مِمَّا يَرْعَاهُ فَلَوْ تَوَقَّفَ صِحَّةُ بَيْعِهِ عَلَى حَبْسِهِ لَرُبَّمَا أَضَرَّ بِهِ، أَوْ تَعَذَّرَ بِهِ بَيْعُهُ. بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الطُّيُورِ وَالنَّادِّ، وَ (الضَّالِّ) وَالرَّقِيقِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ (وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ) مِنْ غَيْرِ غَاصِبِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ حَالًّا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: الضَّالُّ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ إنْسَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْآبِقُ فَقَالَ الثَّعَالِبِيُّ: لَا يُقَالُ لِلْعَبْدِ آبِقٌ إلَّا إذَا كَانَ ذَهَابُهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا كَدٍّ فِي الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 فَإِنْ بَاعَهُ لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] هَارِبٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا. (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (لِقَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ) دُونَهُ أَوْ الْآبِقَ لِقَادِرٍ عَلَى رَدِّهِ دُونَهُ (صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ) نَظَرًا إلَى وُصُولِهِ إلَيْهِمَا إلَّا إنْ احْتَاجَتْ قُدْرَتُهُ إلَى مُؤْنَةٍ، فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ. أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ أَوْ رَدِّهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَعَبٌ شَدِيدٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْبِرْكَةِ: أَيْ وَشَقَّ تَحْصِيلُهُ فِيهَا، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْعُ بَيْعِ الضَّالِّ وَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُمْ جَائِزٌ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي شِرَائِهِ مَنْفَعَةٌ إلَّا حُصُولُ الثَّوَابِ بِالْعِتْقِ كَالْعَبْدِ الزَّمِنِ صَحَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا،   [مغني المحتاج] بَيْعُهُ وَإِعْتَاقُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ صَحِيحٌ، وَيَكُونُ قَبْضًا فَلِمَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ هَؤُلَاءِ إذَا كَانُوا زُمَنَاءَ، بَلْ مُطْلَقًا لِوُجُودِ مَنْفَعَةٍ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الشِّرَاءُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّمِنَ لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ قَدْ حِيلَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْفَعَةٌ سِوَى الْعِتْقِ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا. وَقَوْلُ الْكَافِي: يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ التَّائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِإِعْتَاقِهِ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْحِمَارِ التَّائِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ سَمَكٍ فِي مَاءٍ، وَلَوْ فِي بِرْكَةٍ إنْ شَقَّ تَحْصِيلُهُ مِنْهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَإِنْ سَهُلَ تَحْصِيلُهُ وَلَمْ يَمْنَعْ الْمَاءُ رُؤْيَتَهُ صَحَّ، وَبُرْجُ الطَّائِرِ كَالْبِرْكَةِ لِلسَّمَكِ، وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْآبِقِ وَكَذَا الْمَغْصُوبُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُمَا وَعِتْقُهُمَا وَإِنْ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفٍ) مَثَلًا (مُعَيَّنٍ مِنْ الْإِنَاءِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا) كَثَوْبٍ نَفِيسٍ تَنْقُصُ بِقَطْعِهِ قِيمَتُهُ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ شَرْعًا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْكَسْرِ أَوْ الْقَطْعِ وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَضْيِيعُ مَالٍ وَهُوَ حَرَامٌ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ فِيهَا يَحْصُلُ بِنَصْبِ عَلَامَةٍ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ بِلَا ضَرَرٍ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَتَضَيَّقُ مَرَافِقُ الْأَرْضِ بِالْعَلَامَةِ وَتَنْقُصُ الْقِيمَةُ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهَا بِالثَّوْبِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْصَ فِيهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِهِ فِي الثَّوْبِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ ثَوْبٍ نَفِيسٍ أَنْ يُوَاطِئَ صَاحِبَهُ عَلَى شِرَائِهِ ثُمَّ يَقْطَعَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ فَيَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْقَطْعُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَلٌّ لِطَرِيقِ الْبَيْعِ فَاحْتُمِلَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِهِ عَنْ الْبَيْعِ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ يَشْتَرِيَهُ مُشَاعًا ثُمَّ يَقْطَعَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُشْتَرَكًا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ جِذْعٍ مُعَيَّنٍ فِي بِنَاءٍ، لِأَنَّ الْهَدْمَ يُوجِبُ النَّقْصَ، وَلَا بَيْعُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِدَارٍ إذَا كَانَ فَوْقَهُ شَيْءٌ أَوْ كَانَ الْجِدَارُ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ نَحْوِ طِينٍ كَخَشَبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِهَدْمِ مَا فَوْقَهُ فِي الْأُولَى وَهَدْمِ شَيْءٍ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ مِنْ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ وَلَا شَيْءَ فَوْقَهُ وَجُعِلَتْ النِّهَايَةُ نِصْفَ سُمْكِ اللَّبِنِ أَوْ الْآجُرِّ، فَإِنْ جُعِلَتْ النِّهَايَةُ صَفًّا مِنْ صُفُوفِهِمَا صَحَّ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الشِّقِّ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ رَفْعَ بَعْضِ الْجِدَارِ يُنْقِصُ قِيمَةَ الْبَاقِي فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ كَبَيْعِ جِذْعٍ فِي بِنَاءٍ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطِّينَ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنَاتِ لَا قِيمَةَ لَهُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ مِنْ جِهَةِ انْفِرَادِهِ فَقَطْ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ، بِخِلَافِ الْجِذْعِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 وَيَصِحُّ فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ. وَلَا الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] فَإِنَّ إخْرَاجَهُ يُؤَثِّرُ ضَعْفًا فِي الْجِدَارِ (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الثَّوْبِ الَّذِي لَا يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ) كَغَلِيظِ كِرْبَاسٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَخْلُو عَنْ تَغْيِيرِ الْمَبِيعِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ مِصْرَاعَيْ بَابٍ وَأَحَدِ زَوْجَيْ خُفٍّ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا بِتَفْرِيقِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ فِي ذَلِكَ لَمْ تَذْهَبْ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ تَلَافِيهِمَا بِشِرَاءِ الْبَائِعِ مَا بَاعَهُ أَوْ بِشِرَاءِ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِخِلَافِ مَالِيَّةِ الثَّوْبِ أَوْ نَحْوِهِ الَّذِي يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ فَإِنَّهَا ذَهَبَتْ بِالْكُلِّيَّةِ لَا تَدَارُكَ لَهَا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ فَصٍّ فِي خَاتَمٍ؛ لِأَنَّ فَصْلَهُ يُوجِبُ النَّقْصَ وَلَا بَيْعُ ثَلْجٍ وَبَرَدٍ وَجَمْدٍ وَهُمَا يَسِيلَانِ قَبْلَ وَزْنِهِمَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ عِنْدَ السَّيَلَانِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ وَإِنْ زَالَ الِاسْمُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بَيْضًا فَفَرَّخَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْجَمْدُ بِسُكُونِ الْمِيمِ هُوَ الْمَاءُ الْجَامِدُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. (وَلَا) يَصِحُّ بَيْعُ (الْمَرْهُونِ) بَعْدَ قَبْضِهِ (بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا. أَمَّا قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِإِذْنِ مُرْتَهِنِهِ فَيَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَيَلْتَحِقُ بِالْمَرْهُونِ كُلُّ عَيْنٍ اُسْتُحِقَّ حَبْسُهَا كَمَا لَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ أَوْ صَبَغَهُ. وَقُلْنَا الْقِصَارَةُ عَيْنٌ فَإِنَّ لَهُ الْحَبْسَ إلَى قَبْضِ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَصَّارًا عَلَى قَصْرِ ثَوْبٍ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يَقْصِرْهُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ فَكِّهِ صَحِيحٌ كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. (وَلَا) بَيْعُ (الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ (فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ كَالْمَرْهُونِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تُقَدَّمُ عَلَى الرَّهْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَرْشُ مُسْتَغْرِقًا لِقِيمَةِ الرَّقَبَةِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَوْجَبَ الْمَالَ بِإِتْلَافِ مَالٍ أَمْ لَا كَقَتْلٍ خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ أَوْ فِيهِ قِصَاصٌ وَعَفَا مُسْتَحِقُّهُ عَلَى مَالٍ. وَالثَّانِي يَصِحُّ فِي الْمُوسِرِ، وَقِيلَ: وَالْمُعْسِرِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّيِّدُ الْمُوسِرُ بِبَيْعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَقِيلَ: لَا بَلْ هُوَ عَلَى خِيَرَتِهِ إنْ شَاءَ أَمْضَى الْبَيْعَ وَإِلَّا فَسَخَ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ صَحَّ جَزْمًا، وَالْفِدَاءُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، وَلَا يُشْكِلُ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِصِحَّةِ رُجُوعِهِ عَنْ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّ مَانِعَ الصِّحَّةِ زَالَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِذِمَّةِ السَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا بَاعَ لَزِمَهُ الْمَالُ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ فَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ قَتَلَهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ فَذَاكَ وَاضِحٌ وَإِنْ تَعَذَّرَ وَلَوْ لِإِفْلَاسِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ صَبْرِهِ عَلَى الْحَبْسِ أَوْ مَوْتِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 348 وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ، وَكَذَا تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ فِي الْأَظْهَرِ الرَّابِعُ: الْمِلْكُ لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ.   [مغني المحتاج] وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَبَقَ حَقَّ الْمُشْتَرِي. نَعَمْ إنْ أَسْقَطَ الْفَسْخُ حَقَّهُ كَأَنْ كَانَ وَارِثَ الْبَائِعِ فَلَا فَسْخَ، إذْ بِهِ يَرْجِعُ الْعَبْدُ إلَى مِلْكِهِ فَيَسْقُطُ الْأَرْشُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَخَرَجَ بِبَيْعِهِ عِتْقُهُ فَيَصِحُّ مِنْ الْمُوسِرِ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّتِهِ مَعَ وُجُودِ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ، بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ الْحَقِّ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ سِوَى الرَّقَبَةِ، وَفِي اسْتِيلَادِ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِوَلَدِهَا؛ إذْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ (وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُهُ) أَيْ الْأَرْشِ بِكَسْبِهِ: كَأَنْ زَوَّجَهُ سَيِّدُهُ، وَلَا (بِذِمَّتِهِ) كَأَنْ اشْتَرَى فِيهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ وَلَا بَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، وَلَا حَجْرَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ) بِرَقَبَتِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ مَرْجُوُّ السَّلَامَةِ بِالْعَفْوِ وَيُخَافُ تَلَفُهُ بِالْقِصَاصِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُرْتَدِّ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْمَالِ مَانِعٌ وَطَرِيقَةَ الْقَوْلَيْنِ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ، وَهُوَ مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْلَى، وَلَوْ عَفَا بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى مَالٍ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْبُطْلَانَ، وَلَا يَضُرُّ تَعَلُّقُ الْقِصَاصِ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ قَطْعًا، وَلَوْ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَقُدِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ صَحَّ بَيْعُهُ كَالْمُرْتَدِّ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ. . الشَّرْطُ (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ (الْمِلْكُ) فِيهِ (لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لِحَدِيثِ «لَا بَيْعَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ. وَهَذَا الضَّابِطُ ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ وَلَمْ يَقُولُوا لِلْعَاقِدِ لِيَدْخُلَ الْمَالِكُ وَالْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَالْمُلْتَقِطُ وَالظَّافِرُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ لَكِنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَارِدٌ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمَالِكِ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَقْصُودُ إخْرَاجُهُ، وَلِهَذَا فَرَّعَ بُطْلَانَهُ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ، وَأَرَادَ الشَّارِحُ دَفْعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِمَنْ لَهُ الْعَقْدُ الْوَاقِعُ وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الصِّحَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَالْمِلْكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ، وَفِي الْقَدِيمِ مَوْقُوفٌ إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيِّتًا   [مغني المحتاج] مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَالرَّأْيُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي. قَالَ شَيْخِي وَقَدْ رَجَّحَ الْأَوَّلَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ جَامِعًا مَانِعًا. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمِلْكِ بِالتَّامِّ لِيَخْرُجَ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي. (فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ) ، وَهُوَ الْبَائِعُ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا وِلَايَةَ (بَاطِلٌ) لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ الْقَابِلَةِ لِلنِّيَابَةِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ أَوْ ابْنَتَهُ أَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ وَقَفَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا وَكِيلٍ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ بَدَلَ الْبَيْعِ لَشَمِلَ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرْتهَا (وَفِي الْقَدِيمِ) تَصَرُّفُهُ الْمَذْكُورُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا مَرَّ (مَوْقُوفٌ) وَقِيلَ لِتَصَرُّفٍ صَحِيحٍ، وَالْمَوْقُوفُ الْمِلْكُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ عَلَى الْإِجَازَةِ (إنْ أَجَازَ مَالِكُهُ) أَوْ وَلِيُّهُ (نَفَذَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ مَضَى (وَإِلَّا فَلَا) يَنْفُذُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُرْسَلًا وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " أَنَّ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ قَالَ: دَفَعَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا لِأَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَيْتُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبِعْتُ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجِئْتُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَاةٍ وَدِينَارٍ وَذَكَرْتُ لَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي، فَقَالَ «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ، فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ الْجَدِيدِ. وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّهُ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ، بِأَنَّ حَدِيثَ عُرْوَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا مُطْلَقًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَ الشَّاةَ وَسَلَّمَهَا، وَعِنْدَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْمُعْتَبَرُ إجَازَةُ مَنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَالَ الطِّفْلِ فَبَلَغَ وَأَجَازَ لَمْ يَنْفُذْ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ، فَلَوْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إنْ أَجَازَ مُتَوَلِّيهِ بَدَلَ مَالِكِهِ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْتُهُ. (وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ) أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ أَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ (ظَانًّا حَيَاتَهُ وَكَانَ مَيْتًا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. الْخَامِسُ: الْعِلْمُ بِهِ، فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ بَاطِلٌ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ تُعْلَمُ صِيعَانُهَا، وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِسُكُونِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا أَوْ بَاعَ عَبْدَ نَفْسِهِ ظَانًّا إبَاقَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ مِنْ إبَاقِهِ أَوْ فَسَخَ كِتَابَتَهُ (صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَبَيُّنِ وِلَايَتِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَالْعِبْرَةُ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ، وَالْوَقْفُ فِيهِ وَقْفُ تَبَيُّنٍ لَا وَقْفُ صِحَّةٍ، وَيُخَالِفُ إخْرَاجَ زَكَاةِ الْمَالِ شَرْطُ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا وَلَمْ يَبْنِهَا عَلَى أَصْلٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ صَحَّ النِّكَاحُ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُهُ أَمْ لَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ ثَمَّ فِي حِلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُنَا فِي وِلَايَةِ الْعَاقِدِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الرُّكْنِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِظَنِّهِ عَدَمَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا ظَنَّهُ لِغَيْرِهِ، فَبَانَ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَزَمَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ بِالصِّحَّةِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ أَبِي فَقَدْ زَوَّجْتُكَ أَمَتَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ زَوَّجْتُكَ أَمَتِي. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعِ نَظَائِرِهَا كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنْ لَا يَعْلَمَا حَالَ التَّعْلِيقِ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ ظَانًّا حَيَاتَهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ظَانًّا مَوْتَهُ يَصِحُّ جَزْمًا إذَا بَانَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَانَ مَوْتُ الْأَبِ صَحَّ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ بَاعَ هَازِلًا صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ، وَعَدَمُ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ كَظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَإِ ظَنِّهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَمَانَةً، بِأَنْ يَبِيعَ مَالَهُ لِصَدِيقِهِ خَوْفَ غَصْبٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَقَدْ تَوَافَقَا قَبْلَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ لِيَرُدَّهُ إذَا أَمِنَ، وَهَذَا كَمَا يُسَمَّى بَيْعَ الْأَمَانَةِ يُسَمَّى بَيْعَ التَّلْجِئَةِ. الشَّرْطُ (الْخَامِسُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ: (الْعِلْمُ بِهِ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ عَيْنًا فِي الْمُعَيَّنِ وَقَدْرًا وَصِفَةً فِيمَا فِي الذِّمَّةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ كَمَا مَرَّ (فَبَيْعُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ) وَنَحْوِهِمَا كَالْعَبْدَيْنِ (بَاطِلٌ) لِلْغَرَرِ (وَيَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ) وَهِيَ الْكَوْمَةُ مِنْ الطَّعَامِ (تُعْلَمُ صِيعَانُهَا) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ كَعَشْرٍ لِعَدَمِ الْغَرَرِ، وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي عُشْرَهَا، فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيعِ (وَكَذَا) يَصِحُّ (إنْ جُهِلَتْ) أَيْ صِيعَانُهَا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِتَسَاوِي أَجْزَائِهَا، وَتُغْتَفَرُ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ هُنَا، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 352 وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً، أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا، أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ، أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِير لَمْ يَصِحَّ.   [مغني المحتاج] عَلَى صَاعٍ مُبْهَمٍ لِتَعَذُّرِ الْإِشَاعَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا غَيْرُ صَاعٍ تَعَيَّنَ، وَلِلْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ مِنْ أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ وَوَسَطِهَا، إذْ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا، بِخِلَافِ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ مَجْهُولِ الذِّرَاعَانِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ لِتَفَاوُتِ الْأَجْزَاءِ كَبَيْعِ شَاةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّيَاهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ فَرَّقَ الصِّيعَانَ وَبَاعَ صَاعًا مِنْهَا. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَفَاوَتَتْ فِي الْكَيْلِ فَيَخْتَلِفُ الْغَرَضُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ فَرَّقَ صِيعَانَهَا، وَقَالَ: بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ، وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمُسَامَحَةِ: مِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُ الْبُرْجَيْنِ، وَبَاعَ أَحَدُهُمَا مَالَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْبُطْلَانُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَالصِّحَّةُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ، وَمِنْهَا شِرَاءُ كُوزِ الْفُقَّاعِ وَمَا الْمَقْصُودُ لُبُّهُ كَالْخُشْكَنَانِ، وَمِنْهَا بَيْعُ الْقَزِّ فِي بَاطِنِهِ الدُّودُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ حَيًّا أَمْ مَيِّتًا، وَسَوَاءٌ أَبَاعَهُ وَزْنًا أَمْ جُزَافًا، فَإِذَا بَاعَهُ وَزْنًا كَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولَ الْقَدْرِ، وَلَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ إلَّا صَاعًا وَصِيعَانُهَا مَعْلُومَةٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَّا أَنْ تُعْلَمَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ بَيْعِ صَاعٍ مِنْهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَبِخِلَافِ بَيْعِ جَمِيعِ الصُّبْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُحِيطُ بِظَاهِرِ الْمَبِيعِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ فَكَانَ أَقْدَرَ عَلَى تَخْمِينِ مِقْدَارِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَالَطَهُ أَعْيَانٌ أُخَرُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّخْمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحَاطَةِ الْعِيَانِ بِجَمِيعِ جَوَانِبِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك نِصْفَهَا وَصَاعًا مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ صَحَّ، بِخِلَافِ إلَّا صَاعًا مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك كُلَّ صَاعٍ مِنْ نِصْفِهَا بِدِرْهَمٍ، وَكُلَّ صَاعٍ مِنْ نِصْفِهَا الْآخَرِ بِدِرْهَمَيْنِ صَحَّ. (وَلَوْ بَاعَ بِمِلْءِ ذَا الْبَيْتِ حِنْطَةً أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ ذَهَبًا أَوْ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ) مَثَلًا: أَيْ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ الْمِقْدَارَ (أَوْ بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ) أَوْ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِأَصْلِ الْمِقْدَارِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَبِمِقْدَارِ الذَّهَبِ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِي الرَّابِعَةِ، فَإِنْ عَلِمَا قَبْلَ الْعَقْدِ مِقْدَارَ الْبَيْتِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ، وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ غَالِبٌ تَعَيَّنَ، أَوْ نَقْدَانِ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ.   [مغني المحتاج] وَالْحَصَاةِ وَثَمَنِ الْفَرَسِ وَقَالَ فِيهِ بِمِثْلٍ كَمَا مَرَّ صَحَّ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَكَذَا إنْ قَصَدَهُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِمِثْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْهُ صَحَّ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَفَلَانِ بِنَصِيبِ ابْنِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ قَدْ صَارَ لِلْمُشْتَرِي بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مِثْلِهِ إذَا قَصَدَهُ الْبَائِعُ، وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، كَأَنْ قَالَ: بِعْتُك بِمِلْءِ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي السَّلَمِ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِإِمْكَانِ الْأَخْذِ قَبْلَ تَلَفِ الْبَيْتِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِمِلْءِ كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ مَجْرُورٌ بِالْحَرْفِ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الثَّمَنِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَة وَأَصْلِهَا مِلْءَ مَنْصُوبٌ وَلَا حَرْفَ مَعَهُ فَيَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَحْسَنُ. (وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ) دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَأَطْلَقَ (وَفِي الْبَلَدِ نَقْدٌ) مِنْهَا (غَالِبٌ) وَغَيْرُ غَالِبٍ (تَعَيَّنَ) الْغَالِبُ وَلَوْ كَانَ دَرَاهِمَ عَدَدِيَّةً زَائِدَةَ الْوَزْنِ أَوْ نَاقِصَتَهُ أَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرَادَتُهُمَا لَهُ، وَلَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ انْصَرَفَ الْعَقْدُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ كَأَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِصَاعِ حِنْطَةٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْبَلَدِ نَوْعٌ مِنْهَا، وَلَوْ غَلَبَتْ الْفُلُوسُ حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا إذَا سَمَّى الْفُلُوسَ. أَمَّا إذَا سَمَّى الدَّرَاهِمَ فَلَا اهـ. تَنْبِيهٌ: لَا تَدْخُلُ هَذِهِ الصُّورَةُ وَلَا الَّتِي قَبْلَهَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ مِنْ النَّقْدِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ وَابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهَا مِنْهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالثَّمَنِ لَكَانَ أَوْلَى وَلَا يُحْتَاجُ فِي الْفُلُوسِ إلَى الْوَزْنِ بَلْ يَجُوزُ بِالْعَدِّ وَإِنْ كَانَتْ، فِي الذِّمَّةِ وَلَوْ كَانَ النَّقْدُ مَغْشُوشًا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ الْفِضَّةِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ قِلَّةُ فِضَّةِ الْمَغْشُوشِ جِدًّا ثَبَتَ الرَّدُّ إنْ اجْتَمَعَ مِنْهَا مَالِيَّةٌ لَوْ مُيِّزَتْ، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ، الْبَيْعُ كَمَا لَوْ ظَهَرَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَلَوْ بَاعَ بِوَزْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ فِضَّةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مَضْرُوبَةٌ أَوْ تِبْرٌ لَمْ يَصِحَّ لِتَرَدُّدِهِ (أَوْ) فِي الْبَلَدِ (نَقْدَانِ) فَأَكْثَرُ وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً وَ (لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا) أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ (اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ) لَفْظًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِمَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ هُنَا. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 354 وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ بَاعَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً،   [مغني المحتاج] زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعِوَضِ هُنَا وَاجِبٌ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِاللَّفْظِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، فَاكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِيمَا لَا يَجِبُ ذِكْرُهُ. أَمَّا إذَا اتَّفَقَتْ النُّقُودُ وَلَوْ صِحَاحًا وَمُكَسَّرَةً بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ قِيمَةً وَغَلَبَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِيَ أَيَّهَا شَاءَ، وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ مَعْدُومٍ أَصْلًا وَلَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ مَعْدُومٍ فِي الْبَلَدِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا إلَى أَجَلٍ لَا يُمْكِنُ فِيهِ نَقْلُهُ إلَى الْبَلَدِ عَادَةً لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ يُمْكِنُ فِيهِ النَّقْلُ عَادَةً بِسُهُولَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ صَحَّ، فَلَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ اُسْتُبْدِلَ عَنْهُ لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهُ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَكَذَا يُسْتَبْدَلُ لَوْ بَاعَ بِمَوْجُودٍ عَزِيزٍ فَلَمْ يَجِدْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيمَا إذَا عَقَدَ بِنَقْدٍ إلَّا النَّقْدَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ وَإِنْ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي حِنْطَةٍ فَرَخُصَتْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، وَلَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يَتَعَامَلُونَ بِهِ فِيهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ) لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ (كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ) قَالَ الشَّارِحُ: بِنَصَبِ كُلَّ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ بِعْتُك الصُّبْرَةَ، وَيَصِحُّ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الصُّبْرَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُشَاهَدٌ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ وَالْغَرَرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ كَمَا إذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَبْلَغَ الثَّمَنِ فِي حَالِ الْعَقْدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَارَقَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِمَا رُقِمَ: أَيْ كُتِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَجْهُولَةِ الْقَدْرِ، بِأَنَّ الْغَرَرَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ صَاعٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ وَمِثْلُ الصُّبْرَةِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذَا الثَّوْبَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ أَوْ الْعَبِيدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ الْجُمْلَةَ بَلْ بَعْضَهَا الْمُحْتَمِلَ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَلَا يُعْلَمُ قَدْرُ الْمَبِيعِ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُك صَاعًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي صَاعٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْلُومُ أَوْ بِعْتُكَهَا وَهِيَ عَشَرَةُ آصُعٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الْعَشَرَةِ فَقَطْ لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ مَا زَادَ بِحِسَابِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ (وَلَوْ) قَابَلَ جُمْلَةَ الصُّبْرَةِ أَوْ نَحْوِهَا كَأَرْضٍ وَثَوْبٍ بِجُمْلَةِ الثَّمَنِ وَبَعْضِهَا بِتَفْصِيلِهِ كَأَنْ (بَاعَهَا) أَيْ الصُّبْرَةَ أَوْ الْأَرْضَ أَوْ الثَّوْبَ (بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ) أَوْ ذِرَاعٍ (بِدِرْهَمٍ صَحَّ إنْ خَرَجَتْ مِائَةً) لِتَوَافُقِ الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ.   [مغني المحتاج] (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِائَةً، بِأَنْ خَرَجَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ الثَّمَنِ وَتَفْصِيلِهِ وَالثَّانِي يَصِحُّ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ. فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ صَاعًا بِصَاعٍ فَزَادَتْ إحْدَاهُمَا وَرَضِيَ صَاحِبُهَا بِتَسْلِيمِ الزِّيَادَةِ تَمَّ الْبَيْعُ وَلَزِمَ الْآخَرَ قَبُولُهَا أَوْ صَاحِبُ النَّاقِصَةِ بِقَدْرِهَا أَقَرَّ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَا عُيِّنَتْ كَمِّيَّتُهُ. فَإِذَا اخْتَلَّ عَنْهَا صَارَ مُبْهَمًا فَأُبْطِلَ بِخِلَافِهِ ثَمَّةَ لَمْ تُعَيَّنْ كَمِّيَّةُ صِيعَانِهِ، وَالصُّبْرَةُ النَّاقِصَةُ قَدْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى جَمِيعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ صُبْرَةً صَغِيرَةً بِقَدْرِهَا مِنْ كَبِيرَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. أَمَّا إذَا قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَلَمْ يُقَابِلْ الْأَجْزَاءَ بِالْأَجْزَاءِ كَأَنْ قَالَ بِعْتُكهَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ خَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ، فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ أَوْ أَنَا أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ وَإِذَا أَجَازَ فَبِالْمُسَمَّى فَقَطْ، أَوْ قَابَلَ الْأَجْزَاءَ بِالْأَجْزَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ كَأَنْ قَالَ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ صَاعٍ، فَهِيَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى، وَإِنْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ النُّقْصَانِ، وَخَرَّجَ الزَّائِدَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَمَتَى كَانَ الْعِوَضُ) أَوْ الْمُعَوَّضُ (مُعَيَّنًا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ مُشَاهَدًا، لِأَنَّ الْمُعَيِّنَ صَادِقٌ بِمَا عَيَّنَ بِوَصْفِهِ وَبِمَا هُوَ مُشَاهَدٌ: أَيْ مُعَايَنٌ فَالْأَوَّلُ مِنْ التَّعْيِينِ وَالثَّانِي مِنْ الْمُعَايَنَةِ: أَيْ الْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ) عَنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ اعْتِمَادًا عَلَى التَّخْمِينِ الْمَصْحُوبِ بِهَا، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَوْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ، وَهِيَ مَجْهُولَةُ الْقَدْرِ صَحَّ الْبَيْعُ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُشَاهَدَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي النَّدَمِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ بِأَنَّ مَجْهُولَ الذَّرْعِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّبْرَةَ لَا تُعْرَفُ تَخْمِينًا غَالِبًا لِتَرَاكُمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِخِلَافِ الْمَذْرُوعِ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ تَحْتَهَا دَكَّةً أَوْ مَوْضِعًا مُنْخَفِضًا أَوْ اخْتِلَافَ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ الَّذِي فِيهِ الْعِوَضُ أَوْ الْمُعَوَّضُ مِنْ نَحْوِ ظَرْفِ عَسَلٍ وَسَمْنٍ رِقَّةً وَغِلَظًا بَطَلَ الْعَقْدُ لِمَنْعِهَا تَخْمِينَ الْقَدْرِ فَيَكْثُرُ الْغَرَرُ. قَالَ شَيْخِي: لِأَنَّ التَّخْمِينَ يَضْعُفُ عِنْدَ الْعِلْمِ. نَعَمْ إنْ رَأَى ذَلِكَ قَبْلَ الْوَضْعِ فِيهِ صَحَّ الْبَيْعُ لِحُصُولِ التَّخْمِينِ، وَإِنْ جَهِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَحَلَّ مُسْتَوٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَخُيِّرَ مَنْ لَحِقَهُ النَّقْصُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ بِالْعَيْبِ، فَالْخِيَارُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّكَّةِ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الْحُفْرَةِ لِلْبَائِعِ، وَقِيلَ إنَّ مَا فِي الْحُفْرَةِ لِلْبَائِعِ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ،   [مغني المحتاج] خِيَارَ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي التَّهْذِيبِ. تَنْبِيهٌ الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَوْ لِمَنْ عَمِيَ وَقْتُهُ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْغَائِبِ) وَهُوَ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (وَالثَّانِي يَصِحُّ) إذَا وُصِفَ بِذِكْرِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْوَصْفِ، فَيَقُولُ بِعْتُك عَبْدِي التُّرْكِيَّ أَوْ فَرَسِي الْعَرَبِيَّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى هَذَا، وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى لَوْ قَالَ: بِعْتُك مَا فِي كَفِّي أَوْ مِيرَاثِي مِنْ أَبِي صَحَّ (وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) لِلْمُشْتَرِي (عِنْدَ الرُّؤْيَةِ) ، وَإِنْ وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لِحَدِيثِ «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» ، رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ خِلَافًا لِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ وَإِنْ قَوَّاهُ الْإِسْنَوِيُّ نَعَمْ إنْ وَجَدَهُ زَائِدًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إنَّهُ بَاطِلٌ وَيَنْفُذُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْفَسْخُ دُونَ الْإِجَازَةِ. وَيَمْتَدُّ الْخِيَارُ امْتِدَادَ مَجْلِسِ الرُّؤْيَةِ، وَقِيلَ عَلَى الْفَوْرِ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي رَهْنِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ وَعَلَى صِحَّتِهِمَا لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مِنْ الْجَزْمِ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَابْنِ الصَّلَاحِ فِي وَقْفِ مَا اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهُ كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ، وَكَلَامُ الْقَفَّالِ فِيمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ (تَكْفِي الرُّؤْيَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ) وَلَوْ لِمَنْ عَمِيَ وَقْتُهُ (فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ) كَالْأَرْضِ وَنَحْوِ الْحَدِيدِ وَإِنْ مَنَعْنَا بَيْعَ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَهُ بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ، وَالْغَالِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا شَاهَدَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ إذَا كَانَ حَالَ الْعَقْدِ ذَاكِرًا لِلْأَوْصَافِ، فَإِنْ نَسِيَهَا لِطُولِ الْمُدَّةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ بَيْعُ غَائِبٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي نُكَتِهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَقِيلَ: يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ حُدُوثَ عَيْبٍ فِيهِ. فَإِنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ التَّغَيُّرُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَالصِّفَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا. وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيهِ كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ، وَأُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ،   [مغني المحتاج] الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ كَالشَّرْطِ فِي الصِّفَاتِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، فَإِذَا بَانَ فَوْتُ شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ بِمَثَابَةِ الْخُلْفِ فِي الشَّرْطِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَقَالَ الْبَائِعُ: هُوَ بِحَالِهِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ تَغَيَّرَ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَدَعْوَى عِلْمِهِ بِالْغَيْبِ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ بِمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ يُمْكِنُ حُدُوثُهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا ثَمَّ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا يُفْهِمُ الصِّحَّةَ فِيمَا يَحْتَمِلُ التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ كَالْحَيَوَانِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ (دُونَ مَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا) كَالْأَطْعِمَةِ بَلْ يُوَافِقُهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ إنَّ مَفْهُومَ الْمِنْهَاجِ مُتَدَافِعٌ، فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَوَّلُ كَلَامِهِ الْبُطْلَانَ وَمَفْهُومُ آخِرِهِ الصِّحَّةَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيمَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ لَمْ تُفِدْ مَعْرِفَةَ حَالِ الْعَقْدِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْبُطْلَانُ فِيمَا تَحَقَّقَ تَغَيُّرُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَتَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ إنْ دَلَّ عَلَى بَاقِيه كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ) مِنْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا وَجَوْزٍ وَنَحْوِهِ وَأَدِقَّةٍ، وَكَأَعَالِي الْمَائِعَاتِ فِي أَوْعِيَتِهَا كَالدُّهْنِ، وَأَعْلَى التَّمْرِ فِي قَوْصَرَتِهِ وَالطَّعَامِ فِي آنِيَتِهِ، وَكَذَا الْقُطْنُ الْمُجَرَّدُ عَنْ جَوْزِهِ وَلَوْ فِي عِدْلِهِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَأَى الْبَاطِنَ إلَّا إذَا خَالَفَ الظَّاهِرَ بِنَقْصٍ بِخِلَافِ صُبْرَةِ الرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى بَاقِيهَا بَلْ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، حَتَّى لَوْ رَأَى أَحَدَ جَانِبَيْ الْبِطِّيخَةِ كَانَ كَبَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَوْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ كَالثَّوْبِ الصَّفِيقِ يُرَى أَحَدُ وَجْهَيْهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَا يَكْفِي فِي مَسْأَلَةِ الْعِنَبِ وَالْخَوْخِ وَنَحْوِهِمَا رُؤْيَةُ أَعْلَاهَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ (وَ) مِثْلُ (أُنْمُوذَجِ الْمُتَمَاثِلِ) أَيْ الْمُتَسَاوِي الْأَجْزَاءِ كَالْحُبُوبِ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تَكْفِي عَنْ رُؤْيَةِ بَاقِي الْمَبِيعِ فَلَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْمَبِيعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ خَلْطُهُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَهُ، فَإِذَا قَالَ: بِعْتُك حِنْطَةَ هَذَا الْبَيْتِ مَعَ الْأُنْمُوذَجِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْبَغَوِيَّ إنَّمَا أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ خُلِطَ بِهَا كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا رَأَى بَعْضَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 أَوْ كَانَ صِوَانًا لِلْبَاقِي خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ.   [مغني المحتاج] دُونَ بَعْضٍ. أَمَّا إذَا بَاعَهَا دُونَهُ كَأَنْ قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ وَأُنْمُوذَجٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَبِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِقْدَارٌ تُسَمِّيهِ السَّمَاسِرَةُ عَيْنًا مَعْطُوفٌ عَلَى ظَاهِرٍ مِنْ قَوْلِهِ: كَظَاهِرِ الصُّبْرَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَعْنِي مِنْ ظَاهِرٍ وَأُنْمُوذَجٍ مِثَالًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ الدَّالِّ عَلَى بَاقِيهِ، لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بَعْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ رُؤْيَةِ الْبَعْضِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِهِ فِي الْبَيْعِ (أَوْ) لَمْ يَدُلَّ عَلَى بَاقِيهِ بَلْ (كَانَ صِوَانًا) بِكَسْرِ الصَّادِ وَضَمِّهَا، وَيُقَالُ صِيَانٌ (لِلْبَاقِي) لِبَقَائِهِ (خِلْقَةً كَقِشْرِ الرُّمَّانِ وَالْبِيضِ وَالْقِشْرَةِ السُّفْلَى لِلْجَوْزِ وَاللَّوْزِ) فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ، لِأَنَّ صَلَاحَ بَاطِنِهِ فِي بَقَائِهِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ هُوَ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَ إلَخْ قَسِيمُ قَوْلِهِ: إنْ دَلَّ كَمَا قَدَّرْته. وَقَوْلُهُ: كَالْمُحَرَّرِ خِلْقَةً مَزِيدٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ صِفَةٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ جِلْدِ الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ لَا تَكْفِي، وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ الدُّرُّ فِي صَدَفِهِ وَالْمِسْكُ فِي فَأْرَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ الصِّوَانَ خِلْقِيٌّ، وَعَلَى عَكْسِهِ الْخُشْكِنَانُ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْقُطْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُمَا مَعَ أَنَّ صِوَانَهُمَا غَيْرُ خِلْقِيٍّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ يَلْتَحِقُ الْفُرُشُ وَاللُّحُفُ بِهِمَا؟ فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالظَّاهِرَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ فِيهَا مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْجُبَّةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَيْعُ كُوزِ الْفِقَاعِ كَمَا أَوْرَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْكُوزَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْخُشْكِنَانِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا صَحَّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَشُقُّ رُؤْيَتُهُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْرٌ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْعَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ غَرَرٌ يَفُوتُ بِهِ مَقْصُودٌ مُعْتَبَرٌ، وَاحْتُرِزَ بِوَصْفِ الْقِشْرَةِ بِالسُّفْلَى لِمَا ذُكِرَ، وَهِيَ الَّتِي تُكْسَرُ حَالَةَ الْأَكْلِ عَنْ الْعُلْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قَبْلَ إزَالَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ. نَعَمْ إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ السُّفْلَى كَفَتْ رُؤْيَةُ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللُّبِّ مِنْ نَحْوِ الْجَوْزِ وَحْدَهُ فِي قِشْرِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِكَسْرِ الْقِشْرِ فَيَنْقُصُ عَيْنُ الْمَبِيعِ، وَلَا بَيْعُ مَا رُئِيَ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ لِانْتِفَاءِ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ وَصَلَاحِ إبْقَائِهِ فِيهَا بِخِلَافِ رُؤْيَةِ السَّمَكِ وَالْأَرْضِ تَحْتَ الْمَاءِ الصَّافِي إذْ بِهِ صَلَاحُهُمَا. أَمَّا الْكَدِرُ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359 وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ.   [مغني المحتاج] لِأَنَّهَا تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ قَصَبِ السُّكْرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَقَطَتْ مِنْهُ حَبَّةُ رُمَّانَةٍ أَكَلَهَا، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ فِي الْأَرْضِ رُمَّانَةٌ تُلَقَّحُ إلَّا بِحَبَّةٍ مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ فَلَعَلَّهَا هَذِهِ» وَقِيلَ: إذَا أَخَذْتَ رُمَّانَةً مِنْ شَجَرَةٍ وَعَدَدْت حَبَّاتِهَا فَتَكُونُ حَبَّاتُ رُمَّانِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ كَذَلِكَ، وَإِذَا عَدَدْت شُرَّافَاتِ قُمْعِ الرُّمَّانَةِ، فَإِنْ كَانَتْ زَوْجًا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا زَوْجٌ، أَوْ فَرَدًّا فَعَدَدُ حَبَّاتِهَا فَرْدٌ. (وَتُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ كُلِّ شَيْءٍ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ (عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ) فَيُعْتَبَرُ فِي الدَّارِ رُؤْيَةُ الْبُيُوتِ وَالسُّقُوفِ وَالسُّطُوحِ وَالْجُدْرَانِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَالْبَالُوعَةِ، وَكَذَا رُؤْيَةُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الْبُسْتَانِ رُؤْيَةُ أَشْجَارِهِ وَمَجْرَى مَائِهِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمَاءِ الَّذِي تَدُورُ بِهِ الرَّحَى خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ أَسَاسِ جُدْرَانِ الْبُسْتَانِ، وَلَا رُؤْيَةُ عُرُوقِ الْأَشْجَارِ وَنَحْوِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ رَأَى آلَةَ بِنَاءِ الْحَمَّامِ وَأَرْضِهَا قَبْلَ بِنَائِهَا لَمْ يَكْفِ عَنْ رُؤْيَتِهَا كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّمْرِ رُؤْيَتُهُ رَطْبًا وَلَوْ رَأَى سَخْلَةً أَوْ ظَبْيًا فَكَمُلَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا إلَّا بِرُؤْيَةٍ أُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ رُؤْيَةُ مَا سِوَى الْعَوْرَةِ لَا اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ مُقْدَمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا وَقَوَائِمِهَا وَظَهْرِهَا حَتَّى شَعْرِهَا، فَيَجِبُ رَفْعُ الْجِلِّ وَالسَّرْجِ وَالْإِكَافِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إجْرَاؤُهَا لِيَعْرِفَ سَيْرَهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ نَشْرُهُ لِيَرَى الْجَمِيعَ، وَلَوْ لَمْ يُنْشَرْ مِثْلُهُ إلَّا عِنْدَ الْقَطْعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ مَا يَخْتَلِفُ مِنْهُ كَأَنْ يَكُونُ صَفِيقًا كَدِيبَاجٍ مُنَقَّشٍ وَبُسُطٍ، بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ وَجْهَاهُ كَكِرْبَاسٍ فَتَكْفِي رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الْأَوْرَاقِ، وَفِي الْوَرَقِ الْبَيَاضِ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الطَّاقَاتِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. وَإِنْ حُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَرُئِيَ قَبْلَ الْبَيْعِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ تَيَقُّنِ وُجُودِ قَدْرِ اللَّبَنِ الْمَبِيعِ وَلِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ، وَلَا بَيْعُ الصُّوفِ قَبْلَ الْجَزِّ أَوْ التَّذْكِيَةِ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ؛ وَلِأَنَّ تَسْلِيمَهُ إنَّمَا يُمْكِنُ بِاسْتِئْصَالِهِ وَهُوَ مُؤْلِمٌ لِلْحَيَوَانِ، فَإِنْ قَبَضَ قَبْضَةً وَقَالَ: بِعْتُك هَذِهِ صَحَّ قَطْعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَا بَيْعُ الْأَكَارِعِ وَالرُّءُوسِ قَبْلَ الْإِبَانَةِ وَلَا الْمَذْبُوحِ أَوْ جِلْدِهِ أَوْ لَحْمِهِ قَبْلَ السَّلْخِ أَوْ السَّمْطِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 360 وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ بِصِفَةِ السَّلَمِ لَا يَكْفِي، وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى وَقِيلَ: إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ فَلَا.   [مغني المحتاج] وَكَذَا مَسْلُوخٌ لَمْ يُنَقَّ جَوْفُهُ وَبِيعَ وَزْنًا، فَإِنْ بِيعَ جُزَافًا صَحَّ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا لِقِلَّةِ مَا فِي جَوْفِهِ، وَلَا بَيْعُ مِسْكٍ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لِجَهْلِ الْمَقْصُودِ كَنَحْوِ لَبَنٍ مَخْلُوطٍ بِنَحْوِ مَاءٍ. نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْجُونًا بِغَيْرِهِ كَالْغَالِيَةِ وَالنَّدِّ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُهُمَا لَا الْمِسْكِ وَحْدَهُ، وَلَوْ بَاعَ الْمِسْكَ فِي فَأْرَتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا كَاللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ، فَإِنْ رَآهَا فَارِغَةً ثُمَّ مُلِئَتْ مِسْكًا لَمْ يَرَهُ ثُمَّ رَأَى أَعْلَاهُ مِنْ رَأْسِهَا أَوْ رَآهُ خَارِجَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهَا جَازَ، وَلَوْ بَاعَهُ السَّمْنَ وَظَرْفَهُ أَوْ الْمِسْكَ وَفَأْرَتَهُ كُلَّ قِيرَاطٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا صَحَّ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمَا إنْ عَرَفَا وَزْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَانَ لِلظَّرْفِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَيَجُوزُ بَيْعُ حِنْطَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِشَعِيرٍ كَيْلًا وَوَزْنًا وَجُزَافًا. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ تُرَابِ مَعْدِنٍ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تُرَابِ صَاغَةٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ عَادَةً كَبَيْعِ اللَّحْمِ فِي الْجِلْدِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى مِنْسَجٍ قَدْ نُسِجَ بَعْضُهُ فَبَاعَهُ عَلَى أَنْ يَنْسِجَ الْبَائِعُ الْبَاقِيَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا نَصَّ عَلَيْهِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَصْفَهُ) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي يُرَادُ بَيْعُهُ (بِصِفَةِ السَّلَمِ) أَوْ سَمَاعِ وَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ (لَا يَكْفِي) عَنْ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أُمُورًا تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ، وَفِي الْخَبَرِ " لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ " وَالثَّانِي: يَكْفِي، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الرُّؤْيَةِ الْمَعْرِفَةُ وَالْوَصْفُ يُفِيدُهَا، فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِوَصْفِهِ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ مَعَ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ إنَّهُ يُفِيدُ الْقَطْعَ مُشْكِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ يَتَفَاوَتُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِيَانَ أَقْوَى، وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تُفِيدُ أُمُورًا تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ (وَيَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى) أَيْ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُسْلَمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ الصِّفَاتِ بِالسَّمَاعِ، وَمَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ وَيُوَكِّلُ مَنْ يَقْبِضُ عَنْهُ أَوْ يَقْبِضُ لَهُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَعْتَمِدُ الْوَصْفَ لَا الرُّؤْيَةَ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ كَبَيْعِهِ عَيْنًا (وَقِيلَ إنْ عَمِيَ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ) بَيْنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ خُلِقَ أَعْمَى (فَلَا) يَصِحُّ سَلَمُهُ لِانْتِفَاءِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَشْيَاءِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّهُ يَعْرِفُهَا بِالسَّمَاعِ وَيَتَخَيَّلُ فَرْقًا بَيْنَهَا كَبَصِيرٍ يُسْلِمُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ رَآهُ كَأَهْلِ خُرَاسَانَ فِي الرُّطَبِ، وَأَهْلِ بَغْدَادَ فِي الْمَوْزِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْأَعْمَى مِنْ الْعُقُودِ غَيْرُ السَّلَمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ وَيُؤْجِرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَجْهَلُهَا، وَأَنْ يَقْبَلَ الْكِتَابَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 361 باب الربا   [مغني المحتاج] عَبْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: صِحَّةُ شِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَبَيْعُهُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ وَنَحْوَهَا. وَأَمَّا مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ شَيْئًا ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَقُلْنَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا عَدَمَ الْبُطْلَانِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبَصَلِ وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى: أَيْ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ بَيْعِ النَّصِيبِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْجَارِيَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ الْقَرَارَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَى الْقَرَارَ مَعَ الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا لِلْجَهَالَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الذَّوْقُ وَالشَّمُّ فِي مِثْلِ الْخَلِّ وَالْمِسْكِ وَلَا لَمْسُ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْمَقْصُودِ يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُهَا، وَلَوْ اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلُّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيَسْقُطُ أَرْطَالٌ مُعَيَّنَةٌ بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنُ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ. وَلَوْ رَأَى ثَوْبَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ قِيمَةً وَوَصْفًا وَقَدْرًا كَنِصْفَيْ كِرْبَاسٍ فَسُرِقَ أَحَدُهُمَا وَاشْتَرَى الْآخَرَ غَائِبًا عَنْهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا الْمَسْرُوقُ صَحَّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، لَا إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ. وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ بِصِحَّتِهِ، وَهُوَ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مِنْ تَصْدِيقِ مُدَّعِيهَا. [بَابُ الرِّبَا] 1 بِالْقَصْرِ، وَأَلِفُهُ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ وَيُكْتَبُ بِهِمَا وَبِالْيَاءِ، وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 362 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ تَعَلَّمُوا الْخَطَّ مِنْ أَهْلِ الْحَرَّةِ وَلُغَتُهُمْ الرَّبْوُ، فَعَلَّمُوهُمْ صُورَةَ الْخَطِّ عَلَى لُغَتِهِمْ، وَيُقَالُ فِيهِ الرِّمَاءُ بِالْمِيمِ وَالْمَدِّ، وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ. قَالَ تَعَالَى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] أَيْ زَادَتْ وَنَمَتْ، وَشَرْعًا: عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَرِبَا الْيَدِ، وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا، وَرِبَا النَّسَا وَهُوَ الْبَيْعُ لِأَجَلٍ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ رَدُّهُ لِرِبَا الْفَضْلِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَآيَةِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ ابْنُ آدَمَ أَشَدُّ عِنْدَ اللَّهِ إثْمًا مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِلرِّبَا سَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ» وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: حَتَّى قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ. فَائِدَةٌ: رَوَى السُّبْكِيُّ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَقَالَ: يَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 363 إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا جِنْسًا اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ،   [مغني المحتاج] أَبَا عَبْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَجُلًا سَكْرَانَ يَتَفَاقَزُ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ الْقَمَرَ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ يَدْخُلُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ أَشَرُّ مِنْ الْخَمْرِ، فَقَالَ: ارْجِعْ حَتَّى أَتَفَكَّرَ فِي مَسْأَلَتِكَ فَأَتَاهُ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: امْرَأَتُكَ طَالِقٌ، إنِّي تَصَفَّحْت الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَشَرَّ مِنْ الرِّبَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِيهِ بِالْحَرْبِ: أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ أَكْلَ الرِّبَا. وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ أَيْ وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشَبَ،. وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْبَابِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ (إذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إنْ كَانَا) أَيْ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ كَانَ (جِنْسًا) وَاحِدًا كَبُرٍّ وَبُرٍّ (اُشْتُرِطَ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (الْحُلُولُ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ (وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ) لَهُمَا (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ) كَانَا (جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ) أَمْرَانِ (الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ) لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» أَيْ مُقَابَضَةً. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِنْ لَازِمِهِ الْحُلُولُ: أَيْ غَالِبًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَكْفِي الْحَوَالَةُ وَإِنْ حَصَلَ الْقَبْضُ بِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَيَكْفِي قَبْضُ الْوَكِيلِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، وَكَذَا قَبْضُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ عَبْدًا مَأْذُونًا لَهُ فَقَبَضَ سَيِّدُهُ أَوْ وَكِيلًا فَقَبَضَ مُوَكِّلُهُ لَا يَكْفِي. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي الْمَطْعُومَاتِ فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: الطُّعْمُ مَعَ التَّقْدِيرِ فِي الْجِنْسِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا رِبَا فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ كَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ، وَفِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْعِلَّةُ الطُّعْمِيَّةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الطُّعْمُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى الطَّعَامِ وَهُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ، وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ بِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 364 وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا   [مغني المحتاج] مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ (وَالطَّعَامُ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ) بِضَمِّ الطَّاءِ مَصْدَرُ طَعِمَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ أَكَلَ غَالِبًا. وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطُّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا نَادِرًا كَالْبَلُّوطِ وَالطُّرْثُوثِ، وَهُوَ نَبْتٌ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُكَلْ وَلَمْ يُوزَنْ كَمَا مَرَّ (اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا) كَمَا تُؤْخَذُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَعَلَى التَّمْرِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ وَعَلَى الْمِلْحِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِصْلَاحُ فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَالسَّقَمُونْيَا وَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ أَوْ يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَإِنَّ الْأَغْذِيَةَ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالْأَدْوِيَةَ لِرَدِّ الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاءَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الطَّعَامُ فِي الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهُ فِي الْعُرْفِ الْمَبْنِيَّةُ هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا رِبَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَدُهْنِهِ وَدُهْنِ السَّمَكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ لِلطُّعْمِ، وَلَا فِي الطِّينِ غَيْرِ الْأَرْمَنِيِّ كَالْخُرَاسَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْكَلُ سَفَهًا وَلَا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الْجِنُّ كَالْعَظْمِ أَوْ الْبَهَائِمِ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَالنَّوَى أَوْ غَلَبَ تَنَاوُلُهَا لَهُ وَإِنْ قَصَدَ لِلْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا إذَا كَانَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ، فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الرِّبَا فِيهِ، وَلَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَجَازَ بَلْعُهُ كَصِغَارِ السَّمَكِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ. وَقَدْ اشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ قَصَدَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُقْصَدُ كَالْعَظْمِ الرَّخْوِ وَأَطْرَافِ قُضْبَانِ الْعِنَبِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا الْجُلُودُ كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: أَيْ الَّتِي لَمْ تُؤْكَلْ غَالِبًا بِأَنْ خَشُنَتْ وَغَلُظَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ تَدَاوِيًا الْمَاءُ الْعَذْبُ، فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ مُطْعَمٌ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْحَلْوَى. قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: وَهُوَ غَلَطٌ صَدَرَ عَنْ ظَنٍّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَفَكُّهًا الْفَاكِهَةُ الَّتِي هِيَ الثَّمَرُ، وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْأُدْمَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَاسْتَشْكَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى اللُّغَةِ اتَّحَدَ الْمَوْضِعَانِ، أَوْ إلَى الْعُرْفِ، فَأَهْلُهُ لَا يُسَمُّونَ الْفَاكِهَةَ وَالْحَلْوَى طَعَامًا، وَيُمْكِنُ دُخُولُ الْأُدْمِ فِي التَّفَكُّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ مِنْ أَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ كَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفٌ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْبَرْنِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: هُوَ ضَرْبٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 365 وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ   [مغني المحتاج] مِنْ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوَّرٌ وَاحِدَتُهُ بَرْنِيَّةُ وَهُوَ أَجْوَدُ التَّمْرِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَنْوَاعُ التَّمْرِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَدَخَلَ بَعْضُ أَصْدِقَائِي فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ الْأَمِيرِ فَتَذَاكَرُوا أَنْوَاعَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَبَلَغَتْ أَنْوَاعُ الْأَسْوَدِ سِتِّينَ نَوْعًا، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَهُمَا جِنْسَانِ، وَاحْتُرِزَ بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ كَالْحَبِّ، فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ الْحُبُوبِ وَبِأَوَّلِ دُخُولِهِمَا فِي الرِّبَا عَنْ الْأَدِقَّةُ، فَإِنَّهَا اشْتَرَكَتْ فِي اسْمٍ خَاصٍّ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْإِضَافَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَهِيَ أَجْنَاسٌ، لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الرِّبَا قَبْلَ اشْتِرَاكِهَا فِي هَذَا الِاسْمِ الْخَاصِّ وَبِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ عَنْ الْبِطِّيخِ الْهِنْدِيِّ مَعَ الْأَصْفَرِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ وَالْجَوْزُ الْهِنْدِيَّانِ مَعَ التَّمْرِ وَالْجَوْزِ الْمَعْرُوفَيْنِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا لَيْسَ لِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا: أَيْ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لِحَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَهَذَا الضَّابِطُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَوْلَى مَا قِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الرَّافِعِيُّ. وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِاللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ كَأُصُولِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِأَنَّهَا جِنْسٌ لَا نَقْضٌ، وَحَيْثُ اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ فَتَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ إنْ تَفَرَّقَا عَنْ تَرَاضٍ وَإِلَّا فَلَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ تَفَرُّقَهُمَا حِينَئِذٍ كَلَا تَفَرُّقٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُخْتَارِ وَالْمُكْرَهِ. وَالتَّخَايُرُ وَهُوَ إلْزَامُ الْعَقْدِ قَبْلَ التَّقَابُضِ كَالتَّفَرُّقِ قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ يُبْطِلُ الْعَقْدَ الرِّبَوِيَّ سَوَاءٌ أَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَمْ لَا، وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَبْطُلْ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى أَنَّ التَّخَايُرَ بِمَنْزِلَةِ التَّفَرُّقِ وَلَوْ قَبَضَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْمُبَعَّضَ فَفِيمَا قَبَضَ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ دِينَارٍ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ وَيُسَلِّمُهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ لِيَقْبِضَ النِّصْفَ، وَيَكُونُ النِّصْفُ الثَّانِي فِي يَدِهِ أَمَانَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ عَشْرَةً فَوُجِدَتْ زَائِدَةُ الْوَزْنِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّائِدَ لِلْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقْرَضَهُ الْبَائِعُ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ تِلْكَ الْخَمْسَةَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهَا مِنْهُ فَاشْتَرَى بِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الدِّينَارِ جَازَ كَغَيْرِهَا، وَإِنْ اشْتَرَى كُلَّ الدِّينَارِ مِنْ غَيْرِهِ بِعَشْرَةٍ وَسَلَّمَهُ مِنْهَا خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ عَنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَعَ الْعَاقِدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إجَازَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا كَالتَّفَرُّقِ فَكَأَنَّهُمَا تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَلَا يُقَالُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فِيمَا قَبَضَهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ. أَمَّا مَعَ الْعَاقِدِ فَصَحِيحٌ. (وَأَدِقَّةُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 366 الْجِنْسِ، وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا أَجْنَاسٌ. وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] الْجِنْسِ وَخُلُولُهَا وَأَدْهَانُهَا) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أَدِقَّةُ (أَجْنَاسٌ) ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ دَقِيقِ الْبُرِّ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، وَخَلُّ التَّمْرِ بِخَلِّ الْعِنَبِ مُتَفَاضِلَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ خَلَّيْنِ لَا مَاءَ فِيهِمَا، وَاتَّحَدَ جِنْسُهُمَا اُشْتُرِطَ التَّمَاثُلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَكُلَّ خَلَّيْنِ فِيهِمَا مَاءٌ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ وَقُلْنَا الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا وَهُمَا جِنْسَانِ كَخَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الْخَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالْخُلُولُ تُتَّخَذُ غَالِبًا مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَيَنْتَظِمُ مِنْ هَذِهِ الْخُلُولِ عَشْرُ مَسَائِلَ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ، ثُمَّ تَأْخُذَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَلَا تَأْخُذَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّكَ قَدْ عَدَدْتَهُ قَبْلَ هَذَا فَلَا تَعُدَّهُ مَرَّةً أُخْرَى. الْأُولَى: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِمِثْلِهِ. الثَّانِيَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ. الثَّالِثَةُ: بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِمِثْلِهِ. الرَّابِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بِمِثْلِهِ. الْخَامِسَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الرُّطَبِ. السَّادِسَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ. السَّابِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. الثَّامِنَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ. التَّاسِعَةُ: بَيْعُ خَلِّ الرُّطَبِ بِخَلِّ التَّمْرِ. الْعَاشِرَةُ: بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بِخَلِّ التَّمْرِ، فَفِي خَمْسَةٌ مِنْهَا يُجْزَمُ بِالْجَوَازِ، وَفِي خَمْسَةٍ بِالْمَنْعِ، الْخَمْسَةُ الْأُولَى: خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ عِنَبٍ، خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ، خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ رُطَبٍ. وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ: خَلُّ عِنَبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ، خَلُّ رُطَبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ زَبِيبٍ، خَلُّ تَمْرٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، خَلُّ زَبِيبٍ بِخَلِّ تَمْرٍ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُخْتَلِفَةِ عَنْ الْمُتَّحِدَةِ كَأَدِقَّةِ الْقَمْحِ فَإِنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ قَطْعًا. (وَاللُّحُومُ وَالْأَلْبَانُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَاسٌ (كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُمَا فُرُوعٌ لِأُصُولٍ مُخْتَلِفَةِ الْأَجْنَاسِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَدِقَّةَ فَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِلَحْمِ الضَّأْنِ وَلَبَنِ الْبَقَرِ بِلَبَنِ الضَّأْنِ مُتَفَاضِلًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ بَعْدَهُ إلَّا بِالْإِضَافَةِ فَأَشْبَهَتْ أَنْوَاعَ التَّمْرِ كَالْمَعْقِلِيِّ وَالْبَرْنِيِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لُحُومُ الْبَقَرِ جَوَامِيسُهَا وَعِرَابُهَا جِنْسٌ، وَلَيْسَ مِنْ الْبَقَرِ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ؛ لِأَنَّ الْوَحْشِيَّ وَالْإِنْسِيَّ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسَانِ، وَلُحُومُ الْغَنَمِ ضَأْنُهَا وَمَعْزُهَا جِنْسٌ، وَالظِّبَاءُ وَالْأُيَّلُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ الْوَعِلُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ تَيْسُ الْجَبَلِ، وَيُقَالُ شَاتُهُ جِنْسٌ، وَالْأَلْبَانُ كَذَلِكَ وَالسُّمُوكُ الْمَعْرُوفَةُ جِنْسٌ، وَبَقَرُ الْمَاءِ وَغَنَمُهُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَيَوَانَاتِ الْمَاءِ أَجْنَاسٌ. وَأَمَّا الطُّيُورُ: فَالْعَصَافِيرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا جِنْسٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 367 وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، وَالْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اُعْتُبِرَ. وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ   [مغني المحتاج] وَالْبَطُّوطُ جِنْسٌ، وَكَذَا أَنْوَاعُ الْحَمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبُيُوضُ الطُّيُورِ أَجْنَاسٌ، وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْقَلْبُ وَالْكِرْشُ وَالرِّئَةُ وَالْمُخُّ أَجْنَاسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيَوَانٍ وَاحِدٍ لِاخْتِلَافِ أَسْمَائِهَا وَصِفَاتِهَا، وَشَحْمُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَاللِّسَانِ وَالرَّأْسِ وَالْأَكَارِعِ أَجْنَاسٌ، وَالْجَرَادُ لَيْسَ بِلَحْمٍ وَلَا شَحْمٍ، وَالْبِطِّيخِ الْأَخْضَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ أَجْنَاسٌ. (وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلًا) ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْوَزْنِ (وَ) فِي (الْمَوْزُونِ وَزْنًا) ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِي الْكَيْلِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ الْمَكِيلِ بِبَعْضٍ وَزْنًا، وَلَا بَيْعُ بَعْضِ الْمَوْزُونِ بِبَعْضٍ كَيْلًا (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي كَوْنِ الشَّيْءِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا (غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِظُهُورِ أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ النَّاسُ خِلَافَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ (وَمَا) لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ أَوْ كَانَ وَ (جُهِلَ) حَالُهُ وَلَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجَازِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِ سَوَاءٌ أَوْ لَمْ يُسْتَعْمَلَا فِيهِ أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَكَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ جُرْمًا مِنْ التَّمْرِ كَالْجَوْزِ فَالْوَزْنُ، إذْ لَمْ يُعْهَدْ الْكَيْلُ بِالْحِجَازِ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ جُرْمًا أَوْ كَانَ مِثْلَهُ كَاللَّوْزِ أَوْ دُونَهُ كَالْفُسْتُقِ (يُرَاعَى فِيهِ عَادَةُ بَلَدِ الْبَيْعِ) حَالَةَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ كَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى عَادَةِ النَّاسِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَقِيلَ الْكَيْلُ) ؛ لِأَنَّ أَغْلَبَ مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ مَكِيلٌ (وَقِيلَ الْوَزْنُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَأَقَلُّ تَفَاوُتًا (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ) لِلتَّسَاوِي (وَقِيلَ: إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ) مَعْلُومُ الْمِعْيَارِ (اُعْتُبِرَ) أَصْلُهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فِيهِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَعَلَى هَذَا دُهْنُ السِّمْسِمِ مَكِيلٌ وَدُهْنُ اللَّوْزِ مَوْزُونٌ اهـ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّوْزَ مَكِيلٌ فَدُهْنُهُ كَذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمِكْيَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا أَمْ لَا كَالْقَصْعَةِ، فَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْمَبِيعَيْنِ قَلِيلُ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ إنْ كَانَ مَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَظْهَرُ فِي الْمِكْيَالِ ضُرٌّ. وَأَمَّا الْمَوْزُونُ فَيَضُرُّ مُطْلَقًا لِظُهُورِ كَثِيرِهِ وَقَلِيلِهِ فِي الْوَزْنِ، وَيَكْفِي الْوَزْنُ بِالْقَبَّانِ وَالتَّسَاوِي بِكِفَّتَيْ الْمِيزَانِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ مَا فِي كُلِّ كِفَّةٍ. وَقَدْ يَتَأَتَّى الْوَزْنُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الشَّيْءُ فِي ظَرْفٍ وَيُلْقَى فِي الْمَاءِ وَيُنْظَرُ قَدْرُ غَوْصِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ وَزْنًا شَرْعِيًّا وَلَا عُرْفِيًّا، فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا وَإِنْ كَفَى فِي الزَّكَاةِ، وَأَدَاءُ الْمُسْلِمِ فِيهِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الْقَصْعَةِ. (وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الذَّهَبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 368 كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ.   [مغني المحتاج] وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ (كَطَعَامٍ بِطَعَامٍ) فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِذَهَبٍ اُشْتُرِطَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَالتَّخَايُرِ وَإِنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ جَازَ التَّفَاضُلُ أَوْ اُشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَايُرِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمَ النَّقْدِ عَلَى الطَّعَامِ مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّعَامِ أَكْثَرُ فَقُدِّمَ لِذَلِكَ. وَلَا يُقَالُ: إنْ تَقَدَّمَ مَا الْكَلَامُ فِيهِ أَقَلُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جِنْسِيَّةُ الْأَثْمَانِ غَالِبًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهَا أَيْضًا بِجَوْهَرِيَّةِ الْأَثْمَانِ غَالِبًا، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْفُلُوسِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ لَا أَنَّهَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهَا، وَاحْتُرِزَ بِغَالِبًا عَنْ الْفُلُوسِ إذَا رَاجَتْ فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا أَثَرَ لِقِيمَةِ الصَّنْعَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِدَنَانِيرَ ذَهَبًا مَصُوغًا قِيمَتُهُ أَضْعَافُ الدَّنَانِيرِ اُعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْقِيمَةِ. تَنْبِيهٌ بَيْعُ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ يُسَمَّى صَرْفًا، وَيَصِحُّ عَلَى مُعَيَّنَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ كَبِعْتُك أَوْ صَارَفْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، وَعَلَى مَوْصُوفَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ: كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ أَوْ صَارَفْتُك دِينَارًا صِفَتُهُ كَذَا فِي ذِمَّتِي بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ الضَّرْبِ الْفُلَانِيِّ فِي ذِمَّتُك، وَلَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ صَارَفْتك عَلَى دِينَارٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَ هُنَاكَ نَقْدٌ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ أَوْ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَغْلَبُ صَحَّ وَنَزَلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُعَيِّنَانِ وَيَتَقَابَضَانِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ بِمَوْصُوفٍ كَبِعْتُك هَذَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي ذِمَّتُك، وَلَا يَصِحُّ عَلَى دَيْنَيْنِ كَبِعْتُك الدِّينَارَ الَّذِي فِي ذِمَّتُك بِالْعَشَرَةِ الَّتِي لَك فِي ذِمَّتِي لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 369 وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا تَخْمِينًا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ،   [مغني المحتاج] دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَالْحِيلَةُ فِي تَمْلِيكِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا كَبَيْعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مُتَفَاضِلًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ صَاحِبِهِ بِدَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ وَيَشْتَرِي مِنْهُ بِهَا أَوْ بِهِ الذَّهَبَ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يَتَخَايَرَا لِتَضَمُّنِ الْبَيْعِ الثَّانِي إجَازَةَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِهِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ يُقْرِضُ كُلٌّ صَاحِبَهُ وَيُبْرِئُهُ أَوْ يَتَوَاهَبَا الْفَاضِلَ لِصَاحِبِهِ، وَهَذَا جَائِزٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي بَيْعِهِ وَإِقْرَاضِهِ وَهِبَتِهِ مَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ كُرِهَ قَصْدُهُ. (وَلَوْ بَاعَ جِزَافًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ طَعَامًا أَوْ نَقْدًا بِجِنْسِهِ (تَخْمِينًا) أَيْ حَزْرًا لِلتَّسَاوِي (لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ (وَإِنْ خَرَجَا سَوَاءٌ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنْ التَّمْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقِيسَ النَّقْدُ عَلَى الْمَطْعُومِ وَلِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَيُؤْخَذُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ عَدَمِ التَّخْمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ عَلِمَا تَمَاثُلَ الصُّبْرَتَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى كَيْلٍ وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا مِقْدَارَهُمَا وَأَخْبَرَ الْآخَرَ بِهِ فَصَدَّقَهُ فَكَمَا لَوْ عَلِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ نَحْوَ بُرٍّ بِأُخْرَى كَيْلًا بِكَيْلٍ أَوْ صُبْرَةَ نَحْوَ دَرَاهِمَ بِأُخْرَى وَزْنًا بِوَزْنٍ صَحَّ إنْ تَسَاوَيَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَهُمَا مُتَفَاوِتَانِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ صُبْرَةٍ بِكَيْلِهَا فِيمَا يُكَالُ أَوْ وَزْنِهَا فِيمَا يُوزَنُ مِنْ صُبْرَةٍ أَكْبَرَ مِنْهَا لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ، وَلَوْ تَفَرَّقَا فِي هَذِهِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْبَيْعُ بَعْدَ قَبْضِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ جَازَ لِحُصُولِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ الْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ لِصَاحِبِهَا، فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَبْضِ هُنَا مَا يَنْقُلُ الضَّمَانَ فَقَطْ لَا مَا يُفِيدُ التَّصَرُّفَ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ قَبْضَ مَا بِيعَ مُقَدَّرًا إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّقْدِيرِ، وَلَوْ بَاعَ صُبْرَةَ بُرٍّ بِصُبْرَةِ شَعِيرٍ جِزَافًا جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ، فَإِنْ بَاعَهَا بِهَا مُكَايَلَةً فَإِنْ خَرَجَتَا سَوَاءٌ صَحَّ وَإِنْ تَفَاضَلَتَا وَسَمَحَ رَبُّ الْمَالِ بِإِعْطَائِهِ الزَّائِدَ أَوْ رَضِيَ رَبُّ النَّاقِصِ بِقَدْرِهِ مِنْ الزَّائِدِ أُقِرَّ الْبَيْعُ وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ، وَتَقَدَّمَ مَا فِي هَذِهِ مَعَ جَوَابِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ) لِلرِّبَوِيِّ حَالَ الْكَمَالِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ (وَقْتَ الْجَفَافِ) وَتَنْقِيَتُهَا شَرْطٌ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْكَمَالِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: أَيَنْقُصُ إلَى أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 370 وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلَا بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا بِزَبِيبٍ،   [مغني المحتاج] الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ، وَإِلَّا فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ، لِأَنَّهُ إذَا نُزِعَ بَطَلَ كَمَالُهُ لِتَسَارُعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ كَمَالَهُ لَا يَبْطُلُ بِنَزْعِ نَوَاهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِي تَجْفِيفِهَا: أَيْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ نَزْعُ نَوَاهُ كَمَا أَنَّ اللَّحْمَ الْمُقَدَّدَ لَا يَبْطُلُ كَمَالُهُ بِنَزْعِ الْعَظْمِ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي فَهْمِ قَوْلِهِ (وَقَدْ يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ أَوَّلًا) فَإِنَّهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْكِتَابِ، فَقَالَ الشَّارِحُ: وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا الْآتِيَةِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ اهـ. وَهَذَا أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْحَمْلِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ إدْخَالَ الْعَصِيرِ وَالْخَلِّ مِنْ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا مَرَّ لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ إلَّا تَمْرًا وَلَا الْعِنَبُ إلَّا زَبِيبًا فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْكَمَالِ الْأَوَّلِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الْأَوْلَى كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ مِنْ الْأَوَّلِ، إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَوَّلِ اخْتِلَافُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ حِينَئِذٍ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ آخِرًا إلَّا فِي الْعَرَايَا وَلَيْسَ مُرَادًا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَوْلُهُ أَوَّلًا نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْكَمَالَ يُكْتَفَى بِالْكَمَالِ الْأَوَّلِ كَالْعَصِيرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْآخَرُ كَالْخَلِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُعْتَبَرُ الْكَمَالُ وَلَوْ أَوَّلًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَاسِدٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا كَمَالَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ، وَلَكِنَّهُ رُخِّصَ فِي بَيْعِهِ بِمِثْلِهِ جَافًّا بِشُرُوطِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ لَيْسَتْ أَوَّلَ أَحْوَالِهِ. قَالَ: وَمَعْنَى كَلَامِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ تُعْتَبَرُ وَقْتَ كَمَالِ ذَلِكَ الرِّبَوِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ الْحَلِيبُ فَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ ذَلِكَ الْوَقْتَ اهـ. وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ أَوَّلَ أَحْوَالِ الْكَمَالِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ حَالَةُ كَمَالٍ قَبْلَ الْعَصِيرِ. تَنْبِيهٌ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقِيلَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَالصَّوَابُ وَقَدْ، وَهَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُبَاعُ رَطْبُ الْمَطْعُومَاتِ بِرَطْبِهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَلَا بِجَافِّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَمَا قَالَ (فَلَا يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ فِيهِمَا (وَلَا) رَطْبُهَا بِجَافِّهَا كَرُطَبٍ (بِتَمْرٍ، وَلَا عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلَا) عِنَبٌ (بِزَبِيبٍ) وَلَا تِينٌ رَطْبٌ بِتِينٍ رَطْبٍ، وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَأُلْحِقَ بِالرَّطْبِ فِيمَا ذُكِرَ طَرِيُّ اللَّحْمِ فَلَا يُبَاعُ بِطَرِيِّهِ وَلَا بِقَدِيدِهِ مِنْ جِنْسِهِ. وَيُبَاعُ قَدِيدُهُ بِقَدِيدِهِ بِلَا عَظْمٍ وَلَا مِلْحٍ يَظْهَرُ فِي الْوَزْنِ، وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ بِحِنْطَةٍ مَبْلُولَةٍ وَإِنْ جَفَّتْ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمْرِ وَالْحَبِّ تَنَاهِي الْجَفَافِ؛ لِأَنَّهُمَا مَكِيلَانِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 371 وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ لَا يُبَاعُ أَصْلًا، وَفِي قَوْلٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا. وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق وَالْخُبْزِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ حَبًّا، وَفِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ حَبًّا أَوْ دُهْنًا،   [مغني المحتاج] الرُّطُوبَةِ فِي الْكَيْلِ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْوَزْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَالَةُ جَفَافٍ كَمَا قَالَ (وَمَا لَا جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ (وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ) وَالرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ (لَا يُبَاعُ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ (أَصْلًا) قِيَاسًا عَلَى الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ جَفَّ عَلَى نُدُورٍ لَا يُبَاعُ جَافًّا، وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْجَوَازُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْأَقْيَسُ (وَفِي قَوْلٍ) مَخْرَجٌ (تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رَطْبًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى الزَّيْتُونُ فَإِنَّهُ لَا جَفَافَ لَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيق) أَيْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ (وَالْخُبْزِ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَبِّ كَالْعَجِينِ وَالنِّشَاءِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ لِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا اُتُّخِذَ مِنْهَا كَالْفَالُوذَجِ فَإِنَّ فِيهِ النِّشَاءَ فَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِالْحَبِّ الَّذِي اُتُّخِذَ مِنْهُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حَالَةِ الْكَمَالِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَإِنَّ الدَّقِيقَ وَنَحْوَهُ يَتَفَاوَتُ فِي النُّعُومَةِ، وَالْخُبْزَ وَنَحْوَهُ يَتَفَاوَتُ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ، وَلَا تُبَاعُ حِنْطَةٌ مَقْلِيَّةٌ بِحِنْطَةٍ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِ النَّارِ فِيهَا وَلَا حِنْطَةٌ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا وَلَا بِمَا فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَبِّ بِالنُّخَالَةِ وَالْحَبِّ الْمُسَوَّسِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ لِبٌّ أَصْلًا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِرِبَوِيَّيْنِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ التَّمْرِ بِطَلْعِ الذُّكُورِ دُونَ طَلْعِ الْإِنَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ. وَأَمَّا طَلْعُ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ رِبَوِيٌّ (بَلْ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْحُبُوبِ) الَّتِي لَا دُهْنَ فِيهَا (حَبًّا) لِتَحَقُّقِهَا فِيهِمَا وَقْتَ الْجَفَافِ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي حُبُوبِ الدُّهْنِ كَالسِّمْسِمِ) بِكَسْرِ السِّينَيْنِ (حَبًّا أَوْ دُهْنًا) أَوْ كُسْبًا خَالِصًا مِنْ دُهْنِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِمِثْلِهِ وَالشَّيْرَجِ بِمِثْلِهِ وَالْكُسْبِ بِمِثْلِهِ. وَأَمَّا كُسْبُ غَيْرِ السِّمْسِمِ وَاللَّوْزِ الَّذِي لَا يَأْكُلُهُ إلَّا الْبَهَائِمُ: كَكُسْبِ الْقُرْطُمِ أَوْ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ أَكْثَرُ فَلَيْسَ بِرِبَوِيٍّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَيْسَ لِلطَّحِينَةِ قَبْلَ اسْتِخْرَاجِ الدُّهْنِ حَالَةُ كَمَالٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَا بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى بَيْعِ كُسْبٍ وَدُهْنٍ بِدُهْنٍ، وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَالْكُسْبُ الْخَالِصُ وَالشَّيْرَجُ جِنْسَانِ، وَالْأَدْهَانُ الْمُطَيِّبَةُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ وَاللِّينُوفَرِ كُلُّهَا مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْ السِّمْسِمِ فَيُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إنْ رُبِّيَ بِالطِّيبِ سِمْسِمُ الدُّهْنِ بِأَنْ طُرِحَ فِي الطِّيبِ ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ دُهْنُهُ فَإِنْ اُسْتُخْرِجَ دُهْنُهُ ثُمَّ طُرِحَ فِيهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 372 وَفِي الْعِنَبِ زَبِيبًا أَوْ خَلَّ عِنَبٍ، وَكَذَا الْعَصِيرُ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي اللَّبَنِ لَبَنًا أَوْ سَمْنًا أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا،   [مغني المحتاج] أَوْرَاقُهَا فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاطَهَا بِهَا يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ (وَ) تُعْتَبَرُ (فِي الْعِنَبِ) وَالرُّطَبِ (زَبِيبًا) وَتَمْرًا (أَوْ خَلَّ عِنَبٍ) وَرُطَبٍ (وَكَذَا الْعَصِيرُ) أَيْ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَهَيِّئٌ لِأَكْثَرِ الِانْتِفَاعَاتِ، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ بِمِثْلِهِ، وَكَذَا بَيْعُ عَصِيرِهِ بِخَلِّهِ مُتَمَاثِلًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَمَّا بَيْعُ الْخَلِّ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ حَالَتَا كَمَالٍ فَأَكْثَرُ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لِلْعَصِيرِ حَالَةُ كَمَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هَيْئَةِ كَمَالِ الْمَنْفَعَةِ، وَمِثْلُ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ عَصِيرُ الرُّمَّانِ وَالتُّفَّاحِ وَسَائِرِ الثِّمَارِ، وَكَذَا عَصِيرُ قَصَبِ السُّكَّرِ، وَالْمِعْيَارُ فِي الدُّهْنِ وَالْخَلِّ وَالْعَصِيرِ الْكَيْلُ. (وَ) تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ (فِي اللَّبَنِ لَبَنًا) خَالِصًا غَيْرَ مَشُوبٍ بِمَاءٍ أَوْ إنْفَحَةٍ أَوْ مِلْحٍ وَغَيْرَ مَغْلِيٍّ بِالنَّارِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، فَيُبَاعُ الْحَلِيبُ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا يُبَاعُ بَعْدَ سُكُونِ رَغْوَتِهِ وَالرَّائِبُ بِمِثْلِهِ وَالرَّائِبُ بِالْحَلِيبِ كَيْلًا، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ مَا يَحْوِيهِ الْمِكْيَالُ مِنْ الْخَاثِرِ أَكْثَرُ وَزْنًا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِ بِالْكَيْلِ كَالْحِنْطَةِ الصُّلْبَةِ بِالرَّخْوَةِ (أَوْ سَمْنًا) خَالِصًا مُصَفًّى بِشَمْسٍ أَوْ نَارٍ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالنَّارِ تَأْثِيرَ انْعِقَادٍ وَنُقْصَانٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَزْنًا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا عَلَى النَّصِّ، وَقِيلَ كَيْلًا، وَقِيلَ وَزْنًا إنْ كَانَ جَامِدًا وَكَيْلًا إنْ كَانَ مَائِعًا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ وَجْهَيْنِ أَطْلَقَهُمَا الْعِرَاقِيُّونَ اهـ. وَاسْتُحْسِنَ التَّوَسُّطُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ قَالَ شَيْخُنَا: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ اللَّبَنَ يُكَالُ مَعَ أَنَّهُ مَائِعٌ اهـ. وَلَا تَأْيِيدَ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ أَصْلُهُ مَائِعٌ فَأُجْرِيَ فِيهِ الْكَيْلُ، وَالسَّمْنَ أَصْلُهُ جَامِدٌ فَأُجْرِيَ فِيهِ الْوَزْنُ، وَإِنَّمَا يُؤَيِّدُهُ لَوْ فَرَّقَ فِي اللَّبَنِ بَيْنَ الْمَائِعِ وَالْخَاثِرِ بَلْ قَالُوا بِالْكَيْلِ مُطْلَقًا لِمَا قُلْنَاهُ، وَلَا يُبَاعُ زُبْدٌ بِزُبْدٍ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِمَا مِنْ اللَّبَنِ يَمْنَعُ الْمُمَاثَلَةَ، فَإِنْ قِيلَ بَيْعُ اللَّبَنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زُبْدٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّفَةَ مُمْتَزِجَةٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَخَالَفَهُ الْعَسَلُ بِشَمْعِهِ لِامْتِيَازِ الْعَسَلِ عَنْ الشَّمْعِ، وَلَا يُبَاعُ زُبْدٌ بِسَمْنٍ وَالْأَسْمَانُ أَجْنَاسٌ كَالْأَلْبَانِ (أَوْ مَخِيضًا صَافِيًا) أَيْ خَالِصًا عَنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ كَامِلَةٌ، وَالْمَخِيضُ مَا نُزِعَ زُبْدُهُ وَيُبَاعُ بِمِثْلِهِ وَبِالثَّمَنِ وَبِالزُّبْدِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ لَا يَكُونُ كَامِلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: وَهَكَذَا الْحَلِيبُ وَسَائِرُ الْأَلْبَانِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَخِيضِ الصَّرْفُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ زُبْدٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ لَمْ يُبَعْ بِمِثْلِهِ وَلَا بِزُبْدٍ وَلَا بِسَمْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، فَإِنْ قِيلَ اللَّبَنُ جِنْسٌ يَنْقَسِمُ إلَى مَخِيضٍ وَحَلِيبٍ وَرَائِبٍ فَلَا يَحْسُنُ جَعْلُ الْمَخِيضِ قَسِيمًا لِلَّبَنِ بَلْ هُوَ قِسْمٌ مِنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 373 وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ كَالْجُبْنِ وَالْأَقِطِ. وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ، وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ، وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ وَكَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ.   [مغني المحتاج] الْغَالِبُ خَلْطَ الْمَخِيضِ بِالْمَاءِ عَطَفَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قِسْمًا مِنْهُ، وَقَيَّدَهُ بِالْخَالِصِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مُقَيَّدًا بِهِ أَيْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ (وَلَا تَكْفِي الْمُمَاثَلَةُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ) أَيْ بَاقِيهَا (كَالْجُبْنِ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَبِضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ وَبِدُونِهِ (وَالْأَقِطِ) وَالْمَصْلُ وَالزُّبْدُ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ مُخَالَطَةِ شَيْءٍ فَالْجُبْنُ يُخَالِطُهُ الْإِنْفَحَةُ، وَالْأَقِطُ يُخَالِطُهُ الْمِلْحُ، وَالْمَصْلُ يُخَالِطُهُ الدَّقِيقُ، وَالزُّبْدُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ مَخِيضٍ فَلَا تَتَحَقَّقُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُ كُلٍّ مِنْهَا بِبَعْضٍ، وَلَا يُبَاعُ الزُّبْدُ بِالسَّمْنِ وَلَا اللَّبَنُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالسَّمْنِ الْمَخِيضِ. (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ مَا أَثَّرَتْ فِيهِ النَّارُ بِالطَّبْخِ أَوْ الْقَلْيِ أَوْ الشَّيِّ) ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ لَا غَايَةَ لَهُ فَيُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ حَبًّا كَانَ كَالسِّمْسِمِ أَوْ غَيْرِهِ كَاللَّحْمِ وَفِيمَا أَثَّرَتْ فِيهِ بِالْعَقْدِ كَالدِّبْسِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ، وَهُوَ عَسَلُ الْقَصَبِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِمَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ قِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا، وَاحْتُرِزَ بِكَوْنِ التَّأْثِيرِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الْحَرَارَةِ كَالْمَاءِ الْمَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَعَنْ تَأْثِيرِ التَّمْيِيزِ كَمَا قَالَ: (وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ تَمْيِيزٍ كَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ) وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّ النَّارَ فِي الْعَسَلِ لِتَمْيِيزِ الشَّمْعِ وَفِي السَّمْنِ لِتَمْيِيزِ اللَّبَنِ وَفِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِتَمْيِيزِ الْغِشِّ، وَهِيَ لَطِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا عَقَدَتْهُ امْتَنَعَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. أَمَّا قَبْلَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَسَلِ بِشَمْعِهِ بِمِثْلِهِ وَلَا بِصَافٍ لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا جَازَ كَبَيْعِ التَّمْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَفِيهِ النَّوَى. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّوَى غَيْرُ مَقْصُودِ بِخِلَافِ الشَّمْعِ فِي الْعَسَلِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ (وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ) أَيْ الْبَيْعَةُ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُصَفِّقُ يَدَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ فِي عَادَةِ الْعَرَبِ جِنْسًا (رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ) ، وَلَيْسَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ (وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ) أَيْ جِنْسُ الْمَبِيعِ (مِنْهُمَا) جَمِيعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ اشْتَمَلَ الْآخِرُ عَلَيْهِمَا (كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ) مِنْ عَجْوَةٍ (وَدِرْهَمٍ، وَ) كَذَا لَوْ اشْتَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ (كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ) أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 374 أَوْ النَّوْعُ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَبَاطِلَةٌ.   [مغني المحتاج] اشْتَمَلَا جَمِيعُهُمَا عَلَى جِنْسٍ رِبَوِيٍّ وَانْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِيهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ. (أَوْ) اخْتَلَفَ (النَّوْعُ) أَيْ نَوْعُ الْمَبِيعِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَصْفَ، بِأَنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ الْحَقِيقِيُّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا، بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ عَلَى نَوْعَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا كَمُدِّ تَمْرٍ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ بِمُدِّ تَمْرٍ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا كَمُدٍّ صَيْحَانِيٍّ وَمُدٍّ بَرْنِيِّ بِمُدَّيْ صَيْحَانِيٍّ أَوْ بَرْنِيِّ، أَوْ اخْتَلَفَ الْوَصْفُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعِهِمَا بِأَنْ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا مِنْ جِنْسٍ رِبَوِيٍّ عَلَى وَصْفَيْنِ اشْتَمَلَ الْآخَرُ عَلَيْهِمَا (كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ) تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ (بِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ أَوْ جَيِّدَةٍ وَرَدِيئَةٍ بِجَيِّدَةٍ وَرَدِيئَةٍ (أَوْ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ أَوْ بِجَيِّدَةٍ فَقَطْ أَوْ رَدِيئَةٍ فَقَطْ (فَبَاطِلَةٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «أَتَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ» وَاسْتُدِلَّ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، بِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الْآخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي بَيْعِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ وَسَيْفٍ بِأَلْفٍ وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَالسَّيْفِ خَمْسُونَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ، وَالتَّوْزِيعُ هُنَا يُؤَدِّي إلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ فَالْمُدُّ ثُلُثَا طَرَفِهِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْمُدَّيْنِ أَوْ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَالْمُدُّ ثُلُثُ طَرَفِهِ، فَيُقَابِلُهُ ثُلُثُ الْمُدَّيْنِ فَتَلْزَمُ الْمُفَاضَلَةُ أَوْ مِثْلُهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ وَهُوَ تَخْمِينٌ قَدْ يَخْطَأُ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الصُّلْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا ذَهَبًا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا فِي الصُّلْحِ، وَتَعَدُّدُ الْعَقْدِ هُنَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَاتِّحَادِهِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِهِ بِتَفْصِيلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ جَعَلَ فِي بَيْعِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمِثْلِهِمَا الْمُدَّ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدِّ أَوْ الدِّرْهَمِ، وَالدِّرْهَمَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ أَوْ الْمُدِّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 375 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] جِنْسًا مَا لَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ أَحَدُ جَانِبَيْ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَبَيْعِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ بِصَاعِ بُرٍّ وَصَاعِ شَعِيرٍ أَوْ بِصَاعَيْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، وَبَيْعِ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَآخَرَ مُكَسَّرٍ بِصَاعِ تَمْرٍ بَرْنِيِّ وَصَاعٍ مَعْقِلِيٍّ أَوْ بِصَاعَيْنِ بَرْنِيِّ أَوْ مَعْقِلِيٍّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَقَوْلُهُ رِبَوِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ الرِّبَوِيُّ ضِمْنًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَبَيْعِ سِمْسِمٍ بِدُهْنِهِ فَيَبْطُلُ لِوُجُودِ الدُّهْنِ فِي جَانِبٍ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ ضِمْنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ضِمْنًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَبَيْعِ سِمْسِمٍ بِسِمْسِمٍ فَيَصِحُّ، وَبِلَيْسَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ مَا إذَا كَانَ تَابِعًا كَبَيْعِ حِنْطَةٍ بِشَعِيرٍ وَفِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا حَبَّاتٌ مِنْ الْآخَرِ يَسِيرَةٌ بِحَيْثُ لَا يُقْصَدُ تَمْيِيزُهَا لِتُسْتَعْمَلَ وَحْدَهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ صَاعَ بُرٍّ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ مُخْتَلِطًا بِمِثْلِهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، إذْ الْمُتَوَزِّعُ شَرْطُهُ التَّمْيِيزُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَثُرَتْ حَبَّاتُ الْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ أَنَّ الْحَبَّاتِ إذَا كَثُرَتْ فِي الْجِنْسِ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ بِخِلَافِ النَّوْعِ. وَكَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ عَذْبٍ بِمِثْلِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ اُعْتُبِرَ عِلْمُ الْعَاقِدَيْنِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ لِعَدَمِ تَوَجُّهِ الْقَصْدِ إلَيْهِ غَالِبًا. وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ كَوْنَهُ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ، وَبِنَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ مَا لَوْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا فَلَا بُطْلَانَ. وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَقَدْ ظَهَرَ بِهَا مَعْدِنُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لَمْ يَصِحَّ لَلرِّبَا؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ مَقْصُودٌ بِالْمُقَابَلَةِ، فَلَوْ ظَهَرَ بِهَا الْمَعْدِنُ بَعْدَ الشِّرَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَقْصُودِ الدَّارِ وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالدَّارِ خَاصَّةٌ. فَإِنْ قِيلَ لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُفْسِدِ فِي بَابِ الرِّبَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فِي غَيْرِ التَّابِعِ. وَأَمَّا فِي التَّابِعِ فَقَدْ يُتَسَامَحُ بِجَهْلِهِ. وَالْمَعْدِنُ مِنْ تَوَابِعِ الْأَرْضِ كَالْحَمْلِ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَنَعُوا بَيْعَ ذَاتِ لَبَنٍ بِذَاتِ لَبَنٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ كَهُوَ فِي الْإِنَاءِ بِخِلَافِ الْمَعْدِنِ، وَبِأَنَّ ذَاتَ اللَّبَنِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا اللَّبَنُ، وَالْأَرْضُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَعْدِنَ. وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أُمُورٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَشْحِينًا لِلذِّهْنِ. أَحَدُهَا قَوْلُهُ وَإِذَا جَمَعَتْ الصَّفْقَةُ، خَرَجَ بِهَا مَا إذَا تَعَدَّدَتْ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ دُونَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ. ثَانِيهَا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ جِنْسًا قَبْلَ قَوْلِهِ رِبَوِيًّا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ ذَهَبًا وَفِضَّةً بِحِنْطَةٍ فَقَطْ أَوْ بِشَعِيرٍ فَقَطْ أَوْ بِهِمَا. وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ دُخُولِهِ فِي الضَّابِطِ. ثَالِثُهَا: قَوْلُهُ وَاخْتَلَفَ الْجِنْسُ مِنْهُمَا لَيْسَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ الرِّبَوِيَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَّحِدٌ كَمَا مَرَّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 376 وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَبِيعِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الرِّبَوِيِّ جِنْسٌ آخَرُ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ مِثَالِهِ. فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَبِيعُ جِنْسًا لَاسْتَقَامَ. رَابِعُهَا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ مِنْهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ بِالْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُدَّيْنِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي النَّوْعِ وَلَا فَرْقَ فَحَذَفَهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. خَامِسُهَا: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ الْآخَرُ مَقْصُودًا لِيَخْرُجَ التَّابِعُ لِلْمَقْصُودِ كَمَا مَرَّ. سَادِسُهَا: تَمْثِيلُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا كَانَ الْمَضْمُومَ إلَيْهِ رِبَوِيًّا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا فَرْقَ فِي الْجِنْسِ الْمَضْمُومِ إلَى الرِّبَوِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رِبَوِيًّا أَيْضًا أَمْ لَا كَمَا تَقَدَّمَ. سَابِعُهَا: تَمْثِيلُهُ لِاخْتِلَافِ النَّوْعِ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فِيهِ تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافُ صِفَةٍ لَا اخْتِلَافُ نَوْعٍ فَمُرَادُهُ بِالنَّوْعِ مَا لَيْسَ بِجِنْسٍ لِيَشْمَلَ النَّوْعَ وَالصِّفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَصِحَّ الْمِثَالُ. ثَامِنُهَا: أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِي الصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمُكَسَّرِ عَنْ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ. تَاسِعُهَا: لَا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، فَلَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ رَدِيءٍ وَجَيِّدٍ مُخْتَلِطَيْنِ بِمِثْلِهِ أَوْ جَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ جَازَ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَلَطَ الصِّحَاحَ بِالْمُكَسَّرَةِ. فُرُوعٌ: يَجُوزُ بَيْعُ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ وَزْنًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ قِشْرُهُمَا، وَسَيَأْتِي فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَجُوزُ بَيْعُ لُبِّ الْجَوْزِ بِلُبِّ الْجَوْزِ وَلُبِّ اللَّوْزِ بِلُبِّ اللَّوْزِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَنَعُوا بَيْعَ مَنْزُوعِ النَّوَى بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِ كَمَالِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَنْزُوعَ النَّوَى أَسْرَعُ فَسَادًا مِنْ لُبِّهِمَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ مَعَ قِشْرِهِ بِالْبَيْضِ كَذَلِكَ وَزْنًا عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا جَازَ جُزَافًا. (وَيَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالْكُلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَالْأَلْيَةِ (بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ) كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِضَأْنٍ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِنْ مَأْكُولٍ) كَبَيْعِ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالضَّأْنِ وَلَحْمِ السَّمَكِ بِالشَّاةِ وَلَحْمِ الشَّاةِ بِالْبَعِيرِ (وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَبَيْعِ لَحْمِ ضَأْنٍ بِحِمَارٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُبَاعَ الشَّاةُ بِاللَّحْمِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ،. وَنَهَى عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، وَأَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ السَّاعِدِيِّ، وَمُقَابِل الْأَظْهَرِ الْجَوَازُ. أَمَّا فِي الْمَأْكُولِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اللُّحُومَ أَجْنَاسٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 377 بَابُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَهُوَ ضِرَابُهُ، وَيُقَالُ: مَاؤُهُ،   [مغني المحتاج] فَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَوُجِّهَ بِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا. أَمَّا بَيْعُ الْجِلْدِ بِالْحَيَوَانِ فَيَصِحُّ بَعْدَ دَبْغِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ. خَاتِمَةٌ: يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ شَاةٍ بِشَاةٍ حُلِبَ لَبَنُهَا فَإِنْ بَقِيَ فِيهَا لَبَنٌ بِقَصْدِ حَلْبِهِ لِكَثْرَتِهِ أَوْ بَاعَ ذَاتَ لَبَنٍ مَأْكُولَةٍ بِذَاتِ لَبَنٍ كَذَلِكَ مِنْ جِنْسِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ فِي الضَّرْعِ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمْرُ فِي مُقَابَلَتِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيَّاتِ ذَوَاتِ اللَّبَنِ. فَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّاشِيِّ الْجَوَازُ فِيهَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ لَبَنَ الشَّاةَ فِي الضَّرْعِ لَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ. وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ، فَإِنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ. وَلَوْ بَاعَ لَبَنَ بَقَرَةٍ بِشَاةٍ فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ صَحَّ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا بَيْعُ ذَاتِ لَبَنٍ بِغَيْرِ ذَاتِ لَبَنٍ فَصَحِيحٌ وَبَيْعُ بَيْضٍ بِدَجَاجَةٍ كَبَيْعِ لَبَنٍ بِشَاةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي الدَّجَاجَةِ بَيْضٌ وَالْبَيْضُ الْمَبِيعُ بَيْضُ دَجَاجَةٍ لَمْ يَصِحَّ. وَالْأَصَحُّ، وَبَيْعُ دَجَاجَةٍ فِيهَا بَيْضٌ بِدَجَاجَةٍ كَذَلِكَ بَاطِلٌ كَبَيْعِ ذَاتِ لَبَنٍ بِمِثْلِهَا. [بَابٌ فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا] ، وَالْبُيُوعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا قِسْمَانِ: فَاسِدٌ لِاخْتِلَالِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ وَهُوَ الْمُصَدَّرُ بِهِ، وَغَيْرُ فَاسِدٍ لِكَوْنِ النَّهْيِ لَيْسَ لِخُصُوصِيَّتِهِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي، وَتَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ فِي الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ الْمَعْرُوفَةِ، وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ يَبِعْهُ مَالِكُ الطَّعَامِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ شِرَاءً فَاسِدًا إنْ أَمْكَنَ حَتَّى لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَقَالَ ( «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ) » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَهُوَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (ضِرَابُهُ) وَهُوَ بِكَسْرِ الضَّادِ طُرُوقُ الْفَحْلِ لِلْأُنْثَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (وَيُقَالُ مَاؤُهُ) وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَعَلَيْهِمَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 378 وَيُقَالُ: أُجْرَةُ ضِرَابِهِ، فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ، وَكَذَا أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَعَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَهُوَ نَتَاجُ النَّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نَتَاجَ النَّتَاجِ أَوْ بِثَمَنٍ إلَى نَتَاجِ النَّتَاجِ. وَعَنْ الْمَلَاقِيحِ وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ.   [مغني المحتاج] الْحَدِيثِ لِيَصِحَّ النَّهْيُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَسْبِ وَهُوَ الضِّرَابُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّهْيُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْإِعَارَةُ لَهُ مَحْبُوبَةٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ أُجْرَةُ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَعَلَى الثَّانِي ثَمَنُ مَائِهِ (وَيُقَالُ أُجْرَةُ ضِرَابِهِ) وَرَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي: أَيْ إنَّهُ نَهَى عَنْ بَذْلِ ذَلِكَ وَأَخْذِهِ. فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ مُقَدَّرَةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ ظَاهِرَةٌ. وَهَذَا كَافٍ فِي الْفَرْقِ (فَيَحْرُمُ ثَمَنُ مَائِهِ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي النَّهْيِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ (أُجْرَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ، وَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الضِّرَابِ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْفَحْلِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ كَالِاسْتِئْجَارِ لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَجِيرَ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَيْنٌ حَتَّى لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ، وَهَهُنَا الْمَقْصُودُ الْمَاءُ وَالْمُؤَجِّرُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِمَالِكِ الْأُنْثَى أَنْ يُعْطِيَ مَالِكَ الْفَحْلِ شَيْئًا هَدِيَّةً، وَإِعَارَتُهُ لِلضِّرَابِ مَحْبُوبَةٌ كَمَا مَرَّ. (وَ) الثَّانِي مِنْهَا النَّهْيُ (عَنْ) بَيْعِ (حَبَلِ الْحَبَلَةِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَهُوَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَغَلِطَ مَنْ سَكَّنَهَا (نَتَاجُ النَّتَاجِ بِأَنْ يَبِيعَ نَتَاجَ النَّتَاجِ) هَذَا تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ (أَوْ) يَبِيعَ شَيْئًا (بِثَمَنٍ إلَى نَتَاجِ النَّتَاجِ) وَهَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ جَهَالَةُ الْأَجَلِ. تَنْبِيهٌ الْحَبَلَةُ جَمْعُ حَابِلٍ، وَقِيلَ هُوَ مُفْرَدٌ وَهَاؤُهُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ إطْلَاقُ الْحَبَلِ عَلَى الْبَهَائِمِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ لَا يُقَالُ لِغَيْرِهِنَّ إلَّا فِي الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِلْبَهَائِمِ الْحَمْلُ بِالْمِيمِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَحْبُولُ بِهِ، وَالنَّتَاجُ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يَتَلَفَّظُ بِهِ الْفُقَهَاءُ. يُقَالُ: نُتِجَتْ النَّاقَةُ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. (وَ) الثَّالِثُ مِنْهَا النَّهْيُ (عَنْ) بَيْعِ (الْمَلَاقِيحِ) جَمْعُ مَلْقُوحٍ، وَهُوَ لُغَةً جَنِينُ النَّاقَةِ خَاصَّةً، وَشَرْعًا: أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ) مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 379 وَالْمَضَامِينِ وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ. وَالْمُلَامَسَةِ بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ. وَالْمُنَابَذَةِ بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا. وَبَيْعِ الْحَصَاةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ أَوْ يَجْعَلَا الرَّمْيَ بَيْعًا، أَوْ بِعْتُكَ وَلَك الْخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا.   [مغني المحتاج] الْأَجِنَّةِ. (وَ) الرَّابِعُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ (الْمَضَامِينِ) جَمْعُ مَضْمُونٍ كَمَجَانِينَ جَمْعُ مَجْنُونٍ أَوْ مِضْمَانٍ كَمَفَاتِيحَ جَمْعُ مِفْتَاحٍ (وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ) مِنْ الْمَاءِ. رَوَى النَّهْيَ عَنْ بَيْعِهِمَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا وَالْبَزَّارُ مُسْنَدًا، وَبُطْلَانُ بَيْعِهِمَا لِانْتِفَاءِ الشُّرُوطِ. (وَ) الْخَامِسُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ (الْمُلَامَسَةِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (بِأَنْ يَلْمَسَ ثَوْبًا مَطْوِيًّا) أَوْ فِي ظُلْمَةٍ (ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ) اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عَنْ رُؤْيَتِهِ (أَوْ يَقُولَ إذَا لَمَسْته فَقَدْ بِعْتُكَهُ) اكْتِفَاءً بِلَمْسِهِ عَنْ الصِّيغَةِ، وَبُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَعَدَمُ الصِّيغَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي. (وَ) السَّادِسُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ (الْمُنَابَذَةِ) بِالْمُعْجَمَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالنَّبْذُ الطَّرْحُ وَالْإِلْقَاءُ. قَالَ تَعَالَى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] (بِأَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا) اكْتِفَاءً بِهِ عَنْ الصِّيغَةِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَنْبِذُ إلَيْكَ ثَوْبِي بِعَشْرَةٍ فَيَأْخُذُهُ الْآخَرُ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فَقْدُ الصِّيغَةِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَاطَاةِ، فَإِنَّ الْمُنَابَذَةَ مَعَ قَرِينَةِ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعَاطَاةُ بِعَيْنِهَا. هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ النَّصَّ عَلَى الْمَنْعِ هُنَا نَصٌّ عَلَى إبْطَالِ الْمُعَاطَاةِ. وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ قَالَ: لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ فِعْلٌ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْبَيْعِ حَتَّى كَأَنَّهُ وُضِعَ عُرْفًا لِذَلِكَ، وَهَذَا مَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِ: إذَا نَبَذْت فَقَدْ بِعْت، وَحَالَةَ النَّبْذِ لَمْ يُوجَدْ قَصْدٌ وَلَا قَرِينَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الْمُعَاطَاةِ اهـ. أَوْ يَقُولُ بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي إذَا نَبَذْته إلَيْكَ لَزِمَ الْبَيْعُ وَانْقَطَعَ الْخِيَارُ، وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (وَ) السَّابِعُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ (بَيْعِ الْحَصَاةِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (بِأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا تَقَعُ هَذِهِ الْحَصَاةُ عَلَيْهِ) أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إلَى مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاةُ (أَوْ يَجْعَلَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (الرَّمْيَ) لَهَا (بَيْعًا) بِأَنْ يَقُولَ إذَا رَمَيْتَ هَذِهِ الْحَصَاةَ فَقَدْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا (أَوْ) يَجْعَلَاهُ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ بِأَنْ يَقُولَ (بِعْتُكَ وَلَك) أَوْ لِي أَوْ لِغَيْرِهِمَا (الْخِيَارُ إلَى رَمْيِهَا) وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِي الْأَوَّلِ جَهَالَةُ الْمَبِيعِ وَفِي الثَّانِي فِقْدَانُ الصِّيغَةِ، وَفِي الثَّالِثِ الْجَهْلُ بِمُدَّةِ الْخِيَارِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ عَطْفُ الثَّالِثِ عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمَا مَعْمُولَانِ لِقَوْلِهِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 380 وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، وَعَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ. وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ أَوْ ثَوْبًا وَيَخِيطَهُ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ،   [مغني المحتاج] الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الثَّانِي أَوْ يَزِيدَ لَفْظَةً يَقُولُ كَمَا قَدَّرْتُهَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ. (وَ) الثَّامِنُ مِنْهَا النَّهْيُ (عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ) هَذَا (بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ) فَخُذْ بِأَيِّهِمَا شِئْتَ أَنْتَ أَوْ شِئْتُ أَنَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِلْجَهَالَةِ (أَوْ بِعْتُكَ ذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا) أَوْ تَشْتَرِيَ دَارِي مِنِّي بِكَذَا (وَ) عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلنَّهْيِ (عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ) رَوَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَذَلِكَ (كَبَيْعٍ بِشَرْطِ بَيْعٍ) كَمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) بِشَرْطِ (قَرْضٍ) كَأَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَلْفَ وَرَفَقَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ ثَمَنًا. وَاشْتِرَاطُ الْعَقْدِ الثَّانِي فَاسِدٌ فَبَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى يَفْرِضَ التَّوْزِيعَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاقِي فَبَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَوْ عَقَدَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ إنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا بُطْلَانَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَاهُ عَلَى حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ عَلِمَا فَسَادَ الْأَوَّلِ صَحَّ، وَسَبَبُ فَسَادِ الشَّرْطِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إنَّ انْضِمَامَ الشَّرْطِ إلَى الْبَيْعِ يَبْقَى عَلَقَةً بَعْدَ الْبَيْعِ يَثُورُ بِسَبَبِهَا مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَبَطَلَ: أَعْنِي الشَّرْطَ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ لِمَعْنًى كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ بِعَشْرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُكَ لِحَصْدِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَ وَآجَرْتُك (وَلَوْ اشْتَرَى زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ) بِضَمِّ الصَّادِ وَكَسْرِهَا أَوْ وَيَحْصُدُهُ الْبَائِعُ (أَوْ ثَوْبًا) بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ أَوْ (وَيَخِيطَهُ) الْبَائِعُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَالْأَصَحُّ) مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثَةٍ (بُطْلَانُهُ) أَيْ الشِّرَاءِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ عَمَلٍ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي الْآنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ يَبْطُلُ، وَفِي الْبَيْعِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. تَنْبِيهٌ قَدْ عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِلَفْظِ الشَّرْطِ فِي الْمِثَالَيْنِ، فَقَالَ: أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَعَدَلَ إلَى مَا ذَكَرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى فَائِدَةٍ نَفِيسَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالشَّرْطِ أَوْ يَأْتِيَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْإِخْبَارِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَقَالَ: وَسَوَاءٌ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ أَوْ وَتَحْصُدُهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي الطَّرِيقَانِ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ إلَى هَذِهِ الْفَائِدَةِ وَلَا الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْته بِعَشْرَةٍ وَاسْتَأْجَرْتُك لِحَصْدِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ بِدِرْهَمٍ وَقَبِلَ، بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ وَآجَرْتُك صَحَّ الْبَيْعُ دُونَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ الْمَالِكِ لِمَحَلِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 381 وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ أَوْ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيِّنَاتِ لِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ   [مغني المحتاج] الْعَمَلِ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِالْعَشَرَةِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْبَيْعِ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ اشْتَرَى حَطَبًا مَثَلًا عَلَى دَابَّةٍ بِشَرْطِ إيصَالِهِ مَنْزِلَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ عَرَفَ مَنْزِلَهُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بِشَرْطٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعَقْدَ صَحَّ، وَلَا يَجِبُ إيصَالُهُ مَنْزِلَهُ وَإِنْ اُعْتِيدَ بَلْ يُسَلِّمُهُ لَهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَيُسْتَثْنَى) مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ (صُوَرٌ) تَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي (كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ بِشَرْطِ قَطْعِ الثَّمَرِ) وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي مَحَالِّهَا (أَوْ) بِشَرْطِ (الْأَجَلِ) فِي عَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ كَالرِّبَوِيَّاتِ (وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الْمُعَيِّنَاتِ لِثَمَنٍ) أَوْ مَبِيعٍ (فِي الذِّمَّةِ) أَمَّا الْأَجَلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] أَيْ مُعَيَّنٍ. نَعَمْ التَّأْجِيلُ بِمَا يُسْتَبْعَدُ بَقَاءُ الدُّنْيَا إلَيْهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ فَاسِدٌ كَمَا قَالَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ لَا يَرْضَى إلَّا بِهِمَا وَالتَّعْيِينُ فِي الرَّهْنِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الْوَصْفِ بِصِفَاتِ السَّلَمِ، وَفِي الْكَفِيلِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ كَمُوسِرٍ ثِقَةٍ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحْرَارَ لَا يُمْكِنُ الْتِزَامُهُمْ فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّهُ مَالٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ الضَّامِنُ رَقِيقًا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ غَيْرَ الْمَبِيعِ، فَإِنْ شَرَطَا رَهْنَهُ لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ بَعْدَ قَبْضِهِ أَمْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ الشَّرْطِ، فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ صَحَّ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الْمُعَيَّنَاتُ إلَى تَعْيِينِ الثَّلَاثَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: الْمُعَيَّنَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْعَاقِلِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: بِعِوَضٍ حَتَّى يَشْمَلَ الْمَبِيعَ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ قَدْ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك صَاعًا فِي ذِمَّتُك بِصِفَةِ كَذَا فَيَصِحُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَخَرَجَ بِقَيْدٍ فِي الذِّمَّةِ الْمُعَيَّنُ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَهَا إلَيَّ وَقْتَ كَذَا أَوْ تَرْهَنَ بِهَا كَذَا أَوْ يَضْمَنُك بِهَا فُلَانٌ فَإِنَّ الْعَقْدَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رِفْقٌ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَقِّ وَالْمُعَيَّنُ حَاصِلٌ، فَشَرْطُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَعَهُ وَاقِعٌ فِي غَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ، وَأَمَّا صِحَّةُ ضَمَانِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ فَمَشْرُوطٌ بِقَبْضِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَبِالثَّمَنِ، وَالْمَبِيعُ مَا لَوْ شُرِطَ رَهْنًا أَوْ ضَامِنًا بِدَيْنٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 382 وَالْإِشْهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الْمُعَيَّنُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ،   [مغني المحتاج] يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مَقْصُودٌ لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْكَفِيلَ مَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً مِنْ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَنْ يَتَضَامَنَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْوَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ شُرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَصْلَحَةِ عَقْدِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ. (وَ) بِشَرْطِ (الْإِشْهَادِ) عَلَى الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ سَوَاءٌ الْمُعَيَّنُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الشُّهُودِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ثُبُوتُ الْحَقِّ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِأَيِّ عُدُولٍ كَانُوا. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَيَّنَهُمْ لَمْ يَتَعَيَّنُوا، وَلَا خِيَارَ لِمَنْ شَرَطَ ذَلِكَ إذَا امْتَنَعُوا فَيَجُوزُ إبْدَالُهُمْ بِمِثْلِهِمْ أَوْ فَوْقَهُمْ فِي الصِّفَاتِ (فَإِنْ لَمْ) يَشْهَدْ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ لَمْ (يَرْهَنْ) مَا شُرِطَ رَهْنُهُ كَأَنْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ أَوْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ بَانَ مَعِيبًا قَبْلَ الْقَبْضِ (أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلْ الْمُعَيَّنُ) كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ (فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ) إنْ شُرِطَ لَهُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ إذَا فَاتَ الْمَشْرُوطُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ لِفَوَاتِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ، وَلَا يُجْبَرُ مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إذَا تَلِفَ وَلَا خِيَارَ لَهُ إنْ تَعَيَّبَ بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا إنْ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبٍ سَابِقٍ جَهِلَهُ، كَرِدَّةٍ وَسَرِقَةٍ سَابِقَيْنِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ بِمَرَضٍ سَابِقٍ، وَلَوْ تَغَيَّرَ حَالُ الْكَفِيلِ بِإِعْسَارٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَفَّلَ، أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَهُ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهُ بِالرَّهْنِ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُرْتَهِنُ بِالْعَيْبِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَرْهُونِ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أَمْكَنَهُ رَدُّ الْمَرْهُونِ كَمَا أَخَذَهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْهَلَاكُ يُوجِبُ الْقِيمَةَ فَأَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ رَهْنًا ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ، فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَلَوْ بَاعَ) رَقِيقًا (عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ) مُطْلَقًا أَوْ عَنْ الْمُشْتَرِي (فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ) لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَشَرَطَ مَوَالِيهَا أَنْ تَعْتِقَهَا وَيَكُونَ وَلَاؤُهَا لَهُمْ، فَلَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا شَرْطَ الْوَلَاءِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 383 وَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ.   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: لَا يَصِحَّانِ كَمَا لَوْ شُرِطَ بَيْعُهُ أَوْ هِبَتُهُ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا فِي النِّكَاحِ. أَمَّا إذَا شَرَطَ إعْتَاقَهُ عَنْ الْبَائِعِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، وَخَرَجَ بِإِعْتَاقِ الْمَبِيعِ شَرْطُ إعْتَاقِ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ وَشُرِطَ إعْتَاقُ بَعْضِهِ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمِقْدَارَ الْمَشْرُوطَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الصِّحَّةُ، وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ بِشَرْطِ إعْتَاقِ ذَلِكَ الْبَعْضِ صَحَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَهْجَةِ كَالْحَاوِي. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْمَشْرُوطُ إعْتَاقَهُ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ إعْتَاقِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَيَكُونُ شَرْطُهُ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ مَنْ أُقِرَّ بِحُرِّيَّتِهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي بِالْإِعْتَاقِ) ، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لَيْسَ لَهُ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَالْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ لُزِمَ بِاشْتِرَاطِهِ، وَيُثَابُ عَلَى شَرْطِهِ فَلَهُ غَرَضٌ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلِذَلِكَ قَدْ يُتَسَامَحُ فِي الثَّمَنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِمَ لَا يُقَالُ لِلْآحَادِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ حِسْبَةً، لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَوْتِ الْبَائِعِ أَوْ جُنُونِهِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ قُلْنَا: الْعِتْقُ حَقٌّ لِلْبَائِعِ، فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ قَطْعًا وَلَوْ أَسْقَطَ الْبَائِعُ حَقَّهُ سَقَطَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْإِعْتَاقِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي، وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَعْتِقَهُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ لَمْ يُجْبِرْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، وَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْحَاكِمُ عَنْهُ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا الْحَقُّ فِيهِ لِلْبَائِعِ، وَلِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْعِتْقِ اسْتِخْدَامُهُ وَأَكْسَابُهُ وَقِيمَتُهُ إنْ قُتِلَ وَلَا يُكَلَّفُ صَرْفَهَا إلَى عِتْقِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى أَمَةً كَانَ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْإِعْتَاقِ بَلْ عَلَيْهِ إعْتَاقُهَا وَلَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ وَلَوْ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ، وَلَا الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ جَنَى قَبْلَ إعْتَاقِهِ لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْبَائِعُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِجِهَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى غَيْرِهَا كَمَا لَا يُعْتَقُ الْمَنْذُورُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ فَوْرًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا طَلَبَهُ مِنْهُ الْحَاكِمُ أَوْ الْبَائِعُ أَوْ ظَنَّ فَوَاتَهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ، هَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ مَنْ اسْتَوْلَدَهَا. أَمَّا مَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 384 وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا صَحَّ وَلَوْ شَرَطَ   [مغني المحتاج] اسْتَوْلَدَهَا فَيَنْبَغِي أَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: إنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْتَاقٍ، إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ الْعِتْقِ، لَا أَنَّهَا لَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ مَا أَمْكَنَ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَعِتْقُهَا بِمَوْتِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ نَأْمُرَ الْوَارِثَ لِيُعْتِقَهَا، وَلَوْ شَرَطَ عِتْقَ حَامِلٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ أَعْتَقَهَا لَمْ يُعْتَقْ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْوِلَادَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ مَعَ الْعِتْقِ الْوَلَاءَ لَهُ) أَيْ الْبَائِعُ (أَوْ شَرَطَ تَدْبِيرَهُ) أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ (أَوْ كِتَابَتَهُ أَوْ إعْتَاقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ) مَثَلًا (لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِمُخَالَفَتِهِ مَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ " بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] وَشَرْطُ الْوَلَاءِ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ. وَأَمَّا فِي الْبَاقِي: فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُ مَا تَشَوَّفَ إلَيْهِ الشَّارِعُ مِنْ الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَاشْتِرَاطُ الْوَقْفِ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مَعَ الْعِتْقِ عَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَلَاءَ فَقَطْ بِأَنْ قَالَ: إنْ أَعْتَقْتُهُ فَوَلَاؤُهُ لِي فَإِنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ، وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِطْ الْأَصْلَ، وَلَوْ بَاعَ رَقِيقًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَقِفَهَا أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ. (وَلَوْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَالْقَبْضِ وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ أَوْ) شَرَطَ (مَا لَا غَرَضَ فِيهِ، كَشَرْطِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا كَذَا) كَهَرِيسَةٍ أَوْ لَا يَلْبَسُهُ إلَّا كَذَا كَحَرِيرٍ (صَحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا. أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ تَأْكِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ ذِكْرَهُ لَا يُوَرِّثُ تَنَازُعًا فِي الْغَالِبِ فَذِكْرُهُ فِيهَا لَغْوٌ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ إلْزَامَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ، أَوْ يَصُومَ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ، أَوْ يُصَلِّيَ الْفَرَائِضَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا فَسَدَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ. قَالَ: وَقَضِيَّتُهُ فَسَادُ الْعَقْدِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَرِيسَةِ وَالْحَرِيرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ تَصْرِيحًا بِالْبُطْلَانِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّتِمَّةِ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، فَقَالَ: وَإِذَا بَاعَهُ الْعَبْدُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ عَلَى أَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 385 وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ: كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا، أَوْ الدَّابَّةِ حَامِلًا، أَوْ لَبُونًا صَحَّ،   [مغني المحتاج] يُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي اشْتِرَاطِ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ الْبُطْلَانُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهِ إلَّا عَلَى كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَعْدُودِينَ فِي الْمُصَنِّفِينَ لَا فِي أَصْحَابِ الْوُجُوهِ. قَالَ وَقَدْ اخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ: فِي لَا يَأْكُلُ إلَّا الْهَرِيسَةَ أَنْ يُقْرَأَ بِتَاءِ الْخِطَابِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا غَرَضَ فِيهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ بِالْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ فِيهِ الْإِفْسَادُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ الْعَبْدَ كَالْإِعْتَاقِ، وَمَا قَالَاهُ بَعِيدٌ عَنْ السِّيَاقِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ نَقْلًا كَمَا بَيَّنْتُهُ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا فِي التَّتِمَّةِ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَصْلًا، وَمَسْأَلَتُنَا مَحَلُّهَا فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ إذْ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَقَدْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَأَدَّى هِيَ بِبَعْضِهَا فَيَصِحُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهَا، فَأَشْبَهَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهَا بِالتَّعْيِينِ. قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْدِيرِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَإِلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ أُدْمَيْنِ أَوْ نَوْعَيْنِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فَإِذَا شَرَطَ فَقَدْ شَرَطَ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ. قَالَ وَفِي التَّمْثِيلِ بِلِبْسِ الْحَرِيرِ نَظَرٌ إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ كَمَا لَوْ بَاعَ سَيْفًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ. وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخِي بِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمَنْظَرِ بِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ بَاعَهُ إنَاءً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِيهِ مُحَرَّمًا أَوْ سَيْفًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْطَعَ بِهِ الطَّرِيقَ أَوْ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَاقِبَهُ بِمَا لَا يَجُوزُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَيُقَاسُ بِهِ مَا يُشَابِهُهُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ الدَّارَ عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَهَا بِأَلْفٍ صَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَهَا. (وَلَوْ شَرَطَ) الْبَائِعِ بِمُوَافَقَةِ الْمُشْتَرِي حَبْسَ الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزَّمَنَ الْحَالَّ لَا الْمُؤَجَّلَ وَخَافَ فَوْتَ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْبُدَاءَةِ بِالْبَائِعِ صَحَّ؛ لِأَنَّ حَبْسَهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ حِينَئِذٍ بِالتَّسْلِيمِ لِلْبَائِعِ. (وَلَوْ شَرَطَ وَصْفًا يُقْصَدُ كَكَوْنِ الْعَبْدِ كَاتِبًا أَوْ الدَّابَّةِ) أَوْ الْأَمَةِ (حَامِلًا أَوْ) الدَّابَّةِ (لَبُونًا) أَيْ ذَاتَ لَبَنٍ (صَحَّ) الْعَقْدُ مَعَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَغْرَاضُ؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْتِزَامُهُ عَلَى إنْشَاءِ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَإِنْ سُمِّيَ شَرْطًا تَجَوُّزًا فَإِنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقْبَلًا، وَيَكْفِي فِي الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا الِاسْمُ. نَعَمْ لَوْ شَرَطَ حُسْنَ الْخَطِّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحْسَنٍ فِي الْعُرْفِ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَوْ شَرَطَ وَضْعَ الْحَمْلِ لِشَهْرٍ مَثَلًا أَوْ أَنَّهَا تَدِرُّ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فِيهِمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 386 وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ أَخْلَفَ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ، وَلَا الْحَامِلِ دُونَهُ وَلَا الْحَامِلِ بِحُرٍّ.   [مغني المحتاج] وَغَيْرُ مُنْضَبِطٍ فِي الثَّانِيَةِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكْتُبَ الْعَبْدُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ وَرَقَاتٍ مَثَلًا. تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ: وَلَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الدَّابَّةِ بِالْحَيَوَانِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الْأَمَةَ، فَإِنَّ حُكْمَهَا كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى اللُّغَةِ فَهُوَ كَالتَّعْبِيرِ بِالْحَيَوَانِ (وَلَهُ الْخِيَارُ) فَوْرًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (إنْ أَخْلَفَ) الْمَشْرُوطَ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي الدَّابَّةِ) بِصُورَتَيْهَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْخُلْفِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَعَهَا شَيْئًا مَجْهُولًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَهَا وَحَمْلَهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَصْفُ بِهِ لَا إدْخَالُهُ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَخَرَجَ بِيُقْصَدُ مَا لَا يُقْصَدُ بَلْ هُوَ مِنْ الْعُيُوبِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ بِفَوَاتِهِ، بَلْ إنْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فِي حُكْمِ الرِّضَا بِالْعَيْبِ، وَلَوْ شَرَطَ ثُيُوبَتَهَا فَخَرَجَتْ بِكْرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهُ خَصِيٌّ فَبَانَ فَحْلًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، قَالُوا: لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْحُرُمِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَمْسُوحُ، وَإِلَّا فَبَاقِي الذَّكَرِ كَالْفَحْلِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ مِنْهُ. (وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ وَمِثْلُهَا الْأَمَةُ (وَحَمْلَهَا) أَوْ بِعْتُكَهَا وَلَبَنَ ضَرْعِهَا (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِجَعْلِهِ الْحَمْلَ أَوْ اللَّبَنَ الْمَجْهُولَ مَبِيعًا مَعَ الْمَعْلُومِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا بِشَرْطِ كَوْنِهَا حَامِلًا أَوْ لَبُونًا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ وَصْفًا تَابِعًا، وَبَيْضُ الطَّيْرِ كَالْحَمْلِ. وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَضُرُّ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْجِدَارَ بِأَسَاسِهِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ، بِأَنَّ الْأَسَاسَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْجِدَارِ فَذِكْرُهُ ذِكْرٌ لِمَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَلَا يَضُرُّ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ، وَالْحَمْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُسَمَّى الْبَهِيمَةِ، فَإِذَا ذَكَرَ فَقَدْ ذَكَرَ شَيْئًا مَجْهُولًا وَبَاعَهُ مَعَ الْمَعْلُومِ، وَدُخُولُهُ تَبَعًا لَا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهُ فِي مُسَمَّى اللَّفْظِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْجُبَّةِ بِحَشْوِهَا لِدُخُولِ الْحَشْوِ فِي مُسَمَّى الْجُبَّةِ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْأَسَاسِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ أَوْ مَعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْأَمْثِلَةِ، وَإِنْ فَرَّقَ السُّبْكِيُّ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْبَاءِ فَقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الْوَاوِ وَبِالصِّحَّةِ مَعَ الْبَاءِ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَمْلِ وَحْدَهُ) لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَهَذِهِ مُكَرَّرَةٌ، فَإِنَّهُ عَيَّنَ بَيْعَ الْمَلَاقِيحِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَلَا) بَيْعُ (الْحَامِلِ دُونَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ فَلَا يُسْتَثْنَى كَأَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ (لَا) بَيْعُ (الْحَامِلِ بِحُرٍّ) إلْحَاقًا لِلِاسْتِثْنَاءِ الشَّرْعِيِّ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْحِسِّيِّ، وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 387 وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا مُطْلَقًا دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ. فَصْلٌ وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطِلُ لِرُجُوعِهِ: إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدُمَ غَرِيبٌ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ   [مغني المحتاج] بَيْعُ الْحَامِلِ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ، فَلَوْ وَكَّلَ مَالِكُ الْحَمْلِ مَالِكَ الْأُمِّ فَبَاعَهُمَا دُفْعَةً لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَشْكُلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْحَامِلِ بِحُرٍّ أَوْ بِرَقِيقٍ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ صِحَّةُ بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَعَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَدْخُلُ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَاهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ أَشْدُ اتِّصَالًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ إفْرَادِهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِهِ، وَبِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمَنْفَعَةِ قَدْ وَرَدَ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ لِمَا بَاعَ جَمَلَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَثْنَى ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. (وَلَوْ بَاعَ حَامِلًا) حَمْلُهَا لَهُ (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِدُخُولٍ أَوْ عَدَمِهِ (دَخَلَ الْحَمْلُ فِي الْبَيْعِ) تَبَعًا لَهَا بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا إذَا كَانَ حَمْلُهَا لِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ وَضَعَتْ وَلَدًا ثُمَّ بَاعَهَا مَالِكُهَا فَوَضَعَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَدًا آخَرَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَفِي أَوَاخِرِ النِّهَايَةِ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ فِي مِلْكِهِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مُسْتَدِلَّيْنِ بِهِ عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ الْكِتَابَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَنْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ وَهِمَ. [فَصْلٌ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْبُيُوعِ نَهْيًا لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا] ، وَفِيهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (وَمِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَا لَا يُبْطِلُ) بِضَمِّ الْيَاءِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ: أَيْ مَعَ كَسْرِ الطَّاءِ: أَيْ النَّهْيُ فِيهِ الْبَيْعَ وَيَجُوزُ فَتْحُ الطَّاءِ مَعَ ضَمِّ الْيَاءِ أَيْضًا وَعَكْسُهُ وَالضَّمِيرُ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالضَّمِيرُ فِي (لِرُجُوعِهِ) يَعُودُ إلَى النَّهْيِ لِدَلَالَةِ الْمَنْهِيِّ عَلَيْهِ (إلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ) لَا إلَى ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلْبَيْعِ بِخُصُوصِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، فَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنْ الصُّوَرِ يَصِحُّ فِيهَا الْبَيْعُ وَيَحْرُمُ إلَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ آخِرَ الْفَصْلِ وَلَوْ قَدَّمَهُمَا عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَقَالَ (كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ بِأَنْ يَقْدُمَ) شَخْصٌ (غَرِيبٌ) أَوْ غَيْرُهُ (بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ) أَيْ حَاجَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ (إلَيْهِ) كَالطَّعَامِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِبَيْعِهِ سَعَةٌ فِي الْبَلَدِ لِقِلَّتِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 388 لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ بَلَدِيٌّ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى. وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ: بِأَنْ يَتَلَقَّى طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا إلَى الْبَلَدِ   [مغني المحتاج] أَوْ لِعُمُومِ وُجُودِهِ وَرُخْصِ السِّعْرِ، أَوْ لِكِبَرِ الْبَلَدِ (لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ) أَيْ حَالًّا (فَيَقُولُ) لَهُ شَخْصٌ (بَلَدِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ (اُتْرُكْهُ عِنْدِي) أَوْ عِنْدَ غَيْرِي (لِأَبِيعَهُ) لَكَ (عَلَى التَّدْرِيجِ) أَيْ شَيْئًا فَشَيْئًا (بِأَغْلَى) مِنْ بَيْعِهِ حَالًّا، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» زَادَ مُسْلِمٌ «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: زَادَ مُسْلِمٌ «دَعُوا النَّاسَ فِي غَفَلَاتِهِمْ» إلَخْ وَالْمَعْنَى فِي التَّحْرِيمِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ الْتَمَسَهُ الْبَادِي مِنْهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ ابْتِدَاءً: أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ لِتَبِيعَهُ بِالتَّدْرِيجِ أَوْ انْتَفَى عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَأَنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أَصْلًا أَوْ إلَّا نَادِرًا أَوْ عَمَّتْ وَقَصَدَ الْبَدْوِيُّ بَيْعَهُ بِالتَّدْرِيجِ فَسَأَلَهُ الْحَضَرِيُّ أَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهِ، أَوْ قَصَدَ بَيْعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَقَالَ لَهُ اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ، وَلِهَذَا اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ الْحَضَرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَمْكِينُ الْمُحْرِمِ مِنْ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِرْشَادِ إلَى التَّأْخِيرِ فَقَطْ وَقَدْ انْقَضَتْ لَا الْإِرْشَادِ مَعَ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ الصَّادِرُ مِنْهُ. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا تَضْيِيقَ فِيهِ لَا سِيَّمَا إذَا صَمَّمَ الْمَالِكُ عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُبَاشِرْهُ الْمُشِيرُ عَلَيْهِ بَاشَرَهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ الْحَلَالَ الْمُحْرِمَ مِنْ الْوَطْءِ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ بِنَفْسِ الْوَطْءِ، وَلَوْ اسْتَشَارَهُ الْبَدَوِيُّ فِيمَا فِيهِ حَظُّهُ فَفِي وُجُوبِ إرْشَادِهِ إلَى الِادِّخَارِ وَالْبَيْعِ بِالتَّدْرِيجِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا يَجِبُ إرْشَادُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَمِيلُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي لَا تَوْسِيعًا عَلَى النَّاسِ، وَلَوْ قَدِمَ الْبَادِي يُرِيدُ الشِّرَاءَ فَتَعَرَّضَ لَهُ حَاضِرٌ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ رَخِيصًا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسِّمْسَارِ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ تَرَدُّدٌ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: هُوَ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمُ بِهِ، وَالْحَاضِرُ: سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ، وَهِيَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ، وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخَصْبٌ، وَالْبَادِي: سَاكِنُ الْبَادِيَةِ، وَهِيَ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَاضِرِ وَالْبَادِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ أَيُّ شَخْصٍ كَانَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ (وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ بِأَنْ يَتَلَقَّى) شَخْصٌ (طَائِفَةً يَحْمِلُونَ مَتَاعًا) طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ (إلَى الْبَلَدِ) مَثَلًا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 389 فَيَشْتَرِيَهُ قَبْلَ قُدُومِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ، وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا عَرَفُوا الْغَبْنَ. وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ. وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ   [مغني المحتاج] (فَيَشْتَرِيَهُ) مِنْهُمْ (قَبْلَ قُدُومِهِمْ) الْبَلَدَ (وَمَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّعْرِ) فَيَعْصِي بِالشِّرَاءِ وَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّلَقِّيَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ لِلْبَيْعِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ احْتِمَالُ غَبْنِهِمْ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُمْ الْمُشْتَرِي كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبِرْ (وَلَهُمْ الْخِيَارُ إذَا) غُبِنُوا، وَ (عَرَفُوا الْغَبْنَ) وَلَوْ قَبْلَ قُدُومِهِمْ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «لَا تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إلَى السُّوقِ، فَمَنْ تَلَقَّاهَا فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ» وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنْ الْتَمَسُوا الْبَيْعَ مِنْهُ وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِمْ بِالسِّعْرِ، أَوْ لَمْ يَغْبِنُوا كَأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِسِعْرِ الْبَلَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَهُمْ عَالِمُونَ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى السَّابِقِ، وَكَذَا لَا خِيَارَ لَهُمْ إذَا كَانَ التَّلَقِّي بَعْدَ دُخُولِ الْبَلَدِ وَلَوْ خَارِجَ السُّوقِ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِمْ الْأَسْعَارَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَلَقِّينَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْرِفُوا الْغَبْنَ حَتَّى رَخُصَ السِّعْرُ وَعَادَ إلَى مَا بَاعُوا بِهِ فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ ثُبُوتِهِ كَمَا فِي زَوَالِ عَيْبِ الْمَبِيعِ وَإِنْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ لِلْبَيْعِ مِنْهُمْ كَالتَّلَقِّي لِلشِّرَاءِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنْ رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مُقَابِلَهُ، وَبَعْضُهُمْ نَسَبَ لِلْأَذْرَعِيِّ خِلَافَ ذَلِكَ فَاحْذَرْهُ، وَالرُّكْبَانِ جَمْعُ رَاكِبٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ الْقَادِمُ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مَاشِيًا. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ (وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ) لِخَبَرِ «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ، وَذِكْرُ الرَّجُلِ وَالْأَخِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ بَلْ الْأَوَّلُ: لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. وَالثَّانِي: لِلرَّأْفَةِ وَالْعَطْفِ، فَغَيْرُهُمَا مِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالسَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ (وَإِنَّمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ) بِالتَّرَاضِي صَرِيحًا وَقَبْلَ الْعَقْدِ، كَأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِمَنْ يُرِيدُ شِرَاءَ شَيْءٍ بِكَذَا: لَا تَأْخُذْهُ وَأَنَا أَبِيعُكَ خَيْرًا مِنْهُ بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ بِأَقَلَّ أَوْ يَقُولَ لِمَالِكِهِ: لَا تَبِعْهُ، وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْكَ بِأَكْثَرَ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُ الْمَالِكُ بِالْإِجَابَةِ، بِأَنْ عَرَضَ بِهَا أَوْ سَكَتَ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ إذْ ذَاكَ يُنَادِي عَلَيْهِ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ لَمْ يَحْرُمْ ذَلِكَ لَكِنْ يُكْرَهُ فِيمَا إذَا عَرَضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ، فَقَالَ: (وَالْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهِ قَبْلَ لُزُومِهِ) أَيْ الْبَيْعِ بِأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ. أَمَّا بَعْدَ لُزُومِهِ فَلَا مَعْنَى لَهُ، نَعَمْ لَوْ اطَّلَعَ بَعْدَ اللُّزُومِ عَلَى عَيْبٍ وَلَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ مُضِرًّا، كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 390 بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ. وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ. وَالنَّجْشُ   [مغني المحتاج] فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ التَّحْرِيمُ لِمَا ذُكِرَ (بِأَنْ) أَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ (يَأْمُرَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ لِيَبِيعَهُ مِثْلَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ أَوْ أَقَلَّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الْخَامِسَةِ، فَقَالَ (وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ كَمَا مَرَّ (بِأَنْ) أَوْلَى مِنْهُ كَأَنْ (يَأْمُرَ الْبَائِعَ بِالْفَسْخِ لِيَشْتَرِيَهُ) بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكِلَا الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ، وَلَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَالْبَائِعُ فِي الثَّانِيَةِ مَغْبُونًا لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» زَادَ النَّسَائِيُّ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ، وَفِي مَعْنَاهُ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا الْإِيذَاءُ، وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ نَهْيِ الرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ سِلْعَةً مِثْلَ الَّتِي اشْتَرَاهَا خَشْيَةَ أَنْ يَرُدَّ الْأُولَى وَمِثْلُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ طَلَبَ السِّلْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِزِيَادَةِ رِبْحٍ وَالْبَائِعُ حَاضِرٌ لِأَدَائِهِ إلَى الْفَسْخِ أَوْ النَّدَمِ ثُمَّ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، فَلَوْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي الشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَقَدْ أَسْقَطَاهُ، وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ كَانَ الْآذِنُ مَالِكًا، فَإِنْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ وَكِيلًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّحْرِيمِ تَحَقُّقُ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ لِوُجُودِ الْإِيذَاءِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ خِلَافًا لِابْنِ النَّقِيبِ فِي اشْتِرَاطِهِ. تَنْبِيهٌ الْأَمْرُ بِالْفَسْخِ وَقَعَ فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ شَرْطًا، وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ سِلْعَةً مِثْلَهَا بِأَرْخَصَ أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ اهـ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ،. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ السَّادِسَةِ، فَقَالَ (وَالنَّجْشُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 391 بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لَا لِرَغْبَةٍ بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ. وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ.   [مغني المحتاج] بِأَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ) لِلسِّلْعَةِ الْمَعْرُوضَةِ لِلْبَيْعِ (لَا لِرَغْبَةٍ) فِي شِرَائِهَا (بَلْ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ) فَيَشْتَرِيهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِيذَاءُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا خِيَارَ) لِلْمُشْتَرِي لِتَفْرِيطِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَأَمَّلْ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَهْلَ الْخِبْرَةِ. وَالثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ لِلتَّدْلِيسِ كَالتَّصْرِيَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ مُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ لِلنَّاجِشِ وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ جَزْمًا، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ أَعْطَيْتُ فِي هَذِهِ السِّلْعَةِ كَذَا فَبَانَ خِلَافُهُ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَارِفٌ بِأَنَّ هَذَا عَقِيقٌ أَوْ فَيْرُوزَجُ بِمُوَاطَأَةٍ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ لِيَخْدَعَ غَيْرَهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ زَادَ لِيُسَاوِي قِيمَةَ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالْمُتَّجَهُ التَّحْرِيمُ لِإِيذَاءِ الْمُشْتَرِي، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» . ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ السَّابِعَةِ، فَقَالَ: (وَبَيْعُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ) وَنَحْوِهِمَا كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ (لِعَاصِرِ الْخَمْرِ) وَالنَّبِيذِ: أَيْ لِمُتَّخِذِهَا لِذَلِكَ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يَظُنَّهُ ظَنًّا غَالِبًا، وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْعُ الْغِلْمَانِ الْمُرْدِ مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ بِالْغِلْمَانِ وَبَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ بَاغٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِمَا، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُفْضِي إلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. أَمَّا إذَا شَكَّ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ تَوَهَّمَهُ فَالْبَيْعُ مَكْرُوهٌ، وَيَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ لِلتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ: وَهُوَ إمْسَاكُ مَا اشْتَرَاهُ وَقْتَ الْغَلَاءِ لِيَبِيعَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ إمْسَاكِ مَا اشْتَرَاهُ وَقْتَ الرُّخْصِ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَا إمْسَاكِ غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ، وَلَا مَا اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ أَوْ لِيَبِيعَهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ، وَفِي كَرَاهَةِ إمْسَاكِ مَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ سَنَةً وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى بَيْعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَيَخْتَصُّ تَحْرِيمُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ، وَمِنْهَا الذُّرَةُ وَالْأُرْزُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ، وَيَحْرُمُ التَّسْعِيرُ وَلَوْ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْوَالِي السُّوقَةَ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إلَّا بِكَذَا لِلتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَطْعِمَةِ: وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ سَعَّرَ الْإِمَامُ عُزِّرَ مُخَالِفُهُ بِأَنْ بَاعَ بِأَزْيَدَ مِمَّا سَعَّرَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُجَاهَرَةِ الْإِمَامِ بِالْمُخَالَفَةِ، وَصَحَّ الْبَيْعُ إذْ لَمْ يَعْهَدْ الْحَجْرَ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ التَّعْزِيرَ مُفَرَّعٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِمَا مَرَّ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَقَالُوا: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى جَوَازِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 392 وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ،   [مغني المحتاج] وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ فِي جَمِيعِ الْمَنَاهِي عِلْمُ النَّهْيِ بِهَا حَتَّى فِي النَّجْشِ كَمَا نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِبَحْثِ الرَّافِعِيِّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مُبْتَدِئًا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَقَالَ (وَيَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ) الرَّقِيقَةِ (وَالْوَلَدِ) الرَّقِيقِ الصَّغِيرِ الْمَمْلُوكَيْنِ لِوَاحِدٍ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ فَسْخٍ بِإِقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا بِعِتْقٍ وَوَصِيَّةٍ (حَتَّى يُمَيِّزَ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدٍ وَوَلَدِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَوَاءٌ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا رِعَايَةً لِحَقِّ الْوَلَدِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا لَوْ كَانَا لِمَالِكَيْنِ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ. وَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَالِكِ الرَّقِيقِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَمَا إذَا فَرَّقَ بِعِتْقٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مُحْسِنٌ، وَكَذَا الْوَاقِفُ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تَقْتَضِي التَّفْرِيقَ بِوَضْعِهَا فَلَعَلَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ زَمَانِ التَّحْرِيمِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ التَّفْرِيقِ بِرُجُوعِ الْمُقْرِضِ، وَمَالِكُ اللُّقَطَةِ دُونَ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْقَرْضِ وَاللُّقَطَةِ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فِي الْعَيْنِ رَجَعَ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ فِيهَا الرُّجُوعَ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ بِشَيْءٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِي لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمْيِيزِ الْوَلَدِ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ الْقَبُولُ وَحِينَئِذٍ، أَمَّا بَعْدَ التَّمْيِيزِ فَلَا يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّعَهُّدِ وَالْحَضَانَةِ، وَخَبَرُ " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، قِيلَ إلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ، وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ " ضَعِيفٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنْ حَصَلَ قَبْلَ السَّبْعِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ، وَعِبَارَةُ الْجُمْهُورِ إلَى سَبْعِ سِنِينَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُمْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي الْحَضَانَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ هُنَا مَنْعُ التَّمْيِيزِ قَبْلَهَا لِيَحْصُلَ لَهُ قُوَّةٌ وَاسْتِبْدَادٌ عَلَى الِانْفِرَادِ اهـ. هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ حَتَّى يُمَيِّزَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْوَلَدِ الْمَجْنُونِ الْبَالِغِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَتْبَاعُهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ (وَفِي قَوْلٍ حَتَّى يَبْلُغَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْبُلُوغِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ هَذَا الْقَوْلُ الْبُلُوغَ لِنُقْصَانِ تَمْيِيزِهِ قَبْلَهُ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 393 وَإِذَا فَرَّقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَلِهَذَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَفْهَمَ جَوَازَ التَّفْرِيقِ بَعْدَهُ جَزْمًا، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَكَذَا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيُفْهَمُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالتَّمْيِيزِ أَنَّ غَيْرَ الْآدَمِيِّ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ اللَّبَنِ، لَكِنْ يُكْرَهُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيَجُوزُ بِالذَّبْحِ قَطْعًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمُرَادُهُ ذَبْحُ الْوَلَدِ. أَمَّا ذَبْحُهَا مَعَ بَقَائِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَغَيْرِ الذَّبْحِ، وَظَاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ذَبْحُ الْمَأْكُولِ إذْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ وَلَا بَيْعُهُ لِذَبْحِهِ بِحَالٍ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي حَدِّ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الطِّفْلُ؛ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ، وَقِيلَ: أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَوْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْأُمُّ حَرُمَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَحَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ أَوْ اجْتَمَعَ الْأَبُ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ فَهُمَا سَوَاءٌ فَيُبَاعُ مَعَ أَيِّهِمَا كَانَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ كَالْأُمِّ عِنْدَ عَدَمِهَا لَا عِنْدَ وُجُودِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْجَدَّاتِ وَالْأَجْدَادِ لِلْأَبِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبَوَيْنِ وَأُمِّ الْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ السِّيَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، ثَالِثُهَا: جَوَازُ التَّفْرِيقِ فِي الْأَجْدَادِ دُونَ الْجَدَّاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلتَّرْبِيَةِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَظْهَرُ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ، وَأَمَّا الْجَدُّ لِلْأُمِّ، فَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّهُ كَالْجَدِّ لِلْأَبِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلُ، وَلَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَإِنْ قَوَّى السُّبْكِيُّ التَّحْرِيمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ (وَإِذَا فَرَّقَ) بَيْنَ الْوَلَدِ بَعْدَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ وَبَيْنَ مَنْ يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَا فِي الْأَظْهَرِ) لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْعًا. وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّ النَّهْيَ لِلْإِضْرَارِ لَا لِلْخَلَلِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَعَلَى هَذَا لَا نُقِرُّهُمَا عَلَى التَّفْرِيقِ، بَلْ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ اسْتَمَرَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فُسِخَ كَمَا قَالَاهُ. وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّمْلِيكِ، وَأَمَّا قَبْلَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ فَيَبْطُلُ جَزْمًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّنْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي. فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَصِحَّةُ الْبَيْعِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْحُرِّيَّةِ. وَلِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْإِعْتَاقِ، وَيَحْرُمُ بَيْعُ بَعْضِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَبَيْعُ أَحَدِهِمَا مَعَ بَعْضِ الْآخَرِ وَبَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا عِنْدَ عَدَمِ التَّسَاوِي. فَإِنْ تَسَاوَى الْبَعْضَانِ كَأَنْ بَاعَ نِصْفَهُمَا مَعًا جَازَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي السِّيَرِ. وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ التَّفْرِيقَ بِالسَّفَرِ بِالتَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ وَطَرَدَهُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَوَلَدِهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يَحْرُمُ لِإِمْكَانِ صُحْبَتِهَا لَهُ. وَيُسْتَثْنَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 394 وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ لِتَكُونَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ، وَإِلَّا فَهِبَةً.   [مغني المحتاج] مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ مَلَكَ كَافِرٌ صَغِيرًا وَأَبَوَيْهِ وَهُمَا كَافِرَانِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ وَتَخَلَّفَتْ الْأُمُّ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُهُ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُمَا دُونَهَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَنْ يُبَاعَ الْوَلَدُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ لَوْ تَبِعَ الطِّفْلُ السَّابِي فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَلَكَ أُمَّهُ الْكَافِرَةَ فَلَهُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ، وَالتَّفْرِيقُ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلضَّرُورَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَطَلَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَانَ الْأَحْسَنُ إسْقَاطَ الْأَلِفِ مِنْهُ. فَإِنَّ الْأَفْصَحَ فِي الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَوْ أَنْ يُؤْتَى بِهِ مُفْرَدًا تَقُولُ إذَا لَقِيتَ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَأَكْرِمْهُ. وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَالصَّوَابُ حَذْفُ الْأَلِفِ اهـ. وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ؛ لِأَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] . ثُمَّ شَرَعَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ) وَهُوَ (بِأَنْ يَشْتَرِيَ) سِلْعَةً (وَيُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ) مَثَلًا (لِتَكُونَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ رَضِيَ السِّلْعَةَ وَإِلَّا فَهِبَةً) بِالنَّصْبِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ شَرْطَيْنِ فَاسِدَيْنِ أَحَدُهُمَا: شَرْطُ الْهِبَةِ. وَالثَّانِي: شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَرْضَى. تَنْبِيهٌ فِي الْعُرْبُونِ سِتُّ لُغَاتٍ: فَتْحُ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ: وَهِيَ الْفَصِيحَةُ، وَضَمُّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانُ الرَّاءِ، وَعُرْبَانٌ بِالضَّمِّ وَالْإِسْكَانِ وَإِبْدَالِ الْعَيْنِ هَمْزَةً مَعَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ التَّسْلِيفُ وَالتَّقْدِيمُ. فَائِدَةٌ: الْبَيْعُ يَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَهِيَ الْوَاجِبُ وَالْحَرَامُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ، فَالْوَاجِبُ كَبَيْعِ الْوَلِيِّ مَالَ الْيَتِيمِ إذَا تَعَيَّنَ بَيْعُهُ، وَبَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُفْلِسِ بِشُرُوطِهِ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ لِمُحْتَاجِهِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْمُضْطَرِّ، فَالْوَاجِبُ فِيهِمَا التَّمْلِيكُ لَا الْبَيْعُ نَفْسُهُ، وَبَعْضُهُمْ أَدْرَجَهُمَا فِي الْبَيْعِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا الْحَرَامُ فَغَالِبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَكَالْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ زَمَنَ الْغَلَاءِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَكَبَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَالْبَيْعِ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ أَوْ فِيهِ حَرَامٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 395 فَصْلٌ   [مغني المحتاج] مِنْ الْحَرَامِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ، قِيلَ وَثَمَنُهُ يُقَابِلُ الدَّفَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ، وَقِيلَ: إنَّهُ بَدَلُ أُجْرَةِ نَسْخِهِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ: وَبَيْعُ الْعِينَةِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ أَنْ يَبِيعَهُ عَيْنًا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ مُؤَجَّلٍ وَيُسَلِّمَهَا لَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِنَقْدٍ يَسِيرٍ لِيَبْقَى الْكَثِيرُ فِي ذِمَّتِهِ. وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَغَالِبُ الْبُيُوعِ. فَرْعٌ: الْمَقْبُوضُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَوْ لِشَرْطٍ فَاسِدٍ يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي ضَمَانَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كُلَّ لَحْظَةٍ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَأَقْصَى قِيمَةٍ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِاسْتِرْدَادِ الثَّمَنِ وَلَا يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ كَالرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَ وَلَوْ جَهِلَ الْفَسَادَ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى جَارِيَةً وَوَطِئَهَا لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ إلَّا إذَا عَلِمَهُ، وَالثَّمَنُ مَيْتَةٌ أَوْ دَمٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَمْلِكُ بِهِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ نَحْوَ خَمْرٍ كَخِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِهِ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَيْثُ لَا حَدَّ يَجِبُ الْمَهْرُ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَمَهْرُ بِكْرٍ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَأَرْشُ بَكَارَةٍ لِإِتْلَافِهَا بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي صَحِيحِ الْبَيْعِ دُونَ صَحِيحِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ زَوَالِ الْبَكَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ زَوَالِ بَكَارَتِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَالُوهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِكْرًا مَغْصُوبَةً وَوَطِئَهَا جَاهِلًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مَهْرُ ثَيِّبٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ هُنَا كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَلَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْحَقَا شَرْطًا فَاسِدًا أَوْ صَحِيحًا فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ يَلْحَقُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ كَالْعَقْدِ. [فَصْلٌ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَتَعَدُّدِهَا] ، وَتَفْرِيقُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ فِي الدَّوَامِ أَوْ فِي اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ وَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 396 بَاعَ خَلًّا وَخَمْرًا أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ صَحَّ فِي مِلْكِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ فَإِنْ: أَجَازَ   [مغني المحتاج] فَقَالَ لَوْ (بَاعَ) فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ حِلًّا وَحُرْمًا كَأَنْ بَاعَ مُذَكَّاةً وَمَيْتَةً أَوْ (خَلًّا وَخَمْرًا) أَوْ شَاةً وَخِنْزِيرًا (أَوْ عَبْدَهُ وَحُرًّا أَوْ) عَبْدَهُ (وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكًا بِغَيْرِ إذْنِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي مِلْكِهِ) مِنْ الْخَلِّ وَالْمُذَكَّاةِ وَالشَّاةِ وَعَبْدِهِ وَحِصَّتِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) أَعْطَاهُ حُكْمَهُ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ فِيهِمَا وَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَا اجْتَمَعَ حَرَامٌ وَحَلَالٌ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ " وَالثَّانِي: جَهَالَةُ الْعِوَضِ الَّذِي يُقَابِلُ الْحَلَالَ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تَمْثِيلِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُشْتَرَكِ أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْحِصَّةَ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ قِيلَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَعَلِمَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا كَانَ الْأَوَّلُ مَرْجُوعًا عَنْهُ فَيَكُونُ مَذْهَبُهُ هُوَ الثَّانِي، وَقَدْ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْبُطْلَانَ هُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهِيَ دَقِيقَةٌ غَفَلُوا عَنْهَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا كَانَ رَاوِي الْمَذْهَبِ قَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَفِي النَّفْسِ حَزَازَةٌ مِنْ تَرْجِيحِ الصِّحَّةِ مَعَ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّبِيعِ إنَّ الْبُطْلَانَ آخِرُ قَوْلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمَا فِي الذِّكْرِ لَا فِي الْفَتْوَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ إذَا أَفْتَى بِهِ. أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالتَّرْجِيحِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ: وَهِيَ آخِرُ قَوْلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ أَحَدَ قَوْلَيْهِ بِالدَّالِ فَقُصِرَتْ فَقُرِئَتْ بِالرَّاءِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ يَعُودُ إلَى الْمُشْتَرَكِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْإِذْنِ يَصِحُّ جَزْمًا، وَلَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَيْهِ وَإِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ وَبَاعَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ الثَّمَنَ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِهِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَإِنْ فَصَلَهُ صَحَّ جَزْمًا لَكِنْ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ وَتِلْكَ صَفْقَتَانِ، وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: الظَّاهِرُ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ كَانَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَحَلُّ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ إذَا كَانَ كُلُّ مَنْ مَلَكَهُ وَغَيْرُهُ مَعْلُومًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْجَهْلُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ التَّقْسِيطِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ (فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ) الْحَالَ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ (فَإِنْ أَجَازَ) الْبَيْعَ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 397 فَبِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ،   [مغني المحتاج] كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ (فَبِحِصَّتِهِ) أَيْ الْمَمْلُوكِ لَهُ (مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْقَعَا الثَّمَنَ فِي مُقَابَلَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَحَدِهِمَا إلَّا قِسْطَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُمَا قِيمَةً، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَالصَّوَابُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّا نُقَدِّرُ الْخَمْرَ خَلًّا وَالْمَيْتَةَ مُذَكَّاةً وَالْخِنْزِيرَ شَاةً وَالْحُرَّ رَقِيقًا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا ثَلَاثَمِائَةٍ، وَالْمُسَمَّى مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَقِيمَةُ الْمَمْلُوكِ مِائَةً فَحِصَّتُهُ مِنْ الْمُسَمَّى خَمْسُونَ (وَفِي قَوْلٍ بِجَمِيعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا إلَى مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَكَانَ الْآخَرُ كَالْمَعْدُومِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَرَامُ مَقْصُودًا كَالدَّمِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْإِجَازَةَ بِكُلِّ الثَّمَنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ وَالتَّغْلِيبِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَابِلًا لِلْعَقْدِ، لَكِنْ امْتَنَعَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ كَنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَيَجْرِي فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. مِنْهَا إذَا أَجَرَّ الرَّاهِنُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مَحَلِّ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى شَيْئَيْنِ مَوْجُودَيْنِ أَحَدُهُمَا حِلٌّ وَالْآخَرُ حَرَامٌ، وَالْمَنْفَعَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَا وَجْهَ فِيهَا إلَّا الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْبُطْلَانِ، وَالصِّحَّةُ مُتَعَذِّرَةٌ لِعَدَمِ الْإِذْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ فَبَطَلَ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَمِنْهَا مَا إذَا فَاضَلَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَمِنْهَا مَا إذَا زَادَ فِي الْعَرَايَا عَلَى الْقَدْرِ الْجَائِزِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ زَادَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَمْ يَنْعَقِدْ جَزْمًا أَوْ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ يَبْطُلُ قَطْعًا، وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الثُّلُثِ قَطْعًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِنْهَا مَا لَوْ قَدَّمَ الْبَاطِلَ كَأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَا تَطْلُقْ لِعَطْفِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ اهـ. وَلَيْسَ هَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي قِيَاسَهُ، وَإِنَّمَا قِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْحُرُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 398 وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يَتَخَيَّرُ، فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْحِصَّةِ قَطْعًا. وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا   [مغني المحتاج] مَبِيعٌ مِنْكَ وَعَبْدِي. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْأَوَّلِ عَامِلٌ فِي الثَّانِي، وَقِيَاسُهُ فِي الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ طَلَّقْتُ نِسَاءَ الْعَالَمِينَ وَزَوْجَتِي فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (وَ) إذَا لَمْ يَجِبْ إلَّا الْحِصَّةَ (لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ حَيْثُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُهُ وَطَمِعَ فِي ثَمَنِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ،. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا، فَقَالَ (وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْهِ) مَثَلًا (فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ) انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ وَ (لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ (بَلْ يَتَخَيَّرُ) الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ (فَإِنْ أَجَازَ فَبِالْحِصَّةِ) مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ قَدْ تَوَزَّعَ عَلَيْهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالْقَسْمُ عَلَيْهِمَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا، وَقَوْلُهُ (قَطْعًا) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ. أَحَدُهُمَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَضَعُفَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ وَبَيْنَ مَا حَدَثَ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ تَوْزِيعِ الثَّمَنِ فِيهِ عَلَيْهِمَا ابْتِدَاءً، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَكِنَّهُ مُشْكِلٌ. لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ التَّفْرِيطُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَنْفَسِخُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ. وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ وَغَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِيمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ اسْتَقَرَّ بِقَبْضِهِ، وَفِي مَعْنَى مَا فِي الْمَتْنِ مَا لَوْ بَاعَ عَصِيرًا صَارَ بَعْضُهُ خَمْرًا قَبْلَ قَبْضِهِ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ،. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ: (وَلَوْ جَمَعَ فِي صَفْقَةٍ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَإِجَارَةٍ وَبَيْعٍ) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا وَبِعْتُكَ ثَوْبِي هَذَا بِدِينَارٍ (أَوْ) إجَارَةٍ وَ (سَلَمٍ) كَأَنْ يَقُولَ أَجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا وَبِعْتُكَ صَاعَ قَمْحٍ فِي ذِمَّتِي سَلَمًا بِكَذَا (صَحَّا فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا) أَيْ قِيمَةِ الْمُؤَجَّرِ مِنْ حَيْثُ الْأُجْرَةُ وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ اشْتِرَاطُ التَّأْقِيتِ فِيهَا، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةُ تَنْفَسِخُ بِالتَّلَفِ بَعْدَ الْقَبْضِ دُونَهُ، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالسَّلَمِ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ فِي السَّلَمِ دُونَهَا، وَالثَّانِي يَبْطُلَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ، وَالِانْفِسَاخُ مَا يَقْتَضِي فَسْخَ أَحَدِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْزِيعِ، وَيَلْزَمُ الْجَهْلُ عِنْدَ الْعَقْدِ بِمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الْعِوَضِ، وَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 399 أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ صَحَّ النِّكَاحُ، وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ، وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا، وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ   [مغني المحتاج] مَحْذُورٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ وَشِقْصٍ مِنْ دَارٍ فِي صَفْقَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ وَاحْتِيجَ إلَى التَّوْزِيعِ بِسَبَبِهَا، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مُثِّلَ بِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدَانِ لَازِمَيْنِ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ لَازِمٍ وَجَائِزٍ كَبَيْعٍ وَجَعَالَةٍ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُسَابَقَةِ أَوْ كَانَ الْعَقْدَانِ جَائِزَيْنِ كَشَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ صَحَّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ بَابُهَا وَاسِعٌ، وَإِنَّمَا قَالَ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ وَلَمْ يَقُلْ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لِيَشْمَلَ بَيْعَ عَبْدَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ وَالْعَقْدَ وَاحِدٌ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْإِجَارَةِ مَعَ السَّلَمِ إجَارَةُ الْعَيْنِ، فَإِنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ كَالسَّلَمِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ كَصَاعِ بُرٍّ وَثَوْبٍ بِصَاعِ شَعِيرٍ (أَوْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ) وَمُسْتَحَقِّ الثَّمَنِ وَالْمَهْرُ وَاحِدٌ كَقَوْلِهِ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ عَبْدَهَا وَهِيَ فِي حِجْرِهِ، أَوْ زَوَّجْتُكَ أَمَتِي وَبِعْتُكَ ثَوْبِي (صَحَّ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الصَّدَاقِ (وَفِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا صِحَّتُهُمَا، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي بُطْلَانُهُمَا، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَالْمُصَنِّفُ أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ بِأَبْسَطَ مِمَّا ذَكَرَهُ هُنَا. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَبِعْتُكَ عَبْدِي بِكَذَا. فَإِنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ وَلَا الصَّدَاقَ كَمَا لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَبْدٌ فَبَاعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَخُلْعٍ صَحَّ الْخُلْعُ وَفِي الْبَيْعِ وَالْمُسَمَّى الْقَوْلَانِ. تَنْبِيهٌ: شَرْطُ التَّوْزِيعِ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ حِصَّةُ النِّكَاحِ مَهْرَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا إنْ أَذِنَتْ الرَّشِيدَةُ فِي قَدْرِ الْمُسَمَّى فَيُعْتَبَرُ التَّوْزِيعُ مُطْلَقًا (وَتَتَعَدَّدُ الصِّفَةُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ) مِنْ الْبَائِعِ (كَبِعْتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا) فَيُقْبَلُ فِيهِمَا سَوَاءٌ أَفَصَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبُولِ أَمْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَبْدِي بِأَلْفٍ وَجَارِيَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَعَدُّدِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي: الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ (وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ) كَبِعْنَاكَ هَذَا بِكَذَا، وَالْمَبِيعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَيُقْبَلُ فِيهِمَا وَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِالْعَيْبِ، فَلَوْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 400 وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ.   [مغني المحتاج] أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي جَوَابَهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي الصِّحَّةَ (وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي) كَبِعْتُكُمَا هَذَا بِكَذَا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَائِعِ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يَبْنِي عَلَى الْإِيجَابِ السَّابِقِ، وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لَمْ يَصِحَّ إنْ قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الصِّحَّةَ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ الْعَرَايَا وَالشُّفْعَةِ. أَوْ فِيهِمَا فَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا، وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فِي الْأَظْهَرِ عَكْسُ مَا هُنَا (وَلَوْ وَكَّلَاهُ أَوْ وَكَّلَهُمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْوَكِيلِ) لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ مِنْ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالثَّانِي اعْتِبَارُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ فَأَصْلَحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ فِي الدَّقَائِقِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ، وَمَعْنَاهُ لَوْ وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا أَوْ وَكَّلَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ، وَمَحَلُّ مَا قَالَهُ فِي غَيْرِ الرَّهْنِ وَالشُّفْعَةِ. أَمَّا فِيهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْمُوَكِّلِ لَا الْوَكِيلِ اعْتِبَارًا بِاتِّحَادِ الدَّيْنِ وَالْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ اثْنَانِ وَاحِدًا فِي رَهْنِ عَبْدِهِمَا عِنْدَ زَيْدٍ بِمَا لَهُ عَلَيْهِمَا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنَهُ انْفَكَّ نَصِيبُهُ. خَاتِمَةٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ مِنْ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ حَرَامًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا شَاذٌّ لَيْسَ مَذْهَبًا بَلْ الْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ اهـ. أَيْ بَلْ الْمَمْنُوعُ أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْحَرَامِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مُبَايَعَةُ مَنْ فِي يَدِهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ كَالظَّلَمَةِ وَالْمَكَّاسِينَ وَالْمُنَجِّمِينَ وَاَلَّذِي يَضْرِبُ بِالنَّفِيرِ وَالْحَصَى وَالرَّمْلِ فَكُلُّ مَا يَأْخُذُهُ هَؤُلَاءِ بِهَذَا الْفِعْلِ حَرَامٌ، وَلَوْ نُهِبَ مَتَاعٌ مَخْصُوصٌ وَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ شَيْئًا يُبَاعُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَنْهُوبُ فَالْوَرَعُ تَرْكُهُ، وَالْوَرَعُ لِمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْأَوَّلِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 401 بَابُ الْخِيَارِ يَثْبُتُ   [مغني المحتاج] [بَابُ الْخِيَارِ] ِ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ شَرَعَ فِي لُزُومِهِ وَجَوَازِهِ، وَالْخِيَارُ هُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ نَقْلُ الْمِلْكِ، وَقَضِيَّةُ الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ، وَكِلَاهُمَا فَرْعُ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ فِيهِ الْخِيَارَ رِفْقًا بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَهُوَ نَوْعَانِ: خِيَارُ تَشَهٍّ، وَخِيَارُ نَقِيصَةٍ، فَخِيَارُ التَّشَهِّي مَا يَتَعَاطَاهُ الْمُتَعَاقِدَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا وَشَهْوَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ فِي الْمَبِيعِ، وَسَبَبُهُ الْمَجْلِسُ أَوْ الشَّرْطُ، وَخِيَارُ النَّقِيصَةِ سَبَبُهُ خُلْفٌ لَفْظِيٌّ أَوْ تَغْرِيرٌ فِعْلِيٌّ أَوْ قَضَاءٌ عُرْفِيٌّ، فَمِنْهُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ وَالْحَلِفِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ شَرَعَ فِي سَبَبِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (يَثْبُتُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 402 خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ:   [مغني المحتاج] خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 403 كَالصَّرْفِ وَالطَّعَامِ بِطَعَامٍ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ،   [مغني المحتاج] «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُهُ أَوْ يَقُولَ مَنْصُوبٌ بِأَوْ بِتَقْدِيرِ إلَّا أَنْ أَوْ إلَى أَنْ، وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فَقَالَ أَوْ يَقُلْ، وَبَيَّنَ أَنْوَاعَ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ (كَالصَّرْفِ وَ) بَيْعِ (الطَّعَامِ بِطَعَامٍ وَالسَّلَمِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالتَّشْرِيكِ وَصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَخَرَجَ بِصُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَلَا خِيَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى دَيْنٍ فَإِبْرَاءٌ أَوْ عَلَى عَيْنٍ فَهِبَةٌ، (وَلَا خِيَارَ فِيهِمَا، لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الصُّلْحَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ) ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا، وَيَتَنَاوَلُ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَلَا خِيَارَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ، وَيُثْبِتُ أَيْضًا فِي عَقْدٍ تَوَلَّى الْأَبُ طَرَفَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَكَذَا فِي الْخِيَارِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ وَرَدَ عَلَى الْغَالِبِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ صُوَرٌ لَا خِيَارَ فِيهَا: مِنْهَا الْحَوَالَةُ فَإِنَّهَا وَإِنْ جُعِلَتْ مُعَاوَضَةً لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعَاوَضَاتِ وَرُبَّمَا يُقَالُ: إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي بَيْعِ الْأَعْيَانِ فَلَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ بِدَيْنٍ، وَمِنْهَا شِرَاءُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ كَالْكِتَابَةِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالْمَجْمُوعِ، وَهَذَا هُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 404 وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٍ فَلَهُمَا الْخِيَارُ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ. وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ. وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ   [مغني المحتاج] الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ بَيْعٌ وَمِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ يُشْبِهُ الْفِدَاءَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ. وَمِنْهَا قِسْمَتَا الْإِفْرَازِ وَالتَّعْدِيلِ سَوَاءٌ أُجْرِيَا بِإِجْبَارٍ أَمْ بِتَرَاضٍ إذَا قُلْنَا: إنَّهُمَا فِي حَالَةِ التَّرَاضِي بَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا الشَّرِيكُ أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا؛ وَالْإِجْبَارُ يُنَافِي الْخِيَارَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ. أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ فَفِيهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِيهَا، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي شِرَاءِ الْجَمْدِ وَلَوْ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ بِحَيْثُ يَنْمَاعُ بِهَا. وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَرَوِّي الْعَاقِدِ فِي اخْتِيَارِ الْأَفْضَلِ لَهُ، وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ فِي الرِّبَوِيِّ، فَالْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ، فَإِذَا قَطَعَ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَيْفَ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَمَا قَالَهُ لَا يَتَأَتَّى فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بَلْ فِيمَا بِيعَ بِجِنْسِهِ. وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ بَلْ الْخِيَارُ لَيْسَ مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِخُلْفٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ بَنَى الْخِيَارَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْمِلْكِ (فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ) عَلَى مَرْجُوحٍ (أَوْ مَوْقُوفٍ) عَلَى الْأَظْهَرِ (فَلَهُمَا الْخِيَارُ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى بِلَا مَانِعٍ (وَإِنْ قُلْنَا) : الْمِلْكُ (لِلْمُشْتَرِي) عَلَى مَرْجُوحٍ (تَخَيَّرَ الْبَائِعُ دُونَهُ) أَمَّا تَخَيُّرُ الْبَائِعِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا عَدَمُ تَخَيُّرِ الْمُشْتَرِي، فَلِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِهِ لَهُ أَنْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ، وَلَا يُحْكَمَ بِعِتْقِهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْعَقْدُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ عَتَقَ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ، وَلَوْ شَرَطَ نَفْيَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ مَثَلًا: إذَا بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَبَاعَهُ بِشَرْطِ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَمْ يَعْتِقْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ نَافِذٌ. (وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ) وَهِيَ الَّتِي صَرَّحَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ عَنْهَا أَوْ أَطْلَقَ، وَقُلْنَا: لَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ لَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا خِيَارَ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَكَذَا الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْقِرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ. (وَكَذَا) الْهِبَةُ (ذَاتُ الثَّوَابِ) لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَقَالَا فِي بَابِ الْهِبَةِ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 405 وَالشُّفْعَةُ وَالْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالصَّدَاقُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَنْقَطِعُ بِالتَّخَايُرِ بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ لِلْآخَرِ.   [مغني المحتاج] الْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعٌ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ، وَعَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا هِبَةٌ، وَإِنْ قُيِّدَتْ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُقَيَّدَةَ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ بَيْعٌ، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ هُنَا بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَا هُنَاكَ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ هُنَا، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمْ. (وَ) كَذَا (الشُّفْعَةُ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ فِيمَا أُخِذَ بِالْقَهْرِ وَالْإِجْبَارِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ بِدَلِيلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَصَحَّحَ هَذَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَاسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. (وَ) كَذَا (الْإِجَارَةُ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ غَرَرٍ، إذْ هُوَ عَقْدٌ عَلَى مَعْدُومٍ، وَالْخِيَارُ غَرَرٌ فَلَا يُضَمَّ غَرَرٌ إلَى غَرَرٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ. قَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ. أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ قَطْعًا كَالسَّلَمِ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّلَمِ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْعًا، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْخِيَارِ اسْمُ الْبَيْعِ وَبِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ أَقْوَى. وَقِيلَ يَثْبُتُ أَيْضًا فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِمُدَّةٍ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ (وَ) كَذَا (الْمُسَاقَاةُ) لَا يَثْبُتُ فِيهَا الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ كَالْإِجَارَةِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا (وَ) كَذَا (الصَّدَاقُ) لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْخَمْسِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَوَجْهُ عَدَمِ إثْبَاتِهِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّ الْمَالَ تَبَعٌ فِي النِّكَاحِ لَا مَقْصُودٌ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهِ أَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ، وَمِثْلُ الصَّدَاقِ عِوَضُ الْخُلْعِ. (وَيَنْقَطِعُ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ (بِالتَّخَايُرِ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ (بِأَنْ يَخْتَارَا لُزُومَهُ) أَيْ الْعَقْدِ بِهَذَا اللَّفْظِ كَقَوْلِهِمَا: تَخَايَرْنَا أَوْ اخْتَرْنَا أَوْ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِمَا: أَمْضَيْنَا الْعَقْدَ أَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَوْ أَجَزْنَاهُ أَوْ أَبْطَلْنَا الْخِيَارَ أَوْ أَفْسَدْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمَا فَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِمَا كَخِيَارِ الشَّرْطِ (فَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا) لُزُومَهُ (سَقَطَ حَقُّهُ) مِنْ الْخِيَارِ (وَبَقِيَ) الْحَقُّ فِيهِ (لِلْآخَرِ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَقِيلَ: لَا يَبْقَى لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الثُّبُوتِ فَلَا يَتَبَعَّضُ فِي السُّقُوطِ. لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاخْتَارَ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي أَيْضًا لِلْحُكْمِ بِعِتْقِ الْمَبِيعِ قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ بَهْجَتِهِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ انْقَطَعَ خِيَارُ الْقَائِلِ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَرْ صَاحِبُهُ لِتَضَمُّنِهِ الرِّضَا بِاللُّزُومِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِاخْتِيَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 406 وَبِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا، فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا،   [مغني المحتاج] أَحَدِهِمَا اللُّزُومَ عَنْ اخْتِيَارِهِ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِنْ اخْتَارَ الْآخَرُ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ الْإِجَازَةِ لِأَصَالَتِهَا وَتَبَايُعِهِمَا فِي الْعِوَضَيْنِ، وَلَوْ رِبَوِيَّيْنِ بَعْدَ قَبْضِهِمَا بَيْعًا ثَانِيًا إجَارَةً لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ رِضًا بِلُزُومِهِ وَيَصِحُّ الثَّانِي وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ، وَلَوْ أَجَازَا فِي الرِّبَوِيِّ قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَ، وَإِنْ تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ. (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا خِيَارُ الْمَجْلِسِ (بِالتَّفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَلَوْ طَالَ مُكْثُهُمَا أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيَا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا) ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَعْرَضَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَوْ تَبَايَعَ شَخْصَانِ مُلْتَصِقَانِ دَامَ خِيَارُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَارَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا بَاعَ لِابْنِهِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ وَفَارَقَ الْمَجْلِسَ انْقَطَعَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ شَخْصٌ وَاحِدٌ. لَكِنْ أُقِيمَ مَقَامَ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْمُلْتَصِقَيْنِ فَإِنَّهُمَا شَخْصَانِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِأَنْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْآخَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ لَا يَتَبَعَّضُ بِخِلَافِ التَّخَايُرِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ " إذَا ابْتَاعَ شَيْئًا فَارَقَ صَاحِبَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ " قَامَ يَمْشِي هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ ". فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ حِلُّ الْفِرَاقِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلُهُ صَاحِبُهُ. وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحِلَّ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ حُمِلَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فَأُخْرِجَ مِنْ الْمَجْلِسِ مُكْرَهًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَكَذَا لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْخُرُوجِ، وَلَوْ لَمْ يَسُدَّ فَمَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ كَلَا فِعْلٍ وَالسُّكُوتَ عَنْ الْفَسْخِ لَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْمَجْلِسِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا مَعَ تَسْوِيَتِهِمَا لِلْمُكْرَهِ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ. أُجِيبَ بِنِسْبَتِهِمَا لِلتَّقْصِيرِ هُنَا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ، فَإِنْ فَارَقَهُ الْإِكْرَاهُ فِي مَجْلِسٍ فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِ حَتَّى يُفَارِقَهُ أَوْ مَارًّا فَحَتَّى يُفَارِقَ مَكَانَهُ الَّذِي انْقَطَعَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ. وَأَمَّا صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ انْقَطَعَ خِيَارُهُ إلَّا إنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ، وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَتْبَعْهُ الْآخَرُ بَطَلَ خِيَارُهُ كَخِيَارِ الْهَارِبِ، وَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَنْ يَتْبَعَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ، وَلِأَنَّ الْهَارِبَ فَارَقَ مُخْتَارًا بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْفَسْخِ بِالْقَوْلِ بَقِيَ خِيَارُهُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَفَارَقَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 407 وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ. وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ إلَى الْوَارِثِ وَالْوَلِيِّ.   [مغني المحتاج] كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا مَنُوطٌ بِالتَّفَرُّقِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُنَاكَ مَنُوطٌ بِالْمُفَارَقَةِ مِنْ الْحَالِفِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا نَفْتَرِقُ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا هُنَا. أَمَّا إذَا تَبِعَهُ فَالْخِيَارُ بَاقٍ مَا لَمْ يَتَبَاعَدَا كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّبَاعُدَ قَوْلُ الْبَسِيطِ: إنْ لَحِقَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى مَسَافَةٍ يَحْصُلُ بِمِثْلِهَا الْمُفَارَقَةُ عَادَةً فَالْخِيَارُ بَاقٍ وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِلُحُوقِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا أَيْضًا مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي مَنْ ضَبَطَهُ بِفَوْقَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَاحِدٌ (وَيُعْتَبَرُ فِي التَّفَرُّقِ الْعُرْفُ) فَمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا يَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا لَا فَلَا، لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ شَرْعًا وَلَا لُغَةً يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ فَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الصَّحْنِ أَوْ مِنْ الصَّحْنِ إلَى الصُّفَّةِ أَوْ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانَا فِي سُوقٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مُتَفَاحِشِ السَّعَةِ فَبِأَنْ يُوَلِّيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ظَهْرَهُ وَيَمْشِيَ قَلِيلًا وَلَوْ لَمْ يَبْعُدْ عَنْ سَمَاعِ خِطَابِهِ، وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ أَوْ دَارٍ صَغِيرَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ صَغِيرٍ فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهُ أَوْ صُعُودِهِ السَّطْحَ، وَلَا يَحْصُلُ التَّفَرُّقُ بِإِقَامَةِ سِتْرٍ وَلَوْ بِبِنَاءِ جِدَارٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ بَاقٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَاهُ أَوْ يُبْنَى بِأَمْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ وَالِدُ الرُّويَانِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي وَإِنْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِالْحُصُولِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ: وَلَوْ تَنَادَيَا بِالْبَيْعِ مِنْ بَعْدُ ثَبَتَ لَهُمَا الْخِيَارُ وَامْتَدَّ مَا لَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ، فَإِنْ فَارَقَهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْآخَرُ مَعَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عُدَّ تَفَرُّقًا بَطَلَ خِيَارُهُمَا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ جِهَةَ الْآخَرِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِدَوَامِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ حُكْمُ مَا لَوْ تَبَايَعَا بِالْمُكَاتَبَةِ. (وَلَوْ مَاتَ) أَحَدُهُمَا (فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ انْتِقَالُهُ) أَيْ الْخِيَارِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (إلَى الْوَارِثِ) وَلَوْ عَامًّا (وَ) فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى (الْوَلِيِّ) مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَكِيلِ وَإِلَى السَّيِّدِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْمَأْذُونِ لَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ سَوَاءٌ فِيهِ عَقْدُ الرِّبَا وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ فَسْخٍ وَإِجَازَةٍ، وَعَجْزُ الْمُكَاتَبِ كَمَوْتِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ثُمَّ إنْ كَانَ مَنْ ذُكِرَ فِي الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُ مَعَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ الْخِيَارُ وَامْتَدَّ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَتَخَايَرَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا وَوَصَلَهُ الْخَبَرُ امْتَدَّ خِيَارُهُ إلَى أَنْ يُفَارِقَ مَجْلِسَ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْحَيَاةِ أَوْلَى بِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَكَانِ وَفِي مَعْنَاهَا مُفَارَقَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 408 وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ أَوْ الْفَسْخِ قَبْلَهُ صُدِّقَ النَّافِي. فَصْلٌ لَهُمَا   [مغني المحتاج] الْعَقْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَرِثَهُ جَمَاعَةٌ حُضُورٌ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُمْ بِفِرَاقِ بَعْضِهِمْ لَهُ بَلْ يَمْتَدُّ حَتَّى يُفَارِقُوهُ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْمُوَرِّثِ وَهُوَ لَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ إلَّا بِمُفَارَقَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ غَائِبُونَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثَبَتَ لَهُمْ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَفِي بَعْضِهَا إذَا اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ. وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ الْبَاقِي مَا دَامَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَارِثُ الْغَائِبُ وَاحِدًا أَمْ مُتَعَدِّدًا، وَلَوْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُ الْآخَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِفَسْخِ بَعْضِهِمْ فِي نَصِيبِهِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ أَجَازَ الْبَاقُونَ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْمُوَرِّثُ فِي الْبَعْضِ وَأَجَازَ فِي الْبَعْضِ وَلَا يَتَبَعَّضُ الْفَسْخُ لِلْإِضْرَارِ بِالْحَيِّ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُمْ ثُمَّ اطَّلَعُوا عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ فَفَسَخَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْفَسِخُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ، وَهُوَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْبَعْضِ فَهَلَّا كَانَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ لِلضَّرَرِ ثَمَّ جَابِرًا وَهُوَ الْأَرْشُ وَلَا جَابِرَ لَهُ هُنَا، وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ أَوْ فَسَخَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ نَفَذَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ نُفُوذُ فَسْخِهِ دُونَ إجَازَتِهِ، وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ وَلَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ وَلَا كِتَابَةَ لَهُ نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ: كَمَا لَوْ جُنَّ وَإِنْ أَمْكَنَتْ الْإِجَازَةُ مِنْهُ بِالتَّفَرُّقِ، وَلَيْسَ هُوَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ نَابَ عَنْهُ فِيمَا تَعَذَّرَ مِنْهُ بِالْقَوْلِ. أَمَّا إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ أَوْ كَانَ لَهُ كِتَابَةٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِطِفْلِهِ شَيْئًا فَبَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ الْخِيَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى لِلْوَلِيِّ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ، وَأَجْرَاهُمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. (وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التَّفَرُّقِ) بِأَنْ جَاءَا مَعًا وَقَالَ أَحَدُهُمَا تَفَرَّقْنَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَأَرَادَ الْفَسْخَ (أَوْ) فِي (الْفَسْخِ قَبْلَهُ) أَيْ التَّفَرُّقِ بِأَنْ اتَّفَقَا عَلَى حُصُولِ التَّفَرُّقِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَسَخْتُهُ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (صُدِّقَ النَّافِي) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمُ الْفَسْخِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّقِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ فَدَعْوَاهُ الْفَسْخَ فَسْخٌ. [فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ: فَصْلٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ (لَهُمَا) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 409 وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ   [مغني المحتاج] أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ) عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 410 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْآخَرِ الْمُدَّةَ الْآتِيَةَ مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ. نَعَمْ إنْ اسْتَعْقَبَ الْمِلْكَ الْعِتْقُ: كَأَنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَشَرَطَ الْخِيَارَ لَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَجُزْ لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 411 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ: كَأَنْ يَشْرِطَ لِأَحَدِهِمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَلِلْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ شَرَطَ خِيَارَ يَوْمٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فِي أَثْنَائِهِ فَزَادَ وَارِثُهُ مَعَ الْآخَرِ خِيَارَ يَوْمٍ آخَرَ جَازَ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 412 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَيَجُوزُ لِلْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِالْمَبِيعِ، وَلَا يَثْبُتُ مَعَ شَرْطِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ لِلشَّارِطِ اقْتِصَارًا عَلَى الشَّرْطِ. قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 413 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ بُلُوغِ الْأَجْنَبِيِّ لَا رُشْدِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْأَجْنَبِيُّ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلشَّارِطِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ صَحَّ؛ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 414 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُوَكِّلَهُ، وَلَيْسَ لِوَكِيلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يَشْرِطَهُ لِلْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْعَقْدُ وَلَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 415 فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ،   [مغني المحتاج] شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ الْخِيَارُ مَنْ شُرِطَ لَهُ، فَلَوْ شُرِطَ لِلْوَكِيلِ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَكِّلِ وَبِالْعَكْسِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُوَكِّلُهُ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ لِي وَلَا لَكَ فَاشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ وَأَطْلَقَ ثَبَتَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَحْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَنُوطٌ بِرِضَا وَكِيلِهِ، وَلَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ عَبْدًا مُسْلِمًا لِمُسْلِمٍ وَجَعَلَ الْخِيَارَ لِكَافِرٍ أَوْ بَاعَ حَلَالٌ لِحَلَالٍ صَيْدًا وَجَعَلَ الْخِيَارَ لِمُحْرِمٍ صَحَّ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ خِلَافًا لِوَالِدِهِ، إذْ لَا مِلْكَ وَلَا وِلَايَةَ، وَحَيْثُ ثَبَتَ لِلْوَكِيلِ الْخِيَارُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ الْمَشْرُوطِ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْحَظِّ، وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَا بِمَوْتِ الْوَكِيلِ وَلَا الْمُوَكِّلِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ الْخِيَارِ يُوهِمُ جَوَازَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قُلْتُ مَعَ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ الشَّارِطِ لِوُضُوحِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ الْمَشْرُوطِ لَهُ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُوفِي بِمَقْصُودِهِ، فَلَوْ قَالَ: يَجُوزُ شَرْطُهُمَا الْخِيَارَ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا لَأَفَادَ مَقْصُودَهُ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ رَدُّ عِبَارَتِهِ إلَى الصَّوَابِ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِأَنْ لَا يَجْعَلَ قَوْلَهُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ شَرْطُ الْخِيَارِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخِيَارِ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ (فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ) أَيْ شَرْطُ الْخِيَارِ الْكَائِنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا ثَابِتٌ فِي أَنْوَاعِ الْبَيْعِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَتُوهِمُ جَوَازَ اشْتِرَاطِ وَكِيلِ الْبَائِعِ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَجَوَازَ اشْتِرَاطِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي غَيْرِهِ كَالْفُسُوخِ وَالْعِتْقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ) فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ لِأَحَدٍ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ، وَالْخِيَارُ أَعْظَمُ غَرَرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ مِنْ لُزُومِهِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِثَالَيْنِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالرِّبَوِيِّ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَالسَّلَمِ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ مَسَائِلَ: مِنْهَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ، وَمِنْهَا الْحَوَالَةُ إذَا جَعَلْنَاهَا بَيْعًا، وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا الْمُصَرَّاةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ خِيَارِ الثَّلَاثِ فِيهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الْحَلْبِ وَتَرْكُ الْحَلْبِ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ حَلُوبٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُصَرَّاةً، إذْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 416 وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،   [مغني المحتاج] تَرْكُهَا ثَلَاثًا بِلَا حَلْبٍ يَضُرُّهَا بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ أَشَدَّ ضَرَرًا. فَإِنْ قِيلَ لَكَ أَنْ تَقُولَ: مَا الْمَانِعُ مِنْ حَلْبِ الْبَائِعِ لَهَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ حِينَئِذٍ وَاللَّبَنُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ اللَّبَنَ الْمَوْجُودَ حَالَ الْبَيْعِ مَبِيعٌ فَهُوَ كَالْحَمْلِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْحَلْبُ لِذَلِكَ، وَالْبَائِعُ إنَّمَا يَمْلِكُ لَوْ تَمَّ الْبَيْعُ لِلَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ، وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ ثُمَّ بَاعَهُ وَشَرَطَ الْخِيَارَ وَفَسَخَ وَهَكَذَا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُهُ أَنْ يَبِيعَ بَيْعًا بَاتًّا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْخِيَارِ لِلْكَافِرِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرَّهُ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَرِبَوِيٍّ وَسَلَمٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ لَنَا غَيْرَهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يُوجَدْ. أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْأُجْرَةِ فِيهَا فِي الْمَجْلِسِ (وَإِنَّمَا يَجُوزُ) شَرْطُ الْخِيَارِ (فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) مُتَّصِلَةٍ بِالْعَقْدِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ مُتَوَالِيَةٍ (لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُهُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِوَضْعِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ أَوْ لُزُومَهُ ثَبَتَ فِي الثَّلَاثِ بِمَا رُوِيَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 417 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَشَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 420 وَتُحْسَبُ مِنْ الْعَقْدِ، وَقِيلَ مِنْ التَّفَرُّقِ، وَالْأَظْهَرُ   [مغني المحتاج] خِلَابَةَ «وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ» ، وَالْخِلَابَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَمَعْنَاهُ لَا غَبْنَ وَلَا خَدِيعَةَ، فَثَبَتَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالنَّصِّ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَائِعُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ فَبَقِيَ مَا زَادَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثًا، فَإِذَا كَانَا عَالِمَيْنِ بِمَدْلُولِهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ بِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ، وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْعَ، وَقَالَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهَا غَالِبًا، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَضَمَّنُ غَالِبًا زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ أَوْ مُحَابَاةً، فَإِذَا سَقَطَتْ انْجَرَّتْ الْجَهَالَةُ إلَى الثَّمَنِ بِسَبَبِ مَا يُقَابِلُ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي الثَّلَاثِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ شَرَطَ الثَّلَاثَ مِنْ الْغَدِ أَوْ فَرَّقَهَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا لَزِمَ لَا يَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَيَدْخُلُ فِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيَالِي لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ عُقِدَ وَقْتَ الْفَجْرِ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ النَّهَارِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَوْمًا ثَبَتَ إلَى نِصْفِ الْيَوْمِ الثَّانِي، وَيَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي حُكْمِ النَّهَارِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (وَتُحْسَبُ) الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ (مِنْ) حِينِ (الْعَقْدِ) الْوَاقِعِ فِيهِ الشَّرْطُ كَالْأَجَلِ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْ الْعَقْدِ لَا مِنْ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مِنْ التَّفَرُّقِ لَصَارَ أَوَّلُ مُدَّةٍ الْخِيَارِ مَجْهُولَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَتَى يَفْتَرِقَانِ (وَقِيلَ) تُحْسَبُ (مِنْ التَّفَرُّقِ) أَوْ التَّخَايُرِ، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّارِطَ يَقْصِدُ بِالشَّرْطِ زِيَادَةً عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْمَجْلِسُ، وَعُورِضَ بِأَنَّ التَّفَرُّقَ مَجْهُولٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْتِبَارُهُ يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ. وَلَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ وَقُلْنَا بِثُبُوتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَالْحُكْمُ عَلَى الثَّانِي لَا يَخْتَلِفُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُحْسَبُ مِنْ الشَّرْطِ لَا مِنْ الْعَقْدِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشَّرْطِ بَدَلًا عَنْ الْعَقْدِ لَدَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَشْرُوطَةُ وَهُمَا فِي الْمَجْلِسِ بَقِيَ خِيَارُهُ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَبِالْعَكْسِ، وَيَجُوزُ إسْقَاطُ الْخِيَارَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَطْلَقَا الْإِسْقَاطَ سَقَطَا، وَلِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَبِلَا إذْنِ حَاكِمٍ، لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ. وَيُسَنُّ كَمَا قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: أَنْ يُشْهِدَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى النِّزَاعِ (وَالْأَظْهَرُ) فِي خِيَارِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 421 أَنَّهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ.   [مغني المحتاج] الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ. (لَوْ كَانَ الْخِيَارُ) الْمَشْرُوطُ (لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ) مَعَ تَوَابِعِهِ كَلَبَنٍ وَمَهْرٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَنُفُوذِ عِتْقٍ وَحِلِّ وَطْءٍ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (لَهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَهُ) أَيْ الْمِلْكُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا كَانَ هُوَ وَحْدَهُ مُتَصَرِّفًا فِي الْمَبِيعِ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ (وَإِنْ كَانَ) الْخِيَارُ (لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ) أَيْ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَوَقَّفْنَا (فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَانَ أَنَّهُ) أَيْ الْمِلْكَ فِيمَا ذُكِرَ (لِلْمُشْتَرِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ) ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ. وَالثَّانِي الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا لِتَمَامِ الْبَيْعِ لَهُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَالثَّالِثُ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ، وَكَوْنُهُ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَخْتَارَ الْآخَرُ لُزُومَ الْعَقْدِ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِمِلْكِ الْمَبِيعِ لِأَحَدِهِمَا حُكِمَ بِمِلْكِ الثَّمَنِ لِلْآخَرِ، وَحَيْثُ وَقَفَ وَقَفَ مِلْكُ الثَّمَنِ وَلَوْ شَرْطُ الْخِيَارِ لِأَجْنَبِيٍّ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِمَنْ مَلَكَ الْمَبِيعَ وَذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا، وَنَازَعَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَمَوْقُوفٌ، وَلَوْ اجْتَمَعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لِأَحَدِهِمَا فَهَلْ يَغْلِبُ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ الْمِلْكُ مَوْقُوفًا أَوْ الثَّانِي فَيَكُونُ لِذَلِكَ الْأَحَدِ؟ ، الظَّاهِرُ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَسْرَعُ وَأَوْلَى ثُبُوتًا مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ أَقْصَرُ غَالِبًا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي قَوْلِهِ: الظَّاهِرُ الثَّانِي مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِوَاحِدٍ بِأَنْ أُلْزِمَ الْبَيْعُ مِنْ الْآخَرِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ الْآخَرِ وَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ مَبِيعٌ كَالْأُمِّ فَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ لَا كَالزَّوَائِدِ الْحَاصِلَةِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ مِنْ الزَّوَائِدِ، وَمَتَى وَطِئَ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ مَنْ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ حَلَّ لَهُ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا. فَإِنْ قِيلَ: حِلُّ وَطْءِ الْمُشْتَرِي مُتَوَقِّفٌ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ عَلَى الْأَصَحِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِحِلِّ الْوَطْءِ حِلُّهُ الْمُسْتَنِدُ لِلْمِلْكِ لَا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ كَحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ فَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي زَمَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقَعَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ، وَكَذَا يَقَعُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ الْمِلْكِ لَهُ لَا إنْ تَمَّ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَإِنْ فَسَخَ فَوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 422 وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا: كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ، وَفِي الْإِجَازَةِ: أَجَزْتُهُ وَأَمْضَيْتُهُ وَوَطْءُ الْبَائِعِ وَإِعْتَاقُهُ فَسْخٌ، وَكَذَا بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] فَلَا يَقَعُ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ وَحْدَهُ لِجَهَالَةِ جِهَةِ الْمُبِيحِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي: أَيَطَأُ بِالْمِلْكِ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَيَجُوزُ الْوَطْءُ بِالزَّوْجِيَّةِ لِبَقَائِهَا. (وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ) لِلْعَقْدِ (وَالْإِجَازَةُ) لَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا) فَفِي الْفَسْخِ (كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَرَفَعْتُهُ وَاسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ) وَرَدَدْتُ الثَّمَنَ (وَفِي الْإِجَازَةِ: أَجَزْتُهُ) أَيْ الْبَيْعَ (وَأَمْضَيْتُهُ) وَأَلْزَمْتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ صَرَائِحٌ، وَيَحْصُلَانِ بِالْكِنَايَةِ أَيْضًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:. وَالْفَسْخُ بِالْخِيَارِ هَلْ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَالْأَصَحُّ فِيهِ الثَّانِي وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَوَطْءُ الْبَائِعُ) الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ (وَإِعْتَاقُهُ) الرَّقِيقَ الْمَبِيعَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ لَهُمَا (فَسْخٌ) لِلْبَيْعِ: أَيْ مُتَضَمِّنٌ لَهُ. أَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلِتَضَمُّنِهِ الْفَسْخَ. وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلِإِشْعَارِهِ بِاخْتِيَارِ الْإِمْسَاكِ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْعَةَ لِتَدَارُكِ النِّكَاحِ، وَابْتِدَاؤُهُ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ، وَالْفَسْخُ هُنَا لِتَدَارُكِ الْمِلْكِ، وَابْتِدَاؤُهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ كَالسَّبْيِ وَالِاحْتِطَابِ فَكَذَا تَدَارُكُهُ، وَمُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ وَالْقُبْلَةِ لَيْسَتْ فَسْخًا كَاسْتِخْدَامِهِ الرَّقِيقَ وَرُكُوبِهِ الدَّابَّةَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهَا فَسْخٌ، وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ مِنْهُمَا مُطْلَقًا، وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا، فَإِنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي بِلَا إذْنٍ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ، وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِأَنْ فَسَخَ لَا إنْ تَمَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ فِيهِمَا، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ حُرٌّ نَسِيبٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِلشُّبْهَةِ وَحَيْثُ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لَا يَثْبُتُ اسْتِيلَادُهُ وَإِنْ مَلَكَ الْأَمَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ لَهَا حِينَ الْعُلُوقِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ، وَإِنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي دُونَهُ فَكَمَا لَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ دُونَهُ فِي الْمَهْرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْقِيمَةِ، وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لَا أَبِيعُ حَتَّى تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ أَوْ تُعَجِّلَهُ وَقَدْ عَقَدَ بِمُؤَجَّلٍ فَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي فُسِخَ وَكَذَا قَوْلُ الْمُشْتَرِي: لَا أَشْتَرِي حَتَّى تُنْقِصَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ تُؤَجِّلَهُ وَقَدْ عَقَدَ بِحَالٍّ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ (وَكَذَا بَيْعُهُ) الْمَبِيعَ (وَإِجَارَتُهُ) وَوَقْفُهُ (وَتَزْوِيجُهُ) وَرَهْنُهُ الْمَقْبُوضَ وَهِبَتُهُ الْمَقْبُوضَةَ فَسْخٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِشْعَارِهِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 423 وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ، وَأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي.   [مغني المحتاج] وَصَحَّ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْضًا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ إلَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ. وَالثَّانِي لَا يَكْتَفِي فِي الْفَسْخِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَقْدِ فَيُسْتَصْحَبُ إلَى أَنْ يُوجَدَ الْفَسْخُ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْعِتْقُ فَسْخًا لِقُوَّتِهِ (وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ) الْوَطْءَ وَمَا بَعْدَهُ (مِنْ الْمُشْتَرِي) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ أَوْ لَهُمَا (إجَازَةٌ) لِلشِّرَاءِ لِإِشْعَارِهَا بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا يَكْتَفِي فِي الْإِجَازَةِ بِذَلِكَ، وَعُلِمَ بِمَا مَرَّ أَنَّ وَطْأَهُ حَلَالٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: إنَّهُ حَلَالٌ إنْ أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ إجَازَةٌ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ. وَيُسْتَثْنَى الْوَطْءُ مِنْ الْخُنْثَى وَالْوَطْءُ لَهُ فَلَيْسَ فَسْخًا وَلَا إجَازَةً، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَوْطُوءُ فِي الثَّانِيَةِ الْأُنُوثَةَ بَعْدَ الْوَطْءِ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقِيَاسُهُ: أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الْوَاطِئُ فِي الْأُولَى الذُّكُورَةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْوَطْءِ السَّابِقِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْوَطْءِ فَسْخًا أَوْ إجَازَةً إذَا عَلِمَ الْوَاطِئُ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ هِيَ الْمَبِيعَةُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِوَطْئِهِ الزِّنَا لِاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ وَالْإِعْتَاقُ نَافِذٌ مِنْهُ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْبَائِعُ نَفَذَ وَكَانَ إجَازَةً مِنْ الْبَائِعِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَمَوْقُوفٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُمَا، فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا، وَغَيْرُ نَافِذٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ، وَالْبَقِيَّةُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَأَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ بَاعَ لِلْبَائِعِ نَفْسَهُ وَإِلَّا فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَرْضَ) لِلْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّوْكِيلِ فِيهِ) وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِمَا قَبْضٌ (لَيْسَ فَسْخًا مِنْ الْبَائِعِ وَلَا إجَازَةً مِنْ الْمُشْتَرِي) لِعَدَمِ إشْعَارِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِعَدَمِ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُشْتَرِي بِالْبَقَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ أَنْ يَسْتَبِينَ مَا يَدْفَعُ فِيهِ لِيَعْلَمَ أَرَبِحَ أَمْ خَسِرَ؟ . وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ وَإِجَازَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ ذَلِكَ رُجُوعٌ فِي الْوَصِيَّةِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا؟ . أُجِيبَ بِضَعْفِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي إلَّا أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ. [فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 424 فَصْلٌ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ كَخِصَاءِ رَقِيقٍ وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ   [مغني المحتاج] فَصْلٌ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِفَوَاتِ مَقْصُودٍ مَظْنُونٍ، نَشَأَ الظَّنُّ فِيهِ مِنْ قَضَاءٍ عُرْفِيٍّ أَوْ الْتِزَامٍ شَرْطِيٍّ أَوْ تَغْرِيرٍ فِعْلِيٍّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالْعُرْفِ، وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْعَيْبِ، فَقَالَ (لِلْمُشْتَرِي) الْجَاهِلِ بِمَا يَأْتِي (الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ) وَالْمُرَادُ بِقِدَمِهِ كَوْنُهُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي. أَمَّا الْمُقَارِنُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْحَادِثُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّ حُصُولَ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ هُوَ الْغَالِبُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِهِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا إذَا حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي. وَمِنْهَا مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا أَوْ وَلِيَّ مَحْجُورٍ أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ وَكَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِمْسَاكِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ وَرَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِالْعَيْبِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْدِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى إزَالَةِ الْعَيْبِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ كَالْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَقْصُودِ كَالْعَيْبِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا كَاتِبًا أَوْ مُتَّصِفًا بِصِفَةٍ تَزِيدُ عَلَى ثَمَنِهِ ثُمَّ زَالَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ بِنِسْيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَوَاتُهَا عَيْبًا قَبْلَ وُجُودِهَا، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (كَخِصَاءِ) حَيَوَانٍ بِالْمَدِّ (رَقِيقٍ) أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْخَصِيُّ، وَالْجَبُّ كَالْخِصَاءِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُفْهِمُ بِغَيْرِ مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ الْخِصَاءَ فِي الْبَهَائِمِ لَيْسَ بِعَيْبٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَيْبٌ فِيهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالرَّقِيقِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الثِّيرَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْخِصَاءُ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارٌ لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِمْ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي الضَّأْنِ الْمَقْصُودُ لَحْمُهُ تَوَقُّفٌ لِغَلَبَةِ ذَلِكَ فِيهِ، وَكَذَا فِي الْبَرَاذِينِ وَالْبِغَالِ، بَلْ الْفُحُولَةُ نَقْصٌ فِيهَا (وَزِنَاهُ) أَيْ الرَّقِيقِ (وَسَرِقَتِهِ وَإِبَاقِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ وَلَوْ تَابَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 425 وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ وَبَخَرِهِ وَصُنَانِهِ   [مغني المحتاج] الزِّنَا لَا تَزُولُ، وَلِهَذَا لَا يَعُودُ إحْصَانُ الْحُرِّ الزَّانِي بِالتَّوْبَةِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ السَّرِقَةَ أَوْ الْإِبَاقَ مَعَ التَّوْبَةِ عَيْبٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْإِبَاقِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ السَّرِقَةِ مَا إذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبْدُهُ فَسَرَقَ الْعَبْدُ مَالَ حَرْبِيٍّ. قَالَ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنْ لَا يُجْعَلَ ذَلِكَ عَيْبًا مُثْبِتًا لِلرَّدِّ ابْتِدَاءً اهـ. وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ؛ لِأَنَّهَا غَنِيمَةٌ وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إبَاقِ الْعَبْدِ مَا لَوْ خَرَجَ عَبْدٌ مِنْ بِلَادِ الْهُدْنَةِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَجَاءَ إلَيْنَا فَلِلْإِمَامِ بَيْعُهُ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِبَاقَ مَطْلُوبٌ، وَحَيْثُ قِيلَ لَهُ الرَّدُّ بِالْإِبَاقِ فَمَحَلُّهُ فِي حَالِ عَوْدِهِ. أَمَّا حَالَ إبَاقِهِ فَلَا رَدَّ قَطْعًا وَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ (وَبَوْلِهِ فِي الْفِرَاشِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إنْ خَالَفَ الْعَادَةَ بِأَنْ اعْتَادَهُ لِسَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ تَقْرِيبًا؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِبَرِ الْعَبْدِ لَمْ يَرُدَّ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، لِأَنَّ عِلَاجَهُ فِي الْكِبَرِ صَعْبٌ فَصَارَ كِبَرُهُ عَيْبًا حَدَثَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَمَحَلُّ الرَّدِّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كَانَ يَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَظَهَرَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. أَمَّا لَوْ كَانَ يَبُولُ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ لَمْ يَبُلْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَيْبَ قَدْ زَالَ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَبَخَرِهِ) وَهُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ مِنْ قَلَحِ الْأَسْنَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِ الْفَمِ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْقَلَحِ لَا يُسَمَّى بَخَرًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ اعْتِرَاضٌ صَحِيحٌ (وَصُنَانِهِ) الْمُسْتَحْكِمِ دُونَ مَا يَكُونُ لِعَارِضِ عَرَقٍ أَوْ حَرَكَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ نَمَّامًا، أَوْ كَذَّابًا، أَوْ سَاحِرًا، أَوْ قَاذِفًا لِلْمُحْصَنَاتِ، أَوْ مُقَامِرًا، أَوْ تَارِكًا لِلصَّلَاةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ تَرْكِ مَا يُقْتَلُ بِهِ مِنْهَا أَوْ شَارِبًا مَا يُسْكِرُ وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ بِشُرْبِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ دُونَ مَنْ يَعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ غَالِبٌ فِيهِمْ، أَوْ خُنْثَى مُشْكِلًا، أَوْ وَاضِحًا، أَوْ مُخَنَّثًا، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا الَّذِي تُشْبِهُ حَرَكَاتُهُ حَرَكَاتِ النِّسَاءِ خَلْقًا وَخُلُقًا، أَوْ مُمَكِّنًا مِنْ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مُرْتَدًّا، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ تَابَ أَوْ مُحْرِمًا بِإِذْنٍ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ كَافِرًا لَمْ يُجَاوِرْهُ كُفَّارٌ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ، فَإِنْ جَاوَرَهُ كُفَّارٌ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ، أَوْ كَوْنُ الْأَمَةِ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ يَتَطَاوَلُ طُهْرُهَا فَوْقَ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، أَوْ لَا تَحِيضُ وَهِيَ فِي سِنِّ الْحَيْضِ غَالِبًا بِأَنْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ سَنَةً، قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ أَوْ حَامِلًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ هَلَاكِهَا بِالْوَضْعِ لَا فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهَا السَّلَامَةُ، أَوْ مُعْتَدَّةً وَلَوْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَحْوِ نَسَبٍ خِلَافًا لِلْجِيلِيِّ فِي الْمُحَرَّمَةِ أَوْ كَافِرَةً كُفْرًا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ كَوَثَنِيَّةٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 426 وَجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَعَضِّهَا   [مغني المحتاج] وَاصْطِكَاكِ الْكَعْبَيْنِ، وَسَوَادُ الْأَسْنَانِ أَوْ حُمْرَتُهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، أَوْ خُضْرَتُهَا، أَوْ زُرْقَتُهَا، أَوْ تَرَاكُمُ الْوَسَخِ الْفَاحِشِ فِي أُصُولِهَا، وَذَهَابُ الْأَشْفَارِ مِنْ الْأَمَةِ، وَكِبَرُ أَحَدِ ثَدْيَيْهَا، وَالْخِيلَانُ الْكَثِيرَةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ خَالٍ، وَهُوَ الشَّامَةُ، وَآثَارُ الشِّجَاجِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ كَوْنُهُ أَعْسَرَ، وَفَصَّلَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَالَ: إنْ كَانَ أَضْبَطَ وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ مَعًا فَلَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ، وَلَعَلَّ الرُّويَانِيَّ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، أَوْ أَشَلَّ، أَوْ أَقْرَعَ، وَهُوَ مَنْ ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ بِآفَةٍ، أَوْ أَصَمَّ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ، أَوْ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ ضَعِيفُ الْبَصَرِ خِلْقَةً، وَيُقَالُ: هُوَ مَنْ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَفِي الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ، وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، أَوْ أَجْهَرَ وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ، أَوْ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ، وَفِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ، وَالْمَرْأَةُ عَشْوَاءُ، أَوْ أَخْشَمَ وَأَبْكَمَ: أَيْ أَخْرَسَ، أَوْ أَرَتَّ لَا يَفْهَمُ كَلَامَهُ غَيْرُهُ، أَوْ فَاقِدَ الذَّوْقِ، أَوْ أُنْمُلَةٍ، أَوْ الظُّفْرِ، أَوْ الشَّعْرِ وَلَوْ عَانَةً، أَوْ فِي رَقَبَتِهِ لَا فِي ذِمَّتِهِ فَقَطْ دَيْنٌ. فَإِنْ قِيلَ: مَنْ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَكَيْفَ يُعَدُّ مِنْ الْعُيُوبِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَجْنِي جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، أَوْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، أَوْ سِنٌّ شَاغِيَةٌ، وَهِيَ بِشِينٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَتَيْنِ، الزَّائِدَةُ الَّتِي تُخَالِفُ نَبْتَتُهَا نَبْتَةَ بَقِيَّةِ الْأَسْنَانِ، أَوْ سِنٌّ مَقْلُوعَةٌ لَا لِكِبَرٍ، أَوْ بِهِ قُرُوحٌ أَوْ أَبْهَقَ، وَالْبَهَقُ بَيَاضٌ يَعْتَرِي الْجِلْدَ يُخَالِفُ لَوْنَهُ وَلَيْسَ مِنْ الْبَرَصِ، فَالْبَرَصُ وَالْجُذَامُ أَوْلَى، أَوْ أَبْيَضَ الشَّعْرِ فِي غَيْرِ سِنِّهِ، وَلَا تَضُرُّ حُمْرَتُهُ، أَوْ مُخَبَّلًا بِالْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ مَنْ فِي عَقْلِهِ خَبَلٌ أَوْ فَسَادٌ، أَوْ أَبْلَهَ، وَهُوَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ. رُوِيَ " إنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ " أَيْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَبْلَهَ عَلَى مَعْنًى لَطِيفٍ، وَهُوَ مَنْ يَعْمَلُ لِأَجْلِ النَّعِيمِ، وَغَيْرُهُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ، وَلَكِنَّ الْقِسْمَ الثَّانِي أَعْلَى (وَجِمَاحُ الدَّابَّةِ) بِالْكَسْرِ: أَيْ امْتِنَاعُهَا عَلَى رَاكِبِهَا (وَعَضُّهَا) أَوْ رَمْحُهَا لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ، وَكَوْنُهَا تَشْرَبُ لَبَنَهَا أَوْ لَبَنَ غَيْرِهَا، أَوْ تَكُونُ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْ رُكُوبِهَا السُّقُوطُ لِخُشُونَةِ مَشْيِهَا، أَوْ سَاقِطَةُ الْأَسْنَانِ لَا لِكِبَرٍ أَوْ قَلِيلَةُ الْأَكْلِ بِخِلَافِ قِلَّةِ الْأَكْلِ فِي الْآدَمِيِّ، وَالْحُمُوضَةُ فِي الْبِطِّيخِ لَا الرُّمَّانِ عَيْبٌ، وَلَا رَدَّ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ رَطْبَ الْكَلَامِ وَلَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 427 وَكُلِّ مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ سَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَمْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ،   [مغني المحتاج] بِكَوْنِهِ عَقِيمًا، وَلَا بِكَوْنِ الْعَبْدِ عِنِّينًا، وَلَيْسَ عَدَمُ الْخِتَانِ عَيْبًا إلَّا فِي عَبْدٍ كَبِيرٍ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ الْخِتَانِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ خِتَانَهَا سَلِيمٌ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ، وَضَبَطَ بَعْضُهُمْ الصَّغِيرَ بِعَدَمِ الْبُلُوغِ. وَمِنْ الْعُيُوبِ ظُهُورُ مَكْتُوبٍ بِوَقْفِيَّةِ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَثْبُتْ، وَكَذَا شُيُوعُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَشَقُّ أُذُنِ الشَّاةِ مَثَلًا إنْ مَنَعَ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَلَمَّا كَانَ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِيفَاءِ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّدِّ ذَكَرَ ضَابِطًا جَامِعًا لَهَا شَامِلًا لِمَا ذَكَرَهُ وَلِمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ (وَكُلِّ مَا) بِالْجَرِّ (يَنْقُصُ الْعَيْنَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْقَافِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّةِ. قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] (أَوْ الْقِيمَةَ نَقْصًا يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ) إذْ الْغَالِبُ فِي الْأَعْيَانِ السَّلَامَةُ، فَبَدَلُ الْمَالِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ السَّلِيمِ، فَإِذَا بَانَ الْعَيْبُ وَجَبَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّدَارُكِ، فَقَوْلُهُ: يَفُوتُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ قَيْدٌ فِي نَقْصِ الْعَيْنِ خَاصَّةً لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ قَطْعِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ الْفَخِذِ أَوْ السَّاقِ لَا يُوَرِّثُ شَيْئًا وَلَا يُفَوِّتُ غَرَضًا، فَلَا رَدَّ بِهِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ إمَّا بِأَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ الْقِيمَةِ، أَوْ يَجْعَلَ هَذَا الْقَيْدَ عَقِبَ نَقْصِ الْعَيْنِ قَبْلَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: إذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيعِ عَدَمُهُ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ وَالْعَيْنِ. فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الثُّيُوبَةِ فِي الْأَمَةِ الْكَبِيرَةِ السِّنِّ. قَالَ شَيْخِي: وَكَذَا الْخِصَاءُ فِي الثِّيرَانِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَتَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْأَرِقَّاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الرَّدَّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْجُلَبِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ قَلْعِ الْأَسْنَانِ فِي الْكَبِيرِ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ: وَقَدْ جَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِامْتِنَاعِ الرَّدِّ بِبَيَاضِ الشَّعْرِ فِي الْكَبِيرِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ. فَائِدَةٌ الْعَيْبُ سِتَّةُ أَقْسَامٍ: فِي الْبَيْعِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْغُرَّةِ، وَالصَّدَاقِ إذَا لَمْ يُفَارِقْ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا مَرَّ، وَفِي الْكَفَّارَةِ مَا ضَرَّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا، وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ مَا نَقَّصَ اللَّحْمَ، وَفِي النِّكَاحِ مَا نَفَّرَ عَنْ الْوَطْءِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ، وَفِي الصَّدَاقِ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ مَا فَاتَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَالِبُ فِي أَمْثَالِهِ عَدَمَهُ أَمْ لَا، وَفِي الْإِجَارَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَيْبُ الْمَرْهُونِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا نَقَصَ الْقِيمَةَ فَقَطْ (سَوَاءٌ) فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ (قَارَنَ) الْعَيْبُ (الْعَقْدَ) بِأَنْ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ (أَمْ حَدَثَ) بَعْدَهُ وَ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 428 وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا خِيَارَ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَطْعِهِ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ فَيَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَوْتِهِ بِمَرَضٍ سَابِقٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ   [مغني المحتاج] الْبَائِعِ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَلَوْ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِكْرًا مُزَوَّجَةً عَالِمًا فَأَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَتَهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْأَقْرَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِرِضَاهُ بِسَبَبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذِهِ سَتَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي يَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْعَيْبَ إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى كَلَامِ السُّبْكِيّ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ حَدَثَ) الْعَيْبُ (بَعْدَهُ) أَيْ الْقَبْضِ (فَلَا خِيَارَ) فِي الرَّدِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ صَارَ مِنْ ضَمَانِهِ، فَكَذَا جُزْؤُهُ وَصِفَتُهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَحَلُّهُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَيُبْنَى عَلَى مَا إذَا تَلِفَ حِينَئِذٍ هَلْ يَنْفَسِخُ، وَالْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ: أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَحُدُوثُهُ كَوُجُودِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ) عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الْعَقْدِ وَيَجْهَلُهُ الْمُشْتَرِي (كَقَطْعِهِ) أَيْ: الْمَبِيعِ، الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ (بِجِنَايَةٍ) أَوْ سَرِقَةٍ (سَابِقَةٍ) عَلَى الْقَبْضِ (فَيَثْبُتُ الرَّدُّ) بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ، وَفِي مَعْنَى الْقَطْعِ زَوَالُ الْبَكَارَةِ وَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ بِالْجَلْدِ. وَالثَّانِي لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَسَلَّطَ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْقَبْضِ فَيَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِهِ، وَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَطْعِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ جَزْمًا وَلَا أَرْشَ لِدُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ عَلَى بَصِيرَةٍ (بِخِلَافِ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمَبِيعِ (بِمَرَضٍ سَابِقٍ) عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَثْبُتُ بِهِ لَازِمُ الرَّدِّ الْمُتَعَذِّرِ مِنْ اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزْدَادُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِالسَّابِقِ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ اسْتِرْجَاعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ أَفْضَى إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ سَبَقَ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُشْتَرِي أَرْشُ الْمَرَضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الْمَبِيعِ صَحِيحًا وَمَرِيضًا مِنْ الثَّمَنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ كَمَا فِي التَّذْنِيبِ وَغَيْرِهِ. أَمَّا غَيْرُهُ كَالْحُمَّى الْيَسِيرَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنْ زَادَتْ فِي يَدِهِ وَمَاتَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ قَطْعًا لِمَوْتِهِ بِمَا حَدَثَ فِي يَدِهِ، وَالْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ كَالْمَرَضِ، وَكَذَا الْحَامِلُ إذَا مَاتَتْ مِنْ الطَّلْقِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا. (وَلَوْ قُتِلَ) الْمَبِيعُ (بِرِدَّةٍ) أَوْ مُحَارَبَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 429 سَابِقَةٍ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ   [مغني المحتاج] تُوجِبُ قِصَاصًا (سَابِقَةٍ) عَلَى الْقَبْضِ جَهِلَهَا الْمُشْتَرِي (ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ) بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ كَالْمُتَقَدِّمِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ قُبَيْلَ الْقَتْلِ. وَالثَّانِي: لَا يَضْمَنُهُ الْبَائِعُ، وَلَكِنَّ تَعَلُّقَ الْقَتْلِ بِهِ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُسْتَحِقَّ الْقَتْلِ وَغَيْرَ مُسْتَحِقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ وَالدَّفْنِ، فَهِيَ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَوْلَى وَعَلَى الْبَائِعِ وُجُوبًا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَالِمًا بِالْحَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قُتِلَ بِمُوجِبٍ سَابِقٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ، وَالْقَتْلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: تَارِكُ الصَّلَاةِ لَمْ يُقْتَلْ بِمُوجِبٍ سَابِقٍ، بَلْ بِتَصْمِيمِهِ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ، وَالتَّصْمِيمُ عَلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ مُوجِبٌ لِلِاسْتِيفَاءِ كَمَا فِي الرِّدَّةِ، فَإِنَّهَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْقَتْلِ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهَا مُوجِبٌ لِلِاسْتِيفَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَوْ أَخَّرَ عِبَارَتَهُ الْأُولَى، وَهِيَ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَوْتِهِ إلَخْ عَنْ الثَّانِيَةِ لَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ: أَيْ: وَهُوَ قَوْلُنَا تَبَعًا لَهُ لَازِمُ الرَّدِّ، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا الْمُتَحَتِّمُ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْقَتْلَ، وَالثَّانِيَةُ: نَقَلَهَا الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ، وَلَعَلَّهُ بَنَاهَا عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي قَتْلِ الْمُحَارِبِ مَعْنَى الْحَدِّ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَزِمَهُ دِيَتُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَاتِلَ الْعَبْدِ الْمُحَارِبِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ وَفِي الْمُرْتَدِّ بَلْ يَجْرِي فِي غَيْرِهِمَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالصَّائِلِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ بِأَنْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَيَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَلَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِمْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِشَرْطٍ فَقَالَ: (وَلَوْ بَاعَ) حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ (بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنْ الْعُيُوبِ) فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 430 فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ،   [مغني المحتاج] الْمَبِيعِ أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا تَرُدَّ بِعَيْبٍ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ) الْبَائِعُ (دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ: الْعَيْبِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ بِغَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالثِّيَابِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 431 وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَالْعَقَارِ مُطْلَقًا، وَلَا عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ أَمْ لَا، وَلَا عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيَوَانِ عَلِمَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ كَمَا قَالَ شَيْخِي مَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا. وَالثَّانِي: يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ فَالْجَهْلُ بِالْمُبَرَّأِ مِنْهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ صُورَةٌ مِنْ الْحَيَوَانِ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَاعَ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ، فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَهُ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي، فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ " وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَمَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: تَرَكْتُ الْيَمِينَ لِلَّهِ فَعَوَّضَنِي اللَّهُ عَنْهَا، دَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي صُورَةِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ فِيهَا اجْتِهَادَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ: الْحَيَوَانُ يَغْتَذِي فِي الصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ وَتُحَوَّلُ طِبَاعُهُ فَقَدْ لَا يَنْفَكُّ عَنْ عَيْبٍ خَفِيٍّ أَوْ ظَاهِرٍ: أَيْ فَيَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِيهِ إلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْخَفِيِّ دُونَ مَا يَعْلَمُهُ مُطْلَقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَلْبِيسِهِ فِيهِ. وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الظَّاهِرِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ خَفَائِهِ عَلَيْهِ، أَوْ مِنْ الْخَفِيِّ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ إذْ الْغَالِبُ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ. تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ فِي الْحَيَوَانِ بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عَنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ: لَفْظَةُ بَاطِنٍ سَاقِطَةٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ عَنْ عَيْبٍ ظَاهِرٍ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ لَفْظَةَ بَاطِنٍ مُخَرَّجَةً عَلَى حَاشِيَةِ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ لَا أَدْرِي هَلْ هِيَ بِخَطِّهِ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَتْ فِي الْمُحَرَّرِ اهـ. وَفِي الدَّقَائِقِ لَفْظَةُ بَاطِنٍ مِمَّا زَادَهُ الْمِنْهَاجُ وَلَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ) بَعْدَ الْعَقْدِ وَ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِانْصِرَافِ الشَّرْطِ إلَى الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقِدَمِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُصَدَّقُ. (وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ) مِنْ الْعُيُوبِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ مَعَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا (لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَمَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 432 وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالْأَرْشِ،   [مغني المحتاج] لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ لَهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، فَإِنْ انْفَرَدَ الْحَادِثُ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَنْ عَيْبٍ عَيَّنَهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعَايَنُ كَالْبَرَصِ فَإِنْ أَرَاهُ قَدْرَهُ وَمَوْضِعَهُ بَرِئَ مِنْهُ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ عَلَى الْأَظْهَرِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهِ وَمَوْضِعِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَايَنُ كَالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الْإِبَاقِ بَرِئَ مِنْهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهَا إعْلَامٌ بِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَبَعْضُ الْوَرَّاقِينَ فِي زَمَانِنَا يَجْعَلُ بَدَلَ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ: أَعْلَمَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِأَنَّ بِالْمَبِيعِ جَمِيعَ الْعُيُوبِ وَرَضِيَ بِهِ، وَهَذَا جَهْلٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تَكْفِي فِيمَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ حَتَّى يُرِيَهُ إيَّاهُ. وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ فَذِكْرُهُ مُجْمَلًا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذِكْرِ مَا يُمْكِنُ مُعَايَنَتُهُ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلَا يُفِيدُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ وَبُطْلَانِهِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ يَكُونُ كَشَرْطِ الْبَرَاءَةِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الْأَمَةَ بِكْرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ فَبَانَ خِلَافُ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّدُّ لِخُلْفِ الشَّرْطِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الرَّقِيقِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا أَوْ خَبَّازًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ مَا شَرَطَهُ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّهَا ثَيِّبٌ فَخَرَجَتْ بِكْرًا لَمْ تُرَدَّ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ مِمَّا شَرَطَ، وَقِيلَ: تُرَدُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ كَضَعْفِ آلَتِهِ أَوْ كِبَرِ سِنِّهِ، وَقَدْ فَاتَ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الرَّقِيقَ كَافِرٌ أَوْ فَحْلٌ أَوْ مَخْتُونٌ أَوْ خَصِيٌّ فَخَرَجَ مُسْلِمًا فِي الْأُولَى أَوْ خَصِيًّا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ أَقْلَفَ فِي الثَّالِثَةِ، أَوْ فَحْلًا فِي الرَّابِعَةِ ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ فِي الْكَافِرِ مَثَلًا فَوَاتُ كَثْرَةِ الرَّاغِبِينَ إذْ يَشْتَرِيهِ الْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ، وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ مَنْ قُطِعَ أُنْثَيَاهُ أَوْ سُلَّتَا وَبَقِيَ ذَكَرُهُ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ أَقْلَفَ فَبَانَ مَخْتُونًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ إذْ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ إلَّا إنْ كَانَ الْأَقْلَفُ مَجُوسِيًّا بَيْنَ مَجُوسٍ يَرْغَبُونَ فِيهِ بِزِيَادَةٍ فَيَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ فَاسِقًا أَوْ خَائِنًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ أَحْمَقَ أَوْ نَاقِصَ الْخِلْقَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِمَّا شَرَطَ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْأَمَةِ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا ثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ لِفَوَاتِ حِلِّ الْوَطْءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ كَوْنُهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ قُطْنٌ فَبَانَ كَتَّانًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. (وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ) غَيْرُ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعُ بِجِنْسِهِ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي) سَوَاءٌ أَكَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا كَأَنْ أَكَلَ الطَّعَامَ (أَوْ) خَرَجَ عَنْ قَبُولِ النَّقْلِ كَأَنْ (أَعْتَقَهُ) وَالْعَبْدُ مُسْلِمٌ، أَوْ وَقَفَهُ وَلَوْ كَافِرًا، أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، أَوْ جَعَلَ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً (ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ) بِهِ (رَجَعَ بِالْأَرْشِ) لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 433 وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ سَلِيمًا   [مغني المحتاج] بِفَوَاتِ الْمَبِيعِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَدِّهِ لِإِمْكَانِ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَرَقُّ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْمِلْكِ. قَالَ: وَيَجِبُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَى هَذَا. اهـ. وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ كَافِرًا أَيْضًا، إذْ عَتِيقُ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَرَقُّ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ بَعِيدٌ، فَيَنْبَغِي إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا جَاهِلًا بِعَيْبِهِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، أَوْ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَأَعْتَقَهُ رَجَعَ بِأَرْشِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ قُرْبَةً فَبَذَلَ الثَّمَنَ وَإِنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ مَا ظَنَّهُ مِنْ سَلَامَةِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ جُزْءٌ صَارَ مَا قَصَدَ عِتْقَهُ مُقَابَلًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ فَرَجَعَ فِي الْبَاقِي، وَمَسْأَلَةُ الْقَرِيبِ، أَوْ مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ إنَّمَا هُوَ الْعِتْقُ لَا الْإِعْتَاقُ. وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ ثُمَّ ظَهَرَ مَعِيبًا وَجَبَ الْأَرْشُ وَاسْتَمَرَّ الْعِتْقُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَ: وَيُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْعَيْبُ الْإِجْزَاءَ. أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ كَذَهَبٍ بِيعَ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا فَبَانَ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ فَلَا أَرْشَ فِيهِ، بَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَيَغْرَمُ الْبَدَلَ، وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ. وَإِلَّا لَنَقَصَ الثَّمَنُ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مِنْهُ مُقَابَلًا بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَذَلِكَ رِبًا إنْ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، فَإِنْ وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ غَرِمَ بَدَلَ التَّالِفِ، وَاسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ، وَهَلْ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِ الصَّيْدِ إذَا أَحْرَمَ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ إتْلَافٌ عَلَيْهِ؟ . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَنْسُوبٌ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عَيْبًا بَعْدَ تَلَفِهِ عِنْدَهُ. فَإِنْ كَانَ مَعِيبًا نَقَصَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِقَدْرِ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ قِيمَةِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَعُيِّنَ غَرِمَ بَدَلَ التَّالِفِ وَاسْتَبْدَلَ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، وَإِنْ فَارَقَ مَجْلِسَ الْعَقْدِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَرْشُ (جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (نِسْبَتُهُ إلَيْهِ) أَيْ نِسْبَةُ الْجُزْءِ إلَى الثَّمَنِ (نِسْبَةُ) أَيْ مِثْلُ نِسْبَةِ (مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ لَوْ كَانَ) الْمَبِيعُ (سَلِيمًا) إلَيْهَا وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَقَالَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ السَّلِيمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مَنْسُوبٍ وَمَنْسُوبٍ إلَيْهِ، وَالنِّسْبَةُ هُنَا مَذْكُورَةٌ مَرَّتَيْنِ. فَالْأُولَى: وَهِيَ النِّسْبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْأَرْشُ. وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا الْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَذَكَرَ مَعَهَا الْمَنْسُوبَ خَاصَّةً: وَهُوَ الْمِقْدَارُ الَّذِي نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الْقِيمَةِ، فَيُقَالُ: نَأْخُذُ نِسْبَةَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَلَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِلَا عَيْبٍ مِائَةً وَبِهِ تِسْعِينَ فَنِسْبَةُ النَّقْصِ إلَى قِيمَةٍ عُشْرٌ، فَالْأَرْشُ عُشْرُ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا كَانَ الرُّجُوعُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، فَيَكُونُ جُزْؤُهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 434 وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إلَى الْقَبْضِ. وَلَوْ تَلِفَ   [مغني المحتاج] مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِجُزْءِ الثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَ رَدَّ جُزْءَهُ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْ الْمُشْتَرِي بِطَلَبِهِ، وَقِيلَ بِلَا طَلَبٍ (وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (مِنْ يَوْمِ) أَيْ وَقْتِ (الْبَيْعِ إلَى) وَقْتِ (الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ وَقْتَ الْبَيْعِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّقْوِيمِ وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَوْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّانِيَةِ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّقْوِيمِ. وَالثَّانِي: اعْتِبَارُ قِيمَةِ وَقْتِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ بِالْمَبِيعِ. وَالثَّالِثُ: قِيمَةُ وَقْتِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُخُولِ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَقَلَّ قِيَمِهِ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَهُوَ جَمْعُ قِيمَةٍ، وَعَلَى هَذَا يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَبِذَلِكَ ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِهِ. وَقَالَ: إنَّهُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: أَقَلُّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ لِاعْتِبَارِهِ الْوَسَطَ: أَيْ بَيْنَ قِيمَتَيْ الْيَوْمَيْنِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا فِي الْكِتَابِ غَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْكِيًّا فِي أُصُولِهِ الْمَبْسُوطَةِ وَجْهًا فَضْلًا عَنْ اخْتِيَارِهِ؛ وَلِأَنَّ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا زَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ؟ . اهـ. وَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ دُونَ الْأَظْهَرِ لِيُوَافِقَ الطَّرِيقَةَ الرَّاجِحَةَ وَإِنْ لَمْ يُشْعِرْ بِهَا. وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَقْوَالٌ مَحْكِيَّةٌ فِي طَرِيقَةٍ فِيمَا عَدَا مَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَالطَّرِيقَةُ الرَّاجِحَةُ الْقَطْعُ بِاعْتِبَارِ أَقَلِّ قِيمَتَيْ وَقْتِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ قِيَمُ الْمَبِيعِ. فَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ قِيمَتَاهُ سَلِيمًا مِائَةً وَقِيمَتُهُ مَعِيبًا وَقْتَ الْعَقْدِ ثَمَانِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ ثَمَانِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ مَعِيبًا عِشْرُونَ: وَهِيَ خُمْسُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتَاهُ مَعِيبًا ثَمَانِينَ وَسَلِيمًا وَقْتَ الْعَقْدِ تِسْعِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ مِائَةً أَوْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِائَةً وَوَقْتَ الْقَبْضِ تِسْعِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَعِيبًا، وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا عَشَرَةٌ: وَهِيَ تُسْعُ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِتُسْعِ الثَّمَنِ. وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا مِائَةً وَمَعِيبًا ثَمَانِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ سَلِيمًا مِائَةً وَعِشْرِينَ وَمَعِيبًا تِسْعِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْعَقْدِ سَلِيمًا مِائَةً وَمَعِيبًا تِسْعِينَ وَوَقْتَ الْقَبْضِ سَلِيمًا مِائَةً وَعِشْرِينَ وَمَعِيبًا ثَمَانِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا وَأَقَلِّ قِيمَتَيْهِ مَعِيبًا عِشْرُونَ: وَهِيَ خُمْسُ أَقَلِّ قِيمَتَيْهِ سَلِيمًا فَيَرْجِعُ بِخُمْسِ الثَّمَنِ، وَإِذَا نَظَرْتَ إلَى قِيمَتِهِ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ أَيْضًا زَادَتْ الْأَقْسَامُ. (وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ) الْمَقْبُوضُ حِسًّا كَأَنْ تَلِفَ أَوْ شَرْعًا كَأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 435 الثَّمَنُ دُونَ الْمَبِيعِ رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ قِيمَتَهُ. وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَا أَرْشَ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ فَلَهُ الرَّدُّ، وَقِيلَ إنْ عَادَ بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ، وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ   [مغني المحتاج] اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ، أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَرَهْنٍ (دُونَ الْمَبِيعِ) الْمَقْبُوضِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَأَرَادَ رَدَّهُ بِهِ (رَدَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ الْمُشْتَرِي لِوُجُودِهِ خَالِيًا عَنْ الْمَوَانِعِ (وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (أَوْ قِيمَتَهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَاسْتَحَقَّهُ، فَإِذَا تَلِفَ ضَمِنَهُ بِذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ، وَيُعْتَبَرُ أَقَلُّ قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا فِي الْأَرْشُ، لَكِنَّهُ يُوَافِقُ مَا فِي الْكِتَابِ هُنَاكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالصَّوَابُ التَّسْوِيَةُ اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا، وَيُعْتَبَرُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ فَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّا نَعْتَبِرُ الْوَسَطَ هُنَا وَهُنَاكَ، وَلَوْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ بِالْأَرْشِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ الرَّدِّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ فَسْخٍ فَأَشْبَهَ خِيَارَ التَّرَوِّي فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ وَلَمْ يَسْقُطْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُسْلَمْ إلَّا إنْ عَلِمَ بُطْلَانَ الْمُصَالَحَةِ فَيَسْقُطُ الرَّدُّ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ لَهُ الرَّدُّ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ وَطَلَبُ الْأَرْشِ وَلَا لِلْبَائِعِ مَنْعُهُ مِنْ الرَّدِّ وَدَفْعِ الْأَرْشِ. تَنْبِيهٌ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْعَيْنِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ (وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ) بِالْمَبِيعِ (بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ) عَنْهُ (إلَى غَيْرِهِ) بِعِوَضٍ أَوْ بِدُونِهِ، وَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ فِي يَدِ الثَّانِي (فَلَا أَرْشَ) لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الرَّدِّ فَقَدْ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَرُدُّهُ، وَقِيلَ عِلَّتُهُ أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَخَرَّجُوا عَلَى هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ زَوَالَهُ بِلَا عِوَضٍ، فَعَلَى الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ لَا أَرْشَ. وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ لَهُ الْأَرْشَ كَمَا لَوْ تَلِفَ (فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ) إلَيْهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ انْفَكَّ رَهْنُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَلَهُ الرَّدُّ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَ) عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ (قِيلَ إنْ عَادَ) الْمَبِيعُ إلَيْهِ (بِغَيْرِ الرَّدِّ بِعَيْبٍ فَلَا رَدَّ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ وَغَبَنَ غَيْرَهُ كَمَا غُبِنَ هُوَ وَلَمْ يُبْطِلْ ذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ، وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ تَعَذَّرَ الْعَوْدُ لِتَلَفٍ أَوْ إعْتَاقٍ رَجَعَ بِالْأَرْشِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ عَلَى بَائِعِهِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُرْمِ لِلثَّانِي وَمَعَ إبْرَائِهِ مِنْهُ. وَقِيلَ لَا فِيهِمَا بِنَاءً عَلَى التَّعْلِيلِ بِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةَ (وَالرَّدُّ) بِالْعَيْبِ (عَلَى الْفَوْرِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ اللُّزُومُ وَالْجَوَازُ عَارِضٌ. وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِ فَكَانَ فَوْرِيًّا كَالشُّفْعَةِ فَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. وَهَذَا فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ. أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ إذَا قُبِضَ فَوُجِدَ مَعِيبًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 436 فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي أَوْ يَأْكُلُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ أَوْ   [مغني المحتاج] فَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ قُلْنَا لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالرِّضَا: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ إذْ الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّضَا. وَكَذَا إنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْفَوْرُ فِيمَا يُؤَدِّي رَدُّهُ إلَى رَفْعِ الْعَقْدِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ صُوَرٌ: مِنْهَا لَوْ أَجَّرَ الْمَبِيعَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْعَيْنِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُعْذَرُ فِي التَّأْخِيرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَمِنْهَا قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ. وَمَنْ يَنْشَأُ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ إذَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِأَنَّ لَهُ الرَّدَّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ. وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ قُبِلَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ مَالًا زَكَوِيًّا قَبْلَ الْحَوْلِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا. وَقَدْ مَضَى حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْ الزَّكَاةَ بَعْدُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ حَتَّى يُخْرِجَهَا سَوَاءٌ أَقُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ عَيْنِهَا لَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي. وَذَلِكَ عَيْبٌ حَادِثٌ فَلَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ. لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ قَبْلَهُ. وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالشِّقْصِ قَبْلَ أَخْذِ الشَّفِيعِ فَأَمْسَكَ عَنْ رَدِّهِ انْتِظَارًا لِلشَّفِيعِ. فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا بَطَلَ حَقُّهُ بِالِانْتِظَارِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَلَا. وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَغَلَ بِالرَّدِّ بِعَيْبٍ وَأَخَذَ فِي تَثْبِيتِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ آخَرَ وَيُعْذَرُ فِيهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّدِّ بِعَيْبٍ غَيْرِهِ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ اشْتَرَى جَارِيَةً، ثُمَّ ادَّعَى جُنُونَهَا وَطَلَبَ رَدَّهَا وَلَمْ يَثْبُتْ جُنُونُهَا فَادَّعَى عَلَيْهِ بِعَيْبٍ ثَانٍ فَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ إذَا ثَبَتَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ جُنُونٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَا تَأْخِيرِ إثْبَاتِهِ إذَا كَانَ لِعَجْزِهِ. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أُزِيلُ مَا بِهِ مِنْ عَيْبٍ وَأَمْكَنَ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا كَنَقْلِ الْحِجَارَةِ الْمَدْفُونَةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي (فَلْيُبَادِرْ) مُرِيدُ الرَّدِّ (عَلَى الْعَادَةِ) وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْوِ وَالرَّكْضِ لِيَرُدَّ (فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (أَوْ يَأْكُلُ) أَوْ يَقْضِي حَاجَتَهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَوْ وَهُوَ فِي حَمَّامٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الشُّفْعَةِ (فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا، وَلَا يَلْزَمُهُ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ وَالِاقْتِصَارُ فِيهَا عَلَى مَا يُجْزِئُ وَلَا يَزِيدُ فِيهَا عَلَى مَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَمْ يَشْرَعْ فِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا فَرْقَ، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبَهُ أَوْ غَلَّقَ بَابَهُ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَضُرُّ فِي الرَّدِّ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ بِخِلَافِ الِاشْتِغَالِ بِمُحَادَثَتِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعُدْ الْعَبْدُ إلَيْهِ (أَوْ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 437 لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ.   [مغني المحتاج] عَلِمَهُ (لَيْلًا) وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِكُلْفَةِ السَّيْرِ فِيهِ، وَنَقَلَ نَحْوَهُ عَنْ التَّتِمَّةِ (فَحَتَّى يُصْبِحَ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كُلْفَةٌ فِي السَّيْرِ: كَأَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ) الْمَالِكُ (بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ) إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالتَّوْكِيلِ تَأْخِيرٌ (أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ) بِالْبَلَدِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مُوَكِّلِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ رَدَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ: أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّدُّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ عَلَيْهِ فَفَاتَهُ النَّصُّ عَلَى التَّخْيِيرِ عِنْدَ الرَّدِّ إلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ مَاتَ الْمَالِكُ رَدَّهُ عَلَى وَارِثِهِ أَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ (وَلَوْ تَرَكَهُ) أَيْ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ (وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ آكَدُ) ، لِأَنَّ الْخَصْمَ رُبَّمَا أَحْوَجَهُ فِي آخَرِ الْأَمْرِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ فَاصِلًا لِلْأَمْرِ جَزْمًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاطِّلَاعُ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ أَمْ فِي غَيْبَةِ الْكُلِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إذَا عُلِمَ بِحَضْرَةِ أَحَدِهِمْ فَالتَّأْخِيرُ لِغَيْرِهِ تَقْصِيرٌ، وَإِذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ لَا يَدَّعِي؛ لِأَنَّ غَرِيمَهُ غَائِبٌ عَنْ الْمَجْلِسِ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُ مُتَوَارٍ وَلَا مُتَعَزِّزٍ، وَإِنَّمَا يَفْسَخُ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يَطْلُبُ غَرِيمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا قُلْنَا: الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَمَا فَائِدَةُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَخْلُو غَالِبًا عَنْ شُهُودٍ أَوْ يَصِيرُ الْحَاكِمُ شَاهِدًا لَهُ (وَإِنْ كَانَ) الْبَائِعُ (غَائِبًا) عَنْ الْبَلَدِ وَلَا وَكِيلَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَسَافَةُ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً (رَفَعَ) الْأَمْرَ (إلَى الْحَاكِمِ) وَلَا يُؤَخَّرُ لِقُدُومِهِ، وَطَرِيقُهُ عِنْدَ الرَّفْعِ أَنْ يَدَّعِيَ شِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ قَبَضَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ وَأَنَّهُ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَيُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أَنَّ الْأَمْرَ جَرَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَيُحْكَمُ بِالرَّدِّ عَلَى الْغَائِبِ وَيَبْقَى الثَّمَنُ دَيْنًا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ الْمَبِيعَ وَيَضَعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ الْقَاضِي الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ سِوَى الْمَبِيعِ بَاعَهُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِهِ بِالْعَيْبِ حَبْسَ الْمَبِيعِ إلَى اسْتِرْجَاعِ ثَمَنِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَيُؤْتَمَنُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ، فَإِنْ قِيلَ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ الْغَيْبَةَ يَشْمَلُ قَصِيرَ الْمَسَافَةِ كَمَا تَقَرَّرَ مَعَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْبَلَدِ مَشَقَّةً، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 438 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا بَطَلَ حَقُّهُ،   [مغني المحتاج] وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لِيَفْسَخَ عِنْدَهُ أَوْ لِيَطْلُبَ الرَّدَّ بِفَسْخِهِ قَبْلَ الْحُضُورِ إذَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ. أَمَّا الْقَضَاءُ بِهِ وَفَصْلُ الْأَمْرِ وَبَيْعُ مَالِهِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شُرُوطِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْإِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ إنْ أَمْكَنَهُ) وَلَوْ فِي حَالِ عُذْرِهِ كَمَرَضٍ وَغَيْبَةٍ وَخَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ يَحْتَمِلُ الْإِعْرَاضَ، وَأَصْلُ الْبَيْعِ اللُّزُومُ فَتَعَيَّنَ الْإِشْهَادُ بِعَدْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْغَزَالِيُّ أَوْ عَدْلٍ لِيَحْلِفَ مَعَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الشُّفْعَةِ: إنَّهُ إنْ أَشْهَدَ وَاحِدًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحُكَّامِ مَنْ لَا يَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَمْ يَصِرْ مُسْتَوْثِقًا لِنَفْسِهِ بِالْإِشْهَادِ، وَقَوْلُهُ (حَتَّى يُنْهِيَهُ إلَى الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ) يَقْتَضِي بَقَاءَ وُجُوبِ الذَّهَابِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّهُ يَنْفُذُ الْفَسْخُ وَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى إتْيَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْحَاكِمِ إلَّا لِلتَّسْلِيمِ وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ طَالِبًا لِلْمَالِكِ أَوْ الْحَاكِمِ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا. أَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى طَلَبِ الْفَسْخِ فَلَا يَكْفِي عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بِخِلَافِهِ فِي الشُّفْعَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْفَسْخِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ، وَفِي الشُّفْعَةِ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِأُمُورٍ مَقْصُودَةٍ فَلَيْسَ الْمَقْدُورُ فِي حَقِّهِ إلَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِشْهَادِ) عَلَى الْفَسْخِ (لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الْأَصَحِّ) إذْ يَبْعُدُ إيجَابُهُ مِنْ غَيْرِ سَامِعٍ أَوْ سَامِعٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ ثُبُوتُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِالْمَنْعِ. وَالثَّانِي: يَجِبُ لِيُبَادِرَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي الرَّدِّ (تَرْكُ الِاسْتِعْمَالِ فَلَوْ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ) وَلَوْ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ كَقَوْلِهِ: اسْقِنِي وَلَوْ لَمْ يَسْقِهِ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ الصَّحِيحَةِ (أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إكَافَهَا) وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ، أَوْ ابْتَاعَهُ مَعَهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّزْعِ ضَرَرٌ أَوْ رَكِبَهَا (بَطَلَ حَقُّهُ) مِنْ الرَّدِّ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالرِّضَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّرْكَ انْتِفَاعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَاحْتَاجَ إلَى حَمْلِهِ أَوْ تَحْمِيلِهِ، وَقِيلَ لَا يَضُرُّ الِاسْتِعْمَالُ الْخَفِيفُ كَقَوْلِهِ: أَغْلِقْ الْبَابَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَضُرُّ تَرْكُ اللِّجَامِ وَالْعِذَارِ لِخِفَّتِهِمَا فَلَا يُعَدُّ تَرْكُهُمَا وَلَا تَعْلِيقُهُمَا انْتِفَاعًا، وَلِأَنَّ سَوْقَ الدَّابَّةِ يَعْسُرُ بِدُونِهِمَا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 439 وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا، وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ، وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا، ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي أَوْ قَنَعَ بِهِ،   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: الْعِذَارُ مَا عَلَى خَدِّ الدَّابَّةِ مِنْ اللِّجَامِ أَوْ الْمِقْوَدِ، وَالْإِكَافُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا: الْوِكَافُ بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَقِيلَ: نَفْسُهَا، وَقِيلَ: مَا فَوْقَهَا، وَلَا يَضُرُّ عَلَفُهَا وَسَقْيُهَا أَوْ حَلْبُهَا فِي الطَّرِيقِ إذَا حَلَبَهَا وَهِيَ سَائِرَةٌ، فَإِنْ حَلَبَهَا وَاقِفَةً بَطَلَ حَقُّهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّقِيقَ لَوْ خَدَمَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ سَاكِتٌ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْدَامَ طَلَبُ الْعَمَلِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ جَاءَهُ الْعَبْدُ بِكُوزٍ فَأَخَذَ الْكُوزَ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْكُوزِ فِي يَدِهِ كَوَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنْ شَرِبَ وَرَدَّ الْكُوزَ إلَيْهِ فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ يُؤَثِّرُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْعَمَلُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِدَلَالَةِ الطَّلَبِ عَلَى الرِّضَا سَوَاءٌ أَعَمِلَ أَمْ لَمْ يَعْمَلْ (وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا) بِسُكُونِ الْوَاوِ لِلْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْسُرْ لَمْ يُعْذَرْ فِي الرُّكُوبِ، وَإِنْعَالُ الدَّابَّةِ فِي الطَّرِيقِ يُسْقِطُ الرَّدَّ إلَّا إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْمَشْيِ لِلْعُذْرِ، وَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْنَهُ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُكَلَّفْ نَزْعُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ بِخِلَافِ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الرُّكُوبِ رُكُوبٌ. وَيَتَعَيَّنُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْوِيرُ عَدَمِ النَّزْعِ فِي ذَوِي الْهَيْئَاتِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الْمُحْتَرِفَةِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْتِي نَحْوُهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ (وَإِذَا سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ) مِنْهُ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ بِتَقْصِيرِهِ (وَلَوْ حَدَثَ) بِالْمَبِيعِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (عَيْبٌ) بِآفَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَا بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ (سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا) أَيْ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِعَيْبٍ فَلَا يَرُدُّهُ بِعَيْبَيْنِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَالْحِرْفَةِ بِمَثَابَةِ الْعَيْبِ لِنُقْصَانِ الْقِيمَةِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الرَّدِّ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَادِثِ، وَمَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ هُوَ التَّزْوِيجُ. وَقَالَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ: إنْ رَدَّكِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ الرَّدُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (ثُمَّ إنْ رَضِيَ بِهِ) أَيْ: الْمَبِيعِ (الْبَائِعُ) مَعِيبًا (رَدَّهُ) عَلَيْهِ (الْمُشْتَرِي) بِلَا أَرْشٍ لِلْحَادِثِ (أَوْ قَنَعَ بِهِ) بِلَا أَرْشٍ عَنْ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ ضَرَرُ الْبَائِعِ قَدْ زَالَ بِرِضَاهُ بِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 440 وَإِلَّا فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمَ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ، وَلَا يَرُدُّ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ.   [مغني المحتاج] (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِهِ مَعِيبًا (فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمَ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَلَا يَرُدُّ) الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَرِعَايَةٌ لِلْجَانِبَيْنِ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا) فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ الْمَبِيعِ بِجِنْسِهِ (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ. لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا. أَمَّا الرِّبَوِيُّ الْمَذْكُورُ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْفَسْخُ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ لِمَا مَرَّ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى هَلَاكِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّ أَخْذَ أَرْشِ الْقَدِيمِ بِالتَّرَاضِي مُمْتَنِعٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عِنْدَ إمْكَانِ الرَّدِّ يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْأَرْشَ فِي مُقَابَلَةِ سَلْطَنَةِ الرَّدِّ وَهِيَ لَا تُقَابِلُ بِخِلَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِهِ. فَإِنَّ الْمُقَابَلَةَ تَكُونُ عَمَّا فَاتَ مِنْ وَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. وَلَوْ زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ بِ أَخْذِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ أَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهُ بِهِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَرَدُّ الْأَرْشِ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ. فَإِنْ زَالَ قَبْلَ أَخْذِهِ لَهُ أَوْ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ لِلْمُشْتَرِي فُسِخَ وَلَوْ بَعْدَ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ الْأَرْشِ، وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ قَبْلَ أَخْذِ أَرْشِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ رَدُّهُ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِأَخْذِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ بَقِيَ الْعَيْبَانِ وَتَنَازَعَا بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ مَعَ أَرْشِ الْحَادِثِ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ (فَالْأَصَحُّ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ) مَعَ أَرْشِ الْقَدِيمِ سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْبَائِعُ أَمْ الْمُشْتَرِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: يُجَابُ الْمُشْتَرِي مُطْلَقًا لِتَلْبِيسِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: يُجَابُ الْبَائِعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا غَارِمٌ أَوْ أَخَذَ مَا لَمْ يَرُدَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ. أَمَّا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ الْأَحَظَّ لَهُ. فَرْعٌ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا ثُمَّ صَبَغَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَطَلَبَ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْعَيْبِ وَقَالَ الْبَائِعُ: رُدَّ الثَّوْبَ لِأَغْرَمَ لَك قِيمَةَ الصِّبْغِ. . أُجِيبَ الْبَائِعُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْعَيْبِ عَنْ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا أُجِيبَ مَنْ طَلَبَ الْإِمْسَاكَ كَمَا فِي حُدُوثِ الْعَيْبِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُنَا إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ وَقِيمَةَ الصِّبْغِ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا وَهُنَاكَ لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الرَّدَّ وَأَرْشَ الْحَادِثِ غَرِمْنَاهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، فَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنْ يَطْلُبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ بِلَا أَرْشِ الْحَادِثِ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ الْمُشْتَرِي، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَالصِّبْغُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ فِي الْمَبِيعِ لَا عَيْبٌ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَفَّالَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الصِّبْغَ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 441 وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ لِيَخْتَارَ، فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ. وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ   [مغني المحتاج] يُمْكِنْ فَصْلُ الصِّبْغِ بِغَيْرِ نَقْصٍ فِي الثَّوْبِ، فَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَصَلَهُ وَرَدَّ الثَّوْبَ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ (وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ) مَعَ الْقَدِيمِ (لِيَخْتَارَ) شَيْئًا مِمَّا مَرَّ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ وَتَرْكِهِ وَإِعْطَاءِ الْأَرْشِ (فَإِنْ أَخَّرَ إعْلَامَهُ) بِذَلِكَ عَنْ فَوْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْقَدِيمِ (بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ) لَهُ بِهِ (وَلَا أَرْشَ) عَنْهُ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ، فَلَوْ أَخَّرَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّةِ الْإِعْلَامِ بِالْحَادِثِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ بَلْ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْفُقَهَاءُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْحَادِثُ قَرِيبَ الزَّوَالِ غَالِبًا كَرَمَدٍ وَحُمَّى عُذِرَ فِي انْتِظَارِ زَوَالِهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ لِيَرُدَّ الْمَبِيعَ سَالِمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحُ مَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ مِنْ الْمَنْعِ، وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ مِثْلُ الْقَدِيمِ كَبَيَاضٍ قَدِيمٍ وَحَادِثٍ فِي عَيْنِهِ ثُمَّ زَالَ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ الْحَالُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعَاقِدَانِ، فَقَالَ الْبَائِعُ الزَّائِلُ الْقَدِيمُ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ الْحَادِثُ فَلِي الرَّدُّ، وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ سَقَطَ الرَّدُّ بِحَلِفِ الْبَائِعِ وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشُ بِحَلِفِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَدَّعِي الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَجَبَ الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمَا عَنْ الْيَمِينِ قَضَى عَلَيْهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ. قَاعِدَةٌ: كُلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَتَحْرِيمُ الْأَمَةِ الثَّيِّبِ بِوَطْئِهَا عَلَى الْبَائِعِ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا لَا يُثْبِتُهُ، وَكَذَا لَا يَمْنَعُهُ إرْضَاعٌ يُحَرِّمُ الصَّغِيرَةَ عَلَى الْبَائِعِ كَأَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ ابْنَتِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي. ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ يَمْتَنِعُ فِيهَا الرَّدُّ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا الرَّدُّ. مِنْهَا الثُّيُوبَةُ فِي الْأَمَةِ فِي أَوَانِهَا فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِكْرًا فَوَطِئَهَا امْتَنَعَ الرَّدُّ. وَمِنْهَا وُجُودُ الْعَبْدِ غَيْرَ قَارِئٍ أَوْ عَارِفٍ لِصَنْعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ قَارِئًا أَوْ عَارِفًا لِصَنْعَةٍ فَنَسِيَ الْقُرْآنَ أَوْ الصَّنْعَةَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ، وَيَمْنَعُهُ الْإِقْرَارُ بِدَيْنِ الْإِتْلَافِ إنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِلَّا فَلَا، وَعَفْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّصْدِيقِ كَزَوَالِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ. (وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضِ) نَعَامٍ وَقَدْ يُعْرَفُ بِاللَّقْلَقَةِ (وَ) ثَقْبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 442 وَرَانِجٍ وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ مُدَوِّدٍ رُدَّ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ.   [مغني المحتاج] (رَانِجٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ (وَتَقْوِيرِ بِطِّيخٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ: طِبِّيخٍ بِتَقْدِيمِ الطَّاءِ (مُدَوِّدٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ بَعْضُهُ (رُدَّ) مَا ذُكِرَ قَهْرًا (وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ) لِلْحَادِثِ (فِي الْأَظْهَرِ) وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ لِعُذْرِهِ فِي تَعَاطِيهِ لِاسْتِكْشَافِ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْمُصَرَّاةِ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ لِذَلِكَ وَكَانَ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ سَلَّطَهُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يَرُدُّ وَلَكِنْ يَرُدُّ مَعَهُ الْأَرْشُ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا مَعِيبًا وَمَكْسُورًا مَعِيبًا، وَلَا نَظَرَ إلَى الثَّمَنِ. وَالثَّالِثُ: لَا يُرَدُّ أَصْلًا كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ، فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِأَرْشِ الْقَدِيمِ أَوْ يَغْرَمُ أَرْشَ الْحَادِثِ إلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ. أَمَّا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ وَالْبِطِّيخِ الْمُدَوِّدِ كُلِّهِ أَوْ الْمُعَفَّنِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ فَسَادُ الْبَيْعِ لِوُرُودِهِ عَلَى غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَنْظِيفُ الْمَكَانِ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَرَانِجٍ يُوهِمُ عَطْفَهُ عَلَى كَسْرٍ مَعَ أَنَّهُ إذَا كُسِرَ امْتَنَعَ الرَّدُّ، فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَثَقْبُ رَانِجٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَخَرَجَ بِبَيْضِ النَّعَامِ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمَذَرِهِ بَعْدَ كَسْرِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَرْشُ (فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَحْدَثَهُ) الْمُشْتَرِي كَالتَّقْوِيرِ الْكَبِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالصَّغِيرِ، وَكَشَقِّ الرُّمَّانِ الْمَشْرُوطِ حَلَاوَتُهُ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ حُمُوضَتِهِ بِالْغَرْزِ، وَكَتَقْوِيرِ الْبِطِّيخِ الْحَامِضِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ حُمُوضَتِهِ بِغَرْزِ شَيْءٍ فِيهِ (فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ) فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهَا، وَلَوْ أَطْلَقَ بَيْعَ الرُّمَّانِ لَمْ يَقْتَضِ حُمُوضَةً وَلَا حَلَاوَةً فَلَا تَكُونُ حُمُوضَتُهُ عَيْبًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. فَرْعٌ: لَوْ بَانَ الْعَيْبُ وَقَدْ أَنَعْلَ الدَّابَّةَ وَنَزَعَ النَّعْلَ يَعِيبُهَا فَبِنَزْعِهِ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ الرَّدِّ وَالْأَرْشِ لِقَطْعِهِ الْخِيَارَ بِتَعْيِيبِهِ بِالِاخْتِيَارِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا بِنَعْلِهَا أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ النَّعْلِ إذْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ فِي مَعْرَضِ رَدِّ الدَّابَّةِ، فَلَوْ سَقَطَتْ اسْتَرَدَّهَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّبْهَا نَزْعُهَا لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِهَا بِخِلَافِ الصُّوفِ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ تُشْبِهُ زِيَادَةَ السِّمَنِ بِخِلَافِ النَّعْلِ فَيَنْزِعُهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِنْعَالَ فِي مُدَّةِ طَلَبِ الْخَصْمِ أَوْ الْحَاكِمِ يَضُرُّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اشْتِغَالٌ يُشْبِهُ الْحَمْلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِجَزِّ الصُّوفِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بَلْ يَرُدُّ ثُمَّ يَجُزُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 443 فَرْعٌ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً رَدَّهُمَا، وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدٌ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: لَا يُرَدُّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فِي صَفْقَةٍ بِالْعَيْبِ قَهْرًا، وَإِنْ زَالَ الْبَاقِي عَنْ مِلْكِهِ لِلْبَائِعِ وِفَاقًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالسُّبْكِيُّ وَالْبَغَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ خِلَافًا لِمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَبْعِيضٌ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِثْلِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ ضَرَرُ التَّبْعِيضِ وَلَوْ (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ) أَوْ فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ كُلِّ شَيْئَيْنِ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (مَعِيبَيْنِ) مِنْ وَاحِدٍ (صَفْقَةً) وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْبَهُمَا (رَدَّهُمَا) بَعْدَ ظُهُورِهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِرَدِّهِمَا، وَيَجْرِي فِي رَدِّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ (رَدَّهُمَا لَا الْمَعِيبَ وَحْدَهُ) قَهْرًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ جَازَ وَسَبِيلُ التَّوْزِيعِ بِتَقْدِيرِهِمَا سَلِيمَيْنِ وَتَقْوِيمِهِمَا: أَيْ سَلِيمَيْنِ، وَيُقَسَّطُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا. وَالثَّانِي لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعَيْبِ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَبْدَيْنِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي شَيْئَيْنِ لَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمَا مَرَّ أَمَّا مَا تَتَّصِلُ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ فَلَا يُرَدُّ الْمَعِيبُ مِنْهُمَا وَحْدَهُ قَهْرًا قَطْعًا (وَلَوْ) تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ، كَأَنْ (اشْتَرَى عَبْدٌ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا) أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، كَأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِمِائَةٍ (فَلَهُ) فِي الْأُولَى (رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا) وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ رَدُّ أَحَدِهِمَا أَوْ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، كَمَا قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ) أَيْ اثْنَانِ عَبْدٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (فَلِأَحَدِهِمَا الرَّدُّ) لِنَصِيبِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ جَمِيعَ مَا مَلَكَهُ مِنْ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي اشْتَرَيَاهُ يَعُودُ عَلَى عَبْدِ الرَّجُلَيْنِ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ هَذَا الْبَيْعُ فِي حُكْمِ أَرْبَعِ عُقُودٍ، وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لِلرُّبْعِ مِنْ هَذَا وَالرُّبْعِ مِنْ ذَاكَ حَتَّى يَرُدَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا الرُّبْعَ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي فِي الْأَظْهَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ إعَادَةُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَبِيعِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 444 وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ   [مغني المحتاج] اشْتَرَاهُ وَاحِدٌ مِنْ وَكِيلِ اثْنَيْنِ أَوْ مِنْ وَكِيلَيْ وَاحِدٍ جَاءَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ مَرَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَكُلُّ مُشْتَرٍ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ؛ وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ عَدَدَ الْبَائِعِينَ فِي عَدَدِ الْمُشْتَرِينَ عِنْدَ التَّعَدُّدِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَمَا حَصَلَ فَهُوَ عَدَدُ الْعُقُودِ، وَلَوْ اشْتَرَى بَعْضَ عَبْدٍ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَمَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ: كَأَنْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ الْبَعْضُ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ رَدُّهُ دُونَ الثَّانِي: لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِعَيْبِهِ. (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ) وَحُدُوثِهِ، كَأَنْ قَالَ كُلٌّ لِلْآخَرِ حَدَثَ عِنْدَك وَدَعْوَاهُمَا فِيهِ مُمْكِنَةٌ بِأَنْ اُحْتُمِلَ قِدَمُهُ وَحُدُوثُهُ كَبَرَصٍ (صُدِّقَ الْبَائِعُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ (بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي، فَالْبَائِعُ يَدَّعِي الْحُدُوثَ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَدَّعِي قِدَمَهُ، وَهُوَ فِيمَا إذَا بَاعَ الْحَيَوَانَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْأَوَّلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقِيلَ الْمُصَدَّقُ فِي هَذِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْبَائِعَ بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى لَا يَثْبُتُ بِيَمِينِهِ حُدُوثُ الْعَيْبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا صَلُحَتْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ، فَلَا تَصْلُحُ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ مَثَلًا بِتَحَالُفٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْلِفَ الْآنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَادِثٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَمَّا مَا لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ كَإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ وَشَيْنِ شَجَّةٍ مُنْدَمِلَةٍ، وَقَدْ جَرَى الْبَيْعُ أَمْسِ أَوْ لَا يُحْتَمَلُ قِدَمُهُ كَشَجَّةٍ طَرِيَّةٍ وَقَدْ جَرَى الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا يَمِينٍ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ لَوْ بَاعَهُ عَصِيرًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَوُجِدَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي خَمْرًا فَقَالَ الْبَائِعُ: عِنْدَك صَارَ خَمْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ عِنْدَك كَانَ خَمْرًا وَأَمْكَنَ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ اسْتِمْرَارِ الْعَقْدِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: مَا لَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي وُجُودَ عَيْبَيْنِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَاعْتَرَفَ بِأَحَدِهِمَا، وَادَّعَى حُدُوثَ الْآخَرِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الرَّدَّ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تُرَدَّ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرَدُّ إذَا كَانَتْ تُثْبِتُ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ حَقًّا وَلَا حَقَّ لَهُ هُنَا، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ. الثَّانِيَةِ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا غَائِبًا وَكَانَ قَدْ رَآهُ وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ عَيْبٍ بِهِ ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ زَادَ الْعَيْبُ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ كَادِّعَائِهِ اطِّلَاعِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 445 عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ. وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ تَتْبَعُ الْأَصْلَ، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ   [مغني المحتاج] عَلَى الْعَيْبِ ذَكَرَاهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْعَيْبِ أَوْ صِفَتِهِ هَلْ هِيَ عَيْبٌ أَوْ لَا؟ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَيْبِ وَدَوَامُ الْعَقْدِ هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْحَالَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ عَرَفَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ بِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ ابْنُ الْمُقْرِي وَقِيلَ يَكْفِي كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ يَحْلِفُ (عَلَى حَسَبِ) بِفَتْحِ السِّينِ: أَيْ مِثْلِ (جَوَابِهِ) فَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ: لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْعَيْبِ وَقْتَ الْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ وَرَضِيَ بِهِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي جَوَابِهِ: مَا أَقْبَضْتُهُ إلَّا سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ حَلَفَ كَذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ وَالْحَلِفِ مَا عَلِمْتُ بِهِ هَذَا الْعَيْبِ عِنْدِي، وَيَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتِّ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ خِلَافَهُ، وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ أَوْ تَقْصِيرَهُ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. قَالَ الدَّارِمِيُّ: هَذَا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَيْبِ يَخْفَى عَلَى الْمُشْتَرِي: أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَخْفَى كَقَطْعِ أَنْفِهِ أَوْ يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ. (وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ) بِالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ (كَالسِّمَنِ) وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ وَالْقُرْآنِ (تَتْبَعُ الْأَصْلَ) فِي الرَّدِّ لِعَدَمِ إمْكَانِ إفْرَادِهَا؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَجَدَّدَ بِالْفَسْخِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ فِيهِ تَابِعَةً لِلْأَصْلِ كَالْعَقْدِ (وَالْمُنْفَصِلَةُ) عَيْنًا وَمَنْفَعَةً (كَالْوَلَدِ وَالْأُجْرَةِ) وَكَسْبِ الرَّقِيقِ وَالرِّكَازِ الَّذِي يَجِدُهُ وَمَا وُهِبَ لَهُ فَقَبِلَهُ وَقَبَضَهُ وَمَا وُصِّيَ لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ وَمَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ (لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ) بِالْعَيْبِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعَيْبِ. نَعَمْ وَلَدُ الْأَمَةِ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ يَمْنَعُ الرَّدَّ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْمَنَاهِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مِنْ الْبَيْعِ (لِلْمُشْتَرِي) وَمِنْ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ (إنْ رَدَّ) الْمَبِيعَ فِي الْأُولَى وَالثَّمَنَ فِي الثَّانِيَةِ (بَعْدَ الْقَبْضِ) سَوَاءٌ أَحَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمْ قَبْلَهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي، فَقَالَ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَقِيسَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 446 وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ بَاعَهَا حَامِلًا فَانْفَصَلَ رَدَّهُ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] عَلَى الْمَبِيعِ الثَّمَنُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَغْصُوبُ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَوْ تَلِفَ تَحْتَ ذِي الْيَدِ ضَمِنَهُ وَلَيْسَ لَهُ خَرَاجُهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ الضَّمَانُ الْمَعْهُودُ فِي الْخَبَرِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ، بَلْ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ مُضَمَّنٍ (وَكَذَا) إنْ رَدَّهُ (قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمُقَابِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّمْثِيلِ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالْوَلَدِ لِيُعَرِّفكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ امْتِنَاعِ الرَّدِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ كَالْوَلَدِ أَمْ لَا كَالْأُجْرَةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ، وَإِنَّمَا مَثَّلَ لِلْمُتَوَلِّدِ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهَا لِيُعَرِّفكَ أَنَّهَا تَبْقَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ: وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ كَلَامِهِ. (وَلَوْ بَاعَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ أَوْ الْبَهِيمَةَ (حَامِلًا) وَهِيَ مَعِيبَةٌ مَثَلًا (فَانْفَصَلَ) الْحَمْلُ (رَدَّهُ مَعَهَا) إنْ لَمْ تَنْقُصْ بِالْوِلَادَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَيُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ. وَالثَّانِي: لَا بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ. أَمَّا إذَا نَقَصَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَهْرًا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ. نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْحَمْلَ وَاسْتَمَرَّ إلَى الْوَضْعِ فَلَهُ الرَّدُّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَادِثَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ كَالْمُتَقَدِّمِ وَلَوْ انْفَصَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَأُمِّهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فَانْفَصَلَ عَمَّا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا كَذَلِكَ، وَلَوْ حَدَثَ الْحَمْلُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَتْبَعْ فِي الرَّدِّ بَلْ هُوَ لَهُ يَأْخُذُهُ إذَا انْفَصَلَ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: وَلَهُ حَبْسُ أَمَتِهِ حَتَّى تَضَعَ اهـ. وَحُدُوثُ حَمْلِ الْأَمَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَمْنَعُ الرَّدَّ قَهْرًا إنْ نَقَصَتْ بِهِ، وَالطَّلْعُ كَالْحَمْلِ، وَالتَّأْبِيرُ كَالْوَضْعِ، فَإِذَا اشْتَرَى نَخْلَةً عَلَيْهَا طَلْعٌ غَيْرُ مُؤَبَّرٍ وَعَلِمَ عَيْبَهَا بَعْدَ التَّأْبِيرِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالصُّوفُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ يُرَدُّ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ جَزَّهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ، وَيَرُدُّ أَيْضًا الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مَا لَمْ يُجَزَّ، فَإِنْ جُزَّ لَمْ يُرَدَّ كَالْوَلَدِ الْمُنْفَصِلِ، وَهَذَا مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَكِنْ كَانَ قِيَاسُ الْحَمْلِ أَنَّ مَا لَمْ يُجَزَّ لَا يُرَدُّ أَيْضًا، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ اللَّبَنَ الْحَادِثَ، وَالْأَوَّلُ وَإِنْ وُجِّهَ بِأَنَّهُ كَالسَّمْنِ فَالثَّانِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَصْوَبُ وَالْحَادِثُ مِنْ أُصُولِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ التَّابِعَةِ لِلْأَرْضِ فِي بَيْعِهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 447 وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ الِاسْتِخْدَامَ وَوَطْءَ الثَّيِّبِ، وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.   [مغني المحتاج] الظَّاهِرَ مِنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ. (وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ الِاسْتِخْدَامَ) إجْمَاعًا (وَ) لَا (وَطْءَ الثَّيِّبِ) أَوْ الْعَوَرُ مَعَ بَقَاءِ بَكَارَتِهَا مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ حُرِّمَتْ بِالْوَطْءِ عَلَى الْبَائِعِ كَوَطْءِ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إلْمَامٌ مِنْ غَيْرِ إيلَامٍ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ كَالِاسْتِخْدَامِ. هَذَا إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً. أَمَّا إذَا كَانَتْ زَانِيَةً فَهُوَ عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ (وَاقْتِضَاضُ الْبِكْرِ) بِالْقَافِ: أَيْ زَوَالُ بَكَارَتِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِوَثْبَةٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرَ (بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ) فَيَمْنَعُ الرَّدَّ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ، إلَّا إنْ كَانَ بِزَوَاجٍ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ (وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ وَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا رَدَّ لَهُ بِالْعَيْبِ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِكَمَالِهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا لَزِمَهُ قَدْرُ النَّقْصِ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ هُوَ الْبَيْعَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. ثُمَّ إنْ كَانَ زَوَالُهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ أَوْ بِزَوَاجٍ سَابِقٍ فَهَدَرٌ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ إنْ زَالَتْ بِلَا وَطْءٍ أَوْ بِوَطْءِ زِنًا مِنْهَا، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَهْرُ بِكْرٍ مِثْلِهَا بِلَا إفْرَادِ أَرْشٍ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. لَكِنَّهُ إنْ رَدَّ بِالْعَيْبِ سَقَطَ مِنْهُ قَدْرُ الْأَرْشِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْغَصْبِ وَالدِّيَاتِ مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ ثَيِّبٍ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَالِكِ هُنَا ضَعِيفٌ فَلَا يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ. وَلِهَذَا لَمْ يُفَرِّقُوا ثَمَّ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَلَا مَا فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْمَبِيعَةِ بَيْعًا فَاسِدًا مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ بِكْرٍ وَأَرْشٍ لِوُجُودِ الْعَقْدِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُصُولِ الْمِلْكِ بِهِ ثَمَّ كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِهِ فِيمَا ذُكِرَ: أَيْ فَإِنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ مَضْمُونٌ فِي صَحِيحِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا يَجِبُ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا لَا يَجِبُ فِي صَحِيحِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ، وَلَوْ أَزَالَهَا بِأُصْبُعِهِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَالتَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ لَا أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ فِيهِ أَرْشُ بَكَارَةٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. تَتِمَّةٌ: مَنْ عَلِمَ فِي السِّلْعَةِ عَيْبًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُبَيِّنَهُ حَذَرًا مِنْ الْغِشِّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 448 فَصْلٌ التَّصْرِيَةِ حَرَامٌ   [مغني المحتاج] لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلِحَدِيثِ «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ شَيْئًا يَعْلَمُ بِهِ عَيْبًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ» أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَيْبِ، وَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ، بَلْ وَعَلَى غَيْرِ الْبَائِعِ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِمَنْ يَشْتَرِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النُّصْحِ، وَكَالْعَيْبِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا يَكُونُ تَدْلِيسًا. [فَصْلٌ التَّصْرِيَةُ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثَ وَهُوَ مَا يُظَنُّ حُصُولُهُ بِالتَّغْرِيرِ الْفِعْلِيِّ مُصَرِّحًا بِحُكْمِهِ فَقَالَ: فَصْلٌ: التَّصْرِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَتْرُكَ الْبَائِعُ حَلْبُ النَّاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَمْدًا مُدَّةِ قَبْلَ بَيْعِهَا لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِيَ كَثْرَةَ اللَّبَنِ (حَرَامٌ) لِلتَّدْلِيسِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 449 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ: أَيْ النَّهْيِ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» وَقِيسَ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ غَيْرُهُمَا بِجَامِعِ التَّدْلِيسِ وَتُصَرُّوا بِوَزْنِ تُزَكُّوا مِنْ صَرَّ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ جَمَعَهُ، وَتُسَمَّى الْمُصَرَّاةُ الْمُحَفَّلَةَ أَيْضًا بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مِنْ الْحَفْلِ وَهُوَ الْجَمْعُ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَمْعِ مَحْفَلٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّحْرِيمِ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْبَيْعَ أَمْ لَا، وَبِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 452 تُثْبِتُ الْخِيَارَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّ بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ، وَقِيلَ يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ،   [مغني المحتاج] صَرَّحَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مُضِرٌّ لِلْحَيَوَانِ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ بِالتَّدْلِيسِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَا إذَا أَرَادَ الْبَيْعَ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضَرَرٌ (تُثْبِتُ الْخِيَارَ) لِلْجَاهِلِ بِهَا إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَهُوَ (عَلَى الْفَوْرِ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ (وَقِيلَ يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) مِنْ الْعَقْدِ وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُدَّةِ: إنَّهُ الصَّوَابُ. وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، إذْ التَّصْرِيَةُ لَا تَظْهَرُ غَالِبًا فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ لِإِحَالَةِ نَقْصِ اللَّبَنِ قَبْلَ تَمَامِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْعَلَفِ أَوْ الْمَأْوَى أَوْ تَبَدُّلِ الْأَيْدِي أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ إذَا تَرَكَ حَلْبَهَا نَاسِيًا أَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ لِعَدَمِ التَّدْلِيسِ، وَالْمُعْتَمَدُ ثُبُوتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي لِحُصُولِ الضَّرَرِ، وَلَوْ زَادَ اللَّبَنُ بِقَدْرِ مَا أَشْعَرَتْ بِهِ التَّصْرِيَةُ وَاسْتَمَرَّ فَلَا خِيَارَ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لَهُ، وَإِذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالتَّصْرِيَةِ بَعْدَ الْحَلْبِ وَأَرَادَ رَدَّهَا (فَإِنْ رَدَّ) هَا (بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ) أَوْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّهِ (رَدَّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ) وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَتِهَا بَدَلَ اللَّبَنِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْعَقْدِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَالْعِبْرَةُ بِغَالِبِ تَمْرِ الْبَلَدِ كَالْفِطْرَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بَعْدَ تَلَفِ اللَّبَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ بَعْدَ الْحَلْبِ وَقَبْلَ التَّلَفِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ اللَّبَنُ مَوْجُودًا وَطَلَبَ الْبَائِعُ رَدَّهُ لَمْ يُجْبَرْ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْهُ بَعْدَ الْبَيْعِ مِلْكٌ لَهُ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يُكَلَّفْ الْبَائِعُ قَبُولَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْحَلْبِ كَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الْحَلْبِ رَدَّهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَقِيلَ يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ) ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ ذِكْرُ التَّمْرِ كَمَا مَرَّ وَفِي رِوَايَةٍ ذِكْرُ الطَّعَامِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ ذِكْرُ الْقَمْحَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُوتِ مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ أَوْ يَتَعَيَّنُ؟ الْغَالِبُ، كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي، وَعَلَى تَعَيُّنِ التَّمْرِ لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ صَاعِ تَمْرٍ مِنْ مِثْلِيٍّ أَوْ مُتَقَوِّمٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 453 وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَأَنَّ خِيَارَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ وَالْجَارِيَةَ وَالْأَتَانَ، وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا، وَفِي الْجَارِيَةِ وَجْهٌ،   [مغني المحتاج] الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ بِغَيْرِ شَيْءٍ جَازَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ تَعَيَّنَ التَّمْرُ هُنَا وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضًا وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الْقِيمَةِ وَالِاقْتِيَاتِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا قَطْعُ النِّزَاعِ مَعَ ضَرْبِ تَعَبُّدٍ وَالْمَقْصُودَ فِي الْفِطْرَةِ سَدُّ الْخَلَّةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّمْرُ فَقِيمَتُهُ بِالْمَدِينَةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ لَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ بِلَادِ التَّمْرِ إلَيْهِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ إنْ شَاءَ وَاسْتَرَدَّ صَاعَهُ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الرِّبَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْفُسُوخِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُصَرَّاةُ فِي عَقْدٍ تَعَدَّدَ الصَّاعُ بِعَدَدِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْبَعْضِ بِعَيْبٍ هَلْ يَتَعَدَّدُ الصَّاعُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَعَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَته، وَلَوْ رَضِيَ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ بَعْدَ الْحَلْبِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا آخَرَ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ بَدَلِ اللَّبَنِ، وَكَذَا لَوْ رَدَّ غَيْرَ الْمُصَرَّاةِ بَعْدَ حَلْبِهَا بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا صَاعَ تَمْرٍ بَدَلَ اللَّبَنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ غَيْرُ مُعْتَنًى بِجَمْعِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُصَرَّاةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ) وَقِلَّتِهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا تَخْتَلِفُ غُرَّةُ الْجَنِينِ بِاخْتِلَافِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ وَلَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ. وَالثَّانِي: يَخْتَلِفُ فَيُقَدَّرُ التَّمْرُ أَوْ غَيْرُهُ بِقَدْرِ اللَّبَنِ فَقَدْ يَزِيدُ عَلَى الصَّاعِ وَقَدْ يَنْقُصُ عَنْهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِيَارَهَا) أَيْ: الْمُصَرَّاةِ (لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (بَلْ يَعُمُّ كُلَّ مَأْكُولٍ) مِنْ الْحَيَوَانِ (وَالْجَارِيَةِ وَالْأَتَانِ) بِالْمُثَنَّاةِ، وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً "؛ وَلِأَنَّ لَبَنَهَا مَقْصُودٌ لِلتَّرْبِيَةِ. وَالثَّانِي: مُخْتَصٌّ بِالنَّعَمِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يُقْصَدُ لَبَنُهُ إلَّا عَلَى نُذُورٍ (وَلَا يَرُدُّ مَعَهُمَا شَيْئًا) بَدَلَ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْجَارِيَةِ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ غَالِبًا، وَلَبَنَ الْأَتَانِ نَجِسٌ لَا عِوَضَ لَهُ (وَفِي الْجَارِيَةِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا بَدَلَ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّهُ كَلَبَنِ النَّعَمِ فِي صِحَّةِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَرُدُّ بَدَلَهُ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ قِيمَتَهُ مِنْ تَمْرٍ أَوْ قُوتٍ آخَرَ: وَجْهَانِ فِي النِّهَايَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ الْأَوَّلُ وَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَجْرِي فِي الْأَتَانِ، وَطَرَدَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ طَاهِرٌ مَشْرُوبٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ رَدَّ الصَّاعِ جَازَ فِي كُلِّ مَأْكُولٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 454 وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ، وَالرَّحَى الْمُرْسَلِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ، وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، لَا لَطْخُ ثَوْبِهِ تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأَرْنَبِ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَنَحْوِهَا (وَحَبْسُ مَاءِ الْقَنَاةِ وَ) مَاءِ (الرَّحَى) الَّذِي يُدِيرُهَا لِلطَّحْنِ (الْمُرْسَلِ) مَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا (عِنْدَ الْبَيْعِ وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ) وَإِرْسَالُ الزُّنْبُورِ عَلَيْهِ لِيَظُنَّ بِالْجَارِيَةِ السِّمَنَ (وَتَسْوِيدُ الشَّعْرِ وَتَجْعِيدُهُ) الدَّالُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْتِوَاءٌ وَانْقِبَاضٌ لَا الْمُفَلْفَلُ كَشَعْرِ السُّودَانِ (يُثْبِتُ الْخِيَارَ) قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ بِجَامِعِ التَّدْلِيسِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إنَّمَا ذَكَرَاهُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجُعُودَةَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ - تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ، وَالسُّبُوطَةُ تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالْحَبْسِ وَالتَّحْمِيرِ وَالتَّجْعِيدِ أَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِمُوَاطَأَتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَلَوْ تَجَعَّدَ الشَّعْرُ بِنَفْسِهِ فَكَمَا لَوْ تَحَفَّلَتْ بِنَفْسِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَجْعِيدُ الشَّعْرِ مِنْ زِيَادَاتِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُحَرَّرِ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِهِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ (لَا لَطْخُ ثَوْبِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ بِمِدَادٍ (تَخْيِيلًا لِكِتَابَتِهِ) فَظَهَرَ كَوْنُهُ غَيْرَ كَاتِبٍ فَلَا رَدَّ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ غَرَرٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَبِسَ ثَوْبَ غَيْرِهِ أَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ حَمْلِ دَوَاةٍ وَلِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ امْتِحَانِهِ وَالسُّؤَالِ عَنْهُ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ لَهُ الرَّدُّ نَظَرًا لِمُطْلَقِ التَّدْلِيسِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إلْبَاسِهِ ثَوْبًا مُخْتَصًّا بِحِرْفَةٍ كَثِيَابِ الْخَبَّازِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَرْبَابِ الصَّنَائِعِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى زُجَاجَةً يَظُنُّهَا جَوْهَرَةً بِثَمَنٍ كَثِيرٍ أَوْ بَاعَ جَوْهَرَةً يَظُنُّهَا زُجَاجَةً بِمَالٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْأُولَى لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ بِخِلَافِ التَّصْرِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ قِيلَ بِحُرْمَتِهِ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ بِالتَّصْرِيَةِ يَرْتَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ هَذَا. خَاتِمَةٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْفَسْخِ بِالْإِقَالَةِ وَهُوَ جَائِزٌ، وَيُسَنُّ إقَالَةُ النَّادِمِ، لِخَبَرِ «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصِيغَتُهَا تَقَايَلْنَا أَوْ تَفَاسَخْنَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُكَ فَيَقُولُ الْآخَرُ: قَبِلْتُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ: وَهِيَ فَسْخٌ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَسْخُ مِنْ الْآنِ، وَقِيلَ مِنْ أَصْلِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ وَتَجُوزُ فِي السَّلَمِ وَفِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِلْوَرَثَةِ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَتَجُوزُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 455 بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ.   [مغني المحتاج] بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ صُدِّقَ الْبَائِعُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الْإِقَالَةِ صُدِّقَ مُنْكِرُهَا، وَذَكَرْتُ بَقِيَّةَ أَحْكَامِهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ قَبْضِهِ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا لَا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ، نَعَمْ وَفَائِدَتُهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِبَدَلِ الثَّمَنِ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّدَاقِ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي ثَمَّ. وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَقَبَضَهُ وَسَلَّمَ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا قَدِيمًا فَرَدَّهُ فَوَجَدَ الثَّمَنَ مَعِيبًا نَاقِصَ الصِّفَةِ بِأَمْرٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْبَائِعِ أَخَذَهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ بِسَبَبِ النَّقْصِ، وَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا سَيَأْتِي أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسْخِ، كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ: سَبْعَةٌ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَالشَّرْطُ وَالْخُلْفُ لِلشَّرْطِ الْمَقْصُودِ وَالْعَيْبُ وَالْإِقَالَةُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا وَالتَّخَالُفُ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَقِيَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ أَشْيَاءُ وَإِنْ عُلِمْتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَأَمْكَنَ رُجُوعُ بَعْضِهَا إلَى السَّبْعَةِ، فَمِنْهَا إفْلَاسُ الْمُشْتَرِي وَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَغَيْبَةُ مَالِ الْمُشْتَرِي إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَبَيْعُ الْمَرِيضِ مُحَابَاةً لِوَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ. [بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ] ُ وَأَحْكَامِ الْقَبْضِ وَالتَّنَازُعِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ) بِمَعْنَى انْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِتَلَفِهِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ بِتَعْيِينِهِ وَبِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ لِبَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَعَرَضَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَمْ لَا، نَعَمْ إنْ وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ بَرِئَ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَةِ الْقَبْضِ، لَكِنْ لَوْ خَرَجَ مُسْتَحِقًّا وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَتُهُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ فَنَقَلَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي قَبْضًا فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، وَكَذَا تَخْلِيَةُ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا تَكُونُ قَبْضًا فِي الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَبِيعِ عَنْ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ الْحَادِثَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ: كَثَمَرَةٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَصُوفٍ وَرِكَازٍ يَجِدُهُ الرَّقِيقُ وَهُوَ مَوْهُوبٌ وَمُوصًى بِهِ فَإِنَّهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْأَصْلِ بِالْعَقْدِ وَلَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 456 فَإِنْ تَلِفَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الضَّمَانِ لَمْ يَبْرَأْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ.   [مغني المحتاج] يُوجَدْ الْعَقْدُ فِي الزَّوَائِدِ وَلَمْ تَحْتَوِ يَدُهُ عَلَيْهَا لِتَمَلُّكِهَا كَالْمُسْتَامِ وَلَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ كَالْغَاصِبِ حَتَّى يَضْمَنَ، وَسَبَبُ ضَمَانِ الْيَدِ عِنْدَهُمْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ لَهُ كَذَلِكَ. (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (انْفَسَخَ الْبَيْعُ) لِتَعَذُّرِ قَبْضِهِ الْمُسْتَحَقَّ كَالتَّفْرِيقِ قَبْلَهُ فِي الصَّرْفِ (وَسَقَطَ الثَّمَنُ) إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَجَبَ رَدُّهُ أَوْ كَانَ دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ عَادَ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قُبَيْلَ التَّلَفِ فَتَجْهِيزُهُ عَلَى الْبَائِعِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِهِ مَا لَوْ وَضَعَ الْمَبِيعَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ قَبْضِهَا كَمَا مَرَّ، وَمِنْ عَكْسِهِ مَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَدِيعَةً مِنْ الْبَائِعِ. وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْحَبْسِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَهُوَ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَمَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ وَتَلِفَ فَهُوَ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيَنْفَسِخُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ وَلِلْبَائِعِ بَدَلُهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ كَالْمُسْتَعَارِ، وَفِي مَعْنَى التَّلَفِ وُقُوعُ الدِّرَّةِ وَنَحْوِهَا فِي الْبَحْرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا مِنْهُ وَانْفِلَاتُ الصَّيْدِ الْمُتَوَحِّشِ وَالطَّيْرِ إذَا لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ وَاخْتِلَاطُ مُتَقَوِّمٍ كَثَوْبٍ أَوْ شَاةٍ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ وَانْقِلَابُ الْعَصِيرِ خَمْرًا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ عَادَ خَلًّا كَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا خِلَافَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الرَّهْنِ. وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ: مِنْ أَنَّهُ مَتَى عَادَ عَادَ حُكْمُهُ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ دُونَ الْعَصِيرِ، وَلَوْ أَبِقَ الرَّقِيقُ أَوْ ضَلَّ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْبَيْعُ لِرَجَاءِ الْعَوْدِ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَطُلْ خِيَارُهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْعَوْدِ، فَإِنْ سَلَّمَهُ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مَا لَمْ يَفْسَخْ، وَلَوْ غَرِقَتْ الْأَرْضُ بِالْمَاءِ أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهَا صَخْرَةٌ أَوْ رَكِبَهَا رَمْلٌ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ لَا تَلَفٌ. فَإِنْ قِيلَ يُنَاقِضُهُ مَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ تَغْرِيقَ الْأَرْضِ تَلَفٌ لَا عَيْبٌ حَتَّى لَوْ حَصَلَ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَأْخُذْ الشَّفِيعُ إلَّا بِالْحِصَّةِ، وَمَا فِي الْإِجَارَةِ مِنْ أَنَّهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ فَيَكُونُ تَلَفًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَتْلَفْ، وَالْحَيْلُولَةُ لَا تَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تَالِفَةً فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مُتَمَلِّكٌ، وَالتَّالِفُ مِنْهَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْمُسْتَأْجِرُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ لِحَيْلُولَةِ الْمَاءِ وَلَا يُمْكِنُ تَرَقُّبُ زَوَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَتْلَفُ وَلَا تُضْمَنُ (وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُشْتَرِي عَنْ الضَّمَانِ لَمْ يَبْرَأْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ) الْمَذْكُورُ لِلتَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَ عَمَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 457 وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: كَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ ضَيْفًا،   [مغني المحتاج] لَمْ يَجِبْ. وَالثَّانِي: يَبْرَأُ لِوُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الثَّمَنُ. تَنْبِيهٌ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَرَاءَةِ وَتَغَيُّرِ الْحُكْمِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ التَّأْكِيدِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَائِدَتُهُ نَفْيُ تَوَهُّمِ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ إذَا تَلِفَ وَأَنَّ الْإِبْرَاءِ كَمَا لَا يَرْفَعُ الضَّمَانَ لَا يَرْفَعُ الْفَسْخَ بِالتَّلَفِ وَكَذَلِكَ بَقَاءَ الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ. (وَإِتْلَافُ الْمُشْتَرِي) الْمَبِيعَ حِسًّا أَوْ شَرْعًا (قَبْضٌ) لَهُ (إنْ عَلِمَ) أَنَّهُ الْمَبِيعَ حَالَةَ إتْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الْمَغْصُوبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَفِي مَعْنَى إتْلَافِهِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَأَحْبَلَهَا أَبُوهُ، وَمَا لَوْ اشْتَرَى السَّيِّدُ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ جَوَازَ بَيْعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَيَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِ الْآخَرِ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا قَتَلَهُ الْمُشْتَرِي دَفْعًا لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا الْقَوَدُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَوْ لِرِدَّةٍ وَالْمُشْتَرِي الْإِمَامُ وَقَصَدَ قَتْلَهُ عَنْهَا فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ صَارَ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ كَانَ قَابِضًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ إقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِقَتْلِهِ كَالْإِمَامِ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا إلَّا بِحُكْمِ الْمِلْكِ، فَالْمِلْكُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ وَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لَتَبَيَّنَ بِالْآخِرَةِ أَنَّهُ قَتَلَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَا قَتْلَهُ إيَّاهُ قَبْضًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُقَاسُ بِالْمُرْتَدِّ: تَارِكُ الصَّلَاةِ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالزَّانِي وَالْمُحْصَنُ بِأَنْ زَنَى كَافِرٌ حُرٌّ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ أَوْ بِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى قَاتِلِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَتَلَ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ثَمَنُهُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ تَفَقُّهًا مَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي فِي الصَّلَاةِ فَقَتَلَهُ لِلدَّفْعِ: أَيْ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ فِي دَفْعِ الْمَارِّ، وَمَا لَوْ قَاتَلَ مَعَ الْبُغَاةِ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَتَلَهُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ الْمَبِيعُ قَالَ الشَّارِحُ: وَقَدْ أَضَافَهُ بِهِ الْبَائِعُ (فَقَوْلَانِ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَجْهَانِ (كَأَكْلِ الْمَالِكِ طَعَامَهُ الْمَغْصُوبَ ضَيْفًا) لِلْغَاصِبِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ طَعَامُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ، وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ تَصْيِيرَهُ قَابِضًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا تَقَدَّمَ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 458 وَالْمَذْهَبُ أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَتَلَفِهِ،   [مغني المحتاج] فِيمَا لَوْ قَدَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ أَحَدٌ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْأُولَى أَيْضًا. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَهْلًا لِلْقَبْضِ وَاشْتَرَى لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا كَأَنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ جُنُونِهِ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ إتْلَافَهُ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَعَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَرَدُّ بَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا أَوْ كَانَ وَكِيلًا فَكَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي الْقَبْضِ أَمْ لَا (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ) الْمَبِيعَ (كَتَلَفِهِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِيهِ وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ سَقَطَ الثَّمَنُ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ فَسَخَ سَقَطَ الثَّمَنُ، وَإِنْ أَجَازَ غَرِمَ الْبَائِعُ الْقِيمَةَ وَأَدَّى لَهُ الثَّمَنَ وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ، وَلَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ حَيْثُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ، فَلَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْبَدَلُ؟ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِاسْتِقْرَارِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ أَوْ يُجْعَلُ مُسْتَرِدًّا بِالْإِتْلَافِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَابِضٌ بِهِ، فِيهِ قَوْلَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِيَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ أَتْلَفَاهُ مَعًا. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ. وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ فَيَنْفَسِخُ فِيهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَائِعِ كَالْآفَةِ وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ مَا قَدْ لَزِمَهُ بِجِنَايَةٍ وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْبَائِعِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ تَعَدَّى بِحَبْسِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ كَمَا مَرَّ وَإِتْلَافُ الْأَعْجَمِيِّ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِأَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ كَإِتْلَافِهِ عَنْ أَمْرِهِ فَلَوْ أَمَرَهُ الثَّلَاثَةُ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْقَبْضُ فِي الثُّلُثِ وَالتَّخْيِيرُ فِي الثُّلُثِ وَالْفَسْخُ فِي الثُّلُثِ. أَمَّا إتْلَافُ الْمُمَيِّزِ بِأَمْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ بِلَا أَمْرٍ، وَإِذْنُ الْمُشْتَرِي لِلْأَجْنَبِيِّ أَوْ لِلْبَائِعِ فِي إتْلَافِهِ لَغْوٌ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِي إتْلَافِهِ لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ ثَمَّ، وَإِتْلَافُ عَبْدِ الْبَائِعِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ كَإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا عَبْدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ جُعِلَ قَابِضًا كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَإِنْ فَسَخَ أَتْبَعَ الْبَائِعُ الْجَانِيَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ عَبْدُ الْبَائِعِ بِعَبْدِ الْمُشْتَرِي فِي التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ لِشِدَّةِ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى بَقَاءِ الْعُقُودِ، وَلَوْ أَتْلَفَتْهُ دَابَّةُ الْمُشْتَرِي نَهَارًا انْفَسَخَ الْبَيْعُ أَوْ لَيْلًا فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ فُسِخَ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِبَدَلِ مَا أَتْلَفَهُ وَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ أَوْ دَابَّةُ الْبَائِعِ فَكَإِتْلَافِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَدَابَّةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إتْلَافَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ فَآفَةٌ، وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 459 وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيَغْرَمُ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ يَفْسَخَ فَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الْأَجْنَبِيُّ. وَلَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَرَضِيَهُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ فَالْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَرْشَ،   [مغني المحتاج] فَقَدْ مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ كَالْآفَةِ بِخِلَافِ إتْلَافِ دَابَّةِ الْمُشْتَرِي، فَنَزَلَ إتْلَافُهَا بِالنَّهَارِ مَنْزِلَةَ إتْلَافِ الْبَائِعِ لِتَفْرِيطِهِ بِخِلَافِهِ لَيْلًا. فَإِنْ قِيلَ: إتْلَافُهَا لَيْلًا إمَّا بِتَقْصِيرِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ قَبْضًا أَوْ لَا فَيَكُونُ كَالْآفَةِ فَيَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْيِيرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِتَقْصِيرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهَا أَمْ لَا. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إتْلَافُهَا صَالِحًا لِلْقَبْضِ خُيِّرَ، فَإِنْ أَجَازَ فَقَابِضٌ أَوْ فَسَخَ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالْبَدَلِ كَمَا تَقَرَّرَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَفْسَخُ) الْبَيْعَ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمَبِيعِ (بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي) بِهِ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَفَّالِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْقَاضِي (بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ) الْبَيْعَ (وَيَغْرَمَ الْأَجْنَبِيُّ) الْبَدَلَ (أَوْ يَفْسَخَ فَيَغْرَمُ الْبَائِعُ الْأَجْنَبِيُّ) الْبَدَلَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهَذَا، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي حِكَايَةِ الطَّرِيقَيْنِ، فَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ " الْأَظْهَرُ " لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ، وَهَذَا الْخِيَارُ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَجْنَبِيُّ حَرْبِيًّا وَلَمْ يَكُنْ إتْلَافُهُ بِحَقٍّ وَإِلَّا فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ. فَإِنْ قِيلَ إذَا غَصَبَ أَجْنَبِيٌّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يُخَيَّرْ الْمُسْتَأْجِرُ كَمَا هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَذَا الْمَالُ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَانِي فَتَعَدَّى الْعَقْدُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى بَدَلِهَا بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مُتْلِفِهَا فَلَمْ يَتَعَدَّ الْعَقْدُ مِنْهَا إلَى بَدَلِهَا. (وَلَوْ تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (قَبْلَ الْقَبْضِ فَرَضِيَهُ) بِأَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ (أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ) كَمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ مُقَارَنًا وَلَا أَرْشَ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْفَسْخِ (وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا خِيَارَ) لَهُ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ الْقَهْرِيُّ بِالْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ وَيَكُونُ قَابِضًا لِمَا أَتْلَفَهُ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مَثَلًا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا، هَذَا إذَا مَاتَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، فَإِنْ سَرَى وَجَبَ الثَّمَنُ لِمَا مَرَّ أَنَّ إتْلَافَهُ قَبْضٌ، وَبِهَذَا فَارَقَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيمَا لَوْ عَيَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ وَمَا لَوْ جَبَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ زَوْجِهَا، إذْ لَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْضٌ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمَرْأَةَ لَمْ يَتَصَرَّفَا فِي مِلْكِهِمَا، بَلْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمَا فَلَا يَكُونَانِ بِذَلِكَ مُسْتَوْفِيَيْنِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي (أَوْ) عَيَّبَهُ (الْأَجْنَبِيُّ) غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ (فَالْخِيَارُ) بِتَعْيِيبِهِ ثَابِتٌ لِلْمُشْتَرِي قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِتْلَافِ (فَإِنْ أَجَازَ) الْبَيْعَ (غَرِمَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَرْشَ) ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي وَلَكِنْ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا لِجَوَازِ تَلَفِهِ فَيَنْفَسِخُ الْمَبِيعُ؛ وَالْمُرَادُ بِالْأَرْشِ فِي الرَّقِيقِ مَا يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَا مَا نَقَصَ مِنْهُ، وَفِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 460 وَلَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ فَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَا التَّغْرِيمِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيع قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْعَهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ،   [مغني المحتاج] غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (وَلَوْ عَيَّبَهُ الْبَائِعُ فَالْمَذْهَبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ) لِلْمُشْتَرِي (لَا التَّغْرِيمِ) أَمَّا الْخِيَارُ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ إمَّا كَالْآفَةِ وَإِمَّا كَفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَكِلَاهُمَا مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّغْرِيمِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَإِتْلَافِهِ الَّذِي هُوَ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ عَلَى الرَّاجِحِ الْمَقْطُوعِ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَمُقَابِلُهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ مَعَ التَّغْرِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْبَائِعِ كَفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَحَّ تَعْبِيرُهُ هُنَا بِالْمَذْهَبِ كَمَا هُنَاكَ، وَكَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَا التَّغْرِيمُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِالْحَالِ حَتَّى قَبَضَ وَحَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ كَانَ لَهُ الْأَرْشُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَلَا الْإِشْرَاكُ فِيهِ وَلَا التَّوْلِيَةُ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا وَإِنْ أَذِنَ الْبَائِعُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ لِخَبَرِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وَلَا أَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مِثْلَهُ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِالتَّلَفِ قَبْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَصِحُّ أَنْ يُؤْجِرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ مَا امْتَنَعَ كَمَا فِي الْبَيْعِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ وَالْقَبْضُ يَتَأَتَّى فِيهَا حَقِيقَةً وَالْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ لَهَا حَقِيقَةً (وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْعَهُ لِلْبَائِعِ كَغَيْرِهِ) فَلَا يَصِحُّ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِضَعْفِ الْمِلْكِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَبَيْعِ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا بَاعَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَفَاوُتِ صِفَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ فَيَصِحُّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْقَوْلَيْنِ وَبَنَاهُمَا عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمَعْنَى، وَالْأَصْحَابُ تَارَةً يَعْتَبِرُونَ اللَّفْظَ وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِلَا ثَمَنٍ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا وَلَا هِبَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَكَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِكَذَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا لَا سَلَمًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَارَةً يَعْتَبِرُونَ الْمَعْنَى كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَمْ يُطْلِقُوا الْقَوْلَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ بَلْ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ كَالْإِبْرَاءِ فِي أَنَّهُ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ، وَفِي أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَوْ الْجَائِزِ، وَفِي أَنَّ الطَّلَاقَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 461 وَأَنَّ الْإِجَارَةَ وَالرَّهْنَ وَالْهِبَةَ كَالْبَيْعِ، وَأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِخِلَافِهِ،   [مغني المحتاج] الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الْمِلْكَ أَمْ لَا، وَتَارَةً لَا يُرَاعُونَ اللَّفْظَ وَلَا الْمَعْنَى فِيمَا إذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْعَبْدِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا وَلَا سَلَمًا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَذْهَبِ، فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مُقَابِلَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْقَطْعِ بِالْبُطْلَانِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْإِجَارَةَ) وَالْكِتَابَةَ (وَالرَّهْنَ وَالْهِبَةَ) وَالصَّدَاقَ وَالْإِقْرَاضَ وَجَعْلَهُ عِوَضًا فِي نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (كَالْبَيْعِ) فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْبَيْعِ ضَعْفُ الْمِلْكِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ. تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الرَّهْنِ مِنْ الْبَائِعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَهَنَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ قَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا رَهَنَ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ وَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَخَرَجَ بِالْمَبِيعِ زَوَائِدُهُ الْحَادِثَةُ، فَلَوْ اشْتَرَى نَخْلًا مَثَلًا فَأَثْمَرَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عَلَى الْبَائِعِ قَالَهُ الْأَرْدَبِيلِيِّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهَا تَعُودُ لِلْبَائِعِ لَوْ عَرَضَ انْفِسَاخٌ أَوَّلًا، فَإِنْ أَعَدْنَاهَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا كَالْأَصْلِ وَإِلَّا تَصَرَّفَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يُفْهِمُ الْجَوَازَ بَعْدَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ خِيَارٌ، فَإِنْ كَانَ امْتَنَعَ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى: إذَا اشْتَرَى مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا وَمَاتَ مُوَرِّثُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي يَدِهِ شَرْعًا، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا اشْتَرَى جُزْءًا شَائِعًا وَطَلَبَ قِسْمَتَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ بَيْعٌ؛ لِأَنَّ الرِّضَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهَا، وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الرِّضَا جَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْقَبْضُ كَالشُّفْعَةِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ صُورَةً أُخْرَى، وَهِيَ مَا لَوْ اشْتَرَى رَقِيقًا وَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَصِحُّ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذِهِ تُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْإِعْتَاقَ بِخِلَافِهِ) فَيَصِحُّ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ أَمْ لَا لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْآبِقِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَرْهُونِ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَالْبَيْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ. وَالثَّالِثَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِتَأْجِيلِ الثَّمَنِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 462 وَالثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ وَمَوْرُوثٍ وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيِّهِ بَعْدَ رُشْدِهِ، وَكَذَا عَارِيَّةٌ وَمَأْخُوذٌ بِسَوْمٍ.   [مغني المحتاج] إبْطَالِ حَقِّهِ. نَعَمْ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ إعْتَاقُهُ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ وَلَا إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّزْوِيجُ وَالْوَقْفُ، سَوَاءٌ احْتَاجَ إلَى قَبُولٍ أَمْ لَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْقِيمَةِ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ إنْ شُرِطَ فِيهِ الْقَبُولُ كَانَ كَالْبَيْعِ وَإِلَّا فَكَالْإِعْتَاقِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِهِ كَالْعِتْقِ، وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَإِبَاحَتُهُ لِلْفُقَرَاءِ طَعَامًا اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَيَصِيرُ الْمُشْتَرِي بِإِعْتَاقِهِ وَإِيلَادِهِ وَإِيلَادِ أَبِيهِ وَإِبَاحَةِ مَا ذُكِرَ إنْ قَبَضُوهُ وَوَقْفِهِ قَابِضًا لِلْمَبِيعِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ لَا بِتَزْوِيجِهِ وَلَا بِوَطْءِ الزَّوْجِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَى الطَّعَامَ مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ إلَّا كَذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهُ جِزَافًا وَأَبَاحَهُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَقْبِضُوهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْبَائِعُ يَدَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ وَالِاسْتِيلَادِ ضَمِنَهُ بِالْقِيمَةِ لَا بِالثَّمَنِ (وَالثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ) نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (كَالْمَبِيعِ) قَبْلَ قَبْضِهِ فِيمَا مَرَّ فَيَأْتِي فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ بِرِضَا الْبَائِعِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ، فَقَوْلُهُ (فَلَا يَبِيعُهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّصَرُّفِ لِيَعُمَّ (وَلَهُ بَيْعٌ) وَأَوْلَى مِنْهُ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي (مَالِهِ) وَهُوَ (فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةٌ، كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ) أَوْ قَبْلَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِيمَا ذَكَرَ الْمُرْتَهِنُ (وَمَوْرُوثٍ) كَانَ يَجُوزُ لِلْمُوَرِّثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ (وَبَاقٍ فِي يَدِ وَلِيِّهِ بَعْدَ رُشْدِهِ) وَأَوْلَى مِنْهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ لِيَدْخُلَ الْمَجْنُونُ، فَإِنَّ حَجْرَهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِ الْإِفَاقَةِ لِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَى ذَلِكَ وَقُدْرَتِهِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. نَعَمْ لَوْ أَكْرَى صَبَّاغًا أَوْ قَصَّارًا لِعَمَلٍ فِي ثَوْبٍ وَسَلَّمَهُ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ لَهُ الْحَبْسَ لِلْعَمَلِ ثُمَّ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ صَوْغُ الذَّهَبِ وَنَسْجُ الْغَزْلِ وَرِيَاضَةُ الدَّابَّةِ، وَخَرَجَ: بِيَجُوزُ لِلْمُوَرِّثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا مَاتَ عَنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا؟ . أُجِيبَ بِلَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي يَدِ بَائِعِهِ أَمَانَةً بَلْ هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ (وَكَذَا) لَهُ بَيْعُ مَا لَهُ وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ (عَارِيَّةٌ وَمَأْخُوذٌ بِسَوْمٍ) وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ لِيَتَأَمَّلَهُ أَيُعْجِبُهُ أَمْ لَا لِمَا ذُكِرَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ عَطْفِهِ بِكَذَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 463 وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَالْجَدِيدُ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ،   [مغني المحتاج] فَائِدَتَهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ قَسَّمَ الْأَمَانَةَ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ يَدٍ فَلَا يَنْحَصِرُ فِي الْأَمَانَةِ وَلَكِنْ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، بَلْ مَا رَجَعَ إلَيْهِ بِفَسْخِ عَقْدٍ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ رَدِّ الثَّمَنِ لَهُ وَمَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ نَحْوِهِ وَرَأْسُ مَالٍ سَلَمٍ فُسِخَ لِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَغْصُوبٌ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: فَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَيْعِ الْعَارِيَّةِ، فَقَالَ: إنْ أَمْكَنَ الرَّدُّ كَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْأَرْضِ غُرِسَتْ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَاسْتِرْجَاعُهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا بِبَذْلِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ أَوْ أَرْشِ النَّقْصِ، وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَرْعٌ: لَوْ أَفْرَزَ السُّلْطَانُ لِشَخْصٍ عَطَاءً وَرَضِيَ بِهِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِلرِّفْقِ بِالْجُنْدِ؛ وَلِأَنَّ يَدَ السُّلْطَانِ فِي الْحَظِّ لِلْمُفْرِزِ يَدُ الْمُفْرَزِ لَهُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمَيْنِ لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مَلَكَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَائِعًا، وَيَصِحُّ بَيْعُ مَوْهُوبٍ رَجَعَ فِيهِ الْوَالِدُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَهُ بَيْعُ مَقْسُومٍ قِسْمَةَ إفْرَازٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْبَيْعِ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا صَارَ لَهُ فِيهَا مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا بَيْعُ شِقْصٍ أَخَذَهُ بِشُفْعَةٍ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَهُ بَيْعُ ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَكَذَا سَائِرُ غَلَّاتِ وَقْفٍ حَصَلَتْ لِجَمَاعَةٍ وَعَرَفَ كُلٌّ قَدْرَ حِصَّتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ) قَبْلَ قَبْضِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَالْمَبِيعُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ إذَا عُقِدَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ لَفْظِ السَّلَمِ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَلَمٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الصِّحَّةِ (وَالْجَدِيدُ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ) الثَّابِتِ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدًا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: «كُنْتُ أَبِيعُ الْإِبِلَ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّرَاهِمَ وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ مَكَانَهَا الدَّنَانِيرَ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ إذَا تَفَرَّقْتُمْ وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَسَوَاءٌ أَقَبَضَ الثَّمَنَ أَمْ لَا، فَقَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ " وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ " أَيْ: مِنْ عَقْدِ الِاسْتِبْدَالِ لَا مِنْ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ رِوَايَةٍ أُخْرَى تَدُلُّ لِذَلِكَ، وَالْقَدِيمُ الْمَنْعُ لِعُمُومِ النَّهْيِ السَّابِقِ لِذَلِكَ، وَلِلْمَضْمُونَاتِ ضَمَانُ الْعُقُودِ كَبَدَلِ خُلْعٍ وَصَدَاقٍ وَأُجْرَةٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 464 فَإِنْ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِي الْعَقْدِ وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ إنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَا يُوَافِقُ فِي الْعِلَّةِ كَثَوْبٍ عَنْ دَرَاهِمَ، وَلَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْقَرْضِ   [مغني المحتاج] حُكْمُ الثَّمَنِ لِاسْتِقْرَارِهَا، بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ كَمَا مَرَّ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ بِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ بِانْقِطَاعِهِ لِلِانْفِسَاخِ أَوْ الْفَسْخِ، وَبِأَنَّ عَيْنَهُ تُقْصَدُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِيهِمَا، وَيَجُوزُ اسْتِبْدَالُ الْحَالِّ عَنْ الْمُؤَجَّلِ وَكَانَ صَاحِبُهُ عَجَّلَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْأَجَلِ. فَائِدَةٌ: الثَّمَنُ: النَّقْدُ إنْ قُوبِلَ بِغَيْرِهِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ كَانَا نَقْدَيْنِ أَوْ عَرْضَيْنِ فَمَا الْتَصَقَتْ بِهِ الْبَاءُ الْمُسَمَّاةُ بِبَاءِ الثَّمَنِيَّةِ هُوَ الثَّمَنُ، وَالْمُثَمَّنُ مَا يُقَابِلُهُ، فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِعَبْدٍ وَوَصَفَهُ فَالْعَبْدُ مَبِيعٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ وَالدَّرَاهِمُ ثَمَنٌ، أَوْ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَبْدٍ وَوَصَفَهُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ لَا عَنْ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّهُ مُثَمَّنٌ. فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِدَرَاهِمَ سَلَمًا كَانَتْ ثَمَنًا وَصَحَّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ دُخُولَ الْبَاءِ عَارَضَهُ كَوْنُهُ مُسْلَمًا فِيهِ فَلَا يَصِحُّ، فَكَلَامُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ الثَّمَنَ مَدْخَلُ الْبَاءِ وَلَكِنْ عَارَضَ مَانِعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا تُرَدُّ نَقْضًا، وَقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُمْ: يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ حَتَّى لَا تُرَدُّ هَذِهِ الصُّورَةُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ (فَإِنْ اسْتَبْدَلَ مُوَافِقًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا كَدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ) أَوْ عَكْسَهُ (اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ السَّابِقُ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا فَلَا يَكْفِي التَّعْيِينُ عَنْهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ) لِلْبَدَلِ: أَيْ تَشْخِيصُهُ (فِي الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَكَذَا) لَا يُشْتَرَطُ (الْقَبْضُ) لِلْبَدَلِ (فِي الْمَجْلِسِ) فِي الْأَصَحِّ. (إنْ اسْتَبْدَلَ مَا لَا يُوَافِقُ فِي الْعِلَّةِ) لِلرِّبَا (كَثَوْبٍ عَنْ دَرَاهِمَ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ فِي الْمَجْلِسِ قَطْعًا، وَفِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ الْوَجْهَانِ فِي اسْتِبْدَالِ الْمُوَافِقِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنٌ، فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ. فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَطَعَامٍ عَنْ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الثَّوْبَ لَا يُوَافِقُ الدَّرَاهِمَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ يَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ، فَيَصْدُقُ بِأَنْ لَا رِبَا أَصْلًا (وَلَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الْقَرْضِ) بِمَعْنَى الْمَقْرُوضِ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَتْلَفْ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَلَفِهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لِلْمُقْرِضِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 465 وَقِيمَةِ الْمُتْلَفِ جَازَ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ فِي الْمَجْلِسِ مَا سَبَقَ. وَبَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَ زَيْدٍ بِمِائَةٍ لَهُ عَلَى عَمْرٍو وَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرو دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ فَبَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا دَيْنَهُ بِدَيْنِهِ بَطَلَ قَطْعًا، وَقَبْضُ الْعَقَارِ تَخْلِيَتُهُ لِلْمُشْتَرِي   [مغني المحتاج] (وَ) لَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ (قِيمَةِ الْمُتْلَفِ) أَوْ مِثْلِهِ، وَكَذَا عَنْ كُلِّ دَيْنٍ لَيْسَ بِثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ كَالدَّيْنِ الْمُوصَى بِهِ أَوْ الْوَاجِبِ بِتَقْدِيرِ الْحَاكِمِ فِي الْمُتْعَةِ أَوْ بِسَبَبِ الضَّمَانِ أَوْ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ إذَا كَانَ الْفُقَرَاءُ مَحْصُورِينَ (جَازَ) لِاسْتِقْرَارِ ذَلِكَ (وَفِي اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ) أَيْ الْبَدَلِ (فِي الْمَجْلِسِ) وَتَعْيِينِهِ (مَا سَبَقَ) مِنْ كَوْنِهِ مُخَالِفًا فِي عِلَّةِ الرِّبَا أَوَّلًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْحَوَالَةِ نَظَرٌ، وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ أَمْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَصْلِهِ وَهُوَ الْمُحَالُ بِهِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ. اهـ. وَالثَّانِي: أَوْجَهُ. (وَبَيْعُ الدَّيْنِ) بِعَيْنٍ (لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بَاطِلٌ فِي الْأَظْهَرِ بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَ زَيْدٍ) مَثَلًا (بِمِائَةٍ لَهُ عَلَى عَمْرٍو) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالْمَجْمُوعِ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا مُوَافِقًا لِلرَّافِعِيِّ فِي آخَرِ الْخُلْعِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ لِاسْتِقْرَارِهِ، كَبَيْعِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ مَلِيًّا مُقِرًّا، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا مُسْتَقِرًّا، وَصَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ كَالْبَغَوِيِّ بِاشْتِرَاطِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الرِّبَوِيِّ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ مِثَالَهُمْ يَأْبَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ مَثَّلَا ذَلِكَ بِعَبْدٍ. تَنْبِيهٌ: الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا يَجْرِي فِي غَيْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ وَمِمَّا مَرَّ (وَلَوْ كَانَ لِزَيْدٍ وَعَمْرو دَيْنَانِ عَلَى شَخْصٍ فَبَاعَ زَيْدٌ عَمْرًا دَيْنَهُ بِدَيْنِهِ بَطَلَ قَطْعًا) اتَّفَقَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَفُسِّرَ بِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ كَمَا وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْقَبْضِ وَالرُّجُوعِ فِي حَقِيقَتِهِ إلَى الْعُرْفِ فِيهِ لِعَدَمِ مَا يَضْبِطُهُ شَرْعًا أَوْ لُغَةً كَالْإِحْيَاءِ وَالْحَرْزِ فِي السَّرِقَةِ، فَقَالَ (وَقَبْضُ الْعَقَارِ) أَيْ إقْبَاضُهُ، وَهُوَ الْأَرْضُ وَالنَّخْلُ وَالضِّيَاعُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَرَادَ بِالضِّيَاعِ: الْأَبْنِيَةَ (تَخْلِيَةً لِلْمُشْتَرِي) أَيْ تَرَكَهُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ الْبَائِعِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 466 وَتَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، بِشَرْطِ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعَاقِدَانِ الْمَبِيعَ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ تَحْوِيلُهُ،   [مغني المحتاج] كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَطْلَبِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ (وَتَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ) فِيهِ كَتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ، وَيُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ حِسِّيٌّ وَلَا شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَطْلَقَ الْقَبْضَ وَأَنَاطَ بِهِ أَحْكَامًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَا لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا مَرَّ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي مَعْنَى الْعَقَارِ الْأَشْجَارُ الثَّابِتَةُ وَالثَّمَرَةُ الْمَبِيعَةُ عَلَى الشَّجَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ، وَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ يُشْعِرُ بِأَنَّ دُخُولَ وَقْتِ قَطْعِهَا يَلْحَقُ بِالْمَنْقُولِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْمُتَّجَهُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّارِحُ: لَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِالْبَاءِ فِي التَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ كَانَ أَقْوَمَ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ الْقَبْضَ بِالْإِقْبَاضِ اهـ. أَيْ: لِأَنَّ الْقَبْضَ فِعْلُ الْمُشْتَرِي وَالتَّخْلِيَةَ فِعْلُ الْبَائِعِ، فَلَوْلَا التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي عِبَارَتِهِ لَمَا صَحَّ الْحَمْلُ (بِشَرْطِ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْعُرْفِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذَلِكَ فَيُفَرِّغُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَا يُكَلَّفُ تَفْرِيغَهَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمَزْرُوعَةَ يَحْصُلُ تَسْلِيمُهَا بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ بَقَاءِ الزَّرْعِ لِتَأَتِّي التَّفْرِيغِ هُنَا فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَلَوْ جُمِعَتْ الْأَمْتِعَةُ فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ وَخُلِّيَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَهَا حَصَلَ الْقَبْضُ فِيمَا عَدَاهُ، فَإِنْ نُقِلَتْ الْأَمْتِعَةُ مِنْهُ إلَى بَيْتٍ آخَرَ حَصَلَ الْقَبْضُ فِي الْجَمِيعِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ يَخْرُجُ بِهِ أَمْتِعَةُ الْمُشْتَرِي فَقَطْ. أَمَّا أَمْتِعَةُ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ فَكَأَمْتِعَةِ الْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ غَيْرَهُ فَاحْذَرْهُ (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعَاقِدَانِ الْمَبِيعَ) وَحُضُورُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ (اُعْتُبِرَ) فِي حُصُولِ قَبْضِهِ (مُضِيُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا مَنْقُولًا كَانَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْحُضُورَ لِلْمَشَقَّةِ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي مُضِيِّ الزَّمَانِ فَاعْتُبِرَ. وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ مَعَ عَدَمِ الْحُضُورِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُعْتَبَرُ نَفْسُ الْمُضِيِّ وَلَا يَفْتَقِرُ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْعَاقِدَيْنِ، وَلَا فِي الْحَاضِرِ بِيَدِ الْمُشْتَرِي إلَى إذْنِ الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِلَّا افْتَقَرَ (وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (تَحْوِيلُهُ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 467 فَإِنْ جَرَى الْبَيْعُ بِمَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ كَفَى نَقْلَهُ إلَى حَيِّزٍ،   [مغني المحتاج] «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ جِزَافًا فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ» ، وَقِيسَ بِالطَّعَامِ غَيْرُهُ فَيَأْمُرُ الْعَبْدَ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيَسُوقُ الدَّابَّةَ أَوْ يَقُودُهَا، وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا وَاقِفَةً، وَلَا اسْتِعْمَالُ الْعَبْدِ كَذَلِكَ، وَلَا وَطْءُ الْجَارِيَةِ "، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: لَوْ رَكِبَ الْمُشْتَرِي الدَّابَّةَ أَوْ جَلَسَ عَلَى الْفِرَاشِ حَصَلَ الضَّمَانُ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَلَا صَحِيحٌ فِي الضَّمَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي التَّصَرُّفِ، وَيَكْفِي فِي قَبْضِ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ التَّنَاوُلُ، وَمَرَّ أَنَّ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَوَانِ الْجُدَادِ يَكْفِي فِيهِ التَّخْلِيَةُ، وَكَذَا بَيْعُ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّ إتْلَافَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْضٌ لَهُ، فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ هُنَا، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْقِسْمَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْوِيلِ الْمَقْسُومِ، وَلَوْ جَعَلْنَا الْقِسْمَةَ بَيْعًا إذْ لَا ضَمَانَ فِيهَا حَتَّى يَسْقُطَ بِالْقَبْضِ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالنَّقْلِ أَنَّ الدَّابَّةَ مَثَلًا لَوْ تَحَوَّلَتْ بِنَفْسِهَا ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُشْتَرِي لَا يَحْصُلُ الْقَبْضُ وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ أَوْ بِإِذْنِهِ لِمَا مَرَّ أَنْ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ فِي الْغَصْبِ ضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي أَمَانَةً أَوْ مَضْمُونًا وَهُوَ حَاضِرٌ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ صَارَ مَقْبُوضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَ شَجَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَفَى فِيهَا التَّخْلِيَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْأَمْتِعَةَ مَعَ الدَّارِ صَفْقَةً اشْتَرَطَ فِي قَبْضِهَا نَقْلَهَا كَمَا لَوْ أُفْرِدَتْ، وَقِيلَ: لَا تَبَعًا لِقَبْضِ الدَّارِ، وَلَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً ثُمَّ اشْتَرَى مَكَانَهَا لَمْ يَكْفِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فِي دَارِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَالسَّفِينَةُ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْوِيلِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرَةِ وَفِي الْكَبِيرَةِ فِي مَاءٍ تَسِيرُ فِيهِ. أَمَّا الْكَبِيرَةُ فِي الْبَرِّ فَكَالْعَقَارِ فَيَكْفِي فِيهَا التَّخْلِيَةُ لِعُسْرِ النَّقْلِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَفْرِيغِهَا مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ بِيعَ ظَرْفٌ دُونَ مَظْرُوفِهِ اُشْتُرِطَ فِي تَسْلِيمِهِ تَفْرِيغُهُ كَالسَّفِينَةِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْقُولٍ لَا بُدَّ مِنْ تَفْرِيغِهِ (فَإِنْ جَرَى الْبَيْعُ) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَالْمَبِيعُ (بِمَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ) بِأَنْ اخْتَصَّ بِالْمُشْتَرِي بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَتَحَجُّرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْإِحْيَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِأَحَدٍ كَمَوَاتٍ وَشَارِعٍ وَمَسْجِدٍ (كَفَى) فِي قَبْضِهِ (نَقْلَهُ) مِنْ حَيِّزٍ (إلَى حَيِّزٍ) آخَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَغْصُوبَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 468 وَإِنْ جَرَى فِي دَارِ الْبَائِعِ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَيَكُونُ مُعِيرًا لِلْبُقْعَةِ. فَرْعٌ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ سَلَّمَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، وَلَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا وَحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ   [مغني المحتاج] الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ، وَالْمَبِيعُ بِالْمِيمِ، فَإِنَّ جَرَيَانَ الْبَيْعِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَقَوْلُهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: إنَّهُ مَقْلُوبٌ وَصَوَابُهُ لَا يَخْتَصُّ الْبَائِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ الَّذِي لَا يَتَعَدَّى اهـ. وَفِي التَّعْبِيرِ بِالصَّوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ دُخُولَهَا عَلَى الْمَقْصُورِ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ (وَإِنْ جَرَى) الْبَيْعُ فِي أَيِّ مَكَان كَانَ كَمَا مَرَّ، وَالْمَبِيعُ (فِي دَارِ الْبَائِعِ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ، أَوْ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَتَحَجُّرٍ كَمَا مَرَّ (لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ) النَّقْلُ فِي قَبْضِهِ (إلَّا بِإِذْنِ الْبَائِعِ) فِيهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْبَائِعِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا فِيهَا. نَعَمْ لَوْ جَعَلَهُ فِي أَمْتِعَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَعَارَةٍ مِنْ الْبَائِعِ كَفَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرَّهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا إذَا كَانَ الْمَنْقُولُ خَفِيفًا فَقَبَضَهُ بِتَنَاوُلِهِ بِالْيَدِ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ أَوْ لَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَقْبُوضِ كَوْنُهُ مَرْئِيًّا لِلْقَابِضِ وَإِلَّا فَكَالْبَيْعِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْبَائِعُ (فَيَكُونُ مُعِيرًا لِلْبُقْعَةِ) الَّتِي أُذِنَ فِي النَّقْلِ إلَيْهَا كَمَا لَوْ اسْتَعَارَهَا مِنْ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لَمْ يَكْفِ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّصَرُّفِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى نَقْلِ الضَّمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَافِيًا لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي مُجَرَّدِ التَّحْوِيلِ. هَذَا كُلُّهُ فِي مَنْقُولِ بَيْعٍ بِلَا تَقْدِيرٍ، فَإِنْ بِيعَ بِتَقْدِيرٍ فَسَيَأْتِي. فَرْعٌ: زَادَ التَّرْجَمَةَ بِهِ (لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ الْمَبِيعِ) اسْتِقْلَالًا (إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا) لِانْتِفَاءِ حَقِّ الْحَبْسِ، وَكَذَا لَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ (أَوْ) كَانَ حَالًّا وَ (سَلَّمَهُ) لِمُسْتَحِقِّهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْبَائِعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ ثَابِتٌ لَهُ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ بِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، لَكِنْ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْيَدِ الْحِسِّيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ لِيُطَالِبَ بِهِ إنْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا وَاسْتَقَرَّ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ (وَلَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا كَثَوْبٍ وَأَرْضٍ ذَرْعًا) بِإِعْجَامِ الذَّالِ (وَحِنْطَةٍ كَيْلًا أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 469 وَزْنًا اُشْتُرِطَ مَعَ النَّقْلِ ذَرْعُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ: مِثَالُهُ بِعْتُكَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ: عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ طَعَامٌ مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ   [مغني المحتاج] وَزْنًا اُشْتُرِطَ) فِي قَبْضِهِ (مَعَ النَّقْلِ) فِي الْمَنْقُولِ (ذَرْعُهُ) إنْ بِيعَ ذَرْعًا بِأَنْ كَانَ يُذْرَعُ (أَوْ كَيْلُهُ) إنْ بِيعَ كَيْلًا بِأَنْ كَانَ يُكَالُ (أَوْ وَزْنُهُ) إنْ بِيعَ وَزْنًا بِأَنْ كَانَ يُوزَنُ، أَوْ عَدُّهُ إنْ بِيعَ عَدًّا بِأَنْ كَانَ يُعَدُّ، لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْكَيْلِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ الْقَبْضُ إلَّا بِالْكَيْلِ، وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي بَيْعِ الْجِزَافِ إجْمَاعًا، فَتَعَيَّنَ فِيمَا قُدِّرَ بِكَيْلٍ الْكَيْلُ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكِيلَ الْبَائِعُ أَوْ وَكِيلُهُ، فَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: اكْتَلْ حَقَّكَ مِنْ صُبْرَتِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْقَبْضِ، وَقَدْ صَارَ نَائِبًا فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ مُتَأَصِّلًا لِنَفْسِهِ. وَلَوْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَكِيلُ نَصَبَ الْحَاكِمُ كَيَّالًا أَمِينًا يَتَوَلَّاهُ، وَيُقَاسُ بِالْكَيْلِ غَيْرُهُ وَأُجْرَةُ كَيَّالِ الْمَبِيعِ أَوْ وَزَّانِهِ، أَوْ مَنْ ذَرَعَهُ، أَوْ عَدَّهُ وَمُؤْنَةُ إحْضَارِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا إلَى مَحِلِّ الْعَقْدِ: أَيْ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ عَلَى الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ كَيَّالِ الثَّمَنِ أَوْ وَزَّانِهِ، أَوْ مَنْ ذَرَعَهُ أَوْ عَدَّهُ، وَمُؤْنَةُ إحْضَارِ الثَّمَنِ الْغَائِبِ إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأُجْرَةُ النَّقْلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْمُشْتَرِي: أَيْ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، وَأُجْرَةُ نَقَّادِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ: أَيْ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إظْهَارُ عَيْبٍ إنْ كَانَ لِيَرُدَّ بِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الثَّمَنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ لَا كَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ وَإِنْ قَيَّدَهُ الْعُمْرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ بِمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وَلَوْ أَخْطَأَ النَّقَّادُ فَظَهَرَ بِمَا نَقَدَهُ غِشٌّ وَتَعَذَّرَ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِأُجْرَةٍ كَمَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَإِنْ قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا لَكِنْ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلنَّسْخِ فَغَلِطَ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ يَغْرَمُ هُنَاكَ أَرْشَ الْوَرَقِ، فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا ضَامِنًا وَهُوَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ مُقَصِّرٌ وَهُنَا مُجْتَهِدٌ، وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَّنَ لَكَ الْقَدْرَ فِي الْمَكِيلِ بِمِثَالَيْنِ لِتَقِيسَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ فَقَالَ (مِثَالُهُ بِعْتُكَهَا) أَيْ الصُّبْرَةَ (كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ) بِعْتُكَهَا بِخَمْسَةٍ مَثَلًا (عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ آصُعٍ) لَكِنْ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ وَصْفًا كَالْكِتَابَةِ فِي الْعَبْدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى الْكَيْلِ، وَيُخَالِفُ مَا إذَا بَاعَهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ، فَلَوْ قَبَضَ مَا ذُكِرَ جِزَافًا لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ، لَكِنْ يَدْخُلُ الْمَقْبُوضُ فِي ضَمَانِهِ (وَلَوْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِبَكْرٍ (طَعَامٌ) مَثَلًا (مُقَدَّرٌ) كَعَشْرَةِ آصُعٍ (عَلَى زَيْدٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 470 وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلْيَكْتَلْ لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَكِيلُ لِعَمْرٍو، فَلَوْ قَالَ اقْبِضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ.   [مغني المحتاج] وَلِعَمْرٍو عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَلْيَكْتَلْ) بَكْرٌ (لِنَفْسِهِ) مِنْ زَيْدٍ (ثُمَّ يَكِيلُ لِعَمْرٍو) ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ هُنَا مُتَعَدِّدٌ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الْكَيْلُ فَلَزِمَ تَعَدُّدُ الْكَيْلِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِي فِيهِ الصَّاعَانِ كَمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا يَعْنِي صَاعَ الْبَائِعِ وَصَاعَ الْمُشْتَرِي. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ قَبْضَهُ بِالْكَيْلِ، وَالْكَيْلَانِ قَدْ يَقَعُ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَلَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْكَيْلِ الْأَوَّلِ لِجَوَازِ أَنْ لَوْ حَدَّدَهُ لَظَهَرَ فِيهِ تَفَاوُتٌ، فَإِذَا كَالَ لِنَفْسِهِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ كَالَهُ لِغَرِيمِهِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ بِقَدْرٍ يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ لَهُ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَا لَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَالْكَيْلُ الْأَوَّلُ غَلَطٌ فَيَرُدُّ بَكْرٌ الزِّيَادَةَ وَيَرْجِعُ بِالنَّقْصِ، وَلَوْ قَبَضَهُ فِي الْمِكْيَالِ وَسَلَّمَهُ لِغَرِيمِهِ فِيهِ صَحَّ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمِكْيَالِ كَابْتِدَائِهِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي الذَّرْعِ كَذَلِكَ (فَلَوْ قَالَ) بَكْرٌ لِعَمْرٍو (اقْبَضْ مِنْ زَيْدٍ مَا لِي عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ) أَوْ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ أَنَا لَكَ (فَفَعَلَ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ) لَهُ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ وَضَمِنَهُ الْقَابِضُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ لِغَرَضِهِ وَبَرِئَ زَيْدٌ مِنْ حَقِّ بَكْرٍ لِإِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ فِي الْأُولَى وَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ اقْبِضْهُ لِي ثُمَّ لِنَفْسِكَ أَوْ احْضَرْ مَعِي لِأَقْبِضَهُ لِي ثُمَّ لَك فَفَعَلَ صَحَّ الْقَبْضُ الْأَوَّلُ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ دُونَ الثَّانِي لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ وَضَمِنَهُ الْقَابِضُ وَبَرِئَ زَيْدٌ مِنْ حَقِّ بَكْرٍ. فُرُوعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْقَبْضِ مَنْ يَدُهُ يَدُ الْمَقْبُوضِ كَرَقِيقِهِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ الْمُقَبِّضَ بِخِلَافِ ابْنِهِ وَأَبِيهِ وَمُكَاتَبِهِ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: وَكِّلْ مَنْ يَقْبِضُ لِي مِنْك، أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: وَكِّلْ مَنْ يَشْتَرِي لِي مِنْك صَحَّ، وَيَكُونُ وَكِيلًا لَهُ فِي التَّوْكِيلِ فِي الْقَبْضِ أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُ، وَلَوْ وَكَّلَ الْبَائِعُ رَجُلًا فِي الْإِقْبَاضِ وَوَكَّلَهُ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ تَوْكِيلُهُ لَهُمَا مَعًا لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِنْ مِثْلِ مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَاقْبِضْهُ لِي ثُمَّ لِنَفْسِكَ صَحَّ الشِّرَاءُ وَالْقَبْضُ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ، أَوْ قَالَ: وَاقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ فَسَدَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْإِنْسَانِ لَا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ مِنْ قَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَضَمِنَهُ الْغَرِيمُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الدَّافِعُ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ لِإِذْنِهِ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ، أَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِهَا ذَلِكَ لِنَفْسِكَ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ، إذْ كَيْفَ يَشْتَرِي بِمَالِ الْغَرِيمِ لِنَفْسِهِ وَالدَّرَاهِمُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ؟ فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهَا بَطَلَ أَوْ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَوَقَعَ عَنْهُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ، وَلِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْقَبْضِ كَمَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 471 فَرْعٌ: قَالَ الْبَائِعُ لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مِثْلَهُ أُجْبِرَ الْبَائِعُ، وَفِي قَوْلٍ الْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ، وَفِي قَوْلٍ يُجْبَرَانِ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا سَقَطَ الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ وَأُجْبِرَا فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: زَادَ التَّرْجَمَةَ بِهِ أَيْضًا إذَا (قَالَ الْبَائِعُ) مَالَ نَفْسِهِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ: (لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَهُ وَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ مِثْلَهُ) أَيْ: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ (أُجْبِرَ الْبَائِعُ) عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ (وَفِي قَوْلٍ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَبِيعِ وَحَقَّ الْبَائِعِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الثَّمَنِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ لِيَتَسَاوَيَا فِي تَعْيِينِ الْحَقِّ (وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ) أَوَّلًا، وَعَلَى هَذَا يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنْ التَّخَاصُمِ (فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ) عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ لَهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِ الْإِيفَاءِ، حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ رَدَّهُ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ النَّاسِ يَتَمَانَعُونَ الْحُقُوقَ (وَفِي قَوْلٍ يُجْبَرَانِ) ، لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إلَيْهِ، أَوْ إلَى عَدْلٍ، فَإِذَا فَعَلَ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ (قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا سَقَطَ الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ) سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا أَمْ عَرْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَصْوِيرَ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ سُقُوطَهُمَا فِي بَيْعِ عَرْضٍ بِعَرْضٍ. قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ النَّقْدِ لَا يَنْفِيه (وَأُجْبِرَا فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللَّهِ أَعْلَمُ) لِاسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَالْحَاكِمِ فِي بَيْعِ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَا يَأْتِي إلَّا إجْبَارُهُمَا أَوْ إجْبَارُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَأْتِي قَوْلُ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْجِيلَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ تَبَايَعَ وَلِيَّانِ أَوْ وَكِيلَانِ لَمْ يَأْتِ سِوَى إجْبَارِهِمَا (وَإِذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ) بِإِجْبَارٍ أَوْ بِدُونِهِ (أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي) عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ (إنْ حَضَرَ الثَّمَنُ) فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَإِذَا أَصَرَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الِامْتِنَاعِ لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْفَلَسِ، وَالْمُرَادُ بِحُضُورِ الثَّمَنِ حُضُورُ عَيْنِهِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا، أَوْ نَوْعِهِ الَّذِي يُقْضَى مِنْهُ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يُسَمَّى ثَمَنًا إلَّا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 472 وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ، أَوْ مُوسِرًا وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ أَوْ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يُكَلَّفْ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ فَإِنْ صَبَرَ فَالْحَجْرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ إنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ   [مغني المحتاج] مَجَازًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ. (فَإِنْ كَانَ) الْمُشْتَرِي (مُعْسِرًا) بِالثَّمَنِ فَهُوَ مُفْلِسٌ (فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ) وَأَخْذُ الْمَبِيعِ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ حَجْرُ الْقَاضِي وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حَجْرِ الْحَاكِمِ. وَفِي افْتِقَارِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْحَجْرِ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ: أَشْهَرُهُمَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ (أَوْ مُوسِرًا وَمَالُهُ بِالْبَلَدِ، أَوْ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ) وَهُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (حُجِرَ عَلَيْهِ فِي) الْمَبِيعِ وَفِي جَمِيعِ (أَمْوَالِهِ) وَإِنْ كَانَتْ وَافِيَةً بِدَيْنِهِ (حَتَّى يُسَلِّمَ) الثَّمَنَ لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ، وَهَذَا يُسَمَّى بِالْحَجْرِ الْغَرِيبِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَجْرِ الْفَلَسِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهِ نَقْصُ مَالِهِ مَعَ الْمَبِيعِ عَنْ الْوَفَاءِ أَنَّ الْمُفْلِسَ سَلَّطَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمَبِيعِ بِاخْتِيَارِهِ وَرَضِيَ بِذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، وَإِلَّا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ أَيْضًا هَذَا الْحَجْرَ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ؛ لِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الرُّجُوعِ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ بِشَرْطِهِ الْآتِي، وَهَذَا الْحَجْرُ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ، وَفِي كَوْنِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ضِيقِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَكِّ الْقَاضِي، بَلْ يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَجَعَلَهُ كَحَجْرِ الْفَلَسِ (فَإِنْ كَانَ) مَالُهُ (بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (لَمْ يُكَلَّفْ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إلَى إحْضَارِهِ) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ) وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى حَجْرٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِ الثَّمَنِ كَالْإِفْلَاسِ بِهِ. وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ بَلْ يُبَاعُ الْمَبِيعُ وَيُؤَدَّى حَقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (فَإِنْ صَبَرَ) الْبَائِعُ إلَى إحْضَارِ الْمَالِ (فَالْحَجْرُ) يُضْرَبُ عَلَى الْمُشْتَرِي (كَمَا ذَكَرْنَا) فِي الْمَبِيعِ وَفِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ لِمَا مَرَّ (وَلِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ) كُلَّهُ الْحَالَّ أَصَالَةً (إنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافٍ) وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلَا خِلَافٍ (وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ) السَّابِقَةُ (إذَا لَمْ يَخَفْ) أَيْ الْبَائِعُ (فَوْتَهُ) أَيْ الثَّمَنِ وَكَذَا الْمُشْتَرِي فَوْتَ الْمَبِيعِ (وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الِابْتِدَاءِ) بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ بِالْهَرَبِ أَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 473 بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ   [مغني المحتاج] تَمْلِيكِ الْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ. أَمَّا الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا مَرَّ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَلِكُلٍّ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ حَبْسُ مَا بَذَلَهُ حَتَّى يَقْبِضَ عِوَضَهُ لِيَشْمَلَ الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّرْتُهُ. وَلَكِنْ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ تَصْحِيحَ إجْبَارِهِ فَذَكَرَ شَرْطَ وُجُوبِهِ، وَلَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الثَّمَنِ ثَوْبًا مَثَلًا. قَالَ الْقَفَّالُ: لَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ مِنْ الْحَبْسِ بِنَقْلِهِ إلَى الْعَيْنِ إذْ حَقَّ الْحَبْسُ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنِ الثَّمَنِ وَهَذَا بَدَلُهُ. لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى مَالٍ فَلَهُ إدَامَةُ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَبْدَلَ عَيْنًا، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا اسْتَبْدَلَ دَيْنًا اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. خَاتِمَةٌ: اخْتِلَافُ الْمُكْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي الِابْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ كَاخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَذَلِكَ مَرْدُودٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ اللُّزُومِ كَمَا مَرَّ، وَالسَّلَمُ إنَّمَا يَلْزَمُ بَعْدَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ وَالتَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ بِالتَّسْلِيمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَكَذَا لَوْ أَعَارَهُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُرَادُ مِنْ الْعَارِيَّةِ نَقْلُ الْيَدِ كَمَا قَالُوهُ فِي إعَارَةِ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ تَصِحُّ الْإِعَارَةُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ صُورَتُهَا أَنْ يُؤَجِّرَ عَيْنًا ثُمَّ يَبِيعَهَا لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهَا ثُمَّ يَسْتَأْجِرَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَيُعِيرَهَا لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ لَهُ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ إذْ لَيْسَ لَهُ فِي الْإِيدَاعِ تَسْلِيطٌ بِخِلَافِهِ فِي الْإِعَارَةِ، وَتَلَفُهُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِيدَاعِ كَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا خَرَجَ الثَّمَنُ رِبَوِيًّا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ شَيْئًا بِوَكَالَةِ اثْنَيْنِ وَفِي نِصْفِ الثَّمَنِ عَنْ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْحَبْسُ حَتَّى يَقْبِضَ الْكُلَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ، أَوْ بَاعَ مِنْهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفٌ وَأَعْطَى أَحَدُهُمَا الْبَائِعَ النِّصْفَ مِنْ الثَّمَنِ سَلَّمَ إلَيْهِ الْبَائِعُ نِصْفَهُ مِنْ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي. [بَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْإِشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ] بَابُ التَّوْلِيَةِ أَصْلُهَا تَقْلِيدُ الْعَمَلِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَأْتِي (وَالْإِشْرَاكُ) مَصْدَرُ أَشْرَكَهُ: أَيْ صَيَّرَهُ شَرِيكًا (وَالْمُرَابَحَةُ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الرِّبْحِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَفِيهِ أَيْضًا الْمُحَاطَّةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 474 اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ قَالَ لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ فَقَبِلَ لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ، وَهُوَ بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ، لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ. وَلَوْ حُطَّ عَنْ الْمُوَلِّي بَعْضُ الثَّمَنِ انْحَطَّ عَنْ الْمُوَلَّى.   [مغني المحتاج] مِنْ الْحَطِّ وَهُوَ النَّقْصُ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: إمَّا لِإِدْخَالِهَا فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ رِبْحُ الْمُشْتَرِي. وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَرْجَمَ لِأَشْرَفِ الْقِسْمَيْنِ، وَاكْتَفَى بِهِ عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أَيْ وَالْبَرْدَ وَأَهْمَلَ الْمُسَاوَمَةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ: إذَا (اشْتَرَى) شَخْصٌ (شَيْئًا) بِمِثْلِيٍّ (ثُمَّ قَالَ) بَعْدَ قَبْضِهِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالثَّمَنِ (لِعَالِمٍ بِالثَّمَنِ) قَدْرًا وَصِفَةً بِإِعْلَامِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِجَاهِلٍ بِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَّيْتُكَ هَذَا الْعَقْدَ) سَوَاءٌ قَالَ بِمَا اشْتَرَيْت أَمْ سَكَتَ (فَقَبِلَ) كَقَوْلِهِ: قَبِلْتُهُ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ (لَزِمَهُ مِثْلُ الثَّمَنِ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً. أَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِعِوَضٍ فَإِنَّ عَقْدَ التَّوْلِيَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا مِمَّنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْعِوَضَ. نَعَمْ، لَوْ قَالَ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَقَدْ أَوْلَيْتُك الْعَقْدَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ وَلَّتْ الْمَرْأَةُ فِي صَدَاقِهَا بِلَفْظِ الْقِيَامَةِ أَوْ قَالَهُ الرَّجُلُ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْأَوَّلِ وَمِثْلُهَا الْبَقِيَّةَ. (وَهُوَ) أَيْ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ (بَيْعٌ فِي شَرْطِهِ) أَيْ فِي سَائِرِ شُرُوطِهِ كَالتَّقَابُضِ فِي الرِّبَوِيِّ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ صَادِقٌ عَلَيْهِ (وَتَرَتُّبِ) جَمِيعِ (أَحْكَامِهِ) مِنْ تَجْدِيدِ شُفْعَةٍ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا عَفَا عَنْهُ الشَّفِيعُ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا بَيْعًا أَنَّ لِلْمُوَلِّي مُطَالَبَةَ الْمُتَوَلِّي بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ يَنْقَدِحُ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ حَتَّى يُطَالِبَهُ بَائِعُهُ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَمِنْ بَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُوَلِّي وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ (لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ) عَقْدُ التَّوْلِيَةِ (إلَى ذِكْرِ الثَّمَنِ) بَلْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِهِ عَنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّتَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَزِمَهُ أَحْكَامُ الْبَيْعِ. (وَلَوْ حُطَّ) بِضَمِّ الْحَاءِ (عَنْ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ (بَعْضُ الثَّمَنِ) بَعْدَ التَّوْلِيَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (انْحَطَّ عَنْ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ خَاصِّيَّةَ التَّوْلِيَةِ التَّنْزِيلُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ حَطَّ الْبَائِعِ وَوَارِثِهِ وَوَكِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَطُّ لِلْبَعْضِ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ لَمْ تَصِحَّ التَّوْلِيَةُ إلَّا بِالْبَاقِي، وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْكُلَّ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ وَلَوْ بَعْدَ اللُّزُومِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ لُزُومِهَا لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ لُزُومِهَا صَحَّتْ وَانْحَطَّ الثَّمَنُ عَنْ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فَخَاصِّيَّتُهَا التَّنْزِيلُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فَهِيَ فِي حَقِّ الثَّمَنِ كَالْبِنَاءِ وَفِي حَقِّ نَقْلِ الْمِلْكِ كَالِابْتِدَاءِ حَتَّى تَتَجَدَّدَ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ كَذَبَ الْمُوَلِّي فِي إخْبَارِهِ بِالثَّمَنِ فَكَالْكَذِبِ فِيهِ فِي الْمُرَابَحَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 475 وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ، فَلَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَكَانَ مُنَاصَفَةً، وَقِيلَ لَا. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ يَقُولُ بِعْتُك بِمَا اشْتَرَيْتُ وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحِ الإل عِوْدَانٌ.   [مغني المحتاج] وَسَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّوْلِيَةِ بَيْنَ كَوْنِ الثَّمَنِ حَالًّا وَكَوْنُهُ مُؤَجَّلًا وَفِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا وَوَقَعَتْ بَعْدَ الْحُلُولِ نَظَرٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَكُونُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الثَّانِي مِنْ وَقْتِهَا وَأَنْ يُقَالَ يَكُونُ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ حَالًّا، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ، وَقَدْ شَرَطُوا الْمِثْلِيَّةَ فِي الصِّفَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ (وَالْإِشْرَاكُ فِي بَعْضِهِ) أَيْ الْمُشْتَرَى (كَالتَّوْلِيَةِ فِي كُلِّهِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ تَوْلِيَةٌ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ (إنْ بَيَّنَ الْبَعْضَ) بِأَنْ صَرَّحَ بِالْمُنَاصَفَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكُسُورِ لِتَعْيِينِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَشْرَكْتُك فِي النِّصْفِ كَانَ لَهُ الرُّبْعُ بِرُبْعِ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَيَتَعَيَّنَ النِّصْفُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا بِالرُّبْعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ مُقَابَلَةٌ بِالثَّمَنِ فَنِصْفُهُ بِنِصْفِهِ. تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي إدْخَالِهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ عَلَى بَعْضٍ، وَحُكِيَ مَنْعُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، فَإِنْ ذَكَرَ بَعْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ (فَلَوْ أَطْلَقَ) الْإِشْرَاكَ (صَحَّ) أَيْضًا (وَكَانَ) الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا (مُنَاصَفَةً) كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو (وَقِيلَ لَا) يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ. فَرْعٌ: لِلشَّرِيكِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَهُ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ رَدَّ هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْعَقْدِ، وَقَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْرَكْتُك فِي بَيْعِ هَذَا أَوْ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَلَا يَكْفِي أَشْرَكْتُكَ فِي هَذَا. وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَأَقَرَّهُ وَعَلَيْهِ أَشْرَكْتُك فِي هَذَا كِنَايَةً. . ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّالِثَ فَقَالَ (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ) شَيْئًا (بِمِائَةٍ) مَثَلًا (ثُمَّ يَقُولَ) لِغَيْرِهِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِذَلِكَ (بِعْتُك) بِمِائَتَيْنِ أَوْ (بِمَا اشْتَرَيْتُ) أَيْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَرِبْحِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ) أَوْ فِي أَوْ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ (أَوْ رِبْحِ دِهْ يازده) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ فَكَانَ كَبِعْتُكَ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسَا بازده زده دوزاده، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 476 وَالْمُحَاطَّةِ كَبِعْت بِمَا اشْتَرَيْتُ وَحَطِّ الإل عِوْدَانٌ وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ، وَقِيلَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ، وَإِذَا قَالَ بِعْت بِمَا اشْتَرَيْت لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ.   [مغني المحتاج] كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَعَنْ إِسْحَاقَ أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِهِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ، وده بِالْفَارِسِيَّةِ عَشَرَةٌ، ويازده أَحَدَ عَشَرَ: أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمٌ، وده دوزاده كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا دِرْهَمَانِ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةً غَيْرَ مَوْزُونَةٍ أَوْ حِنْطَةً مَثَلًا مُعَيَّنَةً غَيْرَ مَكِيلَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً. فَرْعٌ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الثَّمَنِ شَيْئًا وَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَأَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ وَبِعْتُك بِمِائَتَيْنِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ رِبْحُ دِهْ يازده، وَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ، قِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: مَا سَبَبُ كَثْرَةِ مَالِكَ؟ . قَالَ: مَا كَتَمْتُ عَيْبًا وَلَا رَدَدْتُ رِبْحًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعَ الَّذِي لَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ فَقَالَ (وَ) يَصِحُّ بَيْعُ (الْمُحَاطَّةِ) وَيُقَالُ لَهَا الْمُوَاضَعَةُ وَالْمُخَاسَرَةُ (كَبِعْت) أَيْ كَقَوْلِ مَنْ ذَكَرَ لِغَيْرِهِ وَهُمَا عَالِمَانِ بِالثَّمَنِ بِعْتُكَهُ (بِمَا اشْتَرَيْتُ) أَيْ بِمِثْلِهِ أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمَا قَامَ عَلَيَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَحَطِّ دِهْ يازده) أَوْ وَحَطِّ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ أَوْ فِي أَوْ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ فَيَقْبَلُ (وَيُحَطُّ مِنْ كُلِّ أَحَدَ عَشَرَ وَاحِدٌ) كَمَا أَنَّ الرِّبْحَ فِي مُرَابَحَةِ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ فَالثَّمَنُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ أَوْ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَالثَّمَنُ مِائَةٌ (وَقِيلَ) يُحَطُّ (مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ) وَاحِدٌ كَمَا زِيدَ فِي الْمُرَابَحَةِ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: يُحَطُّ دِرْهَمٌ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ فَالْمَحْطُوطُ الْعَاشِرُ؛ لِأَنَّ مِنْ تَقْتَضِي إخْرَاجَ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ بِخِلَافِ اللَّامِ وَفِي وَعَلَى، وَالظَّاهِرُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي الصِّحَّةُ مَعَ الرِّبْحِ وَتُحْمَلُ مِنْ عَلَى فِي أَوْ عَلَى تَجَوُّزًا، وَقَرِينَةُ التَّجَوُّزِ قَوْلُهُ: وَرِبْحِ دِرْهَمٍ إلَخْ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَإِذَا قَالَ بِعْت) لَك (بِمَا اشْتَرَيْت) أَوْ بِرَأْسِ الْمَالِ (لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا فِيهِ حَطٌّ عَمَّا عَقَدَ بِهِ الْعَقْدَ أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَلَوْ حَطَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ قَالَهُ الشَّيْخَانِ قُبَيْلَ الْكَلَامِ عَلَى الِاحْتِكَارِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: حَادِثَةٌ: وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ رَجُلًا بَاعَ وَلَدَهُ دَارًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ أَسْقَطَ عَنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ. . فَأُجِيبَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَسْتَمِرُّ الدَّارُ عَلَى مِلْكِ الْوَالِدِ اهـ. وَمَا قَالُوهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَمَّا إذَا وَقَعَ الْحَطُّ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمُرَابَحَةِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْحَطُّ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا، فَإِنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 477 وَلَوْ قَالَ بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ وَالصَّبَّاغِ وَقِيمَةُ الصِّبْغِ وَسَائِرُ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ. وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ، وَلْيَعْلَمَا ثَمَنَهُ   [مغني المحتاج] حَطَّ الْكُلَّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِقَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ، وَيَجُوزُ بِلَفْظِ اشْتَرَيْتُ، وَإِنْ حَطَّ الْبَعْضَ أُجِيزَ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، وَلَا يَجُوزُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ إلَّا بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَحْطُوطِ. (وَلَوْ قَالَ) : بِعْتُك (بِمَا قَامَ عَلَيَّ دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ) لِلثَّمَنِ الْمَكِيلِ (وَالدَّلَّالِ) لِلثَّمَنِ الْمُنَادَى عَلَيْهِ: أَيْ إنْ اشْتَرَى بِهِ الْمَبِيعَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَطْلَبِ (وَالْحَارِسِ وَالْقَصَّارِ وَالرَّفَّاءِ) بِالْمَدِّ مِنْ رَفَأْتُ الثَّوْبَ بِالْهَمْزِ، وَرُبَّمَا قِيلَ بِالْوَاوِ (وَالصَّبَّاغِ) لِلْمَبِيعِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ (وَقِيمَةُ الصِّبْغِ) لَهُ (وَسَائِرُ الْمُؤَنِ الْمُرَادَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ) كَأُجْرَةِ الْمَكَانِ، وَأُجْرَةِ الْخِتَانِ فِي الرَّقِيقِ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إذَا اشْتَرَاهُ مَرِيضًا، وَأُجْرَةِ تَطْيِينِ الدَّارِ، وَعَلَفِ تَسْمِينٍ، وَكَذَا الْمَكْسُ الْمَأْخُوذُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ التِّجَارَةِ. أَمَّا الْمُؤَنُ الْمَقْصُودَةُ لِلْبَقَاءِ كَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ وَكِسْوَتِهِ، وَعَلَفِ الدَّابَّةِ غَيْرِ الزَّائِدِ لِلتَّسْمِينِ، وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ إذَا حَدَثَ الْمَرَضُ فَلَا تُحْسَبُ، وَيَقَعُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْمَبِيعِ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ فَفَدَاهُ أَوْ غُصِبَ فَبَذَلَ مُؤْنَةً فِي اسْتِرْدَادِهِ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. تَنْبِيهٌ لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: دَخَلَ مَعَ ثَمَنِهِ. . إلَخْ أَنَّ مُطْلَقَ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِيَعْلَمَا ثَمَنَهُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ، وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ ثَبَتَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ تَصْوِيرَ أُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالدَّلَّالِ، فَإِنَّهُمَا عَلَى الْبَائِعِ، وَصَوَّرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَصُورَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ بِأَنْ يَتَرَدَّدَ فِي صِحَّةِ مَا اكْتَالَهُ الْبَائِعُ فَيَسْتَأْجِرُ مَنْ يَكْتَالُهُ ثَانِيًا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ ظَهَرَ نَقْصٌ، وَصَوَّرَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جِزَافًا ثُمَّ كَالَهُ بِأُجْرَةٍ لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ تَوَقُّفٌ وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَعَ غَيْرِهِ صُبْرَةً ثُمَّ يَقْتَسِمَاهَا كَيْلًا، فَأُجْرَةُ الْكَيَّالِ عَلَيْهِمَا. (وَلَوْ قَصَّرَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَالَ) أَوْ طَيَّنَ (أَوْ حَمَلَ أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ شَخْصٌ لَمْ تَدْخُلْ أُجْرَتُهُ) مَعَ الثَّمَنِ فِي قَوْلِهِ قَامَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ وَمَا تَطَوَّعَ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَامَ عَلَيْهِ مَا بَذَلَهُ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا أَوْ أُجْرَةُ عَمَلِي أَوْ عَمَلِ الْمُتَطَوِّعِ عَنِّي وَهِيَ كَذَا أَوْ رِبْحُ كَذَا، وَفِي مَعْنَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ أُجْرَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمُكْتَرًى، وَعَمَلُ غُلَامِهِ كَعَمَلِهِ، وَلَوْ صَبَغَهُ بِنَفْسِهِ حُسِبَتْ قِيمَةُ الصِّبْغِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ، وَمِثْلُهُ ثَمَنُ الصَّابُونِ فِي الْقِصَارَةِ (وَلْيُعْلِمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (ثَمَنَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ وُجُوبًا فِي نَحْوِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 478 أَوْ مَا قَامَ بِهِ فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ وَلْيُصَدَّقْ الْبَائِعَ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَالْأَجَلِ وَالشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ وَبَيَانُ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ.   [مغني المحتاج] بِعْتُ بِمَا اشْتَرَيْتُ (أَوْ مَا قَامَ بِهِ) فِي نَحْوِ بِعْتُ بِمَا قَامَ عَلَيَّ (فَلَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ. وَالثَّالِثُ: إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي قَدْرَ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. (وَلْيُصَدَّقْ الْبَائِعَ) وُجُوبًا (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا قَامَ بِهِ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَفِي صِفَتِهِ كَصِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَخُلُوصٍ وَغِشٍّ (وَ) فِي (الْأَجَلِ) ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَمَانَةِ لِاعْتِمَادِ الْمُشْتَرِي نَظَرَ الْبَائِعِ وَرِضَاهُ لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ الْبَائِعُ مَعَ زِيَادَةٍ أَوْ حَطٍّ. تَنْبِيهٌ لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ " قَدْرَ " لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ قَدْرِ الْأَجَلِ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا إنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ، وَلَوْ وَاطَأَ صَاحِبَهُ فَبَاعَهُ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعِشْرِينَ لِيُخْبِرَ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ كُرِهَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْقَائِلُ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَمْ يَقُلْ بِالْكَرَاهَةِ بَلْ بِالتَّحْرِيمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَا أَثْبَتَ الْخِيَارَ يَجِبُ إظْهَارُهُ كَالْعَيْبِ. قَالَ وَعَلَيْهِ فَفِي جَزْمِ النَّوَوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ نَظَرٌ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِمِائَةٍ ثُمَّ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ وَجَبَ الْإِخْبَارُ بِالْخَمْسِينَ. (وَ) يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي (الشِّرَاءِ بِالْعَرْضِ) فَيَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ كَذَا، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِالْعَرْضِ يُشَدِّدُ فَوْقُ مَا يُشَدِّدُ الْبَائِعُ بِالنَّقْدِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَمْ بِلَفْظِ الْقِيَامِ كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ غَلَطٌ، وَإِنَّ الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِلَفْظِ الْقِيَامِ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْقِيمَةِ. (وَ) فِي (بَيَانِ الْعَيْبِ) الْقَدِيمِ (الْحَادِثِ عِنْدَهُ) بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ أَوْ الْعَيْنَ، لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَادِثَ يَنْقُصُ بِهِ الْمَبِيعُ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ تَبْيِينُ الْعَيْبِ فَقَطْ لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَلِكَ وَأَنَّ الثَّمَنَ الْمَبْذُولَ كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَعَ الْعَيْبِ، وَلَوْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ رَضِيَ بِهِ وَجَبَ بَيَانُهُ أَيْضًا وَبَيَانُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ طِفْلِهِ أَوْ بِدَيْنِ مُمَاطِلٍ أَوْ مُعْسِرٍ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْبٍ وَبَاعَ بِلَفْظِ قَامَ عَلَيَّ حَطَّ الْأَرْشَ أَوْ بِلَفْظِ مَا اشْتَرَيْت ذَكَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 479 فَلَوْ قَالَ بِمِائَةٍ فَبَانَ بِتِسْعِينَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي. وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ مِائَةٌ وَعَشَرَةً وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَصَحّ. قُلْت: الْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] صُورَةَ مَا جَرَى بِهِ الْعَقْدُ مَعَ الْعَيْبِ وَأَخْذِ الْأَرْشَ، لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمَأْخُوذَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ أَخَذَ الْأَرْشَ عَنْ جِنَايَةٍ: كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ الرَّقِيقِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَنَقَصَ ثَلَاثِينَ مَثَلًا وَأَخَذَ مِنْ الْجَانِي نِصْفَ الْقِيمَةِ خَمْسِينَ، فَالْمَحْطُوطُ مِنْ الثَّمَنِ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ النَّقْصِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ إنْ بَاعَ بِلَفْظِ قَامَ عَلَيَّ، فَإِنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ كَسِتِّينَ حَطَّ مَا أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَخْبَرَ مَعَ إخْبَارِهِ بِقِيَامِهِ عَلَيْهِ بِالْبَاقِي بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ بِلَفْظِ مَا اشْتَرَيْتُ ذَكَرَ الثَّمَنَ وَالْجِنَايَةَ. (فَلَوْ قَالَ) اشْتَرَيْته (بِمِائَةٍ) وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً (فَبَانَ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (بِتِسْعِينَ) بِإِقْرَارِهِ أَوْ حُجَّةٍ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَرِبْحَهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِاعْتِمَادِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَتَحُطُّ الزِّيَادَةَ عَنْهُ كَمَا فِي الشُّفْعَةِ إذَا أَخَذْت بِمَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَكَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا بِمَا بَقِيَ. وَالثَّانِي: لَا يُحَطُّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُمِّيَ عِوَضًا وَعَقَدَ بِهِ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَالتَّغْرِيرُ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَمَا لَوْ رَوَّجَ عَلَيْهِ مَعِيبًا (وَ) الْأَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى الْحَطِّ (أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) وَلَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا أَمْ تَالِفًا، فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الْمُشْتَرِي لَشَمِلَهُمَا. أَمَّا الْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالْأَكْثَرِ فَبِالْأَقَلِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْبَائِعُ فَلِتَدْلِيسِهِ. وَالثَّانِي يَثْبُتُ الْخِيَارُ وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْبَائِعِ، وَقِيلَ: قَوْلٌ. أَمَّا الْمُشْتَرِي؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِإِبْرَارِ قَسَمٍ أَوْ إنْفَاذِ وَصِيَّةٍ. وَأَمَّا الْبَائِعُ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا سَمَّاهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْأَجَلَ أَوْ الْعَيْبَ أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَجِبُ ذِكْرُهُ ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِتَدْلِيسِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ فِي غَيْرِ الْكَذِبِ، وَيَنْدَفِعُ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِالسُّقُوطِ وَهُوَ حَطُّ التَّفَاوُتِ. (وَلَوْ) غَلِطَ الْبَائِعُ فَنَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ وَبَاعَهُ مُرَابَحَةً ثُمَّ (زَعَمَ أَنَّهُ) أَيْ: الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ (مِائَةٌ وَعَشَرَةٌ) مَثَلًا (وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) فِي ذَلِكَ (لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) الْوَاقِعُ بَيْنَهُمَا مُرَابَحَةً (فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ مَزِيدًا فِيهِ الْعَشَرَةُ الْمَتْبُوعَةُ بِرِبْحِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ. وَأَمَّا النَّقْصُ فَهُوَ مَعْهُودٌ بِدَلِيلِ الْأَرْشِ (قُلْت: الْأَصَحُّ صِحَّتُهُ) كَمَا لَوْ غَلِطَ الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ، وَلَا تَثْبُتُ الْعَشَرَةُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ مُشْكِلَةٌ حَيْثُ رَاعَى هُنَا الْمُسَمَّى وَهُنَاكَ الْعَقْدَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ هُنَاكَ نَقَصَ حَقُّهُ، فَنَزَلَ الثَّمَنُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 480 وَإِنْ كَذَّبَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْغَلَطِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ بَيَّنَ فَلَهُ التَّحْلِيفُ، وَالْأَصَحُّ سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ. بَابُ   [مغني المحتاج] الْمُشْتَرِي، وَهُنَا يَزِيدُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي (وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَيْ الْبَائِعُ (لِلْغَلَطِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ (وَلَا بَيِّنَتُهُ) إنْ أَقَامَهَا عَلَيْهِ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِقَوْلِهِ: الْأَوَّلُ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ عِنْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا كَمَا لَا تُسْمِعُ بَيِّنَتُهُ، وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ حَلَفَ أَمْضَى الْعَقْدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ رُدَّتْ عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، فَيَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّ ثَمَنَهُ الْمِائَةُ وَالْعَشَرَةُ. قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَلِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْخِيَارُ: أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِثُبُوتِ الزِّيَادَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ وَقَالَ الشَّيْخَانِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِنَا أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَنْ يَعُودَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا حَالَةَ التَّصْدِيقِ: أَيْ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: إنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، قَالَ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ غَيْرَ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيَّ أَوْرَدُوا أَنَّهُ كَالتَّصْدِيقِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ كَذَا أَطْلَقُوهُ إلَخْ مَا فَائِدَتُهُ مَعَ أَنَّا وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهَا كَالْبَيِّنَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرَاهُ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا حُكْمَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيُحِيلَا عَلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثَاهُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا لَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا فِيمَا إذَا بَيَّنَ لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الْمُتَقَدِّمِ (وَإِنْ بَيَّنَ) لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا، كَقَوْلِهِ جَاءَنِي كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِكَذَا فَبَانَ كَذِبًا عَلَيْهِ أَوْ تَبَيَّنَ لِي بِمُرَاجَعَةِ جَرِيدَتِي أَنِّي غَلِطْت مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ إلَى غَيْرِهِ (فَلَهُ التَّحْلِيفُ) كَمَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يُحَرِّكُ ظَنَّ صِدْقِهِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى التَّحْلِيفِ (سَمَاعُ بَيِّنَتِهِ) الَّتِي يُقِيمُهَا بِأَنَّ الثَّمَنَ مَا ذَكَرَهُ، وَالثَّانِي: لَا لِتَكْذِيبِهِ لَهَا. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ اتَّهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ ذَكَرَهُ وَبَاعَ بِهِ مُرَابَحَةً أَوْ اتَّهَبَهُ بِلَا عِوَضٍ أَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَ الْقِيمَةَ وَبَاعَ بِهَا مُرَابَحَةً، وَلَا يَبِيعُ بِلَفْظِ الْقِيَامِ وَلَا الشِّرَاءِ وَلَا رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ فِي عَبْدٍ هُوَ أُجْرَةٌ أَوْ عِوَضُ خُلْعٍ أَوْ نِكَاحٌ أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بِذِكْرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَهْرِهِ فِي الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالدِّيَةِ فِي الصُّلْحِ، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْتُ وَلَا رَأْسَ الْمَالِ كَذَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَالدَّرَاهِمُ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 481 الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ السَّاحَةَ أَوْ الْبُقْعَةَ وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ.   [مغني المحتاج] قَوْلِهِ: اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا أَوْ بِعْتُكَهُ بِهِ وَرِبْحُ دِرْهَمٍ يَكُونُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ أَمْ لَا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ عَيَّنَّا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عُمِلَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ. [بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا] قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ: الْأُصُولُ وَالشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالثِّمَارُ جَمْعُ ثَمَرٍ، وَهُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: أَخَذَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مِنْ التَّنْبِيهِ وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: ذَكَرَهَا مَنْصُورٌ التَّمِيمِيُّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ تَرْجَمَتَيْ بَابَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ: أَحَدُهُمَا بَابُ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ، وَالْآخَرُ بَابُ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُتَنَاوَلَ غَيْرُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: الْأَرْضُ أَوْ نَحْوُهَا، فَإِذَا (قَالَ بِعْتُك) أَوْ رَهَنْتُك (هَذِهِ الْأَرْضَ) أَوْ الْعَرْصَةَ (أَوْ السَّاحَةَ) وَهِيَ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ (أَوْ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ) فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ رَهَنَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَشْجَارٍ وَأَبْنِيَةٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا، وَلَوْ بِقَوْلِهِ: بِعْتُك أَوْ رَهَنْتُك الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا أَوْ بِهَا أَوْ بِحُقُوقِهَا، وَفِي قَوْلِهِ: بِحُقُوقِهَا وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الرَّهْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ حُقُوقَ الْأَرْضِ إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْمَمَرِّ وَمَجْرَى الْمَاءِ إلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهَا: كَبِعْتُكَ أَوْ رَهَنْتُكَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا، وَإِنْ أَطْلَقَ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ) الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ الرَّطْبُ (فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهِمَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِمَا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ، وَحَمَلَ نَصَّهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا، وَالثَّالِثُ: فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّصِّ وَالتَّخْرِيجِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لِلدَّوَامِ فَأَشْبَهَا أَجْزَاءَ الْأَرْضِ، وَلِهَذَا يُلْحَقَانِ بِهَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ: كَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ كَالْبَيْعِ، وَمَا لَا يَنْقُلُهُ مِنْ نَحْوِ عَارِيَّةٍ: كَإِقْرَارٍ كَالرَّهْنِ. أَمَّا الشَّجَرُ الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَهُوَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 482 وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى سَنَتَيْنِ كَالْقَتِّ وَالْهُنْدَبَا كَالشَّجَرِ،   [مغني المحتاج] قِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَتَنَاوَلُ غُصْنَهُ الْيَابِسَ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ وَتِدٍ وَنَحْوَهُ فَيَكُونُ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ فِيهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مُثْبَتًا فَصَارَ كَجُزْئِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ، وَلِهَذَا لَوْ عُرِّشَ عَلَيْهَا عَرِيشٌ نَحْوَ عِنَبٍ أَوْ جُعِلَتْ دِعَامَةً لِجِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ صَارَتْ كَالْوَتِدِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَعَدَّ الْبَغَوِيّ شَجَرَ الْمَوْزِ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَشِرْبُهَا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ نَصِيبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْرُطَهُ، كَأَنْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَرْضِ. أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعٍ أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ. تَنْبِيهٌ: دُخُولُ الْفَاءِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمَذْهَبُ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَرْطٌ وَلَا مَا يَقْتَضِي الرَّبْطَ، وَلِذَا قُدِّرَتْ فِي كَلَامِهِ فَإِذَا، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهِ. (وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى) فِي الْأَرْضِ (سَنَتَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ بَلْ أَوْ أَقَلَّ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَيُجَزُّ مَا ذُكِرَ مِرَارًا (كَالْقَتِّ) وَهُوَ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ عَلَفُ الْبَهَائِمِ، وَيُسَمَّى الْقُرْطُ وَالرَّطْبَةُ وَالْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ (وَالْهُنْدَبَا) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْقَضْبِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالْكُرَّاثِ وَالْكُرْفُسِ وَالنَّعْنَاعِ أَوْ تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالنَّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ (كَالشَّجَرِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِلثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَكَذَا الْجِزَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا يُجَزُّ مِرَارًا لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْكَامِنَةِ لِكَوْنِهَا كَالْجُزْءِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالْجِزَّةِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فَيَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَعَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْجِزَّةِ يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ لِئَلَّا تَزِيدَ فَيُشْتَبَهَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَكَالْجِزَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاعْتِبَارُ كَثِيرِينَ وُجُوبَ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إلَّا الْقَصَبَ: أَيْ الْفَارِسِيَّ فَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِمَا ضَبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 483 وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ،   [مغني المحتاج] فَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ حَتَّى يَكُونَ قَدْرًا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَشَجَرَ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَالْقَصَبِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِانْتِفَاعُ فِي الْكُلِّ أَوْ لَا يُعْتَبَرَ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْبَائِعِ قَطْعَ مَا اسْتَثْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُرَادُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا بُعْدَ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْقَطْعِ حَالًا لِمَعْنًى بَلْ قَدْ عَهِدَ تَخَلُّفَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا يَدْخُلُ) فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ قَالَ بِحُقُوقِهَا كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ (مَا يُؤْخَذُ) بِقَلْعٍ أَوْ قَطْعٍ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً (كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الزُّرُوعِ) كَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَقُطْنِ خُرَاسَانَ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّوَامِ، فَأَشْبَهَ مَنْقُولَاتِ الدَّارِ. تَنْبِيهٌ عَدَّ الشَّيْخَانِ مِمَّا يُؤْخَذُ دَفْعَةً السِّلْقَ بِكَسْرِ السِّينِ وَاعْتَرَضَهُمَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا. وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الشَّيْخَانِ، وَنَوْعٌ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ وَأَكْثَرِ بِلَادِ الشَّامِ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ) قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الزَّرْعُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي، تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي: أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ حَائِلَةٌ. أَمَّا الزَّرْعُ الَّذِي يَدْخُلُ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِلَا خِلَافٍ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ) أَيْ الزَّرْعَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ بِأَنْ كَانَ قَدْ رَآهَا قَبْلَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ لَمْ يَسْتُرْهَا الزَّرْعُ: أَيْ كَأَنْ رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ لَا خِيَارَ لَهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ جَهِلَ كَوْنَهُ بَاقِيًا إلَى الشِّرَاءِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ رَأَى الزَّرْعَ وَلَهُ الْخِيَارُ؟ . نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِتَمْلِيكٍ أَوْ قَصُرَ زَمَنُ التَّفْرِيغِ سَقَطَ خِيَارُهُ. أَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ. نَعَمْ إنْ ظَهَرَ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَصَادِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَهُ الْخِيَارُ (وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ) الْمَذْكُورُ (دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ. وَالثَّانِي: يُمْنَعُ كَمَا تُمْنَعُ الْأَمْتِعَةُ الْمَشْحُونِ بِهَا الدَّارُ مِنْ قَبْضِهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ (وَالْبَذْرُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (كَالزَّرْعِ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 484 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لا أجرة لِلْمُشْتَرَيْ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ. وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ، وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ. وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ   [مغني المحتاج] فَالْبَذْرُ الَّذِي لَا ثَبَاتَ لِنَبَاتِهِ، وَيُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ، وَمِثْلُهُ الْقَلْعُ فِيمَا يُقْلَعُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَصَحَّ قَبْضُهَا مَشْغُولَةً بِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ، وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفْرِغُ الْأَرْضَ وَأَمْكَنَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَضُرَّ سَقَطَ خِيَارُهُ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ كَنَوَى النَّخْلِ وَبَزْرِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَالشَّجَرِ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ) قَالَ الشَّارِحُ: الَّذِي جَهِلَهُ وَأَجَازَ كَمَا لَا أَرْشَ فِي الْإِجَازَةِ بِالْعَيْبِ اهـ. وَلِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ رَضِيَ بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ، وَالثَّانِي: لَهُ الْأُجْرَةُ. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَعْقُودِ لَهُ: أَيْ فَلَيْسَتْ كَالْعَيْبِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ جَزْمًا، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ. (وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ) بِهَا (لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ) عَنْهَا: أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَبُرٍّ لَمْ يُرَ: كَأَنْ يَكُونَ فِي سُنْبُلِهِ أَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِالْأَرْضِ كَالْفُجْلِ وَالْبَذْرِ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ هُوَ مَا لَمْ يَرَهُ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْجَمِيعِ) جَزْمًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ. نَعَمْ إنْ دَخَلَ فِيهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ كَانَ دَائِمَ الثَّبَاتِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ فَرَضُوهُ فِي الْبَذْرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ إذَا لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ حَمْلِهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَحَقَّقِ الْوُجُودِ بِخِلَافٍ مَا هُنَا، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَمْلِ (وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا كَالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ فِيهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. تَنْبِيهٌ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْبَذْرَ بَعْدَ صِفَةِ الزَّرْعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكِتَابِ. قِيلَ: لِتَعُودَ الصِّفَةُ إلَيْهِ أَيْضًا فَيَخْرُجَ بِهَا مَا رُئِيَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ فِي الدَّقَائِقِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْبَذْرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ لَا يُفْرَدَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ إفْرَادُ الضَّمِيرِ وَالزَّرْعُ الَّذِي يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَالْقَصِيلِ الَّذِي لَمْ يُسَنْبِلْ أَوْ سَنْبَلَ وَثَمَرَتُهُ ظَاهِرَةٌ كَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ. (وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 485 فِيهَا، دُونَ الْمَدْفُونَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا، وَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ.   [مغني المحتاج] أَوْ الْمُثْبَتَةُ (فِيهَا) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُقْصَدُ لِذَلِكَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ (دُونَ الْمَدْفُونَةِ) فِيهَا كَالْكُنُوزِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهَا كَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا أَمْتِعَةٌ (وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ) الْحَالَ وَلَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا. نَعَمْ إنْ جَهِلَ ضَرَرَهَا وَكَانَ لَا يَزُولُ بِالْقَلْعِ أَوْ تَتَعَطَّلُ بِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ) الْقَلْعُ وَ (النَّقْلُ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَلِلْبَائِعِ التَّفْرِيغُ أَيْضًا وَإِنْ ضَرَّ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ حُفَرِ الْأَرْضِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: بِأَنْ يُعِيدَ التُّرَابَ الْمُزَالَ بِالْقَلْعِ مِنْ فَوْقِ الْحِجَارَةِ مَكَانَهُ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَوِّ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُسَوِّيهَا بِتُرَابٍ آخَرَ مِنْ مَكَان خَارِجٍ أَوْ مِمَّا فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ إيجَابَ عَيْنٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الثَّانِي تَغْيِيرُ الْمَبِيعِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَتْ (وَكَذَا) لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ جَهِلَ) الْحَالَ (وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا) بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِهِ وَلَمْ يُحْوِج النَّقْلُ وَالتَّسْوِيَةُ إلَى مُدَّةِ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ ضَرَّ) قَلْعُهَا بِأَنْ نَقَصَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ أَحْوَجَ التَّفْرِيغُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (فَلَهُ الْخِيَارُ) ضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَغْرَمُ لَكَ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ لِلْمِنَّةِ، فَلَوْ تَرَكَ لَهُ الْحِجَارَةَ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ الْمُشْتَرِي سَقَطَ خِيَارُهُ. فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِنَّةِ الَّتِي فِيهَا حَصَلَتْ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٍ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ بِخِلَافِهَا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَيَعُودُ بِرُجُوعِهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي. نَعَمْ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ فِيهَا، فَإِنْ فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ فَهُوَ إعْرَاضٌ كَالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ (فَإِنْ أَجَازَ) حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (لَزِمَ الْبَائِعَ) الْقَلْعُ وَ (النَّقْلُ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي (وَ) لَزِمَهُ (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) كَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ أَنَقَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، فَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَفِيهِ مَا سَبَقَ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ ضَرَرَ التَّرْكِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَاسْتَدْرَكَ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَتْرُكُهَا لَهُ، وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بِأَنَّ طَمَعَهُ فِي تَرْكِهَا لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلَا يُقَاسُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 486 وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ. وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ،   [مغني المحتاج] ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا لَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا دُونَ تَرْكِهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ جَاهِلٌ بِهَا وَهُنَا عَالِمٌ بِهَا. (وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ) إذَا نَقَلَ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ) حَيْثُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ الْمُفَوِّتَ لِلْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ جِنَايَةٍ مِنْ الْبَائِعِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ [كَالْآفَةِ. وَالثَّانِي: تَجِبُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ] . وَالثَّالِثَ: لَا تَجِبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْمُشْتَرِي رِضًا بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ النَّقْلِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا قَالَا فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فِيمَا لَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ عَيْبٌ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَوْ بَاعَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ بِطَرِيقِهِ فَهَلْ يَحِلُّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّ الْبَائِعِ أَوْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْبَائِعِ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُخَيِّرْ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّفْرِيغِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ. تَنْبِيهٌ هَلْ تَجِبُ أُجْرَةُ مُدَّةِ تَفْرِيغِ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ كَمُدَّةِ تَفْرِيغِهَا مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: نَعَمْ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْأَرْضِ غَرْسًا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ عَلِمَ بِهَا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نَقْصًا حَدَثَ بِالْقَلْعِ فِي الْغِرَاسِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ اخْتَصَّ النَّقْصُ الْمَذْكُورُ بِالْغِرَاسِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْغِرَاسَ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَقَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَالْفَسْخُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْغَرْسِ وَقَلْعِ الْمَغْرُوسِ نَقْصٌ فِي الْأَرْضِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الْأَرْشَ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْغَرْسُ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ أَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِأَحَدِهِمَا تُرِكَ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ، وَإِذَا قَلَعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّانِي وَهُوَ الْبُسْتَانُ، فَقَالَ: (وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ) وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَجَمْعُهُ بَسَاتِينُ. وَالْبَاغُ، وَهُوَ الْبُسْتَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَالْكَرْمُ وَالْحَدِيقَةُ وَالْجُنَيْنَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ) الْمُحِيطَةُ بِهَا لِدُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ، بَلْ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 487 وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ، لَا الْمَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي بَيْعِ الدَّارِ الْأَرْضُ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى حَمَّامُهَا،   [مغني المحتاج] يُسَمَّى بُسْتَانًا بِدُونِ حَائِطٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الْبِنَاءُ) الَّذِي فِيهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ، وَقِيلَ فِي دُخُولِهِ قَوْلَانِ، وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَيُدْخَلُ عَرِيشٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ قُضْبَانُ الْعِنَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ الْبُسْتَانَ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا، أَوْ هَذِهِ الْحَائِطَ الْبُسْتَانَ، أَوْ هَذِهِ الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّالِثَ وَهُوَ الْقَرْيَةُ وَنَحْوُهَا، فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَبْنِيَةُ) مِنْ سُورٍ وَغَيْرِهِ (وَسَاحَاتٍ) وَأَشْجَارٍ (يُحِيطُ بِهَا السُّورُ) بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْهُ (لَا الْمَزَارِعُ) وَالْأَشْجَارُ الَّتِي حَوْلَهَا فَلَا تَدْخُلُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْقَرْيَةَ بِدُخُولِهَا، وَالثَّانِي: تَدْخُلُ، وَالثَّالِثُ: إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ دَخَلَ مَا اخْتَلَطَ بِبِنَائِهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالْأَبْنِيَةِ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَبْنِيَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ السُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَرِيمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِدُخُولِ حَرِيمِ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ السُّورِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْمِهَا وَحَيْثُ دَخَلَ السُّورُ دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ الَّتِي مِنْ دَاخِلِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِثْلُ الْقَرْيَةِ فِيمَا مَرَّ الدَّسْكَرَةُ، وَتُقَالُ لِقَصْرٍ حَوْلَهُ بُيُوتٌ، وَلِلْقَرْيَةِ وَالْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ وَالصَّوْمَعَةِ وَلِبُيُوتِ الْأَعَاجِمِ يَكُونُ فِيهَا الشَّرَابُ وَالْمَلَاهِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الرَّابِعَ وَهُوَ الدَّارُ فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الدَّارِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَرْضُ) إجْمَاعًا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ مُحْتَكَرَةً لَمْ تَدْخُلْ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ (وَكُلُّ بِنَاءٍ) مِنْ عُلْوٍ وَسُفْلٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ، وَتَدْخُلُ الْأَجْنِحَةُ وَالرَّوَاشِنُ وَالدَّرَجُ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودَةُ وَالسَّقْفُ وَالْآجُرُّ وَالْبَلَاطُ الْمَفْرُوشُ الثَّابِتُ فِي الْأَرْضِ (حَتَّى حَمَّامُهَا) الْمُثْبَتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا. وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ حَمَّامَهَا لَا يَدْخُلُ، وَحَمَلَهُ الرَّبِيعُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ، وَهِيَ بُيُوتٌ مِنْ خَشَبٍ تُنْقَلُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ حَمَّامُهَا مَرْفُوعٌ، قِيلَ: لِأَنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ كَالْوَاوِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 488 لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَالسَّرِيرِ، وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا وَالْإِجَّانَاتُ وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ الْمُسَمَّرَانِ، وَكَذَا الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْأَعْلَى وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] ذَكَرَ أَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ يَخْتَصُّ بِالْوَاوِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَائِيَّةً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ يَدْخُلُ، وَيَدْخُلُ شَجَرٌ رَطْبٌ مَغْرُوسٌ فِيهَا أَمَّا الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَتَدْخُلُ حَرِيمُهَا بِشَجَرِهِ الرَّطْبِ إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ فَلَا حَرِيمَ لَهَا (لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ) بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا (وَالسَّرِيرِ) غَيْرِ الْمُسَمَّرِ وَالدَّفِينِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ (وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَغَلَقُهَا الْمُثْبَتُ وَالْخَوَابِي وَمَعَاجِنُ الْخَبَّازِينَ وَخَشَبُ الْقَصَّارِينَ (وَالْإِجَّانَاتُ) الْمُثْبَتَةُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَا يُغْسَلُ فِيهَا (وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْمُسَمَّرَانِ) وَمِثْلُ التَّسْمِيرِ التَّطْيِينُ (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ) لِثَبَاتِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَإِنَّمَا أُثْبِتَ لِسُهُولَةِ الِارْتِفَاقِ بِهِ كَيْ لَا يَتَزَحْزَحَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ (وَ) يَدْخُلُ (الْأَعْلَى) أَيْضًا مِنْ الْحَجَرَيْنِ (وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ: مَا يُغْلَقُ بِهِ الْبَابُ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِشَيْءٍ مُثْبَتٍ بِخِلَافِ مِفْتَاحِ الْقُفْلِ، فَإِنَّ الْقُفْلَ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُثْبَتٍ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الْأَسْفَلِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَالْمِنْهَاجِ، وَأَسْقَطَ مِنْهُ تَقْيِيدَ الْإِجَّانَاتِ بِالْمُثْبَتَةِ وَحِكَايَةُ وَجْهٍ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا وَلَفْظُ الْمُحَرَّرِ، وَكَذَا الْإِجَّانَاتُ وَالرُّفُوفُ الْمُثْبَتَةُ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّقْيِيدَ وَحِكَايَةَ الْخِلَافِ لِمَا وَلِيَاهُ فَقَطْ، وَتَدْخُلُ أَلْوَاحُ الدَّكَاكِينِ وَكُلُّ مُنْفَصِلٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ نَفْعٌ مُتَّصِلٌ كَرَأْسِ التَّنُّورِ وَصُنْدُوقِ الْبِئْرِ وَالطَّاحُونِ وَآلَاتِ السَّفِينَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُقَيِّدُوا أَلْوَاحَ الدَّكَاكِينِ بِالْمَنْصُوبَةِ كَمَا فَعَلُوا فِي بَابِ الدَّارِ لِمَاذَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي انْفِصَالِ أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ بِخِلَافِ بَابِ الدَّارِ. فَرْعٌ: لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ بِهَا بِئْرُ مَاءٍ مَاءُ الْبِئْرِ الْحَاصِلُ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَمَاءُ الصِّهْرِيجِ، فَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ دُخُولَهُ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ دُخُولِهِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَاءِ الصِّهْرِيجِ، وَيَدْخُلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 489 وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ قُلْت: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَرْعٌ: بَاعَ شَجَرَةً دَخَلَ عُرُوقُهَا وَوَرَقُهَا وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَجْهٌ، وَأَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ،   [مغني المحتاج] فِي بَيْعِهَا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَالْكِبْرِيتِ، فَحُكْمُ الظَّاهِرِ كَالْمَاءِ الْحَاصِلِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا ذُكِرَ وَلَا تَدْخُلُ هِيَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الْخَامِسِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا) وَبَرَّتُهَا، وَهِيَ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِهَا إنْ لَمْ يَكُونَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ لِلْعُرْفِ فِيهِمَا وَلِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهَا حِينَئِذٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْعَذَارُ وَالْمِقْوَدُ وَاللِّجَامُ وَالسَّرْجُ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ (وَكَذَا) تَدْخُلُ (ثِيَابُ الْعَبْدِ) الَّتِي عَلَيْهِ (فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِلْعُرْفِ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ) فِي بَيْعِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَوْ كَانَتْ سَاتِرَةَ الْعَوْرَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ الَّذِي فِي أُذُنِ الرَّقِيقِ، وَلَا الْخَاتَمُ الَّذِي فِي يَدِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَجَعَلُوا الْمَدَاسَ كَذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالثِّيَابِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّادِسِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَرْعٍ فَقَالَ: فَرْعٌ إذَا (بَاعَ شَجَرَةً) رَطْبَةً وَأَطْلَقَ وَلَوْ مَعَ الْأَرْضِ تَبَعًا أَوْ بِالتَّصْرِيحِ (دَخَلَ عُرُوقُهَا) إنْ لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهَا (وَوَرَقُهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُسَمَّاهَا، وَلَا فَرْقَ فِي دُخُولِ الْوَرَقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِرْصَادٍ وَسِدْرٍ وَحِنَّاءٍ وَتُوتٍ أَبْيَضَ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي وَرَقِ التُّوتِ) الْأَبْيَضِ الْأُنْثَى الْمَبِيعِ شَجَرَتُهُ فِي الرَّبِيعِ، وَقَدْ خَرَجَ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَكَذَا فِي وَرَقِ النَّبِقِ، وَصَحَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ وَرَقَ الْحِنَّاءِ لَا يَدْخُلُ. وَعَلَّلَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ كَثَمَرِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ، وَالتُّوتُ بِتَاءَيْنِ عَلَى الْفَصِيحِ، وَفِي لُغَةٍ أَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ (وَ) دَخَلَ (أَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ) فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَالثَّمَرَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ أَغْصَانَ شَجَرِ الْخِلَافِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ بِالدُّخُولِ وَفِي آخَرَ بِعَدَمِهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي: إنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ: مَا يُقْطَعُ مِنْ أَصْلِهِ فَتَدْخُلُ أَغْصَانُهُ، وَمَا يُتْرَكُ سَاقُهُ وَتُؤْخَذُ أَغْصَانُهُ فَلَا تَدْخُلُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْكِمَامُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ ثَمَرُهَا مُؤَبَّرًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بِبَقَاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 490 وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعُ، وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَغْرِسِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ. وَلَوْ كَانَتْ   [مغني المحتاج] الْأَغْصَانِ، وَمِثْلُهَا الْعُرْجُونُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لِمَنْ لَهُ الثَّمَرَةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعُرُوقِ وَالْأَوْرَاقِ بَيْنَ الْيَابِسَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، لَكِنْ فِي الْعُرُوقِ خَاصَّةً. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْعُرُوقِ أَنَّ الْأَوْرَاقَ الْيَابِسَةَ لَا تَدْخُلُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي؛ لِأَنَّ الْوَرَقَ أَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ مِنْ الْغُصْنِ الْيَابِسِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ) وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ (أَوْ الْقَطْعُ) وَلَا تَدْخُلُ كَمَا مَرَّ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ) وَيُتْبَعُ الشَّرْطُ (وَالْإِطْلَاقُ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ قَلْعًا وَلَا قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً (يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ) فِي الشَّجَرَةِ الرَّطْبَةِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا (الْمَغْرِسِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعِ غَرْسِهَا حَيْثُ أُبْقِيَتْ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَلَا أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا إذَا قُلِعَتْ (لَكِنْ يَسْتَحِقُّ) الْمُشْتَرِي (مَنْفَعَتَهُ) فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ أَوْ مُسْتَحَقِّ مَنْفَعَتِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ (مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ) تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ بَذَلَ مَالِكُهُ أَرْشَ الْقَلْعِ لِمَالِكِهَا وَأَرَادَ قَلْعَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَلْعُهَا، وَلَوْ تَفَرَّخَتْ مِنْهَا شَجَرَةٌ أُخْرَى فَهَلْ يَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهَا إلْحَاقًا لَهَا بِمَا يَتَجَدَّدُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْغِلَظِ أَوْ يُؤْمَرُ بِقَطْعِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي اسْتِخْلَافِهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ احْتِمَالَاتٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى مُدَّةَ الْأَصْلِ، فَإِنْ زَالَ أُزِيلَتْ اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَمَا يُعْلَمُ اسْتِخْلَافُهُ كَشَجَرِ الْمَوْزِ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ بَقَائِهِ اهـ. وَالثَّانِي: يَدْخُلُ لِاسْتِحْقَاقِهِ مَنْفَعَتَهُ لَا إلَى غَايَةٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا يُسَامِتُ الشَّجَرَةَ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ مَا يَمْتَدُّ إلَيْهِ أَغْصَانُهَا أَمْ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ؟ ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي كُلُّ وَقْتِ مِلْكٌ لَمْ يَكُنْ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ: وَهُوَ مَا يُسَامِتُ أَصْلَ الشَّجَرَةِ خَاصَّةً وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِيهِ عُرُوقُ الشَّجَرَةِ حَرِيمٌ لِلْمُغْرِسِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَغْرِسَ إلَى جَانِبِهَا مَا يَضُرُّ بِهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ شَجَرَةً هَلْ يَبْقَى لَهَا مَغْرِسُهَا أَوْ لَا، وَفِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا مَيِّتٌ مَدْفُونٌ هَلْ يَبْقَى لَهُ مَكَانُ الدَّفْنِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الدَّفْنِ. (وَلَوْ كَانَتْ) الشَّجَرَةُ الْمَبِيعَةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 491 يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْقَلْعُ. وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ، وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ: كَتِينٍ وَعِنَبٍ   [مغني المحتاج] (يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ) لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَلْعِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَدْخُلُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنْ شَرَطَ قَطْعَهَا أَوْ قَلْعَهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَوْ إبْقَاءَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً وَشَرَطَ عَدَمَ قَطْعِهَا عِنْدَ الْجُذَاذِ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ فِي إبْقَائِهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ كَأَنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِأَرْضِهِ وَقَصَدَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا جُذُوعًا أَوْ بِنَاءً أَوْ نَحْوَهُ كَعَرِيشٍ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَمَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ مَشْمُومًا كَالْوَرْدِ فَقَالَ (وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ التَّأْبِيرِ أَمْ بَعْدَهُ وَفَاءً بِالشَّرْطِ، وَلَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشَرْطِ الْحَمْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُشْرَطْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ) كُلُّهَا (لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا) بِأَنْ تَأَبَّرَ مِنْهَا شَيْءٌ (فَلِلْبَائِعِ) أَيْ فَهِيَ كُلُّهَا لَهُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْرُطَهَا الْبَائِعُ، وَكَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ لِلْبَائِعِ صَادِقٌ بِأَنْ يَشْرُطَ لَهُ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَوْنُهَا فِي الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي صَادِقٌ بِذَلِكَ، وَأُلْحِقَ بِالنَّخْلِ سَائِرُ الثِّمَارِ وَبِتَأْبِيرِ كُلِّهَا تَأْبِيرُ بَعْضِهَا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُؤَبَّرِ لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنْ الْعُسْرِ، وَالتَّأْبِيرُ تَشْقِيقُ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَذَرِّ طَلْعِ الذُّكُورِ فِيهِ لِيَجِيءَ رُطَبُهَا أَجْوَدَ مِمَّا لَمْ يُؤَبَّرُ، وَالْعَادَةُ الِاكْتِفَاءُ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ وَالْبَاقِي يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ وَيَنْبَثُّ رِيحُ الذُّكُورِ إلَيْهِ، وَقَدْ لَا يُؤَبَّرُ بِشَيْءٍ وَيَتَشَقَّقُ الْكُلُّ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَبَّرِ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ الْمَقْصُودِ، وَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً إلَى مَا قَالَهُ، وَشَمِلَ طَلْعُ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُشَقَّقُ غَالِبًا، وَفِيمَا لَمْ يَتَشَقَّقْ مِنْهُ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَرَ لَهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ ظُهُورُهَا بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ، وَتُسَمَّى ذُكُورُ النَّخْلِ فُحَّالَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ طَلْعِهَا الْكَشِّيُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ مَا يُلَقَّحُ بِهِ الْإِنَاثُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ حَتَّى يَتَشَقَّقَ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلَ (وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ: أَيْ زَهْرٍ (كَتِينٍ وَعِنَبٍ) وَفُسْتُقٍ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَيَجُوزُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 492 إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ، وَكَذَا إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ،   [مغني المحتاج] ضَمُّهَا، وَجَوْزٍ (إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ) أَيْ ظَهَرَ (فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَبْرُزْ (فَلِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْبُرُوزَ هُنَا كَالتَّشَقُّقِ فِي الطَّلْعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَشَقُّقُ الْقِشْرِ الْأَعْلَى مِنْ نَحْوِ جَوْزٍ بَلْ هُوَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا لِاسْتِتَارِهِ بِمَا هُوَ مِنْ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ تَشَقُّقُ الْأَعْلَى مِنْهُ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ التِّينِ أَوْ الْعِنَبِ فَمَا ظَهَرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْمُهَذَّبِ، وَالتَّهْذِيبِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِالتَّوَقُّفِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَفَرَّقَ الْأَئِمَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْعِ النَّخْلِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً، وَالتِّينُ وَنَحْوُهُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكَانَتْ الْأُولَى لِلْبَائِعِ وَالثَّانِيَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَالتِّينِ فِيمَا ذُكِرَ الْجُمَّيْزُ وَنَحْوُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ لِأَنَّهَا بُطُونٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا (وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ) نَوْرُهُ (كَمِشْمِشٍ) بِكَسْرِ مِيمَيْهِ، وَحُكِيَ فَتْحُهُمَا، وَرُمَّانٍ (وَتُفَّاحٍ) وَلَوْزٍ (فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَعْدُومَةِ (وَكَذَا) هِيَ لَهُ أَيْضًا (إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهَا بِالطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَهَا بِالنَّوْرِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِكِمَامِهِ، وَالثَّانِي: يُلْحِقُهَا بِهِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ لِاسْتِتَارِهِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَتَكُونُ لِلْبَائِعِ (وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ) قَطْعًا لِظُهُورِهَا، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمَا ظَهَرَ. تَنْبِيهٌ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يَخْرُجُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّقْسِيمِ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّارِحُ: كَأَنَّهُ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ ضَرْبَانِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ كِمَامٍ ثُمَّ يَنْفَتِحُ كَالْوَرْدِ الْأَحْمَرِ إنْ بِيعَ أَصْلُهُ بَعْدَ تَفَتُّحِهِ فَلِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ الْمُتَشَقِّقِ أَوْ قَبْلَهُ فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا يَخْرُجُ ظَاهِرًا كَالْيَاسَمِينِ، فَإِنْ خَرَجَ وَرْدُهُ فَلِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَتَشَقُّقُ جَوْزِ قُطْنٍ يَبْقَى أَصْلُهُ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَتَأْبِيرِ النَّخْلِ فَيَتْبَعُ الْمُسْتَتِرَ غَيْرُهُ، وَمَا لَا يَبْقَى أَصْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إنْ بِيعَ قَبْلَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ سَوَاءٌ أَخَرَجَ الْجَوْزُ أَمْ لَا. ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْطَعْ حَتَّى خَرَجَ الْجَوْزُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ بِيعَ بَعْدَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ وَتَشَقُّقِ جَوْزِهِ صَحَّ الْعَقْدُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ وَدَخَلَ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا تَشَقَّقَ يَكُونُ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ مَقْصُودَةٌ كَثِمَارِ سَائِرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 493 وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ وَبَعْضُهَا مُؤَبَّرٌ فَلِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَتْ فِي بَسَاتِينَ فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ، وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى الْجِدَادِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ. وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ،   [مغني المحتاج] الْأَعْوَامِ، وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ جَوْزُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِاسْتِتَارِ قُطْنِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ (وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ خَرَجَ طَلْعُهَا (وَبَعْضُهَا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ (مُؤَبَّرٌ) دُونَ بَعْضٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْعَقْدُ (فَلِلْبَائِعِ) طَلْعُهَا جَمِيعُهُ الْمُؤَبَّرُ وَغَيْرُهُ لِمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُتْبَعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي: لَا يُتْبَعُ جَزْمًا (فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ) بِالْبَيْعِ وَاتَّحَدَ النَّوْعُ (فَلِلْمُشْتَرِي) طَلْعُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: هُوَ لِلْبَائِعِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِ وَقْتِ التَّأْبِيرِ عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُؤَبَّرُ فَلِلْبَائِعِ، وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرَ كَانَ لَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَا بِهِ. قَالَا: لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ. قَالَ شَيْخُنَا قُلْت: وَإِلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ النَّخَلَاتُ الْمَذْكُورَةُ (فِي بَسَاتِينَ) أَيْ الْمُؤَبَّرَةِ فِي بُسْتَانٍ وَغَيْرِهَا فِي بُسْتَانٍ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْجِنْسُ وَالْمَالِكُ (فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ) سَوَاءٌ أَتَبَاعَدَا أَمْ تَلَاصَقَا، وَالثَّانِي: هُمَا كَالْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ. أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَوْ تَعَدَّدَ الْمَالِكُ أُفْرِدَ كُلٌّ بِحُكْمِهِ جَزْمًا (وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ) بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ) وَفَاءً بِالشَّرْطِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى) زَمَنِ (الْجِدَادِ) تَحْكِيمًا لِلْعَادَةِ كَمَا يَجِبُ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَإِبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ فِي اللُّجَّةِ إلَى الْوُصُولِ إلَى الشَّطِّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَحُكِيَ إعْجَامُهُمَا. ثُمَّ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْجِدَادِ لَيْسَ لَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَأْخُذَهَا عَلَى التَّدْرِيجِ وَلَا تَأْخِيرُهَا إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ نَوْعٍ يُعْتَادُ قَطْعُهُ قَبْلَ النُّضْجِ كَالْمَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي بِلَادٍ لَا يَنْتَهِي فِيهَا كُلِّفَ الْبَائِعُ قَطْعَهَا عَلَى الْعَادَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّبْقِيَةِ صُورَتَانِ: الْأُولَى إذَا تَعَذَّرَ سَقْيُ الثَّمَرَةِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَعِظَمِ ضَرَرِ الشَّجَرِ بِإِبْقَائِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا. الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَتْهَا آفَةٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْإِبْقَاءِ (السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ) أَوْ أَحَدُهُمَا (وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ) مِنْهُ لِعَدَمِ ضَرَرِهِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 494 وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ، وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ أَنْ يَسْقِيَ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَسْقِيَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْآخَرُ، وَيُؤْخَذَ مِنْهَا عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ إذْ لَا غَرَضَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَمْكِينَهُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا) مَعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ جَازَ. فَإِنْ قِيلَ إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ فَفِيهِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَهُوَ حَرَامٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِفْسَادَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَقِيلَ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ ضَرَّ الشَّجَرَ وَنَفَعَ الثَّمَرَ أَوْ الْعَكْسَ (وَتَنَازَعَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ فِي السَّقْيِ (فُسِخَ الْعَقْدُ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إلَّا بِإِضْرَارِ أَحَدِهِمَا وَالْفَاسِخُ لَهُ الْمُتَضَرِّرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غُضُونِ كَلَامِهِمْ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَقِيلَ: الْحَاكِمُ، وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَ تَرْكُهُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِ مَنْعِ حُصُولِهَا لَهُ انْتِفَاعًا بِالسَّقْيِ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ (إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ) فَلَا فَسْخَ حِينَئِذٍ لِزَوَالِ النِّزَاعِ، فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْسَانًا وَمُسَامَحَةً. نَعَمْ، الْكَلَامُ فِي الْمَالِكَيْنِ الْمُطْلَقَيْ التَّصَرُّفِ لَا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ (أَنْ يَسْقِيَ) وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ قَدِمَ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَحَيْثُ احْتَاجَ الْبَائِعُ إلَى سَقْيِ ثَمَرَتِهِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَسْقِي مِنْهُ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ الْمَاءُ الْمُعَدُّ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا (وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ) وَالسَّقْيُ مُمْكِنٌ بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لَهُ (لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ) ثَمَرَتَهُ (أَوْ يَسْقِيَ) الشَّجَرَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي، لَوْ تَعَذَّرَ السَّقْيُ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ تَعَيَّنَ الْقَطْعُ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا] ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّابِعِ وَهُوَ الثِّمَارُ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ نَوَاهَا وَقِمْعَهَا فِي ضِمْنِ فَصْلٍ فَقَالَ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 495 فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ، وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا كَكُمَّثْرَى، وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي   [مغني المحتاج] فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا (يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ) أَيْ ظُهُورِ (صَلَاحِهِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ (وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُصُولُ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ غَالِبًا لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِقُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» (وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَحْرُمُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ (إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ) فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي مُنْجَزًا (وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ) كَلَوْزٍ وَحِصْرِمٍ وَبَلَحٍ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصَّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، فَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَيْعٌ بِشَرْطِهِ مُعَلَّقًا، وَوَجْهُ الْمَنْعِ تَضَمُّنُ التَّعْلِيقِ التَّبْقِيَةَ، وَمَا (لَا) يُنْتَفَعُ بِهِ (كَكُمَّثْرَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَبِالْمُثَلَّثَةِ، الْوَاحِدَةُ كُمَّثْرَاةٌ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَعْلُومَ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ قَالَ الشَّارِحُ: لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ. فُرُوعٌ: لَوْ بَاعَ عَلَى شَجَرَةٍ مَقْطُوعَةٍ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى عَلَيْهَا فَيَصِيرُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو، وَلَا يُغْنِي اعْتِيَادُ الْقَطْعِ عَنْ شَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِإِبْقَائِهِ جَازَ، وَلَوْ أَبْقَاهَا مُدَّةً ثُمَّ قَطَعَهَا لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ طَالَبَهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَالشَّجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الثَّمَرَةِ بِدُونِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَحْوَ سَمْنٍ وَقَبَضَهُ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّسْلِيمِ فِي غَيْرِهِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي) وَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كَأَنْ وَهَبَ الثَّمَرَةَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 496 جَازَ بِلَا شَرْطٍ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ. وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ   [مغني المحتاج] لِإِنْسَانٍ أَوْ بَاعَهَا لَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِنْسَانٍ فَبَاعَهَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ (جَازَ) بَيْعُ الثَّمَرَةِ لَهُ (بِلَا شَرْطٍ) لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا، وَصُحِّحَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَيْسَ فِي الرَّافِعِيِّ هُنَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ، وَنَقَلَا هُنَا عَنْ الْجُمْهُورِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ لِعُمُومِ النَّهْيِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ (قُلْت: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ) كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ (لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثَمَرِهِ عَنْ شَجَرِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَيَصِيرُ كُلُّ الثَّمَرِ لَهُ وَكُلُّ الشَّجَرِ لِلْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ جَمِيعِ الثَّمَرِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِذَلِكَ قَطْعَ مَا اشْتَرَاهُ وَتَفْرِيغَ الشَّجَرِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ بِغَيْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لِتَكْلِيفِ الْمُشْتَرِي قَطْعَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرِّ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَإِنْ بِيعَ) الثَّمَرُ (مَعَ الشَّجَرِ) وَلَمْ يُفْصَلْ الثَّمَنُ (جَازَ بِلَا شَرْطٍ) لِقَطْعِهِ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ (وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ) لِأَنَّ فِيهِ حَجْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ. أَمَّا إذَا فَصَلَ الثَّمَنَ: كَأَنْ قَالَ بِعْتُك الشَّجَرَةَ بِدِينَارٍ وَالثَّمَرَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهَا فَلَهُ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْجِدَادِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ أَحَدُ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا النَّصِّ، فَزَعَمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافَهُ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ مُشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ إنْ قُلْنَا لِلْقِسْمَةِ إفْرَازٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ قَطْعِ النِّصْفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ غَيْرِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ إذَا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ، وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَشْرُطْ الْقَطْعَ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَفِيهِ مَا تَقَرَّرَ. وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَيَكُونُ الثَّمَرُ تَابِعًا. (وَيَحْرُمُ) وَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ الزَّرْعِ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِشَجَرِ (الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ) إذَا لَمْ يَبْدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 497 إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ، فَإِنْ بَيْعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ جَازَ بِلَا شَرْطٍ. وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ: كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ، وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ،   [مغني المحتاج] صَلَاحُهُ، وَلَوْ كَانَ بَقْلًا وَكَانَ الْبَقْلُ يُجَزُّ مِرَارًا (إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ) كَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ قَلْعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِشَرْطِ إبْقَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (فَإِنْ بِيعَ) الزَّرْعُ الْمَذْكُورُ (مَعَهَا) أَيْ الْأَرْضِ (أَوْ) وَحْدَهُ (بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ) أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِ الْبُقُولِ (جَازَ بِلَا شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَبَيْعِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ. وَالثَّانِي كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ اشْتِدَادِ جَمِيعِ الْحَبِّ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الثِّمَارِ، وَقَدْ اكْتَفَوْا فِي التَّأْبِيرِ بِطَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِحَبَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِاشْتِدَادِ سُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ شَيْءٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَإِنْ بِيعَ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَهُ أُصُولَهُ فَكَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وُجُوبَ شَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَرُّضِ أَصْلِهِ لِلْعَاهَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّجَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، وَجَزَمَ الْحَاوِي بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَنْقُولُ وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ تَفَقُّهِهِ اهـ، فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ دُونَ أُصُولِهِ أَوْ بَاعَ أُصُولَهُ دُونَهُ وَغَلَبَ اخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ، فَإِنْ أُمِنَ الِاخْتِلَاطُ جَازَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ كَذَلِكَ بِأَنْ نَدَرَ أَوْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ. (وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ) أَيْ الزَّرْعِ (وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ) مِنْ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ غَائِبٍ (كَتِينٍ وَعِنَبٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كِمَامَ لَهُ (وَشَعِيرٍ) لِظُهُورِهِ فِي سُنْبُلِهِ (وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالسِّمْسِمِ (فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ) لِاسْتِتَارِهِ (وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ كَالْحِنْطَةِ فِي تِبْنِهَا بَعْدَ الدِّيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَهَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 498 وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فَلَا يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا.   [مغني المحتاج] رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ» أَيْ يَشْتَدَّ فَيَجُوزَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَبٍّ وَحَبٍّ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْأُرْزُ كَالشَّعِيرِ، وَقِيلَ كَالْحِنْطَةِ، وَالذُّرَةُ نَوْعَانِ: بَارِزُ الْحَبَّاتِ كَالشَّعِيرِ، وَفِي كِمَامٍ كَالْحِنْطَةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِمَا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِ مَقْصُودِهَا وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ السِّلْقَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ. أَمَّا مَا يَظْهَرُ مَقْصُودُهُ عَلَى وَجْهِهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَكْثَرِ بِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْبَقْلِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ وَرَقِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالْبُقُولِ (وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ (لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ) كَالرُّمَّانِ وَالْعَلْسِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ فِي سُنْبُلِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْعَلْسِ وَالْأُرْزِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْأَوْصَافَ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْقِشْرِ خِفَّةً وَرَزَانَةً؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنَّفِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْأُرْزِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَقْشُورِ (وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا) وَهِيَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَقْصُورًا: الْفُولُ (يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ (وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى) لَا عَلَى الشَّجَرِ وَلَا عَلَى الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ. نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ كَالرُّمَّانِ؛ وَلِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَعْلَى لَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ بِبَغْدَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْبَاقِلَّا الرَّطْبَ. رُدَّ بِأَنَّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَنَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِأَنَّ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ تَوَقُّفًا؛ لِأَنَّ الرَّبِيعَ إنَّمَا صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ لَا بِبَغْدَادَ لَكِنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ كَثِيرُونَ (وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا) لِتَعَلُّقِ الصَّلَاحِ بِهِ حَيْثُ إنَّهُ يَصُونُ الْأَسْفَلَ وَيَحْفَظُ رُطُوبَةَ اللُّبِّ. وَاللُّوبِيَا كَالْفُولِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالرَّطْبِ امْتِنَاعُهُ إذَا جَفَّ قَطْعًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إذَا لَمْ نُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 499 وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ، وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ.   [مغني المحتاج] قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَاسَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كِمَامَانِ مُعْتَرَضٌ؛ لِأَنَّ الْكِمَامَ جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكِمَامَةٌ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قِشْرَانِ أَوْ كِمَّانِ أَوْ كِمَامَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ، لِأَنَّ مُرَادَهُ فَرْدَانِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكِمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْكَتَّانُ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَالسَّاسُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى اهـ. وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مَعَ بَزْرِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا. (وَبُدُوُّ صَلَاحِ) الْأَشْيَاءِ صَيْرُورَتُهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا فَفِي (الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا (وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ) مِنْهُ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَأَى فِي إسْقَاطِهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ. وَفِي تَكْمِلَةِ الصِّحَاحِ لِلصَّغَانِيِّ تَمَوَّهَ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ: إذَا امْتَلَأَ مَاءً وَتَهَيَّأَ لِلنُّضْجِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِظُهُورٍ وَبُدُوٍّ (وَفِي غَيْرِهِ) وَهُوَ مَا يَتَلَوَّنُ: أَيْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ (بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ) أَوْ الصُّفْرَةِ كَالْبَلَحِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَفِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ بِأَنْ يُجْبَى مِثْلُهُ غَالِبًا لِلْأَكْلِ، وَفِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا، وَفِي نَحْوِ وَرَقِ التُّوتِ تَنَاهِيهِ، وَفِي نَحْوِ الْوَرْدِ انْفِتَاحُهُ. فَائِدَةٌ: جَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: بِاللَّوْنِ كَصُفْرَةِ الْمِشْمِشِ وَحُمْرَةِ الْعُنَّابِ وَسَوَادِ الْإِجَّاصِ وَبَيَاضِ التُّفَّاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ثَانِيهَا: الطَّعْمُ كَحَلَاوَةِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَحُمُوضَةِ الرُّمَّانِ إذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ. ثَالِثُهَا: النُّضْجُ فِي التِّينِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِمَا. وَذَلِكَ بِأَنْ تَلِينَ صَلَابَتُهُ. رَابِعُهَا: بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ. خَامِسُهَا: بِالطُّولِ وَالِامْتِلَاءِ كَالْعَلَفِ وَالْبُقُولِ. سَادِسُهَا: بِالْكِبَرِ كَالْقِثَّاءِ. سَابِعُهَا: بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ. ثَامِنُهَا: بِانْفِتَاحِهِ كَالْوَرْدِ وَوَرَقِ التُّوتِ (وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ) لِصِحَّةِ بَيْعِ كُلِّهِ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ أَشْجَارٍ مُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ وَلَوْ حَبَّةً وَاحِدَةً مِنْ عِنَبٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا فَجَعَلَ الثِّمَارَ لَا تَطِيبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إطَالَةً لِزَمَنِ التَّفَكُّهِ. فَلَوْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 500 وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بَسَاتِينَ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ. وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه بَعْدَهَا. وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرْدٍ فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.   [مغني المحتاج] اُشْتُرِطَ فِي الْمَبِيعِ طِيبُ جَمِيعِهِ لَأَدَّى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ يَتْلَفُ أَوْ تُبَاعَ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْآخَرِ. وَأَمَّا النَّوْعُ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ فِي التَّأْبِيرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَضُرُّ. (وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ) وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ (فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ) فَيُتْبَعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الْبُسْتَانِ أَوْ كُلٍّ مِنْ الْبَسَاتِينِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَتْبَعُ جِنْسٌ غَيْرَهُ، وَلَوْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا تَبَعِيَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي ثَمَرِ الْآخَرِ. (وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ) مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَأَبْقَى (لَزِمَهُ سَقْيُهُ) إنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى (قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا) قَدْرَ مَا يَنْمُو بِهِ وَيَسْلَمُ مِنْ التَّلَفِ وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّقْيُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ سَقْيٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ كَبُرَتْ وَكَانَ لَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا إلَّا فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّقْيِ أَنَّا نُكَلِّفُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَسْتَمِرُّ اللُّزُومُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه) أَيْ الثَّمَنِ (بَعْدَهَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، هَذَا إنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ. أَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَبْضِ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ هُنَاكَ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ قَبْضِهَا عَلَى النَّقْلِ. (وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ (كَبَرْدٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ أَوْ حَرٍّ أَوْ جَرَادٍ أَوْ حَرِيقٍ (فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ كَافِيَةٌ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ، فَكَانَتْ كَافِيَةً فِي جَوَازِ نَقْلِ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ، وَالْقَدِيمُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» . وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 501 فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي. وَلَوْ بِيعَ ثَمَّ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ تَمْثِيلُهُ بِالْبَرَدِ يُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُهْلِكُ سَمَاوِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا لِإِمْكَانِ الْحِفْظِ مِنْهُ وَالتَّغْرِيمِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ دُونَ الشَّجَرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِ قَطْعًا لِانْقِطَاعِ الْعَلَائِقِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ عَرَضَ الْمُهْلِكُ بَعْدَ إمْكَانِ الْجُذَاذِ فَكَذَا فِي أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِالْجَائِحَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْجَدِيدِ. أَمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَنَظَائِرِهِ. (فَلَوْ تَعَيَّبَ) الثَّمَرُ الْمَبِيعُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرَةِ (بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ، فَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ الْبَائِعَ التَّنْمِيَةَ بِالسَّقْيِ وَالتَّعْيِيبُ بِتَرْكِهِ كَالتَّعْيِيبِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِذَلِكَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَيْضًا، هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السَّقْيُ وَإِلَّا بِأَنْ غَارَتْ الْعَيْنُ أَوْ انْقَطَعَ النَّهْرُ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِيلَ مَاءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ، وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ فِي السِّلْسِلَةِ، فَإِنْ آلَ التَّعْيِيبُ إلَى التَّلَفِ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ الْبَائِعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَوْ بِيعَ) ثَمَرٌ (قَبْلَ) بُدُوِّ (صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ) بِجَائِحَةٍ (فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي) مِمَّا لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْقَطْعِ الْمَشْرُوطِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ مَذْكُورَةٌ فِي أَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ فِيمَا قَبْلَ الصَّلَاحِ وَكَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ، وَفَرَضَ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّهِ، وَحُكْمُهَا عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاحِدٌ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّقْيِيدِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِيَشْمَلَ الْحَالَيْنِ. (وَلَوْ بِيعَ) ثَمَرٌ أَوْ زَرْعٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ (يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ) وَبِطِّيخٍ (وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ) أَوْ زَرْعِهِ خَوْفًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 502 وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَاحْتَرَزَ: بِيَغْلِبُ عَمَّا إذَا نَدَرَ الِاخْتِلَاطُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ الْحَالُ، وَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالنَّادِرِ (وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ) قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَالِاخْتِلَاطُ، أَوْ (فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالطَّرِيقِ الْآتِي (بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَنُقِلَ هَذَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَيَمْلِكُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالْإِعْرَاضِ كَمَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ. فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ عَوْدَ النَّعْلِ إلَى الْمُشْتَرِي مُتَوَقَّعٌ، وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْمُشْتَرِي. وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ لِمَا فِي قَبُولِهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَوَّلًا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ بَادَرَ الْبَائِعُ أَوَّلًا فَسَامَحَ سَقَطَ خِيَارُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ خَيَّرُوا الْبَائِعَ أَوَّلًا، فَإِنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَإِلَّا فُسِخَ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نُقِلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ التَّخْلِيَةِ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَهَا فَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَلْ إنْ تَوَافَقَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ وَإِلَّا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ، وَهَلْ الْيَدُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا فِيهِ أَوْجُهٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَ الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُمَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِ الْبَائِعِ ثَمَرَتَهُ، فَإِنْ شَرَطَ فَلَمْ يَقْطَعْ أَوْ كَانَتْ مِمَّا قُدِّرَ تَلَاحُقُهَا وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ فِي ثِمَارِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفَسِخْ، بَلْ مَنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ لِصَاحِبِهِ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَ جِزَّةً مِنْ الْقَتِّ مَثَلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى طَالَتْ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ جَرَى الْقَوْلَانِ وَيَجْرِيَانِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فَانْصَبَّ عَلَيْهَا مِثْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا فِي الْمَائِعَاتِ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الثَّوْبُ بِأَمْثَالِهِ أَوْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ بِأَمْثَالِهَا فَالصَّحِيحُ الِانْفِسَاخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً، وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 503 وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ.   [مغني المحتاج] وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ. (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ) مِنْ التِّبْنِ (وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، وَلَا) بَيْعُ (الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ: وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةٍ فَرَقٍ مِنْ التَّمْرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّاوِي فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَفْسِيرِ مَا رَوَاهُ، وَلِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمُحَاقَلَةِ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حِنْطَةٌ وَتِبْنٌ بِحِنْطَةٍ فَبَطَلَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 504 وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ،   [مغني المحتاج] لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَرْئِيٌّ وَالْمُمَاثَلَةُ بِشَرْطٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَوْ بَاعَ زَرْعًا قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبِّ بِحَبٍّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَشِيشَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رِبَوِيًّا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ كَالْحُلْبَةِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِحَبِّهِ، وَبِهِ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَاقَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقْلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ جَمْعُ حَقْلَةٍ، وَهِيَ السَّاحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي لَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِزَرْعٍ فِي حَقْلِهِ، وَالْمُزَابَنَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّبْنِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، وَهُوَ الدَّفْعُ لِكَثْرَةِ الْغَبْنِ فِيهَا فَيُرِيدُ الْمَغْبُونُ دَفْعَهُ وَالْغَابِنُ إمْضَاءَهُ فَيَتَدَافَعَانِ. تَنْبِيهٌ فَائِدَةٌ ذِكْرُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ تَسْمِيَتُهَا بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَا مِمَّا مَرَّ. (وَيُرَخَّصُ فِي) بَيْعِ (الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ مَا يُفْرِدُهَا مَالِكُهَا لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ (وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ) خَرْصًا (بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ) كَيْلًا (أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ) خَرْصًا (بِزَبِيبٍ) فِي الْأَرْضِ كَيْلًا، هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ لِمَا فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 505 فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ،   [مغني المحتاج] الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِالتَّمْرِ» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ «وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَقِيسَ بِهِ الْعِنَبُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا، وَكَالرُّطَبِ الْبُسْرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قِيلَ وَمِثْلُهُ الْحِصْرِمُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ بِهِ صَلَاحُ الْعِنَبِ وَبِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ كِبَرُهُ بِخِلَافِ الْبُسْرِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الْعَرَايَا مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّمَرِ زَكَاةٌ كَأَنْ خُرِصَتْ عَلَيْهِ وَضَمِنَ أَوْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ أَوْ لِنَقْصِهَا عَنْ النِّصَابِ أَوْ لِكُفْرِ صَاحِبِهَا، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) تَحْدِيدًا بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكَّ دَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَيَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَحَيْثُ زَادَ عَلَى مَا دُونَهَا يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي فَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالزِّيَادَةِ رِبًا فَبَطَلَ جَمِيعُهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكْفِي نَقْصُ رُبُعِ مُدٍّ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى تَفَاوُتِ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَإِنَّ رُبُعَ الْمُدِّ وَالْمُدَّ يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِهِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسَةِ أَوْ مَا دُونَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَافِّ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ الْآنَ أَكْثَرَ، فَإِنْ تَلِفَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ فَذَاكَ، وَإِنْ جُفِّفَ وَظَهَرَ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 506 وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ جَازَ. وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةُ فِي النَّخْلِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ.   [مغني المحتاج] تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ (وَلَوْ زَادَ) عَلَى مَا دُونَهَا (فِي صَفْقَتَيْنِ) كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَهَا (جَازَ) قِيَاسًا عَلَى الصَّفْقَةِ الْأُولَى، وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا هُنَا إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ حَيْثُ قَطَعُوا فِيهِ بِالتَّعَدُّدِ دُونَ جَانِبِ الْبَائِعِ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّمْرُ تَابِعٌ، فَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ مَثَلًا لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً جَازَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ لَا فِيمَا فَوْقَهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِيمَا دُونَ عَشَرَةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَرَّعَهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا (التَّقَابُضُ) فِي الْمَجْلِسِ (بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ) أَوْ الزَّبِيبِ إلَى الْبَائِعِ (كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي) رُطَبِ (النَّخْلِ) أَوْ عِنَبِ الْكَرْمِ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ بِمَطْعُومٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: بِتَسْلِيمِ الْجَافِّ كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ كَانَ أَوْلَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) بَيْعُ مِثْلِ الْعَرَايَا (فِي سَائِرِ الثِّمَارِ) أَيْ بَاقِيهَا كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَاللَّوْزِ مِمَّا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ مَسْتُورَةٌ بِالْأَوْرَاقِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخَرْصُ فِيهَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَمَا جَازَ فِي الْعِنَبِ بِالْقِيَاسِ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ) أَيْ بَيْعَ الْعَرَايَا (لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ) بَلْ يَجْرِي فِي الْأَغْنِيَاءِ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَخْتَصُّ بِهِمْ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ» وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهَذِهِ حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ، ثُمَّ قَدْ يَعُمُّ الْحُكْمُ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي. أَمَّا حَاجَةُ الْبَائِعِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَطْعًا. وَقَالَ مَالِكٌ: تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ. خَاتِمَةٌ: قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي: ضَابِطُ الْغَنِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ عِنْدَهُ نَقْدٌ، فَمَنْ لَا نَقْدَ عِنْدَهُ فَقِيرٌ وَإِنْ مَلَكَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَرِيَّةَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 507 بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ، أَوْ صِفَتِهِ أَوْ الْأَجَلِ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا.   [مغني المحتاج] [بَاب اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ] ِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ (إذَا اتَّفَقَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ كَقَدْرِ الثَّمَنِ) وَمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ أَكْثَرَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ، كَأَنْ يَدَّعِيَ عَشَرَةً وَالْمُشْتَرِي تِسْعَةً (أَوْ صِفَتِهِ) كَأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِصِحَاحٍ وَالْمُشْتَرِي بِمُكَسَّرَةٍ أَوْ جِنْسِهِ: كَقَوْلِ الْبَائِعِ بِذَهَبٍ وَالْمُشْتَرِي بِفِضَّةٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (أَوْ الْأَجَلِ) بِأَنْ أَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي وَنَفَاهُ الْبَائِعُ (أَوْ قَدْرَهُ) كَشَهْرٍ وَيَدَّعِي الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ، أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُكَهُ بِشَرْطِ رَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ فَيُنْكِرُ الْمُشْتَرِي (أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ) كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُك صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: بَلْ صَاعَيْنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَبِيعِ كَاتِبًا مَثَلًا (وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا بِأَنْ لَمْ يُؤَرِّخَا بِتَارِيخَيْنِ (تَحَالَفَا) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ مُدَّعٍ وَتَخْصِيصُهُ الْبَيْعَ بِالذِّكْرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى الْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ طَرْدًا لِلْمَعْنَى، وَلَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ عَلَى الْفَسْخِ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِلَا تَحَالُفٍ، وَلَا لِعَدَمِ رُجُوعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ فِي الثَّالِثَ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْأَصْحَابُ بِالتَّحَالُفِ فِي الْكِتَابَةِ مَعَ جَوَازِهَا مِنْ جَانِبِ الرَّقِيقِ، وَمَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ التَّحَالُفِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِإِمْكَانِ الْفَسْخِ فِي زَمَنِهِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحَالُفَ لَمْ يُوضَعْ لِلْفَسْخِ بَلْ عَرَضَتْ الْيَمِينُ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ الْكَاذِبُ فَيَتَقَرَّرَ الْعَقْدُ بِيَمِينِ الصَّادِقِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَاتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى الصِّحَّةِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا فِي عَقْدٍ، وَلَكِنْ اخْتَلَفَا هَلْ ذَلِكَ الْعَقْدُ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ فَلَا تَحَالُفَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الصِّحَّةِ وُجُودُهَا، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِقِّ خَمْرٍ حَلَفَ الْبَائِعُ عَلَى نَفْيِ سَبَبِ الْفَسَادِ ثُمَّ يَتَحَالَفَانِ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَا بَيِّنَةَ: أَيْ أَوْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا مَرَّ عَمَّا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ مَالِكَيْنِ أَوْ وَكِيلَيْنِ أَوْ مَالِكًا وَوَكِيلًا، وَفِي تَحَالُفِ الْوَكِيلَيْنِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 508 فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ، وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ   [مغني المحتاج] وَجْهَانِ: رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا التَّحَالُفَ، وَفَائِدَتُهُ الْفَسْخُ أَوْ أَنْ يَنْكُلَ أَحَدُهُمَا فَيَحْلِفَ الْآخَرُ وَيَقْضِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ يَحْلِفُ فِيهَا الْوَكِيلُ عَلَى الْأَصَحِّ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ بِيَمِينِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْحَالُ بَعْدَ التَّحَالُفِ إلَى الْفَسْخِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ التَّحَالُفِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ تَقَايَلَا فِي الْعَقْدِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلَا تَحَالُفَ، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَيَقُولُ: بَلْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَلَا تَحَالُفَ جَزْمًا إذَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى بَيْعٍ صَحِيحٍ وَاخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ عَلَى الْأَصْلِ. ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَ وَلِيُّ مَحْجُورٍ مَعَ مُسْتَقِلٍّ وَكَانَ الْمَبِيعُ تَالِفًا وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الَّتِي يَرْجِعُ إلَيْهَا عِنْدَ الْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ أَكْثَرَ مِنْ الشَّيْءَ الَّذِي سَمَّاهُ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ وَيُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْفَسْخُ رَجَعَ الْحَالُ إلَى غُرْمِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا ذُكِرَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الصَّدَاقِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَقَطْ وَاتَّفَقَا عَلَى الثَّمَنِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَمَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا تَرْجِيحَهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ مِنْ عَدَمِ التَّحَالُفِ. وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَبِيعَ هَذَا الْعَبْدُ، وَالْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْجَارِيَةُ وَلَمْ تُؤَرَّخْ الْبَيِّنَتَانِ سُلِّمَتْ لِلْمُشْتَرِي وَيُقَرُّ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ وَإِلَّا فَيُتْرَكُ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَدَّعِيَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ، فَإِنْ أُرِّخَتَا قَضَى بِمُقَدَّمَةِ التَّارِيخِ، وَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِذَا أَخَذَهُ الْقَاضِي أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ إنْ كَانَ كَسُوبًا وَإِلَّا بَاعَهُ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهِ وَحُفِظَ ثَمَنُهُ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ. وَإِذَا وَقَعَ التَّحَالُفُ (فَيَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ) لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ: مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، فَيَنْفِي مَا يُنْكِرُهُ وَيَثْبُتُ مَا يَدَّعِيهِ. نَعَمْ إنَّمَا يَحْلِفُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَيُنْكِرُ كَمَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ (وَيَبْدَأُ) فِي الْيَمِينِ (بِالْبَائِعِ) نَدْبًا لِحُصُولِ الْغَرَضِ مَعَ تَقْدِيمِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَقِيلَ وُجُوبًا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنَّمَا بُدِئَ بِهِ، لِأَنَّ جَانِبَهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَعُودُ إلَيْهِ بَعْدَ الْفَسْخِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى التَّحَالُفِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَى الثَّمَنِ قَدْ تَمَّ بِالْعَقْدِ وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 509 وَفِي قَوْلٍ بِالْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ يُقْرَعُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَيُقَدَّمُ النَّفْيُ فَيَقُولُ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا، وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ،   [مغني المحتاج] يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ (وَفِي قَوْلٍ) يَبْدَأُ (بِالْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ثَمَنٍ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي مِلْكِهِ فَيَقْوَى جَانِبُهُ (وَفِي قَوْلٍ يَتَسَاوَيَانِ) ؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَا تَرْجِيحَ وَعَلَى هَذَا (فَيَتَخَيَّرُ الْحَاكِمُ) فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ مِنْهُمَا (وَقِيلَ يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ حَضَرَا مَعًا لِلدَّعْوَى فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَتَقْدِيمُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا بَاعَ عَرْضًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ. أَمَّا إذَا كَانَا مُعَيَّنَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَّجِهُ إلَّا التَّسْوِيَةَ، وَالزَّوْجُ فِي الصَّدَاقِ كَالْبَائِعِ فَيَبْدَأُ بِهِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِبَقَاءِ التَّمَتُّعِ لَهُ كَمَا قَوِيَ جَانِبُ الْبَائِعِ بِعَوْدِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ أَثَرَ التَّحَالُفِ يَظْهَرُ فِي الصَّدَاقِ لَا فِي الْبُضْعِ وَهُوَ بَاذِلُهُ فَكَانَ كَبَائِعِهِ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلَّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (يَمِينٌ تَجْمَعُ نَفْيًا) لِقَوْلِ صَاحِبِهِ (وَإِثْبَاتًا) لِقَوْلِهِ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ وَمَنْفِيَّ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي ضِمْنِ مُثْبِتِهِ فَجَازَ التَّعَرُّضُ فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا أَقْرَبُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُفْرِدُ النَّفْيَ بِيَمِينٍ وَالْإِثْبَاتَ بِأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْلَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْصُوصٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِيهِ إشْعَارٌ بِجَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْيَمِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافَهُ (وَيُقَدَّمُ) فِي الْيَمِينِ (النَّفْيُ) نَدْبًا لَا وُجُوبًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (فَيَقُولُ) الْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَثَلًا: وَاَللَّهِ (مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا) وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: وَاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَلَقَدْ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: يَقُولُ الْبَائِعُ: مَا بِعْتُ إلَّا بِكَذَا، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيْتُ إلَّا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ، وَيَلْزَمُهُ الِاكْتِفَاءُ أَيْضًا بِإِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَكْتَفُونَ فِي ذَلِكَ بِالتَّصْرِيحِ. تَنْبِيهٌ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى صِيغَةِ حَصْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي الْبَائِعِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعْتُ بِكَذَا، وَفِي الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى الْحَصْرِ بَعْدَ النَّفْيِ (وَإِذَا تَحَالَفَا فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ) بِنَفْسِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً لَمْ يَنْفَسِخْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 510 بَلْ إنْ تَرَاضَيَا وَإِلَّا فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، ثُمَّ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ.   [مغني المحتاج] فَبِالتَّحَالُفِ أَوْلَى (بَلْ إنْ تَرَاضَيَا) عَلَى مَا قَالَهُ أَحَدُهُمَا أُقِرَّ الْعَقْدُ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا رُجُوعَ لِمَنْ رَضِيَ صَاحِبُهُ وَإِنْ سَمَحَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِمَا ادَّعَاهُ أُجْبِرَ الْآخَرُ وَإِنْ أَعْرَضَا عَنْ الْخُصُومَةِ أَعْرَضَ عَنْهُمَا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي، وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَإِنْ فَهِمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ خِلَافَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ اسْتَمَرَّ نِزَاعُهُمَا (فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِاسْتِدْرَاكِ الظُّلَامَةِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ (أَوْ الْحَاكِمُ) لِقَطْعِ النِّزَاعِ وَحَقُّ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَالُفِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ لَمْ يَفْسَخَا فِي الْحَالِ كَانَ لَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الْمَطْلَبِ لِبَقَاءِ الضَّرَرِ الْمُحْوِجِ لِلْفَسْخِ (وَقِيلَ إنَّمَا يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَفْسَخُ أَحَدُهُمَا وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّحَالُفُ عِنْدَ حَاكِمٍ، فَلَوْ تَحَالَفَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَكُنْ لِأَيْمَانِهِمَا تَأْثِيرٌ فِي فَسْخٍ وَلَا لُزُومٍ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِذَا فَسَخَا انْفَسَخَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَالْإِقَالَةِ، وَكَذَا إنْ فَسَخَ الْقَاضِي أَوْ الصَّادِقُ مِنْهُمَا لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِمَا إلَى حَقِّهِمَا كَمَا فِي الْفَسْخِ بِالْإِفْلَاسِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ، وَإِنْ فَسَخَ الْكَاذِبُ لَمْ يَنْفَسِخْ بَاطِنًا لِتَرَتُّبِهِ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ، وَطَرِيقُ الصَّادِقِ إنْشَاءُ الْفَسْخِ إنْ أَرَادَ الْمِلْكَ فِيمَا عَادَ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَإِنْ أَنْشَأَ الْفَسْخَ أَيْضًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُ فَيَتَمَلَّكُهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَإِلَّا فَيَبِيعُهُ وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ حَالَ النِّزَاعِ وَقَبْلَ التَّحَالُفِ عَلَى الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ، وَفِي جَوَازِهِ فِيمَا بَعْدَهُ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا جَوَازُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَسْخِ (عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِثَالِثٍ بِزَوَائِدِهِ الْمُتَّصِلَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَصْلِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَكَذَا عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ الثَّمَنِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّادِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِرَدِّ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَيْنِ كَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ (فَإِنْ) تَلِفَ شَرْعًا (كَأَنْ وَقَفَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ) تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَأَنْ (كَاتَبَهُ أَوْ) تَلِفَ حِسًّا كَأَنْ (مَاتَ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَى ثَمَنِهِ وَمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ خِلَافًا لِمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَإِنْ صَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي (وَهِيَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) إذْ مَوْرِدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 511 وَإِنَّ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ. وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا كَهُمَا. وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ وَهَبْتَنِيهِ فَلَا تَحَالُفَ بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ مُدَّعِي الْهِبَةِ بِزَوَائِدِهِ.   [مغني المحتاج] الْفَسْخِ الْعَيْنُ، وَالْقِيمَةُ بَدَلٌ عَنْهَا فَلْتُعْتَبَرْ عِنْدَ فَوَاتِ أَصْلِهَا وَفَارَقَ اعْتِبَارُهَا بِمَا ذَكَرَ اعْتِبَارَهَا لِمَعْرِفَةِ الْأَرْشِ بِأَقَلَّ قِيمَتَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا ثَمَّ لَا لِيَغْرَمَ بَلْ لِيَعْرِفَ مِنْهَا الْأَرْشَ، وَهُنَا الْقِيمَةُ فَكَانَ اعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِتْلَافِ أَلْيَقَ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَالثَّانِي: قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قِيمَةُ يَوْمِ دُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ. وَالثَّالِثُ: أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ. وَالرَّابِعُ: أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ يَوْمِ الْقَبْضِ إلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ فَتُعْتَبَرُ أَعْلَى الْقِيَمِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّحَالُفَ يَجْرِي عِنْدَ بَقَاءِ الْعِوَضِ وَتَلَفِهِ، وَاعْتَرَضَ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي بَعْدَ التَّلَفِ. . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّدَّ يَعْتَمِدُ الْمَرْدُودَ، وَالْفَسْخَ يَعْتَمِدُ الْعَقْدَ، وَبِأَنَّ الرَّدَّ يَلْحَقُهُ الْأَرْشُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ. (وَإِنْ تَعَيَّبَ رَدَّهُ مَعَ أَرْشِهِ) وَهُوَ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ فَكَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا بِبَعْضِهَا، وَوَطْءُ الثَّيِّبِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فَلَا أَرْشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَهَنَهُ، فَإِنْ شَاءَ الْبَائِعُ أَخَذَ الْقِيمَةَ أَوْ انْتَظَرَ الْفِكَاكَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرُوا فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَكَانَ الصَّدَاقُ مَرْهُونًا وَقَالَ: انْتَظِرْ الْفِكَاكَ لِلرُّجُوعِ فَلَهَا إجْبَارُهُ عَلَى قَبُولِ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَطَرِ الضَّمَانِ، فَالْقِيَاسُ هُنَا إجْبَارُهُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قَدْ حَصَلَ لَهَا كَسْرٌ بِالطَّلَاقِ فَنَاسَبَ جَبْرُهَا بِإِجَابَتِهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَجَّرَهُ رَجَعَ فِيهِ مُؤَجَّرًا وَلَا يَنْتَزِعُهُ مِنْ يَدِ الْمُكْتَرِي حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ الْمُسَمَّى لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ لِلْبَائِعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ إلَى انْقِضَائِهَا (وَاخْتِلَافُ وَرَثَتِهِمَا) أَوْ وَارِثِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ (كَهُمَا) أَيْ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ فِي مَالٍ، فَقَامَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَالْيَمِينِ فِي دَعْوَى الْمَالِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْصُلَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَيْنَ الْمُوَرِّثِينَ ثُمَّ يَمُوتَانِ قَبْلَ التَّحَالُفِ، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى الْبَتِّ وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي النَّفْيِ، وَيَجُوزُ لِلْوَارِثِ الْحَلِفُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ مُوَرِّثِهِ. (وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَقَالَ: بَلْ وَهَبْتَنِيهِ) أَوْ رَهَنْتَنِيهِ (فَلَا تَحَالُفَ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ (بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ) كَسَائِرِ الدَّعَاوَى (فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ) لُزُومًا (مُدَّعِي الْهِبَةِ) أَوْ الرَّهْنِ (بِزَوَائِدِهِ) مُتَّصِلَةً كَانَتْ أَوْ مُنْفَصِلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 512 وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ.   [مغني المحتاج] لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَرُدُّ الزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُدُوثِهَا فِي مِلْكِ الرَّادِّ بِدَعْوَاهُ الْهِبَةَ وَإِقْرَارِ الْبَائِعِ لَهُ بِالْبَيْعِ، فَهُوَ كَمَنْ وَافَقَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ وَخَالَفَ فِي الْجِهَةِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْقَبْضِ بِالْإِذْنِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَبِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ نَفْيَ دَعْوَى الْآخَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ تَسَاقُطِهِمَا فَمُدَّعِي الْهِبَةِ لَمْ يُوَافِقْ الْمَالِكَ عَلَى مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا. فَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَافُقِ عَلَى نَفْسِ الْإِقْرَارِ لَا عَلَى لَازِمِهِ. (وَلَوْ ادَّعَى) أَحَدُهُمَا (صِحَّةَ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ فَسَادَهُ) كَأَنْ ادَّعَى اشْتِمَالَهُ عَلَى شَرْطٍ (فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ، وَالظَّاهِرُ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا رَجَحَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ لِاعْتِضَادِهِ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْتِزَامِ الْعُقُودِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا إذَا بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ وَهُمَا يَعْلَمَانِ ذُرْعَانَهَا فَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ ذِرَاعًا مُعَيَّنًا مُبْهَمًا وَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْإِشَاعَةَ، فَالْمُصَدَّقُ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ وَعَرَّفَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا يَكُونُ وُجُودُهُ شَرْطًا كَبُلُوغِ الْبَائِعِ كَأَنْ بَاعَهُ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَكُنْ بَالِغًا حِينَ الْبَيْعِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي وَاحْتَمَلَ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبُلُوغِ. وَأَمَّا إذَا قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُك عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ الرَّقِيقُ: بَلْ عَلَى نَجْمَيْنِ؛ فَإِنَّ الرَّقِيقَ هُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ مُشْتَرِي الْمَغْصُوبِ: كُنْتُ أَظُنُّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَأَنَا الْآنَ لَا أَقْدِرُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ لَاعْتِضَادِهِ بِقِيَامِ الْغَصْبِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ أَوْ اعْتِرَافٍ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي وُقُوعِهِ عَلَى إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَذِنْت فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ رَهْنِ الثَّمَنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ مُطْلَقًا فَالْمُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ هَكَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقَعْ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ، وَلَا مِنْ نَائِبِهِمَا، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: رَأَيْتُ الْمَبِيعَ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَلْ شَرَطَ الْقَطْعَ أَوْ لَا، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ، فَالْمُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 513 وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ. بَابٌ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَجْرِي فِي غَيْرِ الْبَيْعِ كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ ادَّعَى صِحَّةَ الْعَقْدِ لَكَانَ أَوْلَى. (وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا) مَثَلًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ (فَجَاءَ بِعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ هَذَا الْمَبِيعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَبَقَاءِ الْعَقْدِ (وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ) بِأَنْ يَقْبِضَ الْمُسْلِمُ الْمُؤَدَّى عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُمَّ يَأْتِي بِمَعِيبٍ فَيَقُولُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الْمَقْبُوضُ (يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الْأَصَحِّ) بِيَمِينِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْبُوضُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالثَّانِيَ: يُصَدَّقُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمُنْكِرِ، وَهُنَاكَ اعْتَرَفَ بِقَبْضِهِ وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْفَسْخِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَيَّدْتُ الْعَبْدَ فِي كَلَامِهِ بِالْمُعَيَّنِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَبِيعِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ. خَاتِمَةٌ: لَوْ قُبِضَ الْبَيْعُ مَثَلًا مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ثُمَّ ادَّعَى نَقْصًا، فَإِنْ كَانَ قَدْرًا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِهِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ؛ وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْقَبْضِ، وَالْقَابِضُ يَدَّعِي الْخَطَأَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا لَوْ اقْتَسَمَا ثُمَّ جَاءَ أَحَدُهُمَا وَادَّعَى الْخَطَأَ فِيهِ تَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَوَجَدَهُ خَمْرًا أَوْ وَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً، وَقَالَ: هَكَذَا قَبْضَتُهُ مِنْك وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْدَقَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَاعَ شَخْصٌ شَيْئًا فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ لِابْنِهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ فَوَقَعَ اخْتِلَافٌ كَأَنْ قَالَ الِابْنُ: بَاعَ أَبِي مَالِي فِي الصِّغَرِ لِنَفْسِهِ مُتَعَدِّيًا، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَاعَ وَكِيلِي مَالِي مُتَعَدِّيًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَتَعَدَّ الْوَلِيُّ وَلَا الْوَكِيلُ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْوَكِيلِ أَمِينٌ فَلَا يُتَّهَمُ إلَّا بِحُجَّةٍ. [بَابٌ فِي مُعَامَلَةِ الرَّقِيقِ] ِ ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ هَذَا الْبَابَ عَقِبَ الْقِرَاضِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ بِالْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هُنَا وَتَرْجَمَ لَهُ بِمُدَايَنَةِ الْعَبْدِ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ تَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْإِمَامُ: تَصَرُّفَاتُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا لَا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 514 الْعَبْدُ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ. فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَاقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ.   [مغني المحتاج] يَنْفُذُ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ السَّيِّدُ كَالْوِلَايَاتِ، وَمَا يَنْفُذُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْعِبَادَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ (الْعَبْدُ) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: لَفْظُ الْعَبْدِ يَشْمَلُ الْأَمَةَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الرَّقِيقُ الَّذِي يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ لَوْ كَانَ حُرًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ الثَّمَنِ بِالذِّمَّةِ وَلَا حَجْرَ لِسَيِّدِهِ فِيهَا، وَنَسَبَ هَذَا الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَبْدٌ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْآخَرُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ الْآخَرُ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يَسْتَرِدُّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (الْبَائِعُ) أَيْ لَهُ طَلَبُ رَدِّهِ (سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَوْ) يَدِ (سَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ السَّيِّدُ إذَا أَدَّاهُ الرَّقِيقُ مِنْ مَالِهِ لِمَا ذُكِرَ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ أَمْ سَيِّدِهِ، فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ، وَالْإِتْيَانُ بِأَوْ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ. (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَبِيعُ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ) فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِثُبُوتِهِ بِرِضَا مَالِكِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ وَالضَّابِطُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ أَوْ يَتْلَفُ تَحْتَ يَدِهِ إنْ لَزِمَ بِغَيْرِ رِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَإِتْلَافٍ أَوْ تَلِفَ بِغَصْبٍ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَظْهَرِ وَإِنْ لَزِمَ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ سَوَاءٌ رَآهُ السَّيِّدُ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَتَرَكَهُ أَمْ لَا أَوْ بِإِذْنِهِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ (أَوْ) تَلِفَ (فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِعِ تَضْمِينُهُ) أَيْ السَّيِّدُ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ) أَيْضًا (بَعْدَ الْعِتْقِ) لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ وَتَلِفَ فِي يَدِ غَيْرِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا (وَاقْتِرَاضُهُ) وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مَا عَدَا النِّكَاحَ (كَشِرَائِهِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ. أَمَّا النِّكَاحُ فَلَا يَصِحُّ جَزْمًا، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مَعَ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ إذْنٍ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَظْهَرِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 515 وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، فَإِنْ أَذِنَ فِي نَوْعٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ. وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحٌ وَلَا يُؤْجِرُ نَفْسَهُ، وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي تِجَارَةٍ،   [مغني المحتاج] النِّهَايَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَيْ: لِأَنَّ عِلْمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْعَبْدَ مَأْذُونٌ لَهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ إذْنِهِ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مَعَهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ الْمَأْذُونَ حَجْرٌ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَسُكُوتُ السَّيِّدِ لَا يَكْفِي كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا. (وَإِنْ أَذِنَ لَهُ) سَيِّدُهُ (فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ زَالَ، قَالَ: وَشَرَطَ فِي التَّنْبِيهِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَالِغًا رَشِيدًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْحَاوِي فِي مَظَانِّهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ يَبْعُدُ أَنْ لَا يَصِحَّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْفَاسِقِ، وَالْمُبَذِّرُ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَزِيدُ بِالْإِذْنِ عَلَى تَصَرُّفِ الْحُرِّ (بِحَسَبِ الْإِذْنِ) ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْإِذْنِ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الرَّقِيقِ (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ (فِي نَوْعٍ) كَالثِّيَابِ أَوْ فِي وَقْتٍ كَشَهْرِ كَذَا أَوْ فِي بَلَدٍ (لَمْ يَتَجَاوَزْهُ) كَالْوَكِيلِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِإِنْ الشَّرْطِيَّةِ أَنَّ تَعْيِينَ النَّوْعِ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ وَلَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إذَا قَالَ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ اهـ. وَيَسْتَفِيدُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كُلُّ مَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ اسْمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِهَا وَتَوَابِعِهَا كَالنَّشْرِ وَالطَّيِّ وَحَمْلِ الْمَتَاعِ إلَى الْحَانُوتِ وَرَدٍّ بِعَيْبٍ وَمُخَاصَمَةٍ فِي عُهْدَةٍ، وَالْمُرَادُ الْمُخَاصَمَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْمُعَامَلَةِ. أَمَّا مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ، وَهَذَا مِثْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ تَصَرَّفَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ الْأَنْوَاعِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَقَالَ لَهُ: اتَّجِرْ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ وَبِقَدْرِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَزِيدُ. فَإِنْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ تَلِفَ الْأَلْفُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لِلْبَائِعِ لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُهُ بَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ لَمْ يُوفِهِ السَّيِّدُ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: اجْعَلْهُ رَأْسَ مَالِكَ وَتَصَرَّفْ وَاتَّجَرَ، فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْأَلْفِ، وَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ مَالٍ فَيَشْتَرِيَ بِالْإِذْنِ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ كَالْوَكِيلِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْإِذْنُ فِي الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ إلَى تَقْيِيدٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. (وَلَيْسَ لَهُ) بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ (نِكَاحٌ) لِنَفْسِهِ وَلَا لِرَقِيقِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ (وَلَا يُؤْجِرُ نَفْسَهُ) بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهِ، فَكَذَا فِي مَنْفَعَتِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ وَلَهُ أَنْ يُؤْجِرَ مَالَ التِّجَارَةِ ثِيَابَهَا وَرَقِيقَهَا وَدَوَابَّهَا (وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ) أَيْ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ (فِي تِجَارَةٍ) بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 516 وَلَا يَتَصَدَّقُ وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ. وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ.   [مغني المحتاج] لِعَدَمِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ، وَيَنْعَزِلُ الثَّانِي بِعَزْلِ السَّيِّدِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ وَإِضَافَةُ عَبْدِ التِّجَارَةِ إلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ، وَهَذَا فِي التَّصَرُّفِ الْعَامِّ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي تَصَرُّفٍ خَاصٍّ كَشِرَاءِ ثَوْبٍ جَازَ كَمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ رَأْيِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا غِنًى لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي مَنْعِهِ مِنْهُ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ (وَلَا يَتَصَدَّقُ) وَلَوْ عَبَّرَ بِيَتَبَرَّعُ كَانَ أَعَمَّ لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ وَالْعَارِيَّةَ وَغَيْرَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يَتَّخِذُ دَعْوَةً، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ: الطَّعَامُ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ، وَلَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَوْ غَابَ السَّيِّدُ فَالْوَجْهُ الْجَوَازُ لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ وُجْدَانِ حَاكِمٍ يُرَاجِعُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يُسَافِرُ بِمَالِ التِّجَارَةِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَلَا يَبِيعُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا نَسِيئَةً. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّسِيئَةِ بِلَا إذْنٍ (وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ) وَلَا رَقِيقَهُ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ تَصَرَّفَهُ لِلسَّيِّدِ، وَيَدُ رَقِيقِ السَّيِّدِ كَالسَّيِّدِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَزْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ وَلَا يَشْتَرِي مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّقِيقُ مَدْيُونًا وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمَرْهُونَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ (وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَاقِهِ) قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَجْرَ، وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي أَبَقَ إلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إنْ خَصَّ السَّيِّدُ الْإِذْنَ بِبَلَدِهِ. فَإِنْ عَادَ إلَى الطَّاعَةِ تَصَرَّفَ جَزْمًا، وَلَوْ أَذِنَ لِأَمَتِهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ تَنْعَزِلْ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ مَنَافِعِهَا (وَلَا يَصِيرُ) الرَّقِيقُ (مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ) ؛ لِأَنَّ مَا الْإِذْنُ فِيهِ شَرْطٌ لَا يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ كَبَيْعِ مَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ. (وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ) وَلَوْ لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَعَادَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ أَنْسَبُ، وَلَوْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَأَقَرَّ بِشَيْءٍ أَنَّهُ اسْتَعَارَهُ قُبِلَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَا، ذَكَرَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ. فَرْعٌ لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ لَهُ اسْتِخْدَامٌ لَا تَوْكِيلٌ، وَقَدْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّتِهِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ وَوَقْفٍ، وَفِي كِتَابَتِهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهَا حَجْرٌ وَإِجَارَتُهُ كَمَا بَحَثَهُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 517 وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ.   [مغني المحتاج] شَيْخُنَا كَذَلِكَ، وَتَحِلُّ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ كَمَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَى الْحُرِّ بِمَوْتِهِ وَتُؤَدَّى مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ (وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ) أَيْ لَمْ تَجُزْ لَهُ مُعَامَلَتُهُ حِفْظًا لِمَالِهِ (حَتَّى يَعْلَمَ الْإِذْنَ) لَهُ (بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالشُّيُوعَ لَا يُفِيدَانِ إلَّا الظَّنَّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَكَمَا يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْ السَّيِّدِ وَالشُّيُوعِ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيَكْفِي خَبَرُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ، بَلْ يَظْهَرُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ شُيُوعٍ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهُ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ مَا يُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَوْ إخْبَارُ عَدْلَيْنِ لَهُ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي. وَهَذِهِ الْأَبْحَاثُ كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ إذْنُ السَّيِّدِ (وَفِي الشُّيُوعِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ مُحَقَّقٌ وَالزَّوَالُ مَشْكُوكٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رِقَّهُ وَلَا حُرِّيَّتَهُ جَازَ لَهُ مُعَامَلَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ (وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ) أَنَا مَأْذُونٌ لِي؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، فَلَوْ عَامَلَهُ فَبَانَ مَأْذُونًا لَهُ صَحَّ كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا، وَمِثْلُهُ لَوْ عَامَلَ مَنْ أُنْكِرَتْ وَكَالَتُهُ أَوْ عُرِفَ سَفَهُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْأُولَى وَكِيلٌ وَفِي الثَّانِي رَشِيدٌ، وَلَوْ قَالَ الْمَأْذُونُ لَهُ حَجْرٌ عَلَى سَيِّدِي لَمْ تَصِحَّ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ بِزَعْمِ الْعَاقِدِ فَلَا يُعَامَلُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَتَكْذِيبُ الْآذِنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ كَمَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: لَا أَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ أَعَمُّ مِنْ الْإِذْنِ. نَعَمْ، لَوْ قَالَ: كُنْتُ أَذِنْتُ لَهُ وَأَنَا بَاقٍ عَلَيْهِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّقِيقُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ مُعَامَلَتِهِ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ السَّيِّدُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَامِلُ لَهُ سَمِعَ الْإِذْنَ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ قَالَ شَيْخُنَا: بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ ظَنَّ كَذِبَ الْعَبْدِ جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ، ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ حَسَنٌ وَلِمَنْ عَلِمَهُ مَأْذُونًا لَهُ وَعَامَلَهُ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَيْهِ الْعِوَضَ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْإِذْنِ خَوْفًا مِنْ خَطِّ إنْكَارِ السَّيِّدِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَصْوِيرُهَا بِمَا إذَا عَلِمَ الْإِذْنَ بِغَيْرِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَالْأَصْلُ دَوَامُ الْإِذْنِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ شَخْصٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومُ الرِّقِّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 518 فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا عَلَى الْعَبْدِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا، وَلَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ   [مغني المحتاج] (فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ) شَيْئًا (وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتْ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّةً رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهَا) أَيْ بَدَلِ ثَمَنِهَا فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ فَلَيْسَ بِسَهْوٍ كَمَا قِيلَ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ بِبَدَلِهِ: أَيْ الثَّمَنِ، وَهُوَ أَوْضَحُ (عَلَى الْعَبْدِ) وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْعَقْدِ فَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ كَعَامِلِ الْمُضَارَبَةِ وَالْوَكِيلِ فَإِنَّ لِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ سَوَاءٌ أَدَفَعَ لَهُمَا رَبُّ الْمَالِ الثَّمَنَ أَمْ لَا، وَإِذَا غَرِمَا رَجَعَ بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا غَرِمَ بَعْدَ عِتْقِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ مَا غَرِمَهُ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّصَرُّفِ السَّابِقِ عَلَى عِتْقِهِ وَتَقَدُّمِ السَّبَبِ كَتَقَدُّمِ الْمُسَبَّبِ، فَالْمَغْرُومُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْمَغْرُومِ قَبْلَهُ، وَهَكَذَا كَمَا لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الَّذِي أَجَّرَهُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْعِتْقِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (مُطَالَبَةُ) السَّيِّدِ بِهِ (أَيْضًا) لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُ، فَكَأَنَّهُ الْبَائِعُ وَالْقَابِضُ لِلثَّمَنِ (وَقِيلَ لَا) يُطَالِبُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ قَدْ أَعْطَاهُ اسْتِقْلَالًا وَقَصُرَ طَمَعُ الَّذِي يُعَامِلُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَذِمَّتِهِ (وَقِيلَ: إنْ كَانَ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ فَلَا) يُطَالِبُهُ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِمَا فِي يَدِهِ وَإِلَّا فَيُطَالِبُ (وَلَوْ اشْتَرَى) الْمَأْذُونُ (سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ) بِتَعْلِيلِهِ (وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَالصَّدَاقِ وَلَا بِمَهْرِ الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وَهُوَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الدُّيُونُ فَكَذَا بَدَلُهُ، وَلَا تَتَعَلَّق أَيْضًا بِسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ كَأَوْلَادِ الْمَأْذُونِ (وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ) وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِمُعَاوَضَةٍ مَقْصُودَةٍ أَذِنَ فِيهَا السَّيِّدُ فَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِالْكَسْبِ كَالنَّفَقَةِ فِي النِّكَاحِ. فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ سَطْرَانِ لِسَيِّدٍ يُطَالِبُ بِبَدَلِ الثَّمَنِ التَّالِفِ فِي يَدِ الْعَبْدِ، وَبِثَمَنِ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ الْمَوْضِعَانِ كَذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ سَبَبُ هَذَا التَّنَاقُضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا هُوَ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ. وَقَالَ فِي الْبَسِيطِ إنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَأَشَارَ فِي الْمَطْلَبِ إلَى تَضْعِيفِهَا. وَثَانِيًا: هُوَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ، وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ، فَجَمَعَ الرَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا فَلَزِمَ مِنْهُ مَا لَزِمَ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ عَلَى ذَلِكَ: أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ مُطَالَبَةِ الْقَرِيبِ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ وَالْمُوسِرِ بِنَفَقَةِ الْمُضْطَرِّ وَاللَّقِيطِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُطَالَبُ لِيُؤَدِّيَ مِمَّا فِي يَدِ الْعَبْدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِمَّا كَسَبَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَصَارَ كَالْوَارِثِ فِي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 519 بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ بِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] التَّرِكَةِ يُطَالِبُ بِالْوَفَاءِ بِقَدْرِهَا فَقَطْ، وَفَائِدَةُ مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالٌ احْتِمَالُ أَنَّهُ يُؤَدِّيه؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ عَلَقَةً فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذِمَّتَهُ، فَإِنْ أَدَّاهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْعَبْدِ وَإِلَّا فَلَا (بَلْ يُؤَدَّى مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ) أَصْلًا وَرِبْحًا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ وَالْإِذْنِ ذَلِكَ (وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ) الْحَاصِلِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ (بِالِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ) كَالِاحْتِطَابِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَلُّقِهِ بِهِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَهْرُ وَمُؤَنُ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي: لَا كَسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ بَقِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الرَّقِيقِ إلَى أَنْ يُعْتَقَ فَيُطَالَبَ بِهِ، أَمَّا كَسْبُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِانْقِطَاعِ حُكْمِ التِّجَارَةِ بِالْحَجْرِ. (وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْقَدِيمُ يَمْلِكُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ دَلَّ إضَافَةُ الْمَالِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إضَافَتَهُ فِيهِ لِلِاخْتِصَاصِ لَا لِلْمِلْكِ إذْ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَنَافَاهُ جَعْلُهُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ هُوَ مِلْكٌ ضَعِيفٌ يَمْلِكُ السَّيِّدُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِهِ جَزْمًا. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَقْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَفِي الظِّهَارِ، وَفِي تَكْفِيرِ الْعَبْدِ بِالصَّوْمِ، وَأَجْرَى فِيهِ الْخِلَافَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي. وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ فَلَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ، وَلَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً مَلَكَهَا وَلَمْ يَجُرْ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَمْلُوكٌ، وَالْوَطْءُ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَطْءُ أَمَتِهِ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لِضَعْفٍ مَلَكَهُ وَلِلْخَوْفِ مِنْ هَلَاكِ الْأَمَةِ بِالطَّلْقِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ قَبِلَ الرَّقِيقُ وَلَوْ سَفِيهًا هِبَةً أَوْ وَصِيَّةً بِلَا إذْنٍ صَحَّ، وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ اكْتِسَابٌ لَا يَعْقُبُ عِوَضًا كَالِاحْتِطَابِ وَدَخَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ قَهْرًا، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ أَصْلًا لِلسَّيِّدِ أَوْ فَرْعًا لَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَالَ الْقَبُولِ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ أَوْ صِغَرٍ لَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ، وَنَظِيرُهُ قَبُولُ الْوَلِيِّ لِمُوَلِّيهِ ذَلِكَ. . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 520 كِتَابُ السَّلَمِ هُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ السَّلَمِ] (كِتَابُ السَّلَمِ) وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ، يُقَالُ: أَسْلَمَ وَسَلَّمَ، وَأَسْلَفَ وَسَلَّفَ، وَالسَّلَمَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالسَّلَفُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، سُمِّيَ سَلَمًا لِتَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، وَسَلَفًا لِتَقْدِيمِ رَأْسِ الْمَالِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» (هُوَ بَيْعُ) شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ) ، قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ أُطْلِقَ ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ. وَلَوْ أَحَالَ بِهِ   [مغني المحتاج] الشَّارِحُ: هَذِهِ خَاصَّتُهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا: أَيْ وَأَمَّا لَفْظُ السَّلَمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِصِيغَةٍ إلَّا هَذَا وَالنِّكَاحُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْلَامُ الْكَافِرِ فِي الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ صِحَّتَهُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَمِثْلُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبَيْعِ (يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ) الْمُتَوَقِّفِ صِحَّتُهُ عَلَيْهَا غَيْرُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ سَلَمَ الْأَعْمَى يَصِحُّ كَمَا مَرَّ لِيَصِحَّ هُوَ أَيْضًا (أُمُورٌ) سِتَّةٌ: (أَحَدُهَا - تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ) وَهُوَ الثَّمَنُ (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ قَبْلَ لُزُومِهِ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ كَالتَّفَرُّقِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْخِيَارِ إذْ لَوْ تَأَخَّرَ لَكَانَ فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّ فِي السَّلَمِ غَرَرًا فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرُ تَأْخِيرِ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُلُولِ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَالصَّرْفِ وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَرْطُ تَسْلِيمِهِ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَلْزَمَاهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، أَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ بَعْضِهِ بَطَلَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ، وَفِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَصَحَّ فِي الْبَاقِي بِقِسْطِهِ قَالَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ فَيَتْلَفُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ وَإِنْ جَزَمَ السُّبْكِيُّ بِخِلَافِهِ. وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ: أَقَبَضْتُكَ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ: قَبْلَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ مُوَافَقَتِهَا الظَّاهِرَ نَاقِلَةٌ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ وَلَا يَكْفِي قَبْضُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الْحَالِّ فِي الْمَجْلِسِ عَنْ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ فِيهِ تَبَرُّعٌ، وَأَحْكَامُ الْبَيْعِ لَا تُبْنَى عَلَى التَّبَرُّعَاتِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك الْمِائَةَ الَّتِي فِي ذِمَّتُك مَثَلًا فِي كَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (فَلَوْ أَطْلَقَ) كَأَسْلَمْتُ إلَيْكَ دِينَارًا فِي ذِمَّتِي فِي كَذَا (ثُمَّ عَيَّنَ) الدِّينَارَ (وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ) قَبْلَ التَّخَايُرِ (جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ حَرِيمُ الْعَقْدِ فَلَهُ حُكْمُهُ، فَإِنْ تَفَرَّقَا أَوْ تَخَايَرَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ. (وَلَوْ أَحَالَ) الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (بِهِ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا. وَلَوْ قَبَضَهُ وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ جَازَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنْفَعَةً،   [مغني المحتاج] رَأْسِ الْمَالِ (وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ) وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (فِي الْمَجْلِسِ فَلَا) يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَذِنَ فِي قَبْضِهِ الْمُحِيلُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ بِالْحَوَالَةِ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُؤَدِّيهِ عَنْ جِهَةِ نَفْسِهِ لَا عَنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِ، نَعَمْ إنْ قَبَضَهُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ قَبْضِهِ بِإِذْنِهِ وَسُلِّمَ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَإِنْ أَمَرَهُ الْمُسْلِمُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَفَعَلَ لَمْ يَكْفِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، لَكِنْ يَصِيرُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَكِيلًا لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ السَّلَمُ يَقْتَضِي قَبْضًا آخَرَ، وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ جَرَتْ الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ وَإِنْ جَعَلْنَا الْحَوَالَةَ قَبْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ، وَلِهَذَا لَا يَكْفِي عَنْهُ الْإِبْرَاءُ، نَعَمْ إنْ أَمَرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْمُسْلِمَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُحْتَالِ فَفَعَلَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْقَبْضُ وَكَانَ الْمُحْتَالُ وَكِيلًا فِيهِ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ فِي إحَالَةِ الْمُسْلِمِ، وَالْفَرْقُ مَا وَجَّهُوا بِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ يُقْبَضُ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ السَّلَمِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالْحَوَالَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ فَاسِدَةٌ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَنْ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ السَّلَمِ بِغَيْرِ قَبْضٍ حَقِيقِيٍّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ غَايَةً، فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَأَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ قَبَضَ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ صَالَحَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ. وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ رَقِيقًا فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، ثُمَّ إنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ الْقَبْضِ بَانَ صِحَّةُ الْعَقْدِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَنَفَذَ الْعِتْقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ صَحَّحَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِهَا، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ يَعْتِقُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ الصِّحَّةُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ قَبَضَهُ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ (وَأُودَعَهُ الْمُسْلِمُ) قَبْلَ التَّفَرُّقِ (جَازَ) ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تَسْتَدْعِي لُزُومَ الْمِلْكِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ رَدَّهُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا وَصَحَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَا كَالْبَغَوِيِّ خِلَافًا لِمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ هُنَا وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْآخَرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَقْتَضِي إسْقَاطَ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْخِيَارِ، أَمَّا مَعَهُ فَيَصِحُّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُمَا (وَيَجُوزُ كَوْنُهُ) أَيْ رَأْسِ الْمَالِ (مَنْفَعَةً) مَعْلُومَةً كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهَا ثَمَنًا أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ، وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ. الثَّانِي كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ   [مغني المحتاج] أُجْرَةً وَصَدَاقًا (وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ اكْتَفَى بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِي قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ جُعِلَ رَأْسُ الْمَالِ عَقَارًا غَائِبًا وَمَضَى فِي الْمَجْلِسِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَالتَّخْلِيَةُ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مُتَعَلِّقَةً بِبَدَنِهِ كَتَعْلِيمِ سُورَةٍ وَخِدْمَةِ شَهْرٍ صَحَّ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَبَحَثَهُ، لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ. ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا اسْتَثْنَاهُ مَرْدُودٌ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. (وَإِذَا فُسِخَ السَّلَمُ) بِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِهِ (وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ) لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ ثَالِثٍ (اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ) وَلَيْسَ لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ إبْدَالُهُ، سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الذِّمَّةِ ثُمَّ عُيِّنَ فِي الْمَجْلِسِ (وَقِيلَ: لَلْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهِ إنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ عَيْنَهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ بِمَثَابَةِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ. أَمَّا إذَا كَانَ تَالِفًا فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ بَدَلَهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ حُمِلَ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ بَيَّنَ النَّقْدَ الْمُرَادَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ أَسْلَمَ عَرْضًا فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ ذِكْرُ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ (وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ) الْمِثْلِيِّ (تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ) كَالثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ اتَّفَقَ فُسِخَ وَتَنَازَعَا فِي الْقَدْرِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَالثَّانِي: لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ بِالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَالذَّرْعُ فِي الْمَذْرُوعِ مَرْجُوحٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَنْفَسِخُ السَّلَمُ فَلَا يَدْرِي بِمَ يَرْجِعُ، وَاعْتُرِضَ بِإِتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ. أَمَّا رَأْسُ الْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ عَنْ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهِ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَمِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ. (الثَّانِي) مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوطَةِ (كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ دَيْنًا) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ السَّلَمِ مَوْضُوعٌ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ الدَّيْنِيَّةِ دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ السَّلَمِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلُهَا شَرْطًا؟ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَشْرُوطِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُرِيدُونَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَيَتَنَاوَلُ حِينَئِذٍ جُزْءَ الشَّيْءِ (فَلَوْ قَالَ أَسْلَمْت إلَيْك هَذَا الثَّوْبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 فِي هَذَا الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا وَقِيلَ سَلَمًا. الثَّالِثُ: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ، أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] فِي هَذَا الْعَبْدِ) فَقَبِلَ (فَلَيْسَ بِسَلَمٍ) قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الدَّيْنِيَّةِ (وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعًا فِي الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ، فَإِنَّ اسْمَ السَّلَمِ يَقْتَضِي الدَّيْنِيَّةَ، وَالدَّيْنِيَّةُ مَعَ التَّعْيِينِ يَتَنَاقَضَانِ، وَالثَّانِي: يَنْعَقِدُ بَيْعًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى (وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَقَالَ: بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا) اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الشَّرْحَيْنِ هُنَا بِتَرْجِيحٍ (وَقِيلَ سَلَمًا) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى، وَاللَّفْظُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَلَمٍ بَيْعٌ كَمَا أَنَّ كُلَّ صَرْفٍ بَيْعٌ، فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ عَلَى السَّلَمِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ، وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ وَجْهٌ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ لَفْظُ السَّلَمِ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَيْته سَلَمًا فَسَلَمٌ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا. (الثَّالِثُ) ، مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْرُوطَةِ: مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بِمَوْضِعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ يَصْلُحُ وَلِحَمْلِهِ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مُؤْنَةٌ اُشْتُرِطَ بَيَانُ مَحَلِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ: أَيْ: مَكَانِ (التَّسْلِيمِ) لَلْمُسْلَمِ فِيهِ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِيمَا يُرَادُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ فِي ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ صَلَحَ التَّسْلِيمُ وَلَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَلَا) يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ لِلْعُرْفِ، وَيَكْفِي فِي تَعْيِينِهِ أَنْ يَقُولَ: تُسَلِّمْ لِي فِي بَلْدَةِ كَذَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، وَيَكْفِي إحْضَارُهُ فِي أَوَّلِهَا، وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ إلَى مَنْزِلِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَيُّ الْبِلَادِ شِئْتَ فَسَدَ أَوْ فِي أَيِّ مَكَان شِئْتَ مِنْ بَلَدِ كَذَا، فَإِنْ اتَّسَعَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ، أَوْ بِبَلَدِ كَذَا وَبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَفْسُدُ أَوْ يَصِحُّ، وَيُنَزَّلُ عَلَى تَسْلِيمِ النِّصْفِ بِكُلِّ بَلَدٍ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الشَّاشِيُّ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَسْلِيمِهِ فِي بَلَدِ كَذَا وَتَسْلِيمِهِ فِي شَهْرِ كَذَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ اخْتِلَافُ الْغَرَضِ فِي الزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ سِتَّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ، فَلْيَنْظُرْهَا فِي شَرْحِهِ مَنْ أَرَادَ، وَمَتَى شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَتَرَكَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وَيَصِحُّ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا فَإِنْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ حَالًّا، وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ. وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ.   [مغني المحتاج] بَطَلَ، وَحَيْثُ لَمْ نَشْرِطْهُ فَذِكْرُهُ تَعَيَّنَ، فَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَخَرِبَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَخَرَجَ عَنْ صَلَاحِيَةِ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ أَقْرَبُ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لَهُ إلَيْهِ عَلَى الْأَقْيَسِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ. أَمَّا الْحَالُّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلتَّسْلِيمِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ اُشْتُرِطَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ عَيَّنَا غَيْرَهُ تَعَيَّنَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ فَقَبِلَ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَالْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ لَا نَفْسُ مَوْضِعِ الْعَقْدِ، وَالثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ كَالْبَيْعِ الْمُعَيَّنِ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: كُلُّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٍ فِي الذِّمَّةِ: أَيْ غَيْرُ مُؤَجَّلٍ مِنْ نَحْوِ أُجْرَةٍ وَصَدَاقٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ لَهُ حُكْمُ السَّلَمِ الْحَالِّ، إنْ عُيِّنَ لِتَسْلِيمِهِ مَكَانٌ تَعَيَّنَ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِوَضٍ مُلْتَزَمٌ فِي الذِّمَّةِ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَقْبَلُ شَرْطًا يَتَضَمَّنُ تَأْخِيرَ التَّسْلِيمِ كَمَا مَرَّ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (حَالًّا وَمُؤَجَّلًا) بِأَنْ يُصَرِّحَ بِهِمَا. أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَبِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْحَالُّ فَبِالْأَوْلَى لِبُعْدِهِ عَنْ الْغَرَرِ، فَإِنْ قِيلَ: الْكِتَابَةُ لَا تَصِحُّ بِالْحَالِّ وَتَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا إنَّمَا وَجَبَ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الرَّقِيقِ، وَالْحُلُولُ يُنَافِي ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ، لَا الْأَجَلُ كَمَا فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ بِدَلِيلِ الْجَوَازِ بِالذَّرْعِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَالًّا إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَإِلَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَجَلُ غَيْرُهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ الْعُدُولِ مِنْ الْبَيْعِ إلَى السَّلَمِ الْحَالِّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ جَوَازُ الْعَقْدِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ قَدْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا مَرْئِيًّا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لِإِحْضَارِهِ رُبَّمَا فَاتَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ إذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ، (فَإِنْ أَطْلَقَ) عَنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا (انْعَقَدَ حَالًّا) كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالْأُجْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا لَمْ يَصِحَّ (وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ فِي السَّلَمِ التَّأْجِيلُ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ ذَكَرَ أَجَلًا مَجْهُولًا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَلْحَقَا بِهِ أَجَلًا فِي الْمَجْلِسِ لَحِقَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَجُوزُ تَعْيِينُ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ، وَلَوْ صَرَّحَا بِالْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ أَسْقَطَاهُ فِي الْمَجْلِسِ سَقَطَ وَصَارَ الْعَقْدُ حَالًّا، وَلَوْ حَذَفَا فِيهِ الْمُفْسِدَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ صَحِيحًا. (وَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُؤَجَّلِ (الْعِلْمُ بِالْأَجَلِ) بِأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مَضْبُوطًا فَلَا يَجُوزُ بِمَا يَخْتَلِفُ كَالْحَصَادِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَالْمَيْسَرَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 فَإِنْ عَيَّنَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ. وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ، فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ حَسِبَ الْبَاقِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ،   [مغني المحتاج] التَّأْقِيتُ بِالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَالْعَطَاءِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعَاقِدَانِ وَقْتَهَا الْمُعَيَّنَ فَيَصِحُّ. (فَإِنْ عَيَّنَ) الْعَاقِدَانِ (شُهُورَ الْعَرَبِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ الرُّومِ جَازَ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ وَيَصِحُّ التَّأْقِيتُ بِالنَّيْرُوزِ وَهُوَ نُزُولُ الشَّمْسِ بُرْجَ الْمِيزَانِ، وَبِالْمِهْرَجَانِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقْتُ نُزُولِهَا بُرْجَ الْحَمَلِ، وَبِعِيدِ الْكُفَّارِ كَفَصْحِ النَّصَارَى وَفَطِيرِ الْيَهُودِ إنْ عَرَفَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَلَوْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ أَوْ الْمُتَعَاقِدَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَصَّ الْكُفَّارُ بِمَعْرِفَتِهَا إذْ لَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُمْ. نَعَمْ إنْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَازَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اكْتَفَى هُنَا بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ الْأَجَلَ أَوْ مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ فِي صِفَاتِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي؟ . أُجِيبَ: الْجَهَالَةُ هُنَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأَجَلِ وَهُنَاكَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَجَازَ أَنْ يُحْتَمَلَ هُنَا مَا لَا يُحْتَمَلُ هُنَاكَ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الشَّهْرَ (حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عُرْفُ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ أَوَّلَ الشَّهْرِ (فَإِنْ انْكَسَرَ شَهْرٌ) بِأَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي أَثْنَائِهِ، وَالتَّأْجِيلُ بِأَشْهُرٍ (حُسِبَ الْبَاقِي) بَعْدَ الْأَوَّلِ الْمُنْكَسِرِ (بِالْأَهِلَّةِ وَتُمِّمَ الْأَوَّلُ ثَلَاثِينَ) مِمَّا بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْهِلَالِيُّ فِي الْمُنْكَسِرِ رَجَعْنَا إلَى الْعَدَدِ وَلَا يَكْفِي الْمُنْكَسِرُ لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ ابْتِدَاءُ الْأَجَلِ عَنْ الْعَقْدِ. نَعَمْ لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ اكْتَفَى بِالْأَشْهُرِ بَعْدَهُ بِالْأَهِلَّةِ تَامَّةً كَانَتْ أَوْ نَاقِصَةً وَلَا يُكْمَلُ الْيَوْمُ مِمَّا بَعْدَهَا إنْ نَقَصَ آخِرُهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهَا مَضَتْ عَرَبِيَّةً كَوَامِلَ، وَالسَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا عُرْفُ الشَّرْعِ. قَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فَإِنْ عُقِدَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَفِي مَعْنَاهُ لَيْلَتُهُ، فَكُلُّ السَّنَةِ هِلَالِيَّةٌ إنْ نَقَصَ الشَّهْرُ الْأَخِيرُ، وَإِنْ كَمُلَ انْكَسَرَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ الَّذِي عَقَدَا فِيهِ، فَيُكْمَلُ مِنْهُ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْهِلَالِ فِيهِ دُونَ الْبَقِيَّةِ وَإِنْ عَقَدَا بَعْدَ لَحْظَةٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَأَجَّلَا بِسَنَةٍ مَثَلًا فَهُوَ مُنْكَسِرٌ وَحْدَهُ، فَيُكْمَلُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ أَجَّلَا بِسَنَةٍ شَمْسِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ إلَّا جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمٍ أَوَّلُهَا الْحَمَلُ، وَرُبَّمَا جُعِلَ النَّيْرُوزُ. أَوْ رُومِيَّةٍ، وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبْعُ يَوْمٍ. أَوْ فَارِسِيَّةٍ: وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَيُزَادُ فِي الْآخَرِ خَمْسَةٌ صَحَّ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مَضْبُوطَةٌ، وَلَوْ قَالَا إلَى يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا حَلَّ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَا فِي يَوْمِ كَذَا أَوْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَنَةِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ قَالَا إلَى أَوَّلِ شَهْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَأْجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ. فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ إنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْعِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] كَذَا أَوْ آخِرِهِ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَأْجِيلِهِ بِالْعِيدِ وَجُمَادَى) وَرَبِيعٍ وَنَفْرِ الْحَجِّ (وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ) مِنْ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِهِ، وَالثَّانِي لَا، بَلْ يَفْسُدُ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ عِيدِ الْفِطْرِ إلَى الْعِيدِ حُمِلَ عَلَى الْأَضْحَى لِأَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْعَقْدَ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ] ِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الشَّرْطُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ الْفُرُوعَ الْآتِيَةَ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ مَحَلِّ الْقُدْرَةِ، وَهُوَ حَالَةُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ، وَهِيَ تَارَةً تَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ لِكَوْنِ السَّلَمِ حَالًّا، وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مُؤَجَّلًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ اقْتِرَانُ الْقُدْرَةِ فِيهِ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا، فَإِذَا أَسْلَمَ فِي مُنْقَطِعٍ عِنْدَ الْحُلُولِ كَالرُّطَبِ فِي الشِّتَاءِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ ظُنَّ تَحْصِيلُهُ بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ كَقَدْرٍ كَثِيرٍ مِنْ الْبَاكُورَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ الْفَاكِهَةِ (فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ صَحَّ) السَّلَمُ فِيهِ (إنْ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ) غَالِبًا مِنْهُ (لِلْبَيْعِ) وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعْتَدْ نَقْلُهُ لِنَحْوِ الْبَيْعِ مِنْهُ غَالِبًا بِأَنْ نُقِلَ لَهُ نَادِرًا أَوْ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهُ لِغَيْرِ الْمُعَامَلَةِ كَالْهَدِيَّةِ (فَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ إذَا انْقَطَعَ إنْ وُجِدَ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا قُرْبَ الْمَسَافَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ هُنَا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، فَحَيْثُ اُعْتِيدَ نَقْلُهُ غَالِبًا لِلْمُعَامَلَةِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ صَحَّ، وَإِنْ تَبَاعَدَا بِخِلَافِهَا فِيمَا يَأْتِي فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُ، فَاعْتُبِرَ قُرْبُ الْمَسَافَةِ لِخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ، وَاعْتِبَارُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَحَلِّ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. (وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ) وُجُودُهُ (فَانْقَطَعَ فِي مَحِلِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ: أَيْ وَقْتِ حُلُولِهِ (لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَأَشْبَهَ إفْلَاسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَالثَّانِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 فَيُتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ، وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ. وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَكَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، وَيَصِحُّ الْمَكِيلُ وَزْنًا وَعَكْسُهُ.   [مغني المحتاج] يَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِانْقِطَاعِهِ أَنْ لَا يُوجَدَ أَصْلًا أَوْ يُوجَدَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ نُقِلَ لَفَسَدَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا عِنْدَ قَوْمٍ لَا يَبِيعُونَهُ أَوْ يَبِيعُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَا سِعْرُهُ فَإِنَّهُ يُحَصِّلهُ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: وَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ، وَإِنْ غَلَا سِعْرُهُ، لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْمَوْجُودَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ كَالْمَعْدُومِ كَمَا فِي الرَّقَبَةِ وَمَاءِ الطَّهَارَةِ وَأَيْضًا الْغَاصِبُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْغَصْبِ، وَهَذَا بِمَا لَا يُجْدِي، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَصَّرَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي الدَّفْعِ حَتَّى انْقَطَعَ أَوْ حَلَّ الْأَجَلُ بِمَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَوْ تَأَخُّرِ التَّسْلِيمِ لِغَيْبَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَيَتَخَيَّرُ الْمُسْلِمُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يُوجَدَ) فَيُطَالَبُ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِ الْخِيَارَ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ أَجَازَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ مُكِّنَ مِنْهُ وَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْفَسْخِ لَمْ يَسْقُطْ. (وَلَوْ عَلِمَ قَبْلَ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (انْقِطَاعَهُ عِنْدَهُ فَلَا خِيَارَ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ. وَالثَّانِي نَعَمْ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فِي الْحَالِ. تَنْبِيهٌ: قَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ عَلَى الْخِيَارِ وَهُوَ جَارٍ فِي الِانْفِسَاخِ أَيْضًا، فَلَوْ قَالَ كَالرَّوْضَةِ لَمْ يُتَنَجَّزْ حُكْمُ الِانْقِطَاعِ فِي الْأَصَحِّ لَكَانَ أَحْسَنَ. (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ (مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَيْلًا) فِيمَا يُكَالُ (أَوْ وَزْنًا) فِيمَا يُوزَنُ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْبَابِ (أَوْ عَدًّا) فِيمَا يُعَدُّ (أَوْ ذَرْعًا) فِيمَا يُذْرَعُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُمَا. فَإِنْ قِيلَ لِمَ خَصَّ فِي الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِغَلَبَتِهِمَا وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَيْرِهِمَا (وَيَصِحُّ الْمَكِيلُ) أَيْ سَلَمُهُ (وَزْنًا وَعَكْسُهُ) أَيْ الْمَوْزُونِ الَّذِي يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَيْلًا، وَحَمَلَ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ جَوَازَ كَيْلِ الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّ لِلْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهُ مَالِيَّةً كَثِيرَةً، وَالْكَيْلُ لَا يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ، نَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّآلِئِ الصِّغَارِ إذَا عَمَّ وُجُودُهَا كَيْلًا وَوَزْنًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقِثَّاءِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ. وَيَصِحُّ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ،   [مغني المحتاج] مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ، فَكَأَنَّهُ اخْتَارَ هُنَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَالِفًا لَهُ؛ لِأَنَّ فُتَاتَ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِيهِ ضَابِطًا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ بِالثِّقَلِ عَلَى الْمَحَلِّ وَتَرَاكُمِهِ وَفِي اللُّؤْلُؤِ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَفَاوُتٌ كَالْفُولِ وَالْقَمْحِ فَيَصِحُّ فِيهِ بِالْكَيْلِ فَلَا مُخَالَفَةَ، فَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُ الْإِمَامِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَاسْتَثْنَى الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا، فَلَا يُسْلَمُ فِيهِمَا إلَّا بِالْوَزْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ خَطَرٌ فِي التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَتَعَيَّنُ هُنَا فِي الْمَكِيلِ الْكَيْلُ وَفِي الْمَوْزُونِ الْوَزْنُ كَمَا فِي بَابِ الرِّبَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ، وَثَمَّ الْمُمَاثَلَةُ بِعَادَةِ عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَلَوْ أَسْلَمَ فِي مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً) مَثَلًا (عَلَى أَنَّ وَزْنَهَا كَذَا) أَوْ فِي ثَوْبٍ مَثَلًا صِفَتُهُ كَذَا، وَوَزْنُهُ كَذَا، وَذَرْعُهُ كَذَا (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَعِزُّ وُجُودُهُ بِخِلَافِ الْخَشَبِ؛ لِأَنَّ زَائِدَهُ يُنْحَتُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَقَرَّاهُ. فَإِنْ قِيلَ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَالثَّخَانَةِ، وَبِالنَّحْتِ تَزُولُ إحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ وَزْنَهُ عَلَى التَّقْرِيبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي اللَّبَنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: مِائَةُ صَاعٍ كَيْلًا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّاعَ اسْمٌ لِلْوَزْنِ (وَيُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْبِطِّيخِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (وَالْبَاذِنْجَانِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا (وَالْقِثَّاءِ) بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ (وَالسَّفَرْجَلِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَالرُّمَّانِ) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَضْبِطُهُ الْكَيْلُ لِتَجَافِيهِ فِي الْمِكْيَالِ كَالرَّانِجِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَالْبُقُولِ، وَلَا يَكْفِي فِيهَا الْعَدُّ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فِيهَا، وَالْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْوَزْنِ وَالْعَدِّ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ذِكْرِ الْجُرْمِ فَيُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ، وَقَوْلُ السُّبْكِيّ: وَلَوْ أَسْلَمَ فِي عَدَدٍ مِنْ الْبِطِّيخِ مَثَلًا كَمِائَةٍ بِالْوَزْنِ فِي الْجَمِيعِ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ اتِّفَاقًا مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَ شَيْخِي لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ حَجْمِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَيُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبِطِّيخَةِ الْوَاحِدَةِ وَالسَّفَرْجَلَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ حَجْمِهَا وَوَزْنِهَا، وَذَلِكَ يُورِثُ عِزَّةَ الْوُجُودِ. (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْوَزْنِ) لَا بِالْعَدِّ (فِي نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ) بِغِلَظِ قُشُورِهَا وَرِقَّتِهَا بِخِلَافِ مَا لَا يَقِلُّ اخْتِلَافُهُ بِذَلِكَ، فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ اسْتَدْرَكَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 وَكَذَا كَيْلًا فِي الْأَصَحِّ. وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ، وَلَوْ عَيَّنَ مِكْيَالًا فَسَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْإِمَامُ عَلَى إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَوَازَ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُحَرَّرُ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ. لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهُ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ مَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالصَّوَابُ التَّمَسُّكُ بِمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّسَعٌ لَا مُخْتَصَرٌ اهـ. وَهَذَا الْمُعْتَمَدُ، وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ الرِّبَا جَوَازَ بَيْعِ الْجَوْزِ بِالْجَوْزِ وَزْنًا، وَاللَّوْزِ بِاللَّوْزِ كَيْلًا مَعَ قِشْرِهِمَا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا فِيهِ هَذَا الشَّرْطَ مَعَ أَنَّ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ السَّلَمِ. (وَكَذَا) يَصِحُّ السَّلَمُ فِيمَا ذُكِرَ (كَيْلًا فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى الْحُبُوبِ وَالتَّمْرِ. وَالثَّانِي: لَا، لِتَجَافِيهِمَا فِي الْمِكْيَالِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ. أَمَّا هُوَ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَزْنُ جَزْمًا وَلَا يَصِحُّ بِالْعَدِّ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَظْهَرِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ لَا وَجْهَانِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَجُوزُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِي الْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ قَالَ: وَلَا أَظُنُّ فِيهِمَا خِلَافًا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مُوهِمَةٌ لِلْخِلَافِ فِيهِمَا اهـ. وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ فَقَطْ. نَعَمْ لَوْ أَسْلَمَ فِي اللَّوْزِ الْأَخْضَرِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْقِشْرَةِ السُّفْلَى جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالْخِيَارِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ يُخْرِجُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا قِشْرَ لَهُ أَسْفَلَ، وَيَجُوزُ فِي الْمِشْمِشِ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ نَوَاهُ كِبَرًا وَصِغَرًا. . (وَيُجْمَعُ فِي اللَّبِنِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ (بَيْنَ الْعَدِّ وَالْوَزْنِ) نَدْبًا فَيَقُولُ مَثَلًا: عَشْرُ لَبِنَاتٍ زِنَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ كَذَا لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عَنْ اخْتِيَارٍ فَلَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ الْعَدُّ وَالْأَمْرُ فِي وَزْنِهِ عَلَى التَّقْرِيبِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالثَّخَانَةَ لِكُلِّ لَبِنَةٍ وَأَنَّهُ مِنْ طِينٍ مَعْرُوفٍ، (وَلَوْ عَيَّنَ مِكْيَالًا فَسَدَ) السَّلَمُ وَلَوْ كَانَ حَالًّا (إنْ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الْكَيْلُ (مُعْتَادًا) كَكُوزٍ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ مَا يَسَعُ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْلَ قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ، فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْئِهِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْغَرَرِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْكَيْلُ مُعْتَادًا بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ مَا يَسَعُ (فَلَا) يَفْسُدُ السَّلَمُ (فِي الْأَصَحِّ) وَيَلْغُو تَعْيِينُهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا، وَيَقُومُ مِثْلُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ، فَلَوْ شَرَطَا أَنْ لَا يُبَدَّلَ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَتَعَيَّنَ الْمِيزَانُ وَالذِّرَاعُ وَالصَّنْجَةُ فِي مَعْنَى تَعْيِينِ الْمِكْيَالِ، فَلَوْ شَرَطَ الذَّرْعَ بِذِرَاعِ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالثَّانِي يَفْسُدُ لِتَعَرُّضِ الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ لِلتَّلَفِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَكَايِيلُ وَالْمَوَازِينُ وَالذُّرْعَانُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ نَوْعٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ نَوْعٌ فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي أَوْصَافِ الْمُسْلَمِ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ عَظِيمَةٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَمَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا، وَذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ   [مغني المحتاج] فَرْعٌ لَوْ قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي صَاعِ بُرٍّ مِثْلِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ الْبُرِّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ قَدْ يَتْلَفُ كَمَا فِي مَسْأَلَةَ الْكُوزِ، وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إلَيْكَ فِي ثَوْبٍ مِثْلِ ثَوْبٍ قَدْ وُصِفَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْسَيَا وَصْفَهُ صَحَّ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْمُعَيَّنِ لَمْ تَعْتَمِدْ الصِّفَةَ (وَلَوْ أَسْلَمَ فِي ثَمَرِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ ضَيْعَةٍ: أَيْ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ بِجَائِحَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ غَرَرٌ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ السَّلَمِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَوْ ثَمَرِ نَاحِيَةٍ (أَوْ) قَرْيَةٍ (عَظِيمَةٍ) أَيْ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ (صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ غَالِبًا، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَوْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَتَعْيِينِ الْمِكْيَالِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا يُؤْمَنُ فِيهَا الِانْقِطَاعُ وَالصَّغِيرَةُ بِخِلَافِهِ، فَالْعِبْرَةُ بِكَثْرَةِ الثِّمَارِ وَقِلَّتِهَا، وَالثَّمَرَةُ مِثَالٌ فَغَيْرُهَا مِثْلُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْطِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، لِأَنَّهُ يُوجِبُ عُسْرًا إلَّا فِي شَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. (وَ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ (مَعْرِفَةُ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا) وَيَنْضَبِطُ بِهَا الْمُسْلَمُ فِيهِ، وَلَيْسَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا لِتَقْرِيبِهِ مِنْ الْمُعَايَنَةِ؛ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِسَبَبِهَا، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ شَرْطَ كَوْنِهِ مَوْصُوفًا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ، ثُمَّ الْعِلْمَ بِهَا فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَحْتَمِلُ جَهْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ عَيْنٌ؛ فَلَأَنْ لَا يَحْتَمِلَ وَهُوَ دَيْنٌ أَوْلَى، وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا يُتَسَامَحُ بِإِهْمَالِ ذِكْرِهِ كَالْكُحْلِ وَالسِّمَنِ فِي الرَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي. وَبِالثَّانِي مَا لَا يَنْضَبِطُ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا، وَبِالثَّالِثِ كَوْنُ الرَّقِيقِ قَوِيًّا عَلَى الْعَمَلِ أَوْ ضَعِيفًا أَوْ كَاتِبًا أَوْ أُمِّيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَ) يُشْتَرَطُ (ذِكْرُهَا فِي الْعَقْدِ) مُقْتَرِنَةً بِهِ لِيَتَمَيَّزَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي ذِكْرُهَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ. نَعَمْ إنْ تَوَافَقَا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَقَالَا: أَرَدْنَا فِي حَالَةِ الْعَقْدِ مَا كُنَّا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ. فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الْأَرْكَانِ كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ وَتِرْيَاقٍ مَخْلُوطٍ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ كَعَتَّابِيٍّ وَخَزٍّ وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ   [مغني المحتاج] لِآخَرَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ) ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ غَرَرٌ كَمَا مَرَّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِيمَا يُوثَقُ بِتَسْلِيمِهِ، وَالْعِزَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْقِلَّةِ، يُقَالُ شَيْءٌ عَزِيزٌ: أَيْ قَلِيلٌ. (فَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كَالْمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الْأَرْكَانِ) الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ (كَهَرِيسَةٍ وَمَعْجُونٍ وَغَالِيَةٍ وَخُفٍّ) وَنَعْلٍ (وَتِرْيَاقٍ مَخْلُوطٍ) لِعَدَمِ انْضِبَاطِ أَجْزَائِهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِيَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَعُودٍ وَكَافُورٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَفِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ دُهْنٍ وَمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ، وَمِثْلُ الْغَالِيَةِ النَّدُّ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ: مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَعُودٌ خُلِطَ بِغَيْرِ دُهْنٍ، وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ظِهَارَةٍ وَبِطَانَةٍ وَحَشْوٍ، وَالْعِبَارَةُ لَا تَفِي بِذِكْرِ أَقْدَارِهَا وَأَوْضَاعِهَا. أَمَّا الْخِفَافُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَمِثْلُهَا النِّعَالُ فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا إنْ كَانَتْ جَدِيدَةً وَاُتُّخِذَتْ مِنْ غَيْرِ جِلْدٍ كَالثِّيَابِ الْمَخِيطَةِ وَالْأَمْتِعَةِ، وَاحْتُرِزَ بِالتِّرْيَاقِ الْمُخْتَلِطِ عَمَّا هُوَ نَبَاتٌ وَاحِدٌ أَوْ حَجَرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَهُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ أَوْ دَالٍ مُهْمَلَةٍ أَوْ طَاءٍ كَذَلِكَ مَكْسُورَاتٍ وَمَضْمُومَاتٍ، فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: دِرَاقٌ وَطِرَاقٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِسِيُّ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ قَوْسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَقْوَاسٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ خَشَبٍ وَعَظْمٍ وَعَصَبٍ، وَالنَّبْلُ الْمَرِيشُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ بِوَزْنِ كَرِيمٍ لِاخْتِلَافِ وَسَطِهِ وَطَرَفَيْهِ دِقَّةً وَغِلْظَةً وَتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ. أَمَّا النَّبْلُ قَبْلَ خَرْطِهِ وَعَمَلِ الرِّيشِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهِ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْحِنْطَةِ الْمُخْتَلِطَةِ بِالشَّعِيرِ وَلَا فِي الْأَدْهَانِ الْمُطَيَّبَةِ بِطِيبٍ مِنْ نَحْوِ بَنَفْسَجٍ وَبَانٍ وَوَرْدٍ بِأَنْ خَالَطَهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا رُوِّحَ سِمْسِمُهَا بِالطِّيبِ الْمَذْكُورِ وَاعْتُصِرَ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ (، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ فِي الْمُخْتَلِطِ الْمُنْضَبِطِ) الْأَجْزَاءِ (كَعَتَّابِيٍّ) وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ قُطْنٍ وَحَرِيرٍ (وَخَزٍّ) وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ إبْرَيْسَمٍ وَوَبَرٍ أَوْ صُوفٍ لِسُهُولَةِ ضَبْطِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ. تَنْبِيهٌ: مَا الْمُرَادُ بِالِانْضِبَاطِ؟ ؟ قِيلَ: أَنْ يَعْرِفَ الْعَاقِدَانِ أَنَّ اللُّحْمَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالسَّدَى مِنْ الْآخَرِ وَقِيلَ مَعْرِفَةُ الْوَزْنِ، رَجَّحَ الْأَوَّلَ السُّبْكِيُّ، وَالثَّانِي الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْقِيَمَ وَالْأَغْرَاضَ تَتَفَاوَتُ بِذَلِكَ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا، وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَةِ اخْتِلَاطِهَا وَأَقْدَارِهَا (وَجُبْنٍ وَأَقِطٍ) كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ مَعَ اللَّبَنِ، الْمَقْصُودُ الْمِلْحُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 وَشَهْدٍ وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، لَا الْخُبْزِ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.   [مغني المحتاج] وَالْإِنْفَحَةُ مِنْ مَصَالِحِهِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، كَرِشُ الْخَرُوفِ وَالْجَدْيِ مَا لَمْ يَأْكُلْ غَيْرَ اللَّبَنِ، فَإِنْ أَكَلَ فَكَرِشٌ، وَجَمْعُهَا أَنَافِحُ، وَيَجُوزُ فِي بَاءِ الْجُبْنِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ مَعَ تَخْفِيفِ النُّونِ وَتَشْدِيدِهَا وَالْجِيمُ مَضْمُومَةٌ فِي الْجَمِيعِ، وَأَشْهَرُ هَذِهِ اللُّغَاتِ إسْكَانُ الْبَاءِ وَتَخْفِيفُ النُّونِ (وَشَهْدٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّهَا مُرَكَّبٌ مِنْ عَسَلِ النَّحْلِ وَشَمْعِهِ خِلْقَةً، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالتَّمْرِ وَفِيهِ النَّوَى (وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ) هُوَ يَحْصُلُ مِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ قِوَامُهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي السَّبْعَةِ يَنْفِي الِانْضِبَاطَ فِيهَا قَائِلًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَرِيرِ وَالْمِلْحِ وَالشَّمْعِ وَالْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَالسَّمَكُ الْمُمَلَّحُ كَالْجُبْنِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ الْمَقْصُودُ الْأَرْكَانِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مِنْ أَمْثِلَةِ النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُخْتَلِطَاتِ، وَهُوَ أَنْ يُقْصَدَ أَحَدُ الْخَلِيطَيْنِ وَالْآخَرُ لِلْإِصْلَاحِ كَمَا هُوَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ وَكَذَا الْجُبْنُ فَقَطَعَهُمَا عَمَّا قَبْلَهُمَا، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا تَكُونَ مَجْرُورَةً بِالْكَافِ عَطْفًا عَلَى الْعَتَّابِيِّ بَلْ مَجْرُورَةً بِفِي عَطْفًا عَلَى الْمُخْتَلِطِ، وَإِدْخَالُهُ الشَّهْدَ فِي هَذَا النَّوْعِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَيْسَ مِنْهُ بَلْ هُوَ نَوْعٌ رَابِعٌ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُخْتَلِطُ خِلْقَةً، فَلَوْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ وَالزُّبْدِ. وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ حَيَوَانِهِ وَنَوْعِهِ وَمَأْكُولِهِ مِنْ مَرْعًى أَوْ عَلَفٍ مُعَيَّنٍ بِنَوْعِهِ وَيُذْكَرُ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ جَدِيدٌ أَوْ عَتِيقٌ وَلَا يَصِحُّ فِي حَامِضِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّ حُمُوضَتَهُ عَيْبٌ إلَّا فِي مَخِيضٍ لَا مَاءَ فِيهِ فَيَصِحُّ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّ وَصْفُهُ بِالْحُمُوضَةِ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ فِيهِ وَاللَّبَنُ الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْحُلْوِ، وَإِنْ جَفَّ وَيَذْكُرُ طَرَاوَةَ الزُّبْدِ وَضِدَّهَا، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ كَيْلًا وَوَزْنًا وَيُوزَنُ بِرَغْوَتِهِ وَلَا يُكَالُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْمِيزَانِ وَيَذْكُرُ نَوْعَ الْجُبْنِ وَبَلَدَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَيُبْسَهُ الَّذِي لَا تَغَيُّرَ فِيهِ. أَمَّا مَا فِيهِ تَغَيُّرٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَنْعُ الشَّافِعِيِّ السَّلَمَ فِي الْجُبْنِ الْقَدِيمِ، وَالسَّمْنُ يُوزَنُ وَيُكَالُ وَجَامِدُهُ الَّذِي يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ يُوزَنُ كَالزُّبْدِ وَاللِّبَإِ الْمُجَفَّفِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُجَفَّفِ فَكَاللَّبَنِ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الزُّبْدِ كَيْلًا وَوَزْنًا يُحْمَلُ عَلَى زُبْدٍ لَا يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْكَشْكِ وَكَافُهُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ لِعَدَمِ ضَبْطِ حُمُوضَتِهِ (لَا الْخُبْزِ) أَيْ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) لِتَأْثِيرِ النَّارِ فِيهِ تَأْثِيرًا لَا يَنْضَبِطُ؛ وَلِأَنَّ مِلْحَهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ. وَالثَّانِي: وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَحَكَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْ النَّصِّ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ نَارَهُ مَضْبُوطَةٌ، وَالْمِلْحُ غَيْرُ مَقْصُودٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 وَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ، وَلَا فِيمَا لَوْ اُسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ عَزَّ وُجُودُهُ كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا. يَصِحُّ فِي الْحَيَوَانِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الْكَلَامِ عَلَى مَنْعِ السَّلَمِ فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ؛ لِأَنَّ مَنْعَ السَّلَمِ فِيهِ لِعَدَمِ ضَبْطِ تَأْثِيرِ نَارِهِ فِيهِ، لَا لِأَجْلِ الْخَلِيطِ وَهُوَ الْمِلْحُ لِمَا مَرَّ فِي الْجُبْنِ وَالْأَقِطِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنَّ النَّبِيذَ كَالْخُبْزِ. . (وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصَّيْدِ بِمَوْضِعِ الْعِزَّةِ) أَيْ مَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْوُثُوقِ بِتَسْلِيمِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ السَّلَمُ حَالًّا وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِمَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ صَحَّ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ (وَلَا فِيمَا لَوْ اُسْتُقْصِيَ وَصْفُهُ) الْوَاجِبُ ذِكْرُهُ فِي السَّلَمِ (عَزَّ وُجُودُهُ) لِمَا مَرَّ (كَاللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَجْمِ وَالْوَزْنِ وَالشَّكْلِ وَالصَّفَاءِ، وَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ نَادِرٌ، وَخَرَجَ بِاللَّآلِئِ الْكِبَارِ، وَهِيَ مَا تُطْلَبُ لِلزِّينَةِ الصِّغَارُ، وَهِيَ مَا تُطْلَبُ لِلتَّدَاوِي، وَضَبَطَهَا الْجُوَيْنِيُّ بِسُدُسِ دِينَارٍ: أَيْ تَقْرِيبًا كَمَا قَالَاهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْعَقِيقِ لِشِدَّةِ اخْتِلَافِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، بِخِلَافِ الْبِلَّوْرِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ، وَمِعْيَارُهُ الْوَزْنُ (وَجَارِيَةٍ وَأُخْتِهَا) أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا (أَوْ وَلَدِهَا) أَوْ شَاةٍ وَسَخْلَتِهَا؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِيهِمَا نَادِرٌ. فَإِنْ قِيلَ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ كَوْنُ الرَّقِيقِ كَاتِبًا أَوْ الْجَارِيَةِ مَاشِطَةً فَإِنَّهُ يَنْدُرُ ذَلِكَ مَعَ اجْتِمَاعِ الصِّفَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ يَسْهُلُ تَحْصِيلُهُ بِالِاكْتِسَابِ، بِخِلَافِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَأْتِي فِي السَّلَمِ الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّأْخِيرِ لِلتَّعْلِيمِ. تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمَنْعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأَمَةِ بَيْنَ الزِّنْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِمَنْ تَكْثُرُ صِفَاتُهَا بِخِلَافِ الزِّنْجِيَّةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ. فَرْعٌ: (يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي الْحَيَوَانِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ قَرْضًا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، فَفِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَرَضَ بَكْرًا» فَقِيسَ عَلَى الْقَرْضِ السَّلَمُ، وَعَلَى الْبَكْرِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنْ يَأْخُذَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ» وَهَذَا سَلَمٌ لَا قَرْضٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَضْلِ وَالْأَجَلِ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ، قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي الِاصْطِلَامِ: غَيْرُ ثَابِتٍ، وَإِنْ خَرَّجَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 فَيُشْتَرَطُ فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ وَلَوْنِهِ كَأَبْيَضَ، وَيَصِفُ بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ، وَذُكُورَتَهُ وَأُنُوثَتَهُ، وَسِنَّهُ وَقَدَّهُ طُولًا وَقِصَرًا، وَكُلُّهُ عَلَى التَّقْرِيبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ وَالسِّمَنِ وَنَحْوُهُمَا فِي الْأَصَحِّ ،   [مغني المحتاج] الْحَاكِمُ. (فَيُشْتَرَطُ) فِي السَّلَمِ (فِي الرَّقِيقِ ذِكْرُ نَوْعِهِ كَتُرْكِيٍّ) وَرُومِيٍّ وَحَبَشِيٍّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ صِنْفُ النَّوْعِ وَجَبَ ذِكْرُهُ كَخَطَّابِيٍّ أَوْ رُومِيٍّ (وَ) ذِكْرُ (لَوْنِهِ) إنْ اخْتَلَفَ (كَأَبْيَضَ) وَأَسْوَدَ (وَيَصِفُ) سَوَادَهُ بِصَفَاءٍ أَوْ كُدُورَةٍ، وَ (بَيَاضَهُ بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ) فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ لَوْنُ الصِّنْفِ كَزِنْجِيٍّ لَمْ يَجِبْ ذِكْرُهُ (وَ) ذِكْرُ (ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَصِحُّ فِي الْخُنْثَى (وَسِنِّهِ) كَابْنِ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ مُحْتَلِمٍ كَذَا قَالَاهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَّلُ عَامِ الِاحْتِلَامِ أَوْ وَقْتُهُ وَإِلَّا فَابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً مُحْتَلِمٌ، وَيُعْتَمَدُ قَوْلُ الرَّقِيقِ فِي الِاحْتِلَامِ وَفِي السِّنِّ إنْ كَانَ بَالِغًا وَإِلَّا فَقَوْلُ سَيِّدِهِ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَقَوْلُ النَّخَّاسِينَ: أَيْ الدَّلَّالِينَ بِظُنُونِهِمْ (وَقَدِّهِ) أَيْ قَامَتِهِ (طُولًا وَقِصَرًا) أَوْ رَبْعَةً فَيَذْكُرُ أَحَدًا مِنْ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا (وَكُلُّهُ) أَيْ: الْوَصْفُ وَالسِّنُّ وَالْقَدُّ (عَلَى التَّقْرِيبِ) حَتَّى لَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ ابْنَ عَشْرٍ مَثَلًا بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لَمْ يَصِحَّ لِنُدْرَتِهِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُحَرَّرِ التَّقْرِيبَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى السِّنِّ، وَكَذَا هُوَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَسَنٌ إنْ سَاعَدَهُ عَلَيْهِ نَقْلٌ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَتُهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا خَصُّوا السِّنَّ بِذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ التَّحْدِيدِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ عَلَى التَّقْرِيبِ، لَكِنْ إنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي اللَّوْنِ وَالْقَدِّ لَا فِي النَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا عَلَى التَّقْرِيبِ فَفِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ اهـ.، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ التَّقْرِيبُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الثُّيُوبَةِ أَوْ الْبَكَارَةِ وَالْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطُ (وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْكَحَلِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْحَاءِ، وَهُوَ سَوَادٌ يَعْلُو جُفُونَ الْعَيْنِ، كَالْكُحْلِ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ (وَ) لَا (السِّمَنِ) فِي الْأَمَةِ (وَنَحْوِهِمَا) كَالدَّعَجِ، وَهُوَ شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ مَعَ سِعَتِهَا وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ، وَهُوَ اسْتِدَارَتُهُ وَثِقَلِ الْأَرْدَافِ وَدِقَّةِ الْخَصْرِ وَالْمَلَاحَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِإِهْمَالِهَا. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لَا تُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، وَتَخْتَلِفُ الْقِيمَةُ بِسَبَبِهَا وَيَنْزِلُ فِي الْمَلَاحَةِ عَلَى أَقَلِّ دَرَجَاتِهَا، وَمَعَ ظُهُورِ هَذَا وَقُوَّتِهِ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَسُنَّ ذِكْرُ مُفَلَّجِ الْأَسْنَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَجَعْدِ الشَّعْرِ أَوْ سَبْطِهِ وَصِفَةِ الْحَاجِبَيْنِ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 وَفِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ، وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ.   [مغني المحتاج] سَائِرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ، كَأَنْ يَصِفَ كُلَّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ بِأَوْصَافِهِ الْمَقْصُودَةِ، وَإِنْ تَفَاوَتَ بِهِ الْغَرَضُ وَالْقِيمَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعِزَّةَ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الرَّقِيقِ يَهُودِيًّا أَوْ كَاتِبًا أَوْ مُزَوَّجًا صَحَّ، بِخِلَافِ كَوْنِهِ شَاعِرًا؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ طَبْعٌ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّمُهُ فَيَعِزُّ وُجُودُهُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِخِلَافِ خِفَّةِ الرُّوحِ وَعُذُوبَةِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ شُرِطَ كَوْنُهُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا أَوْ قَاذِفًا صَحَّ، لَا كَوْنُهَا مُغَنِّيَةً أَوْ عَوَّادَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّهَا صِنَاعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَتِلْكَ أُمُورٌ تَحْدُثُ كَالْعَمَى وَالْعَوَرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا فَرْقٌ لَا يَقْبَلُهُ ذِهْنُكَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْفَرْقُ صَحِيحٌ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ وَالضَّرْبَ بِالْعُودِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّعْلِيمِ وَهُوَ مَحْظُورٌ، وَمَا أَدَّى إلَى مَحْظُورٍ مَحْظُورٌ، بِخِلَافِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا عُيُوبٌ تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ، وَفُرِّقَ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْغِنَاءَ وَنَحْوَهُ لَا بُدَّ فِيهِ مَعَ التَّعَلُّمِ مِنْ الطَّبْعِ الْقَابِلِ لِذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ فَلَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا أَوْلَى، إذْ يُعْتَبَرُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْغِنَاءُ مَحْظُورًا بِآلَةٍ مُحَرَّمَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى هَذَا مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ مُحَرَّمًا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ إذَا كَانَ بِآلَةٍ فِي الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ. . وَلَوْ أَسْلَمَ جَارِيَةً صَغِيرَةً فِي كَبِيرَةٍ صَحَّ كَإِسْلَامِ صَغِيرِ الْإِبِلِ فِي كَبِيرِهَا، فَإِنْ كَبِرَتْ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَجْزَأَتْ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَإِنَّ وَطْأَهَا كَوَطْءِ الثَّيِّبِ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ. ، (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْإِبِلِ) وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ: الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَالسِّنُّ وَاللَّوْنُ وَالنَّوْعُ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ وَالْقِيمَةِ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ فِي الْإِبِلِ: بَخَاتِيٌّ أَوْ عِرَابٌ أَوْ مِنْ نِتَاجِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ بَلَدِ بَنِي فُلَانٍ، وَفِي بَيَانِ الصِّنْفِ الْمُخْتَلِفِ أَرْحَبِيَّةً أَوْ مَهْرِيَّةً لِاخْتِلَافِ الْغَرَض بِذَلِكَ، وَفِي الْخَيْلِ عَرَبِيٌّ أَوْ تُرْكِيٌّ، أَوْ مِنْ خَيْلِ بَنِي فُلَانٍ لِطَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ. قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: وَيُنْسَبُ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ إلَى بَلَدٍ، فَيَقُولُ: مِصْرِيٌّ أَوْ رُومِيٌّ، وَكَذَا الْغَنَمُ، فَيَقُولُ: تُرْكِيٌّ أَوْ كُرْدِيٌّ، وَلَوْ اخْتَلَفَ صِنْفُ النَّوْعِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي الرَّقِيقِ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ اللَّوْنِ الْأَبْلَقَ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ، وَلَا فِي الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَصْفُ مَا فِي الْبَطْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقَدْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ لِلْإِخْلَالِ بِهِ وَجْهٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ وَجْهًا يُعْرَفُ مِمَّا وَجَّهَ بِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الدَّعَجِ وَنَحْوِهِ، وَيُنْدَبُ فِي غَيْرِ الْإِبِلِ ذِكْرُ أَلْوَانِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمُعْظَمِ لَوْنِهِ: كَالْأَغَرِّ وَالْمُحَجَّلِ، وَاللَّطِيمِ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ مِنْ الْخَيْلِ: مَا سَالَتْ غُرَّتُهُ فِي أَحَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 وَفِي الطَّيْرِ النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ. وَفِي اللَّحْمِ لَحْمُ بَقَرٍ، أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ أَوْ ضِدِّهَا مِنْ فَخِذٍ أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ، وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ.   [مغني المحتاج] شِقَّيْ وَجْهِهِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الطَّيْرِ: النَّوْعُ وَالصِّغَرُ وَكِبَرُ الْجُثَّةِ) أَيْ أَحَدُهُمَا وَالسِّنُّ إنْ عُرِفَ وَيُرْجَعُ فِيهِ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي الرَّقِيقِ، وَالذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ إنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ وَتَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ. فَرْعٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي النَّحْلِ، وَإِنْ جَوَّزْنَا بَيْعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ بِعَدَدٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا كَيْلٍ، أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي إوَزَّةٍ وَفِرَاخِهَا وَدَجَاجَةٍ وَفِرَاخِهَا إذَا سَمَّى عَدَدَهَا وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: مَرْدُودٌ؛ إذْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ: حُكْمُ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا حُكْمُ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا. (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي اللَّحْمِ لَحْمُ بَقَرٍ) عِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ (أَوْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ ذَكَرٍ خَصِيٍّ رَضِيعٍ مَعْلُوفٍ أَوْ ضِدِّهَا) أَيْ ضِدِّ مَا ذُكِرَ وَالرَّضِيعِ وَالْفَطِيمِ مِنْ الصَّغِيرِ. أَمَّا الْكَبِيرُ فَمِنْهُ الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ فَيَذْكُرُ أَحَدَهُمَا، وَلَا يَكْفِي فِي الْمَعْلُوفَةِ الْعَلْفُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَبْلَغٍ يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ، وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُ الرَّاعِيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَايَةِ السِّمَنِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: الظَّاهِرُ وُجُوبُ قَبُولِهَا. قِيلَ: لِأَنَّ الرَّاعِيَةَ بِسِمَنِهَا أَطْيَبُ مِنْ الْمَعْلُوفَةِ؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَةَ تَتَرَدَّدُ فِي الْمَرْعَى، وَالْمَعْلُوفَةَ مُقِيمَةٌ فَيَكُونُ سِمَنُهَا أَغَثَّ، وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ بَيْنَ جَدِيدِهِ وَقَدِيدِهِ وَلَوْ مُمَلَّحًا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَيْنُ الْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِي الشَّحْمِ وَالْكَبِدِ وَالْأَلْيَةِ وَالطِّحَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُ جِنْسَ حَيَوَانِهَا وَنَوْعَهُ وَصِفَتَهُ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ، وَفِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ حَيًّا وَمَيِّتًا حَيْثُ عَمَّ. وَيَذْكُرُ فِي الْحَيِّ الْعَدَّ وَفِي الْمَيِّتِ الْوَزْنَ وَيُبَيِّنُ كَوْنَ اللَّحْمِ (مِنْ فَخِذٍ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ (أَوْ كَتِفٍ أَوْ جَنْبٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ سَمِينٍ أَوْ هَزِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ، وَكُلُّ مَا قَرُبَ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى كَانَ أَطْيَبَ، فَلَحْمُ الرَّقَبَةِ أَطْيَبُ لِقُرْبِهِ، وَلَحْمُ الْفَخِذِ أَدْوَنُ لِبُعْدِهِ (وَيُقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّوَى مِنْ التَّمْرِ، فَإِنْ شَرَطَ نَزْعَهُ جَازَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلِ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا الذَّنَبِ الَّذِي لَا لَحْمَ عَلَيْهِ مِنْ السَّمَكِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبُولُ رَأْسِ السَّمَكِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ جِلْدٍ يُؤْكَلُ عَادَةً مَعَ اللَّحْمِ كَجِلْدِ الْخَرُوفِ وَالْجَدْيِ الصَّغِيرَيْنِ وَالطَّيْرِ وَالسَّمَكِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْخِصَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وَفِي الثِّيَابِ الْجِنْسُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ وَالنُّعُومَةُ وَالْخُشُونَةُ، وَمُطْلَقُهُ يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ، وَفِيمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ، وَالْأَقْيَسُ صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ مَنْعُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] وَالْعَلَفِ وَضِدِّهِمَا فِي لَحْمِ الصَّيْدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مَا يُصَادُ بِهِ مِنْ أُحْبُولَةٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ وَأَنَّهَا كَلْبٌ أَوْ فَهْدٌ، فَإِنَّ صَيْدَ الْكَلْبِ أَطْيَبُ لِطِيبِ نَكْهَتِهِ. (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الثِّيَابِ الْجِنْسُ) كَقُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ، وَالنَّوْعُ وَالْبَلَدُ الَّذِي يُنْسَجُ فِيهِ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ، وَقَدْ يُغْنِي ذِكْرُ النَّوْعِ عَنْهُ وَعَنْ الْجِنْسِ (وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَالْغِلَظُ وَالدِّقَّةُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَزْلِ (وَالصَّفَاقَةُ وَالرِّقَّةُ) بِالرَّاءِ هُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسْجِ، وَالْأُولَى: انْضِمَامُ بَعْضِ الْخُيُوطِ إلَى بَعْضٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الصَّفْقِ، وَهُوَ الضَّرْبُ وَالثَّانِيَةُ: عَدَمُ ذَلِكَ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الدَّقِيقُ مَوْضِعَ الرَّقِيقِ وَبِالْعَكْسِ (وَالنُّعُومَةُ وَالْخُشُونَةُ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ، وَالْمُرَادُ ذِكْرُ أَحَدِ كُلِّ مُتَقَابِلَيْنِ بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ مَعَهُمَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ عَنْ ذِكْرِ اللَّوْنِ، وَذَكَرَ فِي الْبَسِيطِ اشْتِرَاطَهُ فِي الثِّيَابِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي بَعْضِ الثِّيَابِ كَالْحَرِيرِ وَالْقَزِّ وَالْوَبَرِ، وَكَذَا الْقُطْنُ بِبَعْضِ الْبِلَادِ مِنْهُ أَبْيَضُ، وَمِنْهُ أَشْقَرُ خِلْقَةً وَهُوَ عَزِيزٌ، وَتَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ وَالْقِيَمُ بِذَلِكَ اهـ. ، وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي الدَّعَجِ وَنَحْوِهِ (وَمُطْلَقُهُ) أَيْ الثَّوْبِ عَنْ الْقُصُورِ وَعَدَمِهِ (يُحْمَلُ عَلَى الْخَامِ) دُونَ الْمَقْصُورِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَقْصُورَ كَانَ أَوْلَى، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُهُ، قَالَ السُّبْكِيُّ: إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْغَرَضُ بِهِ فَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ وَهَذَا أَوْجَهُ (وَيَجُوزُ فِي الْمَقْصُورِ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ وَصْفٌ مَقْصُودٌ مَضْبُوطٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَلْبُوسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ وَيَجُوزُ فِي الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ جَدِيدًا وَلَوْ مَغْسُولًا إنْ ضَبَطَهُ طُولًا وَعَرْضًا وَسَعَةً وَضِيقًا (وَ) يَجُوزُ (فِيمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النَّسْجِ كَالْبُرُودِ) إذَا بَيَّنَ مَا صُبِغَ بِهِ وَكَوْنَهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ الصَّيْفِ وَاللَّوْنَ وَبَلَدَ الصَّبْغِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَالْأَقْيَسُ صِحَّتُهُ فِي الْمَصْبُوغِ بَعْدَهُ) أَيْ النَّسْجِ كَمَا فِي الْغَزْلِ الْمَصْبُوغِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ مَنْعُهُ) ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ بَعْدَهُ يَسُدُّ الْفُرَجَ فَلَا تَظْهَرُ مَعَهُ الصَّفَاقَةُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ) ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَفَرَّقَ فِي الْأُمِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ بِأَنَّ الْغَزْلَ إذَا صُبِغَ ثُمَّ نُسِجَ يَكُونُ السَّلَمُ فِي الثَّوْبِ، وَإِذَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ مَعًا وَالصَّبْغُ مَجْهُولٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 وَفِي التَّمْرِ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ وَبَلَدُهُ، وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا وَعِتْقُهُ وَحَدَاثَتُهُ،   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْبُقُولِ كَالْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَالسِّلْقِ وَالنُّعْنُعِ وَالْهُنْدَبَا وَزْنًا فَيَذْكُرُ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا وَلَوْنَهَا وَكِبَرَهَا وَصِغَرَهَا وَبَلَدَهَا، وَلَا يَصِحُّ فِي السَّلْجَمِ وَالْجَزَرِ إلَّا بَعْدَ قَطْعِ الْوَرَقِ؛ لِأَنَّ وَرَقَهُمَا غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَيَصِحُّ فِي الْأَشْعَارِ وَالْأَصْوَافِ وَالْأَوْبَارِ، فَيَذْكُرُ نَوْعَ أَصْلِهِ وَذُكُورَتَهُ أَوْ أُنُوثَتَهُ؛ لِأَنَّ صُوفَ الْإِنَاثِ أَنْعَمُ وَاسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللِّينِ وَالْخُشُونَةِ وَبَلَدِهِ وَاللَّوْنِ وَالْوَقْتِ كَخَرِيفِيٍّ أَوْ رَبِيعِيٍّ وَالطُّولِ أَوْ الْقِصَرِ وَالْوَزْنِ، وَلَا يُقْبَلُ إلَّا مُنَقًّى مِنْ بَعْرٍ وَنَحْوِهِ كَشَوْكٍ، وَيَجُوزُ شَرْطُ غَسْلِهِ، وَيَصِحُّ فِي الْقُطْنِ فَيَذْكُرُ فِيهِ أَوْ فِي مَحْلُوجِهِ أَوْ غَزْلِهِ مَعَ نَوْعِهِ الْبَلَدَ وَاللَّوْنَ وَكَثْرَةَ لَحْمِهِ وَقِلَّتَهُ وَنُعُومَتَهُ أَوْ خُشُونَتَهُ، وَرِقَّةَ الْغَزْلِ أَوْ غِلَظَهُ، وَكَوْنَهُ جَدِيدًا أَوْ عَتِيقًا إنْ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي نَحْوِ الصُّوفِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ. وَمُطْلَقُ الْقُطْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْجَافِّ وَعَلَى مَا فِيهِ الْحَبُّ، وَيَصِحُّ فِي حَبِّهِ لَا فِي الْقُطْنِ فِي جَوْزِهِ وَلَوْ بَعْدَ الشَّقِّ لِاسْتِتَارِ الْمَقْصُودِ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْكَتَّانِ عَلَى خَشَبِهِ، وَيَجُوزُ بَعْدَ الدَّقِّ: أَيْ وَبَعْدَ النَّفْضِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ ذَلِكَ. أَوْ الْمُرَادُ بِالدَّقِّ النَّفْضُ فَيَذْكُرُ بَلَدَهُ وَلَوْنَهُ وَطُولَهُ أَوْ قِصَرَهُ وَنُعُومَتَهُ أَوْ خُشُونَتَهُ وَدِقَّتَهُ أَوْ غِلَظَهُ وَعِتْقَهُ أَوْ حَدَاثَتَهُ إنْ اخْتَلَفَ الْغَرَضُ بِذَلِكَ، وَلَا فِي الْقَزِّ وَفِيهِ دُودُهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ وَزْنِ الْقَزِّ. أَمَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ فَيَجُوزُ وَيَصِحُّ فِي أَنْوَاعِ الْعِطْرِ الْعَامَّةِ الْوُجُودِ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ وَالْعُودِ وَالزَّعْفَرَانِ لِانْضِبَاطِهَا، فَيَذْكُرُ الْوَصْفَ مِنْ لَوْنٍ وَنَحْوِهِ وَالْوَزْنَ وَالنَّوْعَ. (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي التَّمْرِ) أَوْ الزَّبِيبِ أَنْ يُذْكَرَ (لَوْنُهُ) كَأَبْيَضَ أَوْ أَحْمَرَ (وَنَوْعُهُ) كَمَعْقِلِيٍّ أَوْ بَرْنِيِّ (وَبَلَدُهُ) كَمِصْرِيٍّ أَوْ بَغْدَادِيٍّ (وَصِغَرُ الْحَبَّاتِ وَكِبَرُهَا) أَيْ أَحَدُهُمَا، لِأَنَّ صَغِيرَ الْحَبِّ أَقْوَى وَأَشَدُّ (وَعِتْقُهُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَبِضَمِّهَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ عَنْ ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ بِخَطِّهِ (وَحَدَاثَتُهُ) أَيْ أَحَدِهِمَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَيِّنَ عِتْقَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنْ أَطْلَقَ فَالنَّصُّ الْجَوَازُ وَيَنْزِلُ عَلَى مُسَمَّى الْعِتْقِ وَيُبَيِّنُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْجَفَافَ عَلَى النَّخْلِ أَوْ بَعْدَ الْجِدَادِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَبْقَى وَالثَّانِي أَصْفَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ السَّلَمِ فِي التَّمْرِ التَّمْرُ الْمَكْنُوزُ فِي الْقَوَاصِرِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَجْوَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ. لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ صِفَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ بَعْدَ كَنَازِهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي تَمْرٍ مَنْزُوعِ النَّوَى فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي يَظْهَرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ. وَفِي الْعَسَلِ جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ صَيْفِيٌّ، أَوْ خَرِيفِيٌّ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ. وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ،   [مغني المحتاج] وَالرُّطَبُ كَالتَّمْرِ فِيمَا ذُكِرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا جَفَافَ فِيهِ (وَالْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الْحُبُوبِ كَالتَّمْرِ) فِي الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَيُبَيِّنُ نَوْعَهَا كَالشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ وَالصَّعِيدِيِّ وَالْبُحَيْرِيِّ وَلَوْنَهُ فَيَقُولُ: أَبْيَضُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْمَرُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَادَةُ النَّاسِ الْيَوْمَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّوْنَ وَلَا صِغَرَ الْحَبَّاتِ وَكِبَرَهَا، وَهِيَ عَادَةٌ فَاسِدَةٌ مُخَالِفَةٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبَّهَ عَلَيْهَا. فُرُوعٌ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْأَدِقَّةِ فَيُذْكَرُ فِيهَا مَا مَرَّ فِي الْحَبِّ إلَّا مِقْدَارَهُ، وَيُذْكَرُ فِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ يُطْحَنُ بِرَحَى الدَّوَابِّ أَوْ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، وَخُشُونَةُ الطَّحْنِ أَوْ نُعُومَتُهُ، وَيَصِحُّ فِي النُّخَالَةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنْ انْضَبَطَتْ بِالْكَيْلِ وَلَمْ يَكْثُرْ تَفَاوُتُهَا فِيهِ بِالِانْكِبَاسِ وَضِدِّهِ، وَيَصِحُّ فِي التِّبْنِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَفِي جَوَازِهِ فِي السَّوِيقِ وَالنَّشَاءِ وَجْهَانِ: الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ كَالدَّقِيقِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ بِالْوَزْنِ: أَيْ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ، وَيُشْتَرَطُ قَطْعُ أَعْلَاهُ الَّذِي لَا حَلَاوَةَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ: وَقَطْعُ مَجَامِعِ عُرُوقِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْعَقَارِ، لِأَنَّهُ إنْ عَيَّنَ مَكَانَهُ فَالْمُعَيَّنُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ. (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْعَسَلِ) أَيْ عَسَلِ النَّحْلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَذْكُرَ زَمَانَهُ وَمَكَانَهُ وَلَوْنَهُ فَيَقُولَ (جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَبَلِيَّ أَطْيَبُ (صَيْفِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ) لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ مَرْعَاهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنَّ النَّحْلَ يَقَعُ عَلَى الْكَمُّونِ وَالصَّعْتَرِ فَيَكُونُ دَوَاءً، وَيَقَعُ عَلَى أَنْوَارِ الْفَاكِهَةِ وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ دَاءً. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ هَذَا فِي مَوْضِعٍ يُتَصَوَّرُ فِيهِ رَعْيُ هَذَا بِمُفْرَدِهِ وَهَذَا بِمُفْرَدِهِ، وَفِيهِ بُعْدٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتْقُ وَالْحَدَاثَةُ) ، وَإِنْ شَرَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ لَا يَتَغَيَّرُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي عَدَمِ تَغَيُّرِهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُحْفَظُ بِهِ. (وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ) أَيْ: النَّاضِجِ بِالنَّارِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النَّارِ فِيهِمَا لَا يَنْضَبِطُ، وَيَصِحُّ فِي كُلِّ مَا دَخَلَتْهُ نَارٌ مَضْبُوطَةٌ كَالصَّابُونِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وَاللِّبَإِ وَالدِّبْسِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فِي كُلِّ مَا دَخَلَتْهُ نَارٌ لَطِيفَةٌ وَمَثَّلَ بِبَعْضِ الْمَذْكُورَاتِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي الْآجُرِّ الْمَطْبُوخِ، وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ بَابَيْ الرِّبَا وَالسَّلَمِ بِضِيقِ بَابِ الرِّبَا، فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ: إنَّ نَارَ مَا ذُكِرَ لَطِيفَةٌ خِلَافُ الْمُشَاهَدِ، وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ بِعَمَلِ السُّكَّرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِاللَّطِيفَةِ الْمَضْبُوطَةُ كَمَا عَبَّرْتُ بِهِ، وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِبَيْعِ الْمَاءِ الْمَغْلِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ. وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَصِحُّ فِي مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ وَكُوزٍ وَطَسٍّ وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ وَطِنْجِيرٍ وَنَحْوِهَا. وَيَصِحُّ فِي الْأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ   [مغني المحتاج] بِمِثْلِهِ، فَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ وَفِي مَاءِ الْوَرْدِ؛ لِأَنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي الْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ؛ لِأَنَّ تَصْفِيَتَهُ بِهَا لَا تُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ نَارَهُ لَطِيفَةٌ لِلتَّمْيِيزِ، وَإِنْ أَفْهَمَ قَوْلُهُ (وَلَا يَضُرُّ تَأْثِيرُ الشَّمْسِ) فِي الْعَسَلِ وَغَيْرُهُ خِلَافُهُ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْمُصَفَّى بِهِمَا، وَيَصِحُّ فِي الشَّمْعِ وَالْقَنْدِ وَالْخَزَفِ وَالْفَحْمِ لِمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ فِي الْمَسْمُوطِ؛ لِأَنَّ النَّارَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا لَهُ تَأْثِيرٌ. (وَالْأَظْهَرُ مَنْعُهُ) أَيْ السَّلَمِ (فِي رُءُوسِ الْحَيَوَانِ) لِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَبْعَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْمَنَاخِرِ وَالْمَشَافِرِ وَغَيْرِهَا وَيَتَعَذَّرُ ضَبْطُهَا. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُنَقَّاةً مِنْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ مَوْزُونَةً قِيَاسًا عَلَى اللَّحْمِ بِعَظْمِهِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عَظْمَهَا أَكْثَرُ مِنْ لَحْمِهَا عَكْسُ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. أَمَّا إذَا لَمْ تُنَقَّ مِنْ الشَّعْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا جَزْمًا، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُصَنِّفُ إلَى تَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا نِيئَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَطْبُوخِ إلَخْ وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَكَارِعِ، وَإِنْ كَانَتْ نِيئَةً مُنَقَّاةً لِمَا فِيهَا مِنْ الْأَبْعَاضِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَيُقَالُ فِيهَا: كَوَارِعُ وَأَكْرُعٌ جَمْعُ كُرَاعٍ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ مِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ كُعُوبِهَا، وَالْجَوْهَرِيُّ: مُسْتَدَقُّ السَّاقِ، وَالشَّائِعُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِمَا (وَلَا يَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي مُخْتَلِفٍ) أَجْزَاؤُهُ (كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ) وَهِيَ الْقِدْرُ (وَجِلْدٍ) عَلَى هَيْئَتِهِ (وَ) مَعْمُولٍ نَحْوُ (كُوزٍ وَطَسٍّ) بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ طَشْتٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ (وَقُمْقُمٍ وَمَنَارَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (وَطِنْجِيرٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ: الدَّسْتُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فَتْحُهَا مِنْ لَحْنِ النَّاسِ (وَنَحْوِهَا) كَالْأَبَارِيقِ، وَالْحِبَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ حُبٍّ بِضَمِّهَا، وَهِيَ الْخَابِيَةُ وَالْأَسْطَالُ الضَّيِّقَةُ الرَّأْسِ لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِ الْوَزْنِ مَعَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ وَلِتَعَذُّرِ ضَبْطِهَا إمَّا لِاخْتِلَافِ الْأَجْزَاءِ فِي الدِّقَّةِ وَالْغِلَظِ كَالْجِلْدِ، أَوْ لِمُخَالَفَةِ أَعْلَاهَا أَوْ وَسَطِهَا لِأَسْفَلِهَا كَالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ. أَمَّا قِطَعُ الْجِلْدِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا لِانْضِبَاطِهَا؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهَا مَقْصُودَةٌ، وَمَا فِيهَا مِنْ التَّفَاوُتِ يُجْعَلُ عَفْوًا، وَلَا يَصِحُّ فِي الزِّقِّ لِمَا ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُهُ الْبُرْمَةَ بِالْمَعْمُولَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَصْبُوبَةِ فِي الْقَالَبِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ ذَلِكَ قَيْدًا فِي كُلِّ مَا بَعْدَهُ إلَّا الْجِلْدَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ وَعَطْفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ أَوْ عَكْسُهُ لِمُغَايَرَتِهِ لَهَا. قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْفَخَّارِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ مَا مَرَّ. . (وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِي الْأَسْطَالِ الْمُرَبَّعَةِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 وَفِيمَا صُبَّ فِي قَالِبٍ ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] لِعَدَمِ اخْتِلَافِهَا، وَالْمُدَوَّرَةُ كَالْمُرَبَّعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، بَلْ صَحَّحَ فِي كُلِّ مَا لَا يَخْتَلِفُ مِنْ ذَلِكَ مَضْرُوبًا كَانَ أَوْ مَصْبُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ السَّطْلِ مِنْ نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ جَمِيعًا لَمْ يَصِحَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، قَالَ: لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُصَانِ فَيُعْرَفُ قَدْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَفِيمَا صُبَّ) مِنْهَا أَيْ الْمَذْكُورَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: أَيْ مِنْ أَصْلِهَا الْمُذَابِ (فِي قَالَبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا كَالْهَاوَنِ بِفَتْحِ الْوَاوِ مُرَبَّعًا كَانَ أَمْ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ. فُرُوعٌ: يَصِحُّ السَّلَمُ فِي الْمَنَافِعِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَالْأَعْيَانِ، وَيَصِحُّ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ كَغَيْرِهِمَا لَا إسْلَامَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَلَوْ حَالًّا وَقَبَضَا فِي الْمَجْلِسِ لِتَضَادِّ أَحْكَامِ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْآخَرِ، وَالصَّرْفُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ قَبْضِهِمَا فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ سَائِرَ الْمَطْعُومَاتِ كَذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا بِالسَّلَمِ عَقْدَ الصَّرْفِ وَإِلَّا صَحَّ إذَا كَانَ حَالًّا وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَيَصِحُّ فِي الْوَرِقِ، وَيُبَيَّنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَالنَّوْعُ وَالطُّولُ وَالْعَرْضُ وَاللَّوْنُ وَالدِّقَّةُ أَوْ الْغِلَظُ وَالصِّفَةُ أَوْ الزَّمَانُ كَصَيْفِيٍّ أَوْ شَتْوِيٍّ، وَيَصِحُّ فِي الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ. وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهَا وَنَوْعِهَا وَذُكُورَةِ الْحَدِيدِ وَأُنُوثَتِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالذَّكَرُ الْفُولَاذُ، وَالْأُنْثَى اللَّيِّنُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَوَانِي وَنَحْوُهَا، (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِيمَا يُسْلَمُ فِيهِ (ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ) مِنْهُمَا (عَلَى الْجَيِّدِ) لِلْعُرْفِ، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِمَا، فَيُفْضِي تَرْكُهُمَا إلَى النِّزَاعِ، وَرُدَّ بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَنْزِلُ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ، فَلَوْ شَرَطَ الْأَجْوَدَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ أَقْصَاهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَإِنْ شَرَطَ الرَّدَاءَةَ فَإِنْ كَانَتْ رَدَاءَةَ النَّوْعِ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ لِانْضِبَاطِ ذَلِكَ، أَوْ رَدَاءَةَ الْعَيْبِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ إذْ مَا مِنْ رَدِيءٍ إلَّا وَيُوجَدُ رَدِيءٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَإِنْ شَرَطَ الْأَرْدَأَ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ طَلَبَ أَرْدَأَ مِنْ الْمُحْضَرِ عِنَادٌ (وَيُشْتَرَطُ) مَعَ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْأَوْصَافِ مَعْرُوفَةً فِي نَفْسِهَا (مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ) فَلَوْ جَهِلَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ (وَكَذَا غَيْرُهُمَا) أَيْ مَعْرِفَةُ عَدْلَيْنِ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ (فِي الْأَصَحِّ) لِيُرْجَعَ إلَيْهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 فَصْلٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرُ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، وَقِيلَ يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ وَلَا يَجِبُ قَبُولُهُ، وَيَجُوزُ أَرْدَأَ مِنْ الْمَشْرُوطِ وَلَا يَجِبُ، وَيَجُوزُ أَجْوَدُ أَوْ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] عِنْدَ تَنَازُعِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ غَيْرِهِمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَجَلِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مَعْرِفَةِ عَدْلَيْنِ فِي التَّأْجِيلِ بِنَحْوِ شُهُورِ الرُّومِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ ثَمَّتَ بَيْنَهُمَا. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَدَاءِ غَيْر الْمُسْلِم فِيهِ عَنْهُ وَوَقْتِ أَدَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَمَكَانِهِ] ِ (لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَبْدَلَ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرُ جِنْسِهِ) كَالْبُرِّ عَنْ الشَّعِيرِ (وَنَوْعِهِ) كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ عَنْ الْمَعْقِلِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مَعَ تَعْلِيلِهِ، وَالثَّانِي يُشْبِهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: الْحِيلَةُ فِي الِاعْتِيَاضِ أَنْ يَفْسَخَا السَّلَمَ ثُمَّ يُعْتَاضُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، (وَقِيلَ يَجُوزُ فِي نَوْعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَجْمَعُهُمَا، فَكَانَ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَاخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَيُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ (وَ) لَكِنْ (لَا يَجِبُ قَبُولُهُ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ (وَيَجُوزُ) إعْطَاءُ (أَرْدَأَ مِنْ الْمَشْرُوطِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ (وَ) لَكِنْ (لَا يَجِبُ) قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ (وَيَجُوزُ) إعْطَاءُ (أَجْوَدَ) مِنْ الْمَشْرُوطِ صِفَةً (وَيَجِبُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ عِنَادٌ وَلِإِشْعَارِ بَاذِلِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ يُهَوِّنُ أَمْرَ الْمِنَّةِ الَّتِي يُعَلَّلُ بِهَا الثَّانِي، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي خَشَبَةٍ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَجَاءَ بِهَا سِتَّةً فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْجَوْدَةَ وَالرَّدَاءَةَ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الْخَشَبَةِ. نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ ضَرَرٌ فِي قَبُولِهِ كَأَنْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَجَاءَهُ بِفَرْعِهِ أَوْ أَصْلِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجِهَا لَمْ يَجِبْ قَبُولُهُ، وَإِنْ جَاءَهُ بِأَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ فَوَجْهَانِ: وَجْهُ الْمَنْعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ مِنْ الْحُكَّامِ مَنْ يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. تَنْبِيهٌ: تَفَاوُتُ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ تَفَاوُتُ نَوْعٍ لَا تَفَاوُتُ وَصْفٍ، وَكَذَا مَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَبِمَاءِ الْأَرْضِ، وَالْعَبْدُ الْهِنْدِيُّ وَالْعَبْدُ التُّرْكِيُّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ لَمْ يُجْبَرْ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كَفَكِّ رَهْنٍ أُجْبِرَ، وَكَذَا لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] أَنْ يَقْبِضَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ كَيْلًا بِالْوَزْنِ وَلَا عَكَسَهُ، وَلَا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ غَيْرِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَأَنْ بَاعَ صَاعًا فَاكْتَالَهُ بِالْمُدِّ، وَلَا يُزَلْزِلُ الْمِكْيَالَ، وَلَا يَضَعُ الْكَفَّ عَلَى جَوَانِبِهِ بَلْ يَمْلَؤُهُ وَيَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ بِقَدْرِ مَا يَحْمِلُ، وَيُسْلَمُ التَّمْرُ جَافًّا وَلَوْ فِي أَوَّلِ جَفَافِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ جَفَافِهِ لَا يُسَمَّى تَمْرًا وَلَا يُجْزِئُ مَا تَنَاهَى جَفَافُهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ نَدَاوَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَيُسْلَمُ الرُّطَبُ غَيْرَ مُشَدَّخٍ، وَهُوَ الْبُسْرُ يُعَالَجُ بِالْغَمْرِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَتَشَدَّخَ: أَيْ يَتَرَطَّبُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَعْمُولِ فِي بِلَادِ مِصْرَ، وَتُسْلَمُ الْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا نَقِيَّةً مِنْ التُّرَابِ وَالْمَدَرِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَلِيلُ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ يُحْتَمَلُ فِي الْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ لَا فِي الْوَزْنِ لِظُهُورِهِ فِيهِ وَمَعَ احْتِمَالِهِ فِي الْكَيْلِ إنْ كَانَ لِإِخْرَاجِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ مُؤْنَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَأَقَرَّهُ. (وَلَوْ أَحْضَرَهُ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ الْمُؤَجَّلَ (قَبْلَ مَحِلِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ: أَيْ وَقْتِ حُلُولِهِ (فَامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبُولِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا) يَحْتَاجُ لِمُؤْنَةٍ لَهَا وَقْعٌ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ (أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ) وَالْأَفْصَحُ إغَارَةٌ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْهُدْنَةِ أَوْ كَانَ تَمْرًا أَوْ لَحْمًا يُرِيدُ أَكْلَهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ طَرِيًّا أَوْ كَانَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَكَان لَهُ مُؤْنَةٌ كَالْحِنْطَةِ الْكَثِيرَةِ (لَمْ يُجْبَرْ) عَلَى قَبُولِهِ لِتَضَرُّرِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي التَّعْجِيلِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ لِيَشْمَلَ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَنْ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلَكِنْ يَكْثُرُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْإِتْيَانُ بِأَنْ بَدَلَ كَأَنْ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ تَقْدِيرُهُ أَوْ لِوَقْتٍ وَقْتَ غَارَةٍ فَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى خَبَرِ كَانَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ. (فَإِنْ كَانَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ) فِي التَّعْجِيلِ (كَفَكِّ رَهْنٍ) أَوْ بَرَاءَةِ ضَامِنٍ (أُجْبِرَ) الْمُسْلِمُ عَلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ حِينَئِذٍ تَعَنُّتٌ (وَكَذَا) يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِخَوْفِ انْقِطَاعِ الْجِنْسِ عِنْدَ الْحُلُولِ أَوْ (لِمُجَرَّدِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ) أَيْ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (فِي الْأَظْهَرِ) ، وَكَذَا لَا لِغَرَضٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَدِينِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ فَامْتِنَاعُهُ مِنْ قَبُولِهِ مَحْضُ تَعَنُّتٍ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الْمَنَاهِي أَنَّ الْمَدِينَ إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ لَا يَسْقُطُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ مُطَالَبَتِهِ. أُجِيبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ لَمْ يُجْبَرْ   [مغني المحتاج] بِأَنَّ الْإِسْقَاطَ هُنَا وَسِيلَةٌ إلَى الطَّلَبِ الْمُؤَدِّي لِلْبَرَاءَةِ وَالدَّفْعُ مُحَصِّلٌ لَهَا نَفْسِهَا فَكَانَ أَقْوَى مَعَ أَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يَسْقُطْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يُجْبَرُ لِلْمِنَّةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ غَرَضَاهُمَا، فَالْمَرْعِيُّ جَانِبُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى غَرَضِ الْمُؤَدِّي إلَّا عِنْدَ عَدَمِ غَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ، وَيُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى قَبُولِ كُلِّ دَيْنٍ حَالٍّ إنْ كَانَ غَرَضُ الْمَدِينِ غَيْرَ الْبَرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ إنْ كَانَ غَرَضُهُ الْبَرَاءَةَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا إذَا أَحْضَرَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ عَنْ حَيٍّ لَمْ يَجِبْ الْقَبُولُ لِلْمِنَّةِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ الْوَارِثَ وَجَبَ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ التَّرِكَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَفِيهِ تَرَدَّدَ جَوَابُ الْقَاضِي اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الْإِجْبَارُ وَأَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ قَبَضَهُ الْحَاكِمُ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أُحْضِرَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الْحَالُّ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ لِغَرَضِ غَيْرِ الْبَرَاءَةِ أُجْبِرَ الْمُسْلِمُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ لِغَرَضِهَا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ الْإِبْرَاءِ، وَقَدْ يُقَالُ بِالتَّخْيِيرِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَالْحَالِّ الْمُحْضَرِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَيْضًا، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي الثَّانِي، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ الْإِجْبَارُ فِيهِمَا عَلَى الْقَبُولِ فَقَطْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي مَسْأَلَتِنَا اسْتَحَقَّ التَّسْلِيمَ فِيهَا لِوُجُودِ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، فَامْتِنَاعُهُ مِنْهُ مَحْضُ عِنَادٍ فَضُيِّقَ عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ ذَيْنِكَ. (وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ) بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَكَانُهُ الْمُتَعَيِّنُ بِالْعَقْدِ أَوْ الشَّرْطِ وَطَالَبَهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ (الْأَدَاءُ إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ) مِنْ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ إلَى مَحَلِّ الظَّفَرِ (مُؤْنَةٌ) وَلَمْ يَتَحَمَّلْهَا الْمُسْلِمُ عَنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ لَهَا وَلِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَدَرَاهِمَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهَا أَوْ تَحَمَّلَهَا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِنَفْيِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً إلَى أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلْزَامَهُ بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى مَكَانِ التَّسْلِيمِ أَوْ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يُحْبَسُ (وَلَا يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ لَهُ الْفَسْخُ وَاسْتِرْدَادُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ. (وَإِنْ) أَحْضَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ فَ (امْتَنَعَ) الْمُسْلِمُ (مِنْ قَبُولِهِ هُنَاكَ لَمْ يُجْبَرْ) عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَخُوفًا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ. فَصْلٌ الْإِقْرَاضُ مَنْدُوبٌ.   [مغني المحتاج] قَبُولِهِ (إنْ كَانَ لِنَقْلِهِ) إلَى مَحَلِّ التَّسْلِيمِ (مُؤْنَةٌ، أَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ) الْمُحْضَرُ فِيهِ أَوْ الطَّرِيقُ (مَخُوفًا) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهِ لَمْ تَجِبْ لَهُ مُؤْنَةُ النَّقْلِ بَلْ لَوْ بَذَلَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا.؛ لِأَنَّهُ كَالِاعْتِيَاضِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَلَا كَانَ الْمَوْضِعُ أَوْ الطَّرِيقُ مَخُوفًا (فَالْأَصَحُّ إجْبَارُهُ) عَلَى قَبُولِهِ لِتَحْصُلَ لَهُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْحُلُولِ لِغَرَضِ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُهُمَا. [فَصْلٌ فِي الْقَرْضِ] ِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ أَشْهُرُ مِنْ كَسْرِهَا وَمَعْنَاهُ الْقَطْعُ، وَيُطْلَقُ اسْمًا بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُقْرَضِ وَمَصْدَرًا بِمَعْنَى الْإِقْرَاضِ (الْإِقْرَاضُ) وَهُوَ تَمْلِيكُ الشَّيْءِ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقْرِضَ يَقْطَعُ لِلْمُقْتَرِضِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ، وَتُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ سَلَفًا (مَنْدُوبٌ) إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ أَجْرُ صَدَقَةٍ مَرَّةً ". فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُ هَذَا مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصَّدَقَةُ إنَّمَا يُكْتَبُ لَك أَجْرُهَا حِينَ تَتَصَدَّقُ بِهَا، وَهَذَا يُكْتَبُ لَكَ أَجْرُهُ مَا كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ. نَعَمْ قَدْ يَجِبُ لِعَارِضٍ كَالْمُضْطَرِّ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ يُكْرَهُ كَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي مَكْرُوهٍ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 وَصِيغَتُهُ أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ، أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوَفَاءِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُقْرِضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَفَاءِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ الْغِنَى، وَيُخْفِيَ الْفَاقَةَ عِنْدَ الْقَرْضِ كَمَا لَا يَجُوزُ إخْفَاءُ الْغِنَى وَإِظْهَارُ الْفَاقَةِ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَكَذَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ. لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ جَرُّهُ بِاللَّامِ تَقُولُ: نَدَبْتُهُ لِكَذَا فَانْتُدِبَ لَهُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ. أَمَّا الْمَنْدُوبُ فَهُوَ الشَّخْصُ نَفْسُهُ. وَأَرْكَانُهُ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ: (وَصِيغَتُهُ) أَيْ إيجَابُهُ (أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفْتُكَ) هَذَا (أَوْ خُذْهُ بِمِثْلِهِ أَوْ مَلَّكْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَرُدَّ بَدَلَهُ) أَوْ خُذْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ وَرُدَّ بَدَلَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَاصْرِفْهُ فِي حَوَائِجِكَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ " خُذْهُ بِكَذَا " أَوْ نَحْوَهُ كِنَايَةٌ فِيهِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى " مَلَّكْتُكَ " فَهُوَ هِبَةٌ فِي الظَّاهِرِ. وَالْقَوْلُ فِي ذِكْرِ الْبَدَلِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَوْلُ الْآخِذِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذِكْرِهِ، وَالصِّيغَةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ادَّعَاهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْعَقْدِ بَيْعًا أَوْ هِبَةً حَيْثُ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ. (وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) أَيْ الْإِقْرَاضِ (فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَشَرْطُ الْقَبُولِ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى كَالْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا فَقَبِلَ خَمْسَمِائَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُقْرِضَ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يَضُرُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمُسَمَّى أَوْ الزَّائِدِ عَلَيْهِ. نَعَمْ الْقَرْضُ الْحُكْمِيُّ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمُحْتَاجِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَكِسْوَةِ الْعَارِي لَا يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ، لِأَنَّ الْقَرْضَ مَكْرُمَةٌ وَإِبَاحَةُ إتْلَافٍ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الِالْتِمَاسَ مِنْ الْمُقْرِضِ كَاقْتَرِضْ مِنِّي يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ، وَمِنْ الْمُقْتَرِضِ كَأَقْرِضْنِي يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِيجَابَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ لَيْسَا بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَالَ: " أَقْرِضْنِي كَذَا " فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ بَعَثَ إلَيْهِ رَسُولًا فَبَعَثَ إلَيْهِ الْمَالَ صَحَّ الْقَرْضُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَقْوَى وَالْمُخْتَارُ، وَمَنْ اخْتَارَ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِالْمُعَاطَاةِ كَالْمُصَنِّفِ قِيَاسُهُ اخْتِيَارُ الْقَرْضِ بِهَا وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمُعَاطَاةِ بَذْلُ الْعِوَضِ أَوْ الْتِزَامُهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 وَفِي الْمُقْرِضِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] مَفْقُودٌ هُنَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْمُقْرِضِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ (أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) فِيمَا يُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِيهِ شَائِبَةُ تَبَرُّعٍ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً مَحْضَةً لَجَازَ لِلْوَلِيِّ غَيْرِ الْقَاضِي قَرْضُ مَالِ مُوَلِّيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَيَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ مَنْعَهُ بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُقْتَرِضِ وَأَمَانَتِهِ، وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إذَا رَضِيَ الْغُرَمَاءُ بِتَأْخِيرِ الْقِسْمَةِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ الْمَالُ كُلُّهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ لِشَرْطِ الْمُسْتَقْرِضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَعْمَى يَصِحُّ قَرْضُهُ وَاقْتِرَاضُهُ إلَّا أَنَّ قَبْضَهُ لَا يَكْفِي، وَأَوْرَدَهُ عَلَى الْمُصَنَّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، فَإِنَّ تَدْبِيرَهُ تَبَرُّعٌ وَكَذَا وَصِيَّتُهُ وَتَبَرُّعُهُ بِمَنْفَعَةِ بَدَنِهِ الْخَفِيفَةِ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَاضُهُ، فَلَوْ قَالَ التَّبَرُّعُ النَّاجِزُ بِالْمَالِ أَوْ مَا قَدَّرْتُهُ لَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفَادَتْ الْعُمُومَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَهْلِيَّةُ جَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَقَالَ: (وَيَجُوزُ إقْرَاضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ) لِصِحَّةِ ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَرَضَ بَكْرًا، وَقِيسَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إقْرَاضِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَغْشُوشَةِ لِصِحَّةِ السَّلَمِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَلِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُ الْغِشِّ أَوْ لَا، وَإِنْ قَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِمَا إذَا عُرِفَ، وَمَنَعَهُ الرُّويَانِيُّ مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ مَا يَسْلَمُ فِي نَوْعِهِ، وَإِلَّا فَالْمُعَيَّنُ لَا يُسْلَمُ فِيهِ، وَالْمُقْرَضُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى إذَا قَالَ: أَقْرَضْتُكَ أَلْفًا وَقَبِلَ الْمُقْتَرِضُ ثُمَّ تَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَ إلَيْهِ أَلْفًا صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَفَعَ الْأَلْفَ عَنْ الْقَرْضِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَعَلَّلَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ، فَقَالَ: لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الْأَلْفَ مَثَلًا وَتَفَرَّقَا ثُمَّ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ. ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ (إلَّا الْجَارِيَةَ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ) فَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُهَا لَهُ وَلَوْ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يُثْبِتُ الرَّدَّ وَالِاسْتِرْدَادَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى إعَارَةِ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ جَارِيَةً يَحِلُّ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَطْؤُهَا وَكَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَارِيَةً أَيْضًا؛ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَازِمٌ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْجِهَتَيْنِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ جَارِيَةً يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ جَوَازِ اسْتِرْجَاعِ الْأَبِ لَهَا بَعْدَ وَطْءِ الْوَلَدِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُتَمَلِّكِ، وَبِأَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ مَدْلُولُهُ إعْطَاءُ شَيْءٍ وَالرُّجُوعُ فِيهِ أَوْ فِي بَدَلِهِ فَكَانَ كَالْإِعَارَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: تَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ عَمَّا لَا تَحِلُّ لَهُ لِمَحْرَمِيَّةٍ أَوْ تَمَجُّسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقْرِضَهَا لَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ إقْرَاضِ الْمُلَاعَنَةِ لَلْمُلَاعَنِ، إذْ عِلَّةُ الْمَنْعِ خَوْفُ الْوَطْءِ وَالرَّدِّ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِر الْمَنْعُ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا، وَأَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِي الْحَالِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا كَذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ، وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يُشْعِرُ بِهِ اهـ. وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى حِلِّ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا بِأَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ بِخِلَافِ حِلِّ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا يَحِلُّ قَرْضُهَا مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إقْرَاضُ الْخُنْثَى لِامْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَا قِيلَ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ كَوْنُهُ جَارِيَةً لَمْ يَتَحَقَّقْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: خَطَأٌ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْأَمَةِ لِلْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ وَاضِحًا فَيَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ تَمَلُّكُ الْجَارِيَةِ الْمُلْتَقَطَةِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ظُهُورَ الْمَالِكِ ثَمَّ بَعِيدٌ اهـ. وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ. أَمَّا الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ إقْرَاضُهَا لِجَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ مَاءِ الْقَنَاةِ لِلْجَهْلِ بِهِ (وَمَا لَا يُسْلَمُ فِيهِ) كَالْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا وَالْجَوَاهِرِ وَنَحْوِهَا (لَا يَجُوزُ إقْرَاضُهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَنْضَبِطُ أَوْ يَنْدُرُ وُجُودُهُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَالْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا جَازَ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ قَرْضِ الْخُبْزِ وَزْنًا لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى فِعْلِهِ فِي الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ وَإِنْ صَحَّحَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ الْمَنْعَ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا، وَرَجَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْعَقَارِ كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ مِنْ جَوَازِ إقْرَاضِ جُزْءٍ مِنْ دَارٍ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْجُزْءُ عَلَى النِّصْفِ فَإِنَّ لَهُ حِينَئِذٍ مِثْلًا فَيَجُوزُ إقْرَاضُهُ كَغَيْرِهِ. وَلَا يَصِحُّ قَرْضُ الرُّوبَةِ لِاخْتِلَافِهَا بِالْحُمُوضَةِ، وَهِيَ بِضَمِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 وَيُرَدُّ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً، وَقِيلَ الْقِيمَةُ وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ. وَلَا يَجُوزُ   [مغني المحتاج] الرَّاءِ: خَمِيرَةٌ مِنْ اللَّبَنِ الْحَامِضِ تُلْقَى عَلَى الْحَلِيبِ لِيَرُوبَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِي إقْرَاضِ الْخَمِيرِ الْحَامِضِ: أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْمَنْعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْعِبْرَةُ بِالْوَزْنِ كَالْخُبْزِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي قَرْضِ الرِّبَوِيِّ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا لَجَازَ فِي غَيْرِهِ شَرْطُ الْأَجْلِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِ الْمُقْرَضِ فَلَوْ أَقْرَضَهُ كَفًّا مِنْ دَرَاهِمَ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ إنْ أَقْرَضَهُ عَلَى أَنْ يَسْتَبِينَ قَدْرَهُ وَيُرَدَّ مِثْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَوْزُونِ مَكِيلًا وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَتَجَافَ الْمِكْيَالُ كَالسَّلَمِ. (وَيُرَدُّ) فِي الْقَرْضِ (الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ وَلَوْ فِي نَقْدٍ بَطَلَ التَّعَامُلُ بِهِ (وَ) يُرَدُّ (فِي الْمُتَقَوِّمِ الْمِثْلُ صُورَةً) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَرَضَ بَكْرًا وَرَدَّ رُبَاعِيًّا وَقَالَ: إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ لَافْتَقَرَ إلَى الْعِلْمِ بِهَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: اعْتِبَارُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي كَحِرْفَةِ الرَّقِيقِ وَفَرَاهَةِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ اُعْتُبِرَ مَعَ الصُّورَةِ مُرَاعَاةُ الْقِيمَةِ (وَقِيلَ الْقِيمَةُ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ إنْ قُلْنَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَبِالْأَكْثَرِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالتَّصَرُّفِ، وَالْقَوْلُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْقِيمَةِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهِمَا قَوْلُ الْمُسْتَقْرِضِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَأَدَاءُ الْقَرْضِ فِي الصِّفَةِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا. (وَلَوْ ظَفِرَ) الْمُقْرِضُ (بِهِ) أَيْ الْمُقْتَرَضِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْإِقْرَاضِ وَلِلنَّقْلِ) مِنْ مَحَلِّهِ إلَى غَيْرِهِ (مُؤْنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّمَلُّكِ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ، لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِجَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ كَمَا مَرَّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَتَحَمَّلْ مُؤْنَةَ حَمْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُلْفَةِ، وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِمِثْلِ مَا لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالْمَانِعُ مِنْ طَلَبِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَكَثِيرٍ: مُؤْنَةُ الْحَمْلِ، وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ: مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَوْنُ قِيمَةِ بَلَدِ الْمُطَالَبَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ بَلَدِ الْإِقْرَاضِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ شَيْخِي بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُؤْنَةِ يَنْظُرُ إلَى الْقِيمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ حُصُولُ الضَّرَرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَيَنْقَطِعُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ حَقُّ الْمُقْرِضِ؛ لِأَنَّهَا لِلْفَيْصُولَةِ لَا لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَوْ اجْتَمَعَا بِبَلَدِ الْإِقْرَاضِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ رَدُّهَا وَطَلَبُ الْمِثْلِ وَلَا لِلْمُقْتَرِضِ اسْتِرْدَادُهَا. (وَلَا يَجُوزُ) الْإِقْرَاضُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادَةٍ، وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ. وَلَوْ شَرَطَ مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ لَغَا الشَّرْطُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ. وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ، وَإِنْ كَانَ كَزَمَنِ نَهْبٍ فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] فِي النَّقْدِ وَغَيْرِهِ (بِشَرْطِ) جَرِّ نَفْعٍ لِلْمُقْرِضِ كَشَرْطِ (رَدِّ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ، أَوْ) رَدٍّ (زِيَادَةٍ) أَوْ رَدِّ جَيِّدٍ عَنْ رَدِيءٍ وَيَفْسُدُ بِذَلِكَ الْعَقْدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحَدِيثِ «كُلُّ قَرْضٍ يَجُرُّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعَقْدِ الْإِرْفَاقُ، فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ حَقًّا خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَمَنَعَ صِحَّتَهُ (وَلَوْ رَدَّ هَكَذَا) أَيْ زَائِدًا فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ (بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ) بَلْ مُسْتَحَبٌّ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ «إنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» وَلَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُهُ وَلَا أَخْذُ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِغَيْرِ شَرْطٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى قَبْلَ رَدِّ الْبَدَلِ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ، فَبَعْضُهُ شُرِطَ فِيهِ أَجَلٌ، وَبَعْضُهُ مَحْمُولٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْهَدِيَّةِ فِي الْعَقْدِ، وَفِي كَرَاهَةِ الْإِقْرَاضِ مِمَّنْ تَعَوَّدَ رَدَّ الزِّيَادَةِ وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا الْكَرَاهَةُ. (وَلَوْ شَرَطَ) أَنْ يَرُدَّ (مُكَسَّرًا عَنْ صَحِيحٍ) أَوْ رَدِيئًا عَنْ جَيِّدٍ (أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ) أَوْ شَيْئًا آخَرَ (لَغَا الشَّرْطُ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ) ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ بِإِحْسَانٍ لَا جَرُّ مَنْفَعَةٍ لِلْمُقْرِضِ بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ، وَالْعَقْدُ عَقْدُ إرْفَاقٍ، فَكَأَنَّهُ زَادَ فِي الْإِرْفَاقِ. وَالثَّانِي: يَفْسُدُ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّهْنِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. أُجِيبَ بِقُوَّةِ دَاعِي الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَأَيْضًا وَضْعُ الْعَقْدِ عَلَى جَرِّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ؟ ، فَكَيْفَ يَفْسُدُ الْقَرْضُ بِاشْتِرَاطِهِ. (وَلَوْ شَرَطَ أَجَلًا فَهُوَ كَشَرْطِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ) لِارْتِفَاقِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْأَجَلِ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَلَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَامْتَنَعَ فِيهِ الْأَجَلُ كَالصَّرْفِ، لَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِالْأَجَلِ لِأَنَّهُ وَعْدٌ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ الْحَالِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَغَيْرُ الْأَجَلِ مِمَّا ذُكِرَ فِي مَعْنَاهُ. نَعَمْ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ أَوْ نَذَرَهُ لَزِمَ إنْفَاذُ وَصِيَّتِهِ وَالْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا بِتَأْجِيلٍ، بَلْ تَأْخِيرُ طَلَبٍ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا فِي الزَّكَاةِ. (وَإِنْ كَانَ) لِلْمُقْرِضِ غَرَضٌ فِي الْأَجَلِ (كَزَمَنِ نَهْبٍ) وَالْمُسْتَقْرِضُ مَلِيءٌ كَمَا قَيْدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ (فَكَشَرْطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِيهِ مِنْ جَرِّ الْمَنْفَعَةِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيَلْغُو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ. وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ بِالْقَبْضِ، وَفِي قَوْلٍ بِالتَّصَرُّفِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] الشَّرْطُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ (شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ) وَإِشْهَادٍ وَإِقْرَارٍ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْثِقَةٌ لِلْعَقْدِ لَا زِيَادَةٌ فِيهِ، فَلَهُ - إذَا لَمْ يُوَفِّ الْمُقْتَرِضُ بِهِ - الْفَسْخُ عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِلَا شَرْطٍ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى رُجُوعٌ بِلَا سَبَبٍ. (وَيَمْلِكُ الْقَرْضَ) أَيْ الْمُقْرِضُ (بِالْقَبْضِ) ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ كَالْمَوْهُوبِ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ لِلْعِوَضِ مَدْخَلًا فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ (وَفِي قَوْلٍ) يَمْلِكُ (بِالتَّصَرُّفِ) الْمُزِيلِ لِلْمِلْكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْمِلْكُ قَبْلَهُ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَفِيمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُقْرِضِ (الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا) فِي مِلْكِ الْمُقْتَرِضِ (بِحَالِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ لَهُ طَلَبَ بَدَلِهِ عِنْدَ فَقْدِهِ، فَالْمُطَالَبَةُ بِعَيْنِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ رَدُّهُ. وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ فِيهِ، بَلْ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَالْخِلَافُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ وَإِلَّا رَجَعَ فِيهِ جَزْمًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بِحَالِهِ عَمَّا لَوْ وَجَدَهُ مَرْهُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ جَنَى فَتَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَوْ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ بِعَيْنِهِ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ قَطْعًا. نَعَمْ إنْ نَقَصَ فَلَهُ قَبُولُهُ مَعَ الْأَرْشِ أَوْ مِثْلِهِ سَلِيمًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ زَادَ رَجَعَ فِي زِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ: مَا لَوْ وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ مَعَ صِدْقِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَالِهِ. فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَا أَرْشَ لَهُ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ مُؤَجَّرًا بَلْ يَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ فَوَجْهَانِ، وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ الرُّجُوعُ. وَبِهِ جَزَمَ الْعِمْرَانِيُّ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . فَائِدَةٌ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اسْتَقْرَضَ فِي حَاجَةٍ غَيْرِ مَكْرُوهَةٍ فَاَللَّهُ مَعَهُ» . وَكَانَ رَاوِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِوَكِيلِهِ: اقْتَرِضْ لِي شَيْئًا لِأَبِيتَ وَاَللَّهُ مَعِي. خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: خُذْ مِنْ مَالِي الَّذِي لِي فِي جِهَةِ زَيْدٍ أَلْفًا قَرْضًا فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَا فِي جِهَةِ زَيْدٍ دَيْنًا عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ قَرْضُهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي إزَالَةِ مِلْكِهِ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَوْكِيلٌ بِقَبْضِ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَرْضٍ جَدِيدٍ أَوْ عَيْنًا كَوَدِيعَةٍ صَحَّ قَرْضًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَك عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَهُوَ جَعَالَةٌ، فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَقْرَضَهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَشَرَةَ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: ادْفَعْ مِائَةً قَرْضًا عَلَيَّ إلَى وَكِيلِي فُلَانٍ فَدَفَعَ ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ فَلَيْسَ لِلدَّافِعِ مُطَالَبَةُ الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْآمِرِ وَقَدْ انْتَهَتْ وَكَالَتُهُ بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ لِلْآخِذِ الرَّدُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ ضَمِنَهُ لِلْوَرَثَةِ، وَحَقُّ الدَّافِعِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ عُمُومًا لَا بِمَا دَفَعَ خُصُوصًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ لِلْغَيْرِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا يَمْتَنِعُ الْقَرْضُ لِلْإِعْرَاضِ لِقِصَّةِ أَبِي ضَمْضَمٍ، وَهِيَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ «لَمَّا أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ وَحَثَّ عَلَيْهَا قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَتَصَدَّقُ بِعِرْضِي عَلَى مَنْ نَالَهُ مِنْ خَلْقِكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا فَنَادَى: أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ بِعِرْضِهِ فَقَامَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ قَبِلَ صَدَقَتَكَ» وَفِي الْحَدِيثِ «أَقْرِضْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ عَرْضِكَ» . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 كِتَابُ الرَّهْنِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الرَّهْنِ] (كِتَابُ الرَّهْنِ) هُوَ لُغَةً: الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ، وَمِنْهُ الْحَالَةُ الرَّاهِنَةُ: أَيْ: الثَّابِتَةُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الِاحْتِبَاسُ، وَمِنْهُ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] وَشَرْعًا: جَعْلُ عَيْنِ مَالٍ وَثِيقَةً بِدَيْنٍ يُسْتَوْفَى مِنْهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ وَفَائِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِأَهْلِهِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِخَبَرِ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ» أَيْ مَحْبُوسَةٌ فِي الْقَبْرِ غَيْرِ مُنْبَسِطَةٍ مَعَ الْأَرْوَاحِ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ، وَفِي الْآخِرَةِ مَعُوقَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ أَوْ مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ صَحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ بَطَلَ الرَّهْنُ، وَإِنْ نَفَعَ الْمُرْتَهِنَ وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ   [مغني المحتاج] عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَفْتَكَّهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ» وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ، أَوْ عَلَى مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً: أَيْ وَقَصَّرَ. أَمَّا مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ بِأَنْ مَاتَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَفِي عَزْمِهِ الْوَفَاءُ فَلَا تُحْبَسُ نَفْسُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اقْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُسْلِمِينَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِجَوَازِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ مَيَاسِيرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ. وَالْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ ثَلَاثَةٌ: شَهَادَةٌ، وَرَهْنٌ، وَضَمَانٌ. فَالْأُولَى لِخَوْفِ الْجَحْدِ، وَالْأَخِيرَتَانِ لِخَوْفِ الْإِفْلَاسِ. وَأَرْكَانُ الرَّهْنِ أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ، وَعَاقِدٌ، وَمَرْهُونٌ، وَمَرْهُونٌ بِهِ. وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَالِيٌّ فَافْتَقَرَ إلَيْهِمَا كَالْبَيْعِ، وَالْقَوْلُ فِي الْمُعَاطَاةِ وَالِاسْتِيجَابِ مَعَ الْإِيجَابِ، وَالِاسْتِقْبَالِ مَعَ الْقَبُولِ هُنَا كَالْبَيْعِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَصُورَةُ الْمُعَاطَاةِ هُنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَقْرِضْنِي عَشَرَةً لِأُعْطِيَكَ ثَوْبِي هَذَا رَهْنًا فَيُعْطِيَ الْعَشَرَةَ وَيُقَبِّضَهُ الثَّوْبَ (فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ) أَيْ الرَّهْنِ (مُقْتَضَاهُ كَتَقَدُّمِ الْمُرْتَهِنِ بِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ دَيْنَهُ، (أَوْ) شُرِطَ فِيهِ (مَصْلَحَةٌ لِلْعَقْدِ كَالْإِشْهَادِ) بِهِ (أَوْ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الرَّقِيقُ الْمَرْهُونَ كَذَا (صَحَّ الْعَقْدُ) فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ كَالْبَيْعِ وَلَغَا الشَّرْطُ الْأَخِيرُ. (وَإِنْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ) ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الرَّاهِنُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ لَا يَبِيعُهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ يَكُونَ مَضْمُونًا أَوْ لَا يَقْدَمُ بِهِ (بَطَلَ الرَّهْنُ) أَيْ عَقْدُهُ لِإِخْلَالِ الشَّرْطِ بِالْغَرَضِ مِنْهُ (وَإِنْ نَفَعَ) الشَّرْطُ (الْمُرْتَهِنَ، وَضَرَّ الرَّاهِنَ كَشَرْطِ) زَوَائِدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ،   [مغني المحتاج] الْمَرْهُونِ، أَوْ (مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الشَّرْطُ) لِحَدِيثِ «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وَكَذَا: الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] فَهُوَ بَاطِلٌ» (وَكَذَا) يَبْطُلُ (الرَّهْنُ فِي الْأَظْهَرِ) لِمُخَالَفَةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَالشَّرْطِ الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ،   [مغني المحتاج] يَضُرُّ الْمُرْتَهِنَ، وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ بَلْ يَلْغُو الشَّرْطُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ذَلِكَ: كَالْقَرْضِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ شُرِطَ مَا يَضُرُّ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ فِي بَيْعٍ بَطَلَ الْبَيْعُ أَيْضًا لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ: إذَا أَطْلَقَ الْمَنْفَعَةَ، فَلَوْ قَدَّرَهَا وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ كَقَوْلِهِ: وَتَكُونُ مَنْفَعَتُهُ لِي سَنَةً فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ. (وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ) أَيْ الْمَرْهُونِ كَصُوفِهِ وَثَمَرَتِهِ وَوَلَدِهِ (مَرْهُونَةً فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ وَمَجْهُولَةٌ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّ لِلزَّوَائِدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 وَأَنَّهُ مَتَى فَسَدَ فَسَدَ الْعَقْدُ.   [مغني المحتاج] لِضَعْفِهِ. فَإِذَا قَوِيَ بِالشَّرْطِ سَرَى، وَاحْتُرِزَ بِالزَّوَائِدِ عَنْ الْأَكْسَابِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهَا بَاطِلٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ شُرِطَ أَنْ تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَرْهُونَةً بَطَلَ قَطْعًا (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ مَتَى فَسَدَ) الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ (فَسَدَ الْعَقْدُ) يَعْنِي أَنَّهُ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ هُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 وَشَرْطُ الْعَاقِدِ كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ   [مغني المحتاج] الْقَوْلَانِ فِي فَسَادِ الرَّهْنِ بِفَسَادِ شَرْطِ الْمَنَافِعِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهُهُمَا، فَلَوْ قَالَ كَشَرْطِ مَنْفَعَتِهِ لِلْمُرْتَهِنِ، أَوْ أَنْ تَحْدُثَ زَوَائِدُهُ مَرْهُونَةً إلَخْ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَاقِدُ فَقَالَ. : (وَشَرْطُ الْعَاقِدِ) مِنْ رَاهِنٍ وَمُرْتَهِنٍ (كَوْنُهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ) أَيْ بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ.   [مغني المحتاج] يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ مُخْتَارًا كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. ، (فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ) أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا يَرْتَهِنُ لَهُمَا) . أَمَّا الرَّاهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ، فَهُوَ حَبْسٌ لِمَالِهِمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَأَمَّا الِارْتِهَانُ فَلِأَنَّ الْوَلِيَّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لَا يَبِيعُ إلَّا بِحَالٍّ مَقْبُوضٍ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ارْتِهَانَ، وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِيمَا ذُكِرَ، فَلَوْ قَالَ: وَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ مَالَ مَحْجُورِهِ لَشَمِلَهُ، أَوْ يَقُولُ الْوَلِيُّ وَيُطْلِقُ (إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ) فَيَجُوزُ لَهُ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ فِيهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِثَالُهُمَا لِلضَّرُورَةِ أَنْ يَرْهَنَ عَلَى مَا يَقْتَرِضُ لِحَاجَةِ الْمُؤْنَةِ لِيُوفِيَ مِمَّا يُنْتَظَرُ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ، أَوْ نَفَاقِ مَتَاعٍ كَاسِدٍ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى مَا يُقْرِضُهُ أَوْ يَبِيعُهُ مُؤَجَّلًا لِضَرُورَةِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمِثَالُهُمَا لِلْغِبْطَةِ أَنْ يَرْهَنَ مَا يُسَاوِي مِائَةً عَلَى ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَهُوَ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ عَلَى ثَمَنِ مَا يَبِيعُهُ نَسِيئَةً لِغِبْطَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَالِهِ مُؤَجَّلًا لِغِبْطَةٍ مِنْ أَمِينٍ غَنِيٍّ وَبِإِشْهَادٍ وَأَجَلٍ قَصِيرٍ فِي الْعُرْفِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْهُونِ وَافِيًا بِالثَّمَنِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ بَاعَ مَالَهُ نَسِيئَةً أَوْ أَقْرَضَهُ لِنَهْبٍ ارْتَهَنَ جَوَازًا إنْ كَانَ قَاضِيًا وَإِلَّا فَوُجُوبًا، فَإِنْ خَافَ تَلَفَ الْمَرْهُونِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْتَهِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ وَيَرْفَعُهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى سُقُوطَ الدَّيْنِ بِتَلَفِ الْمَرْهُونِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ الَّذِي فُرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَا يَرْهَنُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَبَرَّعُ بِهِ، وَحَيْثُ جَازَ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ جَازَ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَنْ يُعَامِلَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 وَشَرْطُ الرَّهْنِ كَوْنُهُ عَيْنًا فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ وَالْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَعَكْسُهُ،   [مغني المحتاج] وَيَتَوَلَّيَا الطَّرَفَيْنِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمَا ذَلِكَ، وَرَهْنُ الْمُكَاتَبِ وَارْتِهَانُهُ كَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ أَعْطَاهُ سَيِّدُهُ مَالًا، وَإِلَّا فَإِنْ اتَّجَرَ بِجَاهِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: اتَّجِرْ بِجَاهِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ مَالًا فَكَمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَرْبَحْ، فَإِنْ رَبِحَ بِأَنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالٌ كَانَ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ مَالًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْمُكَاتَبَ، فَيُسْتَثْنَى رَهْنُهُ وَارْتِهَانُهُ مَعَ السَّيِّدِ، وَمَا لَوْ رَهَنَ عَلَى مَا يُؤَدِّي بِهِ النَّجْمَ الْأَخِيرَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْعِتْقِ. ثَمّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمَرْهُونُ فَقَالَ: (وَشَرْطُ الرَّهْنِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (كَوْنُهُ عَيْنًا) يَصِحُّ بَيْعُهَا (فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَصِحُّ رَهْنُ دَيْنٍ وَلَوْ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ رَهْنُهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ مَنْفَعَةٍ جَزْمًا كَأَنْ يَرْهَنَ سُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَتْلَفُ فَلَا يَحْصُلُ بِهَا اسْتِيثَاقٌ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَ الْمَرْهُونِ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً بِلَا إنْشَاءٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ فَبَدَّلَهُ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي: رُهِنَ عَلَى الْأَرْجَحِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ. وَلَا رَهْنَ عَيْنٍ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا كَوَقْفٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ (وَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ) كَرَهْنِ كَلِّهِ مِنْ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الشَّرِيكِ، وَيُقْبَضُ بِتَسْلِيمِ كُلِّهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَيَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَبِالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ إلَّا فِيمَا يُنْقَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهُ إلَّا بِالنَّقْلِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ أَبَى الْإِذْنَ فَإِنْ رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ جَازَ وَنَابَ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ تَنَازَعَا نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَدْلًا يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا وَيُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُؤَجَّرُ، وَتَجْرِي الْمُهَايَأَةُ بَيْنَ الْمُرْتَهِنِ وَالشَّرِيكِ كَجَرَيَانِهَا بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ. (وَ) يَصِحُّ رَهْنُ (الْأُمِّ) قَالَ الشَّارِحُ: مِنْ الْإِمَاءِ (دُونَ وَلَدِهَا) غَيْرِ الْمُمَيِّزِ (وَعَكْسُهُ) أَيْ رَهْنُهُ دُونَهَا؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا   [مغني المحتاج] الْمِلْكَ فِيهِمَا بَاقٍ فَلَا تَفْرِيقَ، وَهُوَ فِي الْأُمِّ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَهَا ذَاتَ وَلَدٍ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ الْإِمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمَتْنَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ إذْ كَلَامُهُمْ فِي الْأَمَةِ، وَأَيْضًا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ إنَّمَا تَأْتِي فِيهَا (وَعِنْدَ الْحَاجَةِ) إلَى تَوْفِيَةِ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَرِ الْمَرْهُونِ (يُبَاعَانِ) مَعًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ) عَلَيْهِمَا كَمَا قَالَ (وَالْأَصَحُّ أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ وَحْدَهَا) إذَا كَانَتْ هِيَ الْمَرْهُونَةَ فَتُقَوَّمُ مَوْصُوفَةً بِكَوْنِهَا ذَاتَ وَلَدٍ حَاضِنَةً لَهُ. فَإِذَا قِيلَ: قِيمَتُهَا مِائَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 ثُمَّ مَعَ الْوَلَدِ فَالزَّائِدُ قِيمَتُهُ.   [مغني المحتاج] مَثَلًا حُفِظَ (ثُمَّ) تُقَوَّمُ (مَعَ الْوَلَدِ) فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهُمَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مَثَلًا (فَالزَّائِدُ) عَلَى قِيمَتِهَا وَهُوَ خَمْسُونَ (قِيمَتُهُ) فَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ ثُلُثَا الثَّمَنِ يَقْضِي مِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا. وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] الدَّيْنَ وَلِلرَّهْنِ الثُّلُثُ لَا تَعَلُّقَ لَلْمُرْتَهِنِ بِهِ، وَالْأَصَحُّ فِي صُورَةِ رَهْنِ الْوَلَدِ دُونَهَا أَنَّ التَّقْوِيمَ يَنْعَكِسُ فَيُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَحْدَهُ مَحْضُونًا مَكْفُولًا ثُمَّ مَعَ أُمِّهِ. فَالزَّائِدُ قِيمَةُ الْأُمِّ، وَحُكْمُ الْوَلَدِ مَعَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَمْتَنِعُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا كَحُكْمِهِ مَعَ الْأُمِّ. (وَرَهْنُ الْجَانِي وَالْمُرْتَدِّ كَبَيْعِهِمَا) وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا قَوَدٌ أَوْ بِذِمَّتِهِ مَالٌ، وَفِي الْخِيَارِ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ، وَإِذَا صَحَّ رَهْنُ الْجَانِي لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ بَاقٍ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ، وَرَهْنُ الْمُحَارِبِ صَحِيحٌ أَيْضًا كَبَيْعِهِ. (وَرَهْنُ الْمُدَبَّرِ) وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ جَازَ بَيْعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَمُوتُ فَجْأَةً فَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ، وَقِيلَ يَجُوزُ كَبَيْعِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جَازَ وَكَانَ رُجُوعًا أَوْ بِالثَّانِي فَلَا، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ. (وَ) رَهْنُ (الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) تَتَقَدَّمُ عَلَى حُلُولِ الدَّيْنِ بِأَنْ يُتَيَقَّنَ الْحُلُولُ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَكَذَا لَوْ اُحْتُمِلَ الْأَمْرَانِ أَوْ عُلِمَتْ الْمُقَارَنَةُ أَوْ لَمْ تُعْلَمْ بَلْ كَانَ (يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) إذَا لَمْ يُشْرَطْ بَيْعُهُ قَبْلَ وُجُودِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ مَا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، وَقِيلَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ مُخْرِجٌ مِنْ رَهْنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بَيْعُهُ إذَا خَشِيَ تَلَفَهُ وَجَعْلُ ثَمَنِهِ رَهْنَهُ، وَالظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ لِغَرَضِهِ فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنْ شَرَطَ بَيْعَهُ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ، أَوْ تَيَقَّنَ حُلُولَهُ قَبْلَهَا بِأَنْ رَهَنَهُ بِحَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ وُجُودِهَا بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ صَحَّ الرَّهْنُ جَزْمًا، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُدَبَّرُ لَا يُعْلَمُ فِيهِ ذَلِكَ، فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ يُمْنَعُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ النُّصُوصِ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمُدَبَّرِ آكَدُ مِنْهُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِهِ دُونَ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ: أَيْ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْمَذَاهِبِ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ حَتَّى وُجِدَتْ عَتَقَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِتْقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ فَعَلَ، وَإِلَّا رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ أَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا صَحَّ، وَيُبَاعُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَدَ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] الْمُعَلَّقِ بِحَالِ التَّعْلِيقِ لَا بِحَالِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ بِالْعِتْقِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ إنْ جَهِلَ التَّعْلِيقَ كَمَا فِي رَهْنِ الْجَانِي. (وَلَوْ رَهَنَ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ) بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ الْفَسَادِ أَوْ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يَسَعُ الْبَيْعَ (فَإِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ كَرُطَبٍ) يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ أَوْ عِنَبٌ يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ، أَوْ لَحْمٌ طَرِيٌّ يُتَقَدَّدُ (فَعَلَ) حِفْظًا لِلرَّهْنِ، وَالْمُجَفِّفُ لَهُ هُوَ الْمَالِكُ وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ. أَمَّا إذَا كَانَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ عَلَى حَالِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَا تُجَفَّفُ وَاللَّحْمِ الَّذِي لَا يُتَقَدَّدُ وَالْبُقُولُ يُنْظَرُ (فَإِنْ رَهَنَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ) بِزَمَنٍ يَسَعُ بَيْعُهُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ (أَوْ) يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَكِنْ (شَرَطَ) فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ (بَيْعَهُ) عِنْدَ إشْرَافِهِ عَلَى الْفَاسِدِ (وَجَعَلَ الثَّمَنَ رَهْنًا) مَكَانَهُ (صَحَّ) الرَّهْنُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ. فَإِنْ قِيلَ: شَرْطُ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ بِشَرْطِ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا لَا يَصِحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ هُنَا لِلْحَاجَةِ. (وَيُبَاعُ) الْمَرْهُونُ وُجُوبًا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ وَحِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ، وَكَذَا يُبَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَيَكُونُ ثَمَنُهُ رَهْنًا) مَكَانَهُ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بِلَا إنْشَاءِ عَقْدٍ. (وَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ بَيْعِهِ) قَبْلَ الْحُلُولِ (لَمْ يَصِحَّ) الرَّهْنُ لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمَقْصُودِ التَّوَثُّقِ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَسَدَ) الرَّهْنُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْمَحَلِّ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الرَّهْنِ، وَهَذَا مَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَى تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَيُبَاعُ عِنْدَ تَعَرُّضُهُ لِلْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إتْلَافَ مَالِهِ. (وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ) الْمَرْهُونُ (قَبْلَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ صَحَّ) الرَّهْنُ الْمُطْلَقُ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُلُولِ. وَالثَّانِي: يَفْسُدُ لِجَهْلِنَا إمْكَانَ الْبَيْعِ عِنْدَ الْمَحِلِّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَا يُعْلَمُ تَتَقَدَّمُ أَوْ تَتَأَخَّرُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسَادِ ثَمَّ وَهُوَ التَّعْلِيقُ مَوْجُودٌ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَبِأَنَّ عَلَامَةَ الْفَسَادِ هُنَا تَظْهَرُ دَائِمًا بِخِلَافِهَا ثَمَّ، وَبِأَنَّ الشَّخْصَ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ يَفْسُدُ قَبْلَ الْأَجَلِ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ،   [مغني المحتاج] فِي إتْلَافِ مَالِهِ وَلَهُ غَرَضٌ فِي عِتْقِهِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَفَرَّطَ بِأَنْ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَتَرَكَ الرَّفْعَ إلَى الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ: ضَمِنَ. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَهَنِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهُ ثَمَّ إنَّمَا امْتَنَعَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالِاسْتِعْجَالِ فِي تَرْوِيجِ السِّلْعَةِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لِيَكُونَ وَثِيقَةً لَهُ، وَلَوْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مَعَ الشَّجَرِ صَحَّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ كَانَ الثَّمَرُ لَا يَتَجَفَّفُ فَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَصِحُّ تَارَةً وَيَفْسُدُ أُخْرَى، وَيَصِحُّ فِي الشَّجَرِ مُطْلَقًا، وَوَجْهُهُ عِنْدَ فَسَادِهِ فِي الثَّمَرَةِ الْبِنَاءُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ رَهَنَ الثَّمَرَةَ مُفْرَدَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَجَفَّفُ فَهِيَ كَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَتَجَفَّفُ جَازَ رَهْنُهَا وَلَوْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَبِغَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا يُبْطِلُ بِاحْتِيَاجِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعُ فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي يَبْطُلُ، وَلَوْ رَهَنَهَا بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ الْجِدَادِ وَأَطْلَقَ الرَّهْنَ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ الْقَطْعَ وَلَا عَدَمَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الثِّمَارِ الْإِبْقَاءُ إلَى الْجِدَادَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْمَحَلِّ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى إصْلَاحِهَا مِنْ سَقْيٍ وَجِدَادٍ وَتَجْفِيفٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ تَرَكَ إصْلَاحَهَا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا وَهُمَا مُطْلَقَا التَّصَرُّفِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ الْآخَرِ مِنْ قَطْعِهَا وَقْتَ الْجِدَادِ. أَمَّا قَبْلَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمَنْعُ إنْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَلَوْ رَهَنَ ثَمَرَةً يُخْشَى اخْتِلَاطُهَا بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ يَحِلُّ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهَا قَبْلَهُ صَحَّ إذْ لَا مَانِعَ، وَإِنْ أُطْلِقَ الرَّهْنُ صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ صَحَّ الْعَقْدُ انْفَسَخَ لِعَدَمِ لُزُومِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا، ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا عَلَى كَوْنِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ رَهْنًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ، وَرَهْنُ مَا اشْتَدَّ حَبُّهُ مِنْ الزَّرْعِ كَبَيْعِهِ، فَإِنْ رَهَنَهُ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ مُنْفَرِدًا وَهُوَ بَقْلٌ فَكَرَهْنِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ أَوْ مُنْفَرِدَةً قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَدْ مَرَّ. (وَإِنْ رَهَنَ مَا لَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ فَطَرَأَ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ) قَبْلَ الْحُلُولِ (كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الرَّهْنُ بِحَالٍ) وَإِنْ تَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْآبِقَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ، فَكَذَا هُنَا، وَسَوَاءٌ طَرَأَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، بَلْ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ تَجْفِيفِهِ عَلَى بَيْعِهِ وَجَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا مَكَانَهُ حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِيرَ شَيْئًا لِيَرْهَنَهُ) بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَوَثَّقَ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِمَا لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 وَهُوَ فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ فِي الْأَصَحِّ ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ   [مغني المحتاج] يَمْلِكُهُ بِدَلِيلِ الْإِشْهَادِ وَالْكَفَالَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَمْلِكُ الثَّمَنَ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُثَمَّنَ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فَتَصِحُّ إعَارَتُهُمَا لِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ إعَارَتُهُمَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، (وَهُوَ) أَيْ عَقْدُ الِاسْتِعَارَةِ بَعْدَ الرَّهْنِ (فِي قَوْلٍ عَارِيَّةٌ) أَيْ بَاقٍ عَلَيْهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا مِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ إلَى ضَمَانِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَإِنْ كَانَ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ) مِنْ الْمُعِيرِ (فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ) الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ دَيْنَ غَيْرِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ إلْزَامَ ذَلِكَ عَيْنَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلُّ حَقِّهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلدَّيْنِ بِذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَرْهُونُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ. (فَيُشْتَرَطُ) عَلَى هَذَا (ذِكْرُ جِنْسِ الدَّيْنِ) كَكَوْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (وَقَدْرِهِ) كَعَشَرَةٍ أَوْ مِائَةٍ (وَصِفَتِهِ) مِنْ صِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَحُلُولٍ وَتَأْجِيلٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ كَمَا فِي الضَّمَانِ (وَكَذَا الْمَرْهُونُ عِنْدَهُ) فَيُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ لِضَعْفِ الْغَرَضِ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ، وَمَتَى خَالَفَ مَا عَيَّنَهُ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْمُخَالَفَةِ لَا إنْ رَهَنَ بِأَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَهُ لَهُ كَأَنْ عَيَّنَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةٍ فَلَا يَبْطُلُ لِرِضَا الْمُعِيرِ بِهِ فِي ضِمْنِ رِضَاهُ بِالْأَكْثَرِ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَوْ قَالَ: ارْهَنْهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، وَلَوْ رَهَنَهُ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لَا فِي الزَّائِدِ فَقَطْ لِلْمُخَالَفَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ وَاحِدٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ فِي الْأُولَى قَدْ يَبِيعُ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ الْمَرْهُونَ دُونَ الْآخَرِ، فَيَتَشَقَّصُ الْمِلْكُ عَلَى الْمُعِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَدَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَهُ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ بِأَدَاءِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمَالِكُ: ضَمِنْتُ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْكَ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْمَضْمُونِ لَهُ كَفَى وَكَانَ كَالْإِعَارَةِ لِلرَّهْنِ. ، (فَلَوْ تَلِفَ) الْمَرْهُونُ الْمُعَارُ بَعْدَ رَهْنِهِ أَوْ بِيعَ فِي جِنَايَتِهِ (فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَلَا عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَقَّ عَنْ ذِمَّتِهِ وَيَضْمَنُهُ عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ. أَمَّا إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَيْهِ حُكْمُ الضَّمَانِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ فَكَإِعْتَاقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ. وَيُبَاعُ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِمَا بِيعَ بِهِ.   [مغني المحتاج] الْمَرْهُونِ فَيَنْفُذُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أُقِيمَ بَدَلُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. (وَلَا رُجُوعَ لِلْمَالِكِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّهْنِ مَعْنًى، إذْ لَا وُثُوقَ بِهِ. وَأَفْهَمَ جَوَازُ الرُّجُوعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِعَدَمِ لُزُومِهِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ حِينَئِذٍ فَسْخُ بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ رَهْنُ ذَلِكَ إنْ جَهِلَ الْحَالَ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَقَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْمُعَارَ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى فَكِّهِ، (فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ كَانَ حَالًّا) وَأَمْهَلَهُ الْمُرْتَهِنُ فَلِلْمَالِكِ ذَلِكَ، فَإِنْ طَالَبَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ (رُوجِعَ الْمَالِكُ لِلْبَيْعِ) فَقَدْ يُرِيدُ فِدَاءَهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ رَهَنَ عَنْ دَيْنِ نَفْسِهِ لَوَجَبَتْ مُرَاجَعَتُهُ فَهُنَا أَوْلَى. (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُبَاعُ) الْمُعَارُ (إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ) مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ أَوْ الرَّاهِنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمَالِكُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا أَمْ مُوسِرًا كَمَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ يَسَارِ الْأَصِيلِ وَإِعْسَارِهِ (ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ) عَلَى الرَّاهِنِ (بِمَا بِيعَ بِهِ) الْمَرْهُونُ لِانْتِفَاعِ الرَّاهِنِ بِهِ فِي دَيْنِهِ، سَوَاءٌ بِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْ بِأَكْثَرَ أَمْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، هَذَا عَلَى قَوْلِ الضَّمَانِ. فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْعَارِيَّةِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ إنْ بِيعَ بِهَا أَوْ بِأَقَلَّ، وَكَذَا بِأَكْثَرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بِهَا تُضْمَنُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ: يَرْجِعُ بِمَا بِيعَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مِلْكِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ قَضَى مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ الْمَالِكُ فِي عَيْنِ مَالِهِ، فَإِنْ قَضَاهُ الْمَالِكُ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَرَجَعَ بِمَا دَفَعَهُ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ قَضَى بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الرَّهْنُ بِالْإِذْنِ كَالضَّمَانِ بِهِ فَيَرْجِعُ وَإِنْ قَضَى بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَيْضًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَضَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا إذَا قَضَى مِنْ غَيْرِهِ كَمَا هُنَا فَلَا. وَحَاصِلُهُ قَصْرُ الرُّجُوعِ فِيهِمَا عَلَى مَحَلِّ الضَّمَانِ، وَهُوَ هُنَا رَقَبَةُ الْمَرْهُونِ وَثَمَّ ذِمَّةُ الضَّامِنِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الرَّاهِنُ الْإِذْنَ فَشَهِدَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ لِلْمُعِيرِ قُبِلَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَلَوْ رَهَنَ شَخْصٌ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إنْ بِيعَ بِمَا بِيعَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحَّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ كَنَظِيرِهِ فِي الضَّمَانِ فِيهِمَا. وَلَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ لِغَيْرِهِ: ارْهَنْ عَبْدَكَ مَثَلًا بِدَيْنِي مِنْ فُلَانٍ فَرَهَنَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ وَرَهَنَهُ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَرْهُونُ بِهِ مُتَرْجِمًا بِفَصْلٍ، فَقَالَ فَصْلٌ شَرْطُ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنُهُ دَيْنًا فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْعَيْنِ مَضْمُونَةً، كَانَتْ كَالْمَغْصُوبِ كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ أَمَانَةً كَالْمَوْدُوعِ وَمَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الرَّهْنَ فِي الْمُدَايَنَةِ فَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِغَرَضِ الرَّهْنِ عِنْدَ الْبَيْعِ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ بُطْلَانُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَوْنِهِ يَقِفُ كِتَابًا وَيَشْرِطُ أَنْ لَا يُعَارَ أَوْ لَا يَخْرُجَ مِنْ مَكَان يَحْبِسُهُ فِيهِ إلَّا بِرَهْنٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِخِلَافِهِ، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ بَحْثًا، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ عَنَى الرَّهْنَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَصِحَّ أَوْ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ إرَادَةٌ فَالْأَقْرَبُ صِحَّتُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الثَّانِي تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ، وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَهُ: إنَّ الْأَقْرَبَ صِحَّتُهُ، وَحَمَلَهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَتْبَعُ اللُّغَةَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ شَرْعًا، وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ؟ اهـ. وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ: بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا، إذْ الْمَقْصُودُ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ، وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يُضْمَنْ، وَعَلَى إلْغَاءِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِرَهْنٍ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا. نَعَمْ إنْ تَعَسَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ وَوُثِقَ بِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنَّهُ يَرُدُّهُ إلَى مَحَلِّهِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ جَازَ إخْرَاجُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا - كَوْنُهُ (ثَابِتًا) فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ كَنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ فِي الْغَدِ أَمْ لَا: كَرَهْنِهِ عَلَى مَا سَيَقْتَرِضُهُ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةُ حَقٍّ فَلَا تُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ، فَلَوْ ارْتَهَنَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَقَبْضِهِ كَانَ مَأْخُوذًا عَلَى جِهَةِ سَوْمِ الرَّهْنِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّتْ الْمَنْفَعَةُ أَوْ اسْتَقْرَضَ لَمْ يَصِرْ رَهْنًا إلَّا بِقَبْضٍ جَدِيدٍ. ثَانِيهَا كَوْنُهُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ، فَلَوْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الضَّمَانِ، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَنَصُّ الْأُمِّ يَشْهَدُ لَهُ. ثَالِثُهَا: كَوْنُهُ (لَازِمًا) فَلَا يَصِحُّ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَلَا يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْوَثِيقَةِ مَعَ تَمَكُّنِ الْمَدْيُونِ مِنْ إسْقَاطِ الدَّيْنِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِ مُحْتَرَزَاتِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَقَالَ (فَلَا يَصِحُّ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَضَمَانِهَا لِتُرَدَّ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ فَقَالَ اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ أَوْ قَالَ بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ بِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ،   [مغني المحتاج] بِأَنَّ ضَمَانَهَا لَا يَجُرَّ - لَوْ لَمْ تَتْلَفْ - إلَى ضَرَرٍ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ بِهَا فَيَجُرُّ إلَى ضَرَرِ دَوَامِ الْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِتَنَاوُلِهِ الْمَأْخُوذَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ وَالْمَأْخُوذَ بِسَوْمٍ وَالْمَبِيعَ وَالصَّدَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ، بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَضْمُونِ كَالْمَوْدُوعِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ خَرَجَتْ عَنْ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ: دَيْنًا (وَلَا بِمَا سَيُقْرِضُهُ) لِمَا مَرَّ، وَعَنْ ذَلِكَ الدَّاخِلِ فِي الدَّيْنِ بِتَجَوُّزٍ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ثَابِتًا. (وَلَوْ) امْتَزَجَ الرَّهْنُ بِسَبَبِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ كَأَنْ (قَالَ: أَقْرَضْتُك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ وَارْتَهَنْتُ بِهَا عَبْدَكَ، فَقَالَ: اقْتَرَضْتُ وَرَهَنْتُ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَارْتَهَنْتُ الثَّوْبَ بِهِ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّهْنِ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ، فَمَزْجُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّوَثُّقَ فِيهِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَفِي بِالشَّرْطِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ الْعَقْدِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذَلِكَ اُغْتُفِرَ لِحَاجَةِ التَّوَثُّقِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا فِي صُورَةِ الْبَيْعِ إلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الثَّمَنِ وَانْعِقَادِ الرَّهْنِ عَقِبَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِكَذَا وَأَعْتَقَهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ الْمِلْكُ لَهُ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطٌ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْخِطَابُ بِالْقَرْضِ مَثَلًا عَلَى الْخِطَابِ بِالرَّهْنِ، وَجَوَابُ الْقَرْضِ عَلَى جَوَابِ الرَّهْنِ، وَقَالَ: بِعْتُكَ أَوْ زَوَّجْتُكَ أَوْ أَجَرْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي كَذَا، فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ أَوْ تَزَوَّجْتُ أَوْ اسْتَأْجَرْتُ وَرَهَنْتُ صَحَّ - كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي - وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ بَعْدُ: ارْتَهَنْتُ أَوْ قَبِلْتُ لِتَضَمُّنِ هَذَا الشَّرْطِ الِاسْتِيجَابَ. وَمِنْ صُوَرِ مَزْجِ الرَّهْنِ: أَنْ يَقُولَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِكَذَا وَرَهَنْتُ بِهِ هَذَا الثَّوْبَ، فَيَقُولُ: بِعْتُ وَارْتَهَنْتُ (وَلَا يَصِحُّ) الرَّهْنُ (بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ) لِمَا سَلَفَ (وَلَا بِجَعْلِ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ) مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فَسْخَهَا مَتَى شَاءَا. فَإِنْ قِيلَ: الثَّمَنُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي. أُجِيبَ بِأَنَّ مُوجِبَ الثَّمَنِ الْبَيْعُ وَقَدْ تَمَّ، بِخِلَافِ مُوجِبِ الْجُعَلِ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَعَنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَازِمًا. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ، فَيَقُولُ شَخْصٌ: ائْتِنِي بِرَهْنٍ وَأَنَا أَرُدُّهُ، وَمِثْلُهُ: إنْ رَدَدْتَهُ فَلَكَ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ بِهِ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ. وَيَجُوزُ بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَبِالدَّيْنِ رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمَرْهُونَ عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ فِي الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] مَنْ جَاءَ بِهِ فَلَهُ دِينَارٌ وَهَذَا رَهْنٌ (وَقِيلَ يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ لِانْتِهَاءِ الْأَمْرِ فِيهِ إلَى اللُّزُومِ. أَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَيَصِحُّ قَطْعًا لِلُّزُومِ الْجُعْلِ بِهِ. (وَيَجُوزُ) الرَّهْنُ (بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ، وَالْأَصْلُ فِي وَضْعِهِ اللُّزُومُ، بِخِلَافِ جُعْلِ الْجَعَالَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ قُلْنَا مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لِيَمْلِكَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي الثَّمَنِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ، وَدَخَلَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي قَوْلِهِ لَازِمًا بِتَجَوُّزٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يُغْنِي عَنْ الثَّابِتِ اللَّازِمُ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مَعْنَاهُ الْوُجُودُ فِي الْحَالِ وَاللُّزُومُ وَعَدَمُهُ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الدَّيْنِ، كَمَا يُقَالُ: دَيْنُ الْقَرْضِ لَازِمٌ، وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّيْنِ اللَّازِمِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا سَيُقْرِضُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلِأَنَّ الِالْتِزَامَاتِ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ، وَهُمَا وَصْفَانِ مَقْصُودَانِ يُحْتَرَزُ بِهِمَا عَنْ عَدَمِ الثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ، وَلَا فَرْقَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ الْمُسْتَقِرِّ: كَدِينِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ، وَغَيْرِ الْمُسْتَقِرِّ: كَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ. أَمَّا الْأُجْرَةُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهَا لِعَدَمِ لُزُومِهَا فِي الذِّمَّةِ، إذْ يَلْزَمُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ قَبَلَ التَّفَرُّقِ، فَهِيَ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَيَصِحُّ بِالْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لَا بِهَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى دَيْنٌ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَيَصِحُّ بِمَالِ الْمُسَابَقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عَقْدِهَا اللُّزُومُ لَا بِالذِّمَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِطُرُوِّ الْمَوْتِ وَالْجُنُونِ بِخِلَافِهَا بَعْدَ الْحُلُولِ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَا بِالزَّكَاةِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُلُولِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا قَبْلَهُ، وَلِعَدَمِ الدَّيْنِ بَعْدَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ وَابْنِ الْمُقْرِي لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ شَرِكَةً، وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَدَوَامًا بِأَنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبِتَقْدِيرِ بَقَائِهِ، فَالتَّعَلُّقُ بِهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرِكَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ رِضَا الْمُسْتَحِقِّينَ قَطْعًا فَصَارَتْ الذِّمَّةُ كَأَنَّهَا مَنْظُورٌ إلَيْهَا. (وَ) يَجُوزُ (بِالدَّيْنِ) الْوَاحِدِ (رَهْنٌ بَعْدَ رَهْنٍ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْوَثِيقَةِ وَيَصِيرَانِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُمَا مَعًا (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ الْمَرْهُونَ) قَالَ الشَّارِحُ: بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ ثَانٍ (عِنْدَهُ بِدَيْنٍ آخَرَ) مَعَ بَقَاءِ رَهْنِهِ الْأَوَّلِ (فِي الْجَدِيدِ) وَإِنْ وَفَّى بِالدَّيْنَيْنِ وَكَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا كَمَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الرَّهْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِقَبْضِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عَقْدُهُ وَتَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ الرَّاهِنَ وَلَا عَبْدَهُ، وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهٌ،   [مغني المحتاج] يَشْغَلُ الرَّهْنَ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَالزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ شَغْلُ فَارِغٍ فَيَصِحُّ، وَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ شَغْلُ مَشْغُولٍ فَلَا يَصِحُّ. نَعَمْ لَوْ جَنَى الرَّقِيقُ الْمَرْهُونُ فَفَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ وَالْفِدَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الرَّهْنِ لِتَضَمُّنِهِ اسْتِبْقَاءَهُ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْمَرْهُونِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِعَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْبَتِهِ لِيَكُونَ مَرْهُونًا بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ، وَكَذَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ الَّتِي عَلَيْهَا الدَّيْنُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ لَهَا مِنْ غَرِيمِ الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ آخَرَ لَمْ يَصِحَّ كَالْعَبْدِ الْجَانِي وَتَنْزِيلًا لِلرَّهْنِ الشَّرْعِيِّ مَنْزِلَةَ الرَّهْنِ الْجَعْلِيِّ. (وَلَا يَلْزَمُ) الرَّهْنُ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ (إلَّا بِقَبْضِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَوْ لَزِمَ بِدُونِ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالْقَرْضِ، وَلَا تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا فَلِلرَّاهِنِ الرُّجُوعُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ. أَمَّا الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ فِي حَقِّهِ بِحَالٍ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فَسْخُهُ لِلرَّهْنِ بَعْدَ قَبْضِهِ كَأَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَيَقْبِضُهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَيَنْفَسِخُ الرَّهْنُ تَبَعًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ: وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ الْقَبْضُ الْمَعْهُودُ فِي الْبَيْعِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ (مِمَّنْ يَصِحُّ) مِنْهُ (عَقْدُهُ) أَيْ عَقْدُ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِهِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ (وَتَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ (النِّيَابَةُ) كَالْعَقْدِ (لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ) الْمُرْتَهِنُ فِي الْقَبْضِ (الرَّاهِنَ) وَلَا نَائِبَهُ فِي الْإِقْبَاضِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ، خَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ وَكِيلًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَقَطْ أَوْ وَلِيًّا فَرَشَدَ مُوَلِّيهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ فِي الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنَّفِ تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ: لَكِنْ لَا يَسْتَنِيبُ مُقْبِضًا مِنْ رَاهِنٍ أَوْ نَائِبِهِ، لَكَانَ أَوْلَى، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ قَالَ لِلْمُرْتَهِنِ: وَكَّلْتُكَ فِي قَبْضِهِ لِنَفْسِكَ لَمْ يَصِحَّ. فَإِنْ قِيلَ أَطْلَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ صَحَّ وَهُوَ إنَابَةٌ فِي الْمَعْنَى. أُجِيبَ بِأَنَّ إذْنَهُ إقْبَاضٌ مِنْهُ لَا تَوْكِيلٌ (وَلَا) يَسْتَنِيبُ (عَبْدَهُ) أَيْ الرَّاهِنُ، وَلَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ مَوْلَاهُ (وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَصِحُّ لِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْمُكَاتَبِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ السَّيِّدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ الْعَبْدَ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ صَحَّ مَعَ أَنَّهُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ وَلَوْ رَهَنَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُودِعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ لَمْ يَلْزَمْ مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ قَبْضِهِ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِهِ فِي قَبْضِهِ وَلَا يُبَرِّئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنْ الْغَصْبِ، وَيُبَرِّئُهُ الْإِيدَاعُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يَصِحُّ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ مَوْلَاهُ، فَلَيْسَتْ هُنَا يَدُ الْعَبْدِ كَيَدِ مَوْلَاهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ إلَى تَنْزِيلِ الْعَبْدِ مَنْزِلَةَ مَوْلَاهُ فِي ذَلِكَ (وَيَسْتَنِيبُ مُكَاتَبَهُ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَمِثْلُهُ الْمُبَعَّضُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الْقَبْضُ فِي نَوْبَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ التَّوْكِيلُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْقَبْضَ فِي نَوْبَتِهِ. (وَلَوْ رَهَنَ) مَالَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ مِنْهُ كَأَنْ رَهَنَ (وَدِيعَةً عِنْدَ مُودِعٍ أَوْ مَغْصُوبًا عِنْدَ غَاصِبٍ) أَوْ مُؤَجَّرًا عِنْدَ مُسْتَأْجَرٍ أَوْ مَقْبُوضًا بِسَوْمٍ عِنْدَ مُسْتَامٍ أَوْ مُعَارًا عِنْدَ مُسْتَعِيرٍ (لَمْ يَلْزَمْ) هُنَا الرَّهْنُ (مَا لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ قَبْضِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ لَكَانَ اللُّزُومُ مُتَوَقِّفًا عَلَى هَذَا الزَّمَانِ، وَابْتِدَاءُ زَمَنِ إمْكَانِ الْقَبْضِ مِنْ وَقْتِ الْإِذْنِ فِيهِ لَا الْعَقْدِ وَافْهَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَهَابُهُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ (فِي قَبْضِهِ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الرَّهْنِ وَلَمْ يَقَعْ تَعَرُّضٌ لِلْقَبْضِ عَنْهُ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ صَاحِبِ الْيَدِ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ. وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَهُ عِنْدَ طِفْلِهِ أَوْ عَكْسُهُ اُشْتُرِطَ فِيهِ مُضِيُّ زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَقَصْدُ الْأَبِ لِلْقَبْضِ كَالْإِذْنِ فِيهِ (وَلَا يُبَرِّئُهُ ارْتِهَانُهُ عَنْ الْغَصْبِ) وَإِنْ لَزِمَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَقْدَ أَمَانَةٍ فَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّوَثُّقُ وَهُوَ لَا يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَهَنَهُ شَيْئًا فَتَعَدَّى فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَكَذَا لَا يَبْرَأُ الْمُسْتَعِيرُ بِالرَّهْنِ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمُعِيرُ الِانْتِفَاعَ لِمَا مَرَّ، وَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُعَارِ الَّذِي ارْتَهَنَهُ لِبَقَاءِ الْإِعَارَةِ، وَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ فِيهِ امْتَنَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلِلْغَاصِبِ إجْبَارُ الرَّاهِنِ عَلَى إيقَاعِ يَدِهِ عَلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ ثُمَّ يَسْتَعِيرُهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّ الْمَرْهُونِ إلَيْهِ لِيُوقِعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْتَعِيرَهُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ إذْ لَا غَرَضَ لَهُ فِي بَرَاءَةِ الْمُرْتَهِنِ (وَيُبَرِّئُهُ) عَنْ الْغَصْبِ (الْإِيدَاعُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ ائْتِمَانٌ، وَهُوَ يُنَافِي الضَّمَانَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى فِي الْوَدِيعَةِ لَمْ يَبْقَ أَمِينًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ. وَالثَّانِي لَا يُبَرِّئُهُ كَالرَّهْنِ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ بَاقٍ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يُبْرَأُ مِنْهَا، إذْ الْإِبْرَاءُ إسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ تَمْلِيكُهُ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِ مَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ تَلَفِهِ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ، وَلَوْ أَجَّرَهُ الْمَغْصُوبَ أَوْ قَارَضَهُ فِيهِ أَوْ وَكَّلَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ أَوْ زَوَّجَهُ إيَّاهُ لَمْ يَبْرَأْ لِمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ وَكَذَا تَدْبِيرُهُ فِي الْأَظْهَرِ وَبِإِحْبَالِهَا، لَا الْوَطْءِ وَالتَّزْوِيجِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ جُنَّ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ، لَمْ يَبْطُلْ الرَّهْنُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فِي رَهْنِهِ مِنْهُ. نَعَمْ إنْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ بَرِيءَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ. وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَتَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالِارْتِهَانِ وَلَا بِالْغَصْبِ. (وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ عَنْ الرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ) وَبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ لِزَوَالِ مَحَلِّ الرَّهْنِ (وَبِرَهْنٍ مَقْبُوضٍ وَكِتَابَةٍ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ الْهِبَةَ وَالرَّهْنَ بِالْقَبْضِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ بِدُونِ قَبْضٍ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَخْرِيجِ الرَّبِيعِ وَتَنْظِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ: أَنَّهُ رُجُوعٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالصَّوَابُ عَلَى الْمَذْهَبِ حَذْفُ لَفْظِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُوهِمَةٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ الْكِتَابَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ فِي الْجَزْمِ بِهَا، وَإِلْحَاقُ الْفَاسِدِ بِالتَّدْبِيرِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ (وَكَذَا تَدْبِيرُهُ) يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْعِتْقُ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلرَّهْنِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّدْبِيرِ مُمْكِنٌ (وَبِإِحْبَالِهَا) مِنْهُ أَوْ مِنْ أَبِيهِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِهِ (لَا الْوَطْءِ) بِغَيْرِ إحْبَالٍ وَإِنْ أَنْزَلَ وَكَانَتْ مِمَّنْ تَحْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ (وَ) لَا (التَّزْوِيجِ) إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَوْرِدِ الرَّهْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُزَوَّجُ عَبْدًا أَمْ أَمَةً، بَلْ رَهْنُ الْمُزَوَّجُ ابْتِدَاءً صَحِيحٌ وَلَا الْإِجَارَةِ، وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ الْمَرْهُونُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ رَهْنَ الْمُؤَجَّرِ وَبَيْعَهُ صَحِيحَانِ. (وَلَوْ مَاتَ الْعَاقِدُ) الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لِلْمَرْهُونِ (أَوْ جُنَّ) أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ (أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ) قَبْلَ الْقَبْضِ فِيهِنَّ أَيْضًا (لَمْ يُبْطِلْ الرَّهْنُ فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا الْمَوْتُ فَلِأَنَّ مَصِيرَ الرَّهْنِ إلَى اللُّزُومِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِمَوْتِهِ كَالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْوَكَالَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقُومُ وَارِثُ الرَّاهِنِ مَقَامَهُ فِي الْإِقْبَاضِ وَوُرَّاثُ الْمُرْتَهِنِ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ. وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَمُرَتَّبَانِ عَلَى الْمَوْتِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَبْطُلُ ثَمَّ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ يَقُومُ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِ الْمَجْنُونِ مَقَامَهُ فِي الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ يُزِيلُ الْمِلْكَ، لَكِنْ فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ   [مغني المحتاج] وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، وَحَجْرُ الْفَلِسِ أَوْ السَّفَهِ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْجُنُونِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا فِي التَّخَمُّرِ وَالْإِبَاقِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِاغْتِفَارِ مَا يَقَعُ فِي الدَّوَامِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ اخْتِلَالُهُ فِي حَالِ ضَعْفِ الرَّهْنِ وَعَدَمِ لُزُومِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْطُلُ حُكْمُ الرَّهْنِ لِلْعَصِيرِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ مَا دَامَ مُتَخَمِّرًا لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَالِيَّةِ، فَإِنْ تَخَلَّلَ عَادَ رَهْنًا كَمَا عَادَ مِلْكًا، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرَّهْنُ سَوَاءٌ تَخَلَّلَ أَمْ لَا إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لِنُقْصَانِ الْخَلِّ عَنْ الْعَصِيرِ فِي الْأَوَّلِ، وَفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي. أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَخَمَّرَ فِي يَدِهِ فَلَوْ قَبَضَهُ خَمْرًا وَتَخَلَّلَ اسْتَأْنَفَ الْقَبْضَ لِفَسَادِ الْقَبْضِ الْأَوَّلِ بِخُرُوجِ الْعَصِيرِ عَنْ الْمَالِيَّةِ لَا الْعَقْدِ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْمَالِيَّةِ وَلَا بُطْلَانَ قَطْعًا فِي الْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ أَوْ الْإِبَاقِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَدَبَغَ الْمَالِكُ أَوْ غَيْرُهُ جِلْدَهَا عَادَ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ وَلَمْ يُعَدَّ رَهْنًا؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ حَدَثَتْ بِالْمُعَالَجَةِ بِخِلَافِ الْخَلِّ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَحْدُثُ بِهَا أَيْضًا كَنَقْلِهِ مِنْ شَمْسٍ إلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ، وَقَدْ يَقَعُ الْجِلْدُ فِي مَدْبَغَةٍ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ. نَعَمْ إنْ أَعْرَضَ عَنْهُ الْمَالِكُ فَدَبَغَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لَهُ، وَخَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ. (وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ الْمُقْبِضِ تَصَرُّفٌ) مَعَ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (يُزِيلُ الْمِلْكَ) كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَفَاتَتْ الْوَثِيقَةُ. وَأَمَّا مَعَهُ أَوْ بِإِذْنِهِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ (لَكِنْ) إذَا لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ (فِي إعْتَاقِهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ) بِالْمُعْجَمَةِ (مِنْ الْمُوسِرِ) بِقِيمَةِ الْمَرْهُونِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْيَسَارُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ وَمِنْ قَدْرِ الدَّيْنِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّحْقِيقُ دُونَ الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ يُبْطِلُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، فَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ كَعِتْقِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِهَا عَتَقَ الْقَدْرُ الَّذِي أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ، وَإِقْدَامُ الْمُوسِرِ عَلَى الْعِتْقِ جَائِزٌ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَإِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ فِي بَحْثِ التَّنَازُعِ فِي جِنَايَةِ الْمَرْهُونِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إقْدَامُهُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَنْفُذُ مُطْلَقًا وَيَغْرَمُ الْمُعْسِرُ إذَا أَيْسَرَ الْقِيمَةَ وَتَصِيرُ رَهْنًا. وَالثَّالِثُ لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا، وَإِنْ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي إعْتَاقِهِ عَنْ الْحُكْمِ بِعِتْقِهِ لَا بِإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ بَلْ بِالسِّرَايَةِ كَمَا إذَا رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٌ ثُمَّ أَعْتَقَ بَاقِيَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إنْ نَفَّذْنَا إعْتَاقَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ. لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْيَسَارُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ مِنْ الشَّرْعِ بِعِتْقِهِ لَا إعْتَاقُهُ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يَغْرَمُ قِيمَتَهُ) جَبْرًا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 عِتْقِهِ رَهْنًا، وَإِذَا لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ، أَوْ بَعْدَهُ نَفَذَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا رَهْنُهُ لِغَيْرِهِ،   [مغني المحتاج] وَقْتُ (عِتْقِهِ) وَتَصِيرُ (رَهْنًا) أَيْ: مَرْهُونَةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى عَقْدٍ، وَإِنْ حَلَّ الدَّيْنُ أَوْ تَصَرَّفَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ إنْ حَلَّ (وَإِذَا لَمْ نُنَفِّذْهُ) لِكَوْنِهِ مُعْسِرًا أَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مُطْلَقًا (فَانْفَكَّ) الرَّهْنُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ نُنَفِّذْهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ إعْتَاقُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ ثُمَّ زَالَ عَنْهُ الْحَجْرُ. وَالثَّانِي: يَنْفُذُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بِيعَ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَتْنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ اسْتَعَارَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِيَرْهَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ ثُمَّ وَرِثَهُ هَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ قَهْرِيٌّ مِنْ الشَّرْعِ أَوْ لَا لِتَعَلُّقِ الْوَثِيقَةِ بِهِ، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا. (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ عِتْقَ الْمَرْهُونِ فِي حَالِ الرَّهْنِ بِفَكَاكِ الرَّهْنِ وَانْفَكَّ عَتَقَ إذَا لَمْ يُوجَدْ حَالَ الرَّهْنِ إلَّا التَّعْلِيقُ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ أَوْ عَلَّقَهُ (بِصِفَةٍ) أُخْرَى كَقُدُومِ زَيْدٍ (فَوُجِدَتْ) بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ بِأَنْ انْفَكَّ مَعَ وُجُودِهَا أَوْ قَبْلَهُ عَتَقَ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، أَوْ وُجِدَتْ (وَهُوَ رَهْنٌ فَكَالْإِعْتَاقِ) فِيمَا مَرَّ فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ كَالتَّنْجِيزِ. (أَوْ) وُجِدَتْ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَكَاكِ الرَّهْنِ أَوْ مَعَهُ (نَفَذَ) الْعِتْقُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي: يَقُولُ التَّعْلِيقُ بَاطِلٌ كَالتَّنْجِيزِ فِي قَوْلٍ، وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدِهِ مَثَلًا ثُمَّ أَعْتَقَ نِصْفَهُ، فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَهُ الْمَرْهُونَ عَتَقَ مَعَ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَ الْمَرْهُونِ أَوْ أَطْلَقَ عِتْقَ غَيْرِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ، وَيَسْرِي إلَى الْمَرْهُونِ عَلَى الْمُوسِرِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ، وَيَنْفُذُ عِتْقُ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُوسِرِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا عَنْ كَفَّارَةِ غَيْرِهِ بِسُؤَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إنْ وَقَعَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا فَهِبَةٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ فَانْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَى وَارِثِهِ فَأَعْتَقَهَا عَنْ مُوَرِّثِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَرْهَنْهُ وَلَكِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مَرْهُونًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ مُوَرِّثِهِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ كَإِعْتَاقِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فَفِعْلُهُ كَفِعْلِهِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إعْتَاقِ الرَّاهِنِ نَفْسَهُ، وَفِي الرَّهْنَ الْجَعْلِيِّ لَا غَيْرِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِعْتَاقَ عَنْ الْمُرْتَهِنِ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ مِنْهُ. فَرْعٌ الْمُبَعَّضُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ فَرَهَنَ عِنْدَهُ نِصْفَهُ صَحَّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا صَحَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَالْمُرْتَهِنِ الْأَجْنَبِيِّ (وَلَا) يَصِحُّ (رَهْنُهُ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَرْهُونِ عِنْدَهُ لِمُزَاحِمَتِهِ حَقَّ الْأَوَّلِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الرَّهْنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وَلَا التَّزْوِيجُ. وَلَا الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا، وَلَا الْوَطْءُ ، فَإِنْ وَطِئَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ أَقْوَالُ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ نَفَذَ فِي الْأَصَحِّ ،   [مغني المحتاج] عِنْدَهُ فَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ (وَلَا التَّزْوِيجُ) مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقِلُّ الرَّغْبَةَ وَيُنْقِصُ الْقِيمَةَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ، زَوَّجَ الْأَمَةَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَمْ لِغَيْرِهِ، خَلِيَّةً كَانَتْ عِنْدَ الرَّاهِنِ أَمْ مُزَوَّجَةً. فَإِنْ زَوَّجَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، وَأَمَّا التَّزْوِيجُ مِنْهُ فَيَصِحُّ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَاحْتُرِزَ عَنْ الرَّجْعَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِبَقَاءِ حَقُّ الزَّوْجُ (وَلَا الْإِجَارَةُ) مِنْ غَيْرِهِ. (إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ يَحِلُّ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا تُنْقِصُ الْقِيمَةَ وَتُقِلُّ الرَّغَبَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ حَلَّ بَعْدَهَا أَوْ مَعَ انْقِضَائِهَا صَحَّتْ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ثِقَةً لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ حَالَةَ الْبَيْعِ وَيَصِحُّ أَيْضًا إذَا احْتَمَلَ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ وَالْمُقَارَنَةَ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ نَظَرٍ. أَمَّا الْإِجَارَةُ مِنْهُ فَتَصِحُّ وَيَسْتَمِرُّ الرَّهْنُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْإِعَارَةُ فَتَجُوزُ إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ ثِقَةً (وَلَا الْوَطْءُ) لِمَا فِيهِ مِنْ النَّقْصِ فِي الْبِكْرِ، وَخَوْفِ الْإِحْبَالِ فِيمَنْ تَحْبَلُ، وَحَسْمًا لِلْبَابِ فِي غَيْرِهَا. نَعَمْ لَوْ خَافَ الزِّنَا لَوْ لَمْ يَطَأْ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَاحْتُرِزَ بِالْوَطْءِ عَنْ بَقِيَّةِ التَّمَتُّعَاتِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ فَيَجُوزُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِحُرْمَتِهَا خَوْفَ الْوَطْءِ. قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ: وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا خَافَ الْوَطْءَ وَالْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا أَمِنَهُ اهـ. وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ. ، (فَإِنْ وَطِئَ) وَلَوْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا مَهْرَ، وَإِذَا أَحْبَلَ (فَالْوَلَدُ حُرٌّ) نَسِيبٌ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ. وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْبَكَارَةِ إنْ افْتَضَّهَا لِإِتْلَافِهِ جُزْءًا مِنْ الْمَرْهُونِ. وَإِنْ شَاءَ قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ جَعَلَهُ رَهْنًا وَيُعَزَّرُ الْعَالِمُ بِالتَّحْرِيمِ (وَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ أَقْوَالُ الْإِعْتَاقِ) السَّابِقَةِ، أَظْهَرُهَا يَنْفُذُ مِنْ الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ وَيَفْعَلُ فِي قِيمَتِهَا مَا تَقَدَّمَ، وَيُبَاعُ عَلَى الْمُعْسِرِ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَإِنْ نَقَصَتْ بِالتَّشْقِيصِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْإِيلَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ، لَكِنْ لَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الْمُسْتَوْلَدَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ وَلَدَهَا؛ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ وَبَعْدَ أَنْ تَسْقِيَهُ اللِّبَأَ وَيُوجَدَ مُرْضِعَةً خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا الْمُشْتَرِي فَيُهْلِكَ وَلَدَهَا. وَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أَوْ عُدِمَ مَنْ يَشْتَرِي الْبَعْضَ بِيعَتْ كُلُّهَا بَعْدَ مَا ذُكِرَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْأُولَى وَلِلضَّرُورَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَهَبَهَا لِلْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ (فَإِنْ لَمْ نُنَفِّذْهُ فَانْفَكَّ) الرَّهْنُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ (نَفَذَ) الِاسْتِيلَادُ (فِي الْأَصَحِّ) بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَقْتَضِي الْعِتْقَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 فَلَوْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ غَرِمَ قِيمَتَهَا رَهْنًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ كَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى، لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ،   [مغني المحتاج] الْحَالِ فَإِذَا رَدَّ لَغَا، وَالْإِيلَادُ فِعْلٌ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ لِحَقِّ الْغَيْرِ. فَإِذَا زَالَ حَقُّ الْغَيْرِ ثَبَتَ حُكْمُهُ، أَمَّا إذَا انْفَكَّ بِبَيْعٍ فَإِنَّ الْإِيلَادَ لَا يَنْفَكُّ إلَّا إذَا مَلَكَ الْأَمَةَ، وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا فَهَلْ يَسْرِي إلَى بَاقِيهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْرِي كَمَنْ مَلَكَ بَعْضَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِلَا شَكٍّ. ، (فَلَوْ مَاتَتْ) هَذِهِ الْأَمَةُ الَّتِي أَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ (بِالْوِلَادَةِ) أَوْ نَقَصَتْ بِهَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ حَالَ الْإِيلَادِ ثُمَّ أَيْسَرَ (غَرِمَ قِيمَتَهَا) وَقْتَ الْإِحْبَالِ فِي الْأُولَى تَكُونُ (رَهْنًا) مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ مَكَانِهَا، وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِيَةِ يَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا كَذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي هَلَاكِهَا أَوْ نَقْصِهَا بِالْإِحْبَالِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَالثَّانِي لَا يَغْرَمُ لِبُعْدِ إضَافَةِ الْهَلَاكِ أَوْ النَّقْصِ إلَى الْوَطْءِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ عِلَلٍ وَعَوَارِضَ وَمَوْتِ أَمَةِ الْغَيْرِ بِالْوِلَادَةِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ يُوجِبُ قِيمَتَهَا لِمَا مَرَّ لَا مِنْ وَطْءِ زِنًا وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُضَافُ إلَى وَطْئِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ نَسَبَ الْوَلَدِ عَنْهُ؛ وَلَوْ وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ فَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِسَبَبِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَالْعُلُوقُ مِنْ آثَارِهِ فَأَدَمْنَا بِهِ الْيَدَ وَالِاسْتِيلَاءَ، وَالْحُرَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَالِاسْتِيلَاءِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَوْتِ زَوْجَتِهِ أَمَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً بِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ (وَلَهُ) أَيْ الرَّاهِنِ (كُلُّ انْتِفَاعٍ لَا يَنْقُصُهُ) أَيْ الْمَرْهُونِ، وَالْأَفْصَحُ تَخْفِيفُ الْقَافِ. قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] . وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا (كَالرُّكُوبِ) وَالِاسْتِخْدَامِ (وَالسُّكْنَى) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمِ «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إذَا كَانَ مَرْهُونًا» ، وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ كَلُبْسٍ وَإِنْزَاءِ فَحْلٍ عَلَى أُنْثَى يَحِلُّ الدَّيْنُ قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلِهَا أَوْ تَلِدُ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَحِلُّ قَبْلَ وِلَادَتِهَا أَوْ بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْإِنْزَاءُ عَلَيْهَا لِامْتِنَاعِ بَيْعِهَا دُونَ حَمْلِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْهُونٍ، وَإِذَا أَخَذَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ لِلِانْتِفَاعِ الْجَائِزِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَمْ يُضَمِّنْهُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ (لَا الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ) فِي الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَلْتَزِمْ قَلَعَهُمَا عِنْدَ فَرَاغِ الْأَجَلِ لِنَقْصِ الْقِيمَةِ بِذَلِكَ. فَإِنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقْلَعْ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ. ثُمَّ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَإِلَّا فَيَسْتَرِدُّ. وَيُشْهِدُ   [مغني المحتاج] يُحْدِثْ قَلْعُهُ نَقْصًا فِي الْأَرْضِ، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ بِحَيْثُ تَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ وَلَهُ زِرَاعَةُ مَا يُدْرِكُهُ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ أَوْ مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا إنْ لَمْ يُنْقِصْ الزَّرْعُ قِيمَةَ الْأَرْضِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ لِعَارِضٍ تُرِكَ إلَى الْإِدْرَاكِ (فَإِنْ) كَانَتْ قِيمَتُهَا تَنْقُصُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُدْرَكُ بَعْدَ الْحُلُولِ أَوْ (فَعَلَ) الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ (لَمْ يَقْلَعْ) مَا ذَكَرَ (قَبْلَ) حُلُولِ (الْأَجَلِ) لِاحْتِمَالِ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ الْأَرْضِ (وَبَعْدَهُ) يُقْلَعُ (إنْ لَمْ تَفِ الْأَرْضُ) أَيْ قِيمَتُهَا (بِالدَّيْنِ وَزَادَتْ بِهِ) أَيْ الْقَلْعِ وَلَمْ يَأْذَنْ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِأَرْضٍ فَارِغَةٍ. أَمَّا إذَا وَفَّتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ تَزِدْ بِالْقَلْعِ أَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فَلَا يَقْلَعُ بَلْ يُبَاعُ مَعَ الْأَرْضِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا وَيُحْسَبُ النَّقْصُ فِي الثَّالِثَةِ عَلَى الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ فِيهَا بَيْضَاءَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ السَّفَرُ بِالْمَرْهُونِ وَإِنْ قَصَرَ سَفَرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ بِلَا ضَرُورَةٍ. فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى ذَلِكَ كَأَنْ جَلَا أَهْلُ بَلَدٍ لِخَوْفٍ أَوْ قَحْطٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ. (ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ) بِالْمَرْهُونِ بِمَا أَرَادَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ (بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ) لَهُ كَأَنْ يَرْهَنَ رَقِيقًا لَهُ صَنْعَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَهَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ (لَمْ يَسْتَرِدَّ) مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِأَجْلِ عَمَلِهَا عِنْدَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ اسْتِرْدَادٍ كَأَنْ يَكُونَ دَارًا يَسْكُنُهَا أَوْ دَابَّةً يَرْكَبُهَا أَوْ عَبْدًا يَخْدُمُهُ (فَيَسْتَرِدُّ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. نَعَمْ لَا يَسْتَرِدُّ الْجَارِيَةَ إلَّا إذَا أَمِنَ مِنْ غَشَيَانِهَا لِكَوْنِهِ مَحْرَمًا لَهَا أَوْ ثِقَةً وَلَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ مَا لَا يَدُومُ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِهِ عِنْدَ الرَّاهِنِ يَرُدُّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَيَرُدُّ عَبْدَ الْخِدْمَةِ وَالدَّابَّةَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَيْلًا وَيُرَدُّ الْحَارِسَ نَهَارًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ يُحْسِنُ الْخِيَاطَةَ وَأَرَادَ السَّيِّدُ الرَّاهِنُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِلْخِدْمَةِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ زَادَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَيُشْهِدُ) الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالِاسْتِرْدَادِ لِلِانْتِفَاعِ فِي كُلِّ اسْتِرْدَادِهِ (إنْ اتَّهَمَهُ) شَاهِدَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَالِ، وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ لِيَحْلِفَ مَعَهُ، فَإِنْ وُثِقَ بِهِ لَمْ يُكَلَّفْ الْإِشْهَادَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: لَا كُلَّ مَرَّةٍ: أَيْ لَا يَشْهَدُ أَصْلًا فَهُوَ نَفْيٌ لِلْمُقَيَّدِ بِقَيْدِهِ كَقَوْلِهِمْ: لَا ضَبَّ فِيهَا يَنْحَجِرُ: أَيْ لَا ضَبَّ وَلَا انْحِجَارَ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا الْإِشْهَادُ فِي بَعْضِ الْمَرَّاتِ، وَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَاوِي: وَيَشْهَدُ لَهُمَا ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 إنْ اتَّهَمَهُ وَلَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ. ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ.   [مغني المحتاج] فَرْعٌ لَا تُزَالُ يَدُ الْبَائِعِ عَنْ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ لِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ بَلْ يَتَكَسَّبُ فِي يَدِهِ لِلْمُشْتَرِي (وَلَهُ) أَيْ الرَّاهِنِ (بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا مَنَعْنَاهُ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَالِانْتِفَاعَاتِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ زَالَ بِإِذْنِهِ فَيَحِلُّ الْوَطْءُ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَهَا أَوْ أَعْتَقَ أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ نَفَذَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْوَطْءِ فَوَطِئَ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى الْوَطْءِ مُنِعَ، لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ مَرَّةً إلَّا أَنْ تَحْبَلَ مِنْ تِلْكَ الْوَطْأَةِ فَلَا مَنْعَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ بَطَلَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهُ الْوَطْءَ فِيمَنْ لَمْ تَحْبَلْ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُرْتَهِنُ. ، (وَلَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (الرُّجُوعُ) عَنْ الْإِذْنِ (قَبْلَ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ كَمَا لِلْمَالِكِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ (فَإِنْ تَصَرَّفَ) بَعْدَ رُجُوعِهِ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ وَإِيلَادٍ وَهُوَ مُوسِرٌ (جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ فَكَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَهُ) مِنْ مُوَكِّلِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ النُّفُوذِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِرُجُوعِهِ فَلَا يَنْفُذُ قَطْعًا. وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِحْبَالِ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَنَافِذٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ الرَّاهِنُ أَوْ رُهِنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ أَوْ الْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّزُومِ وَالْخِيَارُ دَخِيلٌ فِيهِ، إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَمَتَى تَصَرَّفَ بِإِعْتَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ وَادَّعَى الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ الْمُرْتَهِنُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنَ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وَكَانَ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاهِنُ وَكَانَ التَّصَرُّفُ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِيلَادِ حَلَفَ الْعَتِيقُ وَالْمُسْتَوْلَدَة، لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ الْحَقَّ لِأَنْفُسِهِمَا، بِخِلَافِهِ فِي نُكُولِ الْمُفْلِسِ أَوْ وَارِثِهِ حَيْثُ لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْحَقَّ لِلْمُفْلِسِ أَوَّلًا. (وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِهِ) أَيْ الْمَرْهُونُ فَبَاعَهُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ لِبُطْلَانِ الرَّهْنِ، أَوْ حَالٌّ قُضِيَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَحُمِلَ إذْنُهُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ فِي غَرَضِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْإِعْتَاقِ (لِيُعَجِّلَ الْمُؤَجِّلَ مِنْ ثَمَنِهِ) أَوْ مِنْ غَيْرِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، أَوْ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فِي الْإِعْتَاقِ بِأَنْ شَرَطَ ذَلِكَ (لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ) لِفَسَادِ الْإِذْنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَنْ يُعَجِّلَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 وَكَذَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ الثَّمَنِ فِي الْأَظْهَرِ. فَصْلٌ إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ فَالْيَدُ فِيهِ لِلْمُرْتَهِنِ وَلَا تُزَالُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ جَازَ،   [مغني المحتاج] وَالْحَاوِي لَكَانَ أَوَّلًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الِاشْتِرَاطُ، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَيَصِحُّ الْإِذْنُ وَالْبَيْعُ. قَالَ: فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِالشَّرْطِ كَمَا صَوَّرَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَذِنْتُ لَكَ فِي بَيْعِهِ لِتَعَجُّلٍ وَنَوَى الِاشْتِرَاطَ كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إذَا أَطْلَقَ هَلْ نَقُولُ ظَاهِرُهُ الشَّرْطُ أَوْ لَا؟ وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ. (وَكَذَا لَوْ شَرَطَ) فِي الْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ (رَهْنَ الثَّمَنِ) أَوْ الْقِيمَةِ: أَيْ جَعْلَهُ مَرْهُونًا مَكَانَهُ لَمْ يَصِحَّ (فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا لَمَا ذُكِرَ، وَفَسَادُ الشَّرْطِ كَجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْإِذْنِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ وَلَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ فِي الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَدْ يَنْتَقِلُ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْبَدَلِ شَرْعًا كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ شَرْطًا. وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ اضْرِبْ الْمَرْهُونَ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَدِّبْهُ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ الضَّرْبِ بَلْ ضَرْبُ تَأْدِيبٍ وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، كَمَا لَوْ أَدَّبَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ، أَوْ الْإِمَامُ إنْسَانًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لُزُومِ الرَّهْنِ] ِ (إذَا لَزِمَ الرَّهْنُ) بِالْإِقْبَاضِ (فَالْيَدُ فِيهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (لِلْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ فِي الْوُثُوقِ (وَلَا تُزَالُ إلَّا لِلِانْتِفَاعِ كَمَا سَبَقَ) وَهَذَا فِي الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ الْيَدُ، كَمَا لَوْ رَهَنَ رَقِيقًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا مِنْ كَافِرٍ أَوْ سِلَاحًا مِنْ حَرْبِيٍّ فَيُوضَعُ عِنْدَ مَنْ لَهُ تَمَلُّكُهُ، وَمَا لَوْ رَهَنَ أَمَةً فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مَحْرَمًا لَهَا، أَوْ ثِقَةً مِنْ امْرَأَةٍ، أَوْ مَمْسُوحٍ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ عِنْدَهُ حَلِيلَتُهُ أَوْ مَحْرَمُهُ، أَوْ امْرَأَتَانِ ثِقَتَانِ وُضِعَتْ عِنْدَهُ وَإِلَّا فَعِنْدَ مَحْرَمٍ لَهَا، أَوْ ثِقَةٍ مِمَّنْ مَرَّ، وَالْخُنْثَى كَالْأَمَةِ، لَكِنْ لَا يُوضَعُ عِنْدَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ. (وَلَوْ شَرَطَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (وَضْعَهُ) أَيْ الْمَرْهُونِ (عِنْدَ عَدْلٍ جَازَ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ لَا يَثِقُ بِصَاحِبِهِ، وَكَمَا يَتَوَلَّى الْعَبْدُ الْحِفْظَ يَتَوَلَّى الْقَبْضَ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَخَرَجَ بِعَدْلِ الْفَاسِقُ فَلَا يُوضِعَانِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَا مُتَصَرِّفَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْغَيْرِ كَوَلِيٍّ وَوَكِيلٍ وَقَيِّمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوْ الِانْفِرَادِ بِهِ فَذَاكَ. وَإِنْ أَطْلَقَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ أَوْ فَسَقَ جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ، وَإِنْ تَشَاحَّا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ.   [مغني المحتاج] وَمَأْذُونٍ لَهُ، وَعَامِلِ قِرَاضٍ، وَمُكَاتَبٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ عِنْدَ ثَالِثٍ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ لَا يُرَدُّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَدْلِ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَالرَّدِّ لِلْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ خَطَأً، أَوْ أَتْلَفَهُ غَيْرُهُ أُخِذَ مِنْهُ الْبَدَلُ وَحَفِظَهُ بِالْإِذْنِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَتْلَفَهُ عَمْدًا أُخِذَ مِنْهُ الْبَدَلُ وَوُضِعَ عِنْدَ آخَرَ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُكْرَهًا فَكَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ خَطَأً. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ شَرَطَا وَضْعَهُ بَعْدَ اللُّزُومِ عِنْدَ الرَّاهِنِ صَحَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ خِلَافَهُ (أَوْ عِنْدَ اثْنَيْنِ) مَثَلًا (وَنَصَّا عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى حِفْظِهِ أَوْ الِانْفِرَادِ بِهِ فَذَاكَ) ظَاهِرٌ أَنَّهُ يُتَّبَعُ الشَّرْطُ فِيهِ. (وَإِنْ أَطْلَقَا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ) بِحِفْظِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَنَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ فَيَجْعَلَانِهِ فِي حِرْزٍ لَهُمَا كَمَا فِي النَّصِّ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا، فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِحِفْظِهِ ضَمِنَ نِصْفَهُ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ ضَمِنَا مَعًا النِّصْفَ. وَالثَّانِي: لَهُ الِانْفِرَادُ لِمَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلِلْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ الْمَرْهُونُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِمَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنٍ، فَإِنْ غَابَا وَلَا وَكِيلَ لَهُمَا رَدَّهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِلَا إذْنٍ مِنْ الْآخَرِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَابِضِ، وَلَوْ غَصَبَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْعَدْلِ أَوْ غَصَبَ الْعَيْنَ شَخْصٌ مِنْ مُؤْتَمَنٍ كَمُودِعٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَنْ غَصَبَهَا مِنْهُ بَرِيءَ، بِخِلَافِ مَنْ غَصَبَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ اللُّقَطَةَ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْمَنْهُ، وَلَوْ غَصَبَ الْعَيْنَ مِنْ ضَامِنٍ مَأْذُونٍ لَهُ كَالْمُسْتَعِيرِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ بَرِيءَ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَلَا يُنْقَلُ الْمَرْهُونُ عِنْدَ آخَرَ إلَّا إنْ اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَلَوْ بِلَا سَبَبٍ. (وَلَوْ مَاتَ الْعَدْلُ) الْمَوْضُوعُ عِنْدَهُ (أَوْ فَسَقَ) أَوْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهِ أَوْ زَادَ فِسْقُ الْفَاسِقِ أَوْ حَدَثَتْ عَدَاوَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِهِمَا وَطَلَبَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَقْلَهُ نُقِلَ، وَ (جَعَلَاهُ حَيْثُ يَتَّفِقَانِ) سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ (وَإِنْ تَشَاحَّا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ عَدْلٍ) يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَتَغَيَّرَ حَالُهُ فَكَتَغَيُّرِ حَالِ الْعَدْلِ. فَإِنْ قِيلَ مَا صُورَةُ التَّشَاحُحِ؟ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالتَّسْلِيمُ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِجْبَارُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ فِي وَاجِبٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ نَزْعُهُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا كَمَا مَرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَتَهَا فِيمَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ أَوْ وَضَعَاهُ عِنْدَ عَدْلٍ فَفَسَقَ أَوْ مَاتَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ تَأْذَنُ أَوْ تُبْرِئُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ بَاعَهُ الْحَاكِمُ.   [مغني المحتاج] فَإِنْ تَشَاحَّا كَالرَّوْضَةِ لِيُشِيرَ إلَى التَّفْرِيعِ. (وَيَسْتَحِقُّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) لِوَفَاءِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُوفَ مِنْ غَيْرِهِ (وَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ) عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الرَّهْنِ، وَكَذَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهُ فِي جِنَايَتِهِ وَعِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى التَّلَفِ قَبْلَ الْحُلُولِ. وَاسْتَنْبَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ الْوَفَاءُ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ: إمَّا مِنْ الرَّهْنِ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ أَسْرَعَ وَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلًا لِلْوَفَاءِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَيَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا (فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ: تَأْذَنُ) فِي بَيْعِهِ (أَوْ تُبْرِئُ) وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ: أَيْ ائْذَنْ أَوْ أَبْرِئْ دَفْعًا لِضَرَرِ الرَّاهِنِ (وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهُ فَأَبَى الرَّاهِنُ) ذَلِكَ (أَلْزَمَهُ الْقَاضِي قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ بَيْعَهُ، فَإِنْ أَصَرَّ) الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الِامْتِنَاعِ أَوْ أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ حُجَّةً بِالدَّيْنِ الْحَالِّ فِي غِيبَةِ الرَّاهِنِ (بَاعَهُ الْحَاكِمُ) عَلَيْهِ وَوُفِيَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْآخَرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَيْعُهُ فَقَدْ يَجِدُ لَهُ مَا يُوفِي بِهِ الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ شَخْصًا رَهَنَ دَارًا بِدَيْنٍ ثُمَّ غَابَ وَلَهُ دَارٌ أُخْرَى غَيْرُ مَرْهُونَةٍ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَأَثْبَتَ الرَّهْنَ وَالدَّيْنَ وَكَانَتْ كُلٌّ مِنْ الدَّارَيْنِ يُمْكِنُ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهَا فَتَرَكَ الْقَاضِي الدَّارَ الْمَرْهُونَةَ وَبَاعَ الدَّارَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَرْهُونَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمُفْتُونَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْهُونِ وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ مُسْتَحَقٌّ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا وَجْهَ لِبَيْعِ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ بَيْعِهِ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّ لِلْحَاكِمِ بِيعَ مَا يَرَى بَيْعَهُ مِنْ الْمَرْهُونِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، فَإِنْ كَانَ لِلْغَائِبِ نَقْدٌ حَاضِرٌ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وَطَلَبَهُ الْمُرْتَهِنُ وَفَّاهُ مِنْهُ وَأَخَذَ الْمَرْهُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ حَاضِرٌ وَكَانَ بَيْعُ الْمَرْهُونِ أَرْوَجَ وَطَلَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بَاعَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ صَحَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّاهِنِ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَاكِمٌ فِي الْبَلَدِ فَلَهُ بَيْعُهُ بِنَفْسِهِ كَالظَّافِرِ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ. فَرْعٌ شَخْصٌ رَهَنَ عَيْنًا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَغَابَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ فَأَحْضَرَ الرَّاهِنُ الْمَبْلَغَ إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَاعَ بِحَضْرَتِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ شُرِطَ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَدْلُ جَازَ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا بَاعَ فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ.   [مغني المحتاج] الْحَاكِمِ وَطَلَبَ مِنْهُ قَبْضَهُ لَيَفُكَّ الرَّهْنَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ . أَجَابَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ بَاعَهُ بِحَضْرَتِهِ صَحَّ) الْبَيْعُ (وَإِلَّا فَلَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَيُتَّهَمُ فِي الْغَيْبَةِ بِالِاسْتِعْجَالِ وَتَرْكِ التَّحَفُّظِ دُونَ الْحُضُورِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِيهِ تَوْكِيلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ، إذْ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَحِقٌّ لِلْبَيْعِ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَلَمْ يُعَيَّنْ لَهُ الثَّمَنِ وَلَمْ يَقُلْ اسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا صَحَّ جَزْمًا، أَوْ عَيَّنَ لَهُ الثَّمَنَ صَحَّ عَلَى غَيْرِ الثَّالِثِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، أَوْ قَالَ: بِعْهُ وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى غَيْرِ الثَّانِي لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَإِذْنِ الْوَارِثِ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتَ فِي بَيْعِ التَّرِكَةِ، وَالسَّيِّدِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ الْجَانِي كَإِذْنِ الرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ. (وَلَوْ شُرِطَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ الْمَرْهُونَ (الْعَدْلُ) عِنْدَ الْمَحِلِّ (جَازَ) وَصَحَّ هَذَا الشَّرْطُ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الرَّاهِنِ) فِي الْبَيْعِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْإِذْنِ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي: تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي بَقَاءِ الْعَيْنِ وَقَضَاءِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهَا، وَاحْتُرِزَ بِالرَّاهِنِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ، فَيُشْتَرَطُ مُرَاجَعَتُهُ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَمْهَلَ أَوْ أَبْرَأَ، وَقَالَ الْإِمَامُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُرَاجَعُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ، وَيَنْعَزِلُ الْعَدْلُ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ وَمَوْتِهِ لَا الْمُرْتَهِنِ وَمَوْتِهِ، لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْبَيْعِ، وَإِذْنُ الْمُرْتَهِنِ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، لَكِنْ يَبْطُلُ إذْنُهُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ، فَإِنْ جَدَّدَهُ لَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ تَجْدِيدَ تَوْكِيلٍ الرَّاهِنِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ، وَإِنْ جَدَّدَ الرَّاهِنُ إذْنًا لَهُ بَعْدَ عَزْلِهِ لَهُ اُشْتُرِطَ إذْنُ الْمُرْتَهِنِ لِانْعِزَالِ الْعَدْلِ بِعَزْلِ الرَّاهِنِ (فَإِذَا بَاعَ) الْعَدْلُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ (فَالثَّمَنُ عِنْدَهُ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْعَدْلُ أَمِينُهُ، فَمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِكِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (حَتَّى يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ) فَإِنْ ادَّعَى الْعَدْلُ تَلَفَ الثَّمَنِ عِنْدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ بَيَّنَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ سَلَّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا رَجَعَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْعَدْلِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي التَّسْلِيمِ أَوْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِشْهَادِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ. فَإِنْ قَالَ لَهُ: أَشْهَدْتُ وَغَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا فَصَدَّقَهُ الرَّاهِنُ أَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ، وَإِنْ شَاءَ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ، فَإِنْ زَادَ رَاغِبٌ   [مغني المحتاج] أَدَّى بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ لَمْ يَرْجِعْ لِاعْتِرَافِهِ لَهُ فِي الْأُولَتَيْنِ، وَلِإِذْنِهِ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلِتَقْصِيرِهِ فِي الرَّابِعَةِ. (وَلَوْ تَلِفَ ثَمَنُهُ فِي يَدِ الْعَدْلِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَرْهُونُ) الْمَبِيعَ (فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْعَدْلِ) لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَاءَ) رَجَعَ (عَلَى الرَّاهِنِ) لِإِلْجَائِهِ الْمُشْتَرِي شَرْعًا إلَى التَّسْلِيمِ لِلْعَدْلِ بِحُكْمِ تَوْكِيلِهِ (وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّاهِنِ لِمَا ذُكِرَ فَيَرْجِعُ الْعَدْلُ بَعْدَ غُرْمِهِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَلَفِهِ بِتَفْرِيطٍ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إذَا كَانَ بِتَقْصِيرٍ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ فِي الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ. نَعَمْ إنْ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ لِلْبَيْعِ لِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ حَيْثُ لَا تَقْصِيرَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ لَا يَضْمَنُ فَكَذَا هُوَ. (وَلَا يَبِيعُ الْعَدْلُ) الْمَرْهُونَ (إلَّا بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ) كَالْوَكِيلِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، لَكِنْ لَا يَضُرُّ النَّقْصُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِمَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِيهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِهِ، وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، فَيَجُوزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَدْلِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا. نَعَمْ مَحَلُّهُ فِي بَيْعِ الرَّاهِنِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ يُسَاوِي مِائَةً وَالدَّيْنُ عَشَرَةً، فَبَاعَهُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ بِالْعَشَرَةِ صَحَّ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْعَدْلِ: لَا تَبِعْهُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا تَبِعْهُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْإِذْنِ كَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ غَرَضٌ وَإِلَّا كَأَنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ وَنَقْدُ الْبَلَدِ دَرَاهِمُ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بِعْهُ بِالدَّرَاهِمِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بِالدَّنَانِيرِ فَلَا يُرَاعَى خِلَافُهُ وَيُبَاعُ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِذَا امْتَنَعَ عَلَى الْعَدْلِ الْبَيْعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَهُ الْحَاكِمُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَأَخَذَ بِهِ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، أَوْ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إنْ رَأَى ذَلِكَ (فَإِنْ زَادَ) فِي الثَّمَنِ (رَاغِبٌ) يُوثَقُ بِهِ زِيَادَةً لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهَا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ لَمْ تُؤَثِّرْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمُشْتَرِي لِيَبِيعَهُ بِالزِّيَادَةِ لِلرَّاغِبِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَلْيَفْسَخْ وَلْيَبِعْهُ. وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ،   [مغني المحتاج] شَاءَ أَوْ زَادَ الرَّاغِبُ (قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ) لِلْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ (فَلْيَفْسَخْ) أَيْ الْعَدْلُ الْبَيْعَ (وَلْيَبِعْهُ) لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ، وَلَوْ بَاعَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ صَحَّ وَكَانَ الْبَيْعُ فَسْخًا، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْسَخُ فَيَرْجِعُ الرَّاغِبُ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ذُكِرَ انْفَسَخَ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَحَالَةِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ وَهُنَاكَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ، فَلَوْ رَجَعَ الرَّاغِبُ عَنْ الزِّيَادَةِ. فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّمْكِينِ مِنْ بَيْعِهِ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَإِلَّا بَطَلَ وَاسْتُؤْنِفَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ جَدِيدٍ. (وَمُؤْنَةُ الْمَرْهُونِ) مِنْ نَفَقَةِ رَقِيقٍ وَكُسْوَتِهِ وَعَلَفِ دَابَّةٍ وَأُجْرَةِ سَقْيِ أَشْجَارٍ وَجِدَادِ ثِمَارٍ وَتَجْفِيفِهَا وَرَدِّ آبِقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (عَلَى الرَّاهِنِ) الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ (وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الصَّحِيحِ) حِفْظًا لِلْوَثِيقَةِ، وَالثَّانِي لَا يُجْبَرُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ وَلَكِنْ يَبِيعُ الْقَاضِي جُزْءًا مِنْهُ فِيهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَّا أَنْ تَسْتَغْرِقَ الْمُؤْنَةُ الرَّهْنَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَيُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ غَابَ الْمَالِكُ أَوْ أَعْسَرَ فَكَهَرَبِ الْجَمَّالِ، وَسَيَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا إلَخْ حَشْوٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، بَلْ يُوهِمُ أَنَّ الْإِيجَابَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَصْوَبَ. نَعَمْ لَوْ حَذَفَ الْوَاوَ مِنْ قَوْلِهِ وَيُجْبَرُ زَالَ الْإِيهَامُ خَاصَّةً اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ، إذْ كَلَامُ الرَّوْضَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِجْبَارِ وَعَدَمِهِ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ كَوْنَ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْمَالِكِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِمْ الْمُؤَنُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُدَاوَاةِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَتَوْدِيجِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْفَصْدِ فِي الْآدَمِيِّينَ وَالْمُعَالَجَةِ بِالْأَدْوِيَةِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ لَا تُسَمَّى مُؤْنَةً فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا كَلَامُهُمْ، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ. (وَلَا يُمْنَعُ الرَّاهِنِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَرْهُونِ: كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ) وَمُعَالَجَةٍ بِالْأَدْوِيَةِ وَالْمَرَاهِمِ حِفْظًا لِمِلْكِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ دُخُولِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَهُ خِتَانُ الرَّقِيقِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَكَأَنْ يَنْدَمِلُ قَبْلَ الْحُلُولِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ، وَلَهُ قَطْعُ السِّلْعَةِ وَالْيَدِ الْمُتَأَكِّلَةِ وَالْمُدَاوَاةُ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَهُ نَقْلُ الْمُزْدَحِمِ مِنْ النَّخْلِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ نَقْلُهَا أَنْفَعُ، وَقَطْعُ الْبَعْضِ مِنْهَا لِإِصْلَاحِ الْأَكْثَرِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنَ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ. وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ.   [مغني المحتاج] وَالْمَقْطُوعُ مِنْهَا مَرْهُونٌ بِحَالِهِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْ سَعَفٍ وَجَرِيدٍ وَلِيفٍ غَيْرٌ مَرْهُونٍ، وَكَذَا مَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْهَا عِنْدَ الْعَقْدِ كَالصُّوفِ بِظَهْرِ الْغَنَمِ، وَلَهُ رَعْيُ الْمَاشِيَةِ فِي الْأَمْنِ نَهَارًا وَيَرُدُّهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ لَيْلًا، وَلَهُ أَنْ يَنْتَجِعَ بِهَا إلَى الْكَلَأِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ الْكِفَايَةِ فِي مَكَانِهَا وَيَرُدُّهَا إلَى عَدْلٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ أَوْ يَنْصِبُهُ الْحَاكِمُ، وَيَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِجَاعُ بِهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ نَقْلُ الْمَتَاعِ مِنْ بَيْتٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ إلَى مُحَرَّزٍ، فَإِنْ انْتَجَعَا إلَى مَكَان وَاحِدٍ فَذَاكَ، أَوْ إلَى مَكَانَيْنِ فَلْتَكُنْ مَعَ الرَّاهِنِ وَيَتَّفِقَانِ عَلَى عَدْلٍ يَبِيتُ عِنْدَهُ أَوْ يَنْصِبُهُ الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّ (وَهُوَ) أَيْ الْمَرْهُونُ (أَمَانَةٌ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنَ) لِخَبَرِ «الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ» : أَيْ مِنْ ضَمَانِ رَاهِنِهِ «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَفْصَحُ مَا قَالَهُ الْعَرَبُ الشَّيْءُ مِنْ فُلَانٍ: أَيْ مِنْ ضَمَانِهِ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ مَضْمُونًا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ (وَلَا يَسْقُطُ بِتَلَفِهِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ) كَمَوْتِ الْكَفِيلِ بِجَامِعِ التَّوَثُّقِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ بِالْوَاوِ أَحْسَنُ مِنْ حَذْفِهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَمَانَةِ مُطْلَقًا، وَيَتَسَبَّبُ عَدَمُ السُّقُوطِ عَنْهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ بِمِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ إلَّا إنْ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ أَوْ تَعَدَّى فِيهِ أَوْ مَنَعَ مِنْ رَدِّهِ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ. أَمَّا بَعْدَ سُقُوطِهِ وَقَبْلَ الْمُطَالَبَةِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَمَانَتِهِ. فُرُوعٌ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُرْتَهِنِ: أَحْضِرْ الْمَرْهُونَ وَأَنَا أَقْضِي دَيْنَك، إذْ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْضَارُ وَلَوْ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّمْكِينُ كَالْمُودَعِ، وَالْإِحْضَارُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْنَةٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَلَوْ قَالَ: خُذْ هَذَا الْكِيسَ وَاسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ، فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ بِدَرَاهِمِكَ وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ الَّتِي فِيهِ مَجْهُولَةَ الْقَدْرِ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ دَرَاهِمِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً بِقَدْرِ حَقِّهِ مَلَكَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكِيسِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. (وَحُكْمُ فَاسِدِ الْعُقُودِ) الصَّادِرَةِ مِنْ رَشِيدٍ (حُكْمُ صَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ) وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنْ اقْتَضَى صَحِيحُهُ الضَّمَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَالْبَيْعِ وَالْإِعَارَةِ فَفَاسِدُهُ أَوْلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَوْ عَدَمَهُ كَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَفَاسِدَةٌ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَثْبَتَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِالْعَقْدِ ضَمَانًا، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ التَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ لَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الضَّامِنِ وَلَا فِي الْمِقْدَارِ فَإِنَّهُمَا قَدْ لَا يَسْتَوِيَانِ، وَخَرَجَ بِزِيَادَةِ الصَّادِرِ مِنْ رَشِيدٍ مَا لَوْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحُهُ الضَّمَانَ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ طَرْدِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عَكْسِهَا مَسَائِلُ: فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا قَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً، وَمَا لَوْ قَالَ: سَاقَيْتُكَ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةً، وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يَقْتَضِي فَسَادُهُ ضَمَانَ الْعِوَضِ الْمَقْبُوضِ، وَالْمَالِكُ هُنَا لَمْ يَقْبِضْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عِوَضًا فَاسِدًا وَالْعَامِلُ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ وَبَاشَرَ إتْلَافَهَا. وَمَا لَوْ صَدَرَ عَقْدُ الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا جِزْيَةَ فِيهِ عَلَى الذِّمِّيِّ. قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: وَهَذِهِ لَا تُسْتَثْنَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْقَائِلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَا يَقُولُ بِفَسَادِهَا، بَلْ يُجْعَلُ الصَّادِرُ لَغْوًا غَيْرَ عَقْدٍ صَحِيحٍ وَلَا فَاسِدٍ: أَيْ فَإِتْلَافُ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُ الْمَنْفَعَةِ، كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارَنَا وَأَقَامَ فِيهَا مُدَّةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ. وَمِنْ الثَّانِي الشَّرِكَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَمَلَ الْآخَرِ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَضْمَنُهُ مَعَ فَاسِدِهَا، فَإِذَا خَلَطَا أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَعَمِلَا فَصَاحِبُ الْأَلْفَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] صَاحِبِ الْأَلْفِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَصَاحِبُ الْأَلْفِ يَرْجِعْ بِثُلُثَيْ أُجْرَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ، وَأَمَّا لَوْ صَدَرَ الرَّهْنُ أَوْ الْإِجَارَةُ مِنْ مُتَعَدٍّ كَغَاصِبٍ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ فَسَدَ، وَهُوَ قَبْلَ الْمَحِلِّ أَمَانَةٌ. وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ بِلَا شُبْهَةٍ فَزَانٍ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ   [مغني المحتاج] فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَرَارُ عَلَى الْمُتَعَدِّي مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ، وَلَوْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ: كُلُّ عَيْنٍ لَا تَعَدِّيَ فِيهَا وَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِعَقْدٍ صَحِيحٍ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِفَاسِدِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَمَا لَا فَلَا يُرَدُّ كَمَا قَالَ شَيْخِي وَغَيْرُهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ. وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ فَسَدَ) أَيْ الرَّهْنُ لِتَأْقِيتِهِ وَالْبَيْعُ لِتَعْلِيقِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَرْهُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (قَبْلَ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ وَقْتِ الْحُلُولِ (أَمَانَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَبَعْدَهُ مَضْمُونٌ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا لَمْ يَمْضِ بَعْدَ زَمَنِ الْحُلُولِ زَمَنٌ يَتَأَتَّى فِيهِ الْقَبْضُ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَأَذِنَ لَهُ فِي غَرْسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ قَبْلَ الْغَرْسِ أَمَانَةٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ وَبَعْدَهُ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَتَنَاوَلُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ فَقَالَ: رَهَنْتُكَ وَإِذَا لَمْ أَقْضِكَ عِنْدَ الْحُلُولِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْكَ وَلَا شَكَّ فِي فَسَادِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَأَمَّا الرَّهْنُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ صِحَّتُهُ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِيهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ رَهَنَهُ رَهْنًا صَحِيحًا وَأَقْبَضَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا فَقَبِلَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالرَّهْنُ صَحِيحٌ بِحَالِهِ. . (وَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِيَمِينِهِ) إذَا لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَهُ، فَإِنْ ذَكَرَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الْوَدِيعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَإِلَّا فَالْمُتَعَدِّي كَالْغَاصِبِ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ (وَلَا يُصَدَّقُ فِي) دَعْوَى (الرَّدِّ) عَلَى الرَّاهِنِ (عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِذَلِكَ وَيُصَدَّقُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ بِيَمِينِهِ كَالْمُودِعِ. ضَابِطٌ: كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ. (وَلَوْ وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَةَ) مِنْ غَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ (بِلَا شُبْهَةٍ) مِنْهُ (فَزَانٍ) فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْهُ (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهُ) أَيْ الْوَطْءِ (إلَّا أَنْ يَقْرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ يَنْشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ) فَيُقْبَلَ قَوْلُهُ لِدَفْعِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ. وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ صَارَ رَهْنًا،   [مغني المحتاج] يَخْفَى عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْهُونَةُ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَادَّعَى جَهْلَ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِلَا شُبْهَةٍ عَمَّا إذَا ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ أَرَادَ الْأَئِمَّةُ بِقُرْبِ الْإِسْلَامِ مَنْ قَدِمَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا فَذَاكَ. وَأَمَّا مُخَالِطُونَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَا يَنْقَدِحُ فَرْقٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ عَوَامِّنَا، فَإِمَّا أَنْ يُصَدَّقُوا أَوْ لَا اهـ. وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْمُرَادُ جَهْلُ تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ كَأَنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّ الِارْتِهَانَ يُبِيحُ الْوَطْءَ وَإِلَّا فَكَدَعْوَى جَهْلِ تَحْرِيمِ الزِّنَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَقَوْلُهُ فَزَانٍ: أَيْ فَهُوَ زَانٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ جَوَابُ " لَوْ " بِمَعْنَى إنْ مُجَرَّدَةٍ عَنْ زَمَانٍ انْتَهَى، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ " لَوْ " نَفْسُهَا لَا تُجَابُ بِالْفَاءِ أَجَابَ بِأَنَّهُمْ أَجْرَوْهَا مَجْرَى إنْ، وَقَالَ: مُجَرَّدَةٌ عَنْ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الِاسْتِقْبَالَ، وَقَالَ: فَهُوَ زَانٍ؛ لِأَنَّ جَوَابَهَا لَا يَكُونُ إلَّا جُمْلَةً. . (وَإِنْ وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ) الْمَالِكِ لَهَا (قُبِلَ دَعْوَاهُ جَهْلَ التَّحْرِيمِ) لِلْوَطْءِ مُطْلَقًا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بَعْدَ الْإِذْنِ لَمَّا خَفِيَ عَلَى عَطَاءٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ لَا يَبْعُدُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْعَوَامّ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ لِبُعْدِ مَا يَدَّعِيهِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ يَنْشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْجَهْلَ أَنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَجِبُ الْمَهْرُ إنْ أَكْرَهَهَا) أَوْ جَهِلَتْ التَّحْرِيمَ كَأَعْجَمِيَّةٍ لَا تَعْقِلُ (وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي صُورَةِ انْتِفَاءِ الْحَدِّ السَّابِقَتَيْنِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ كَمَا تَدْرَأُ الْحَدَّ تُثْبِتُ النَّسَبَ وَالْحُرِّيَّةَ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلرَّاهِنِ) لِتَفْوِيتِهِ الرِّقَّ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ يُعْتَقُ عَلَى الرَّاهِنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْأَمَةَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ أَبًا لِلرَّاهِنِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِالْإِيلَادِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْوَطْءِ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَهَا فَنَكَلَ الرَّاهِنُ وَحَلَفَ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ كَأُمِّهِ، فَإِنْ نَكَلَ الرَّاهِنُ فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ. . (وَلَوْ أَتْلَفَ الْمَرْهُونَ وَقَبَضَ بَدَلَهُ) أَوْ لَمْ يَقْبِضْ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (صَارَ رَهْنًا) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ مَنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي يَدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ رَهْنٍ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْمَوْقُوفِ إذَا أُتْلِفَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْوَقْفِ فِيهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيمَةَ يَصِحُّ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الرَّاهِنُ، فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لَمْ يُخَاصِمْ الْمُرْتَهِنُ فِي الْأَصَحِّ. فَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ اقْتَصَّ الرَّاهِنُ وَفَاتَ الرَّهْنُ، فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَفْوِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ   [مغني المحتاج] تَكُونَ رَهْنًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ وَقْفًا، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ دَيْنًا قَبْلَ قَبْضِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ رَهْنُهُ ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ شَرْطِ الْمَرْهُونِ كَوْنَهُ عَيْنًا (وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ) الْمَالِكُ (الرَّاهِنُ) أَوْ الْمُعِيرُ لِلْمَرْهُونِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ (فَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لَمْ يُخَاصِمْ الْمُرْتَهِنُ فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِمَا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَهُ إذَا خَاصَمَ الْمَالِكَ حُضُورُ خُصُومَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْبَدَلِ، وَالثَّانِي: يُخَاصِمُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَصَبَ الْمَرْهُونَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَمَكَّنَ الْمَالِكُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ. أَمَّا لَوْ بَاعَ الْمَالِكُ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُخَاصَمَةُ جَزْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ شُهْبَةَ. (فَلَوْ) جَنَى رَقِيقٌ عَلَى الرَّقِيقِ الْمَرْهُونِ، وَ (وَجَبَ قِصَاصٌ اقْتَصَّ الرَّاهِنُ) مِنْهُ أَوْ عَفَا مَجَّانًا (وَفَاتَ الرَّهْنُ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِلَا بَدَلٍ. هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ، فَإِذَا كَانَتْ فِي طَرَفٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ، وَلَوْ أَعْرَضَ الرَّاهِنُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُمَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى (فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ بِعَفْوِهِ) عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ (أَوْ بِجِنَايَةِ خَطَإٍ) أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ أَوْ عَمْدٍ يُوجِبُ مَالًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ مَثَلًا صَارَ الْمَالُ مَرْهُونًا وَلَوْ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا مَرَّ (لَمْ يَصِحَّ عَفْوُهُ) أَيْ الرَّاهِنِ عَنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: ثَمَّ مَحَلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ رَهْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ مَرْهُونًا إلَّا بِالْغُرْمِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ إذْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْجِنَايَةِ إذَا نَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِهَا وَلَمْ يَزِدْ الْأَرْشُ فَلَوْ لَمْ تَنْقُصْ بِهَا كَأَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ أَوْ نَقَصَتْ بِهَا، وَكَانَ الْأَرْشُ زَائِدًا عَلَى مَا نَقَصَ مِنْهَا فَازَ الْمَالِكُ بِالْأَرْشِ كُلِّهِ فِي الْأُولَى، وَبِالزَّائِدِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الثَّانِيَةِ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ زَادَ سِعْرُ الْمَرْهُونِ بَعْدَ رَهْنِهِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ وَجَبَ الْمَالُ ابْتِدَاءً بِجِنَايَةِ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهَا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ كَالْهَاشِمَةِ أَوْ لِكَوْنِ الْجَانِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وَلَا إبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِي وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ ، فَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَحَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ بِيعَتْ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بِيعَ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ الرَّهْنِ فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] أَصْلًا لَكَانَ أَوْلَى. . (وَلَا) يَصِحُّ (إبْرَاءُ الْمُرْتَهِنِ الْجَانِي) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَائِهِ حَقُّهُ مِنْ الْوَثِيقَةِ إلَّا إنْ أَسْقَطَهُ مِنْهَا (وَلَا يَسْرِي الرَّهْنُ إلَى زِيَادَتِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (الْمُنْفَصِلَةِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ) وَصُوفٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ وَمَهْرِ جَارِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ عَنْ الرَّقَبَةِ فَلَا يَسْرِي إلَيْهَا كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْمُتَّصِلَةِ كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَتَعْلِيمٍ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا. ، (فَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَحَلَّ الْأَجَلُ وَهِيَ حَامِلٌ بِيعَتْ) كَذَلِكَ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْحَمْلُ يُعْلَمُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَكَأَنَّهُ رَهَنَهُمَا مَعًا، وَإِلَّا فَقَدْ رَهَنَهَا وَالْحَمْلُ مَحْضُ صِفَةٍ. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ رَهَنَ حَامِلًا وَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى الْبَيْعِ وَهِيَ حَامِلٌ بَعْدُ فَتُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ لِشُمُولِهَا الْبَيْعَ فِي جِنَايَةٍ مَثَلًا (وَإِنْ وَلَدَتْهُ بِيعَ مَعَهَا فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ فَهُوَ رَهْنٌ. وَالثَّانِي: لَا يُبَاعُ مَعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمَ فَهُوَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ الْعَقْدِ (وَإِنْ كَانَتْ L 6008 حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ فَالْوَلَدُ لَيْسَ بِرَهْنٍ فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْلَمُ، وَالثَّانِي: نَعَمْ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ فَيَتْبَعُ كَالصِّفَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مَرْهُونًا، وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ فَكَيْفَ يُرْهَنُ؟ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُبَاعُ مَعَهَا كَالسَّمْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَعَذَّرُ بَيْعُهَا حَتَّى تَضَعَ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ: إنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَجْرِ فَلَسٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِرَقَبَةِ أُمِّهِ دُونَهُ كَالْجَانِيَةِ وَالْمُعَارَةِ لِلرَّهْنِ أَوْ نَحْوِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْحَمْلِ مُتَعَذَّرٌ وَتَوْزِيعَ الثَّمَنِ عَلَى الْأُمِّ، وَالْحَمْلِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ أَوْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَّاهِنَ يَلْزَمُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِتَوْفِيَةِ الدَّيْنِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا. ثُمَّ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنُ وَالدَّيْنُ فَذَاكَ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَصَ طُولِبَ بِالْبَاقِي، وَلَوْ رَهَنَ نَخْلَةً ثُمَّ أَطْلَعَتْ اُسْتُثْنِيَ طَلْعُهَا عِنْدَ بَيْعِهَا وَلَا يُمْنَعُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 فَصْلٌ جَنَى الْمَرْهُونُ قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ. فَإِنْ اقْتَصَّ أَوْ بِيعَ لَهُ بَطَلَ الرَّهْنُ ، وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ بَطَلَ. وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَبْقَى رَهْنًا.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ إذَا جنى الْمَرْهُونُ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ] فَصْلٌ إذَا (جَنَى الْمَرْهُونُ) عَلَى أَجْنَبِيٍّ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ (قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غَيْرِ الرَّقَبَةِ، فَلَوْ قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ لَضَاعَ حَقُّهُ. وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَحَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَبِالذِّمَّةِ فَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِالْجِنَايَةِ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَلَا أَثَرَ لِإِذْنِهِ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الْإِثْمِ، أَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ أَوْ أَعْجَمِيٍّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ سَيِّدِهِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ وَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ قِصَاصٌ وَلَا مَالٌ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ السَّيِّدِ أَنَا أَمَرْتُهُ بِالْجِنَايَةِ فِي حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَطْعَ حَقِّهِ عَنْ الرَّقَبَةِ، بَلْ يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَتُهُ لِتَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ لِإِقْرَارِهِ بِأَمْرِهِ بِالْجِنَايَةِ، وَأَمْرُ غَيْرِ السَّيِّدِ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ كَالسَّيِّدِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا. (فَإِنْ اقْتَصَّ) الْمُسْتَحِقُّ فِي النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا بِأَنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ قِصَاصًا (أَوْ بِيعَ) الْمَرْهُونُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (لَهُ) أَيْ لِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَنْ أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ (بَطَلَ الرَّهْنُ) فِيمَا اقْتَصَّ أَوْ بِيعَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، نَعَمْ إنْ وَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَأَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِ غَاصِبٍ لَمْ يَفُتْ الرَّهْنُ بَلْ تَكُونُ قِيمَتُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ فَلَوْ عَادَ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْقِصَاصِ وَالْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِعَفْوٍ أَوْ فِدَاءٍ لَمْ يُبْطِلْ. ، (وَإِنْ جَنَى) الْمَرْهُونُ (عَلَى سَيِّدِهِ فَاقْتَصَّ بَطَلَ) الرَّهْنُ فِي الْمُقْتَصِّ نَفْسًا كَانَ أَوْ طَرَفًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: التَّاءُ فِي اقْتَصَّ مَفْتُوحَةٌ وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَيَشْمَلُ السَّيِّدَ وَالْوَارِثَ وَالسُّلْطَانُ فِيمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. وَلَا يَصِحُّ ضَمُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِمِنْ. وَقَالَ الشَّارِحُ: بِضَمِّ التَّاءِ وَقَدَّرَ مِنْهُ وَالْأُولَى أَوْلَى لِسَلَامَتِهَا مِنْ التَّقْدِيرِ، وَلَكِنْ يُؤَيِّدُ الشَّارِحَ مَا يَأْتِي فِي ضَبْطِ عُفِيَ مِنْ قَوْلِهِ. (وَإِنْ عُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ ابْتِدَاءً (فَيَبْقَى رَهْنًا) كَمَا كَانَ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ الْمَالُ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى فَكِّ الرَّهْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْأَمَةِ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا السَّيِّدُ الْمُعْسِرُ. أَمَّا هِيَ فَإِنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 وَإِنْ قَتَلَ مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ آخَرَ فَاقْتَصَّ بَطَلَ الرَّهْنَانِ، وَإِنْ وَجَبَ مَالٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ، فَيُبَاعُ وَثَمَنُهُ رَهْنٌ، وَقِيلَ يَصِيرُ رَهْنًا. فَإِنْ كَانَا مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ نَقَصَتْ الْوَثِيقَةُ،   [مغني المحتاج] الِاسْتِيلَادَ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَا تُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى السَّيِّدِ جَزْمًا، لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ لَوْ جَنَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَا تُبَاعُ بَلْ يَفْدِيهَا السَّيِّدُ فَتَكُونُ جِنَايَتُهَا عَلَى سَيِّدِهَا فِي الرَّهْنِ كَالْعَدَمِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عُفِيَ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ لِيَشْمَلَ عَفْوَ السَّيِّدِ وَالْوَارِثِ لَكِنَّهُ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ اصْطِلَاحِهِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي عَفْوِ السَّيِّدِ وَجْهَانِ وَفِي عَفْوِ الْوَارِثِ قَوْلَانِ فَثُبُوتُ الْمَالِ فِي الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: قَوِيٌّ وَأَتَى بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ هُوَ رَهْنٌ أَيْضًا، لَكِنْ يُبَاعُ فِي الْجِنَايَةِ وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَلَوْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ خَطَأً كَانَ كَالْعَفْوِ، فَلَوْ قَالَ: وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ الْمَالِ لَكَانَ أَشْمَلَ. . (وَإِنْ قَتَلَ) الْمَرْهُونُ (مَرْهُونًا لِسَيِّدِهِ عِنْدَ) مُرْتَهِنٍ (آخَرَ فَاقْتَصَّ) السَّيِّدُ مِنْهُ (بَطَلَ الرَّهْنَانِ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِمَا (وَإِنْ) عُفِيَ عَلَى غَيْرِ مَالٍ صَحَّ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ) عُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ (وَجَبَ مَالٌ) بِجِنَايَةِ خَطَإٍ أَوْ نَحْوِهِ (تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ الْمَالِ (حَقُّ مُرْتَهَنِ الْقَتِيلِ) وَالْمَالُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ (فَيُبَاعُ) إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى الْوَاجِبِ بِالْقَتْلِ (وَثَمَنُهُ) إنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْوَاجِبِ (رَهْنٌ) وَإِلَّا فَقَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَفْسُهُ رَهْنًا (وَقِيلَ يَصِيرُ رَهْنًا) وَلَا يُبَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلَهَا وَدُفِعَ بِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي مَالِيَّتِهِ لَا فِي عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بِزِيَادَةٍ فَيَتَوَثَّقُ مُرْتَهِنُ الْقَاتِلِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَيَبْقَى الْبَاقِي رَهْنًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ أَوْ نَقَصَ بِهِ بَيْعُ الْكُلِّ وَصَارَ الزَّائِدُ رَهْنًا عِنْدَ مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَنْتَقِلُ مِنْ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ إلَى مُرْتَهِنِ الْقَتِيلِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ النَّقْلَ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ الْبَيْعَ فَأَيُّهُمَا يُجَابُ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ: أَمَّا إذَا طَلَبَ الرَّاهِنُ الْبَيْعَ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ النَّقْلَ، فَالْمُجَابُ الرَّاهِنُ إذْ لَا حَقَّ لِلْمُرْتَهِنِ فِي عَيْنِهِ، وَلَوْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنَانِ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ الْمَسْلُوكُ قَطْعًا أَوْ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُ الْقَتِيلِ عَلَى نَقْلِ الْقَاتِلِ أَوْ بَعْضِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا فَلَيْسَ لِمُرْتَهِنِ الْقَاتِلِ الْمُنَازَعَةُ وَطَلَبُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ لَهُ فِي ذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِتَوَقُّعِ رَاغِبٍ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ. (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ (مَرْهُونَيْنِ عِنْدَ شَخْصٍ) أَوْ أَكْثَرَ (بِدَيْنٍ وَاحِدٍ نَقَصَتْ الْوَثِيقَةُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 أَوْ بِدَيْنَيْنِ وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ غَرَضٌ نُقِلَتْ. وَلَوْ تَلِفَ مَرْهُونٌ بِآفَةٍ بَطَلَ. وَيَنْفَكُّ بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ عِنْدَ مُسْتَحِقٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ (أَوْ بِدَيْنَيْنِ) عِنْدَ شَخْصٍ وَتَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَةِ الْقَاتِلِ. ، (وَفِي نَقْلِ الْوَثِيقَةِ) بِهِ إلَى دَيْنِ الْقَتِيلِ (غَرَضٌ) أَيْ فَائِدَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ (نُقِلَتْ) وَإِلَّا فَلَا، فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَطْوَلَ أَجَلًا مِنْ الْآخَرِ فَلِلْمُرْتَهِنِ التَّوَثُّقُ بِثَمَنِ الْقَاتِلِ لِدَيْنِ الْقَتِيلِ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَالْفَائِدَةُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ثَمَنِ الْقَاتِلِ فِي الْحَالِّ أَوْ مُؤَجَّلًا فَقَدْ تَوَثَّقَ وَيُطَالِبُ بِالْحَالِّ وَإِنْ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ قَدْرًا وَحُلُولًا وَتَأْجِيلًا وَقِيمَةُ الْقَتِيلِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْقَاتِلِ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا لَمْ تُنْقَلْ الْوَثِيقَةُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ نُقِلَ مِنْهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْقَتِيلِ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالنَّقْلِ لِلْقَاتِلِ أَوْ بَعْضِهِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيَصِيرُ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَ الْقَتِيلِ لَا رَقَبَتُهُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ اخْتَلَفَ جِنْسُ الدَّيْنَيْنِ: بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ وَالْآخَرُ دَرَاهِمَ وَاسْتَوَيَا فِي الْمَالِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ قُوِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ لَمْ يُؤَثِّرْ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ مِنْ تَأْثِيرِهِ، فَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ: إنَّهُ مُخَالِفٍ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ، وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ وَعَدَمِهِ: كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عِوَضَ مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ صَدَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا ضَامِنٌ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ نَقْلَ الْوَثِيقَةِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي بِالضَّمَانِ إلَى الْآخَرِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ التَّوَثُّقُ فِيهِمَا. أُجِيبَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: بِيعُوهُ وَضَعُوا ثَمَنَهُ مَكَانَهُ فَإِنِّي لَا آمَنُ جِنَايَتَهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَتُؤْخَذُ رَقَبَتُهُ فِيهَا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ: أَنَّهُ يُجَابُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ، وَفِي إجَابَتِهِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْهُمَا الْمَنْعَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَسَائِرِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَوْ اقْتَصَّ السَّيِّدُ مِنْ الْقَاتِلِ فَاتَتْ الْوَثِيقَةُ. ، (وَلَوْ تَلِفَ مَرْهُونٌ بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ (بَطَلَ) الرَّهْنُ لِفَوَاتِهِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِالتَّلَفِ تَخَمُّرَ الْعَصِيرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ خَلًا لَا يَعُودُ رَهْنًا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَوْدُهُ، وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْآفَةِ مَا لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي ضَرْبِ الْمَرْهُونِ فَضَرَبَهُ وَتَلِفَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. . (وَيَنْفَكُّ) الرَّهْنُ (بِفَسْخِ الْمُرْتَهِنِ) وَلَوْ بِدُونِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَهُوَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ. نَعَمْ التَّرِكَةُ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا مَرْهُونَةٌ بِالدَّيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَرَادَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْفَسْخَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ، وَلَوْ رَهَنَاهُ فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا انْفَكَّ نَصِيبُهُ.   [مغني المحتاج] ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ فَالْفَكُّ يُفَوِّتُهَا، وَخَرَجَ بِالْمُرْتَهِنِ الرَّاهِنُ فَلَا يَنْفَكُّ بِفَسْخِهِ لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَتِهِ (وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ) جَمِيعِ (الدَّيْنِ) بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَوْ بِحَوَالَةِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ اعْتَاضَ عَنْ الدَّيْنِ عَيْنًا انْفَكَّ الرَّهْنُ، فَلَوْ تَلِفَتْ أَوْ تَقَايَلَا فِي الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا عَادَ الْمَرْهُونُ رَهْنًا (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ قَلَّ (لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَكَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَعِتْقِ الْمُكَاتَبِ؛ وَلِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الدَّيْنِ، فَلَوْ شَرَطَ كُلَّمَا قُضِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ بِقَدْرِهِ فَسَدَ الرَّهْنُ لِاشْتِرَاطِ مَا يُنَافِيه كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ عَبْدٍ بِدَيْنٍ وَنِصْفَهُ بِآخَرَ) فِي صَفْقَةٍ أُخْرَى (فَبَرِئَ مِنْ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ (وَلَوْ رَهَنَاهُ) بِدَيْنٍ (فَبَرِئَ أَحَدُهُمَا) مِمَّا عَلَيْهِ (انْفَكَّ نَصِيبُهُ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ وَلَوْ اتَّحَدَ وَكِيلُهُمَا. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اتِّحَادِ الدَّيْنِ وَعَدَمِهِ، وَمَتَى تَعَدَّدَ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ تَعَدَّدَ الدَّيْنُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ بِتَعَدُّدِ الْوَكِيلِ وَاتِّحَادِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ فَنُظِرَ فِيهِ إلَى الْمُبَاشِرِ لَهُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَلَوْ رَهَنَهُ عِنْدَ اثْنَيْنِ فَبَرِئَ مِنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا انْفَكَّ قِسْطُهُ لِتَعَدُّدِ مُسْتَحِقِّ الدَّيْنِ. فَإِنْ قِيلَ مَا يَأْخُذْهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَكَيْفَ تَنْفَكُّ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَخْذِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا، أَوْ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَخْذِ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا اسْتَعَارَهُ مِنْ اثْنَيْنِ لِيَرْهَنَهُ ثُمَّ أَدَّى نِصْفَ الدَّيْنِ وَقَصَدَ فِكَاكَ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عَنْهُ انْفَكَّ نِصْفُهُ نَظَرًا إلَى تَعَدُّدِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الشُّيُوعَ أَوْ أَطْلَقَ ثُمَّ جَعَلَهُ عَنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ. (فُرُوعٌ) : لَوْ رَهَنَ شَخْصٌ آخَرُ عَبْدَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا لَهُ كَانَ مَرْهُونًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُمَا وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ عَنْ وَرَثَتِهِ فَفَدَى أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لَمْ يَنْفَكَّ كَمَا فِي الْمُوَرَّثِ؛ وَلِأَنَّ الرَّهْنَ صَدَرَ ابْتِدَاءً مِنْ وَاحِدٍ، وَقَضِيَّتُهُ حَبْسُ كُلِّ الْمَرْهُونِ إلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَدَى نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ: إمَّا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ بِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَعَدَّدَ الرَّاهِنُ، أَوْ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي فَهُوَ كَمَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ فَأَدَّى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ يَنْقَطِعُ التَّعَلُّقُ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 فَصْلٌ اخْتَلَفَا فِي الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ، وَإِنْ شُرِطَ فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ، وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ.   [مغني المحتاج] وَرَثَةٍ فَوَفَّى أَحَدُهُمْ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ نَصِيبُهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، كَمَا لَوْ وَفَّى مُوَرَّثُهُ بَعْضَ دَيْنِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ (اخْتَلَفَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي) أَصْلِ (الرَّهْنِ) كَأَنْ قَالَ: رَهَنْتنِي كَذَا فَأَنْكَرَ (أَوْ) فِي (قَدْرِهِ) أَيْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ كَأَنْ قَالَ رَهَنْتَنِي الْأَرْضَ بِأَشْجَارِهَا فَقَالَ: بَلْ الْأَرْضَ فَقَطْ، أَوْ فِي عَيْنِهِ: كَهَذَا الْعَبْدِ، فَقَالَ بَلْ الْجَارِيَةَ، أَوْ قُدِّرَ الْمَرْهُونُ بِهِ كَمِائَتَيْنِ، فَقَالَ بَلْ مِائَةٍ (صُدِّقَ الرَّاهِنُ) أَيْ الْمَالِكُ (بِيَمِينِهِ) وَإِنْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ الْمُرْتَهِنُ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَالِكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يَكُونُ مُسْتَعِيرًا، وَأَيْضًا هُوَ لَيْسَ بِرَاهِنٍ، لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ: إطْلَاقُهُ عَلَى الْمُنْكِرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ (إنْ كَانَ رَهْنَ تَبَرُّعٍ) أَيْ لَيْسَ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِ قَيْدٍ فِي التَّصْدِيقِ (وَإِنْ شُرِطَ) الرَّهْنُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِمَّا ذُكِرَ (فِي بَيْعٍ تَحَالَفَا) كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَائِرِ كَيْفِيَّاتِ الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ شَمِلَتْ عِبَارَتُهُ: مَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْوَفَاءِ كَأَنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَ مِنِّي الْمَشْرُوطَ رَهْنُهُ وَهُوَ كَذَا فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَحَالُفَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِفَا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ مَوْقِعُ التَّحَالُفِ بَلْ يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَرْهَنْ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَ حُكْمُهَا مِنْ قَوْلِهِ: فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَاخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا هُنَا. . (وَلَوْ ادَّعَى) عَلَى اثْنَيْنِ (أَنَّهُمَا رَهَنَاهُ عَبْدَهُمَا بِمِائَةٍ) وَأَقْبَضَاهُ إيَّاهُ (وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُ الْمُصَدِّقِ رَهْنٌ بِخَمْسِينَ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَالْقَوْلُ فِي نَصِيبِ الثَّانِي قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ) : لِمَا سَلَفَ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَذِّبِ لِخُلُوِّهَا عَنْ جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِنْ شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ أَوْ حَلَفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِهِ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ غَصَبَتْهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ، وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ،   [مغني المحتاج] الْمُدَّعِي مَعَهُ ثَبَتَ رَهْنُ الْجَمِيعِ وَلَوْ زَعَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا رَهَنَ نَصِيبَهُ وَأَنَّ شَرِيكَهُ رَهَنَ أَوْ سَكَتَ عَنْ شَرِيكِهِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَرُبَّمَا نَسِيَ، وَإِنْ تَعَمَّدَ فَالْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُوجِبُ الْفِسْقَ، وَلِهَذَا لَوْ تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ شَهِدَا فِي حَادِثَةٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فِي التَّخَاصُمِ فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ غَيْرُ مُفَسِّقَةٍ، مَحَلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ انْضِمَامِ غَيْرِهَا إلَيْهَا كَجَحْدِ حَقٍّ وَاجِبٍ وَهَذَا بِتَقْدِيرِ تَعَمُّدِهِ يَكُونُ جَاحِدًا لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَيُفَسَّقُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْجَحْدِ مُفَسِّقًا أَنْ يُفَوِّتَ الْمَالِيَّةَ عَلَى الْغَيْرِ، وَهُنَا لَمْ يُفَوِّتْ إلَّا حَقَّ الْوَثِيقَةِ. فَإِنْ قِيلَ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمُدَّعِي بِظُلْمِهَا بِالْإِنْكَارِ بِلَا تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَفْسِيقَهُمَا. أُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ بِذَلِكَ ظَهَرَ مِنْهُ هَذَا إذْ لَيْسَ كُلُّ ظُلْمٍ خَالٍ عَنْ تَأْوِيلٍ مُفَسِّقًا بِدَلِيلِ الْغَيْبَةِ وَلَوْ ادَّعَيَا عَلَى وَاحِدٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ وَأَقْبَضَهُ لَهُمَا وَصَدَقَ أَحَدَهُمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ لِلْمُكَذِّبِ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكَهُ فِيهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطًا. . (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ (فِي قَبْضِهِ) أَيْ الْمَرْهُونِ (فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ أَوْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتُهُ صُدِّقَ الرَّاهِنُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ الرَّهْنِ وَعَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ (وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى) كَإِجَارَةٍ أَوْ إيدَاعٍ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِهِ فِي الْقَبْضِ عَنْ الرَّهْنِ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى قَبْضِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَالرَّاهِنُ يُرِيدُ صَرْفَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِتَقَدُّمِ الْعَقْدِ الْمُحْوِجِ إلَى الْقَبْضِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَتَنَازَعَا فِي قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُصَدَّقُ مَنْ الْمَرْهُونُ فِي يَدِهِ. . (وَلَوْ أَقَرَّ) الرَّاهِنُ (بِقَبْضِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَ (ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَرْهُونَ (وَقِيلَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا كَقَوْلِهِ: أَشْهَدْتُ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ) قَبْلَ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ، وَالرَّسْمُ الْكِتَابَةُ، وَالْقَبَالَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْوَرَقَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ: أَيْ أَشْهَدْتُ عَلَى الْكِتَابَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْوَثِيقَةِ لِكَيْ آخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَنْتُ حُصُولَ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ أَوْ أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ عَلَى لِسَانِ وَكِيلِي أَنَّهُ أُقْبَضَ ثُمَّ خَرَجَ مُزَوِّرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ تَأْوِيلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا جَنَى الْمَرْهُونُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ،   [مغني المحتاج] يَكُونُ مُنَاقِضًا بِقَوْلِهِ لِإِقْرَارِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْوَثَائِقَ فِي الْغَالِبِ يُشْهَدُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَحَقُّقِ مَا فِيهَا، فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى تَلَفُّظِهِ بِذَلِكَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ أَقَرَّ بِإِقْبَاضِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَلْزَمُ الرَّهْنُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ: إنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ إذَا كَانَ الْإِقْرَارُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بِالْإِقْبَاضِ إذَا أَمْكَنَ، فَلَوْ كَانَ بِمَكَّةَ مَثَلًا فَقَالَ: رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي بِالشَّامِ وَأَقْبَضْتُهُ إيَّاهَا وَهُمَا بِمَكَّةَ فَهُوَ لَغْوٌ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَا يُمْكِنُ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ: أَيْ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ (وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ (جَنَى الْمَرْهُونُ) بَعْدَ الْقَبْضِ (وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْجِنَايَةِ وَبَقَاءُ الرَّهْنِ، وَإِذَا بِيعَ فِي الدَّيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَى الْمُرْتَهِنِ الْمُقِرِّ لِإِقْرَارِهِ. . (وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ) بَعْدَ الْقَبْضِ (جَنَى قَبْلَ الْقَبْضِ) الْمَرْهُونُ، سَوَاءٌ أَقَالَ جَنَى بَعْدَ الرَّهْنِ أَمْ قَبْلَهُ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ (فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ) الْجِنَايَةَ صِيَانَةً لِحَقِّهِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يُوَاطِئُ مُدَّعِي الْجِنَايَةِ لِغَرَضِ إبْطَالِ الرَّهْنِ، وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ إذَا عُيِّنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَصَدَّقَهُ وَادَّعَاهُ وَإِلَّا فَالرَّهْنُ بَاقٍ بِحَالِهِ قَطْعًا، وَدَعْوَى الرَّاهِنِ زَوَالَ الْمِلْكِ كَدَعْوَاهُ الْجِنَايَةَ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ) الْمُرْتَهِنُ (غَرِمَ الرَّاهِنُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، وَالثَّانِي: لَا يَغْرَمُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَظْهَرِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْغُرْمِ لِلْحَيْلُولَةِ، وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ يَغْرَمُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ) كَجِنَايَةِ أُمِّ الْوَلَدِ لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَهُوَ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِذَلِكَ. وَالثَّانِيَةُ: قَوْلَانِ كَمَا فِي فِدَاءِ الْعَبْدِ الْجَانِي، أَظْهَرُهُمَا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِذَا حَلَفَ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ وَرَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ وَقَالَ رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ، وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ، وَقِيلَ يُقَسَّطُ.   [مغني المحتاج] الْجِنَايَةِ. وَثَانِيهِمَا: الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَقَوْلُهُ (وَأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ الْمُرْتَهِنُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (لَا عَلَى الرَّاهِنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُمَا وَجْهَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا مَا مَرَّ. وَالثَّانِي: تُرَدُّ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَالْخُصُومَةُ تَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ (فَإِذَا حَلَفَ) الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا (بِيعَ) الْعَبْدُ (فِي الْجِنَايَةِ) إنْ اسْتَغْرَقَتْ الْجِنَايَةُ قِيمَتَهُ، وَإِلَّا بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يَكُونُ الْبَاقِي رَهْنًا لِثُبُوتِ الْجِنَايَةِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَوَّتَهُ بِنُكُولِهِ. . (وَلَوْ أَذِنَ) الْمُرْتَهِنُ (فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ فَبِيعَ) وَقَالَ رَجَعْتُ عَنْ الْإِذْنِ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ رُجُوعَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ (وَ) لَوْ (رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ) وَقَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ (رَجَعْتُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الرَّاهِنُ) : بَلْ (بَعْدَهُ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْمُرْتَهِنِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ، وَالرُّجُوعُ فِي الْوَقْتِ الْمُدَّعَى إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ، فَيَتَعَارَضَانِ فِيهِ وَيَبْقَى الرَّهْنُ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ بَيْعِهِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ الْإِذْنَ، وَالثَّالِثُ: قَوْلُ السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الرَّجْعَةِ، وَفِي اخْتِلَافِ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فِي أَنَّ الْعَزْلَ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ (وَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفَانِ) مَثَلًا (بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ) أَوْ كَفِيلٌ أَوْ هُوَ ثَمَنُ مَبِيعٍ مَحْبُوسٍ بِهِ وَالْآخَرُ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ (فَأَدَّى أَلْفًا وَقَالَ أَدَّيْتُهُ عَنْ أَلْفِ الرَّهْنِ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا ذُكِرَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ، سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ أَمْ لَفْظِهِ فَالْعِبْرَةُ فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدَّى حَتَّى يَبْرَأَ بِقَصْدِهِ الْوَفَاءُ وَيَمْلِكَهُ الْمَدْيُونُ وَإِنْ ظَنَّ الدَّائِنُ إيدَاعَهُ، وَكَمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِقَصْدِهِ فَكَذَا الْخِيَرَةُ فِيهِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ، فَإِذَا أَرَادَ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَالسَّيِّدُ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ، فَيُجَابُ السَّيِّدُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَتُفَارِقُ غَيْرَهَا مِمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْجِهَةِ لِتَقْصِيرِ السَّيِّدِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) حَالَ الدَّفْعِ (شَيْئًا جَعَلَهُ عَمَّا شَاءَ) مِنْهُمَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ (وَقِيلَ يُقَسَّطُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 فَصْلٌ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ، وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي، فَعَلَى الْأَظْهَرِ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالتَّقْسِيطُ قِيلَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنَيْنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا لَوْ دَفَعَ الْمَالَ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ. قَالَ: فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِذَا عُيِّنَ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ أَوْ التَّعْيِينِ؟ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ وَلَوْ تَبَايَعَ مُشْرِكَانِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ وَسَلَّمَ مَنْ الْتَزَمَ الزِّيَادَةَ دِرْهَمًا ثُمَّ أَسْلَمَا، فَإِنْ قَصَدَ بِتَسْلِيمِهِ الزِّيَادَةَ لَزِمَهُ بَرِئَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا وُزِّعَ عَلَيْهِمَا وَسَقَطَ بَاقِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْأَصْلَ، وَإِنْ قَصَدَ الْأَصْلَ شَيْئًا عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا. [فَصْلٌ فِي تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ] ِ (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ) الْمُتَنَقِّلَةِ إلَى الْوَارِثِ مَعَ وُجُودِ الدَّيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (تَعَلُّقَهُ بِالْمَرْهُونِ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِلْمَيِّتِ، إذْ يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِيهِ جَزْمًا بِخِلَافِ إلْحَاقِهِ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ. وَاغْتُفِرَ هُنَا جَهَالَةُ الْمَرْهُونِ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ (وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ، وَقِيلَ كَحَجْرِ الْفَلَسِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُورَانِيِّ وَالْإِمَامِ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ» وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَكُنْ التَّرِكَةُ مَرْهُونَةً رَهْنًا اخْتِيَارِيًّا فَإِنْ كَانَ لَمْ تَتَعَلَّقْ الدُّيُونُ الْمُرْسَلَةُ فِي الذِّمَّةِ بِالتَّرِكَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ التَّرِكَةِ فَوَفَّى الْوَارِثُ قَدْرَهَا فَقَطْ أَنَّهَا لَا تَنْفَكُّ مِنْ الرَّهِينَةِ وَلَا سِيَّمَا قَوْلُهُ بَعْدُ: وَيَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَنْفَكُّ (فَعَلَى) الْأَوَّلِ (الْأَظْهَرُ يَسْتَوِي الدَّيْنُ الْمُسْتَغْرِقُ وَغَيْرُهُ) فِي رَهْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمَرْهُونِ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ ظَاهِرٌ فَظَهَرَ دَيْنٌ بِرَدِّ مَبِيعٍ بِعَيْبٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ لَكِنَّ إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ ،   [مغني المحتاج] تَعَلَّقَ بِقَدْرِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِي مَالٍ كَثِيرٍ بِشَيْءٍ حَقِيرٍ بَعِيدٌ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَالرَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَتَعَلُّقِ الْجِنَايَةِ، لَكِنْ حُكِيَ فِي الْمَطْلَبِ الْخِلَافُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ رَجَّحُوا فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ بِجَمِيعِهِ وَيَأْتِي تَرْجِيحُهُ هُنَا فَيُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ عَلَى الْأَرْشِ لِلْمُرَجِّحِ عَلَى الرَّهْنِ، فَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ إلَخْ صَحِيحٌ انْتَهَى لَكِنَّ الزَّكَاةَ تُخَالِفُ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ كَمَا قَالَ شَيْخِي بِأَنَّ الْخِلَافَ عَلَى الْأَوَّلِ أَقْوَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالرَّهْنِ مَا لَوْ أَدَّى وَارِثَهُ قِسْطَ مَا وَرِثَ فَإِنَّهُ يَنْفَكُّ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ ثُمَّ مَاتَ لَا يَنْفَكُّ إلَّا بِوَفَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. . (وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَارِثُ وَلَا دَيْنَ) لَا (ظَاهِرٌ) وَلَا خَفِيٌّ (فَظَهَرَ دَيْنٌ) أَيْ طَرَأَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا يَجِبُ بِالرَّدِّ الْآتِي فِي عِبَارَتِهِ لَمْ يَكُنْ خَفِيًّا ثُمَّ ظَهَرَ بَلْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، لَكِنَّ سَبَبَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَقَوْلُهُ (بِرَدِّ) أَوْلَى مِنْهُ كَرَدِّ (مَبِيعٍ بِعَيْبٍ) أَتْلَفَ الْبَائِعُ ثَمَنَهُ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ ثُمَّ تَرَدَّى فِيهَا شَخْصٌ وَلَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَقَوْلُهُ وَلَا دَيْنَ اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُقَارِنًا وَعُلِمَ بِهِ فَالتَّصَرُّفُ بَاطِلٌ، وَكَذَا إنْ جَهِلَهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَائِغًا لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي: يَتَبَيَّنُ فَسَادُهُ إلْحَاقًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الْمُقَارِنِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ الْبَيْعُ جَزْمًا (لَكِنَّ) عَلَى الْأَوَّلِ (إنْ لَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَسَخَ) تَصَرُّفُهُ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " إنْ لَمْ يَقْضِ ". قَالَ فِي الدَّقَائِقِ بِضَمِّ الْيَاءِ لِيَعُمَّ قَضَاءَ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ اهـ. وَأَوْلَى مِنْهُ إنْ لَمْ يَسْقُطْ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءَ وَغَيْرَهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ الْوَارِثَ الْمُوسِرَ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ التَّرِكَةِ وَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ أَنَّهُ يَفْسَخُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ نُفُوذُهُ أَوْلَى مِنْ نُفُوذِ عِتْقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ هُنَا طَارِئٌ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] التَّصَرُّفِ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَاسْتِيلَادُهُ وَعَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ. ، (وَلَا خِلَافَ أَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْمُوَرِّثِ، وَالْمُوَرِّثُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَوْ أَوْصَى بِدَفْعِ عَيْنٍ إلَيْهِ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ تُبَاعَ وَيُوَفَّى دَيْنُهُ مِنْ ثَمَنِهَا عُمِلَ بِوَصِيَّتِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهَا وَالْقَضَاءُ مِنْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ قَدْ تَكُونُ أَطْيَبَ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَالَ الْوَارِثُ آخُذُهَا بِقِيمَتِهَا وَأَرَادَ الْغُرَمَاءُ بَيْعَهَا لِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رَاغِبٍ. أُجِيبَ: الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ؛ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَلِلنَّاسِ غَرَضٌ فِي إخْفَاءِ تَرِكَاتِ مُوَرِّثِهِمْ عَنْ شُهْرَتِهَا لِلْبَيْعِ، فَإِنْ طُلِبَتْ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَأْخُذْهَا الْوَارِثُ بِقِيمَتِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ كَوْنِ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُ كُلِّ مَالِ الْقِرَاضِ وَإِلْزَامُ الْعَامِلِ أَخْذَ نَصِيبِهِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ (وَالصَّحِيحُ) وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ (أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ) ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهَا لَا يَزِيدُ عَلَى تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْمَرْهُونِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْجَانِي، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَكَذَا هَذَا. وَالثَّانِي: يَمْنَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] أَيْ مِنْ بَعْدِ إعْطَاءِ وَصِيَّةٍ أَوْ إيفَاءٍ دَيْنٍ إنْ كَانَ حَيْثُ قُدِّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْمِيرَاثِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهِ لِقِسْمَةٍ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْهُ، وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ (فَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ كَكَسْبٍ وَنِتَاجٍ) ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ. أَمَّا عَلَى الْمَنْعِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا تَبَعًا لِأَصْلِهَا. خَاتِمَةٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا فِي فَرْعٍ، وَهُوَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ لِلْوَارِثِ فَظَنُّوا أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ حَتَّى إذَا كَانَ جَائِزًا سَقَطَ الْجَمِيعُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَدَاؤُهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ. وَيَسْتَقِرُّ لَهُ نَظِيرُهُ فِي الْمِيرَاثِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا سَبَبُ سُقُوطِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 كِتَابُ التَّفْلِيسِ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ،   [مغني المحتاج] [كِتَابُ التَّفْلِيسِ] ِ هُوَ لُغَةً النِّدَاءُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَشُهْرَتُهُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَخَسُّ الْأَمْوَالِ. وَشَرْعًا جَعْلُ الْحَاكِمِ الْمَدْيُونَ مُفْلِسًا بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ فِي دِينٍ كَانَ عَلَيْهِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةُ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» . وَالْمُفْلِسُ فِي الْعُرْفِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَفِي الشَّرْعِ مَنْ لَا يَفِي مَالُهُ بِدَيْنِهِ كَمَا قَالَ ذَاكِرًا لِحُكْمِهِ (مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ) لِآدَمِيٍّ لَازِمَةٌ (حَالَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ) وُجُوبًا فِي مَالِهِ إنْ اسْتَقَلَّ، أَوْ عَلَى وَلِيِّهِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ (بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ) وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ كَأَوْلِيَائِهِمْ، لِأَنَّ الْحَجْرَ لَحِقَهُمْ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْحَجْرَ كَانَ عَلَى مُعَاذٍ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، (فَلَا حَجْرَ بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فَوْرِيًّا) كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا بِدَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَنُجُومِ كِتَابَةٍ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ (وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ. تَنْبِيهٌ لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الدُّيُونِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ الدَّيْنَ الْوَاحِدَ إذَا زَادَ عَلَى الْمَالِ كَانَ كَذَلِكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ الْغُرَمَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الدَّيْنِ بِاللَّازِمِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيُخْرِجَ دَيْنَ الْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ: يَجُوزُ مَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَى أَنْ يُحْدِثَ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ، إذْ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ،   [مغني المحتاج] يَحْدُثُ لَهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ، وَمَا جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا، وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الْمُفْلِسِ إلَّا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ، فَقَدْ يَخْتَصُّ بَعْضُهُمْ بِالْوَفَاءِ فَيَضُرُّ الْبَاقِينَ، وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ، أَوْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت بِالْفَلِسِ إذْ مَنْعُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ: أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُفْلِسِ. قَالَ: وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ: أَيْ بَلْ إنَّهُ جَازَ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ. وَقَوْلُ السُّبْكِيّ: هَذَا ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ حَالًّا، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِلَا فَائِدَةٍ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ الْمُتَمَكِّنِ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ. أَمَّا مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ كَمَغْصُوبٍ وَغَائِبٍ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ. وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ تَحْصِيلِ أُجْرَتِهَا اُعْتُبِرَتْ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَ حَالًّا عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ أَيْ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ اُعْتُبِرَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَرْهُونًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْفِقْهُ مَنَعَ الْحَجْرَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَرُدَّ بِأَنَّ لَهُ فَوَائِدَ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ (وَإِذَا حُجِرَ بِحَالٍّ لَمْ يَحِلَّ الْمُؤَجَّلُ فِي الْأَظْهَرِ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّ الْأَجَلَ مَقْصُودٌ لَهُ فَلَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَالِ فَسَقَطَ الْأَجَلُ كَالْمَوْتِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِخَرَابِ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ جُنَّ الْمَدْيُونُ لَمْ يَحِلَّ دَيْنُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ تَصْحِيحِ الْحُلُولِ بِهِ نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ أَوْ اسْتِرْقَاقِ الْحَرْبِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْهَا، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ (وَلَوْ كَانَتْ الدُّيُونُ بِقَدْرِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا حَجْرَ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بَلْ يُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ، فَإِنْ امْتَنَعَ بَاعَ عَلَيْهِ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَإِنْ الْتَمَسَ الْغُرَمَاءُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ: أَيْ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ حُجِرَ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى دَيْنِهِ اهـ. وَهَذَا يُسَمَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حُجِرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِذَا حُجِرَ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ.   [مغني المحتاج] الْحَجْرُ الْغَرِيبُ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا وَكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا) لَا حَجْرَ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِّ. وَالثَّانِي: يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَيْ لَا يُضَيِّعَ مَالَهُ فِي النَّفَقَةِ وَدُفِعَ بِمَا ذُكِرَ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ زَائِدَةٌ عَلَى مَالِهِ. (وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ) مِنْ الْغُرَمَاءِ وَلَوْ بِنُوَّابِهِمْ، لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَهُمْ نَاظِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْأَلْ وَلِيُّهُ فَلِلْحَاكِمِ الْحَجْرُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي مَصْلَحَتِهِ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ. تَنْبِيهٌ اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحْجُرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ اسْتِيفَاءُ مَالِ الْغِيَابِ مِنْ الذِّمَمِ وَإِنَّمَا لَهُ حِفْظُ أَعْيَانِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْفَارِقِيُّ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيئًا وَإِلَّا لَزِمَ الْحَاكِمَ قَبْضُهُ قَطْعًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ (فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ) الْحَجْرَ (وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ) بِأَنْ زَادَ عَلَى مَالِهِ (حَجَرَ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْحَجْرِ، ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ أَثَرُ الْحَجْرِ بِالْمُلْتَمِسِ بَلْ يَعُمُّهُمْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ الدَّيْنُ عَلَى مَالِهِ (فَلَا) حَجْرَ، لِأَنَّ دَيْنَهُ يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ بِكَمَالِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى طَلَبِ الْحَجْرِ، وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَزِيدَ دَيْنُ الْجَمِيعِ عَلَى مَالِهِ لَا الْمُلْتَمِسِ فَقَطْ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ قَوِيٌّ (وَيُحْجَرُ بِطَلَبِ الْمُفْلِسِ) وَلَوْ بِوَكِيلِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا وَهُوَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى دُيُونِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى مُعَاذٍ كَانَ بِالْتِمَاسٍ مِنْهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ بِدَعْوَى الْغُرَمَاءِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي، وَطَلَبِ الْمَدْيُونِ الْحَجْرَ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُهُ، وَالثَّانِي: لَا يُحْجَرُ، لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالْحَجْرُ يُنَافِي الْحُرِّيَّةَ وَالرُّشْدَ، وَإِنَّمَا حَجَرَ بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِمْ إلَّا بِالْحَجْرِ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ، بِخِلَافِهِ فَإِنَّ غَرَضَهُ الْوَفَاءُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ بِبَيْعِ أَمْوَالِهِ وَقَسْمِهَا عَلَى غُرَمَائِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَجْرَ وَاجِبٌ بِسُؤَالِهِ كَسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، فَالْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي الْجَوَازِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (فَإِذَا حُجِرَ) عَلَيْهِ بِطَلَبٍ أَوْ بِدُونِهِ (تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ) كَالرَّهْنِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 وَأَشْهَدَ عَلَى حَجْرِهِ لِيُحَذِّرَ. وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ، فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ نَفَذَ وَإِلَّا لَغَا، وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] تُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الدُّيُونُ الْحَادِثَةُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الظَّاهِرُ خِلَافُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِمَا فَعَلَ مُوَرِّثُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَخَرَجَ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُفْلِسِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِفَوْرِيٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ يُقَوِّي مَا مَرَّ فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْأَصَحِّ. (وَأَشْهَدَ) الْحَاكِمُ نَدْبًا. وَقِيلَ وُجُوبًا (عَلَى حَجْرِهِ) أَيْ الْمُفْلِسِ وَأَشْهَرَهُ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ (لِيُحَذِّرَ) مِنْ مُعَامَلَتِهِ. قَالَ الْعِمْرَانِيُّ: فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْبَلَدِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَجَرَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. (وَلَوْ) تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُفَوِّتًا فِي الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأً كَأَنْ (بَاعَ) أَوْ اشْتَرَى بِالْعَيْنِ (أَوْ وَهَبَ أَوْ أَعْتَقَ) أَوْ أَجَّرَ أَوْ وَقَفَ أَوْ كَاتَبَ (فَفِي قَوْلٍ يُوقِفُ تَصَرُّفَهُ) الْمَذْكُورَ (فَإِنْ فَضَلَ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ) لِارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ أَوْ إبْرَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ (نَفَذَ) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ نَافِذًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ (لَغَا) أَيْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ لَاغِيًا (وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) فِي الْحَالِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ كَالْمَرْهُونِ، وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ مَا لَوْ دَفَعَ لَهُ الْحَاكِمُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَقَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ، فَاشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَسَيَأْتِي مَا يَخْرُجُ بِهَذِهِ الْقُيُودِ (فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِغَرِيمِهِ بِدَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ (لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنِهِمْ) مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَثْبُتُ عَلَى الْعُمُومِ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِمْ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَالْقَوْلَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى بُطْلَانِ الْبَيْعِ لِأَجْنَبِيِّ السَّابِقِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ. أَمَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي فَيَصِحُّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِدَيْنِهِمْ عَمَّا إذَا بَاعَهُ بِبَعْضِ دَيْنِهِمْ أَوْ بِعَيْنٍ فَإِنَّهُ كَالْبَيْعِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ارْتِفَاعَ الْحَجْرِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 وَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَاقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ،   [مغني المحتاج] إذَا بَاعَ بِكُلِّ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَلَوْ بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَخَرَجَ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ التَّصَرُّفُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَ (وَلَوْ) تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ كَأَنْ (بَاعَ سَلَمًا) طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ اشْتَرَى) شَيْئًا بِثَمَنٍ (فِي الذِّمَّةِ) أَوْ بَاعَ فِيهَا لَا بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ اقْتَرَضَ أَوْ اسْتَأْجَرَ (فَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ وَيَثْبُتُ) الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ وَنَحْوُهُمَا (فِي ذِمَّتِهِ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَالسَّفِيهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ فَلَوْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ لَكَانَ أَوْلَى (وَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ) وَرَجْعَتُهُ (وَاقْتِصَاصُهُ) أَيْ اسْتِيفَاؤُهُ الْقِصَاصَ وَإِذَا طَلَبَهُ. أُجِيبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (وَإِسْقَاطُهُ) أَيْ الْقِصَاصَ وَلَوْ مَجَّانًا، وَهَذَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَالٌ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَنَفْيُهُ بِاللِّعَانِ. أَمَّا خُلْعُ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ الْمُفْلِسَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا فِي الْعَيْنِ وَفِي الذِّمَّةِ الْخِلَافُ فِي السَّلَمِ، وَفِي نُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ خِلَافٌ. قِيلَ: يَصِحُّ كَالْمَرِيضِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ النُّفُوذِ. قَالَ شَيْخِي: لِأَنَّ حَجْرَ الْفَلَسِ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الْمَرَضِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ وَالْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِنْشَاءِ الْإِقْرَارُ كَمَا قَالَ (وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ) بِمُعَامَلَةٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَالْأَظْهَرُ قَبُولُهُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ) كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يُزَاحِمُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ لَمْ يُفِدْ امْتِنَاعُهُ شَيْئًا إذْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فَأُلْغِيَ إنْشَاؤُهُ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَالْحَجْرُ لَا يَسْلُبُ الْعِبَارَةَ عَنْهُ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنُكُولِهِ عَنْ الْحَلِفِ مَعَ حَلِفِ الْمُدَّعِي كَإِقْرَارِهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِمْ لِئَلَّا تَضُرَّهُمْ الْمُزَاحَمَةُ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ: وَالِاخْتِيَارُ فِي زَمَانِنَا الْفَتْوَى بِهِ لِأَنَّا نَرَى مُفْلِسِينَ يُقِرُّونَ لِلظَّلَمَةِ حَتَّى يَمْنَعُوا أَصْحَابَ الْحُقُوقِ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ وَحَبْسِهِمْ، وَهَذَا فِي زَمَانِهِ، فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا. تَنْبِيهٌ إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَجَبَ وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِيَدْخُلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ بِمُعَامَلَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ مَا كَانَ اشْتَرَاهُ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ،   [مغني المحتاج] مَا وَجَبَ، وَلَكِنَّهُ تَأَخَّرَ لُزُومُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ، وَقَوْلُهُ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ فَقَطْ (وَإِنْ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ) إسْنَادًا مُقَيَّدًا (بِمُعَامَلَةٍ، أَوْ) إسْنَادًا (مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُعَامَلَةٍ وَلَا غَيْرِهَا (لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ) فَلَا يُزَاحِمُهُمْ بَلْ يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ فَكَّ الْحَجْرِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَقْصِيرٍ مِنْ عَامِلِهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَنْزِيلِ الْإِقْرَارِ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وَهُوَ دَيْنُ الْمُعَامَلَةِ، فَلَوْ لَمْ يُسْنِدْ وُجُوبَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَا إلَى مَا بَعْدَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَنْزِيلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَهُوَ جَعْلُهُ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ، فَإِنْ كَانَ مَا أَطْلَقَهُ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ لُزُومِهِ، أَوْ دَيْنَ جِنَايَةٍ قُبِلَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَهُوَ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَمْ يُقْبَلْ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِهِ وَكَوْنِهِ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهَذَا التَّنْزِيلُ ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَّفِقْ الْمُرَاجَعَةُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَتْنِ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَجَبَ بَعْدَ الْحَجْرِ، وَاعْتَرَفَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى وَفَائِهِ قُبِلَ وَبَطَلَ ثُبُوتُ إعْسَارِهِ: أَيْ: لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى وَفَائِهِ شَرْعًا يَسْتَلْزِمُ قُدْرَتَهُ عَلَى وَفَاءِ بَقِيَّةِ الدُّيُونِ (وَإِنْ قَالَ عَنْ جِنَايَةٍ) بَعْدَ الْحَجْرِ (قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ) فَيُزَاحِمُهُمْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَالَ عَنْ مُعَامَلَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَزِمَهُ بَعْدَ الْحَجْرِ إنْ كَانَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمْ، أَوْ لَا بِرِضَاهُ قُبِلَ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ أَصَحَّ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَسْنَدَ لُزُومَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ حَتَّى يُقْبَلَ فِي الْأَظْهَرِ. (وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ) أَوْ الْإِقَالَةِ (مَا كَانَ اشْتَرَاهُ) قَبْلَ الْحَجْرِ (إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ) وَلَيْسَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ الْحَجْرُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي إذْ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْحَاصِلِ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ. فَإِنْ قِيلَ: نُقِلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَرِضَ وَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ وَالْغِبْطَةُ فِي رَدِّهِ وَلَمْ يَرُدَّ حَسَبَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الثُّلُثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومُ الرَّدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ لِلْغُرَمَاءِ بِتَرْكِ الرَّدِّ قَدْ يُجْبَرُ بِالْكَسْبِ بَعْدُ، بِخِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرَ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ إنْ صَحَّحْنَاهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ أَنْ يَفْسَخَ، وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِرَدِّ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَمَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدُ، وَصُورَةُ الْغِبْطَةِ فِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْمُفْلِسِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِفَلَسِهِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَأْخُذُهُ بِالْمُضَارَبَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ. أَمَّا الْعَالِمُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْغِبْطَةُ لِعَدَمِ ضَرَرِ الْغُرَمَاءِ بِمُزَاحَمَتِهِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِبْقَاءِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَالِ بِلَا غَرَضٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ غِبْطَةٌ أَصْلًا لَا فِي الرَّدِّ، وَلَا فِي الْإِبْقَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ غِبْطَةٍ، وَلَوْ مَنَعَ مِنْ الرَّدِّ عَيْبٌ حَادِثٌ لَزِمَ الْأَرْشُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُفْلِسُ إسْقَاطَهُ (وَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الْحَجْرِ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالِاصْطِيَادِ) وَالْهِبَةِ (وَالْوَصِيَّةِ وَالشِّرَاءِ) فِي الذِّمَّةِ (إنْ صَحَّحْنَاهُ) أَيْ: الشِّرَاءَ وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ وُصُولُ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ، وَالثَّانِي: لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا ذُكِرَ كَمَا أَنَّ حَجْرَ الرَّاهِنِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا. فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اتَّهَبَ أَبَاهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَيْهِ بَلْ يَعْتِقُ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَعَلُّقٌ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَالَ: لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الشَّرْعُ قَضَى بِحُصُولِ الْعِتْقِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ مَالُهُ مَعَ الْحَادِثِ عَلَى الدُّيُونِ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعِهِ) أَيْ الْمُفْلِسِ فِي الذِّمَّةِ (أَنْ يَفْسَخَ وَيَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إنْ عَلِمَ الْحَالَ) لِتَقْصِيرِهِ (وَإِنْ جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ كَالْعَيْبِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ الثَّمَنِ، وَالثَّالِثُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي الْجَهْلِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ، وَعَلَى التَّعَلُّقِ لَهُ أَنْ يُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ بِثَمَنِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعَلُّقُ بِهَا) أَيْ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ (لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ الْأَوَّلِينَ بَلْ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ دَيْنِهِمْ أَخَذَهُ وَإِلَّا انْتَظَرَ الْيَسَارَ، وَالثَّانِي: يُزَاحِمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مِلْكٍ جَدِيدٍ رَادٍّ بِهِ الْمَالَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 فَصْلٌ يُبَادِرُ الْقَاضِي بَعْدَ الْحَجْرِ بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَيُقَدِّمُ مَا يَخَافُ فَسَادَهُ، ثُمَّ الْحَيَوَانَ ثُمَّ الْمَنْقُولَ ثُمَّ الْعَقَارَ:   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ دَيْنٍ يَحْدُثُ بَعْدَ الْحَجْرِ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ بِمُعَاوَضَةٍ. أَمَّا الْإِتْلَافُ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فَيُزَاحِمُ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فَلَا يُكَلَّفُ الِانْتِظَارَ، وَلَوْ حَدَثَ دَيْنٌ تَقَدَّمَ سَبَبُهُ عَلَى الْحَجْرِ كَانْهِدَامِ مَا أَجَّرَهُ الْمُفْلِسُ وَقَبَضَ أُجْرَتَهُ وَأَتْلَفَهَا ضَارَبَ بِهِ مُسْتَحِقَّهُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَمْ لَا؟ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمِيمٍ بَعْدَ الْيَاءِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ، وَنُسِبَ لِنُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَيَقَعُ فِي بَعْضِهَا يَكُنْ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَقْصٌ: يَعْنِي: أَنَّ وَجْهَ النَّقْصِ فِي يَكُنْ لَفْظَةُ لَهُ وَفِي يُمْكِنُ لَفْظَةُ الْهَاءِ: أَيْ يُمْكِنُهُ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ لَهُ اخْتِصَارًا أَوْ الْتَبَسَ عَلَى بَعْضِ النُّسَّاخِ، فَكَتَبَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ اهـ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَعْنَى يُمْكِنُ صَحِيحٌ هُنَا، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ بِخَطِّهِ يَكُنْ، فَغَيَّرَهَا ابْنُ جِعْوَانَ أَوْ غَيَّرَهُ بِيُمْكِنُ؛ لِأَنَّهَا أَجْوَدُ مِنْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهَا. [فَصْلٌ فِيمَا يُفْعَلُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ] ِ مِنْ بَيْعٍ وَقِسْمَةٍ وَغَيْرِهِمَا (يُبَادِرُ الْقَاضِي) نَدْبًا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْبَسِيطِ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ الْوُجُوبَ (بَعْدَ الْحَجْرِ) عَلَى الْمُفْلِسِ (بِبَيْعِ مَالِهِ وَقَسْمِهِ) أَيْ قَسْمِ ثَمَنِهِ (بَيْنَ الْغُرَمَاءِ) عَلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ لِئَلَّا يَطُولَ زَمَنُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَمُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ، وَلَا يُفْرِطُ فِي الِاسْتِعْجَالِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (وَيُقَدِّمُ) فِي الْبَيْعِ (مَا يَخَافُ فَسَادَهُ) كَالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ كَالْمَرْهُونِ (ثُمَّ الْحَيَوَانَ) لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُدَبَّرُ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتَعَذَّرَ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَنْ الْكُلِّ صِيَانَةً لِلتَّدْبِيرِ عَنْ الْإِبْطَالِ (ثُمَّ الْمَنْقُولُ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى ضَيَاعَهُ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَدِّمُ الْمَلْبُوسَ عَلَى النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (ثُمَّ الْعَقَارَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا، وَيُقَدِّمُ الْبِنَاءَ عَلَى الْأَرْضِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ وَالسَّرِقَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ: كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ   [مغني المحتاج] التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ، وَغَيْرُ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ بَيْعِ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَيْهِ بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا يَرَاهُ الْأَصْلَحَ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّرْتِيبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ كَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ، فَإِنْ كَانَ قَدَّمَ بَيْعَهُ بَعْدَ مَا يَخْشَى فَسَادَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُسِّمَ أَوْ بَقِيَ شَيْءٌ ضَارَبَ بِهِ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ. (وَلْيَبِعْ) نَدْبًا (بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ) بِتَثْلِيثِ الْحَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ أَوْ وَكِيلِهِ (وَغُرَمَائِهِ) أَوْ وَكِيلِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ؛ وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُبَيِّنُ مَا فِي مَالِهِ، وَمِنْ عَيْبٍ فَلَا يُرَدُّ، وَمِنْ صِفَةٍ مَطْلُوبَةٍ فَيُرْغَبُ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَالِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ غَبْنٌ؛ وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ فِي السِّلْعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ بَلْ لِلْحَاكِمِ تَمْلِيكُ الْغُرَمَاءِ أَعْيَانَ مَالِهِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي، إذْ بَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ، وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ، وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ، وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. تَنْبِيهٌ لَا يَخْتَصُّ هَذَا الْحُكْمُ بِالْمُفْلِسِ بَلْ كُلُّ مَدْيُونٍ مُمْتَنِعٌ بِبَيْعِ الْقَاضِي عَلَيْهِ. لَكِنْ فِي غَيْرِ الْمُفْلِسِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْبَيْعُ بَلْ الْقَاضِي مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إكْرَاهِهِ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُفْلِسِ لِتَعَيُّنِ ذَلِكَ فِيهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَخْيِيرَهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي الْحَقَّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ، فَإِنْ عَيَّنَهُ تَعَيَّنَ. قَالَ الْقَاضِي: وَعُزِيَ ذَلِكَ إلَى الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ. قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ لِلْمُدَّعِي حَقٌّ فِي إحْدَى الْخِصَالِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ بِتَعْيِينِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي خَلَاصِ حَقِّهِ، فَلْيَعْتَمِدْ الْقَاضِي بِمَا شَاءَ مِنْ الطُّرُقِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَيُتَّجَهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْحَبْسُ إلَى أَنْ يَتَوَلَّى الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ، وَلْيَبِعْ نَدْبًا (كُلَّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ) ؛ لِأَنَّ طَالِبَهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتُّهْمَةَ فِيهِ أَبْعَدُ، وَيُشْهَرُ بَيْعُ الْعَقَارِ لِيَظْهَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ جِنْسِ النَّقْدِ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ اشْتَرَى، وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ. وَلَا يُسَلِّمُ مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ   [مغني المحتاج] الرَّاغِبُونَ فَلَوْ بَاعَ فِي غَيْرِ سُوقِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ جَازَ. نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِالسُّوقِ عَرْضٌ مُعْتَبَرٌ لِلْمُفْلِسِ أَوْ لِلْغُرَمَاءِ وَجَبَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ وَرَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي اسْتِدْعَاءِ أَهْلِ السُّوقِ فَعَلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهِ وَإِنَّمَا يَبِيعُ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) فَأَكْثَرَ (حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ) وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِغَيْرِهِ فَوَجَبَ فِيهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ كَالْوَكِيلِ وَالْمَصْلَحَةُ مَا ذَكَرَهُ. نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيُّ وَقَالَ لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ، وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ حُقُوقِهِمْ جَازَ وَلَوْ بَاعَ مَالَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الْمَجْلِسِ وَفَسْخُ الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَسَخَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ: وَقَدْ ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْسَخْ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ انْفَسَخَ بِنَفْسِهِ، فَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ. وَلَوْ تَعَذَّرَ مَنْ يَشْتَرِي مَالَ الْمُفْلِسِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَجَبَ الصَّبْرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه بِلَا خِلَافٍ: فَإِنْ قِيلَ الْمَرْهُونُ يُبَاعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ فِيهِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَالِاشْتِهَارِ وَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ دُونَ ثَمَنِ مِثْلِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ الْتَزَمَ ذَلِكَ حَيْثُ عَرَضَ مِلْكَهُ لِلْبَيْعِ وَنَظِيرُ الرَّاهِنِ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ إذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ (ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ) مِنْ (غَيْرِ جِنْسِ النَّقْدِ) الَّذِي بِيعَ بِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ (وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إلَّا بِجِنْسِ حَقِّهِ) أَوْ نَوْعِهِ (اشْتَرَى) لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُهُ (وَإِنْ رَضِيَ جَازَ صَرْفُ النَّقْدِ إلَيْهِ إلَّا فِي السَّلَمِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يَمْتَنِعُ الِاعْتِيَاضُ فِيهِ كَبَيْعٍ فِي الذِّمَّةِ وَكَمَنْفَعَةٍ وَاجِبَةٍ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَيْهِ وَإِنْ رَضِيَ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ، وَأَوْرَدَ ابْنُ النَّقِيبِ عَلَى الْمُصَنِّفِ نُجُومَ الْكِتَابَةِ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُرَدُّ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ؛ لِأَنَّ النُّجُومَ لَا يُحْجَرُ لِأَجْلِهَا فَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا. (وَلَا يُسَلِّمُ) الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ (مَبِيعًا قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ) احْتِيَاطًا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَالْوَكِيلِ وَالضَّمَانُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَقِيلَ بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ أَوَانِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِمُؤَجَّلٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ضَمَانِ الْحَاكِمِ إذَا فَعَلَهُ جَاهِلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 وَمَا قَبَضَهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ فَيُؤَخِّرُهُ لِيَجْتَمِعَ، وَلَا يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِأَنْ   [مغني المحتاج] أَوْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ فَعَلَهُ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ خَطَأَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَالْأَحْوَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَا أَخْذُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ جَاءَ التَّقَاصُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَرَضِيَ بِهِ حَصَلَ الِاعْتِيَاضُ فَلَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمٌ مَعَ بَقَاءِ الثَّمَنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. (وَمَا قَبَضَهُ) الْحَاكِمُ مِنْ ثَمَنِ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِ (قَسَمَهُ) نَدْبًا عَلَى التَّدْرِيجِ (بَيْنَ الْغُرَمَاءِ) لِتَبْرَأَ مِنْهُ ذِمَّتُهُ وَيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْتَحَقُّ، فَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ وَجَبَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي (إلَّا أَنْ يَعْسُرَ لِقِلَّتِهِ) وَكُثْرِ الدُّيُونِ (فَيُؤَخِّرُهُ) أَيْ الْحَاكِمُ ذَلِكَ (لِيَجْتَمِعَ) مَا يَسْهُلُ قِسْمَتُهُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ فَيُقْرِضُهُ أَمِينًا مُوسِرًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَيْرُهُ مُمَاطِلٌ، فَإِنْ فُقِدَ أَوْدَعَهُ ثِقَةً تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ، وَلَا يَضَعُهُ عِنْدَ نَفْسِهِ لَمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْقِسْمَةِ، وَأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ أَقْرَضَهُ، فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَاضُهُ مِنْهُ أَنْ يُتْرَكَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى وَقْتِ الْقِسْمَةِ، وَلَا وَجْهَ لِقَبْضِهِ مِنْهُ ثُمَّ السَّعْيِ فِي إقْرَاضِهِ وَقَدْ لَا يَجِدُ مُقْتَرِضًا أَهْلًا اهـ. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْغُرَمَاءُ فِيمَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ يُودَعُ عِنْدَهُ أَوْ عَيَّنُوا غَيْرَ ثِقَةٍ، فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ الْمُودِعِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَمِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: فَإِنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ فَفِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ مِنْ حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى خِلَافِهِ، فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى مِنْ إقْرَاضِهِ أَوْ إيدَاعِهِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ الْمُكَاتَبُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نُجُومُ كِتَابَةٍ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ وَدَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ الْأَرْشِ ثُمَّ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَعَلُّقًا آخَرَ بِتَقْدِيرِ الْعَجْزِ عَنْهُمَا، وَهُوَ الرَّقَبَةُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَرْشَ عَلَى النُّجُومِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ وَالنُّجُومُ مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِالنُّجُومِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْسِمُ كَيْفَ شَاءَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُمْ إذَا اسْتَوَوْا وَطَالَبُوا وَحُقُوقُهُمْ عَلَى الْفَوْرِ أَنْ تَجِبَ التَّسْوِيَةُ (وَلَا يُكَلَّفُونَ) أَيْ الْغُرَمَاءُ عِنْدَ الْقِسْمَةِ (بَيِّنَةً) أَوْ إخْبَارَ حَاكِمٍ (بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ. فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ شَارَكَ بِالْحِصَّةِ، وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا   [مغني المحتاج] لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ يَشْتَهِرُ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ غَرِيمٌ لَظَهَرَ وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَضْبَطُ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ يَعْسُرُ مُدْرِكُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْأَضْبَطِ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ تَيَقُّنًا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحِمِهِ، وَهُوَ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَتَحَتَّمُ مُزَاحِمَةُ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَوْ أَعْرَضَ أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ. وَالْوَارِثُ بِخِلَافِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يُكَلَّفُونَ الْإِثْبَاتَ بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا زِدْتُهُ فِي كَلَامِهِ. (فَلَوْ قَسَمَ فَظَهَرَ غَرِيمٌ) يَجِبُ إدْخَالُهُ فِي الْقِسْمَةِ: أَيْ انْكَشَفَ أَمْرُهُ (شَارَكَ بِالْحِصَّةِ) وَلَمْ تُنْقَضْ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَسَمَ مَالَهُ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى غَرِيمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةٌ، فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشَرَةً وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ، فَإِنْ أَتْلَفَ أَحَدُهُمَا مَا أَخَذَهُ وَكَانَ مُعْسِرًا جَعَلَ مَا أَخَذَهُ كَالْمَعْدُومِ وَشَارَكَ مَنْ ظَهَرَ الْآخَرُ وَكَانَ مَا أَخَذَهُ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ، فَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آخِذًا الْخَمْسَةَ اسْتَرَدَّ الْحَاكِمُ مِنْ آخِذِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِهَا لِمَنْ ظَهَرَ، ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ مِنْهُ الْآخَرَانِ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ وَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ دَيْنِهِمَا وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ظَهَرَ عَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُضَارِبُ إلَّا إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا كَمَا إذَا أَجَّرَ دَارًا وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يُضَارِبُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَقِيلَ تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ) كَمَا لَوْ اقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تُنْقَضُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي عَيْنِ الْمَالِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْمُشَارَكَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ الثَّالِثُ وَحَصَلَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ صُرِفَ مِنْهُ إلَيْهِ بِقِسْطِ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلَانِ، وَالْفَاضِلُ يُقْسَمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. نَعَمْ إنْ كَانَ دَيْنُهُ حَادِثًا فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَدِيمِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ فَكَالْقَدِيمِ، وَلَوْ غَابَ غَرِيمٌ وَعُرِفَ قَدْرُ حَقِّهِ قُسِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ وَلَا حُضُورُهُ رَجَعَ فِي قَدْرِهِ إلَى الْمُفْلِسِ، فَإِنْ حَضَرَ وَظَهَرَ لَهُ زِيَادَةٌ فَهُوَ كَظُهُورِ غَرِيمٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَلَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْحَاكِمِ مَا أَفْرَزَهُ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَخْذِ الْحَاضِرِ. حِصَّتَهُ أَوْ إفْرَازِهَا فَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُزَاحِمُ مَنْ قَبَضَ (وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ) الْمُفْلِسُ (قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وَالثَّمَنُ تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ. وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ. وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْسِمَ مَالَهُ   [مغني المحتاج] وَالثَّمَنُ) الْمَقْبُوضُ (تَالِفٌ فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ) سَوَاءٌ أَتَلِفَ قَبْلَ الْحَجْرِ أَمْ بَعْدَهُ لِثُبُوتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَالثَّمَنُ تَالِفٌ مَا إذَا كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: فَكَدَيْنٍ ظَهَرَ لَا مَعْنَى لِلْكَافِ بَلْ هُوَ دَيْنٌ ظَهَرَ حَقِيقَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهَا مِثْلُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَمِثْلُ الدَّيْنِ اللَّازِمِ دَيْنٌ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فَيُشَارِكُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ أَوْ مَعَ نَقْضِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الْبَدَلُ لِيَشْمَلَ الْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ. (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ) أَوْ أَمِينُهُ وَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ تَالِفٌ (قُدِّمَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ) أَيْ بِمِثْلِهِ عَلَى بَاقِي الْغُرَمَاءِ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ، فَكَانَ التَّقْدِيمُ مِنْ مَصَالِحِ الْحَجْرِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُؤَنِ (وَفِي قَوْلٍ يُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ) بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ، وَلَيْسَ الْحَاكِمُ وَلَا أَمِينُهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ. (وَيُنْفِقُ) الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ عَلَيْهِ وَ (عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ) مِنْ زَوْجَةٍ وَقَرِيبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَخَادِمٍ (حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ مَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ وَمَحَلُّهُ فِي الزَّوْجَةِ الَّتِي نَكَحَهَا قَبْلَ الْحَجْرِ. أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ بَعْدَهُ فَلَا، بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمُتَجَدِّدِ لَهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فِي الْوَلَدِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ بَعْدَ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْغُرَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَقَرَّ السَّفِيهُ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلَّا كَانَ الْمُفْلِسُ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَ السَّفِيهِ بِالْمَالِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ لَا يُقْبَلُ. بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَغَايَتُهُ هُنَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ وَإِقْرَارُهُ بِهِ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ. فَبِالْأَوْلَى وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَبَعًا: كَثُبُوتِ النَّسَبِ تَبَعًا لِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ. فَإِنْ قِيلَ هَلَّا كَانَ إقْرَارُهُ كَتَجْدِيدِ الزَّوْجَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ التَّزَوُّجِ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ يَكُونُ الْآخَرُ وَاجِبًا بِأَنْ ظَلَمَهَا فِي الْقَسْمِ وَطَلَّقَهَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ تُسَامِحَهُ مِنْ حَقِّهَا وَلَا كَذَلِكَ النَّسَبُ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ، فَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَفَارَقَتْ الزَّوْجَةُ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَيُنْفِقُ عَلَى الزَّوْجَةِ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمُوَافِقِ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ. وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ لَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْقَرِيبِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ، لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِكَسْبٍ، وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ   [مغني المحتاج] الْمُوسِرَ فِي نَفَقَتِهِ مَنْ يَفْضُلُ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مَنْ يَكُونُ دَخْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَرْجِهِ وَبِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ انْتِفَاءَ الثَّانِي. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي وَلِيِّ الصَّبِيِّ؛ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ: بِيَمُونُ بَدَلَ يُنْفِقُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالْإِخْدَامَ وَتَكْفِينَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ) الْمُفْلِسُ (بِكَسْبٍ) لَائِقٍ بِهِ فَلَا يُنْفِقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ بَلْ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ كَمَّلَ مِنْ مَالِهِ أَوْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُضِيفَ إلَى الْمَالِ. أَمَّا غَيْرُ اللَّائِقِ فَكَالْعَدِمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَكَتُوا عَنْهُ هُنَا، وَلَوْ رَضِيَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَفَانَا مُؤْنَتَهُ وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ اللَّائِقِ بِهِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَالْمَطْلَبِ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ بِكَسْبِهِ، وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي خِلَافُهُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ، وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ وَبَيْنَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لَمْ يَبْعُدْ (وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ) وَمَرْكُوبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خَادِمٍ) وَمَرْكُوبٍ (لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ) ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُمَا بِالْكِرَاءِ يَسْهُلُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي: يَبْقَيَانِ لِلْمُحْتَاجِ إذَا كَانَا لَائِقَيْنِ بِهِ دُونَ النَّفِيسَيْنِ، وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ نَصِّهِ فِي الْكَفَّارَاتِ أَيْضًا، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ أَضْيَقُ، وَلَا بَدَلَ لَهَا، وَتُبَاعُ الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ، وَيُسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبْدٍ قَلِيلَيْ الْقِيمَةِ (وَيُتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ) حَالَ فَلَسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إنْ كَانَ فِي مَالِهِ وَإِلَّا اشْتَرَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْكِسْوَةِ كَالْحَاجَةِ إلَى النَّفَقَةِ، فَلَوْ كَانَ يَلْبَسُ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ رُدَّ إلَى اللَّائِقِ أَوْ دُونَ اللَّائِقِ تَقْتِيرًا لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الضَّمِيرُ فِي لَهُ عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ مَنْ الْمَذْكُورِ فِي النَّفَقَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَفْسُهُ وَعِيَالُهُ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ (وَهُوَ قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ) وَمِنْدِيلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ.   [مغني المحتاج] (وَعِمَامَةٌ وَمِكْعَبٌ) أَيْ مَدَاسٌ (وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً) مَحْشُوَّةً، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا كَفَرْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يُؤْجَرُ غَالِبًا، وَيُتْرَكُ لَهُ أَيْضًا طَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ يَلْبَسُهَا فَوْقَ الْقَمِيصِ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَلِيقُ إنْ لَاقَ بِهِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَحْصُلَ الِازْدِرَاءُ بِمَنْصِبِهِ، وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَا، وَسَكَتُوا عَمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُقَالُ لِمَا تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةُ، وَمِثْلُهَا تِكَّةُ اللِّبَاسِ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: يُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، وَقَالَ تَفَقُّهًا يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا، بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى لَهُ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهَا. أَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهِ، وَيَسْهُلُ السُّؤَالُ عَنْ الْغَلَطِ مِنْ الْحَفَظَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ. قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي الْفَتَاوَى: وَيَبِيعُ الْقَاضِي آلَاتِ حِرْفَتِهِ إنْ كَانَ مَجْنُونًا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ خِلَافُهُ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُتْرَكُ لَهُ رَأْسُ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْكَسْبَ إلَّا بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَظُنُّ أَنَّ مُرَادَهُ الْيَسِيرُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. أَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا إلَّا بِرِضَاهُمْ (وَيُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ) وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي الْوَجِيزِ (لِمَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمُرَادُ الْيَوْمُ بِلَيْلَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَارْتَضَاهُ اهـ. فَإِنْ قَسَمَ لَيْلًا فَيُلْحِقُ بِهِ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهُ قِيَاسًا عَلَى اللَّيْلَةِ، وَيُتْرَكُ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ قَبْلَهُ مُقَدَّمًا بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ مَالِهِ خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقٍّ لِمُعَيَّنٍ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ حَقٌّ لِمُعَيَّنٍ كَالْمَرْهُونِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى عِيَالِهِ مِنْهُ. (وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ أَوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] أَمَرَ بِانْتِظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ، «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ مُعَاذٍ لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ» وَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَرَقِيقِهِ بِالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ. نَعَمْ إنْ وَجَبَ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ عَصَى بِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ عَمْدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ، بَلْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي بَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ.   [مغني المحتاج] التَّوْبَةِ مِنْ الْإِحْيَاءِ: أَنَّ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَعَ الْإِفْلَاسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنْ الْحَلَالِ قَدْرَ الزَّادِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ لِيُصْرَفَ إلَيْهِ مَنْ الزَّكَاةِ أَوْ الصَّدَقَةِ مَا يَحُجُّ بِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ مَاتَ عَاصِيًا فَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ بَلْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجِبُ الِاكْتِسَابُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ أَقْوَى مِنْهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِهِ فَهَلَّا كَانَ ذَلِكَ مِثْلَهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ يَسِيرٌ وَالدَّيْنُ لَا يَنْضَبِطُ قَدْرُهُ، وَأَيْضًا نَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِيهَا إحْيَاءُ بَعْضِهِ فَلَزِمَهُ الِاكْتِسَابُ لَهُ كَمَا يَلْزَمُهُ الِاكْتِسَابُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ. أَمَّا الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَسَمَ مَا بِيَدِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَقُلْنَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِكَسْبِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ أَنْ يَكْتَسِبَ لِلْفَاضِلِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَا يُمْكِنُ الْمُفْلِسُ مِنْ تَفْوِيتِ حَاصِلٍ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الْحَجْرِ، فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَارِثِهِ الْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ الْوَاجِبِ بِجِنَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْحَاصِلِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ إجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ وَالْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ) مَثَلًا لِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا كَالْأَعْيَانِ، وَلِهَذَا يَضْمَنَانِ بِفَوْتِهِمَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ مَنَافِعِ الْحُرِّ فَيَصْرِفُ بَدَلَهُمَا إلَى الدَّيْنِ وَيُؤَجِّرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ لَا نِهَايَةَ لَهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى هَذَا إدَامَةُ الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَيْسَ هَذَا مُقْتَضَاهُ وَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَنْفَكَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَوْقُوفِ وَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَيَبْقَى فِيهِمَا وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُمَا مَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَمُونُهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُمَا يُقَدَّمَانِ فِي الْمَالِ الْحَاصِلِ فَالْمُنَزَّلُ مَنْزِلَتُهُ أَوْلَى اهـ. لَكِنْ إنَّمَا تُقَدَّمُ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ مَنْ يَمُونُهُ قَبْلَ قِسْمَةِ الْمَالِ. وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ: يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَمُونُهُ مِنْ أُجْرَةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُؤَجِّرَ. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُعَدُّ مَالًا حَاصِلًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمَوْقُوفِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إجَارَةِ الْمَوْقُوفِ أَيْ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَفَاوُتُهُ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ فِي غَرَضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ اهـ. وَمِثْلُهُ الْمُسْتَوْلَدَةُ، وَمَحَلُّهُ فِي الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي إجَارَتِهِ شَرْطًا فَإِنْ شَرَطَ شَيْئًا اُتُّبِعَ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ مُعْسِرٌ أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ فِي الْحَالِ، وَشَرْطُ شَاهِدٍ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ. (وَإِذَا ادَّعَى) الْمَدِينُ (أَنَّهُ مُعْسِرٌ، أَوْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا) مَا زَعَمَهُ (فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قَرْضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) بِإِعْسَارِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَبِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُعَامَلَةُ، وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا يَبْقَى. أَمَّا مَا لَا يَبْقَى كَاللَّحْمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْقِسْمِ الْآتِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِعْسَارَ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَرِيمِهِ عِلْمَهُ بِإِفْلَاسِهِ أَوْ تَلَفِ مَالُهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَثَبَتَ إفْلَاسُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي بِإِعْسَارِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ. قَالَ: لِأَنَّهُ ظَنٌّ لَا عِلْمٌ، لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ هُوَ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ لَا مَدْلُولُهُ الْحَقِيقِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ هُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ (فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ لَزِمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَرَامَةِ مُتْلَفٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: فَإِنْ كَانَ قَدْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ حُبِسَ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إعْسَارِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحُرِّ أَنَّهُ يَمْلِكُ شَيْئًا، كَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا قَسَمَ مَالَهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ قَدْ تَحَقَّقَ وَعَمِلَ بِهِ. وَالثَّالِثُ: إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِالْمَلَاءَةِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِذَهَابِ مَالِهِ. فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَ أَنْ يُوَفِّيَ زَيْدًا دَيْنَهُ فِي وَقْتِ كَذَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ قَبْلُ لِأَجَلِ عَدَمِ الْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لَهُ مَالٌ كَذَا أَجَابَنِي بِهِ شَيْخِي. وَهِيَ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ (وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ) وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالنَّفْيِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ كَالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنْ لَا وَارِثَ سِوَى هَؤُلَاءِ (فِي الْحَالِ) قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهَا (وَشَرْطُ شَاهِدٍ) لِيُقْبَلَ وَهُوَ اثْنَانِ (خِبْرَةُ بَاطِنِهِ) أَيْ الْمُعْسِرِ لِطُولِ جِوَارٍ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا،   [مغني المحتاج] مُخَالَطَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمَالَ يَخْفَى فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَهُ اعْتِمَادُ قَوْلِهِ: إنَّهُ بِهَا، كَذَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ صَرَّحَ بِنَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْمُزَكِّيَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ عَدَالَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مِثْلُهُ اهـ. . وَهُوَ ظَاهِرٌ، هَذَا فِي الشَّاهِدِ بِالْإِعْسَارِ. أَمَّا الشَّاهِدُ بِالتَّلَفِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي إعْسَارِهِ (وَلْيَقُلْ) أَيْ شَاهِدُ الْإِعْسَارِ وَهُوَ اثْنَانِ كَمَا مَرَّ (هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّضُ النَّفْيَ كَقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَلْ يَجْمَعُ بَيْنَ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ فَيَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ هُوَ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، وَلِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْكَسْبِ، وَثِيَابَ بَدَنِهِ قَدْ تَزِيدُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى، ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ وَأَفَادَ التَّعْبِيرُ بِالشَّاهِدَيْنِ (أَنَّهُ لَا يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا رَجُلٌ وَيَمِينٌ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ) . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لِمَنْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ جَائِحَةً أَصَابَتْ مَالَهُ وَسَأَلَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ تَحْلِيفِهِ مَعَ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ تَحْلِيفُهُ عَلَى إعْسَارِهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْخَصْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي الْبَاطِنِ، وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ التَّحْلِيفُ عَلَى الطَّلَبِ، وَإِنَّمَا يُحَلِّفُ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَلَا يَحْلِفُ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَ الْبَيِّنَةِ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إعْسَارَهُ إذَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ حَلَفُوا حُبِسَ، فَإِنْ ادَّعَى ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا أَنَّهُ بَانَ لَهُمْ إعْسَارُهُ حَلَفُوا حَتَّى يَظْهَرَ لِلْحَاكِمِ أَنَّ قَصْدَهُ الْإِيذَاءُ، وَلَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَادَّعَوْا بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا وَبَيَّنُوا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَفَادَ مِنْهَا فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُمْ قَصْدُ الْإِيذَاءِ، وَإِذَا شَهِدَ عَلَى مُفْلِسٍ بِالْغِنَى فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْدَامَ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ كَذَلِكَ الْغِنَى، قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِي يَدِ الْمُعْسِرِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ وَصَدَّقَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَحْلِفُ الْمُعْسِرُ أَنَّهُ مَا وَاطَأَ الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ.   [مغني المحتاج] يُقْبَلْ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إقْرَارِهِ بِهِ لِآخَرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ انْتَظَرَ قُدُومَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لِمَجْهُولٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ كَالْغَائِبِ. نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ فَلَا انْتِظَارَ، وَلَوْ تَعَارَضَ بَيِّنَتَا إعْسَارٍ وَمَلَاءَةٍ كُلَّمَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا جَاءَتْ الْأُخْرَى فَشَهِدَتْ بِأَنَّهُ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ مَا شَهِدَتْ بِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ ذَلِكَ أَبَدًا وَيُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ؟ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا وَإِنْ تَكَرَّرَتْ إذَا لَمْ يَنْشَأْ مِنْ تَكْرَارِهَا رِيبَةٌ، وَلَا تَكَادُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ تَخْلُو عَنْ رِيبَةٍ إذَا تَكَرَّرَتْ (وَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ) عِنْدَ الْقَاضِي (لَمْ يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بَلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ فَيَجُوزُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ. نَعَمْ (الْأَصْلُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنْ عَلَا لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ) كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ زَمِنًا؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِالنُّجُومِ وَلَا الْمُسْتَأْجِرِ عَيْنَهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ خِيفَ هَرَبُهُ اسْتَوْثَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ اسْتَعْدَى عَلَى مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وَكَانَ حُضُورُهُ لِلتَّحَاكُمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ وَلَا يَعْتَرِضَ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى إحْضَارِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَحَبْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً؛ لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ إنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَكَالزَّوْجَةِ. فُرُوعٌ لَا يُحْبَسُ الْمَرِيضُ وَلَا الْمُخَدَّرَةُ وَلَا ابْنُ السَّبِيلِ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِمْ وَلَا الصَّبِيُّ وَلَا الْمَجْنُونُ وَلَا أَبُو الطِّفْلِ وَالْوَكِيلُ وَالْقَيِّمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ وَتُحْبَسُ الْأُمَنَاءُ فِي دَيْنٍ وَجَبَ بِمُعَامَلَتِهِمْ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ الْجَانِي وَلَا سَيِّدُهُ لِيُؤَدِّيَ أَوْ يَبِيعَ بَلْ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ رَاغِبٌ وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ، وَعَلَى الْمُوسِرِ الْأَدَاءُ فَوْرًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إنْ طُولِبَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» إذْ لَا يُقَالُ: مَطَلَهُ إلَّا إذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ وُفِّيَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَمُولِيُّ أَوْ أَكْرَهَهُ مَعَ التَّعْزِيرِ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْبَيْعِ. أَمَّا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ مَعْصِيَةً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ.   [مغني المحتاج] وَلَا يُنَافِيهِ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُجُوبِ لِلْحُلُولِ، وَلَوْ الْتَمَسَ غَرِيمُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ الْأَدَاءِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. أُجِيبَ لِئَلَّا يَتْلَفَ مَالُهُ، فَإِنْ أَخْفَاهُ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ حُبِسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا حَتَّى يُظْهِرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْحَبْسِ وَرَأَى الْحَاكِمُ ضَرْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ وَلَوْ ذِمِّيًّا مَنْعُ الْمَدْيُونِ الْمُوسِرِ بِالطَّلَبِ مِنْ السَّفَرِ الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَشْغَلَهُ عَنْهُ بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ حَتَّى يُوفِيَهُ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ. نَعَمْ إنْ اسْتَنَابَ مَنْ يُوَفِّيهِ مِنْ مَالِ الْحَاضِرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ. أَمَّا صَاحِبُ الْمُؤَجَّلِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، وَلَوْ كَانَ مَخُوفًا كَجِهَادٍ أَوْ الْأَجَلُ قَرِيبًا إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِ، (وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّلُ رَهْنًا وَلَا كَفِيلًا وَلَا إشْهَادًا) ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُقَصِّرُ حَيْثُ رَضِيَ بِالتَّأْجِيلِ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَلَهُ السَّفَرُ صُحْبَتَهُ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَازِمَهُ مُلَازَمَةَ الرَّقِيبِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ. (وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ) وُجُوبًا (مَنْ يَبْحَثُ) أَيْ اثْنَانِ يَبْحَثَانِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ (عَنْ حَالِهِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعْسَارُهُ شَهِدَ بِهِ) لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ بَلْ يُوَكَّلُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّزْكِيَةِ يَقْتَضِيهِ. لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا هُنَا أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَهُ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ الْمُعْسِرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ مِنْهَا إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ لَا مِنْ دُخُولِهَا لِحَاجَةٍ كَحَمْلِ طَعَامٍ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ شَمِّ الرَّيَاحِينِ لِلتَّرَفُّهِ لَا لِحَاجَةٍ كَمَرَضٍ لَا مَنْعُهُ مِنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ فِي الْحَبْسِ، وَإِنْ كَانَ مُمَاطِلًا وَنَفَقَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ، وَلَوْ حُبِسَتْ امْرَأَةٌ فِي دَيْنٍ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ الْحَبْسِ وَلَوْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ وَاعْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَوْ لَزِمَهُ حَقٌّ آخَرُ حُبِسَ بِهِمَا وَلَمْ يُطَلِّقْ بِقَضَاءِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَيَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ مِنْ الْحَبْسِ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 فَصْلٌ مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ،   [مغني المحتاج] الْحَبْسِ مُطْلَقًا وَالْمَرِيضُ إنْ لَمْ يَجِدْ مُمَرِّضًا فَإِنْ وَجَدَهُ فَلَا، وَإِنْ كَانَ يُحْبَسُ ابْتِدَاءً، وَمَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ أُخْرِجَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي. [فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ] فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الْمُعَامِلِ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ بِمَا عَامَلَهُ بِهِ وَلَمْ يَقْبِضْ عِوَضَهُ (مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ) أَيْ بِسَبَبِ إفْلَاسِهِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ عِنْدَهُ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ (فَلَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَكَوْنُ الثَّمَنِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارِهِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ الرَّاوِي: فِيهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إنْسَانٍ شَكٌّ مِنْهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ بَلْ يَفْسَخُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِ الْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ بِنَقْضِهِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّصَرُّفُ بِالْغِبْطَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا، وَالْغِبْطَةُ فِي الْفَسْخِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. أَمَّا مَنْ أَفْلَسَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِلسَّفَهِ فَلَا رُجُوعَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا امْتِنَاعَ الْفَسْخِ بِالْبَيْعِ الْوَاقِعِ فِي حَالِ الْحَجْرِ: أَيْ لِغَيْرِ الْجَاهِلِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ الْمُرَادُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ. وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ. أَمَّا إذَا قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ: وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ قَدْ يُوهِمُ مَنْعَ اسْتِرْدَادِ بَعْضِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْغُرَمَاءِ كَمَا يَرْجِعُ الْوَالِدُ فِي بَعْضِ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ وَمِلْكُ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ، وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعَ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ ضَرَرٌ بِالتَّشْقِيصِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِيَارَهُ) أَيْ الْفَسْخِ (عَلَى الْفَوْرِ) كَخِيَارِ الْعَيْبِ بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَالثَّانِي: كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِحُصُولِ الضَّرَرِ هُنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْفَوْرِيَّةِ كَانَ كَالرَّدِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْبَيْعِ. وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَلَهُ شُرُوطٌ: مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا، وَأَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالْإِفْلَاسِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ   [مغني المحتاج] بِالْعَيْبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ بِخِلَافِ ذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطْءِ) لِلْأَمَةِ (وَالْإِعْتَاقِ) لِلرَّقِيقِ (وَالْبَيْعِ) وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَتَلْغُو هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهَا فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ، وَالثَّانِي: يَحْصُلُ كَالْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ثَمَّ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ فَجَازَ الْفَسْخُ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا نَوَى بِالْوَطْءِ الْفَسْخَ. وَقُلْنَا هَذَا الْفَسْخُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حَاكِمٍ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ بِهِ قَطْعًا وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِفَسَخْت الْبَيْعَ وَنَقَضْته وَرَفَعْته، وَكَذَا بِقَوْلِهِ رَدَدْت الثَّمَنَ أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَهُ الرُّجُوعُ) فِي عَيْنِ مَالِهِ بِالْفَسْخِ (فِي سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ) الَّتِي (كَالْبَيْعِ) وَهِيَ الْمَحْضَةُ كَالْإِجَارَةِ وَالْقَرْضِ وَالسَّلَمِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، فَإِذَا أَجَّرَهُ دَارًا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى حُجِرَ عَلَيْهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الدَّارِ بِالْفَسْخِ تَنْزِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ مَنْزِلَةَ الْعَيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ سَلَمَهُ دَرَاهِمَ قَرْضًا أَوْ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَحَلَّ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَالدَّرَاهِمُ بَاقِيَةٌ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْفَسْخِ، وَخَرَجَ بِالْمُعَارَضَةِ غَيْرُهَا كَالْهِبَةِ، وَبِالْمَحْضَةِ غَيْرُهَا كَالنِّكَاحِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ فِي الْبَقِيَّةِ. وَأَمَّا فَسْخُ الزَّوْجَةِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَجْرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلرُّجُوعِ فِي الْبَيْعِ (شُرُوطٌ: مِنْهَا كَوْنُ الثَّمَنِ حَالًّا) عِنْدَ الرُّجُوعِ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ حَالَ وُجُودِ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمُسْتَحَقُّ فِيهَا أُجْرَةُ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ مُضِيِّهِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْفَسْخُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لِعَدَمِ الْحُلُولِ وَلَا بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَجَّرَ شَيْئًا بِأُجْرَةٍ بَعْضُهَا حَالٌّ وَبَعْضُهَا مُؤَجَّلٌ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُفْسَخُ فِي الْحَالِّ بِالْقِسْطِ. تَنْبِيهٌ: يَنْدَرِجُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِالْحَالِّ، وَمَا لَوْ اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ وَحَلَّ قَبْلَ الْحَجْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمَا لَوْ حَلَّ بَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الْوَجِيزِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الْكَبِيرِ (وَ) مِنْهَا (أَنْ يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ) أَيْ الثَّمَنِ (بِالْإِفْلَاسِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (فَلَوْ) انْتَفَى الْإِفْلَاسُ وَ (امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ.   [مغني المحتاج] يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ) عَطْفٌ عَلَى امْتَنَعَ أَوْ مَاتَ مَلِيئًا وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْ التَّسْلِيمِ (فَلَا فَسْخَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ مُمْكِنٌ. فَإِنْ فُرِضَ عَجْزٌ فَنَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ حَالًا وَتَوَقُّعِهِ مَآلًا فَأَشْبَهَ الْمُفْلِسَ، وَاحْتَرَزَ أَيْضًا بِالْإِفْلَاسِ عَمَّا إذَا تَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِانْقِطَاعِ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي فَوَاتِ الْمَبِيعِ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ إتْلَافَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ، وَإِذَا جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَلِفَوَاتِ الْجِنْسِ أَوْلَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ هَهُنَا قَوِيٌّ إذْ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَبَعْدَ الْفَسْخِ، وَهُنَاكَ الْمِلْكُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ، وَأَنَّهُ فَاتَ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَاغَ الْفَسْخُ، بَلْ فِيهَا قَوْلٌ إنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. تَنْبِيهٌ: يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالثَّمَنِ ضَامِنٌ مُقِرٌّ مَلِيءٌ لَمْ يَرْجِعْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِلَا إذْنٍ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ مِنْ الضَّامِنِ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَذُّرُ بِالْإِفْلَاسِ، فَلَوْ كَانَ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مُعْسِرًا رَجَعَ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْإِفْلَاسِ، وَكَذَا لَا يَرْجِعُ لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَوْ مُسْتَعَارًا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ لَهُ (وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ) أَيْ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ أَوْ قَالَ وَارِثُهُ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ (لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسْخُ) لِمَا فِي التَّقْدِيمِ مِنْ الْمِنَّةِ وَخَوْفِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ. تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ خُذْ أُجْرَتَك وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهْمٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ سَقِيمَةٍ مِنْ الشَّرْحِ وَهُوَ فِي غَيْرِهَا عَلَى الصَّوَابِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَدَّمُوهُ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ، فَإِنْ قَدَّمُوهُ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَلَهُ الْفَسْخُ قَطْعًا، وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَقَالَ الْوَارِثُ: لَا تَفْسَخْ وَأُقَدِّمُك مِنْ التَّرِكَةِ فَكَالْغُرَمَاءِ أَوْ مِنْ مَالِي فَوَجْهَانِ، وَالْأَقْرَبُ إجَابَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَالُ الْمُورِثِ فَأَشْبَهَ فَكَّ الْمَرْهُونِ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 وَكَوْنُ الْمَبِيعِ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ فَاتَ أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ فَلَا رُجُوعَ.   [مغني المحتاج] خَلِيفَةُ الْمُورِثِ فَلَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِالثَّمَنِ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ أَجْنَبِيٌّ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ وَإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَإِنْ أَجَابَ الْمُتَبَرِّعُ ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ فِيهِ لَكِنْ ضِمْنًا، وَحُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دَخَلَ مِلْكُهُ أَصَالَةً. أَمَّا لَوْ أَجَابَ غَيْرُ الْمُتَبَرِّعِ فَلِلَّذِي ظَهَرَ أَنْ يُزَاحِمَهُ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا يُقَابِلُ مَا زُوحِمَ بِهِ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ أَخَّرَ حَقَّ الرُّجُوعِ مَعَ احْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ يُزَاحِمُهُ (وَ) مِنْهَا (كَوْنُ الْمَبِيعِ) أَوْ نَحْوِهِ (بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (فَلَوْ فَاتَ) مِلْكُهُ عَنْهُ حِسًّا كَالْمَوْتِ أَوْ حُكْمًا كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (أَوْ كَاتَبَ الْعَبْدَ) أَوْ الْأَمَةَ كِتَابَةً صَحِيحَةً (فَلَا رُجُوعَ) لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فِي الْفَوَاتِ، وَفِي الْكِتَابَةِ هُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا حِينَ تَصَرَّفَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِفْلَاسِ وَالْحَجْرِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ زَالَ مِلْكُهُ ثُمَّ عَادَ لَا رُجُوعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَمَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الرُّجُوعَ، وَأَشْعَرَ بِرُجْحَانِهِ كَلَامُ الْكَبِيرِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ الْمِلْكُ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُوَفِّ الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ الثَّانِي فَهَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِ حَقِّهِ أَوْ الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ وَيُضَارِبُ كُلٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ مِنْهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُمَا، وَالِاسْتِيلَادُ كَالْكِتَابَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنْ نَاقِلِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الِاسْتِيلَادِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ: كَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا مُعَلَّقًا بِالرَّقَبَةِ، فَلَوْ زَالَ التَّعَلُّقُ جَازَ الرُّجُوعُ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك حَقَّك وَآخُذُ عَيْنَ مَالِي فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ طَرْدُهُمَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ، وَلَوْ أَقْرَضَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَهُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهُ لَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْوَاهِبِ لَهُ. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ. وَلَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ أَخَذَهُ نَاقِصًا، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ   [مغني المحتاج] وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَا وَحُجِرَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَلَا بُعْدَ فِي الْتِزَامِهِ اهـ. هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الْقَرْضِ وَلَا فِي الْهِبَةِ لِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَلَهُ الرُّجُوعُ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، وَكَذَا لَا رُجُوعَ لَوْ كَانَ الْعِوَضُ صَيْدًا فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِتَمَلُّكِهِ حِينَئِذٍ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّصْحِيحِ لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ مُحْرِمًا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ إذَا حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ قِيَاسُ الْفِقْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ كَافِرٌ رَجَعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي اهـ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِقُرْبِ زَوَالِ الْمَانِعِ فِي تِلْكَ بِخِلَافِ هَذِهِ، وَبِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ وَلَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ قَطْعًا، بِخِلَافِ الصَّيْدِ مَعَ الْمُحْرِمِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرُّجُوعِ (وَلَا يَمْنَعُ) الرُّجُوعُ (التَّزْوِيجَ) وَلَا التَّدْبِيرَ وَلَا تَعْلِيقَ الْعِتْقِ وَلَا الْإِجَارَةَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجَّرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَيَأْخُذُهُ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ إنْ شَاءَ، وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا يُفْهِمُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ شُرُوطَ الرُّجُوعِ تِسْعَةٌ: الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ كَالْبَيْعِ. الثَّانِي: أَنْ يَرْجِعَ عَقِبَ الْعِلْمِ بِالْحَجْرِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ بِقَوْلِهِ: فَسَخْت الْبَيْعَ وَنَحْوِهِ مِمَّا مَرَّ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ فَإِنْ كَانَ قَبَضَ شَيْئًا مِنْهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ الْبَاقِيَ. الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ عَدَمُ اسْتِيفَاءِ الْعِوَضِ لِأَجْلِ الْإِفْلَاسِ. السَّادِسُ: كَوْنُ الْعِوَضِ دَيْنًا، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا قَدَّمَ بِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ. السَّابِعُ: حُلُولُ الدَّيْنِ. الثَّامِنُ: كَوْنُهُ بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ. التَّاسِعُ: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ: كَرَهْنٍ،. وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ حَتَّى أَفْلَسَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ، لَا الْبَائِعُ لِسَبْقِ حَقِّهِ وَثَمَنُهُ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ (وَلَوْ تَعَيَّبَ) الْمَبِيعُ بِأَنْ حَصَلَ فِيهِ نَقْصٌ لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ، سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ حِسِّيًّا كَسُقُوطِ يَدٍ أَمْ لَا كَنِسْيَانِ حِرْفَةٍ (أَخَذَهُ) الْبَائِعُ (نَاقِصًا أَوْ ضَارَبَ) الْغُرَمَاءَ (بِالثَّمَنِ) ، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَهُ نَاقِصًا أَوْ تَرْكَهُ وَكَالْأَبِ إذَا رَجَعَ فِي الْمَوْهُوبِ لِوَلَدِهِ وَقَدْ نَقَصَ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَا ضُمِنَ كُلُّهُ ضُمِنَ بَعْضُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّاةُ الْمُعَجَّلَةُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ الْبَائِعِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَخَذَ الْبَاقِي وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، وَفِي قَوْلٍ يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ.   [مغني المحتاج] الزَّكَاةِ إذَا وَجَدَهَا تَالِفَةً يَضْمَنُهَا أَوْ نَاقِصَةً يَأْخُذُهَا بِلَا أَرْشٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالْمُفْلِسِ، وَقَدْ يَضْمَنُ الْبَعْضَ وَلَا يَضْمَنُ الْكُلَّ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ إنْ قَتَلَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ قَطَعَ عُضْوَهُ ضَمِنَهُ (أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ) تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ (أَوْ الْبَائِعِ) بَعْدَ الْقَبْضِ (فَلَهُ أَخْذُهُ، وَيُضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ) وَإِنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَإِذَا كَانَ قِيمَةُ الرَّقِيقِ مَثَلًا مَعَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ مِائَةً وَبِدُونِهِ مِائَتَيْنِ فَيَأْخُذُهُ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي لَا تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ كَالْحَرْبِيِّ فَجِنَايَتُهُ كَالْآفَةِ، وَكَذَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَجِنَايَةُ الْمُشْتَرِي) فِيهَا طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا (كَآفَةٍ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالثَّانِي، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ (وَلَوْ تَلِفَ) مَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ كَأَنْ تَلِفَ (أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ) أَوْ الثَّوْبَيْنِ (ثُمَّ أَفْلَسَ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ (أَخَذَ الْبَاقِيَ وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، بَلْ لَوْ كَانَا بَاقِيَيْنِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي أَحَدِهِمَا مُكِّنَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. . تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: ثُمَّ أَفْلَسَ غَيْرُ قَيْدٍ، فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ فَلَسِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (فَلَوْ كَانَ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ؛ لِأَنَّ الْإِفْلَاسَ سَبَبٌ يَعُودُ بِهِ كُلُّ الْعَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَعُودَ بِهِ بَعْضُهَا كَالْفُرْقَةِ فِي النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَعُودُ بِهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ إلَى الزَّوْجِ تَارَةً وَبَعْضُهُ أُخْرَى (فَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ) وَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّالِفِ، كَمَا لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ خَمْسِينَ وَتَلِفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ كَانَ الْبَاقِي مَرْهُونًا بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ (وَفِي قَوْلٍ) مُخَرَّجٍ (يَأْخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْفِ بَاقِي الثَّمَنِ وَيُضَارِبُ بِنِصْفِهِ) وَهُوَ رُبُعُ الثَّمَنِ وَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ فِي مُقَابَلَةِ نِصْفِ التَّالِفِ وَنِصْفِ الْبَاقِي، وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَرْجِعُ بِهِ بَلْ يُضَارِبُ بِبَاقِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَصَنْعَةٍ فَازَ الْبَائِعُ بِهَا، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ، وَالْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ، وَإِلَّا فَيُبَاعَانِ، وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ، وَقِيلَ لَا رُجُوعَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِالْوَاوِ وَحَذَفَ كَانَ لِئَلَّا يُفْهَمَ التَّصْوِيرُ بِالتَّلَفِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَلَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْمَبِيعِ شَيْءٌ جَرَى الْقَوْلَانِ، فَعَلَى الْجَدِيدِ يَرْجِعُ فِي الْمَبِيعِ بِقِسْطِ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ، فَلَوْ قَبَضَ نِصْفَهُ رَجَعَ فِي النِّصْفِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَعَلَى الْقَدِيمِ يُضَارِبُ. (وَلَوْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَ) تَعَلُّمِ (صَنْعَةٍ) وَكِبَرِ شَجَرَةٍ (فَازَ الْبَائِعُ بِهَا) مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لَهَا فَيَرْجِعُ فِيهَا مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا الصَّدَاقَ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ بِالنِّصْفِ الزَّائِدِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْمَبِيعِ كَأَنْ زَرَعَ الْحَبَّ فَنَبَتَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ (وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالثَّمَرَةِ) الْمُؤَبَّرَةِ (وَالْوَلَدِ) الْحَادِثَيْنِ بَعْدَ الْبَيْعِ (لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْمِلْكَ بِدَلِيلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ) دُونَهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا أَثْبَتَ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْمَبِيعِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ) أَيْ وَلَدُ الْأَمَةِ (صَغِيرًا) لَمْ يُمَيِّزْ (وَبَذَلَ) بِالْمُعْجَمَةِ (الْبَائِعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ) ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مُمْتَنِعٌ وَمَالُ الْمُفْلِسِ كُلُّهُ مَبِيعٌ فَأُجِيبُ الْبَائِعُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَأْخُذُ الْوَلَدَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ أَوْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَتِهِمْ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ: أَيْ لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ الْمُعَارَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْأُمِّ رُجُوعُهُ فِي الْوَلَدِ أَيْضًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ أَمْ يَكْفِي اشْتِرَاطُهُ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ؟ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ أَيْضًا. وَعَلَى الثَّانِي لَوْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ الشَّرْطِ، وَالِاتِّفَاقِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقَضُ الرُّجُوعُ أَوْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانَهُ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْهَا (فَيُبَاعَانِ) مَعًا (وَتُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ) مِنْ الثَّمَنِ وَحِصَّةُ الْوَلَدِ لِلْغُرَمَاءِ فِرَارًا مِنْ التَّفْرِيقِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ، وَفِيهِ إيصَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْسِيطِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: أَنْ تُقَوَّمَ الْأُمُّ ذَاتُ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا تَنْقُصُ بِهِ وَقَدْ اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِيهَا نَاقِصَةً ثُمَّ يُقَوَّمُ الْوَلَدُ وَيُضَمُّ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا إلَى قِيمَةِ الْآخَرِ وَيُقْسَمُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ) إذَا لَمْ يَبْذُلْ الْقِيمَةَ بَلْ يُضَارِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ إلَى الْبَيْعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسُهُ فَالْأَصَحُّ تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ، وَاسْتِتَارِ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ وَظُهُورِهِ بِالتَّأْبِيرِ قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ قَلِقَةٌ، وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْذُلْ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْوَلَدِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ تُبَاعُ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ مَعًا وَيُصْرَفُ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ إلَى الْمُفْلِسِ وَمَا يَخُصُّ الْأُمَّ إلَى الْبَائِعِ. وَالثَّانِي: لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ حِصَّةُ الْأُمِّ بَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الرُّجُوعِ وَيُضَارِبُ بِالثَّمَنِ (فَإِنْ كَانَتْ) الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ (حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ الْبَيْعِ أَوْ عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ: أَيْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ دُونَ الرُّجُوعِ بِأَنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ قَبْلَهُ (فَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ: فَالْأَظْهَرُ (تَعَدِّي الرُّجُوعِ إلَى الْوَلَدِ) وَجْهُ الْأَصَحِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الرُّجُوعِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ: أَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا يَرْجِعُ فِيمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْبَيْعِ وَالْحَمْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَرْجِعُ فِي الْأُمِّ فَقَطْ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: قَبْلَ الْوَضْعِ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَغَيْرُهُ بَعْدَ الْوَضْعِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي الْهِبَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الْفَسْخِ لِنَقْلِهِ الْمِلْكَ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِي هِبَتِهِ بِأَنَّ سَبَبَ الْفَسْخِ هُنَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ الْمُفْلِسِ فَلَمْ تُرَاعَ جِهَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَالْخِلَافُ فِيهَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ، فَكَأَنَّهُ بَاعَ عَيْنَيْنِ فَيَرْجِعُ فِيهِمَا، أَوْ لَا يَعْلَمُ فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ الْعِلْمَ كَانَ الْأَصَحُّ الرُّجُوعَ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَهُمَا رَجَعَ فِيهَا حَامِلًا قَطْعًا، وَلَوْ حَدَثَ بَيْنَهُمَا وَانْفَصَلَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَبِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ تَضَعْ شَيْئًا أَوْ يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ، وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلُودُ أَوَّلًا مَعَ بَقَاءِ حَمْلِ الْجَنِينِ أَوْ لَا فَرْقَ؟ اهـ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ فَهُمَا لِلْبَائِعِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ حَدَثَ الْحَمْلُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. قَالَ شَيْخِي: وَقَدْ رَجَّحَ الشَّيْخَانِ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قِيَاسُ الْبَابِ مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ عَلَى تَمَامِ انْفِصَالِ التَّوْأَمَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، وَهَلْ يُقَالُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي تَأْبِيرِ الْبَعْضِ، أَوْ أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَابِعٌ لِمَا أُبِّرَ؟ يَنْبَغِي اعْتِمَادُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِشِدَّةِ اتِّصَالِ الْحَمْلِ، وَأَيْضًا صَرَّحُوا بِأَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَتْبَعُ الْمُؤَبَّرَ (وَاسْتِتَارُ الثَّمَرِ بِكِمَامِهِ) بِكَسْرِ الْكَافِ، وَهُوَ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ (وَظُهُورُهُ بِالتَّأْبِيرِ) أَيْ تَشَقُّقِ الطَّلْعِ (قَرِيبٌ مِنْ اسْتِتَارِ الْجَنِينِ وَانْفِصَالِهِ) فَإِذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 وَأَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ وَلَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ أَوْ بَنَى فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا فَعَلُوا وَأَخَذَهَا، وَإِنْ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُوا، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَمْتَلِكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ،   [مغني المحتاج] عَلَى النَّخْلِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَيْعِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ، وَعِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةً فَهِيَ كَالْحَمْلِ عِنْدَ الْبَيْعِ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ الرُّجُوعِ فَيَتَعَدَّى الرُّجُوعُ إلَيْهَا عَلَى الرَّاجِحِ (وَ) هِيَ (أَوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوعِ) إلَيْهَا مِنْ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ مَوْثُوقٌ بِهَا بِخِلَافِهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالرُّجُوعِ فِيهَا، وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ عِنْدَ الرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا عَلَى الرَّاجِحِ لَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَمْلِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَتَنَاوَلُهَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ اهـ. وَدَفَعَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ أَوْلَى بِعَدَمِ تَعَدِّي الرُّجُوعِ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا جَزْمًا، وَلَوْ حَدَثَتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَهِيَ عِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَمَتَى رَجَعَ الْبَائِعُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ فَلِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ تَرْكُهُ إلَى وَقْتِ الْجِدَادِ بِلَا أُجْرَةٍ. (وَلَوْ غَرَسَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْأَرْضَ) الْمَبِيعَةَ لَهُ (أَوْ بَنَى) فِيهَا ثُمَّ أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَاخْتَارَ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِي الْأَرْضِ (فَإِنْ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفْرِيغِهَا) مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ (فَعَلُوا) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ، وَتَجِبُ تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ وَغَرَامَةُ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إنْ نَقَصَتْ بِالْقَلْعِ، وَهَلْ يُقَدِّمُ الْبَائِعُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ أَوْ يُضَارِبُ بِهِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ؟ وَجْهَانِ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الرَّافِعِيِّ حِكَايَةَ خِلَافٍ فِيهِ (وَأَخَذَهَا) يَعْنِي الْبَائِعَ بِرُجُوعِهِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَالِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِأَخْذِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِيَتَمَلَّكَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ سَلِمَ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ رَجَعَ بِأَرْشِ النَّقْصِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا بَلْ يَرْجِعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّقْصَ هُنَا حَصَلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ (وَإِنْ امْتَنَعُوا) مِنْ الْقَلْعِ (لَمْ يُجْبَرُوا) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ بَنَى وَغَرَسَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بَلْ وَضَعَهُ بِحَقٍّ فَيُحْتَرَمُ (بَلْ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (أَنْ) يُضَارِبَ بِالثَّمَنِ، وَلَهُ أَنْ (يَرْجِعَ) فِي الْأَرْضِ (وَيَتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ لَهُ جَمِيعُ الْأَمْرَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي (وَلَهُ) بَدَلُ تَمَلُّكِ مَا ذُكِرَ (أَنْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ،. فَأُجِيبَ الْبَائِعُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ زَرْعِهِ الْأَرْضَ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ، أَوْ بِأَجْوَدَ فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ طَحَنَهَا أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ   [مغني المحتاج] يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِ الزَّرْعِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ فَسَهُلَ احْتِمَالُهُ، بِخِلَافِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا بِأَنْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ وَالْغُرَمَاءُ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِيَتَمَلَّكَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ وَبَعْضُهُمْ الْقِيمَةَ مِنْ الْبَائِعِ عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيَبْقَى الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ بِنَقْصِ قِيمَتِهِمَا فَإِنَّ الْغِرَاسَ بِلَا أَرْشٍ وَالْبِنَاءَ بِلَا مَقَرٍّ وَلَا مَمَرٍّ نَاقِصُ الْقِيمَةِ وَالرُّجُوعُ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَا يُزَالُ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِضَرَرِ الْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ، فَعَلَى هَذَا يُضَارِبُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ أَوْ يَعُودُ إلَى بَذْلِ قِيمَتِهِمَا أَوْ قَلْعِهِمَا مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَتَبَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ قَوْلُهُ يَعُودُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُكِّنَ. وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ صَبَغَ الثَّوْبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ دُونَ الصَّبْغِ وَيَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا مَعَهُ بِالصَّبْغِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّبْغَ كَالصِّفَةِ التَّابِعَةِ لِلثَّوْبِ (وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ) لَهُ مِثْلِيًّا كَأَنْ كَانَ (حِنْطَةً فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا فَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ (أَخْذُ قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ) أَمَّا فِي الْخَلْطِ بِالْمِثْلِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الدُّونِ فَيَكُونُ مُسَامِحًا كَنَقْصِ الْعَيْبِ، وَلَوْ طَلَبَ الْبَيْعَ وَقِسْمَةَ الثَّمَنِ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ، هَذَا إذَا خَلَطَهُ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ خَلَطَهُ أَجْنَبِيٌّ: أَيْ يَضْمَنُ ضَارَبَ الْبَائِعُ بِنَقْصِ الْخَلْطِ كَمَا فِي الْعَيْبِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (أَوْ) خَلَطَهَا (بِأَجْوَدَ) مِنْهَا (فَلَا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الْأَظْهَرِ) بَلْ يُضَارِبُ بِالثَّمَنِ فَقَطْ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَ إلَى أَخْذِهِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ مُتَعَذِّرٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَيْهَا بِإِعْطَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُفْلِسِ وَلَا بِإِعْطَاءِ مَا يُسَاوِي حَقَّهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ رِبًا. وَالثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ وَيُبَاعَانِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَلَّ الْأَجْوَدُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ بِهِ زِيَادَةٌ فِي الْحِسِّ وَيَقَعُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ حُكْمُ الْحِنْطَةِ فِيمَا مَرَّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْتَلَطُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَبِيعِ كَزَيْتٍ بِشَيْرَجٍ فَلَا رُجُوعَ لِعَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ لِانْتِفَاءِ التَّمَاثُلِ فَهُوَ كَالتَّالِفِ (وَلَوْ طَحَنَهَا) أَيْ الْحِنْطَةَ الْمَبِيعَةَ لَهُ (أَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ) الْمَبِيعَ لَهُ ثُمَّ حُجِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ رَجَعَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ زَادَتْ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ، وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ. وَلَوْ صَبَغَهُ بِصِبْغَةٍ فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ رَجَعَ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ (فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ) بِمَا فَعَلَهُ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ نَقَصَتْ (رَجَعَ) الْبَائِعُ فِي ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِنْ نَقَصَتْ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ غَيْرُهُ (وَإِنْ زَادَتْ) عَلَيْهَا (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (يُبَاعُ) وَيَصِيرُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْعَيْنِ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ حَصَلَتْ بِفِعْلٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُضَيَّعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ (وَلِلْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ) بِالْعَمَلِ، مِثَالُهُ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةٌ وَبَلَغَ بِالْقِصَارَةِ سِتَّةً فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُ الثَّمَنِ، وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الْمَبِيعِ لِنَفْسِهِ وَإِعْطَاءُ الْمُفْلِسِ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي: لَا شَرِكَةَ لِلْمُفْلِسِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ كَسِمَنِ الدَّابَّةِ بِالْعَلَفِ، وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ بِالسَّقْيِ وَالتَّعَهُّدِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الطَّحْنَ أَوْ الْقِصَارَةَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّمَنِ وَكِبَرِ الشَّجَرَةِ، فَإِنَّ الْعَلَفَ وَالسَّقْيَ يُوجَدَانِ كَثِيرًا وَلَا يَحْصُلُ السِّمَنُ وَالْكِبَرُ فَكَأَنَّ الْأَثَرَ فِيهِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى فِعْلِهِ، بَلْ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَكْبِيرِ الشَّجَرَةِ وَتَسْمِينِ الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ وَدَفْعَ الزِّيَادَةِ لِلْمُفْلِسِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُبَاعُ وَقَالَ: فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْمُفْلِسِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَ لَأَفْهَمَ ذَلِكَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّحْنِ وَالْقَصْرِ إلَى ضَابِطِ صُوَرِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ صُنْعُ مَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيهِ كَخَبْزِ الدَّقِيقِ وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَضَرْبِ اللَّبِنِ مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ، وَرِيَاضَةِ الدَّابَّةِ، وَتَعْلِيمِ الرَّقِيقِ الْقُرْآنَ أَوْ حِرْفَةً، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الظُّهُورَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدَّابَّةِ وَسِيَاسَتَهَا يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا تَثْبُتُ بِهِ الشَّرِكَةُ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ بِسَبَبِهِ أَثَرٌ عَلَى الدَّابَّةِ. (وَلَوْ صَبَغَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ (بِصِبْغَةٍ) ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ (فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ) بِسَبَبِ الصِّبْغِ (قَدْرَ قِيمَةِ الصِّبْغِ) كَأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَبْيَضَ أَرْبَعَةً وَالصِّبْغِ دِرْهَمَيْنِ فَصَارَ بَعْدَ الصِّبْغِ يُسَاوِي سِتَّةً (رَجَعَ) الْبَائِعُ فِي الثَّوْبِ (وَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصِّبْغِ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الثَّوْبُ خَاصَّةً فَيُبَاعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَصَحُّهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْغَصْبِ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّ كُلَّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلَّ الصِّبْغِ لِلْمُفْلِسِ، كَمَا لَوْ غَرَسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 أَوْ أَقَلَّ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصَّبْغَ وَالثَّوْبَ وَرَجَعَ فِيهِمَا إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونَ فَاقِدًا لِلصَّبْغِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ   [مغني المحتاج] الْأَرْضَ: وَالثَّانِي: يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا جَمِيعًا لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَمَا فِي خَلْطِ الزَّيْتِ. أَمَّا إذَا زَادَتْ بِارْتِفَاعِ سُوقِ أَحَدِهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِمَنْ ارْتَفَعَ سِعْرُ سِلْعَتِهِ، فَلَوْ زَادَتْ بِارْتِفَاعِ سُوقِهِمَا وُزِّعَتْ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ، وَهَكَذَا فِي صُورَةِ الْقِصَارَةِ وَالطَّحْنِ، فَلَوْ حَصَلَتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ ارْتِفَاعِ الْأَسْوَاقِ لَا بِسَبَبِهِمَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ مَعَهُ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ بِنِسْبَةِ مَا زَادَتْ مِنْ الْعَمَلِ. وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الثَّوْبِ وَبَذْلُ مَا لِلْمُفْلِسِ مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَالْقِصَارَةِ وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْفَصْلِ كَمَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ إنَّهُ شَرِيكٌ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ تُبَاعُ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ (أَوْ) زَادَتْ الْقِيمَةُ (أَقَلَّ) مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ وَسِعْرُ الثَّوْبِ بِحَالِهِ كَأَنْ صَارَتْ خَمْسَةً (فَالنَّقْصُ عَلَى الصِّبْغِ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ تَتَفَرَّقُ وَتَنْقُصُ وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِحَالِهِ فَيُبَاعُ وَلِلْبَائِعِ مَعَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ، وَلِلْمُفْلِسِ خَمْسَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الثَّوْبُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ فَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مَعَهُ (أَوْ) زَادَتْ (أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ كَأَنْ صَارَتْ تُسَاوِي فِي مِثَالِنَا ثَمَانِيَةً (فَ الْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ) كُلَّهَا (لِلْمُفْلِسِ) ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ فَيُبَاعُ الثَّوْبُ وَلَهُ نِصْفُ الثَّمَنِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِلْبَائِعِ كَالسِّمَنِ فَيَكُونُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ وَلِلْمُفْلِسِ رُبُعُهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ ثُلُثَا الثَّمَنِ وَلِلْمُفْلِسِ ثُلُثُهُ (وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُ الصِّبْغَ) وَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا لَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ إنْ زَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الصِّبْغِ فَيَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَنْ ثَمَنِ الصِّبْغِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِالْجَمِيعِ أَوْ اشْتَرَى الصِّبْغَ (وَالثَّوْبَ) مِنْ وَاحِدٍ وَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ (رَجَعَ) الْبَائِعُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الثَّوْبِ بِصَبْغِهِ لِأَنَّهُمَا عَيْنُ مَالِهِ (إلَّا أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ) قَبْلَ الصَّبْغِ بِأَنْ سَاوَتْهَا أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا (فَيَكُونُ فَاقِدًا لِلصِّبْغِ) لِاسْتِهْلَاكِهِ كَمَا مَرَّ فَيُضَارِبُ بِثَمَنِهِ مَعَ الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَتْ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ فَهُوَ مَحَلُّ الرُّجُوعِ فِيهِمَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الصِّبْغِ فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالزَّائِدِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ لَمْ يُضَارِبْ بِالْبَاقِي أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِصَارَةِ، بَلْ إنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ. (وَلَوْ اشْتَرَاهُمَا) أَيْ الثَّوْبَ وَالصِّبْغَ (مِنْ اثْنَيْنِ) الثَّوْبَ مِنْ وَاحِدٍ وَالصِّبْغَ مِنْ آخَرَ وَصَبَغَهُ بِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ، وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيَادَةِ.   [مغني المحتاج] الْبَائِعَانِ الرُّجُوعَ (فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ) قَبْلَ الصَّبْغِ بِأَنْ سَاوَتْ أَوْ نَقَصَتْ (فَصَاحِبُ الصِّبْغِ فَاقِدٌ) لَهُ فَضَارَبَ بِثَمَنِهِ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ وَاجِدٌ لَهُ، فَيَرْجِعُ فِيهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي صُورَةِ النَّقْصِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْقِصَارَةِ (وَإِنْ زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ اشْتَرَكَا) فِي الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَلَهُمَا الرُّجُوعُ وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ مَا مَرَّ (وَإِنْ زَادَتْ) وَلَمْ تَفِ بِقِيمَتِهِمَا فَالصِّبْغُ نَاقِصٌ، فَإِنْ شَاءَ بَائِعُهُ قَنَعَ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ أَوْ زَادَتْ (عَلَى قِيمَتِهِمَا) أَيْ: الثَّوْبَ وَالصِّبْغَ جَمِيعًا (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا) أَيْ الْبَائِعَيْنِ (بِالزِّيَادَةِ) عَلَى قِيمَتِهِمَا، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَرْبَعَةً مَثَلًا وَالصِّبْغِ دِرْهَمَيْنِ وَصَارَتْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا ثَمَانِيَةً، فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالرُّبُعِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ وَالزِّيَادَةُ لَهُمَا بِنِسْبَةِ مَالِهِمَا. تَنْبِيهٌ: لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ قَلْعُ الصِّبْغِ إنْ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَيَغْرَمُونَ نَقْصَ الثَّوْبِ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَلِصَاحِبِ الصِّبْغِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُفْلِسُ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ، وَلِمَالِكِ الثَّوْبِ قَلْعُهُ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الصِّبْغِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُونَ مِنْهُ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْأُولَى وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخِيرَتَانِ. خَاتِمَةٌ: أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ فِي رَجُلٍ ثَبَتَ إعْسَارُهُ ثُمَّ كُتِبَ عَلَيْهِ مَسْطُورٌ بِدَيْنٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِذَلِكَ يَسَارُهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ صَرْفِ مَا اسْتَدَانَهُ، وَإِقْرَارُهُ بِالْمَلَاءِ بِهِ يَسْرِي إلَى كُلِّ دَيْنٍ، وَلَوْ أَخْفَى شَخْصٌ بَعْضَ مَالِهِ فَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عَنْ دَيْنِهِ فَحُجِرَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي فِي بَاقِي مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقَسَمَ ثَمَنَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يَنْقُضْ تَصَرُّفَهُ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ، وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَيَنْقُضُ تَصَرُّفَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 بَابُ الْحَجْرِ مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَالْمُرْتَدِّ   [مغني المحتاج] [بَابُ الْحَجْرِ] ِ هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ، وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] الْآيَةَ، وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السَّفِيهَ بِالْمُبَذِّرِ وَالضَّعِيفَ بِالصَّبِيِّ، وَالْكَبِيرَ بِالْمُخْتَلِّ، وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ بِالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ يَنُوبُ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ، فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ، وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ، وَ (مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ) أَيْ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ (لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ) فِي الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ (وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ) فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَيْثُ لَا دَيْنَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: وَفِي الْجَمِيعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ جَمِيعَ الدُّيُونِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُوَفِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ لَهُمْ مُزَاحَمَتُهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ لَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى هَذَا (وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ) وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ تَعَالَى (وَالْمُرْتَدِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ: وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ، فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ، وَيَرْتَفِعُ بِالْإِفَاقَةِ،   [مغني المحتاج] لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِحَقِّهِمْ (وَلَهَا أَبْوَابٌ) تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مِنْهُ إنَّ هَذَا النَّوْعَ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنْوَاعَ الْحَجْرِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ثَلَاثِينَ نَوْعًا غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُبَذِّرِ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ، وَحَجْرُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ نَوْعًا ثَالِثًا، وَهُوَ مَا شُرِعَ لِلْأَمْرَيْنِ يَعْنِي مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ (فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الْوِلَايَاتُ) الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلِ أَمْرَ نَفْسِهِ فَأَمْرُ غَيْرِهِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ عَبَّرَ بِالِانْسِلَابِ دُونَ الِامْتِنَاعِ هَلْ لِذَلِكَ مِنْ فَائِدَةٍ؟ . أُجِيبَ بِنَعَمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَا يُفِيدُ السَّلْبَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا يَسْلُبُ، وَلِهَذَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ دُونَ الْأَبْعَدِ (وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ) لَهُ وَعَلَيْهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالْإِسْلَامِ وَالْمُعَامَلَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَفْعَالِ. فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إرْضَاعِهِ وَالْتِقَاطِهِ وَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ: أَيْ حَيْثُ كَانَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ. وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ ثُمَّ جُنَّ فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ جَزَاؤُهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي إذْنِ الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ، وَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَلَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ. قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغَصْبِ. وَأَمَّا إسْلَامُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَكَانَ الْحُكْمُ إذْ ذَاكَ مَنُوطًا بِالتَّمْيِيزِ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ. وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ أَحَدٍ مَقَامَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَاكِمُ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِهِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فَلَا وَلِيَّ لَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَعَلَّ كَلَامَ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى نَائِمٍ أَحْوَجَ طُولُ نَوْمِهِ إلَى النَّظَرِ فِي أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِيقَاظُ يَضُرُّهُ مَثَلًا (وَيَرْتَفِعُ) حَجْرُ الْمَجْنُونِ (بِالْإِفَاقَةِ) مِنْ الْجُنُونِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى فَكٍّ، وَقَضِيَّتُهُ عَوْدُ الْوِلَايَاتِ وَاعْتِبَارُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،   [مغني المحتاج] الْأَقْوَالِ. نَعَمْ لَا تَعُودُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ وَنَحْوُهُ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ (وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الْآيَةَ وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، وَالرُّشْدُ، ضِدُّ الْغَيِّ كَمَا مَرَّ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «لَا يُتْمَ بَعْدَ الِاحْتِلَامِ» وَالْمُرَادُ مِنْ إينَاسِ الرُّشْدِ الْعِلْمُ بِهِ، وَأَصْلُ الْإِينَاسِ الْإِبْصَارُ، وَمِنْهُ - آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا -: أَيْ أَبْصَرَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: رَشِيدًا عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُلُوغِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَلَامُ الْكِتَابِ لَا يَسْتَقِيمُ إنْ قُرِئَ بِلَفْظِ الصِّبَا بِكَسْرِ الصَّادِ، وَإِنْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا اسْتَقَامَ. لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِهِ اهـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْمَحْفُوظُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِهَا وَلَا بُعْدَ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَلَوْ بَلَغَ وَادَّعَى الرُّشْدَ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ وَلَا يُحَلِّفُ الْوَلِيَّ الْقَاضِي وَالْقَيِّمُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ (وَالْبُلُوغُ) يَحْصُلُ إمَّا (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) قَمَرِيَّةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْدِيدِيَّةً كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ وَالضَّوَابِطِ، وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً: أَيْ طَعَنْت فِيهَا، وَبِقَوْلِهِ: وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً: أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، وَالْخَنْدَقِ كَانَ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَمُولِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعَ سِنِينَ، وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ   [مغني المحتاج] أَرْبَعَ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا. ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُمْ. مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ» (أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَلِخَبَرِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ، وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقِظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ فِي النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالِاحْتِلَامِ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ. وَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِهِ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ لَفْظَ الْحَدِيثِ، وَبِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ الْمُرَادُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ صَبِيٍّ يُمْكِنُ بُلُوغُهُ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ وَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغَ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَثْبُتُ إيلَادُهُ إذَا وَطِئَ أَمَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ ثُبُوتَهُ وَالْحُكْمَ بِبُلُوغِهِ. وَحَكَى النَّجُورِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: يَكُونُ بِهِ بَالِغًا وَأَجْرَاهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِرُّ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ أَوْ لَا؟ (وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ) قَمَرِيَّةٍ بِالِاسْتِقْرَاءِ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ اسْتِكْمَالَ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ كَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضُبِطَ لَهُ أَقَلُّ وَأَكْثَرُ، فَالزَّمَنُ الَّذِي لَا يَسَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَقِيلَ وَقْتُهُ فِي الذَّكَرِ نِصْفُ الْعَاشِرَةِ، وَقِيلَ تَمَامُهَا، وَقِيلَ وَقْتُهُ فِي الْأُنْثَى أَوَّلُ التَّاسِعَةِ، وَقِيلَ نِصْفُهَا (وَنَبَاتُ) شَعْرِ (الْعَانَةِ) الْخَشِنِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ لِنَحْوِ حَلْقٍ (يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ) وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ لِخَبَرِ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ " كُنْت فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ " رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بُلُوغًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةَ حَيْضًا وَحَبَلًا   [مغني المحتاج] حَقِيقَةً بَلْ دَلِيلٌ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ عُمْرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلُ الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا وَوَقْتُ إمْكَانِ نَبَاتِ الْعَانَةِ وَقْتُ الِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ مَنْ احْتَجْنَا إلَى مَعْرِفَةِ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْحَدِيثِ، وَقِيلَ يُمَسُّ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَقِيلَ يُدْفَعُ إلَيْهِ شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ فَيُلْصِقَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: نَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَانَةَ هِيَ الْمُنْبِتُ لَا النَّابِتُ وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ، وَخَرَجَ بِهَا شَعْرُ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ، فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا الْعَانَةَ فِي وَقْعَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَفِي مَعْنَاهُمَا الشَّارِبُ وَثِقْلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَنَتْفُ طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَلَدِ الْكَافِرِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَلَامَةً فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَامَةً فِي حَقِّ النِّسَاءِ، لِأَنَّهُنَّ لَا يَقْتُلْنَ، وَالْخُنْثَى لَا بُدَّ أَنْ يَنْبُتَ عَلَى فَرْجَيْهِ مَعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا (لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ) ، فَلَا يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى بُلُوغِهِ لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَائِهِ وَأَقَارِبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ؛ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَرُبَّمَا اسْتَعْجَلَ الْإِنْبَاتَ بِالْمُعَالَجَةِ دَفْعًا لِلْحَجْرِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلَايَاتِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْقَتْلِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالطِّفْلُ الَّذِي تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ، وَمَنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ بِمَا ذُكِرَ مَعَ فِقْدَانِ الْعِلَّةِ، فَقَدْ جَرَوْا فِي تَعْلِيلِهِمْ عَلَى الْغَالِبِ (وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ حَيْضًا) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ السِّنِّ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَنَبَاتِ الْعَانَةِ الشَّامِلِ لَهَا كَمَا مَرَّ (وَحَبَلًا) كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَزَيَّفَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ مِنْ الْمَاءَيْنِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الْمَرْأَةُ حَكَمْنَا بِحُصُولِ الْبُلُوغِ قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَةٍ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ، فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُلْحَقُ بِالزَّوْجِ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ بِلَحْظَةٍ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَوْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ.   [مغني المحتاج] بِفَرْجِهِ حُكِمَ بِبُلُوغِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْهِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ كَالْحُكْمِ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ، فَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِأَنَّ احْتِمَالَ ذُكُورَتِهِ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ مَنِيٍّ بِهِ أَوْ حَيْضٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَهُ مُحَقَّقَةً تُنْتَظَرُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّبَا فَلَا نُبْطِلُهُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ مَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ، وَهِيَ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ ظَاهِرٌ، لَكِنْ إذَا حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ أَثَرَهُ مِنْ الْقَتْلِ بِقَوَدٍ وَرِدَّةٍ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ فِي الْبُلُوغِ، وَفِيهِ بُعْدٌ اهـ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الِاسْتِدْلَال بِالْحَيْضِ عَلَى الْأُنُوثَةِ وَبِالْمَنِيِّ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الذُّكُورَةِ شَرْطُهُ التَّكْرَارُ، وَالْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ اسْتَنَدَا فِي تَصْوِيبِ الْأَخْذِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْأَخْذِ بِالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي التَّكْرَارِ أَيْضًا اهـ. فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي. فَإِنْ قِيلَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ) جَمِيعًا كَمَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَاحُ الْمَالِ فَقَطْ فَإِنْ قِيلَ الرُّشْدُ الْوَاقِعُ فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ، وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا يَعُمُّ، وَلِذَلِكَ مَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى هَذَا الْوَجْهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ الْوَاقِعَةَ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَشَمِلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْكَافِرَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا هُوَ صَلَاحٌ عِنْدَهُمْ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَأَقَرَّهُ، ثُمَّ بَيَّنَ صَلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُحَرَّمِ عَمَّا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ، كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الرُّشْدَ، لِأَنَّ الْإِخْلَالَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِالْمُرُوءَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا: إنْ كَانَ يَحْمِلُ شَهَادَةً حُرِّمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ شَرِبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَوُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ.   [مغني المحتاج] النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ فَعَنْ التَّجْرِيدِ وَالِاسْتِذْكَارِ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ أَوْ تَحْرِيمَهُ فَوَجْهَانِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ. ، وَإِصْلَاحُ الْمَالِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعَامَلَةِ) وَنَحْوِهَا، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ: كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْمُعَامَلَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا وَأَعْطَى أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّ الزَّائِدَ صَدَقَةٌ خَفِيَّةٌ مَحْمُودَةٌ (أَوْ رَمْيِهِ) أَيْ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ (فِي بَحْرٍ) أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ إنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الدِّينِ. تَنْبِيهٌ: التَّبْذِيرُ: الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ، وَالسَّرَفُ: الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي آدَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِضَاعَةِ أَوْ الْغَرَامَةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَا أُخْرِجَ فِي الطَّاعَةِ، وَيُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ: ضَيَّعَ وَخَسِرَ وَغَرِمَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (والْأَصَحُّ أَنَّ صَرْفَهُ) أَيْ الْمَالَ وَإِنْ كَثُرَ (فِي الصَّدَقَةِ، وَ) بَاقِي (وُجُوهِ الْخَيْرِ) كَالْعِتْقِ (وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ فِي الصَّرْفِ فِي الْخَيْرِ غَرَضًا وَهُوَ الثَّوَابُ، فَإِنَّهُ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ، وَحَقِيقَةُ السَّرَفِ: مَا لَا يُكْسِبُ حَمْدًا فِي الْعَاجِلِ وَلَا أَجْرًا فِي الْآجِلِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَكُونُ مُبَذِّرًا إنْ بَلَغَ مُفَرِّطًا فِي الْإِنْفَاقِ، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُقْتَصِدًا فَلَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ وَيُلْتَذَّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَكُونُ تَبْذِيرًا عَادَةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَوْنِ الصَّرْفِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْغَارِمِ. وَإِذَا كَانَ غُرْمُهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَالْخَمْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ لَمْ يُعْطَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ تَنَاقُضًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَلَا يُحْرَمُ، وَالْمَذْكُورُ هُنَاكَ فِي الِاقْتِرَاضِ مِنْ النَّاسِ وَيَتَبَسَّطُ فِيهَا وَهُوَ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ مَالَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا لَهُ مَا يُوَفِّيه مِنْهُ. (وَيُخْتَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيِّ) فِي الدِّينِ وَالْمَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أَيْ اخْتَبِرُوهُمْ. أَمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 وَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا، وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ،   [مغني المحتاج] فِي الدِّينِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمَحْظُورَاتِ وَتَوَقِّي الشُّبُهَاتِ، وَمُخَالَطَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْثَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ الْمَرْأَةَ بَعْدُ (وَ) أَمَّا فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ (يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِيهِمَا (وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا) وَهُوَ طَلَبُ النُّقْصَانِ عَمَّا طَلَبَهُ الْبَائِعُ وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَبْذُلُهُ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا اُخْتُبِرَ فِي نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ كَفَى وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاخْتِبَارِ فِي جَمِيعِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ، وَوَلَدُ السُّوقَةِ كَوَلَدِ التَّاجِرِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ وَلَدِ التَّاجِرِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ (وَ) يُخْتَبَرُ (وَلَدُ الزُّرَّاعِ بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَوَامِ بِهَا) أَيْ إعْطَاؤُهُمْ الْأُجْرَةَ وَهُمْ الَّذِينَ اُسْتُؤْجِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ: كَالْحَرْثِ وَالْحَصْدِ وَالْحِفْظِ (وَ) يُخْتَبَرُ (الْمُحْتَرِفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ) أَيْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَأَقَارِبِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ الْخَيَّاطِ مَثَلًا: بِتَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ وَوَلَدُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ بِأَنْ يُعْطَى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِيُنْفِقَهُ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ فِي خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَمَاءٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ نَفَقَةَ يَوْمٍ فِي مُدَّةِ شَهْرٍ ثُمَّ نَفَقَةَ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَفَقَةَ شَهْرٍ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ اهـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 وَالْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ، وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، يُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَوَقْتُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقِيلَ بَعْدَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ، بَلْ يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ.   [مغني المحتاج] وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: الْحِرْفَةُ الصَّنْعَةُ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا، وَيُخْتَبَرُ مَنْ لَا حِرْفَةَ لِأَبِيهِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مَنْ لَهُ وَلَدٌ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا (وَ) تُخْتَبَرُ (الْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ) مِنْ حِفْظٍ وَغَيْرِهِ، وَالْغَزْلُ يُطْلَقُ عَلَى الصَّدْرِ وَعَلَى الْمَغْزُولِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَرَادَ الْمَصْدَرَ: يَعْنِي أَنَّهَا هَلْ تَجْتَهِدُ فِيهِ أَوْ لَا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ: أَيْ فِي بَيْتِهَا إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً فَفِي بَيْعِ الْغَزْلِ وَشِرَاءِ الْقُطْنِ اهـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته أَوَّلًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ يَلِيقُ بِهَا الْغَزْلُ وَالْقُطْنُ. أَمَّا بَنَاتُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا تُخْتَبَرُ بِذَلِكَ بَلْ بِمَا يَعْمَلُهُ أَمْثَالُهَا (وَصَوْنِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ) وَهِيَ الْأُنْثَى، وَالذَّكَرُ هِرٌّ، وَتُجْمَعُ الْأُنْثَى عَلَى هِرَرٍ، كَقِرْبَةٍ وَقِرَبٍ، وَالذَّكَرُ عَلَى هِرَرَةٍ كَقِرْدٍ وَقِرَدَةٍ (وَنَحْوِهَا) كَالْفَأْرَةِ وَالدَّجَاجَةِ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ الضَّبْطُ وَحِفْظُ الْمَالِ وَعَدَمُ الِانْخِدَاعِ، وَذَلِكَ قَوَامُ الرُّشْدِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمُتَبَذِّلَةَ كَالرَّجُلِ فِي الِاخْتِبَارِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَالْخُنْثَى تُخْتَبَرُ بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا لِيَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالرُّشْدِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُسْلِمِ (وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرِ الِاخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ) بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ رُشْدُهُ فَلَا يَكْفِي مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا (وَوَقْتُهُ) أَيْ الِاخْتِبَارِ (قَبْلَ الْبُلُوغِ) لِآيَةِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] ، وَالْيَتِيمُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ: الزَّمَنُ الْقَرِيبُ لِلْبُلُوغِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ رُشْدُهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ الْمَالُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَقِيلَ بَعْدَهُ) لِيَصِحَّ تَصَرُّفُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمُخَاطَبُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ وَلِيٍّ، وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: الْحَاكِمُ فَقَطْ، وَنَسَبَ الْجَوْزِيُّ الْأَوَّلَ إلَى عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَالثَّانِي إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَيَخْتَبِرُ الْمَرْأَةَ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ (فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ) بِالرَّفْعِ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ (بَلْ) يُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَالُ وَ (يُمْتَحَنُ فِي الْمُمَاكَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ بُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ عَقْدُهُ لِلْحَاجَةِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ دَامَ الْحَجْرُ، وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ وَأُعْطِيَ مَالَهُ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي، فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ.   [مغني المحتاج] فِي يَدِ الْمُمْتَحِنِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَبَرَ السَّفِيهُ أَيْضًا، فَإِذَا ظَهَرَ رُشْدُهُ عَقَدَ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) لِاخْتِلَالِ صَلَاحِ الدِّينِ أَوْ الْمَالِ (دَامَ الْحَجْرُ) عَلَيْهِ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَقَوْلُهُ: دَامَ الْحَجْرُ: أَيْ الْجِنْسُ لَا حَجْرُ الصِّبَا لِانْقِطَاعِهِ بِالْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ وَيَخْلُفُهُ غَيْرُهُ (وَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا انْفَكَّ) الْحَجْرُ عَنْهُ (بِنَفْسِ الْبُلُوغِ) أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ ثُمَّ رَشَدَ فَبِنَفْسِ الرُّشْدِ (وَأُعْطِيَ مَالَهُ) وَلَوْ امْرَأَةً فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهَا حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» فَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى ضَعْفِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فَكُّ الْقَاضِي) لِأَنَّ الرُّشْدَ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَجْرٌ ثَبَتَ بِغَيْرِ حَاكِمٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ زَوَالُهُ عَلَى إزَالَةِ الْحَاكِمِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الِانْفِكَاكِ وَإِعْطَاءِ الْمَالِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُسَلَّمُ الْمَالُ إلَى الْمَرْأَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ فَإِذَا تَزَوَّجَتْ يُدْفَعُ إلَيْهَا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهَا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَا لَمْ تَصِرْ عَجُوزًا، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: أَرَأَيْت لَوْ تَصَدَّقَتْ بِثُلُثِ مَالِهَا ثُمَّ بِثُلُثِ الثُّلُثَيْنِ ثُمَّ بِثُلُثِ الْبَاقِي هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إنْ جَوَّزْت سُلْطَتَهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ بِالتَّبَرُّعِ وَإِنْ مَنَعْت مَنَعْت الْحُرَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ مِنْ مَالِهِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ (فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (حُجِرَ) أَيْ حَجَرَ الْقَاضِي (عَلَيْهِ) لَا غَيْرُهُ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِآيَةِ {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] وَلِخَبَرِ «خُذُوا عَلَى يَدِ سُفَهَائِكُمْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ. وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِ السَّفِيهِ وَإِنْ رَأَى النِّدَاءَ عَلَيْهِ لِيُتَجَنَّبَ فِي الْمُعَامَلَةِ فَعَلَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَادَ رَشِيدًا لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَجْرُ إلَّا بِرَفْعِ الْقَاضِي لَهُ كَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ (وَقِيلَ يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إعَادَةٍ) كَالْجُنُونِ وَتَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا هُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، فَالْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ، وَلَا حَجْرَ بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 وَلَوْ فُسِّقَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي،   [مغني المحتاج] لَهُ: إنَّهُ يُخْدَعُ فِي بَعْضِ الْبُيُوعِ: مَنْ بَايَعْت فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ» وَلَا حَجْرَ بِالشِّحَّةِ عَلَى النَّفْسِ مَعَ الْيَسَارِ لِيُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَقِيلَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَائِلُ بِهِ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ إخْفَاءَ مَالِهِ لِشِدَّةِ شُحِّهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنْ التَّبْذِيرِ. (وَلَوْ فَسَقَ) مَعَ صَلَاحِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ رَشِيدًا (لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ. وَالثَّانِي: يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالِاسْتِدَامَةِ وَكَمَا لَوْ بَذَّرَ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَ اسْتِدَامَتِهِ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ وَبَيْنَ مَا هُنَا بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ، وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجْرِ بِعَوْدِ التَّبْذِيرِ بِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا عَدَمُ إتْلَافِهِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ (وَ) عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَجْرِ الْقَاضِي فِي عَوْدِ التَّبْذِيرِ (مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) أَيْ سُوءِ تَصَرُّفٍ (طَرَأَ، فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ   [مغني المحتاج] الْحَجْرَ عَلَيْهِ، إذْ وِلَايَةُ الْأَبِ وَنَحْوِهِ قَدْ زَالَتْ فَيُنْظَرُ مَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ (وَقِيلَ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) كَمَا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: يَعُودُ الْحَجْرُ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يَنْظُرْ إلَّا الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَقِيلَ الْقَاضِي،   [مغني المحتاج] قَطْعًا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَفَهِ رَجُلٍ وَفَسَّرَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا حِسْبَةً (وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ فَوَلِيُّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ) وَهُوَ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ (وَقِيلَ) وَلِيُّهُ (الْقَاضِي) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا إعْتَاقٌ   [مغني المحتاج] التَّصْحِيحَيْنِ أَنَّ السَّفَهَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَاحْتَاجَ إلَى نَظَرِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ) وَلَوْ بِغِبْطَةٍ (وَلَا شِرَاءٌ) وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ لِمُنَافَاةِ الْحَجْرِ. (وَلَا إعْتَاقٌ) فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 وَهِبَةٌ   [مغني المحتاج] حَالِ حَيَاتِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَالْكِتَابَةِ لِمَا مَرَّ. أَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ فَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَلَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ صَامَ كَمُعْسِرٍ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ. وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ فَالصَّحِيحُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْوَلِيَّ يُعْتِقُ عَنْهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الدَّفْعَ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ، وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكُلُّ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْحَجِّ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُخَيَّرَةِ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ إلَّا بِالصَّوْمِ، وَمَا كَانَ مُرَتَّبًا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ: أَيْ مَعَ تَرَتُّبِهِ، وَإِلَّا فَمَا قَبْلَهُ سَبَبُهُ فِعْلٌ أَيْضًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ بِالْمَالِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: (وَ) لَا (هِبَةٌ) مِنْهُ. أَمَّا الْهِبَةُ لَهُ فَالْأَصَحُّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 وَنِكَاحٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ،   [مغني المحتاج] زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ صِحَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ بَلْ تَحْصِيلٌ، وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ، وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ بِالصِّحَّةِ لِقَبُولِ الْهِبَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ تَمَلُّكٌ، بِخِلَافِ قَبُولِ الْهِبَةِ، وَأَيْضًا قَبُولُ الْهِبَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفَوْرُ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَتَفُوتُ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا صَحَّحْنَا قَبُولَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ، فَإِنْ سَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْمَوْهُوبِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ (وَ) لَا (نِكَاحٌ) يَقْبَلُهُ لِنَفْسِهِ (بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مِنْ عَامِلِهِ أَوْ جَهِلَ، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ،   [مغني المحتاج] إتْلَافٌ لِلْمَالِ، أَوْ مَظِنَّةُ إتْلَافِهِ، وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ الشَّارِحُ: قَيَّدَ فِي الْجَمِيعِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ فَقَطْ فَإِنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ بِالْإِذْنِ دُونَ مَا قَبْلَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ الْآتِي وَإِلَّا فَكَلَامُ غَيْرِهِ أَنْسَبُ. أَمَّا قَبُولُ النِّكَاحِ بِالْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ وَأَمَّا الْإِيجَابُ فَلَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لَا أَصَالَةً وَلَا وَكَالَةً أَذِنَ الْوَلِيُّ أَمْ لَا (فَلَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ) مِنْ رَشِيدٍ (وَقَبَضَ) بِإِذْنِهِ أَوْ إقْبَاضِهِ (وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ) قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَهُ بِرَدِّهِ (أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ) ؛ لِأَنَّ مَنْ عَامَلَهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ بِإِقْبَاضِهِ إيَّاهُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهُ قَبْلَ مُعَامَلَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ آنْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. أَمَّا لَوْ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ، أَوْ مِنْ رَشِيدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِقْبَاضِهِ، أَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا نَقَلَ الْقَطْعَ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الثَّالِثَةِ وِفَاقًا لِتَصْرِيحِ الصَّيْدَلَانِيِّ، وَلَا مَعْنَى لِاقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الشِّرَاءِ وَالْقَرْضِ فَإِنَّهُ لَوْ نَكَحَ بِلَا إذْنٍ وَوَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَلَوْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ حَتَّى صَارَ رَشِيدًا وَتَمَكَّنَ مِنْ رَدِّهَا ثُمَّ تَلِفَتْ وَلَمْ يَرُدَّهَا ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ اسْتَقَلَّ بِإِتْلَافِهَا، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: لُغَةٌ شَاذَّةٌ، وَالْمَعْرُوفُ أَعَلِمَ أَمْ جَهِلَ بِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ مَعَ عَلِمَ وَبِأَمْ مَوْضِعَ أَوْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ سُمِعَ: سَوَاءٌ عَلَيَّ قُمْت أَوْ قَعَدْت (وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكَاحُهُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ بِشُرُوطِهَا، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مَسْلُوبَةٌ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِصَبِيٍّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالنِّكَاحِ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ، وَمَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ إذَا عَيَّنَ لَهُ الْوَلِيُّ قَدْرَ الثَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْهُ كَعِتْقٍ وَهِبَةٍ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ إطْلَاقِهِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَصَالَحَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ عَلَى الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ. وَمِنْهَا عَقْدُ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ بِدِينَارٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَلِيُّ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَالَحَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ بِأَنَّ صِيَانَةَ الرُّوحِ عَنْ الْقِصَاصِ قَدْ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ عِنْدَ إعْطَاءِ الدِّينَارِ، وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ كَالْجِزْيَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَ لَهُ قِصَاصٌ فَإِنَّ لَهُ الْعَفْوَ عَلَى مَالٍ وَكَذَا مَجَّانًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: مَنْ رَدَّ عَلَيَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَسْتَحِقُّهُ، فَالْبَالِغُ السَّفِيهُ أَوْلَى. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَبَضَ دَيْنَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: اعْتَدَّ بِهِ فِي أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَّاطِي. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَعَ فِي أَسْرٍ فَفَدَى نَفْسَهُ بِمَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ عَقْدُ الْجِزْيَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا لِلسُّفَهَاءِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَنَا وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَالْجِزْيَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِمَالِهِ التَّبَرُّعُ بِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ انْتَهَى الْأَمْرُ فِي الْمَطَاعِمِ إلَى الضَّرُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِتَجْوِيزِ تَصَرُّفَاتِهِ (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ) بِالنِّكَاحِ كَمَا لَا يَصِحُّ نُشُوءُهُ، وَلَا (بِدَيْنٍ) فِي مُعَامَلَةٍ أَسْنَدَ وُجُوبَهُ إلَى مَا (قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ) إلَى مَا (بَعْدَهُ) كَالصَّبِيِّ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ (وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ) أَوْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ (فِي الْأَظْهَرِ) كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ إذَا بَاشَرَ الْإِتْلَافَ يَضْمَنُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي حَالِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ فَكِّهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 وَيَصِحُّ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، وَطَلَاقُهُ وَخُلْعُهُ وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ، وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ،   [مغني المحتاج] وَمَحَلُّهُ فِي الظَّاهِرِ. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَدَاؤُهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ رُشْدِهِ أَنَّهُ كَانَ أَتْلَفَ مَالًا لَزِمَهُ الْآنَ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ (وَيَصِحُّ) إقْرَارُهُ (بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِمَا بِالْمَالِ وَلِبُعْدِ التُّهْمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ سَرِقَةً قُطِعَ. وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ (وَ) يَصِحُّ (طَلَاقُهُ) وَرَجْعَتُهُ (وَخُلْعُهُ) زَوْجَتَهُ بِمِثْلِ الْمَهْرِ وَبِدُونِهِ (وَ) يَصِحُّ (ظِهَارُهُ) وَإِيلَاؤُهُ وَإِيلَادُهُ (وَنَفْيُهُ النَّسَبَ) لِمَا وَلَدَتْهُ زَوْجَتُهُ (بِلِعَانٍ) وَلِمَا وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ بِحَلِفٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَا عَدَا الْخُلْعَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ. وَأَمَّا الْخُلْعُ، فَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّ طَلَاقُهُ مَجَّانًا فَبِعِوَضٍ أَوْلَى، إلَّا أَنَّ الْمَالَ يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّهِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ كَمَا تَقَرَّرَ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ تُسُرِّيَ جَارِيَةً إنْ احْتَاجَ إلَى الْوَطْءِ فَإِنْ كَرِهَهَا أُبْدِلَتْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ بِلِعَانٍ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَعَمَّ لِشُمُولِهِ نَفْيَ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ أَمَتِهِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ لَا يُلَاعِنُ بَلْ يَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا مَرَّ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِيلَادِ أَمَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ اهـ. نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ فِرَاشٌ لَهُ وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ (وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَةِ) الْوَاجِبَةِ مُطْلَقًا وَالْمَنْدُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ (كَالرَّشِيدِ) لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ. أَمَّا الْمَنْدُوبَةُ الْمَالِيَّةُ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَلَيْسَ هُوَ فِيهَا كَالرَّشِيدِ (لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ. نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ لَهُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ الْمَالَ إذَا خَلَا بِهِ، أَوْ يَدَّعِي صَرْفَهُ كَاذِبًا، وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا، وَيَصِحُّ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ لَا بِعَيْنِ مَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِصِحَّةِ نَذْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ (وَإِذَا أَحْرَمَ) حَالَ الْحَجْرِ (بِحَجٍّ فَرْضٍ) أَصْلِيٍّ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ مَنْذُورٍ قَبْلَ الْحَجْرِ وَكَذَا بَعْدَهُ إذَا سَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي طَرِيقِهِ) وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 وَإِنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ قُلْت: وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] يَخْرُجُ الْوَلِيُّ مَعَهُ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ خَوْفًا مِنْ تَفْرِيطِهِ فِيهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ لِلْإِحْرَامِ، وَأَنَّ الْعُمْرَةَ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ الْمَفْرُوضَ بِالْجِمَاعِ فِي حَالِ سَفَهِهِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَالْقَضَاءُ وَيُعْطِيهِ الْوَلِيُّ نَفَقَةَ الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَى أَدَائِهِ لَهُ حُكْمُ مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ اللَّامِ مِنْ الثِّقَةِ؛ لِأَنَّ أَعْطَى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِنَفْسِهِ. (وَإِنْ أَحْرَمَ) حَالَ الْحَجْرِ (بِتَطَوُّعٍ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ بِنَذْرٍ بَعْدَ الْحَجْرِ وَسَلَكْنَا بِهِ مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ وَهُوَ الرَّأْيُ الْمَرْجُوحُ (وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ) لِإِتْمَامِ النُّسُكِ، أَوْ إتْيَانِهِ بِهِ (عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ) فِي الْحَضَرِ (فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ) مِنْ الْإِتْمَامِ أَوْ الْإِتْيَانِ بِهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ نَظَرٌ وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بَيْنَهُمَا بِاسْتِقْلَالِ السَّفِيهِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُضِيِّ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا. وَالثَّانِي: لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِلِقَاءِ الْبَيْتِ كَمَنْ فَقَدْ زَادَهُ وَرَاحِلَتَهُ (قُلْت: وَيَتَحَلَّلُ بِالصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لِدَمِ الْإِحْصَارِ بَدَلٌ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ؛ (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمَالِ) أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا بَدَلَ لَهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ الْمُحْصَرِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّةِ السَّفِيهِ أَيْضًا (وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ مُمْكِنٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ عَمَلُهُ مَقْصُودًا بِالْأُجْرَةِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي النَّظَرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَالًا حَاصِلًا، فَلَا يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ مَعَ غِنَاهُ بِخِلَافِ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْوَلِيِّ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيُّ كِلَاهُمَا عَجِيبٌ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْكَسْبُ فِي طَرِيقِهِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ. أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ قَبْلَ الْحَجْرِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَإِنَّهُ كَالْوَاجِبِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْحَجِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 فَصْلٌ وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ وَصِيُّهُمَا ثُمَّ الْقَاضِي،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَنْ يَلِي الصَّبِيَّ مَعَ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ] ِ (وَلِيُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالصَّغِيرِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ الصَّبِيَّ يَشْمَلُ الصَّبِيَّةَ، كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ يَشْمَلُ الْأَمَةَ (ثُمَّ جَدُّهُ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَتَكْفِي عَدَالَتُهُمَا الظَّاهِرَةُ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا فَإِنْ فَسَقَا نَزَعَ الْقَاضِي الْمَالَ مِنْهُمَا، كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَهَلْ يَنْعَزِلَانِ بِالْفِسْقِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَيَنْبَغِي الِانْعِزَالُ، وَعَلَيْهِ لَوْ فَسَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ اللُّزُومِ فَفِي بُطْلَانِهِ وَجْهَانِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إسْلَامُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، فَإِنَّ الْكَافِرَ يَلِي وَلَدَهُ الْكَافِرَ. لَكِنْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نُقِرَّهُمْ وَنَلِي نَحْنُ أَمْرَهُمْ بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ الْأَمَانَةُ، وَهِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ أَقْوَى، وَالْمَقْصُودَ بِوِلَايَةِ النِّكَاحِ الْمُوَالَاةُ، وَهِيَ فِي الْكَافِرِ أَقْوَى، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (ثُمَّ وَصِيُّهُمَا) أَيْ وَصِيُّ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ وَشَرْطُهُ الْعَدَالَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيَّةِ (ثُمَّ الْقَاضِي) أَوْ أَمِينُهُ لِخَبَرِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَلَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ فِي آخَرَ فَالْوَلِيُّ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ كَمَالِ الْغَائِبِينَ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ بِمَا يَقْتَضِيه الْحَالُ مَعَ الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ أَمَّا تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ وَالِاسْتِنْمَاءِ فَالْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فِي النِّكَاحِ فَكَذَا فِي الْمَالِ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَوَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ عَزْوُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَاحْذَرْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَلِقَاضِي بَلَدِهِ الْعَدْلِ الْأَمِينِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ قَاضِي بَلَدِ مَالِهِ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ لَهُ فِيهِ، وَلْيَتَّجِرْ لَهُ فِيهِ ثَمَّ، أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ عَقَارًا، وَيَجِبُ عَلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إسْعَافُهُ بِذَلِكَ، وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِيِّ فِي تَرْتِيبِ الْأَوْلِيَاءِ، وَكَذَا مَنْ بَلَغَ سَفِيهًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْمَذْكُورِينَ عَلَى مَالِ الْأَجِنَّةِ وَصَرَّحَا بِهِ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مِيرَاثِ الْحَمْلِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاكِمِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ الْبَقِيَّةُ. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ. وَيَتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ لَا اللَّبِنِ وَالْجِصِّ.   [مغني المحتاج] الْجُرْجَانِيِّ: وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي حَالِ مَحْجُورِهِمْ وَتَوَلِّي حِفْظَ مَالِهِ (وَلَا تَلِي الْأُمُّ فِي الْأَصَحِّ) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي: تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَتُقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِمَا لِكَمَالِ شَفَقَتِهَا، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِسَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ. نَعَمْ لَهُمْ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَسُومِحَ بِهِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي إحْرَامِ الْوَلِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ اهـ. أَمَّا السَّفِيهُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَفِيهِ نَظَرٌ. نَعَمْ إنْ حُمِلَ عَلَى مَنْ لَهُ نَوْعٌ تَمْيِيزٍ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُ. (وَيَتَصَرَّفُ) لَهُ (الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ) وُجُوبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا شَرَّ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ حِفْظُ مَالِ الصَّبِيِّ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَاسْتِنْمَاؤُهُ قَدْرَ مَا تَأْكُلُهُ الْمُؤَنُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا إنْ أَمْكَنَ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ، وَلَوْ خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ ظَالِمٍ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ، فَلَهُ بَذْلُ بَعْضِهِ لِتَخْلِيصِهِ وُجُوبًا، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِخَرْقِ السَّيِّدِ الْخَضِرِ السَّفِينَةَ، وَإِذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ السَّفِيهِ كَسْبٌ: أَيْ يَلِيقُ بِهِ أَجْبَرَهُ الْوَلِيُّ عَلَى الِاكْتِسَابِ لِيَرْتَفِقَ بِهِ فِي ذَلِكَ، وَنُدِبَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْعَقَارَ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ إذَا حَصَلَ مِنْ رِيعِهِ الْكِفَايَةُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ جَوْرًا مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ خَرَابًا لِلْعَقَارِ وَلَمْ يَجِدْ بِهِ نَقْلَ خَرَاجٍ، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَقْتَ الْأَمْنِ، وَالتَّسْفِيرُ بِهِ مَعَ ثِقَةٍ وَلَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ نَهْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ لَا فِي نَحْوِ بَحْرٍ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ عَدَمِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَرْكَبُ بِالصَّبِيِّ الْبَحْرَ وَإِنْ غَلَبَتْ سَلَامَتُهُ كَمَالِهِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا حُرُمَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ فِي حِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ بِخِلَافِهِ هُوَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرْكِبَهُ الْبَحْرَ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ، كَمَا يَجُوزُ إرْكَابُ نَفْسِهِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ تَحْرِيمِ إرْكَابِ الْبَهَائِمِ وَالْأَرِقَّاءِ وَالْحَامِلِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الْجَمِيعِ (وَيَبْنِي دُورَهُ) وَمَسَاكِنَهُ (بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ) أَيْ الطُّوبِ الْمُحْرَقِ؛ لِأَنَّ الطِّينَ قَلِيلُ الْمُؤْنَةِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ بَعْدَ النَّقْضِ وَالْآجُرُّ يَبْقَى (لَا اللَّبِنِ) أَيْ الطُّوبِ الَّذِي لَمْ يُحْرَقْ (وَالْجِصِّ) أَيْ الْجِبْسِ؛ لِأَنَّ اللَّبِنَ قَلِيلُ الْبَقَاءِ وَيَتَكَسَّرُ عِنْدَ النَّقْضِ وَالْجِبْسَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ.   [مغني المحتاج] كَثِيرُ الْمُؤَنِ، وَلَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ عِنْدَ النَّقْضِ بَلْ يَلْصَقُ بِالطُّوبِ فَيُفْسِدُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " وَالْجِصِّ " بِالْوَاوِ هِيَ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَعِبَارَةُ الْكَبِيرِ أَوْ الْجِصِّ بِأَوْ، وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي اللَّبِنِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ الطِّينِ أَمْ الْجِصِّ، وَعَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الْجِصِّ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ اللَّبِنِ أَمْ الْآجُرِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفْهَمُ الْمَنْعُ فِيمَا عَدَاهُمَا، وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْبِنَاءِ بِالطِّينِ وَالْآجُرِّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ كَيْفَ كَانَ، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّاشِيُّ، وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ، وَفِي الْبَيَانِ بَعْدَمَا نَقَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ: وَهَذَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَعِزُّ فِيهَا وُجُودُ الْحِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ تُوجَدُ فِيهِ الْحِجَارَةُ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْآجُرِّ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ بَقَاءً وَأَقَلُّ مُؤْنَةً، وَيُشْتَرَطُ فِي الْبِنَاءِ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنْ يُسَاوِيَ كُلْفَتَهُ، وَقِيلَ: هَذَا قَلَّ أَنْ يُوجَدَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ مَنْعٌ لِلْبِنَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَيَبْنِي دُورَهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَبْتَدِئُ لَهُ بِنَاءَ الْعَقَارِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ: إنَّمَا يَبْنِيهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الشِّرَاءُ أَحَظَّ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ. (وَلَا) يَشْتَرِي لَهُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَإِنْ كَانَ مُرِيحًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا (يَبِيعُ عَقَارَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ أَسْلَمُ وَأَنْفَعُ مِمَّا عَدَاهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ بِأَنْ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي الِاقْتِرَاضِ، أَوْ خَافَ خَرَابَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَعَقَارُهُ فِي آخَرَ وَيَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي تَوْجِيهِ مَنْ يَجْمَعُ الْغَلَّةَ فَيَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِبَلَدِ الْيَتِيمِ، أَوْ يَبْنِي فِيهِ مِثْلَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَظْهَرُ أَيْضًا جَوَازُ بَيْعِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِرُجُوعِ الْوَاهِبِ إذَا كَانَ أَصْلًا لَهُ (أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ) كَأَنْ يَرْغَبَ فِيهِ شَرِيكٌ أَوْ جَارٌ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ، أَوْ يَكُونَ ثَقِيلَ الْخَرَاجِ: أَيْ الْمَغَارِمِ مَعَ قِلَّةِ رِيعِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " ظَاهِرَةٍ " مِنْ زِيَادَةِ الْمِنْهَاجِ عَلَى بَقِيَّةِ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَضَابِطُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أَنْ لَا يَسْتَهِينَ بِهَا الْعُقَلَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شِرَاءِ الْعَقَارِ، وَكَالْعَقَارِ فِيمَا ذُكِرَ آنِيَةُ الْقُنْيَةِ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ. قَالَ: وَمَا عَدَاهُمَا لَا يُبَاعُ أَيْضًا إلَّا لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ لَكِنْ يَجُوزُ لِحَاجَةٍ يَسِيرَةٍ وَرِبْحٍ قَلِيلٍ لَائِقٍ بِخِلَافِهِمَا. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ إنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ، بَلْ لَوْ رَأَى الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ وَارْتَهَنَ بِهِ،   [مغني المحتاج] رَأْسِ الْمَالِ لِيَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا هُوَ مَظِنَّةً لِلرِّبْحِ جَازَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ طَلَبَ مَالَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَجَبَ بَيْعُهُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَقَارًا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ كِفَايَتُهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ عِمَارَةَ عَقَارِ مَحْجُورِهِ حَتَّى خَرِبَ مَعَ الْقُدْرَةِ أَثِمَ، وَهَلْ يَضْمَنُ كَمَا فِي تَرْكِ عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ لَا كَمَا فِي تَرْكِ التَّلْقِيحِ؟ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ إيجَارَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ فِيهِمَا وَيُفَارِقُ تَرْكَ الْعَلَفِ بِأَنَّ فِيهِ إتْلَافُ رَوْحٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا. قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَضْمَنُ وَرَقَ الْفِرْصَادِ إذَا تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ: أَيْ تَلِفَ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ لِتَوَقُّعِ زِيَادَةٍ فَتَلِفَ الْمَالُ فَلَا ضَمَانَ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَوْ أَجَّرَ بَيَاضَ أَرْضِ بُسْتَانِهِ بِأُجْرَةٍ وَافِيَةٍ بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الثَّمَرِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى شَجَرِهِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ لِلْيَتِيمِ؛ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ شَيْئًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ، أَوْ أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا يَخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ. أَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ وَلَا يُقْرِضُهُ إلَّا لِمَلِيءٍ أَمِينٍ، وَيَأْخُذُ رَهْنًا إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَا يُودِعُهُ أَمِينًا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ إقْرَاضِهِ. (وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ) الَّتِي يَرَاهَا فِيهِمَا، كَأَنْ يَكُونَ فِي الْأَوَّلِ رِبْحٌ وَفِي الثَّانِي زِيَادَةٌ لَائِقَةٌ، أَوْ خَافَ عَلَيْهِ مِنْ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ (وَإِذَا بَاعَ نَسِيئَةً أَشْهَدَ) عَلَى الْبَيْعِ وُجُوبًا (وَارْتَهَنَ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَافِيًا بِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا ثِقَةً وَالْأَجَلُ قَصِيرًا عُرْفًا احْتِيَاطًا لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ضَمِنَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَبَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ: وَقَالَ الْإِمَامُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مَلِيئًا اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ، وَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْكَفِيلُ عَنْ الِارْتِهَانِ. نَعَمْ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَالْجَدَّ الِارْتِهَانُ مِنْ نَفْسِهِمَا لَهُ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا بِأَنْ بَاعَا مَالَهُ لِأَنْفُسِهِمَا نَسِيئَةً؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ فِي حَقِّهِ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِصِحَّةِ بَيْعِهِمَا مَالَ وَلَدِهِمَا إذَا رَفَعَاهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتَا أَنَّ بَيْعَهُمَا وَقَعَ بِالْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ وَلَدِهِمَا وَفِي وُجُوبِ إقَامَتِهِمَا الْبَيِّنَةَ بِالْعَدَالَةِ لِيُسَجِّلَ لَهُمَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الِاكْتِفَاءُ بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ كَشُهُودِ النِّكَاحِ وَالثَّانِي: نَعَمْ كَمَا يَجِبُ إثْبَاتُ عَدَالَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الْحُكْمِ لَهُمَا عَلَى الْوِلَايَةِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا طَلَبَا مِنْهُ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُمَا بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إقَامَتُهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْمَصْلَحَةِ وَبِعَدَالَتِهِمَا، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ.   [مغني المحتاج] وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْكَمَالِ أَنَّهُمَا بَاعَا مَالَهُ وَلَوْ غَيْرَ عَقَارٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ فَيَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الْبَيِّنَةُ، بَلْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَلَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ مَالَ الطِّفْلِ أَوْ الْمَجْنُونِ لِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ نَفْسِهِ لَهُ، وَلَا يَقْتَصُّ لَهُ وَلِيٌّ وَلَوْ أَبًا، وَلَا يَعْفُو عَنْ الْقِصَاصِ. نَعَمْ لَهُ الْعَفْوُ عَلَى الْأَرْشِ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ الْفَقِيرِ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الصِّبَا لَهُ غَايَةٌ تُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْجُنُونِ، وَلَا يُعْتِقُ رَقِيقَهُ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَلَا يُكَاتِبُهُ، وَلَا يُدَبِّرُهُ، وَلَا يُعَلِّقُ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، وَلَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ لِخَبَرِ «إنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَلَا يَشْتَرِي لَهُ إلَّا مِنْ ثِقَةٍ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَظْهَرُ جَوَازُ شِرَاءِ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ لِغَرَرِ الْهَلَاكِ، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ (وَيَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ يَتْرُكُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ) الَّتِي رَآهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهَا، فَيَجِبُ الْأَخْذُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ، وَيَحْرُمُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِهِ، فَلَوْ اسْتَوَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْأَخْذُ أَوْ يَجِبُ أَوْ يَتَخَيَّرُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الشُّفْعَةِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ هُنَا: وَالنَّصُّ يُفْهِمُهُ، وَالْآيَةُ تَشْهَدُ لَهُ: أَيْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَنْعِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِوُرُودِهَا بِصِيغَةِ التَّفْضِيلِ، وَلَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ فِيهِ ثُمَّ كَمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَلِيِّ حِينَئِذٍ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ فَلَا يَفُوتُ بِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا لِعَدَمِ الْغِبْطَةِ وَلَوْ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مَعًا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَخَذَ الْوَلِيُّ مَعَ الْغِبْطَةِ ثُمَّ كَمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الرَّدَّ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّ الْوَلِيَّ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْغِبْطَةِ، وَيَلْزَمُ لِوَلِيِّ الْبَيِّنَةِ إلَّا عَلَى أَبٍ أَوْ جَدٍّ قَالَ: إنِّي تَرَكْتُهَا لِغِبْطَةٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ (وَيُزَكِّي مَالَهُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ) فِي طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فِي إعْسَارِهِ وَيَسَارِهِ، فَإِنْ قَتَّرَ أَثِمَ وَإِنْ أَسْرَفَ أَثِمَ وَضَمِنَ وَيُخْرِجُ عَنْهُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ ذَلِكَ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّيْنُ الْحَالُّ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ دَيْنٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالِاخْتِيَارِ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَى طَلَبِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَيُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ.   [مغني المحتاج] الزَّمَانِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ تَوَقُّفِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَى الطَّلَبِ لَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ مَجْنُونًا أَوْ طِفْلًا أَوْ زَمِنًا يَعْجِزُ عَنْ الْإِرْسَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ طَلَبِهِ، وَكَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْوَلِيِّ وَلَا نَفَقَةَ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَشُغِلَ بِسَبَبِهِ عَنْ الِاكْتِسَابِ أَخَذَ الْأَقَلَّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وَكَالْأَكْلِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ وَلَوْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ فَقِيرًا تَمَّمَهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَهُ أَوْلَى، وَإِذَا أَخَذَ لِفَقْرِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ الْبَدَلِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلِيِّ غَيْرِ الْحَاكِمِ. أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ وِلَايَتِهِ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ حَتَّى أَمِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ، وَلِلْوَلِيِّ خَلْطُ مَالِهِ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَمُوَاكِلَتُهُ لِلِارْتِفَاقِ إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ فِيهِ حَظٌّ. قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] وَإِلَّا امْتَنَعَ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَيُسَنُّ لِلْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَكْلِ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَرَدَتْ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمُوَلِّيهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْهُ قَدَّمَ نَفْسَهُ وَإِنْ تَضَجَّرَ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ بِهَا بِنَفْسِهِ. (فَإِذَا ادَّعَى) الصَّغِيرُ (بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا) لِمَالِهِ. وَلَوْ عَقَارًا (بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَبُولُ الْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً، وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهَا كَأُمَّهَاتِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ) أَيْ مَنْصُوبِ الْقَاضِي (صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ) لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّهِمَا، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ الْوَلِيُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخِيَانَةِ، وَقِيلَ: لَا يُصَدَّقُ مُطْلَقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، وَقِيلَ: يُصَدَّقُ الْأَبُ وَالْجَدُّ مُطْلَقًا وَغَيْرُهُمَا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ فَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ. أَمَّا فِيهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَبُولُ قَوْلِهِمَا لِعُسْرِ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِمَا فِيهَا، وَدَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلِيِّ كَدَعْوَاهُ عَلَى الْوَلِيِّ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ إنْ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا إنْ اشْتَرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مِنْهُمَا، وَلَوْ أَقَامَ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ الْحَلِفِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاضِي، وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ حُكْمِهِ وَتَوَقَّفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعْزُولًا، ثُمَّ اُعْتُمِدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ. خَاتِمَةٌ: سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ يَتِيمٍ تَحْتَ حَجْرِ الشَّرْعِ لَهُ مَالٌ يُعَامِلُ فِيهِ نَاظِرُ الْأَيْتَامِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ثُمَّ إنَّ الْيَتِيمَ سَكَنَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْقُدْسِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ يَتَحَقَّقُ فِيهَا بُلُوغُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ لَا هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْمُعَامَلَةُ فِي مَالِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْبُلُوغِ الْمَذْكُورَةِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ: لَا تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ فِي مَالِهِ وَلَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَجَّرَ الصَّبِيَّ مُدَّةً يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْبُلُوغِ، وَسُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ سَفِيهَةٍ تَحْتَ الْحَجْرِ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِرُشْدِهَا ثُمَّ حَضَرَ وَلِيُّهَا، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِسَفَهِهَا أَيُّهُمَا تُقَدَّمُ؟ فَقَالَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ السَّفَهِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ فَتَشْهَدَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ، بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَشْرَبُ الْخَمْرَ مَثَلًا. أَمَّا إذَا أَطْلَقَتْ فَالْوَجْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الرُّشْدِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 بَابُ الصُّلْحِ   [مغني المحتاج] [بَابُ الصُّلْحِ] ِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ وَالتَّنَازُعِ فِيهَا، هُوَ لُغَةً: قَطْعُ النِّزَاعِ، وَشَرْعًا: عَقْدٌ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: صُلْحٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَبَيْنَ الْإِمَامِ وَالْبُغَاةِ، وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الشِّقَاقِ. وَصُلْحٌ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَهُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وَخَبَرُ «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، وَالْكُفَّارُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ فَهُوَ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ.   [مغني المحتاج] كَالْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِانْقِيَادِهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ غَالِبًا، وَالصُّلْحُ الَّذِي يُحِلُّ الْحَرَامَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَاَلَّذِي يُحَرِّمُ الْحَلَالَ: أَنْ يُصَالِحَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَفْظُهُ يَتَعَدَّى لِلْمَتْرُوكِ بِمِنْ وَعَنْ، وَلِلْمَأْخُوذِ بِعَلَى وَالْبَاءِ غَالِبًا (وَهُوَ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا صُلْحٌ عَلَى إقْرَارٍ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَقَرَّ لَهُ بِهَا وَصَالَحَهُ عَنْهَا بِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ (فَهُوَ بَيْعٌ) لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ) وَيُسَمَّى صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ (تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ) فِي الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إنْ اتَّفَقَا) أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (فِي عِلَّةِ الرِّبَا) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي إذَا كَانَا جِنْسًا رِبَوِيًّا وَاشْتِرَاطِ الْقَطْعِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ وَجَرَيَانِ التَّحَالُفِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ وَفَسَادُهُ بِالْغَرَرِ وَالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْبَيْعِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى دَيْنٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَهُوَ بَيْعٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا مَثَلًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّلَمِ فَهُوَ سَلَمٌ، وَسَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ، وَلَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ عَيْنَ بِغَيْرٍ لَدَخَلَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَنْعَقِدُ السَّلَمُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ (أَوْ) جَرَى الصُّلْحُ مِنْ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ (عَلَى مَنْفَعَةٍ) لِغَيْرِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً (فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْإِجَارَةِ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ. أَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، فَإِنَّهَا إعَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً فَإِعَارَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِلَّا فَمُطْلَقَةٌ (أَوْ) جَرَى الصُّلْحُ (عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ) كَرُبُعِهَا (فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا) الْبَاقِي (لِصَاحِبِ الْيَدِ) عَلَيْهَا (فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا) أَيْ الْهِبَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي بَابِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَغَيْرِهِ لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَى ذَلِكَ فَتَصِحُّ فِي الْبَعْضِ الْمَتْرُوكِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِمَا (وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ) لَهُ لِعَدَمِ الثَّمَنِ (وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ بِلَفْظِ الصُّلْحِ) كَصَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ عَلَى رُبُعِهَا؛ لِأَنَّ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لَفْظُ الصُّلْحِ: هِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك بِكَذَا فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ صَحَّ. فَإِنْ تَوَافَقَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ دَيْنًا اُشْتُرِطَ   [مغني المحتاج] سَبْقُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَتَضَمَّنُ الْمُعَاوَضَةَ وَلَا عِوَضَ هُنَاكَ لِلْمَتْرُوكِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَابِلَ الْإِنْسَانُ مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ. وَحَمْلُهُ الْأَوَّلُ عَلَى الْهِبَةِ تَنْزِيلًا لِهَذَا اللَّفْظِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ كَلَفْظِ التَّمْلِيكِ، وَيُسَمَّى هَذَا صُلْحُ الْحَطِيطَةِ. (وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ صَالِحْنِي عَنْ دَارِك) مَثَلًا (بِكَذَا) فَأَجَابَهُ (فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ الْخُصُومَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَمْ لَا، وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ، فَأَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَاهُ وَنَوَيَا الْبَيْعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ كِنَايَةً بِلَا شَكٍّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَإِنْ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ. (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ) يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ (عَلَى) غَيْرِهِ (عَيْنٍ) أَوْ دَيْنٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَوْ مَنْفَعَةٍ (صَحَّ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، سَوَاءٌ أَعَقَدَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْإِجَارَةِ. أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: عَلَى عَيْنٍ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِغَيْرِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ لَفْظَةِ عَيْنٍ تُنَافِي كَمَا قَالَ الْفَزَارِيّ تَفْصِيلَهُ الْآتِي بِقَوْلِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا إلَى قَوْلِهِ أَوْ دَيْنًا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ عَلَى عِوَضٍ وَهُوَ الصَّوَابُ لِتَقْسِيمِهِ إيَّاهُ بَعْدُ إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ اهـ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ عَنْ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَوَافَقَا) أَيْ الدَّيْنُ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْعِوَضُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (فِي عِلَّةِ الرِّبَا) كَالصُّلْحِ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ (اُشْتُرِطَ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ) حَذَرًا مِنْ الرِّبَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقْ الْمُصَالَحُ مِنْهُ الدَّيْنُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فَجَعَلَهُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: كَالصُّلْحِ عَنْ فِضَّةٍ بِحِنْطَةٍ أَوْ ثَوْبٍ (فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ عَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ دَيْنٌ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (أَوْ) كَانَ الْعِوَضُ (دَيْنًا) كَصَالَحْتُك عَنْ دَرَاهِمِي الَّتِي عَلَيْك بِكَذَا (اُشْتُرِطَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ، وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا. وَبِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَعْيِينُهُ فِي الْمَجْلِسِ) لِيَخْرُجَ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَفِي قَبْضِهِ) فِي الْمَجْلِسِ (الْوَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَا رِبَوِيَّيْنِ اُشْتُرِطَ لِمَا سَبَقَ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ وَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةً قَبَضَهَا بِقَبْضِ مَحِلِّهَا فِيهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُتَّجَهُ تَخْرِيجُ اشْتِرَاطِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَيْنٍ (وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى بَعْضِهِ) كَرُبُعِهِ (فَهُوَ إبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهُ فَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الدَّيْنِ يَنْقَسِمُ إلَى مُعَاوَضَةٍ وَحَطِيطَةٍ كَالْعَيْنِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْبَاقِي فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا الْعَقْدَ مُعَاوَضَةً، بَلْ إبْرَاءً، وَهَلْ يَعُودُ الدَّيْنُ إذَا امْتَنَعَ الْمُبْرَأُ مِنْ أَدَاءِ الْبَاقِي أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْعَوْدِ (وَيَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا) كَالْوَضْعِ وَالْإِسْقَاطِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: طَلَبَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى سَمِعَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجَ إلَيْهِمَا وَنَادَى: يَا كَعْبُ، فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ، فَقَالَ قَدْ فَعَلْت، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُمْ فَاقْضِهِ» . وَإِذَا جَرَى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْإِبْرَاءِ: كَأَبْرَأْتُكَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ: كَوَضَعْتهَا أَوْ أَسْقَطْتهَا عَنْك لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ (وَ) يَصِحُّ (بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي الْأَصَحِّ) كَصَالَحْتُكَ عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لِي عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَالْخِلَافُ كَالْخِلَافِ فِي الصُّلْحِ مِنْ الْعَيْنِ عَلَى بَعْضِهَا: بِلَفْظِ الصُّلْحِ، فَيُؤْخَذُ تَوْجِيهُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ مُدْرِكُهُ مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى، وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ هُنَا اشْتِرَاطُهُ، وَلَا يَصِحُّ هَذَا الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَنَظِيرِهِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْعَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ الْمُصَالَحِ بِهَا مُعَيَّنَةً وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا الْأَلْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْخُوَارِزْمِيّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 وَلَوْ صَالَحَ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ أَوْ عَكَسَ لَغَا، فَإِنْ عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ. وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ، وَلَوْ عَكَسَ لَغَا. النَّوْعُ الثَّانِي: الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ،   [مغني المحتاج] مِنْ الْأَلْفِ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ. (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ) دَيْنٍ (حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلٍ مِثْلِهِ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً (أَوْ عَكَسَ) أَيْ صَالَحَ مِنْ مُؤَجَّلٍ عَلَى حَالٍّ مِثْلِهِ كَذَلِكَ (لَغَا) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ فِي الْأُولَى مِنْ الدَّائِنِ بِإِلْحَاقِ الْأَجَلِ، وَصِفَةُ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ وَعْدٌ مِنْ الْمَدْيُونِ بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ، وَهُوَ لَا يَسْقُطُ، وَالصِّحَّةُ وَالتَّكْسِيرُ كَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ (فَإِنْ عَجَّلَ) الدَّيْنَ (الْمُؤَجَّلَ صَحَّ الْأَدَاءُ) وَسَقَطَ الْأَجَلُ لِصُدُورِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءُ مِنْ أَهْلِهِمَا. نَعَمْ إنْ ظَنَّ الْمُؤَدِّي صِحَّةَ الصُّلْحِ لَمْ يَسْقُطْ الْأَجَلُ وَاسْتَرَدَّ مَا عَجَّلَهُ، كَمَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَدَّاهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ قَطْعًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ قَاعِدَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ، وَهِيَ إذَا شُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعًا فِي بَيْعٍ فَفَعَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الْمَشْرُوطِ، كَأَنْ أَتَى بِالْبَيْعِ الثَّانِي، فَهَلْ يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ أَوْ لَا لِكَوْنِهِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَقَدْ اضْطَرَبَ التَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ تَظَافَرَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْبُطْلَانِ، فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا عَدَاهُ. (وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةٍ وَبَقِيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ) ؛ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِحَطِّ الْبَعْضِ وَوَعَدَ بِتَأْجِيلِ الْبَاقِي، وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ، وَالْحَطُّ صَحِيحٌ (وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ صَالَحَ مِنْ عَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ حَالَّةٍ (لَغَا) الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْحُلُولِ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا، وَالْخَمْسَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَرَكَهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْحُلُولُ لَا يَصِحُّ التَّرْكُ، وَالصِّحَّةُ وَالتَّكْسِيرُ كَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ أَقْسَامَ الصُّلْحِ سِتَّةٌ: الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالْهِبَةُ وَالسَّلَمُ وَالْإِبْرَاءُ وَبَقِيَ مِنْهَا أَشْيَاءُ أُخَرُ مِنْهَا الْخُلْعُ كَصَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي طَلْقَةً. وَمِنْهَا الْمُعَاوَضَةُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ مِنْ قِصَاصٍ. وَمِنْهَا الْجِعَالَةُ كَصَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى رَدِّ عَبْدِي. وَمِنْهَا الْفِدَاءُ كَقَوْلِهِ لِلْحَرْبِيِّ صَالَحْتُك مِنْ كَذَا عَلَى إطْلَاقِ هَذَا الْأَسِيرِ. وَمِنْهَا الْفَسْخُ كَأَنْ صَالَحَ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَهَا كَغَيْرِهِ لِأَخْذِهَا مِمَّا ذُكِرَ (النَّوْعُ الثَّانِي الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ) أَوْ السُّكُوتِ مِنْ الْمُدَّعَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعِي.   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَنْكَرَهُ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَ عَنْهُ (فَيَبْطُلُ إنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى) كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ دَارًا فَيُصَالِحَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ يَجْعَلَهَا لِلْمُدَّعِي أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يَصْدُقُ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَكِلَا الصُّورَتَيْنِ بَاطِلٌ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى، كَأَنْ يُصَالِحَهُ عَنْ الدَّارِ بِثَوْبٍ أَوْ دَيْنٍ. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُحَرَّرِ عَيْنٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّفْسِ وَلَمْ يُلَاحِظْ مُوَافَقَةَ مَا فِي الشَّرْحِ، فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ اهـ. وَيُرِيدُ بِذَلِكَ دَفْعَ اعْتِرَاضِ الْمُصَحِّحِ فَإِنَّهُ قَالَ: الصَّوَابُ التَّعْبِيرُ بِالْغَيْرِ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ غَيْرُ وَكَأَنَّ الرَّاءَ تَصَحَّفَتْ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِالنُّونِ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِالنَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ التَّعْبِيرُ بِالنَّفْسِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ عَلَى وَالْبَاءَ يَدْخُلَانِ عَلَى الْمَأْخُوذِ وَمِنْ وَعَنْ عَلَى الْمَتْرُوكِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْمُدَّعَى الْمَذْكُورَ مَأْخُوذٌ وَمَتْرُوكٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، غَايَتُهُ أَنَّ إلْغَاءَ الصُّلْحِ فِي ذَلِكَ لِلْإِنْكَارِ وَلِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِاتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ إقْرَارٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَنْكَرَ الْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى شَيْءٍ؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ كَاذِبًا، فَقَدْ اسْتَحَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالَهُ وَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ مَالَهُ الْحَلَالَ، فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» فَإِنْ قِيلَ: الصُّلْحُ لَمْ يُحَرِّمْ الْحَلَالَ وَلَمْ يُحَلِّلْ الْحَرَامَ، بَلْ هُوَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصُّلْحَ هُوَ الْمُجَوِّزُ لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَسَيَأْتِي. ، وَلَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ جَازَ الصُّلْحُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ كَلُزُومِهِ بِالْإِقْرَارِ، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ أَنْكَرَ جَازَ الصُّلْحُ، وَإِذَا تَصَالَحَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُمَا تَصَالَحَا عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، فَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا عَقْدَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَنَازَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْغَالِبَ جَرَيَانُ الْبَيْعِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْغَالِبَ وُقُوعُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ. . وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: رَدَدْتهَا عَلَيْك ثُمَّ صَالَحَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فَيَكُونُ صُلْحًا عَلَى إنْكَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَقَوْلُهُ فِي الرَّدِّ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَقَدْ أَقَرَّ بِالضَّمَانِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ، وَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُقِرَّ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى الْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا فَيَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْخُذَ مَا يَبْذُلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 وَكَذَا إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ. الْقِسْمُ الثَّانِي: يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيِّ: فَإِنْ قَالَ، وَكَّلَنِي   [مغني المحتاج] لَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَفِيهِ فَرْضُ كَلَامِهِ. وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى فَفِيهِ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، قَالَ: وَلَوْ أَنْكَرَ فَصُولِحَ ثُمَّ أَقَرَّ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. فَإِنْ قِيلَ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُصَالَحِ حَالَ الصُّلْحِ، فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ جَرَى بِشُرُوطِهِ فِي عِلْمِهِمَا أَوْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالَ الْعَقْدِ، وَيَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُنْكِرِ وَلَوْ بَعْدَ التَّحْلِيفِ، وَلَوْ تَصَالَحَا بَعْدَ التَّحْلِيفِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَصَالَحَا قَبْلَهُ (وَكَذَا) يَبْطُلُ الصُّلْحُ (إنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ الْمُدَّعَى كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى. وَالثَّانِي: يَصِحُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُدَّعِي وَلَكِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْجِهَةِ لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَتَصَالَحَا عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَزْمًا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ الْهِبَةِ وَإِيرَادُ الْهِبَةِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ مَسَائِلُ: مِنْهَا اصْطِلَاحُ الْوَرَثَةِ فِيمَا وُقِفَ بَيْنَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي إذَا لَمْ يَبْذُلْ أَحَدٌ عِوَضًا مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ أَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ وَوُقِفَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُنَّ فَاصْطَلَحْنَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ تَدَاعَيَا وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لِأَيِّكُمَا هِيَ، أَوْ دَارًا فِي يَدِهِمَا، فَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً ثُمَّ اصْطَلَحَا. (وَقَوْلُهُ) بَعْدَ إنْكَارِهِ (صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ) مَثَلًا (الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إقْرَارًا فِي الْأَصَحِّ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ قَطْعَ الْخُصُومَةِ لَا غَيْرُ، وَالثَّانِي: إقْرَارٌ لِتَضَمُّنِهِ الِاعْتِرَافَ كَمَا لَوْ قَالَ: مَلِّكْنِي وَدُفِعَ بِمَا مَرَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الصُّلْحُ بَعْدَ هَذَا الِالْتِمَاسِ صُلْحَ إنْكَارٍ. أَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً قَبْلَ إنْكَارِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ جَزْمًا، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي الْعَيْنَ الَّتِي تَدَّعِيهَا أَوْ هَبْنِيهَا أَوْ زَوِّجْنِي هَذِهِ الْأَمَةَ أَوْ أَبْرِئْنِي مِمَّا تَدَّعِيهِ، فَإِقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْتِمَاسِ التَّمَلُّكِ أَوْ قَالَ: أَعِرْنِي أَوْ أَجِّرْنِي لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَعِيرُ مِلْكَهُ وَيَسْتَأْجِرُهُ مِنْ مُسْتَأْجِرِهِ وَلَكِنْ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ قَالَ صَالِحْنِي عَنْ دَعْوَاك فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ جَزْمًا. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الصُّلْحِ (يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْأَجْنَبِيِّ. فَإِنْ قَالَ) الْأَجْنَبِيُّ (وَكَّلَنِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك صَحَّ. وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ صَحَّ   [مغني المحتاج] الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ) عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ (وَهُوَ مُقِرٌّ لَك) بِهِ فِي الظَّاهِرِ أَوْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَالِكِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِالْقِسْمَيْنِ فِي الْمُحَرَّرِ (صَحَّ) الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِنْسَانِ الْوَكَالَةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولَةٌ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارَ بَعْدَ دَعْوَى الْوَكَالَةِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ كَانَ عَزْلًا فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْهُ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا وَصَالَحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى أَوْ عَلَى عَيْنٍ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ وَصَارَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مِلْكًا لِلْمُوَكِّلِ لَهُ إنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ صَادِقًا فِي الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ، وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، وَيُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ اعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ مَا لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ وَكِّلْنِي فِي الْمُصَالَحَةِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَك، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ قَالَ هُوَ مُنْكَرٌ وَلَكِنَّهُ مُبْطِلٌ فَصَالِحْنِي لَهُ عَلَى عَبْدِي هَذَا لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ بَيْنَكُمَا وَكَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَإِنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُ الْغَيْرِ عَيْنَ مَالٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيُمْكِنُ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَوْ صَالَحَ الْوَكِيلُ عَلَى عَيْنِ مَالٍ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ بِإِذْنِهِ صَحَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ لِلْإِذْنِ وَيَرْجِعُ الْمَأْذُونُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ قَرْضٌ لَا هِبَةٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَّلَنِي إلَخْ مَا لَوْ تَرَكَهُ فَهُوَ شِرَاءُ فُضُولِيٍّ فَلَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَك مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَّلَنِي فِي مُصَالَحَتِك فَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: صَالِحْنِي عَمَّا تَدَّعِيهِ لَيْسَ إقْرَارًا. وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ: وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُصَالَحَتِك عَلَى نِصْفِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَصَالَحَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ عَلَى ثَوْبِي هَذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِدَيْنِ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ. تَنْبِيهٌ: يُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اعْتِبَارَ التَّوْكِيلِ مَا لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: صَالِحْنِي عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ سَوَاءٌ أَكَانَ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا، لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ، قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. (وَلَوْ صَالَحَ) الْأَجْنَبِيَّ عَنْ الْعَيْنِ (لِنَفْسِهِ) بِعَيْنِ مَالِهِ أَوْ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ قَائِلٌ، بِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَك بِالْمُدَّعَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ (صَحَّ) الصُّلْحُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ مَعَهُ خُصُومَةٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ تَرَتَّبَ عَلَى دَعْوَى وَجَوَابٍ خِلَافًا لِلْجُوَيْنِيِّ فِي قَوْلِهِ: يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُنْكَرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ لَغَا الصُّلْحُ.   [مغني المحتاج] صَالِحْنِي (وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ) بِلَفْظِ الشِّرَاءِ. أَمَّا إذَا صَالَحَ الْأَجْنَبِيَّ عَنْ الدَّيْنِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: صَالِحْنِي عَنْ الْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ صَحَّ، وَلَوْ بِلَا إذْنٍ لِجَوَازِ الِاسْتِقْلَالِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْغَيْرِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ إلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَهُ. فَلَوْ كَانَ مَبِيعًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ حَقِيقَةً فَلَا مَعْنَى لِلتَّشْبِيهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي كِلَا الْعِبَارَتَيْنِ، فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى (وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مُنْكِرًا وَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ هُوَ مُبْطِلٌ فِي إنْكَارِهِ) ؛ لِأَنَّك صَادِقٌ عِنْدِي فَصَالِحْنِي لِنَفْسِي، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا (فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتِهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ) فَيَصِحُّ (وَعَدَمِهَا) فَلَا يَصِحُّ، وَيَكْفِي لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى انْتِزَاعِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. أَمَّا إذَا صَالَحَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ عَنْهُ كَأَنْ قَالَ: صَالِحْنِي لَهُ بِعَبْدِي هَذَا صَحَّ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ لَا عَنْ الْعَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُمَلِّكَ غَيْرَهُ عَيْنًا بِغَيْرِ إذْنِهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُبْطِلٌ) مَعَ قَوْلِهِ هُوَ مُنْكِرٌ وَصَالَحَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَغَا الصُّلْحُ) ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكُهُ لَهُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ امْتِنَاعَ ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا: أَنْ يَقُولَ هُوَ مُحِقٌّ. الثَّانِيَةُ: لَا أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ: لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فِي أَصْلِهَا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ الْأَمْرَ فِيهَا كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ. وَلَوْ وَقَفَ مَكَانًا وَأَقَرَّ بِهِ لِمُدَّعٍ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ لِإِحَالَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِوَقْفِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَصَالَحَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي قُرْبَةٍ. وَلَوْ صَالَحَ مُتْلِفُ الْعَيْنِ مَالِكَهَا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ بِمُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ الْمُتْلَفِ حَالَّةً فَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَلَا عَلَى مُؤَجَّلٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّبَا؛ وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ بِأَكْثَرَ بِغَيْرِ جِنْسِهَا جَازَ لِفَقْدِ الْمَانِعِ. ، وَلَوْ أَقَرَّ بِمَحْمَلٍ فَصَالَحَ عَنْهُ وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ أَحَدٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك الشَّيْءَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ. وَلَوْ وَكَّلَ الْمُنْكِرُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 فَصْلٌ الطَّرِيقُ النَّافِذُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ جَنَاحٌ وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا، وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ.   [مغني المحتاج] أَجْنَبِيًّا جَازَ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، لِأَنَّ الْإِنْكَارَ حَرَامٌ لِلْكَذِبِ وَالْإِضْرَارِ، فَإِنْ أَرَادَ إزَالَةَ الضَّرَرِ جَازَ كَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبَيْنِ وَأَرَادَ التَّوْبَةَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَالْوَارِثِ يَجْهَلُ أَمْرَ التَّرِكَةِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الصُّلْحِ لِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَجَرَى عَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ، لِأَنَّهُ مَعَ الْإِنْكَارِ أُلْجِئَ إلَى بَيْعِهِ مِنْهُ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْجِئَ غَيْرَهُ إلَى بَيْعِ مَالِهِ، وَإِنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ، فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ بِالْمُدَّعَى فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِبِنَائِهِ عَلَى فَاسِدٍ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَبَذْلُهُ لِذَلِكَ وَأَخْذُهُ حَرَامٌ، وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ. [فَصْلٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ] ِ (الطَّرِيقُ النَّافِذُ) بِمُعْجَمَةٍ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ، وَقِيلَ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ اجْتِمَاعٌ وَافْتِرَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْبُنْيَانِ وَلَا يَكُونُ إلَّا نَافِذًا، وَالطَّرِيقُ يَكُونُ بِبُنْيَانٍ، وَصَحْرَاءَ، وَنَافِذًا، وَغَيْرَ نَافِذٍ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ) فِي مُرُورِهِمْ فِيهِ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَا يَضُرُّ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ الْمُرُورَ ضَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَعَمُّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدَّقَائِقِ (وَ) عَلَى هَذَا (لَا يُشْرَعُ) أَيْ يُخْرَجُ (فِيهِ جَنَاحٌ) أَيْ رَوْشَنٌ (وَلَا سَابَاطٌ) أَيْ: سَقِيفَةٌ عَلَى حَائِطَيْنِ وَالطَّرِيقُ بَيْنَهُمَا (يَضُرُّهُمْ) أَيْ: كُلٌّ مِنْ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ لِمَا تَقَدَّمَ (بَلْ يُشْتَرَطُ ارْتِفَاعُهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا (بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ) الْمَاشِي (مُنْتَصِبًا) مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى أَنْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ إضْرَارٌ حَقِيقِيٌّ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهِ الْحُمُولَةُ الْعَالِيَةُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَنْ لَا يُظْلِمَ الْمَوْضِعَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِظْلَامِ الْخَفِيفِ، وَلَوْ أَحْوَجَ الْإِشْرَاعَ إلَى وَضْعِ الرُّمْحِ عَلَى كَتِفِ الرَّاكِبِ، بِحَيْثُ لَا يَتَأَتَّى نَصْبُهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ عَلَى كَتِفِهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (عَلَى الْبَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمِظَلَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ فَوْقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْمَحْمِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَبَ بِيَدِهِ مِيزَابًا فِي دَارِ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إنَّ الْمِيزَابَ كَانَ شَارِعًا لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ فِي جَانِبَيْ الشَّارِعِ، فَحَفَرَ تَحْتَ الطَّرِيقِ سِرْدَابًا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَأَحْكَمَ أَزَجَهُ، بِحَيْثُ يُؤْمَنُ الِانْهِيَارُ لَمْ يُمْنَعْ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَفِقَ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَوْ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمَارِّينَ، بِخِلَافِ الْمُفْسِدِ الْمَمْلُوكِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي وَضْعِ الْجَنَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ مَا مُنِعَ مِنْهُ أُزِيلَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْمُزِيلُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ. لَكِنْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ. تَنْبِيهٌ: مَا أَفْهَمَهُ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ غَيْرِ الْمُضِرِّ هُوَ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ الْإِشْرَاعُ إلَى شَوَارِعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ جَازَ اسْتِطْرَاقُهُ لِأَنَّهُ كَإِعْلَاءِ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَنْعِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَسُلُوكُ أَهْلِ الذِّمَّةِ طُرُقَاتِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مِلْكٍ بَلْ إمَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَا يَبْذُلُونَهُ مِنْ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ سُكْنَى الدَّارِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي آبَارِ حُشُوشِهِمْ إذَا أَرَادُوا حَفْرَهَا فِي أَفْنِيَةِ دُورِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنْ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ وَلَا مِنْ حَفْرِ آبَارِ حُشُوشِهِمْ فِي مَحَالِّهِمْ وَشَوَارِعِهِمْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي رَفْعِ الْبِنَاءِ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ إلَى الطَّرِيقِ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْتَ جَنَاحِ صَاحِبِهِ إذْ لَا ضَرَرَ وَفَوْقَهُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَى جَنَاحِ صَاحِبِهِ أَوْ مُقَابِلَهُ إنْ لَمْ يُبْطِلْ انْتِفَاعَ صَاحِبِهِ، وَكَذَا مَوْضِعُهُ أَيْضًا إذَا انْهَدَمَ أَوْ هَدَمَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ إعَادَتِهِ وَلَوْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ إعَادَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَعَدَ لِاسْتِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِارْتِفَاقُ بِهِ وَيَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ اعْتِبَارِ الْإِعْرَاضِ فِي الْقُعُودِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ بَقَاءُ حَقِّهِ هُنَا إذَا عَادَ إلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ إشْرَاعَ الْجَنَاحِ إنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِاسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ وَعِنْدَ سُقُوطِ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ ثَابِتٌ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ لِمُشَارَكَتِهِ فِي السَّبَبِ، وَالِانْتِفَاعُ بِالْمَقَاعِدِ لَيْسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ؛ فَلِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ، وَبِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَا تَدُومُ بَلْ الِانْتِقَالُ عَنْهَا، ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى دَارًا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ. وَأَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً، أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَضُرَّ   [مغني المحتاج] مَوَاتٍ وَأَخْرَجَ لَهَا جَنَاحًا ثُمَّ بَنَى آخَرُ دَارًا تُحَاذِيهِ وَاسْتَمَرَّ الشَّارِعُ فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَسْتَمِرُّ، وَإِنْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَلَيْسَ لِجَارِهِ أَنْ يُخْرِجَ جَنَاحَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لِسَبْقِ حَقِّهِ بِالْإِحْيَاءِ، وَمَنْ سَبَقَ إلَى أَكْثَرِ الْهَوَاءِ بِأَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ هَوَاءِ الطَّرِيقِ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَحُكْمُ الشَّارِعِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ غَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ، وَالطَّرِيقُ مَا جُعِلَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْبَلَدِ أَوْ قَبْلَهُ طَرِيقًا أَوْ وَقَفَهُ الْمَالِكُ وَلَوْ بِغَيْرِ إحْيَاءٍ كَذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ إلَى لَفْظٍ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ فِيمَا عَدَا مِلْكَهُ. أَمَّا فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَصِيرُ بِهِ وَقْفًا عَلَى قَاعِدَةِ الْأَوْقَافِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَحَيْثُ وَجَدْنَا طَرِيقًا اعْتَمَدْنَا فِيهِ الظَّاهِرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَبْدَأِ جَعْلِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا عِنْدَ الْإِحْيَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يُجْعَلَ عَرْضُهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ» . وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ أَوْ مِنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا حَوْلَهُ مِنْ الْمَوَاتِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الطَّرِيقُ مَمْلُوكَةً يُسْبِلُهَا مَالِكُهَا فَتَقْدِيرُهَا إلَى خِيرَتِهِ، وَالْأَفْضَلُ لَهُ تَوْسِيعُهَا. (وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِ الْجَنَاحِ) أَوْ السَّابَاطِ بِعِوَضٍ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُ الْقَرَارَ كَالْحَمْلِ مِنْ الْأُمِّ وَلِأَنَّهُ إنْ ضَرَّ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ فَالْمُخْرِجُ مُسْتَحِقُّهُ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمُرُورِ. (وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يَبْنِيَ فِي الطَّرِيقِ دَكَّةً) بِفَتْحِ الدَّالِ: أَيْ مِصْطَبَةً أَوْ غَيْرَهَا (أَوْ يَغْرِسَ شَجَرَةً) وَلَوْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ وَأَذِنَ الْإِمَامُ وَانْتَفَى الضَّرَرُ لِمَنْعِ الطُّرُوقِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلِتَعَثُّرِ الْمَارِّ بِهِمَا عِنْدَ الِازْدِحَامِ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْإِمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا، وَاسْتُشْكِلَ التَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَالثَّانِي: بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ إلَى ضَرْبٍ مُنْسَدٍّ إذَا سَمَّرَهُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ غَرْسِ الشَّجَرَةِ بِالْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ ثِمَارِهَا، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ الْحَقَّ فِي الدَّرْبِ الْمُنْسَدِّ لِخَاصٍّ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مِلْكِهِ وَحَافِظٌ لَهُ بِخِلَافِ الشَّارِعِ، فَانْقِطَاعُ الْحَقِّ عِنْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَقْرَبُ (وَقِيلَ إنْ لَمْ يَضُرَّ) ذَلِكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 جَازَ. وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ. وَكَذَا لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ، وَأَهْلُهُ مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ،   [مغني المحتاج] الْمَارَّ (جَازَ) كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ إحْدَاثِ دَكَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ بِجَوَازِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ، وَلَا يَضُرُّ عَجْنُ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، وَمِثْلُهُ إلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا أَوْ رَبْطُ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ. وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ رَبْطِ دَوَابِّ الْعَلَّافِينَ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ مِرَارًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ رَفَعَ التُّرَابَ مِنْ الشَّارِعِ وَضَرَبَ مِنْهُ اللَّبِنَ وَغَيْرَهُ وَبَاعَهُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي. (وَ) الطَّرِيقُ (غَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ) لِلْجَنَاحِ (إلَيْهِ لِغَيْرِ أَهْلِهِ) بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ فَأَشْبَهَ الْإِشْرَاعَ إلَى الدُّورِ. (وَكَذَا) يَحْرُمُ الْإِشْرَاعُ (لِبَعْضِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ تَضَرَّرُوا بِذَلِكَ أَمْ لَا (إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ) فَيَجُوزُ ضَرَّ أَمْ لَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ إنْ لَمْ يَضُرَّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِقَرَارِهِ فَيَجُوزُ بِهَوَائِهِ كَالشَّارِعِ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إشْرَاعِهِ بِمَالٍ لِمَا مَرَّ، وَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُكْتَرِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَيُقَاسُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَوْ رَضِيَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَهُوَ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ، وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أُجْرَةَ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَوْ كَانَ فِيمَا لَا حَقَّ لِلْمُخْرِجِ فِيهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ بَابِ دَارِهِ وَصَدْرِ السِّكَّةِ كَانَ لِمَنْ رَضِيَ الرُّجُوعُ لِيَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحَقِّينَ لَكَانَ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِيَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُشَرِّعُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ فِيهَا بِالْبَاقِينَ. الثَّانِي: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اعْتِبَارُ إذْنِ مَنْ بَابُهُ أَقْرَبُ إلَى رَأْسِ السِّكَّةِ لِمَنْ بَابُهُ أَبْعَدُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ إلَى بَابِهِ لَا إلَى آخِرِ الدَّرْبِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي (وَأَهْلُهُ) أَيْ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ (مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إلَيْهِ، لَا مَنْ لَاصَقَهُ جِدَارُهُ) مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ بَابِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ هُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلِانْتِفَاعِ فَهُمْ الْمُلَّاكُ دُونَ غَيْرِهِمْ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ الْمُرُورُ فِيهِ إلَى مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ فُرْنٌ أَوْ حَانُوتٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (وَهَلْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي كُلِّهَا) أَيْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ (لِكُلِّهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا احْتَاجُوا إلَى التَّرَدُّدِ وَالِارْتِفَاقِ بِكُلِّهِ لِطَرْحِ الْقُمَامَاتِ عِنْدَ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ (أَمْ تَخْتَصُّ شِرْكَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا بَيْنَ رَأْسِ الدَّرْبِ) وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ: مُعَرَّبٌ (وَبَابِ دَارِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدِهِ وَمُرُورِهِ وَمَا عَدَاهُ هُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْ السِّكَّةِ وَلِأَهْلِ الدَّرْبِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةُ صَحْنِهِ كَسَائِرِ الْمُشْتَرَكَاتِ الْقَابِلَةِ لِلْقِسْمَةِ. وَلَوْ أَرَادَ الْأَسْفَلُونَ لَا الْأَعْلَوْنَ سَدَّ مَا بَيْنَهُمْ أَوْ قِسْمَتَهُ جَازَ، بِخِلَافِ الْأَعْلَيْنَ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى سَدِّ رَأْسِ السِّكَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهُ وَلَمْ يَفْتَحْهُ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ رِضَا الْبَاقِينَ. نَعَمْ إنْ سَدَّهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً فَلَهُ فَتْحُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ سَدِّهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ ذَلِكَ. وَلَوْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ وُجِدَ ثَمَّ مَسْجِدٌ شَارَكَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمُرُورِ إلَيْهِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ السَّدِّ وَالْقِسْمَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِشْرَاعُ عِنْدَ الضَّرَرِ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ السِّكَّةِ لِحَقِّ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجُوزُ الْإِشْرَاعُ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ حَادِثًا وَإِلَّا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ أَهْلُ الدَّرْبِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْمَنْعُ مِنْ الْإِشْرَاعِ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَقِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ، وَكَالْمَسْجِدِ فِيمَا ذُكِرَ مَا سُبِّلَ وَوُقِفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ: كَبِئْرٍ وَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى غَيْرِ النَّافِذِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، وَقَدْ أَتَى فِي الْمُحَرَّرِ بِجَمِيعِ الضَّمَائِرِ مُؤَنَّثَةً لِكَوْنِهِ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالسِّكَّةِ، وَلَمَّا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِ النَّافِذِ عَدَلَ عَنْ تَأْنِيثِ الضَّمَائِرِ إلَى تَذْكِيرِهَا إلَّا هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَقَوْلُهُ: لِكُلِّهِمْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ: فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي اسْتِحْقَاقِ كُلِّهَا لِكُلِّهِمْ: أَيْ لِمَجْمُوعِهِمْ فَإِنَّ الْكُلَّ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ وَالْكُلِّ التَّفْصِيلِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُمْ خَاصَّةً فَلِمَ جَازَ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْحَلَالِ الْمُسْتَفَادِ بِقَرِينَةِ الْحَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ إذَا كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُ وَمِنْ وَلِيِّهِ، وَقَدْ تَوَقَّفَ الشَّيْخُ عَزُّ الدِّينِ فِي مَسَائِلَ قَرِيبَةٍ مِنْ ذَلِكَ: كَالشُّرْبِ مِنْ أَنْهَارِهِمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ خِلَافَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُرُورُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَصِرْ طَرِيقًا لِلنَّاسِ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ: وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ،   [مغني المحتاج] الْأَكْثَرِينَ الْجَوَازَ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ بِالْمُرُورِ فِيهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُودًا لِمَا قَدْ مَرَّ وَاسْتَقْبَلَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ وَفِيهِمْ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَالْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ الْعَامِرِيُّ: أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ السُّلْطَانِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ وَازْدَحَمُوا، فَتَعَدَّى فَرَسُ الْقَفَّالِ عَنْ الطَّرِيقِ إلَى أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِإِنْسَانٍ، فَقَالَ السُّلْطَانُ لِلْعَامِرِيِّ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَطَرَّقَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: سَلْ الشَّيْخَ فَإِنَّهُ إمَامٌ لَا يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَسَمِعَ الْقَفَّالُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَجُوزُ السَّعْيُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَخْشَ أَنْ يَتَّخِذَ بِذَلِكَ طَرِيقًا وَلَا عَادَ ضَرَرُهُ عَلَى الْمَالِكِ بِوَجْهٍ آخَرَ كَالنَّظَرِ فِي مِرْآةِ الْغَيْرِ وَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِهِ. (وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَتْحُ بَابٍ إلَيْهِ لِلِاسْتِطْرَاقِ) إلَّا بِإِذْنِهِمْ لِتَضَرُّرِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا جَازَ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَوْ بَعْدَ الْفَتْحِ كَالْعَارِيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ مَجَّانًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَطْلَبِ بَيْنَهُمَا بِمَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى مَا فَرَّقَ بِهِ شَيْخُنَا مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ. فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تُرَتَّبُ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ (وَلَهُ فَتْحُهُ إذَا سَمَّرَهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جِدَارِهِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ فَتْحَهُ يُشْعِرُ بِثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِطْرَاقِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ. وَمَا صَحَّحَهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّ الْأَفْقَهَ الْمَنْعُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ، فَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ سَمَّرَهُ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا إذَا فَتَحَهُ لِلِاسْتِضَاءَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ مِنْهُ وَلَا أَخْرُجُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. نَعَمْ لَوْ رَكَّبَ عَلَى الْمَفْتُوحِ لِلِاسْتِضَاءَةِ شُبَّاكًا أَوْ نَحْوَهُ جَازَ جَزْمًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمْعٍ. (وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ) أَوْ مِيزَابٌ (فَفَتَحَ آخَرَ أَبْعَدَ مِنْ رَأْسِ الدَّرْبِ) مِنْ بَابِهِ الْأَصْلِيِّ (فَلِشُرَكَائِهِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ (مَنْعُهُ) إذَا كَانَ بَابُهُ أَبْعَدَ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ أَسَدَّ الْأَوَّلَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَابُهُ بَيْنَ الْمَفْتُوحِ وَرَأْسِ الدَّرْبِ أَوْ مُقَابِلَ الْمَفْتُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ: أَيْ الْمَفْتُوحُ الْقَدِيمُ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفَهِمَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْجَدِيدُ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ. وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ إلَى دَرْبَيْنِ مَسْدُودَيْنِ، أَوْ مَسْدُودٍ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْمُقَابِلَ لِلْمَفْتُوحِ مُشَارِكٌ فِي الْقَدْرِ الْمَفْتُوحِ فِيهِ فَلَهُ الْمَنْعُ (فَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ الْبَابَ الْقَدِيمَ فَكَذَلِكَ) أَيْ لِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ لِأَنَّ انْضِمَامَ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ يُورِثُ زَحْمَةً وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَضَعَّفَ التَّوْجِيهَ بِالزَّحْمَةِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ لَهُ جَعْلُ دَارِهِ حَمَّامًا وَحَانُوتًا مَعَ أَنَّ الزَّحْمَةَ وَوُقُوفَ الدَّوَابِّ فِي السِّكَّةِ وَطَرْحَ الْأَثْقَالِ بِكَثْرَةٍ أَضْعَافَ مَا عَسَاهُ يَقَعُ نَادِرًا فِي فَتْحِ بَابٍ آخَرَ لِلدَّارِ اهـ. وَرُبَّمَا يُجَابُ بِأَنَّ مَوْضِعَ فَتْحِ الْبَابِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ، بِخِلَافِ جَعْلِ دَارِهِ مَا ذُكِرَ (وَإِنْ سَدَّهُ فَلَا مَنْعَ) لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ. وَيَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ فِي آخِرِ الدَّرْبِ تَقْدِيمُ بَابِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَجَعْلُ مَا بَيْنَ الدَّارِ وَآخِرِ الدَّرْبِ دِهْلِيزًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ بِوَسَطِ السِّكَّةِ وَأُخْرَى بِآخِرِهَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ دَارُهُ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْجَمِيعِ لَكِنْ شَرِكَتُهُ سَبَبُهَا إنَّمَا هُوَ إلَيْهَا خَاصَّةً، وَقَدْ يَبِيعُ لِغَيْرِهِ فَيَسْتَفِيدُ زِيَادَةَ الِاسْتِطْرَاقِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي السِّكَّةِ قِطْعَةُ أَرْضٍ فَبَنَاهَا دُورًا وَفَتَحَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَابًا جَازَ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. (وَمَنْ لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ) بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَوَّلَهُ (إلَى دَرْبَيْنِ) مَمْلُوكَيْنِ (مَسْدُودَيْنِ، أَوْ) دَرْبٍ مَمْلُوكٍ (مَسْدُودٍ، وَشَارِعٍ فَفَتَحَ بَابًا بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْنَعْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُرُورَ فِي الدَّرْبِ، وَرَفْعُ الْحَائِلِ بَيْنَ الدَّارَيْنِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ حَقَّهُ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْبَغَوِيّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَالثَّانِي: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْأُولَى يَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْ الدَّارَيْنِ اسْتِطْرَاقًا فِي الدَّرْبِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ: يَثْبُتُ لِلْمُلَاصِقَةِ لِلشَّارِعِ حَقًّا فِي الْمَسْدُودِ لَمْ يَكُنْ لَهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَ الْبَابَيْنِ عَلَى حَالِهِمَا أَوْ يَسُدَّ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ الرَّافِعِيُّ بِمَا إذَا سُدَّ بَابُ أَحَدِهِمَا وَفُتِحَ الْبَابُ لِغَرَضِ الِاسْتِطْرَاقِ، وَقَوْلُهُ: مَسْدُودَيْنِ أَوْ مَسْدُودٍ وَشَارِعٍ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ مَمْلُوكٍ وَشَارِعٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ السَّدِّ الْمِلْكُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ كَانَ فِي أَقْصَاهُ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ تَفْتَحَانِ هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّ الدَّارَ مُؤَنَّثَةٌ، وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ كَانَ فَاعِلُهُ ضَمِيرًا لِغَائِبَتَيْنِ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ. قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَبِهِ وَرَدَ السَّمَاعُ. قَالَ تَعَالَى {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن: 50] وَقَالَ {أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ. وَيَجُوزُ فَتْحُ الْكَوَّاتِ،   [مغني المحتاج] {امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص: 23] وَجَوَّزَ ابْنُ فَارِسٍ فِيهِ الْيَاءَ مِنْ تَحْتُ (وَحَيْثُ مُنِعَ فَتْحُ الْبَابِ فَصَالَحَهُ أَهْلُ الدَّرْبِ بِمَالٍ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالْأَرْضِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجَنَاحِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَذْلُ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ الْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ، هَذَا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ. أَمَّا إذَا صَالَحُوهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفَتْحِ بِمَالٍ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، ثُمَّ إنْ قَدَّرُوا لِلِاسْتِطْرَاقِ مُدَّةً فَهُوَ إجَارَةٌ، وَإِنْ أَطْلَقُوا أَوْ شَرَطُوا التَّأْبِيدَ فَهُوَ بَيْعُ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الدَّرْبِ لَهُ، وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَحَدِهِمْ: كَمَا لَوْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى مَالٍ لِيُجْرِيَ فِي أَرْضِهِ مَاءُ النَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا لِمَكَانِ النَّهْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ بِمَالٍ عَلَى فَتْحِ بَابٍ مِنْ دَارِهِ، أَوْ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ عَلَى سَطْحِهِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الدَّارِ وَالسَّطْحِ؛ لِأَنَّ السِّكَّةَ لَا تُرَادُ إلَّا لِلِاسْتِطْرَاقِ فَإِثْبَاتُهُ فِيهَا يَكُونُ نَقْلًا لِلْمِلْكِ. وَأَمَّا الدَّارُ وَالسَّطْحُ فَلَا يُقْصَدُ بِهِمَا الِاسْتِطْرَاقُ وَإِجْرَاءُ الْمَاءِ. وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِالدَّرْبِ مَسْجِدٌ وَنَحْوُهُ كَدَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إذْ الْبَيْعُ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَوْقُوفِ وَحُقُوقِهِ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَيُتَّجَهُ فِيهَا تَفْصِيلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهُ. وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الدَّرْبِ لِإِنْسَانٍ فِي حَفْرِ سِرْدَابٍ تَحْتَ دَارِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ كَمَا كَانَ لِلْبَائِعِ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ. (وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (فَتْحُ الْكَوَّاتِ) فِي جِدَارِهِ فِي الدَّرْبِ النَّافِذِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمْ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلِاسْتِضَاءَةِ أَمْ لَا أَذِنُوا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إزَالَةَ جِدَارِهِ وَجَعْلَ شُبَّاكٍ مَكَانَهُ، وَالْكَوَّاتُ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ: الطَّاقَةُ، وَفِي لُغَةٍ غَرِيبَةٍ بِضَمِّهَا وَالْوَاوُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا وَجَمَعَهَا الْمُصَنِّفُ جَمْعَ تَصْحِيحٍ، وَفِي كَافِهِ اللُّغَتَانِ، وَيُجْمَعُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ فَتُجْمَعُ الْمَفْتُوحَةُ عَلَى كِوَاءٍ بِالْكَسْرِ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَالْمَضْمُومَةُ عَلَى كُوًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ. تَنْبِيهٌ: غَالِبُ مَا تُفْتَحُ الْكَوَّاتُ لِلِاسْتِضَاءَةِ، وَلَهُ نَصْبُ شُبَّاكٍ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ خَرَجَ هُوَ أَوْ غِطَاؤُهُ كَانَ كَالْجَنَاحِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يُعْمَلَ فِي الطَّاقَاتِ أَبْوَابٌ تُخْرِجُ فَيُمْنَعُ مِنْ هَوَاءِ الدَّرْبِ، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْفَتْحُ لِلِاسْتِطْرَاقِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْ أَبْوَابِ الطَّاقَاتِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ كَوْنِ الْكَوَّةِ عَالِيَةً أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَهُ الْجُرْجَانِيِّ بِمَا إذَا كَانَتْ عَالِيَةً لَا يَقَعُ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى دَارِ جَارِهِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِجَوَازِ فَتْحِ كَوَّةٍ فِي مِلْكِهِ مُشْرِفَةً عَلَى جَارِهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ، وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ رَفْعَ جَمِيعِ الْحَائِطِ لَمْ يُمْنَعْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ قَدْ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ،   [مغني المحتاج] مِنْهُ، فَإِذَا رَفَعَ بَعْضَهُ لَمْ يُمْنَعْ (وَالْجِدَارُ بَيْنَ مَالِكَيْنِ) لِبِنَاءَيْنِ (قَدْ يَخْتَصُّ) أَيْ يَنْفَرِدُ (بِهِ أَحَدُهُمَا) وَيَكُونُ سَائِرًا لِلْآخَرِ (وَقَدْ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ فَالْمُخْتَصُّ) بِهِ أَحَدُهُمَا (لَيْسَ لِلْآخَرِ وَضْعُ الْجُذُوعِ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ خَشَبِهِ (عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ) لَهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ وَضْعِهَا لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ. وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالْقَدِيمُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا: أَيْ عَنْ السُّنَّةِ مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ: أَيْ بَيْنَكُمْ، وَرُوِيَ بِالنُّونِ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا بَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْكَنَفَ هُوَ الْجَانِبُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَلَمْ نَجِدْ فِي السُّنَّةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا تَصِحُّ مُعَارَضَتُهُ بِالْعُمُومَاتِ. وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقُوَّةِ الْعُمُومَاتِ الْمُعَارَضَةِ، وَبِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي جِدَارِهِ لِصَاحِبِ الْخَشَبِ: أَيْ لَا يَمْنَعُ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَنَحْوِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَتَأَيَّدُ بِأَنَّهُ الْقِيَاسُ الْفِقْهِيُّ وَالْقَاعِدَةُ النَّحْوِيَّةُ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ أَنَّ مُقَابِلَهُ قَدِيمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا، حَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ مِنْ رُوَاةِ الْجَدِيدِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ شُرُوطٌ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْمَالِكُ إلَى وَضْعِ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ الْجَارُ فِي ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ، وَأَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَزَجًا، وَأَنْ لَا يَضَعَ عَلَيْهِ مَا لَا يَحْمِلُهُ الْجِدَارُ وَلَا يَضُرَّ بِهِ، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ الْجَارُ شَيْئًا مِنْ جِدَارِ الْبُقْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ تَسْقِيفَهَا، وَأَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا جِدَارًا وَاحِدًا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَضْعِ اخْتِصَاصُ الْخِلَافِ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْجُذُوعِ فِي الْحَائِطِ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِيهِ أَيْضًا، وَفَرْضُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ يُخْرِجُ السَّابَاطَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 فَلَوْ رَضِيَ بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ إعَارَةٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ فَقَطْ، وَلَوْ: رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ فَهُوَ إجَارَةٌ وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ بِعْته حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ   [مغني المحتاج] شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَأَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْجُذُوعِ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ الْمُقَابِلِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالرِّضَا قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجِدَارَ لَيْسَ بَيْنَ مَالِكَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الْجَوَازِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ مُرَادًا فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْجَدِيدِ (فَلَوْ رَضِيَ) الْمَالِكُ بِالْوَضْعِ (بِلَا عِوَضٍ) وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْإِجْبَارِ (فَهُوَ إعَارَةٌ) لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ فَيَسْتَفِيدُ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْوَضْعَ مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى لَوْ رَفَعَ جُذُوعَهُ أَوْ سَقَطَتْ بِنَفْسِهَا، أَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ فَبَنَاهُ صَاحِبُهُ بِتِلْكَ الْآلَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْوَضْعُ ثَانِيًا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَرَّةً فَقَطْ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ) قَطْعًا (وَكَذَا بَعْدَهُ فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ. وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعَوَارِيِّ يُرَادُ بِهَا التَّأْبِيدُ كَالْإِعَارَةِ لِدَفْنِ الْمَيِّتِ (وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ) أَيْ الْمَوْضُوعَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهِ (بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ) ذَلِكَ (وَيَغْرَمَ أَرْشَ نَقْصِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ لِذَلِكَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ، فَإِنَّ لَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ فَجَازَ أَنْ تُسْتَتْبَعَ وَالْجِدَارُ تَابِعٌ فَلَا يُسْتَتْبَعُ (وَقِيلَ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ يَضُرُّ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّ الْجُذُوعَ إذَا ارْتَفَعَتْ أَطْرَافُهَا عَنْ جِدَارٍ لَا تَسْتَمْسِكُ عَلَى الْجِدَارِ الْآخَرِ وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَلَوْ رَضِيَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ) عَلَى قَوْلِ مَنْعِ الْإِجْبَارِ (فَإِنْ أَجَّرَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ) عَلَيْهَا (فَهُوَ إجَارَةٌ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُسْتَأْجَرُ لِلْمَنَافِعِ، لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ الْمُدَّةِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى دَوَامِهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّأْقِيتُ كَالنِّكَاحِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِ وَأَجَّرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ قَطْعًا، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَإِنْ قَالَ بِعْته لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ) الْوَاقِعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (فِيهِ شَوْبُ بَيْعٍ) لِكَوْنِهِ مُؤَبَّدًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 وَإِجَارَةٍ. فَإِذَا بَنَى فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ بِحَالٍ. وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ فَلِلْمُشْتَرِي إعَادَةُ الْبِنَاءِ.   [مغني المحتاج] (وَ) شَوْبُ (إجَارَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهِ مَنْفَعَةٌ فَقَطْ إذْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي فِيهِ عَيْنًا، فَلَوْ كَانَ إجَارَةً مَحْضَةً لَاشْتَرَطْنَا تَأْقِيتَهَا أَوْ بَيْعًا مَحْضًا لَكَانَ رَأْسُ الْجِدَارِ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ. وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ بَيْعٌ يَمْلِكُ بِهِ مَوَاضِعَ رُءُوسِ الْجُذُوعِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إجَارَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لِلْحَاجَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَمَّا إذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ قَطْعًا وَيَنْتَفِعُ بِهِ بِمَا عَدَا الْبِنَاءِ مِنْ مُكْثٍ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَحُكْمُ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ السَّقْفِ أَوْ الْجِدَارِ بِلَا جُذُوعٍ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ شَوْبٌ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ شَائِبَةٌ مَحْضُ تَصْحِيفٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا يَظْهَرُ لِي وَجْهُ التَّصْحِيفِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّوْبَ الْخَلْطَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَخْلُوطِ بِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَالشَّائِبَةُ يُشَابُ بِهَا، فَكُلٌّ مِنْهُمَا صَوَابٌ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: التَّعْبِيرُ بِالتَّصْحِيفِ هُنَا لَا مَدْخَلَ لَهُ. بَلْ صَوَابُهُ التَّحْرِيفُ. (فَإِذَا بَنَى) بَعْدَ قَوْلِهِ: بِعْته لِلْبِنَاءِ أَوْ بِعْت حَقَّ الْبِنَاءِ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ (فَلَيْسَ لِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ) أَيْ نَقْضُ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي (بِحَالٍ) أَيْ لَا مَجَّانًا وَلَا مَعَ إعْطَاءِ أَرْشِ نَقْصِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الدَّوَامَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ. نَعَمْ إنْ اشْتَرَى مَالِكُ الْجِدَارِ حَقَّ الْبِنَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ، وَحِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخَصْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ جَوَّزْنَاهُمَا لَوْ أَعَارَ لِزَوَالِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِ الْجُذُوعِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ تَمْكِينِ الْبَائِعِ مِنْ هَدْمِ حَائِطِ نَفْسِهِ وَمِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَنَى، وَلَا شَكَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُمَا، وَلَوْ وَجَدْنَا الْجُذُوعَ مَوْضُوعَةً عَلَى الْجِدَارِ وَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَتْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ فَلَا تُنْقَضُ وَيُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِهَا دَائِمًا، فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَشَكَكْنَا فِي الْمُجَوِّزِ لِلرُّجُوعِ وَلِمَالِكِ الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُسْتَهْدَمًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. (وَلَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ) بَعْدَ بِنَاءِ الْمُشْتَرِي أَوْ قَبْلَهُ (فَأَعَادَهُ مَالِكُهُ) بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ (فَلِلْمُشْتَرِي) أَوْلَى مِنْهُ فَلِلْمُسْتَحِقِّ (إعَادَةُ الْبِنَاءِ) فِي الْأَوْلَى وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّانِيَةِ بِتِلْكَ الْآلَاتِ وَبِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَبْنِهِ الْمَالِكُ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْجُذُوعِ إعَادَتَهُ مِنْ مَالِهِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا، وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا.   [مغني المحتاج] السُّبْكِيُّ: إنَّهُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَفُهِمَ مِمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِعَارِضِ هَدْمٍ أَوْ انْهِدَامٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِالْتِحَاقِهِ بِالْبُيُوعِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الرَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلِلْمُشْتَرِي اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا إذَا أَجَّرَهُ إجَارَةً مُؤَقَّتَةً فَيَجْرِي فِي انْفِسَاخِهَا الْخِلَافُ فِي انْهِدَامِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَخَرَجَ بِانْهِدَامٍ مَا لَوْ هَدَمَهُ شَخْصٌ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُ بِقِيمَةِ حَقِّ وَضْعِ بِنَائِهِ عَلَى الْجِدَارِ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ سَوَاءٌ أَبَنَى أَمْ لَا مَعَ غُرْمِ أَرْشِ الْبِنَاءِ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى وَإِلَّا فَلَا أَرْشَ، فَإِنْ أُعِيدَ الْجِدَارُ اُسْتُعِيدَتْ الْقِيمَةُ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَلَهُ الْبِنَاءُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَنَى وَإِعَادَتُهُ إنْ كَانَ قَدْ بَنَى. تَنْبِيهٌ: لَا يَغْرَمُ الْهَادِمُ أُجْرَةَ الْبِنَاءِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ عَمَّا لَا يَتَنَاهَى. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ، وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحَلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْجِدَارِ عَلَى مَالِكِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ هَدَمَهُ مَالِكُهُ ابْتِدَاءً عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ، وَإِنْ هَدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَالِكُهُ وَقَدْ اسْتُهْدِمَ لَمْ تَجِبْ لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَيَغْرَمُ الْأَجْنَبِيُّ لِلْمَالِكِ أَرْشَ الْجِدَارِ مَسْلُوبَ مَنْفَعَةِ رَأْسِهِ، وَإِذَا أَعَادَهُ الْمَالِكُ اسْتَرَدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا أَخَذَهُ فِي نَظِيرِهَا (وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِذْنُ) فِي وَضْعِ الْبِنَاءِ عَلَى غَيْرِ أَرْضٍ (بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْمَوْضِعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا) وَبَيَانِ مَحَلِّهِ (وَسَمْكِ الْجُدْرَانِ) بِفَتْحِ السِّينِ (وَكَيْفِيَّتِهَا) أَيْ: الْجُدْرَانِ أَهِيَ مُجَوَّفَةٌ أَوْ مُنَضَّدَةٌ؟ وَهِيَ مَا الْتَصَقَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَكَيْفِيَّةِ السَّقْفِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا) أَهُوَ مِنْ أَزَجٍ، وَهُوَ الْعَقْدُ الْمُسَمَّى بِالْقَبْوِ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِوَزْنِ الْآلَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَتُغْنِي مُشَاهَدَةُ الْآلَةِ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ. فَائِدَةٌ: ارْتِفَاعُ الْجِدَارِ مِنْ الْأَرْضِ سَمْكٌ بِفَتْحِ السِّينِ، وَالْمَنْزُولُ مِنْهُ إلَيْهَا عُمْقٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، لَا طُولٌ وَعَرْضٌ، بَلْ طُولُهُ امْتِدَادُهُ مِنْ زَاوِيَةِ الْبَيْتِ مَثَلًا إلَى زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ، وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فِي الْجَدِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّةً إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ وَيُسْنِدَ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ، وَلَهُ ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ   [مغني المحتاج] وَعَرْضُهُ هُوَ الْبُعْدُ النَّافِذُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهِ إلَى الْآخَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ هَمْزَةً قَبْلَ كَانَ وَيَأْتِيَ بِأَمْ عِوَضًا عَنْ أَوْ، وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ مِثْلُ هَذَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. (وَلَوْ أَذِنَ فِي الْبِنَاءِ عَلَى أَرْضِهِ كَفَى بَيَانُ قَدْرِ مَحَلِّ الْبِنَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدْرِ مَكَانِ الْبِنَاءِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَيَانُ قَدْرِ حَفْرِ الْأَسَاسِ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ. فَإِنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَحْفِرُ سِرْدَابًا أَوْ غَيْرَهُ تَحْتَ الْبِنَاءِ لِيَنْتَفِعَ بِأَرْضِهِ، وَيَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مُزَاحَمَةُ تَعْمِيقِ الْأَسَاسِ (وَأَمَّا الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا وَضْعُ جُذُوعِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ الْآخَرِ (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمِ لَهُ ذَلِكَ كَالْقَدِيمِ فِي الْجَارِ، وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا، وَهُوَ هُنَا أَوْلَى (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ أَحَدِهِمَا (أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا) بِكَسْرِ التَّاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا فِي الثَّانِي (أَوْ يَفْتَحَ) فِيهِ (كَوَّةً) أَوْ يُتَرِّبَ كِتَابَهُ مِنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُضَايَقُ فِيهِ عَادَةً (إلَّا بِإِذْنِهِ) أَوْ عِلْمِهِ بِرِضَاهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَأَفْهَمَ جَوَازُ الْفَتْحِ وَغَيْرُهُ بِالْإِذْنِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْفَتْحِ أَنْ لَا يَكُونَ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَ صُلْحًا عَلَى الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ الْمُجَرَّدِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَإِذَا فَتَحَ بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ لَهُ السَّدُّ إلَّا بِالْإِذْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ (وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَيْهِ، وَ) أَنْ (يَسْنُدَ) إلَيْهِ (مَتَاعًا) بِقَيْدٍ زَادَهُ بِقَوْلِهِ (لَا يَضُرُّ، وَلَهُ) وَلِغَيْرِهِ (ذَلِكَ فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِكِ فَلَا يُضَايَقُ فِيهِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ عِنَادٌ مَحْضٌ بَلْ ادَّعَى الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إلَى جِدَارِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِنَادٍ يَضُرُّ وَلِلشَّرِيكَيْنِ قِسْمَةُ الْجِدَارِ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ، وَهَذِهِ صُورَتُهُ وَطُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ: وَهَذِهِ صُورَتُهُ لَكِنْ بِالتَّرَاضِي لَا بِالْجَبْرِ: فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يُجْبَرْ لِاقْتِضَاءِ الْإِجْبَارِ الْقُرْعَةَ: وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ هُنَا؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا أَخْرَجَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَضُرُّ الْآخَرَ فِي انْتِفَاعِهِ بِمِلْكِهِ، وَكَيْفَ يُقْسَمُ الْجِدَارُ: هَلْ يُشَقُّ بِالْمِنْشَارِ أَوْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ كَخَطٍّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: جَوَازُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا نَظَرَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ شِقَّ الْجِدَارِ إتْلَافٌ لَهُ وَتَضْيِيعٌ؛ لِأَنَّهُمَا يُبَاشِرَانِ الْقِسْمَةَ لِأَنْفُسِهِمَا فَهُوَ كَمَا لَوْ هَدَمَاهُ وَاقْتَسَمَا النَّقْضَ، وَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ عَرْصَةِ الْجِدَارِ، وَلَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 لَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ. فَإِنْ أَرَادَ إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ،   [مغني المحتاج] كَانَ عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ لِيَخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَلِيهِ، فَلَا يَقْتَسِمَانِهَا بِالْقُرْعَةِ لِئَلَّا يَخْرُجَ بِهَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَلِي الْآخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَسَمَاهَا طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ، وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ فِي عَرْصَةِ الْجِدَارِ مَا مَرَّ فِيهِ بِأَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَتَتَيَسَّرُ قِسْمَتُهَا غَالِبًا بِخِلَافِهِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقِسْمَةِ. (وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ فِي الْجَدِيدِ) وَلَوْ بِهَدْمِ الشَّرِيكَيْنِ لِلْمُشْتَرَكِ لِاسْتِهْدَامٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا لَا يُجْبِرُهُ عَلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. نَعَمْ يُجْبَرُ فِي الْأَرْضِ عَلَى إجَارَتِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ الْقَدِيمُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ الْإِجْبَارُ صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنْ التَّعَطُّلِ، وَأَفْتَى بِهَذَا ابْنُ الصَّلَاحِ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: إنَّ الْقَاضِيَ يُلَاحِظُ أَحْوَالَ الْمُتَخَاصِمِينَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ لَمْ يُجْبِرْهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ عِنَادٌ أَجْبَرَهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا وَإِصْلَاحِ دُولَابٍ بَيْنَهُمَا تُشَعَّثُ إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْعِمَارَةِ، وَلَوْ هَدَمَ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لَزِمَهُ أَرْشُ النَّقْصِ لَا إعَادَةُ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِنْ نَصَّ فِي غَيْرِهِ عَلَى لُزُومِ الْإِعَادَةِ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى سَقْيِ النَّابِتِ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلنَّجُورِيِّ، وَلَا إعَادَةُ السُّفْلِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ. فَلَوْ كَانَ عُلْوُ الدَّارِ لِوَاحِدٍ وَسُفْلُهَا لِآخَرَ وَانْهَدَمَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إجْبَارُ الثَّانِي عَلَى إعَادَةِ السُّفْلِ، وَلَا لِلثَّانِي إجْبَارُ الْأَوَّلِ عَلَى مُعَاوَنَتِهِ فِي إعَادَتِهِ وَالسُّفْلُ وَالْعُلْوُ بِضَمِّ أَوَّلِهَا وَكَسْرِهِ (فَإِنْ أَرَادَ) الشَّرِيكُ (إعَادَةَ مُنْهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَمْ يُمْنَعْ) لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ بِذَلِكَ، وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِذَلِكَ، فَقَالَا: أَسَاسُ الْجِدَارِ مُشْتَرَكٌ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ بِنَاءَهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ، وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ؟ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْعَرْصَةُ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا حَقَّ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الِاسْتِبْدَادِ بِهَا، لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُمْكِنُهُ الْمُقَاسَمَةُ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ الْمُقَاسَمَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي عَرْضًا فِي كَمَالِ الطُّولِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ اهـ. وَصَوَّرَ صَاحِبُ التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْأَسَاسُ لِلْبَانِي وَحْدَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَالْمَنْقُولُ مَا فِي الْمَتْنِ. وَأُجِيبَ عَمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ فَكَانَ لَهُ إعَادَةُ الْجِدَارِ لِأَجْلِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَلَا جُذُوعٌ لَا يَكُونُ لَهُ إعَادَتُهُ مَعَ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ، وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ، وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ.   [مغني المحتاج] ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا (وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ بِآلَتِهِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لِشَرِيكِهِ عَلَيْهِ جِذْعٌ خُيِّرَ الْبَانِي بَيْنَ تَمْكِينِ الشَّرِيكِ مِنْ إعَادَتِهِ وَنَقْضِ بِنَائِهِ لِيَبْنِيَ مَعَهُ الْآخَرُ وَيُعِيدُ جِذْعَهُ (وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ: لَا تَنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَك حِصَّتِي) أَيْ قِيمَةَ مَا يَخُصُّنِي (لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ) عَلَى الْجَدِيدِ كَابْتِدَاءِ الْعِمَارَةِ. أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ لُزُومُ الْعِمَارَةِ فَعَلَيْهِ إجَابَتُهُ، وَلَوْ عَمَّرَ الْبِئْرَ أَوْ النَّهْرَ لَمْ يَمْنَعْ شَرِيكَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدُّولَابِ وَالْآلَاتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا (وَإِنْ أَرَادَ إعَادَتَهُ بِنَقْضِهِ الْمُشْتَرَكَ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ) كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ، وَالنِّقْضُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا، وَجَمْعُهُ أَنْقَاضُ قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَلَوْ تَعَاوَنَا عَلَى إعَادَتِهِ) بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا (بِنَقْضِهِ عَادَ مُشْتَرَكًا كَمَا كَانَ) قَبْلَ إعَادَتِهِ، فَلَوْ شَرَطَا زِيَادَةً لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ شَرْطُ عِوَضٍ مِنْ غَيْرِ مُعَوَّضٍ (وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا وَشَرَطَ لَهُ الْآخَرُ زِيَادَةً جَازَ وَكَانَتْ فِي مُقَابِلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ) وَقَدْ صَوَّرَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، وَهِيَ الْأَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ فَيَصِيرُ لَهُ الثُّلُثَانِ وَيَكُونُ السُّدُسُ فِي مُقَابِلَةِ عَمَلِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا جَعَلَ لَهُ الزِّيَادَةَ مِنْ النَّقْضِ وَالْعَرْصَةِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ شَرَطَهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِآلَتِهِ، فَإِذَا شَرَطَ لَهُ الْآخَرُ السُّدُسَ كَمَا مَرَّ فَقَدْ قَابَلَ ثُلُثَ الْآلَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ وَعَمَلُهُ بِسُدُسِ الْعَرْصَةِ الْمُبْنَى عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْآلَاتِ وَبِصِفَاتِ الْجُدْرَانِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. تَتِمَّةٌ: لِصَاحِبِ الْعُلْوِ بِنَاءُ السُّفْلِ بِمَالِهِ وَيَكُونُ الْمُعَادُ مِلْكَهُ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ، وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ السُّكْنَى فِي الْمُعَادِ؛ لِأَنَّ الْعَرْصَةَ مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِفَتْحِ كَوَّةٍ وَغَرْزِ وَتِدٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ، لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَكَذَا لِلْأَسْفَلِ إنْ بَنَاهُ الْأَعْلَى قَبْلَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْبِنَاءِ مَا لَمْ يَبْنِ الْأَعْلَى عُلْوَهُ، فَإِنْ بَنَاهُ فَلِلْأَسْفَلِ تَمَلُّكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ وَإِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ عَلَى مَالٍ.   [مغني المحتاج] السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ وَلَيْسَ لَهُ هَدْمُهُ. أَمَّا إذَا بَنَى السُّفْلَ بَعْدَ امْتِنَاعِ الْأَسْفَلِ فَلَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ وَلَا هَدْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ، سَوَاءٌ أَبَنَى الْأَعْلَى عُلْوَهُ أَمْ لَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ لَهُ الْبِنَاءَ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْأَسْفَلُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الشَّرِيكُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ وَضْعُ الْأَثْقَالِ الْمُعْتَادَةِ عَلَى السَّقْفِ الْمَمْلُوكِ لِلْآخَرِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا، وَلِلْآخَرِ الِاسْتِكْنَانُ بِهِ وَالتَّعْلِيقُ الْمُعْتَادُ بِهِ كَثَوْبٍ وَلَوْ بِوَتَدٍ يَتِدُهُ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْ لَهُ ذَلِكَ لَعَظُمَ الضَّرَرُ وَتَعَطَّلَتْ الْمَنَافِعُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِمَا يُضَايِقُ فِيهِ عَادَةً، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَعْلَى ثَبَتَ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَطْعًا فَثَبَتَ لِلْأَسْفَلِ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا وَفِي الْجِدَارِ لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْآخَرِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُمَا، وَيَجُوزُ غَرْزُ الْوَتَدِ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فِيمَا يَلِيهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ الظَّاهِرُ. (وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ، وَ) عَلَى (إلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ) أَيْ: الْمَصَالِحَ مَعَهُ (عَلَى مَالٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِي الْمَاءِ الْمَجْلُوبِ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ إلَى أَرْضِهِ. وَالْحَاصِلُ إلَى سَطْحِهِ مِنْ الْمَطَرِ. أَمَّا غَسَّالَةُ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى إجْرَائِهَا عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: إنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ. وَشَرْطُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى إجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَصْرِفٌ إلَى الطَّرِيقِ إلَّا بِمُرُورِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَمَحِلُّ الْجَوَازِ فِي الثَّلْجِ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَا فِي سَطْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي مِنْهُ الْمَاءُ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ بِصِغَرِهِ وَيَكْثُرُ بِكِبَرِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي إلَيْهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَحَمَّلُ قَلِيلَ الْمَاءِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ إنْ عُقِدَ عَلَى الْأَوَّلِ بِصِيغَةِ الْإِجَارَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْإِجْرَاءِ وَبَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَقَدْرِ الْمُدَّةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِهَا، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ مَحْفُورًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَمْلِكُ الْحَفْرَ وَإِنْ عُقِدَ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُك مَسِيلَ الْمَاءِ وَجَبَ بَيَانُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لَا بَيَانَ الْعُمْقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْقَرَارَ أَوْ بِعْتُك حَقَّ مَسِيلِ الْمَاءِ فَكَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ حَقِّ الْبِنَاءِ، وَإِنْ عَقَدَ بِصِيغَةِ الصُّلْحِ انْعَقَدَ بَيْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكِفَايَةِ، وَلَا حَاجَةَ فِي الْعَارِيَّةِ إلَى بَيَانٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَالْأَرْضُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 وَلَوْ تَنَازَعَا جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا بَنَيَا مَعًا فَلَهُ الْيَدُ   [مغني المحتاج] تَحْمِلُ مَا تَحْمِلُ بِخِلَافِ السَّقْفِ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا دُخُولُ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا إلَّا لِتَنْقِيَةِ النَّهْرِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَرْضِهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ النَّهْرِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إجْرَاءِ الْمَطَرِ عَلَى السَّطْحِ أَنْ يَطْرَحَ الثَّلْجَ عَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يَتْرُكَ الثَّلْجَ حَتَّى يَذُوبَ وَيَسِيلَ إلَيْهِ، وَمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي إلْقَاءِ الثَّلْجِ لَا يُجْرِي الْمَطَرَ وَلَا غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ مَجْرَى مَاءٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: إجْرَاءُ الْمَاءِ عَنْ الْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ جَارٍ فَصَالَحَهُ إنْسَانٌ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ مِنْهُ بِسَاقِيَةٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالْمَمْلُوكُ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ دُونَ مَا يَنْبُعُ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَبِيعَ قَدْرًا مِنْ النَّهْرِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مِلْكِهِ أَنَّهُ قَيْدٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة، لَكِنْ يُعْتَبَرُ هُنَا التَّأْقِيتُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَلَا يُمْكِنُهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَاقِيَّةٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ إحْدَاثُ سَاقِيَةٍ أَبَدًا. فَرْعَانِ الْأَوَّلُ: الْمُصَالَحَةُ عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، وَطَرْحِ الْكُنَاسَةِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى مَالٍ عُقِدَ فِيهِ شَائِبَةُ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، وَكَذَا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْمَبِيتِ عَلَى سَقْفِ غَيْرِهِ. الثَّانِي: لِلشَّخْصِ تَحْوِيلُ أَغْصَانِ شَجَرَةٍ لِغَيْرِهِ مَالَتْ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَالِصِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ امْتَنَعَ مَالِكُهَا مِنْ تَحْوِيلِهَا، وَلَهُ قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْوِيلُهَا، وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى بَقَاءِ الْأَغْصَانِ بِمَالٍ، فَإِنْ اعْتَمَدَتْ عَلَى الْجُدْرَانِ صَحَّ الصُّلْحُ عَنْهَا يَابِسَةً لَا رَطْبَةً لِزِيَادَتِهَا فَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَثِقَلُهَا وَانْتِشَارُ الْعُرُوقِ فِي أَرْضِهِ كَانْتِشَارِ الْأَغْصَانِ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ، وَكَذَا مَيْلُ الْجِدَارِ إلَى هَوَاءِ الدَّارِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَيْسَ لَهُ إذَا تَوَلَّى الْقَطْعَ وَالْهَدْمَ بِنَفْسِهِ طَلَبُ أُجْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّةِ وَنَبَتَ فِيهَا أُتْرُجَّةٌ وَكَبُرَتْ قَطَعَ الْغُصْنَ، وَالْأُتْرُجَّةَ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّةُ لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. ثُمَّ قَالَا: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَعَ حَيَوَانُ غَيْرِهِ جَوْهَرَةً، فَإِنَّهُ لَا يَذْبَحُ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً. (وَلَوْ تَنَازَعَا) أَيْ: اثْنَانِ (جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، فَإِنْ اتَّصَلَ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا) كَأَنْ دَخَلَ نِصْفٌ لَبِنَاتِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ أَوْ بَنَى الْجِدَارَ عَلَى خَشَبَةٍ طَرْفُهَا فِي مِلْكِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ، أَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَزَجُّ وَهُوَ الْعَقْدُ قَدْ أُمِيلَ مِنْ مُبْتَدَأِ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْأَرْضِ (فَلَهُ الْيَدُ) عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَشَبَةِ الْمَذْكُورَةِ لِظُهُورِ أَمَارَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 وَإِلَّا فَلَهُمَا، فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ، وَإِلَّا حَلَفَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا   [مغني المحتاج] الْمِلْكِ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ مَبْنِيًّا عَلَى تَرْبِيعِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ بِجِدَارِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، ذُكِرَ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنَّهُمَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى جُمْلَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ حَيْثُ هُنَا مُضَافَةٌ إلَى يُعْلَمُ، وَأَنَّ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْعِلْمِ تَكُونُ مَفْتُوحَةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الِاتِّصَالُ الْمَذْكُورُ بِأَنْ كُلًّا مُنْفَصِلًا مِنْ جِدَارِهِمَا أَوْ مُتَّصِلًا بِهِمَا اتِّصَالًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ، أَوْ مُتَّصِلًا بِأَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بِأَنْ وُجِدَ الِاتِّصَالُ فِي بَعْضِهِ. أَوْ أُمِيلَ الْأَزَجُّ الَّذِي عَلَيْهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِهِ، أَوْ بُنِيَ الْجِدَارُ عَلَى خَشَبَةٍ طَرَفَاهَا فِي مِلْكَيْهِمَا (فَلَهُمَا) الْيَدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: فَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَلْيُتَأَمَّلْ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّرْجِيحُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تَرْجِيحَ بِالنَّقْشِ بِظَاهِرِ الْجِدَارِ كَالصُّوَرِ وَالْكِتَابَاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بِالْجُذُوعِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا بِتَوْجِيهِ الْبِنَاءِ وَهُوَ جَعْلُ إحْدَى جَانِبَيْهِ وَجْهًا كَأَنْ يَبْنِيَ بِلَبِنَاتٍ مُقَطَّعَةٍ، وَيَجْعَلَ الْأَطْرَافَ الصِّحَاحَ إلَى جَانِبٍ وَمَوَاضِعَ الْكَسْرِ إلَى جَانِبٍ، وَلَا بِمَعَاقِدِ الْقِمْطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَبِضَمِّهِمَا، لَكِنَّهُ بِضَمِّهِمَا جَمْعُ قِمَاطٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَعْنَى قِمْطٍ، وَهُوَ حَبْلٌ رَقِيقٌ يُشَدُّ بِهِ الْجَرِيدُ وَنَحْوُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ عَلَامَةً قَوِيَّةً فِي الِاشْتِرَاكِ، فَلَا يُغَيَّرُ بِأَسْبَابٍ ضَعِيفَةٍ مُعْظَمُ الْقَصْدِ بِهَا الزِّينَةُ كَالتَّجْصِيصِ وَالتَّزْوِيقِ (فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً) أَنَّهُ لَهُ (قُضِيَ لَهُ) بِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْيَدِ، وَتَكُونُ الْعَرْصَةُ تَبَعًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَامَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَفَا) أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ صَاحِبِهِ لِلنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِإِثْبَاتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ النِّصْفَ الَّذِي بِيَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَدُهُ عَلَى النِّصْفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ. وَقِيلَ: يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيهِ (فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا) عَنْ الْيَمِينِ (جُعِلَ) الْجِدَارُ (بَيْنَهُمَا) بِظَاهِرِ الْيَدِ فَيَنْتَفِعُ كُلٌّ بِهِ مِمَّا يَلِيهِ عَلَى الْعَادَةِ. (وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا) ، وَنَكَلَ الْآخَرُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 قُضِيَ لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ، وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ الْعُلْوِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ.   [مغني المحتاج] (قُضِيَ لَهُ) بِالْكُلِّ، وَتَتَّضِحُ مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ مَنْ بَدَأَ الْقَاضِي بِتَحْلِيفِهِ وَنَكَلَ الْآخَرُ بَعْدَهُ حَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ وَرَغِبَ الثَّانِي فِي الْيَمِينِ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ يَمِينُ النَّفْيِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ صَاحِبُهُ، وَيَمِينُ الْإِثْبَاتِ لِلنِّصْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ، فَهَلْ تَكْفِيهِ الْآنَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَجْمَعُ فِيهَا النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ لِلنَّفْيِ وَأُخْرَى لِلْإِثْبَاتِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ فَيَحْلِفُ أَنَّ الْجَمِيعَ لَهُ وَلَا حَقَّ لِصَاحِبِهِ فِيهِ، أَوْ يَقُولُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِي (وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ لَمْ يُرَجَّحْ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْأَمْتِعَةَ فِيمَا لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا بِيَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا أَمْتِعَةٌ، فَإِذَا تَحَالَفَا بَقِيَتْ الْجُذُوعُ بِحَالِهَا لِاحْتِمَالِ، أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ مِنْ إعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَضَاءِ قَاضٍ يَرَى الْإِجْبَارَ عَلَى الْوَضْعِ، وَاَلَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْهَا الْإِعَارَةُ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ الْأَسْبَابِ، فَلِمَالِكِ الْجِدَارِ قَلْعُ الْجُذُوعِ بِالْأَرْشِ أَوْ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ (وَالسَّقْفُ بَيْنَ عُلْوِهِ) أَيْ الشَّخْصِ (وَسُفْلِ غَيْرِهِ كَجِدَارٍ بَيْنَ مِلْكَيْنِ فَيُنْظَرُ أَيُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ) بِنَاءِ (الْعُلْوِ) بِأَنْ يَكُونَ السَّقْفُ عَالِيًا فَيُثْقَبُ وَسَطُ الْجِدَارِ وَيُوضَعُ رَأْسُ الْجُذُوعِ فِي الثُّقْبِ وَيُسَقَّفُ فَيَصِيرُ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ بَيْتَيْنِ (فَيَكُونُ فِي يَدِهِمَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنَّهُ سَاتِرٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَأَرْضٌ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ (أَوْ لَا) يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ بَعْدَ بِنَاءِ الْعُلْوِ كَالْأَزَجِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ عَقْدُهُ عَلَى وَسَطِ الْجِدَارِ بَعْدَ امْتِدَادِهِ فِي الْعُلْوِ (فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ) يَكُونُ لِاتِّصَالِهِ بِبِنَائِهِ؟ . خَاتِمَةٌ: لَوْ كَانَ السُّفْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعُلْوُ لِآخَرَ وَتَنَازَعَا فِي الدِّهْلِيزِ أَوْ الْعَرْصَةِ، فَمِنْ الْبَابِ إلَى الْمَرْقَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا وَتَصَرُّفًا بِالِاسْتِطْرَاقِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْبَاقِي لِلْأَسْفَلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمَرْقَى الدَّاخِلِ وَهُوَ مَنْقُولٌ، فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَهُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ فِي غُرْفَةٍ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ فَهُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ مَنْصُوبًا فِي مَوْضِعِ الرُّقِيِّ فَلِصَاحِبِ السُّفْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى مُثَبَّتًا فِي مَوْضِعِهِ كَالسُّلَّمِ الْمُسَمَّرِ فَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ، لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَبْنِيًّا وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَيْتٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا كَسَائِرِ السُّقُوفِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 بَابُ الْحَوَالَةِ   [مغني المحتاج] أَوْ مَوْضِعُ جَرَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مَعَ ضَعْفِ مَنْفَعَةِ الْأَسْفَلِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي حِيطَانِ السُّفْلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْغُرْفَةُ فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ السُّفْلِ فَإِنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي حِيطَانِ الْغُرْفَةِ، فَالْمُصَدَّقُ صَاحِبُ الْعُلْوِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ. [بَابُ الْحَوَالَةِ] ِ هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: الِانْتِقَالُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَالَ عَنْ الْعَهْدِ: إذَا انْتَقَلَ عَنْهُ وَتَغَيَّرَ. وَفِي الشَّرْعِ: عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ دَيْنٍ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، وَيُطْلَقُ عَلَى انْتِقَالِهِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى أُخْرَى، وَالْأَوَّلُ هُوَ غَالِبُ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أَتْبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلِيَتْبَعْ» بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ فَلِيَحْتَلْ كَمَا رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ. وَيُسَنُّ قَبُولُهَا عَلَى مَلِيءٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَخَبَرُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَلِيءُ وَافِيًا وَلَا شُبْهَةَ فِي مَالِهِ، وَالْمَلِيءُ بِالْهَمْزَةِ: الْغَنِيُّ، وَالْمَطْلُ إطَالَةُ الْمُدَافَعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ رِبَوِيَّيْنِ، فَهُوَ بَيْعٌ لِأَنَّهَا إبْدَالُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَلَكَ بِهَا مَا لَمْ يَمْلِكْ، فَكَأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 يُشْتَرَطُ لَهَا رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ، لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ تَصِحُّ بِرِضَاهُ وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ، عَلَيْهِ،   [مغني المحتاج] الْمُحِيلَ بَاعَ الْمُحْتَالَ مَا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِمَا لِلْمُحْتَالِ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ اسْتِيفَاءٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، فَكَأَنَّ الْمُحْتَالَ اسْتَوْفَى مَا عَلَى الْمُحِيلِ، وَأَقْرَضَهُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ الْبَيْعِ لَمْ أَرَهُ مُسْتَمِرًّا. وَأَرْكَانُهَا سِتَّةٌ: مُحِيلٌ، وَمُحْتَالٌ، وَمُحَالٌ عَلَيْهِ، وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَدَيْنٌ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي، وَإِنْ سُمِّيَ بَعْضُهَا شَرْطًا كَمَا قَالَ. (يُشْتَرَطُ لَهَا) لِتَصِحَّ (رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ) ؛ لِأَنَّ لِلْمُحِيلِ إيفَاءَ الْحَقِّ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، فَلَا يَلْزَمُ بِجِهَةٍ، وَحَقُّ الْمُحْتَالِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، فَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَتَفَاوَتُ وَالْأَمْرُ الْوَارِدُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ: لِلْإِبَاحَةِ، وَطَرِيقُ الْوُقُوفِ عَلَى تَرَاضِيهِمَا إنَّمَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَعَبَّرَ كَغَيْرِهِ هُنَا بِالرِّضَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَالِ الرِّضَا بِالْحَوَالَةِ، وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ وَالتَّصَرُّفِ كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُحِيلِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالِاسْتِيفَاءِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَوَالَةِ، بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ كَنَقَلْت حَقَّكَ إلَى فُلَانٍ، أَوْ جَعَلْتُ مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَى فُلَانٍ لَك، أَوْ مَلَّكْتُكَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بِحَقِّكَ، وَقَوْلُهُ: أَحِلْنِي كَبِعْنِي فِي الْبَيْعِ، فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ، وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى كَالْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَلَوْ قَالَ: أَحَلْتُكَ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي أَحَلْتُكَ الْوَكَالَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: إنَّهُ صَرِيحٌ، لَكِنْ يَقْبَلُ الصَّرْفَ كَغَيْرِهِ مِنْ الصَّرَائِحِ الَّتِي تَقْبَلُهُ (وَلَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا بَيْعٌ، إذْ لَيْسَ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِجَعْلِهِ عِوَضًا عَنْ حَقِّ الْمُحْتَالِ (وَقِيلَ: تَصِحُّ بِرِضَاهُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ إلَخْ، فَقَبُولُهُ ضَمَانٌ لَا يَبْرَأُ بِهِ الْمُحِيلُ، وَقِيلَ: يَبْرَأُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَطَوَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُحِيلِ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَتَصِحُّ بِالدَّيْنِ اللَّازِمِ) وَهُوَ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَجُوزَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالثَّمَنِ بَعْدَ زَمَنِ الْخِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْمَوْتِ وَالْأُجْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَالثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِأَنْ يُحِيلَ بِهِ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى ثَالِثٍ (وَعَلَيْهِ) كَذَلِكَ بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ فِي سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمْ اخْتَلَفَا، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 وَالْمِثْلِيِّ وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ فِي الْأَصَحِّ، وَبِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَعَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ   [مغني المحتاج] وَالْآخَرُ قَرْضًا أَوْ أُجْرَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَدَيْنِ السَّلَمِ فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ لِلسَّاعِي وَلَا لِلْمُسْتَحَقِّ بِالزَّكَاةِ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ وَلَا عَكْسِهِ. وَإِنْ تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا؛ وَتَصِحُّ عَلَى الْمَيِّتِ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَلَيْهِ مَعَ خَرَابِ ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ: أَيْ لَا تَقْبَلُ ذِمَّتُهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِلَّا فَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى التَّرِكَةِ لِعَدَمِ الشَّخْصِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (وَ) تَصِحُّ بِالدَّيْنِ (الْمِثْلِيِّ) كَالنُّقُودِ وَالْحُبُوبِ (وَكَذَا الْمُتَقَوِّمُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ (فِي الْأَصَحِّ) لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَلُزُومِهِ، وَالثَّانِي: لَا، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَوَالَةِ إيصَالُ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمِثْلَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْأَثْمَانِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ (وَ) تَصِحُّ (بِالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) بِأَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى إنْسَانٍ (وَعَلَيْهِ) بِأَنْ يُحِيلَ الْبَائِعُ إنْسَانًا عَلَى الْمُشْتَرِي (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ، وَالْجَوَازُ عَارِضٌ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحَّانِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ الْآنَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِالْحَوَالَةِ بِالثَّمَنِ لِتَرَاضِي عَاقِدِيهَا؛ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهَا اللُّزُومُ فَلَوْ بَقِيَ الْخِيَارُ فَاتَ مُقْتَضَاهَا، وَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ يَبْطُلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ لِرِضَاهُ بِهَا لَا فِي حَقِّ مُشْتَرٍ لَمْ يَرْضَ، فَإِنْ رَضِيَ بِهَا بَطَلَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَطَلَتْ اهـ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِعُمُومِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الثَّمَنِ لَا تَبْطُلُ بِالْفَسْخِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ مُسْتَثْنَى وَلَا بَعْدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مُزَلْزَلٌ. فَإِنْ قِيلَ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ زَمَنَ الْخِيَارِ مُشْكِلٌ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا، لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَحَالَ فَقَدْ أَجَازَ فَوَقَعَتْ الْحَوَالَةُ مُقَارِنَةً لِلْمِلْكِ وَذَلِكَ كَافٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ بِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ لَهُ، أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمَّا تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَوَسَّعُوا فِي بَيْعِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ. (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ حَوَالَةِ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ) لِوُجُودِ اللُّزُومِ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ مِنْهَا، وَلِصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا فِي قَوْلٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ السَّلَمِ بِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ الدَّيْنُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ عَلَيْهِ. وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا وَصِفَةً وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَقَدْرًا، وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا، وَصِحَّةً وَكَسْرًا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ التَّعْجِيزِ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا فَمَالُ الْمُكَاتَبِ قَدْ صَارَ بِالتَّعْجِيزِ لِلسَّيِّدِ بِخِلَافِ دَيْنِ السَّلَمِ قَدْ يَنْقَطِعُ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَصِلَ الْمُحْتَالُ إلَى حَقِّهِ (دُونَ حَوَالَةِ السَّيِّدِ) غَيْرَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ بِمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُحْتَالُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ وَإِلْزَامِهِ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ. أَمَّا الْحَوَالَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا عَلَيْهِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحَّانِ. أَمَّا عَلَيْهِ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا مِنْهُ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالنُّجُومِ عَمَّا إذَا كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ وَأَحَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَى سُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ، لِأَنَّ دَيْنَ الْمُعَامَلَةِ لَازِمٌ فِي الْجُمْلَةِ وَسُقُوطُهُ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَلَا تَصِحُّ بِجُعْلِ الْجِعَالَةِ وَلَا عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَيْنِهَا حِينَئِذٍ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَامِ. (وَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ) أَيْ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ (بِمَا يُحَالُ بِهِ وَعَلَيْهِ قَدْرًا) كَمِائَةٍ (وَصِفَةً) مُعْتَبَرَةً فِي السَّلَمِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ، وَلَا اسْتِيفَاؤُهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْجِنْسِ، لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِالصِّفَةِ لِتَنَاوُلِهَا لَهُ لُغَةً (وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ بِإِبِلِ الدِّيَةِ وَعَلَيْهَا) وَالْأَظْهَرُ. الْمَنْعُ لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا، وَصَوَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ كَأَنْ يَجْنِيَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ مُوضِحَةً، ثُمَّ يَجْنِي الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى آخَرَ مُوضِحَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَيُحِيلُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ الْجَانِي ثَانِيًا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ ثَانِيًا عَلَى الْجَانِي أَوَّلًا بِالْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ (وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا) أَيْ الْمُحَالِ بِهِ وَعَلَيْهِ (جِنْسًا) فَلَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَعَكْسِهِ (وَقَدْرًا) فَلَا تَصِحُّ بِخَمْسَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ وَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُعَاوَضَةُ ارْتِفَاقٍ جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الِاتِّفَاقُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْقَرْضِ (وَكَذَا حُلُولًا وَأَجَلًا) وَقَدْرَ الْأَجَلِ (وَصِحَّةً وَكَسْرًا) وَجَوْدَةً وَرَدَاءَةً (فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ إلْحَاقًا لِتَفَاوُتِ الْوَصْفِ بِتَفَاوُتِ الْقَدْرِ وَالثَّانِي: إنْ كَانَ النَّفْعُ فِيهِ لِلْمُحْتَالِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، فَيَحِلُّ بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُكَسَّرِ عَلَى الْحَالِ وَالصَّحِيحِ، وَبِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ عَلَى الْأَقْرَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فِي الْجَمِيعِ وَكَأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالزِّيَادَةِ، وَانْقَلَبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ بَعْضُ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فَقَالَ بِالصَّحِيحِ عَلَى الْمُكَسَّرِ، وَبِالْجَيِّدِ عَلَى الرَّدِيءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ، وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ وَحَلِفٍ وَنَحْوِهِمَا: لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ   [مغني المحتاج] وَنُسِبَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ أَحَالَ بِمُؤَجَّلٍ عَلَى مُؤَجَّلٍ حَلَّتْ الْحَوَالَةُ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا تَحِلُّ بِمَوْتِ الْمُحِيلِ لِبَرَاءَتِهِ بِالْحَوَالَةِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُهُمَا فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الضَّمَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ أَحَالَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَلَى دَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ أَوْ ضَامِنٌ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَبَرِئَ الضَّامِنُ، لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَبْضِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ، وَالزَّوْجَةُ فِيمَا إذَا أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ الزَّوْجُ بِالصَّدَاقِ، وَيُفَارِقُ الْمُحْتَالُ الْوَارِثَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ فِيمَا يَثْبُتُ لَهُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَاقِدُ فِي الْحَوَالَةِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟ رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ، وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الثَّانِي، وَحَمَلَ شَيْخِي الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى الْمُحِيلِ وَهُوَ بَعِيدٌ، إذْ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعَقْدِ، فَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ، وَلَا يَثْبُتُ فِي عِقْدِهَا خِيَارُ شَرْطٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَقِيلَ يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْخِيَارِ (وَيَبْرَأُ بِالْحَوَالَةِ الْمُحِيلُ عَنْ دَيْنِ الْمُحْتَالِ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ وَيَتَحَوَّلُ حَقُّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ) أَيْ يَصِيرُ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَعْنَى صَيْرُورَتِهِ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ بِعَيْنِهِ. وَلَكِنْ تَغَيَّرَ مَحَلُّهُ إنْ قُلْنَا: الْحَوَالَةُ اسْتِيفَاءٌ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَتْنِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَزِمَ الذِّمَّةَ وَيَكُونُ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمُحْتَالُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَمَا ذُكِرَ هُوَ فَائِدَةُ الْحَوَالَةِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخَذَهُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ (بِفَلَسٍ) طَرَأَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ (أَوْ جَحْدٍ) مِنْهُ لِلدَّيْنِ أَوْ لِلْحَوَالَةِ (وَحَلِفٍ) وَقَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِمَا) مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى كُتُبِ الرَّافِعِيِّ وَعَلَى الرَّوْضَةِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى التَّعَذُّرِ بِامْتِنَاعِهِ لِشَوْكَتِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُوسِرًا بَعْدَ مَوْتِ الْبَيِّنَةِ (لَمْ يَرْجِعْ) أَيْ الْمُحْتَالُ (عَلَى الْمُحِيلِ) كَمَا لَوْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ الدَّيْنِ وَتَلَفَ فِي يَدِهِ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِاقْتِرَانِهَا بِشَرْطٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَاهَا. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْإِنْكَارِ لَكَانَ أَعَمَّ، لِأَنَّ الْجُحُودَ لُغَةً: الْإِنْكَارُ مَعَ الْعِلْمِ. وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 فَلَوْ كَانَ مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ. وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ فَوُجِدَ الرَّدُّ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى   [مغني المحتاج] عِبَارَتِهِ الْإِقَالَةُ حَتَّى لَوْ صَدَرَ بَيْنَ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ تَقَايُلٌ فِي الْحَوَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُحِيلِ يَبْنِي عَلَى صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فِي الْحَوَالَةِ، وَالنَّقْلُ فِيهَا عَزِيزٌ، وَقَدْ نَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً فَلَمْ يَجِدْ التَّصْرِيحَ بِهَا، وَأَنَّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ الْجَوَازُ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بَيْعٌ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِقَالَةِ فِيهَا، فَقَدْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ فِي الْحَوَالَةِ ذَكَر ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ التَّفْلِيسِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قَبْلَ وَفَاءِ الثَّمَنِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: الْحَوَالَةُ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَلَوْ فُسِخَتْ لَا تَنْفَسِخُ. (فَلَوْ كَانَ) الْمُحَالُ عَلَيْهِ (مُفْلِسًا عِنْدَ الْحَوَالَةِ وَجَهِلَهُ الْمُحْتَالُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْبَحْثِ، فَأَشْبَهَ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا هُوَ مَغْبُونٌ فِيهِ (وَقِيلَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ شُرِطَ يَسَارُهُ) لَا خِلَافَ الشَّرْطِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْعَبْدِ كَاتِبًا فَأَخْلَفَ، وَرَدَّ بِأَنَّ فَوَاتَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ نَقْصًا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِعَدَمِهِ، بَلْ هُوَ فَوَاتُ فَضِيلَةٍ وَالْإِعْسَارُ نَقْصٌ كَالْعَيْبِ، فَلَوْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ عِنْدَ الشَّرْطِ لَثَبَتَ عِنْدَ عَدَمِهِ، (وَلَوْ بَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَبْدًا لِغَيْرِ الْمُحِيلِ) لَمْ يَرْجِعْ الْمُحْتَالُ أَيْضًا، بَلْ يُطَالِبُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ، أَوْ عَبْدًا لَهُ لَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا وَمَأْذُونًا لَهُ، وَكَانَ لِسَيِّدِهِ فِي ذِمَّتِهِ دَيْنٌ قَبْلَ مِلْكِهِ لِسُقُوطِهِ عَنْهُ بِمِلْكِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَوْ قَبِلَ الْمُحْتَالُ الْحَوَالَةَ بِغَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالدَّيْنِ كَانَ قَبُولُهَا مُتَضَمِّنًا لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ. (وَلَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي) الْبَائِعَ (بِالثَّمَنِ فَرَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَتَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ (بَطَلَتْ فِي الْأَظْهَرِ) لِارْتِفَاعِ الثَّمَنِ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ اسْتَبْدَلَ عَنْ الثَّمَنِ ثَوْبًا، فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ وَيَرْجِعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، وَسَوَاءٌ فِي الْخِلَافِ أَكَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَمَالِ الْحَوَالَةِ أَمْ قَبْلَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعُودُ الثَّمَنُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي وَيَرُدُّهُ الْبَائِعُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ وَهُوَ بَاقٍ، أَوْ بَدَلَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا يَرُدُّهُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ بِإِذْنِهِ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَنْ الْبَائِعِ يَقَعُ عَنْهُ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ حَتَّى لَا يَجُوزَ إبْدَالُهُ إنْ بَقِيَتْ عَيْنُهُ، (وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الْفَسْخِ) كَقَبْضِهِ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ، فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِ الْمُحَالِ بِهِ (أَوْ) أَحَالَ (الْبَائِعَ) شَخْصًا (بِالثَّمَنِ) عَلَى الْمُشْتَرِي (فَوُجِدَ الرَّدُّ) لِلْمَبِيعِ بِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا مَرَّ (لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 الْمَذْهَبِ. وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ، أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ.   [مغني المحتاج] الْمَذْهَبِ) سَوَاءٌ أَقَبَضَ الْمُحْتَالُ الْمَالَ أَمْ لَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِثَالِثٍ وَهُوَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِفَسْخِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ، ثُمَّ رَدَّ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ بِعَيْبٍ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَبْطُلُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّ الْبَائِعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَوْ أَحَالَ عَلَى مَنْ أُحِيلَ عَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِثَالِثٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ كَالْقَبْضِ لِأَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا، لَكِنْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِطَلَبِ الْقَبْضِ مِنْهُ لِيَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ. فَرْعٌ لَوْ أَحَالَهَا زَوْجُهَا بِصَدَاقِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَهُ بِرِدَّتِهَا أَوْ بِعَيْبٍ أَوْ بِخَلْفِ شَرْطٍ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهِ بِكُلِّ الصَّدَاقِ إنْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَبِنِصْفِهِ إنْ طَلَّقَ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَقُّ هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِثَالِثٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّدَاقَ أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا إلَّا بِرِضَاهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَالَ بِثَمَنِهِ) عَلَى الْمُشْتَرِي (ثُمَّ اتَّفَقَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالْمُحْتَالُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ أَوْ ثَبَتَتْ بِبَيِّنَةٍ) يُقِيمُهَا الْعَبْدُ أَوْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ (بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنْ لَا ثَمَنَ حَتَّى يُحَالَ بِهِ، فَيَرُدَّ الْمُحْتَالُ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَبْقَى حَقُّهُ كَمَا كَانَ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا، وَمَحِلُّ إقَامَةِ الْعَبْدِ الْبَيِّنَةُ إذَا تَصَادَقَ الْمُتَبَايِعَانِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِآخَرَ، كَمَا صَوَّرَهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهُ لَهَا قَبْلَ بَيْعِهِ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ الْمُحْتَالُ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِالْحُرِّيَّةِ الْمُتَبَايِعَانِ، لِأَنَّهُمَا كَذَّبَاهَا بِالْبَيْعِ كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَذَكَرَ فِي آخَرِ كِتَابِ الدَّعْوَى (أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَقْفًا عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ، ثُمَّ مَلَكَهُ) إنْ قَالَ حِينَ بَاعَ: هُوَ مِلْكِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ سُمِعَتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: وَغَلَّطَ الرُّويَانِيُّ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَائِعُ تَأْوِيلًا، فَإِنْ ذَكَرَهُ كَأَنْ قَالَ: كُنْت أَعْتَقْته وَنَسِيت أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيَّ سُمِعَتْ قَطْعًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا شَيْءَ لِي عَلَى زَيْدٍ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي، وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ، أَحَلْتنِي، أَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ بَلْ أَرَدْت الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ هُنَا عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا صِحَّةٌ بِخِلَافِ الْبُطْلَانِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ بِطَرِيقِ الِانْفِسَاخِ (وَإِنْ كَذَّبَهُمَا الْمُحْتَالُ) فِي الْحُرِّيَّةِ (وَلَا بَيِّنَةَ حَلَّفَاهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) بِهَا، لِأَنَّ هَذِهِ قَاعِدَةُ الْحَلِفِ عَلَى النَّفْيِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ، وَعِبَارَتُهُ قَدْ تُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحَلِفِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا، وَالْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ، أَنَّهُ يَحْلِفُ لِمَنْ اسْتَحْلَفَهُ مِنْهُمَا. أَمَّا الْبَائِعُ فَلِغَرَضِ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي الثَّمَنِ. وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَلِغَرَضِ رَفْعِ الْمُطَالَبَةِ. لَكِنَّهُ إذَا حَلَّفَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يُحَلِّفْهُ الثَّانِي: كَمَا قَالَ شَيْخِي: إنَّهُ الْأَوْجَهُ، لِأَنَّ خُصُومَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ الْمُشْتَرِي) لِبَقَاءِ الْحَوَالَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِإِذْنِهِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْحَوَالَةُ، وَرَجَّحَ الْبَغَوِيّ الْوَجْهَ الْآخَرَ، لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَلَمَنِي الْمُحْتَالُ بِمَا أَخَذَهُ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى ظَالِمِهِ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُحْتَالُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَوَالَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَمَّا إذَا جَعَلْنَاهَا كَالْبَيِّنَةِ فَلَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ) لِلْمُسْتَحِقِّ: (وَكَّلْتُك لِتَقْبِضَ لِي) دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ (وَقَالَ الْمُسْتَحَقُّ: أَحَلْتنِي) بِهِ (أَوْ قَالَ) الْأَوَّلُ: (أَرَدْت بِقَوْلِي: أَحَلْتُك) بِهِ (الْوَكَالَةَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: بَلْ أَرَدْت) بِذَلِكَ (الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَقَّيْنِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ " أَحَلْتُك " فِيمَا يُذْكَرُ كِنَايَةٌ وَقَدْ قَدَّمْت مَا فِيهِ، وَعَلَى كَلَامِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ فَلَا حَوَالَةَ وَلَا وَكَالَةَ (وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَجْهٌ) بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ: أَحَلْتُك بِمِائَةٍ عَلَى زَيْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا قَالَ: أَحَلْتُك بِالْمِائَةِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِالْمِائَةِ الَّتِي لِي عَلَى زَيْدٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَحِقِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْحَوَالَةِ تَنْبِيهٌ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الْمُسْتَحِقُّ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 وَإِنْ قَالَ أَحَلْتُك فَقَالَ وَكَّلْتَنِي صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ.   [مغني المحتاج] يَتَّفِقَا عَلَى الدَّيْنِ، فَلَوْ أَنْكَرَ مُدَّعِي الْوَكَالَةَ الدَّيْنَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَطْعًا، وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ، وَبِإِنْكَارِ الْآخَرِ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ فَلَيْسَ لَهُ قَبْضٌ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ الْمَالَ قَبْلَ الْحَلِفِ بَرِيءَ الدَّافِعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَالٌ أَوْ وَكِيلٌ وَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ لِلْحَالِفِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا وَحَقُّهُ عَلَيْهِ بَاقٍ، فَإِنْ خَشِيَ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ مِنْ تَسْلِيمِ حَقِّهِ لَهُ كَانَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ أَخْذُ الْمَالِ، وَجَحَدَ الْحَالِفُ؛ لِأَنَّهُ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْحَالِفِ وَهُوَ ظَالِمُهُ، (وَلَوْ تَلِفَ الْمَقْبُوضُ مَعَ الْقَابِضِ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْهُ) لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَالِفُ لِزَعْمِهِ الْوَكَالَةَ، وَالْوَكِيلُ أَمِينٌ، وَلَمْ يُطَالِبْ هُوَ الْحَالِفَ لِزَعْمِهِ الِاسْتِيفَاءَ، أَوْ تَلِفَ مَعَهُ بِتَفْرِيطِ طَالِبِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا، وَبَطَلَ حَقُّهُ لِزَعْمِهِ اسْتِيفَاءَهُ. (وَإِنْ قَالَ) الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ: (أَحَلْتُك فَقَالَ) الْمُسْتَحِقُّ: (وَكَّلْتَنِي) أَوْ قَالَ: أَرَدْت بِقَوْلِك: أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ (صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ) فِي الْأُولَى جَزْمًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ فَائِدَةِ هَذَا الْخِلَافِ عِنْدَ إفْلَاسِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الصُّورَتَيْنِ انْدَفَعَتْ الْحَوَالَةُ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الْآخَرِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْآخَرُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِاخْتِيَارِ ابْنِ كَجٍّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهُ فَلَهُ تَمَلُّكُهُ بِحَقِّهِ، لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَهُوَ أَمِينٌ أَوْ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ وَتَقَاصَّا. خَاتِمَةٌ: لِلْمُحْتَالِ أَنْ يُحِيلَ غَيْرَهُ وَأَنْ يَحْتَالَ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَدِينِهِ، وَلَوْ أَجَرَ جُنْدِيٌّ إقْطَاعَهُ وَأَحَالَ بِبَعْضِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، ثُمَّ مَاتَ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِيمَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْمُدَّةِ، وَبُطْلَانُ الْحَوَالَةِ فِيمَا يُقَابِلُهُ، وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ فَتَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يَرْجِعُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ الْمُحْتَالُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَبْرَأُ الْمُحِيلُ مِنْهُ، وَلَوْ أَقْرَضَ شَخْصٌ اثْنَيْنِ مِائَةً مَثَلًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسُونَ، وَتَضَامَنَا فَأَحَالَ بِهَا شَخْصًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَيِّهِمَا جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ فَلَا يَسْتَفِيدُ بِالْحَوَالَةِ زِيَادَةَ صِفَةٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْقَدْرِ وَلَا فِي الصِّفَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَحَالَ عَلَى أَحَدِهِمَا بِخَمْسِينَ فَهَلْ تَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تُوَزَّعُ أَوْ يَرْجِعُ إلَى إرَادَةِ الْمُحِيلِ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا صَرَفَهُ بِنِيَّتِهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَفَائِدَتُهُ فِكَاكُ الرَّهْنِ الَّذِي يَأْخُذُهُ: أَيْ بِخَمْسِينَ اهـ. وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الرُّجُوعُ إلَى إرَادَتِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ غَرِيمَهُ الدَّائِنَ أَحَالَ عَلَيْهِ فُلَانًا الْغَائِبَ سُمِعَتْ وَسَقَطَتْ مُطَالَبَتُهُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً صُدِّقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 بَابُ الضَّمَانِ بَابُ الضَّمَانِ   [مغني المحتاج] غَرِيمُهُ بِيَمِينِهِ، وَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ بِأَنْ تَثْبُتَ بِهَا الْحَوَالَةُ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ إنْ قَدِمَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، إذْ لَا يُقْضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْغَائِبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُقْضَى بِهَا وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ الصَّبَّاغِ، لِأَنَّهُ إذْ قَدِمَ يَدَّعِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لَا الْمُحِيلِ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. [بَابُ الضَّمَانِ] ِ هُوَ لُغَةً الِالْتِزَامُ، وَشَرْعًا: يُقَالُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ إحْضَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، أَوْ عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ، وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَيُسَمَّى الْمُلْتَزِمُ لِذَلِكَ ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَافِلًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا وَقَبِيلًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الضَّمِينَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَالْحَمِيلَ فِي الدِّيَاتِ، وَالزَّعِيمَ فِي الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ، وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ، وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثُ دَنَانِيرَ، فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ " وَذَكَرْت فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 شَرْطُ الضَّامِنِ: الرُّشْدُ، وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ. وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] شَرْحِ التَّنْبِيهِ مَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا لِمَ أَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] لِأَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الْمَالِ خَمْسَةٌ: ضَامِنٌ، وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَمَضْمُونٌ عَنْهُ، وَمَضْمُونٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ كَمَا سَتَرَاهُ. وَبَدَأَ بِشَرْطِ الضَّامِنِ، فَقَالَ: (شَرْطُ الضَّامِنِ) لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ (الرُّشْدُ) وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لِعَدَمِ رُشْدِهِمْ. تَنْبِيهٌ يَرِدْ عَلَى طَرْدِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُكْرَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ وَلَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ، وَالنَّائِمُ فَإِنَّهُمْ رُشَدَاءُ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ، وَعَلَى عَكْسِهَا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَمَنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَالْفَاسِقُ فَإِنَّهُمْ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ وَلَيْسُوا بِرُشَدَاءَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ وَالِاخْتِيَارِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الصَّبِيُّ أَيْضًا فَإِنَّهُ وَصَفَ الصِّبْيَانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بِالرُّشْدِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّشْدِ هُنَا صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ كَمَا مَرَّ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِطْلَاقُ الرُّشْدِ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَجَازٌ. وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ، ثُمَّ قَالَ: كُنْت وَقْتَ الضَّمَانِ صَبِيًّا وَكَانَ فِي سِنٍّ مُحْتَمِلٍ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: كُنْت مَجْنُونًا وَعُرِفَ لَهُ جُنُونٌ سَابِقٌ صُدِّقَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ الْأَنْكِحَةَ يُحْتَاطُ فِيهَا غَالِبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقَعُ بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُ الشُّرُوطَ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْعُقُودِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْعَامَّةُ الِاخْتِلَالُ (وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ) فِي ذِمَّتِهِ (كَشِرَائِهِ) بِثَمَنٍ فِيهَا، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ كَمَا سَبَقَ، وَيُطَالَبُ بِمَا ضَمِنَهُ إذَا انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ وَأَيْسَرَ. (وَضَمَانُ عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) مَأْذُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ صَحَّ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ قَضَى مِنْهُ. وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ بِمَا فِي يَدِهِ وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَإِلَّا فَبِمَا يَكْسِبُهُ.   [مغني المحتاج] لِأَنَّ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مِلْكُهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ خُلْعِ الْأَمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا مَعَ أَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُلْعِ لِسُوءِ عِشْرَةِ الزَّوْجِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّمَانِ. وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ (وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ) حَتَّى عَنْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لَحِقَهُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِذْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنْ كَانَ الْإِذْنُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمَتْنِ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، لِأَنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَى ذِمَّةِ عَبْدِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّيِّدِ قَدْرَ الدَّيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَّجَهُ اشْتِرَاطُهُ بِنَاءً عَلَى تَعَلُّقِهِ بِمَالِ السَّيِّدِ لَا بِذِمَّةِ الْعَبْدِ اهـ. أَمَّا سَيِّدُهُ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَقِيقِهِ لَهُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ ضَمَانِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِذَا أَدَّى الرَّقِيقُ مَا ضَمِنَهُ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ بِالْإِذْنِ مِنْ سَيِّدِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لَهُ أَوْ قَبْلَ الْعِتْقِ فَحَقُّ الرُّجُوعِ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَدَّى مَا ضَمِنَهُ عَنْ السَّيِّدِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ أَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّقِيقِ فِيهَا وَقَعَتْ لِلسَّيِّدِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهَا حَالَ رِقِّهِ كَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهَا فِي تِلْكَ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ، فَكَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَيَّنَ) السَّيِّدُ (لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ (قَضَى مِنْهُ) لِتَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ:. نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ فِي مَالٍ التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَحَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِاسْتِدْعَاءِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُؤَدِّ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ سَابِقٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْفَاضِلِ عَنْ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ) غَرِمَ الضَّمَانَ (بِمَا فِي يَدِهِ) وَقْتَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ (وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ) لَهُ فِي الضَّمَانِ كَمَا فِي الْمَهْرِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اعْتَبَرُوا فِي الْكَسْبِ هُنَا حُدُوثَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَثَمَّ حُدُوثَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ فَتَعَلَّقَ بِمَا بَعْدَ الْإِذْنِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَسَائِرِ مُؤَنِ النِّكَاحِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ (فَبِمَا) أَيْ فَيَتَعَلَّقُ غُرْمُ الضَّمَانِ بِمَا (يَكْسِبُهُ) بَعْدَ إذْنٍ فِيهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَالثَّالِثُ فِي الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَبِالرِّبْحِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ فَقَطْ. وَالثَّالِثُ: فِي الثَّانِي يَتَعَلَّقُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَرِضَاهُ،   [مغني المحتاج] بِرَقَبَتِهِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ، وَالْمُبَعَّضِ إذَا لَمْ تَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، أَوْ جَرَتْ وَضَمِنَ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ فِيمَا ذُكِرَ. أَمَّا إذَا جَرَتْ مُهَايَأَةٌ فِي الْمُبَعَّضِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ إذَا ضَمِنَ فِي نَوْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا بِدُونِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ سَيِّدَهُ صَحَّ. وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ، فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ، لَكِنْ هَلْ الْمُعْتَبَرُ إذْنُ مَالِكِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ يُلْتَفَتُ إلَى أَنَّ ضَمَانَ الْقِنِّ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِكَسْبِهِ؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَلَا سَبِيلَ إلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ بِمُفْرَدِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَصِحُّ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَ شَيْخِي: اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ وَهِيَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ اعْتِبَارُ إذْنِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ بِنَاءً عَلَى الشَّقِّ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا. . ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي فَقَالَ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلًا، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ وَكِيلِ الْمَضْمُونِ كَمَعْرِفَتِهِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِهِ، وَجَرَى بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُحَاوَرَاتٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الطَّلَبِ، فَيَكُونُ الْمُوَكِّلُ أَسْهَلَ فِي ذَلِكَ غَالِبًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَى الْمُعَامَلَةِ لِلْأَيْتَامِ وَالْمَحْجُورِينَ الَّذِينَ لَا يَعْرِفهُمْ الْمَدِينُ بِحَالٍ، وَالْمُمَارَاةُ فِيهِ جُمُودٌ لَا يَلِيقُ بِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنْ دُونَهُ اهـ. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ ضَمِنَ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْأَلْهُ هَلْ يَعْرِفُهُ أَوْ لَا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مَعْرِفَةِ الْمَضْمُونِ لَهُ: أَيْ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ الْمَضْمُونَ لَهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْحَاوِي، فَأَضَافَ الْمَصْدَرَ إلَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ قَلِيلٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمُرَادُ مَعْرِفَتُهُ بِالْعَيْنِ لَا الِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا الْمُعَامَلَةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) لِلضَّمَانِ (وَ) لَا (رِضَاهُ) لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا. وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ، وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ   [مغني المحتاج] لِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقِ. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ الرِّضَا، ثُمَّ الْقَبُولُ لَفْظًا. وَالثَّالِثُ يُشْتَرَطُ الرِّضَا دُونَ الْقَبُولِ لَفْظًا تَنْبِيهٌ لَوْ زَادَ لَا قَبْلَ رِضَاهُ كَمَا قَدَّرْتهَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَعَ حَذْفِهَا لَا يُسْتَفَادُ إلَّا نَفْي الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصْدُقُ الْكَلَامُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ، فَقَالَ (وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ) وَهُوَ الْمَدِينُ (قَطْعًا) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَائِزٌ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى، وَكَمَا يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً (وَلَا مَعْرِفَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى رِضَاهُ، إذْ لَيْسَ ثَمَّ مُعَامَلَةٌ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِيَعْرِفَ هَلْ هُوَ مُوسِرٌ أَوْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ يَسْتَحِقُّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ أَوْ لَا، وَرَدَّ بِأَنَّ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ لِأَهْلِهِ وَلِغَيْرِ أَهْلِهِ مَعْرُوفٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَضْمُونِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ) وَهُوَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ (كَوْنُهُ) حَقًّا (ثَابِتًا) حَالَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، سَوَاءٌ أَجَرَى سَبَبَ وُجُوبِهِ: كَنَفَقَةِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَخَادِمهَا أَمْ لَا كَضَمَانِ مَا سَيُقْرِضُهُ لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَثِيقَةُ الْحَقِّ فَلَا يَسْبِقُهُ كَالشَّهَادَةِ، فَيَصِحُّ بِنَفَقَةِ الْيَوْمِ لِلزَّوْجَةِ وَمَا قَبْلَهُ لِثُبُوتِهِ لَا بِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِمُسْتَقْبَلٍ كَمَا مَرَّ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَفِي يَوْمِهِ وَجْهَانِ: صَحَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهُمَا الْمَنْعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا سَبِيلَ الدُّيُونِ، وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَضِيَافَةِ الْغَيْرِ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ لَا ثُبُوتُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مِائَةٌ، وَأَنَا ضَامِنُهُ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو فَلِزَيْدٍ مُطَالَبَةُ الْقَائِلِ فِي الْأَصَحِّ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: ثَابِتًا صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ حَقًّا ثَابِتًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فَيَشْمَلُ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَمْ عَمَلًا فِي الذِّمَّةِ بِالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَعْيَانِ صَرَّحَ فِيهِ بِالدَّيْنِ. فَقَالَ هُنَاكَ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ دَيْنًا ثَابِتًا (وَصَحَّحَ) فِي (الْقَدِيمِ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ) كَثَمَنِ مَا سَيَبِيعُهُ أَوْ مَا سَيُقْرِضُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ (وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ التَّبِعَةُ: أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ.   [مغني المحتاج] الْمُطَالَبَةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُعَامَلَةِ الْغَرِيبِ وَيَخَافُ أَنْ يُخْرِجَ مَا يَبِيعُهُ مُسْتَحَقًّا وَلَا يُظْفَرُ بِهِ فَاحْتِيجَ إلَى التَّوَثُّقِ بِهِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا ضَمَانُ الْعُهْدَةِ لِالْتِزَامِ الضَّامِنِ مَا فِي عُهْدَةِ الْبَائِعِ رَدُّهُ، وَالْعُهْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّكِّ الْمَكْتُوبِ فِيهِ الثَّمَنُ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْعُهْدَةِ مَجَازًا، تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ (بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَخَرَجَ بِبَعْدِ قَبْضِ الثَّمَنِ مَا لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَبَاعَ الْحَاكِمُ عَقَارَهُ مِنْ الْمُدَّعِي بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ لَهُ الدَّرَكَ شَخْصٌ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ أَجَرَ الْمَدْيُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ ضَمَانَ الدَّرَكِ. ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لِمُخَالَفَتِهَا شَرْطَ الْوَاقِفِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةٌ بِحَالِهِ فَلَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَهُوَ) أَيْ ضَمَانُ الدَّرَكِ (أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا) أَوْ إنْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ (أَوْ مَعِيبًا) وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي (أَوْ نَاقِصًا) إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ (لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ) الَّتِي وُزِنَ بِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الصَّادِ فَارِسِيَّةٌ وَعُرِّبَتْ وَالْجَمْعُ صِنَجٌ، وَيُقَالُ: سِنْجَةٌ بِالسِّينِ خِلَافًا لِابْنِ السِّكِّيتِ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ مَا سَيَجِبُ، وَوَجْهُ صِحَّتِهِ مَا مَرَّ، وَفِي قَوْلٍ هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ كَمَا ذُكِرَ تَبَيَّنَ وُجُوبُ رَدِّ الثَّمَنِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الضَّامِنِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ، فَإِنْ جَهِلَهُ لَمْ يَصِحَّ، وَكَيْفِيَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ الثَّمَنِ أَوْ دَرَكَهُ أَوْ خَلَاصَك مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ: ضَمِنْت لَك خَلَاصَ الْمَبِيعِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَخْلِيصِهِ إذَا اسْتَحَقَّ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ كَفِيلًا بِخَلَاصِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَإِنْ ضَمِنَ دَرَكَ الثَّمَنِ وَخَلَاصَ الْمَبِيعِ مَعًا صَحَّ ضَمَانُ الدَّرَكِ دُونَ ضَمَانِ خَلَاصِ الْمَبِيعِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ بِالثَّمَنِ، بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا إمَّا لِرَدَاءَتِهِ أَوْ لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ، وَلَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةَ الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ بِأَنْ يَقُولَ: ضَمِنْت لَك عُهْدَةَ أَوْ دَرَكَ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 وَكَوْنُهُ لَازِمًا، لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ خَصَّ ضَمَانَ الدَّرَكِ بِنَوْعٍ كَخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُطَالَبْ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا طُولِبَ الضَّامِنُ بِقِسْطِ الْمُسْتَحِقِّ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الصِّحَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ أَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ إنْ اسْتَحَقَّ رَأْسَ الْمَالِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ رَأْسِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِ إنْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا؛ لِأَنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا اسْتِحْقَاقَ فِيهِ يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَقْبُوضِ. فَرْعٌ لَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ فِي نَقْصِ الصَّنْجَةِ صُدِّقَ الضَّامِنُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي صُدِّقَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مَشْغُولَةً بِخِلَافِ الضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ طَالَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالنَّقْصِ لَا الضَّامِنَ إلَّا إنْ اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَضْمُونُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ هُوَ رَدُّ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَتُهُ عِنْدَ التَّلَفِ، بَلْ الْمَضْمُونُ مَالِيَّتُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهِ. قَالَ: وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي، وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا. فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَضْمَنُ دَرَكَ الْمَبِيعِ إلَّا أَحْمَقُ، وَهُوَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ، وَأَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونُ دَيْنًا (لَازِمًا) غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَالْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَدَيْنِ السَّلَمِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَثُّقِ، لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِاسْتِقْرَارِ (لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطَهَا بِالْفَسْخِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَثُّقِ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِغَيْرِهَا لِأَجْنَبِيٍّ لَا لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ مِنْ السَّيِّدِ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ يُتَوَسَّعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ. (وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ الثَّمَنَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ بِنَفْسِهِ، فَأُلْحِقَ بِاللَّازِمِ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي الْحَالِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ. أَمَّا إذَا مَنَعَهُ فَهُوَ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَّجَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْحَوَالَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ. وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا فِي الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] مَرَّ. (وَضَمَانُ الْجُعْلِ) فِي الْجِعَالَةِ (كَالرَّهْنِ بِهِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ قَالَ شَخْصٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي، فَلَهُ دِينَارٌ فَضَمِنَهُ عَنْهُ ضَامِنٌ قَبْلَ مَجِيءِ الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَالِ الْكِتَابَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُعْلِ وَالثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إلَى اللُّزُومِ إلَّا بِالْعَمَلِ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ. (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ (مَعْلُومًا) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَعَيْنًا (فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَلَا غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَأَحَدِ الدَّيْنَيْنِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ مُتَيَسِّرَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ، مِثْلُ: أَنَا ضَامِنٌ مَا بِعْت مِنْ زَيْدٍ، كَمَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْهُ بَطَلَ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ جُمْلَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ ثَلَاثَةٌ: كَوْنُهُ ثَابِتًا لَازِمًا مَعْلُومًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَبَقِيَ لِلْمَضْمُونِ شَرْطٌ رَابِعٌ ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَهْمَلَهُ الشَّيْخَانِ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَابِلًا؛ لَأَنْ يَتَبَرَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَخْرُجُ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ اهـ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَحَقُّ الشُّفْعَةِ اهـ وَهَذَا الشَّرْطُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَيَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِلْمَرْأَةِ، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّيْنُ لِلْمَرِيضِ الْمُعْسِرِ أَوْ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ يَصِحُّ ضَمَانُهُ وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ. تَتِمَّةٌ: يَصِحُّ ضَمَانُ رَدِّ كُلِّ عَيْنٍ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ كَمَغْصُوبَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ وَمُسْتَامَةٍ وَمَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ كَمَا يَصِحُّ بِالْبَدَنِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ، وَيَبْرَأُ الضَّامِنُ بِرَدِّهَا لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَيَبْرَأُ أَيْضًا بِتَلَفِهَا، فَلَا يَلْزَمهُ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ الدَّيْنُ، وَلَوْ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَيْنِ إنْ تَلِفَتْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِيمَةِ، وَمَحَلُّ صِحَّةِ ضَمَانِ الْعَيْنِ إذَا أَذِنَ فِيهِ وَاضِعُ الْيَدِ أَوْ كَانَ الضَّامِنُ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَقَلَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ الْأَصْحَابِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] (وَالْإِبْرَاءُ) مِنْ الْعَيْنِ بَاطِلٌ جَزْمًا وَكَذَا (مِنْ) الدَّيْنِ (الْمَجْهُولِ) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً (بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الرِّضَا وَلَا يَعْقِلُ مَعَ الْجَهَالَةِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالْإِعْتَاقِ، وَمَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ أَوْ إسْقَاطٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْمُبْرَأِ مِنْهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا فَيَصِحُّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ، بَلْ يَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِهِ. اهـ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقٍ اُشْتُرِطَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ الْمُبَرِّئِ إسْقَاطٌ عَنْ الْمُبْرَأِ عَنْهُ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ أَنَّهُ يَذْكُرُ عَدَدًا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ كَمَنْ لَا يَعْلَمُ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فَيُبَرِّئُهُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا. (إلَّا مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ) فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَيُغْتَفَرُ فِي الْإِبْرَاءِ تَبَعًا لَهُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ) كَالْإِبْرَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ السِّنِّ وَالْعَدَدِ وَيَرْجِعُ فِي صِفَتِهَا إلَى غَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَالثَّانِي: لَا لِجَهَالَةِ وَصْفِهَا، وَالْإِبْرَاءُ مَطْلُوبٌ فَوُسِّعَ فِيهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، فَالْوَجْهَانِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَيَصِحُّ عَلَى الْقَدِيمِ جَزْمًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ ضَامِنُهَا إذَا ضَمِنَهَا بِالْإِذْنِ وَغَرِمَهَا بِمِثْلِهَا لَا بِقِيمَتِهَا كَالْقَرْضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ بَعْدُ، وَلَوْ سَلَّمَ ثُبُوتَهَا فَلَيْسَتْ لَازِمَةً وَلَا آيِلَةً إلَى اللُّزُومِ عَنْ قُرْبٍ بِخِلَافِ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. فُرُوعٌ لَوْ مَلَّكَهُ مَدِينُهُ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَرِيءَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ كَالْإِبْرَاءِ وَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدَ خَصْمَيْهِ مُبْهِمًا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَبْرَأَ وَارِثٌ عَنْ دَيْنِ مُوَرِّثِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ صَحَّ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ صَحَّ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ، إذَا ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ، فَإِنْ ضَمِنَ عَنْ مَيِّتٍ جَازَ الْأَدَاءُ عَنْهُ. وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ. وَلَوْ اسْتَحَلَّ مِنْهُ مِنْ غِيبَةٍ اغْتَابَهَا وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَهُ فَأَحَلَّهُ مِنْهَا فَهَلْ يَبْرَأُ مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ، لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَمَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ عَبْدٍ، ثُمَّ عَفَا سَيِّدُهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ رِضَاهُ وَلَا يُمْكِنُ الرِّضَا بِالْمَجْهُولِ وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَأَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ. فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ،   [مغني المحتاج] بِخِلَافِ إسْقَاطِ الْمَظَالِمِ، وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ. قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ يُسَامِحُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، وَزَعَمَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ الْجَزْمُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَلَوْ قَالَ: ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ بِذِكْرِ الْغَايَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ) إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ فِي الِالْتِزَامِ. (قُلْتُ: الْأَصَحُّ لِتِسْعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إدْخَالًا لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ، وَقِيلَ لِثَمَانِيَةٍ إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ وُقُوعَ الثَّلَاثِ، وَقِيَاسُهُ تَعَيُّنُ الْعَشَرَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ آسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَلَوْ ضَمِنَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَقَالَ: ضَمِنْت دَرَاهِمَك الَّتِي عَلَى فُلَانٍ صَحَّ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْوِيضِ فِي الصَّدَاقِ لِدُخُولِهَا فِي اللَّفْظِ بِكُلِّ حَالٍ. [فَصْلٌ فِي كَفَالَةِ الْبَدَنِ] ِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا كَفَالَةَ الْوَجْهِ (الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ) فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي مَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ} [يوسف: 66] وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ. وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَفَالَةُ الْبَدَنِ ضَعِيفَةٌ أَرَادَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ (فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِالْبَدَنِ لَا بِالْمَالِ (وَ) لَكِنْ (يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَالِ (مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ) فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ الْمُكَاتَبِ لِلنُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا كَمَا مَرَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ، وَمَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ وَمَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: كَأَصْلِهِ: مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يُوهِمُ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ بِبَدَنِ مَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَمَانَةً كَوَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُهُ الضَّابِطُ الْآتِي (وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) وَتَعْزِيرٍ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ الْمَالَ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّفْعِ فَتُقْطَعُ الذَّرَائِعُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى تَوْسِيعِهَا. وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي (وَ) الْمَذْهَبُ (مَنْعُهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) كَحَدِّ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهَا يَسْعَى فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهُمَا الصِّحَّةُ كَحُدُودِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ مَحَلُّ الْمَنْعِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَتَحَتَّمْ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ، فَإِنْ تَحَتَّمَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالصِّحَّةِ ضَعِيفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَنْبِيهٌ الضَّابِطُ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وُقُوعُهَا بِإِذْنٍ مِنْ الْمَكْفُولِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْكَفِيلِ لَهُ بِبَدَنِ مَنْ لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِعْدَاءِ لِلْحَقِّ كَالْكَفَالَةِ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ يَدَّعِي رَجُلٌ زَوْجِيَّتَهَا؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا، أَوْ بِبَدَنِ رَجُلٍ تَدْعِي آمْرَأَةٌ زَوْجِيَّتَهُ، أَوْ بِبَدَنِ امْرَأَةٍ لِمَنْ ثَبَتَتْ زَوْجِيَّتُهُ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَكَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُوَلِّيًا (وَتَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمَا لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الْإِتْلَافَاتِ وَغَيْرِهَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفُوا اسْمَهُمَا وَنَسَبَهُمَا، وَيُطَالِبُ الْكَفِيلُ وَلِيَّهُمَا بِإِحْضَارِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ صَدَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَكَالْكِفَالَةِ بِبَدَنِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كَفَالَةِ بَدَنِ السَّفِيهِ إذْنُ وَلِيِّهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (وَ) بِبَدَنِ (مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ) بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي عُمُومِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مُتَوَقَّعٌ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ فِي الْحَالِ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُعْسِرِ الْمَالَ. وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ أَذِنَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ بِهَا حَاكِمٌ، أَوْ إلَى فَوْقِ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَوَقَعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّتْ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ مَعَهُ لِأَجْلِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ لَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي (وَ) بِبَدَنِ (مَيِّتٍ لِيُحْضِرَهُ فَيَشْهَدَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 عَلَى صُورَتِهِ. ثُمَّ إنْ عَيَّنَ مَكَان التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَمَكَانُهَا، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ، وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ بِهِ وَيَقُولَ سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ،   [مغني المحتاج] بِفَتْحِ الْهَاءِ (عَلَى صُورَتِهِ) إذَا تَحَمَّلَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ قَبْلَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ تَغَيُّرِهِ، وَلَا نُقِلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى آخَرَ، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ إذْنِ الْوَارِثِ إذَا اشْتَرَطْنَا إذْنَ الْمَكْفُولِ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ مَحَلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ إذْنُ وَلِيِّهِ، وَدَخَلَ فِي الْوَارِثِ بَيْتُ الْمَالِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ وَانْتَقَلَ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (ثُمَّ إنْ عَيَّنَ) الْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ (مَكَانٍ التَّسْلِيمِ تَعَيَّنَ) تَبَعًا لِشَرْطِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعَيَّنْ مَكَانًا (فَمَكَانُهَا) أَيْ الْكَفَالَةُ يَتَعَيَّنُ كَمَا فِي السَّلَمِ فِيهِمَا، وَكَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ مَوْضِعُ التَّكَفُّلِ كَاللُّجَّةِ، أَوْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ الْمُؤَجَّلِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِمَفْهُومِ كَلَامِهِمْ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَالتَّكَفُّلُ مَحْضُ الْتِزَامٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلتَّسْلِيمِ (وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ) أَوْ بِتَسْلِيمِ وَكِيلِهِ (فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ) الْمَذْكُورِ (بِلَا حَائِلٍ كَمُتَغَلِّبٍ) يَمْنَعُ الْمَكْفُولَ لَهُ عَنْهُ لِقِيَامِهِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَهُ مَعَ وُجُودِ الْحَائِلِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِتَسْلِيمِهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ بِتَسْلِيمِهِ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ غَرَضٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَفَوْتِ حَاكِمٍ أَوْ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ امْتَنَعَ لَا لِغَرَضٍ تَسَلَّمَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّسَلُّمَ حِينَئِذٍ لَازِمٌ لَهُ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ سَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَيْنِ وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ لِلْمَكْفُولِ لَهُ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْحَقِّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ (وَبِأَنْ يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ) فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ (وَيَقُولَ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ (سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ) كَمَا يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ الدَّيْنَ، وَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفِيلِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَشْهَدَ الْمَكْفُولُ أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ وَبَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهَا، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ، ثُمَّ الْإِشْهَادُ. تَنْبِيهٌ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُسَلِّمَانِ أَنْفُسَهُمَا عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ. فَإِنْ غَابَ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ، وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ. فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ، وَقِيلَ: إنْ   [مغني المحتاج] قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ، إذْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ حَصَلَ التَّسْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. (وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ) مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ: سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَلَا أَحَدٍ عَنْ جِهَتِهِ، فَلَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ بِإِذْنِهِ بَرِيءَ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ، فَإِنْ قَبِلَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ بَرِيءَ الْكَفِيلُ، وَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ رَجُلَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ، إنْ قَالَ سَلَّمْته عَنْ صَاحِبِي كَانَ كَمَا لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنَانِ فَانْفَكَّ أَحَدُهُمَا لَا يَنْفَكُّ الْآخَرُ، وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ، وَلَوْ تَكَافَلَ كَفِيلَانِ، ثُمَّ أَحْضَرَ أَحَدُهُمَا الْمَكْفُولَ بِهِ بَرِيءَ مُحْضِرُهُ مِنْ الْكَفَالَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَبَرِئَ الْآخَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كَفِيلَهُ سَلَّمَهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ عَنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ مِنْ حَقِّهِ بَرِيءَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ قِبَلَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ كَمَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ بِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ. (فَإِنْ غَابَ) الْمَكْفُولُ (لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ) لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَأَشْبَهَ الْمُعْسِرَ بِالدَّيْنِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ مَكَانَهُ (فَيَلْزَمُهُ) إحْضَارُهُ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَغَيْبَةِ مَالِ الْمَدْيُونِ إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا عِنْد الْكَفَالَةِ كَمَا مَرَّ أَوْ غَابَ بَعْدَهَا بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَلَمْ يَذْهَبْ إلَى مَنْ يَمْنَعُهُ، وَمَا يَغْرَمُهُ الْكَفِيلُ مِنْ مُؤْنَةِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي مَالِهِ (وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ) عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَتَجْهِيزِ الْمَكْفُولِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ إمْهَالُهُ عِنْدَ الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ بِهِمْ وَعِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ الشَّدِيدَةِ وَالْأَوْحَالِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا تُسْلَكُ عَادَةً، وَلَا يُحْبَسُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (فَإِنْ مَضَتْ) أَيْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ (وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ) : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنْ لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فَلَوْ أَدَّاهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ لِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ. اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَبَرِّعًا، وَإِنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنْ يُلْحَقَ بِقُدُومِهِ تَعَذُّرُ حُضُورِهِ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ، وَإِذَا حُبِسَ أُدِيمَ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَتَعَذَّرَ إحْضَارُ الْغَائِبِ بِمَوْتٍ أَوْ جَهْلٍ بِمَوْضِعِهِ أَوْ إقَامَةٍ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَقِيلَ: إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ. وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بَطَلَتْ. وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ   [مغني المحتاج] غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ) كَالْوَلِيِّ وَشَاهِدِ الْأَصِيلِ، فَإِنَّ غَيْبَتَهُمَا إلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ كَالْغَيْبَةِ الْمُنْقَطِعَةِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ) أَوْ لَمْ يُدْفَنْ أَوْ هَرَبَ أَوْ تَوَارَى (لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَإِنَّمَا ضَمِنَ النَّفْسَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إحْضَارِهَا، وَالثَّانِي يُطَالَبُ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْإِحْضَارِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَكْفُولُ وَفَاءً أَمْ لَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْ ذَلِكَ. اهـ. وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا جَزْمًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ بِالدَّفْنِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ لَوْ تَكَلَّم فِي بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْمُطَالَبَةِ فَيَسْتَوِي فِيهَا قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ. اهـ. وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ أَوْ لَمْ يُدْفَنْ وَقَبْلَ الدَّفْنِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى إحْضَارِهِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ أَحْضَرَهُ الْكَفِيلُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ رَقِيقٍ فَمَاتَ أَوْ زَوْجَةٍ فَمَاتَتْ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ) كَقَوْلِهِ كَفَلْت بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ (بَطَلَتْ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا بَطَلَ الشَّرْطُ فَقَطْ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ بِشَرْطِ رَدِّ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ أَوْ لِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ بِشَرْطِ الْحُلُولِ بِجَامِعِ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي تِلْكَ صِفَةٌ تَابِعَةٌ، وَفِي هَذِهِ أَصْلٌ يُفْرَدُ بِعَقْدٍ. وَالتَّابِعُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ: كَفَلْت بَدَنَهُ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيَّ الْمَالُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ، وَبَطَلَ الْتِزَامُ الْمَالِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْطُ، وَإِلَّا بَطَلَتْ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ) الَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهُ أَوْ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَغْرَمُ الْمَالَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَلَا فَائِدَةَ إلَّا حُضُورُ الْمَكْفُولِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَ الْكَفِيلِ حِينَئِذٍ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إحْضَارِهِ. تَنْبِيهٌ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ، فَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَةُ الْكَفِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ كَضَمِنْتُ دَيْنَك عَلَيْهِ أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ، أَوْ أَنَا بِالْمَالِ أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ.   [مغني المحتاج] مُطَالَبَتُهُ، وَإِنْ طَالَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنٍ إلَّا إنْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ إحْضَارَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ: أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ إذَا أَحْضَرَهُ بِاسْتِدْعَاءِ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ، بَلْ لِأَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَسَافَةِ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ اسْتِدْعَاءُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ لَوْ طَلَبَ إحْضَارَ خَصْمِهِ إلَى الْقَاضِي لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ مَعَهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ الْحَقِّ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْكَفِيلُ مِنْ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَمْ يُحْبَسْ. أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ فِيمَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ فَإِنَّهُ حُبِسَ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ: وَهِيَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ: أَحْضِرْهُ إلَى الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ وَكِيلٌ. تَتِمَّةٌ: لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَالٌ كَمَا مَرَّ وَلَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَبْقَى الْحَقُّ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ، فَلَوْ خَلَّفَ وَرَثَةً وَغُرَمَاءَ وَأَوْصِيَاءَ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْجَمِيعِ، وَيَكْفِي التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَصِيِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَيْ إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مَحْصُورًا لَا كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الصِّيغَةِ] ِ، وَهِيَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ لِلضَّمَانِ الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ مُعَبِّرًا عَنْ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: (يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ) لِلْمَالِ (وَالْكَفَالَةِ) لِلْبَدَنِ صِيغَةٌ لِتَدُلَّ عَلَى الرِّضَا، وَهِيَ (لَفْظٌ) صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ (يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْكِتَابَةُ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ (كَضَمِنْتُ) لَك (دَيْنَك عَلَيْهِ) أَيْ فُلَانٍ (أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته) أَوْ الْتَزَمْته (أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ أَوْ أَنَا بِالْمَالِ) الَّذِي عَلَى زَيْدٍ (أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ) أَوْ قَبِيلٌ أَوْ عَلَيَّ مَا عَلَى فُلَانٍ لِثُبُوتِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ مَعَ اشْتِهَارِ لَفْظِ الْكَفَالَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرَائِحُ، وَمِنْ أَلْفَاظِ الْكَفَالَةِ خَلِّ عَنْ فُلَانٍ، وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ عِنْدِي، أَوْ دَيْنُ فُلَانٍ إلَيَّ، وَلَوْ تَكَفَّلَ فَأَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ، ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِشَرْطٍ وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ.   [مغني المحتاج] وَجَدَهُ مُلَازِمًا لِلْخَصْمِ، فَقَالَ: خَلِّهِ وَأَنَا عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَالَةِ صَارَ كَفِيلًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُبْتَدِئٌ بِالْكَفَالَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ مُخْبِرٌ بِهِ عَنْ كَفَالَةٍ وَاقِعَةٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ لَهُ بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ: أَقْرَرْتُك عَلَى الْكِتَابَةِ لَمْ تَعُدْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ غَرَرٍ وَغَبْنٍ، فَيَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ قَالَ: تَكَفَّلْت بِجِسْمِهِ أَوْ رُوحِهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ وَلَوْ تَكَفَّلَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ أَوْ مَا لَا يَبْقَ الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَالرُّوحِ وَالدِّمَاغِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ، وَلَيْسَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ تَصْرِيحٌ بِتَصْحِيحٍ أَمَّا مَا يَبْقَى الشَّخْصُ بِدُونِهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَلَا يَكْفِي، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ عَنْ قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ كَالطَّلَاقِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ، وَمَا لَا كَالْبَيْعِ فَلَا وَالْكَفَالَةُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا كَمَا سَيَأْتِي وَيَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَى الْجُزْءِ. تَنْبِيهٌ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ لَفْظَةَ لَكَ بَعْدَ ضَمِنْت كَمَا قَدَّرْتهَا فِي كَلَامِهِ، فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الظَّاهِرُ (وَلَوْ قَالَ: أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ) بِالِالْتِزَامِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إلَّا إنْ صَحِبَتْهُ قَرِينَةُ الِالْتِزَامِ فَيَلْزَمُ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ (بِشَرْطٍ) كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ ضَمِنْت مَا عَلَى فُلَانٍ أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ فَلَا يَقْبَلَانِ التَّعْلِيقَ كَالْبَيْعِ وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا، فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلَاقِ، وَالثَّالِثُ يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ (لَا) يَجُوزُ (تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ) كَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ إلَى شَهْرٍ وَبَعْدَهُ أَنَا بَرِيءٌ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَسْلِيمِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأَدَاءُ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْقِيتُ الضَّمَانِ قَطْعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الضَّمَانِ لِلضَّامِنِ وَلَا فِي الْكَفَالَةِ لِلْكَفِيلِ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزِمَ فِيهِمَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْغَرَرِ. أَمَّا شَرْطُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالطَّلَبِ إلَيْهِ أَبَدًا، وَشَرْطُهُ لِلْأَجْنَبِيِّ كَشَرْطِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 وَلَوْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ شَهْرًا جَازَ، وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا. وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ.   [مغني المحتاج] لِلضَّامِنِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ ضَمِنَ أَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ خِيَارٍ مُفْسِدٍ أَوْ قَالَ الضَّامِنُ أَوْ الْكَفِيلُ: لَا حَقَّ عَلَى مَنْ ضَمِنْت أَوْ تَكَفَّلْت بِهِ أَوْ قَالَ الْكَفِيلُ: بَرِئَ الْمَكْفُولُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَا وَبَرِئَا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَالْمَكْفُولِ بِهِ، وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ مَالٍ لَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ، وَتَبْطُلُ الْكَفَالَةُ بِقَوْلِهِ كَفَلْت زَيْدًا أَنَّ لِي عَلَيْكَ كَذَا، وَبِقَوْلِهِ: تَكَفَّلْت بِزَيْدٍ فَإِنْ أَحْضَرْتَهُ وَإِلَّا فَبِعَمْرٍو، وَبِقَوْلِهِ: أُبَرِّئُ الْكَفِيلَ وَأَنَا كَفِيلُ الْمَكْفُولِ (وَلَوْ نَجَّزَهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ) بِمَعْلُومٍ كَأَنْ جَعَلَهُ (شَهْرًا جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ مُؤَجَّلًا كَالْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ نَجَّزَهَا عَنْ تَأْجِيلِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَمَنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ جَوَازُ تَأْجِيلِهَا فَهُوَ مُتَجَوِّزٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ شَرَطُ تَأْخِيرِ الْإِحْضَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَبِقَوْلِهِ شَهْرًا عَنْ التَّأْجِيلِ بِمَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَكَمَا سَبَقَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَرَطَ التَّسْلِيمَ فِيهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا) ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ فَصُحِّحَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ، وَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ إلَّا كَمَا الْتَزَمَ، وَلَا نَقُولُ الْتَحَقَ الْأَجَلُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مُؤَجَّلًا ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْحَالَّ لَا يُؤَجَّلُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ: الْأُولَى إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُطَالَبَ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، وَيُعْمَلُ بِهَا. الثَّانِيَةُ إذَا نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَصْحِيحُهُ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَالْأَصَحُّ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَالْمِنْهَاجِ. اهـ. وَلَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلًا بِأَجَلٍ أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ فَكَضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا. تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ: ضَمَانُ الْحَالِّ مَنْ تَكَفَّلَ كَفَالَةً شَرَطَ فِيهَا تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ بِبَدَنِ مَنْ تَكَفَّلَ بِغَيْرِهِ كَفَالَةً لَمْ يَشْرُطْ فِيهَا ذَلِكَ وَلِهَذَا كَانَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ضَمَانُ الْمَالِ الْحَالِّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْتِزَامِ التَّعْجِيلِ فَصَحَّ كَأَصْلِ الضَّمَانِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ) كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ الْأَصِيلُ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ لَزِمَ فَلَزِمَتْهُ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ مَقْصُودًا أَوْ تَبَعًا لِقَضَاءِ حَقِّ الْمُشَابَهَةِ؟ وَجْهَانِ: وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ فِي حَقِّهِ تَابِعًا حَلَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 وَلِلْمُسْتَحِقِّ مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ.   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ لَهُ، وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ. فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ تَصْحِيحُ ضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا وَعَكْسُهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ مَا لَوْ رَهَنَ عَلَى الدَّيْنِ الْحَالِّ، وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَجَلًا، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنَّ كِلَاهُمَا وَثِيقَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ يَنْفَعُ الرَّاهِنَ وَيَضُرُّ بِالْمُرْتَهِنِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ، وَهَذَا الضَّرَرُ حَاصِلٌ لِلرَّاهِنِ إمَّا بِحَبْسِ الْمَرْهُونِ حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ وَإِمَّا بِبَيْعِهِ فِي الْحَالِ قَبْلَ حُلُولِهِ. (وَلِلْمُسْتَحِقِّ) أَيْ الْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ وَارِثِهِ (مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ) بِالدَّيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا أَوْ يُطَالَبُ أَحَدُهُمَا بِبَعْضِهِ وَالْآخَرُ بِبَاقِيهِ. أَمَّا الضَّامِنُ فَلِحَدِيثِ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» . وَأَمَّا الْأَصِيلُ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مِائَةٌ أَنَّهُ يُطَالِبُ بِمِائَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِمِائَةٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ لَيْسَ فِي الْمُطَالَبَةِ، إنَّمَا الْمَمْنُوعُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَخْذُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُ أَحَدِهِمَا. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الضَّامِنِ، هُوَ الَّذِي عَلَى الْأَصِيلِ لَا غَيْرِهِ وَالذِّمَّتَانِ مَشْغُولَتَانِ بِهِ كَالرَّهْنَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَفْلَسَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ عَنْهُ، فَقَالَ الضَّامِنُ لِلْحَاكِمِ بِعْ أَوَّلًا مَالَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ: أُرِيدُ أَبِيعُ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْت قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ أُجِيبَ الضَّامِنُ وَإِلَّا فَالْمَضْمُونُ لَهُ، وَإِذَا رَهَنَ رَهْنًا، وَأَقَامَ ضَامِنًا خُيِّرَ الْمُسْتَحِقُّ بَيْنَ بَيْعِ الرَّهْنِ وَمُطَالَبَةِ الضَّامِنِ عَلَى الصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَجُلَانِ لِآخَرَ ضَمَنَّا مَا لَك عَلَى زَيْدٍ، وَهُوَ أَلْفٌ مَثَلًا أَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا لَوْ قَالَا: رَهَنَّا عَبْدَنَا هَذَا بِالْأَلْفِ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بِالنِّصْفِ فَقَطْ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ كَمَا لَوْ قَالَا: اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِأَلْفٍ، وَصَوَّبَ الْأَوَّلَ السُّبْكِيُّ وَقَالَ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَوْثِقَةٌ كَالرَّهْنِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيُخَالِفُ الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضُ الْمِلْكِ فَبِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْمِلْكِ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقَلْبُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَشُغْلُ ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. اهـ. وَاخْتَلَفَ أَيْضًا عُلَمَاءُ عَصْرِنَا فِي الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسْتَحِقِّ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ، وَالرَّوْضَةِ بِالْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ الْوَارِثَ كَمَا قَرَرْت بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ. وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ بَرِئَ الضَّامِنُ، وَلَا عَكْسَ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا حَلَّ عَلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ. وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ،   [مغني المحتاج] كَلَامَهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُحْتَالُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الضَّامِنَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئْت بِالْحَوَالَةِ، وَلَوْ ضَمَّنَ الضَّامِنُ آخَرَ وَالْآخَرُ آخَرَ، وَهَكَذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) الضَّمَانُ (بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) لِمُنَافَاةِ الشَّرْطِ لِمُقْتَضَى الضَّمَانِ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ ضَامِنٍ قَبْلَهُ أَوْ كَفَلَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ كَافِلٍ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي يَصِحُّ الضَّمَانُ وَالشَّرْطُ لِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْمَيِّتِ قَالَ " فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «هُمَا عَلَيْك وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ فَقَالَ: نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: بَرِيءٌ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّالِثُ يَصِحُّ الضَّمَانُ فَقَطْ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا. (وَلَوْ أَبْرَأَ) الْمُسْتَحِقُّ (الْأَصِيلَ) مِنْ الدَّيْنِ (بَرِيءَ الضَّامِنُ) مِنْهُ لِسُقُوطِهِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ وَثِيقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الدَّيْنُ كَفَكِّ الرَّهْنِ. نَعَمْ يَبْرَأُ مَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ؛ لِأَنَّهُ فَرَّعَهُ فَيَبْرَأُ بِبَرَاءَتِهِ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ. تَنْبِيهٌ فِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ أَدَاءُ الدَّيْنِ وَالِاعْتِيَاضُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ: لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ بَرِيءٌ كَانَ أَشْمَلَ: لَمْ يَصِحَّ فِي قَوْلِهِ، وَلَا عَكْسَ فَإِنَّهُ لَوْ بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالْأَدَاءِ بَرِئَ الْأَصِيلُ، فَالْإِبْرَاءُ فِي الثَّانِيَةِ مُتَعَيَّنٌ. (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ (حَلَّ عَلَيْهِ) لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُرِقَّ (دُونَ الْآخَرِ) فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْأَجَلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْأَصِيلَ فَلِلضَّامِنِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَحِقَّ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ إبْرَائِهِ هُوَ، لِأَنَّ التَّرِكَةَ قَدْ تَهْلِكُ فَلَا يَجِدُ مُرَجِّعًا إذَا غَرِمَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الضَّامِنُ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ الْآذِنِ فِي الضَّمَانِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ الضَّمَانُ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً كَمَا لَوْ أَعَارَهُ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُ ضَمَانُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَمَاتَ الْمُعِيرُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ قَالَ: وَإِنَّمَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ، وَهَذَا فِي عَيْنٍ فَزَالَ الْمَحْذُورُ. (وَإِذَا طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ) بِالدَّيْنِ (فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ) لِلدَّيْنِ الْمَضْمُونِ لَهُ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ. هَذَا (إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ. وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ، وَإِنْ انْتَفَى فِيهِمَا فَلَا،   [مغني المحتاج] الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ كَمَا أَنَّهُ يَغْرَمُهُ إذَا غَرِمَ، وَمَعْنَى التَّخْلِيصِ: أَنَّهُ يُؤَدِّي دَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ لِيَبْرَأَ الضَّامِنُ. أَمَّا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَوْ كَانَ الْأَصِيلُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ فَلِلضَّامِنِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إنْ طُولِبَ طَلَبَ الْوَلِيُّ بِتَخْلِيصِهِ مَا لَمْ يَزُلْ الْحَجْرُ، فَإِنْ زَالَ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَيُقَاسُ بِالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الضَّامِنُ بِإِذْنِهِمَا قَبْلَ الْجُنُونِ وَالْحَجْرِ أَمْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ: أَنَّ الضَّامِنَ إذَا حُبِسَ لَا يُحْبَسُ الْأَصِيلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ شَيْءٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَا مُلَازَمَتُهُ، وَصَحَّحَ السُّبْكِيُّ جَوَازَ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ لَا يُعْطِي شَيْئًا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْقَى لِتَجْوِيزِ الْمُطَالَبَةِ فَائِدَةٌ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ) بِتَخْلِيصِهِ (قَبْلَ أَنْ يُطَالَبَ) هُوَ بِالدَّيْنِ كَمَا لَا يَغْرَمُهُ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ. وَالثَّانِي يُطَالَبُ بِتَخْلِيصِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِلرَّهْنِ وَرَهَنَهَا فَإِنَّ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَتَهُ بِفَكِّهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الضَّامِنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ: أَنْ يَقُولَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إمَّا أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْحَقِّ وَإِمَّا أَنْ تُطَالِبَنِي بِهِ؛ لِأُطَالِبَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ، إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ قَطْعًا، وَلَا يُطَالِبُ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ الْأَصِيلَ بِالْمَالِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَصِيلُ الْمَالَ بِلَا مُطَالَبَةٍ، وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَيَضْمَنُهُ إنْ تَلَفَ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْضِ بِهِ مَا ضَمِنْت عَنِّي فَهُوَ وَكِيلٌ، وَالْمَالُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ الْأَصِيلَ أَوْ صَالَحَ عَمَّا سَيَغْرَمُ فِي مَالِهِ أَوْ رَهَنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا بِمَا ضَمِنَهُ أَوْ أَقَامَ بِهِ كَفِيلًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ لَا يَثْبُت لَهُ حَقٌّ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، وَلَوْ شَرَطَ الضَّامِنُ فِي ابْتِدَاءِ الضَّمَانِ أَنْ يُرْهِنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا أَوْ يُقِيمَ لَهُ بِهِ ضَامِنًا فَسَدَ الضَّمَانُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ. (وَلِلضَّامِنِ) الْغَارِمِ (الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إنْ وُجِدَ إذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَنْفَعَةِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ، هَذَا إنْ أَدَّى مِنْ مَالِهِ. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ، فَأَدَّى بِهِ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي (وَإِنْ انْتَفَى) إذْنُهُ (فِيهِمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ (فَلَا) رُجُوعَ لِتَبَرُّعِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ   [مغني المحتاج] عَلَى الْمَيِّتِ بِضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ (وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ) وَسَكَتَ عَنْ الْأَدَاءِ (رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ فِي سَبَبِ الْأَدَاءِ. وَالثَّانِي لَا يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الرُّجُوعُ مَا إذَا ثَبَتَ الضَّمَانُ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ كَأَنْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ وَغَائِبٍ أَلْفًا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَمِنَ مَا عَلَى الْآخَرِ بِإِذْنِهِ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَغَرَّمَهُ لَمْ يَرْجِعْ زَيْدٌ عَلَى الْغَائِبِ بِالنِّصْفِ لِكَوْنِهِ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ فَهُوَ مَظْلُومٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ، وَمَا لَوْ ضَمِنَ عَبْدٌ مَا فِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَأَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ قَالَ الضَّامِنُ بِالْإِذْنِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُؤَدِّيَ دَيْنَ فُلَانٍ وَلَا أَرْجِعُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى لَا يَرْجِعُ (وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لَا رُجُوعَ فِيمَا إذَا ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَأَدَّى بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ بِإِذْنِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الرُّجُوعِ مَا لَوْ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَغَيْرِ الضَّامِنِ وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حَتَّى يَرْجِعَ فِي الْمُتَقَوِّمِ بِمِثْلِهِ صُورَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بَدَّلَهُ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِالصِّحَاحِ وَالْمِائَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالنُّقْصَانُ جَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ مُسَامَحَةً لِلضَّامِنِ، وَلَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ بِمِائَةٍ وَتَقَاصَّا، أَوْ قَالَ: بِعْتُك الثَّوْبَ بِمَا ضَمِنْته لَك عَنْ فُلَانٍ صَحَّ الْبَيْعُ وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَهُ، وَلَوْ صَالَحَ الضَّامِنُ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ أَدَّى إلَيْهِ الْبَعْضَ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَبَرِئَ فِيهِمَا وَبَرِئَ الْأَصِيلُ عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الصُّلْحِ دُونَ صُورَةِ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ، وَبَرَاءَةُ الضَّامِنِ إنَّمَا تَقَعُ عَنْ الْوَثِيقَةِ. . فُرُوعٌ لَوْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الضَّامِنِ، ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ هَلْ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ لَا؟ رَجَّحَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَ وَهَذَا لَمْ يَغْرَمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَهَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ، ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ مُسْلِمٍ دَيْنًا فَصَالَحَ صَاحِبَهُ عَلَى خَمْرٍ لَغَا الصُّلْحُ فَلَا يَبْرَأُ الْمُسْلِمُ كَمَا لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] دَفَعَ الْخَمْرَ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِهِ وَأَدَّى الدَّيْنَ لِلْمُسْتَحِقِّ رَجَعَ عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْأَصِيلِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ إذْنِهِ وَلَا الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا. (وَمَنْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ فَلَا رُجُوعَ) لَهُ عَلَيْهِ لِتَبَرُّعِهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ أَوْجَرَ طَعَامَهُ مُضْطَرًّا قَهْرًا أَوْ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَبَرِّعًا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ خَلَاصُهُ مِنْ الْهَلَاكِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَدَّى الْوَلِيُّ دَيْنَ مَحْجُورِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ ضَمِنَ عَنْهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَمَا لَوْ صَارَ الدَّيْنُ إرْثًا لِلضَّامِنِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الضَّمَانُ بِغَيْرِ إذْنٍ (وَإِنْ أَذِنَ) لَهُ فِي الْأَدَاءِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ) عَلَيْهِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ (وَكَذَا إنْ أَذِنَ) لَهُ (مُطْلَقًا) عَنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ (فِي الْأَصَحِّ) إذَا أَدَّى بِقَصْدِ الرُّجُوعِ لِلْعُرْفِ وَالثَّانِي لَا، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِذْنِ الرُّجُوعُ، وَفِي مَعْنَى الْإِذْنِ التَّوْكِيلُ فِي الشِّرَاءِ إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاجِحِ لِتَضَمُّنِ التَّوْكِيلِ إذْنُهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْبَائِعِ مُطَالَبَتَهُ بِالثَّمَنِ وَالْعُهْدَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ الضَّمَانِ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ) ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْآذِنِ حُصُولُ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ. وَالثَّانِي: تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْمُصَالَحَةِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ بِمَ يَرْجِعُ، وَهُوَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ وَقِيمَةِ الْمُؤَدَّى، فَلَوْ صَالَحَ بِالْإِذْنِ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَنْ خَمْسَةٍ عَلَى ثَوْبٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا بِخَمْسَةٍ. (ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي) بِالْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ (إذَا أَشْهَدَ بِالْأَدَاءِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدَالَةُ. نَعَمْ لَوْ أَشْهَدَ مَسْتُورَيْنِ فَبَانَا فَاسِقَيْنِ كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ لِإِتْيَانِهِ بِحُجَّةٍ وَلِتَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْبَاطِنِ فَكَانَ مَعْذُورًا (وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ) إذْ الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ حُجَّةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُمَا قَدْ يَتَرَافَعَانِ إلَى حَنَفِيٍّ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ التَّقْصِيرِ وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ إشْهَادَ مَنْ يَتَّفِقُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُولِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لِيَحْلِفَ مَعَهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعَزْمِ عَلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْإِشْهَادِ، فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يُشْهِدْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحَاوِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ حَلَفَ مَعَهُ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عِنْدَ الْإِشْهَادِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ قِيلَ: إنْ كَانَ حَاكِمُ الْبَلَدِ حِينَ الدَّفْعِ وَالْإِشْهَادِ حَنَفِيًّا فَهُوَ مُقَصِّرٌ لَمْ يَبْعُدْ. اهـ. وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَا يَكْفِي إشْهَادُ مَنْ يُسَافِرُ قَرِيبًا إذْ لَا يُفْضِي إلَى الْمَقْصُودِ. (فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ) أَيْ: الضَّامِنُ بِالْأَدَاءِ وَأَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ سَكَتَ (فَلَا رُجُوعَ) لَهُ (إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ (وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِأَدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ، إذْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَصِيلُ بِالْإِشْهَادِ أَوْ بِتَرْكِهِ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَمْ يَرْجِعْ جَزْمًا أَوْ بِتَرْكِهِ رَجَعَ جَزْمًا كَمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ، ثُمَّ أَدَّى ثَانِيًا وَأَشْهَدَ هَلْ يَرْجِعُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبْرِئُ لِلذِّمَّةِ أَوْ بِالثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُسْقِطُ لِلضَّمَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صِحَاحًا وَالْآخَرُ مُكَسَّرًا مَثَلًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِأَقَلِّهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِزَعْمِهِ مَظْلُومٌ بِالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ الْمُبْرِئُ لِكَوْنِهِ أَشْهَدَ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مِنْ الزَّائِدِ (فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ) وَكَذَّبَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَلَا بَيِّنَةَ (أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ) مَعَ تَكْذِيبِ الْمَضْمُونِ لَهُ (رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ الرَّاجِحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلِمَ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ فِي الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي فِي الْأُولَى يَقُولُ تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى الْأَصِيلِ وَتَصْدِيقُ وَرَثَةِ رَبِّ الدَّيْنِ الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفَ كَتَصْدِيقِهِ وَهَلْ تَصْدِيقُ الْإِمَامِ حَيْثُ يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَتَصْدِيقِ الْوُرَّاثِ الْخَاصِّ أَوْ تَصْدِيقِ غُرَمَاءِ مَنْ مَاتَ مُفْلِسًا كَتَصْدِيقِ رَبِّ الدَّيْنِ؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يَقُولُ: لَمْ يَنْتَفِعْ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْإِشْهَادَ، فَإِنْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِعَدَمِ تَوْفِيَتِهِ بِالشَّرْطِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ فِي الضَّامِنِ الْمُؤَدِّي فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 كتاب الشركة   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ أَشْهَدْتُ بِالْأَدَاءِ شُهُودًا وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا أَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ فَكَذَّبَهُ الْأَصِيلُ فِي الْإِشْهَادِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الشُّهُودُ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُشْهِدْ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ فَكَذَّبَاهَا لَا يَقْدَحُ فِي إقْرَارِهَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ أَقَرَّتْ بِحَقٍّ عَلَيْهَا فَلَمْ يُلْغَ بِإِنْكَارِهِمَا، وَهَذَا هُنَا يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ حَقًّا، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَدْرِي، وَرُبَّمَا نَسِينَا لَا رُجُوعَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ دَعْوَاهُ مَوْتَ الشَّاهِدِ، وَلَوْ بَاعَ مِنْ اثْنَيْنِ شَيْئًا وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَرَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي حِسْبَتِهِ يَمْنَعُ أَهْلَ سُوقِ الرَّقِيقِ مِنْ الْبَيْعِ مُسَلَّمًا، وَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ مِنْ الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالرَّقِيقِ، وَهَذَا إنْ كَانَ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَلَا وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي لِلْآخَرِ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّهُ هُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا إلَى جِهَةِ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا مُطْلَقًا. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ [كِتَابُ الشِّرْكَةِ] 1 ِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَحُكِيَ فَتْحُ الشِّينِ وَسُكُون الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَشِرْكٌ بِلَا هَاءٍ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سبأ: 22] أَيْ نَصِيبٍ وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ، وَشَرْعًا ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 هِيَ أَنْوَاعُ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ، وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ أَوْ اخْتِلَافِهَا. وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ مِنْ غُرْمٍ. وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ بَيْنَهُمَا   [مغني المحتاج] قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ زَيْدٍ " كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَافْتَخَرَ بِشَرِكَتِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ " وَخَبَرُ " «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصُحِّحَ إسْنَادُهُمَا. وَالْمَعْنَى: أَنَا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ، فَأَمُدُّهُمَا بِالْمَعُونَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَأُنْزِلُ الْبَرَكَةَ فِي تِجَارَتِهِمَا، فَإِذَا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْخِيَانَةُ رَفَعْت الْبَرَكَةَ وَالْإِعَانَةَ عَنْهُمْ، وَهُوَ مَعْنَى خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا، وَمَقْصُودُ الْبَابِ شَرِكَةٌ تَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بِقَصْدِ التَّصَرُّفِ وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَلَيْسَتْ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ وَتَوْكِيلٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. (هِيَ) أَيْ الشَّرِكَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ (أَنْوَاعٌ) أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ (شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ كَشَرِكَةِ الْحَمَّالِينَ وَسَائِرِ الْمُحْتَرِفَةِ) كَالْخَيَّاطِينَ وَالنَّجَّارِينَ وَالدَّلَّالِينَ (لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا) بِحِرْفَتَيْهِمَا (مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاوِتًا مَعَ اتِّفَاقِ الصَّنْعَةِ) كَنَجَّارٍ وَنَجَّارٍ (أَوْ اخْتِلَافِهَا) كَخَيَّاطٍ وَنَجَّارٍ. (وَ) الثَّانِي (شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِأَنْ يَشْتَرِكَا (لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا كَسْبُهُمَا) قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ: بِأَمْوَالِهِمَا وَأَبْدَانِهِمَا (وَعَلَيْهِمَا مَا يَعْرِضُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (مِنْ غُرْمٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِغَصْبٍ أَمْ بِإِتْلَافٍ أَمْ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَسُمِّيَتْ مُفَاوَضَةً مِنْ تَفَاوَضَا فِي الْحَدِيثِ شَرَعَا فِيهِ جَمِيعًا. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ: قَوْمٌ فَوْضَى بِفَتْحِ الْفَاءِ: أَيْ مُسْتَوُونَ. (وَ) الثَّالِثُ (شَرِكَةُ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَشْتَرِكَ الْوَجِيهَانِ) عِنْدَ النَّاسِ (لِيَبْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمُؤَجَّلٍ) وَيَكُونُ الْمُبْتَاعُ (لَهُمَا، فَإِذَا بَاعَا كَانَ الْفَاضِلُ عَنْ الْأَثْمَانِ) الْمُبْتَاعِ بِهَا (بَيْنَهُمَا) أَوْ أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَجِيهُ فِي الذِّمَّةِ وَيَبِيعَ الْخَامِلُ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الْوَجِيهُ وَالْمَالُ لِلْخَامِلِ وَهُوَ فِي يَدِهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَدْفَعَ خَامِلٌ مَالًا إلَى وَجِيهٍ لِيَبِيعَهُ بِزِيَادَةٍ وَيَكُونُ لَهُ بَعْضُ الرِّبْحِ، وَأَشْهَرُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ الثَّلَاثَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ بَاطِلَةٌ. وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى   [مغني المحتاج] الْأَوَّلُ (وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ) الثَّلَاثَةُ (بَاطِلَةٌ) . أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهِيَ شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ فَلِعَدَمِ الْمَالِ فِيهَا وَلِمَا فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ إذْ لَا يَدْرِي أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لَا؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ فَيَخْتَصُّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ، وَيَكُونُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا وَقِيَاسًا عَلَى الِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ. وَأَمَّا الثَّانِي وَهِيَ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْغَرَرِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنْ لَمْ تَكُنْ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَاطِلَةٌ فَلَا بَاطِلَ أَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، أَشَارَ إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ فِيهَا. نَعَمْ إنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ، كَأَنْ قَالَا تَفَاوَضْنَا أَوْ اشْتَرَكْنَا شَرِكَةَ عِنَانٍ جَازَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهِيَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فَلِعَدَمِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، ثُمَّ مَا يَشْتَرِيه أَحَدُهُمَا فِي التَّصْوِيرِ الْأَوَّلِ. وَالثَّانِي مَلَكَهُ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ وَفِي التَّصْوِيرِ الثَّالِثِ قِرَاضٌ فَاسِدٌ لِاسْتِبْدَادِ الْمَالِكِ بِالْيَدِ. نَعَمْ إنْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنًا، وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَهُمَا فَإِنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الْعَيْنِ الْمَأْذُونِ فِيهَا، وَلَوْ حَصَلَ شَيْءٌ فِي النَّوْعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ اكْتِسَابِ الْمُشْتَرِكَيْنِ لَهُ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُجْتَمِعَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأَوَّلِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الثَّانِي. (وَشَرِكَةُ الْعِنَانِ صَحِيحَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي مَالٍ لَهُمْ لِيَتَّجِرَا فِيهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَالْعِنَانُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ ظَهَرَ، إمَّا لِأَنَّهَا أَظْهَرُ الْأَنْوَاعِ، أَوْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَالُ الْآخَرِ، أَوْ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَإِمَّا لِاسْتِوَاءِ الشَّرِيكَيْنِ فِي وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَسْخِ وَاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ كَاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ الْعِنَانِ، أَوْ لِمَنْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ التَّصَرُّفَ كَمَا شَاءَ كَمَنْعِ الْعِنَانِ الدَّابَّةَ، أَوْ لِمَنْعِ الشَّرِيكِ نَفْسَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ كَمَنْعِ الْأَخْذِ لِعِنَانِ الدَّابَّةِ إحْدَى يَدَيْهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا كَيْفَ شَاءَ وَيَدُهُ الْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا كَيْفَ شَاءَ وَقِيلَ: مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ عَرَضَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ عَرَضَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْآخَرَ. وَقِيلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ: أَيْ سَحَابِهِ؛ لِأَنَّهَا عَلَتْ كَالسَّحَابِ بِصِحَّتِهَا وَشُهْرَتِهَا وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّتِهَا كَمَا مَرَّ. وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهَا بِالْفَتْحِ أَيْضًا مِنْ عَنَّ إذَا ظَهَرَ، وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ وَمَالٌ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ رَابِعًا وَهُوَ الْعَمَلُ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالصِّيغَةِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ شَرِكَةِ الْعِنَانِ صِيغَةٌ وَهِيَ (لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ فَلَوْ اقْتَصَرَا عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ فِي الْأَصَحِّ:. وَفِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ.   [مغني المحتاج] الْإِذْنِ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (فِي التَّصَرُّفِ) لِمَنْ يَتَصَرَّفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَا يُعْرَفُ الْإِذْنُ إلَّا بِصِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ فِي مَعْنَى اللَّفْظِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، فَلَوْ قَالَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: اتَّجِرْ أَوْ تَصَرَّفْ اتَّجَرَ فِي الْجَمِيعِ فِيمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِيمَا شِئْت كَالْقِرَاضِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ الْقَائِلُ، إلَّا فِي نَصِيبِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْآخَرُ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَمَتَى عَيَّنَ لَهُ جِنْسًا أَوْ نَوْعًا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي غَيْرِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا عَيَّنَهُ أَنْ يَعُمَّ وُجُودُهُ، وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِرَاضِ حُصُولُ الرِّبْحِ حَتَّى لَا يَضِيعَ عَمَلُ الْعَامِلِ، وَالرِّبْحُ لَا يَحْصُلُ فِيمَا لَا يَعُمُّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّرِكَةِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ فَأَشْبَهَتْ الْوَكَالَةَ (فَلَوْ اقْتَصَرَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَلَى اشْتَرَكْنَا لَمْ يَكْفِ) فِي الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا، إلَّا فِي نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ حُصُولِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ شَرِكَةً. وَالثَّانِي: يَكْفِي لِفَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عُرْفًا نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ نَوَيَا بِذَلِكَ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ كَانَ إذْنًا كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُمَا الرُّكْنُ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ) فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِالْمِلْكِ وَفِي مَالِ الْآخَرِ بِالْإِذْنِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُوَكِّلٌ وَوَكِيلٌ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إذَا أَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ فِي الْآذِنِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ، وَفِي الْمَأْذُونِ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ أَعْمَى دُونَ الثَّانِي. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ الشَّرِكَةِ لِلْوَلِيِّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْقِرَاضِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ جُزْءٍ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ وَهُوَ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرُ رَشِيدٍ وَرَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّرِكَةِ اسْتَدَامَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى الْجَوَازِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُشَارِكَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ بِحَيْثُ يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْمَحْجُورِ عِنْدَهُ. اهـ. وَهُوَ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 وَتَصِحُّ فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ دُونَ الْمُتَقَوِّمِ، وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ. وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ، وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ اخْتِلَافِ جِنْسٍ، أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ   [مغني المحتاج] قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الْمُتَصَرِّفَ دُونَ مَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ الْمُتَصَرِّفَ، وَيُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الْكَافِرِ، وَمَنْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الرِّبَا وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَرِّفُ مُشَارِكَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ لِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا مِنْ الشُّبْهَةِ، وَلَوْ شَارَكَ الْمُكَاتَبُ غَيْرَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنْ كَانَ هُوَ الْمَأْذُونَ لَهُ: أَيْ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ بِعَمَلِهِ، وَيَصِحُّ إنْ كَانَ هُوَ الْآذِنَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ صَحَّ مُطْلَقًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الْمَالِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ فَقَالَ: (وَتَصِحُّ) الشَّرِكَةُ (فِي كُلِّ مِثْلِيٍّ) أَمَّا النَّقْدُ الْخَالِصُ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْمَغْشُوشُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُهُ إنْ اسْتَمَرَّ رَوَاجُهُ. وَأَمَّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْحَدِيدِ فَعَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ ارْتَفَعَ التَّمْيِيزُ فَأَشْبَهَ النَّقْدَيْنِ، وَمِنْ الْمِثْلِيِّ تِبْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ فَمَا أَطْلَقَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا مِنْ مَنْعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْن الْحُلِيِّ وَالسَّبَائِكِ فِي ذَلِكَ (دُونَ الْمُتَقَوِّمِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، إذْ لَا يُمْكِنُ الْخَلْطُ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ مُتَمَيِّزَةٌ، وَحِينَئِذٍ قَدْ يَتْلَفُ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ يَنْقُصُ فَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْآخَرِ بَيْنَهُمَا (وَقِيلَ: تَخْتَصُّ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ) الْخَالِصِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَالْقِرَاضِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْرُوبِ يُسَمَّى نَقْدًا وَلَيْسَ مُرَادًا. (وَيُشْتَرَطُ خَلْطُ الْمَالَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزَانِ) لِمَا مَرَّ فِي امْتِنَاعِ الْمُتَقَوِّمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْخَلْطِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لَمْ يَكْفِ جَزْمًا، إذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ فَيُعَادُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَا يَكْفِي الْخَلْطُ مَعَ) إمْكَانِ التَّمْيِيزِ بِنَحْوِ (اخْتِلَافِ جِنْسٍ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ (أَوْ صِفَةٍ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ) وَحِنْطَةٍ جَدِيدَةٍ وَحِنْطَةٍ عَتِيقَةٍ، أَوْ بَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ، أَوْ بَيْضَاءَ وَحَمْرَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ، فَإِنْ خَلَطَ حِينَئِذٍ وَتَلِفَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا تَلِفَ عَلَيْهِ فَقَطْ وَتَعَذَّرَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْبَاقِي. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمِثْلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ خَلَطَ قَفِيزًا مُقَوَّمًا بِمِائَةٍ بِقَفِيزٍ مُقَوَّمٍ بِخَمْسِينَ صَحَّ وَكَانَتْ الشَّرِكَةُ أَثْلَاثًا بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هَذَا الْقَفِيزُ مِثْلًا لِذَلِكَ الْقَفِيزِ، وَإِنْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 هَذَا إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَا، فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ، وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي قَدْرِ   [مغني المحتاج] مِثْلِيًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَا لَهُ بِعَلَامَةٍ لَا يَعْرِفُهَا غَيْرُهُ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّمْيِيزِ هَلْ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ نَظَرًا إلَى حَالِ النَّاسِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى حَالِهِمَا؟ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (هَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْخَلْطِ (إذَا أَخْرَجَا مَالَيْنِ وَعَقَدَ فَإِنْ مَلَكَا مُشْتَرَكًا) مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ أَوَّلًا كَالْعُرُوضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ (بِإِرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَذِنَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (لِلْآخَرِ فِي التِّجَارَةِ فِيهِ تَمَّتْ الشَّرِكَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِالْخَلْطِ حَاصِلٌ (وَالْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي) بَاقِي (الْعُرُوضِ) مِنْ الْمُتَقَوِّمِ كَالثِّيَابِ (أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ) سَوَاءٌ أَتَجَانَسَ الْعِوَضَانِ أَمْ اخْتَلَفَا أَوْ يَبِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ عَرْضِهِ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ يَتَقَاصَّا (وَيَأْذَنُ لَهُ) بَعْدَ التَّقَابُضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا شَرَطَ فِي الْبَيْعِ (فِي التَّصَرُّفِ) فِيهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبْلَغُ فِي الِاشْتِرَاكِ أَيْ مِنْ خَلْطِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ هُنَا إلَّا وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُنَاكَ وَإِنْ وُجِدَ الْخَلْطُ فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مُمْتَازٌ عَنْ مَالِ الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ بِيعَ نِصْفٌ بِنِصْفٍ، وَإِنْ بِيعَ ثُلُثٌ بِثُلُثَيْنِ أَوْ رُبْعٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ لِأَجْلِ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ مَلَكَاهُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ أَيْضًا، هَذَا إذَا لَمْ يَشْرُطَا فِي التَّبَايُعِ الشَّرِكَةَ فَإِنْ شَرَطَاهَا فَسَدَ الْبَيْعُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَأَقَرَّهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقِيمَةِ الْعِوَضَيْنِ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِنْ الْحِيلَةِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا ذَكَرْته بَعْدَ كَلَامِهِ، وَأَنْ يَقُولَ فِي بَاقِي الْعُرُوضِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي الْمَنْقُولَاتِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ جَائِزَةٌ بِالْخَلْطِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْعُرُوضِ، إذْ الْعَرَضُ مَا عَدَا النَّقْدِ، وَأَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَأْذَنُ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْإِذْنِ عَنْ الْبَيْعِ لِيَقَعَ الْإِذْنُ بَعْدَ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَأَنْ يَحْذِفَ لَفْظَةَ كُلِّ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ الْآخَرِ وَتَقَاصَّا حَصَلَ الْغَرَضُ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: كُلُّ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْإِذْنِ وَنِسْبَةُ الْبَيْعِ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمُشْتَرِي بِتَأْوِيلِ أَنَّهُ بَائِعٌ لِلثَّمَنِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الشَّرِكَةِ (تَسَاوِي قَدْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 الْمَالَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ. وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِلَا ضَرَرٍ فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا يُسَافِرُ بِهِ وَلَا يُبْعِضُهُ بِغَيْرِ إذْنٍ.   [مغني المحتاج] الْمَالَيْنِ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، بَلْ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا عَلَى نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، إذْ الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِمَا) أَيْ بِقَدْرِ كُلٍّ مِنْ الْمَالَيْنِ أَهُوَ النِّصْفُ أَمْ غَيْرُهُ (عِنْدَ الْعَقْدِ) إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ بَعْدُ بِمُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أَوْ وَكِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا، بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى جَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا أَذِنَ فِيهِ وَبِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ كُلٌّ مِنْهُمَا جَاهِلٌ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ مِنْهُ يَصِحُّ الْإِذْنُ فِي الْأَصَحِّ وَيَكُونُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا كَالْمُثَمَّنِ، وَلَوْ جَهِلَا الْقَدْرَ وَعَلِمَا النِّسْبَةَ بِأَنْ وَضَعَ أَحَدُهُمَا الدَّرَاهِمَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ وَوَضَعَ الْآخَرُ بِإِزَائِهَا مِثْلَهَا صَحَّ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ اشْتَبَهَ ثَوْبَاهُمْ لَمْ يَكْفِ لِلشَّرِكَةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ ثَوْبَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَنْ الْآخَرِ. (وَيَتَسَلَّطُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ) إذَا وُجِدَ الْإِذْنُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ (بِلَا ضَرَرٍ) كَالْوَكِيلِ (فَلَا يَبِيعُ نَسِيئَةً) لِلْغَرَرِ (وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا) يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي (بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) كَالْوَكِيلِ، فَلَوْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَيَصِحُّ فِي نَفْسِهِ فَتَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ فِي الْمُشْتَرَى أَوْ فِي الْمَبِيعِ وَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ فِي الذِّمَّةِ اُخْتُصَّ الشِّرَاءُ بِهِ فَيُزَنْ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ (وَلَا يُسَافِرُ بِهِ) أَيْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ، فَإِنْ سَافَرَ ضَمِنَ، فَإِنْ بَاعَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ ضَامِنًا. نَعَمْ إنْ عَقَدَ الشَّرِكَةَ بِمَفَازَةٍ لَمْ يَضْمَنْ بِالسَّفَرِ إلَى مَقْصِدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ قَاضِيَةٌ لَهُ بِذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا لَوْ جَلَى أَهْلُ بَلَدٍ لِقَحْطٍ أَوْ عَدُوٍّ وَلَمْ تُمْكِنُهُ مُرَاجَعَةُ الشَّرِيكِ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِالْمَالِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ. (وَلَا يُبْعِضُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَسُكُون الْمُوَحَّدَةِ: أَيْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ يَدِهِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، هَذَا كُلُّهُ إنْ فَعَلَهُ (بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ شَرِيكِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ ذِكْرُهُ جَازَ، نَعَمْ لَا يَسْتَفِيدُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ فِي السَّفَرِ رُكُوبَ الْبَحْرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ كَنَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: بِعْ بِكَمْ شِئْت أَنَّ لَهُ الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَلَا يَجُوزُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ قَالَ: بِعْ بِمَا شِئْت فَلَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ لَا بِالنَّسِيئَةِ وَلَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 وَلِكُلٍّ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِفَسْخِهِمَا، فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ. وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ. وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا، فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ   [مغني المحتاج] قَالَ: كَيْفَ شِئْت فَلَهُ الْبَيْعُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالْغَبْنِ لَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا. ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكَالَةِ (وَيَنْعَزِلَانِ عَنْ التَّصَرُّفِ) جَمِيعًا (بِفَسْخِهِمَا) أَيْ بِفَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا (فَإِنْ) لَمْ يَفْسَخَا وَلَا أَحَدُهُمَا، وَلَكِنْ (قَالَ أَحَدُهُمَا) لِلْآخَرِ: (عَزَلْتُك أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي) انْعَزَلَ الْمُخَاطَبُ، وَ (لَمْ يَنْعَزِلْ الْعَازِلُ) فَيَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ؛ لِأَنَّ الْعَازِلَ لَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدٌ بِخِلَافِ الْمُخَاطَبِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمُخَاطَبُ عَزْلَهُ فَلِيَعْزِلَهُ. (وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِجُنُونِهِ وَبِإِغْمَائِهِ) ، كَالْوَكَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ فِي الثَّالِثَةِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُولَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا، وَاسْتُثْنِيَ فِي الْبَحْرِ إغْمَاءٌ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا فَسْخَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ، وَعَلَى وَلِيِّ الْوَارِثِ غَيْرِ الرَّشِيدِ فِي الْأُولَى وَالْمَجْنُونِ فِي الثَّانِيَةِ: اسْتِئْنَافُهَا لَهُمَا وَلَوْ بِلَفْظِ التَّقْرِيرِ عِنْدَ الْغِبْطَةِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَفَتْ الْغِبْطَةُ فَعَلَيْهِ الْقِسْمَة. أَمَّا إذَا كَانَ الْوَارِثُ رَشِيدًا فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِوَلِيِّ غَيْرِ الرَّشِيدِ اسْتِئْنَافُهَا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ كَالْمَرْهُونِ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْمَرْهُونِ بَاطِلَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ فَيَفْصِلُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ رَشِيدًا أَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَتَنْفَسِخُ أَيْضًا بِطُرُوِّ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يَنْفُذُ مِنْهُمَا كَنَظِيرِهِ فِي الْوَكَالَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الِاسْتِرْقَاقِ وَالرَّهْنِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ. (وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لَا الْأَجْزَاءِ شَرَطَا ذَلِكَ أَوْ لَا (تَسَاوَيَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا) فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَتُهُمَا، فَكَانَ عَلَى قَدْرِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ، فَأَثْمَرَتْ أَوْ شَاةٌ فَنَتَجَتْ (فَإِنْ شَرَطَا خِلَافَهُ) ، بِأَنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْمَالَيْنِ، أَوْ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ (فَسَدَ الْعَقْدُ) لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ شَرَطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ لِلْأَكْثَرِ مِنْهُمَا عَمَلًا بَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا لَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ. وَالْخُسْرَانِ وَالتَّلَفِ فَإِنْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ. وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ هُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ مُشْتَرَكٌ أَوْ بِالْعَكْسِ صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَوْ قَالَ اقْتَسَمْنَا وَصَارَ لِي صُدِّقَ الْمُنْكِرُ. وَلَوْ اشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْته   [مغني المحتاج] الْخُسْرَانِ (فَيَرْجِعُ كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى الْآخَرِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي مَالِهِ) أَيْ: الْآخَرِ كَالْقِرَاضِ إذَا فَسَدَ، وَكَذَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ عِنْدَ فَسَادِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ يَرُدَّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَتَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ، وَشَرَطَ الْأَقَلَّ لِلْأَكْثَرِ عَمَلًا لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَقَعَ التَّقَاصُّ فِي الْجَمِيعِ، إنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ أَيْضًا وَفِي بَعْضِهِ إنْ تَفَاوَتَا فِيهِ، وَلَوْ تَسَاوَيَا مَالًا لَا عَمَلًا وَشَرَطَ زِيَادَةً لِمَنْ عَمِلَ مِنْهُمَا أَكْثَرَ قَاصَّ صَاحِبَهُ بِرُبْعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَ وَهُوَ رُبْعُهَا، وَلَوْ شُرِطَتْ الزِّيَادَةُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ زَادَ عَمَلُهُ فَزَادَ عَمَلُ الْآخَرِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ لِتَبَرُّعِهِ بِمَا زَادَ مِنْ عَمَلِهِ (وَتَنْفُذُ التَّصَرُّفَاتُ) مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْإِذْنِ (وَالرِّبْحُ) بَيْنَهُمَا (عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْهُمَا، وَقَدْ أَبْطَلْنَا الشَّرِكَةَ فَرَجَعَ إلَى الْأَصْلِ (وَيَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ) كَالْمُودَعِ وَالْوَكِيلِ (فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ) أَيْ فِي رَدِّ نَصِيب الشَّرِيكِ. . أَمَّا لَوْ ادَّعَى رَدّ الْكُلِّ وَأَرَادَ طَلَبَ نَصِيبَهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي طَلَبِهِ. (وَ) فِي (الْخُسْرَانِ وَ) فِي (التَّلَفِ) إنْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ (فَإِنْ ادَّعَاهُ) أَيْ التَّلَفَ (بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ) كَحَرِيقٍ وَجَهْلٍ (طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِالسَّبَبِ، ثُمَّ) بَعْدَ إقَامَتِهَا (يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ بِهِ) بِيَمِينِهِ، فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ دُونَ عُمُومِهِ بِيَمِينِهِ أَوْ وَعُمُومُهُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخَرِ بَابِ الْوَدِيعَةِ. (وَلَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (هُوَ لِي، وَقَالَ الْآخَرُ) : هُوَ (مُشْتَرَكٌ أَوْ) قَالَا (بِالْعَكْسِ) أَيْ قَالَ: مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ؛ هُوَ مُشْتَرَكٌ وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ لِي (صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَقَدْ ادَّعَى صَاحِبُهَا جَمِيعَ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَنِصْفَهُ فِي الثَّانِيَةِ (وَلَوْ قَالَ) صَاحِبُهُ: (اقْتَسَمْنَا وَصَارَ) مَا فِي يَدِي (لِي) وَقَالَ الْآخَرُ: لَا، بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ (صُدِّقَ الْمُنْكِرُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَلَكَ هَذَا الرَّقِيقَ مَثَلًا بِالْقِسْمَةِ وَحَلَفَا أَوْ نَكَلَا جُعِلَ مُشْتَرَكًا، وَإِلَّا فَلِلْحَالِفِ. (وَلَوْ اشْتَرَى) أَحَدُهُمَا شَيْئًا (وَقَالَ: اشْتَرَيْته الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر صُدِّقَ الْمُشْتَرِي.   [مغني المحتاج] لِلشَّرِكَةِ أَوْ لِنَفْسِي وَكَذَّبَهُ الْآخَر) ، بِأَنْ عَكَسَ مَا قَالَهُ (صُدِّقَ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ وَسَوَاءٌ ادَّعَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِالشَّرِكَةِ أَوْ نَوَاهَا. وَالْغَالِبُ: أَنَّ الْأَوَّلَ يَقَعُ عِنْدَ ظُهُورِ الْخُسْرَانِ وَالثَّانِي عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَظَهَرَ كَوْنُهُ مَعِيبًا فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ لِلشَّرِكَةِ لِيَرُدَّ حِصَّتَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْعِمْرَانِيُّ. خَاتِمَةٌ: لَوْ أَخَذَ شَخْصٌ جَمَلًا لِرَجُلٍ مَثَلًا وَرَاوِيَةً لِآخَرَ لِيَسْقِيَ الْمَاءَ بِاتِّفَاقِهِمْ، وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ أَشْيَاءَ مُتَمَيِّزَةٍ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ بِالِاسْتِقَاءِ لِلْمُسْتَقِي إنْ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ مُبَاحًا وَقَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ وَعَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَالِهِ، فَإِنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ بِالِاسْتِقَاءِ فِي الْمُبَاحِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ لِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ وَقُسِّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ أَمْثَالِهِمْ لِحُصُولِهِ بِمَنَافِعَ مُخْتَلِفَةٍ بِلَا تَرْجِيحٍ بَيْنَهُمْ. وَلَوْ اشْتَرَكَ مَالِكُ أَرْضٍ وَمَالِكُ بَذْرٍ وَمَالِكُ آلَةِ حَرْثٍ مَعَ رَابِعٍ يَعْمَلُ عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ شَرِكَةً لِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ، وَلَا إجَارَةً لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْأُجْرَةِ، وَلَا قِرَاضًا، إذْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْسُ مَالٍ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ، وَلَهُمْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ حَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ فَإِنْ قِيلَ: الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مُطْلَقًا حَصَلَ رِبْحٌ أَوْ لَا، وَالْمَعْنَى الَّذِي هُنَا مَوْجُودٌ ثَمَّ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِيهِ صُورَةُ الْقِرَاضِ، وَمَا هُنَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا صُورَةُ شَرِكَةٍ وَلَا إجَارَةٍ، بَلْ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ بِهِ الْجَعَالَةُ الْفَاسِدَةُ، وَالْعَامِلُ فِيهَا إنَّمَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ إذَا وُجِدَ فِيهَا الْغَرَضُ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: سَمِّنْ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا وَلَك نِصْفُهَا أَوْ هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَك إحْدَاهُمَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلنِّصْفِ الَّذِي سَمَّنَهُ لِلْمَالِكِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي قُرَى مَصْرَ فِي الْفَرَارِيجِ يَدْفَعُ كَاشِفُ النَّاحِيَةِ أَوْ مُلْتَزِمُ الْبَلَدِ إلَى بَعْضِ الْبُيُوتِ الْمِائَةَ أَوْ الْأَكْثَرَ أَوْ الْأَقَلَّ وَيَقُولُ: رَبُّوهَا وَلَكُمْ نِصْفُهَا فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَظِيمًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 كِتَابُ الْوَكَالَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْوَكَالَةِ] ِ هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا لُغَةً: التَّفْوِيضُ، يُقَالُ وَكَّلَ أَمَرَهُ إلَى فُلَانٍ: فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَاكْتَفَى بِهِ وَمِنْهُ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ. وَشَرْعًا: تَفْوِيضُ شَخْصٍ مَا لَهُ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إلَى غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي حَيَاتِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} [الكهف: 19] وَقَوْلُهُ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} [يوسف: 93] فَهَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ، وَمِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ» . وَمِنْهَا «تَوْكِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي نِكَاحِ أُمِّ حَبِيبَةَ» . وَمِنْهَا «تَوْكِيلُهُ أَبَا رَافِعٍ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ» وَمِنْهَا «تَوْكِيلُهُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، فَإِنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ قِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ كُلِّهَا، بَلْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ: إنَّ قَبُولَهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ وِلَايَةٍ. فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا الْمَرْأَةِ وَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ. وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ.   [مغني المحتاج] {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَلِخَبَرِ «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُوَكِّلٌ، وَوَكِيلٌ، وَمُوَكَّلٌ فِيهِ، وَصِيغَةٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ (فِيهِ) وَهُوَ التَّصَرُّفُ الْمَأْذُونُ فِيهِ (بِمِلْكٍ) كَتَوْكِيلِ نَافِذِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ (أَوْ وِلَايَةٍ) كَتَوْكِيلِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ. (فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ) وَلَا مُغْمًى عَلَيْهِ وَلَا نَائِمٍ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَلَا فَاسِقٍ فِي نِكَاحِ ابْنَتِهِ، إذْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُمْ لِذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ الْأَصْلُ عَلَى تَعَاطِي الشَّيْءِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَقْدِرَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَلِيٍّ. (وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ (الْمَرْأَةِ) أَجْنَبِيًّا (وَ) لَا (الْمُحْرِمِ) بِضَمِّ الْمِيمِ حَلَالًا فِي النِّكَاحِ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَلَا تُوَكِّلُ فِيهِ. أَمَّا لَوْ أَذِنَتْ لِلْوَلِيِّ بِصِيغَةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَصُورَةُ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُوَكِّلَ لِيَعْقِدَ لَهُ أَوْ لِمُوَلِّيهِ حَالَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَعْقِدَ لَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ كَمَا سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْخَمْرَ بَعْدَ تَخَلُّلِهِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ. (وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ) وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ (فِي حَقِّ الطِّفْلِ) فِي النِّكَاحِ وَالْمَالِ وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي الْمَالِ، فَيُوَكَّلُ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْهُمَا مَعًا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْ الطِّفْلِ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَنْعَزِلْ الْوَكِيلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَكِيلًا عَنْ الْوَلِيِّ: وَكَالطِّفْلِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالسَّفِيهِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِمْ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الطِّفْلَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ هَؤُلَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَوْكِيلِ الْوَصِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْوَصَايَا أَنَّهُ لَا يُوَكَّلُ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ: أَيْ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى ذَلِكَ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْإِطْلَاقُ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّفِيهِ وَالْمُفْلِسِ وَالْعَبْدِ فِيمَا يَسْتَقِلُّونَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَسْتَقِلُّونَ بِهِ إلَّا بَعْدَ إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَرِيمِ وَالسَّيِّدِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ فِي قَبْضِهَا لَهُمْ. قَالَ فِي الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 وَيُسْتَثْنَى تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ. وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ، لَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ   [مغني المحتاج] فِي فَتَاوِيهِ. (وَيُسْتَثْنَى) مِنْ هَذَا الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ طَرْدًا وَعَكْسًا صُوَرٌ. فَمِنْ صُوَرِ الثَّانِي، وَهُوَ مَنْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ (تَوْكِيلُ الْأَعْمَى فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ (فَيَصِحُّ) ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِقَطْعِ طَرَفٍ أَوْ لَحَدِّ قَذْفٍ، فَيَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَمَا لَوْ وَكَّلَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ مَنْ يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ لِلْبَائِعِ مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَا لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَا عَنْهَا بَلْ عَنْهُ أَوْ مُطْلَقًا فِي نِكَاحِ مُوَلِّيَتِهِ فَيَصِحُّ فَإِنْ كَانَتْ الْمُوَكِّلَةُ هِيَ الْمُوَلِّيَةَ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي. وَمَا لَوْ وَكَّلَتْ مَالِكَةُ الْأَمَةِ وَلِيَّهَا فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكُ هِيَ تَزْوِيجَهَا، وَمِنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّتْ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ بِالْمِلْكِ وَالْوِلَايَةِ صَحَّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ: الْوَلِيُّ غَيْرُ الْمُجْبَرِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ مُوَلِّيَتُهُ فِي النِّكَاحِ وَنَهَتْهُ عَنْ التَّوْكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُوَكِّلُ، وَمَا إذَا جَوَّزْنَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَكْسِرَ الْبَابَ وَيَأْخُذَ مَا يَجِدُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَيَحْتَمِلُ جَوَازُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَمَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ أَوْ أَعْتَقَ إحْدَى رَقِيقَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يُوَكِّلُ فِي التَّعْيِينِ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ، إذَا عَيَّنَ لِلْوَكِيلِ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْمُخْتَارَ، فَهُوَ كَالتَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ، وَالْأَصَحُّ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَا سَيَأْتِي فَيَصِحُّ، وَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْمُسْلِمُ قِصَاصًا مِنْ مُسْلِمٍ لَا يُوَكِّلُ فِي اسْتِيفَائِهِ كَافِرًا، وَالسَّفِيهُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ، فَإِنَّ حِجْرَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ إلَّا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّوْكِيلِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالتَّوْكِيلُ فِي الْإِقْرَارِ مُمْتَنِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرَّدِّ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُوَكِّلَ كَافِرًا فِي نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي: وَهُوَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ) الْمَأْذُونَ فِيهِ (لِنَفْسِهِ) وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ تَوَكُّلُهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِهِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَقْوَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَضْعَفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَ (لَا صَبِيٍّ وَ) لَا (مَجْنُونٍ) وَلَا نَائِمٍ وَلَا مَعْتُوهٍ لِسَلْبِ وِلَايَتِهِمْ (وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ) بِضَمِّ الْمِيمِ (فِي) عَقْدِ (النِّكَاحِ) إيجَابًا وَقَبُولًا لِسَلْبِ عِبَارَتِهِمَا فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ لِلنِّكَاحِ إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ. وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ.   [مغني المحتاج] وَلَا فِي الِاخْتِيَارِ لِلْفِرَاقِ إلَّا إذَا عَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ مَنْ يَخْتَارُهَا أَوْ يُفَارِقُهَا، وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ فِي أَحْكَام الْخَنَاثَى، وَذَكَرُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَفَقُّهًا قَالَ وَلَوْ بَانَ ذَكَرًا فَعَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا (لَكِنْ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ مَأْمُونٍ (فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ) لِتَسَامُحِ السَّلَفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْآذِنِ وَالْمُهْدِي، وَالثَّانِي لَا كَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَحْتَفَّ بِخَبَرِهِ قَرِينَةٌ، فَإِنْ احْتَفَّتْ بِهِ وَأَفَادَتْ الْعِلْمَ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى خَبَرِهِ جَزْمًا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ لَا بِخَبَرِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي إخْبَارِهِ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْوَلِيمَةِ، وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ، بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا أَعْلَمُ فِي جَوَازِ اعْتِمَادِهِمَا خِلَافًا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الصَّبِيِّ فِيمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ، فَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي حَجِّ تَطَوُّعٍ وَفِي ذَبْحِ أُضْحِيَّةٍ وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ لِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لِذَلِكَ. (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِ عَبْدٍ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ (وَمَنْعُهُ فِي الْإِيجَابِ) ، وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُزَوِّجْ بِنْتَ نَفْسِهِ فَبِنْتُ غَيْرِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: مَنْعُهُ فِيهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِمَادَ قَوْلِ الصَّبِيِّ فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ وَتَوْكِيلِ الْعَبْدِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ مُسْتَثْنَى مِنْ عَكْسِ الضَّابِطِ، وَهُوَ مَنْ لَا تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى اسْتِثْنَائِهَا بِقَوْلِهِ: لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْرَاكِ، وَيُسْتَثْنَى مَعَهَا مَسَائِلُ أَيْضًا: مِنْهَا تَوْكِيلُ الشَّخْصِ فِي نِكَاحِ أُخْتِ زَوْجَتِهِ وَكَذَا مَنْ تَحْتَهُ أَرْبَعٌ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُهُ فِي نِكَاحِ مُحَرَّمَةٍ كَأُخْتِهِ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ فِي قَبُولِ نِكَاحِ أَمَةٍ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ السَّفِيهِ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي شِرَاءِ مُسْلِمٍ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي طَلَاقِ غَيْرِهَا. وَمِنْهَا الْمُرْتَدُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّاهُ. وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ لِغَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فَمَوْقُوفٌ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا انْقِطَاعُ التَّوْكِيلِ، إذَا وَكَّلَ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَهَذَا كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ الْوَقْفُ هُنَا عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِل بِوَقْفِ الْعُقُودِ، وَجَزَمَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ رِدَّةَ الْمُوَكِّلِ عَزْلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ: فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ، وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا   [مغني المحتاج] دُونَ رِدَّةِ الْوَكِيلِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَزْلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ، وَمِنْهَا تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا فِي طَلَاقِ الْمُسْلِمَةِ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ طَلَاقِ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ، بِأَنْ تُسْلِمَ أَوَّلًا وَيَتَخَلَّفَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يُسْلِمُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْوَكِيلِ أَيْضًا تَعْيِينُهُ، فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: وَكَّلْت أَحَدَكُمَا فِي بَيْعِ دَارِي مَثَلًا، أَوْ قَالَ: أَذِنْت لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دَارِي، أَنْ يَبِيعَهَا لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي بَيْعِ كَذَا مَثَلًا وَكُلَّ مُسْلِمٍ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا. قَالَ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَيُشْتَرَطُ فِي وَكِيلِ الْقَاضِي: أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَفِي وَكِيلِ الْوَلِيِّ فِي بَيْعِ مَالِ الْمُوَلِّي عَدَمُ الْفِسْقِ، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ السَّكْرَانِ بِمُحَرَّمٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، بِخِلَافِ السَّكْرَانِ بِمُبَاحٍ كَدَوَاءٍ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْمُفْلِسِ، وَلَوْ لَزِمَتْهُ عُهْدَةٌ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ كَمَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ. مُهِمَّةٌ: هَلْ الْمُرَادُ فِي شَرْطِ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ فِي جِنْسِ مَا وَكَّلَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ فِي عَيْنِهِ؟ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ لِذَلِكَ الْجِنْسِ وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَيَسْقُطُ اسْتِثْنَاءُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ الْأَعْمَى مِنْ الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّ الْأَعْمَى يَصِحُّ بَيْعُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ السَّلَم، وَيَصِحُّ شِرَاؤُهُ نَفْسَهُ فَهُوَ مَالِكٌ لِمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْكُلِّ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَصِيرَ لَوْ وَرِثَ عَيْنًا غَائِبَةً، فَوَكَّلَ فِي بَيْعِهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ بَدَأَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْمُوَكَّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَهُ الْمُوَكِّلُ) حِينَ التَّوْكِيلِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ كَيْفَ يَأْذَنُ فِيهِ؟ تَنْبِيهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا فِيمَنْ يُوَكِّلُ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ وَكُلُّ مَنْ جَوَّزْنَا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ لَا يَمْلِكُونَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ عَنْهُ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّصَرُّفُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ لَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: بَلْ مَا قَالَهُ هُوَ الْعَجِيبُ بَلْ الْمُرَادُ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ بِلَا شَكٍّ بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، فَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ (فَلَوْ وَكَّلَ بِبَيْعٍ) أَوْ إعْتَاقِ (عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ وَطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا) وَتَزْوِيجِ بِنْتِهِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ. وَأَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ، فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ إلَّا الْحَجَّ وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ، وَذَبْحَ أُضْحِيَّةٍ، وَلَا فِي شَهَادَةٍ   [مغني المحتاج] طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَقَضَاءِ دَيْنٍ سَيَلْزَمُهُ (بَطَلَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَاشِرْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ حَالَ التَّوْكِيلِ فَكَيْفَ يَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ؟ . وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيُكْتَفَى بِحُصُولِ الْمِلْكِ عِنْدَ التَّصَرُّفِ. تَنْبِيهٌ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يُفْرِدَ مَا لَا يَمْلِكُهُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُهُ، فَإِنْ جَعَلَهُ تَبَعًا لِحَاضِرٍ كَبَيْعِ مَمْلُوكٍ، وَمَا سَيَمْلِكُهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلرَّافِعِيِّ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الْمَوْجُودِ، وَمَا سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَيْنٍ يَمْلِكُهَا، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِثَمَنِهَا كَذَا فَأَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ صِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ بِطَلَاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا تَبَعًا لِمَنْكُوحَتِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِ ثَمَرَةٍ قَبْلَ إثْمَارِهَا، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِأَصْلِهَا، وَأَفْتَى بِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ دَخَلَ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ. (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي: (أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إنَابَةٌ فَمَا لَا يَقْبَلُهَا كَاسْتِيفَاءِ حَقِّ الْقَسْمِ بَيْن الزَّوْجَاتِ لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ (فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ بِإِتْعَابِ النَّفْسِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّوْكِيلِ (إلَّا الْحَجَّ) وَالْعُمْرَةَ عِنْد الْعَجْزِ (وَتَفْرِقَةَ زَكَاةٍ) وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ (صَدَقَةٍ (وَذَبْحَ) هَدْيٍ وَجُبْرَانَ وَعَقِيقَةٍ وَوَأُضْحِيَّةٍ) وَشَاةِ وَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَدِلَّةٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الرَّمْيُ بِمِنًى وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَوْ أَفْرَدَهُمَا بِالتَّوْكِيلِ لَمْ يَصِحَّ، وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ الْمُتَطَهِّرِ وَالْمُتَيَمِّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ حَقِيقَةً هُوَ الْعَاجِزُ وَصَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَاعْتَذَرَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ اسْتِثْنَاءِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالْوَقْفِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْعِبَادَةِ التَّوْكِيلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ التُّرُوكِ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَا) يَصِحُّ (فِي شَهَادَةٍ) ؛ لِأَنَّا احْتَطْنَا فِيهَا وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُ لَفْظِهَا مَقَامَهَا فَأُلْحِقَتْ بِالْعِبَادَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِعِلْمِ الشَّاهِدِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ لِلْوَكِيلِ. فَإِنْ قِيلَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِاسْتِرْعَاءٍ وَنَحْوِهِ جَائِزَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 وَإِيلَاءٍ وَلِعَانٍ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ، وَهِبَةٍ، وَسَلَمٍ، وَرَهْنٍ، وَنِكَاحٍ، وَطَلَاقٍ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، وَقَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا   [مغني المحتاج] شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ جَعَلَتْ شَهَادَةَ الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ. (وَ) لَا فِي (إيلَاءٍ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْيَمِينُ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَالنِّيَابَةُ لَا تَصِحُّ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَ) لَا فِي (سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْأَيْمَانِ) ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْعِبَادَةَ لِتَعَلُّقِهَا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي النَّذْرِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلْحَاقًا لَهَا بِالْيَمِينِ (وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَلْفَاظٍ وَخَصَائِصَ كَالْيَمِينِ. وَالثَّانِي: يَلْحَقُهُ بِالطَّلَاقِ، وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ عَلَى مُوَكَّلِي كَظَهْرِ أُمِّهِ، أَوْ جَعَلْت مُوَكَّلِي مُظَاهِرًا مِنْك، وَلَا فِي الْمَعَاصِي كَالْقَذْفِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَخْتَصُّ بِمُرْتَكِبِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَقْصُودٌ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي الظِّهَارِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ نَفْسَ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ تَرَتُّبُ الْكَفَّارَةِ وَتَحْرِيمُ الْوَطْءِ قَهْرًا كَالتَّوْكِيلِ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيمَا يُحَرَّمُ وَيُوصَفُ بِالصِّحَّةِ كَبَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ، وَالْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا فِي مُلَازَمَةِ مَجْلِسِ الْخِيَارِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ فِي الْعَقْدِ مَنُوطٌ بِمُلَازَمَةِ الْعَاقِدِ. (وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي طَرَفَيْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَسَلَمٍ وَرَهْنٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ) مُنْجَزٍ (وَسَائِرُ الْعُقُودِ) كَالضَّمَانِ وَالصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ وَالشَّرِكَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. أَمَّا النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ فَبِالنَّصِّ. وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ (وَالْفُسُوخِ) الْمُتَرَاخِيَةِ كَالْإِيدَاعِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجَعَالَةِ وَالضَّمَانِ وَالشَّرِكَةِ وَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّوْكِيلِ فِي الْفُسُوخِ التَّوْكِيلُ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الزَّوَائِدِ عَلَى أَرْبَعٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ. أَمَّا الْفَسْخُ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ فَيُنْظَرُ فِيهِ إنْ حَصَلَ عُذْرٌ لَا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا بِالتَّوْكِيلِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ لِلتَّقْصِيرِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَصِيغَةُ الضَّمَانِ وَالْحَوَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْوَكَالَةِ: جَعَلْت مُوَكَّلِي ضَامِنًا لَك كَذَا، أَوْ أَحَلْتُك بِمَا لَكَ عَلَى مُوَكَّلِي مِنْ كَذَا بِنَظِيرِهِ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ مُوصِيًا لَك بِكَذَا. (وَ) فِي (قَبْضِ الدُّيُونِ وَإِقْبَاضِهَا) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. أَمَّا الْأَعْيَانُ، فَتَارَةً يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا وَإِقْبَاضِهَا كَالزَّكَاةِ، فَلِلْأَصْنَافِ أَنْ يُوَكِّلُوا فِي قَبْضِهَا لَهُمْ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا لَهُمْ، وَتَارَةً يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِهَا دُونَ إقْبَاضِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا كَالْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُهَا لِغَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وَالدَّعْوَى وَالْجَوَابِ. وَكَذَا فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ، لَا فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ،   [مغني المحتاج] مَالِكِهَا؛ فَلَوْ سَلَّمَهَا لِوَكِيلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا كَانَ مُفَرِّطًا، لَكِنَّهَا إذَا وَصَلَتْ إلَى مَالِكِهَا خَرَجَ الْمُوَكَّلُ عَنْ عُهْدَتِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَنْ الْجَوْجَرِيِّ مَا يَقْتَضِي اسْتِثْنَاءَ الْعِيَالِ كَالِابْنِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ. تَنْبِيهٌ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الدُّيُونَ يَشْمَلُ الْمُؤَجَّلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ، وَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ لَوْ جَعَلْنَاهُ تَابِعًا لِلْحَالِ. (وَ) فِي (الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالٍ أَمْ فِي غَيْرِهِ إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي. (وَكَذَا) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (فِي تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ، فَيَحْصُلُ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا قَصَدَهُ الْوَكِيلُ بِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ هَذَا الْخِلَافُ مُخَرَّجٌ، فَتَارَةً يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْقَوْلَيْنِ كَمَا هُنَا. وَتَارَةً بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الِالْتِقَاطِ كَمَا فِي الِاغْتِنَامِ، فَلَوْ وُكِّلَ فِيهِ فَالْتَقَطَهُ كَانَ لَهُ دُونَ الْمُوَكِّلِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْوِلَايَةِ لَا لِشَائِبَةِ الِاكْتِسَابِ وَ (لَا) يَصِحُّ (فِي الْإِقْرَارِ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ يَقُولَ وَكَّلْتُك لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَيَقُولُ الْوَكِيلُ أَقْرَرْت عَنْهُ بِكَذَا، أَوْ جَعَلْتُهُ مُقِرًّا بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالشَّهَادَةِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ كَمَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِبْرَاءِ لَيْسَ بِإِبْرَاءٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا قَالَ وَكَّلْتُكَ لِتُقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِكَذَا كَمَا مَثَّلْتُهُ، فَلَوْ قَالَ أَقِرَّ عَنِّي لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ لَهُ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ: أَقِرَّ لَهُ عَلَيَّ بِأَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا قَطْعًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ. (وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، بَلْ قَدْ يَجِبُ التَّوْكِيلُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَكَذَا فِي قَطْعِ الطَّرَفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ الْمَنْعَ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ لِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 وَقِيل لَا يَجُوزُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ. وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ قَالَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِي وَعِتْقِ أَرِقَّائِي صَحَّ.   [مغني المحتاج] فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَفِي غَيْرِهَا «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَكَذَا مِنْ السَّيِّدِ فِي حَدِّ رَقِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُهَا لِبِنَائِهَا عَلَى الدَّرْءِ. نَعَمْ قَدْ يَقَعُ إثْبَاتُهَا بِالْوَكَالَةِ تَبَعًا بِأَنْ يَقْذِفَ شَخْصٌ آخَرَ فَيُطَالِبُهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، فَلَهُ أَنْ يَدْرَأَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ زِنَاهُ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بِدُونِهَا، فَإِذَا ثَبَتَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَمَحَلُّ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا وَكَّلَهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، فَإِنْ وَكَّلَهُ قَبْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ (وَقِيل لَا يَجُوزُ) اسْتِيفَاؤُهَا (إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ بِالْغَيْبَةِ فَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ كَاحْتِمَالِ رُجُوعِ الشُّهُودِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِيفَاءُ فِي غَيْبَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ الْمَحْكِيُّ بِقِيلَ قَوْلٌ مِنْ طَرِيقَةٍ، وَالثَّانِيَةُ: الْقَطْعُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِمُقَابِلِهِ، وَالثَّالِثُ: مِنْ الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّوْكِيلُ بِوَجْهٍ مَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلْيَكُنْ الْمُوَكَّلُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) حَيْثُ يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ (وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) ؛ لِأَنَّ تَجْوِيزَ الْوَكَالَةِ لِلْحَاجَةِ يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ فِيهِ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مِنْ وَجْهٍ يَقِلُّ مَعَهُ الْغَرَرُ لِلْوَكِيلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَثُرَ (فَلَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ) لِي أَوْ مِنْ أُمُورِي (أَوْ فِي كُلِّ أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْت إلَيْك كُلَّ شَيْءٍ) أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فَتَصَرَّفْ كَيْف شِئْت، أَوْ نَحْو ذَلِكَ (لَمْ يَصِحَّ) التَّوْكِيلُ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، إذْ يَدْخُلُ فِي هَذَا أُمُورٌ لَوْ عَرَضَ تَفْصِيلَهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ كَطَلَاقِ زَوْجَاتِهِ، وَعِتْقِ أَرِقَّائِهِ، وَالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَاسْتَنْكَرَهُ وَقَدْ مَنَعَ الشَّارِعُ بَيْعَ الْغَرَرِ وَهُوَ أَخَفُّ خَطَرًا مِنْ هَذَا، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَا يَصِحُّ تَبَعًا. (وَإِنْ قَالَ) وَكَّلْتُك (فِي بَيْعِ أَمْوَالِي) وَقَبْضِ دُيُونِي وَاسْتِيفَائِهَا (وَعِتْقِ أَرِقَّائِي) وَرَدِّ وَدَائِعِي وَمُخَاصَمَةِ خُصَمَائِي وَنَحْوِ ذَلِكَ (صَحَّ) وَإِنْ جَهِلَ الْأَمْوَالَ وَالدُّيُونَ وَمَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَالْأَرِقَّاءَ وَالْوَدَائِعَ وَمَنْ هِيَ عِنْدَهُ، وَالْخُصُومَ وَمَا فِيهِ الْخُصُومَةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِيهِ قَلِيلٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: بِعْ بَعْضَ مَالِي أَوْ طَائِفَةً أَوْ سَهْمًا مِنْهُ، أَوْ بِعْ هَذَا أَوْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ، وَلَوْ قَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ، أَوْ دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ وَالسِّكَّةِ، لَا قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِعْ أَوْ هَبْ مِنْ مَالِي، أَوْ اقْضِ مِنْ دُيُونِي مَا شِئْت، أَوْ أَعْتِقْ أَوْ بِعْ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شِئْت، صَحَّ فِي الْبَعْضِ لَا فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَأْتِي الْوَكِيلُ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ مَنْ شَاءَتْ الطَّلَاقَ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي هَذِهِ مُسْتَنِدَةٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ فَلَا تُصَدَّقُ مَشِيئَةُ وَاحِدَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى أَيِّ امْرَأَةٍ شَاءَتْ مِنْهُنَّ الطَّلَاقَ طَلِّقْهَا بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْوَكِيلِ فَصُدِّقَتْ مَشِيئَتُهُ فِيمَا لَا يَسْتَوْعِبُ الْجَمِيعَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَشِيئَتِهِ فِيمَا يَسْتَوْعِبُهُ احْتِيَاطًا، وَلَوْ قَالَ تَزَوَّجْ لِي مَنْ شِئْت صَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْ مِنْ مَالِي مَا شِئْت، وَلَوْ قَالَ: أَبْرِئْ فُلَانًا عَمَّا شِئْت مِنْ مَالِي صَحَّ وَلْيُبْقِ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ عَنْ الْجَمِيعِ، فَأَبْرَأَهُ عَنْهُ أَوْ عَنْ بَعْضِهِ صَحَّ، أَوْ أَبْرِئْهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ أَبْرَأَهُ عَنْ أَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِالْإِبْرَاءِ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَإِنْ جَهِلَهُ الْوَكِيلُ وَالْمَدْيُونُ. (وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَانُ نَوْعِهِ) كَتُرْكِيٍّ أَوْ هِنْدِيٍّ، وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْجِنْسِ كَعَبْدٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ وَإِنْ تَبَايَنَتْ أَصْنَافُ نَوْعٍ وَجَبَ بَيَانُ الصِّنْفِ كَخَطَابِيٍّ وَقَفْجَاقِيٍّ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِيفَاءُ أَوْصَافِ السَّلَمِ وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْهَا اتِّفَاقًا، وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ وَجَبَ مَعَ بَيَانِ النَّوْعِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ تَقْلِيلًا لِلْغَرَرِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا كَمَا تَشَاءُ لَمْ يَصِحَّ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ (أَوْ) فِي (دَارٍ وَجَبَ بَيَانُ الْمَحَلَّةِ) أَيْ الْحَارَةِ (وَالسِّكَّةِ) بِكَسْرِ السِّينِ: أَيْ الزُّقَاقِ، وَالْعِلْمُ بِالْبَلَدِ وَنَحْوِهَا مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ، وَفِي شِرَاءِ الْحَانُوت يُبَيِّنُ السُّوقَ لِيَقِلَّ الْغَرَرُ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ فِيهِ ذِكْرُ نَوْعٍ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ يَكْفِي اشْتَرِ مَا شِئْت مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ مَا فِيهِ حَظٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءٍ عَبْدٍ لَمْ يَصِفْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى فَرْدٍ، فَلَا تَنَاقُضَ فِي عِبَارَتِهِ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ، وَ (لَا) يَجِبُ بَيَانُ (قَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْأَصَحِّ) فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ نَفِيسًا كَانَ أَوْ خَسِيسًا. وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: يَكُونُ إذْنًا فِي أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْهُ. وَالثَّانِي: يَجِبُ بَيَانُ قَدْرِهِ كَمِائَةٍ أَوْ غَايَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ يَقْتَضِي رِضَاهُ كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ، فَلَوْ قَالَ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ. وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ لِظُهُورِ التَّفَاوُتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ) فِي الصِّيغَةِ (مِنْ الْمُوَكِّلِ لَفْظٌ) وَلَوْ كِنَايَةٌ (يَقْتَضِ رِضَاهُ) وَفِي مَعْنَاهَا مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ (كَوَكَّلْتُكَ فِي كَذَا أَوْ فَوَّضْته إلَيْك أَوْ أَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ) أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي، أَوْ أَنَبْتُك، كَمَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ غَيْرِهِ إلَّا بِرِضَاهُ (فَلَوْ قَالَ: بِعْ أَوْ أَعْتِقْ حَصَلَ الْإِذْنُ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِمَّا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يُسَمَّى إيجَابًا وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: حَصَلَ الْإِذْنُ (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) مِنْ الْوَكِيلِ (لَفْظًا) ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إبَاحَةٌ وَرَفْعُ حَجْرٍ فَأَشْبَهَ إبَاحَةَ الطَّعَامِ، وَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَكَالَةِ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِهَا، فَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلِ عِلْمِهِ فَكَبَيْعِ مَالِ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِيهِ كَغَيْرِهِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ كَوَكَّلْتُكَ، دُونَ صِيَغِ الْأَمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ) إلْحَاقًا لِصِيَغِ الْعَقْدِ بِالْعُقُودِ وَالْأَمْرِ بِالْإِبَاحَةِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَوَّلِ الْقَبُولُ لَفْظًا فِيمَا لَوْ كَانَ لِإِنْسَانٍ عَيْنٌ مُعَارَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ أَوْ مَغْصُوبَةٌ فَوَهَبَهَا لِآخَرَ فَقَبِلَهَا، وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا، ثُمَّ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ وَكَّلَ فِي قَبْضِهَا الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الْغَاصِبَ اُشْتُرِطَ قَبُولُهُ لَفْظًا، وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِمَا سَبَقَ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الرِّضَا بِقَبْضِهِ عَنْ الْغَيْرِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لَفْظًا عَنْ الْقَبُولِ مَعْنًى فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الرِّضَا فَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ، أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ، أَوْ بِمَعْنَى عَدَمِ الرَّدِّ فَيُشْتَرَطُ جَزْمًا، فَلَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ أَوْ لَا أَفْعَلُ بَطَلَتْ، فَإِنْ نَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ جُدِّدَتْ لَهُ، وَمَرَّ أَنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ. (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ) مِنْ صِفَةٍ أَوْ وَقْتٍ كَقَوْلِهِ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ وَكَّلْتُك بِكَذَا، أَوْ فَأَنْتَ وَكِيلِي فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ الْجَهَالَةَ فَتَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَيَنْفُذُ أَيْضًا تَصَرُّفٌ صَادَفَ الْإِذْنَ حَيْثُ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ فَاسِدًا كَقَوْلِهِ: وَكَّلْت مَنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِي فَلَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 فَإِنْ نَجَّزَهَا، وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا، وَيَجْرِيَانِ فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ هَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ (فَإِنْ نَجَّزَهَا وَشَرَطَ لِلتَّصَرُّفِ شَرْطًا جَازَ) كَوَكَّلْتُك بِبَيْعِ عَبْدِي وَبِعْهُ بَعْدَ شَهْرٍ، فَتَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ، وَيَصِحُّ تَأْقِيتُهَا كَوَكَّلْتُكَ شَهْرًا، فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ امْتَنَعَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ (وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك وَمَتَى) أَوْ إذَا أَوْ مَهْمَا (عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) فِيهِ أَوْ قَدْ وَكَّلْتُك (صَحَّتْ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ. وَالثَّانِي: لَا تَصِحُّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى شَرْطِ التَّأْبِيدِ وَهُوَ الْتِزَامُ الْعَقْدِ الْجَائِزِ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّأْبِيدِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (فِي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ الْعَزْلِ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِهَا) ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوَكَالَةَ ثَانِيًا عَلَى الْعَزْلِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فَسَادُ التَّعْلِيقِ. وَالثَّانِي: تَعُودُ الْوَكَالَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ لِلْإِذْنِ كَمَا مَرَّ، فَطَرِيقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَنْ يُكَرِّرَ عَزْلَهُ فَيَقُولُ: عَزَلْتُك عَزَلْتُك، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِكُلَّمَا تَكَرَّرَ الْعَوْدُ بِتَكَرُّرِ الْعَزْلِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ، وَطَرِيقُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي عَزْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ عَزَلَ نَفْسَهُ إلَّا إنْ كَانَ قَدْ قَالَ: إنْ عَزَلْتُك أَوْ عَزَلَك أَحَدٌ عَنِّي فَلَا يَكْفِي التَّوْكِيلُ بِالْعَزْلِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا عُدْت وَكِيلِي، فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَيَمْتَنِع تَصَرُّفُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيقٌ لِلْعَزْلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَهُوَ تَعْلِيقٌ قَبْلَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعَزْلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الَّتِي لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ مَلَكْت فُلَانَةَ فَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَهُوَ بَاطِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَزْلَ الْمُعَلَّقَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّصَرُّفُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ السَّابِقَةِ عَلَى لَفْظٍ، لَا فِيمَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ، إذْ لَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْعُقُودِ قَبْلَ عَقْدِهَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا مَعَ فَسَادِ الْوَكَالَةِ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّتِهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذَلِكَ اسْتِقْرَارُ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَيَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى، وَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ. (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ الْوَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ (فِي تَعْلِيقِ الْعَزْلِ) كَقَوْلِهِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ. أَصَحُّهُمَا عَدَمُ صِحَّتِهِ أَخْذًا مِنْ تَصْحِيحِهِ فِي تَعْلِيقِهَا. لَكِنْ الْعَزْلُ أَوْلَى بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ مِنْ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: لِأَنَّهُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَا بِنَسِيئَةٍ وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا،   [مغني المحتاج] يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولٌ قَطْعًا، وَعَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْمَنْعِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ. كَمَا أَنَّ التَّصَرُّفَ يَنْفُذُ فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّعْلِيقِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ] ِ بِالْبَيْعِ لِأَجَلٍ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْوَكَالَةِ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ: الْأَوَّلُ الْمُوَافَقَةُ فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ الصَّادِرِ مِنْ الْمُوَكِّلِ أَوْ الْقَرِينَةِ، كَمَا قَالَ (الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا) أَيْ تَوْكِيلًا لَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ (لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِأَغْلَبِهِمَا، فَإِنَّ اسْتَوَيَا فَبِأَنْفَعِهِمَا لِلْمُوَكِّلِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تُخُيِّرَ، فَإِنْ بَاعَ بِهِمَا وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ جَاز كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْبَلَدِ بَلَدُ الْبَيْعِ لَا بَلَدُ التَّوْكِيلِ، لَكِنْ لَوْ سَافَرَ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ إذْنٍ وَبَاعَهُ فِيهَا اُعْتُبِرَ نَقْدُ بَلَدِ حَقِّهِ أَنْ يَبِيعَ فِيهَا، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ فَإِنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك لِتَبِيعَ بِكَذَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِبَلَدٍ وَلَا أَجَلٍ وَلَا نَقْدٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لِتَقْيِيدِ الْبَيْعِ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْبَيْعُ لَا بِقَيْدٍ (وَلَا) يَبِيعُ (بِنَسِيئَةٍ) ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ الْحُلُولُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَادُ غَالِبًا (وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا) بِخِلَافِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ مَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَدِرْهَمٍ فِي عَشَرَةٍ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْمُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ، فَلَا تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: وَالْعَشَرَةُ إنْ تُسُومِحَ بِهَا فِي الْمِائَةِ فَلَا يَتَسَامَحُ بِالْمِائَةِ فِي الْأَلْفِ وَلَا بِالْأَلْفِ فِي الْعَشَرَةِ آلَافٍ، فَالصَّوَابُ الرُّجُوعُ لِلْعَادَةِ، وَلَوْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَثَمَّ رَاغِبٌ مَوْثُوقٌ بِهِ بِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ، وَلَوْ وُجِدَ الرَّاغِبُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَسْخُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ انْفَسَخَ كَمَا مَرَّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَدْلِ الرَّهْنِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّاغِبُ مُمَاطِلًا وَلَا مُتَجَوِّهًا وَلَا مَالَهُ أَوْ كَسْبَهُ حَرَامٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ. فَإِنْ وَكَّلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ الْأَجَلَ فَذَاكَ. وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: ثَمَنُ الْمِثْلِ نِهَايَةُ رَغَبَاتِ الْمُشْتَرِي (فَلَوْ) خَالَفَ، وَ (بَاعَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ) لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَ) إذَا (سَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ، وَيَسْتَرِدُّهُ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا غَرَّمَ الْمُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلِ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلِيًّا أَمْ مُتَقَوِّمًا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِذَا اسْتَرَدَّهُ فَلَهُ بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ السَّابِقِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَدْلِ الرَّهْنَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَا يَبِيعُهُ ثَانِيًا بِالْإِذْنِ السَّابِقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فِي الْأَوَّلِ وَخَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فِي الثَّانِي وَإِذَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ انْعَزَلَ الْوَكِيلُ. أَمَّا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ هَذَيَانٌ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: لَمْ يَصِحَّ وَضَمِنَ كَمَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّمَانِ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ بِكَمْ شِئْت صَحَّ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَلَا يَصِحُّ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمَا شِئْت أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْعُرُوضِ، وَلَا يَصِحُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِالنَّسِيئَةِ، أَوْ كَيْفَ شِئْت صَحَّ بَيْعُهُ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَصِحُّ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَوْ بِمَا عَزَّ وَهَانَ صَحَّ بَيْعُهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ وَبِالْعُرُوضِ وَلَا يَصِحُّ بِالنَّسِيئَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَمْ لِلْعَدَدِ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَمَا لِلْجِنْسِ فَشَمِلَ النَّقْدَ وَالْعَرَضَ. لَكِنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ لَمَّا قَرَنَ بِعَزَّ وَهَانَ شَمِلَ عُرْفًا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ أَيْضًا، وَكَيْفَ لِلْحَالِ فَشَمِلَ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ. (فَإِنْ وَكَّلَهُ) فِي الصَّيْفِ فِي شِرَاءِ جَمْدٍ لَمْ يَشْتَرِهِ فِي الشِّتَاءِ وَلَا فِي الصَّيْفِ بَعْدَهُ أَوْ (لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا وَقَدَّرَ الْأَجَلَ فَذَاكَ) ظَاهِرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْهُ أَوْ بَاعَ حَالًّا صَحَّ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ ضَرَرٌ مِنْ نَقْصِ ثَمَنٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ مُؤْنَةِ حِفْظٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأَغْرَاضِ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُشْتَرِي فَيَظْهَرُ، كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْمَنْعُ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي تَقْدِيرِ الثَّمَنِ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْأَجَلَ (صَحَّ) التَّوْكِيلُ (فِي الْأَصَحِّ، وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمَعْهُودِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النُّقُودِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ رَاعَى الْأَنْفَعَ لِلْمُوَكِّلِ وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ قِيَاسًا عَلَى عَامِلِ الْقِرَاضِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِتَفَاوُتِ الْأَجَلِ طُولًا وَقِصَرًا، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَلَا يَزِيدُ عَلَى سَنَةٍ لِتَقْدِيرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبِيعُ لِأَبِيهِ وَابْنِهِ الْبَالِغِ. وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ،   [مغني المحتاج] بِهَا شَرْعًا كَالْجِزْيَةِ وَالدِّيَةِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ فِي الْأَصَحِّ إلَى بَعْدِ قَوْلِهِ وَحُمِلَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ لَعُلِمَ مِنْهُ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا (وَ) الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُطْلَقًا (لَا يَبِيعُ) وَلَا يَشْتَرِي (لِنَفْسِهِ وَ) لَا (لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ) وَنَحْوِهِ مِنْ مَحَاجِيرِهِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ لِتَضَادِّ غَرَضَيْ الِاسْتِرْخَاصِ لَهُمْ وَالِاسْتِقْصَاءِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَا لَوْ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ وَنَهَاهُ عَنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَوَازِ اتِّحَادِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ وَإِنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ لِيَهَبَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ لِاتِّحَادِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي هِبَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ اسْتِيفَاءِ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ دَيْنٍ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ لِذَلِكَ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ مَنْعُ تَوْكِيلِ السَّارِقِ فِي الْقَطْعِ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا، لَكِنْ صَرَّحُوا فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي طَرَفَيْ عَقْدٍ وَنَحْوِهِ كَمُخَاصَمَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا لِمَا مَرَّ وَلَه اخْتِيَارُ طَرَفٍ مِنْهُمَا، وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي إبْرَاءِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي الْإِبْرَاءِ، وَفِي إعْتَاقِهَا وَالْعَفْوِ عَنْهَا مِنْ قِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا (يَبِيعُ لِأَبِيهِ) وَسَائِرِ أُصُولِهِ (وَابْنِهِ الْبَالِغِ) وَسَائِرِ فُرُوعِهِ الْمُسْتَقِلِّينَ، لِأَنَّهُ بَاعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي لَوْ بَاعَ بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ لَصَحَّ فَلَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ صَدِيقِهِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْمَيْلِ إلَيْهِمْ كَمَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ شَاءَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَفْوِيضُهُ إلَى أُصُولِهِ وَلَا فُرُوعِهِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ لَنَا هُنَا مَرَدًّا ظَاهِرًا وَهُوَ ثَمَنُ الْمِثْلِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَزْكِيَةً لِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَهُ قَبْضُ الثَّمَنِ) الْحَالِّ إنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ قَبْضِهِ (وَ) لَهُ (تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ) إنْ كَانَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ إنْ لَمْ يَنْهَ عَنْ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: لَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِمَا، وَقَدْ يَرْضَاهُ لِلْبَيْعِ دُونَ الْقَبْضِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَبْضُ شَرْطًا، فَإِنْ كَانَ كَالصَّرْفِ وَنَحْوِهِ فَلَهُ الْقَبْضُ وَالْإِقْبَاضُ قَطْعًا. أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا، وَلَوْ حَلَّ أَوْ حَالًّا وَنَهَاهُ عَنْ قَبْضِهِ لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ: امْنَعْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْحَقِّ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّ إثْبَاتَ يَدِهِ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْإِذْنِ، وَإِنْ قَالَ: لَا تُسَلِّمُ الْمَبِيعَ لَهُ لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَصْلِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بَلْ مِنْ تَسْلِيمِهِ بِنَفْسِهِ، وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا فَيُسَلِّمُ الْمُوَكِّلُ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي عَنْ الْوَكِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَخَرَجَ بِالْبَيْعِ الْهِبَةُ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ فِيهَا التَّسْلِيمُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَقَعُ بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 وَلَا يُسَلِّمُهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ. وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا، فَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ إنْ جَهِلَ الْعَيْبَ، وَإِنْ عَلِمَهُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهْ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَلَهُ قَبْضُ الْمَبِيعِ، وَلَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إنْ كَانَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ تَسْلِيمِهِ (وَلَا يُسَلِّمُهُ) أَيْ: وَكِيلُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ (حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ) لِمَا فِي التَّسْلِيمِ قَبْلَهُ مِنْ الْخَطَرِ (فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ قِيمَتَهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقْتَ التَّسْلِيمِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي غُرْمِ الْقِيمَةِ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَيْلُولَةِ، فَإِذَا غَرِمَهَا ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ دَفَعَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَاسْتَرَدَّ الْمَغْرُومَ. هَذَا إذَا سَلَّمَهُ مُخْتَارًا، فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَفِي الْبَحْرِ: الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَهُوَ حَسَنٌ. (وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ) شَيْءٍ مَوْصُوفٍ أَوْ مُعَيَّنٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ (لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا) أَيْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ بِخِلَافِ عَامِلِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّبْحُ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَعِيبِ. (فَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ الْمَعِيبَ (فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوِي مَعَ الْعَيْبِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَعَ) الشِّرَاءُ (عَنْ الْمُوَكِّلِ إنْ جَهِلَ) الْمُشْتَرِي (الْعَيْبَ) ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِكِ لِتَخْيِيرِهِ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ لِجَهْلِهِ وَلَا خَلَلَ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لِإِطْلَاقِهِ. نَعَمْ لَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى السَّلِيمِ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: فِي الذِّمَّةِ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لَا يَقَعُ لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَقَعُ لَهُ لَكِنْ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْقِلَابُ الْعَقْدِ لَهُ بِحَالٍ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ، فَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ أَوَّلًا بِالذِّمَّةِ إخْرَاجُ الْمَذْكُورِ آخِرًا وَهُوَ رَدُّ الْوَكِيلِ، فَلَوْ قَيَّدَ الْأَخِيرَ فَقَطْ فَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ: الرَّدُّ، وَكَذَا لِلْوَكِيلِ: إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ أَوْلَى (وَإِنْ عَلِمَهُ فَلَا) يَقَعُ عَنْ الْمُوَكِّلِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، سَوَاءٌ أَسَاوَى مَا اشْتَرَاهُ أَمْ زَادَ وَالثَّانِي: يَقَعُ لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مُطْلَقَةٌ وَلَا نَقْصَ فِي الْمَالِيَّةِ (وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهْ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (إنْ عَلِمَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ لِتَقْصِيرِهِ وَقَدْ يَهْرَبُ الْبَائِعُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الرَّدِّ فَيَتَضَرَّرُ (وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَعَ) عَلَى الْمُوَكِّلِ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِنَفْسِهِ جَاهِلًا، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْغَبْنَ يَمْنَعُ الْوُقُوعَ عَنْهُ مَعَ السَّلَامَةِ فَعِنْدَ الْعَيْبِ أَوْلَى. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 وَإِذَا وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ فَلِكُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرَّدُّ. وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ إنْ تَأَتَّيْ مِنْهُ مَا وَكَّلَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ، وَلَوْ كَثُرَ وَعَجَزَ عَنْ الْإِثْبَاتِ بِكُلِّهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ.   [مغني المحتاج] الْمَعِيبِ فَلَا ضَرَرَ بِخِلَافِ الْغَبْنِ. (وَإِذَا وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لِلْمُوَكِّلِ) فِي صُورَتَيْ الْجَهْلِ (فَلِكُلٍّ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الرَّدُّ) بِالْعَيْبِ، أَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَالضَّرَرُ لَاحِقٌ بِهِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ، فَلِأَنَّهُ نَائِبُهُ؛ وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَهُ لَكَانَ الْمَالِكُ رُبَّمَا لَا يَرْضَى بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الرَّدُّ لِكَوْنِهِ فَوْرِيًّا وَيَبْقَى لِلْوَكِيلِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ فِي صُورَةِ الْعِلْمِ فَيَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ، وَالْعَيْبُ الطَّارِئُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمُقَارِنِ فِي جَوَازِ الرَّدِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ الْمُوَكِّلُ أَوْ قَصَّرَ فِي الرَّدِّ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَرُدَّهُ الْوَكِيلُ، إذْ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْفَسْخِ، بِخِلَافِ عَامِلِ الْقِرَاضِ لَحْظَةً فِي الرِّبْحِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْوَكِيلُ أَوْ قَصَّرَ فِي الرَّدِّ رَدَّهُ الْمُوَكِّلُ لِبَقَاءِ حَقِّهِ، هَذَا إذَا سَمَّاهُ الْوَكِيلُ فِي الشِّرَاءِ أَوْ نَوَاهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ، وَإِلَّا وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمُوَكِّلُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ، وَيَقَعُ الشِّرَاءُ فِي صُورَتَيْ الْعِلْمِ لِلْوَكِيلِ أَيْضًا. أَمَّا إذَا عَلِمَهُ وَاشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَصِحَّ. فَرْعٌ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْوَكِيلِ: أَخِّرْ الرَّدَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، وَإِنْ أَخَّرَ فَلَا رَدَّ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْوَكِيلِ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ وَاحْتَمَلَ رِضَاهُ بِهِ بِاحْتِمَالِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ الْوَكِيلُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ رُدَّ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْبَائِعُ لَمْ يُرَدَّ لِتَقْصِيرِهِ بِالنُّكُولِ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَصَدَّقَ الْبَائِعُ فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ مِنْهُ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ وَصَدَّقَ الْبَائِعَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَهُ الرَّدُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ رِضَاهُ فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَى الْبَائِعِ. (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ بِلَا إذْنٍ إنْ تَأَتَّى مِنْهُ مَا وَكَّلَ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ. وَلَا ضَرُورَةَ كَالْمُودَعِ وَلَا يُودِعُ. (وَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ) مِنْهُ ذَلِكَ (لِكَوْنِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ) ، إذْ تَفْوِيضُ مِثْلِ ذَلِكَ إلَيْهِ إنَّمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الِاسْتِنَابَةُ، وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ التَّوْكِيلِ عِنْدَ جَهْلِ الْمُوَكِّلِ بِحَالِهِ أَوْ اعْتِقَادِهِ خِلَافَ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ظَاهِرٌ (وَلَوْ كَثُرَ) الْمُوَكَّلُ فِيهِ (وَعَجَزَ) الْوَكِيلُ (عَنْ الْإِتْيَانِ بِكُلِّهِ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمْكِنِ) غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إلَيْهِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ بِخِلَافِ الْمُمْكِنِ، وَقِيلَ يُوَكِّلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وَلَوْ أَذِنَ فِي التَّوْكِيلِ وَقَالَ: وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ. وَإِنْ قَالَ وَكِّلْ عَنِّي فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ.   [مغني المحتاج] فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَعْضِ فَيُوَكِّلُ فِي الْكُلِّ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ. وَالثَّانِي: لَا يُوَكِّلُ فِي الْمُمْكِنِ وَفِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. وَالثَّالِثَةُ: فِي الْكُلِّ وَجْهَانِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ عَادَةً وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ لِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ عِلْمِهِ بِسَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَإِنْ طَرَأَ الْعَجْزُ فَلَا خِلَافًا لِلْجُوَيْنِيِّ قَالَهُ فِي، الْمَطْلَبِ وَكَطُرُوِّ الْعَجْزِ مَا لَوْ جَهِلَ الْمُوَكِّلُ حَالَ تَوْكِيلِهِ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْإِسْنَوِيِّ. تَنْبِيهٌ هَلْ الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ الْقِيَامُ بِالْجَمِيعِ مَعَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ عَظِيمَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامٍ مُجَلَّى فِي الذَّخَائِرِ، وَحَيْثُ وَكَّلَهُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَإِنَّمَا يُوَكَّلُ عَنْ مُوَكِّلِهِ فَإِنْ وَكَّلَ عَنْ نَفْسِهِ فَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ. (وَلَوْ أَذِنَ) الْمُوَكِّلُ (فِي التَّوْكِيلِ قَالَ) لِلْوَكِيلِ (وَكِّلْ عَنْ نَفْسِكَ فَفَعَلَ فَالثَّانِي وَكِيلُ الْوَكِيلِ) عَمَلًا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَقِمْ غَيْرَك مَقَامَك (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ) أَيْ الثَّانِي: (بِعَزْلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (وَانْعِزَالِهِ) بِمَوْتِهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ عَزْلِ مُوَكِّلِهِ لَهُ، وَالثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلْمُوَكِّلِ أَيْضًا عَزْلُ الثَّانِي لِأَنَّهُ فَرْعُ الْفَرْعِ كَمَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَجُنُونِهِ. تَنْبِيهٌ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْوَكِيلِ وَحِكَايَتُهُ وَجْهَيْنِ مَعَ ذَلِكَ فِي انْعِزَالِهِ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ، وَانْعِزَالُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْمَعْنَى وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي الْبِنَاءِ، وَبِنَاءُ الْعَزْلِ عَلَيْهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ. (وَإِنْ قَالَ) لَهُ (وَكِّلْ عَنِّي) فَفَعَلَ (فَالثَّانِي وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْإِذْنِ (وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ: وَكِّلْ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي وَلَا عَنْك (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْأَوَّلِ لَهُ تَصَرُّفٌ وَقَعَ بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ فَيَقَعُ عَنْهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَكِيلُ الْوَكِيلِ، وَكَأَنَّهُ قَصَدَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي لِنَائِبِهِ: اسْتَنِبْ فَاسْتَنَابَ، فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ لَا عَنْ مُنِيبِهِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَلِّي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْوَكِيلُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ (قُلْت: وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ) وَهُمَا مَا إذَا قَالَ: عَنِّي أَوْ أَطْلَقَ (لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ، فَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] الْأُولَى جَزْمًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ وَلَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا لَفُهِمَ مِنْ التَّفْرِيعِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ زِيَادَةَ الْإِيضَاحِ اهـ وَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ أَيِّهِمَا شَاءَ. (وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلَ) عَنْهُ أَوْ عَنْ الْمُوَكِّلِ (يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَكِّلَ أَمِينًا) رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْمُوَكِّلِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْأَمِينِ، وَلَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ، لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ عَنْ الْغَيْرِ (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ) أَيْ الْأَمِينِ فَيَتْبَعُ تَعْيِينَهُ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ لِإِذْنِهِ فِيهِ، وَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ فِسْقَ الْمُعَيَّنِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا إذَا وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ مُعَيَّنٍ، فَاطَّلَعَ الْوَكِيلُ عَلَى عَيْبِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهِ، فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ فَاسِقًا فَزَادَ فِسْقُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ تَوْكِيلُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَنَظِيرِهِ، فِيمَا لَوْ زَادَ فِسْقُ عَدْلِ الرَّهْنِ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ وَكَّلَ عَنْ نَفْسِهِ، أَمَّا الْمُوَكِّلُ عَنْ غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ فَلَا يَجُوزُ لِمُوَكِّلِهِ أَنْ يُوَكِّلَهُ وَلَا غَيْرَهُ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى التَّعْبِيرِ بِالتَّعْيِينِ: أَنَّهُ إذَا عَمَّمَ، فَقَالَ: وَكِّلْ مَنْ شِئْت لَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْأَمِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا فِي النِّكَاحِ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَالَتْ: زَوِّجْنِي مِمَّنْ شِئْت جَازَ تَزْوِيجُهَا مِنْ الْأَكْفَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَقِيَاسُهُ الْجَوَازُ هُنَا، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يَصِحُّ وَلَا خِيَارَ لَهَا، وَهُنَا يُسْتَدْرَكُ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَ فَاسِقًا فَبَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ لَا يَصِحُّ أَوْ اشْتَرَى مُعَيَّنًا ثَبَتَ الْخِيَارُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّوْكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ حِفْظُهَا وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْمُوَكِّلِ فِيهَا، وَهَذَا يُنَافِيهِ تَوْكِيلُ الْفَاسِقِ بِخِلَافِ الْكَفَاءَةِ فَإِنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَقَدْ تُسَامِحُ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهَا لِحَاجَةِ الْقُوتِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرُ الْكُفْءِ أَصْلَحَ لَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَا إنَّمَا قَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ بِشَرْطِ النَّظَرِ لَهُ بِالْمَصْلَحَةِ (وَلَوْ وَكَّلَ) الْوَكِيلُ (أَمِينًا) فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (فَفُسِّقَ لَمْ يَمْلِكْ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ دُونَ الْعَزْلِ. وَالثَّانِي: يَمْلِكُ عَزْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي التَّوْكِيلِ يَقْتَضِي تَوْكِيلَ الْأُمَنَاءِ، فَإِذَا فُسِّقَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ فَيَجُوزُ عَزْلُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 فَصْلٌ قَالَ: بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي زَمَنٍ أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ، وَفِي الْمَكَانِ وَجْهٌ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَكَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِغَيْرِ أَجَلٍ وَمَا يَتْبَعُهَا] لَوْ (قَالَ: بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ) كَزَيْدٍ (أَوْ فِي زَمَنٍ) مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ (أَوْ مَكَان مُعَيَّنٍ) كَسُوقِ كَذَا (تَعَيَّنَ) ذَلِكَ أَمَّا الشَّخْصُ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ تَخْصِيصَهُ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَالُهُ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ نَعَمْ إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الرِّبْحِ، وَأَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي التَّعْيِينِ إلَّا ذَلِكَ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ. وَأَمَّا الزَّمَانُ، فَلِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَى الْبَيْعِ قَدْ يَكُونُ فِيهِ خَاصَّةً، وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْ أَوْ أَعْتِقْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ انْحِصَارُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الَّذِي يَلِيهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ ذَلِكَ فِي مِثْلِهِ مِنْ جُمُعَةٍ أُخْرَى. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَلَوْ وَكَّلَ بِهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّن فَطَلَّقَ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعْ أَوْ بَعْدَهُ فَكَذَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مُرَاعَاةً لِتَخْصِيصِ الْمُوَكِّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ نَقْلًا عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الدَّارَكِيِّ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِ مُطَلَّقَةٌ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ، وَمَا قَالَهُ الدَّارَكِيُّ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِنَظَائِرِهِ. وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ الْغَرَضُ فِي تَعْيِينِهِ لِكَوْنِ الرَّاغِبِينَ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ النَّقْدِ فِيهِ أَجْوَدَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَتَعْيِينُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّلِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَفِي الْمَكَانِ وَجْهٌ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ) صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمْعٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ الثَّمَنَ، فَإِنْ قَدَّرَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَكَانُ إلَّا إنْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَإِنْ عَيَّنَ لِلْبَيْعِ بَلَدًا أَوْ سُوقًا فَنَقَلَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ ضَمِنَ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ، وَإِنْ قَبَضَهُ وَعَادَ بِهِ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْقِرَاضِ لِلْمُخَالَفَةِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: بَلْ لَوْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَيْعِ فِي بَلَدٍ فَلْيَبِعْ فِيهِ، فَإِنْ نَقَلَهُ ضَمِنَ. تَنْبِيهٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَسَاهُلٌ، فَإِنْ كَانَ يَحْكِي بِهَا لَفْظَ الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 وَإِنْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ.   [مغني المحتاج] مُعَيَّنٍ مِنْ تَتِمَّةِ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ فَمَدْلُولُهُ بِعْ مِنْ مُعَيَّنٍ لَا مُبْهَمٍ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا مَثَّلْتُ بِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ قَالَ: بِعْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا أَوْ كَذَا أَوْ عَيَّنَ مَكَانًا، وَهُوَ تَعْبِيرٌ حَسَنٌ. فُرُوعٌ لَوْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدَ فُلَانٍ وَكَانَ فُلَانٌ قَدْ بَاعَهُ فَلِلْوَكِيلِ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْ زَوْجَتِي، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَلِلْوَكِيلِ طَلَاقُهَا أَيْضًا فِي الْعِدَّةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ لَيْلًا فَإِنْ كَانَ الرَّاغِبُونَ فِيهِ مِثْلَ النَّهَارِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَوْ قَالَ بِعْ مِنْ زَيْدٍ فَبَاعَ لِوَكِيلِهِ لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي النِّكَاحِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَقْلَ الْمِلْكِ، وَالْبَيْعُ يَقْبَلُهُ، وَقِيَاسُهُ عَدَمُهُ الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْ مِنْ وَكِيلِ زَيْدٍ فَبَاعَ مِنْ زَيْدٍ (وَإِنْ قَالَ بِعْ) هَذَا (بِمِائَةٍ لَمْ يَبِعْ بِأَقَلَّ) مِنْهَا وَلَوْ يَسِيرًا وَإِنْ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِذْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّقْصِ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِمَا يَتَغَابَنُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسَمَّى ثَمَنَ الْمِثْلِ بِخِلَافِ دُونَ الْمِائَةِ لَا يُسَمَّى مِائَةً. (وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ) عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ عُرْفًا إنَّمَا هُوَ مَنْعُ النَّقْصِ، وَقِيلَ لَا يَزِيدُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِي إبْرَارِ قَسَمٍ، وَكَمَا لَوْ زَادَ فِي الصِّفَةِ: بِأَنْ قَالَ: بِمِائَةِ دِرْهَمٍ مُكَسَّرَةٍ فَبَاعَ بِمِائَةٍ صَحِيحَةٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لَهُ يُشْعِرُ بِجَوَازِ الْبَيْعِ بِالْمِائَةِ وَهُنَاكَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْغِبْطَةِ، فَلَوْ وَجَدَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَار لَزِمَهُ الْفَسْخُ، فَلَوْ لَمْ يَفْسَخْ انْفَسَخَ الْمَبِيعُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ (إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالنَّهْيِ) عَنْ الزِّيَادَةِ فَتَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ أَبْطَلَ حَقَّ الْعُرْفِ. تَنْبِيهٌ يَرُدُّ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْ لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الزِّيَادَةُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ إرْفَاقَهُ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ بِمِائَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ يَقَعُ غَالِبًا عَنْ شِقَاقٍ، وَذَلِكَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَنْعَ فِي الْأُولَى بِمَا إذَا كَانَتْ الْمِائَةُ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ لِظُهُورِ قَصْدِ الْمُحَابَاةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ زَيْدٍ بِمِائَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِنْهَا وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ مُمْكِنًا مِنْ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ كَانَ تَعْيِينُهُ ظَاهِرًا فِي قَصْدِ إرْفَاقِهِ وَشِرَاءُ الْعَيْنِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ ضَعُفَ احْتِمَالُ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ فَظَهَرَ قَصْدُ التَّعْرِيفِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ، فَإِنْ لَمْ تُسَاوِ وَاحِدَةٌ دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ، وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ. وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ لَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ الْعَبْدَ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةٍ وَثَوْبٍ أَوْ دِينَارٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ وَزَادَ خَيْرًا، وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ، إذْ الْمَأْتِيُّ بِهِ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ وَلَا مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِمِائَةٍ لَا بِخَمْسِينَ جَازَ الشِّرَاءُ بِالْمِائَةِ وَبِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْسِينَ لَا بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ بِعْ بِمِائَةٍ لَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ لَمْ يَجُزْ النَّقْصُ عَنْ الْمِائَةِ وَلَا اسْتِكْمَالُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ مَا عَدَاهُ، وَلَوْ قَالَ لَا تَبِعْ أَوْ لَا تَشْتَرِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ مَثَلًا فَاشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ مِائَةٌ أَوْ دُونَهَا لَا أَكْثَرُ جَازَ لِإِتْيَانِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. (وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا) بِصِفَةٍ (فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ) الْمَشْرُوطَةِ (فَإِنْ لَمْ تُسَاوِي وَاحِدَةٌ) مِنْهُمَا (دِينَارًا لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ) ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا جَمِيعًا عَلَى الدِّينَارِ لِفَوَاتِ مَا وَكَّلَ فِيهِ (وَإِنْ سَاوَتْهُ) أَوْ زَادَتْ عَلَيْهِ (كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (فَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ) لِلشِّرَاءِ (وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ) لِحَدِيثِ عُرْوَةَ السَّابِقِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ حَصَلَ غَرَضُهُ وَزَادَ خَيْرًا كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ إحْدَاهُمَا وَلَوْ بِدِينَارٍ لِيَأْتِيَ بِهِ وَبِالْأُخْرَى إلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ فَعَلَ عُرْوَةُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ. وَأَمَّا عُرْوَةُ فَلَعَلَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي بَيْعِ مَا رَآهُ مَصْلَحَةً مِنْ مَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَكَالَةُ فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ تَبَعًا لِبَيْعِ مَا هُوَ مَالِكُهُ صَحِيحَةٌ كَمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يَقُولُ: إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَلِلْمُوَكِّلِ وَاحِدَةٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالْأُخْرَى لِلْوَكِيلِ وَيُرَدُّ عَلَى الْمُوَكِّلِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الدِّينَارِ فَقَدْ اشْتَرَى شَاةً بِإِذْنٍ وَشَاةً بِغَيْرٍ إذْنٍ فَيَبْطُلُ فِي شَاةٍ، وَيَصِحُّ فِي شَاةٍ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ هُوَ طَرِيقَةٌ، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ مُسَاوِيَةً لِلدِّينَارِ وَلَوْ لَمْ تُسَاوِهْ الْأُخْرَى. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَوَصَفَهَا عَمَّا إذَا لَمْ يَصِفْهَا، فَإِنَّ التَّوْكِيلَ لَمْ يَصِحَّ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْوَصْفِ مَا سَبَقَ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ وَاضِحٌ. (وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِمُعَيَّنٍ) أَيْ بِعَيْنِ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (فَاشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ) لِمُخَالَفَتِهِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 252 وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى خَالَفَ الْمُوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ أَوْ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ. وَلَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ، بِعْتُ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك زَيْدًا فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ.   [مغني المحتاج] يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ فَأَتَى بِمَا لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا وَيُطَالِبُ بِغَيْرِهِ وَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسِّفَارَةِ وَكَذَا إنْ صَرَّحَ عَلَى الْأَصَحِّ (وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (عَكْسُهُ) وَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ فِي الذِّمَّةِ وَادْفَعْ هَذَا فِي ثَمَنِهِ فَاشْتَرَى بِعَيْنِهِ لَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمُخَالَفَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِعَقْدٍ لَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ فَأَتَى بِمَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا، وَقَدْ يَكُونُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ تَحْصِيلَ الْمَبِيعِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى هَذَا لَا يَقَعُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَالثَّانِي: يَقَعُ لَهُ، لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا حَيْثُ لَمْ يَلْزَمْ ذِمَّتُهُ شَيْئًا، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي كَذَا وَأَطْلَقَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ وَفِي الذِّمَّةِ لِتَنَاوُلِ الشِّرَاءِ لَهُمَا، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِهَذَا تَخَيَّرَ أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَقَالَا يَتَعَيَّنُ الشِّرَاءُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الشَّاةِ حَيْثُ فَرَّقُوا عَلَى مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِعَيْنِ الدِّينَارِ وَالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ. (وَمَتَى خَالَفَ) الْوَكِيلُ (الْمُوَكِّلَ فِي بَيْعِ مَالِهِ) بِأَنْ بَاعَهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ (أَوْ) فِي (الشِّرَاءِ بِعَيْنِهِ) بِأَنْ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ (فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ مِلْكِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ فِي ذِمَّتِهِ فَهُوَ كَشِرَائِهِ بِعَيْنِ مَالِ الْغَيْرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ. (وَلَوْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) غَيْرَ الْمَأْذُونِ فِيهِ (وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَقَعَ) الشِّرَاءُ (لِلْوَكِيلِ) ، وَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ إلَى الْمُوَكِّلِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِإِذْنِهِ، فَإِنْ خَالَفَ لَغَتْ نِيَّتُهُ (وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُ فَقَالَ اشْتَرَيْت لِفُلَانٍ فَكَذَا) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ (فِي الْأَصَحِّ) وَتَلْغُو تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ فِي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشِّرَاءِ، فَإِذَا سَمَّاهُ وَلَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهَا إلَيْهِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَقَدْ امْتَنَعَ إيقَاعُهُ لَهُ فَأُلْغِيَ (وَإِنْ قَالَ بِعْت مُوَكِّلَك زَيْدًا، فَقَالَ اشْتَرَيْت لَهُ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُخَاطَبَةٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا أَصْلِهَا بِمُقَابِلِ الْمَذْهَبِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُوَافِقِ الْإِذْنِ، وَفِي الْكِفَايَةِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْمَطْلَبِ: لَوْ قَالَ: بِعْتُك لِمُوَكِّلِك فُلَانٍ، فَقَالَ: قَبِلْت لَهُ صَحَّ جَزْمًا أَوْ بِعْتُك لِنَفْسِك، وَإِنْ كُنْت تَشْتَرِيهِ لِلْغَيْرِ، فَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] أَبِيعُهُ لَك فَاشْتَرَاهُ لِلْغَيْرِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ الْبَائِعُ بِلَفْظِ الْمُوَكِّلِ، بَلْ بِاسْمِهِ. فَقَالَ بِعْت زَيْدًا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت لَهُ وَنَوَيَاهُ فَكَالتَّعْبِيرِ بِالْمُوَكِّلِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ تَسْمِيَةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْعَقْدِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. مِنْهَا مَا إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ عَبْدًا أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك لِمُوَكِّلِي لِأَنَّ قَوْلَهُ: اشْتَرَيْت نَفْسِي صَرِيحٌ فِي اقْتِضَاءِ الْعِتْقِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. وَمِنْهَا مَا إذَا وَكَّلَ الْعَبْدُ أَجْنَبِيًّا فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَصْرِيحُهُ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْعَبْدِ، فَلَوْ أَطْلَقَ وَنَوَى وَقَعَ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ لَا يَرْضَى بِعَقْدٍ يَتَضَمَّنُ الْإِعْتَاقَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِي هَذَا مَثَلًا فَفَعَلَ وَمِنْهَا وَكِيلُ الْمُتَّهِبِ يَجِبُ أَنْ يُسَمِّيَهُ فِي الْقَبُولِ وَإِلَّا فَيَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ لِجَرَيَانِ الْخِطَابِ مَعَهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْمُوَكِّلِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ فِي وُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَكِّلِهِ لِأَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَسْمَحُ بِالتَّبَرُّعِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ نَعَمْ إنْ نَوَاهُ الْوَاهِبُ أَيْضًا وَقَعَ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ وَالرَّهْنِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا عِوَضَ فِيهِ. اهـ. وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِيمَا لَا عِوَضَ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا وَكِيلُ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ الْأَمَانَةُ فَقَالَ: (وَيَدُ الْوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ) لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَكَانَتْ يَدُهُ كَيَدِهِ، وَأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدُ إرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ وَالضَّمَانُ مُنَافٍ لِذَلِكَ وَمُنَفِّرٌ عَنْهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلَفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ. (فَإِنْ تَعَدَّى) فِي الْعَيْنِ بِلُبْسٍ أَوْ رُكُوبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (ضَمِنَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ فِيهِمَا، وَمِنْ التَّعَدِّي أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ وَلَا يَدْرِي كَيْفَ ضَاعَ، وَكَذَا لَوْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ، وَهَلْ يَضْمَنُ بِتَأْخِيرِ مَا وُكِّلَ فِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الضَّمَانِ (وَلَا يَنْعَزِلُ) بِالتَّعَدِّي (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْأَمَانَةُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِهَا ارْتِفَاعُ أَصْلِهَا كَالرَّهْنِ. وَالثَّانِي: يَنْعَزِلُ كَالْمُودَعِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ ائْتِمَانٌ مَحْضٌ نَعَمْ إنْ كَانَ وَكِيلًا لِوَلِيٍّ أَوْ وَصِيٍّ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ انْعِزَالُهُ كَالْوَصِيِّ يُفَسَّقُ، إذْ لَا يَجُوزُ إبْقَاءُ مَالِهِ بِيَدِ غَيْرِ عَدْلٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَمْنَعُ الْوَكَالَةَ وَإِنْ مَنَعَ الْوِلَايَةَ وَلَكِنَّ الْمَمْنُوعَ إبْقَاءُ الْمَالِ بِيَدِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَرْدُودُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْوَكِيلُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فِيمَا الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يَشْتَرِطُ الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَإِلَّا فَلَا إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُهَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا تَعَدَّى بِالْفِعْلِ، فَإِنْ تَعَدَّى بِالْقَوْلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَا يَنْعَزِلُ جَزْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ بَاعَ وَسَلَّمَ بِالْمَبِيعِ زَالَ الضَّمَانُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَلَا يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ، وَلَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ عَادَ الضَّمَانُ لِعَوْدِ الْيَدِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا: إنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَعُودُ الضَّمَانُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَوْدُ الضَّمَانِ وَالْفَسْخِ وَإِنْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ أَصْلِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِسَفَرِهِ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ وَبَاعَهُ فِيهِ ضَمِنَ ثَمَنَهُ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ وَعَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنَى مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْمَالِ ضَمِنَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ كَالْمُودَعِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ: كَكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِطَعَامٍ لَمْ يَضْمَنْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ وَهُوَ الْعُهْدَةُ، فَقَالَ (وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، فَيُعْتَبَرُ فِي الرُّؤْيَةِ وَلُزُومِ الْعَقْدِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يَشْتَرِطُ) كَالرِّبَوِيِّ وَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (الْوَكِيلُ دُونَ الْمُوَكِّلِ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً وَلَهُ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا بِالْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَحْدَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ رَضِيَ الْمُوَكِّلُ بِبَقَائِهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْمَعِيبِ مِنْ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا رَضِيَ بِهِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مَنُوطًا بِاسْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَمَا نِيطَ بِهِ كُلُّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ لِخَبَرِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ بِالْقِيَاسِ عَلَى خِيَارِ الْمَجْلِسِ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ ثَمَّ قَدْ تَمَّ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا (وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ) لِلْعُرْفِ سَوَاءٌ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ وَلِتَعَلُّقِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّلِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ (وَإِلَّا) ؛ بِأَنَّ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ (فَلَا) يُطَالِبُهُ (إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ وَحَقُّ الْبَائِعِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) الثَّمَنُ (فِي الذِّمَّةِ طَالَبَهُ) بِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. (إنْ أَنْكَرَ وَكَالَتَهُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُهَا) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ وَالْعَقْدُ وَقَعَ مَعَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلِ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ، وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ قُلْت: وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَسْأَلَةُ عَدَمِ الْعِلْمِ مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ (وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا طَالَبَهُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ كَضَامِنٍ وَالْمُوَكِّلُ كَأَصِيلٍ) لِأَنَّ الْعَقْدَ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْمُوَكِّلِ، لَكِنَّ الْوَكِيلَ فَرْعُهُ وَنَائِبُهُ وَوَقَعَ الْعَقْدُ مَعَهُ فَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا مُطَالَبَتَهُمَا، فَإِذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَالثَّانِي: لَا يُطَالِبُ الْوَكِيلَ بَلْ الْمُوَكِّلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ وَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ مَحْضٌ. وَالثَّالِثُ: لَا يُطَالِبُ الْمُوَكِّلَ بَلْ الْوَكِيلُ فَقَطْ، لِأَنَّ الِالْتِزَامَ وُجِدَ مَعَهُ (وَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ الثَّمَنَ) حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ (وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي) بِبَدَلِ الثَّمَنِ (وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَكَالَتِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ سَفِيرٌ مَحْضٌ (ثُمَّ) عَلَى الْأَوَّلِ إذَا غَرِمَ الْوَكِيلُ (يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ) بِمَا غَرِمَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَكِيلُ مَنْصُوبًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ لَا يُطَالَبُ فَكَذَا نَائِبُهُ (قُلْت وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَتِهِ وَيَدُهُ كَيَدِهِ، وَإِذَا غَرِمَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ بَانَ فَسَادُ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ تَحْتَ يَدِ الْمُوَكِّلِ، وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ فَفِي مُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا. كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُطَالَبَتُهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ جَمِيعُهُ يَأْتِي فِي وَكِيلِ الْمُشْتَرِي إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُهُ. فَرْعٌ وَكِيلُ الْمُسْتَقْرِضِ كَوَكِيلِ الْمُشْتَرِي فَيُطَالِبُ وَيَرْجِعُ بَعْدَ الْغُرْمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ. تَنْبِيهٌ الْمَقْبُوضُ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ يَضْمَنْهُ الْوَكِيلُ سَوَاءٌ أَتَلِفَ فِي يَدِهِ أَمْ فِي يَدِ مُوَكِّلِهِ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ وَيَرْجِعُ إذَا غَرِمَ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. [فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الرَّابِعِ: وَهُوَ الْجَوَازُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 فَصْلٌ الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ أَوْ قَالَ رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ فَإِنْ عَزَلَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ لَا حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ.   [مغني المحتاج] (فَصْلٌ) الْوَكَالَةُ وَلَوْ بِجُعْلٍ (جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَرْكِ مَا وَكَّلَ فِيهِ أَوْ فِي تَوْكِيلِ آخَرَ، وَمِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ فَيَكُونُ اللُّزُومُ مُضِرًّا بِهِمَا، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَقَدَ الْوَكَالَةَ بِاسْتِئْجَارٍ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ وَإِنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ وَشُرِطَ فِيهَا جُعْلٌ مَعْلُومٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ أَوْ بِمَعَانِيهَا، وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ نَقَلَهُمَا الرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ. (فَإِذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ فِي حُضُورِهِ) أَيْ أَتَى بِلَفْظِ الْعَزْلِ خَاصَّةً (أَوْ قَالَ) فِي حُضُورِهِ: (رَفَعْت الْوَكَالَةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا) أَوْ أَزَلْتهَا أَوْ فَسَخْتَهَا أَوْ نَقَضْتهَا أَوْ صَرَفْتهَا (أَوْ أَخْرَجْتُك مِنْهَا انْعَزَلَ) مِنْهَا لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ (فَإِنْ عَزَلَهُ وَهُوَ غَائِبٌ انْعَزَلَ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدٍ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ غَائِبٌ (وَفِي قَوْلٍ: لَا) يَنْعَزِلُ (حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ) مِمَّنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ كَالْقَاضِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِالْقَاضِي فَيَعْظُمُ الضَّرَرُ بِنَقْضِ الْأَحْكَامِ وَفَسَادِ الْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَاكِمَ فِي وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ. اهـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَكِيلَ الْعَامَّ كَوَكِيلِ السُّلْطَانِ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ لِعُمُومِ نَظَرِهِ كَالْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوهُ. اهـ. وَرُبَّمَا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ، وَلَا يُصَدَّقُ مُوَكِّلُهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي قَوْلِهِ: كُنْت عَزَلْته إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى عَزْلِهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ بَاعَهُ جَاهِلًا بِعَزْلِهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَ بَعْدَ الْعَفْوِ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ، وَلَوْ عَزَلَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَ، وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِأَنَّ الْوَدِيعَ أَمِينُ الْوَكِيلِ يَتَصَرَّفُ، وَالْعَزْلُ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 وَلَوْ قَالَ عَزَلْت نَفْسِي أَوْ رَدَدْت الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ. وَيَنْعَزِلُ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ، وَكَذَا إغْمَاءٌ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى أَمَانَتِهِ بَعْدَ عَزْلِهِ كَمَا مَرَّ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ، وَلَوْ عَزَلَ أَحَدَ وَكِيلَيْهِ مُبْهِمًا لَمْ يَتَصَرَّفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى يُمَيِّزَ لِلشَّكِّ فِي أَهْلِيَّتِهِ. (وَلَوْ قَالَ) الْوَكِيلُ (عَزَلْت نَفْسِي أَوْ رَدَدْت الْوَكَالَةَ) أَوْ فَسَخْتهَا أَوْ خَرَجْت مِنْهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهَا (انْعَزَلَ) لِدَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْمُوَكِّلِ صِيغَةَ أَمْرٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ صِيغَتُهُ صِيغَةَ أَمْرٍ كَأَعْتِقْ وَبِعْ لَمْ يَنْعَزِلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذْنٌ وَإِبَاحَةٌ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبَاحَ الطَّعَامَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُبَاحِ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ قِيل كَيْفَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِمْ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الْوَكَالَةِ فَسَادُ التَّصَرُّفِ لِبَقَاءِ الْإِذْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَزْلَ أَبْطَلَ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَلَوْ قُلْنَا: لَهُ التَّصَرُّفُ لَمْ يُفِدْ الْعَزْلُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهَا فَإِنَّهُ إذَا فَسَدَ خُصُوصُ الْوَكَالَةِ لَمْ يُوجَدْ مَا يُنَافِي عُمُومَ الْإِذْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى حُضُورِ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالطَّلَاقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ لَاسْتَمْلَكَ الْمَالَ قَاضٍ جَائِرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْوَكَالَةِ إلَى حُضُورِ مُوَكِّلِهِ أَوْ أَمِينِهِ عَلَى الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَصِيِّ. اهـ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَكَّلَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْوَاجِبِ (وَيَنْعَزِلُ) أَيْضًا (بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ (عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ) ، وَإِنْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَارَنَ مَنَعَ الِانْعِقَادَ فَإِذَا طَرَأَ قَطَعَهُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِعَزْلٍ، بَلْ تَنْتَهِي الْوَكَالَةُ بِهِ كَالنِّكَاحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفَائِدَةُ عَزْلِ الْوَكِيلِ بِمَوْتِهِ انْعِزَالُ مَنْ وَكَّلَهُ عَنْ نَفْسِهِ إنْ جَعَلْنَاهُ وَكِيلًا عَنْهُ. اهـ. وَقِيلَ لَا فَائِدَةَ لِذَلِكَ فِي غَيْرِ التَّعَالِيقِ (وَكَذَا إغْمَاءٌ) يَنْعَزِلُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهُ بِالْجُنُونِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَنْ يُولَى عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى الْوَكِيلُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِإِغْمَاءِ الْمُوَكِّلِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجِّ، وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالنَّوْمِ، وَإِنْ خَرَجَ بِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ. تَنْبِيهٌ لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّف عَلَى قَوْلِهِ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ رِقٍّ فِيمَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ أَوْ فُسِّقَ فِيمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ. وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الْإِخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ، فَإِنْ تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ انْعَزَلَ.   [مغني المحتاج] الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِيهِ، وَيَنْعَزِلُ أَيْضًا (وَبِخُرُوجِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ) بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَإِعْتَاقِ مَا وُكِّلَ فِيهِ؛ لِاسْتِحَالَةِ بَقَاءِ الْوِلَايَةِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ، وَمِثْلُ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَوْ آجَرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لِإِشْعَارِهِ بِالنَّدَمِ عَلَى الْبَيْعِ، وَكَذَا الْإِيصَاءُ وَالتَّدْبِيرُ وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَبِالرَّهْنِ مَعَ الْقَبْضِ كَمَا قَالَ ابْنُ كَجٍّ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَكَذَا بِتَزْوِيجِ الْجَارِيَةِ، فَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَخَذَ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ وَقَالَ: بِخِلَافِ الْعَبْدِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِثَالًا وَقَالَ الْعَبْدُ كَالْأَمَةِ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ فِي ذَلِكَ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ قَدْ تُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ آخَرَ وَلَا بِالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ، وَفِي عَزْلِ الْوَكِيلِ بِطَحْنِ الْمُوَكِّلِ الْحِنْطَةَ الْمُوَكَّلَ بِبَيْعِهَا وَجْهَانِ. وَقَضِيَّةُ مَا فِي التَّتِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الِانْعِزَالُ هَذَا إذَا ذُكِرَ اسْمُ الْحِنْطَةِ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي تَصَرُّفٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ كَاتَبَهُ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّ إذْنَ السَّيِّدِ لَهُ اسْتِخْدَامٌ كَمَا مَرَّ لَا تَوْكِيلٌ، وَقَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَبَاعَهُ سَيِّدُهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ لَكِنْ يَعْصِي الْعَبْدُ بِالتَّصَرُّفِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مُشْتَرِيهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ. (وَإِنْكَارُ الْوَكِيلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ) لَهَا (أَوْ لِغَرَضٍ) لَهُ (فِي الْإِخْفَاءِ) كَخَوْفِ أَخْذِ ظَالِمٍ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ (لَيْسَ بِعَزْلٍ) لِعُذْرِهِ (فَإِنْ تَعَمَّدَ) إنْكَارَهَا (وَلَا غَرَضَ) لَهُ فِيهِ (انْعَزَلَ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ حِينَئِذٍ رَدٌّ لَهَا، وَالْمُوَكِّلُ فِي إنْكَارِهَا كَالْوَكِيلِ فِي ذَلِكَ، وَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ فِي التَّدْبِيرِ مِنْ جَحْدِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ يَكُونُ عَزْلًا مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ عَلَى مَا هُنَا. فُرُوعٌ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ أَوْ شِرَائِهِ لَمْ يُعْقَدْ عَلَى بَعْضِهِ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ. نَعَمْ إنْ بَاعَ الْبَعْضَ بِقِيمَةِ الْجَمِيعِ صَحَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ هَذَا إنْ لَمْ يُعَيَّنْ الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِقَصْدِهِ مُحَابَاتِهِ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْعَبْدِ ثَوْبًا فَاشْتَرَاهُ بِبَعْضِهِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ أَوْ اشْتَرِهِمْ جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِي عُقُودٍ وَأَنْ يَجْمَعَهُمْ فِي عَقْدٍ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْأَحَظُّ فِي أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ، وَلَوْ قَالَ: بِعْهُمْ أَوْ اشْتَرِهِمْ صَفْقَةً لَمْ يُفَرِّقْهَا لِمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، أَوْ قَالَ: بِعْهُمْ بِأَلْفٍ لَمْ يَبِعْ وَاحِدًا بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ أَحَدٌ الْبَاقِينَ بِبَاقِي الْأَلْفِ فَإِنْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ صَحَّ، وَلَهُ بَيْعُ الْبَاقِينَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ، فَقَالَ بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعِشْرِينَ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ فَقَالَ بَلْ بِعَشَرَةٍ وَحَلَفَ، فَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ وَقَالَ بَعْدَهُ اشْتَرَيْته لِفُلَانٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ،   [مغني المحتاج] اُطْلُبْ حَقِّي مِنْ زَيْدٍ، فَمَاتَ زَيْدٌ لَمْ يُطَالَبْ وَارِثُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ، أَوْ اُطْلُبْ حَقِّي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ طَالَبَ وَارِثَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَبْرِئْ غُرَمَائِي لَمْ يُبَرِّئْ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قَالَ: وَإِنْ شِئْت فَأَبْرِئْ نَفْسَك فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وُكِّلَ الْمَدْيُونُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطِ ثُلُثِي لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ أَوْ لِنَفْسِك لَمْ يَصِحَّ لِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا ثُمَّ هَذَا لَزِمَهُ التَّرْتِيبُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ مُوَكِّلِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ لِيَطَأَهَا لَمْ يَشْتَرِ لَهُ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ كَأُخْتِهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ فَإِنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ تَصَرَّفَ وَإِلَّا فَلَا. (وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهَا) بِأَنْ قَالَ: وَكَّلْتنِي فِي كَذَا فَقَالَ: مَا وَكَّلْتُك (أَوْ صِفَتِهَا بِأَنْ قَالَ: وَكَّلْتنِي فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ الشِّرَاءِ بِعِشْرِينَ) مَثَلًا (فَقَالَ) الْمُوَكِّلُ: (بَلْ نَقْدًا أَوْ بِعَشَرَةٍ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْوَكِيلُ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَعْرَفُ بِحَالِ الْإِذْنِ الصَّادِرِ مِنْهُ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَ الْفَارِقِيُّ: إذَا كَانَ بَعْدَ التَّصَرُّفِ أَمْ قَبْلَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ انْعَزَلَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ بِيَمِينِهِ فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى لَيْسَ بِمُوَكِّلٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مُوَكِّلٌ بِزَعْمِ الْوَكِيلِ (وَلَوْ اشْتَرَى) الْوَكِيلُ (جَارِيَةً بِعِشْرِينَ) دِرْهَمًا مَثَلًا وَهِيَ تُسَاوِي عِشْرِينَ فَأَكْثَرَ، (وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ) بِالشِّرَاءِ بِهَا (فَقَالَ) الْمُوَكِّلُ (بَلْ) أَذِنْت (بِعَشَرَةٍ، وَ) لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا (حَلَفَ) الْمُوَكِّلُ، ثُمَّ يُنْظَرُ (فَإِنْ اشْتَرَى) الْوَكِيلُ الْجَارِيَةَ (بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَسَمَّاهُ فِي الْعَقْدِ) وَقَالَ: الْمَالُ لَهُ (أَوْ) لَمْ يُسَمِّهِ لَكِنْ (قَالَ بَعْدَهُ) أَيْ الْعَقْدِ: (اشْتَرَيْته) أَيْ الْمَذْكُورَ وَالْأَوْلَى اشْتَرَيْتهَا: أَيْ الْجَارِيَةَ (لِفُلَانٍ وَالْمَالُ لَهُ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ) فِيمَا ادَّعَاهُ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ (فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ) فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَسْمِيَةِ الْوَكِيلِ فِي الْأُولَى وَتَصْدِيقِ الْبَائِعِ أَوْ الْبَيِّنَةِ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمَالَ وَالشِّرَاءَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَثَبَتَ بِيَمِينِ مَنْ لَهُ الْمَالُ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الشِّرَاءِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَلْغُوَ الشِّرَاءُ وَالْجَارِيَةُ لِبَائِعِهَا وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 وَإِنْ كَذَّبَهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ، وَكَذَا. إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ وَكَذَا إنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَطَلَ الشِّرَاءُ، وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ إنْ كُنْت   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْبُطْلَانِ فِيمَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يُوَافِقْ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى وَكَالَتِهِ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ، وَإِلَّا فَالْجَارِيَةُ بِاعْتِرَافِ الْبَائِعِ مِلْكٌ لِلْمُوَكِّلِ، فَيَأْتِي فِيهِ التَّلَطُّفُ الْآتِي كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ (وَإِنْ كَذَّبَهُ) الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فِيمَا قَالَ بِأَنْ قَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْت لِنَفْسِك وَالْمَالُ لَك وَلَسْت وَكِيلًا فِي الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ وَلَا بَيِّنَةَ (حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ) النَّاشِئَةِ عَنْ التَّوْكِيلِ وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ وَكِيلًا فِي زَعْمِ الْبَائِع. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَالْحَلِفُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الْجَوَابِ وَهُوَ إنَّمَا أَجَابَ بِالْبَيْعِ؟ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَيْضًا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَحْلِيفِهِ عَلَى نَفْي الْوَكَالَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَهَا وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ الْمَالَ لِغَيْرِهِ كَانَ كَافِيًا فِي إبْطَالِ الْبَيْع فَيَنْبَغِي الْحَلِفُ عَلَيْهِمَا كَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا جَمِيعًا بَلْ يَكْفِي التَّحْلِيفُ عَلَى الْمَالِ وَحْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا؟ . أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَحْلِيفَهُ عَلَى الْبَتِّ يَسْتَلْزِمُ مَحْذُورًا وَهُوَ تَحْلِيفُهُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلَهُ: لَسْت وَكِيلًا فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ غَيْرَك لَمْ يُوَكِّلْك، وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْمَالُ لِلْوَكِيلِ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ وَهُوَ ثُبُوتُ يَدِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ لِلْغَيْرِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ (وَوَقَع الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ) ظَاهِرًا وَيُسَلِّمُ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ وَيَرُدُّ لِلْمُوَكِّلِ بَدَلَهُ (وَكَذَا) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ظَاهِرًا. (إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ) فِي الْعَقْدِ بِأَنْ نَوَاهُ، وَقَالَ: اشْتَرَيْت لَهُ وَالْمَالُ لَهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَحَلَفَ كَمَا مَرَّ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ بَطَلَ الشِّرَاءُ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ لِلْمُوَكِّلِ وَثُبُوتِ كَوْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِيَمِينِهِ، وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ ذَلِكَ (وَكَذَا) يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ ظَاهِرًا (إنْ سَمَّاهُ وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُبْطِلٌ فِي تَسْمِيَتِك وَلَمْ تَكُنْ وَكِيلَهُ، وَالْوَجْهَانِ هُنَا هُمَا الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك إلَخْ، وَقَدْ مَرَّ تَعْلِيلُهُمَا (وَإِنْ صَدَّقَهُ) الْبَائِعُ فِي التَّسْمِيَةِ (بَطَلَ الشِّرَاءُ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ لِلْمُوَكِّلِ وَثَبَت كَوْنُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ سَمَّاهُ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك إلَخْ (وَحَيْثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلْوَكِيلِ) مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ لِلْمُوَكِّلِ (يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَرْفُقَ) أَيْ يَتَلَطَّفَ (بِالْمُوَكِّلِ لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ: إنْ كُنْت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 أَمَرْتُك بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا، وَيَقُولُ هُوَ اشْتَرَيْت لِتَحِلَّ لَهُ. وَلَوْ قَالَ أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ، وَفِي قَوْلٍ الْوَكِيلُ، وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ وَكَذَا فِي الرَّدِّ،   [مغني المحتاج] أَمَرْتُك) بِشِرَاءِ جَارِيَةٍ (بِعِشْرِينَ فَقَدْ بِعْتُكَهَا بِهَا) أَيْ بِالْعِشْرِينَ (وَيَقُولُ هُوَ: اشْتَرَيْت لِتَحِلَّ لَهُ) بَاطِنًا إنْ كَانَ صَادِقًا فِي أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِعِشْرِينَ، وَلَا يَضُرُّ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك كَانَ مَعْنَاهُ إنْ كُنْت أَذِنْت فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: بِعْتُك إنْ شِئْت، وَلَيْسَ لَنَا بَيْعٌ يَصِحُّ مَعَ التَّعْلِيقِ إلَّا فِي هَذِهِ، فَإِنْ نَجَّزَ الْمُوَكِّلُ الْبَيْعَ صَحَّ قَطْعًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إقْرَارًا بِمَا قَالَهُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ لِلْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ الْمُوَكِّلُ إلَى مَا ذُكِرَ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْقَاضِي. فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ صَادِقًا فَهِيَ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَيْهِ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنُ وَهُوَ لَا يُؤَدِّيهِ، وَقَدْ ظَفَرَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ الْجَارِيَةُ، فَلَهُ بَيْعُهَا وَأَخْذُ ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِبُطْلَانِهِ، وَفِي هَذِهِ يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى التَّلَطُّفِ بِالْبَائِعِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ حَلَّ مَا ذُكِرَ لِلْوَكِيلِ لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لَهُ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا، وَالشِّرَاءُ بِالْعَيْنِ أَنَّهُ يَكُونُ كَمَا لَوْ كَانَ صَادِقًا فَيَكُونُ قَدْ ظَفِرَ بِغَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ لِتَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِحَلِفِهِ. (وَلَوْ قَالَ) الْوَكِيلُ (أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ) ذَلِكَ (صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّصَرُّفِ وَبَقَاءُ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ (وَفِي قَوْلٍ) يَصَّدَّقُ (الْوَكِيلُ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ ائْتَمَنَهُ فَعَلَيْهِ تَصْدِيقُهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ النِّزَاعُ قَبْلَ الْعَزْلِ وَإِلَّا فَالْمُصَدَّقُ الْمُوَكِّلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ مَالِكٍ لِإِنْشَاءِ التَّصَرُّفِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَلَكِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: عَزَلْتُكَ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: بَلْ بَعْدَهُ فَكَنَظِيرِهِ مِنْ الرَّجْعَةِ وَسَيَأْتِي (وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ الْمَالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. تَنْبِيهٌ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ وَإِلَّا فَالْغَاصِبُ وَكَّلَ مَنْ يَدُهُ ضَامِنَةٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ (وَكَذَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ (فِي الرَّدِّ) عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِجُعْلٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ جُعْلٍ فَقَدْ أَخَذ الْعَيْنَ بِمَحْضِ غَرَضِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ، وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ؛ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الْعَيْنَ لِنَفْعِ الْمَالِكِ، وَانْتِفَاعُهُ هُوَ إنَّمَا هُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 وَقِيلَ إنْ كَانَ بِجُعْلٍ فَلَا. وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ صُدِّقَ الرَّسُولُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ قَبَضْت الثَّمَنَ وَتَلِفَ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِلَّا فَالْوَكِيلُ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] بِالْعَمَلِ فِي الْعَيْنِ لَا بِالْعَيْنِ نَفْسِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَزْلِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَطْلَبِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) وَكِيلًا (بِجُعْلٍ فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الْمُرْتَهِنَ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ، بِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَرْهُونِ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ تَعَلُّقِهِ بِبَدَلِهِ عِنْدَ التَّلَفِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. . تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ فِي الرَّدِّ مَا لَمْ تَبْطُلْ أَمَانَتُهُ. أَمَّا لَوْ طَالَبَهُ الْمُوَكِّلُ فَقَالَ: مَا قَبَضْته مِنْك، فَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى قَبْضِهِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: رَدَدْته إلَيْك أَوْ تَلِفَ عِنْدِي ضَمِنَهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَتْ أَمَانَتُهُ بِالْجُحُودِ وَتَنَاقُضُهُ وَدَعْوَ الْجَابِي تَسْلِيمُ مَا جَبَاهُ إلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الْجِبَايَةِ مَقْبُولٌ أَيْضًا. (وَلَوْ ادَّعَى) الْوَكِيلُ (الرَّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوَكِّلِ وَأَنْكَرَ الرَّسُولُ صُدِّقَ الرَّسُولُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ (وَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ) فِي ذَلِكَ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الرَّدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ فَلْيُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِإِرْسَالِهِ وَيَدُ رَسُولِهِ كَيَدِهِ، فَكَأَنَّهُ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الدَّفْعِ إلَى رَسُولِهِ لَمْ يَغْرَمْ الْوَكِيلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَلَوْ اعْتَرَفَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ وَادَّعَى التَّلَفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالِكَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ (وَلَوْ قَالَ: قَبَضْت الثَّمَنَ) حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ قَبْضُهُ بِأَنْ وُكِّلَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ قَبْضِ الثَّمَنِ (وَتَلِفَ) فِي يَدِي أَوْ دَفَعْتُهُ إلَيْك (وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ) قَبْضَ الْوَكِيلِ لَهُ (صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ إنْ كَانَ) الِاخْتِلَافُ (قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ وَعَدَمُ الْقَبْضِ (وَإِلَّا) ، بِأَنْ كَانَ بَعْد تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ (فَالْوَكِيلُ) هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَنْسُبُهُ إلَى تَقْصِيرٍ وَخِيَانَةٍ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْل بَقَاءُ حَقِّهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا فِي الْحَالَيْنِ الْقَوْلَانِ فِي دَعْوَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفَ وَإِنْكَارِ الْمُوَكِّلِ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ فِي الْبَيْعِ بِمُؤَجَّلٍ، أَوْ فِي الْقَبْض بَعْدَ الْأَجَلِ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، إذْ لَا خِيَانَةَ بِالتَّسْلِيمِ، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْوَكِيلَ فَحَلَفَ فَفِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ فَقَالَ قَضَيْته وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْوَكِيلِ فِي حَقِّهِ لِائْتِمَانِهِ إيَّاهُ، وَعَلَى نَقْلِ هَذَا اقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَرَجَّحَ الْوَجْهَ الْآخَرَ الْإِمَامُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: قَبَضْت الثَّمَنَ فَادْفَعْهُ إلَيَّ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: لَمْ أَقْبِضْهُ صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ لِاعْتِرَافِهِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلَا مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بَعْدَ حَلِفِهِ إلَّا إنْ سَلَّمَ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْمُوَكِّلِ قِيمَةَ الْمَبِيعِ لِلْحَيْلُولَةِ لِاعْتِرَافِهِ بِالتَّعَدِّي بِتَسْلِيمِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يُشْكِلُ بِكَوْنِ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي لَا يُسْتَحَقُّ غَيْرُهُ. (وَلَوْ) دَفَعَ إلَى شَخْصٍ مَالًا، وَ (وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَيْهِ (فَقَالَ قَضَيْته) بِهِ (وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ) قَضَاءَهُ (صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْ الْوَكِيلَ حَتَّى يَلْزَمَهُ تَصْدِيقُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْقَضَاءِ فَكَذَا نَائِبُهُ، وَإِذَا حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ طَالَبَ الْمُوَكِّلَ بِحَقِّهِ لَا الْوَكِيلَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) أَوْ شَاهِدٍ وَيَحْلِفُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي الدَّفْعِ إلَى مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ فِي رُجُوعِ الضَّامِنِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ وَبِالْوَاحِدِ وَمِنْ التَّفْصِيلِ بِالْأَدَاءِ بَيْن الْحَضْرَةِ وَالْغَيْبَةِ وَقَبُولِ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ ائْتَمَنَهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَيْهِ. (وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَالرُّشْدِ (يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ حَتَّى يُكَلَّفَ تَصْدِيقُهُ، وَكَذَا وَلِيُّ السَّفِيهِ إذَا ادَّعَى الدَّفْعَ إلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ وَيُخَالِفُ ذَلِكَ الْإِنْفَاقُ؛ لِأَنَّهُ يُعْسَرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخَرِ الْوَصِيَّةِ وَجَزَمَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ عَكَسَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ فَجَزَمَ فِي الْقَيِّمِ بِعَدَمِ التَّصْدِيقِ، وَتَرَدَّدَ فِي الْوَصِيِّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَقْرَبُ إلَى التَّصْدِيقِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ اهـ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ فِي مَعْنَى الْقَاضِي، فَكَانَ أَعْلَى مَرْتَبَةً وَأَقْرَبَ إلَى التَّصْدِيقِ، وَهَذَا الرَّدُّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودِعٍ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ لَا أَرُدُّ الْمَالَ إلَّا بِإِشْهَادٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَيِّمِ الْيَتِيمِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَنْصُوبُ الْقَاضِي فَقَطْ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْإِمَامِ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِابْنِ الْمُلَقِّنِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ حَاكِمًا إذْ لَا يَتِمُّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فِي مَعْنَاه، وَعَلَى هَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْمَشْهُورُ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَدَمُ الْقَبُولِ أَيْضًا، وَإِنْ جَزَمَ السُّبْكِيُّ بِقَبُولِ قَوْلِهِمَا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي أَنَّ الْحَاكِمَ كَالْأَبِ، وَأَلْحَقَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بِالْوَصِيِّ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي الْعَدْلِ الْأَمِينِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَمِينِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَالْمَجْنُونُ كَالْيَتِيمِ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ. (وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ وَلَا مُودِعٍ) وَلَا غَيْرِهِمَا مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ كَالشَّرِيكِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ (أَنْ يَقُولَ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) مَالَهُ (لَا أَرُدُّ الْمَالَ إلَّا بِإِشْهَادٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ مَقْبُولٌ بِيَمِينِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُحْتَاجَ إلَى يَمِينٍ، فَإِنَّ الْأُمَنَاءَ يَحْتَرِزُونَ عَنْهَا مَا أَمْكَنَهُمْ (وَلِلْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ ذَلِكَ) أَيْ التَّأْخِيرِ إلَى الْإِشْهَادِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْأَخْذِ أَمْ لَا، وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْأَخْذِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْإِشْهَادِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ رُبَّمَا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ يَرَى الِاسْتِفْصَالَ كَالْمَالِكِيِّ فَيَسْأَلُهُ هَلْ هُوَ غَصْبٌ أَوْ لَا؟ . فَإِنْ قِيلَ: التَّوْبَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ الْغَصْبِ، وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِطَلَبِ الْإِشْهَادِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا طُولِبَ بِهِ ثَانِيًا. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّدِّ لَا يَشْمَلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْمُقْتَرِضِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالدَّفْعِ لَشَمِلَهُ. (وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِمَنْ عِنْدَهُ مَالٌ لِمُسْتَحِقِّهِ: (وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَك مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ) مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ فِي ذَلِكَ فَلَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُحِقٌّ بِزَعْمِهِ فَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْحَقَّ فَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَكَالَتَهُ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا وَبَقِيَتْ أَخَذَهَا أَوْ أَخَذَهَا الدَّافِعُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ طَالَبَ بِبَدَلِهَا مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَمَنْ غَرِمَ مِنْهُمَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ لِاعْتِرَافِهِمَا أَنَّ الظَّالِمَ غَيْرُهُمَا فَلَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى ظَالِمِهِ إلَّا إنْ قَصَّرَ الْقَابِضُ لَهَا فَتَلِفَتْ، وَغَرَّمَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّافِعَ لَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْقَابِضِ: لِأَنَّهُ وَكِيلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ وَكَّلَنِي الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِ مَا لَهُ عِنْدَك مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ وَصَدَّقَهُ فَلَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ. وَلَوْ قَالَ أَحَالَنِي عَلَيْك وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: وَإِنْ قَالَ أَنَا وَارِثُهُ وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] عِنْدَهُ وَالْوَكِيلُ يَضْمَنُ بِالتَّقْصِيرِ، وَكَذَا يَرْجِع عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ إنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ دَيْنًا لَمْ يُطَالِبْ بِهِ الْمُسْتَحِقُّ إلَّا غَرِيمَهُ، لِأَنَّ الْقَابِضَ فُضُولِيٌّ بِزَعْمِهِ وَالْمَقْبُوضُ لَيْسَ حَقَّهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْمَدْيُونِ، وَإِذَا غَرِمَهُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الْقَابِضِ إنْ كَانَ بَاقِيًا؛ لِأَنَّهُ مَالُ مَنْ ظَلَمَهُ وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، فَإِنْ كَانَ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَغْرَمْهُ وَإِلَّا غَرِمَهُ، هَذَا كُلُّهُ إنْ صَرَّحَ بِتَصْدِيقِهِ فِي دَعْوَاهُ الْوَكَالَةَ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْهُ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا فَيَجُوزَ لَهُ دَفْعُهُ عِنْد التَّصْدِيقِ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عِنْد نَفْسِهِ بِالدَّيْنِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذْ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كَافِيَةٌ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ) الدَّفْعُ إلَيْهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى وَكَالَتِهِ) لِاحْتِمَالِ إنْكَارِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَالثَّانِي: وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَارِثِ الْآتِيَةِ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاعْتِرَافِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَخْذَ. (وَلَوْ قَالَ) لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ: (أَحَالَنِي) مُسْتَحِقُّهُ (عَلَيْك) بِهِ وَقُبِلَتْ الْحَوَالَةُ (وَصَدَّقَهُ) فِي ذَلِكَ (وَجَبَ الدَّفْعُ) إلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ إنْكَارِ صَاحِبِ الْحَقِّ الْحَوَالَةَ. تَنْبِيهٌ جَحْدُ الْمُحِيلِ الْحَوَالَةَ كَجَحْدِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَذَا قَالَاهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّافِعَ مُصَدِّقٌ لِلْقَابِضِ عَلَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ صَارَ لَهُ بِالْحَوَالَةِ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ ظَلَمَهُ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهُ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنْ لَا يَرْجِعَ عَلَى الْقَابِضِ فَتُخَالِفَ الْحَوَالَةُ الْوَكَالَةَ فِي ذَلِكَ. (قُلْت: وَإِنْ قَالَ) لِمَنْ عِنْدَهُ حَقٌّ لِمُسْتَحِقِّهِ، (أَنَا وَارِثُهُ) الْمُسْتَغْرِقُ لِتَرِكَتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ أَوْ وَصِيٌّ لَهُ أَوْ مُوصًى لَهُ مِنْهُ (وَصَدَّقَهُ) مَنْ عِنْدَهُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ (وَجَبَ الدَّفْعُ) إلَيْهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَالثَّانِي وَهُوَ مُخْرَجٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ السَّابِقَةِ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى إرْثِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ الْآنَ لِحَيَاتِهِ وَيَكُونُ ظَنُّ مَوْتِهِ خَطَأً، وَإِذَا سَلَّمَهُ ثُمَّ ظَهَرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْمُسْتَحِقُّ حَيًّا وَغَرِمَهُ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُوصَى لَهُ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ لِتَبَيُّنِ كِذْبِهِمْ بِخِلَافِ صُوَرِ الْوَكَالَةِ لَا رُجُوعَ فِيهَا فِي بَعْضِ صُوَرِهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ عَلَى الْوَكَالَةِ وَإِنْكَارُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يَرْفَعُ تَصْدِيقَهُ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ ثُمَّ جَحَدَ وَهَذَا بِخِلَافِهِ. خَاتِمَةٌ لَوْ صَدَّقَ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ دَيْنٍ أَوْ اسْتِرْدَادِ وَدِيعَةٍ أَوْ نَحْوِهِ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ إلَى وَكِيلِهِ الْمُنْكِرِ لِذَلِكَ لَمْ يُغَرِّمْ الْمُوَكِّلُ مُدَّعِيَ التَّسْلِيمِ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ تَرَكَ الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْإِشْهَادَ حَيْثُ يُغَرِّمُهُ الْمُوَكِّلُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ لِلْمُوَكِّلِ، فَإِذَا تَرَكَهُ غَرِمَ بِخِلَافِ الْغَرِيمِ، وَيَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ وَالْبَيْع وَنَحْوِهِمَا بِالْمُصَادَقَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ بِهِ ثُمَّ بَعْد الْعَقْدِ إنْ كَذَّبَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِنْ وَافَقَهُ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْد بَيِّنَةً بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَيُؤْثِرُ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 كِتَابُ الْإِقْرَارِ يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَاغٍ.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ هُوَ لُغَةً: الْإِثْبَاتُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَرَّ الشَّيْءُ يَقِرُّ قَرَارًا إذَا ثَبَتَ، وَشَرْعًا: إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ عَلَى الْمُخْبِرِ، فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَدَعْوَى أَوْ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَشَهَادَةُ. هَذَا إذَا كَانَ خَاصًّا فَإِنْ اقْتَضَى شَيْئًا عَامًّا، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ، وَإِنْ كَانَ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ الْفَتْوَى، وَيُسَمَّى الْإِقْرَارُ اعْتِرَافًا أَيْضًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران: 81] ، وقَوْله تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْإِقْرَارُ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَالْقِيَاسُ؛ لِأَنَّا إذَا قَبَلْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَأَنْ نَقْبَلَ الْإِقْرَارَ أَوْلَى، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: مُقِرٌّ وَمُقَرٌّ لَهُ وَصِيغَةٌ وَمُقَرٌّ بِهِ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْضًا الِاخْتِيَارُ، وَأَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) عَلَى هَذَا (إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِعُذْرٍ كَشُرْبِ دَوَاءٍ وَإِكْرَاهٍ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ (لَاغٍ) لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمْ وَسَيَأْتِي حُكْمُ السَّكْرَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالتَّصَرُّفِ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَلَا يَنْفُذُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ إنْشَاؤُهُ، وَمِنْ الثَّانِي إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ، وَالْمَجْهُولُ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ رَقِّهِ وَبِنَسَبِهِ، وَالْمُفْلِسُ بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْمَى بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالْوَارِثِ بِدَيْنٍ عَلَى مُوَرِّثِهِ، وَالْمَرِيضِ بِأَنَّهُ كَانَ وَهَبَ وَارِثَهُ وَأَقْبَضَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يُمْكِنُهُمْ إنْشَاؤُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَوْلُهُمْ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ هُوَ فِي الظَّاهِرِ، أَمَّا فِي الْبَاطِن فَبِالْعَكْسِ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ بَاطِنًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 فَإِنْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ مَعَ الْإِمْكَانِ صُدِّقَ وَلَا يُحَلَّفُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ. وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إقْرَارِهِمَا. وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ،   [مغني المحتاج] فَهُوَ مِلْكُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ. (فَإِنْ ادَّعَى) الصَّبِيُّ أَوْ الصَّبِيَّةُ (الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ) أَوْ ادَّعَتْهُ الصَّبِيَّةُ بِالْحَيْضِ (مَعَ الْإِمْكَانِ) لَهُ بِأَنَّ كَانَ فِي سِنٍّ يَحْتَمِلُ الْبُلُوغَ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ زَمَنِ الْإِمْكَانِ فِي بَابَيْ الْحَيْضِ وَالْحَجْرِ (صُدِّقَ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِلَامِ الْإِنْزَالُ فِي يَقَظَةٍ أَوْ مَنَامٍ (وَلَا يُحَلَّفُ) عَلَيْهِ، وَإِنْ فَرَضَ ذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ وَادَّعَى خَصْمُهُ صِبَاهُ لِيُفْسِد مُعَامَلَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِيهَا، لِأَنَّ يَمِينَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، وَلَوْ طَلَبَ غَازٍ سَهْمَهُ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ وَادَّعَى الْبُلُوغَ بِالِاحْتِلَامِ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ إنْ اُتُّهِمَ وَأَخَذَ السَّهْمَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الصُّورَةُ تُشْكِلُ عَلَى مَا قَبْلَهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا مَرَّ فِي وُجُودِ الْبُلُوغِ فِي الْحَالِ، وَفِي هَذِهِ فِي وُجُودِهِ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ صُورَتَهَا أَنَّ تَنَازُعَ الصَّبِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فِي بُلُوغِهِ حَالَ الْحَرْبِ. لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ طَلَبَ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ يَرِدْ مُزَاحَمَةَ غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ كَطَلَبِ السَّهْمِ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ اسْتِحْقَاقًا كَطَلَبِ إثْبَاتِ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ لَمْ يُحَلَّفْ وَإِلَّا حُلِّفَ، وَإِذَا لَمْ يُحَلَّفْ فَبَلَغَ مَبْلَغًا يُقْطَعُ فِيهِ بِبُلُوغِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِمُوجِبِ قَوْلِهِ: فَقَدْ أَنْهَيْنَا الْخُصُومَةَ نِهَايَتَهَا، وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ. (وَإِنْ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ) بِأَنْ قَالَ: اسْتَكْمَلْت خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا لِإِمْكَانِهَا، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالْبُلُوغِ وَلَمْ يُعَيِّنْ نَوْعًا فَفِي تَصْدِيقِهِ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي: أَوْجَهُهُمَا كَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ الِاسْتِفْسَارُ: أَيْ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْقَبُولُ، وَكَذَا إذَا أَطْلَقَتْ الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ قَالَتْ بِالسِّنِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغ بِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخِي. وَلَوْ أَقَرَّ الرَّشِيدُ بِإِتْلَافِهِ مَالًا فِي صِغَرِهِ قُبِلَ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ، وَمَحَلُّهُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَالْمُقْتَرِضِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ. (وَالسَّفِيهُ وَالْمُفْلِسُ سَبَقَ حُكْمُ إقْرَارِهِمَا) فِي بَابَيْ الْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ، وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارُ الْمُفْلِسِ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ مَقْبُولٌ بِخِلَافِ السَّفِيهِ فَلَا يُقْبَلُ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ السَّفِيهَةِ لِمَنْ صَدَّقَهَا كَالرَّشِيدَةِ، إذْ لَا أَثَرَ لِلسَّفَهِ مِنْ جَانِبِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إقْرَارِ السَّفِيهَةِ وَالسَّفِيهِ بِذَلِكَ فِي إقْرَارِهَا تَحْصِيلُ مَالٍ وَفِي إقْرَارِهِ تَفْوِيتُهُ. (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الرَّقِيقِ بِمُوجِبِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (عُقُوبَةٍ) كَقِصَاصٍ وَشُرْب خَمْرٍ وَزِنَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ.   [مغني المحتاج] وَسَرِقَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْآلَامِ. رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَطَعَ عَبْدًا بِإِقْرَارِهِ، وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّيِّدُ. فَائِدَةٌ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا هُنَا وَفِي إقْرَارِ الْوَارِثِ بِوَارِثٍ آخَرَ قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ، وَيَضْمَنُ مَالَ السَّرِقَةِ فِي ذِمَّتِهِ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ السَّيِّدُ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَ الْمَالَ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ إنْ لَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ وَلَا يُتْبَعُ بَعْد الْعِتْقِ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، إذْ لَا يَجْتَمِع التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ مَعَ التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ فِيمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ وَإِلَّا فَعَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا الْمَالُ حَقُّهُ، فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: لِي بَيِّنَةٌ فَقِيلَ تُسْمَع الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي الدَّعَاوَى، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي ثَمَّ فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ، وَإِنْ أَقَرَّ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ مَثَلًا بِدَيْنِ إتْلَافٍ لَزِمَهُ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِإِتْلَافِهِ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ فَيَتَعَلَّقَ نِصْفُ مَا أَقَرَّ بِهِ بِجُزْئِهِ الرَّقِيقِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا لَزِمَ ذِمَّتَهُ فِي نِصْفِهِ الرَّقِيقِ لَا يَجِبُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ بِهِ إلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُخِّرَتْ فِي كَامِلِ الرِّقِّ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَالْبَعْضُ يَمْلِكُ (وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ لَا تُوجِبُ عُقُوبَةً) أَيْ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا كَجِنَايَةِ الْخَطَأِ وَالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ (فَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ) لِلتُّهْمَةِ وَيُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ، أَمَّا مَا أَوْجَبَ عُقُوبَةً غَيْرَ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، فَفِي تَعَلُّقِهِ بِرَقَبَتِهِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا لَا يَتَعَلَّقُ أَيْضًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاحْتِرَازُهُ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فَكَذَّبَهُ: أَيْ أَوْ سَكَتَ عَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَيُبَاعُ مَا لَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا وَلَا جَانِيًا إنْ لَمْ يَفْدِهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ، فَإِذَا بِيعَ أَوْ فَدَاهُ السَّيِّدُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ لَا يُتْبَعُ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ إذَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ، فَكَأَنَّ الْحَقَّ انْحَصَرَ فِيهَا. تَنْبِيهٌ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ بِمُوجِبِ عُقُوبَةٍ وَلَا بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ بِدَيْنِ جِنَايَةٍ وَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، فَلَوْ بِيعَ وَبَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ صَدَّقَهُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ أَقَرَّ الرَّقِيقُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِإِتْلَافِ مَالٍ لِغَيْرِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ دُونَ سَيِّدِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، أَنَّهُ كَانَ جَنَى لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشُ، وَالدَّعْوَى عَلَى الرَّقِيق بِمَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُقْبَلُ إنْ كَانَ، وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ. وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيض مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَا تُسْمَعُ كَالدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْمُؤَجَّلِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ) ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ لِتَقْصِيرِ مَنْ عَامَلَهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ (وَيُقْبَلُ) عَلَى السَّيِّدِ (إنْ كَانَ) مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ (وَيُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَمَا فِي يَدِهِ) كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا أَوْ أَقَرَّ بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالتِّجَارَةِ كَالْقَرْضِ فَلَا يُقِيلُ عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَبُولِ إقْرَارِهِ إذَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ، فَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ أَضَافَهُ إلَى الْآذِنِ لَمْ تُقْبَلْ إضَافَتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ إقْرَارَ الْمُفْلِسِ بَعْدَ الْحَجْرِ فِي حَقِّ الْغُرَمَاء مَقْبُولٌ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ حَقِّ السَّيِّدِ بِخِلَافِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ إذْ يَبْقَى لَهُمْ الْبَاقِي فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى السَّيِّدِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: إذَا تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَتْ رُوجِعَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ فِي إقْرَار الْمُفْلِسِ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا، وَإِقْرَارُ الْمُكَاتَبِ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالِ كَالْحُرِّ، وَيُؤَدِّي مِمَّا فِي يَدِهِ. فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَلَا مَالَ مَعَهُ فَدُيُونُ مُعَامَلَاتِهِ يُؤَدِّيهَا بَعْدَ عِتْقِهِ، وَأَرْشِ جِنَايَاتِهِ فِي رَقَبَتِهِ تُؤَدَّى مِنْ ثَمَنِهِ. (وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرِيض مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَجْنَبِيٍّ) بِمَالٍ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا كَإِقْرَارِ الصَّحِيح. وَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَأَقَرَّهُ (وَكَذَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ (لِوَارِثٍ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَالْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُحِقٌّ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ يَصْدُقُ فِيهِ الْكَاذِبُ وَيَتُوبُ فِيهَا الْفَاجِرُ وَفِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْقَبُولِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا وَفِي إقْرَارِهِ لِوَارِثٍ بِهِبَةٍ أَقْبَضَهَا لَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ. تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَعِنْدَ قَصْدِ الْحِرْمَانِ لَا شَكَّ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ: مِنْهُمْ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ لَلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ اهـ. وَإِذَا ادَّعَى بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِإِقْرَارِ مُوَرِّثِهِمْ لَهُ فَاحْلِفْ أَنَّهُ أَقَرَّ لَكَ بِحَقٍّ لَازِمٍ كَانَ يَلْزَمُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ، وَفِي مَرَضِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ.   [مغني المحتاج] الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَقَاسَمُوهُ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِي الْوَارِثِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ وَإِلَّا قُبِلَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ وَقَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِالْقَرَائِنِ كِذْبُهُ بَلْ يُقْطَعُ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ أَنْ يَقْضِيَ أَوْ يُفْتِيَ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ سَاعَدَهُ إطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْحِرْمَانُ. نَعَمْ لَوْ أَقَرَّ لِمَنْ لَا يَسْتَغْرِقُ الْإِرْثَ وَمَعَهُ بَيْتُ الْمَالِ فَالْوَجْهُ إمْضَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ. أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِنِكَاحٍ أَوْ عُقُوبَةٍ فَيَصِحُّ جَزْمًا وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ أَوْ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لِضِعْفِ التُّهْمَةِ. (وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ بِدَيْنٍ) لِإِنْسَانٍ (وَفِي مَرَضِهِ) بِدَيْنٍ (لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ) بَلْ يَتَسَاوَيَانِ كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ (وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ) بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ (وَأَقَرَّ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ) بِدَيْنٍ (لِآخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَارِثِ كَإِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنَيْنِ. وَالثَّانِي: يُقَدَّم الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَعَلَّقَ بِالتَّرِكَةِ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ صَرْفُهَا عَنْهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ لِمُشَارِكِهِ فِي الْإِرْثِ وَهُمَا مُسْتَغْرِقَانِ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لَهُ ضَارَبَتْ بِسَبْعَةِ أَثْمَانِ الدَّيْنِ مَعَ أَصْحَابِ الدُّيُونِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَدَرَ مِمَّنْ عِبَارَتُهُ نَافِذَةٌ فِي سَبْعَةِ أَثْمَانٍ، فَعَمِلَتْ عِبَارَتُهُ فِيهَا كَعَمَلِ عِبَارَةِ الْحَائِزِ فِي الْكُلِّ. اهـ. . فُرُوعٌ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّ الْمُوَرِّثَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ مَثَلًا، وَآخَرُ بِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا وَصَدَّقَ الْوَارِثُ مُدَّعِيَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ صَدَّقَهُمَا مَعًا قُدِّمَ الدَّيْنُ كَمَا لَوْ ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ أَقَرُّ الْمَرِيضُ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ وَلَوْ مُسْتَغْرِقًا ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ بِعَيْنٍ قُدِّمَ صَاحِبُهَا كَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ لَا يَتَضَمَّنُ حَجْرًا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا بِغَيْرِ تَبَرُّعٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ أَخِيهِ فِي الصِّحَّةِ عَتَقَ وَوَرِثَ إنْ لَمْ يَحْجُبْهُ غَيْرُهُ أَوْ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فِي الصِّحَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِتَرِكَتِهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَار إخْبَارٌ لَا تَبَرُّعٌ. (وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ مُكْرَهٍ) بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] جَعَلَ الْإِكْرَاهَ مُسْقِطًا لِحُكْمِ الْكُفْرِ فَبِالْأَوْلَى مَا عَدَاهُ. وَصُورَةُ إقْرَارِهِ أَنْ يُضْرَبَ لِيُقِرَّ، فَلَوْ ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ، فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ، فَإِنْ قَالَ بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا وَجَبَ.   [مغني المحتاج] فِي الْقَضِيَّةِ فَأَقَرَّ حَالَ الضَّرْبِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا، إذْ الْمُكْرَهُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إنَّمَا ضُرِبَ لِيُصَدَّقَ، وَلَا يَنْحَصِرُ الصِّدْقُ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ إلْزَامُهُ حَتَّى يُرَاجَعَ وَيُقِرَّ ثَانِيًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَبُولُ إقْرَارِهِ حَالَ الضَّرْبِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمُكْرَهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُكْرَهًا وَعَلَّلَهُ بِمَا مَرَّ. ثُمَّ قَالَ وَقَبُولُ إقْرَارِهِ بَعْد الضَّرْبِ فِيهِ نَظَرٌ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إعَادَةُ الضَّرْبِ إنْ لَمْ يُقِرَّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْوُلَاةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ يَأْتِيهِمْ مَنْ يُتَّهَمُ بِسَرِقَةٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَيَضْرِبُونَهُ لِيُقِرَّ بِالْحَقِّ، وَيُرَادُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا إكْرَاهٌ، سَوَاءٌ أَقَرَّ فِي حَالِ ضَرْبِهِ أَمْ بَعْدُ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لَضُرِبَ ثَانِيًا اهـ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ أَهْلِيَّةُ اسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُصَادِفُ مَحَلَّهُ وَصِدْقُهُ مُحْتَمَلٌ وَبِهَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِصَدَاقِهَا عَقِبَ النِّكَاحِ لِغَيْرِهَا أَوْ الزَّوْجُ بِبَدَلِ الْخُلْع عَقِبَ الْمُخَالَعَةِ لِغَيْرِهِ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ عَقِبَ اسْتِحْقَاقِهِ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ صِدْقَ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ الْمُتْعَةَ وَالْحُكُومَةَ وَالْمَهْرَ الْوَاجِبَ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَأُجْرَةُ بَدَنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الثَّلَاثِ فَالْحُكُومَةُ تَرْجِعُ إلَى الْأَرْشِ وَالْمُتْعَةُ وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ يَرْجِعُ إلَى الصَّدَاقِ. وَأَمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِأُجْرَةِ بَدَنِ الْحُرِّ فَمَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحُرَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَجَّرَ بَدَنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ وَكَّلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي إجَارَةِ نَفْسِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ عَقِبَ عِتْقِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ إلَّا فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْمَالَ (فَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ) أَوْ لِدَابَّةِ فُلَانٍ (عَلَيَّ كَذَا فَلَغْوٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْمِلْكِ فِي الْحَال وَلَا فِي الْمَآلِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا تَعَاطِي السَّبَبِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مُمْكِنٍ كَالْإِقْرَارِ بِمَالٍ مِنْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحَلُّ الْبُطْلَانِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمَمْلُوكَةِ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ لِخَيْلٍ مُسَبَّلَةٍ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَالْإِقْرَارِ لِمَقْبَرَةٍ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَلَّةٍ وُقِفَ عَلَيْهَا أَوْ وَصِيَّةٍ لَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (فَإِنْ قَالَ) عَلَيَّ (بِسَبَبِهَا لِمَالِكِهَا) كَذَا (وَجَبَ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِلْمَالِكِ لَا لَهَا، وَهِيَ السَّبَبُ: إمَّا بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا، وَإِمَّا بِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَتِهَا بِإِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مِلْكًا لِمَالِكِهَا حِينَ الْإِقْرَارِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 وَلَوْ قَالَ لِحَمْلِ هِنْدٍ كَذَا بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَزِمَهُ، وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فَلَغْوٌ. وَإِنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] لِمَالِكِهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: بِسَبَبِهَا لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ لِمَالِكِهَا فِي الْحَالِ بَلْ يَسْأَلَ وَيُحْكَمَ بِمُوجِبِ بَيَانِهِ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ لِغَيْرِ مَالِكهَا، كَأَنْ تَكُونَ أَتْلَفَتْ شَيْئًا عَلَى إنْسَانٍ وَهِيَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ. (وَلَوْ قَالَ لِحَمْلِ هِنْدٍ) عَلَيَّ أَوْ عِنْدِي (كَذَا بِإِرْثٍ) مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا (أَوْ وَصِيَّةٍ) لَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ (لَزِمَهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا أَسْنَدَهُ إلَيْهِ مُمْكِنٌ وَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَلِيُّ الْحَمْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْحَامِلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِهِنْدٍ؛ لِأَنَّ إبْهَامَهَا يَلْزَمُ مِنْهُ إبْهَامُ الْمُقَرِّ لَهُ وَإِبْهَامُهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ، ثُمَّ إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا أُسْنِدَ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْمُقَرُّ بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوَرِّثِ أَوْ الْمُوصِي أَوْ لِغَيْرِهِمْ مِمَّا أُسْنِدَ إلَيْهِ أَوْ حَيًّا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ اسْتَحَقَّ، وَكَذَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مَا لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ فِرَاشًا، ثُمَّ إنْ اسْتَحَقَّ بِوَصِيَّةٍ فَلَهُ الْكُلُّ أَوْ بِإِرْثٍ مِنْ الْأَبِ وَهُوَ ذَكَرٌ فَكَذَلِكَ أَوْ أُنْثَى، فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَهُوَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ إذَا أَسْنَدَهُ إلَى وَصِيَّةٍ وَأَثْلَاثًا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى إرْثٍ وَاقْتَضَتْ جِهَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ اقْتَضَتْ التَّسْوِيَةَ كَوَلَدَيْ أُمٍّ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الثُّلُثِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ بِالْإِرْثِ سَأَلْنَاهُ عَنْ الْجِهَةِ وَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْمُقِرِّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالتَّسْوِيَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ (وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فِي حَقِّهِ) كَقَوْلِهِ أَقْرَضَنِي أَوْ بَاعَنِي شَيْئًا (فَلَغْوٌ) لِلْقَطْعِ بِكِذْبِهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ: وَبِهِ قَطَعَ فِي الْمُحَرَّرِ وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحَيْنِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ. وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَقُّبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَطَرِيقَةُ التَّخْرِيجِ جَزَمَ بِهَا أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَطَرِيقَةُ الْقَطْعِ بِالصِّحَّةِ ذَكَرَهَا الْمَرَاوِزَةُ، وَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ مَمْنُوعٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَطَعَ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ، وَمَا عَزَاهُ لِلْمُحَرَّرِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى جِهَةٍ لَا تُمْكِنُ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ، فَالْإِقْرَارُ لَغْوٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مُرَادُهُ، فَالْإِسْنَادُ لَغْوٌ بِقَرِينَةِ كَلَامِ الشَّرْحَيْنِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَسَنٌ وَمَشَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْإِقْرَارَ: أَيْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى شَيْءٍ (صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ) وَحُمِلَ عَلَى الْجِهَةِ الْمُمْكِنَةِ فِي حَقِّهِ وَإِنْ نَدَرَ حَمْلًا لِكَلَامِ الْمُكَلِّفِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ إلَّا بِمُعَامَلَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلِامْتِنَاعِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْحَمْلِ وَلَا جِنَايَةَ عَلَيْهِ، فَيُحْمَلُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْوَعْدِ وَعَلَى الصِّحَّةِ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ وَقَالَ غَلِطْتُ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِلشَّكِّ فِي حَيَاتِهِ فَيَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُقِرَّ حِسْبَةً عَنْ جِهَةِ إقْرَارِهِ مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِيَصِلَ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ بَطَلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا لِلْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَالْكُلُّ لَهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ انْفَصَلَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَهُوَ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنْ أَلْقَتْ حَيًّا وَمَيِّتًا جُعِلَ الْمَالُ لِلْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ، وَلَوْ قَالَ: لِهَذَا الْمَيِّتِ عَلَيَّ كَذَا فَفِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ حِينَ الْإِقْرَارِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَالْإِقْرَارُ لِلْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْقَنْطَرَةُ كَالْإِقْرَارِ لِلْحَمْلِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِطِفْلٍ وَأَطْلَقَ صَحَّ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْمُعَامَلَةِ بِوَاسِطَةِ وَلِيِّهِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ عَدَمُ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَإِذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ) بِمَالِ (تُرِكَ الْمَالُ) الْمُقَرُّ بِهِ (فِي يَدِهِ) دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ تُشْعِرُ بِالْمِلْكِ ظَاهِرًا وَالْإِقْرَارُ الطَّارِئُ عَارَضَهُ التَّكْذِيبُ فَسَقَطَ وَالثَّانِي: يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ وَيَحْفَظُهُ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْخِلَافِ بِالْمُعَيَّنِ لِقَوْلِهِ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْحُسَيْنُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِذَا بَقِيَ الْمَالُ فِي يَدِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ مَا خَلَا الْوَطْءَ لِاعْتِرَافِهِ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى يَرْجِعَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ إنْ كَانَ ظَانًّا أَنَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ، وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ تَكْذِيبِهِ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ (وَقَالَ: غَلِطْتُ) فِي الْإِقْرَارِ أَوْ تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ (قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ، وَالثَّانِي: لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْزِعُهُ مِنْهُ إلَى ظُهُور مَالِكِهِ. تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُهُ بِحَالِ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ وَصَدَّقَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رُجُوعَ الْمُقَرِّ لَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْمُطَالَبَةِ بِخِلَافِ الْمُقِرِّ فَإِنَّ نَفْيَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَام فَكَانَ أَضْعَفَ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَكْذِيبِهِ لِشَمْلِ حَالَتَيْ التَّكْذِيبِ وَبَعْدَهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ تَكْذِيبَ وَارِثِ الْمُقَرِّ لَهُ كَتَكْذِيبِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ لِمَيِّتٍ أَوْ لِمَنْ مَاتَ بَعْد الْإِقْرَارِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 فَصْلٌ قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ،   [مغني المحتاج] فَكَذَّبَهُ الْوَارِثُ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْمَرْهُونِ، وَكَذَّبَهُ الْمَالِكُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَالِكِ صَحَّ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْثِقَ بِأَرْشِهَا، وَلَوْ قَالَ: بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ نَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ مَالٌ لِرَجُلٍ أَوْ لِوَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْعَيْنِ، وَمَا هُنَاكَ فِي الدَّيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ السُّبْكِيُّ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ قَامَ رَجُلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ: أَنَا الْمُرَادُ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يُصَدَّقْ بَلْ الْمُصَدَّقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ مُعَيَّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى، وَالطَّلَبُ كَقَوْلِهِ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَيَّ كَذَا. فُرُوعٌ لَوْ أَقَرَّتْ لَهُ امْرَأَةٌ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ سَقَطَ حَقُّهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: حَتَّى لَوْ رَجَعَ بَعْدُ، وَادَّعَى نِكَاحَهَا لَمْ يُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحًا مُجَدَّدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ لَهَا فَاحْتِيطَ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ لِآخَرَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ وَكَذَّبَهُ سَقَطَ، وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ، وَفِي الْمَالِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ. وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدٍ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ، فَلَا يُرْفَعُ إلَّا بِيَقِينٍ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ، فَإِذَا أَقَرَّ وَنَفَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَحَدِ عَبْدَيْنِ وَعَيَّنَهُ فَرَدَّهُ وَعَيَّنَ الْآخَرَ لَمْ يُقْبَلْ فِيمَا عَيَّنَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَصَارَ مُكَذِّبًا لِلْمُقِرِّ فِيمَا عَيَّنَهُ لَهُ. [فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ فِي الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: لِزَيْدٍ كَذَا صِيغَةُ إقْرَارٍ) وَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ اللَّامَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ مُعَيَّنًا كَهَذَا الثَّوْبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ لَهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَأَلْفٍ أَوْ ثَوْبٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ كَعَلَيَّ أَوْ عِنْدِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صِيغَةُ إقْرَارٍ، وَلَمْ يَقُلْ لَزِمَهُ (وَقَوْلُهُ: عَلَيَّ وَفِي ذِمَّتِي لِلدَّيْنِ) الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عُرْفًا، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّفْسِيرُ فِي عَلَيَّ الْوَدِيعَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَلَوْ قَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِأَوْ هُنَا فَقَالَ: عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيمَا سَيَأْتِي فَقَالَ: مَعِي أَوْ عِنْدِي لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ (وَمَعِي وَعِنْدِي لِلْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا ظَرْفَانِ، فَيُحْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عَيْنٍ لَهُ بِيَدِهِ، فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَأَنَّهَا تَلِفَتْ أَوْ أَنَّهُ رَدَّهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ: قِبَلِي بِكَسْرِ الْقَافِ، وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْعَيْنِ، وَالدَّيْنُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ بَحْثًا بَعْدَ نَقْلِهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لِلدَّيْنِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْعَيْنِ، وَآخَرَ عَلَى الدَّيْنِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ وَمَعِي عَشَرَةٌ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ، وَبَعْضِهِ بِالدَّيْنِ. (وَلَوْ قَالَ) إنْسَانٌ لِآخَرَ (لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ) لَهُ: (زِنْ أَوْ خُذْ أَوْ زِنْهُ أَوْ خُذْهُ أَوْ اخْتِمْ عَلَيْهِ أَوْ اجْعَلْهُ فِي كِيسَك) أَوْ هِيَ صِحَاحٌ (فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْتِزَامٍ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِهْزَاءِ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ: (بَلَى أَوْ نَعَمْ أَوْ صَدَقْت) أَوْ أَجَلْ أَوْ جَيْرِ أَوْ إي بِمَعْنَى نَعَمْ (أَوْ أَبْرَأَتْنِي مِنْهُ أَوْ قَضَيْته أَوْ أَنَا مُقِرٌّ بِهِ فَهُوَ إقْرَارٌ) أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ؛ فَلِأَنَّهَا أَلْفَاظٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّصْدِيقِ وَفِي مَعْنَاهَا مَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَأَمَّا دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ؛ فَلِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِالشَّغْلِ؛ وَادَّعَى الْإِسْقَاطَ؛ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَقَالَ: صَدَقْت أَوْ نَحْوَهُ يُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ إقْرَارًا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ لِلِاسْتِهْزَاءِ وَالتَّكْذِيبِ كَالْأَدَاءِ وَالْإِيرَادِ: أَيْ: كَيْفِيَّةِ أَدَاءِ الْكَلِمَةِ وَإِيرَادِهَا مِنْ الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ عَجَبًا، وَإِنْكَارًا. اهـ. فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ لِتَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ: مُسْتَهْزِئًا: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ اللُّزُومُ. تَنْبِيهٌ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْرَأْتنِي فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لِلْحَاكِمِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مِنِّي الْأَلْفَ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَهُوَ حِيلَةٌ لِدَعْوَى الْبَرَاءَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ الِالْتِزَامِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: قَدْ أَبْرَأْتنِي مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِالْحَقِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ، فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْآتِي، فِي أَنَا مُقِرٌّ بِهِ تَقْيِيدُ حُكْمِ أَنَا مُقِرٌّ بِمَا إذَا خَاطَبَهُ فَقَالَ: أَنَا مُقِرٌّ لَكَ بِهِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِغَيْرِهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْأَلْفِ الَّتِي لَهُ: أَيْ: فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ أَرَدْتُ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ، فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ. وَلَوْ قَالَ: أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ، وَفِي نَعَمْ وَجْهٌ.   [مغني المحتاج] غَيْرَكَ كَمَا لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ الدَّرَاهِمَ بِالنَّاقِصَةِ إذَا لَمْ يَصِلْهَا بِالْكَلَامِ وَكَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةً إذْ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مُقِرٌّ) وَلَمْ يَقُلْ بِهِ؛ (أَوْ أَنَا أُقِرُّ بِهِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ أَوْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِاحْتِمَالِ الْوَعْدِ بِالْإِقْرَارِ فِي ثَانِي الْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ كَانَ إقْرَارًا مَعَ احْتِمَالِ الْوَعْدِ فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ إلَى النَّفْيِ أَسْرَعُ مِنْهُ إلَى الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: هَبْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مَتِينٌ لَكِنَّهُ لَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ، وَقَاعِدَةُ الْبَابِ الْأَخْذُ بِالْيَقِينِ. وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَفْهُومَ عُرْفًا مِنْ لَا أُنْكِرُ مَا تَدَّعِيهِ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِخِلَافِ أَنَا أُقِرُّ بِهِ. (وَلَوْ قَالَ أَلَيْسَ) أَوْ هَلْ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ بَلَى أَوْ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُمَا (وَفِي نَعَمْ) فِي صُورَةِ الْمَتْنِ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلتَّصْدِيقِ، فَيَكُونُ مُصَدِّقًا لَهُ قَالَهُ فِي النَّفْيِ، بِخِلَافِ بَلَى، فَإِنَّهَا لِرَدِّ النَّفْيِ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] لَوْ قَالُوا: نَعَمْ كَفَرُوا، فَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْإِقْرَارِ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُهُ يَفْهَمُونَ الْإِقْرَارَ بِنَعَمْ فِيمَا ذُكِرَ، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ التَّفْصِيلَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ. وَبِهِ أَجَابَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَقَالَ: بَلَى أَوْ نَعَمْ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَنْ يَجْعَلَ بَلَى إقْرَارًا دُونَ نَعَمْ. فُرُوعٌ لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مَا لَك عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ إثْبَاتَهُ وَلَا إثْبَاتَ مَا دُونَهُ، وَنَعَمْ إقْرَارٌ بِالْعَبْدِ مَثَلًا لِمَنْ قَالَ: اشْتَرِ عَبْدِي كَمَا أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِمَنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدِي، لَا لِمَنْ قَالَ: اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ إلَّا بِكَوْنِهِ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا نَفْسَهُ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَاهُ: لَا تَدُمْ الْمُطَالَبَةُ، وَمَا أَكْثَرُ مَا تَتَقَاضَى لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِ دَعْوَى عَيْنٍ بِيَدِهِ: اشْتَرَيْتُهَا أَوْ مَلَكْتُهَا مِنْك أَوْ مِنْ وَكِيلِك كَانَ إقْرَارًا لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِلْمُخَاطَبِ عُرْفًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ، وَلَا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ الْوَكِيلِ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَقَامِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَلَكْتهَا عَلَى يَدِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ كُنْت وَكِيلًا فِي تَمْلِيكِهَا. (وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وَلَوْ قَالَ: اقْضِ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْك فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ أَوْ أَجِدَ فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] نَعَمْ أَوْ أَقْضِي غَدًا، أَوْ أَمْهِلْنِي يَوْمًا أَوْ حَتَّى أَقْعُدَ أَوْ أَفْتَحَ الْكِيسَ، أَوْ أَجِدَ) أَيْ: الْمِفْتَاحَ مَثَلًا، أَوْ ابْعَثْ مَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ أَمْهِلْنِي حَتَّى أَصْرِفَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ اُقْعُدْ حَتَّى تَأْخُذَ، أَوْ لَا أَجِدُ الْيَوْمَ (فَإِقْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفًا. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الِالْتِزَامِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ فِي أَقْضِي غَدًا وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِّيَ عَنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ مَرْدُودٌ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّصْوِيرُ عِنْدَ انْضِمَامِ الضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ: أَعْطِهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ اللَّفْظَ بِدُونِهِ مُحْتَمِلٌ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَذْكُورُ وَغَيْرُهُ عَلَى السَّوَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ مُقِرًّا فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُقِرٌّ بِهِ دُونَ أَنَا مُقِرٌّ، وَلَوْ قَالَ: كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَانَتْ لَك عِنْدِي دَارٌ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ مِلْكَك أَمْسِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ وَقَعَ جَوَابًا لِلدَّعْوَى وَهُنَا بِخِلَافِهِ فَطُلِبَ فِيهِ الْيَقِينُ. وَلَوْ قَالَ: أَسْكَنْتُك هَذِهِ الدَّارَ حِينًا ثُمَّ أَخْرَجْتُك مِنْهَا كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِثُبُوتِهَا مِنْ قَبْلُ، وَادَّعَى زَوَالَهَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ فِي يَدِك أَمْسِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَقَرَّ لَهُ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ بِقَوْلِهِ: أَسْكَنْتُكَهَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ أَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَنْ غَصْبٍ أَوْ سَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَقَوْلُهُ: لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَوْ وَاحِدًا بِشَيْءٍ هُوَ صَادِقٌ أَوْ عَدْلٌ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ حَتَّى يَقُولَ فِيمَا شَهِدَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا شَهِدَ عَلَيَّ شَاهِدَانِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَهُمَا صَادِقَانِ لَزِمَهُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ صَادِقَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ الْآنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا شَهِدَا عَلَيَّ بِأَلْفٍ صَدَّقْتهمَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّادِقِ قَدْ يُصَدَّقُ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ مَا لَوْ قَالَ: مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُمَا صَادِقَانِ عَدْلَانِ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بَلْ تَزْكِيَةٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّزْكِيَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ قَالَ: إذَا قَالَ زَيْدٌ: إنَّ لِعَمْرٍو عَلَيَّ كَذَا فَهُوَ صَادِقٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَضْتُك كَذَا فَقَالَ: كَمْ تَمُنُّ بِهِ عَلَيَّ، أَوْ لَا اقْتَرَضْت مِنْك غَيْرَهُ كَانَ إقْرَارًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ: لِي عَلَيْك كَذَا: لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا لَكَ بِفَتْحِ اللَّامِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا لَك، أَمَّا لَوْ قَالَ: مِنْ مَالِكَ بِكَسْرِ اللَّامِ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَكْثَرُ مِنْ مَالِكَ، أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِمَّا ادَّعَيْت، فَهُوَ إقْرَارٌ لِزَيْدٍ، وَلَوْ كَتَبَ زَيْدٌ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَغَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِلَا لَفْظٍ لَيْسَتْ إقْرَارًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ، فَلَوْ قَالَ دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَهُوَ لَغْوٌ.   [مغني المحتاج] الْأَخْرَسِ عِنْدَ الْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ لَيْسَتْ لَغْوًا، وَلَوْ لُقِّنَ إقْرَارًا أَوْ غَيْرَهُ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَقَالَ: لَمْ أَفْهَمْهُ، وَأَمْكَنَ عَدَمُ فَهْمِهِ لَهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ اخْتِلَاطٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَقْرَرْت، وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مُكْرَهٌ، وَأَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ، أَوْ كَانَتْ أَمَارَةٌ عَلَى الْإِكْرَاهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ تَرْسِيمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِظُهُورِ مَا قَالَهُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الصِّبَا وَلَمْ يُعْهَدْ الْجُنُونُ، وَلَمْ تَكُنْ أَمَارَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ، وَالْأَمَارَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِاعْتِرَافِ الْمُقَرِّ لَهُ، أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِكَوْنِ الْمُقِرِّ حِينَ إقْرَارِهِ كَانَ بَالِغًا فِي الْأُولَى أَوْ عَاقِلًا فِي الثَّانِيَةِ أَوْ مُخْتَارًا فِي الثَّالِثَةِ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يُصَدَّقُ لِتَكْذِيبِهِ الْبَيِّنَةَ. [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ أَيْضًا فَقَالَ: فَصْلٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ كُلُّ مَا جَازَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ (أَنْ لَا يَكُونَ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ) حِينَ يُقِرُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ إزَالَةً عَنْ الْمِلْكِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْخَبَرِ (فَلَوْ قَالَ: دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو، فَهُوَ لَغْوٌ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ لَهُ فَيُنَافِي إقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ إذْ هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ سَابِقٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَحُمِلَ عَلَى الْوَعْدِ وَالْهِبَةِ، وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي، أَوْ وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي مِلْكٌ لِزَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْإِقْرَارَ، فَيَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: دَارِي لِفُلَانٍ وَأَرَادَ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ سُكْنَى ذَلِكَ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ عِنْدَ إطْلَاقِهِ، وَيَعْمَلَ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: دَارِي الَّتِي هِيَ مِلْكِي لَهُ لِلتَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فِي الْأُولَتَيْنِ إذَا لَمْ يَرُدُّهُ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوَافِقَ لِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كَمَا سَيَأْتِي عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ: مَسْكَنِي أَوْ مَلْبُوسِي لِفُلَانٍ صَحَّ إذْ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْكُنُ، وَيَلْبَسُ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ: الدَّيْنُ الَّذِي كَتَبْته عَلَى زَيْدٍ لِعَمْرٍو صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَلَوْ طَالَبَ عَمْرٌو زَيْدًا، فَأَنْكَرَ فَإِنْ شَاءَ عَمْرٌو أَقَامَ بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى زَيْدٍ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ بِالْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمُقَرِّ بِهِ ثُمَّ بَيِّنَةً بِالْإِقْرَارِ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وَلَوْ قَالَ هَذَا لِفُلَانٍ، وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ، وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ. ، فَلَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ ثُمَّ صَارَ عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ   [مغني المحتاج] فَرْعٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ كَانَ بِالدَّيْنِ الْمُقَرِّ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ انْتَقَلَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِذَلِكَ، وَفَصَّلَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ فَقَالَ: إنْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ صَارَ لِزَيْدٍ فَلَا يَنْتَقِلُ بِالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ صَيْرُورَتَهُ إلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْحَوَالَةِ وَهِيَ تُبْطِلُ الرَّهْنَ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ لَهُ بَقِيَ الرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَمِثْلُ الرَّهْنِ الْكَفِيلُ. (وَلَوْ قَالَ: هَذَا) الْعَبْدُ مَثَلًا (لِفُلَانٍ وَكَانَ مِلْكِي إلَى أَنْ أَقْرَرْت بِهِ فَأَوَّلُ كَلَامِهِ إقْرَارٌ، وَآخِرُهُ لَغْوٌ) فَيُطْرَحُ آخِرُهُ، وَيُؤْخَذُ بِأَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ زَيْدًا أَقَرَّ بِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ لِعَمْرٍو، وَكَانَ مِلْكَ زَيْدٍ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ، وَفَارَقَتْ الْمُقِرَّ بِأَنَّهَا تَشْهَدُ عَلَى غَيْرِهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا إذَا لَمْ يَتَنَاقَضْ، وَالْمُقِرُّ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُؤَاخَذُ بِمَا يَصِحُّ مِنْ كَلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ: مِلْكِي هَذَا لِفُلَانٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ إقْرَارٌ بَعْدَ إنْكَارٍ (وَلْيَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ) مِنْ الْأَعْيَانِ (فِي يَدِ الْمُقِرِّ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا (لِيُسَلِّمَ بِالْإِقْرَارِ لِلْمُقَرِّ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ كَانَ كَلَامُهُ إمَّا دَعْوَى عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ شَهَادَةً بِغَيْرِ لَفْظِهَا فَلَا تُقْبَلُ. تَنْبِيهٌ كَوْنُهُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ شَرْطٌ لِإِعْمَالِ الْقَرَارِ، وَهُوَ التَّسْلِيمُ لَا شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَاغٍ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ثُمَّ ادَّعَاهُ رَجُلٌ، فَأَقَرَّ الْبَائِعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَهُ بِهِ صَحَّ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَهُ الْفَسْخُ. الثَّانِيَةُ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَ الْغَائِبِ بِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ، ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ بَيْعِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ عَنْ النَّصِّ. الثَّالِثَةُ لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَفْتَى بِذَلِكَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَاهِبِ رُجُوعٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ لِغَيْرِهِ كَمَحْجُورِهِ وَوَقْفَ هُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَخَرَجَ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ الدَّيْنُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذُكِرَ. (فَلَوْ أَقَرَّ) بِشَيْءٍ (وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ) حَالَ الْإِقْرَارِ (ثُمَّ صَارَ) فِيهَا (عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْعَمَلِ بِهِ فَيُسَلَّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ (فَلَوْ) قَالَ هَذَا، وَهُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَرْهُونٌ عِنْدَ زَيْدٍ، فَحَصَلَ فِي يَدِهِ بِيعَ فِي دَيْنِ زَيْدٍ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَإِنْ (أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) صَحَّ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمُشْتَرِي حُرِّيَّتَهُ اسْتِنْقَاذًا لِلْعَبْدِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ وَتَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ: هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ، وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارَانِ لِلْبَائِعِ فَقَطْ.   [مغني المحتاج] قَوْلِ مَنْ صَدَّقَهُ الشَّرْعُ، وَهُوَ الْبَائِعُ لِكَوْنِهِ ذَا يَدٍ، وَ (حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ، وَتُرْفَعُ يَدُ الْمُشْتَرِي عَنْهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ اشْتَرَاهُ لِمُوَكِّلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِحُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ ابْتِدَاءً لِلْمُوَكِّلِ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِالْوَكَالَةِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالشِّرَاءِ لِأَجْلِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِحُرِّيَّةِ شَخْصٍ بَدَلَ عَبْدٍ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُنَاقِضَ الْحُرِّيَّةَ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ بِالْعَبْدِ الْمَدْلُولَ الْعَامَّ لَا الْخَاصَّ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ. (ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ) فِي صِيغَةِ إقْرَارِهِ (هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ فَشِرَاؤُهُ افْتِدَاءٌ) لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ بِحُرِّيَّتِهِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْبَائِعُ، فَفِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ افْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ أَيْضًا، فَإِذَا مَاتَ الْمُدَّعَى حُرِّيَّتَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَمَالُهُ لِوَارِثِهِ الْخَاصِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ كَمَا مَرَّ وَاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا، وَلَكِنْ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ قَبْلَ شِرَاءِ الْبَائِعِ لَهُ كَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ هُنَا يُوَرَّثُ بِالْوَلَاءِ بِشَرْطِهِ، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلَّ الثَّمَنَيْنِ (وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقَهُ) الْبَائِعُ وَهُوَ يَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا (فَافْتِدَاءٌ) أَيْ: فَشِرَاؤُهُ حِينَئِذٍ افْتِدَاءٌ (مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ عَلَى الْمَذْهَبِ) عَمَلًا بِزَعْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: بَيْعٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْبَائِعِ، وَقِيلَ: افْتِدَاءٌ مِنْ الْجِهَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمُشْتَرِي. تَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَرْجِعُ إلَى الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يَعُودُ إلَى الْبَائِعِ فَقَطْ، فَإِنَّ الطَّرِيقَيْنِ فِيهِ وَيَفُوتُهُ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرِي، فَلَوْ قَالَ: فَافْتِدَاءٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَانَ أَحْسَنَ. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: الْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَالثَّانِي: أَقْرَبُ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَيَثْبُتُ فِيهِ) عَلَى الْأَوَّلِ (الْخِيَارَانِ) أَيْ: خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ (لِلْبَائِعِ فَقَطْ) وَيَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ افْتِدَاءٌ، فَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْتَرِفْ بِعِتْقِهِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتِقْهُ، فَإِنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، وَخَلَّفَ تَرِكَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ   [مغني المحتاج] فَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بِعِتْقِهِ وَرِثَهُ الْبَائِعُ وَرَدَّ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَخْذُ قَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي إنْ كَانَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا كَاذِبٌ فِي حُرِّيَّتِهِ، فَكُلُّ الْكَسْبِ لَهُ، أَوْ صَادِقٌ فَالْكُلُّ لِلْبَائِعِ إرْثًا بِالْوَلَاءِ، وَقَدْ ظَلَمَهُ بِأَخْذِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَتَعَذُّرِ اسْتِرْدَادِهِ، وَقَدْ ظَفِرَ بِمَالِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا، فَلَهُ مِنْ مِيرَاثِهِ مَا يَخُصُّهُ وَفِي الْبَاقِي مَا مَرَّ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا إذَا كَانَ الْبَائِعُ يَرِثُ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ، كَأَنْ كَانَ أَخًا لِلْعَبْدِ لَمْ يَرِثْ بَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِغَيْرِ الْوَلَاءِ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْ الْبَائِعِ، إنْ كَانَ سَلَّمَهُ لَهُ، وَلَا يُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِهِ، إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرِّيَّةَ فِي زَعْمِهِ، وَقَدْ تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَمَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَعِتْقُهُ وَقَعَ قَبْضًا، وَلَوْ قَالَ: إنَّهُ حُرٌّ وَأَطْلَقَ اُسْتُفْسِرَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ. فُرُوعٌ لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ أَنَّهُ لِعَمْرٍو سُلِّمَ لِزَيْدٍ، لِأَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ لَا فِي يَدِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ زَيْدٌ فَوَلَاؤُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَهَلْ أَكْسَابُهُ الْحَاصِلَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَمْرٍو لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَكْسَابِ فَرْعُ الرِّقِّ، وَلَمْ يَثْبُتْ؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ مُسْتَحَقَّةً لِلْعَتِيقِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ عَمْرًا غَصَبَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو صَحَّ الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ، وَأَخَذَهُ زَيْدٌ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَانِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَثْبُتَانِ لِمَنْ يَطْلُبُ الشِّرَاءَ مِلْكًا لِنَفْسِهِ أَوْ مُسْتَنِيبِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ لِغَيْرِهِ فَاسْتَأْجَرَهَا لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ أَوْ نَكَحَهَا لَزِمَهُ الْمَهْرُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأُولَى اسْتِخْدَامُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا، وَلَا وَطْؤُهَا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا إذَا كَانَ نَكَحَهَا بِإِذْنِهَا، وَسَيِّدُهَا عِنْدَهُ وَلِيٌّ بِالْوَلَاءِ، كَأَنْ قَالَ: أَنْتَ أَعْتَقْتَهَا أَوْ بِغَيْرِهِ، كَأَنْ كَانَ أَخَاهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَسَوَاءٌ أَحَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَمْ لَا لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهَا، وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَهَا يُسْتَرَقُّونَ كَأُمِّهِمْ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي فِيمَنْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ فَلَا بُدَّ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ. نَعَمْ الْمَسْمُوحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ فَقَالَ (وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ) سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءً أَمْ جَوَابًا عَنْ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالشَّيْءُ يُخْبَرُ عَنْهُ مُفَصَّلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 فَإِذَا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، أَوْ بِمَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ، وَسِرْجِينٍ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقْبَلُ بِمَا لَا يُقْتَنَى كَخِنْزِيرٍ، وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَا بِعِيَادَةٍ وَرَدِّ سَلَامٍ.   [مغني المحتاج] تَارَةً، وَمُجْمَلًا أُخْرَى. إمَّا لِلْجَهْلِ بِهِ أَوْ لِثُبُوتِهِ مَجْهُولًا بِوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُخَالِفُ الْإِنْشَاءَاتِ حَيْثُ لَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ احْتِيَاطًا لِابْتِدَاءِ الثُّبُوتِ، وَتَحَرُّزًا عَنْ الْغَرَرِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمُبْهَمُ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ فِي مَعْنَى الْمَجْهُولِ (فَإِذَا قَالَ لَهُ: عَلَيَّ شَيْءٌ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ مَا يُتَمَوَّلُ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا أَوْ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ (وَإِنْ قَلَّ) كَفَلْسٍ لِصِدْقِ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ التَّفْسِيرِ أَوْ فَسَّرَهُ، وَلَكِنْ نُوزِعَ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا (وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ) أَيْ: لَا يُتَّخَذُ مَالًا (لَكِنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ) أَوْ قِمْعِ بَاذِنْجَانَةٍ أَوْ قِشْرَةِ فُسْتُقَةٍ أَوْ جَوْزَةٍ (أَوْ) فَسَّرَهُ (بِمَا) لَا يُتَمَوَّلُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَ (يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ) لِصَيْدٍ أَوْ قَابِلٍ لِتَعْلِيمِهِ (وَسِرْجِينٍ) وَهُوَ الزِّبْلُ، وَكَذَا بِكُلِّ نَجِسٍ يُقْتَنَى كَجِلْدِ مَيْتَةٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ (قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ) لِصِدْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ مُحْتَرَمًا يَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَجِبُ رَدُّهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِكَلِمَةِ عَلَيَّ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِمَالٍ، وَظَاهِرُ الْإِقْرَارِ الْمَالُ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: بَدَلَ مُعَلَّمٍ مُقْتَنًى لَدَخَلَ مَا زِدْته وَكَلْبُ الْمَاشِيَةِ وَنَحْوُهُ، لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي كَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ أَوْ رَدِّ وَدِيعَةٍ قُبِلَ لِمَا مَرَّ. (وَلَا يُقْبَلُ) تَفْسِيرُهُ (بِمَا لَا يُقْتَنَى) أَيْ: بِشَيْءٍ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ (كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ لَا نَفْعَ فِيهِ) مِنْ صَيْدٍ، وَنَحْوِهِ، وَجِلْدٍ لَا يَطْهُرُ بِالدَّبْغِ، وَمَيْتَةٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا، وَخَمْرٍ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ، وَلَا اخْتِصَاصٌ، وَلَا يَجِبُ رَدُّهَا فَلَا يُصَدَّقُ بِهِ قَوْلُهُ: عَلَيَّ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَبُولُ تَفْسِيرِهِ بِالْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ عَلَى غَاصِبِهَا رَدَّهَا لَهُ إذَا لَمْ يَتَظَاهَرْ بِهَا، وَلَوْ فَسَّرَ بِمَيْتَةٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا لِمُضْطَرٍّ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ خِلَافًا لِلْقَاضِي، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ عَلَيَّ: لَهُ عِنْدِي شَيْءٌ أَوْ غَصَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَا يُقْتَنَى إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يُشْعِرُ بِالْتِزَامِ حَقٍّ، إذْ الْغَصْبُ لَا يَقْتَضِي الْتِزَامًا وَثُبُوتَ مَالٍ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَخْذَ قَهْرًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: عَلَيَّ وَرُبَّمَا يُسْتَشْكَلُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْغَصْبَ هُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ أَوْ حَقِّ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا حَقٍّ؟ (وَلَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا (بِعِيَادَةٍ) لِمَرِيضٍ (وَ) لَا (رَدِّ سَلَامٍ) لِبُعْدِ فَهْمِهِمَا فِي مَعْرِضِ الْإِقْرَارِ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِمَا لَكِنْ إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ،   [مغني المحتاج] قَالَ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِهِمَا فَإِنْ قِيلَ: الْحَقُّ أَخَصُّ مِنْ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَخَصِّ مَا لَا يُقْبَلُ فِي تَفْسِيرِ الْأَعَمِّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ يُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الشَّيْءِ فَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ: لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ، وَيُرَادُ بِهِ ذَلِكَ، وَفِي الْخَبَرِ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ» وَذَكَرَ مِنْهَا عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَرَدَّ السَّلَامِ، فَاعْتِبَارُ الْإِقْرَارِ بِمَا لَمْ يُطَالَبْ فِي مَحَلِّهِ إذَا لَمْ يَسَعْ اللَّفْظُ عُرْفًا فِيمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبَك أَوْ غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ لَمْ يَصِحَّ إذْ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ نَفْسِك قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ قَالَ: غَصَبْتُك شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ نَفْسَك لَمْ يُقْبَلْ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: غَصَبْتُك شَيْئًا تَعْلَمُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي غَصَبْتُك مَا تَعْلَمُ بِأَنَّ شَيْئًا اسْمٌ تَامٌّ ظَاهِرٌ فِي الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ مَا. (وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ) مُطْلَقٍ (أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ أَوْ كَبِيرٍ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ (أَوْ كَثِيرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدَ الْكَافِ بِخَطِّهِ أَوْ جَلِيلٍ أَوْ خَطِيرٍ أَوْ وَافِرٍ أَوْ نَفِيسٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ أَوْ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَوْ مِمَّا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَلَّ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ، وَإِنْ كَثُرَ مَالُ فُلَانٍ. أَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَالِ فَلِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزِّيَادَةِ. وَأَمَّا عِنْدَ وَصْفِهِ بِالْعَظَمَةِ وَنَحْوِهَا فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَقِيرِ أَوْ الشَّحِيحِ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُفْرِ مُسْتَحِلِّهَا، وَعِقَابِ غَاصِبِهِ، وَثَوَابِ بَاذِلِهِ لِمُضْطَرٍّ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَلَّ مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ دَيْنٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ، وَذَلِكَ عَيْنٌ تَتَعَرَّضُ لَهُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ، وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَيْ: مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ كَمَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيُّ يُلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ، وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إذَا وَصَفَ الْمَالَ بِضِدِّ مَا ذُكِرَ كَقَوْلِهِ: مَالٌ حَقِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ أَوْ خَسِيسٌ أَوْ طَفِيفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالْحَقَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ حَيْثُ احْتِقَارُ النَّاسِ لَهُ أَوْ فَنَاؤُهُ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ حَبَّةَ الْبُرِّ، وَنَحْوِهَا مَالٌ كَمَا ذَكَرَ مَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَالًا فَإِنَّ كَوْنَهَا لَا تُعَدُّ مَالًا لِعَدَمِ تَمَوُّلِهَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا مَالًا كَمَا قَالَ زَيْدٌ لَا يُعَدُّ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا، فَكُلُّ مُتَمَوَّلٍ مَالٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي قَبُولِ التَّفْسِيرِ بِهَا فِي قَوْلِهِ شَيْءٌ وَيَجْزِمُ بِالْقَبُولِ فِي مَالٍ أَوْ مَالٍ عَظِيمٍ وَنَحْوِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَعْكِسَ ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 وَكَذَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِكَلْبٍ جِلْدِ مَيْتَةٍ. وَقَوْلُهُ: لَهُ كَذَا كَقَوْلِهِ: شَيْءٌ، وَقَوْلُهُ: شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ، وَلَوْ قَالَ شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ، وَلَوْ قَالَ: كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ،   [مغني المحتاج] الْجَوَابَ هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْأَصَحِّ هُنَاكَ (وَكَذَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِالْمُسْتَوْلَدَةِ) لِلْمُقَرِّ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا تُؤَجَّرُ، وَيُنْتَفَعُ بِهَا، وَتَجِبُ قِيمَتُهَا إذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُبَاعُ، وَالثَّانِي: لَا لِخُرُوجِهَا عَنْ اسْمِ الْمَالِ الْمُطْلَقِ إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَبُولِ تَفْسِيرِهِ بِهَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ أَوْ يَقُولَ لَهُ: عِنْدِي مَالٌ، وَإِنْ قِيلَ: الْمُنَاسِبُ فِي صُورَةِ التَّفْسِيرِ بِهَا هُوَ الثَّانِي وَلَوْ فَسَّرَهُ بِوَقْفٍ عَلَيْهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُشْبِهُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِلْكِ. اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمَوْقُوفِ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَيْ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ لِلْوَاقِفِ، وَإِنْ قُلْنَا لَهُ: فَكَالْمُسْتَوْلَدَةِ. وَ (لَا) يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ (بِكَلْبٍ وَ) لَا (جِلْدِ مَيْتَةٍ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ لِانْتِفَاءِ اسْمِ الْمَالِ عَنْهُمَا. (وَقَوْلُهُ) : أَيْ: الْمُقِرِّ (لَهُ) أَيْ: لِزَيْدٍ مَثَلًا عَلَيَّ (كَذَا كَقَوْلِهِ) : لَهُ عَلَيَّ (شَيْءٌ) ، فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا مَرَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا أَيْضًا مُبْهَمَةٌ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ، ثُمَّ نُقِلَتْ، فَصَارَ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي النَّوْعَيْنِ مُفْرَدَةً وَمُرَكَّبَةً وَمَعْطُوفَةً، تَقُولُ: نَزَلْنَا بِدَارِ كَذَا وَبِكَذَا كَذَا، أَوْ بِكَذَا وَكَذَا، وَهَكَذَا فِي الْعَدَدِ (وَقَوْلُهُ) : لَهُ عَلَيَّ (شَيْءٌ شَيْءٌ أَوْ كَذَا كَذَا) وَلَوْ زَادَ عَلَى مَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ (كَمَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ) ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الِاسْتِئْنَافَ عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ (وَلَوْ) كَرَّرَ مَعَ الْعَطْفِ كَأَنْ (قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ (شَيْءٌ وَشَيْءٌ أَوْ كَذَا وَكَذَا وَجَبَ شَيْئَانِ) مُتَّفِقَانِ أَوْ مُخْتَلِفَانِ، بِحَيْثُ يُقْبَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي تَفْسِيرِ شَيْءٍ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ الْمُغَايَرَةَ (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ (كَذَا دِرْهَمًا أَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ جَرَّهُ) أَوْ سَكَّنَهُ (لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) ؛ لِأَنَّ كَذَا مُبْهَمٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِدِرْهَمٍ وَالنَّصْبُ فِيهِ جَائِزٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٍ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ لَحْنٌ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَأَمَّا تَجْوِيزُ الْفُقَهَاءِ الرَّفْعَ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ لِسَانِهِمْ، وَالْجَرُّ لَحْنٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَالسُّكُونُ كَالْجَرِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَوَجْهٌ بِأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ الْمَرْفُوعِ، وَالْمَنْصُوبِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ أَوْ دُونَهُ، فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ وَجَبَ دِرْهَمَانِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ فَدِرْهَمٌ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ.   [مغني المحتاج] يَلْزَمَهُ عِشْرُونَ فِي حَالِ النَّصْبِ كَمَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ مَنْصُوبٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، وَإِلَّا لَلَزِمَ فِي حَالَةِ الْجَرِّ مِائَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ مَجْرُورٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنْ قِيلَ: فِي حَالِ الْجَرِّ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ بَعْضُ دِرْهَمٍ كَمَا قِيلَ بِهِ وَتَقْدِيرُهُ كَذَا مِنْ دِرْهَمٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَذَا إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْآحَادِ لَا عَلَى كُسُورِهَا (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا) أَوْ كَذَا ثُمَّ كَذَا (دِرْهَمًا بِالنَّصْبِ) تَمْيِيزًا (وَجَبَ دِرْهَمَانِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ مُبْهَمَيْنِ وَعَقَّبَهُمَا بِالدِّرْهَمِ مَنْصُوبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ وَصْفٌ، وَالْوَصْفُ الْمُتَعَقِّبُ لِشَيْئَيْنِ يَعُودُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يَحْسُنُ التَّأْكِيدُ مَعَ وُجُودِ عَاطِفٍ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ تَفْسِيرَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا بِالدِّرْهَمِ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَشَيْءٌ. أَمَّا الدِّرْهَمُ فَلِتَفْسِيرِ الثَّانِي. وَأَمَّا الشَّيْءُ فَلِلْأَوَّلِ الْبَاقِي عَلَى إبْهَامِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَنْ يَقُولَ: أَحَدٌ وَعِشْرُونَ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ مَعْطُوفٍ يُمَيَّزُ بِمَنْصُوبٍ. أُجِيبَ بِمِثْلِ مَا مَرَّ (وَ) الْمَذْهَبُ (أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ أَوْ جَرَّ) الدِّرْهَمَ (فَدِرْهَمٌ) وَالْمَعْنَى فِي الرَّفْعِ هُمَا دِرْهَمٌ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا: دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُمَا، وَأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إعْرَابِ التَّفْسِيرِ. وَأَمَّا فِي الْجَرِّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُمْتَنِعًا عِنْدَ جُمْهُورِ النُّحَاةِ، وَكَانَ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنَى فِي اللُّغَةِ وَفِي الْعُرْفِ يُفْهَمُ مِنْهُ تَفْسِيرُ مَا سَبَقَ حُمِلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّصْبِ فَإِنَّهُ تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ، فَيَعُودُ إلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَنْقُلْ الرَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ خِلَافًا بَلْ جَزَمَ بِدِرْهَمٍ، لَكِنْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وُجُوبَ دِرْهَمَيْنِ (وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ فَدِرْهَمٌ فِي الْأَحْوَالِ) الْمَذْكُورَةِ رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا لِاحْتِمَالِ التَّأْكِيدِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ وَلَا ابْنُ الرِّفْعَةِ لِلسُّكُونِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْ: حَذْفِ الْوَاوِ، وَلَا الَّذِي قَبْلَهُ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْإِفْرَادِ مِنْ جَعْلِهِ كَالْمَخْفُوضِ؛ لِأَنَّهُ أَدْوَنُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي التَّرْكِيبِ، وَالْعَطْفِ أَيْضًا. قَالَ: وَيَتَحَصَّلُ مِنْ ذَلِكَ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً؛ لِأَنَّ كَذَا إمَّا أَنْ يُؤْتَى بِهَا مُفْرَدَةً أَوْ مُرَكَّبَةً أَوْ مَعْطُوفَةً، وَالدِّرْهَمُ إمَّا أَنْ يُرْفَعَ أَوْ يُنْصَبَ أَوْ يُجَرَّ أَوْ يُسَكَّنَ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ يَحْصُلُ مَا ذُكِرَ، وَالْوَاجِبُ فِي جَمِيعِهَا دِرْهَمٌ إلَّا إذَا عُطِفَ وَنُصِبَ تَمْيِيزُهَا فَدِرْهَمَانِ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّ ثُمَّ كَالْوَاوِ أَيْ: وَالْفَاءُ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: كَذَا بَلْ كَذَا فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ شَيْئَانِ، وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ رَأَيْت زَيْدًا بَلْ زَيْدًا إذَا عَنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 وَلَوْ قَالَ: أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ قَالَ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فَالْجَمِيعُ دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ، فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ تَامَّةَ الْوَزْنِ فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا،   [مغني المحتاج] الْأَوَّلَ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذْ عَنَى غَيْرَهُ. (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ قُبِلَ تَفْسِيرُ، الْأَلْفِ بِغَيْرِ الدَّرَاهِمِ) مِنْ الْمَالِ كَأَلْفِ فَلْسٍ كَمَا فِي عَكْسِهِ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَأَلْفٌ؛ وَلِأَنَّ الْعَطْفَ، إنَّمَا وُضِعَ لِلزِّيَادَةِ وَلَمْ يُوضَعْ لِلتَّفْسِيرِ، وَسَوَاءٌ أَفَسَّرَهُ بِجِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ أَجْنَاسٍ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِضَّةً، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ أَيْضًا فِضَّةً. اهـ. . وَهُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَقَفِيزُ حِنْطَةٍ فَإِنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ إذْ لَا يُقَالُ: أَلْفُ حِنْطَةٍ وَيُقَالُ: أَلْفُ فِضَّةٍ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِرَفْعِهِمَا أَوْ نَصْبِهِمَا أَوْ خَفْضِهِمَا مُنَوَّنَيْنِ، أَوْ نَصَبَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَنَّهُ أَوْ نَصَبَ الْأَلْفَ مُنَوَّنًا، وَرَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ خَفَضَهُ أَوْ سَكَنَّهُ كَانَ لَهُ تَفْسِيرُ الْأَلْفِ بِمَا عَدَدُهُ أَلْفٌ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَلْفٌ مِمَّا قِيمَةُ الْأَلْفِ مِنْهُ دِرْهَمٌ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، دِرْهَمًا) أَوْ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا، أَوْ أَلْفٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، أَوْ أَلْفٌ وَنِصْفُ دِرْهَمٍ (فَالْجَمِيعُ) مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَمَا بَعْدَهَا (دَرَاهِمُ عَلَى الصَّحِيح) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ تَمْيِيزًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بِمُقْتَضَى الْعَطْفِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ الدِّرْهَمَ أَوْ نَصَبَهُ فِي الْأَخِيرَةِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ فِيهِ اللَّحْنُ، وَأَنَّهُ لَوْ رَفَعَهُ أَوْ نَصَبَهُ فِيهَا لَكِنْ مَعَ تَنْوِينِ نِصْفٍ أَوْ رَفْعِهِ أَوْ خَفْضِهِ فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَزِمَهُ مَا عَدَدُهُ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ مُنَوَّنَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقُولُ: الْخَمْسَةُ فِي مِثَالِ الْمُصَنِّفِ مُجْمَلَةٌ، وَالْعِشْرُونَ مُفَسَّرَةٌ بِالدَّرَاهِمِ لِمَكَانِ الْعَطْفِ فَأُلْحِقَتْ بِأَلْفٍ وَدِرْهَمٍ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. اهـ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَالْكُلُّ دَرَاهِمُ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا، فَالدِّرْهَمُ تَفْسِيرٌ لَهُ (وَ) الْمُعْتَبَرُ فِي الدَّرَاهِمِ الْمُقَرِّ بِهَا دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا مَا لَمْ يُفَسِّرْهُ الْمُقِرُّ بِمَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ، فَعَلَى هَذَا. (لَوْ قَالَ: الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا نَاقِصَةُ الْوَزْنِ) كَدَرَاهِمَ طَرِبَةٍ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ (فَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ) أَوْ الْقَرْيَةِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا (تَامَّةَ الْوَزْنِ) أَيْ: كَامِلَةً بِأَنْ يَكُونَ وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهَا سِتَّةَ دَوَانِقَ (فَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ) أَيْ: التَّفْسِيرُ بِالنَّاقِصَةِ (إنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا) بِالْإِقْرَارِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَالثَّانِي: لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً قُبِلَ إنْ وَصَلَهُ وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ فِي النَّصِّ، وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ كَهُوَ بِالنَّاقِصَةِ.   [مغني المحتاج] يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي التَّامِّ وَضْعًا وَعُرْفًا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ دَعْوَى الصَّرَاحَةِ (وَمَنْعُهُ إنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ) وَيَلْزَمُهُ دَرَاهِمُ تَامَّةٌ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَعُرْفَ الْمَحَلِّ يَنْفِيَانِ مَا يَقُولُهُ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مَعْرِفَةُ الدِّرْهَمِ التَّامِّ فَلْيُرَاجَعْ، وَإِذَا قَبِلْنَا تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصَةِ رُوجِعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيَانُهُ نَزَلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَاهِمِ (وَإِنْ كَانَتْ) دَرَاهِمُ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ (نَاقِصَةً قُبِلَ) قَوْلُهُ: (إنْ وَصَلَهُ) بِالْإِقْرَارِ جَزْمًا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَالْعُرْفَ يُصَدِّقَانِهِ فِيهِ (وَكَذَا إنْ فَصَلَهُ) عَنْهُ (فِي النَّصِّ) حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى عُرْفِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ حَمْلًا لِإِقْرَارِهِ عَلَى وَزْنِ الْإِسْلَامِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْإِسْلَامِيَّ مُتَّصِلًا قُبِلَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ مُنْفَصِلًا فَلَا (وَالتَّفْسِيرُ بِالْمَغْشُوشَةِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (كَهُوَ) أَيْ: التَّفْسِيرِ (بِالنَّاقِصَةِ) فَفِيهَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ السَّابِقَانِ فِي النَّاقِصَةِ؛ لِأَنَّ الْغِشَّ نَقْصٌ فِي الْحَقِيقَةِ؛ وَلَوْ فَسَّرَهَا بِجِنْسٍ مِنْ الْفِضَّةِ رَدِيءٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ سِكَّتُهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ، وَلَوْ مُنْفَصِلًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ بِمَا لَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْبَلَدِ لُبْسَهُ، وَيُخَالِفُ تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصِ لِدَفْعِ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ، حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى سِكَّةِ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ مُعَامَلَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا فِي كُلِّ مَحَلٍّ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فِيهِ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُ بِمُعَامَلَةٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهِ، وَلَوْ فَسَّرَ الدَّرَاهِمَ بِمَا لَا فِضَّةَ فِيهِ كَالْفُلُوسِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَرَاهِمُ سَوَاءٌ أَقَالَهُ مَفْصُولًا أَمْ مَوْصُولًا نَعَمْ إنْ غَلَبَ التَّعَامُلُ بِهَا بِبَلَدٍ بِحَيْثُ هُجِرَ التَّعَامُلُ بِالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عِوَضًا عَنْ الْفُلُوسِ كَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُقْبَلَ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا، وَقَوْلُهُ: لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ بِالتَّصْغِيرِ، أَوْ دِرْهَمٌ صَغِيرٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ صَغِيرُ الْقَدِّ وَازَنَ إنْ كَانَ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ فِيهِ وَافِيَةٌ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ فِي صَرِيحِ الْوَازِنِ، وَالْوَصْفِ بِالصَّغِيرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّكْلِ، وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، فَلَا يُتْرَكُ الصَّرِيحُ بِالِاحْتِمَالِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ أَوْزَانِهِمْ نَاقِصَةً قُبِلَ قَوْلُهُ: إنَّهُ أَرَادَ مِنْهَا وَلَزِمَهُ دِرْهَمٌ نَاقِصٌ مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ كَبِيرٌ، وَفِي الْمَحَلِّ دَرَاهِمُ كِبَارُ الْقَدِّ وِزَانُ مُتَسَّعَةٍ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ وَاسِعٌ مِنْهَا، كَمَا فِي التَّنْبِيهِ عَمَلًا بِالِاسْمِ وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا، وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289 وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ. ، وَإِنْ قَالَ دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ،   [مغني المحتاج] يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ زِنَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَقَلُّ عَدَدِ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ. (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ فِي الْأَصَحِّ) إخْرَاجًا لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ، وَإِدْخَالًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْدَأُ الِالْتِزَامِ، وَقِيلَ: عَشَرَةٌ إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ إخْرَاجًا لَهُمَا: كَمَا لَوْ قَالَ: عِنْدِي أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذَا الْجِدَارِ إلَى هَذَا الْجِدَارِ فَإِنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ أَوْ الْمَبِيعَ هُنَاكَ السَّاحَةُ، وَلَيْسَ الْجِدَارُ مِنْهَا بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَذِكْرُ الْجِدَارِ مِثَالٌ، فَالشَّجَرَةُ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ إلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّحْدِيدُ لَا التَّقْيِيدُ. اهـ. وَمَا بَحَثَهُ فِي الدَّرَاهِمِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي الضَّمَانِ فَالْحُكْمُ فِيهِ وَفِي الْإِقْرَارِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْيَمِينِ وَالنَّظَرِ وَاحِدٌ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا: فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ، فَقِيَاسُهُ لُزُومُ الْعَشَرَةِ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ مَحْصُورٌ، فَأَدْخَلُوا فِيهِ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ أَوْ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمِ إلَى الْعَشَرَةِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ إخْرَاجًا لِلطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا لَا يَشْمَلُهُمَا. (وَإِنْ قَالَ) لَهُ عَلَيَّ (دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ فَإِنْ أَرَادَ الْمَعِيَّةَ) بِأَنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَعَ الْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَهُ (لَزِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ) دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ فِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] فَإِنْ قِيل: قَدْ جَزَمُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ مَعَ دِرْهَمٍ لِي فَمَعَ نِيَّةِ مَعَ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ قَصْدَ الْمَعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ بِمَثَابَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَالتَّقْدِيرُ لَهُ دِرْهَمٌ وَعَشَرَةٌ، وَلَفْظُ الْمَعِيَّةِ مُرَادِفٌ لِحَرْفِ الْعَطْفِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِهِمْ فِي جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بِقَوْلِهِمْ: مَعَ عَمْرٍو، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ، فَإِنَّ مَعَ فِيهِ لِمُجَرَّدِ الْمُصَاحَبَةِ، وَالْمُصَاحَبَةُ تَصْدُقُ بِمُصَاحَبَةِ دِرْهَمٍ لِدِرْهَمٍ غَيْرِهِ، وَلَا يُقَدَّرُ فِيهَا عَطْفٌ بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ، إلَّا دِرْهَمٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَعَ دِرْهَمٍ آخَرَ يَلْزَمُنِي، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ صَرِيحٌ فِي الْمَعِيَّةِ وَدِرْهَمٌ فِي عَشَرَةٍ صَرِيحٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ، فَإِذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الْمَعِيَّةَ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَعِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُ الْمَعِيَّةِ بِالْمُصَاحَبَةِ لِدِرْهَمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرُ الْمَجَازِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَأَيْضًا امْتَنَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ لَا مِنْ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ نِيَّتِهِ فَلَوْ قُدِّرَ مَعَهُ مَجَازُ الْإِضْمَارِ لَكَثُرَ الْمَجَازُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 290 أَوْ الْحِسَابَ فَعَشَرَةٌ وَإِلَّا فَدِرْهَمٌ. فَصْلٌ قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ، أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ،   [مغني المحتاج] آخَرَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمَعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا دِرْهَمٌ، فَحَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا وُجُوبَ أَحَدَ عَشَرَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ دِرْهَمٌ، وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْعَشَرَةِ إلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ دِرْهَمٌ، فَإِنَّ الْأَلْفَ مُبْهَمَةٌ وَيُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِهَا إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ فِيهِ عَطْفُ الدِّرْهَمِ عَلَى الْأَلْفِ وَالْأَلْفُ مُبْهَمٌ، وَهَهُنَا بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ عَطْفَ الْعَشَرَةِ تَقْدِيرًا عَلَى الدِّرْهَمِ، وَالدِّرْهَمُ غَيْرُ مُبْهَمٍ، فَكَانَتْ الْعَشَرَةُ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ الْمَعْطُوفِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ أَيْضًا بِمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ لَهُ إرَادَةٌ (أَوْ) أَرَادَ (الْحِسَابَ) وَهُوَ يَعْرِفُهُ (فَعَشَرَةٌ) تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ عِنْدَهُمْ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الْحِسَابُ فَدِرْهَمٌ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ مَا يُرِيدُهُ الْحُسَّابُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ الصَّحِيحُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُرِدْ الْمَعِيَّةَ وَلَا الْحِسَابَ، وَأَرَادَ الظَّرْفَ (فَدِرْهَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ] فَصْلٌ فِي بَيَان أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِقْرَارِ مَعَ ذِكْرِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَبَيَانِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: لَوْ (قَالَ: لَهُ عِنْدِي سَيْفٌ فِي غِمْدٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ ثَوْبٌ فِي صُنْدُوقٍ) بِضَمِّ الصَّادِ (لَا يَلْزَمُهُ الظَّرْفُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهِ، إذْ الظَّرْفُ غَيْرُ الْمَظْرُوفِ، وَالْإِقْرَارُ يَعْتَمِدُ الْيَقِينَ (أَوْ غِمْدٌ فِيهِ سَيْفٌ، أَوْ صُنْدُوقٌ فِيهِ ثَوْبٌ لَزِمَهُ الظَّرْفُ وَحْدَهُ) لَا الْمَظْرُوفُ لِمَا مَرَّ، وَهَكَذَا كُلُّ ظَرْفٍ وَمَظْرُوفٍ لَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِأَحَدِهِمَا إقْرَارًا بِالْآخَرِ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ أَوْ خَاتَمٌ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ أَوْ دَابَّةٌ فِي حَافِرِهَا نَعْلٌ أَوْ قَمْقَمَةٌ عَلَيْهَا عُرْوَةٌ أَوْ فَرَسٌ عَلَيْهَا سَرْجٌ لَزِمَتْهُ الْجَارِيَةُ وَالدَّابَّةُ وَالْقَمْقَمَةُ وَالْفَرَسُ لَا الْحَمْلُ وَالنَّعْلُ وَالْعُرْوَةُ وَالسَّرْجُ، وَلَوْ عَكَسَ عُكِسَ الْحُكْمُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ، وَأَطْلَقَ، وَكَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ بِأَنْ كَانَ مُوصًى بِهِ، وَلِهَذَا لَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 291 أَوْ عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ. وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ،   [مغني المحتاج] قَالَ: هَذِهِ الدَّابَّةُ لِفُلَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا إلَّا حَمْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَالشَّجَرَةُ كَالْجَارِيَةِ، وَالثَّمَرُ كَالْحَمْلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي خَاتَمٌ، وَكَانَ فِيهِ فَصٌّ دَخَلَ فِي الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الْخَاتَمَ يَتَنَاوَلُهُ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْفَصَّ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فِي خَاتَمٍ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَصٌّ كَمَا مَرَّ لِقَرِينَةِ الْوَصْفِ الْمَوْقِعِ فِي الشَّكِّ (أَوْ) قَالَ: لَهُ عِنْدِي (عَبْدٌ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا (لَمْ تَلْزَمْهُ الْعِمَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ يَدٌ عَلَى مَلْبُوسِهِ وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ: إذْ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ، وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ، وَبِنَاءُ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ، (أَوْ) قَالَ لَهُ: عِنْدِي (دَابَّةٌ بِسَرْجِهَا) أَوْ عَبْدٌ بِعِمَامَتِهِ (أَوْ ثَوْبٌ مُطَرَّزٌ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (لَزِمَهُ الْجَمِيعُ) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا مَرَّ، وَالطِّرَازُ جُزْءٌ مِنْ الْمُطَرَّزِ، وَإِنْ رُكِّبَ عَلَيْهِ بَعْدَ نَسْجِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَيْهِ طِرَازٌ كَقَوْلِهِ مُطَرَّزٌ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ يَظْهَرُ عَدَمُ اللُّزُومِ. اهـ. أَيْ: كَخَاتَمٍ عَلَيْهِ فَصٌّ، وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي هَذَا الْكِيسِ لَزِمَهُ أَلْفٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ لِاقْتِضَاءِ عَلَيَّ اللُّزُومَ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَقَّبَ بِهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ دُونَ الْأَلْفِ لَزِمَهُ تَمَامُ الْأَلْفِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ فَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ الْأَلْفُ الَّذِي فِي الْكِيسِ فَلَا تَتْمِيمَ لَوْ نَقَصَ، وَلَا يَغْرَمُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَفَرَّقَ أَيْضًا بَيْنَ الْمُنْكَرِ وَالْمُعَرَّفِ، بِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُنْكَرِ الْمَوْصُوفِ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ، فَأَمْكَنَ قَبُولُ أَحَدِهِمَا، وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْمُعَرَّفِ الْمَوْصُوفِ يَعْتَمِدُ الصِّفَةَ، فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً بَطَلَ الْخَبَرُ كُلُّهُ. (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ (فِي مِيرَاثِ أَبِي) أَوْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِي (أَلْفٌ) أَيْ: أَلْفُ دِرْهَمٍ (فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ) . فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ أَيْضًا بِالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ عَنْ دَيْنِ الْغَيْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ بِذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ إقْرَارٌ بِتَعَلُّقِ الْأَلْفِ بِعُمُومِ الْمِيرَاثِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْخُصُوصِ بِتَفْسِيرِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُفَسَّرَ بِجِنَايَتِهِ أَوْ رَهْنِهِ مَثَلًا لَوْ تَلِفَ ضَاعَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْأَوَّلِ، وَانْقَطَعَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِعَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الثَّانِي، فَيَصِيرُ كَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِمَا يُرْفَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 292 وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ، فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ. فَإِنْ قَالَ: وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ وَلَوْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَأْكِيدَ الثَّانِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ   [مغني المحتاج] كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ هُنَا بِمَا يَعُمُّ الْمِيرَاثَ، وَأَمْكَنَ قُبِلَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَمَّ: وَلَهُ عَبِيدٌ لَهُ فِي هَذِهِ الْعَبِيدِ أَلْفٌ، وَفَسَّرَ بِجِنَايَةِ أَحَدِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ، وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي نِصْفُهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لَهُ فِيهِ ثُلُثُهُ إقْرَارًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ (فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي) أَوْ فِي مَالِي أَوْ مِنْ مَالِي (أَلْفٌ فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ) أَيْ: وَعَدَهُ بِأَنْ يَهَبَهُ الْأَلْفَ، هَذَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِقْرَارَ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ لِغَيْرِهِ جُزْءًا مِنْهُ، وَاحْتَمَلَ كَوْنَهُ تَبَرُّعًا بِخِلَافِهِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْإِقْرَارَ أَوْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ: كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفٌ أَوْ لَهُ فِي مَالِي أَلْفٌ بِحَقٍّ لَزِمَنِي أَوْ بِحَقٍّ ثَابِتٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ (وَلَوْ) كَرَّرَ الْمُقِرُّ الدِّرْهَمَ بِلَا عَطْفٍ، كَأَنْ (قَالَ: لَهُ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ) وَلَوْ زَادَ فِي التَّكْرِيرِ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ دِرْهَمٌ) لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّأْكِيدِ. (فَإِنْ) كَرَّرَ الدِّرْهَمَ مَعَ الْعَطْفِ، كَأَنْ (قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ (وَدِرْهَمٌ) أَوْ دِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ (لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَثُمَّ كَالْوَاوِ، وَأَمَّا الْفَاءُ فَالنَّصُّ فِيهَا لُزُومُ دِرْهَمٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الْعَطْفَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ فَهَلَّا كَانَ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ لِي أَوْ أَجْوَدُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْقَدِحُ فِي الطَّلَاقِ وَبِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى وَأَسْرَعَ نُفُوذًا، وَلِهَذَا يَتَعَدَّدُ اللَّفْظُ بِهِ فِي يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فَطَالِقٌ مَهْجُورَةٌ أَوْ لَا تَرَاجُعَ أَوْ خَيْرٌ مِنْك أَوْ نَحْوِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ صَرْفٌ لِلصَّرِيحِ عَنْ مُقْتَضَاهُ. أَمَّا إذَا أَرَادَ بِالْفَاءِ الْعَطْفَ، فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ كَمَا فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الثَّمَنُ، فَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِدِرْهَمٍ فَدِرْهَمٍ فَقُبِلَ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ لَا إخْبَارٌ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ) عَلَيَّ (دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَهُ بِالْأَوَّلَيْنِ دِرْهَمَانِ) لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ كَمَا مَرَّ (وَأَمَّا الثَّالِثُ، فَإِنْ أَرَادَ) بِهِ (تَأْكِيدَ الثَّانِي) بِعَاطِفِهِ (لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ) عَمَلًا بِنِيَّتِهِ (وَإِنْ نَوَى) بِهِ (الِاسْتِئْنَافَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 293 لَزِمَهُ ثَالِثٌ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] لَزِمَهُ ثَالِثٌ) عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ (وَكَذَا إنْ نَوَى) بِهِ (تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ لِلْفَصْلِ وَالْعَطْفِ، وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى لُزُومِ دِرْهَمَيْنِ فِي قَوْلِهِ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَامْتَنَعَ تَأْكِيدُهُ وَهُنَا الثَّالِثُ مَعْطُوفٌ عَلَى الثَّانِي عَلَى رَأْيٍ، فَأَمْكَنَ أَنْ يُؤَكَّدَ الْأَوَّلُ بِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ تَأْكِيدَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَرَّرَ أَلْفَ مَرَّةٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ بِعَدَدِ مَا كَرَّرَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ التَّأْسِيسَ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ الْأَصْلِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَتَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا، فَلَمْ يَبْقَ لِلثَّالِثِ مُقْتَضٍ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ بِالْمَذْهَبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ قَطَعُوا بِهَا، وَقِيلَ قَوْلَانِ كَنَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي الطَّلَاقِ أَكْثَرُ، لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْدِيدُ، وَالْعَطْفُ بِثُمَّ كَالْوَاوِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فِي الثَّالِثِ، كَقَوْلِهِ: دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثُمَّ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ حَرْفِ الْعَطْفِ فِي الْمُؤَكِّد وَالْمُؤَكَّدِ. فُرُوعٌ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمٌ لَزِمَ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ الِاسْتِدْرَاكَ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَقَصَدَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ أَوْ لَا بَلْ أَوْ لَكِنْ دِرْهَمَانِ لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ لِتَعَذُّرِ نَفْيِ مَا قُبِلَ أَوْ لَكِنْ لِاشْتِمَالِ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَلْ طَلْقَتَيْنِ لَزِمَهُ ثَلَاثٌ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ، فَإِذَا أَنْشَأَ طَلْقَةً ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهَا إلَى إنْشَاءِ طَلْقَتَيْنِ لَا يُمْكِنُ إنْشَاءُ إعَادَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهِ إلَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّ جَازَ دُخُولُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ، هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْجِنْسُ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَقَوْلِهِ: لَهُ هَذَا الدِّرْهَمُ بَلْ هَذَانِ الدِّرْهَمَانِ أَوْ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ لَا بَلْ دِينَارٌ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فِي الْأَوَّلِ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فِي الثَّانِي لِعَدَمِ دُخُولِ مَا قَبْلَ بَلْ فِيمَا بَعْدَهَا، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَكَاخْتِلَافِ الْجِنْسِ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ لَا بَلْ دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 294 وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ. وَلَوْ بَيَّنَ وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَلْيُبَيِّنْ وَلْيَدَّعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فِي نَفْيِهِ.   [مغني المحتاج] لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ دِرْهَمٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُرِيدُ مَعَ أَوْ فَوْقَ أَوْ تَحْتَ دِرْهَمٍ لِي أَوْ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ أَوْ تَحْتَهُ دِرْهَمٌ لِي، أَوْ يُرِيدُ فَوْقَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَتَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ وَمَعَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَيَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ لِاقْتِضَاءِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ الْمُغَايَرَةَ وَتَعَذَّرَ التَّأْكِيدُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ بِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْمَكَانِ، فَيَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ، وَالْقَبْلِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ يَرْجِعَانِ إلَى الزَّمَانِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِمَا نَفْسُ الدِّرْهَمِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ، وَلَيْسَ إلَّا الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، وَهُنَا اعْتِرَاضٌ لِلرَّافِعِيِّ ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. (وَمَتَى أَقَرَّ بِمُبْهَمٍ) وَلَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ (كَشَيْءٍ وَثَوْبٍ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ فَامْتَنَعَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْبَسُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ حُبِسَ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا وُصُولَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْهُ وَالثَّانِي: لَا يُحْبَسُ لِإِمْكَانِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِدُونِ الْحَبْسِ. أَمَّا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِغَيْرِ مُرَاجَعَتِهِ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرُ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَلَا يُحْبَسُ بَلْ نَرْجِعُ إلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ بِاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِسَابِ كَقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو عَلَيَّ، وَلِعَمْرٍو عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ مَا لِزَيْدٍ عَلَيَّ. وَمِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ لِزَيْدٍ شَيْئًا وَتَقُولَ: لِعَمْرٍو أَلْفٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ فَتَأْخُذَ نِصْفَهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ وَتُسْقِطَهُ مِنْ أَلْفِ زَيْدٍ يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ وَسُدُسُ شَيْءٍ وَذَلِكَ يَعْدِلُ الشَّيْءَ الْمَفْرُوضَ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَلْفًا إلَّا نِصْفَ مَا لِعَمْرٍو فَتُسْقِطُ سُدُسَ شَيْءٍ بِسُدُسِ شَيْءٍ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِمِائَةٍ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ التَّامُّ سِتَّمِائَةٍ وَهُوَ مَا لِزَيْدٍ، فَإِذَا أَخَذْت ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَأَسْقَطْته مِنْ الْأَلْفِ بَقِيَ ثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو. (وَلَوْ بَيَّنَ) الْمُقِرُّ إقْرَارَهُ الْمُبْهَمَ تَبْيِينًا صَحِيحًا (وَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) فِي ذَلِكَ (فَلْيُبَيِّنْ) جِنْسَ الْحَقِّ وَقَدْرَهُ (وَلْيَدَّعِ) بِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ) بِيَمِينِهِ (فِي نَفْيِهِ) ثُمَّ إنْ فَسَّرَهُ بِبَعْضِ الْجِنْسِ الْمُدَّعَى بِهِ كَمِائَةٍ وَدَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ مِائَتَانِ، فَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ: لَهُ أَرَادَ الْمُقِرُّ بِالْمُبْهَمِ الْمِائَةَ ثَبَتَتْ بِاتِّفَاقِهِمَا وَحَلَفَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَادَهُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَعَلَى نَفْيِ الْإِرَادَةِ لَهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الدَّعْوَى، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ لَهُمَا لَا عَلَى إرَادَةِ الْمُقِرِّ لَهُمَا؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 295 وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ، فَلَوْ وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ مَا فَسَّرَ بِهِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ فِيهِ وَإِلَّا ثَبَتَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى الْإِرَادَةِ وَقَالَ مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِك مَا وَقَعَ التَّفْسِيرُ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَدْتُ كَذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِرَادَةَ لَا يَثْبُتَانِ حَقًّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَقَّ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ قَبْلَ الْبَيَانِ طُولِبَ بِهِ الْوَارِثُ، فَإِنْ امْتَنَعَ وُقِفَتْ التَّرِكَةُ كُلُّهَا لِأَقَلِّ مُتَمَوِّلٍ مِنْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي التَّفْسِيرِ مُرْتَهَنَةٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا يُخَالِفُ صِحَّةَ التَّفْسِيرِ بِالسِّرْجِينِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ عَدَمَ إرَادَةِ الْمَالِ، فَيَمْتَنِعَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا، فَإِنْ بَيَّنَ الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ كَالْمُقِرِّ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ إرَادَةِ مُوَرِّثِهِ زِيَادَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ فِي حَالِ مُوَرِّثِهِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَهُنَا سُؤَالَانِ ذَكَرَتْهُمَا مَعَ جَوَابِهِمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. (وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ) أَيْ: لِشَخْصٍ (بِأَلْفٍ) مَثَلًا فِي يَوْمٍ (ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ فِي يَوْمٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَلْفٌ فَقَطْ) ، وَإِنْ كَتَبَ بِذَلِكَ وَثِيقَةً وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِهِ تَعَدُّدُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى، وَلَوْ عُرِفَ الْأَلْفُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ أَوْلَى بِالِاتِّحَادِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ) الْمُقَرُّ بِهِ فِي الْيَوْمَيْنِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ دُخُولُ أَحَدِ الْإِقْرَارَيْنِ فِي الْآخَرِ كَأَنْ أَقَرَّ بِخَمْسَةٍ ثُمَّ بِعَشَرَةٍ أَوْ عَكَسَ (دَخَلَ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ) إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ (فَلَوْ) تَعَذَّرَ كَأَنْ (وَصَفَهُمَا بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ) كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ (أَوْ أَسْنَدَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ (أَوْ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ السَّبْتِ عَشَرَةً، ثُمَّ قَالَ: قَبَضْتُ يَوْمَ الْأَحَدِ عَشَرَةً لَزِمَا) أَيْ: الْقَدْرَانِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنْ قُيِّدَ أَحَدُهُمَا وَأَطْلِقَ الْآخَرُ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ صِفَتَيْنِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّ الصِّفَتَيْنِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْجِهَتَيْنِ إذْ لَمْ يَقُلْ فِيهِمَا مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا كَذَلِكَ (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَى أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ) لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ) لَكِنْ (قَضَيْتُهُ) وَذَكَرَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا (لَزِمَهُ الْأَلْفُ فِي الْأَظْهَرِ) عَمَلًا بِأَوَّلِ الْإِقْرَارِ وَإِلْغَاءً لِآخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ بِهِ مَا يَرْفَعُهُ فَأَشْبَهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 296 وَلَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَمْ أَقْبِضْهُ إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا.   [مغني المحتاج] قَوْلَهُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَتُعْتَبَرُ جُمْلَتُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ كَقَوْلِهِ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِيمَانًا. أَمَّا إذَا فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، فَيَلْزَمُهُ جَزْمًا، وَلَوْ قَدَّمَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ لَمْ يَلْزَمْهُ جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ التَّقْدِيمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا إنَّمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمُوا، وَلَوْ قَالَ: كَانَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَظَنَنْتُهُ يَلْزَمُنِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى نَفْيِهِ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ، فَيَحْلِفَ الْمُقِرُّ وَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِأَنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ لَا يَلْزَمُهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَيُعْذَرُ الْجَاهِلُ دُونَ الْعَالِمِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ يَرَى جَوَازَ بَيْعِ الْكَلْبِ الصَّائِدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عَوَامِّنَا الَّذِينَ لَا مَذْهَبَ لَهُمْ يَظُنُّونَ جَوَازَ بَيْعِهِ وَلُزُومَ ثَمَنِهِ اهـ. لَكِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ التَّحْلِيفِ كَمَا مَرَّ كَمَا لَوْ أَقَرَّ، بِأَنَّهُ لَا دَعْوَى لَهُ عَلَى عَمْرٍو ثُمَّ خَصَّصَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ كَأَنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ فِي عِمَامَتِهِ وَقَمِيصِهِ لَا فِي دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ قَصْدَ ذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَوَصَلَهُ بِقَوْلِهِ (مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ) أَوْ هَذَا الْعَبْدِ مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ مُنْفَصِلًا (لَمْ أَقْبِضْهُ) سَوَاءٌ أَقَالَ: (إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْت) أَمْ لَا وَأَنْكَرَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ وَطَلَبَ الْأَلْفَ (قُبِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا لَا يَرْفَعُ مَا قَبْلَهُ (وَجَعَلَهُ ثَمَنًا) أَيْ: أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ حَتَّى لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْعَبْدِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا: أَحَدُهُمَا لَا يُقْبَلُ عَمَلًا بِأَوَّلِ كَلَامِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ مُتَّصِلًا كَمَا مَرَّ؛ فَإِنْ فَصَلَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَقَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَهُ سَلَّمْتُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَجُعِلَ ثَمَنًا مَعَ قَبُولِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ثَمَنٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَنْكِيرِهِ وَتَعْرِيفِهِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُوَافِقُ عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَيُخَالِفُ عِنْدَ التَّنْكِيرِ فَأَشَارَ إلَى النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ إنْ سَلَّمَ سَلَّمْت قُبِلَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: أَوْ قَالَ: أَقْرَضَنِي أَلْفًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ قُبِلَ قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ إنْ قَالَهُ مُنْفَصِلًا لَا يُقْبَلُ وَهَذَا أَوْجَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ التَّعْلِيقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 297 وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قَالَ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ.   [مغني المحتاج] بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَ: (وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ، أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) سَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْأَلْفَ عَلَى الْمَشِيئَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِالِالْتِزَامِ بَلْ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمُهَا مُغَيَّبَةٌ عَنَّا وَمَشِيئَةُ غَيْرِ اللَّهِ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. وَقَالَ: الثَّانِي إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ يَرْفَعُ أَوَّلَهُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ دُخُولَ حَرْفِ الشَّرْطِ عَلَى الْجُمْلَةِ يُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ جُزْءًا مِنْ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَغْيِيرُ مَعْنَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ لِبَيَانِ جِهَتِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ الْإِقْرَارِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ وَعَدَمِ تَبْعِيضِهِ حَذَرًا مِنْ جَعْلِهِ جُزْءَ الْجُمْلَةِ جُمْلَةً بِرَأْسِهَا إنْ تَبَعَّضَ الْخَمْرُ وَنَحْوُهُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ مَثَلًا لَمْ يَلْزَمْهُ لِمَا مَرَّ إلَّا إنْ قَصَدَ التَّأْجِيلَ وَلَوْ بِأَجَلٍ فَاسِدٍ، فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلَكِنْ مِنْ عَقِبِ إقْرَارِهِ بِذِكْرِ أَجَلٍ صَحِيحٍ مُتَّصِلٍ ثَبَتَ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَحِيحًا كَقَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ،، وَمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ ذَكَرَهُ مُنْفَصِلًا. تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ قَصْدُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ مَنْ بِقُرْبِهِ، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبَرُّكَ، وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِي الْحَالِ شَيْئًا، وَلَوْ وَاطَأَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَلْزَمُنِي (وَلَوْ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ (أَلْفٌ لَا يَلْزَمُ لَزِمَهُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْإِقْرَارُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا أَوْ أَلْفٌ أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ (وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ) بَعْدَ الْفَصْلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ثُمَّ (أَرَدْتُ بِهِ هَذَا وَهُوَ وَدِيعَةٌ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لِي عَلَيْك أَلْفٌ آخَرُ) غَيْرُ أَلْفِ الْوَدِيعَةِ وَهُوَ الَّذِي أَرَدْتُهُ بِإِقْرَارِكَ (صُدِّقَ الْمُقِرُّ فِي الْأَظْهَرِ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِعَلَيَّ الْإِخْبَارَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ عَلَيَّ بِمَعْنَى عِنْدِي وَفُسِّرَ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14] وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ أَلْفٍ آخَرَ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ مَا أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ إلَّا هَذِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَيَّ ظَاهِرَةٌ فِي الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ الْوَدِيعَةُ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 298 فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ قُلْت: فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَدَعْوَى الرَّدِّ،، وَإِنْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ وَالرَّدِّ وَالتَّلَفِ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ   [مغني المحتاج] تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. أَمَّا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِيعَةً مُتَّصِلًا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ. (فَإِنْ كَانَ قَالَ) : لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ (فِي ذِمَّتِي أَوْ دَيْنًا) ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَفَسَّرَ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَبَقَ (صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ) بِيَمِينِهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا آخَرَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَلَا دَيْنًا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ ثَانِيهِمَا الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُقِرِّ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ أَلْفًا فِي ذِمَّتِي إنْ تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ لِأَنِّي تَعَدَّيْت فِيهَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: هِيَ هَذِهِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَهُ فِي ذِمَّتِي أَلْفٌ ثُمَّ جَاءَ بِأَلْفٍ وَقَالَ: الْأَلْفُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ كَانَ وَدِيعَةً وَتَلِفَ وَهَذَا بَدَلُهُ قُبِلَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَلِفَ لِتَفْرِيطِهِ، فَيَكُونُ الْبَدَلُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ وَصَلَ دَعْوَاهُ الْوَدِيعَةَ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي ذِمَّتِي وَدِيعَةً لَمْ يُقْبَلْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْقَبُولِ، فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فِي الْوَدِيعَةِ التَّلَفَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ الْوَدِيعَةِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ) أَيْ: الْمُقِرِّ (التَّلَفَ) لِلْوَدِيعَةِ (بَعْدَ الْإِقْرَارِ) بِتَفْسِيرِهِ (وَدَعْوَى الرَّدِّ) بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْوَدِيعَةِ. وَالثَّانِي: تَكُونُ مَضْمُونَةً حَتَّى لَا يُقْبَلَ دَعْوَاهُ التَّلَفَ وَالرَّدَّ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ الصَّادِقُ بِالتَّعَدِّي فِيهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِصِدْقِ وُجُوبِ حِفْظِهَا. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِقْرَارِ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّلَفِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ كَانَ دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ قَبْلَ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّ التَّالِفَ وَالْمَرْدُودَ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَوْ مَعِي أَلْفٌ صُدِّقَ فِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ، وَ) دَعْوَى (الرَّدِّ وَالتَّلَفِ) بَعْدَ الْإِقْرَارِ (قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ عِنْدِي وَمَعِي مُشْعِرَانِ بِالْأَمَانَةِ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِقْبَاضٍ) فِيهَا (ثُمَّ قَالَ: كَانَ) ذَلِكَ (فَاسِدًا وَأَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ) فِي قَوْلِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 299 وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَبَرِئَ. وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ بَلْ مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ.   [مغني المحتاج] بِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْد الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ) لِإِمْكَانِ مَا يَدَّعِيهِ، وَجِهَاتُ الْفَسَادِ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لِتَكْذِيبِهِ بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (حَلَفَ الْمُقِرُّ) ، أَنَّهُ كَانَ فَاسِدًا (وَبَرِئَ) مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَيْ: حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَكَالْبَيِّنَةِ وَكِلَاهُمَا يُحَصِّلُ الْغَرَضَ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَبَرِئَ بِحُكْمٍ بِبُطْلَانِهِمَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي عَيْنِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَرِدُ عَلَيْهَا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ لَا فِي دَيْنٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَإِقْبَاضٍ عَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُون مُقِرًّا بِالْإِقْبَاضِ، فَإِنْ قَالَ وَهَبْتُهُ لَهُ وَخَرَجَتْ إلَيْهِ مِنْهُ أَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخُرُوجَ إلَيْهِ مِنْهُ بِالْهِبَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ كَانَ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ، وَكَذَا إنْ قَالَ: أَقْبَضْتُهُ لَهُ وَأَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَهَبْته لَهُ وَقَبَضَهُ بِغَيْرِ رِضَايَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَى نُصَّ عَلَيْهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ هُنَا كَالْإِقْرَارِ بِهِ فِي الرَّهْنِ، فَإِذَا قَالَ: لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَوْهُوبَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا. (وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ) مَثَلًا الَّتِي فِي يَدِي (لِزَيْدٍ) لَا (بَلْ لِعَمْرٍو، أَوْ غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ) لَا (بَلْ) غَصَبْتُهَا (مِنْ عَمْرٍو) نُزِعَتْ مِنْ يَدِهِ وَ (سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُقِرَّ) بَعْدَ تَسْلِيمِهَا لِزَيْدٍ (يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعَمْرٍو بِالْإِقْرَارِ) ؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، وَالْحَيْلُولَةُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ مِنْ يَدِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَغْرَمُ لَهُ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّارِ الَّتِي بِيَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبَهَا زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو سَلَّمَهَا لِزَيْدٍ لِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَغَرِمَ لِعَمْرٍو الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إقْرَارَهُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ أَوَّلًا تَسَلَّمَهَا زَيْدٌ بِنَفْسِهِ أَوْ سَلَّمَهَا لَهُ الْحَاكِمُ لِلْحَيْلُولَةِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَالْحَيْلُولَةُ تُوجِبُ الضَّمَانَ كَالْإِتْلَافِ، وَلَوْ عَطَفَ بِثُمَّ فَفِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو سُلِّمَتْ إلَيْهِمَا أَوْ غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَغَصَبْتهَا مِنْ عَمْرٍو، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَالْمِلْكُ فِيهَا لِعَمْرٍو سُلِّمَتْ لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 300 وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ اتَّصَلَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ. فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ.   [مغني المحتاج] بِالْمِلْكِ، وَلَا يَغْرَمُ لِعَمْرٍو لِجَوَازِ كَوْنِهَا مِلْكَ عَمْرٍو، وَهِيَ فِي يَدِ زَيْدٍ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِمَنَافِعِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ بَيَانُ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِيمَا قَبْلَهُ بِإِلَّا أَوْ نَحْوِهَا، وَهُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، وَمِنْهُ ثَنَى عَنَانَ دَابَّتِهِ، إذَا رَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ فِي الْإِقْرَار وَنَحْوِهِ عَمَّا اقْتَضَاهُ لَفْظُهُ، سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً، وَاصْطِلَاحًا إخْرَاجٌ لِمَا بَعْدَ إلَّا وَأَخَوَاتِهَا مِنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا فِي الْإِيجَابِ، وَإِدْخَالُهُ فِي النَّفْيِ هَذَا (إنْ اتَّصَلَ) بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مَعَهُ كَلَامًا وَاحِدًا عُرْفًا فَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ عِيٍّ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِخِلَافِ الْفَصْلِ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ يَسِيرًا، وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَّا مِائَةً لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَوْ قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، لِأَنَّ قَوْلَهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِاسْتِدْرَاكِ مَا سَبَقَ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً، فَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ إلَّا خَمْسَةً فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ مَا أَثْبَتَهُ، وَلَا يُجْمَعُ مُفَرَّقٌ بِالْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بِجَمْعِهِ اسْتِغْرَاقٌ أَوْ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ، وَإِنْ اقْتَضَتْ الْجَمْعَ لَا تُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنْ كَوْنِهِ ذَا جُمْلَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ الْمَعْطُوفَاتِ لَا إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ، فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ أَوْ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا لَمْ يُجْمَعْ مُفَرَّقُهُ كَانَ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ مُسْتَثْنًى مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَيَسْتَغْرِقُ، فَيَلْغُو، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا وَدِرْهَمًا لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ فُرِّقَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَانَ الْمُسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمٍ، فَيَلْغُو، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ،. (فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ تِسْعَةٌ) ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَعَكْسُهُ كَمَا مَرَّ وَالطَّرِيقُ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ أَنْ يُجْمَعَ كُلُّ مَا هُوَ إثْبَاتٌ وَكُلُّ مَا هُوَ نَفْيٌ وَيُسْقَطُ الْمَنْفِيُّ مِنْ الْمُثْبَتِ، فَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ الْوَاجِبُ، فَالْعَشَرَةُ وَالثَّمَانِيَةُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُثْبَتَانِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 301 وَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَأَلْفٍ إلَّا ثَوْبًا، وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ.   [مغني المحتاج] وَهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ وَالتِّسْعَةُ مَنْفِيَّةٌ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا مِنْ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْقَى تِسْعَةٌ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: إلَّا سَبْعَةً وَهَكَذَا إلَى الْوَاحِدِ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُثْبَتَ ثَلَاثُونَ وَالْمَنْفِيَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَإِذَا أَسْقَطْتَهَا بَقِيَ خَمْسَةٌ، وَلَك طَرِيقٌ آخَرُ، وَهِيَ أَنْ تُخْرِجَ الْمُسْتَثْنَى الْأَخِيرَ مِمَّا قَبْلَهُ، وَمَا بَقِيَ مِنْهُ يَخْرُجُ مِمَّا قَبْلَهُ فَتُخْرِجُ الْوَاحِدَ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَمَا بَقِيَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَك أَنْ تُخْرِجَ الْوَاحِدَ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبْعَةِ ثُمَّ مَا بَقِيَ مِنْ التِّسْعَةِ، وَهَذَا أَسْهَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَمُحَصِّلٌ لَهُ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. فُرُوعٌ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً لَزِمَهُ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، هَذَا إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ عَشَرَةً وَاسْتَثْنَى خَمْسَةً وَشَكَكْنَا فِي اسْتِثْنَاءِ الدِّرْهَمِ السَّادِسِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِبَيَانِ مَا لَمْ يُرِدْ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ، لَا أَنَّهُ إبْطَالُ مَا ثَبَتَ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ مَالٌ إلَّا مَالًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُمَا، فَإِنْ فَسَّرَ الثَّانِيَ بِأَقَلَّ مِمَّا فَسَّرَ بِهِ الْأَوَّلَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْإِلْغَاءُ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا شَيْئًا أَوْ عَكَسَ، فَالْأَلْفُ وَالشَّيْءُ مُجْمَلَانِ فَيُفَسِّرُهُمَا وَيَجْتَنِبُ فِي تَفْسِيرِهِ الِاسْتِغْرَاقَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا فَالْأَلْفُ مُجْمَلٌ فَلْيُفَسِّرْهُ بِمَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ، فَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَمَا دُونَهُ لَغَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّفْسِيرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا خَمْسَةٌ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ أَوْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً، خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ، فَجُعِلَ النَّفْيُ الْأَوَّلُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَجْمُوعِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ فِي الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ؟ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُجْمَلٌ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا اسْتَثْنَاهُ، وَلَوْ قَدَّمَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ. (وَيَصِحُّ) الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ) أَيْ: جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (كَأَلْفٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (إلَّا ثَوْبًا) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77] وقَوْله تَعَالَى {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] (وَيُبَيِّنُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ دُونَ أَلْفٍ) حَتَّى لَا يَسْتَغْرِقَ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ بَطَلَ التَّفْسِيرُ، وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَلْزَمُهُ أَلْفٌ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ مَا أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 302 وَمِنْ الْمُعَيَّنِ كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ، وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ. قُلْت: لَوْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ، فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] تَلَفَّظَ بِهِ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِينَارًا رَجَعَ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إلَيْهِ وَأَسْقَطَ مِنْهُ الدِّينَارَ لِمَا مَرَّ حِيلَةٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ عَلَيْهِ قِيمَةُ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيَخَافُ إنْ أَقَرَّ لَهُ جَحَدَهُ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا أَوْ إلَّا ثَوْبًا أَوْ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْمَعُ إقْرَارَهُ وَيَسْتَفْسِرُهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ حَلَّفَهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ، وَتُقَوَّمُ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الثَّوْبِ أَوْ الدَّنَانِيرِ وَيُسْقِطُهَا مِنْ الْأَلْفِ. (وَ) يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ الْمُعَيَّنِ) كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُطْلَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا أَمْ مَعْلُومًا (كَهَذِهِ الدَّارُ لَهُ إلَّا هَذَا الْبَيْتَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لَهُ، إلَّا ذَا الدِّرْهَمَ) أَوْ هَذَا الْقَطِيعُ لَهُ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ بِلَفْظٍ مُتَّصِلٍ فَهُوَ كَالتَّخْصِيصِ، وَعَلَّلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمُحَالٍ (وَفِي الْمُعَيَّنِ وَجْهٌ شَاذٌّ) ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمُعَيَّنِ يَقْتَضِي الْمِلْكَ فِيهَا تَضْمِينًا، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ رُجُوعًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَقَالَ: (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ لَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا (لَوْ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْعَبِيدُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا قُبِلَ) ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا شَيْئًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَالدَّيْنِ (وَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، فَإِنْ مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ (فَإِنْ مَاتُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ الَّذِي أَرَادَهُ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَالثَّانِي: لَا يُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ. أَمَّا لَوْ قُتِلُوا إلَّا وَاحِدًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْقِيمَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: غَصَبْتهمْ إلَّا وَاحِدًا فَمَاتُوا وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْإِقْرَارِ بَاقٍ وَهُوَ الضَّمَانُ. فُرُوعٌ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِثَالِثٍ بِنِصْفِ الْأَلْفِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي نَصِيبِهِ، وَهَذَا فَرْعٌ مِنْ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ وَفِيهَا اضْطِرَابٌ، وَلِذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ وَالْمَأْخَذِ كَمَا فِي الرَّجْعَةِ وَالنَّذْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 303 فَصْلٌ أَقَرَّ بِنَسَبٍ إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ.   [مغني المحتاج] وَنَظَائِرِهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ أَبِيهِ بِمَالٍ وَكَانَ هُوَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى نَفْسِهِ دَخَلَ، وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَعَلَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إقْرَارٌ. اهـ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا نَقَلَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ النَّصِّ كَمَا إذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُ دَارِهِ وَلَوْ بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَقَالَ: أَرَدْتُ دَارَةَ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ غَصْبَ ذَلِكَ مُحَالٌ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا لِأَحَدٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي لِعَجْزِهِ عَنْ الْفَسْخِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا يَلْبَسُهُ حَتَّى الْفَرْوَةُ لَا الْخُفُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى الثِّيَابِ. [فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ] ِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَجَمْعُهُ أَنْسَابٌ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي بِغَيْرِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: لَوْ (أَقَرَّ) الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الذَّكَرُ، وَلَوْ عَبْدًا وَكَافِرًا وَسَفِيهًا (بِنَسَبٍ) لِغَيْرِهِ (إنْ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ) كَهَذَا ابْنِي أَوْ أَنَا أَبُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْإِضَافَةِ فِيهِ إلَى الْمُقِرِّ (اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ) أَيْ هَذَا الْإِلْحَاقِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا (أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ) بِأَنْ يَكُونَ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ فِي سِنٍّ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ مِنْ زَمَنٍ يَتَقَدَّمُ عَلَى زَمَنِ الْعُلُوقِ بِهِ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهُ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّسَبِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِتْقِ فَسَيَأْتِي، وَلَوْ قَدِمَتْ كَافِرَةٌ بِطِفْلٍ وَادَّعَاهُ رَجُلٌ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا أَوْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ أَنْفَذَ إلَيْهَا مَاءَهُ فَاسْتَدْخَلَتْهُ لَحِقَهُ، وَإِلَّا فَلَا (وَ) ثَانِيهَا أَنْ (لَا) يُكَذِّبَهُ (الشَّرْعُ) وَتَكْذِيبُهُ (بِأَنْ يَكُونَ) الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ (مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ) أَوْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الثَّابِتَ مِنْ شَخْصٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَصَدَّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ أَمْ لَا. (وَ) ثَانِيهَا: (أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَلْحَقُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ) بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 304 فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا ثَبَتَ، فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانِ الْغَيْرِ عَنْ فِرَاشِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ لِغَيْرِ النَّافِي. أَمَّا الْمَنْفِيُّ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَدَ زِنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَلْحَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ وَلَا عَتِيقًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ اسْتِلْحَاقُهُ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْكَبِيرُ الْعَاقِلُ قُبِلَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ مِنْ عَدَم الْقَبُولِ، وَالرَّقِيقُ بَاقٍ عَلَى رِقِّهِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ النَّسَبِ وَالرِّقِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْحُرِّيَّةُ لَمْ تَثْبُتْ، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ لَهُ وَهُوَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُمْكِنْ لُحُوقُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ لُحُوقُهُ بِهِ لَحِقَهُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُصَدِّقُ لَهُ وَعَتَقُوا. أَمَّا ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْمُكَذِّبُ لَهُ فَلَا يَلْحَقَانِهِ وَيُعْتَقَانِ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِاعْتِرَافِهِ بِبُنُوَّتِهِمَا وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ كَمَا لَا يَرِثُ مِنْهُمَا. ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِأُمٍّ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِلْعِمْرَانِيِّ عَنْ ابْنِ اللَّبَّانِ أَنَّ إقْرَارَ الشَّخْصِ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَبٍ فَكَذَّبَهُ أَوْ سَكَتَ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِلْحَاقُ أَوْ ابْنٍ. (فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَّبَهُ) أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ هُنَا، وَإِنْ صُحِّحَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي فَصْلِ التَّسَامُعِ فِي الشَّهَادَةِ أَنَّ سُكُوتَ الْبَالِغِ فِي النَّسَبِ كَالْإِقْرَارِ (لَمْ يَثْبُتْ) نَسَبُهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَإِنْ لَمْ تَصْدُقْ بِذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَ بَالِغًا عَاقِلًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ رَجَعَا لَا يَسْقُطُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ كَالثَّابِتِ بِالِافْتِرَاشِ (، وَإِنْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا) أَوْ مَجْنُونًا (ثَبَتَ) نَسَبُهُ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ مَا عَدَا التَّصْدِيقَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى النَّسَبِ عَسِرَةٌ، وَالشَّارِعُ قَدْ اعْتَنَى بِهِ وَأَثْبَتَهُ بِالْإِمْكَانِ فَلِذَلِكَ أَثْبَتْنَاهُ بِالِاسْتِلْحَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقِرُّ بِهِ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ (فَلَوْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ، أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ (وَكَذَّبَهُ) بَعْدَ كَمَالِهِ (لَمْ يَبْطُلْ) نَسَبُهُ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقَرِّ بِهِ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ وَالثَّانِي: يَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِهِ حِينَ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِنْكَارِ، وَقَدْ صَارَ وَالْأَحْكَامُ تَدُورُ مَعَ عِلَلِهَا وُجُودًا وَعَدَمًا. فَإِنْ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَجْنُونِ يُخَالِفُهُ مَا لَوْ قَالَ لِمَجْنُونٍ: هَذَا أَبِي حَيْثُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُصَدَّقَ، وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: مَا أَدْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ الِابْنُ بَعْدَ الْجُنُونِ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 305 وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا، وَكَذَا كَبِيرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَرِثُهُ. وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ وَحُكْمُ الصَّغِيرِ يَأْتِي فِي اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ: هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] فِي صِبَاهُ بِخِلَافِ الْأَبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَرَأْيُهُ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ إلَّا إنْ أَفَاقَ وَصَدَّقَ، وَلَا يَشْكُلُ بِاسْتِلْحَاقِ الْمَيِّتِ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهِ وَهَذَا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ، فَإِذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا أَبِي وَهَذَا ابْنِي كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي. (وَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَلْحِقَ مَيِّتًا صَغِيرًا) وَلَوْ بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ وَلَا يُبَالِي بِتُهْمَةِ الْمِيرَاثِ وَلَا بِتُهْمَةِ سُقُوطِ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ فِيهِ، وَلِهَذَا لَوْ نَفَاهُ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ (وَكَذَا كَبِيرًا) مَيِّتٌ يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ فَصَحَّ اسْتِلْحَاقُهُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ، وَهُوَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الِاسْتِلْحَاقِ إلَى الْمَوْتِ يُشْعِرُ بِإِنْكَارِهِ لَوْ وَقَعَ فِي حَيَاتِهِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَاقِلًا وَلَمْ يَمُتْ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ لَهُ حَالَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا تَصْدِيقُهُ، وَلَيْسَ الْآنَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يَرِثُهُ) أَيْ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحَقَ وَلَا نَظَرَ إلَى التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ وَقَدْ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَمَسْأَلَةُ الْإِرْثِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ. فَائِدَةٌ لَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدَهُ: أَيْ: الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنْ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ، وَصَرَفْنَا مِيرَاثَهُ لِأَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ النَّافِي حُكِمَ بِالنَّسَبِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا، وَيَسْتَرِدُّ مِيرَاثَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ وَتُصْرَفُ لَهُ. (وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ) فَأَكْثَرُ (بَالِغًا ثَبَتَ لِمَنْ صَدَّقَهُ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ صَدَّقَهُمَا أَوْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ (وَحُكْمُ الصَّغِيرِ) إذَا اسْتَلْحَقَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ (يَأْتِي فِي) كِتَابِ (اللَّقِيطِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) وَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا حُكْمُ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ. (وَلَوْ قَالَ لِوَلَدِ أَمَتِهِ) غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ والمستفرشة لَهُ (هَذَا وَلَدِي ثَبَتَ نَسَبُهُ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِهِ، وَلَا بُدَّ فِي تَتِمَّةِ التَّصْوِيرِ أَنْ يَقُولَ مِنْهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ كَذَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكَهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ. وَالثَّانِي: وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 306 وَكَذَا لَوْ قَالَ وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي، فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ، وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ بَاطِلٌ. وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ كَهَذَا أَخِي   [مغني المحتاج] يَثْبُتُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ أَوْلَدَهَا بِالْمِلْكِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ (وَكَذَا) لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْأَظْهَرِ. (لَوْ قَالَ) : هَذَا (وَلَدِي وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِمَا مَرَّ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ (فَإِنْ قَالَ: عَلِقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي) أَوْ هَذَا وَلَدِي اسْتَوْلَدْتهَا بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ هَذَا وَلَدِي مِنْهَا وَمِلْكِي عَلَيْهَا مُسْتَمِرٌّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا وَكَانَ الْوَلَدُ ابْنَ نَحْوَ سَنَةٍ (ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ) لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنَّفُ. فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ مَرْهُونَةً ثُمَّ أَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَقُلْنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً عَلَى رَأْيٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا قَبْلَ إقْرَارِهِ فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ حَتَّى يَنْفِيَ احْتِمَالُ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا زَمَنَ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ إحْبَالَ الْمُكَاتَبِ لَا يُثْبِتُ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الْكِتَابِ، وَلَوْ قَالَ: يَدُ فُلَانٍ ابْنِي أَوْ أَخِي أَوْ يَدُ هَذِهِ الْأَمَةِ مُسْتَوْلَدَتِي لَيْسَ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ وَلَا بِالِاسْتِيلَادِ، إذَا جَعَلْنَا نَظِيرَهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْجُزْءِ ثُمَّ يَسْرِي، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ عِبَارَةً عَنْ الْجُمْلَةِ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ كَانَ إقْرَارًا بِالنَّسَبِ وَالِاسْتِيلَادِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ التَّتِمَّةِ (فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ لَحِقَهُ) الْوَلَدُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ (بِالْفِرَاشِ) بِأَنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا (مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ (وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ) عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ (وَاسْتِلْحَاقُ السَّيِّدِ) لَهُ (بَاطِلٌ) لِلُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ شَرْعًا. فَرْعٌ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادَهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتَهُ هَذِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ كَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ، وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ لَهُ. تَنْبِيهٌ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ أَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (وَأَمَّا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ) مِمَّنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ (كَهَذَا أَخِي) وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا: هَذَا أَخِي ابْنُ أَبِي وَأُمِّي، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 307 أَوْ عَمِّي، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا،   [مغني المحتاج] ذَلِكَ (أَوْ) هَذَا (عَمِّي، فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ) إذَا كَانَ رَجُلًا؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ مُوَرِّثَهُمْ فِي حُقُوقٍ وَالنَّسَبُ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَإِنَّمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِمِثَالَيْنِ لِيُعَرِّفكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَدَّى النَّسَبُ مِنْهُ إلَى نَفْسِهِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْأَبِ فِي قَوْلِهِ: هَذَا أَخِي أَوْ ثِنْتَانِ كَالْجَدِّ فِي قَوْلِهِ هَذَا عَمِّي، وَقَدْ يَكُونُ بِثَلَاثَةٍ كَابْنِ الْعَمِّ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدْتُ الْمُلْحَقَ بِهِ بِكَوْنِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَبِالْأَوْلَى اسْتِلْحَاقُ وَارِثِهَا وَإِنْ كَانَ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ وَاضِحٌ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ اللَّبَّانِ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْعِمْرَانِيُّ فِي زَوَائِدِهِ: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْأُمِّ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا فِي اسْتِلْحَاقِ الْمَرْأَةِ. اهـ. لَكِنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ بِزَوْجِيَّةٍ وَوَلَاءٍ كَمَا سَيَأْتِي يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَهِيَ: وَيُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. وَصُورَتُهُ فِي الزَّوْجِ أَنْ تَمُوتَ امْرَأَةٌ وَتُخَلِّفَ ابْنًا وَزَوْجًا،، فَيَقُولَ الِابْنُ لِشَخْصٍ: هَذَا أَخِي فَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الزَّوْجِ فَهَذَا اسْتِلْحَاقٌ بِامْرَأَةٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ اللَّبَّانِ وَالْعِمْرَانِيِّ فِي قَوْلِهِمَا، أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ بِالْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ، وَفَرَّقَ شَيْخِي بَيْنَ اسْتِلْحَاقِ الْوَارِثِ بِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهَا بِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ تَسْهُلُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْوَارِثِ خُصُوصًا إذَا تَرَاخَى النَّسَبُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ (بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ) فِيمَا إذَا أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلْحَقِ بِهِ مَيِّتًا) فَلَا يُلْحَقُ بِالْحَيِّ وَلَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ الشَّخْصِ مَعَ وُجُودِهِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، فَلَوْ صَدَّقَ الْحَيُّ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِتَصْدِيقِهِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى التَّصْدِيقِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ. وَأَمَّا تَصْدِيقُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَسَائِطِ فَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَاوِي وَخَالَفَ فِي الْبَيَانِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا اثْنَانِ بِأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَكْفِي تَصْدِيقُ الْجَدِّ، فَإِنَّهُ الْأَصْلُ الَّذِي ثَبَتَ النَّسَبُ بِهِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ وَكَذَّبَهُ ابْنُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ تَكْذِيبُهُ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ تَصْدِيقِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَا شَكّ فِيهِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ مَا صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ بِهِ إنْ كَانَ وَارِثًا فَالْمُقِرُّ غَيْرُ وَارِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، وَقَدْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ بِدُونِهِ إلْحَاقًا بِهِ، وَهُوَ أَصْلُ الْمُقِرِّ، وَيَبْعُدُ إثْبَاتُ نَسَبِ الْأَصْلِ بِقَوْلِ الْفَرْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْحَقَ النَّسَبَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ فِيهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 308 وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ   [مغني المحتاج] إلْحَاقًا بِأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ لَكِنَّهُ بِطَرِيقِ الْفَرْعِيَّةِ عَنَّ إلْحَاقُهُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَبْعُدُ تَبَعِيَّةُ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ (أَنْ لَا يَكُونَ نَفَاهُ) الْمَيِّتُ (فِي الْأَصَحِّ) ، فَيَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ النَّافِي. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ لِمَا فِي إلْحَاقِهِ مِنْ الْعَارِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْوَارِثُ لَا يَفْعَلُ إلَّا مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَرِّثِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ) فِي إلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ (وَارِثًا) بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَرَقِيقٍ وَقَاتِلٍ وَأَجْنَبِيٍّ (حَائِزًا) لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ أَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَا يُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ وَالْمُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنَّفِ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْإِمَامِ فِيمَنْ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْإِسْلَامِ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْوَارِثِ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُلْحِقَ النَّسَبَ بِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُوَافِقَ فِيهِ غَيْرُ الْحَائِزِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْحَائِزُ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أَقَرَّ بِعَمٍّ وَهُوَ حَائِزٌ تَرِكَةَ أَبِيهِ الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ جَدِّهِ فَلَا وَاسِطَةَ صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ، وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَ عَمُّهُ الْكَافِرُ، فَحَقَّ الْإِلْحَاقُ بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ، لَا لِابْنِهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ اهـ. وَيَصِحُّ إلْحَاقُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ وَإِلْحَاقُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْمُقِرِّ حَائِزًا أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ، وَهَذَا لَا يُعْرَفُ بَلْ هُوَ خِلَافُ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ هُنَا شَيْءٌ إمَّا مِنْ أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِمَّا مِنْ نَاسِخٍ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِزًا فَالْأَصَحُّ إلَخْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ. اهـ. وَيُوجَدُ فِي بَعْضِهَا، فَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالْأَصَحُّ إلَخْ، وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ النُّسْخَةِ الْأُولَى. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَوْ سَكَتَ أَنَّ الْمُسْتَلْحَقَ لَا يَرِثُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 309 وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْبَالِغَ مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ. وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ. وَأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٍ بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، وَيَثْبُتُ   [مغني المحتاج] قَوْلِهِ (وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ) ظَاهِرًا لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ فَهُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إقْرَارُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، إذْ لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حِصَّةٌ بَلْ جَمِيعُ الْإِرْثِ لَهُ. وَالثَّانِي: يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ دُونَ الْمُنْكِرِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَهَلْ عَلَى الْمُقِرِّ إذَا كَانَ صَادِقًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. نَعَمْ وَهَلْ يُشَارِكُ بِنِصْفِ مَا فِي يَدِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَرِثُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ حَرُمَ عَلَى الْمُقِرِّ بِنْتُ الْمُقَرِّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُقَاسُ بِالْبِنْتِ مَنْ فِي مَعْنَاهَا وَفِي عِتْقِ حِصَّةِ الْمُقِرِّ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِعَبْدٍ فِيهَا أَنَّهُ ابْنُ أَبِينَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ يُعْتَقُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْبَالِغَ) الْعَاقِلَ (مِنْ الْوَرَثَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِقْرَارِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَائِزٍ لِلْمِيرَاثِ. وَالثَّانِي يَنْفَرِدُ بِهِ وَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْحَالِ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ، فَإِذَا بَلَغَ الْأَوَّلُ وَأَفَاقَ الثَّانِي وَوَافَقَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ثَبَتَ النَّسَبُ حِينَئِذٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْغَائِبِ أَيْضًا، وَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ وَارِثِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْكَمَالِ أَوْ الْحُضُورِ، فَإِنْ لَمْ يَرِثْ مَنْ ذُكِرَ غَيْرُ الْمُقِرِّ ثَبَتَ النَّسَبُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ. (وَ) الْأَصَحُّ، (أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثَيْنِ) الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ (وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَمَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ إلَّا الْمُقِرُّ ثَبَتَ النَّسَبُ) وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ إقْرَارًا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمِيرَاثِ صَارَ لَهُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْوَارِثِ الْحَائِزِ، فَإِنَّهُ مَا صَارَ حَائِزًا إلَّا بَعْدَ الْإِقْرَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحِيَازَةَ تُعْتَبَرُ حَالًا أَوْ مَآلًا. وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْفَرْعِ مَسْبُوقٌ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمُوَرِّثُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْكَرَ الْآخَرُ مَا لَوْ سَكَتَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ تَكْذِيبُ أَصْلِهِ، فَإِنْ خَلَّفَ الْمُنْكِرُ أَوْ السَّاكِتُ وَرَثَةً غَيْرَ الْمُقِرِّ اُعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُمْ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ابْنٌ حَائِزٌ) مَشْهُورُ النَّسَبِ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ (بِأُخُوَّةِ مَجْهُولٍ، فَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ نَسَبَ الْمُقِرِّ) بِأَنْ قَالَ: أَنَا ابْنُ الْمَيِّتِ، وَلَسْت أَنْتَ ابْنَهُ (لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ) إنْكَارُهُ لِشُهْرَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ فِيهِ لَبَطَلَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ، فَإِنَّهُ الثَّابِتُ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِ الْمُقِرِّ إلَّا لِكَوْنِهِ حَائِزًا، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَجْهُولِ كَمَا قَالَ (وَيَثْبُتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 310 أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَلَا إرْثَ.   [مغني المحتاج] أَيْضًا نَسَبُ الْمَجْهُولِ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ. وَالثَّانِي: يُؤَثِّرُ الْإِنْكَارُ، فَيَحْتَاجُ الْمُقِرِّ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى نَسَبِهِ. الثَّالِثُ: لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمَجْهُولِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْمُقِرَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَقَرَّ الْحَائِزُ وَالْمَجْهُولُ بِنَسَبِ ثَالِثٍ، فَأَنْكَرَ الثَّالِثُ نَسَبَ الثَّانِي سَقَطَ نَسَبُهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّالِثِ، فَاعْتُبِرَ مُوَافَقَتُهُ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي، وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ: أَدْخِلْنِي أُخْرِجْكَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ مَجْهُولَيْنِ مَعًا فَكَذَّبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَر أَوْ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا لِوُجُودِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْحَائِزِ، وَإِنْ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَكَذَّبَهُ الْآخَر سَقَطَ نَسَبُ الْمُكَذَّبِ، بِفَتْحِ الذَّالِ دُونَ نَسَبِ الْمُصَدَّقِ إنْ لَمْ يَكُونَا تَوْأَمَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ الْآخَر؛ وَلِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأَحَدِ التَّوْأَمَيْنِ مُقِرٌّ بِالْآخَرِ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكِرُ اثْنَيْنِ وَالْمُقِرُّ وَاحِدًا فَلِلْمُقِرِّ تَحْلِيفُهُمَا، فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَمْ تُرَدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ بِهَا نَسَبًا يَسْتَحِقُّ بِهَا إرْثًا. وَلَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ لِلْمُوَرِّثِ ثَبَتَ لَهَا الْمِيرَاثُ كَمَا لَوْ أَقَرُّوا بِنَسَبِ شَخْصٍ، وَكَذَا لَوْ أَقَرُّوا بِزَوْجٍ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْبَعْضُ وَأَنْكَرَ الْبَعْضُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مِيرَاثٌ فِي الظَّاهِرِ كَنَظِيرِهِ مِنْ النَّسَبِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَكَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّسَبِ، وَخَرَجَ بِمَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ أَبٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالسَّيِّدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِنَسَبِ ابْنٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى اسْتِلْحَاقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْأَخِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِمَا، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إنْشَاءِ الِاسْتِيلَادِ فَصَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ الظَّاهِرُ يَحْجُبُهُ الْمُسْتَلْحَقُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ) لِلِابْنِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ الْحَائِزَ فِي الظَّاهِرِ قَدْ اسْتَلْحَقَهُ (وَلَا إرْثَ) لَهُ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ نَفْيُهُ، وَهُنَا يَلْزَمُ مِنْ إرْثِ الِابْنِ عَدَمُ إرْثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ، فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ يَرِثْ مَعَهُمَا لِذَلِكَ، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ أَبَاهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ، وَلَوْ خَلَّفَ بِنْتًا أَعْتَقَتْهُ، فَأَقَرَّتْ بِأَخٍ لَهَا فَهَلْ يَرِثُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْجُبُهَا بَلْ يَمْنَعُهَا عُصُوبَةُ الْوَلَاءِ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ فَأَقَرَّتَا بِابْنٍ لَهُ سَلَّمَ لِلْأُخْتِ نَصِيبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَهَا، وَلَوْ ادَّعَى مَجْهُولٌ عَلَى أَخِي الْمَيِّتِ أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ الْأَخُ عَنْ الْيَمِينِ، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَمْ يَرِثْ لِمَا مَرَّ فِي إقْرَارِ الْأَخِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 311 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ: لَوْ أَقَرَّ ابْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ بَنِينَ بِأَخٍ لَهُمْ وَشَهِدَا لَهُ عِنْدَ إنْكَارِ الثَّالِثِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ لَهُمَا نَفْعًا بَلْ ضَرَرًا، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَقَالَ مُنْفَصِلًا أَرَدْتُ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا لَوْ فُسِّرَ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُكْتَفَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يُحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَا يُقِرَّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، فَإِنْ ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا قُبِلَ. [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 312 كِتَابُ الْعَارِيَّةِ   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْعَارِيَّةِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِخَطِّهِ، وَقَدْ تُخَفَّفُ، وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ عَارَةٌ بِوَزْنِ نَاقَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ، وَلِعَقْدِهَا، مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ: عَيَّارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ، وَقِيلَ: مِنْ التَّعَاوُرِ، وَهُوَ التَّنَاوُبُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ كَانَتْ عَيْبًا مَا فَعَلَهَا، وَبِأَنَّ أَلِفَ الْعَارِيَّةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، فَإِنَّ أَصْلَهَا عَوَرِيَّةٌ. وَأَمَّا أَلِفُ الْعَارِ فَمُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ بِدَلِيلِ عَيَّرْته بِكَذَا، وَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْله تَعَالَى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] بِمَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 313 شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ   [مغني المحتاج] بَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ وَالطَّاعَةُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ، وَهِيَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ دِرْعًا مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ أَغَصْبٌ يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا وَصَارَتْ مُسْتَحَبَّةً: أَيْ: أَصَالَةً، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْدِيُّ بِوُجُوبِ إعَارَةِ كُتُبِ الْحَدِيثِ إذَا كَتَبَ صَاحِبُهَا اسْمَ مَنْ سَمِعَهُ لِيَكْتُبَ نُسْخَةَ السَّمَاعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تَجِبُ عَيْنًا، بَلْ هِيَ أَوْ النَّقْلُ إذَا كَانَ النَّاقِلُ ثِقَةً، وَقَدْ تُحَرَّمُ كَإِعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ وَالْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَإِعَارَةِ الْغِلْمَانِ لِمَنْ عُرِفَ بِاللِّوَاطِ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِأَوَّلِهَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُبَيِّنًا لِشَرْطِهِ فَقَالَ: وَ (شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ) وَأَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ كَصَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ جَوَازُ إعَارَةِ السَّفِيهِ بَدَنَ نَفْسِهِ إذَا كَانَ عَمَلُهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ بِمَالِهِ عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ بَدَنَهُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: تَبَرُّعٌ نَاجِزٌ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا تَصِحُّ عَارِيَّتُهُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَا يُعِيرُ الْعَيْنَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ جَوَازُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعَارَةِ تَعْطِيلٌ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهَا كَإِعَارَةِ الدَّارِ يَوْمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، وَإِلَّا، فَيَمْتَنِعُ (وَ) شُرِطَ لِلْمُعِيرِ أَيْضًا (مِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، وَقَيَّدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 314 فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ.   [مغني المحتاج] ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ نَاظِرًا وَهُوَ وَاضِحٌ (فَيُعِيرُ مُسْتَأْجِرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ (لَا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَبِيحُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ مَا أُبِيحَ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا قُدِّمَ لَهُ. وَالثَّانِي: يُعِيرُ كَمَا أَنَّ لِلْمُسْتَأْجَرِ أَنْ يُؤَجِّرَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ مَنْ يُعِيرُ لَهُ، فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ مِنْ الثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِئَ وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَ هَذَا الْحُكْمُ (وَ) لَكِنْ (لَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ) كَأَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ وَكِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فِي حَاجَتِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ خَادِمُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُبَاشَرَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى قَيْدِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ صِحَّةُ إعَارَةِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ، وَصِحَّةُ إعَارَةِ الْإِمَامِ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَرْضٍ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَيْسَتْ عَارِيَّةً حَقِيقَةً بَلْ شَبِيهَةً بِهَا، وَبِأَنَّهُمْ أَرَادُوا هُنَا بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مَا يَعُمُّ الِاخْتِصَاصَ بِهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَى هَذَا لَا يُرَدُّ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ إعَارَةِ الصُّوفِيِّ وَالْفَقِيهِ مَسْكَنَهُمَا بِالرِّبَاطِ وَالْمَدْرَسَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا اهـ. أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ. وَهُوَ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَلَى خِدْمَةٍ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ. أَمَّا مَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِحَقَارَتِهِ، فَالظَّاهِرُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ أَفْعَالُ السَّلَفِ، أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالصَّبِيِّ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ. وَلَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا يَقْرَأُ فِيهِ فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا، فَيَجِبُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ وَتَقْيِيدُهُ بِالْإِصْلَاحِ يُعْلِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِ قِيمَتِهِ لِرَدَاءَةِ خَطٍّ وَنَحْوِهِ امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِمَالِيَّتِهِ لَا إصْلَاحٌ، أَمَّا الْكِتَابُ الْمَوْقُوفُ فَيُصْلَحُ جَزْمًا خُصُوصًا مَا كَانَ خَطَأً مَحْضًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ،. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطِ الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِعَقْدٍ، فَلَا تَصِحُّ لِمَنْ لَا عِبَارَةَ لَهُ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ اسْتِعَارَةِ السَّفِيهِ إذْ الصَّحِيحُ صِحَّةُ قَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ لَكِنْ كَيْفَ تَصِحُّ اسْتِعَارَتُهُ، مَعَ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لَا جَرَمَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 315 وَالْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ.   [مغني المحتاج] صِحَّتِهَا. اهـ. وَقَضِيَّتُهُ صِحَّتُهَا مِنْهُ، وَمِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِعَقْدِ وَلِيِّهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَهُوَ وَاضِحٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَقَالَ (وَ) شَرْطُ (الْمُسْتَعَارِ كَوْنُهُ مُنْتَفَعًا بِهِ) ، فَلَا يُعَارُ مَا لَا يَنْفَعُ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ. وَأَمَّا مَا تُوُقِّعَ نَفْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ يُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ النَّفْعُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ، وَلَيْسَ هَذِهِ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ انْتِفَاعًا مُبَاحًا لِيَخْرُجَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ وَأَنْ تَكُونَ مَنْفَعَةً قَوِيَّةً فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ إذْ مَنْفَعَةُ التَّزْيِينِ بِهِمَا وَالضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّ مَا تُقْصَدُ وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ، نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزْيِينِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا، أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا صَحَّتْ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ. وَيَنْبَغِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَطْعُومِ بِالْآتِي كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ) كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَانْتَفَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعَارَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَيَدْخُلُ فِي الضَّابِطِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ قَيِّمُ الْمَسْجِدِ أَحْجَارًا أَوْ أَخْشَابًا يَبْنِي بِهَا الْمَسْجِدَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَوَارِيِّ جَوَازُ اسْتِرْدَادِهَا، وَالشَّيْءُ إذَا صَارَ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهُ. (وَتَجُوزُ إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ) ذَكَرٍ (مَحْرَمٍ) لِلْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِي ذَلِكَ، وَفِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالْمَحْرَمِ الْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُهَا، كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ، وَكَذَا الطِّفْلُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ، وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ، فَيَجُوزُ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ لِخِدْمَتِهِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الذَّكَرُ الْأَجْنَبِيُّ، فَلَا تَجُوزُ إعَارَتُهَا لَهُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ قَبِيحَةً يُؤْمَنُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهَا فَلَا يَحْرُمُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَإِنْ رَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعَ فِيهِمَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الصَّغِيرَةِ دُونَ الْكَبِيرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُلْحَقُ بِالْمُشْتَهَاةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي جَوَازِ إعَارَةِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْهَا لِخِدْمَتِهَا الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ رُؤْيَتِهَا مَعَهَا نَظَرٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الذِّمِّيَّةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْرُمُ نَظَرُ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يُمْكِنُ مَعَهُ الْخِدْمَةُ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 316 وَيُكْرَهُ إعَارَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ.   [مغني المحتاج] الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الِامْتِنَاعِ فِيهِ، وَفِي الْأَمَةِ الْفَسَادُ كَالْإِجَارَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِالصِّحَّةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ إجَارَةِ الْأَمَةِ الْمُشْتَهَاةِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا لِلْأَجْنَبِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ فَيُعِيرَانِ وَيُؤَجِّرَانِ لِمَنْ يَخْلُو بِهَا إنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الِانْتِفَاعُ بِأَنْفُسِهِمَا وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةٌ لَهُ فَقَطْ فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِحْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ. (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ (إعَارَةً) وَإِجَارَةُ (عَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا امْتِهَانًا، وَقِيلَ تَحْرُمُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ وَيَسْتَأْجِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ عَلَا لِلْخِدْمَةِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِاسْتِعَارَتِهِ وَاسْتِئْجَارِهِ لِذَلِكَ تَوْقِيرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا بَلْ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِعَارَةِ، وَأَمَّا إعَارَةُ وَإِجَارَةُ الْوَالِدِ نَفْسَهُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَتَا مَكْرُوهَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: لِأَنَّ نَفْسَ الْخِدْمَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ تَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ إعَارَةِ الصَّيْدِ مِنْ الْمُحْرِمِ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ يَجِبُ احْتِرَامُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَوْ قَالَ: أَعِرْنِي دَابَّةً فَقَالَ: اُدْخُلْ الدَّارَ فَخُذْ مَا أَرَدْتُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ، وَخَالَفَتْ الْإِجَارَةَ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَالْغَرَرُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا. فَرْعٌ يَحْرُمُ إعَارَةُ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ لِلْحَرْبِيِّ وَالْمُصْحَفِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِلْكَافِرِ وَإِعَارَةُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ. فَإِنْ اسْتَعَارَهُ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لَلَهُ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِمَالِكِهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ حَلَالٌ مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ، وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ إذْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ، وَيَجُوزُ إعَارَةُ فَحْلٍ لِلضِّرَابِ وَكَلْبٍ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ آخِذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ، وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ، فَلَوْ أَبَاحَهُمَا لَهُ أَوْ اسْتَعَارَ مِنْهُ الشَّاةَ لَأَخَذَ ذَلِكَ أَوْ الشَّجَرَةَ لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا أَوْ الْبِئْرَ لِيَأْخُذَ مَاءَهَا أَوْ الْجَارِيَةَ لِيَأْخُذَ لَبَنَهَا جَازَ وَكَانَ إبَاحَةً لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالثَّمَرَةِ وَالْمَاءِ وَاللَّبَنِ، وَعَلَى هَذَا قَدْ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَالشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِهْلَاكٌ لِلْمُعَارِ، لَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ. قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَ مُسْتَفَادًا بِالْعَارِيَّةِ بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 317 وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظٍ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ.   [مغني المحتاج] بِالْإِبَاحَةِ، وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ، وَهِيَ التَّوَصُّلُ لِمَا أُبِيحَ لَهُ، وَكَذَا الْبَاقِي اهـ. . وَهُوَ كَلَامٌ مَتِينٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ مَلَّكَهُ دَرَّ الشَّاةِ وَنَسْلَهَا أَوْ أَبَاحَهَا لَهُ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَلْفَهَا، فَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ فَاسِدَانِ، فَيَضْمَنُ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ دُونَ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ كَمَنْ أَعْطَى سَقَّاءً شَيْئًا لِيَشْرَبَ فَأَعْطَاهُ كُوزًا فَانْكَسَرَ فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ دُونَ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْرَبُهُ لَمْ يَضْمَنْ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، فَإِنْ سَقَاهُ مَجَّانًا فَانْكَسَرَ الْكُوزُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِإِعَارَةٍ فَاسِدَةٍ دُونَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِهِبَةٍ فَاسِدَةٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الرَّابِعِ، فَقَالَ (وَالْأَصَحُّ) فِي نَاطِقٍ (اشْتِرَاطُ لَفْظٍ) فِي الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِمَالِ الْغَيْرِ يَعْتَمِدُ إذْنَهُ (كَأَعَرْتُكَ) ، هَذَا أَوْ أَعَرْتُكَ مَنْفَعَتَهُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْعَيْنِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ (أَوْ أَعِرْنِي) أَوْ خُذْهُ لِتَنْتَفِعَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا الْقَلْبِيِّ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهِ (وَيَكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الْآخَرِ) كَمَا فِي إبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهَا مَقْبُوضَةٌ لِغَرَضِ الْمَالِكِ، وَغَرَضُهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ جَانِبِهِ وَالْعَارِيَّةُ بِالْعَكْسِ فَاكْتُفِيَ فِيهَا بِلَفْظِ الْمُسْتَعِيرِ، وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ إلَّا فِيمَا سَيَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ. فَرْعٌ لَوْ أَضَافَ شَخْصًا وَفَرَشَ لَهُ لِيَنَامَ فِيهِ، وَقَالَ: قُمْ وَنَمْ فِيهِ فَقَامَ أَوْ فَرَشَ بِسَاطًا فِي بَيْتٍ وَقَالَ لِآخَرَ: اُسْكُنْ فِيهِ تَمَّتْ الْعَارِيَّةُ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ حَتَّى لَوْ رَآهُ حَافِيًا، فَأَعْطَاهُ نَعْلًا أَوْ عَارِيًّا فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا أَوْ فَرَشَ لَهُ مُصَلًّى أَوْ وِسَادَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ عَارِيَّةً، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ مَبْسُوطٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، وَالْعَارِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ. اهـ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي إبَاحَةٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ أَصْلِهِ مَا يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمُتَوَلِّي، عَلَى مَا قَالَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ فِي ظَرْفٍ، فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فِي ظَرْفِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، وَهُوَ مُعَارٌ، فَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ لَا إنْ كَانَ لِلْهَدِيَّةِ عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا خَفَاءَ فِي جَوَازِ إعَارَةِ الْأَخْرَسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 318 وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ فَهُوَ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. فَإِنْ تَلِفَتْ لَا بِاسْتِعْمَالٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ،   [مغني المحتاج] الْمَفْهُومِ الْإِشَارَةِ وَاسْتِعَارَتِهِ بِهَا وَبِكِتَابَتِهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ جَوَازُهَا بِالْمُكَاتَبَةِ مِنْ النَّاطِقِ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى بِالْمُرَاسَلَةِ. فَرْعٌ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِعَارَةِ وَتَأْخِيرُ الْقَبُولِ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَأَذِنَ لَهُ فِي غِرَاسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهِيَ بَعْدَ الشَّهْرِ عَارِيَّةٌ غَرَسَ أَمْ لَا، وَقَبْلَهُ أَمَانَةٌ حَتَّى لَوْ غَرَسَ قَبْلَهُ قَلَعَ (وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهُ) أَيْ فَرَسِي مَثَلًا (لِتَعْلِفَهُ) أَوْ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهُ بِعَلَفِك (أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ) أَوْ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (فَهُوَ إجَارَةٌ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى (فَاسِدَةٌ) لِجَهَالَةِ الْعَلَفِ فِي الْأُولَى وَالْعِوَضِ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُدَّةُ فِي الثَّالِثَةِ (تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) إذَا مَضَى بَعْدَ قَبْضِهِ زَمَنٌ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَمَضْمُونَةٌ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا عِنْدَ جَهْلِ الْعِوَضَيْنِ كَمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّف. أَمَّا لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهَا شَهْرًا مِنْ الْآنَ بِعَشْرَةٍ، أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ سَنَةً مِنْ الْآنَ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، وَالثَّانِي إعَارَةٌ فَاسِدَةٌ نَظَرًا لِلَّفْظِ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُسْتَعَارِ لَيْسَتْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَلْ عَلَى الْمَالِكِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطُهُ مُفْسِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْعَارِيَّةِ إذَا كَانَ لَهَا مُؤْنَةٌ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) مِنْ الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ نَحْوِهِ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَأَنَّهُ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ، هَذَا إنْ رَدَّ عَلَى مَنْ اسْتَعَارَ مِنْهُ، فَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَرَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ عِنْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ إلَّا إذَا حُجِرَ عَلَى الْمَالِكِ الْمُعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّدُّ إلَيْهِ بَلْ إلَى وَلِيِّهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَطَلَبَهُ لَمْ يَجُزْ الرَّدُّ إلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ الضَّمَانُ وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَلِفَتْ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ (لَا بِاسْتِعْمَالٍ) لَهَا مَأْذُونٍ فِيهِ (ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَوَّلَ الْبَابِ، «بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ» ؛ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ، فَيَضْمَنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 319 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَوْ يَنْسَحِقُ بِاسْتِعْمَالٍ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ،   [مغني المحتاج] عِنْدَ تَلَفِهِ كَالْمُسْتَأْمَنِ، فَلَوْ أَعَارَهَا بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً لَغَا الشَّرْطُ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِصِحَّتِهَا وَلَا لِفَسَادِهَا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ صِحَّتُهَا وَإِلَيْهِ يُومِئُ تَعْبِيرُهَا بِأَنَّ الشَّرْطَ لَغْوٌ. فَرْعٌ لَوْ أَعَارَ عَيْنًا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا عِنْدَ تَلَفِهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَسَدَ الشَّرْطُ دُونَ الْعَارِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيهِ وَقْفَةٌ، وَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ، وَسَكَتَ عَنْ ضَمَانِ الْأَجْزَاءِ، إذَا أُتْلِفَتْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ، وَقِيلَ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَلَوْ اسْتَعَارَ حِمَارَةً مَعَهَا جَحْشٌ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ لِتَعَذُّرِ حَبْسِهِ عَنْ أُمِّهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَهَا فَتَبِعَهَا وَلَدُهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمَالِكُ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَهُوَ أَمَانَةٌ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِيَسْتَعْمِلَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ. فَإِنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ، وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبُلْقِينِيُّ لِابْتِنَاءِ يَدِهِ عَلَى يَدِ مَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَمِنْهَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّهْنِ، وَمِنْهَا لَوْ اسْتَعَارَ صَيْدًا مِنْ مُحْرِمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا ضَمَانَ لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ وَمِثْلُهُ لَوْ اسْتَعَارَ الْفَقِيهُ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَضْمَنُ الْكِتَابَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا اسْتَعَارَهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةٍ أَوْ جَعَلَ رَأْسَ مَالٍ السَّلَمِ مَنْفَعَةً. فَإِنَّهُ إذَا أَعَارَهَا مُسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةِ شَخْصًا فَتَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) ، أَيْ الْمُسْتَعِيرَ (لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ) أَيْ يَتْلَفُ بِالْكُلِّيَّةِ (أَوْ يَنْسَحِقُ) ، أَيْ يَنْقُصُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بِاسْتِعْمَالٍ) مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ عَنْ سَبَبٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُ لِحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَإِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ ضَمِنَهُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ (يَضْمَنُ الْمُنْمَحِقَ) دُونَ الْمُنْسَحِقِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِعَارَةِ الرَّدُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُنْمَحِقِ، فَيَضْمَنُهُ بِخِلَافِ الْمُنْسَحِقِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 320 وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لَا يَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضَهَا فَلَا ضَمَانَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ تَلَفُ الدَّابَّةِ بِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ مُعْتَادَيْنِ كَالِانْمِحَاقِ وَتَعِيبُهَا بِذَلِكَ كَالِانْسِحَاقِ، وَلَوْ أَعَارَهُ سَيْفًا يُقَاتِلُ بِهِ فَانْكَسَرَ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَانْسِحَاقِ الثَّوْبِ، قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَيُسْتَثْنَى الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَانِ يَجُوزُ إعَارَتُهُمَا. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ نَقَصَا بِذَلِكَ ضَمِنَ. اهـ. فَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَعِيرَ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُعِيرَ لَزِمَ مِنْهُ ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا بِضَمَانِ الْمُعِيرِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ لَنَا عَارِيَّةٌ جَائِزَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ فِيهَا إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ: أَيْ إذَا كَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِيرِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُعِيرِ يَدُ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْعِمَادِ (وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ) إجَارَةً صَحِيحَةً (لَا يَضْمَنُ) التَّالِفَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَهُوَ لَا يَضْمَنُ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَقْرِضِ مِنْ الْمَالِكِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً ضَمِنَا مَعًا، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي هُنَا عَدَمُ الضَّمَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَاسِدَةَ لَيْسَتْ حُكْمَ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا يَقْتَضِيه بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا يَتَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ لَا بِمَا اقْتَضَاهُ حُكْمُهَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِعَارَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةً لِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ، فَإِذَا أَعَارَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مِنْهُ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْغَاصِبِ فِي بَابِهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ فَقِيهٌ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَرَطَ وَاقِفُهُ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِحِرْزِ قِيمَتِهِ فَسُرِقَ مِنْ حِرْزِهِ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ وَإِنْ سُمِّيَ عَارِيَّةً عُرْفًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى الْعَارِيَّةِ رَهْنٌ وَلَا ضَامِنٌ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ بَطَلَتْ. (وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ فِي يَدِ وَكِيلٍ) لَهُ (بَعْثُهُ فِي شُغْلِهِ، أَوْ) تَلِفَتْ (فِي يَدِ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُرَوِّضهَا) أَيْ: يُعَلِّمَهَا الْمَشْيَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ بَلْ لِغَرَضِ الْمَالِكِ، هَذَا، إذَا رَكِبَهَا فِي الرِّيَاضَةِ، فَإِنْ رَكِبَهَا فِي غَيْرِهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ، وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ غُلَامَهُ لِيُعَلِّمَهُ حِرْفَةً فَاسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ أَرْكَبَ الْمَالِكُ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا فِي الطَّرِيقِ تَقَرُّبًا لِلَّهِ تَعَالَى فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا سَوَاءٌ الْتَمَسَ الرَّاكِبَ أَمْ ابْتَدَأَهُ الْمُرْكَبُ وَإِنْ أَرْدَفَهُ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الرُّكُوبِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ، وَلَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ شَخْصٍ، وَقَالَ لَهُ: سَيِّرْهَا فَفَعَلَ فَتَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوَضْعِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ الْعَوَارِيِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 321 وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الْإِذْنِ. فَإِنْ أَعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا وَمِثْلَهَا إنْ لَمْ يَنْهَهُ، أَوْ لِشَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ،   [مغني المحتاج] مَتَاعٌ لِغَيْرِهِ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ مِنْهَا بِقِسْطِ مَتَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْهَا بِقِسْطِهِ مِمَّا عَلَيْهَا، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَتَاعِهِ ضَمِنَ نِصْفَهَا، فَإِنْ سَيَّرَهَا مَالِكُهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاضِعِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ الْوَاضِعُ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِ مَالِكِهَا، بَلْ يَضْمَنُ الْمَالِكُ مَتَاعَهُ إذْ لَهُ طَرْحُهُ عَنْهَا، وَلَوْ حَمَلَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَتَاعَ شَخْصٍ بِسُؤَالِ الشَّخْصِ فَهُوَ مُعِيرٌ، أَوْ بِسُؤَالِهِ هُوَ فَهُوَ وَدِيعٌ (وَلَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ (الِانْتِفَاعُ) بِالْمُعَارِ (بِحَسَبِ الْإِذْنِ) لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا فِي الرُّجُوعِ، لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَوْ أَخَّرَ الْإِجَارَةَ. عَنْ الْعَبَّادِيِّ: أَنَّ لَهُ الرُّكُوبَ فِي الرَّدِّ وَأَقَرَّاهُ، بِخِلَافِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إلَى مَوْضِعٍ، فَلَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لِلْمُسْتَعِيرِ فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ رُكُوبَهَا فِي الْعَوْدِ بِالْعُرْفِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ ضَمِنَ أُجْرَةَ ذَهَابِ مُجَاوَزَتِهِ عَنْهُ وَرُجُوعِهِ إلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ. وَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا إلَى مَكَانِهَا الَّذِي اسْتَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُجَاوَزَةِ فَيُسَلِّمُهَا إلَى حَاكِمِ تِلْكَ الْبَلَدِ. وَثَانِيهمَا نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ، كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ عَنْ وَكَالَتِهِ بِتَعَدِّيهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ جَائِزٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أُجْرَةُ الرُّجُوعِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِالْقُرْعَةِ وَزَادَ مُقَامُهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَضَى إلَيْهِ قَضَى الزَّائِدَ لِبَقِيَّةِ نِسَائِهِ، وَفِي قَضَاءِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا قَضَاءَ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ ثَوْبًا مَثَلًا ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ، فَإِنْ لَبِسَهُ صَارَ عَارِيَّةً وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ وَدِيعَةً، وَلَوْ اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ طَرَحَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي دَارِهِ فَإِنْ أَتْلَفَهَا وَلَوْ جَاهِلًا بِهَا أَوْ تَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي، وَهُوَ تَسَلُّطُ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَالَ: (فَإِنْ أَعَارَهُ) أَرْضًا (لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ) مَثَلًا (زَرَعَهَا) لِإِذْنِهِ فِيهَا (وَمِثْلَهَا) أَوْ دُونَهَا فِي الضَّرَرِ، فَإِنْ قَالَ: أَزْرَعُ الْبُرَّ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالْجُلُبَّانِ وَالْحِمَّصِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا فِي الْأَرْضِ فَوْقَ ضَرَرِ مَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهُ كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ وَالْأُرْزِ هَذَا (إنْ لَمْ يَنْهَهُ) عَنْ غَيْرِهَا فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُهُ تَبَعًا لِنَهْيِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ بِمِائَةٍ وَلَا تَشْتَرِ بِخَمْسِينَ، وَلَوْ عَيَّنَ نَوْعًا وَنَهَى عَنْ غَيْرِهِ اُتُّبِعَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (أَوْ) أَعَارَهُ أَرْضًا (لِشَعِيرٍ) يَزْرَعُهُ فِيهَا (لَمْ يَزْرَعْ فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ) ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَإِنْ خَالَفَهُ وَزَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 322 وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ وَلَا عَكْسَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ،   [مغني المحتاج] كَأَنْ أَذِنَ فِي الْبُرِّ فَزَرَعَ الذُّرَةَ جَازَ لِلْمُعِيرِ قَلْعُهُ مَجَّانًا، فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَوْ مَا بَيْنَ زِرَاعَةِ الْبُرِّ وَزِرَاعَةِ الذُّرَةِ؟ احْتِمَالَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُتَوَلِّي، فَإِنْ فَعَلَ فَكَالْغَاصِبِ الْأَوَّلِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ. تَنْبِيهٌ تَنْكِيرُ الْمُصَنِّفِ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا وَأَعَارَهُ لِزِرَاعَتِهِ جَوَازَ الِانْتِقَالِ عَنْهُ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْإِجَارَةِ. وَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُنَا مَنْعُهُ. وَلِهَذَا عَرَّفَهَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَصَرَّحَ فِي الشَّعِيرِ بِمَا لَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ لَمْ يُزْرَعْ فَوْقَهُ. وَفِي الْحِنْطَةِ بِمَا يَجُوزُ بِقَوْلِهِ وَمِثْلِهَا لِدَلَالَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ (وَلَوْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ (الزِّرَاعَةَ) أَيْ: الْإِذْنَ فِيهَا كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُك لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا (صَحَّ) عَقْدُ الْإِعَارَةِ (فِي الْأَصَحِّ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ) لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ. وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ يَزْرَعَ مَا شَاءَ مِمَّا اُعْتِيدَ زَرْعُهُ هُنَاكَ وَلَوْ نَادِرًا حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى الرِّضَا بِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِتَفَاوُتِ ضَرَرِ الْمَزْرُوعِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَوْ قِيلَ يَصِحُّ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَخَفِّهَا ضَرَرًا لَكَانَ مَذْهَبًا، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُطْلَقَاتِ، إنَّمَا تُنَزَّلُ عَلَى الْأَقَلِّ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَصَحَّ، وَهَذَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّ أَقَلِّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، وَالْعُقُودُ تُصَانُ عَنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَلْ أَوْلَى مَا أَعَارَهُ لِيَزْرَعَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مُطْلَقٌ (وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ) لِغَرْسِ (غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ) إنْ لَمْ يَنْهَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ يُرْخِي الْأَرْضَ، فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ لِلزَّرْعِ فَلَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ وَيُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ (وَالصَّحِيحُ) وَفِي الرَّوْضَةِ: الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ وَكَذَا الْعَكْسُ) ، أَيْ لَا يَبْنِي مُسْتَعِيرٌ لِغِرَاسٍ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ بَاطِنِهَا، وَالْغِرَاسُ بِالْعَكْسِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لِلتَّأْبِيدِ. تَنْبِيهٌ مَوْضِع الْمَنْعِ فِي الْغِرَاسِ مَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ. أَمَّا مَا يُغْرَسُ لِلنَّقْلِ فِي عَامِهِ، وَيُسَمَّى الْفَسِيلَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ صِغَارُ النَّخْلِ فَكَالزَّرْعِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْبُقُولِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُجَزُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ عُرُوقِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 323 وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ. فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ   [مغني المحتاج] بِالْغِرَاسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ أَصْلُهُ، فَيَكُونُ كَالْفَسِيلِ الَّذِي يُنْقَلُ (وَ) الصَّحِيحُ، (أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ) مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الْإِجَارَةِ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ: وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْإِجَارَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الصِّحَّةَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ، فَالْخِلَافُ قَوِيٌّ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّف يَقْتَضِي ضَعْفَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَهَا لِتَنْتَفِعَ بِهَا كَيْفَ شِئْت أَوْ بِمَا بَدَا لَك، فَفِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ الصِّحَّةُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ، وَقَدْ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ الصِّحَّةَ وَالْعَارِيَّةُ بِهِ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا فَقِيلَ يَنْتَفِعُ بِهَا كَيْفَ شَاءَ، وَقِيلَ: يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْمُعَارِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ. اهـ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِعَارَةِ لَا يُسَلَّطُ عَلَى الدَّفْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ اللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ ذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْأَرْضَ مِثَالٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِجِهَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَالدَّابَّةِ تَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ. أَمَّا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ كَالْبِسَاطِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْفِرَاشِ فَلَا حَاجَةَ فِي إعَارَتِهِ إلَى بَيَانٍ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا بِالتَّعْيِينِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْجَوَازُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ. [فَصْلٌ فِي رد الْعَارِيَّةِ] : فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ لِلْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ (رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُبْرَمَةٌ مِنْ الْمُعِيرِ، وَارْتِفَاقٌ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الْإِلْزَامُ، وَرَدُّ الْمُعِيرِ بِمَعْنَى رُجُوعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَدِيعَةِ (إلَّا إذَا) كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لَازِمَةً كَمَنْ (أَعَارَ) أَرْضًا (لِدَفْنٍ) لِمَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ وَفَعَلَ الْمُسْتَعِيرُ (فَلَا يَرْجِعُ) أَيْ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ، وَامْتَنَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا (حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ) ، بِأَنْ يَصِيرَ تُرَابًا لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 324 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] طَرَفِ الْعُصْعُصِ لَا جَمِيعِ الْعُصْعُصِ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْلَى أَبَدًا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَلَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِيهِ، لَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَارَ بِالتُّرَابِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ اهـ. وَصُورَةُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِلَى، إذَا أَذِنَ الْمُعِيرُ فِي تَكْرَارِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمُعِيرُ أُجْرَةً كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ غَيْرُ قَاضٍ بِهِ وَالْمَيِّتُ لَا مَالَ لَهُ، وَلِلْمُعِيرِ سَقْيُ شَجَرٍ بِالْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الْقَبْرُ إنْ أَمِنَ ظُهُورَ شَيْءٍ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ مِنْ قَبْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يَجِبُ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حَقًّا لَهُ مُؤَبَّدًا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ دَفْنَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى حَفْرِ غَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَيْهِ تَأْخِيرٌ لِلْوَاجِبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّيْلَ إنْ حَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ مُنِعَ إعَادَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَلَى الْمُعِيرِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةُ حَفْرِ مَا رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَادَرَ الْمُعِيرُ إلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَكْرِيبِ الْمُسْتَعِيرِ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ التَّكْرِيبِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ، إلَّا بِالْحَفْرِ بِخِلَافِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِدُونِ التَّكْرِيبِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّمُّ لَمَّا حَفَرَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ. تَنْبِيهٌ أَوْرَدَهُ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ. مِنْهَا مَا لَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ أَجْنَبِيٌّ وَقُلْنَا: إنَّ الْكَفَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ لَازِمَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ: أَيْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ نَبَشَ الْمَيِّتَ سَبْعٌ وَأَكَلَهُ فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ، فَيَرْجِعُ إلَى الْمُعِيرِ وَلَا يُسَمَّى رَاجِعًا فِي الْعَارِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِزَيْدٍ شَهْرًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ، وَهُوَ الْوَارِثُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الشَّهْرِ كَمَا قَالَاهُ فِي التَّدْبِيرِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ الْمُعِيرُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعِيرَهُ سِنَةً مَثَلًا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ السَّنَةِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّدْبِيرِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ سَفِينَةً فَوَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ فِيهَا مَتَاعًا ثُمَّ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ فِي اللُّجَّةِ لَمْ يَجِبْ، لِذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرَرِ لَا لِلُزُومِهَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِزَرْعٍ فَرَجَعَ قَبْلَ انْتِهَائِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً أَوْ سِلَاحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِلْغَزْوِ فَالْتَقَى الصَّفَّانِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ قَالَهُ الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، فَأَعَارَهُ ثَوْبًا لِيَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَوْ لِيَفْرِشَهُ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ فَفَعَلَ وَكَانَ الرُّجُوعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 325 وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ إنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ مَجَّانًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] مُؤَدِّيًا إلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ وَتَكُونُ فَائِدَتُهُ طَلَبَ الْأُجْرَةِ. اهـ. وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْبَحْرِ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعِيرِ الِاسْتِرْدَادُ وَلَا لِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمُعِيرَ لَوْ رَجَعَ فِي الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَبَنَى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنْ يُقَالَ فِي اسْتِعَارَةِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ إنْ اسْتَعَارَهَا لِيُصَلِّيَ فِيهَا الْفَرْضَ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ إنْ أَحْرَمَ فِيهَا بِفَرْضٍ، وَجَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا إنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ، وَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ سُتْرَةً يَسْتَتِرُ بِهَا فِي الْخَلْوَةِ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ دَارًا لِسُكْنَى الْمُعْتَدَّة فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ سِلَاحًا وَنَحْوَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَمَّا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الصِّيَالِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ مَا يَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُهْلِكَيْنِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ مَا يُنَجَّى بِهِ مِنْ الْغَرَقِ وَيُطْفِئُ بِهِ الْحَرَقَ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ. (وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً) ، بِأَنْ أَطْلَقَ (ثُمَّ رَجَعَ) بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ (إنْ كَانَ) الْمُعِيرُ (شَرَطَ) عَلَيْهِ (الْقَلْعَ) فَقَطْ أَوْ شَرَطَهُ (مَجَّانًا) أَيْ بِلَا أَرْشٍ لِنَقْصِهِ (لَزِمَهُ) قَلْعُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْمُعِيرِ الْقَلْعُ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ إنْ شُرِطَتْ، وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مَجَّانًا كَذَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَكُتُبِ الرَّافِعِيِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ: وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كَمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي لَوْلَا الَّذِي قَدَّرْتُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ مَجَّانًا إلَّا عِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ شُرِطَ الْقَلْعُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ هَلْ شُرِطَ الْقَلْعُ بِأَرْشِ أَوْ لَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الْمُعِيرِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ (فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ) بِلَا أَرْشٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ رَضِيَ بِنُقْصَانِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ) فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَقْلَعَ رِضًا بِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْقَلْعِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ) التَّسْوِيَةُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 326 وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا، بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ.   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ إذَا قَلَعَ رَدُّ الْأَرْضِ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحَيْنِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُحَرَّرِ ضَعِيفٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي حُفَرٍ حَصَلَتْ فِي مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ، لِأَجْلِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَالْأَمْرُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ كَانَ فِي حُفَرٍ حَصَلَتْ مِنْ الْقَلْعِ زَائِدَةً عَلَى مَا حَصَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ، ثُمَّ قَالَ فَتَلَخَّصَ لِلْفَتْوَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَفْرِ لِأَجْلِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَبَيْنَ الْحَفْرِ لِلْقَلْعِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيَّنٌ تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: إذَا كَانَتْ الْحُفَرُ الْحَاصِلَةُ فِي الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى حَاجَةِ الْقَلْعِ لَزِمَهُ طَمُّ الزَّائِدِ قَطْعًا (وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ (لَمْ يَقْلَعْ) أَيْ الْمُعِيرُ (مَجَّانًا) ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَهُوَ مُحْتَرَمٌ (بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ) أَيْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ (أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ) وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ) ؛ أَيْ بَعْدُ وَلَا يُلْحَقُ بِالشَّفِيعِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (بِقِيمَتِهِ) أَيْ: مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ، فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَنْقُصُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّرَاضِي، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الثَّلَاثِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الصُّلْحِ خِلَافًا لِمَا فِيهَا هُنَا مِنْ تَخْصِيصِ التَّخْيِيرِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِث. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَبَيْنَ الْقَلْعِ مَعَ غَرَامَةِ الْأَرْشِ، دُونَ التَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَجْهًا فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ بَلْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُمَا إلَّا مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ التَّنْبِيهِ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخَانِ، بَلْ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى كَافَّةِ الْأَصْحَابِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ وَكَانَ الْمُعِيرُ غَيْرَ شَرِيكٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْغِرَاسِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَإِلَّا، فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّبْقِيَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِي وَتَأْخِيرُ التَّخْيِيرِ إلَى بَعْدِ الْجَذَاذِ كَمَا فِي الزَّرْعِ فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَ الشَّرِيكُ فِي الثَّانِي بِالْأُجْرَةِ أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُوقَفْ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ وَإِلَّا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُمَا بِالْأُجْرَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 327 فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ قِيلَ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا، وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا،   [مغني المحتاج] قَلْعِهِمَا بِالْأَرْشِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُوقِفْ الْأَرْضَ وَإِلَّا، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثِ، لَكِنْ لَا يَقْلَعُ بِالْأَرْشِ، إلَّا إذَا كَانَ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ مِنْ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ، وَلَا يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ، إلَّا إذَا كَانَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ جَوَازُ تَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْ رِيعِهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ. فَرْعٌ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ غُصْنًا لَهُ وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةِ غَيْرِهِ فَثَمَرَةُ الْغُصْنِ لِمَالِكِهِ، لَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا لَوْ غَرَسَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَصْلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَقْلَعَهُ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ وَلَا يَتَمَلَّكَهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ قُلْنَا فِيمَا مَرَّ: إنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) أَيْ الْمُعِيرُ وَاحِدَةً مِنْ الْخِصَالِ الَّتِي خُيِّرَ فِيهَا (لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا) أَيْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (إنْ بَذَلَ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ أَعْطَى (الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الِاخْتِيَارِ رَاضٍ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ. وَالثَّانِي: يَقْلَعُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ مَجَّانًا (ثُمَّ) عَلَى الْأَصَحِّ (قِيلَ: يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا) مِنْ بِنَاءٍ وَغِرَاسٍ (وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا) عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ فَصْلًا لِلْخُصُومَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْحَاكِمُ (يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا) أَيْ: يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ وَيُوَافِقُهُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إثْبَاتُ الْأَلِفِ فِي يَخْتَارَا كَمَا رَأَيْتهَا بِخَطِّهِ وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الشَّرْحَيْنِ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ يَخْتَارُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَصَحَّحَ بِخَطِّهِ عَلَى مَوْضِعِ سُقُوطِ الْأَلِفِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُعِيرِ كَافٍ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ اهـ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ الْوَجْهَ إثْبَاتُهَا، ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا عَنْ الْوَجْهِ الْأَصَحِّ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا: انْصَرِفَا حَتَّى تَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ. قَالَ: فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ يَخْتَارَا أَثْبَتُ فِي النَّقْلِ وَأَعَمُّ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحَيْنِ إسْقَاطَ الْأَلِفِ. اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَهُوَ الَّذِي خَلَّيْتُ عَلَيْهِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَخْتَارُ مَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا فَقَالَ: (وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا) فِي مُدَّةِ الْمُنَازَعَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 328 وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلتَّفَرُّجِ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ فِي الْأَصَحِّ وَلِكُلٍّ بَيْعُ مِلْكِهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ. وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطْلَقَةِ،   [مغني المحتاج] لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَهُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ (وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ الْمُعِيرِ (لِلتَّفَرُّجِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَيْهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ. تَنْبِيهٌ التَّفَرُّجُ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَعَلَّهَا مِنْ انْفِرَاجِ الْهَمِّ وَهُوَ انْكِشَافُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ، وَلَوْ قَالَ: بَدَلَهَا بِلَا حَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى، (وَيَجُوزُ) الدُّخُولُ (لِلسَّقْيِ) لِلْغِرَاسِ (وَالْإِصْلَاحِ) لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا لِأَخْذِ ثَمَرٍ أَوْ جَرِيدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غِرَاسِهِ. نَعَمْ لَوْ تَعَطَّلَ نَفْعُ الْأَرْضِ عَلَى مَالِكِهَا بِدُخُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ تَنْبِيهٌ فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْمُعِيرِ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا، وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ مِنْ جَوَازِ هَذَا فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ. وَأُجِيبَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ، فَإِذَا لَا فَرْقَ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْمُعِيرَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، فَلِهَذَا مُنِعَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ (وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ (بَيْعُ مِلْكِهِ) مِنْ صَاحِبِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ بَاعَ الْمُعِيرُ لِثَالِثٍ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ، وَإِنْ بَاعَ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ الْمُعِيرُ عَلَى خِيَرَتِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ جُهِلَ الْحَالُ، وَلَوْ بَاعَا مَعًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: كَمَا فِي رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُوَزَّعُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَعَلَى حِصَّةِ مَا فِيهَا وَحْدَهُ، فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ وَحِصَّةُ مَا فِيهَا لِلْمُسْتَعِيرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ (وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنَّ لِلْمُعِيرِ تَمَلُّكَهُ بِالْقِيمَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ كَمَا فِي بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْمُعِيرِ بَيْعَهُ لِثَالِثٍ قَطْعًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ فِيهِ وَجْهٌ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَجْهُولَةٌ، وَلَوْ أَجَّرَ الْمُعِيرُ الْأَرْضَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصِّحَّةُ إنْ أَمْكَنَ التَّفْرِيغُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ. (وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ) لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَالْمُطْلَقَةِ) فِيمَا مَرَّ مِنْ الْأَحْكَامِ، إذَا انْتَهَتْ الْمُدَّةُ أَوْ رَجَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 329 وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إذَا رَجَعَ. وَإِذَا أَعَارَهُ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ، وَأَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرَكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ مَجَّانًا.   [مغني المحتاج] فِيهَا. لَكِنْ فِي الْمُؤَقَّتَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ وَيَبْنِيَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقُصْ الْمُدَّةُ أَوْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ. وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً. فَإِنْ قَلَعَ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا إنْ صُرِّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الزَّرْعِ وَغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي مَعْنَاهُمَا. فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَلَعَ مَجَّانًا وَكُلِّفَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ كَالْغَاصِبِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ مَا نَبَتَ بِحَمْلِ السَّيْلِ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ (وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا) أَيْ الْمُؤَقَّتَةِ (مَجَّانًا إذَا رَجَعَ) بَعْدَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ هَذَا فَائِدَةَ التَّأْقِيتِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى رُجُوعٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالِانْتِهَاءِ دُونَ الرُّجُوعِ. (وَإِذَا أَعَارَهُ) أَرْضًا (لِزِرَاعَةٍ) مُطْلَقًا (وَرَجَعَ) الْمُعِيرُ (قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ وَلَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَهُ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ، وَالثَّانِي لَهُ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُعْتَادُ قَلْعُهُ فَصِيلًا كُلِّفَ الْقَلْعَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْقُصْ بِالْقَلْعِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ قَلْعُهُ (وَ) الصَّحِيحُ، وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ (أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ) مِنْ وَقْتِ الرُّجُوعِ إلَى الْحَصَادِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَعَارَ دَابَّةً ثُمَّ رَجَعَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَقْلَ مَتَاعِهِ إلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: لَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ إلَى الْحَصَادِ كَالْمُسْتَوْفَاةِ بِالزَّرْعِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا هُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ عَيَّنَ) الْمُعِيرُ (مُدَّةً) لِلزِّرَاعَةِ (وَلَمْ يُدْرِكْ) أَيْ: الزَّرْعُ (فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ: الْمُسْتَعِيرِ (بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ) الْمُعِيرُ الزَّرْعَ (مَجَّانًا) لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مُقَصِّرًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ قَصَّرَ بِالزَّرْعِ، وَلَمْ يُقَصِّرْ بِالتَّأْخِيرِ كَأَنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ سَيْلٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الزَّرْعُ ثُمَّ زَرَعَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ فِي الْمُدَّةِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا بَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ أَعَارَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِحَرٍّ أَمْ بَرْدٍ أَمْ مَطَرٍ أَمْ لِقِلَّةِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَمْ لِأَكْلِ الْجَرَادِ رُءُوسَ الزَّرْعِ فَنَبَتَ ثَانِيًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَ الزَّرْعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 330 وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ. وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ بَلْ أَجَرْتُكهَا، أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] الْمُعَيَّنَ بِغَيْرِهِ كَانَ كَالتَّقْصِيرِ بِالتَّأْخِيرِ، فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا أَيْضًا. (وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ) أَوْ نَحْوُهُ كَهَوَاءٍ (بَذْرًا) لِغَيْرِهِ (إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ) فِيهَا (فَهُوَ) أَيْ: النَّابِتُ (لِصَاحِبِ الْبَذْرِ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ تَحَوَّلَ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ وَعَلِمَهُ وَإِلَّا، فَيَرُدُّهُ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُ الْمَالَ الضَّائِعَ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَحَبَّةٍ أَوْ نَوَاةٍ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا مَالِكُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ: الْمَالِكَ (يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ. وَالثَّانِي: لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَهُوَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْقَلْعِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ. أَمَّا إذَا أَعْرَضَ عَنْهَا مَالِكُهَا وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَذْرًا: أَيْ مَا سَيَصِيرُ مَبْذُورًا تَسْمِيَةٌ لِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَنْبُتْ الْمَحْمُولُ الَّذِي لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ مَالِكُهُ لَزِمَ رَدُّهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ، وَإِلَّا فَلِلْقَاضِي كَمَا مَرَّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ فَقَالَ: (وَلَوْ رَكِبَ) شَخْصٌ (دَابَّةً) لِغَيْرِهِ (وَقَالَ لِمَالِكِهَا: أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ) ، لَهُ مَالِكُهَا: (بَلْ أَجَرْتُكهَا) مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا (أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ) إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَالدَّابَّةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا كَالْأَعْيَانِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْنِ. بَعْدَ تَلَفِهَا، كَأَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَقَالَ: كُنْتُ أَبَحْتُهُ لِي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ؛ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، فَكَذَا هُنَا، فَيَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: الْمُسَمَّى، وَقِيلَ: الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ، لَا فِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْآخَرُ مِنْ أَخْذِ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، فَإِنْ نَكَلَ الْمَالِكُ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاكِبُ وَلَا الزَّارِعُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ الْإِعَارَةَ وَلَيْسَتْ لَازِمَةً، وَقِيلَ يَحْلِفَانِ وَنُسِبَ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِلتَّخْلِيصِ مِنْ غُرْمٍ. وَالثَّانِي: يَصَّدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَافَقَهُمَا عَلَى إبَاحَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 331 وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعَرْتَنِي. وَقَالَ بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ.   [مغني المحتاج] الْمَنْفَعَةِ لَهُمَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا. وَالثَّالِثُ: يَصَّدَّقُ الْمَالِكُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ يَكْثُرُ فِيهَا الْإِعَارَةُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، فَالْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ، فَيَحْلِفُ مَا أَجَرْتنِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا حَتَّى نَجْعَلَهُ مُدَّعِيًا لِسُقُوطِ بَدَلٍ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ تَلَفِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ الْأَخْذِ فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكِرِهَا فَتُرَدُّ بِرَدِّهِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرٍ لَهَا وَهُوَ يَدَّعِي الْأُجْرَةَ فَيُعْطِي قَدْرَ الْأُجْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ بِلَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ، فِيمَا إذَا زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ (وَكَذَا) يَصَّدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ (لَوْ قَالَ) الرَّاكِبُ أَوْ الزَّارِعُ: (أَعَرْتَنِي فَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي) ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِحَقٍّ (فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ) بِمَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ قَبْلَ رَدِّهَا (فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَعَارِ مَضْمُونٌ، (لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ) وَهُمَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ (فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ) بِالْغَصْبِ (أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ (حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ) ؛ لِأَنَّ غَرِيمَهُ يُنْكِرُهَا. وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ،، فَيَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ لِمُوَافَقَةِ غَرِيمِهِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي كُتُبِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقِيمَةِ بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَالْبَحْرِ إنْ ضَمَّنَّاهُ الْمُتَقَوِّمَ بِالْأَقْصَى أَوْجَبْنَا الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ وَإِنْ ضَمَّنَّاهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي الْمِثْلِيِّ الْقِيمَةُ أَيْضًا، فَمَا فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ مَاشٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ. يُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِالْمِثْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ. وَقَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّف: لَكِنَّ. . إلَخْ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ هَلْ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ بِالْأَقْصَى أَوْ بِيَوْمِ الْقَبْضِ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 332 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَتِمَّةٌ لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: غَصَبَتْنِي وَقَالَ الرَّاكِبُ: أَجَرْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَلَهُ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ أَخَذَ قَدْرِ الْمُسَمَّى بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ، وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ عَلَى الْمُسَمَّى وَقِيمَةِ الْمُعَيَّنِ إنْ تَلِفَتْ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: غَصَبْتنِي وَقَالَ ذُو الْيَدِ: أَوْدَعْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ، إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ، فَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ مَضَتْ فَالْمَالِكُ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، وَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكِرِهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلُ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ أَقْصَى الْقِيَمِ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا: وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَالْأُجْرَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لَمُنْكِرِهَا. خَاتِمَةٌ لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَحْضِ حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الضَّمَانُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَعَدَمِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السُّلْطَةِ، وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ. فَإِنْ قِيلَ: الْجَوَابُ الثَّانِي مُشْكِلٌ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِعَزْلِ الْمُسْتَحِقِّ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَوَكُّلِهِ فِي الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ إذْ الْعَفْوُ فِيهِ مَطْلُوبٌ فَضَمِنَ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّوَكُّلِ فِيهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 333 كِتَابُ الْغَصْبِ هُوَ: الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْغَصْبِ] ِ (هُوَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، وَقِيلَ: أَخَذَهُ ظُلْمًا جِهَارًا. وَشَرْعًا (الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا) أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَيُرْجَعُ فِي الِاسْتِيلَاءِ لِلْعُرْفِ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا سَتَأْتِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَلَى مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْمَنَافِعَ، وَالْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ، أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَالَ: وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ، بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ. وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ، وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: مَمْنُوعٌ وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْغَصْبَ يَقْتَضِي الْإِثْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا. وَقَالَ شَيْخِي: الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْغَصْبَ ضَمَانًا وَإِثْمًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 334 فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ. وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ   [مغني المحتاج] الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ غَصْبًا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ السَّارِقَ وَالْمُخْتَلِسَ خَرَجَا بِقَوْلِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ كَارِهٌ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بِبَاعِثِ الْحَيَاءِ وَالْقَهْرِ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَغْصُوبُ نِصَابَ سَرِقَةٍ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا: أَيْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ كَانَ كَافِرًا، وَمَنْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ كَانَ فَاسِقًا. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ آيَاتٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّطْفِيفِ وَهُوَ غَصْبُ الْقَلِيلِ فَمَا ظَنُّكَ بِغَصْبِ الْكَثِيرِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَخْبَارٌ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» وَمِنْهَا خَبَرُهُمَا أَيْضًا «مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَمَعْنَى طَوَّقَهُ كُلِّفَ حَمْلَهُ. وَقِيلَ: يُجْعَلُ فِي حَلْقِهِ كَالطَّوْقِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي يَتَّضِحُ بِهَا فَقَالَ: (فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً، أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ) لِغَيْرِهِ (فَغَاصِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ) ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ لِحُصُولِ الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ، وَهِيَ الِانْتِفَاعُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْغَصْبَ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا حَضَرَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ وَكَانَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ، أَنَّ قِيَاسَ مَا يَأْتِي فِي الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِنِصْفِهِ فَقَطْ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَظِيرُهُ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّف قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فَقَالَ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ إلَّا فِي الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِمَا يَتِمُّ بِالرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِيهِ جُعِلَتْ الْيَدُ لَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ. (وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ) أَيْ: دَارَ غَيْرِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 335 وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ. وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ.   [مغني المحتاج] بِعِيَالٍ أَوْ بِدُونِهِمْ عَلَى هَيْئَةِ مَنْ يَقْصِدُ السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ (وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا) أَيْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ سِيدَهْ (أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ) بِمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فِي بَيْعِهَا وَهُوَ التَّسَلُّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ (وَلَمْ يَدْخُلْ) هَا (فَغَاصِبٌ) أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ يُغْنِي عَنْ قَصْدِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَبْضِهَا دُخُولُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنْ وُجِدَ الْإِزْعَاجُ فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ السُّكْنَى فِي الْأُولَى كَمَنْ يَهْجُمُ الدَّارَ لِإِخْرَاجِ صَاحِبِهَا كَظَالِمٍ وَلَا يُقِيمُ، فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يَضْمَنُهَا (وَفِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ فِيمَا إذَا أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ (وَجْهٌ وَاهٍ) أَيْ ضَعِيفٌ جِدًّا مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَاصِبٌ. وَأَمَّا أَمْتِعَةُ الدَّارِ فَإِنْ مَنَعَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ مِنْهَا كَانَ غَاصِبًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي. (وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا) مِنْ الدَّارِ (وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ) لِقَصْدِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ دُونَ بَاقِي الدَّارِ (وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا) ، وَلَا مَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ أَهْلٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (فَغَاصِبٌ) لَهَا وَإِنْ ضَعُفَ الدَّاخِلُ وَقَوِيَ الْمَالِكُ لِحُصُولِ الِاسْتِيلَاءِ فِي الْحَالِ وَأَثَرِ قُوَّةِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ إزَالَتِهِ لَا تُمْنَعُ فِي الْحَالِ. أَمَّا إذَا دَخَلَ لَا عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ، بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْهَا (وَإِنْ كَانَ) الْمَالِكُ فِيهَا (وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ) لِاسْتِيلَائِهِ مَعَ الْمَالِكِ عَلَيْهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الدَّاخِلُ (ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ) فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هَذَا وَسْوَسَةٌ وَحَدِيثُ نَفْسٍ، وَلَا يَكُونُ فِي صُورَةِ الْمُشَارَكَةِ السَّابِقَةِ غَاصِبًا لِلنِّصْفِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْمَالِكُ ضَعِيفًا وَالدَّاخِلُ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ قَوِيًّا كَانَ غَاصِبًا لِلْجَمِيعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ، فَلَا مَعْنَى لِإِلْغَائِهَا بِمُجَرَّدِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ. اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 336 وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ حَيْثُ لَا يُجْعَلُ غَاصِبًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلَ سَارِقٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ وَتَخَبَّأَ فِي الدَّارِ لَيْلَةً فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمَالِكِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُشْكِلٌ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ، أَنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي دَارِهِ لَيْلَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ شَيْئًا لِيُوصِلَهُ إلَى بَيْتِهِ، بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي شُغْلٍ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ طَاعَةَ الْأَمْرِ، وَهَذَا أَيْضًا أَوْجَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ بَعَثَ عَبْدَ زَوْجَتِهِ فِي شُغْلٍ دُونَ إذْنِهَا ضَمِنَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ قَدْ يَرَى طَاعَةَ زَوْجِهَا، فَهُوَ كَالْأَعْجَمِيِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ. وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَخَافَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِسَبَبِ تُهْمَةٍ فَهَرَبَ لِوَقْتِهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ. اهـ. وَقَوْلُهُ: نَقَلَهُ إلَخْ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مَسْكُهُ بِيَدِهِ كَافٍ، وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَيَوَانٍ فَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتْبَعَهُ أَوْ هَادِي الْغَنَمِ فَتَبِعَهُ الْغَنَمُ لَمْ يَضْمَنْ التَّابِعَ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ. (وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ) لِلْمَغْصُوبِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فِي رَدِّهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» فَلَوْ لَقِيَ الْمَالِكَ بِمَفَازَةٍ وَالْمَغْصُوبُ مَعَهُ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ أُجْرَةَ النَّقْلِ، وَإِنْ امْتَنَعَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَرِئَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَشَرَطَ عَلَى الْغَاصِبِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِإِصْطَبْلِ الْمَالِكِ بَرِئَ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ إخْبَارِ ثِقَةٍ، وَلَا يَبْرَأُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ بَرِئَ بِالرَّدِّ إلَيْهِمْ لَا إلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَفِي الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ لَكِنَّهُمَا ضَامِنَانِ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدٍ شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَمَلْبُوسِ الْعَبْدِ وَآلَاتٍ يَعْمَلُ بِهَا بَرِئَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْآلَةَ مِنْ الْأَجِيرِ وَرَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ، وَيُسْتَثْنَى مَسْأَلَةٌ يَجِبُ فِيهَا مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ فِي يَدِهِ ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 337 فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ.   [مغني المحتاج] رَدَّهَا لِمَالِكِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَالَ: وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ صُوَرًا: إحْدَاهَا إذَا مَلَكَهُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ وَذَلِكَ فِي حَرْبِيٍّ غَصَبَ مَالَ حَرْبِيٍّ وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ الثَّانِيَةِ لَوْ غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَلَا يَنْزِعُ مِنْهُ مَا دَامَ حَيًّا: أَيْ إذَا كَانَ يَتَأَلَّمُ بِهِ. الثَّالِثَةُ غَصَبَ عَصِيرًا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَتَخَمَّرَ عِنْدَهُ يُرِيقُهُ وَلَا يَرُدُّهُ. الرَّابِعَةُ كُلُّ عَيْنٍ غَرَّمْنَا الْغَاصِبَ بَدَلَهَا لِمَا حَدَثَ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ تُبْتَلُ بِحَيْثُ يَسْرِي إلَى الْهَلَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَا لَوْ غَصَبَ لَوْحًا وَأَدْرَجَهُ فِي سَفِينَتِهِ وَكَانَتْ فِي لُجَّةٍ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ هَلَاكُ مُحْتَرَمٍ فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَنْزِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. ثَانِيهُمَا تَأْخِيرُهُ لِلْإِشْهَادِ وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ اُغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُنْكِرُهُ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ. (فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ) مُتَمَوَّلٌ بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَوَّلِ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى وَزِبْلٍ وَحَشَرَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الزِّبْلِ قَدْ غَرِمَ عَلَى نَقْلِهِ أُجْرَةً لَمْ نُوجِبْهَا عَلَى الْغَاصِبِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَمَوَّلِ إذَا تَلِفَ مَسَائِلُ. مِنْهَا مَا لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا وَجَبَ رَدُّهُ. وَمِنْهَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِرِدَّةٍ وَنَحْوِهَا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا الرَّقِيقُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إذَا غَصَبَ مَالَ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَمِنْهَا لَوْ قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ بَدَلَهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَوْلُهُ: تَلِفَ لَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلِذَا قُلْتُ أَوْ إتْلَافٌ لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ أَتْلَفَهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَنْ يَرَى طَاعَةَ الْآمِرِ بِأَمْرِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ. نَعَمْ لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَهُ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 338 وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ. وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ.   [مغني المحتاج] فَتَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَالِكِ بِرِدَّةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ اسْتِطْرَادًا يَقَعُ فِيهَا الضَّمَانُ بِلَا غَصْبٍ بَلْ بِمُبَاشَرَةٍ كَإِتْلَافٍ أَوْ سَبَبٍ كَفَتْحِ الْقَفَصِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ. مِنْهَا كَسْرُ الْبَابِ وَنَقْبُ الْجِدَارِ فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِعَقْرِ دَابَّتِهِ وَكَسْرِ سِلَاحِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ إلَّا بِكَسْرِ آنِيَتِهِ وَمِنْهَا مَا يُتْلِفُهُ الْبَاغِي عَلَى الْعَادِلِ وَعَكْسُهُ حَالَةُ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا يُتْلِفُهُ الْحَرْبِيُّونَ عَلَيْنَا وَمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدَ الْمُرْتَدَّ وَالْمُحَارِبَ وَتَارِكَ الصَّلَاةِ وَالْحَيَوَانَ الصَّائِلَ بِقَتْلِهِ بِيَدِ مَالِكِهِ، وَلَوْ دَخَلَ دُكَّانَ حَدَّادٍ وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدِ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ، فَأَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ كَانَ هَدَرًا، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْحَدَّادِ، وَخَرَجَ بِالْإِتْلَافِ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ سَخَّرَ دَابَّةً وَمَعَهَا مَالِكُهَا فَتَلِفَتْ لَا يَضْمَنُهَا كَمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةٍ فَحَمَلَتْ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَتَلِفَتْ بِذَلِكَ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي: وَهُوَ السَّبَبُ، فَقَالَ: (وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ السِّقَاءُ (مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ) ، وَتَلِفَ (أَوْ) زِقٍّ (مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ) لِتَحْرِيكِهِ الْوِكَاءَ وَجَذْبِهِ (وَخَرَجَ مَا فِيهِ) ، وَتَلِفَ أَوْ بِتَقَاطُرِ مَاءٍ فِيهِ وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّقَاطُرُ بِإِذَابَةِ شَمْسٍ أَوْ حَرَارَةٍ أَوْ رِيحٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَسَالَ مَا فِيهِ وَتَلِفَ (ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ، وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ حَرَقَ ثَوْبَهُ، وَأَمْكَنَ الدَّفْعُ فَلَمْ يَفْعَلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ عَمَّا إذَا كَانَ جَامِدًا، فَخَرَجَ بِتَقْرِيبٍ نَارٍ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُقَرِّبِ (وَإِنْ سَقَطَ) الزِّقُّ بَعْدَ فَتْحِهِ لَهُ (بِعَارِضِ رِيحٍ) أَوْ نَحْوِهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ أَوْ جُهِلَ الْحَالُ فَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْعَارِضِ، وَلِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ فِي الثَّانِيَةِ، وَفَارَقَ حُكْمَ الْأُولَى إذَابَةُ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 339 وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ، فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، وَلَوْ قَلَبَ الزِّقَّ غَيْرُ الْفَاتِحِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَهُ دُونَ الْفَاتِحِ، وَلَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ بِالشَّمْسِ ضَمِنَهُ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ، فَهَلَكَتْ سَخْلَتُهَا أَوْ حَمَامَةٌ فَهَلَكَ فَرْخُهَا ضَمِنَهَا لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَلَوْ ظُلْمًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا، وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيَّنَ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَلَوْ أَرَادَ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ، فَمَنَعَهُ ظَالِمٌ مِنْ السَّقْيِ حَتَّى فَسَدَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَاشِيَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الضَّمَانِ. وَلَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَهُ أَوْ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ) فِي الْحَالِ (ضَمِنَهُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْفِرَارِ كَإِكْرَاهِ الْآدَمِيِّ (وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ (وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا) يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ لَمْ يَطِرْ. وَالثَّالِثُ: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا، وَالْفَاتِحُ مُتَسَبِّبٌ، وَالطَّائِرُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ أَوْ فَتَحَ بَابًا فَخَرَجَتْ وَضَاعَتْ، وَفِيمَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ رَقِيقٍ مَجْنُونٍ وَفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابَ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْعَاقِلِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ، فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذُكِرَ يُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَقَتَلَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْقَفَصَ، أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ طَارَ فَصَدَمَ جِدَارًا فَمَاتَ أَوْ كَسَرَ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً أَوْ الْقَفَصَ، ضَمِنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ فِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِرَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي أَقْصَى الْقَفَصِ فَأَخَذَ يَمْشِي قَلِيلًا قَلِيلًا، ثُمَّ طَارَ فَكَطَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي. قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزَعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 340 وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ،   [مغني المحتاج] مَجْنُونًا بِإِرْسَالِ طَائِرٍ فِي يَدِهِ فَأَرْسَلَهُ فَهُوَ كَفَتْحِ الْقَفَصِ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. [فَرْعٌ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ] 1 فُرُوعٌ لَوْ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ ضَمِنَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، بِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ، فَأَكَلَتْ عَلَفًا أَوْ كَسَرَتْ إنَاءً لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْحَلِّ أَمْ لَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي تِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي التَّالِفِ بَلْ فِي الْمُتْلِفِ عَكْسُ مَا هُنَا، وَلَوْ خَرَجَتْ الْبَهِيمَةُ عَقِبَ فَتْحِ الْبَابِ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْفَاتِحُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ، إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُ بَهِيمَةِ الْغَيْرِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ وَقَفَ طَائِرٌ عَلَى جِدَارِهِ فَنَفَّرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ جِدَارِهِ، وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ دَارِهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ، وَلَوْ فَتَحَ الْحِرْزَ فَأَخَذَ غَيْرُهُ مَا فِيهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ اللُّصُوصَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ إذْ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ وَتَسَبُّبُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْأُولَى قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُبَاشَرَةِ. نَعَمْ لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ أَوْ مِمَّنْ يَرَى طَاعَةَ آمِرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْأَخْذِ، وَلَوْ بَنَى دَارًا، فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ عَنْ طَيْرٍ بِلَا أَلِفٍ، إذْ هُوَ غَيْرُ طَائِرٍ فِي الْقَفَصِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ بِذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَنَّ الطَّائِرَ مُفْرَدٌ، وَالْجُمَعَ طَيْرٌ. (وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا) أَيْ: الْأَيْدِي (الْغَصْبَ) وَكَانَتْ أَيْدِي أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالْجَهْلُ لَيْسَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ بَلْ لِلْإِثْمِ فَيُطَالِبُ الْمَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ وَالْمَصْلَحَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَمَنْ انْتَزَعَ الْمَغْصُوبَ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا وَرَقِيقًا لِلْمَالِكِ لَا غَيْرَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَةَ وَهَلَكَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ أَنَّ الزَّوْجَ يُطَالَبُ بِقِيمَتِهَا، وَالْمَذْهَبُ، أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي حِبَالِ الزَّوْجِ لَيْسَ كَحُلُولِ الْمَالِ فِي الْيَدِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 341 ثُمَّ إنْ عَلِمَ فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ   [مغني المحتاج] قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ (ثُمَّ إنْ عَلِمَ) مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ (فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ) حُكْمُهُ (فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَيُطَالَبُ بِكُلِّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْغَاصِبُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ غَرِمَ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ إنْ غَرِمَ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَالْمُطَالَبُ بِالزِّيَادَةِ هُوَ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ. تَنْبِيهٌ لَوْ أَبْرَأَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ لَا يَبْرَأُ الثَّانِي، وَإِنْ أَبْرَأَ الثَّانِي بَرِئَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْأَوَّلُ كَالضَّامِنِ عَنْهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ (وَكَذَا) يَسْتَقِرُّ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ (إنْ جَهِلَ) الْغَصْبَ (وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ) ، وَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالسَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى، الضَّمَانِ، فَلَمْ يَغُرَّهُ الْغَاصِبُ (وَإِنْ) جَهِلَ وَ (كَانَتْ) يَدُهُ (يَدَ أَمَانَةٍ) بِلَا اتِّهَابٍ (كَوَدِيعَةٍ) وَقِرَاضٍ (فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ) دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ، فَإِنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَمِينِ وَإِنْ غَرِمَ هُوَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى شَخْصٍ فَأَتْلَفَهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَالِكَ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ. أَمَّا لَوْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْ شَخْصٍ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ إلَّا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ، وَلَوْ ضَاعَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالْتَقَطَهُ إنْسَانٌ جَاهِلٌ بِحَالِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ لِلْحِفْظِ أَوْ مُطْلَقًا فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَكَذَا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ، فَإِنْ تَمَلَّكَهُ صَارَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ (وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ) أَيْ الْإِتْلَافِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ (فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) ، أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ أَوْ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مُسْتَقِلًّا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ، وَبِهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانَ لِغَرَضِ الْغَاصِبِ كَذَبْحِ الشَّاةِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ. أَوَّلًا لِغَرَضٍ كَإِتْلَافِ الْمَالِ فَعَلَى الْمُتْلِفِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ،. أَوْ لِغَرَضِ الْمُتْلِفِ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 342 عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ.   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً، فَأَكَلَهُ فَكَذَا) الْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ وَإِلَيْهِ عَادَتْ الْمَنْفَعَةُ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْآكِلَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: هُوَ مِلْكِي فَالْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، لَكِنْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآكِلِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ، بِأَنَّ الْمَالِكَ ظَلَمَهُ بِتَغْرِيمِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ، وَإِذَا قَدَّمَهُ لِعَبْدٍ وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَالْأَكْلُ جِنَايَةٌ مِنْهُ يُبَاعُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ مُوجِبِهَا بِرَقَبَتِهِ، فَلَوْ غَرِمَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَهُ لِبَهِيمَةٍ، فَأَكَلَتْهُ وَغَرِمَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْأَظْهَرِ. فِي أَكْلِ الضَّيْفِ (لَوْ قَدَّمَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ (لِمَالِكِهِ) أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ لَهُ (فَأَكَلَهُ) جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ (بَرِئَ الْغَاصِبُ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَبْرَأُ لِجَهْلِ الْمَالِكِ بِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَهُ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَعُدْ الْمَغْصُوبُ هَالِكًا كَالْهَرِيسَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَهُوَ إنَّمَا أَكَلَ مَالَ الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْبَدَلُ لِلْمَالِكِ، وَلِهَذَا قَالَ الزُّبَيْرِيُّ: لَوْ غَصَبَ سَمْنًا وَعَسَلًا وَدَقِيقًا وَصَنَعَهُ حَلْوَى وَقَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ لَمْ يَبْرَأْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالتَّالِفِ، وَانْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ، وَلَا تَسْقُطُ عِنْدَنَا بِبَذْلِ غَيْرِهَا إلَّا بِرِضَا مُسْتَحِقِّهَا، وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ اهـ. وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ أَيْضًا بِإِعَارَتِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَاضِهِ لِلْمَالِكِ وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ أَخْذَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ بِإِيدَاعِهِ وَرَهْنِهِ، وَإِجَارَتِهِ وَتَزْوِيجِهِ مِنْهُ وَالْقِرَاضِ مَعَهُ فِيهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّسَلُّطَ فِيهَا غَيْرُ تَامٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا، وَالتَّزْوِيجُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. وَمَحِلُّهُ فِي الْأُنْثَى مَا لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا، فَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا: أَيْ وَتَسَلَّمَهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ، لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِمَالِكٍ: أَعْتِقْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنْكَ فَأَعْتَقَهُ، وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ عَتَقَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ، لَا عَنْ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَالْأَوْجَهُ مَعْنًى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَاصِبِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا ضِمْنًا إنْ ذَكَرَ عِوَضًا وَإِلَّا فَهِبَةً بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 343 فَصْلٌ تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ بِقِيمَتِهِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ، وَأَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَذَا الْمُقَدَّرَةُ إنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ أُتْلِفَتْ فَكَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ، وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ، فَفِي يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ] ُ (تُضْمَنُ نَفْسُ الرَّقِيقِ) الْمَغْصُوبِ (بِقِيمَتِهِ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (تَلِفَ) بِجِنَايَةٍ (أَوْ أُتْلِفَ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ تَأْنِيثُهُ عَادٍ بِمَعْنَى مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتَقَوِّمَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ بَدَلَ عَادِيَةٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْتَامَ وَالْمُسْتَعِيرَ وَغَيْرَهُمَا، وَيَخْرُجُ الْحَرْبِيُّ وَعَبْدُ الْمَالِكِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمَّا كَانَ الْبَابُ مَعْقُودًا لِلتَّعَدِّي اخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِالْعَادِيَةِ (وَ) تُضْمَنُ (أَبْعَاضُهُ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا مِنْ الْحُرِّ) كَالْبَكَارَةِ وَجُرْحِ الْبَدَنِ وَالْهُزَالِ (بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) بِالْإِجْمَاعِ تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا يَتَقَدَّرُ كَالْيَدِ وَكَانَ النَّاقِصُ أَكْثَرَ مِنْ مُقَدَّرِهِ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا نُوجِبُ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَزِيدَ عَلَى مُوجِبِ الْجِنَايَةِ أَوْ يُسَاوِيَهُ بِإِدْخَالِ خَلَلٍ فِي الْعُضْوِ عَلَى نَفْسِ الْعُضْوِ. لَكِنَّ الْحَاكِمَ يُوجِبُ فِيهِ حُكُومَةً بِاجْتِهَادِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، إنَّمَا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ. أَمَّا فِيهِ فَيَضْمَنُ بِالنَّقْصِ مُطْلَقًا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ (وَكَذَا) تُضْمَنُ الْأَبْعَاضُ (الْمُقَدَّرَةُ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (إنْ تَلِفَتْ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَأَشْبَهَ الْأَمْوَالَ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ سَقَطَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ عَدَمِ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، (وَإِنْ أُتْلِفَتْ) بِجِنَايَةٍ (فَكَذَا) تُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (فِي الْقَدِيمِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَمْلُوكٌ (وَعَلَى الْجَدِيدِ تَتَقَدَّرُ مِنْ الرَّقِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْحُرَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ (وَالْقِيمَةُ فِيهِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ فَفِي يَدِهِ) ، وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (نِصْفُ قِيمَتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 344 وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ بِالْقِيمَةِ، وَغَيْرُهُ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ،   [مغني المحتاج] الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا تُضْمَنُ يَدُ الْحُرِّ بِنِصْفِ دِيَةٍ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَهَا هُنَاكَ. أَمَّا الْغَاصِبُ ذُو الْيَدِ الْعَادِيَةِ فَيَلْزَمُهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ لِاجْتِمَاعِ الشَّبَهَيْنِ، فَلَوْ كَانَ النَّاقِصُ بِقَطْعِهَا ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لَزِمَاهُ النِّصْفُ بِالْقَطْعِ وَالسُّدُسُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ، نَعَمْ إنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الزَّائِدَ عَلَى النِّصْفِ فَقَطْ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الزَّائِدُ عَلَى النِّصْفِ وَلَوْ قَطَعَ الْغَاصِبُ مِنْهُ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ وَيُقَوَّمُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا فَكَالْآفَةِ كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمُبَعَّضُ يُعْتَبَرُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ مَعَ رُبْعِ الدِّيَةِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رُبْعِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ الْأَرْشِ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فِي يَدَيْ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا مَسْأَلَةً، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ قَطَعَ يَدَيْهِ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلَا يُجْعَلُ قَابِضًا لِلْعَبْدِ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ لَزِمَ أَنْ يُجْعَلَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْمَقْطُوعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ تَفْرِيعَاتِهِ اهـ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ بَلْ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَلَا أَرْشَ لَهُ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ (وَ) يُضْمَنُ (سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الْحَيَوَانِ) غَيْرِ الْآدَمِيِّ (بِالْقِيمَةِ) تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ وَتُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ تَلِفَتْ، أَوْ أُتْلِفَتْ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَا يُشْبِهُ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ فَأَوْجَبْنَا فِيهِ مَا نَقَصَ قِيَاسًا عَلَى الْجِهَادِ، وَلَوْ جَنَى عَلَى بَهِيمَةٍ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ مِنْ أَلَمِ الْجِنَايَةِ فَهَلْ تَجِبُ قِيمَتُهُ حَيًّا أَوْ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَنَقْصِ الْأُمِّ بِالْوِلَادَةِ؟ قَوْلَانِ فِي النِّهَايَةِ: أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الثَّانِي. تَنْبِيهٌ مَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحَيَوَانِ وَلِأَجْزَائِهِ تَبَعًا لِابْنِ النَّقِيبِ أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى أَجْزَائِهِ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْغَاصِبِ. أَمَّا هُوَ فَيَضْمَنُ مَا ذُكِرَ بِأَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إلَى حِينِ التَّلَفِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ قَتْلُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ، فَيَضْمَنُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ لِأَجْلِ النَّصِّ فِيهِ (وَغَيْرُهُ) أَيْ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ (مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَهُوَ الْمِثْلِيُّ وَإِلَّا فَالْمُتَقَوِّمُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمِثْلِيَّ مَا حَصَرَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ) ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْكَيْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 345 كَمَاءٍ وَتُرَابٍ وَنُحَاسٍ وَتِبْرٍ وَمِسْكٍ وَكَافُورٍ وَقُطْنٍ وَعِنَبٍ وَدَقِيقٍ، لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ   [مغني المحتاج] وَالْوَزْنِ مَا يُعَدُّ كَالْحَيَوَانِ أَوْ يُذْرَعُ كَالثِّيَابِ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِهِ بِالتَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ الرَّدِيءَ نَوْعًا. أَمَّا الرَّدِيءُ عَيْبًا فَلَيْسَ بِمِثْلِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الْقَمْحُ الْمُخْتَلِطُ بِالشَّعِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْمِثْلُ فَيَخْرُجُ الْقَدْرُ الْمُحَقَّقُ مِنْهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّ إيجَابَ رَدِّ مِثْلِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِثْلِيًّا كَمَا فِي إيجَابِ رَدِّ مِثْلِ الْمُتَقَوِّمِ فِي الْقَرْضِ، وَبِأَنَّ امْتِنَاعَ السَّلَمِ فِي جُمْلَتِهِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي جُزْأَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ بِحَالِهِمَا وَرَدُّ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا وَالسَّلَمُ فِيهِمَا جَائِزٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُمْنَعُ رَدُّ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاخْتِلَاطِ انْتَقَلَ مِنْ الْمِثْلِيِّ إلَى الْمُتَقَوِّمِ لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ. لَكِنْ أُورِدُ عَلَيْهِ خَلُّ التَّمْرِ، فَإِنَّهُ مُتَقَوِّمٌ وَيَحْصُرُهُ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةٍ يَتَّضِحُ بِهَا الضَّابِطُ فَقَالَ (كَمَاءٍ) قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: بَارِدٍ إذْ الْحَارُّ مُتَقَوِّمٌ لِدُخُولِ النَّارِ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا يَطْرُقُ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِمْ وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ. لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الرِّبَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَتُرَابٍ) وَرَمْلٍ (وَنُحَاسٍ) بِضَمِّ النُّونِ بِخَطِّهِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَحَدِيدٍ (وَتِبْرٍ) وَهُوَ الذَّهَبُ الْخَارِجُ مِنْ الْمَعْدِنِ الْخَالِصِ عَنْ تُرَابِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَنَّعَ، وَبَعْضُهُمْ أَطْلَقَهُ عَلَى الْفِضَّةِ أَيْضًا، وَأَطْلَقَهُ الْكِسَائِيُّ عَلَى الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ (وَمِسْكٍ) وَعَنْبَرٍ (وَكَافُورٍ) وَثَلْجٍ وَجَمَدٍ (وَقُطْنٍ) وَلَوْ بِحَبِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَمِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَمْ يَسْتَحْضِرْ فِي الْمَطْلَبِ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ، فَقَالَ: أَمَّا قَبْلَ نَزْعِ حَبِّهِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ، وَأَمَّا الصُّوفُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ. قِيلَ وَهَذَا تَوَقُّفٌ مِنْهُ فِي أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ كَالْقُطْنِ (وَعِنَبٍ) وَرُطَبٍ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَا فِيهِمَا فِي بَابِ زَكَاةِ الْمُعْشَرَاتِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ غَيْرُ مِثْلِيَّيْنِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا هُنَاكَ (وَدَقِيقٍ) وَنُخَالَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ، وَكَذَا الْحُبُوبُ الْجَافَّةُ وَالْأَدْهَانُ وَالْأَلْبَانُ وَالْخُلُولُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ وَالسَّمْنُ وَالْمَخِيضُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْخَالِصَةُ وَالْمَغْشُوشَةُ وَالْمُكَسَّرَةُ وَالسَّبِيكَةُ (لَا غَالِيَةٍ وَمَعْجُونٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَانِ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةِ فَهُمَا مِمَّا خَرَجَ بِقَيْدِ جَوَازِ السَّلَمِ (فَيُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِمِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ؛ وَلِأَنَّ الْمِثْلَ كَالنَّصِّ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 346 تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ   [مغني المحتاج] مَحْسُوسٌ وَالْقِيمَةُ كَالِاجْتِهَادِ (تَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ) زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لِقَوْلِهِ لَهَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فَحَذَفَهَا الْمُصَنِّفُ فَوَرَدَ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَامُ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمِثْلِيَّ بِالْقِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَعِيرِ فَكَانَ الْأَحْسَنُ ذِكْرَهُ هُنَا وَحَذْفَهُ هُنَاكَ. لَمَّا كَانَ كَلَامُهُ فِي الْغَصْبِ اُسْتُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا إذَا خَرَجَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَنْ غَصَبَ جَمَدًا فِي الصَّيْفِ أَوْ مَاءً فِي مَفَازَةٍ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ أَوْ الْمُتْلِفُ فِي الشِّتَاءِ فِي الْأُولَى أَوْ عَلَى نَهْرٍ فِي الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ فِي الصَّيْفِ فِي الْأُولَى وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فِي الثَّانِيَةِ. ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ فَلَا تُرَادُ ثَانِيهَا لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا لَهُ مُؤْنَةٌ كَأَنْ نَقَلَ الْمَالِكُ بُرًّا مِنْ مِصْرَ إلَى مَكَّةَ، ثُمَّ غَصَبَهُ شَخْصٌ هُنَاكَ ثُمَّ طَالَبَهُ مَالِكُهُ بِهِ فِي مِصْرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ بِمَكَّةَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي لِأَجْلِ الْمُؤْنَةِ. ثَالِثُهَا لَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا كَجَعْلِهِ الدَّقِيقَ خُبْزًا أَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مِثْلِيًّا كَجَعْلِهِ الشَّاةَ لَحْمًا أَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مِثْلِيًّا آخَرَ كَجَعْلِهِ السِّمْسِمَ شَيْرَجًا ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ أَخَذَ الْمَالِكُ الْمِثْلَ فِي الثَّلَاثَةِ مُخَيَّرًا فِي الثَّالِثِ. بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَيُؤْخَذُ هُوَ فِي الثَّالِثِ وَقِيمَتُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَهَذَا مَحَلُّ الِاسْتِثْنَاءِ. أَمَّا لَوْ صَارَ الْمُتَقَوِّمُ مُتَقَوِّمًا آخَرَ كَحُلِيٍّ صِيَغَ مِنْ إنَاءٍ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ فَيَجِبُ فِيهِ أَقْصَى الْقِيَمِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ. رَابِعُهَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ جَازَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، قَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، فَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ ضَمَانُ الْمِثْلِيِّ بِالْمِثْلِ إلَّا إذَا لَمْ يَرْضَ مَالِكُهُ بِأَخْذِ الْقِيمَةِ. خَامِسُهَا: لَوْ غَصَبَ مِثْلِيًّا وَتَلِفَ، ثُمَّ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. سَادِسُهَا إذَا وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ بِأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ كَالْمَعْدُومِ، وَلَوْ غَصَبَ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَتَلِفَ ضَمِنَ التِّبْرَ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ كَمَا مَرَّ، وَالصَّنْعَةَ بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُلِيِّ وَلَا رِبًا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْعُقُودِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي الدَّعْوَى، وَنَقَلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ مُحَرَّمَةً كَالْإِنَاءِ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا كَالسَّبِيكَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ كَالتِّبْرِ. سَابِعُهَا إذَا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ كَمَا قَالَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمِثْلُ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ بِمَحِلِّ الْغَصْبِ، وَلَا حَوْلَهُ فِيمَا دُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 347 فَالْقِيمَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ. وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ،   [مغني المحتاج] مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا فِي السَّلَمِ، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ (فَالْقِيمَةُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْمِثْلُ أَشْبَهَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ وُجِدَ الْمِثْلُ بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رَدُّهَا وَطَلَبُهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنْ مَالَ السُّبْكِيُّ إلَى مُقَابِلِهِ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ وَلَا يُكَلَّفُ أَخْذُ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ بِخِلَافِ، غَيْرِهَا مِنْ الدُّيُونِ إذَا دَفَعَهَا وَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَامْتَنَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ قَبْضِهَا حَيْثُ يُجْبَرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَقْصَى قِيَمِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ جَمْعُ قِيمَةٍ بِسُكُونِ الْيَاءِ (مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ، إلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمِثْلُ مَوْجُودًا عِنْدَ التَّلَفِ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى فَقَدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُرَادُ أَقْصَى قِيَمِ الْمِثْلِ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِبَعْضِ، الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَغْصُوبُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ بَعْدَ تَلَفِهِ لَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ فِيهِ بَعْدَ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمِثْلِ كَبَقَاءِ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِرَدِّهِ كَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ غَرِمَ أَقْصَى قِيَمِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ، فَالْأَصَحُّ وُجُودُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: قِيلَ قِيمَةُ يَوْمِ الْمُطَالَبَةِ، وَقِيلَ: يَوْمُ التَّلَفِ، وَقِيلَ: يَوْمُ فَقْدِ الْمِثْلِ. (وَلَوْ نَقَلَ الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيَّ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُكَلِّفَهُ رَدَّهُ) إلَى بَلَدِهِ إذَا عَلِمَ مَكَانَهُ لِيَرُدَّهُ كَمَا أَخَذَهُ (وَ) لَهُ (أَنْ يُطَالِبَهُ) مَعَ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ (بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ) أَيْ قَبْلَ الرَّدِّ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِلْكِهِ إنْ كَانَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُطَالِبُ إلَّا بِالرَّدِّ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَخَفْ هَرَبَ الْغَاصِبِ أَوْ تَوَارِيهِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَكْرَارٌ، فَإِنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ، فَإِنَّ هَذِهِ بَعْضُ تِلْكَ فَإِنَّ تِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمِثْلِيِّ وَمِنْ الْمُتَقَوِّمِ الْمُسْتَقِرِّ فِي بَلَدِ الْغَاصِبِ وَالْمَنْقُولِ عَنْهُ بِنَقْلِ الْغَاصِبِ أَوْ بِغَيْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَغْرَمْ الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرَادِّ، فَقَدْ يَرْتَفِعُ السِّعْرُ وَيَنْخَفِضُ فَيَلْزَمُ الضَّرَرَ وَالْقِيمَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهَذِهِ الْقِيمَةُ يَمْلِكُهَا الْآخِذُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِلَّا لَمَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ كَمِلْكِ الْقَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 348 فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا، فَإِنْ تَلِفَ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ،   [مغني المحتاج] حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى حُكْمِ رَدِّهِ أَوْ بَدَلِهِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْنِ، وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِلْكُ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا هَذِهِ، وَالْقِيمَةُ الْوَاجِبَةُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى الطَّلَبِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَالِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُطَالِبُهُ لَا بِالْقِيمَةِ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُطَالِبَ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مُلْكِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ يُفْهِمُ أَنَّ النَّقْلَ إلَى دَارٍ أُخْرَى بِالْبَلَدِ لَا يُسَلِّطُ عَلَى طَلَبِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا أَمْكَنَهُ إحْضَارُهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (فَإِذَا رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (رَدَّهَا) أَيْ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَإِلَّا فَبَدَلُهَا لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إذَا عَادَ بَعْدَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَاسْتِرْجَاعِ الْقِيمَةِ جَزْمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَرِمَ الْقِيمَةَ لِإِعْزَازِ الْمِثْلِ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ عَيَّنَ حَقَّهُ وَالْمِثْلُ بَدَلُ حَقِّهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَمْكِينِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى بَدَلِ حَقِّهِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَرْكِ التَّرَادِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعٍ بِشُرُوطِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ الْمَغْصُوبِ إلَى وُصُولِهِ لِلْمَالِكِ وَلَوْ أَعْطَى الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ، وَكَذَا حُكْمُ ضَمَانِ زَوَائِدِهِ وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إمْسَاكُ الدَّرَاهِمِ الْمَبْدُولَةِ، إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً وَغَرَامَةُ مِثْلِهَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا كَالْقَرْضِ فَيَرُدُّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ دُونَ الْمُنْفَصِلَةِ، وَيُتَصَوَّرُ زِيَادَتُهَا بِأَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا حَيَوَانًا فَيُنْتِجَ أَوْ شَجَرَةً فَتُثْمِرَ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ بِبَلَدٍ يَتَعَامَلُ أَهْلُهُ بِالْحَيَوَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ الْقِيمَةَ إلَّا إذَا رَدَّ الْعَيْنَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَخَذَ السَّيِّدُ قِيمَةَ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْحَيْلُولَةِ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ رَدِّهَا فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَسْتَرِدُّ الْقِيمَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِذَا رَدَّهُ رَدَّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْمَغْصُوبِ، لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ النَّصِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ (فَإِنْ تَلِفَ) الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيُّ (فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ) ، حَيْثُ ظَفِرَ بِهِ (فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ) شَاءَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِرَدِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ مِنْ الْمَوَاضِعِ، الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ الْغَاصِبُ إلَى بَلَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 349 فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ غَرَّمَهُ قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً. وَلَوْ ظَفِرَ بِالْغَاصِبِ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ، وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ، إلَى التَّلَفِ،   [مغني المحتاج] الْغَصْبِ فَتَلِفَ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ التَّخْيِيرُ (فَإِنْ فَقَدَ الْمِثْلَ) حِسًّا بِأَنَّ لَمْ يُوجَدْ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ مَنَعَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ مَانِعٌ، أَوْ وُجِدَ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ (غَرَّمَهُ) الْمَالِكُ (قِيمَةَ أَكْثَرِ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ فِيهِمَا بَلْ يُطَالِبُهُ بِأَكْثَرِ قِيَمِ الْبِقَاعِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْمَغْصُوبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ لِمَا ذُكِرَ. (وَلَوْ ظَفِرَ) الْمَالِكُ (بِالْغَاصِبِ) لِلْمِثْلِيِّ أَوْ الْمُتْلِفِ بِغَيْرِ غَصْبٍ، بِأَنْ وَجَدَهُ (فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ) ، وَالْمِثْلُ مَوْجُودٌ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا مُؤْنَةَ لِنَقْلِهِ كَالنَّقْدِ) الْيَسِيرِ (فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْمِثْلِ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَلَا مُطَالَبَةَ) لَهُ (بِالْمِثْلِ) وَلَا لِلْغَاصِبِ أَوْ الْمُتْلِفِ، أَيْضًا تَكْلِيفُهُ قَبُولَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمُؤْنَةِ وَالضَّرَرِ (بَلْ يُغَرِّمُهُ قِيمَةَ بَلَدِ التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرُّجُوعِ إلَى الْمِثْلِ كَالِانْقِطَاعِ. وَالثَّانِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْمِثْلِ مُطْلَقًا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فِي وَقْتِ الرُّخْصِ لَهُ طَلَبُهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ. وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِثْلَ قِيمَةِ بَلَدِ التَّالِفِ أَوْ أَقَلَّ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى قِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يُنْقَلْ الْمَغْصُوبُ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ نُقِلَ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ قِيمَةً وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَى الْمِثْلِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ تَكْلِيفُهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ، وَلَوْ أَخَذَ الْمِثْلَ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ لَهُ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَلَوْ ظَفِرَ بِالْمُتْلِفِ الَّذِي لَيْسَ بِغَاصِبٍ فِي غَيْرِ مَكَانِ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمِثْلِيِّ شَرَعَ فِي، ذِكْرِ الْمُتَقَوِّمِ فَقَالَ: (وَأَمَّا) الْمَغْصُوبُ (الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ بِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ) وَقْتِ (الْغَصْبِ إلَى) وَقْتِ (التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ غَاصِبٌ مُطَالَبٌ بِالرَّدِّ، فَإِذَا لَمْ يَرُدَّ ضَمِنَ بَدَلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الرُّخْصِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يُمْكِنُ تَوَقُّعُ الزِّيَادَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَمْ تَفُتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بَيْنَ تَغَيُّرِ السِّعْرِ أَوْ تَغَيُّرِ الْمَغْصُوبِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ التَّلَفِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِيمَةُ مِنْ نَقْدِ بَلَدِ التَّلَفِ، قَالَاهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْقُلْهُ وَإِلَّا فَيَتَّجِهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ الَّذِي تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِيهِ، وَهُوَ أَكْثَرُ الْبَلَدَيْنِ قِيمَةً كَمَا مَرَّ فِي الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ مَا يُقَارِبُهُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 350 وَفِي الْإِتْلَافِ بِلَا غَصْبٍ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ. فَإِنْ جَنَى وَتَلِفَ بِسِرَايَةٍ فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا، وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ وَلَا تُرَاقُ عَلَى ذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَقَوِّمِ بِالْقِيمَةِ مَا لَوْ تَلِفَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ وَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ لَأَجْزَأَهُ فَتَعَيَّنَ عِنْدَ عَدَمِهِ، حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبْرَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، فَإِنْ غَلَبَ نَقْدَانِ وَتَسَاوَيَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (وَفِي الْإِتْلَافِ) لِلْمُتَقَوِّمِ (بِلَا غَصْبٍ) يَضْمَنُ (بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا وُجُودَ لَهُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي مَوْضِعِ الْإِتْلَافِ، إلَّا إذَا كَانَ لَا يَصْلُحُ كَالْمَفَازَةِ فَيُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ كَمَا فِي الْكَافِي. (فَإِنْ) نَقَصَ كَأَنْ (جَنَى) عَلَى مُتَقَوِّمٍ بِيَدِ مَالِكِهِ، أَوْ مَنْ يَخْلُفُهُ فِي الْيَدِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ (وَتَلِفَ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِسِرَايَةٍ) وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ (فَالْوَاجِبُ الْأَقْصَى أَيْضًا) وَهُوَ الْمِائَةُ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَقْصَى فِي الْيَدِ الْعَادِيَةِ؛ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْسِ الْإِتْلَافِ أَوْلَى (وَلَا تُضْمَنُ الْخَمْرُ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِمُسْلِمٍ أَمْ لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمَةً أَمْ لَا إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ، وَالنَّبِيذُ كَالْخَمْرِ مَعَ أَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَلَكِنْ لَا يُرِيقُهُ إلَّا بِأَمْرِ حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ يَرَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِئَلَّا يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَالٌ، وَالْحَاكِمُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَرَى إرَاقَتَهُ كَالْمُجْتَهِدِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَجَاهِرُ بِهِ مُسْتَحِلَّهُ مَذْهَبًا أَوْ تَقْلِيدًا. أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْخَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَهَلْ الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يَتْبَعُ مَذْهَبًا كَهَذَا أَوْ يُصْرَفُ لِمُسْتَبِيحٍ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَوَقِّيَ الْغُرْمِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَغَيْرِهِ، فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُسْكِرَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقُهَا بِالْخَمْرِ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْمُتَنَجِّسِ مِنْ الْمَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُظْهِرُ تَرْجِيحَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ. وَأَمَّا إنَاءُ الْخَمْرِ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ كَسْرُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِرَاقَةِ إلَّا بِهِ، أَوْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِرَاقَتِهِ أَدْرَكَهُ الْفُسَّاقُ وَمَنَعُوهُ، أَوْ كَانَ يُضَيِّعُ زَمَانَهُ وَيَتَعَطَّلُ شُغْلُهُ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلِلْوُلَاةِ كَسْرُ آنِيَةِ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا دُونَ الْآحَادِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمُهِمَّاتِ (وَلَا تُرَاقُ) الْخَمْرُ وَنَحْوُهَا (عَلَى ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ (إلَّا أَنْ يُظْهِرَ شُرْبَهَا أَوْ بَيْعَهَا) أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 351 وَتُرَدُّ عَلَيْهِ إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَكَذَا الْمُحْتَرَمَةُ إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ. وَالْأَصْنَامُ وَآلَاتُ الْمَلَاهِي لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ،   [مغني المحتاج] غَيْرَهُمَا كَهِبَتِهَا وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ فَتُرَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ اسْتِهَانَةً بِالْإِسْلَامِ كَإِظْهَارِهِمْ كُفْرَهُمْ وَالْإِظْهَارُ هُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجَسُّسٍ، وَالْخِنْزِيرُ كَالْخَمْرِ فِي ذَلِكَ، هَذَا إذَا كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَإِنْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ مَثَلًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ إذَا تَظَاهَرُوا بِالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ (وَتُرَدُّ عَلَيْهِ) إذَا لَمْ يُظْهِرْهَا وُجُوبًا (إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ) لِمَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ عَلَيْهَا، وَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْآخِذِ فِي الْأَصَحِّ، فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ لَا يَضْمَنُ رَدَّهَا. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ زُجِرَ، فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ (وَكَذَا) تُرَدُّ الْخَمْرَةُ (الْمُحْتَرَمَةُ) إنْ بَقِيَتْ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا (إذَا غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا لِتَصِيرَ خَلًّا. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ، فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ بَلْ تُرَاقُ، وَالْمُحْتَرَمَةُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا: هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّهْنِ: هِيَ الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ، فَالَّتِي عُصِرَتْ بِغَيْرِ قَصْدِ شَيْءٍ مُحْتَرَمَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَمَنْ أَظْهَرَ خَمْرًا وَزَعَمَ أَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْوَرَعِ مَشْهُورَ التَّقْوَى وَإِلَّا لَاتَّخَذَ الْفُسَّاقُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى اقْتِنَاءِ الْخَمْرِ بِإِظْهَارِهَا، وَأَنَّهُمْ عَصَرُوهَا لِلْخَلِيَّةِ اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلَوْ اطَّلَعْنَا عَلَى خَمْرٍ وَمَعَهَا مَخَايِلُ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا خَمْرُ خَلٍّ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهَا. (وَالْأَصْنَامُ) وَالصُّلْبَانُ (وَآلَاتُ الْمَلَاهِي) كَالطُّنْبُورِ (لَا يَجِبُ فِي إبْطَالِهَا شَيْءٌ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ لَا تُقَابَلُ بِشَيْءٍ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ مَا جَازَ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالدُّفِّ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى كَاسِرِهِ وَفِي أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلِّ الِاتِّخَاذِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ) ، لِإِمْكَانِ إزَالَةِ الْهَيْئَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَعَ بَقَاءِ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ. نَعَمْ لِلْإِمَامِ ذَلِكَ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إنَاءِ الْخَمْرِ بَلْ أَوْلَى (بَلْ تُفْصَلُ لِتَعُودَ كَمَا قَبْلَ التَّأْلِيفِ) لِزَوَالِ الِاسْمِ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ تَفْصِيلُ الْجَمِيعِ بَلْ بِقَدْرِ مَا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يَكْفِي إزَالَةُ الْأَوْتَارِ فَقَطْ جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا، وَالثَّالِثُ: تُكْسَرُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَا الْأُولَى وَلَا غَيْرِهَا، وَلَوْ زَادَ فِي الْكَسْرِ عَلَى الْمَشْرُوعِ غَرِمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 352 فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ، وَتُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا بِالتَّفْوِيتِ وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ. وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ إلَّا بِتَفْوِيتٍ،   [مغني المحتاج] الْمَشْرُوعِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، وَادَّعَى صَاحِبُ الْآلَةِ الزِّيَادَةَ وَأَنْكَرَ الْمُتْلِفُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ صَاحِبُ الْآلَةِ كَمَا يُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِيمَا لَوْ أَرَاقَ شَيْئًا، وَقَالَ الْمَالِكُ: كَانَ عَصِيرًا، وَقَالَ الْمُتْلِفُ: بَلْ خَمْرًا، فَإِنَّ الْمَالِكَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْمَالِيَّةِ (فَإِنْ عَجَزَ الْمُنْكِرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَنْ رِعَايَةِ هَذَا الْحَدِّ) ، أَيْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (لِمَنْعِ صَاحِبِ الْمُنْكَرِ أَبْطَلَهُ كَيْفَ تَيَسَّرَ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مُفْرِطٌ، وَلَا يَجُوزُ إحْرَاقُهَا مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِلْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّ رَضَاضَهَا مُتَمَوِّلٌ، وَيَشْتَرِكُ فِي جَوَازِ إزَالَةِ. الْمُنْكَرِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَلَوْ أَرِقَّاءَ وَفَسَقَةً. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي حِفْظِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ إزَالَتُهُ، وَجَزَمَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْعُدَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ ذَلِكَ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَمِنْ شُرُوطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ: أَنْ يَكُونَ الْمُنْكِرُ مُسْلِمًا. قَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِلدِّينِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَهُوَ جَاحِدٌ لِأَصْلِ الدِّينِ وَعَدُوٌّ لَهُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يُثَابُ كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ إزَالَةِ سَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبَالِغِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَهُوَ مِنْ أَهْل الْقُرَبِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى قَادِرٍ مُكَلَّفٍ، (وَتُضْمَنُ) بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ (مَنْفَعَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ كُلِّ مَا لَهُ مَنْفَعَةٌ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا كَالْكِتَابِ وَالدَّابَّةِ وَالْمِسْكِ (بِالتَّفْوِيتِ) ، كَأَنْ يُطَالِعَ فِي الْكِتَابِ أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ أَوْ يَشُمَّ الْمِسْكَ (وَالْفَوَاتِ فِي يَدٍ عَادِيَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرَهُ كَإِغْلَاقِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ فَكَانَتْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ كَالْأَعْيَانِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَرْشٌ أَمْ لَا كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأُجَرُ فِي مُدَّةٍ ضَمِنَ كُلَّ مُدَّةٍ بِمَا يُقَابِلُهَا أَوْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ صَنَائِعُ وَجَبَ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُهَا، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْجَمِيعِ كَخِيَاطَةٍ وَحِرَاسَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ أَمَّا مَا لَا يُؤَجَّرُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ كَكَلْبٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحَرَّمًا كَآلَاتِ اللَّهْوِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْحُبُوبِ فَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَتُهُ، فَلَوْ اصْطَادَ بِالْكَلْبِ شَيْئًا كَانَ لَهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا فَاصْطَادَ بِهِمَا، فَإِنْ اصْطَادَ لَهُ الْعَبْدُ شَيْئًا فَالْمَصِيدُ لِسَيِّدِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَجَرْتَهُ فِي زَمَنِ صَيْدِهِ أَيْضًا. (وَلَا تُضْمَنُ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ) وَهُوَ الْفَرْجُ (إلَّا بِتَفْوِيتٍ) بِالْوَطْءِ فَيَضْمَنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ، بَلْ الْيَدُ عَلَى مَنْفَعَتِهِ لِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 353 وَكَذَا مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَكَذَا لَوْ نَقَصَ بِهِ بِأَنْ بَلِيَ الثَّوْبُ فِي الْأَصَحِّ. فَصْلٌ ادَّعَى تَلَفَهُ وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] الْمَغْصُوبَةَ، وَلَا يُؤَجِّرُهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ حَائِلَةٌ (وَكَذَا) لَا تُضْمَنُ (مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ) إلَّا بِالتَّفْوِيتِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَتَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَمَنَافِعُهُ تَفُوتُ تَحْتَ يَدِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تُقَوَّمُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَأَشْبَهَتْ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ وَاحْتُرِزَ بِالْمَنْفَعَةِ عَنْ نَفْسِ الْحُرِّ فَلَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف فِي بَابِ السَّرِقَةِ، فَقَالَ: وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدِهِ وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى، وَعَنْ ثِيَابِ الْحُرِّ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ فَلَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَوْلِي صَغِيرًا كَانَ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَوْ كَبِيرًا قَوِيًّا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا. تَنْبِيهٌ مَنْفَعَةُ الْمَسْجِدِ وَالشَّارِعِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَقْبَرَةِ وَأَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَنَحْوِهَا مُلْحَقَةٌ بِبَدَنِ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ لَا بِالْفَوَاتِ. فَلَوْ شَغَلَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَتَاعِهِ لَزِمَهُ أُجْرَتُهَا إنْ لَمْ يُغْلِقْهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْكُلِّ، فَإِنْ أَغْلَقَهُ بِلَا وَضْعِ مَتَاعٍ وَمَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْبُقْعَةُ. (وَإِذَا نَقَصَ الْمَغْصُوبُ) عِنْدَ الْغَاصِبِ (بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ) كَسُقُوطِ يَدِ الْعَبْدِ بِآفَةٍ وَعَمَاءٍ (وَجَبَ الْأَرْشُ) لِلنَّقْصِ (مَعَ الْأُجْرَةِ) لِلْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ وَيَضْمَنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ سَلِيمًا قَبْلَ النَّقْصِ، وَمَعِيبًا بَعْدَهُ (وَكَذَا) يَجِبُ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ (لَوْ نَقَصَ بِهِ) أَيْ الِاسْتِعْمَالِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (بَلِيَ الثَّوْبُ) بِاللُّبْسِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ ضَمَانُهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ نَشَأَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ قُوبِلَ بِالْأُجْرَةِ فَلَا يَجِبُ ضَمَانٌ آخَرُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَوَاتِ لَا الِاسْتِعْمَالِ. [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ وَضَمَانِ نَقْصِ الْمَغْصُوبِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا] ، لَوْ (ادَّعَى) الْغَاصِبُ (تَلَفَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا أَوْ ذَكَرَ سَبَبًا خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ، وَسَيَأْتِي ضَبْطُ ذَلِكَ فِي الْوَدِيعَةِ (وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ) ذَلِكَ (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَيَعْجِزُ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَأَدَّى إلَى تَخْلِيدِ حَبْسِهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْمَالِكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 354 فَإِذَا حَلَفَ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ أَوْ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِي عَيْبٍ خُلُقِيٍّ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ، وَفِي عَيْبٍ حَادِثٍ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَدَّهُ نَاقِصَ الْقِيمَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٍ. وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ   [مغني المحتاج] بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ (فَإِذَا حَلَفَ) الْغَاصِبُ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ) بَدَلَ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةَ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَجْزِهِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مَالِهِ بِيَمِينِ الْغَاصِبِ، وَالثَّانِي: لَا لِبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي زَعْمِهِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ) بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْهَلَاكِ أَوْ حَلَفَ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ) ، كَأَنْ قَالَ الْمَالِكُ: هِيَ لِي، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ هِيَ لِي (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي عَيْبٍ خِلْقِيٍّ) كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ وُلِدَ أَكْمَهَ أَوْ عَدِيمَ الْيَدِ، وَقَالَ الْمَالِكُ: كَانَ سَلِيمًا، وَإِنَّمَا حَدَثَ عِنْدَك (صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَعَلَى الْمَالِكِ الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَكْثَرُ مِمَّا قَالَهُ الْغَاصِبُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ سُمِعَتْ وَكُلِّفَ الْغَاصِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا قَالَهُ إلَى حَدٍّ لَا تَقْطَعُ الْبَيِّنَةُ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّهَا لَا تُسْمَعُ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ أَقَامَهَا عَلَى الصِّفَاتِ لِتُقَوِّمَهُ الْمُقَوِّمُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَمْ تُقْبَلْ، لَكِنْ يَسْتَفِيدُ الْمَالِكُ بِإِقَامَتِهَا إبْطَالَ دَعْوَى الْغَاصِبِ مِقْدَارًا حَقِيرًا لَا يَلِيقُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْغَاصِبُ بِالصِّفَاتِ وَذَكَرَ قِيمَةً حَقِيرَةً، فَيُؤْمَرُ بِالزِّيَادَةِ إلَى حَدِّ اللَّائِقِ، وَإِنْ أَقَامَهَا بِقِيمَتِهِ قَبْلَ الْغَصْبِ لَمْ تُسْمَعْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ عَلَى الْعَبْدِ وَمَا عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ الْحُرُّ فَلَا تَثْبُتُ يَدُ غَاصِبِهِ أَوْ سَارِقِهِ عَلَى ثِيَابِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ، فَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَالْبَيِّنَةُ مُمْكِنَةٌ (وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي عَيْبٍ حَادِثٍ) بَعْدَ تَلَفِهِ، كَأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ سَارِقًا أَوْ أَقْطَعَ (يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَلَوْ رَدَّهُ الْغَاصِبُ وَبِهِ عَيْبٌ، وَقَالَ: غَصَبْتُهُ هَكَذَا، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ حَدَثَ عِنْدَك صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ. فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، بَلْ لَوْ تَلِفَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْآتِيَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي التَّلَفِ قَدْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ فَضَعُفَ جَانِبُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الرَّدِّ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (نَاقِصَ الْقِيمَةِ) بِسَبَبِ الرُّخْصِ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِبَقَائِهِ بِحَالِهِ، وَاَلَّذِي فَاتَ إنَّمَا هُوَ رَغَبَاتُ النَّاسِ. (وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا) مَثَلًا (قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ) مَثَلًا (فَصَارَتْ بِالرُّخْصِ دِرْهَمًا ثُمَّ لَبِسَهُ) مَثَلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 355 فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى الْقِيَمِ. قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا غَصْبًا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ حَدَثَ نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ جَعَلَ الْحِنْطَةَ هَرِيسَةً فَكَالتَّالِفِ،   [مغني المحتاج] (فَصَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ لَزِمَهُ خَمْسَةٌ، وَهِيَ قِسْطُ التَّالِفِ مِنْ أَقْصَى، الْقِيَمِ) ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ بِاللُّبْسِ نِصْفُ الثَّوْبِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ، مَا كَانَتْ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ وَهُوَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ خَمْسَةٌ، وَالنُّقْصَانُ الْبَاقِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفُهُ سَبَبُهُ الرُّخْصُ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَيَجِبُ أَيْضًا مَعَ الْخَمْسَةِ أُجْرَةُ اللُّبْسِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ عَادَتْ الْعَشَرَةُ بِاللُّبْسِ إلَى خَمْسَةٍ ثُمَّ بِالْغَلَاءِ إلَى عِشْرِينَ لَزِمَهُ مَعَ رَدِّهِ خَمْسَةٌ فَقَطْ، وَهِيَ الْفَائِتَةُ بِاللُّبْسِ، لِامْتِنَاعِ تَأْثِيرِ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ بِدَلِيلِ، أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الثَّوْبُ كُلُّهُ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَغْرَمْ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فِي حُدُوثِ الْغَلَاءِ قَبْلَ التَّلَفِ بِاللُّبْسِ فَقَالَ الْمَالِكُ: حَدَثَ قَبْلَهُ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ (قُلْتُ: وَلَوْ غَصَبَ خُفَّيْنِ) أَيْ فَرْدَيْ خُفٍّ فَكُلُّ وَاحِدٍ يُسَمَّى خُفًّا (قِيمَتُهُمَا عَشَرَةٌ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ وَقِيمَتُهُ دِرْهَمَانِ أَوْ أُتْلِفَ أَحَدُهُمَا) فِي يَدِهِ (غَصْبًا) لَهُ فَقَطْ، فَأُتْلِفَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَصْبٍ (أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهِ) وَالْقِيمَةُ لَهُمَا وَلِلْبَاقِي مَا ذُكِرَ (لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) خَمْسَةٌ لِلتَّالِفِ وَثَلَاثَةٌ لِأَرْشِ مَا حَصَلَ مِنْ التَّفْرِيقِ عِنْدَهُ فَالثَّمَانِيَةُ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ وَأَرْشُ التَّفْرِيقِ الْحَاصِلِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ. تَنْبِيهٌ خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي يَدِ مَالِكِهِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ وَهُمَا قِيمَتُهُ وَحْدَهُ، وَنَبَّهَ بِالْخُفَّيْنِ عَلَى إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي كُلِّ فَرْدَيْنِ لَا يَصْلُحُ أَحَدُهُمَا، إلَّا بِالْآخَرِ كَزَوْجَيْ النَّعْلِ وَمِصْرَاعَيْ الْبَابِ، وَأَجْرَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي زَوْجَيْ الطَّائِرِ إذَا كَانَ يُسَاوِي مَعَ زَوْجِهِ أَكْثَرَ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ أَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَحْدَهُ نِصَابًا وَإِنْ ضَمَّنَاهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نِصَابًا فِي الْحِرْزِ حَالَ الِانْضِمَامِ وَنَقَصَ بِالتَّفْرِيقِ حَالَ الْإِخْرَاجِ فَضَمَّنَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَقْصَى مَعَ وَضْعِ الْيَدِ وَلَمْ يَقْطَعْهُمَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِخْرَاجِ. (وَلَوْ حَدَثَ) فِي الْمَغْصُوبِ (نَقْصٌ يَسْرِي إلَى التَّلَفِ بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (جَعَلَ) الْغَاصِبُ (الْحِنْطَةَ) الْمَغْصُوبَةَ (هَرِيسَةً) أَوْ الدَّقِيقَ عَصِيدَةً (فَكَالتَّالِفِ) حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ بِحَالِهِ لَفَسَدَ فَكَأَنَّهُ هَلَكَ فَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 356 وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ غَرَّمَهُ الْمَالِكُ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا   [مغني المحتاج] الْمَغْصُوبِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ (وَفِي قَوْلٍ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ) قِيَاسًا عَلَى التَّعْيِيبِ الَّذِي لَا يَسْرِي وَفِي ثَالِثٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ تَبْقَى لَهُ هَرِيسَةٌ أَوْ الْعَصِيدَةُ لِلْغَاصِبِ؟ لِأَنَّا أَلْحَقْنَاهُ بِالْهَالِكِ، أَوْ لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ قَتَلَ شَاةً لِغَيْرِهِ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقُّ بِجِلْدِهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا، كَمَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ الْأَوَّلُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ، بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ هُنَا بَاقِيَةٌ بِخِلَافِ الشَّاةِ، وَمِثْلُ الشَّاةِ مَا لَوْ نَجَّسَ الزَّيْتَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ بَدَلَهُ وَالْمَالِكُ أَحَقُّ بِزَيْتِهِ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْثِيلِ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَدَثَ النَّقْصُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ، فَلَوْ حَدَثَ فِي يَدِهِ، كَمَا لَوْ نَقَّصَ الطَّعَامَ بِنَفْسِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَعَ الْأَرْشِ. أَمَّا مَا لَا يَسْرِي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ أَرْشُهُ، كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ جَنَى) الرَّقِيقُ (الْمَغْصُوبُ) فِي يَدِ الْغَاصِبِ (فَتَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ) ابْتِدَاءً أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَعُفِيَ عَلَى مَالٍ (لَزِمَ الْغَاصِبَ تَخْلِيصُهُ) ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ فَلَزِمَ تَخْلِيصُهُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْمَالِ) الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ هُوَ الْقِيمَةَ فَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَالَ فَهُوَ الَّذِي وَجَبَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ الْعَيْبِ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى مَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ تَلِفَ) الرَّقِيقُ الْجَانِي (فِي يَدِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (غَرَّمَهُ الْمَالِكُ) أَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ (وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَغْرِيمُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّمَهُ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ، (وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ) مِنْ الْغَاصِبِ بِقَدْرِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّقَبَةِ الَّتِي حَقُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا (ثُمَّ) إذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ تِلْكَ الْقِيمَةِ (يَرْجِعُ الْمَالِكُ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ (عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ بِالْأَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُبَرِّئُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْغَاصِبَ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّجُوعِ. نَعَمْ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْأَدَاءِ كَمَا يُطَالِبُ بِهِ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَلَوْ رَدَّ الْعَبْدَ) الْجَانِي (إلَى الْمَالِك فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 357 أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ وَإِعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ، وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ، وَإِلَّا فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا   [مغني المحتاج] أَخَذَهُ) مِنْهُ (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ حِينَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَوْ جَنَى الرَّقِيقُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا ثُمَّ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَكُلٌّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ مُسْتَغْرِقَةٌ قِيمَتَهُ بِيعَ فِيهِمَا وَقُسِمَ ثَمَنُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ، بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْجِنَايَةِ الْمَضْمُونَةِ عَلَيْهِ، وَلِلْأَوَّلِ التَّعَلُّقُ بِهِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَالِكِ رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَأْخُوذُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَالثَّانِي: لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ إلَّا بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَخَذَهُ (وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَنَقَلَ تُرَابَهَا) بِكَشْطِهِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّهِ) إلَى مَحَلِّهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ نَقْلِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَلَوْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ (أَوْ رَدِّ مِثْلِهِ) إنْ كَانَ تَالِفًا لِمَا مَرَّ أَنَّ التُّرَابَ مِثْلِيٌّ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ مِثْلِهِ غَرِمَ الْأَرْشَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا بِتُرَابِهَا بَعْدَ نَقْلِهِ مِنْهَا (وَ) أَجْبَرَهُ الْمَالِكُ أَيْضًا عَلَى (إعَادَةِ الْأَرْضِ كَمَا كَانَتْ) قَبْلَ النَّقْلِ مِنْ انْبِسَاطٍ أَوْ ارْتِفَاعٍ أَوْ انْخِفَاضٍ لِإِمْكَانِهِ. تَنْبِيهٌ خَرَجَ بِمَا قُيِّدَتْ بِهِ الْمَسْأَلَةُ مَا لَوْ أَخَذَ التُّرَابَ مِنْ مَكَانَ وَاحِدٍ بِحَيْثُ صَارَ مَكَانَهُ حُفْرَةً فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْقِمَامَاتِ، فَفِي الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَمَانٌ عِنْدَ تَلَفِهَا فَإِنَّهَا مُحَقَّرَةٌ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ وُجُوبُ رَدِّهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ (وَلِلنَّاقِلِ الرَّدُّ) لَهُ (وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ) أَوْ مَنَعَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي (إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ) أَيْ النَّقْلِ (غَرَضٌ) ، كَأَنْ ضَيَّقَ مِلْكَهُ أَوْ مِلْكَ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ شَارِعًا وَخَشِيَ مِنْهُ ضَمَانًا، أَوْ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ وَكَانَ ذَلِكَ النَّقْصُ يَزُولُ بِالرَّدِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ (وَإِلَّا) ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ كَأَنْ نَقَلَهُ مِنْهَا إلَى مَوَاتٍ، أَوْ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا إلَى الْآخَرِ (فَلَا يَرُدُّهُ بِلَا إذْنٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ الرَّدَّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي نَقَلَهُ مِنْهُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَهُ الرَّدُّ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ مِلْكَهُ إلَى مَحِلِّهِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْ الرَّدِّ، فَإِنْ مَنَعَهُ لَمْ يَرُدَّ جَزْمًا، أَوْ مَنَعَهُ مِنْ بَسْطِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ لَمْ يَبْسُطْهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَبْسُوطًا، (وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 358 حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمِّهَا، وَإِذَا أَعَادَ الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ، وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ، رَدَّهُ وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ نَقَصَتَا غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِيَ مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرُ.   [مغني المحتاج] نَقْلِ التُّرَابِ بِالْكَشْطِ (حَفْرُ الْبِئْرِ وَطَمُّهَا) فَعَلَيْهِ الطَّمُّ بِتُرَابِهَا إنْ بَقِيَ وَبِمِثْلِهِ إنْ تَلِفَ إنْ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِالطَّمِّ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ اسْتَقَلَّ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ الطَّمُّ بِمِثْلِ التُّرَابِ التَّالِفِ، بِأَنَّهُ إذَا تَلِفَ يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ مِثْلُهُ، وَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يُمْلَكُ بِقَبْضٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الرَّدُّ بِدُونِ الْإِذْنِ اهـ. وَلَعَلَّهُمْ اغْتَفَرُوا ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَمِنْ الْغَرَضِ هُنَا ضَمَانُ التَّرَدِّي، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْ الطَّمِّ وَرَضِيَ بِاسْتِدَامَتِهَا فَلَيْسَ لَهُ الطَّمُّ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الطَّمِّ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ قَدْ طَوَى الْبِئْرَ بِآلَةِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهَا وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَهَبَهَا مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ (وَإِذَا أَعَادَ) الْغَاصِبُ (الْأَرْضَ كَمَا كَانَتْ وَلَمْ يَبْقَ) فِيهَا (نَقْصٌ فَلَا أَرْشَ) عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لَهُ (لَكِنْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِعَادَةِ) مِنْ الرَّدِّ وَالطَّمِّ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ آتِيًا بِوَاجِبٍ كَمَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا قَبْلَهَا. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لِمُدَّةِ الْحَفْرِ وَالْإِعَادَةِ وَهِيَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَزْيَدُ فَائِدَةً لَوْلَا مَا قَدَّرْنَاهُ (وَإِنْ بَقِيَ نَقْصٌ) فِي الْأَرْضِ بَعْدَ الْإِعَادَةِ (وَجَبَ أَرْشُهُ مَعَهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا. (وَلَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ) مِنْ الْأَدْهَانِ كَالشَّيْرَجِ وَالسَّمْنِ (وَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ) ، كَأَنْ غَصَبَ صَاعًا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ فَصَارَ إلَى نِصْفِ صَاعٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ (رَدَّهُ) لِبَقَاءِ الْعَيْنِ (وَلَزِمَهُ مِثْلُ الذَّاهِبِ) مِنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يُجْبَرُ نَقْصُهُ بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ، كَمَا لَوْ خُصِيَ الْعَبْدُ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلَى الْجَدِيدِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ جَبْرُ النُّقْصَانِ، إذْ مَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ حَصَلَ مِنْ وَاحِدٍ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالزِّيَادَةِ (فَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَقَطْ) كَأَنْ لَمْ تَنْقُصْ عَنْ الصَّاعِ بَلْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ، كَأَنْ صَارَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ (لَزِمَهُ الْأَرْشُ) جَبْرًا لَهُ (وَإِنْ نَقَصَتَا) أَيْ الْعَيْنُ وَالْقِيمَةَ جَمِيعًا (غَرِمَ الذَّاهِبُ وَرَدَّ الْبَاقِي مَعَ أَرْشِهِ إنْ كَانَ نَقْصُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ) مِنْ نَقْصِ الْعَيْنِ كَأَنْ صَارَ الصَّاعُ نِصْفَ صَاعٍ يُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 359 وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ قَبْلَهُ، وَأَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا يَجْبُرُ النِّسْيَانَ،   [مغني المحتاج] تَنْقُصْ الْقِيمَةُ كَأَنْ صَارَ نِصْفُ الصَّاعِ يُسَاوِي نِصْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا أَرْشَ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، فَلَا شَيْءَ غَيْرُ الرَّدِّ، وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَأَغْلَاهُ فَنَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ مِثْلَ الذَّاهِبِ؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ مَائِيَّةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالذَّاهِبُ مِنْ الدُّهْنِ دُهْنٌ مُتَقَوِّمٌ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْفَلْسِ حَيْثُ يَضْمَنُ بَدَلَ الذَّاهِبِ لِلْبَائِعِ كَالزَّيْتِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ بِالْإِغْلَاءِ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ حِصَّةٌ، فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَالزَّائِدُ بِالْإِغْلَاءِ هُنَا لِلْمَالِكِ فَانْجَبَرَ بِهِ الذَّاهِبُ، وَمِثْلُ إغْلَاءِ الْعَصِيرِ مَا لَوْ صَارَ الْعَصِيرُ خَلًّا، أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا نَقَصَتْ عَيْنُهُ دُونَ قِيمَتِهِ لَا يَضْمَنُ مِثْلَ الذَّاهِبِ، وَأَجْرَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي اللَّبَنِ إذَا صَارَ جُبْنًا وَنَقَصَ كَذَلِكَ وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بِوَزْنِهِمَا. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ السِّمَنَ) الطَّارِئَ فِي الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْغَاصِبِ (لَا يَجْبُرُ نَقْصَ هُزَالٍ) حَصَلَ (قَبْلَهُ) عِنْدَهُ، كَأَنْ غَصَبَ جَارِيَةً سَمِينَةً فَهَزَلَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهُ فَعَادَتْ الْقِيمَةُ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَأَرْشَ السِّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ زَالَ الثَّانِي: رَدَّهَا وَأَرْشَ السَّمْنَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجْبُرُ، كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنٍ فَابْيَضَّتْ ثُمَّ زَالَ الْبَيَاضُ، وَعَوْدُ الْحُسْنِ كَعَوْدِ السِّمَنِ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ بِقَوْلِهِ نَقْصَ هُزَالٍ إلَى أَنَّ السِّمَنَ الْمُفْرِطَ الَّذِي لَا تَنْقُصُ الْقِيمَةُ بِزَوَالِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ بِأَنْ كَانَتْ مُعْتَدِلَةً فَسَمِنَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ سِمَنًا مُفْرِطًا، وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا رَدَّهَا وَهَلْ يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ حَقِيقَةً وَلَا عُرْفًا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَعَمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ فِي تَضْمِينِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ كَسَرَ الْحُلِيَّ أَوْ الْإِنَاءَ ثُمَّ أَعَادَهُ بِتِلْكَ الصَّنْعَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ تَذَكُّرَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا) الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ (يَجْبُرُ النِّسْيَانَ) ، سَوَاءٌ اسْتَذْكَرَهَا عِنْدَ الْغَاصِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمْ عِنْدَ الْمَالِكِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَشَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْسَهَا بِخِلَافِ السِّمَنِ، فَإِنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْجِسْمِ مَحْسُوسَةٌ مُغَايِرَةٌ لِتِلْكَ الْأَجْزَاءِ الذَّاهِبَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجْبُرُ كَالسِّمَنِ وَرُدَّ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ تَعَلَّمَ الصَّنْعَةَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ نِسْيَانِهَا فَكَالتَّذَكُّرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ عِنْدَ الْمَالِكِ، فَلَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُتَّجِهُ، وَلَوْ تَعَلَّمَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا بِهِ ثُمَّ نَسِيَتْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَا فِي كَسْرِ الْمَلَاهِي، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غِنَاءٍ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ لِئَلَّا يُنَافِيَ مَا صَحَّحَهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَالْجَارِيَةِ فِيمَا ذُكِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 360 وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ أُخْرَى قَطْعًا. وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً. وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ.   [مغني المحتاج] الْعَبْدُ، وَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيهِ مِنْ لُزُومِ الْقِيمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَتْلَفَ دِيكَ الْهَرَّاشِ أَوْ كَبْشَ النِّطَاحِ ضَمِنَهُ غَيْرَ مُهَارِشٍ أَوْ نَاطِحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ. تَنْبِيهٌ مَرَضُ الرَّقِيقِ الْمَغْصُوبِ أَوْ تَمَعُّطُ شَعْرِهِ أَوْ سُقُوطُ سِنِّهِ يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كَمَا كَانَ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ سُقُوطِ صُوفِ الشَّاةِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْجَبِرُ بِعَوْدِهِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ يَنْقُصُ بِهِ وَصِحَّةُ الرَّقِيقِ وَشَعْرُهُ وَسِنُّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ (وَتَعَلُّمُ صَنْعَةٍ) عِنْدَ الْغَاصِبِ (لَا يَجْبُرُ نِسْيَانَ) صَنْعَةٍ (أُخْرَى) عِنْدَهُ (قَطْعًا) وَإِنْ كَانَتْ أَرْفَعَ مِنْ الْأُولَى لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ. (وَلَوْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ) عِنْدَهُ، (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ، وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ صِفَةٍ إلَى صِفَةٍ (وَعَلَى الْغَاصِبِ الْأَرْشُ، إنْ كَانَ الْخَلُّ أَنْقَصَ قِيمَةً) مِنْ الْعَصِيرِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ مِثْلُ الْعَصِيرِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ كَالتَّالِفِ وَالْخَلُّ عَلَى هَذَا قِيلَ لِلْغَاصِبِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَصَبَ بَيْضًا فَتُفْرِخُ أَوْ حَبًّا فَنَبَتَ أَوْ بَذْرَ قُطْنٍ فَصَارَ قَزًّا. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ تَخَلَّلَ عَمَّا لَوْ يَتَخَمَّرُ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِهِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَعَلَيْهِ إرَاقَةُ الْخَمْرِ إنْ عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ إرَاقَتُهَا لِاحْتِرَامِهَا. (وَلَوْ غَصَبَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ) عِنْدَهُ (أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ) يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ (فَدَبَغَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخَلَّ وَالْجِلْدَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ مَا اخْتَصَّ بِهِ فَإِذَا تَلِفَا فِي يَدِهِ ضَمِنَهُمَا. وَالثَّانِي: هُمَا لِلْغَاصِبِ لِحُصُولِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ إخْرَاجُ الْخَمْرَةِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْإِمَامُ وَسَوَّى الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ إلَّا إنْ أَعْرَضَ الْمَالِكُ عَنْهَا، فَلَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا، وَإِعْرَاضُ الْمَالِكِ عَنْ الْجِلْدِ كَإِعْرَاضِهِ عَنْ الْخَمْرِ، وَإِذَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ جِلْدًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ مُذَكًّى، وَالْمُتْلِفُ أَنَّهُ مَيْتَةٌ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 361 فَصْلٌ زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقَصَّارَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ، وَأَرْشَ النَّقْصِ. وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا] ، وَالزِّيَادَةُ أَثَرٌ وَعَيْنٌ، فَالْأَثَرُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِيهِ كَمَا قَالَ (زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقِصَارَةٍ) لِثَوْبٍ وَخِيَاطَةٍ بِخَيْطٍ مِنْهُ وَطَحْنِ حِنْطَةٍ وَضَرْبِ السَّبَائِكِ دَرَاهِمَ وَضَرْبِ الطِّينِ لَبِنًا وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّهَا، (فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا) لِتَعَدِّيهِ بِعَمَلِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ حَيْثُ كَانَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِهِ (وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ) ، أَيْ الْمَغْصُوبِ (كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ) كَرَدِّ الدَّرَاهِمِ سَبَائِكَ وَاللَّبِنِ طِينًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِفِعْلِهِ، وَلَا يَغْرَمُ أَرْشَ مَا كَانَ زَادَ بِصَنْعَتِهِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَهُ بِأَمْرِ الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْقِصَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ بَلْ يَأْخُذُهُ بِحَالِهِ (وَأَرْشَ النَّقْصِ) إنْ نَقَصَ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِمَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بِحَالِهِ أَجْبَرَ الْغَاصِبَ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَهُ بِحَالِهِ وَعَلَى غُرْمِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ فِي الْإِعَادَةِ كَأَنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ بَقَائِهَا ضَرَرًا مِنْ تَغْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَلَى غَيْرِ عِيَارِهِ، فَلَهُ إبْطَالُهَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَائِهَا أَمْ سَكَتَ عَنْ الرِّضَا وَالْمَنْعِ. نَعَمْ لَوْ ضَرَبَ الشَّرِيكُ الطِّينَ لَبِنًا أَوْ السَّبَائِكَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَازَ لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَإِنْ رَضِيَ شَرِيكُهُ بِالْبَقَاءِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ كَمَا كَانَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَيْنُ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الزِّيَادَةُ (عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ) لَهَا، وَأَرْشَ النَّقْصِ إنْ كَانَ وَإِعَادَتَهَا كَمَا كَانَتْ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَهَا بِالْقِيمَةِ أَوْ إبْقَاءَهَا بِأُجْرَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ فِي الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْقَلْعِ بِلَا أَرْشٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ الْقَلْعُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ أَرَادَ الْقَلْعَ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ، وَلَوْ بَادَرَ لِذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ غَرِمَ الْأَرْشَ، وَقِيلَ: لَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِرَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ لَا مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ مَغْصُوبَيْنِ مِنْ آخَرَ، فَلِكُلٍّ مِنْ مَالِكَيْ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ إلْزَامُ الْغَاصِبِ بِالْقَلْعِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 362 وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ زَادَتْ اشْتَرَكَا فِيهِ.   [مغني المحتاج] وَإِنْ كَانَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ قَلْعُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقَلْعِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ لَزِمَهُ قَلْعُهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ: نَعَمْ لِتَعَدِّيهِ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ كَمَا لَوْ اتَّجَرَ الْغَاصِبُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فِي ثَمَنِهَا وَرَبِحَ رَدَّ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِعَيْنِهِ فَالْجَدِيرُ بُطْلَانُهُ، وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَذْرًا مِنْ وَاحِدٍ وَبَذَرَ الْأَرْضَ بِهِ فَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ إخْرَاجَ الْبَذْرِ مِنْهَا وَأَرْشَ النَّقْصِ، وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ إخْرَاجُهُ، وَلَوْ زَوَّقَ الْغَاصِبُ الدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ بِمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِقَلْعِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَلْعُهُ إنْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ الْمَالِكُ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَالثَّوْبِ إذَا قَصَرَهُ. (وَإِنْ صَبَغَ) الْغَاصِبُ (الثَّوْبَ) الْمَغْصُوبَ (بِصَبْغِهِ) ، وَكَانَ الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ بِالِانْصِبَاغِ عَيْنُ مَالٍ فَكَالتَّزْوِيقِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ ذَلِكَ (وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ) مِنْهُ، كَأَنْ كَانَ الصَّبْغُ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ (أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَالثَّانِي: لَا، لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ يَضِيعُ بِفَصْلِهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَرَكَهُ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ لِيَدْفَعَ عَنْهُ كُلْفَةَ الْقَلْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهِ كَانَ لِلْغَاصِبِ الْفَصْلُ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الثَّوْبُ بِالْفَصْلِ وَكَذَا إنْ نَقَصَ، وَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقَلْعِ فَذَاكَ أَوْ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَهُمَا شَرِيكَانِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) فَصْلُهُ كَأَنْ كَانَ الصَّبْغُ مُنْعَقِدًا (فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ) أَيْ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ وَلَمْ تَنْقُصْ، كَأَنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً وَالصَّبْغُ خَمْسَةً فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عَشْرَةً لَا لِانْخِفَاضِ سُوقِ الثِّيَابِ بَلْ لِأَجْلِ الصَّبْغِ (فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ) لِعَدَمِ الزِّيَادَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّقْصِ (وَإِنْ نَقَصَتْ) قِيمَتُهُ، كَأَنْ صَارَ يُسَاوِي ثَمَانِيَةً (لَزِمَهُ الْأَرْشُ) ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ (وَإِنْ زَادَتْ) قِيمَتُهُ بِالصَّبْغِ كَأَنْ صَارَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فِي مِثَالِنَا (اشْتَرَكَا فِيهِ) أَيْ الثَّوْبِ هَذَا بِصَبْغِهِ وَهَذَا بِثَوْبِهِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَثُلُثُهُ لِلْغَاصِبِ فَشَرِكَتُهُمَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِشَاعَةِ. بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ لَهُ مَعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَلَوْ حَصَلَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَقْصٌ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ أَحَدِهِمَا أَوْ زِيَادَةٌ لِارْتِفَاعِهِ عُمِلَ بِهِ فَيَكُونُ النَّقْصُ أَوْ الزِّيَادَةُ لَاحِقًا لِمَنْ انْخَفَضَ أَوْ ارْتَفَعَ سِعْرُ مَالِهِ، وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ: أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 363 وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ، وَإِنْ شَقَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ.   [مغني المحتاج] بِسَبَبِ الْعَمَلِ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي عَمِلَ، وَالزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ؛ إذَا أُسْنِدَتْ إلَى الْأَثَرِ الْمَحْضِ تُحْسَبُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَأَيْضًا الزِّيَادَةُ قَامَتْ بِالثَّوْبِ وَالصَّبْغِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ بَذَلَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِيَتَمَلَّكَهُ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ فَصْلُهُ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْعَارِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ هُنَا مِنْ الْقَلْعِ مَجَّانًا بِخِلَافِ الْمُغَيَّرِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الِانْفِرَادَ بِبَيْعِ مِلْكِهِ لِثَالِثٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَحْدَهُ كَبَيْعِ دَارٍ لَا مَمَرَّ لَهَا، نَعَمْ لَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَيْعَ الثَّوْبِ لَزِمَ الْغَاصِبَ بَيْعُ صَبْغِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَ صَبْغِهِ لَا يَلْزَمُ مَالِكَ الثَّوْبِ بَيْعُهُ مَعَهُ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ الْمُتَعَدِّي بِتَعَدِّيهِ إزَالَةَ مِلْكِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِصَبْغِهِ عَنْ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الصِّبْغُ مَغْصُوبًا مِنْ آخَرَ فَهُمَا شَرِيكَانِ كَمَا لَوْ كَانَ الصِّبْغُ لِلْغَاصِبِ، فَإِنْ حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ نَقْصٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا اخْتَصَّ النَّقْصُ بِالصَّبْغِ كَمَا مَرَّ وَغَرِمَ الْغَاصِبُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ قِيمَةَ صَبْغِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَكْلِيفُهُ الْفَصْلَ، فَإِنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا غَرَّمَهُ الْغَاصِبُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَصْلُهُ، بِأَنْ كَانَ الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا فَكَمَا سَبَقَ فِي التَّزْوِيقِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الصَّبْغُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ، فَالزِّيَادَةُ لَهُ لَا لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ مَحْضٌ وَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ أَرْشَهُ، وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى فَصْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ فَصْلُهُ إذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِالْإِبْقَاءِ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ. فَرْعٌ لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى مَصْبَغَةِ شَخْصٍ فَانْصَبَغَ فِيهَا اشْتَرَكَا فِي الْمَصْبُوغِ مِثْلُ مَا مَرَّ وَلَمْ يُكَلَّفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَلَا الْفَصْلَ وَلَا الْأَرْشَ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ إذْ لَا تَعَدِّيَ. (وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ) سَوَاءٌ أَخُلِطَ بِجِنْسِهِ كَحِنْطَةٍ بَيْضَاءَ بِحِنْطَةٍ حَمْرَاءَ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ (وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ) التَّمْيِيزُ لِسُهُولَتِهِ، وَلِإِمْكَانِ رَدِّ عَيْنِ مَا أَخَذَهُ (وَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ تَمْيِيزُ جَمِيعِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ مَا أَمْكَنَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) كَأَنْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِشَيْرَجٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ) ، لَا مُشْتَرَكًا سَوَاءٌ أَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَمْ بِأَجْوَدَ أَمْ بِأَرْدَأَ لَتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ (فَلَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (تَغْرِيمُهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّتِهِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ إنْ خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَجْوَدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 364 وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا أُخْرِجَتْ،   [مغني المحتاج] مِنْهُ لَا بِأَرْدَأَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضًا، فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَا أَرْشَ لَهُ وَكَانَ مُسَامِحًا بِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِلَّا أَخَذَ مِثْلَ مَالِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَخْلُوطِ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ الْمَخْلُوطِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَقُولُهُ وَأَعْتَقِدُهُ وَيَنْشَرِحُ صَدْرِي لَهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْهَلَاكِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكُ الْغَاصِبِ مَالَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، بَلْ بِمُجَرَّدِ تَعَدِّيهِ بِالْخَلْطِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا قُلْنَا: إنَّهُ كَالتَّالِفِ وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَالِكَ بَدَلَهُ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ خَلْطَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِهَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ هَلَاكٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ مُنْتَقَضٌ بِالْحُبُوبِ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الزَّيْتَانِ أَوْ نَحْوُهُمَا بِانْصِبَابٍ وَنَحْوِهِ كَصَبِّ بَهِيمَةٍ أَوْ بِرِضَا مَالِكِهِمَا، فَمُشْتَرَكٌ لِعَدَمِ التَّعَدِّي. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْدَأَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى قَبُولِ الْمُخْتَلِطِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَبَعْضَهُ خَيْرٌ مِنْهُ لَا صَاحِبَ الْأَجْوَدِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ فَلَا أَرْشَ لَهُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَإِلَّا بِيعَ الْمُخْتَلَطُ، وَقُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ أَرَادَ قِسْمَةَ غَيْرِ الْمُتَفَاضِلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ لِلتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا لَوْ خُلِطَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ وَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الدَّفْعِ مِنْهُ أَوْ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا؛ وَلِأَنَّ التَّفَاضُلَ جَائِزٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ فَلَا يُلْزَمُ الْغَاصِبُ بِبَدَلٍ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقَبُولِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ فَيَغْرَمَ الْمِثْلَ، وَقِيلَ: يُبَاعَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَصْبٌ، كَأَنْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِمَا مَرَّ، وَلَوْ غَصَبَ زَيْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَخَلَطَهُمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: فَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ مِنْ جَمَاعَةٍ وَخَلَطَهَا وَدَفَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَدْرَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذَهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِنْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمْ فَقَطْ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَلَطَهُ بِمَالِ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَمْلُوكِ لَهُ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ مَالِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً) مَثَلًا (وَبَنَى عَلَيْهَا) فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنَارَةِ مَسْجِدٍ (أُخْرِجَتْ) أَيْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَرَدُّهَا إلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 365 وَلَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ. وَلَوْ وَطِئَ الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، حُدَّ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَا حَدَّ، وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ   [مغني المحتاج] مَالِكِهَا إنْ لَمْ تَتَعَفَّنْ، وَلَوْ تَلِفَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِخْرَاجِ أَضْعَافُ قِيمَتِهَا لِتَعَدِّيهِ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا إنْ حَدَثَ فِيهَا نَقْصٌ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، أَمَّا إذَا تَعَفَّنَتْ بِحَيْثُ لَوْ أُخْرِجَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا قِيمَةٌ فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ (وَلَوْ أَدْرَجَهَا) أَيْ الْغَاصِبُ (فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ) أَيْ يَلْزَمُهُ مَا مَرَّ إلَّا أَنْ تَتَعَفَّنَ (إلَّا أَنْ يَخَافَ) مِنْ إخْرَاجِهَا مِنْ السَّفِينَةِ (تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ) وَلَوْ لِلْغَاصِبِ، كَأَنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ فِي اللُّجَّةِ وَالْخَشَبَةِ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّهَا لَا تُنْزَعُ، وَإِنَّمَا لَمْ تُنْزَعُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ فِي الْبَحْرِ فَيَسْهُلُ الصَّبْرُ إلَى الشَّطِّ: أَيْ وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ لِلْفُرْقَةِ أَوْ نَحْوِهِ كَرَقْرَاقٍ بِخِلَافِ هَدْمِ الْبِنَاءِ لِرَدِّ اللَّوْحِ بَلْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ إلَى تَيَسُّرِ النَّزْعِ، وَخَرَجَ بِالْمَعْصُومَيْنِ نَفْسُ الْحَرْبِيِّ وَمَالُهُ، وَبِالْخَوْفِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ كَانَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُرْسَاةً عَلَى الشَّطِّ أَوْ نَحْوِهِ. أَوْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ فِي أَعْلَاهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالتَّلَفِ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: إلَّا الشَّيْنَ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاء فِي الْآدَمِيِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ. وَلَوْ خَاطَ شَيْئًا بِمَغْصُوبٍ لَزِمَهُ نَزَعَهُ مِنْهُ وَرَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ لَمْ يَبْلَ، وَإِلَّا فَالْهَالِكُ لَا مِنْ جُرْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخَافُ بِالنَّزْعِ هَلَاكُهُ أَوْ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَلَا يَجُوزُ نَزْعُهُ مِنْهُ لِحُرْمَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الشَّيْنُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَلَوْ شَدَّ بِمَغْصُوبٍ جَبِيرَةً كَانَ كَمَا لَوْ خَاطَ بِهِ جُرْحَهُ. ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَا يُذْبَحُ لِنَزْعِهِ مَأْكُولٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ أَكْلِهِ وَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، وَلَوْ خَاطَ بِهِ الْغَاصِبُ جُرْحًا لِآدَمِيٍّ بِإِذْنِهِ، فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهِلَ الْغَصْبَ كَمَا لَوْ قَرَّبَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا، فَأَكَلَهُ وَيُنْزَعُ الْخَيْطُ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ آدَمِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْزَعْ فِي الْحَيَاةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَيُنْزَعُ مِنْ حَيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَكَلْبٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ يَجُوزُ غَصْبُهُ لَهُ ابْتِدَاءً لِيُخَاطَ بِهِ جُرْحُهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ خَيْطٌ حَلَالٌ، وَحَيْثُ يَجُوزُ نَزْعُهُ لَا يَجُوزُ غَصْبُهُ لِيُخَاطَ بِهِ الْجُرْحُ. (وَلَوْ وَطِئَ) الْغَاصِبُ الْأَمَةَ (الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) لِوَطْئِهَا مُخْتَارًا (حُدَّ) ؛ لِأَنَّهُ زِنًى سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَالِمَةً أَمْ جَاهِلَةً. نَعَمْ الْأَبُ وَنَحْوُهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ (وَإِنْ جَهِلَ) تَحْرِيمَهُ لِاشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِ أَوْ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ (وَفِي الْحَالَيْنِ) أَيْ حَالَتَيْ عِلْمِهِ وَجَهْلِهِ (يَجِبُ الْمَهْرُ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ لَكِنْ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ يَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوَطْءُ، وَفِي حَالَةِ الْعِلْمِ يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ وَطِئَهَا مَرَّةً جَاهِلًا وَمَرَّةً عَالِمًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 366 إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ عَلِمَتْ وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ، فَإِنْ غَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ، وَإِنْ جَهِلَ   [مغني المحتاج] وَجَبَ مَهْرَانِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ) فِي الْوَطْءِ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ (فَلَا يَجِبُ) لَهَا مَهْرٌ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، وَهِيَ الزَّانِيَةُ، وَالثَّانِي: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَاعِيَتِهَا فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَهْرَ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَقَدْ عَهِدْنَا أَنَّهُ يَتَأَثَّرُ بِفِعْلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ) طَاوَعَتْهُ، وَ (عَلِمَتْ) بِالتَّحْرِيمِ لِزِنَاهَا، وَهَذَا أَيْضًا قَيْدٌ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ، فَإِنْ جَهِلَتْهُ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ فَلَا حَدَّ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ أَرْشُ طَرَفِهَا بِإِذْنِهَا فِي قَطْعِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا هُنَا أَرْشُ بَكَارَةٍ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ (وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ) وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ بِكْرًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي حَالَتَيْ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إلَّا أَنَّ جَهْلَ الْمُشْتَرِي قَدْ يَنْشَأُ مِنْ الْجَهْلِ بِكَوْنِهَا مَغْصُوبَةً فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ (فَإِنْ غَرِمَهُ) أَيْ الْمَهْرَ لِلْمَالِكِ (لَمْ يَرْجِعْ بِهِ) الْمُشْتَرِي (عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إنْ جَهِلَ الْغَصْبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى ضَمَانِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي أَرْشِ الْبَكَارَةِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا أَتْلَفَهُ. (وَإِنْ أَحْبَلَ) الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) لِلْوَطْءِ (فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ) لِلسَّيِّدِ (غَيْرُ نَسِيبٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًا وَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَمَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ، فَبَدَّلَهُ لِلسَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُحْبِلِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: نَعَمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَنُسِبَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَرْجِيحُ الثَّانِي لِلرَّافِعِيِّ. لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ. فَإِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ إنَّمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْعَالَمِ اهـ. وَحَاصِلَهُ أَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَى أُخْرَى (وَإِنْ جَهِلَ) مِنْ ذِكْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 367 فَحُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ، وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الْأَظْهَرِ وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ   [مغني المحتاج] التَّحْرِيمِ (فَحُرٌّ نَسِيبٌ) لِلشُّبْهَةِ بِالْجَهْلِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا لَا رَقِيقًا ثُمَّ عَتَقَ (وَعَلَيْهِ) لِلسَّيِّدِ (قِيمَتُهُ) بِتَقْدِيرِ رِقِّهِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِظَنِّهِ (يَوْمَ الِانْفِصَالِ) حَيًّا؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ قَبْلَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ (وَيَرْجِعُ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ (الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ) ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَرْجِعُ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ، وَيَرْجِعُ أَيْضًا بِأَرْشِ نَقْصِ الْوِلَادَةِ كَمَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَطْعَ بِهِ. فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي ضَمَانُهُ بِالْغُرَّةِ، وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّا نُقَدِّرُهُ رَقِيقًا فِي حَقِّهِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْغُرَّةُ أَكْثَرَ فَالزَّائِدُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِلْمَالِكِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ كَامِلًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَالْغُرَّةُ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً، فَلَا يَغْرَمُ الْغَاصِبُ حَتَّى يَأْخُذَ الْغُرَّةَ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِيهِ. وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ حَيَاتِهِ. وَيُخَالِفُ مَا لَوْ انْفَصَلَ رَقِيقًا مَيِّتًا حَيْثُ قُلْنَا: فِيهِ بِالضَّمَانِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَجُعِلَ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُتَّهِبِ مِنْ الْغَاصِبِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ لَا يَضْمَنَهَا. فَرْعٌ لَوْ أَذِنَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَوَطِئَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْنِ رَجَّحَهُ غَيْرُهُ. (وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) مِنْ الْغَاصِبِ (وَغَرِمَهُ) لِمَالِكِهِ (لَمْ يَرْجِعْ بِهِ) أَيْ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا أَمْ جَاهِلًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ مِنْ الْمَغْرُومِ بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ، وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ (وَكَذَا) لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ الَّذِي غَرِمَهُ (لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ) بِآفَةٍ (وَفِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ التَّعْيِيبَ بِآفَةٍ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لِلتَّغْرِيرِ بِالْبَيْعِ. أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَطْعًا (وَلَا يَرْجِعُ) عَلَيْهِ (بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا) كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 368 وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نَقَصَ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا لَا فَيَرْجِعُ. قُلْتُ: وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فَكَالْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] (فِي الْأَظْهَرِ) وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَهْرِ وَمَرَّ تَوْجِيهِهِمَا (وَيَرْجِعُ) عَلَيْهِ (بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ) مِنْ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ اسْتِيفَاءٍ (وَبِأَرْشِ نَقْصِ) بِالْمُهْمَلَةِ (بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نُقِضَ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِ الْأَرْضِ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ. وَالثَّانِي: فِي الْأُولَى يَنْزِلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةَ إتْلَافِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: يَقُولُ: كَأَنَّهُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ يُتْلِفُ مَالَهُ. تَنْبِيهٌ ثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ وَنِتَاجُ الدَّابَّةِ وَكَسْبُ الْعَبْدِ كَالْمَنْفَعَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِذَلِكَ لَقَالَ: وَمَا فَاتَ؛ لِأَنَّهَا الْعِبَارَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ اهـ. وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَا بِمَا أَدَّى مِنْ خَرَاجِ الْأَرْضِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا جَاهِلًا وَغَرِمَ الْمَهْرَ أَوْ الْأُجْرَةَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مُقَابِلَهَا بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغُرْمِهَا (وَكُلُّ مَا) أَيُّ شَيْءٍ (لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ) عَلَى الْغَاصِبِ كَأُجْرَةِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ تَحْتَ يَدِهِ (وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ) ابْتِدَاءً (لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي (وَمَا لَا فَيَرْجِعُ) أَيْ وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ كَالْمَنَافِعِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ ابْتِدَاءً رَجَعَ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ. نَعَمْ إنْ سَبَقَ مِنْ الْغَاصِبِ اعْتِرَافٌ بِالْمِلْكِ لَمْ يَرْجِعْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الَّذِي ظَلَمَنِي هُوَ الْمُدَّعِي، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَلَوْ غَرِمَ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَقْتَ الْغَصْبِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَةِ وَقْتِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إلَى التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَلَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَغْرَمُ الزَّائِدَ، فَلَا يَصْدُقُ بِهِ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ. فَائِدَةٌ تُكْتَبُ مَا مِنْ كُلَّ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ ظَرْفٍ، كَمَا هُنَا مَفْصُولَةً وَإِلَّا فَمَوْصُولَةً كَكُلَّمَا رَأَيْت زَيْدًا فَأَكْرِمْهُ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ) بِنُونٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَنُونٍ فَمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ (يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ) غَيْرِ الْمُشْتَرِي (فَكَالْمُشْتَرِي) فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ مَا قَالَهُ هُنَاكَ، وَقَيِّدْ بِهِ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 369 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ لَوْ وَقَعَ فَصِيلٌ فِي بَيْتٍ أَوْ دِينَارٌ فِي مِحْبَرَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ إلَّا بِهَدْمِ الْبَيْتِ، وَالثَّانِي: إلَّا بِكَسْرِ الْمِحْبَرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ فَلَا غُرْمَ عَلَى مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ، وَإِلَّا غَرِمَ الْأَرْشَ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِهِمَا، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ النِّصْفَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّفْرِيطِ كَالْمُتَصَادَمِينَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ لِتَخْلِيصِهَا وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ صَحِبَهَا مَالِكُهَا فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا، فَإِنْ تَعَدَّى صَاحِبُ الْقِدْرِ بِوَضْعِهَا بِمَوْضِعٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ لَكِنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَلَا أَرْشَ لَهُ، وَلَوْ تَعَدَّى كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الْقِدْرِ وَالْبَهِيمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ ابْتَلَعَتْ بَهِيمَةٌ جَوْهَرَةً لَمْ تُذْبَحْ لِتَخْلِيصِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً بَلْ يَغْرَمُ مَالِكُهَا إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا قِيمَةَ الْجَوْهَرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ، فَإِنْ ابْتَلَعَتْ مَا يَفْسُدُ بِالِابْتِلَاعِ غُرِّمَ قِيمَتَهُ لِلْفَيْصُولَةِ، وَلَوْ ابْتَاعَهَا بِطَعَامٍ مُعَيَّنٍ، فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِوَجْهٍ مَضْمُونٍ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ ذَلِكَ قَبْضًا لِلثَّمَنِ وَإِلَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ فَقَدْ أَتْلَفَتْ مَالًا لِلْبَائِعِ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَلَوْ غَصَبَ لُؤْلُؤَةً وَدَجَاجَةً فَابْتَلَعَتْ الدَّجَاجَةُ اللُّؤْلُؤَةَ، يُقَالُ لَهُ: إنْ لَمْ تَذْبَحْ الدَّجَاجَةَ غَرَّمْنَاك قِيمَةَ اللُّؤْلُؤَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَهَا غَرَّمْنَاك أَرْشَ الدَّجَاجَةِ، وَلَوْ غَصَبَ لُؤْلُؤَةً مَثَلًا وَابْتَلَعَهَا وَأَمْكَنَ إخْرَاجُهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ: أَيْ لِلْحَيْلُولَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَتَنَجَّسَ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَلَا يُكَلَّفُ تَطْهِيرَهُ، فَإِنْ طَهَّرَهُ فَنَقَصَ ضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ فَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ التَّطْهِيرِ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ نَقْصَ الشَّبَابِ بِالْكِبَرِ، وَنَقْصَ النُّهُودِ بِتَدَلِّي الثَّدْيِ، وَنَقْصَ الْمُرُودَةِ بِالِالْتِحَاءِ، وَنَقْصَ الْفَحْلِ بِالضِّرَابِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ بِضِرَابِ الْفَحْلِ لِمَالِكِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ لِلْإِنْزَاءِ بِلَا نَقْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 370 كِتَابُ الشُّفْعَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] ِ وَهِيَ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ بِمَعْنَى الضَّمِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 371 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عَلَى الْأَشْهَرِ، مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ ضَمَمْتُهُ، وَمِنْهُ شَفْعُ الْأَذَانِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَمِّ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَى نَصِيبِهِ، أَوْ بِمَعْنَى التَّقْوِيَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ: مِنْ الشَّفَاعَةِ. وَشَرْعًا: حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ فِيمَا مُلِكَ بِعِوَضٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 372 لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا   [مغني المحتاج] الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ " وَالرَّبْعُ: الْمَنْزِلُ، وَالْحَائِطُ: الْبُسْتَانُ وَالْمَعْنَى فِيهِ ضَرَرُ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ أَوْ اسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمِنْوَرِ وَالْبَالُوعَةِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ، وَقِيلَ: دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي نَادِمًا أَوْ مَغْبُونًا، وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهَا الْإِجْمَاعَ لَكِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إنْكَارَهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ. وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مَأْخُوذٌ، وَآخِذٌ، وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمْلِيكِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (لَا تَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ (فِي مَنْقُولٍ) كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، سَوَاءٌ أَبِيعَتْ وَحْدَهَا أَمْ مَضْمُومَةً إلَى أَرْضٍ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ فَإِنَّهُ يَخُصُّهَا بِمَا تَدْخُلُهُ الْقِسْمَةُ وَالْحُدُودُ وَالطُّرُقُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمَنْقُولَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَدُومُ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَيَتَأَبَّدُ فِيهِ ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ، وَالشُّفْعَةُ تَمَلُّكٌ بِالْقَهْرِ، فَنَاسَبَ مَشْرُوعِيَّتَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُولِ ابْتِدَاءً لِتَخْرُجَ الدَّارُ إذَا انْهَدَمَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ نَقْضَهَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَثْبُتُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ التَّنْبِيهِ لَا تَجِبُ (بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ) وَتَوَابِعِهِ الدَّاخِلَةِ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِنْ أَبْوَابٍ مَنْصُوبَةٍ وَرُفُوفٍ مُسَمَّرَةٍ وَمَسَامِيرَ وَمَفَاتِيحَ غَلْقٍ مُثَبَّتٍ وَدُولَابٍ ثَابِتٍ وَحَجَرِ الطَّاحُونَةِ وَنَحْوِهَا كَغِطَاءِ تَنُّورٍ (وَ) مِنْ (شَجَرٍ تَبَعًا) لَهَا، وَفِي مَعْنَى الشَّجَرِ أَصْلُ مَا يُجَزُّ مِرَارًا كَالْقَتِّ وَالْهِنْدَبَاءِ، وَشَرْطُ تَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِلْأَرْضِ أَنْ تُبَاعَ الْأَشْجَارُ مَعَ الْبَيَاضِ الَّذِي يَتَخَلَّلُهَا أَوْ مَعَ الْبُسْتَانِ كُلِّهِ، فَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ جِدَارِهِ وَأَسَاسِهِ فَقَطْ أَوْ مِنْ أَشْجَارٍ وَمَغَارِسِهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْأَسَاسِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 373 وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَالْمَغْرَسِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَا مَرْئِيَّيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُمَا وَصَرَّحَ بِدُخُولِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ. فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُمْ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُكَ الْجِدَارَ وَأَسَاسَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْأَسَاسَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجِدَارِ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ. أَمَّا الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ مَكَانَ الْبِنَاءِ، فَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْمَبِيعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: تَبَعًا عَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ جَافَّةٌ شَرَطَا دُخُولَهَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ بِالتَّبَعِ بَلْ بِالشَّرْطِ (وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ) تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْأَخْذِ قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ الْأَخْذُ لَهَا حَتَّى أُبِّرَتْ لِدُخُولِهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ انْقَطَعَ أَمْ لَا، وَكَذَا كُلُّ مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ انْفَصَلَتْ الْأَبْوَابُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشَّجَرَ بِثَمَرَةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ تُؤَبَّرْ عِنْدَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبِعَتْ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَتَبِعَتْهُ فِي الْأَخْذِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِّرَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ. أَمَّا الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ إذَا دَخَلَتْ بِالشَّرْطِ. فَلَا تُؤْخَذُ لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ فَتَخْرُجُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ: كَالزَّرْعِ وَالْجِزَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ وَجِزَّةٍ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ ( وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ) ، بِأَنْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَوْ غَيْرُهُمَا، إذْ لَا أَرْضَ لَهَا، فَهِيَ كَالْمَنْقُولَاتِ (وَكَذَا) سَقْفٌ (مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ الَّذِي هُوَ أَرْضُهَا لَا ثَبَاتَ لَهُ أَيْضًا. وَالثَّانِي: يَجْعَلُهُ كَالْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْعُلْوُ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ وَنَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ، فَالشُّفْعَةُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ السُّفْلِ، لَا فِي الْعُلْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْهَا، فَالشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي الشَّجَرِ (وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى) أَيْ طَاحُونَةٍ، صَغِيرَيْنِ لَا يَجِيءُ مِنْهُمَا حَمَّامَانِ وَطَاحُونَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ (لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ) هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 374 وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ.   [مغني المحتاج] الشُّفْعَةِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ إلَخْ، وَالثَّانِي: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ، وَكُلٌّ مِنْ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُمَا بِالْبَيْعِ لَهُ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ: أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْآلَات كَحَجَرِ الطَّاحُونِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ حَجَرَيْنِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالطَّاحُونَةِ فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الرَّحَى، وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ مَعْنَى عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَفِي بِلَادِنَا أَنَّ الطَّاحُونَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانَ وَالرَّحَى عَلَى الْحَجَرِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ الْمُرَادَ هُنَا فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ، وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ، فَالْمُرَادُ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّحْنِ اهـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَتَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ أَوْلَى، وَيَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ إنْ بَاعَ مَالِكُ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْ مَالِكِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ أُجْبِرَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالِكُ الْعُشْرِ نَصِيبَهُ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ لِلْآخَرِ لِأَمْنِهِ مِنْ الْقَسْمِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا فَلَا يُجَابُ طَالِبُهَا لِتَعَنُّتِهِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ أَرْضٍ تَنْقَسِمُ وَفِيهَا بِئْرُ مَاءٍ لَا تَنْقَسِمُ، وَيُسْقَى مِنْهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِئْرِ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ الثَّابِتِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحِلِّ الشُّفْعَةِ وَالْبِئْرُ مُبَايِنَةٌ عَنْهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَخْذُ، فَقَالَ: (وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ) فِي رَقَبَةِ الْعَقَارِ فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ، وَلَا لِلشَّرِيكِ فِي غَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 375 وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ   [مغني المحتاج] رَقَبَةِ الْعَقَارِ كَالشَّرِيكِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، كَأَنْ مَلَكَهَا بِوَصِيَّةٍ، وَلَوْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْقَضِ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِهَا لِشَافِعِيٍّ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَتَثْبُتُ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ عَلَى سَيِّدٍ كَعَكْسِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لِيُصْرَفَ فِي عِمَارَتِهِ ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَوْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ شَرِيكٌ فِي أَرْضٍ فَبَاعَ شَرِيكُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَلَا شَرِيكُهُ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرُ نَصِيبَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ، وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَيْنَ الرَّقَبَةِ. نَعَمْ مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ عَنْهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ. (وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 376 فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إلَى شَارِعٍ وَإِلَّا فَلَا. وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ   [مغني المحتاج] فِي مَمَرِّهَا) فَقَطْ التَّابِعِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ دَرْبًا غَيْرَ نَافِذٍ (فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا) لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ وَشِقْصًا مُشْتَرَكًا (وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ) بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ) لَهَا (إلَى شَارِعٍ) أَوْ إلَى مِلْكِهِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنْ احْتَاجَ إحْدَاثُ الْمَمَرِّ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، (فَلَا) تَثْبُتُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَالثَّانِي: تَثْبُتُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ بِشِرَائِهِ هَذِهِ الدَّارَ، وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ فِي اتِّخَاذِ الْمَمَرِّ عُسْرٌ أَوْ مُؤَنٌ لَهَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ الْمَمَرُّ، فَإِنْ اتَّسَعَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ شَيْءٌ يَمُرُّ فِيهِ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَاقِي قَطْعًا، وَفِي الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى الْمُرُورُ بِدُونِهِ الْخِلَافُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَمَّا الدَّرْبُ النَّافِذُ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي مَمَرِّ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مِنْهُ قَطْعًا، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبًا يُقْسَمُ مِنْ مَمَرٍّ؛ لَا يَنْفُذُ فَلِأَهْلِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَمَرِّ خَاصَّةً، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ لِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةَ إنْ كَانَ مُنْقَسِمًا. فَإِنْ قِيلَ الْمَمَرُّ مِنْ حَرِيمِ الدَّارِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَقَاءِ الدَّارِ بِلَا مَمَرٍّ فَهُوَ كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهَا بَيْتًا، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بُطْلَانُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّارَ مُتَّصِلَةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ لَهُ دَارٌ لَا مَمَرَّ لَهَا نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَمَرٍّ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْتَرِي تَحْصِيلَ مَمَرٍّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْمَمَرَّ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ، وَالشَّرِكَةُ فِي صَحْنِ الْخَانِ دُونَ بُيُوتِهِ، وَفِي مَجْرَى الْمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ، وَفِي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَ الْمَزْرَعَةِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمَمَرِّ فِيمَا مَرَّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِث، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِالشُّفْعَةِ، وَقَالَ (وَإِنَّمَا تَثْبُتُ) الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ (فِيمَا مُلِكَ) أَيْ فِي شَيْءٍ مَلَكَهُ الشَّرِيكُ الْحَادِثُ (بِمُعَاوَضَةٍ) مَحْضَةٍ كَالْبَيْعِ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ كَالْمَهْرِ. أَمَّا الْبَيْعُ فَبِالنَّصِّ، وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُعَاوَضَةِ مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ، فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَوَصِيَّةٍ وَفَسْخٍ. أَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِرْثِ، فَلِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ فَلَمْ يَضُرَّ بِالشَّرِيكِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَلَّا يُدْخِلَ عَلَى الشَّرِيكِ ضَرَرًا، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ تَسَلَّطَ الشَّرِيكُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 377 مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ. وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ،   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا مُلِكَ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْفَسْخِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا فَتُؤْخَذُ بِهِ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْفَسْخِ: أَنْ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ، فَلَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ انْفَسَخَ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ الْفَسْخِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّ الْفَسْخِ، وَالْأَخْذَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ (مِلْكًا لَازِمًا) قَيْدٌ مُضِرٌّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي، وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ خِيَارِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ الطَّارِئِ لَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ. نَعَمْ لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بَعْدَ لُزُومِهِ لِئَلَّا يَبْطُلَ خِيَارُهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ (مُتَأَخِّرًا) سَبَبُهُ (عَنْ) سَبَبِ (مِلْكِ الشَّفِيعِ) . ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَالَ (كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ، وَ) عِوَضِ (صُلْحِ دَمٍ) فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَالْوَاجِبُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْإِبِلُ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِجَهَالَةِ صِفَاتِهَا. تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الصُّلْحِ بِالدَّمِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا خَصَّصَهُ لِيَكُونَ مُنْتَظِمًا فِي سِلْكِ الْخُلْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَقَوْلُهُ (وَنُجُومٍ) أَيْ وَعِوَضِ صُلْحٍ عَنْ نُجُومِ كِتَابَةٍ، كَأَنْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ شِقْصًا فَصَالَحَ سَيِّدَهُ بِهِ عَنْ النُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالشِّقْصُ لَا يَكُونُ نُجُومَ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا لَا يَكُونُ إلَّا دَيْنًا، وَالشِّقْصُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النُّجُومِ، وَهُوَ وَجْهٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ (وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ) هُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى مَبِيعٍ، فَلَوْ جَعَلَهُمَا قَبْلَ الْمَهْرِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفَهُمَا عَلَى خُلْعٍ فَيَصِيرَ الْمُرَادُ عِوَضَ أُجْرَةٍ وَعِوَضَ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَوْلَدَةٍ: إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً فَلَكِ هَذَا الشِّقْصُ فَخَدَمَتْهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ. (وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (أَوْ) شُرِطَ (لِلْبَائِعِ) وَحْدَهُ (لَمْ يُؤْخَذْ) ذَلِكَ الشِّقْصُ (بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي أَمْ مَوْقُوفٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 378 وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ، وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ. وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ ثُبُوتُهُ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ) بِالشُّفْعَةِ (إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ) فِي زَمَنِ الْخِيَارِ (لِلْمُشْتَرِي) وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ (فَلَا) يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ زَمَنَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ غَيْرُ زَائِلٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ مَعْلُومِ الزَّوَالِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا الشِّقِّ قَوْلَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ وَجْهَانِ، وَمَا ذُكِرَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَجْرِي فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيُتَصَوَّرُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِإِسْقَاطِ الْآخَرِ خِيَارَ نَفْسِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِثَبْتِ الْخِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْبَيْعِ وَنَحْوه لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مُلِكَ. (وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الشَّيْءِ (عَيْبًا وَأَرَادَ) الْمُشْتَرِي (رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ) ، حَتَّى لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْبَيْعِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ ثَابِتٌ بِالِاطِّلَاعِ. وَالثَّانِي: إجَابَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ إذَا اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَسَلِمَ عَنْ الرَّدِّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعِيبًا كَعَبْدٍ وَأَرَادَ الْبَائِعُ رَدَّهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُطَالَبَةِ الشَّفِيعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الرَّدَّ وَيَأْخُذَ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يُفْسَخُ الرَّدُّ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا وَجْهَانِ: صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ وَفَائِدَتُهُمَا كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: الْفَوَائِدُ وَالزَّوَائِدُ مِنْ الرَّدِّ إلَى الْأَخْذِ، وَيُلْتَحَقُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الرَّدُّ بِالْإِقَالَةِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ النِّصْفِ الَّذِي اسْتَقَرَّ لَهَا، وَكَذَا الْعَائِدُ لِلزَّوْجِ لِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِالْعَقْدِ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالطَّلَاقِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ. تَنْبِيهٌ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ فَقَالَ: (وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ) مَعًا (دَارًا أَوْ بَعْضَهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 379 وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الْأَرْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ بَلْ حِصَّتَهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ،   [مغني المحتاج] فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَقْتِ حُصُولِ الْمِلْكِ. تَنْبِيهٌ أُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَيْعَ بَتٍّ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَشْفَعْ بَائِعُهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَلَى سَبَبِ مِلْكِ الثَّانِي، لَا لِلثَّانِي وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ مِلْكِهِ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَا مُرَتَّبًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا دُونَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَجَازَا مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَر، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْمِلْكِ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ. (وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ أَيْ نَصِيبٌ (فِي الْأَرْضِ) ؛ كَأَنْ تَكُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ) وَهُوَ الثُّلُثُ فِي هَذَا الْمِثَالِ (بَلْ) يَأْخُذُ (حِصَّتَهُ) أَيْ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَهِيَ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ. وَالثَّانِي: يَأْخُذُ الْمَبِيعَ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى نَفْسِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّا لَا نَقُولُ اسْتَحَقَّهَا عَلَى نَفْسِهِ بَلْ دَفَعَ الشَّرِيكَ عَنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: خُذْ الْكُلَّ أَوْ اُتْرُكْهُ وَقَدْ أَسْقَطْتُ حَقِّي لَكِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الشُّفْعَةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ مِثَالٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ) بِهَا لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ (وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ) كَالْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَمَلُّكٌ بِعِوَضٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَا ذِكْرُ الثَّمَنِ (وَلَا حُضُورَ الْمُشْتَرِي) وَلَا رِضَاهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ (وَ) لَكِنْ (يُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَاخْتَرْت الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَلَا يَكْفِي الْمُعَاطَاةُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَلَا أَنَا مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ عَدَمُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: مُشْكِلٌ بِمَا سَيَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَحَدُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَأَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 380 وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّلَاثَةِ لَا تُشْتَرَطُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ تَكْرَارِ لَا النَّافِيَةِ، بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يُشْتَرَطُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَجِيبٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ. وَأَمَّا حُصُولُ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا سَيَأْتِي. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ اهـ. وَهَذَا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّ الْمُرَادَ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهَا. قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ (وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ (إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي) أَوْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا امْتَنَعَ (فَإِذَا تَسَلَّمَهُ) مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ (أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ) بِضَمِّ اللَّامِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْهُ أَوْ قَبَضَهُ الْقَاضِي عَنْهُ (مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ) ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَمُقَصِّرٌ فِيمَا بَعْدَهَا (وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الشَّفِيعِ حَيْثُ لَا رِبًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ الشِّقْصَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ رِبًا كَأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَفَائِحَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكْفِ الرِّضَا بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ الرِّبَا (وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ) أَيْ الشَّفِيعِ (بِالشُّفْعَةِ) أَيْ ثُبُوتِ حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ لَا بِالْمِلْكِ (إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ، وَأَثْبَتَ حَقَّهُ) فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَارَ التَّمَلُّكَ (فَيَمْلِكُ بِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ قَدْ تَأَكَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ. تَنْبِيهٌ اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ أَحَدَ هَذِهِ الْأُمُورِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّمَلُّكُ عِنْدَ الشُّهُودِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَجِيزِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ هَرَبِ الْجِمَالِ حَيْثُ يَقُومُ الْإِشْهَادُ مَقَامَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهُ هُنَا، وَيُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لِلشَّفِيعِ، وَإِذَا مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ الشِّقْصَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ، وَلَا يَلْزَمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 381 وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَصْلٌ إذَا اشْتَرَى بِمِثْلِيٍّ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ،   [مغني المحتاج] الْمُشْتَرِيَ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ بِتَأْخِيرِ الْبَائِعِ حَقَّهُ، فَإِنْ غَابَ مَالُهُ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ فَسَخَ الْحَاكِمُ التَّمَلُّكَ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ بِلَا فَسْخٍ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ مَجْلِسٍ لِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ) بِنَاءً عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَقِيلَ: يَتَمَلَّكُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَهْرِيٌّ لَا يُنَاسِبُهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ اقْتِصَارُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الشَّفِيعِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرَاهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَهْرِيٌّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ بِالْوَكَالَةِ وَفِي الْأَخْذِ مِنْ الْوَارِثِ. فَرْعٌ لَا يَتَصَرَّفُ الشَّفِيعُ فِي الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، وَأَفْلَسَ بِالثَّمَنِ رَجَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَقَبْلَ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ كَمَا سَيَأْتِي. [فَصْلٌ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ الشِّقْصُ وَفِي الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا] (إذَا اشْتَرَى) شَخْصٌ شِقْصًا مِنْ عَقَارٍ (بِمِثْلِيٍّ) كَبُرٍّ وَنَقْدٍ (أَخَذَهُ) مِنْهُ (الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ) إنْ تَيَسَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ وَقْتَ الْأَخْذِ فَبِقِيمَتِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ الثَّمَنُ بِغَيْرِ مِعْيَارِ الشَّرْعِ كَقِنْطَارِ حِنْطَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْقَرْضِ، وَقِيلَ: يُكَالُ وَيُؤْخَذُ بِقَدْرِهِ كَيْلًا، وَحَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ (أَوْ بِمُتَقَوِّمٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ (فَبِقِيمَتِهِ) لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ مَلَكَ الثَّمَنَ قَبْلَ الْأَخْذِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ لَا سِيَّمَا الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْهُ إنَّمَا كَانَ لِتَعَذُّرِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (الْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ إثْبَاتِ الْعِوَضِ وَاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَلَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 382 وَقِيلَ يَوْمَ اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ، أَوْ بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ وَيَأْخُذَ فِي الْحَالِ أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحَلِّ يَأْخُذُ وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ   [مغني المحتاج] اعْتِبَارَ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ (وَقِيلَ يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (اسْتِقْرَارِهِ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ) كَمَا يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ حِينَئِذٍ وَجَرَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّنْبِيهِ وَنَبَّهْتُ فِي شَرْحِهِ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلَوْ جَعَلَ الشَّرِيكُ الشِّقْصَ رَأْسَ مَالٍ سَلَمٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَيْنٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ، أَوْ صَالَحَ بِهِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ بِهِ، أَوْ أَمْتَعَهُ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الدِّيَةِ وَقْتَ الصُّلْحِ، أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوْ مُتْعَةٍ حَالَ الْإِمْتَاعِ، وَإِنْ أَقْرَضَهُ أَخَذَهُ بَعْدَ مِلْكِ الْمُسْتَقْرِضِ بِقِيمَتِهِ وَيَصْدُقُ الدَّيْنُ فِيمَا ذُكِرَ بِالْحَالِ، وَيُقَابِلُهُ قَوْلُهُ (أَوْ) اشْتَرَى (بِمُؤَجَّلٍ فَالْأَظْهَرُ) الْجَدِيدُ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُ بِمُؤَجَّلٍ بَلْ هُوَ (مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَجِّلَ) الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي (وَيَأْخُذَ) الشِّقْصَ (فِي الْحَالِ، أَوْ يَصْبِرَ إلَى الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ وَهُوَ الْحُلُولُ (وَيَأْخُذُ) بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِتَأْخِيرِهِ لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ بِالْمُؤَجَّلِ لَأَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الْأَخْذَ فِي الْحَالِ بِنَظِيرِهِ مِنْ الْحَالِ أَضْرَرْنَا بِالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَكَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لِلضَّرَرَيْنِ وَجَامِعًا لِلْحَقَّيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ إعْلَامُ الْمُشْتَرِي بِالطَّلَبِ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ نُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ. وَالثَّانِي: يَأْخُذُهُ بِالْمُؤَجَّلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي. وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُهُ بِسِلْعَةٍ لَوْ بِيعَتْ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَبِيعَتْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ. تَنْبِيهٌ لَوْ اخْتَارَ الْأَوَّلُ الصَّبْرَ إلَى الْحُلُولِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الثَّمَنَ وَيَأْخُذَ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ زَمَنُ نَهْبٍ يَخْشَى مِنْهُ عَلَى الثَّمَنِ الْمُعَجَّلِ الضَّيَاعُ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُنَجَّمًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَجَّلِ فَيُعَجَّلُ أَوْ يُصْبَرُ حَتَّى يَحِلَّ كُلُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ أَنْ يُعْطِيَهُ وَيَأْخُذَ بِقَدْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ: وَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الشِّقْصِ وَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ إلَى مَحِلِّهِ وَأَبَى الشَّفِيعُ إلَّا الصَّبْرَ إلَى الْمَحِلِّ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَلَّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَوْتِهِ أَوْ نَحْوَهُ كَرِدَّةٍ لَا يَتَعَجَّلُ الْأَخْذَ عَلَى الشَّفِيعِ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى خِيرَتِهِ، وَلَوْ مَاتَ الشَّفِيعُ فَالْخِيَرَةُ لِوَارِثِهِ (وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيْرُهُ) مِمَّا لَا شُفْعَةَ فِيهِ مِنْ مَنْقُولٍ كَنَقْدٍ أَوْ أَرْضٍ أُخْرَى لَا شَرِكَةَ فِيهَا لِلشَّفِيعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 383 أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَيُؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَكَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ امْتَنَعَ الْأَخْذُ.   [مغني المحتاج] (أَخَذَهُ) أَيْ الشِّقْصَ لِوُجُودِ سَبَبِ الْأَخْذِ دُونَ غَيْرِهِ (بِحِصَّتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (مِنْ الْقِيمَةِ) بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْمُقَابَلَةِ، فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِائَةً، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَقِيمَةُ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ عِشْرِينَ أَخَذَ الشِّقْصَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى الْمَضْمُومِ لِلْمُشْتَرِي بِالْخُمْسِ الْبَاقِي، فَقَوْلُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ لَا يُعْطِي هَذَا الْمَعْنَى لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ امْتِنَاعِ إفْرَادِ الْمَعِيبِ بِالرَّدِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ الْحَالَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذِكْرِ الْعِلْمِ عَلَى الْغَالِبِ (وَيُؤْخَذُ) الشِّقْصُ (الْمَمْهُورُ) لِامْرَأَةٍ (بِمَهْرِ مِثْلِهَا) وَقْتَ نِكَاحِهَا (وَكَذَا) يُؤْخَذُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَقْتَ خُلْعِهَا (عِوَضَ الْخُلْعِ) سَوَاءٌ أَكَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ وَقِيمَتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الشِّقْصُ مَعْلُومًا، فَلَوْ أَمْهَرَهَا شِقْصًا غَيْرَ مَعْلُومٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَلَوْ اشْتَرَى بِجُزَافٍ) بِتَثْلِيثِ جِيمِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا نَقْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَمَذْرُوعٍ مَكِيلٍ (وَتَلِفَ) الثَّمَنُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ (امْتَنَعَ الْأَخْذُ) بِالشُّفْعَةِ لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى الثَّمَنِ وَالْأَخْذِ بِالْمَجْهُولِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَهَذَا مِنْ الْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إبْقَاءِ الضَّرَرِ لَا فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ الَّذِي يَأْخُذُ بِهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهَا. وَصُوَرُهَا كَثِيرَةٌ، مِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الشِّقْصَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ بِكَثِيرٍ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ عَرَضًا يُسَاوِي مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ عِوَضًا عَنْ الثَّمَنِ أَوْ يَحُطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَجْهُولٍ مُشَاهَدٍ وَيَقْبِضُهُ وَيَخْلِطُهُ بِغَيْرِهِ بِلَا وَزْنٍ فِي الْمَوْزُونِ أَوْ يُنْفِقَهُ أَوْ يُتْلِفَهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الشِّقْصِ جُزْءًا بِقِيمَةِ الْكُلِّ ثُمَّ يَهَبَهُ الْبَاقِيَ، وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَ كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الشِّقْصِ وَأَخَذَهُ لِلْآخَرِ، بِأَنْ يَهَبَ لَهُ الشِّقْصَ بِلَا ثَوَابٍ ثُمَّ يَهَبَ لَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ. فَإِنْ خَشِيَ عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْهِبَةِ وَكَّلَا أَمِينَيْنِ لِيَقْبِضَاهُمَا مِنْهُمَا مَعًا، بِأَنْ يَهَبَهُ الشِّقْصَ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ، لِيُقْبِضَهُ إيَّاهُ وَيَهَبَهُ الْآخَرُ قَدْرَ قِيمَتِهِ وَيَجْعَلَهُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِيُقْبِضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَتَقَابَضَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِمُتَقَوِّمٍ قِيمَتُهُ مَجْهُولَةٌ كَفَصٍّ ثُمَّ يَضَعَهُ أَوْ يَخْلِطَهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ إحْضَارُهُ وَلَا الْإِخْبَارُ بِقِيمَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الشَّفِيعِ مِنْ رُؤْيَةِ الشِّقْصِ إذَا مَنَعْنَا أَخْذَ مَا لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 384 فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَإِنْ ادَّعَى عِلْمَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ،   [مغني المحتاج] يَرَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي. (فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا) لِثَمَنِ الشِّقْصِ كَقَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِمِائَةِ دِرْهَمٍ (وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ الثَّمَنُ (مَعْلُومَ الْقَدْرِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ بِهِ، وَيُخَالِفُ هَذَا مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَلْفًا فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ كَمْ لَكَ عَلَيَّ حَيْثُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ مِنْهُ إذْ الْمُدَّعَى هُنَا هُوَ الشِّقْصُ لَا الثَّمَنُ الْمَجْهُولُ وَبِتَقْدِيرِ صِدْقِ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ. فَكَانَ ذَلِكَ إنْكَارًا لِوِلَايَةِ الْأَخْذِ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ. وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَشْتَرِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ حَلَفَ كَذَلِكَ وَلِلشَّفِيعِ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَيُحَلِّفَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا. وَهَكَذَا حَتَّى يَنْكُلَ الْمُشْتَرِي فَيُسْتَدَلَّ بِنُكُولِهِ فَيَحْلِفَ عَلَى مَا عَيَّنَهُ وَيُشَفَّعَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ يُسْنَدُ إلَى التَّخْمِينِ كَمَا فِي جَوَازِ الْحَلِفِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ إذَا سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ. وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ نَسِيت قَدْرَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ عُذْرًا بَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ جَوَابٌ كَافٍ تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا حَلَفَ سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ وَقِيلَ: إنَّ الشُّفْعَةَ مَوْقُوفَةٌ إلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْحَالُ وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ النَّصِّ (وَإِنْ ادَّعَى) الشَّفِيعُ (عِلْمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرَى بِالثَّمَنِ (وَلَمْ يُعَيِّنْ) لَهُ (قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ حَقًّا لَهُ. وَالثَّانِي: تُسْمَعُ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: تَلِفَ عَمَّا لَوْ كَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَضْبِطُ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَلْفًا وَكَفًّا مِنْ الدَّرَاهِمِ هُوَ دُونَ الْمِائَةِ يَقِينًا، فَقَالَ الشَّفِيعُ: أَنَا آخُذُهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، لَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُ تَمَامِ الْمِائَةِ. (وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ) الَّذِي دَفَعَهُ مُشْتَرِي الشِّقْصِ (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِتَصْدِيقٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَذَلِكَ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ (فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا) كَأَنْ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْمِائَةِ (بَطَلَ الْبَيْعُ) يَعْنِي بَانَ بُطْلَانُهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ عِوَضِهِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْمَالِكُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا أَمْ نَقْدًا؛ لِأَنَّ النَّقْدَ عِنْدَنَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ كَالْعَرَضِ (وَ) بَطَلَتْ (الشُّفْعَةُ) لِتَرَتُّبِهَا عَلَى الْبَيْعِ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا بَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 385 وَلَا أَبْدَلَ وَبَقِيَا؛ وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إنْ جَهِلَ؛ وَكَذَا إنْ عَلِمَ فِي الْأَصَحِّ؛ وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ كَبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ صَحِيحٌ، وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْوَقْفِ، وَأَخَذَهُ،   [مغني المحتاج] الْمَبِيعِ وَالشُّفْعَةِ دُونَ الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ (وَلَا) بِأَنْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ وَدَفَعَ عَمَّا فِيهَا، فَخَرَجَ الْمَدْفُوعُ مُسْتَحَقًّا (أَبْدَلَ) الْمَدْفُوعَ (وَبَقِيَا) أَيْ الْبَيْعُ وَالشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الشِّقْصِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرَّعَ بِتَسْلِيمِهِ وَحَبْسِهِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ. تَنْبِيهٌ خُرُوجُ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ نُحَاسًا كَخُرُوجِ الثَّمَنِ مُسْتَحَقًّا، وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَنُ رَدِيئًا تَخَيَّرَ الْبَائِعُ بَيْنَ الرِّضَا بِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ. فَإِنْ رَضِيَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِمِثْلِهِ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْ الشَّفِيعِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغَرَضَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْبَائِعُ مَعِيبًا، وَرَضِيَ بِهِ أَنَّ عَلَى الشَّفِيعِ قِيمَتِهِ سَلِيمًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعِيبًا حَكَاهُمَا فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ: فَالتَّغْلِيظُ بِالْمِثْلِيِّ أَوْلَى. قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ ذِكْرُ وَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا اعْتِبَارُ مَا ظَهَرَ: أَيْ لَا مَا رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الْمَعِيبِ. (وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ) ثَمَنًا (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِهِ (لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ) جَزْمًا (إنْ جَهِلَ) كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا بِأَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ (وَكَذَا) لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (إنْ عَلِمَ) كَوْنَهُ مُسْتَحَقًّا (فِي الْأَصَحِّ) إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا كَتَمَلَّكْت الشِّقْصَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الطَّلَبِ وَالْأَخْذِ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ فَكَأَنَّهُ تَرَكَ الْأَخْذَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَمَلُّكٍ جَدِيدٍ. فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ لَمْ تَبْطُلْ جَزْمًا، وَعَلَيْهِ إبْدَالُهُ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ دَفَعَ رَدِيئًا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ عَلِمَ أَوْ جَهِلَ. (وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ) الْمَشْفُوعِ (كَبَيْعٍ) وَهِبَةٍ (وَوَقْفٍ وَإِجَارَةٍ) وَرَهْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ (صَحِيحٌ) ؛؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ كَتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ) مِمَّا لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ لَوْ وُجِدَ ابْتِدَاءً (كَالْوَقْفِ) وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَحُكْمِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا كَالْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ (وَأَخْذِهِ) أَيْ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى هَذَا التَّصَرُّفِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: حَقُّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِالْفَلَسِ يَبْطُلُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 386 وَيَتَخَيَّرُ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ بِالْأَوَّلِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي   [مغني المحتاج] بِتَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي، وَحَقُّ رُجُوعِ الْمُطَلِّقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إلَى نِصْفِ الصَّدَاقِ يَبْطُلُ بِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَنْتَقِلَانِ إلَى الْبَدَلِ وَلَا كَذَلِكَ حَقُّ الشَّفِيعِ (وَيَتَخَيَّرُ) الشَّفِيعُ (فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيْعٍ) وَإِصْدَاقٍ (بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ) (بِالْبَيْعِ الثَّانِي) أَوْ الْإِصْدَاقِ (أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأْخُذَ) هـ (بِالْأَوَّلِ) لِمَا مَرَّ. وَفَائِدَتُهُ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ أَوْ الْجِنْسَ فِيهِ أَسْهَلُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّقْضِ الْفَسْخُ. ثُمَّ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَلْ الْأَخْذُ بِهَا. وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ لَفْظُ فَسْخٍ قَبْلَهُ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْمَطْلَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ: تَصَرُّفُ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَلَا يَكْفِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْوَاهِبُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ تَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْإِبْطَالِ أَوْ الْفَسْخِ كَانَ أَوْلَى. فَإِنَّ النَّقْضَ رَفْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ فَرْعٌ لَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ أَوْ زَرَعَ فِي الْمَشْفُوعِ وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَ قَلَعَ ذَلِكَ مَجَّانًا لِعُدْوَانِ الْمُشْتَرِي نَعَمْ إنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ثُمَّ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا. فَإِنْ قِيلَ: الْقِسْمَةُ تَتَضَمَّنَ غَالِبًا رِضَا الشَّفِيعِ بِتَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِصُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يُظْهِرَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ هِبَةٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِأَقَلَّ أَوْ يَظُنَّ الشَّفِيعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَكِيلٌ لِلْبَائِعِ، وَلِبِنَاءِ الْمُشْتَرِي وَغِرَاسِهِ حِينَئِذٍ حُكْمُ بِنَاءِ الْمُسْتَعِيرِ وَغِرَاسِهِ إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يُكَلَّفُ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ إذَا اخْتَارَ الْقَلْعَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ عَلَى صِفَتِهِ أَوْ يَتْرُكُ وَيَبْقَى زَرْعُهُ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ، وَلِلشَّفِيعِ تَأْخِيرُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهُ، وَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَى أَوَانِ جِدَادِ الثَّمَرَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الشِّقْصِ شَجَرٌ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ لَا تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَأْخُوذِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي إحْدَاثَ بِنَاءٍ وَادَّعَى الشَّفِيعُ أَنَّهُ قَدِيمٌ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الشَّامِلِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ. (وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ تَلِفَ وَلَا بَيِّنَةَ (صُدِّقَ الْمُشْتَرِي) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 387 وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا، فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ وَإِنْ اعْتَرَفَ فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي   [مغني المحتاج] بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا بَاشَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدَّعِ مَا يَكْذِبُهُ الْحِسُّ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَهُوَ يُسَاوِي دِينَارًا لَمْ يُصَدَّقْ فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَالَفَا كَالْمُتَبَايِعِينَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُدَّعٍ وَمُبَاشِرٌ لِلْعَقْدِ، وَهَهُنَا الْمُشْتَرِي لَا يَدَّعِي وَالشَّفِيعُ لَمْ يُبَاشِرْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَزِمَ الشَّفِيعَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ لِاعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ الْبَيْعَ جَرَى بِذَلِكَ وَالْبَائِعُ ظَالِمٌ بِالزِّيَادَةِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّفِيعِ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَقْلِيلِ الثَّمَنِ. وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ أَوْ نَحْوَهُ بَعْدَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أُقِرَّتْ الشُّفْعَةُ وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الشِّقْصِ لِلْبَائِعِ أَوْ تَحَالَفَا قَبْلَ الْأَخْذِ أَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ اعْتَرَفَ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ وَعُهْدَةُ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ (وَكَذَا) يُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ (لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ) لِلشِّقْصِ بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَشْتَرِهِ سَوَاءٌ أَقَالَ: مَعَهُ وَرِثْتُهُ أَوْ اتَّهَبْتُهُ أَمْ لَا (أَوْ) أَنْكَرَ (كَوْنَ الطَّالِبِ) لِلشِّقْصِ (شَرِيكًا) أَوْ كَوْنَ مِلْكِهِ مُقَدَّمًا عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ أَيْضًا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ فِي الْأُولَى وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ عَلَى الْبَتِّ وَاسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ (فَإِنْ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ) الْقَدِيمُ. وَهُوَ الْبَائِعُ (بِالْبَيْعِ) لِلْمُشْتَرِي الْمُنْكِرِ لِلشِّرَاءِ وَالْمَشْفُوعُ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ: إنَّهُ وَدِيعَةٌ لَهُ أَوْ عَارِيَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (فَالْأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ) لِطَالِبِ الشِّقْصِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَحَقِّ الشَّفِيعِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِ الشَّفِيعِ. وَالثَّانِي: لَا تَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الشِّرَاءُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ (وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إلَى الْبَائِعِ إنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ) مِنْ الْمُشْتَرِي. وَعَلَيْهِ عُهْدَةُ الشِّقْصِ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ وَكَأَنَّ الشَّفِيعَ هُوَ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ مِنْ الشَّفِيعِ، كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَالَهُ قَدْ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ الشُّبْهَةِ. فَإِنْ حَلَفَ الْمُشْتَرِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنْهُ وَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ (وَإِنْ اعْتَرَفَ) الْبَائِعُ بِقَبْضِهِ (فَهَلْ يُتْرَكُ) الثَّمَنُ (فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 388 وَيَحْفَظُهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ، وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ   [مغني المحتاج] وَيَحْفَظُهُ) فَإِنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ (فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ نَظِيرُهُ) فِي قَوْلِ الْمَتْنِ هُنَاكَ: إذَا كَذَّبَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ تُرِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ فِي الْأَصَحِّ. فَصَرَّحَ هُنَاكَ بِالْأَصَحِّ وَصَرَّحَ هُنَا بِذِكْرِ الْمُقَابِلِ لَهُ أَيْضًا. فَالْمُرَادُ سَبْقُ أَصْلِ الْخِلَافِ، لَا أَنَّ الْوُجُوهَ كُلَّهَا سَبَقَتْ فِي الْإِقْرَارِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ لَمْ يُقْبَضْ. وَتَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِعْمَالِ أَمْ بَعْدَ، هَلْ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ أَنَّ أَمْ تَكُونُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَأَوْ بَعْدَ هَلْ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي شِرَاءَ الشِّقْصِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَالْبَائِعُ غَائِبٌ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ. وَيَكْتُبُ الْقَاضِي فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ أَخَذَهُ بِالتَّصَادُقِ لِيَكُونَ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ. وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ لِغَيْرِي نُظِرَ إنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ حَاضِرًا وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ مَجْهُولًا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِلَا ثَمَنٍ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى سَدِّ بَابِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ طِفْلًا مُعَيَّنًا، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ لِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ وَاحِدٌ. أَمَّا لَوْ اسْتَحَقَّهَا جَمْعٌ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (أَخَذُوا) بِهَا فِي الْأَظْهَرِ (عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ) مِنْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ بِالْمِلْكِ فَقِسْطٌ عَلَى قَدْرِهِ كَالْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِوَاحِدٍ نِصْفُهَا، وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا، وَلِآخَرَ سُدُسُهَا فَبَاعَ الْأَوَّلُ حِصَّتَهُ أَخَذَ الثَّانِي سَهْمَيْنِ وَالثَّالِثُ سَهْمًا (وَفِي قَوْلٍ) أَخَذُوا (عَلَى) قَدْرِ (الرُّءُوسِ) الَّتِي لِلشُّرَكَاءِ فَيُقْسَمُ النِّصْفُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءً؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ وَاخْتَارَ هَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ مَاتَ مَالِكُ أَرْضٍ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ لِلْعَمِّ وَالْأَخِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمِلْكِ وَالنَّظَرُ فِي الشُّفْعَةِ إلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ لَا إلَى سَبَبِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ الْمُحْوِجَ إلَى إثْبَاتِهَا لَا يَخْتَلِفُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرِيكَيْنِ مَلَكَا بِسَبَبٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الشُّرَكَاءِ مَلَكَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِثَالُهُ بَيْنَهُمَا دَارٌ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلَيْنِ ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِمَا مَرَّ وَإِنْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَلَّفَ دَارًا فَبَاعَتْ إحْدَاهُنَّ نَصِيبَهَا شَفَعَ الْبَاقِيَاتِ كُلَّهُنَّ لَا أُخْتُهَا فَقَطْ (وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 389 الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ، وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ، وَأَنَّ الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ.   [مغني المحتاج] الشَّرِيكَيْنِ) فِي عَقَارٍ مُنَاصَفَةً (نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ) مَثَلًا (ثُمَّ) قَبْلَ أَخْذِ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوِ عَنْهَا بَاعَ (بَاقِيَهَا لِآخَرَ فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ فِي حَالِ الْبَيْعِ شَرِيكٌ إلَّا الْبَائِعُ وَالْبَائِعُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مَا بَاعَهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ عَفَا) الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ (عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ) بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي (شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَبَقَ الْبَيْعَ الثَّانِيَ، وَاسْتَقَرَّ بِعَفْوِ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَنْهُ فَيَسْتَحِقُّ مُشَارَكَتَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْفُ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بَلْ أَخَذَهُ مِنْهُ (فَلَا) يُشَارِكُ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُشَارِكُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ حَالَةَ الشِّرَاءِ، وَالثَّالِثُ: لَا يُشَارِكُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الْقَدِيمَ تَسَلَّطَ عَلَى مِلْكِهِ فَكَيْفَ يُزَاحِمُهُ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقَعَ الْبَيْعَانِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنْ وَقَعَا مَعًا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ فِيهِمَا مَعًا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً، وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ بَعْدَ الْبَيْعِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ عَفَا قَبْلَهُ اشْتَرَكَا فِيهِ قَطْعًا أَوْ أَخَذَ قَبْلَهُ انْتَفَتْ قَطْعًا. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَحَدُ شَفِيعَيْنِ سَقَطَ حَقُّهُ) مِنْ الشُّفْعَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ (وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ) كَالْمُنْفَرِدِ (وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ) لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَالثَّانِي: يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي وَغَيْرُهُ كَالْقِصَاصِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِيلُ تَبْعِيضُهُ وَيُنْتَقَلُ إلَى بَدَلِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَتَخَيَّرَ الْآخَرُ إلَخْ فِي حَيِّزِ الْأَصَحِّ كَمَا تَقَرَّرَ، فَلَوْ قَالَ: وَإِنَّ الْآخَرَ يُخَيَّرُ كَانَ أَصَرْحَ فِي إفَادَةِ الْخِلَافِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي شُفْعَةٍ ثَبَتَتْ لِعَدَدٍ ابْتِدَاءً، فَلَوْ كَانَ لِشِقْصٍ شَفِيعَانِ فَمَاتَ كُلٌّ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ عَفَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ حَقُّهُ وَانْتَقَلَ لِلثَّلَاثَةِ فَيَأْخُذُونَ الشِّقْصَ أَثْلَاثًا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) الشَّفِيعَ (الْوَاحِدَ إذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ) كَالْقِصَاصِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ حَدِّ الْقَذْفِ، وَالثَّالِثُ: يَسْقُطُ مَا أَسْقَطَهُ وَيَبْقَى الْبَاقِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 390 وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ.   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ. (وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَيْنِ) وَغَابَ الْآخَرُ (فَلَهُ) أَيْ الْحَاضِرِ (أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ) لَا الِاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَأْخُذْ الْغَائِبُ، إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ بِوَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي الْأَخْذِ، فَلَوْ رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَأْخُذَ الْحَاضِرُ حِصَّتَهُ فَقَطْ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ لَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ الْوَاحِدُ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ، وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ (فَإِذَا) أَخَذَ الْحَاضِرُ الْجَمِيعَ ثُمَّ (حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ) فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فَحُضُورُهُ الْآنَ، كَحُضُورِهِ مِنْ قَبْلُ وَمَا اسْتَوْفَاهُ الْحَاضِرُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالثَّمَرَةِ وَالْأُجْرَةِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْغَائِبُ، كَمَا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُشَارِكُ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْأَخْذِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ) وَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ لِعُذْرِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ الْآنَ. وَالثَّانِي: لَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْأَخْذِ. وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ ثَلَاثَةٌ كَأَنْ كَانَتْ دَارٌ لِأَرْبَعَةٍ بِالسَّوَاءِ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَاسْتَحَقَّهَا الْبَاقُونَ فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ أَخَذَ الْكُلَّ أَوْ تَرَكَ أَوْ أَخَّرَ لِحُضُورِهِمَا كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَخَذَ الْكُلَّ وَحَضَرَ الثَّانِي نَاصَفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَفِيعَانِ، وَإِذَا حَضَرَ الثَّالِثُ أَخَذَ مِنْ كُلِّ ثُلُثٍ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَخْذَ ثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ جَازَ كَمَا يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَقَطْ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلثَّانِي أَخْذَ الثُّلُثِ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ الْحَقُّ عَلَيْهِ إذْ الْحَقُّ ثَبَتَ لَهُمْ أَثْلَاثًا، فَإِنْ حَضَرَ الثَّالِثُ وَأَخَذَ نِصْفَ مَا فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَوْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِ كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْأَوَّلِ النِّصْفَ اسْتَوَوْا فِي الْمَأْخُوذِ أَوْ أَخَذَ الثَّالِثُ ثُلُثَ الثُّلُثِ الَّذِي فِي يَدِ الثَّانِي، فَلَهُ ضَمُّهُ إلَى مَا فِي يَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ ثُلُثَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ تِسْعَةٍ يَضُمُّهُ إلَى سِتَّةٍ مِنْهَا فَلَا تَصِحُّ عَلَى اثْنَيْنِ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي تِسْعَةٍ فَلِلثَّانِي مِنْهَا اثْنَانِ فِي الْمَضْرُوبِ فِيهَا بِأَرْبَعَةٍ يَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا سَبْعَةٌ، وَإِذَا كَانَ رُبْعُ الدَّارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَجُمْلَتُهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلثَّالِثِ أَخْذُ ثُلُثِ الثُّلُثِ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِي مِنْهُ ثُلُثُهُ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ فَعَفَا الْحَاضِرُ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ فَوَرِثَهُ الْحَاضِرُ أَخَذَ الْكُلَّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَفَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ الْآنَ يَأْخُذُ بِحَقِّ الْإِرْثِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَضُرُّ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي شِقْصِ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ بِتَعَدُّدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 391 وَلَوْ اشْتَرَيَا شِقْصًا فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ،   [مغني المحتاج] الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ لَمْ يَضُرَّ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ اشْتَرَيَا) أَيْ اثْنَانِ (شِقْصًا) مِنْ وَاحِدٍ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا) فَقَطْ إذْ لَا تَفْرِيقَ عَلَيْهِ (وَلَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ فَلَهُ) أَيْ الشَّفِيعِ (أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِعَقْدَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الْجَمِيعَ فَلَا يُفَرَّقُ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَاعَ شِقْصَيْنِ مِنْ دَارَيْنِ صَفْقَةً جَازَ أَخْذُ أَحَدِهِمَا، وَلَوْ اتَّحَدَ فِيهِمَا الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى تَبْعِيضِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ مِنْ اثْنَيْنِ جَازَ لِلشَّفِيعِ أَخْذُ رُبْعِهِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ أَوْ الْجَمِيعِ. وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ شَرِيكَهُ بِبَيْعِ نَصِيبِهِ، فَبَاعَ نَصِيبَهُمَا صَفْقَةً بِالْإِذْنِ فِي بَيْعِهِ كَذَلِكَ أَوْ بِدُونِهِ لَمْ يُفَرِّقْهَا الثَّالِثُ، بَلْ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ أَوْ يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْعَاقِدِ لَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ نِصْفِ نَصِيبِهِ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ صَفْقَةً فَبَاعَ كَذَلِكَ فَلِلْمُوَكِّلِ إفْرَادُ نَصِيبِ الْوَكِيلِ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ بِحَقِّ النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَا لَا شُفْعَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ وَهُوَ مِلْكُهُ، وَعَلَى مَا فِيهِ شُفْعَةٌ وَهُوَ مِلْكُ الْوَكِيلِ، فَأَشْبَهَ مَنْ بَاعَ شِقْصًا وَثَوْبًا بِمِائَةٍ. تَنْبِيهٌ قَدْ سَبَقَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدْ عَكَسُوا هُنَا فَقَطَعُوا بِتَعَدُّدِهَا بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي، وَالْخِلَافُ فِي تَعَدُّدِ الْبَائِعِ، وَالْفَرْقُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ فِي ذَلِكَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الشُّفْعَةَ) بَعْدَ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ (عَلَى الْفَوْرِ) ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْفَوْرِ هُوَ طَلَبُهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ التَّمْلِيكُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْعِمْرَانِيِّ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا تَمْتَدُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَثَانِيهَا تَمْتَدُّ مُدَّةً تَسَعُ التَّأَمُّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشِّقْصِ وَثَالِثُهَا أَنَّهَا عَلَى التَّأْبِيدِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهَا أَوْ يُعَرِّضْ بِهِ كَبِعْهُ لِمَنْ شِئْتُ. تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ عَشْرَ صُوَرٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَوْرُ وَغَالِبُهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ لَا بَأْسَ بِجَمْعِهَا: الْأُولَى لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا الثَّانِيَةُ لَهُ التَّأْخِيرُ لِانْتِظَارِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ وَحَصَادِهِ عَلَى الْأَصَحِّ الثَّالِثَةُ إذَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ فَتَرَكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَحَقُّهُ بَاقٍ الرَّابِعَةُ إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ غَائِبًا فَلِلْحَاضِرِ انْتِظَارُهُ وَتَأْخِيرُ الْأَخْذِ إلَى حُضُورِهِ الْخَامِسَةُ إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 392 فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ،   [مغني المحتاج] اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ السَّادِسَةُ لَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الشُّفْعَةَ وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ السَّابِعَةُ لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبُولُ قَوْلِهِ الثَّامِنَةُ لَوْ كَانَ الشِّقْصُ الَّذِي يَأْخُذُ بِسَبَبِهِ مَغْصُوبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ فَغُصِبَ عَلَى نَصِيبِهِ ثُمَّ بَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ سَاعَةَ رُجُوعِهِ إلَيْهِ نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ. التَّاسِعَةُ الشُّفْعَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرَاخِي قَطْعًا حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا أَوْ عَفَا عَنْهَا، لَمْ يَسْقُطْ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. الْعَاشِرَةُ: لَوْ بَلَغَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، فَأَخَّرَ لِيَعْلَمَ لَا يَبْطُلُ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ (فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ (بِالْبَيْعِ) مَثَلًا (فَلْيُبَادِرْ) عَقِبَ عِلْمِهِ بِالشِّرَاءِ (عَلَى الْعَادَةِ) وَلَا يُكَلَّفُ الْبِدَارَ عَلَى خِلَافِهَا بِالْعَدْوِ وَنَحْوِهِ، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَمَا عَدُّوهُ تَقْصِيرًا وَتَوَانِيًا كَانَ مُسْقِطًا، وَمَا لَا فَلَا، وَسَبَقَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَثِيرٌ مِنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ هُنَا بَعْضَهُ، فَلَوْ جَمَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَأَحَالَ الْآخَرَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْمُبَادَرَةِ بِالطَّلَبِ عَقِبَ الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَاحْتَرَزَ بِالْعِلْمِ عَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَلَوْ مَضَى سُنُونَ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِشْهَادَ عَلَى الطَّلَبِ إذَا سَارَ طَالِبُهُ فِي الْحَالِ أَوْ وَكَّلَ فِي الطَّلَبِ فَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الشُّرَّاحِ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ. (فَإِنْ كَانَ) لِلشَّفِيعِ عُذْرٌ كَكَوْنِهِ (مَرِيضًا) مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا كَصُدَاعٍ يَسِيرٍ، أَوْ مَحْبُوسًا ظُلْمًا، أَوْ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَعَاجِزٌ عَنْ الْبَيِّنَةِ (أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي) غَيْبَةً حَائِلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُبَاشَرَةِ الطَّلَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِهِ (أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ فَلْيُوَكِّلْ) فِي طَلَبِهَا (إنْ قَدَرَ) عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ، وَيُعْذَرُ الْغَائِبُ فِي تَأْخِيرِ الْحُضُورِ لِلْخَوْفِ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً تُعْتَمَدُ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُفْرِطَيْنِ (وَإِلَّا) ؛ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ التَّوْكِيلِ (فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ) لَهَا عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ لَا يَحْكُمُ بِهِ فَلَمْ يَسْتَوْثِقْ لِنَفْسِهِ. لَكِنَّ قِيَاسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 393 فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ. فَلَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ فَلَهُ الْإِتْمَامُ، وَلَوْ أَخَّرَ وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ لَمْ يُعْذَرْ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ، وَكَذَا ثِقَةٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَقْرَبُ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ (فَإِنْ تَرَكَ) الشَّفِيعُ (الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) أَيْ التَّوْكِيلِ وَالْإِشْهَادِ فِي مَحِلِّهِ وَتَرْتِيبِهِ (بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَقْصِيرِهِ فِي الْأُولَى وَلِإِشْعَارِ السُّكُوتِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ بِالرِّضَا فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْحَقُهُ فِي الْأُولَى مِنَّةٌ أَوْ مُؤْنَةٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ: أَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَعَيُّنُ التَّوْكِيلِ فِي الْغَيْبَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا فَحَضَرَ عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ الْغَيْبَةِ وَأَثْبَتَ الشُّفْعَةَ وَحَكَمَ لَهُ بِهَا وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى بَلَدِ الْبَيْعِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهَا تَقَرَّرَتْ بِحُكْمِ الْقَاضِي. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَثَبَتَ أَنَّ الْغَائِبَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَبَيْنَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ، وَقِيَاسُهُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ حَاضِرًا وَالْمُشْتَرِي غَائِبًا، وَلَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُكَلَّفْ التَّوْكِيلَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمُبَادَرَةِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّوْكِيلُ بِحَالَةِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّوْكِيلِ عِنْدَ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا، لَا لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّلَبِ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ أَلْزَمْنَاهُ الْإِشْهَادَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ تَمَلَّكْتُ الشِّقْصَ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. (فَلَوْ) عَلِمَ الْحَاضِرُ بِالْبَيْعِ، وَ (كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ) أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ (فَلَهُ الْإِتْمَامُ) وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ: أَيْ بَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمُسْتَحَبَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَلَوْ حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا، وَأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَهُ فَإِذَا فَرَغَ طَالَبَهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَحَتَّى يُصْبِحَ، وَلَوْ لَقِيَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الشِّقْصِ فَأَخَّرَ الْأَخْذَ إلَى الْعَوْدِ إلَى بَلَدِ الشِّقْصِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لَاسْتِغْنَاءِ الْأَخْذِ عَنْ الْحُضُورِ عِنْدَ الشِّقْصِ (وَلَوْ أَخَّرَ) الطَّلَبَ لَهَا (وَقَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخْبِرَ) بِبَيْعِ الشَّرِيكِ الشِّقْصَ (لَمْ يُعْذَرْ) جَزْمًا (إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ) أَوْ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ (وَكَذَا) إنْ أَخْبَرَهُ (ثِقَةٌ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَإِخْبَارُ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ، وَالثَّانِي: يُعْذَرُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَثْبُتُ بِالْوَاحِدِ (وَيُعْذَرُ إنْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ) كَفَاسِقٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 394 وَلَوْ أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ، وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِي فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَتِك لَمْ يَبْطُلْ، وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ. وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا.   [مغني المحتاج] وَصَبِيٍّ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمُخْبِرُونَ لِلشَّفِيعِ حَدَّ التَّوَاتُرِ، فَإِنْ بَلَغُوا وَلَوْ صِبْيَانًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ فُسَّاقًا بَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ قَالَ: فِيمَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ جَهِلْتُ ثُبُوتَ عَدَالَتِهِمَا، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ لَا تُسْمَعُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلَانِ وَلَيْسَا عَدْلَيْنِ عِنْدِي وَهُمَا عَدْلَانِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ. (وَلَوْ أُخْبِرَ) الشَّفِيعُ (بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ) الشُّفْعَةَ (فَبَانَ) بِأَقَلَّ كَأَنْ بَانَ (بِخَمْسِمِائَةٍ بَقِيَ حَقُّهُ) فِي الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ زُهْدًا بَلْ لِلْغَلَاءِ فَلَيْسَ مُقَصِّرًا وَيَبْقَى حَقُّهُ أَيْضًا لَوْ كُذِبَ عَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْمُشْتَرِي أَوْ عَدَدِهِ أَوْ قَدْرِ الْمَبِيعِ أَوْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ حُلُولِهِ أَوْ قِصَرِ أَجَلِهِ فَتَرَكَ (وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ) مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ أَوْ أُخْبِرَ بِبَيْعِ جَمِيعِهِ بِأَلْفٍ فَبَانَ أَنَّهُ بَاعَ بَعْضَهُ بِأَلْفٍ (بَطَلَ) حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ بِالْأَقَلِّ فَبِالْأَكْثَرِ أَوْلَى وَيَبْطُلُ أَيْضًا لَوْ أُخْبِرَ بِبَيْعِ الشِّقْصِ بِكَذَا مُؤَجَّلًا فَتَرَكَ فَبَانَ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّعْجِيلِ إنْ كَانَ يَقْصِدُهُ (وَلَوْ لَقِيَ) الشَّفِيعُ (الْمُشْتَرِيَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) أَوْ سَأَلَ عَنْ الثَّمَنِ (أَوْ قَالَ) : لَهُ (بَارَكَ اللَّهُ) لَكَ (فِي صَفْقَتِكَ لَمْ يَبْطُلْ) حَقُّهُ. أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ قَبْلَ الْكَلَامِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ، فَلِأَنَّ جَاهِلَ الثَّمَنِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ يُرِيدُ الْعَارِفُ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَدْعُو بِالْبَرَكَةِ لِيَأْخُذَ صَفْقَةً مُبَارَكَةً، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ السَّلَامِ وَالدُّعَاءِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ (وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِإِشْعَارِهِ بِتَقْرِيرِ بَيْعِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إذَا زَادَ لَفْظَةَ لَكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. تَنْبِيهٌ: زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا كَأَنْ مَاتَ الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ فِي دَيْنِهِ جَبْرًا عَلَى الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا لَهُ (وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ) أَوْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ بَيْعٍ كَهِبَةٍ (جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا) لِزَوَالِ سَبَبِهَا، وَهُوَ الشَّرِكَةُ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَرِيكًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَلَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَعُمُّ جَهْلَهُ بِالْبَيْعِ وَجَهْلَهُ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ أَوْ بِفَوْرِيَّتِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ وَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا سَبَقَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاحْتَرَزَ بِالْجَهْلِ عَنْ الْعِلْمِ فَيَبْطُلُ جَزْمًا هَذَا إذَا بَاعَ جَمِيعَ حِصَّتِهِ، فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهَا عَالِمًا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهَا بِجَمِيعِ نَصِيبِهِ، فَإِذَا بَاعَ بَعْضَهُ بَطَلَ بِقَدْرِهِ وَإِذَا بَطَلَ الْبَعْضُ بَطَلَ الْكُلُّ كَمَا لَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ أَوْ جَاهِلًا فَلَا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِعُذْرِهِ مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ زَالَ الْبَعْضُ قَهْرًا؛ كَأَنْ مَاتَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 395 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الشَّفِيعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ الْأَخْذِ فَبِيعَ بَعْضُ حِصَّتِهِ فِي دَيْنِهِ جَبْرًا عَلَى الْوَارِثِ وَبَقِيَ بَاقِيهَا لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِانْتِفَاءِ تَخَيُّلِ الْعَفْوِ عَنْهُ. خَاتِمَةٌ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الشُّفْعَةِ بِحَالٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إنْ عَلِمَ بِفَسَادِهِ فَإِنْ صَالَحَ عَنْهَا فِي الْكُلِّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ بَطَلَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ وَكَذَا الشُّفْعَةُ إنْ عَلِمَ بِبُطْلَانِهِ؛ وَإِلَّا فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ جَاهِلًا وَفَسَخَ ثُمَّ عَلِمَ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُرْشِدِ، وَلِلْمُفْلِسِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَالْعَفْوُ عَنْهَا وَلَا يُزَاحِمُ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ بَلْ يَبْقَى ثَمَنُ مَا اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا اشْتَرَاهُ إنْ جَهِلَ فَلَسَهُ، وَلِلْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ أَخْذُهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا جَازَ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا فَلَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ بِمَالِ الْقِرَاضِ شِقْصًا مِنْ شَرِيكِ الْمَالِكِ لَمْ يَشْفَعْ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ شَرِيكَ الْبَائِعِ فِي الشِّقْصِ الْمَبِيعِ مِنْهُ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئًا بِالظُّهُورِ وَإِنْ بَاعَ الْمَالِكُ شِقْصَهُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرِيكٍ، وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ لِذَلِكَ، وَلِلشَّفِيعِ تَكْلِيفُ الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ الشِّقْصِ لِيَأْخُذهُ مِنْهُ وَلَهُ أَيْضًا الْأَخْذُ مِنْ الْبَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُقْرِي وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْهُ وَعَفْوُ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَشَرْطُ الْخِيَارِ وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُسْقِطُ كُلٌّ مِنْهَا شُفْعَتَهُ، وَإِنْ بَاعَ شَرِيكُ الْمَيِّتِ فَلِوَارِثِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَا لِوَلِيِّ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ، وَإِنْ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلْمَيِّتِ وَوَرِثَهُ الْحَمْلُ أُخِّرَتْ لِانْفِصَالِهِ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْأَخْذُ لَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لِذَلِكَ وَلِلْوَارِثِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ وَلَوْ بَاعَ الْوَرَثَةُ فِي الدَّيْنِ بَعْضَ دَارِ الْمَيِّتِ لَمْ يَشْفَعُوا، وَإِنْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مَلَكُوهَا كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِمْ؛ فَلَا يَأْخُذُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ. وَأَمَّا أَخْذُ كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَ الْبَاقِي بِالشُّفْعَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَلَوْ تَوَكَّلَ الشَّفِيعُ فِي بَيْعِ الشِّقْصِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 396 كِتَابُ الْقِرَاضِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْقِرَاضِ] ِ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَقْطَعُ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا، وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّبْحِ، أَوْ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْعَمَلَ مِنْ الْعَامِلِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَلِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ يُسَمَّى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 397 الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ أَنْ يَدْفَعَ: إلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةً، فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ مَغْشُوشٍ وَعُرُوضٍ   [مغني المحتاج] ضَرْبًا، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَالِكَ النَّخِيلِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَمَنْ يُحْسِنُ الْعَمَلَ قَدْ لَا يَمْلِكُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِرَاضِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ كَمَا قِيلَ: رُخْصَةٌ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الْإِجَارَاتِ، كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَالْحَوَالَةُ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَالْعَرَايَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ» ،. وَأَمَّا (الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ) وَالْمُقَارَضَةُ شَرْعًا فَهُوَ (أَنْ يَدْفَعَ) أَيْ الْمَالِكُ (إلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (مَالًا لِيَتَّجِرَ) أَيْ الْعَامِلُ (فِيهِ، وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَهُمَا، فَخَرَجَ بِيَدْفَعَ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَلَى دَيْنٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَمْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ " الْوَكِيلُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ. تَنْبِيهٌ قَالَ السُّبْكِيُّ: قَدْ يُشَاحِحُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَدْفَعَ، وَيُقَالُ: الْقِرَاضُ الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلدَّفْعِ، لَا نَفْسُ الدَّفْعِ اهـ. وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: مَالٌ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ) فِيهِ (دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ خَالِصَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، (فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ ضَرْبِهِمَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا يُقَالُ: تِبْرٌ إلَّا لِلذَّهَبِ، (وَ) لَا عَلَى (حُلِيٍّ وَمَغْشُوشٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ رُوجِعَتْ وَعُلِمَ قَدْرُ غِشِّهَا وَجَوَّزْنَا التَّعَامُلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغِشَّ الَّذِي فِيهَا عَرَضٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: يَقْوَى عِنْدِي أَنْ أُفْتِيَ بِالْجَوَازِ، وَأَنْ أَحْكُمَ بِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، (وَ) لَا عَلَى (عُرُوضٍ) مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً وَلَوْ فُلُوسًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدُ غَرَرٍ إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ غَالِبًا، وَيَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ، وَهُوَ الْأَثْمَانُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 398 وَمَعْلُومًا مُعَيَّنًا، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ، وَمُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ   [مغني المحتاج] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مَعًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَيَكُونُ نَقْدًا، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ صِحَّةُ الْقِرَاضِ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ، أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ (مَعْلُومًا) ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِهِ، وَلَا عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمِثْلُهَا الْجِنْسُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى غَيْرِ الْمَرْئِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ. وَأَنْ يَكُونَ (مُعَيَّنًا) ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. (وَقِيلَ: يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ) الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَيَتَعَيَّنُ الْقِرَاضُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مَعْلُومًا، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ فِي إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ عُيِّنَتْ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الصِّحَّةَ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ مَا لَوْ خَلَطَ أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَشَارَكْتُك فِي الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ أَلْفِ الْقِرَاضِ، وَيَنْفَرِدُ الْعَامِلُ بِالتَّصَرُّفِ فِي أَلْفِ الْقِرَاضِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي بَاقِي الْمَالِ، وَلَا يُخْرِجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَمْعِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّوْكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ. وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَرَاهِمُ مُشْتَرَكَةٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: قَارَضْتُكَ عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ، وَلَوْ قَارَضَ الْمُودِعُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ، أَوْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ - صَحَّ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَغْصُوبِ لِمَنْ يُعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِرَاضِ. وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ، فَإِذَا قَبَضْته فَقَدْ قَارَضْتُكَ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ لِتَعْلِيقِهِ. وَلَوْ قَالَ: اعْزِلْ مَالِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ فَعَزَلَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ، ثُمَّ قَارَضَهُ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا عَزَلَهُ بِغَيْرِ قَبْضٍ. وَلَوْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِإِذْنِهِ، وَالرِّبْحُ لِلْآمِرِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. (وَ) أَنْ يَكُونَ (مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ) ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 399 فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا عَمَلِهِ مَعَهُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا،   [مغني المحتاج] وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ: (فَلَا يَجُوزُ) ، وَلَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَهُوَ (شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ) أَوْ غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ، وَلَا شَرْطِ مُرَاجَعَتِهِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، (وَلَا) شَرْطِ (عَمَلِهِ) أَيْ الْمَالِكِ (مَعَهُ) أَيْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ التَّصَرُّفِ يُفْضِي إلَى انْقِسَامِ الْيَدِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا مِنْ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ اسْتِقْلَالُ الْعَامِلِ بِالتَّصَرُّفِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِهِ مَعَهُ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُشْرِفٌ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرٍ تَوَقُّفٍ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ لَمْ يَصِحَّ أَخْذًا مِنْ التَّعْدِيلِ السَّابِقِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ. (وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ) أَيْ عَبْدِ (الْمَالِكِ مَعَهُ) مُعِينًا لَهُ لَا شَرِيكًا لَهُ فِي الرَّأْيِ (عَلَى الصَّحِيحِ) كَشَرْطِ إعْطَاءِ بَهِيمَةٍ لَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ كَشَرْطِ عَمَلِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ يَدَ عَبْدِهِ يَدُهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ: بِأَنَّ عَبْدَهُ وَبَهِيمَتَهُ مَالٌ، فَجُعِلَ عَمَلُهُمَا تَبَعًا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ، وَبِخِلَافِ عَبْدِهِ إذَا جَعَلَهُ شَرِيكًا فِي الرَّأْيِ لِمَا مَرَّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ مَعْلُومَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِغُلَامِهِ يَشْمَلُ أَجِيرَهُ الْحُرَّ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ كَعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مِثْلَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا جَعَلْتُ الْغُلَامَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ لِعَبْدِهِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَمَلَهُ مَعَهُ لِرُجُوعِ مَا شَرَطَ لِعَبْدِهِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ نَوْعِ مَا يَتَّجِرُ فِيهِ الْعَامِلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ بِاشْتِرَاطِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ: (وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ) وَهِيَ الِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. فَائِدَةٌ الْوَظِيفَةُ - بِظَاءٍ مُشَالَةٍ - مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) كَذَا (تَوَابِعُهَا) مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ (كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا) وَذَرْعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي، وَمِنْهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 400 فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ، أَوْ غَزْلًا يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ فَسَدَ الْقِرَاضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ.   [مغني المحتاج] أَنَّ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ فِعْلُهُ - إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَخَرَجَ بِالتِّجَارَةِ اسْتِخْرَاجُ الْعَامِلِ الرِّبْحَ بِاحْتِرَافٍ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً) مَثَلًا (فَيَطْحَنَ) وَيَعْجِنَ (وَيَخْبِزَ) وَيَبِيعَ ذَلِكَ، (أَوْ) يَشْتَرِيَ (غَزْلًا) مَثَلًا (يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ) وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا - (فَسَدَ الْقِرَاضُ) فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ شُرِعَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ مَضْبُوطَةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَشْمَلْهَا الرُّخْصَةُ، وَالْعَامِلُ فِيهَا لَيْسَ مُتَّجِرًا، بَلْ مُحْتَرِفًا فَلَيْسَتْ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ، فَلَوْ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ وَطَحَنَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ الْقِرَاضُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ. ثُمَّ إنْ طَحَنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ، وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا نَقَصَ بِالطَّحْنِ، فَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ فِيهِ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَحَظُّ الْعَامِلِ التَّصَرُّفُ فَقَطْ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يَظْهَرُ الْجَوَازُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيُخَزِّنَهَا مُدَّةً، فَإِذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهَا بَاعَهَا - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَيْسَ حَاصِلًا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ. وَفِي الْبَحْرِ نَحْوُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. بَلْ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَتَبِيعَهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ، (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ) - بِالْمَدِّ بِخَطِّهِ - (مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ) كَهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذَا الثَّوْبِ، (أَوْ) شِرَاءَ (نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ) كَالْخَيْلِ الْبُلْقِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَزِّ الْأَدْكَنِ، (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (مُعَامَلَةَ شَخْصٍ) بِعَيْنِهِ كَلَا تَبِعْ إلَّا لِزَيْدٍ، أَوْ لَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْهُ، لِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يَرْبَحُ، وَالنَّادِرُ قَدْ لَا يَجِدُهُ، وَالشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يُعَامِلُهُ، وَقَدْ لَا يَجِدُ عِنْدَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ رِبْحًا. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَيَضُرُّ تَعْيِينُ الْحَانُوتِ دُونَ السُّوقِ؛ لِأَنَّ السُّوقَ كَالنَّوْعِ الْعَامِّ، وَالْحَانُوتَ كَالْعَرْضِ الْمُعَيَّنِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّوْعَ إذَا لَمْ يَنْدُرْ وُجُودُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّضْيِيقِ، وَكَذَا إنْ نَدَرَ، وَكَانَ بِمَكَانٍ يُوجَدُ فِيهِ غَالِبًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ شِرَاءُ غَيْرِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَالشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يُصَارِفَ مَعَ الصَّيَارِفَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُونَ عَمَلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 401 وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا فَسَدَ، وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِالشَّرْطِ فَتَفْسُدُ الْمُصَارَفَةُ مَعَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَهُ صَرْفًا لَا مَعَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَجْهَانِ: أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ، وَإِلَّا فَالثَّانِي وَلَا يَشْتَرِطُ تَعْيِينَ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْعَامِلِ حَظًّا يَحْمِلُهُ عَلَى بَذْلِ الْمَجْهُودِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَعَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لِمَا عَيَّنَهُ إنْ عَيَّنَ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْإِذْنِ، فَالْإِذْنُ فِي الْبَزِّ يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ الْمَنْسُوجِ لَا الْأَكْسِيَةِ وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ؛ لِأَنَّ بَائِعَهَا لَا يُسَمَّى بَزَّازًا. . (وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ) بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِرَاضِ، وَهُوَ الرِّبْحُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى فَسْخِ الْقِرَاضِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك مَا شِئْتُ أَوْ مَا شِئْتَ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُعْقَدَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدَ قَارَضْتُك، أَوْ عَلَّقَ تَصَرُّفَهُ كَأَنْ قَالَ: قَارَضْتُكَ الْآنَ، وَلَا تَتَصَرَّفْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا وَلَا تَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ. وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ: إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قِرَاضًا، عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لَوْ صَحَّ، (فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً) كَشَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ لِإِخْلَالِ التَّأْقِيتِ بِمَقْصُودِ الْقِرَاضِ، فَقَدْ لَا يَرْبَحُ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً كَشَهْرٍ (وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ) أَوْ الْبَيْعَ - كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ - (بَعْدَهَا فَسَدَ) الْعَقْدُ لِمَا مَرَّ. (وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ) فَقَطْ كَأَنْ قَالَ: لَا تَشْتَرِ (بَعْدَهَا) ، وَلَك الْبَيْعُ (فَلَا) يَفْسُدُ الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الَّذِي لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِشَهْرٍ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ: يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاءُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِخِلَافِ نَحْوِ سَاعَةٍ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - كَغَيْرِهِ - أَنَّهُ أَقَّتَ الْقِرَاضَ بِمُدَّةٍ وَمَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَأْقِيتًا أَصْلًا كَقَوْلِهِ: قَارَضْتُك وَلَا تَتَصَرَّفْ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَمَنَعَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ التَّصَرُّفَ أَمْ الْبَيْعَ - كَمَا مَرَّ - أَمْ سَكَتَ أَمْ الشِّرَاءَ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً كَمُدَّةِ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ: وَهُوَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 402 وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ قِرَاضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ قَالَ كُلُّهُ لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: إبْضَاعٌ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ فَلَوْ قَالَ:   [مغني المحتاج] الرِّبْحُ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ) ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ مِنْهُ لِثَالِثٍ إلَّا عَبْدَ الْمَالِكِ - كَمَا مَرَّ -، أَوْ عَبْدَ الْعَامِلِ، فَإِنَّ مَا شُرِطَ لَهُ يُضَمُّ إلَى مَا شُرِطَ لِسَيِّدِهِ. تَنْبِيهٌ: جَرَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ خِلَافَ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا: يُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُ الرِّبْحِ بِهِمَا، (وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ) ؛ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ بِمِلْكِهِ وَالْعَامِلُ بِعَمَلِهِ، فَلَا يُخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا. تَنْبِيهٌ لَا يُغْنِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَدَقَ عَلَيْهِ اخْتِصَاصُهُمَا بِهِ إذَا لَمْ يُشْرَطُ فِيهِ شَيْءٌ لِثَالِثٍ. (فَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ) فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا لِلَّفْظِ، (وَقِيلَ: قِرَاضٌ صَحِيحٌ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى. (وَإِنْ قَالَ) الْمَالِكُ: (كُلُّهُ) أَيْ الرِّبْحُ (لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ) فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْأُولَى أُجْرَةَ عَمَلِهِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِمَا، كَمَا سَيَأْتِي، (وَقِيلَ) هُوَ (إبْضَاعٌ) أَيْ تَوْكِيلٌ بِلَا جُعْلٍ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَالْإِبْضَاعُ بَعْثُ مَالٍ مَعَ مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا، وَالْبِضَاعَةُ الْمَالُ الْمَبْعُوثُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَبْضَعْتُكَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك أَوْ كُلَّهُ لَك هَلْ هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ أَوْ إبْضَاعٌ؟ . وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ وَتَصَرَّفْ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كَذَلِكَ فَقَرْضٌ صَحِيحٌ، أَوْ كُلُّهُ فَإِبْضَاعٌ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهَا صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْضَعْتُكَ كَانَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ: تَصَرَّفْ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَيَكُونُ إبْضَاعًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ: اتَّجِرْ فِيهَا لِنَفْسِك حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ. وَلَوْ قَالَ: خُذْ الْمَالَ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ مَثَلًا صَحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: أَرَدْت أَنَّ النِّصْفَ لِي فَيَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، قَالَهُ سَلِيمٌ. (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْإِشْرَاكِ فِي الرِّبْحِ (مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ) كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مَعْلُومًا بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ قَالَ) : الجزء: 3 ¦ الصفحة: 403 عَلَى أَنَّ لَك فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فَسَدَ، أَوْ بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِي النِّصْفُ فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: لَك النِّصْفُ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ فَسَدَ.   [مغني المحتاج] قَارَضْتُك (عَلَى أَنَّ لَك) أَوْ لِي (فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا) أَوْ جُزْءًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ، أَوْ عَلَى أَنْ تَخُصَّنِي بِدَابَّةٍ تَشْتَرِيهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ تَخُصَّنِي بِرُكُوبِهَا أَوْ بِرِبْحِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ مَثَلًا، وَلَوْ كَانَا مَخْلُوطَيْنِ، أَوْ عَلَى أَنَّك إنْ رَبِحْت أَلْفًا، فَلَكَ نِصْفُهُ، أَوْ أَلْفَيْنِ فَلَكَ رُبْعُهُ (فَسَدَ) الْقِرَاضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الرِّبْحِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ، وَبِعَيْنِهِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ فِي صُورَتِهَا الثَّانِيَةِ رُبَّمَا تَنْقُصُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَتَعَذَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ خُصِّصَ الْعَامِلُ فِي الَّتِي تَلِيهَا، وَفِي صُورَتِهَا الْأُولَى بِرِبْحِ بَعْضِ الْمَالِ، (أَوْ) أَنَّ الرِّبْحَ (بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ) ، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْمُنَاصَفَةِ، فَلَا يَكُونُ الْجُزْءُ مَعْلُومًا، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا لَمْ يَصِحَّ، كَمَا فِي الْأَنْوَارِ لِلْجَهْلِ بِمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك كَقِرَاضِ فُلَانٍ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك وَلَك رُبْعُ سُدُسِ الْعُشْرِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَجَهِلَا حَالَ الْعَقْدِ حِسَابَهُ. (وَلَوْ قَالَ: لِي النِّصْفُ) مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِ الْعَامِلِ (فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ الْمَالِ فَيَكُونُ لِلْمَالِكِ؛ إلَّا أَنْ يُنْسَبَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْعَامِلِ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ شَيْءٌ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلْعَامِلِ. (وَإِنْ قَالَ: لَك النِّصْفُ) مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِهِ (صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ: لَك النِّصْفُ وَلِيَ النِّصْفُ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَالَّتِي قَبْلَهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ، فَقَالَ: (وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا) مَالِكٍ أَوْ عَامِلٍ (عَشَرَةً) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالشِّينِ بِالنَّصْبِ - بِخَطِّهِ مِنْ الرِّبْحِ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، أَوْ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (رِبْحَ صِنْفٍ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، أَوْ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ وَدِينَارًا مِثْلًا، أَوْ إلَّا دِينَارًا (فَسَدَ) الْقِرَاضُ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ قَدْ يَنْحَصِرُ فِيمَا قَدَّرَهُ، أَوْ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ، وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الْقِرَاضِ. وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرِّبْحِ فَسَدَ الْقِرَاضُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ وَضْعِهِ. . [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الصِّيغَةُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 404 فَصْلٌ يُشْتَرَطُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ، وَقِيلَ يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ. وَشَرْطُهُمَا كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ   [مغني المحتاج] فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ صِيغَةٌ، وَهِيَ (إيجَابٌ) كَقَارَضْتُكَ أَوْ ضَارَبْتُك أَوْ عَامَلْتُك أَوْ بِعْ وَاشْتَرِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، (وَقَبُولٌ) مُتَّصِلٌ بِالْإِيجَابِ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ فِي قَوْلِهِ: خُذْهُ وَاتَّجِرْ فِيهِ، أَوْ اعْمَلْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ تَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ الشَّرْطِ عَلَى الصِّيغَةِ، فَإِنَّهَا رُكْنٌ كَمَا مَرَّ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا بُدَّ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهِيَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ؛ لِدَلَالَةِ كَلِمَةِ فِي عَلَى دُخُولِهِمَا فِي مَاهِيَّةِ الْقِرَاضِ، وَتَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، (وَقِيلَ: يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَعَالَةِ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْإِيجَابِ لَفْظَ أَمْرٍ كَخُذْ، فَيَكْفِي أَخْذُ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا، فَلَوْ كَانَتْ لَفْظَ عَقْدٍ كَقَارَضْتُكَ فَلَا بُدَّ فِي الْقَبُولِ مِنْ اللَّفْظِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَخْ، فَلَا يُشْبِهُ الْوَكَالَةَ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ إذْنٍ، وَلَا الْجَعَالَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْعَاقِدَانِ ذَاكِرًا لِشَرْطِهِمَا فَقَالَ: (وَشَرْطُهُمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ) فِي شَرْطِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ بِعِوَضٍ، فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ فِي الْمَالِكِ، وَأَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ فِي الْعَامِلِ، فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا رَقِيقًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ أَنْ يُقَارِضَ مَنْ يَجُوزُ إيدَاعُهُ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَمْ جَدًّا أَمْ وَصِيًّا أَمْ حَاكِمًا أَمْ أَمِينَهُ. نَعَمْ إنْ تَضَمَّنَ الْعَقْدُ الْإِذْنَ فِي السَّفَرِ اتَّجَهَ - كَمَا فِي الْمَطْلَبِ - كَوْنُهُ كَإِرَادَةِ الْوَلِيِّ السَّفَرَ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِضَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا. وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَلَا يُحْسَبُ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ مِنْهُ مَا يَفُوتُهُ مِنْ مَالِهِ، وَالرِّبْحُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ حَتَّى يَفُوتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ، وَإِذَا حَصَلَ حَصَلَ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ، بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 405 وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ، فَإِنْ تَصَرَّفَ الثَّانِي فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ، وَقِيلَ هُوَ   [مغني المحتاج] بِخِلَافِهِ (وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ) شَخْصًا (آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ) ؛ ذَلِكَ الْآخَرُ (فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَمَوْضُوعُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مَالِكًا لَا عَمَل لَهُ، وَالْآخَرُ عَامِلًا، وَلَوْ مُتَعَدِّدًا لَا مِلْكَ لَهُ، وَهَذَا يَدُورُ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ شَخْصَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ: إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ عَنْ إذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ لِيَنْسَلِخَ هُوَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَيَكُونَ فِيهِ وَكِيلًا عَنْ الْمَالِكِ، وَالْعَامِلُ هُوَ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا، كَمَا لَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ، وَمَحَلُّهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - إذَا كَانَ الْمَالُ مِمَّا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْقِرَاضُ، فَلَوْ دَفَعَ ذَلِكَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ وَصَيْرُورَتِهِ عَرَضًا لَمْ يَجُزْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ أَنْ يُقَارِضَ إلَّا أَمِينًا، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ إنْ ابْتَدَأَهُ الْمَالِكُ بِهِ، لَا إنْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَهُ فِيهِ، (وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ) مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْمُشَارَكَةَ فِي عَمَلٍ وَرِبْحٍ أَمْ رِبْحٍ فَقَطْ أَمْ قَصَدَ الِانْسِلَاخَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَى الْمَالِ غَيْرَهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يُنْزِلَ وَصِيًّا مَنْزِلَتَهُ فِي حَيَاتِهِ يُقِيمُهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مَنُوطٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ أَرَادَ نَاظِرَ وَقْفٍ - شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ - إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَإِخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ كَمَا مَرَّ فِي الْوَصِيِّ. قَالَ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى، وَلَمْ أَتَرَدَّدْ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ. (فَإِنْ تَصَرَّفَ) الْعَامِلُ (الثَّانِي) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ (فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ) تَصَرُّفُهُ، فَيَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ صَدَرَ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَكِيلٍ. (فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) وَسَلَّمَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَرَبِحَ، (وَقُلْنَا: بِالْجَدِيدِ) ، وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْغَاصِبِ (فَالرِّبْحُ) هُنَا جَمِيعُهُ (لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ، وَالتَّسْلِيمَ فَاسِدٌ، فَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي سَلَّمَهُ، وَيُسَلِّمُ لَهُ الرِّبْحَ، سَوَاءٌ أُعْلِمَ بِالْحَالِ أَمْ لَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَلِيمٌ الرَّازِيّ، وَقَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ) مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إذْ لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلْغَاصِبِ لَاِتَّخَذَهُ النَّاسُ ذَرِيعَةً إلَى الْغَصْبِ فَالْأَصَحُّ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ مُنْتَشِرٍ أَنَّ الرِّبْحَ نِصْفُهُ لِلْمَالِكِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ سَوَاءٌ (وَقِيلَ: هُوَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 406 لِلثَّانِي وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا، وَالِاثْنَانِ وَاحِدًا وَالرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ، وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ   [مغني المحتاج] أَيْ الرِّبْحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِلثَّانِي) مِنْ الْعَامِلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ. تَنْبِيهٌ هَذَا الْجَدِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْكِتَابِ، فَلَا تَحْسُنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا بِمَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْجَدِيدِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَهُوَ حَسَنٌ، فَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْغَاصِبِ وَهِيَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرَهُ فَاخْتَلَّ، وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهِ لَهُ هُنَا لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَدِيمِ. (وَإِنْ اشْتَرَى) هَذَا الثَّانِي (بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ) شِرَاؤُهُ عَلَى الْجَدِيدِ الْقَائِلِ بِبُطْلَانِ شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ. وَأَمَّا الْقَدِيمُ الْمُقَابِلُ لَهُ، فَقَائِلٌ بِالْوَقْفِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ بَقِيَ الْمَالُ، فَإِنْ تَلَفَ فِي يَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي وَعَلِمَ بِالْحَالِ فَغَاصِبٌ، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَهِلَ فَعَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ) فِي الِابْتِدَاءِ الْمَالِكُ (الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ) كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو (مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا) فِيمَا شَرَطَ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ، فَيَشْتَرِطُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِعَمْرٍو سُدُسَهُ، أَوْ يَشْرِطُ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ اثْنَيْنِ كَعَقْدَيْنِ، وَعِنْدَ التَّفَاضُلِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ مُسْتَحَقُّ الْأَكْثَرِ كَمَا مَثَّلْنَا. هَذَا إذَا أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ يَجُزْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَصْحَابُ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِهِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِرَاضِ الِاسْتِقْلَالُ بِالتَّصَرُّفِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَ) يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَارِضَ (الِاثْنَانِ) عَامِلًا (وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَعَقْدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا فِيمَا شَرَطَ فَذَاكَ، وَإِنْ تَفَاوَتَا كَأَنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ وَالْآخَرُ الرُّبْعَ فَإِنْ أَبْهَمَا لَمْ يَجُزْ، أَوْ عَيَّنَا جَازَ إنْ عَلِمَ بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، (وَ) يَكُونُ (الرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَالِكَيْنِ (بِحَسَبِ الْمَالِ) ، فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَلْفَيْنِ، وَالْآخَرِ أَلْفًا، وَشُرِطَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الرِّبْحِ اقْتَسَمَا نِصْفَهُ الْآخَرَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى نِسْبَةِ مَالَيْهِمَا، فَإِنْ شَرَطَا غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ الرِّبْحِ لِمَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا عَامِلٍ، (وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ) لِلْإِذْنِ فِيهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 407 وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إلَّا إذَا قَالَ: قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا لَا بِغَبْنٍ وَلَا نَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ.   [مغني المحتاج] وَلَيْسَ كَمَا لَوْ فَسَدَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، هَذَا إذَا قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِمَالِهِ. أَمَّا إذَا قَارَضَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، (وَالرِّبْحُ) كُلُّهُ حِينَ الْفَسَادِ (لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ الْخُسْرَانُ أَيْضًا، (وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الْأُجْرَةُ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ الصَّحِيحَ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْفَسَادِ أَمْ لَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ أُذِنَ أَنْ يَعْمَلَ بِعِوَضٍ، فَلَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ (إلَّا إذَا قَالَ) الْمَالِكُ: (قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي) وَقَبِلَ الْعَامِلُ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَجَّانًا غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ. وَالثَّانِي: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا) فِي تَصَرُّفِهِ كَالْوَكِيلِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الْحَالَّ، وَ (لَا) يَتَصَرَّفُ (بِغَبْنٍ) فَاحِشٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، (وَلَا نَسِيئَةٍ) فِي ذَلِكَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ فِي الْغَبْنِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَبْنِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَفِي النَّسِيئَةِ رُبَّمَا هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ فَتَبْقَى الْعُهْدَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَالِكِ فَيَتَضَرَّرُ أَيْضًا، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِمَسْتُورٍ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ ثِقَةٍ مَلِيءٍ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْمَحْجُورِ، وَفِي الثَّمَنِ الْحَالِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْبَيْعِ الْحَالِّ، وَيُحْبَسُ الْمَبِيعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ لِلْإِذْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِالنَّسِيئَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ سَلَمًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ أَكْثَرُ غَرَرًا. نَعَمْ، إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ سَلَمًا جَازَ، أَوْ فِي الْبَيْعِ سَلَمًا لَمْ يَجُزْ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِوُجُودِ الْحَظِّ غَالِبًا فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ،. وَالْأَوْجَهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - جَوَازُهُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْتَضِيهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَشْتَرِي بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ دُونَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 408 وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ، وَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَإِنْ اقْتَضَتْ الْإِمْسَاكَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ، فَإِنْ اخْتَلَفَا عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ،   [مغني المحتاج] الْحَالِ فَسَدَ الْعَقْدُ. (وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الرِّبْحُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ: مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ نَقْدَ غَيْرِ الْبَلَدِ لَا يَرُوجُ فِيهَا فَيَتَعَطَّلُ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الْعَرْضِ، وَلَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ وَلَوْ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمَالِكِ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ، (وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ عِنْدَ الْجَهْلِ (الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ) أَيْ الرَّدَّ (مَصْلَحَةٌ) وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِي الْمَالِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ رِضَا الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَالِ. تَنْبِيهٌ اُعْتُرِضَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ، بِأَنَّ جُمْلَةَ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا تَصْلُحُ كَوْنُهَا صِفَةً لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ وَلَا كَوْنُهَا حَالًا مِنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَجِيءُ الْحَالُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَا حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الرَّدِّ الْمُسْتَتِرِ فِي الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ حِينَئِذٍ ضَمِيرًا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. أُجِيبَ إمَّا بِجَعْلِ لَامِ الرَّدِّ لِلْجِنْسِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِجُمْلَةِ تَقْتَضِيهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الْجُمْلَةِ صِفَةَ عَيْبٍ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَيْبٍ يَقْتَضِي الرَّدُّ بِهِ مَصْلَحَةً، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ تُوصَفْ النَّكِرَةُ إلَّا بِنَكِرَةٍ، وَإِمَّا بِصِحَّةِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي كِتَابٍ لَهُ يُسَمَّى: سَبْكَ الْمَنْظُومِ تَبَعًا لِسِيبَوَيْهِ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الرَّدِّ فَاعِلًا بِالظَّرْفِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ مَنْعَهُ سِيبَوَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ، وَالشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، (فَإِنْ اقْتَضَتْ) الْمَصْلَحَةُ (الْإِمْسَاكَ) لِلْمَعِيبِ (فَلَا) يَرُدَّهُ الْعَامِلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: لَهُ الرَّدُّ كَالْوَكِيلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ بِخِلَافِ الْعَامِلِ إذَا رَأَى فِيهِ رِبْحًا كَمَا مَرَّ، فَلَا يُرَدُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ اسْتَوَى الرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ. وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالْغِبْطَةِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِيمَةِ زِيَادَةً لَهَا بَالٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، (وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ) لِمَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ مَعِيبًا حَيْثُ جَازَ لِلْعَامِلِ الرَّدُّ، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَصْلِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ (عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ. قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: وَيَتَوَلَّى الْحَاكِمُ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ قَالَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 409 وَلَا يُعَامِلُ الْمَالِكَ. وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ،   [مغني المحتاج] الْمَطْلَبِ: يَرْجِعُ إلَى الْعَامِلِ إنْ جَوَّزْنَا لَهُ شِرَاءَ الْمَعِيبِ بِقِيمَتِهِ: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً. تَنْبِيهٌ حَيْثُ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ فِيمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ يَنْقَلِبُ لِلْعَامِلِ هُنَا، (وَلَا يُعَامِلُ) الْعَامِلُ (الْمَالِكَ) بِمَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَالِهِ بِمَالِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا، فَإِنْ عَامَلَهُ بِغَيْرِهِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَامِلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِمَالٍ، فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ أَصَحُّهُمَا لَا. (وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَرِبْحِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَشْغَلَ الْعَامِلُ ذِمَّتَهُ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ الزَّائِدُ لِجِهَةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِبْحِهِ مِائَةً فَاشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ بِعَيْنِ الْمِائَةِ فَالثَّانِي بَاطِلٌ، سَوَاءٌ اشْتَرَى الْأَوَّلَ بِالْعَيْنِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ فَقَطْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَقَدَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةَ الصَّرْفِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ، إنْ اشْتَرَى الثَّانِي فِي الذِّمَّةِ، وَقَعَ لِلْعَامِلِ حَيْثُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ، (وَلَا) يَشْتَرِي (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ) لِكَوْنِهِ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ أَوْ كَانَ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ كَانَ أَمَةً مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَبِيعَتْ لِكَوْنِهَا مَرْهُونَةً، هَذَا إذَا كَانَ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَقْدِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ، وَهَذَا خُسْرَانٌ كُلُّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْمُوَكِّلِ مَنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُوَكَّلِ لِقَرِينَةِ قَصْدِ الرِّبْحِ هُنَا. أَمَّا بِإِذْنِهِ فَيَصِحُّ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِلَّا ارْتَفَعَ الْقِرَاضُ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، وَيَغْرَمُ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَهُوَ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهُ إلَى الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ صَحَّ وَلَا عِتْقَ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ لِلْقِرَاضِ فَحَيْثُ صَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْقِرَاضِ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ هُنَاكَ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْعَامِلِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لِلْقِرَاضِ صَحَّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ وَلَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِكِتَابَةِ عَبْدِ الْقِرَاضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 410 وَكَذَا زَوْجُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ لِلْمَالِكِ وَيَقَعُ لِلْعَامِلِ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ بِلَا إذْنٍ،   [مغني المحتاج] كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، فَإِنْ كَاتَبَاهُ صَحَّ وَالنُّجُومُ قِرَاضٌ، فَإِنْ عَتَقَ وَثَمَّ رِبْحٌ شَارَكَ الْعَامِلُ الْمَالِكَ فِي الْوَلَاءِ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْ الرِّبْحِ، (وَكَذَا زَوْجُهُ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يَشْتَرِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلضَّرَرِ بِالْمَالِكِ بِسَبَبِ انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُرْبِحًا، وَأَمَّا الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ فَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ لِفَوَاتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زَوْجُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ زَوْجَتُهُ بِالتَّاءِ قَبْلَ الْهَاءِ لِمَا مَرَّ. (وَلَوْ فَعَلَ) الْعَامِلُ مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَشِرَاءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَشِرَاءِ زَوْجِ الْمَالِكِ - (لَمْ يَقَعْ) ذَلِكَ الشِّرَاءُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِلْمَالِكِ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ، (وَيَقَعُ) الشِّرَاءُ (لِلْعَامِلِ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) لِمَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ. هَذَا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسِّفَارَةِ لِلْقِرَاضِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. (وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ) ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا وَالطَّرِيقُ آمِنًا وَلَا مُؤْنَةَ فِي السَّفَرِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَطَرِ. نَعَمْ لَوْ قَارَضَهُ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَالْمَفَازَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْمَعْلُومِ لَهُمَا. ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُحْدِثَ سَفَرًا إلَى غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَتِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ سَافَرَ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْبِلَادِ الْمَأْمُونَةِ، فَإِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ خَالَفَ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ عَادَ مِنْ السَّفَرِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَتَاعُ بِالْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ أَكْثَرَ قِيمَةً أَوْ تَسَاوَتْ الْقِيمَتَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِالسَّفَرِ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ مَالَ الْقِرَاضِ فِي سَفَرِهِ وَإِنْ عَادَ الثَّمَنُ مِنْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ، وَهُوَ السَّفَرُ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ. وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ قَدْرًا يُتَغَابَنُ بِهِ. وَلَا يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إلَّا إنْ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْإِذْنُ فِي السَّفَرِ لِخَطَرِهِ. [نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَحْرُ كَسَاكِنِ الْجَزَائِرِ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا الْبَحْرُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، وَالْإِذْنُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمِلْحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. اهـ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنْ زَادَ خَطَرُهَا عَلَى خَطَرِ الْبَرِّ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 411 وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا، وَكَذَا سَفَرًا فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ كَطَيِّ الثَّوْبِ وَوَزْنِ الْخَفِيفِ كَذَهَبٍ وَمِسْكٍ لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ، وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ،   [مغني المحتاج] قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ] ، (وَ) لَا يَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَوْ بِكِسْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَ (لَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا) جَزْمًا، (وَكَذَا سَفَرًا فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْ تَكُونُ قَدْرَ الرِّبْحِ، فَيُؤَدِّي إلَى انْفِرَادِهِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، فَلَوْ شَرَطَ لَهُ النَّفَقَةَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ. وَالثَّانِي: يُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَزِيدُ بِسَبَبِ السَّفَرِ كَالْإِدَاوَةِ وَالْخُفِّ وَالسُّفْرَةِ وَالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهُ عَنْ الْكَسْبِ وَالسَّفَرِ لِأَجْلِ الْقِرَاضِ، فَأَشْبَهَ حَبْسَ الزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ الْحَضَرِ، وَيَحْسِبُ هَذَا مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خُسْرَانٌ لَحِقَ الْمَالَ، وَمَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ وَالْخَفِيرُ يُحْسَبُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا كَأَخْذِ الْمَكْسَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (فِعْلُ مَا يُعْتَادُ) فِعْلُهُ مِنْ أَمْثَالِهِ مِنْ عُمَّالِ الْقِرَاضِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ (كَطَيِّ الثَّوْبِ) وَنَشْرِهِ، وَسَبَقَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ إلَخْ. (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا ذَرْعُ الثَّوْبِ وَإِدْرَاجُهُ فِي الصُّنْدُوقِ، وَ (وَزْنُ الْخَفِيفِ: كَذَهَبٍ) وَفِضَّةٍ (وَمِسْكٍ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، (لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ) فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَزْنُهَا، (وَ) لَا (نَحْوُهُ) - بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ -: أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَحْوُ وَزْنِهَا كَحَمْلِهَا وَنَقْلِهَا مِنْ الْخَانِ مَثَلًا لِلسُّوقِ وَعَكْسِهِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِالِاسْتِئْجَارِ لِذَلِكَ، (وَمَا لَا يَلْزَمُهُ) كَأُجْرَةِ كَيْلٍ وَحِفْظٍ (لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التِّجَارَةِ وَمَصَالِحِهَا، وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً، وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ لَوْ اكْتَرَى عَلَيْهِ مَنْ فَعَلَهُ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمَالِكِ الِاسْتِئْجَارَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ، (وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ بِعَمَلِهِ (بِالْقِسْمَةِ) لِلْمَالِ (لَا بِالظُّهُورِ) لِلرِّبْحِ، إذْ لَوْ مَلَكَ بِهِ لَكَانَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ هَلَكَ مِنْ الْمَالَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الرِّبْحُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ. وَالثَّانِي: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْ الثِّمَارِ لَا يُجْبَرُ بِهِ نَقْصُ النَّخْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ يُورَثُ عَنْهُ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ، وَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ، وَيَغْرَمُهُ لَهُ الْمَالِكُ بِإِتْلَافِهِ الْمَالَ أَوْ اسْتِرْدَادِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 412 وَثِمَارُ الشَّجَرِ وَالنِّتَاجُ وَكَسْبُ الرَّقِيقِ وَالْمَهْرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ، وَقِيلَ مَالُ قِرَاضٍ. وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ بِالرُّخْصِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْعَامِلِ بِالْقِسْمَةِ، بَلْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بِتَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْفَسْخِ مَعَ عَدَمِ تَنْضِيضِ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ نَقْصٌ جُبِرَ بِالرِّبْحِ الْمَقْسُومِ، أَوْ تَنْضِيضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ بِلَا قِسْمَةِ الْمَالِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ وَالْوُثُوقِ بِحُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ تَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ وَاقْتِسَامِ الْبَاقِي مَعَ أَخْذِ الْمَالِكِ رَأْسَ الْمَالِ، وَكَالْأَخَذِ الْفَسْخُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. (وَثِمَارُ الشَّجَرِ، وَالنِّتَاجُ) لِأَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، (وَكَسْبُ الرَّقِيقِ) مِنْ صَيْدٍ وَاحْتِطَابٍ، وَقَبُولِ وَصِيَّةٍ، وَالْهِبَةُ (وَالْمَهْرُ) وَأُجْرَةُ الْأَرَاضِي وَالدَّوَابِّ (الْحَاصِلَةُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ) الْمُشْتَرَى بِهِ شَجَرٌ وَرَقِيقٌ وَأَرْضٌ وَحَيَوَانٌ لِلتِّجَارَةِ، إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِبَيْعِ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَوَائِدِ التِّجَارَةِ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا حَامِلًا فَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الْفَلَسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِمَا، (وَقِيلَ: مَالُ قِرَاضٍ) ؛ لِأَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْفَوَائِدِ بِسَبَبِ شِرَاءِ الْعَامِلِ الْأَصْلَ. تَنْبِيهٌ إطْلَاقُهُ الْمَهْرَ أَحْسَنُ مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ، إذْ التَّقْيِيدُ بِهِ لَيْسَ مُرَادًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، بَلْ يَجْرِي فِي الْوَطْءِ بِالزِّنَا مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً - وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا - أَوْ بِالنِّكَاحِ. وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ وَطْءُ جَارِيَةِ الْقِرَاضِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا، إذْ لَا يَتَحَقَّقُ انْتِفَاءُ الرِّبْحِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ إلَّا بِالتَّنْضِيضِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ وَطِئَ وَلَا رِبْحَ أَنَّهُ يُحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، إنَّمَا هُوَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الرِّبْحِ. وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا فَيَضُرُّ بِالْآخَرِ، وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ فَسْخًا لِلْقِرَاضِ وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا وَلَا حَدًّا، وَاسْتِيلَادُهُ كَإِعْتَاقِهِ فَيَنْفُذُ، وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَا رِبْحَ حُدَّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَيُجْعَلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْإِمَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا مَرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّ وَطْءَ الْعَامِلِ كَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَالْمَهْرُ كَالرِّبْحِ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْأَجْنَبِيِّ وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ (بِالرُّخْصِ) أَوْ الْعَيْبِ أَوْ الْمَرَضِ الْحَادِثَيْنِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 413 مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ وَمَجْبُورٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] (مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ) الْحِسَابُ مِنْهُ، (وَمَجْبُورٌ) ذَلِكَ النَّقْضُ (بِهِ) ، أَيْ الرِّبْحِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: بِالرُّخْصِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته، (وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ) أَيْ مَالُ الْقِرَاضِ (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ كَحَرْقٍ وَغَرَقٍ (أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ) وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ بَدَلِهِ (بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ) فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَتِجَارَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ بِالرُّخْصِ، وَلَيْسَ نَاشِئًا مِنْ نَفْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ، وَالْعَيْبِ، (وَإِنْ تَلِفَ) بِمَا ذُكِرَ (قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (فَمِنْ) أَيٍّ، فَيُحْسَبُ مَا تَلِفَ مِنْ (رَأْسِ الْمَالِ) لَا مِنْ الرِّبْحِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ، وَالثَّانِي: مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ الْعَامِلِ صَارَ مَالَ قِرَاضٍ. تَنْبِيهٌ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ عَنْ تَلَفِ كُلِّهِ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ يَرْتَفِعُ، سَوَاءٌ أُتْلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ أَمْ الْعَامِلِ أَمْ أَجْنَبِيٍّ، لَكِنْ يَسْتَقِرُّ نَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ، وَيَبْقَى الْقِرَاضُ فِي الْبَدَلِ إنْ أَخَذَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الْمَالِكُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَالْمَالِكُ وَالْعَامِلُ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، وَبَحَثَ الشَّيْخَانِ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ نَقْلِهِمَا فِيهَا مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ: أَنَّ الْعَامِلَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ بِمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، فَجُعِلَ إتْلَافُهُ فَسْخًا كَالْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ إتْلَافُهُ فَسْخًا. . أُجِيبَ بِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَكُنْ إتْلَافُ الْمَبِيعِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ. وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ الْقِرَاضِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَالْقِصَاصُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، فَإِنْ عَفَا الْعَامِلُ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ، كَمَا لَوْ عَفَا الْمَالِكُ. وَيَسْتَمِرُّ الْقِرَاضُ فِي بَدَلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهِ ثَبَتَ لَهُ بِهِ فِي الْمَالِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كَمَا مَرَّ، وَالْقِصَاصُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 414 فَصْلٌ لِكُلٍّ فَسْخُهُ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ.   [مغني المحتاج] مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلِلْمَالِكِ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ مَجَّانًا، وَإِنْ تَلِفَ مَالُ قِرَاضٍ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا قَبْلَ تَسْلِيمِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَتَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ انْقَلَبَ الشِّرَاءُ لِلْعَامِلِ فَيَرْتَفِعُ الْقِرَاضُ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَعَ لِلْمَالِكِ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِائَةً وَتَلِفَ لَزِمَهُ مِائَةٌ أُخْرَى. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ] ِ، وَحُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا. (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (فَسْخُهُ) أَيْ عَقْدِ الْقِرَاضِ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ وَرِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ فِي ابْتِدَائِهِ وَكَالَةٌ، وَفِي انْتِهَائِهِ إمَّا شَرِكَةٌ وَإِمَّا جَعَالَةٌ، وَكُلُّهَا عُقُودٌ جَائِزَةٌ، وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِقَوْلِهِ: فَسَخْت عَقْدَ الْقِرَاضِ أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَبْطَلْتُهُ أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ بَعْدَ هَذَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِاسْتِرْجَاعِ الْمَالِ، فَإِنْ اسْتَرْجَعَ بَعْضَهُ انْفَسَخَ فِيهِ وَبَقِيَ فِي الْبَاقِي، وَبِإِعْتَاقِهِ وَاسْتِيلَادِهِ لَهُ كَالْوَكَالَةِ. وَلَوْ حَبَسَ الْعَامِلَ وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ، أَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَهُ لِعَدَمِ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْفَسْخِ، بَلْ يَبِيعُهُ إعَانَةً لِلْعَامِلِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ مَا وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ، وَإِنْكَارُ الْمَالِكِ الْقِرَاضَ عَزْلٌ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِنْكَارِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ لِغَرَضٍ أَوْ لَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِقْهَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا الْمَالِكَ فَيُنْكِرَهَا، وَصُورَتُهُ فِي الْقِرَاضِ: أَنْ يُنْكِرَهُ ابْتِدَاءً، حَتَّى لَوْ عُكِسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَلِلْعَامِلِ بَعْدَ الْفَسْخِ بَيْعُ مَالِ الْقِرَاضِ إذَا تَوَقَّعَ فِيهِ رِبْحًا، كَأَنْ ظَفِرَ بِسُوقٍ أَوْ رَاغِبٍ فَلَا يَشْتَرِي لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مَعَ كَوْنِهِ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ. . (وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ) عَقْدُ الْقِرَاضِ كَالْوَكَالَةِ، وَلِلْعَامِلِ إذَا مَاتَ الْمَالِكُ أَوْ جُنَّ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّنْضِيضُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِي الْأُولَى، وَالْوَلِيِّ فِي الثَّانِيَةِ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الْعَاقِدِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَكَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَامِلُ، فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لَا تَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِمْ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ تَوَلَّاهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَلَا تُقَرِّرُ وَرَثَةُ الْمَالِكِ الْعَامِلَ عَلَى الْقِرَاضِ كَمَا لَا يُقَرِّرُ الْمَالِكُ وَرَثَةَ الْعَامِلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْعَرْضِ، فَإِنْ نَضَّ الْمَالُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ جَازَ تَقْرِيرُ الْجَمِيعِ، فَيَكْفِي أَنْ تَقُولَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 415 وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا، وَتَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عَرْضًا،   [مغني المحتاج] وَرَثَةُ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ قَرَّرْنَاكَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِ، أَوْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ قَرَّرْتُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مُوَرِّثُكُمْ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِمْ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَكَالْوَرَثَةِ وَلِيُّهُمْ، وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ، فَيُقَرِّرُ الْمَالِكُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهَا، وَوَلِيُّ الْمَجْنُونِ مِثْلُهُ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ، وَيَجُوزُ التَّقْرِيرُ عَلَى الْمَالِ النَّاجِزِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِجَوَازِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمُشَاعِ، فَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِرِبْحِ نَصِيبِهِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي رِبْحِ نَصِيبِ الْآخَرِ، مِثَالُهُ: الْمَالُ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَتَانِ مُنَاصَفَةً وَقُرِّرَ الْعَقْدُ مُنَاصَفَةً، فَالْعَامِلُ شَرِيكُ الْوَارِثِ بِمِائَةٍ، فَإِذَا بِيعَ مَالُ الْقِرَاضِ بِسِتِّمِائَةٍ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَثُمِائَةٍ، إذْ لِلْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ الْقَدِيمِ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَةٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ فِي التَّقْرِيرِ مِائَتَانِ لِلْوَارِثِ وَرِبْحُهُمَا مِائَتَانِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي: قَرَّرْتُك عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْفَسْخِ عَرْضًا وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا (وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ) لِدَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ (إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا) أَوْ هُمَا أَوْ انْفَسَخَ، كَأَنْ بَاعَ بِنَقْدٍ ثُمَّ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ قَبْلَ تَوْفِيرِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ نَاقِصٌ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ مِلْكًا تَامًّا فَلِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ الِاسْتِيفَاءُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاءُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ مَعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاءُ رَأْسِ الْمَالِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِهَذَا تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ فِي الْعُرُوضِ لَا يَلْزَمُهُ، إلَّا تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِرَاضَ مُسْتَلْزِمٌ لِشِرَاءِ الْعُرُوضِ، وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ، فَاكْتَفَى بِتَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِيفَاءُ إذَا انْفَسَخَ كَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (وَ) يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَيْضًا (تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ) عِنْدَ الْفَسْخِ (عَرْضًا) ، وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا؟ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَ الْفَسْخِ نَاضًّا لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فَكَالْعُرُوضِ. وَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ النَّقْدَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرْضٌ رُدَّ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: مِنْ الْحَادِثِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَالِكُ التَّنْضِيضَ لَمْ يَجِبْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ، وَحَظُّهُ فِي التَّنْضِيضِ فَيَجِبُ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: لَا تَبِعْ وَنَقْسِمُ الْعُرُوضَ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ، أَوْ قَالَ: أُعْطِيكَ نَصِيبَك مِنْ الرِّبْحِ نَاضًّا أُجِيبَ. وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَخْذِ الْعُرُوضِ مِنْ الْعَامِلِ بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَزِدْ رَاغِبٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 416 وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ. وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى الْبَاقِي، وَإِنْ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الرِّبْحِ فَالْمُسْتَرَدُّ شَائِعٌ رِبْحًا، وَرَأْسَ مَالٍ مِثَالُهُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ سُدُسُ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ سُدُسَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ وَبَاقِيهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.   [مغني المحتاج] فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ غَلَاءٌ لَمْ يُؤَثِّرْ. وَخَرَجَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الزَّائِدُ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَنْضِيضُهُ، بَلْ هُوَ عَرْضٌ اشْتَرَكَ فِيهِ اثْنَانِ لَا يُكَلَّفُ أَحَدُهُمَا بَيْعَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ كَالْعَبْدِ لَزِمَهُ تَنْضِيضُ الْكُلِّ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ، (وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْعَامِلَ (التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ فِي عَهْدِهِ أَنْ يَرُدَّ كَمَا أَخَذَ كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ) ، أَيْ مَالَ الْقِرَاضِ (قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ) فِيهِ (رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى) ذَلِكَ (الْبَاقِي) بَعْدَ الْمُسْتَرَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ فِي يَدِهِ غَيْرَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى إعْطَائِهِ لَهُ، (وَإِنْ اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ بِغَيْرِ رِضَا الْعَامِلِ (بَعْدَ) ظُهُورِ (الرِّبْحِ فَالْمُسْتَرَدُّ) مِنْهُ (شَائِعٌ، رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ) عَلَى النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبْحِ وَرَأْسُ الْمَالِ، لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الْبَاقِي لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ النَّقْصِ بَعْدُ. أَمَّا إذَا كَانَ الِاسْتِرْدَادُ بِرِضَا الْعَامِلِ فَإِنْ قَصَدَ هُوَ وَالْمَالِكُ الْأَخْذَ مِنْ الْأَصْلِ اُخْتُصَّ بِهِ، أَوْ مِنْ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ، لَكِنْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ مِمَّا بِيَدِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَا حُمِلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَحِينَئِذٍ الْأَشْبَهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ الْعَامِلِ قَرْضًا، نَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرَّهُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الِاسْتِرْدَادُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالظُّهُورِ، (مِثَالُهُ: رَأْسُ الْمَالِ مِائَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ، (وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ) مِنْهَا، (وَاسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ (عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ) فِي هَذَا الْمِثَالِ (سُدُسُ) جَمِيعِ (الْمَالِ) ، وَحِينَئِذٍ (فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ سُدُسُهُ - بِالرَّفْعِ بِحَظِّهِ - وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ، يُحْسَبُ (مِنْ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ) وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ إنْ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ، (وَبَاقِيهِ) أَيْ الْمُسْتَرَدِّ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ، فَلَوْ عَادَ مَا فِي يَدِهِ إلَى ثَمَانِينَ لَمْ يَسْقُطْ مَا اسْتَقَرَّ لَهُ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. تَنْبِيهٌ كَوْنُ الْعَامِلِ يَأْخُذُ مِمَّا فِي يَدِهِ خَارِجًا عَنْ الْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 417 وَإِنْ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الْخُسْرَانِ فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ لَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ، مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالْخُسْرَانُ عِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ، وَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا، أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا لِلْقِرَاضِ أَوْ لِي،   [مغني المحتاج] الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْمُسْتَرَدَّ شَائِعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْعَامِلِ فِي عَيْنِ الْمَالِ الْمُسْتَرَدِّ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَفِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْبَاقِي إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، حَتَّى لَوْ أَفْلَسَ لَمْ يَتَقَدَّمْ بِهِ بَلْ يُضَارِبْ. (وَإِنْ اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ بَعْضَهُ (بَعْدَ) ظُهُورِ (الْخُسْرَانِ فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي) بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ) وَهُوَ عِشْرُونَ (لَوْ رَبِحَ) الْمَالَ (بَعْدَ ذَلِكَ، مِثَالُهُ: الْمَالُ) ، أَيْ رَأْسُ الْمَالِ (مِائَةٌ وَالْخُسْرَانُ) الْحَاصِلُ فِيهِ (عِشْرُونَ، ثُمَّ اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (عِشْرِينَ، فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ) الَّتِي هِيَ جَمِيعُ الْخُسْرَانِ (حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ) مِنْهَا خَمْسَةٌ، فَكَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، (وَيَعُودُ) بَعْدَ ذَلِكَ (رَأْسُ الْمَالِ) الْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَرَدِّ، وَبَعْدَ حِصَّتِهِ مِنْ الْخُسْرَانِ (إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) ؛ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إذَا وَزَّعْنَاهُ عَلَى الثَّمَانِينَ خَصَّ كُلَّ عِشْرِينَ خَمْسَةٌ، وَالْعِشْرُونَ الْمُسْتَرَدَّةُ حِصَّتُهَا خَمْسَةٌ فَيَبْقَى مَا ذَكَرَهُ، فَلَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا رِبْحًا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ، (وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ) شَيْئًا، (أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِرِبْحٍ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ كَذِبًا، ثُمَّ قَالَ: غَلِطْت فِي الْحِسَابِ، أَوْ كَذَبْت فِيمَا قُلْت خَوْفًا مِنْ انْتِزَاعِ الْمَالِ مِنْ يَدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَذَكَرَ شُبْهَةً أَمْ لَا؟ فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذِكْرِ الْكَذِبِ أَوْ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالرِّبْحِ خَسَارَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ، مِثْلٌ أَنْ يَعْرِضَ فِي الْأَسْوَاقِ كَسَادَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ لَمْ يُقْبَلْ وَيَصَدَّقُ أَيْضًا فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ، (أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا) الشَّيْءَ (لِلْقِرَاضِ) وَإِنْ كَانَ خَاسِرًا (أَوْ لِي) ، وَإِنْ كَانَ رَابِحًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَهُوَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي يَدِهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهِ عَلَى النِّيَّةِ. أَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِهِ لِلْقِرَاضِ أَوْ لَا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْهُمَا الثَّانِي، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُمْ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 418 أَوْ لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا، وَفِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَدَعْوَى التَّلَفِ، وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ تَحَالَفَا، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.   [مغني المحتاج] لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ عُدْوَانًا، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ: وَكُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ لَهُ، وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْعَامِلِ: أَيْ لِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الشِّرَاءِ. وَالثَّانِي: أَوْجَهُ، كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي، (أَوْ) قَالَ الْعَامِلُ: (لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا) كَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ، (وَ) يُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَيْضًا (فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا رِبْحَ، فَإِنْ كَانَ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَوْ الْمَالِكُ أَوْ يَتَحَالَفَانِ؟ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَارَضَ اثْنَيْنِ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، فَرَبِحَا وَأَحْضَرَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، فَقَالَ الْمَالِكُ: رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ، وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ فَلَهُ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ، وَلِلْمَالِكِ أَلْفَانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِ مَعَ الْمُعْتَرَفِ عَلَيْهِ، وَلَهُ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْبَاقِي لِلْمُقِرِّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مِنْ الرِّبْحِ مِثْلُ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْ الْعَامِلَيْنِ، وَمَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالتَّالِفِ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ صِفَتِهِ، (وَ) فِي (دَعْوَى التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ فَهُوَ كَالْمُودِعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. (وَكَذَا) يُصَدَّقُ فِي (دَعْوَى الرَّدِّ) لِمَالِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمَالِكِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ كَالْوَكِيلِ. وَالثَّانِي: كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ، وَانْتِفَاعُهُ هُوَ بِالْعَمَلِ فِيهَا لَا بِهَا، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ. فَائِدَةٌ كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ. . (وَلَوْ اخْتَلَفَا) فِي أَنَّ الْعَامِلَ وَكِيلٌ أَوْ مُقَارِضٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ، أَوْ (فِي) الْقَدْرِ (الْمَشْرُوطِ لَهُ) أَيْ الْعَامِلِ، كَأَنْ قَالَ: شَرَطْتَ النِّصْفَ فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ الثُّلُثَ - (تَحَالَفَا) كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ بَلْ يَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَيَانِ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يُفْسَخُ بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ (وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِعَمَلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِتَعَذُّرِ رُجُوعِ عَمَلِهِ إلَيْهِ، فَوَجَبَ لَهُ قِيمَتُهُ وَهُوَ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ كَانَ الْقِرَاضُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمُدَّعَى الْعَامِلِ دُونَ الْأُجْرَةِ - فَلَا تَحَالُفَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّدَاقِ. . خَاتِمَةٌ لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ وَلَوْ ذِمِّيًّا خَمْرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ، وَسَلَّمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 419 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ - وَلَوْ جَاهِلًا - ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ. وَلَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ لِيَجْلِبَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَى التِّجَارَةِ. وَإِنْ قَارَضَهُ عَلَى مَالَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَالِ، بَلْ إنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ ضُمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَسَدَ الْقِرَاضُ فِي الثَّانِي وَامْتَنَعَ الْخَلْطُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ رِبْحًا وَخُسْرَانًا، وَإِنْ شَرَطَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ صَحَّ وَجَازَ الْخَلْطُ، وَكَأَنَّهُ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ مَعًا. نَعَمْ، إنْ شَرَطَ الرِّبْحَ فِيهِمَا مُخْتَلِفًا امْتَنَعَ الْخَلْطُ. وَيَضْمَنُ الْعَامِلُ أَيْضًا لَوْ خَلَطَ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِهِ، أَوْ قَارَضَهُ اثْنَانِ فَخَلَطَ مَالَ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَإِذَا اشْتَرَى بِأَلْفَيْنِ لِمُقَارِضَيْنِ لَهُ عَبْدَيْنِ، فَاشْتَبَهَا عَلَيْهِ وَقَعَا لَهُ، وَغَرِمَ لَهُمَا الْأَلْفَيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِفْرَادِ. وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ مَالًا وَقَالَ: إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ قِرَاضًا عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ مَثَلًا لَغَا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَلَوْ صَحَّ لَبَطَلَ بِالْمَوْتِ. وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْقِرَاضِ فَدَاهُ الْمَالِكُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، كَمَا لَوْ أَبَقَ فَإِنَّ نَفَقَةَ رَدِّهِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالظُّهُورِ فَعَلَيْهِمَا الْفِدَاءُ. [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 420 كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِالْوِلَايَةِ. وَمَوْرِدُهَا   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ لَمَّا شَابَهَتْ الْقِرَاضَ فِي الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ بِبَعْضِ نَمَائِهِ وَجَهَالَةِ الْعِوَضِ، وَالْإِجَارَةَ فِي اللُّزُومِ وَالتَّأْقِيتِ جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السَّقْيِ - بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ - الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا غَالِبًا، لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ، فَإِنَّهُمْ يَسْقُونَ مِنْ الْآبَارِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ أَعْمَالِهَا وَأَكْثَرُهَا مُؤْنَةً. وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يُعَامِلَ غَيْرَهُ عَلَى نَخْلٍ أَوْ شَجَرِ عِنَبٍ لِيَتَعَهَّدَهُ بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ لَهُمَا. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ دَفَعَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَهَا وَأَرْضَهَا بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَشْجَارِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا، أَوْ لَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَمَنْ يُحْسِنُ وَيَتَفَرَّغُ قَدْ لَا يَمْلِكُ الْأَشْجَارَ، فَيَحْتَاجُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ وَهَذَا إلَى الْعَمَلِ، وَلَوْ اكْتَرَى الْمَالِكُ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثِّمَارِ، وَيَتَهَاوَنُ الْعَامِلُ، فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَجْوِيزِهَا. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: عَاقِدَانِ، وَمَوْرِدُ الْعَمَلِ، وَالثِّمَارُ، وَالْعَمَلُ، وَالصِّيغَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (تَصِحُّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُعَامَلَةٌ عَلَى الْمَالِ كَالْقِرَاضِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: إنَّمَا تَصِحُّ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْحَصْرَ، (وَلِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَسَفِيهٍ (بِالْوِلَايَةِ) عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْصَرَ لِشُمُولِهِ مَا قَدَّرْته، وَهَذَا الشَّرْطُ يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْعَامِلِ، وَفِي مَعْنَى الْوَلِيِّ نَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَذَا الْإِمَامُ فِي بَسَاتِينِ بَيْتِ الْمَالِ، وَمَا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ، وَكَذَا بَسَاتِينُ الْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ الْمُسَاقَاةُ، فَإِنْ عَمَلَهُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُسَاقِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ مَوْرِدُ الْعَمَلِ فَقَالَ: (وَمَوْرِدُهَا) أَصَالَةً: أَيْ مَا تَرِدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 421 النَّخْلُ وَالْعِنَبُ، وَجَوَّزَهَا الْقَدِيمُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ.   [مغني المحتاج] صِيغَةُ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ (النَّخْلُ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَوْ ذُكُورًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْخَفَّافُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا مُعَيَّنًا مَرْئِيًّا، (وَ) مِثْلُهُ (الْعِنَبُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّخْلِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَأَتِّي الْخَرْصِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْكَرْمُ بَدَلَ الْعِنَبِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا، إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قِيلَ: سُمِّيَ كَرْمًا مِنْ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْهُ تُحْمَلُ عَلَيْهِ، فَكُرِهَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ، وَجَعَلَ الْمُؤْمِنَ أَحَقَّ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرَمِ. يُقَال: رَجُلٌ كَرْمٌ - بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا -: أَيْ كَرِيمٌ. وَثَمَرَاتُ النَّخْلِ وَالْأَعْنَابِ أَفْضَلُ الثِّمَارِ، وَشَجَرُهُمَا أَفْضَلُ الشَّجَرِ بِالِاتِّفَاقِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ «أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ النَّخْلَ الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحَلِّ، وَأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينَةِ آدَمَ» ، وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَمَرَّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ، وَشَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ وَأَنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا، وَإِذَا قُطِعَ مَاتَتْ، وَيُنْتَفَعُ بِأَجْزَائِهَا، وَهِيَ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ، وَلَيْسَ فِي الشَّجَرِ شَجَرٌ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى يَحْتَاجُ الْأُنْثَى فِيهِ إلَى الذَّكَرِ سِوَاهُ، وَشَبَّهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنَ الدَّجَّالِ بِحَبَّةِ الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرَةِ، وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ، (وَجَوَّزَهَا الْقَدِيمُ فِي سَائِرِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ) كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ لِلْحَاجَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ فَتَخْتَصُّ بِمَوْرِدِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي ثَمَرِهَا فَأَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُثْمِرَةِ، وَلِأَنَّهَا تَنْمُو مِنْ غَيْرِ تَعَهُّدٍ بِخِلَافِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ، وَعَلَى الْمَنْعِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْجَارُ بَيْنَ النَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ فَسَاقَى عَلَيْهَا مَعَهُ تَبَعًا جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ قَيَّدَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بِالْقَلِيلَةِ، كَمَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَشْجَارِ، وَهِيَ مَا لَهَا سَاقٌ عَمَّا لَا سَاقَ لَهُ كَالْبِطِّيخِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ، وَبِالْمُثْمِرَةِ عَنْ غَيْرِهَا كَالتُّوتِ الذَّكَرِ، وَمَا لَا يُقْصَدُ ثَمَرُهُ كَالصَّنَوْبَرِ فَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ عَلَى الْمُقِلِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: غَيْرُ الشَّجَرِ هُوَ الَّذِي لَا سَاقَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] . أُجِيبَ بِأَنَّهَا كَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 422 وَلَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ عَمَلُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، وَلَا الْمُزَارَعَةُ، وَهِيَ: هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ، وَالْبَذْرَ مِنْ الْمَالِكِ. فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ وَعُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ،   [مغني المحتاج] شَجَرَةً عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْقَرْعِ، مُعْجِزَةً لِسَيِّدِنَا يُونُسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَتْ تَأْتِيهِ وَعْلَةٌ صَبَاحًا وَمَسَاءً يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا حَتَّى قَوِيَ. . (وَلَا تَصِحُّ الْمُخَابَرَةُ، وَهِيَ عَمَلُ) الْعَامِلِ فِي (الْأَرْضِ) أَيْ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ فَلَا يُفَسَّرُ الْعَقْدُ بِهِ (بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) كَنِصْفٍ (وَالْبَذْرُ مِنْ الْعَامِلِ، وَلَا) تَصِحُّ (الْمُزَارَعَةُ وَهِيَ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ) أَيْ الْمُخَابَرَةُ، (وَ) لَكِنَّ (الْبَذْرَ) فِيهَا يَكُونُ (مِنْ الْمَالِكِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأُولَى فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ فِي مُسْلِمٍ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَنْعِ فِيهِمَا أَنَّ تَحْصِيلَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مُمْكِنَةٌ بِالْإِجَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالْمَوَاشِي، بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فَجُوِّزَتْ الْمُسَاقَاةُ لِلْحَاجَةِ، وَاخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَهُمَا مُطْلَقًا تَبَعًا لِابْنِ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَتَأَوَّلُوا الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا إذَا شُرِطَ لِوَاحِدٍ زَرْعُ قِطْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلِآخَرَ أُخْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا تَصِحُّ الْمُشَاطَرَةُ الْمُسَمَّاةُ أَيْضًا بِالْمُنَاصَبَةِ - بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ صَادٍ مُهْمَلَةٍ - كَاَلَّتِي تُفْعَلُ بِالشَّامِ، وَهِيَ أَنْ يُسَلِّمَ أَرْضًا لِيَغْرِسَهَا مِنْ عِنْدِهِ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْحَاصِلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْعَامِلِ، وَلِمَالِكِ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ، وَمَنْ زَارَعَ عَلَى أَرْضٍ بِجُزْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ فَعَطَّلَ بَعْضَ الْأَرْضِ: أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا عَطَّلَ مِنْهَا، وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ، وَقَالَ بِعَدَمِ اللُّزُومِ، وَهُوَ أَوْجَهُ. (فَلَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ) أَوْ الْعِنَبِ (بَيَاضٌ) وَهُوَ أَرْضٌ لَا زَرْعَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ (صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ) ، أَوْ الْعِنَبِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ وَتَعَسُّرِ الْإِفْرَادِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ أَوَّلَ الْبَابِ. تَنْبِيهٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ عَلَى ذِكْرِ النَّخْلِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذِكْرَ الْعِنَبِ مَعَهُ كَمَا قَدَّرْته، فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ (بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعَامِلِ) فِيهِمَا، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسَاقِيَ وَاحِدًا وَيُزَارِعَ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ وَاحِدًا، بَلْ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ سَاقَاهُ غَيْرَ مَنْ زَارَعَهُ، فَلَوْ سَاقَى جَمَاعَةً، وَزَارَعَهُمْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ. (وَ) بِشَرْطِ (عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ، وَ) عُسْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 423 وَالْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يُقَدِّمَ الْمُزَارَعَةَ، وَأَنَّ كَثِيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ،   [مغني المحتاج] إفْرَادِ (الْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ) وَهِيَ الزِّرَاعَةُ لِانْتِفَاعِ النَّخْلِ بِسَقْيِ الْأَرْضِ وَتَقْلِيبِهَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّعَذُّرِ، وَمُرَادُهُ التَّعَسُّرُ كَمَا هُنَا، فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الْمُزَارَعَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ بَيْنَ النَّخْلِ بَيَاضٌ بِحَيْثُ تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، وَكَانَ فِيهِ زَرْعٌ مَوْجُودٌ فَفِي جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ فِيمَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ، فَحِينَئِذٍ لَا اخْتِصَاصَ لِلتَّعْبِيرِ بِالْبَيَاضِ الْمُجَرَّدِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ وَالْبَيَاضِ بِالْعِمَارَةِ الرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا، وَاَلَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ ذِكْرُ عُسْرِ إفْرَادِ النَّخْلِ بِالسَّقْيِ وَالْعَمَلِ، وَاقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ عَلَى عُسْرِ إفْرَادِ الْبَيَاضِ الْمُتَخَلِّلِ بِالْعِمَارَةِ، وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْجَهُ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ) فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ (أَنْ لَا يُفْصَلَ) - بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ بِخَطِّهِ -: أَيْ لَا يَفْصِلَ الْعَاقِدَانِ (بَيْنَهُمَا) ، بَلْ يُؤْتَى بِهِمَا عَلَى الِاتِّصَالِ لِتَحْصُلَ التَّبَعِيَّةُ، فَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا فَقَبِلَ، ثُمَّ زَارَعَهُ عَلَى الْبَيَاضِ لَمْ تَصِحَّ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْعَقْدِ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا لِحُصُولِهِمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ حَيْثُ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْمُزَارَعَةُ، وَإِلَّا امْتَنَعَ جَزْمًا، (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ (أَنْ لَا يُقَدِّمَ الْمُزَارَعَةَ) عَلَى الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ وَالتَّابِعُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا وَتَكُونُ مَوْقُوفَةً: إنْ سَاقَاهُ بَعْدَهَا بَانَ صِحَّتُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَفُهِمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يُغْنِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ. وَلَكِنْ لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَشْمَلُهُمَا كَعَامَلْتُكَ عَلَى النَّخْلِ وَالْبَيَاضِ بِالنِّصْفِ فِيهِمَا كَفَى، بَلْ حَكَى فِيهِ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا بَيَانُ مَا يَزْرَعُهُ، بِخِلَافِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ شَرِيكٌ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِهِ، بِخِلَافِ الْآخَرِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الزَّرْعِ، وَالْأَصَحُّ (أَنَّ كَثِيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيلِهِ) فِي صِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ عُسْرُ الْإِفْرَادِ، وَالْحَاجَةُ لَا تَخْتَلِفُ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَكُونُ تَابِعًا. تَنْبِيهٌ النَّظَرُ فِي الْكَثْرَةِ إلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِ وَمَغَارِسِ الشَّجَرِ لَا إلَى زِيَادَةِ النَّمَاءِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 424 وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَابَرَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ. فَإِنْ أُفْرِدَتْ أَرْضٌ بِالْمُزَارَعَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَدَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ. وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا، وَلَا أُجْرَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ   [مغني المحتاج] الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الثَّمَرِ) فِي الْمُسَاقَاةِ، (وَالزَّرْعِ) فِي الْمُزَارَعَةِ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الثَّمَرِ وَرُبْعُ الزَّرْعِ مَثَلًا. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ يُزِيلُ التَّبَعِيَّةَ، وَصَحَّحَ هَذَا الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَابَرَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ) لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ ذَلِكَ كَالْمُزَارَعَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ فِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعَامِلِ فِيهَا إلَّا الْعَمَلُ، بِخِلَافِ الْمُخَابَرَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْبَذْرُ. (فَإِنْ أُفْرِدَتْ أَرْضٌ) قَرَاحٌ أَوْ بَيَاضٌ مُتَخَلِّلٌ بَيْنَ النَّخْلِ أَوْ الْعِنَبِ بِالْمُخَابَرَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يَتْبَعُ الْبَذْرَ، وَعَلَيْهِ لِلْمَالِكِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ، أَوْ (بِالْمُزَارَعَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ) مِثْلِ (عَمَلِهِ، وَ) عَمَلِ (دَوَابِّهِ، وَ) عَمَلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ (آلَاتِهِ) كَالْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهُ، سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ أَمْ لَا، أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْقِرَاضِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِبُطْلَانِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا لِيَحْصُلَ لَهُ بَعْضُ الزَّرْعِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَانْصَرَفَ كُلُّ الْمَنْفَعَةِ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَنْقُولُ عَنْ الْمُتَوَلِّي فِي نَظِيرِهِ مِنْ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ فِيمَا إذَا أُتْلِفُ الزَّرْعُ بِآفَةٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَالِكِ شَيْءٌ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ هُنَا أَشْبَهُ بِهِ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الشَّرِكَةِ، عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي: لَا يَخْفَى عُدُولُهُ عَنْ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ. وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالْغَلَّةُ لَهُمَا، وَلِكُلٍّ عَلَى الْآخَرِ أُجْرَةُ مَا انْصَرَفَ مِنْ مَنَافِعِهِ عَلَى حِصَّةِ صَاحِبِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي حِيلَةٍ تُسْقِطُ الْأُجْرَةَ وَتَجْعَلُ الْغَلَّةَ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، فَقَالَ: (وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا) فِي صُورَةِ إفْرَادِ الْأَرْضِ بِالْمُزَارَعَةِ (وَلَا أُجْرَةَ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَحْصُلُ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا (أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ) أَيْ الْمَالِكُ الْعَامِلَ (بِنِصْفِ الْبَذْرِ) شَائِعًا (لِيَزْرَعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ) فِي الْأَرْضِ، (وَيُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ) شَائِعًا، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ جَوَازُ إعَارَةِ الْمُشَاعِ الْمُفِيدَةِ إسْقَاطَ الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِرْهُ نِصْفَهَا، وَاسْتَأْجَرَهُ لِزِرَاعَةِ نِصْفِ الْبَذْرِ، فَزَرَعَ جَمِيعَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ نِصْفِ الْأَرْضِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 425 أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ لِيَزْرَعَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ الْأَرْضِ. فَصْلٌ يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا، وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَالْعِلْمُ بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالْقِرَاضِ،   [مغني المحتاج] وَالطَّرِيقُ الثَّانِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَسْتَأْجِرُهُ) أَيْ الْعَامِلَ (بِنِصْفِ الْبَذْرِ) شَائِعًا، (وَنِصْفِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ) كَذَلِكَ (لِيَزْرَعَ) لَهُ (النِّصْفَ الْآخَرَ) مِنْ الْبَذْرِ (فِي النِّصْفِ الْآخَرِ) - بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا عَلَى مَعْنَى الْمُتَأَخِّرِ - (مِنْ الْأَرْضِ) فَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الزَّرْعِ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ، وَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَسْتَحِقُّ مِنْ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ، وَالْمَالِكَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الزَّرْعِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ الْأُجْرَةَ عَيْنًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً، وَفِي الْأُولَى مُتَمَكِّنٌ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ فِي نِصْفِ الْأَرْضِ، وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَتَمَكَّنُ، وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَوْ فَسَدَ مَنْبَتُ الْأَرْضِ فِي الْمُدَّةِ لَزِمَهُ قِيمَةُ نِصْفِهَا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ. تَنْبِيهٌ قَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ الْحَصْرَ فِي الطَّرِيقَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقْرِضَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ نِصْفَ الْبَذْرِ وَيُؤَجِّرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ عَمَلِهِ وَنِصْفِ مَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ، وَمِنْهُ أَنْ يُعِيرَهُ نِصْفَ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْهُمَا ثُمَّ يَعْمَلُ الْعَامِلُ، فَالْمُغَلُّ بَيْنَهُمَا وَلَا تَرَاجُعَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُتَطَوِّعٌ، لَكِنَّ الْبَذْرَ فِي هَذَا لَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْمَالِكِ. وَطَرِيقُ جَعْلِ الْغَلَّةِ لَهُمَا فِي الْمُخَابَرَةِ وَلَا أُجْرَةَ: أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ نِصْفَ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَنِصْفِ عَمَلِهِ وَمَنَافِعِ دَوَابِّهِ وَآلَاتِهِ، أَوْ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَيَتَبَرَّعُ بِالْعَمَلِ وَالْمَنَافِعِ، وَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ الْإِجَارَاتِ مِنْ رِعَايَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ. [فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الثِّمَارُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ: فَصْلٌ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ. (يُشْتَرَطُ) فِيهِ (تَخْصِيصُ الثَّمَرِ بِهِمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهِمَا، (وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ) ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كُلِّ الثَّمَرَةِ لِأَحَدِهِمَا، (وَالْعِلْمُ) أَيْ عِلْمُهُمَا (بِالنَّصِيبَيْنِ بِالْجُزْئِيَّةِ) ، وَإِنْ قَلَّ كَجُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ (كَالْقِرَاضِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 426 وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ لَكِنْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ الْمُسَاقَاةِ لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ،   [مغني المحتاج] فِي جَمِيع مَا سَبَقَ، وَمِمَّا سَبَقَ الصِّحَّةُ فِيمَا إذَا قَالَ: بَيْنَنَا، وَفِيمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنَّ لَك النِّصْفَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِالْجُزْئِيَّةِ قَدْ يُوهِمُ الْفَسَادَ هُنَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ وَآخَرَ بِالثُّلُثِ صَحَّ الْعَقْدُ إنْ عَرَفَا قَدْرَ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْأَقَلُّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ، وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَهُمَا، وَخَرَجَ بِالثَّمَرِ الْجَرِيدُ وَالْكِرْنَافُ وَاللِّيفُ؛ فَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ: وَلَوْ شُرِطَ جَعْلُهُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ فِي الثَّمَرِ فَوَجْهَانِ فِي الْحَاوِي. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ بَطَلَ قَطْعًا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ الْعِوَضِ غَيْرَ الثَّمَرِ، فَلَوْ سَاقَاهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُسَاقَاةً وَلَا إجَارَةً إلَّا إذَا فَصَّلَ الْأَعْمَالَ، وَكَانَتْ مَعْلُومَةً، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَوْعٍ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى آخَرَ بِالثُّلُثِ فَسَدَ الْأَوَّلُ لِلشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ عَقَدَهُ جَاهِلًا بِفَسَادِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ. تَنْبِيهٌ لَا قَلْبَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُهُمَا بِالثَّمَرِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى هُنَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، وَمَشَى فِي بَابِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى الِاسْتِعْمَالَيْنِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، فَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] : مَعْنَاهُ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ، وَلَوْ قِيلَ: نَخُصُّ الْعِبَادَةَ بِك كَانَ اسْتِعْمَالًا عُرْفِيًّا، (وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْغَرَرِ لِلْوُثُوقِ بِالثَّمَرِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ، (لَكِنَّ) مَحَلَّ الصِّحَّةِ (قَبْل بُدُوِّ الصَّلَاحِ) إذَا جَعَلَ عِوَضَ الْعَامِلِ مِنْ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ الْعَمَلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى النَّخْلِ الْمُثْمِرِ وَعَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْ ثَمَرِ الْعَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ: أَنْ يَكُونَ مَغْرُوسًا كَمَا مَرَّ. (وَ) عَلَى هَذَا (لَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ) ، وَهُوَ - بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَدَالٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ - صِغَارُ النَّخْلِ (لِيَغْرِسَهُ وَيَكُونَ الشَّجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ) ، إذَا لَمْ تَرِدْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَصْلٍ ثَابِتٍ، وَهِيَ رُخْصَةٌ فَلَا تَتَعَدَّى مَوْرِدَهَا، وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ، فَأَشْبَهَ ضَمَّ غَيْرِ التِّجَارَةِ إلَى عَمَلِ الْقِرَاضِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 427 وَلَوْ كَانَ مَغْرُوسًا وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ - فَإِنْ قُدِّرَ لَهُ مُدَّةٌ يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ صَحَّ. وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَيْسَ الشَّجَرُ بِقَيْدٍ، فَلَوْ قَالَ: وَلَك نِصْفُ الثَّمَرَةِ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، وَإِذَا عَمِلَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمَالِكِ إنْ تُوُقِّعَتْ الثَّمَرَةُ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْعَامِلِ، وَالْأَرْضُ لِلْمَالِكِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، (وَلَوْ كَانَ) الْوَدِيُّ (مَغْرُوسًا) وَسَاقَاهُ عَلَيْهِ، (وَشَرَطَ لَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَرِ عَلَى الْعَمَلِ فَإِنْ قُدِّرَ) فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ عَلَيْهِ (مُدَّةٌ يُثْمِرُ) الْوَدِيُّ (فِيهَا غَالِبًا) كَخَمْسِ سِنِينَ (صَحَّ) الْعَقْدُ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكْثَرِ الْمُدَّةِ لَا ثَمَرَ فِيهَا، كَمَا لَوْ سَاقَاهُ خَمْسَ سِنِينَ، وَالثَّمَرَةُ يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي الْخَامِسَةِ خَاصَّةً، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُثْمِرْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا، كَمَا لَوْ سَاقَاهُ عَلَى النَّخِيلِ الْمُثْمِرَةِ فَلَمْ تُثْمِرْ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ قُدِّرَ مُدَّةٌ لَا يُثْمِرُ فِيهَا غَالِبًا (فَلَا) تَصِحُّ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى شَجَرَةٍ لَا تُثْمِرُ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَعَمِلَ الْعَامِلُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً إنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُثْمِرُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا اسْتَحَقَّ، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالشَّجَرِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ. (وَقِيلَ: إنْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ) فِي الْإِثْمَارِ وَعَدَمِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ مَرْجُوٌّ كَالْقِرَاضِ، فَإِنَّ الرِّبْحَ مَرْجُوُّ الْحُصُولِ، فَإِنْ أَثْمَرَتْ اسْتَحَقَّ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ وَلَا الظَّاهِرُ وُجُودُهُ، فَأَشْبَهَ السَّلَمَ فِيمَا لَا يُوجَدُ غَالِبًا، وَعَلَى هَذَا فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا. (وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشَّجَرِ إذَا) اسْتَقَلَّ الشَّرِيكُ بِالْعَمَلِ فِيهَا وَ (شَرَطَ) الْمَالِكُ (لَهُ) أَيْ الشَّرِيكِ (زِيَادَةً عَلَى حِصَّتِهِ) ، كَأَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَيَشْرِطُ لَهُ ثُلُثَيْ الثَّمَرَةِ لِيَكُونَ السُّدُسُ عِوَضَ عَمَلِهِ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ أَوْ دُونَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ إذْ لَا عِوَضَ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ، بَلْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ مَا دُونَ نَصِيبِهِ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا، فَإِنْ عَمِلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ شَرَطَ لَهُ كُلَّ الثَّمَرَةِ فَسَدَ الْعَقْدُ، لَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا، وَقَيَّدَهُ الْغَزَالِيُّ كَإِمَامِهِ تَفَقُّهًا بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْفَسَادَ، وَعَدَمُ التَّقْيِيدِ أَوْجَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِالْعَمَلِ بِأَنْ شَرَطَ مُعَاوَنَتَهُ لَهُ فِي الْعَمَلِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَفْسُدُ، كَمَا لَوْ سَاقَى أَجْنَبِيًّا بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِنْ عَاوَنَهُ وَاسْتَوَى عَمَلُهُمَا فَلَا أُجْرَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَا أُجْرَةَ لِلْمُعَاوِنِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ، بِخِلَافِ الْآخَرِ إذَا زَادَ عَمَلُهُ فَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ بِالْحِصَّةِ عَلَى الْمُعَاوِنِ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 428 وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا. وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا. وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ يَجِبُ كَوْنُهُ فِي خَالِصِ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ. قَالَ: وَالْخَلَاصُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ: سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي، حَتَّى لَا يَكُونَ الْعَمَلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَاقِعًا فِي الْمُشْتَرَكِ، وَبِهَذَا صَوَّرَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُزَنِيِّ، لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْكِتَابِ. اهـ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى كُلِّ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ قَالَ: سَاقَيْتُك عَلَى نَصِيبِي أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: صِحَّةُ مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ أَجْنَبِيًّا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الْآخَرِ، وَلَوْ سَاقَى الشَّرِيكَانِ ثَالِثًا لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا إنْ تَفَاوَتَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ، فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِحِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ (أَنْ لَا يَشْرِطَ) الْمَالِكُ فِي عَقْدِهَا (عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِهَا) الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ الْعَامِلِ بِهَا كَحَفْرِ بِئْرٍ، فَإِنْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ وَاشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانَ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ لِيَعْرِفَ أَنَّ شَرْطَ غَيْرِهَا مُفْسِدٌ، كَمَا جَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ كَذَا. ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً إلَخْ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَشْتَرِطَ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَقْدِ مَا عَلَى الْعَامِلِ، كَذَا قَالَاهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ أَنَّ الْعَقْدَ يَبْطُلُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَنْفَرِدَ) الْعَامِلُ (بِالْعَمَلِ) ، فَلَوْ شَرَطَ عَمَلَ الْمَالِكِ مَعَهُ فَسَدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَا عَمَلَ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ بِلَا شَرْطِ يَدٍ وَلَا مُشَارَكَةٍ فِي تَدْبِيرٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَإِنْ شُرِطَتْ فِي الثَّمَرَةِ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ جُزْءٍ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى يَكُونُ مَجْهُولًا، أَوْ شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ وَقُدِّرَتْ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَلْزَمَهُ مُؤْنَةُ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، وَهُوَ كَاسْتِئْجَارِ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ صَحَّ أَيْضًا، وَالْعُرْفُ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ الْغُلَامِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ، أَوْ اسْتِئْجَارِ مُعَاوِنٍ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ مَالِ الْمَالِكِ - لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ تَكُونَ الْأَعْمَالُ وَمُؤَنُهَا عَلَى الْعَامِلِ. أَمَّا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 429 وَبِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ، وَمَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ وَصِيغَتُهَا: سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ بِكَذَا   [مغني المحتاج] جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ. (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَنْفَرِدَ (بِالْيَدِ فِي الْحَدِيقَةِ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْعَمَلِ مَتَى شَاءَ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ أَوْ بِيَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ. فَائِدَةٌ الْحَدِيقَةُ: أَرْضٌ ذَاتُ شَجَرٍ. قَالَهُ اللَّيْثُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْحَائِطُ: أَيْ الْبُسْتَانُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا يُقَالُ حَدِيقَةٌ لِلْبُسْتَانِ عَلَيْهِ حَائِطٌ. (وَ) يُشْتَرَطُ (مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ) جُمْلَةً لَا تَفْصِيلًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ: كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ) إلَى مُدَّةٍ تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا لِلِاسْتِغْلَالِ، فَلَا تَصِحُّ مُطْلَقَةً وَلَا مُؤَبَّدَةً؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَأَشْبَهَتْ الْإِجَارَةَ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ أَقَلُّ مُدَّتِهَا مَا يَطْلُعُ فِيهَا الثَّمَرُ وَيَسْتَغْنِي عَنْ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السُّنَّةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا خِلَافٌ، فَإِذَا سَاقَاهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حِصَّةَ كُلِّ سَنَةٍ، فَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَ السِّنِينَ لَمْ يَضُرَّ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَإِنْ شَرَطَ ثَمَرَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَالْأَشْجَارِ بِحَيْثُ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ. وَإِنْ سَاقَاهُ عَشْرَ سِنِينَ مَثَلًا لِتَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تُتَوَقَّعْ إلَّا فِي الْعَاشِرَةِ صَحَّ، وَتَكُونُ السُّنُونَ بِمَثَابَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ شُرِطَ لَهُ فِيهَا سَهْمٌ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، فَإِنْ أَثْمَرَ قَبْلَ الْعَاشِرَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ. تَنْبِيهٌ السَّنَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي التَّأْجِيلِ عَرَبِيَّةٌ، فَإِنْ شَرَطَا رُومِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا وَعَرَّفَا صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَعَلَى النَّخِيلِ طَلْعٌ أَوْ بَلَحٌ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ، وَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ إلَى الْجِدَادِ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمُرْشِدِ: إنَّ التَّعَهُّدَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أُجْرَةٌ لِتَبْقِيَةِ حِصَّتِهِ عَلَى الشَّجَرِ إلَى حِينِ الْإِدْرَاك؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا ثَمَرَةً مُدْرَكَةً بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ أَدْرَكَ الثَّمَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَعْمَلَ الْبَقِيَّةَ بِلَا أُجْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ الثَّمَرُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ. (وَلَا يَجُوزُ التَّوْقِيتُ) لِمُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ (بِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ فِي الْأَصَحِّ) لِجَهَالَتِهِ بِالتَّقَدُّمِ تَارَةً وَالتَّأَخُّرِ أُخْرَى. وَالثَّانِي: يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الْجِدَادُ. . ثَمّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ: (وَصِيغَتُهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةِ (سَاقَيْتُك عَلَى هَذَا النَّخْلِ) أَوْ الْعِنَبِ (بِكَذَا) مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 430 أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ، وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ. وَعَلَى الْعَامِلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَسَقْيٍ   [مغني المحتاج] ثَمَرِهِ كَنِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لَهَا، (أَوْ سَلَّمْته إلَيْك لِتَتَعَهَّدَهُ) ، أَوْ اعْمَلْ فِي نَخِيلِي أَوْ تَعْهَدْ نَخِيلِي بِكَذَا لِأَدَائِهِ مَعْنَاهُ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً، وَأَنْ تَكُونَ صَرِيحَةً، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمْ الْأَوَّلُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْأَشْبَهُ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ: بِكَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ. وَلَوْ سَاقَاهُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، قَالُوا: لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ فِي مَحَلِّهِ نَفَذَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَصْحِيحُ عَدَمِ الِانْعِقَادِ مُشْكِلٌ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ، فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي بَابِهِ إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَلَا تَطْلُقُ، وَيَقَعُ الظِّهَارُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. وَلَمَّا كَانَ الْإِشْكَالُ قَوِيًّا قُلْت تَبَعًا لِشَيْخِنَا: قَالُوا: فَإِنْ وُجِدَتْ الْإِجَارَةُ بِشُرُوطِهَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ كُلِّهَا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَكَذَا قَبْلَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَمْ يَكُنْ النِّصْفُ شَائِعًا كَأَنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ، وَلَوْ قَالَ: سَاقَيْتُك بِالنِّصْفِ مَثَلًا لِيَكُونَ أُجْرَةً لَك لَمْ يَضُرَّ لِسَبْقِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ. (وَيُشْتَرَطُ) فِيهَا (الْقَبُولُ) لَفْظًا مِنْ النَّاطِقِ لِلُزُومِهَا كَإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا، وَتَصِحُّ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ كَكِتَابَتِهِ (دُونَ تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ) فِيهَا، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْعَقْدِ، (وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ) فِيهَا فِي الْعَمَلِ، إذْ الْمَرْجِعُ فِي مِثْلِهِ إلَى الْعُرْفِ، هَذَا إذَا عَرَفَاهُ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَجَبَ التَّفْصِيلُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي وَإِنْ عُقِدَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي إلَّا فِي لَفْظِهَا. (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْعَامِلِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مَا) أَيْ عَمَلٌ (يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِصَلَاحِ الثَّمَرِ وَاسْتِزَادَتِهِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ) فِي الْعَمَلِ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، (كَسَقْيٍ) إنْ لَمْ يَشْرَبْ بِعُرُوقِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 431 وَتَنْقِيَةِ نَهْرٍ وَإِصْلَاحِ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ وَتَلْقِيحٍ وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ، وَتَعْرِيشٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ وَكَذَا حِفْظُ الثَّمَرِ وَجِذَاذُهُ وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] وَيَدْخُلُ فِي السَّقْيِ تَوَابِعُهُ مِنْ إصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ، وَفَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ وَسَدِّهَا عِنْدَ السَّقْيِ، فَلَوْ شَرَطَ السَّقْيَ عَلَى الْمَالِكِ فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَجُوزُ عَلَى النَّخْلِ الْبَعْلِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَا عَلَى الْعَامِلِ إذَا شُرِطَ عَلَى الْمَالِكِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ. وَأَمَّا مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ سَقْيَهَا عَلَى الْعَامِلِ. وَالثَّانِي عَلَى الْمَالِكِ. وَالثَّالِثُ أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى الْعَامِلِ، فَإِنْ أُطْلِقَ صَحَّ وَيَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ. (وَتَنْقِيَةُ) بِئْرٍ وَ (نَهْرٍ) أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ مِنْ الطِّينِ وَنَحْوِهِ، (وَإِصْلَاحُ الْأَجَاجِينِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا الْمَاءُ) وَهِيَ الْحُفَرُ حَوْلَ الشَّجَرِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ لِيَشْرَبَهُ، شُبِّهَتْ بِالْأَجَاجِينِ الَّتِي يُغْسَلُ فِيهَا، (وَتَلْقِيحٌ) لِلنَّخْلِ، وَهُوَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ طَلْعِ الذُّكُورِ فِي طَلْعِ الْإِنَاثِ، وَقَدْ يَسْتَغْنِي بَعْضُ النَّخِيلِ عَنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهَا تَحْتَ رِيحِ الذُّكُورِ فَيَحْمِلُ الْهَوَاءُ رِيحَ الذُّكُورِ إلَيْهَا، (وَتَنْحِيَةُ) ، أَيْ إزَالَةُ (حَشِيشٍ) مُضِرٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْكَلَأِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ يَقَعُ عَلَى الْأَخْضَرِ وَالْيَابِسِ، وَالْحَشِيشُ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْيَابِسِ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَ) تَنْحِيَةُ (قُضْبَانٍ مُضِرَّةٍ) بِالشَّجَرِ، وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَصَرْفُهُ عَنْ وُجُوهِ الْعَنَاقِيدِ لِتُصِيبَهَا الشَّمْسُ وَيَتَيَسَّرُ قَطْفُهَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ، وَتَقْلِيبُ الْأَرْضِ بِالْمَسَاحِي وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَهُ بِعَمَلٍ لِيَخْرُجَ الطَّلْعُ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ، وَالْقَوْصَرَّةُ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْعَنَاقِيدُ حِفْظًا عَنْ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ، وَالْمِنْجَلُ وَالْمِعْوَلُ - بِكَسْرِ مِيمَيْهِمَا - وَالثَّوْرُ وَآلَتُهُ مِنْ الْمِحْرَاثِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ، وَإِنَّمَا يُكَلَّفُ الْعَامِلُ الْعَمَلَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ، وَتَكْلِيفُهُ الْعَامِلَ إجْحَافٌ بِهِ، (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (تَعْرِيشٌ) أَيْ إصْلَاحُ الْعَرِيشِ الَّتِي (جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ) لِتِلْكَ الْبَلَدِ الَّتِي يُطْرَحُ الْكُرُومُ فِيهَا عَلَى الْعَرِيشِ، وَهُوَ أَنْ يَنْصِبَ أَعْوَادًا وَيُظَلِّلَهَا وَيَرْفَعَ الْعِنَبَ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَنَصْبُ الْأَقْصَابِ فِيمَا يَكُونُ عَلَى الْقَصَبِ، (وَكَذَا) عَلَيْهِ (حِفْظُ الثَّمَرِ) عَلَى الشَّجَرِ مِنْ السُّرَّاقِ وَمِنْ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ بِجَعْلِ كُلِّ عُنْقُودٍ فِي وِعَاءٍ يُهَيِّئُهُ الْمَالِكُ، كَقَوْصَرَّةٍ، وَعَنْ الْمُشْمِسِ بِجَعْلِ حَشِيشٍ أَوْ نَحْوِهِ فَوْقَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، (وَ) عَلَيْهِ (جِدَادُهُ) أَيْ قَطْعُهُ وَحِفْظُهُ فِي الْجَرِينِ مِنْ السُّرَّاقِ وَنَحْوِهِمْ، (وَتَجْفِيفُهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَصَالِحِهِ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 432 وَمَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ فَعَلَى الْمَالِكِ. وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ.   [مغني المحتاج] لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ عَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بِالصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ خَارِجٌ عَنْ أَعْمَالِ الْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا الْجِدَادُ وَالتَّجْفِيفُ؛ لِأَنَّهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الثَّمَرِ. تَنْبِيهٌ قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْوُجُوبَ فِي التَّجْفِيفِ عَلَى الْعَامِلِ بِمَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَوْ شَرَطَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَلْحَقَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالتَّجْفِيفِ فِي ذَلِكَ الْحِفْظَ وَالْجِدَادَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَزِمَ التَّجْفِيفُ وَجَبَ تَسْوِيَةُ الْجَرِينِ وَنَقْلُهُ إلَيْهِ وَتَقْلِيبُهَا فِي الشَّمْسِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ كَانَ لَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ لَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ كَمَا لَوْ أَمَرَ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ إذْنَهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِهِ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ لَا كَأَمْرِهِ بِغَسْلِ ثَوْبِهِ، (وَ) كُلُّ (مَا قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الثَّمَرِ وَهُوَ الشَّجَرُ (وَلَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ) لِلْبُسْتَانِ، (وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ) لَهُ وَإِصْلَاحِ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ وَنَصْبِ الدُّولَابِ وَالْأَبْوَابِ (فَعَلَى الْمَالِكِ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا خَرَاجُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: كَبِنَاءِ الْحِيطَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ وَضْعَ الشَّوْكِ عَلَى الْجِدَارِ وَالتَّرْقِيعَ الْيَسِيرَ الَّذِي يُفْتَقُ فِي الْجِدَارِ لَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَتَعْبِيرُهُ بِجَدِيدٍ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا انْهَارَ مِنْ النَّهْرِ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ عَلَى الْمَالِكِ، وَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ عَلَى الْمَالِكِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ كَوْنِهِمَا عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْعَامِلِ. (وَالْمُسَاقَاةُ لَازِمَةٌ) أَيْ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْإِجَارَةِ، بِجَامِعِ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمَا فِي أَعْيَانٍ تَبْقَى بِحَالِهَا، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ لَا تَبْقَى أَعْيَانُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِلُزُومِهَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَرَدَتْ عَلَى الذِّمَّةِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ دَيْنٌ عَلَى الْعَامِلِ، وَالثَّمَرَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَيْنًا إلَّا إنَّهَا مَعْدُومَةٌ فَهِيَ فِي مَعْنَى الدَّيْنِ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلَى لُزُومِهَا، وَكُنْت أَوَدُّ لَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا حَتَّى كُنْت أُوَافِقُهُ. . أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَدْ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَهَذِهِ أَوْلَى لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِمَا مَرَّ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ فِيهَا حِصَّتَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 433 فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ مُتَبَرِّعًا بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَنْ يُتِمُّهُ،   [مغني المحتاج] بِالظُّهُورِ، بِخِلَافِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ وِقَايَةٌ لَرَأْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ. نَعَمْ. إنْ عُقِدَتْ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ، وَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ قَطَعَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، قَالَ: وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ: ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي: لَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالظُّهُورِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اللُّزُومِ قَوْلَهُ (فَلَوْ هَرَبَ الْعَامِلُ) أَوْ مَرِضَ أَوْ عَجَزَ بِغَيْرِ ذَلِكَ (قَبْلَ الْفَرَاغِ) مِنْ عَمَلِهَا، (وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ) بِنَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ (مُتَبَرِّعًا) بِالْعَمَلِ أَوْ بِمُؤْنَتِهِ عَنْ الْعَامِلِ (بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ) كَتَبَرُّعِ الْأَجْنَبِيِّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ. تَنْبِيهٌ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِالْهَرَبِ، بَلْ لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِحُضُورِهِ كَانَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَأَتَمَّهُ الْمَالِكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ كَانَ كَذَلِكَ، وَالْمَالِكُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا عَنْ الْعَامِلِ فَكَذَلِكَ، سَوَاءٌ أَجَهِلَهُ الْمَالِكُ أَمْ عَلِمَهُ؟ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ إجَابَةُ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتَطَوِّعِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَيْدِ التَّبَرُّعِ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَالِكِ كَمَا فِي الْجَعَالَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَسْتَحِقُّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَعَالَةِ بِاللُّزُومِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ (اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) بَعْدَ رَفْعِ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَهَرَبِ الْعَامِلِ وَتَعَذُّرِ طَلَبِهِ، كَأَنْ لَمْ يُعْرَفْ مَكَانُهُ (مَنْ يُتِمُّهُ) مِنْ مَالِ الْعَامِلِ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ عَقَارًا، وَهَلْ تُجْعَلُ نَفْسُ الْأَرْضِ أَوْ بَعْضُهَا أُجْرَةً، أَوْ تُبَاعُ وَيُجْعَلُ مِنْهَا أُجْرَةٌ؟ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بَاعَ نَصِيبَ الْعَامِلِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَاسْتَأْجَرَ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ سَوَاءٌ أَظْهَرَتْ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا؟ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ مُدَّةَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِ بَعْضِهِ وَحْدَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى شَرْطِ قَطْعِهِ وَتَعَذُّرِهِ فِي الشَّائِعِ وَاسْتَأْجَرَ بِمَا اقْتَرَضَهُ، وَيَقْضِيهِ الْعَامِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، أَوْ يَقْضِيهِ الْحَاكِمُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَإِنْ وُجِدَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ الِاقْتِرَاضِ وَحَصَلَ الْغَرَضُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ الْمَالِكَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ فَأَنْفَقَ لِيَرْجِعَ - رَجَعَ كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ، وَمَتَى تَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ وَغَيْرُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ وَبَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَفْسَخْ الْمَالِكُ؛ لِأَجْلِ الشَّرِكَةِ، وَلَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهَا لِلشُّيُوعِ إلَّا إنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 434 فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ فَلْيُشْهِدْ عَلَى الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ. وَلَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ.   [مغني المحتاج] رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَيْعِ الْجَمِيعِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ هُنَا: وَأَنْ يَشْتَرِيَ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الشَّجَرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الثَّمَرَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ ضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا سَبْقُ قَلَمٍ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ فَلَهُ الْفَسْخُ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ. تَنْبِيهٌ يَسْتَأْجِرُ الْحَاكِمُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْعَامِلُ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْتَرِي وَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ وَارِدَةً عَلَى الْعَيْنِ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُعِينِ الْيَمَنِيُّ وَالنَّشَائِيُّ الْمَنْعُ فِي الْوَارِدَةِ عَلَى الْعَيْنِ لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الْفَسْخِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَوْلُهُمْ: اسْتَقْرَضَ وَاكْتَرَى عَنْهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ الْمَالِكُ (عَلَى) مُرَاجَعَةِ (الْحَاكِمِ) إمَّا لِكَوْنِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ حَاضِرًا وَلَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا الْتَمَسَهُ (فَلْيُشْهِدْ عَلَى) الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ أَوْ (الْإِنْفَاقِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ) بِمَا يَعْمَلُهُ أَوْ يُنْفِقُهُ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ حَالَ الْعُذْرِ كَالْحُكْمِ، وَيُصَرِّحُ فِي الْإِشْهَادِ بِإِرَادَةِ الرُّجُوعِ، فَإِنْ لِمَ يُشْهِدْ كَمَا ذُكِرَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ. تَنْبِيهٌ مَتَى أَنْفَقَ وَأَشْهَدَ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، رَجَّحَ السُّبْكِيُّ مِنْهُمَا قَوْلَ الْمَالِكِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ بِالْمَسْأَلَةِ، وَكَلَامُهُمَا فِي هَرَبَ الْجِمَالِ يَقْتَضِي تَصْدِيقَ الْعَامِلِ، فَإِنَّهُمَا رَجَّحَا قَبُولَ قَوْلِ الْجَمَّالِ، وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّ الْمُنْفِقَ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى ائْتِمَانٍ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ. . (وَلَوْ مَاتَ) الْعَامِلُ الْمُسَاقَى فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ (وَخَلَّفَ تَرِكَةً أَتَمَّ الْوَارِثُ الْعَمَلَ مِنْهَا) بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى مُوَرِّثِهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي مَعْنَى التَّرِكَةِ نَصِيبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، (وَلَهُ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَالِهِ) - إنْ اخْتَارَ - وَيَسْتَحِقَّ الْمَشْرُوطَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، وَعَلَى الْمَالِكِ تَمْكِينُهُ إنْ كَانَ عَارِفًا بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ أَمِينًا، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ مِنْ التَّرِكَةِ. فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً لَمْ يُقْتَرَضْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ خَرِبَتْ بِخِلَافِ الْحَيِّ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِ الْعَامِلِ، فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، بَلْ يُتِمُّ الْعَامِلُ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ، وَلَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 435 وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِ الْعَامِلِ. وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ مُسْتَحَقًّا فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ.   [مغني المحتاج] سَاقَى الْبَطْنُ الْأَوَّلُ الْبَطْنَ الثَّانِيَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، وَكَانَ الْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ - فَيَنْبَغِي أَنْ تَنْفَسِخَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ. قَالَ: وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: مُسَاقَاةٌ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ أَيْ الْمَالِكِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْوَارِثَ: أَيْ إذَا سَاقَى الْمُوَرِّثُ مَنْ يَرِثُهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوَرِّثُ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ لِمَا مَرَّ. (وَلَوْ ثَبَتَ خِيَانَةُ عَامِلٍ) فِيهَا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ (ضُمَّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ) إلَى أَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ، وَلَا تُزَالُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، فَتَعَيَّنَ سُلُوكُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَأُجْرَةُ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ. نَعَمْ، لَوْ لَمْ تَثْبُتْ الْخِيَانَةُ وَلَكِنْ ارْتَابَ الْمَالِكُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَيْهِ مُشْرِفٌ وَأُجْرَتُهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ، (فَإِنْ لَمْ يَتَحَفَّظْ بِهِ) أَيْ الْمُشْرِفِ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَ (اُسْتُؤْجِرَ) عَلَيْهِ (مِنْ مَالِ الْعَامِلِ) مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ فَظَاهِرٌ، كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ لَا يَسْتَأْجِرُ عَنْهُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ. (وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ) بَعْدَ الْعَمَلِ (مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِ الْمُسَاقِي، كَأَنْ أَوْصَى بِثَمَنِ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ، أَوْ خَرَجَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا (فَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمُسَاقِي أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ فَيَرْجِعُ بِبَدَلِهَا، هَذَا إذَا عَمِلَ جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، أَوْ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْقِرَاضِ، وَلِلْعَامِلِ عَلَى الْمَالِكِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ إنْ فُسِخَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُثْمِرْ الشَّجَرُ، وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ لَهُ بِهَا، وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ثَمَرَةٌ لَمْ يَسْتَحِقَّهَا الْعَامِلُ. خَاتِمَةٌ بَيْعُ الْمَالِكِ شَجَرَ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِيهَا، فَكَأَنَّ الْمَالِكَ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَصَحِيحٌ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ مَعَ الْمُشْتَرِي، كَمَا كَانَ مَعَ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحْدَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَذُّرِ قَطْعِهِ لِشُيُوعِهِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ: إذَا شَرَطَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ أَعْمَالًا تَلْزَمُهُ، فَأَثْمَرَتْ الْأَشْجَارُ وَالْعَامِلُ لَمْ يَعْمَلْ بَعْضَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ اسْتَحَقَّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، فَإِنْ عَمِلَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 436 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] نِصْفَ مَا لَزِمَهُ اسْتَحَقَّ نِصْفَ مَا شُرِطَ لَهُ، مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ لَيْسَ بِشَرِيكٍ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ شَرِيكٌ، فَيَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخِي، وَلِمُسَاقِي الْمَالِكِ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يُسَاقِيَ غَيْرَهُ، ثُمَّ إنْ شَرَطَ لَهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ أَوْ دُونَهُ فَذَلِكَ ظَاهِرٌ، أَوْ أَكْثَرَ صَحَّ الْعَقْدُ فِيمَا يُقَابِلُ قَدْرَ نَصِيبِهِ دُونَ الزَّائِدِ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَلَزِمَهُ لِلزَّائِدِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ وَعَامَلَ غَيْرَهُ انْفَسَخَتْ بِتَرْكِهِ الْعَمَلَ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَكَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَلِلثَّانِي عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ أَعْطَى شَخْصٌ آخَرَ دَابَّةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ يَتَعَهَّدَهَا، وَفَوَائِدُهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى يُمْكِنُهُ إيجَارُ الدَّابَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِ عَقْدٍ عَلَيْهَا فِيهِ غَرَرٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوَائِدُ لَا تُحَصَّلُ بِعَمَلِهِ. وَلَوْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَعْلِفَهَا مِنْ عِنْدِهِ بِنِصْفِ دَرِّهَا فَفَعَلَ ضَمِنَ لَهُ الْمَالِكُ الْعَلَفَ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: بَدَلُ النِّصْفِ نُسِبَ إلَى سَبْقِ الْقَلَمِ، وَضَمِنَ الْآخَرُ لِلْمَالِكِ نِصْفَ الدَّرِّ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ، فَإِنْ قَالَ: لِتَعْلِفَهَا بِنِصْفِهَا فَفَعَلَ؛ فَالنِّصْفُ الْمَشْرُوطُ مَضْمُونٌ عَلَى الْعَالِفِ لِحُصُولِهِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ دُونَ النِّصْفِ الْآخَرِ. [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] 1 الجزء: 3 ¦ الصفحة: 437 كِتَابُ الْإِجَارَةِ   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْإِجَارَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الْمَشْهُورِ. وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ ضَمَّهَا، وَصَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَهَا، وَهِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ. ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ. وَشَرْعًا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ، وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ، كَاسْتِئْجَارِ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ، وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذَكَرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى إجَارَةً. فَإِنْ قِيلَ: مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَمْ تَدْخُلْ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهَا، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، فَلِهَذَا أُخْرِجَتْ بِقَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ، وَبِعِوَضٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَالشَّرِكَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَبِمَعْلُومٍ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ، وَدَلَالَةِ الْكَافِرِ لَنَا عَلَى قَلْعَةٍ يُحَارِبُهُمْ مِنْهَا، نَعَمْ، يَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 438 شَرْطُهُمَا   [مغني المحتاج] وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً، وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرُ الْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» ، وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ» ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» ، وَخَبَرُ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ فَاسْتَقَى لَهُ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ حَتَّى بَلَغَ بِضْعًا وَأَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ، فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَارِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: عَاقِدَانِ وَصِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِشَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (شَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ - وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ الْإِجَارَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 439 كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ.   [مغني المحتاج] عَلَيْهِمَا - (كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) فِي شَرْطِهِمَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثَمَّ نَعَمْ، إسْلَامُ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ، فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ - كَمَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَكَذَا إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 440 وَالصِّيغَةُ آجَرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا فَيَقُولُ: قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت،   [مغني المحتاج] الْمُهَذَّبِ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُسْلِمٍ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبَائِعٍ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَكُونُ مُؤَجِّرًا وَإِنْ جَازَ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ السَّفِيهَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالْعَمَلِ؛ فَأَوْلَى بِعِوَضٍ، بِخِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَمَلِ مِثْلِهِ، وَيُرَدُّ عَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ أَجَّرَ السَّيِّدُ عَبْدَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَقَارِ إذَا تَنَازَعَا الْمُهَايَأَةَ أَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَالصِّيغَةُ) نَحْوُ قَوْلِ الْمُؤَجِّرِ (آجَرْتُك هَذَا) الثَّوْبَ مَثَلًا، (وَأَكْرَيْتُكَ) إيَّاهُ، (أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا) ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ كَمَا سَيَأْتِي (فَيَقُولُ) : الْمُسْتَأْجِرُ - فَوْرًا - (قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت) أَوْ اسْتَكْرَيْتُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَالصِّيغَةُ مُبْتَدَأٌ لَا مَعْطُوفٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: آجَرْتُك هَذَا إلَخْ، وَمَعْنَى آجَرْتُك سَنَةً: أَيْ مَنَافِعَ سَنَةٍ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةٍ ظَرْفًا: أَيْ مَفْعُولًا فِيهِ لَآجَرْتُكَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ زَمَنُهُ يَسِيرٌ، بَلْ الْمَعْنَى آجَرْتُكَ وَاسْتَمِرَّ أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ سَنَةً، كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] إنَّ الْمَعْنَى فَأَمَاتَهُ اللَّهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِائَةَ عَامٍ، وَإِلَّا فَزَمَنُ الْإِمَاتَةِ يَسِيرٌ. وَأَمَّا نَحْوُ أَجَرْتُك الدَّارَ سَنَةً، فَالدَّارُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَسَنَةً ظَرْفٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ أَجَرْتُك: أَيْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا سَنَةً، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةً مَفْعُولًا؛ لِأَنَّ أَجَرَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ، وَوَزْنُ آجَرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَاعَلَ كَضَارَبَ لَا أَفْعَلَ كَأَكْرَمَ، وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْقَابِلِ، وَلَوْ بِقَبِلْت كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْبَيْعِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ، وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَبِالْكِنَايَةِ كَالْبَيْعِ، وَمِنْ الْكِنَايَاتِ هُنَا اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهَا بِكَذَا، وَالْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ جَارٍ هُنَا، وَفِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَآخَرِينَ، قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَلَا أَدْرِي هَلْ يَخْتَارُ النَّوَوِيُّ صِحَّةَ الْمُعَاطَاةِ فِيهَا، كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ لَا، فَإِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ. تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ، وَهِيَ مَوْرِدُ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 441 وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ: آجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا. وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ،   [مغني المحتاج] مَوْرِدُهَا الْعَيْنَ لَامْتَنَعَ رَهْنُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَقِيلَ: مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي لَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْعَيْنَ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كَمَا تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْعَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا: أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ، وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا عَلَى التَّخْرِيجِ بِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ الْعَيْنُ فَقَدْ صَارَ خِلَافًا مُحَقَّقًا، وَنَشَأَ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ قُلْنَا: مَوْرِدُ الْعَقْدِ الْعَيْنُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُؤَجِّرِ لِدَارٍ مَثَلًا: (آجَرْتُك) أَوْ أَكْرَيْتُكَ (مَنْفَعَتَهَا) سَنَةً مَثَلًا بِكَذَا؛ فَيَقْبَلُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ آجَرْتُكَهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ تَأْكِيدًا كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُك عَيْنَ هَذِهِ الدَّارِ وَرَقَبَتَهَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْعَقْدُ إلَيْهَا؟ ، وَجَعَلَ فِي الْمَطْلَبِ هَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَوْرِدَهَا الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ، (وَ) الْأَصَحُّ (مَنْعُهَا) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا (بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْأَعْيَانِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَكَلَفْظِ الْبَيْعِ لَفْظُ الشِّرَاءِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَجَزَمَ بِهِ التَّنْبِيهُ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي أَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ هَلْ الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ؟ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْعُ عَلَى قَوْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ كِنَايَةً فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِعْتُك يُنَافِي قَوْلَهُ سَنَةً فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ. هَذَا كُلُّهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ. أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا أَلْزَمْت ذِمَّتَك بِكَذَا عَنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا، فَيَقُولُ: قَبِلْت كَمَا فِي الْكَافِي أَوْ الْتَزَمْت. (وَهِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (قِسْمَانِ:) أَحَدُهُمَا: إجَارَةٌ (وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِعَيْنٍ، (كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ) ، وَقَوْلُهُ: (مُعَيَّنَيْنِ) صِفَةُ دَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ غَلَبَ فِيهِ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ: مُعَيَّنٌ بِالْإِفْرَادِ لَوَافَقَ الْمَعْرُوفَ لُغَةً مِنْ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ يَقْتَضِي الْإِفْرَادَ، وَلِهَذَا. أُجِيبَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْوِيعُ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ. (وَ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 442 وَعَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً. وَلَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ ذِمَّةٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهَا، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ   [مغني المحتاج] الْقِسْمُ الثَّانِي: إجَارَةٌ وَارِدَةٌ (عَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ) لَحَمْلٍ مَثَلًا، (وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ) أَيْ الشَّخْصِ عَمَلًا (خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً) أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَقُولَ الْآخَرُ: قَبِلْت أَوْ اكْتَرَيْت. وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْعَقَارَ مِنْ قِسْمِ الْوَارِدَةِ عَلَى عَيْنٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَمْرَانِ. وَالسُّفُنُ هَلْ تَلْحَقُ بِالدَّوَابِّ أَوْ بِالْعَقَارِ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُهَا بِالدَّوَابِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ. تَنْبِيهٌ تَقْسِيمُ الْإِجَارَةِ إلَى وَارِدَةٍ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٍ عَلَى الذِّمَّةِ لَا يُنَافِي تَصْحِيحَهُمْ أَنَّ مَوْرِدَهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ، وَهُنَا مَا يُقَابِلُ الذِّمَّةَ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ: (اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ) لِي (كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ) فِي الْأَصَحِّ لِلْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ، كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك لِهَذِهِ الدَّابَّةِ، (وَقِيلَ) : إجَارَةُ (ذِمَّةٍ) نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعَمَلِ مِنْ جِهَةِ الْمُخَاطَبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْتَحْقَيْتُ كَذَا عَلَيْك فَلَهُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ الذِّمَّةِ وَلَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَقَدْ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَمَثَّلُوا اسْتِئْجَارَ عَيْنِ الشَّخْصِ لِلْحَجِّ بِاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ الْخِلَافَ. (وَيُشْتَرَطُ فِي) صِحَّةِ (إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ) قَطْعًا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ، وَكَذَا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَلَا الْحَوَالَةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاءُ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ وُجُوبُ كَوْنِ الْأُجْرَةِ حَالَّةً وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَبْضِ الْحُلُولُ، (وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّتِهَا (ذَلِكَ) أَيْ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ (فِيهَا) فِي الْمَجْلِسِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ مَكَانًا تَعَيَّنَ، وَإِلَّا فَمَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ، (وَيَجُوزُ) فِي الْأُجْرَةِ (فِيهَا) أَيْ إجَارَةِ الْعَيْنِ (التَّعْجِيلُ) لِلْأُجْرَةِ (وَالتَّأْجِيلُ) فِيهَا (إنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأُجْرَةُ (فِي الذِّمَّةِ) كَالثَّمَنِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ، (وَإِنْ أُطْلِقَتْ) تِلْكَ الْإِجَارَةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 443 تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً مُلِكَتْ فِي الْحَالِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ   [مغني المحتاج] (تَعَجَّلَتْ) فَتَكُونُ حَالَّةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، (وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً) أَوْ مُطْلَقَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (مُلِكَتْ فِي الْحَالِ) بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُرَاعًى، بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ عَلَى السَّلَامَةِ بَانَ أَنَّ الْمُؤَجَّرَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ. أَمَّا اسْتِقْرَارُ جَمِيعِهَا فَبِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى. وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ. تَنْبِيهٌ كَمَا يَمْلِكُ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا، وَتَحْدُثُ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ أَجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ دَفْعُ جَمِيعِهَا لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يُعْطَى بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي. قَالَهُ الْقَفَّالُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ الْأُجْرَةِ لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ بِمَوْتِهِ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ. أَمَّا إذَا قَصُرَتْ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ. أَمَّا صَرْفُهَا فِي الْعِمَارَةِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِث ذَاكِرًا لِشَرْطِهِ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ) الَّتِي فِي الذِّمَّةِ (مَعْلُومَةً) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِهَا صِحَّةُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ أَنَّ الرِّزْقَ مَجْهُولٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ، بَلْ نَوْعُ جَعَالَةٍ يُغْتَفَرُ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجَعْلِ. وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ (فَلَا تَصِحُّ) اسْتِئْجَارُ الدَّارِ مَثَلًا (بِالْعِمَارَةِ) ، كَأَجَّرْتُكَهَا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عِمَارَةٍ أَوْ بِدِينَارٍ مَثَلًا تَعْمُرُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بَعْضُ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِنْ أَجَرَهُ الدَّارَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِلَا شَرْطٍ وَأَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا فِي الْعِمَارَةِ صَحَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا، وَإِذَا أَنْفَقَ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ الْمُنْفَقِ صُدِّقَ الْمُنْفِقُ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى قَدْرًا مُحْتَمَلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، (وَ) لَا يَصِحُّ أَيْضًا إجَارَةُ دَابَّةٍ شَهْرًا مَثَلًا بِنَحْوِ (الْعَلْفِ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ. الْأَوَّلُ: مَصْدَرٌ، وَالثَّانِي: اسْمٌ لِمَا يُعْلَفُ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 444 وَلَا لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَصِحُّ   [مغني المحتاج] كَرِيَاضَتِهَا لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا اسْتِئْجَارُ سَلَّاخٍ (لِيَسْلُخَ) الشَّاةَ (بِالْجِلْدِ) الَّذِي عَلَيْهَا، (وَلَا) طَحَّانٍ عَلَى أَنْ (يَطْحَنَ) الْبُرَّ مَثَلًا (بِبَعْضِ الدَّقِيقِ) مِنْهُ كَرُبْعِهِ (أَوْ بِالنُّخَالَةِ) مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَبِقَدْرِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ حَالًا، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطِّحَانِ» ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الطَّحْنِ قَفِيزًا مَطْحُونًا، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ شَيْئًا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمِنْهُ مَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ جَعْلِ أُجْرَةِ الْجَابِي الْعُشْرَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَك نَظِيرُ الْعُشْرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَفِي صِحَّتِهِ جَعَالَةً نَظَرٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ فِيهَا الْبُطْلَانُ لِلْجَهْلِ بِالْجَعْلِ. تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الطَّحْنَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لِتَطْحَنْ الْكُلَّ أَوْ يُطْلِقَ. فَإِنْ قَالَ لِتَطْحَنْ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ) كَرُبُعِهِ (فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ عَمَلِهَا يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمُسَاقَاةِ شَرِيكِهِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا عَلَى شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. اهـ. وَالتَّحْقِيقُ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ، كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ بِرُبْعِهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي حِصَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ جَارٍ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَ حِصَّتِي مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ - وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ - مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِ الشُّرُوطِ، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً) ، لَمْ يُرِدْ بِالْمُتَقَوِّمَةِ هُنَا مُقَابِلَةَ الْمِثْلِيَّةِ، بَلْ مَا لَهَا قِيمَةٌ لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إمَّا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لِخِسَّتِهَا أَوْ قِلَّتِهَا يَكُونُ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا سَفَهًا وَتَبْذِيرًا، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعْلُومَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ. وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ كُلُّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعْلُومَةً مَقْصُودَةً تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 445 اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ، وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الْأَصَحِّ. وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا،   [مغني المحتاج] اسْتِئْجَارُ) تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةِ بُرٍّ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ، وَلَا اسْتِئْجَارُ (بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ) قَائِلَهَا (وَإِنْ) كَانَتْ إيجَابًا وَقَبُولًا وَ (رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ) ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا. لَكِنْ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُتْعَبْ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ. أَمَّا مَا يَحْصُل فِيهِ التَّعَبُ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَهُ آيَةً لَا تَعَبَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصَّدَاقِ، وَكَذَا عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّ فِيهِ كُلْفَةَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ صَافِيَةً مِنْ الْإِشْكَالِ، وَتَقْوَى الصِّحَّةُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْأَذَانِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ بِمَعْرِفَتِهِ، إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّيْقَلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِنَاعَاتٌ يَتْعَبُ فِي تَعْلِيمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ، وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، (وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ) لِلْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا، (وَكَلْبٌ) مُعَلَّمٌ (لِلصَّيْدِ) وَنَحْوِهِ كَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ دَرْبٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزْيِينِ بِالنَّقْدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلزِّينَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَالْكَلْبُ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ فَكَذَا لِمَنْفَعَتِهِ. وَالثَّانِي: يُنَازِعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ التَّزْيِينِ فِي ذَلِكَ الضَّرْبُ عَلَى سِكَّتِهَا وَالْوَزْنُ بِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا، أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُسِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ، وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةً. ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 446 فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَى لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ، وَيَجُوزُ إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، وَكَذَا إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا (كَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَكَذَا لِلْمُقْطَعِ أَيْضًا إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، قَالَ: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ فَأَفْتَوْا بِالْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْمُقْطَعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِيجَارِ أَوْ يَجْرِيَ عُرْفٌ عَامٌّ كَدِيَارِ مِصْرَ فَيَصِحُّ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ مَنْ هُمَا فِي يَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ. أَمَّا الْغَاصِبُ أَوْ الْقَادِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ أَوْ مَنْ وَقَعَ الْآبِقُ فِي يَدِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ أَوْ الْمَشْرُوطِ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، (وَ) لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (أَعْمَى) إجَارَةَ عَيْنٍ (لِلْحِفْظِ) فِيمَا يَحْتَاجُ لِلنَّظَرِ وَلَا أَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِحِفْظِ شَيْءٍ بِيَدِهِ أَوْ جُلُوسِهِ خَلْفَ بَابٍ لِلْحِرَاسَةِ لَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ، وَعَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَلَا اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْقَارِئِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اتَّسَعَتْ الْمُدَّةُ لِيُعَلِّمَهُ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ مِنْ عَيْنِهِ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِهَا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ، (وَ) لَا اسْتِئْجَارُ (أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَثَلْجٍ وَنَدَاوَةٍ، وَلَا تُسْقَى بِمَاءٍ غَالِبِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ لَا يَكْفِي كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُكْرَى: أَنَا أَحْفِرُ لَك بِئْرًا وَأَسْقِي أَرْضَك مِنْهَا، أَوْ أَسُوقُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لَهَا كَالْمَفَازَةِ، (وَيَجُوزُ) اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ (إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ وَلَوْ صَغِيرًا، (وَكَذَا) يَجُوزُ (إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ) فِي نَحْوِ جَبَلٍ، (وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حُصُولُ الْغَالِبِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 447 وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ. فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ.   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِحُصُولِ مَا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرَاضِي مِصْرٍ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ رَيِّهَا بِالزِّيَادَةِ، وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ كَانَتْ تُرْوَى مِنْ الزِّيَادَةِ الْغَالِبَةِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَمَا دُونَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا يُرْوَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كَالْمَوْثُوقِ بِهِ عَادَةً، وَمَا يُرْوَى مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ غَالِبُ الْحُصُولِ، وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقًا إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ قَلِيلًا وَإِلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ كَثِيرًا. اهـ. بَلْ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا وُصُولُ الزِّيَادَةِ إلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ انْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهَا وَإِنْ سَتَرَهَا عَنْ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا كَاسْتِتَارِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْقِشْرِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ عَقِبَ الْعَقْدِ شَرْطٌ وَالْمَاءُ يَمْنَعْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ صَرْفَهُ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الزَّرْعِ حَالًا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ لَا أُجْرَةَ لَهُ، هَذَا إنْ وُثِقَ بِانْحِسَارِهِ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْرِقُهَا وَتَنْهَارُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِيهَا شِرْبُهَا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ بِعُرْفٍ مُطَّرِدٍ، وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ: النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ أَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فِيهِ أَوْ اسْتَثْنَى الشِّرْبَ وَلَمْ يُوجَدْ شِرْبٌ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْأَوَّلِ، وَكَمَا لَوْ اسْتَثْنَى، مَمَرَّ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فِي الثَّانِي، فَإِنْ وُجِدَ شِرْبُ غَيْرِهِ صَحَّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالِاغْتِنَاءِ عَنْ شِرْبِهَا، (وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ) لِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ (كَالْحِسِّيِّ) فِي حُكْمِهِ. تَنْبِيهٌ اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تُسْقِطُ الْقَضَاءَ، ثُمَّ تَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ بَعْدَ السَّلَامِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّهُ رَآهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ كَمَا لَوْ رَآهُ وَثَمَّ مَانِعٌ مِنْهُ حِسِّيٌّ كَسَبُعٍ وَعَدُوٍّ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِيلَاءِ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا قَامَ بِالْمَرْأَةِ إنْ كَانَ حِسِّيًّا مَنَعَ مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ، أَوْ شَرْعِيًّا فَلَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ بَيْعِ الْمَبِيعِ أَوْ إجَارَتِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ فَقَدَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الْأُخْرَى؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَهُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا تُغْسَلُ لَمْ يَمْسَحْ خُفَّ الْأُخْرَى عَلَى الصَّحِيحِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ) لِحُرْمَةِ قَلْعِهَا، وَفِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 448 وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ   [مغني المحتاج] مَعْنَاهَا كُلُّ عُضْوٍ سَلِيمٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ قِصَاصٍ. أَمَّا الْعَلِيلَةُ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِقَلْعِهَا إنْ صَعُبَ الْأَلَمُ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ قَلْعَهَا يُزِيلُ الْأَلَمَ. وَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ قَلْعَهَا فِي قِصَاصٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِي الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ جَائِزٌ، وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ إذَا لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَلَوْ كَانَ السِّنُّ صَحِيحًا وَلَكِنْ انْصَبَّ تَحْتَهُ مَادَّةٌ مِنْ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَا تَزُولُ الْمَادَّةُ إلَّا بِقَلْعِهَا فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازُ الْقَلْعِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْيَدُ الْمُتَأَكِّلَةُ كَالسِّنِّ الْوَجِعَةِ، وَكَذَا الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْبَيَّاعِ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَصْدَ وَنَحْوَهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ فَبَرِئَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِتَعَذُّرِ الْقَلْعِ. فَإِنْ لَمْ تَبْرَأْ وَمَنَعَهُ مِنْ قَلْعِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ، لَكِنَّهَا تَكُونُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ رَدَّ الْأُجْرَةَ كَمَنْ مَكَّنَتْ الزَّوْجَ فَلَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ فَارَقَ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ مُدَّةَ إمْكَانِ السَّيْرِ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا (وَ) لَا اسْتِئْجَارُ مُسْلِمَةٍ (حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُسْتَحَاضَةٍ إجَارَةِ عَيْنٍ (لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ) ، وَإِنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ، وَجَوَّزْنَا الْعُبُورَ لِاقْتِضَاءِ الْخِدْمَةِ الْمُكْثَ أَوْ التَّرَدُّدَ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ. أَمَّا الْكَافِرَةُ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَمْكِينِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ مِنْ الْمُكْثِ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَكَنَسَتْ عَصَتْ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً، وَفِي مَعْنَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ، وَفِي مَعْنَى الْحَائِضِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ نَضَّاحَةٌ إذَا لَمْ يَأْمَنْ التَّلْوِيثَ. وَأَمَّا إجَارَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ، وَلَا اسْتِئْجَارٌ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالسِّحْرِ وَالْفُحْشِ وَالنُّجُومِ وَالرَّمْلِ، وَلَا لِخِتَانِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ، وَلَا لِخِتَانِ الْكَبِيرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا لِتَثْقِيبِ الْأُذُنِ وَلَوْ لِأُنْثَى وَلَا لِلزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لَا لِلْإِرَاقَةِ، وَلَا لِتَصْوِيرِ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَجَعَلَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْغِنَاءَ، وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ. أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ حَمْلِ الْمُحْتَرَمَةِ فَجَائِزٌ كَنَقْلِ الْمَيْتَةِ إلَى الْمَزْبَلَةِ، وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَكِّ الْأَسِيرِ، وَإِعْطَاءِ الشَّاعِرِ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ، وَالظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ، وَالْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ، فَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ عَلَيْهَا، (وَكَذَا) حُرَّةٌ (مَنْكُوحَةٌ) لِغَيْرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 449 لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا.   [مغني المحتاج] الْمُسْتَأْجِرِ تَمْلِكُ مَنَافِعَ نَفْسِهَا، وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا إجَارَةَ عَيْنٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا لَا يُؤَدِّي لِخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ (بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَهَا مُسْتَغْرِقَةٌ بِحَقِّهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّكَاحِ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي لَبَنِهَا وَخِدْمَتِهَا؛ لَكِنْ لَهُ فَسْخُهَا حِفْظًا لِحَقِّهِ. تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً، أَوْ كَانَ طِفْلًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: إنَّ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَنَافِعَ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ أَنْ يَنْتَفِعَ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ فَإِنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا نَهَارًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا. نَعَمْ الْمُكَاتَبَةُ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا، وَالْعَتِيقَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَبَدًا لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ فِي إيجَارِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَبِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْكُوحَةُ لَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَوْ لِوَلَدِهِ مِنْهَا، وَبِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ لِلْحَجِّ، وَقَدْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لِلْعَكْمِ فَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعَكْمِ إذْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْعَكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَزْمِنَةَ. وَبِإِجَارَتِهَا إجَارَةَ عَيْنٍ مَا لَوْ الْتَزَمَتْ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ مَا لَوْ أَذِنَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ، وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا فِي أَوْقَاتِ فَرَاغِهَا خَوْفَ الْحَبَلِ وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا قَالَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ مَنَافِعَ الْأَمَةِ، وَقَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّهْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ. (وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ حَالًّا. وَقَوْلُهُ: (كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ) لِكَذَا (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا (أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 450 وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْبُوَيْطِيِّ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي السَّلَمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ. فَلَوْ مَثَّلَ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِغُرَّةِ شَهْرِ كَذَا لَكَانَ أَوْلَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْمُسْتَهِلَّ فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِلتَّمْثِيلِ بِالْغُرَّةِ. (وَلَا يَجُوزُ) ؛ وَلَا يَصِحُّ (إجَارَةِ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ) ، كَإِجَارَةِ الدَّارِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَوْ سَنَةً أَوَّلُهَا مِنْ الْغَدِ. وَاحْتُرِزَ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْكِتَابِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا يُعْمَلُ إلَّا بِالنَّهَارِ وَعَقَدَ الْإِجَارَةَ لَيْلًا وَأُطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْعَمَلِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فِي وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْمُبَادَرَةُ فِيهِ إلَى زِرَاعَتِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ مَسْأَلَتَيْنِ: أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ أَجَّرَ) الْمَالِكُ (السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِنْهُ السَّنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ يَنْفَسِخُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَالُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ ظُهُورُهُ فَلَا يَقْدَحُ عُرُوضُ الِانْفِسَاخِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا عَمَّا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ فَقَدْ أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً أُخْرَى، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَةِ السَّنَةِ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ صُورَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ إحْدَاهُمَا الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةً يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً ثَانِيَةً قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا. الثَّانِيَةُ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلسُّكْنَى بِدَارٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا لَهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ الْآنَ لِلْمَنْفَعَةِ، لَا مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ تَرْجِيحِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ فَرَاغِ الْأُولَى لِاتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَ الْوَارِثُ مَا أَجَّرَهُ مُوَرِّثُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُ لِمَا مَرَّ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ بَيْنَ السَّنَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ قَطْعًا، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمُطْلَقَ وَالْوَقْفَ إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 451 وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا، وَذَا أَيَّامًا وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ.   [مغني المحتاج] أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ سَنَةً فِي عَقْدٍ، ثُمَّ سَنَةً فِي عَقْدٍ آخَرَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ الصِّحَّةَ، وَلَوْ أَجَّرَ عَيْنًا فَأَجَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ - صَحَّتْ الْإِقَالَةُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَمْ تَنْفَسِخْ الثَّانِيَةُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْبَيْعِ بِانْقِطَاعِ عُلْقَتِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ أَجَرَهُ حَانُوتًا أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا يَسْتَمِرُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَادَةً أَيَّامَ شَهْرٍ لَا لَيَالِيِهِ أَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِانْتِفَاعِ لَمْ يَتَّصِلْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْإِجَارَةِ يُرَفَّهَانِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ الْعَمَلَ دَائِمًا، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ جَمْعُ عُقْبَةٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهِيَ النَّوْبَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْقُبُ صَاحِبَهُ وَيَرْكَبُ مَوْضِعَهُ (وَهُوَ) أَيْ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي (أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا) مَثَلًا (لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ) يَعْنِي كَنِصْفِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُؤَجِّرُ الْبَعْضَ الْآخَرَ تَنَاوُبًا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْبُدَاءَةِ بِالْمُؤَجِّرِ، سَوَاءٌ أَشَرَطَاهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ أَطْلَقَا أَوْ قَالَا لِيَرْكَبْ أَحَدُنَا، وَسَوَاءٌ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ حَالًا، وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَرْكَبَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوَّلًا فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِتَأْخِيرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، (أَوْ) يُؤَجِّرَهَا (رَجُلَيْنِ) مَثَلًا (لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا) مَعْلُومَةً (وَذَا أَيَّامًا) كَذَلِكَ تَنَاوُبًا، (وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ) فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَادَةً مَضْبُوطَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَسَافَةٍ اُتُّبِعَتْ، (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي الْأُولَى، وَالْمُكْتَرِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ: الرُّكُوبَ بِالتَّرَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْمَنْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةُ أَزْمَانٍ مُنْقَطِعَةٌ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِ زَمَنِ الْإِجَارَةِ فِيهَا دُونَ الْأُولَى. وَالثَّالِثُ: تَصِحُّ فِيهِمَا إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَصِحُّ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً. وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ: أَيَّامًا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ جَوَازُ كَوْنِ النَّوْبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا طَلَبُ الرُّكُوبِ ثَلَاثًا وَالْمَشْيَ ثَلَاثًا لِلْمَشَقَّةِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِطَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ عَلَى يَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ ثَلَاثٍ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: كَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 452 فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً،   [مغني المحتاج] الْعَادَةُ يَوْمًا. اهـ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمَاشِي وَلَا لِلدَّابَّةِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْبَيَانِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى، وَالزَّمَانُ الْمَحْسُوسُ فِي الْمُبَادَرَةِ زَمَنُ السَّيْرِ دُونَ النُّزُولِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، حَتَّى لَوْ نَزَلَ أَحَدُهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لِعَلَفِ الدَّابَّةِ لَمْ يُحْسَبْ زَمَنُ النُّزُولِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الزَّمَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ دَابَّةً لَا تَحْمِلُهُمَا حُمِلَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْمِلُهُمَا رَكِبَاهَا جَمِيعًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ مُتَوَالِيًا صَحَّ قَطْعًا، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ نِصْفَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ مُشَاعَةً كَبَيْعِ الْمُشَاعِ، وَيَقْتَسِمَانِ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَسَافَةِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ يُضَافُ إلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا لَوْ أَجَّرَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إجَارَةِ عَيْنٍ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَتَأَتَّ تَأْدِيَتُهُ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ إلَّا بِالسَّيْرِ قَبْلَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوجِ عَقِبَهُ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَثَلًا بِبَلَدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ. الثَّالِثَةُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ الرَّابِعَةُ مَا سَبَقَ مِنْ صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ، وَعَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ انْحِسَارِهِ. فَرْعٌ اسْتِئْجَارُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي الْحَالِ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ، بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا لَا يُثْمِرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُثْمِرُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الثِّمَارِ يُحْتَمَلُ فِي كُلِّ مُسَاقَاةٍ. [فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً] ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ: فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ فِيمَا لَهُ مَنَافِعُ كَدَارٍ (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (مَعْلُومَةً) عَيْنًا وَصِفَةً وَقَدْرًا، وَلَمْ يَقُلْ: وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً كَمَا قَالَ سَابِقًا، وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِكَثْرَةِ أَبْحَاثِ هَذَا الشَّرْطِ، فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ أَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَلَا إجَارَةُ الْغَائِبِ وَلَا إجَارَةُ مُدَّةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالِ الدَّاخِلِينَ فِي الْمُكْثِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 453 ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً، وَتَارَةً بِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ إلَى مَكَّةَ وَكَخَيَّاطَةِ ذَا الثَّوْبِ،   [مغني المحتاج] الَّذِي يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ الْمَاءُ وَالْإِزَارِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ. أَمَّا الْمَاءُ فَغَيْرُ مَضْبُوطٍ عَلَى الدَّاخِلِ، وَالْحَمَّامِيُّ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ ثَمَنُ الْمَاءِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ سِوَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبِسَاطِ لِلْفُرُشِ حُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَافِعُ كَالْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَ: (ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ) الْمَنْفَعَةُ (بِزَمَانٍ) فَقَطْ (كَدَارٍ) أَيْ كَإِجَارَةِ دَارٍ وَثَوْبٍ وَإِنَاءٍ (سَنَةً) مُعَيَّنَةً مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَيَقُولُ: أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِالسُّكْنَى سَنَةً. فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا مَثَلًا، وَأَطْلَقَ صَحَّ وَجَعَلَ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَعَارَفُ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْآنَ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةِ شَهْرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَبَقِيَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ لِلْإِبْهَامِ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُ صَحَّ، وَقَوْلُهُ أَجَّرْتُك مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا مُدَّةً. فَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُك هَذِهِ السَّنَةَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ. وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك هَذَا الشَّهْرَ بِدِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ إذَا أَجَّرَهُ شَهْرًا مُعَيَّنًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ فَجَاءَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَطَلَ، كَمَا لَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ تِسْعِينَ مَثَلًا. (وَتَارَةً) تُقَدَّرُ (بِعَمَلٍ) أَيْ مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ (كَدَابَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ لِلرُّكُوبِ (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا، (وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبِ) الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَعْلُومَةٌ فِي أَنْفُسِهَا فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ تَعَيُّنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ بِالزَّمَنِ أَيْضًا فَيَقُولُ: أَجِّرْنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ لِأَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ أَجِّرْنِي عَبْدَك لِيَحْفَظَ لِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ يَخِيطَ لِي شَهْرًا. وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ: مِنْ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَنَافِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْمُدَّةِ كَالْعَقَارِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ وَتَقْدِيرَ اللَّبَنِ إنَّمَا يَنْضَبِطُ بِالزَّمَانِ، وَسُمْكُ التَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثَخَانَةً. وَكَمَا فِي الِاكْتِحَالِ فَإِنَّ قَدْرَ الدَّوَاءِ لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَتُقَدَّرُ الْمُدَاوَاةُ بِالْمُدَّةِ لَا بِالْبُرْءِ وَالْعَمَلِ. فَإِنْ بَرِيءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 454 فَلَوْ جَمَعَهُمَا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ، أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ.   [مغني المحتاج] الْإِجَارَةُ فِي الْبَاقِي. وَقِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَبَيْعِ الثَّوْبِ وَالْحَجِّ وَقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ فُلَانٍ. وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ كَالدَّابَّةِ وَالْخِيَاطَةِ. هَذَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك الْخِيَاطَةَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَامِلًا يَخِيطُ وَلَا مَحَلًّا لِلْخِيَاطَةِ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّوْبَ وَمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْخِيَاطَةَ أَهِيَ رُومِيَّةٌ أَوْ فَارِسِيَّةٌ؟ إلَّا أَنْ تَطَّرِدَ عَادَةً بِنَوْعٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الرُّومِيُّ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيُّ بِغُرْزَةٍ، فَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ: إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَنِصْفُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْإِبْهَامِ، فَإِنْ خَاطَهُ كَيْفَ اتَّفَقَ كَانَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ تَارَةً نُصِبَتْ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَمَعْنَاهَا الْوَقْتُ وَالْحِينُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مُقَدَّرٌ وَيُجْمَعُ عَلَى تَارَاتٍ كَسَاعَةٍ وَسَاعَاتٍ، وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْمَرَّةِ، (فَلَوْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الزَّمَانَ وَالْعَمَلَ (فَاسْتَأْجَرَهُ) أَيْ شَخْصًا (لِيَخِيطَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِلْغَرَرِ؛ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ أَوْ يَتَأَخَّرُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزٍ حِنْطَةً بِشَرْطِ كَوْنِ وَزْنِهِ كَذَا لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا يُقْطَعُ بِفَرَاغِهِ فِي الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ: أَيْ شَرَطَهُ لِلتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ إذْ الْمُدَّةُ مَذْكُورَةٌ لِلتَّعْجِيلِ فَلَا تُورِثُ الْفَسَادَ، وَهَذَا بَحْثُ السُّبْكِيّ،. (وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ) كَشَهْرٍ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي سُهُولَةِ الْحِفْظِ وَصُعُوبَتِهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ لِبَعْضِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُرْآنًا. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً لِجَمِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْعَمَلِ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: تَعْلِيمُ قُرْآنٍ بِالتَّنْكِيرِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ: عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ. فَإِذَا قُدِّرَ التَّعْلِيمُ بِمُدَّةٍ كَشَهْرٍ هَلْ يَدْخُلُ الْجَمِيعُ أَوْ لَا؟ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ أَيَّامَ السُّبُوتِ مُسْتَثْنَاةٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْيَهُودِيِّ شَهْرًا لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْأَحَدُ لِلنَّصَارَى، وَالْجُمَعُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ. (أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 455 وَفِي الْبِنَاءِ يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالسَّمْكَ وَمَا يُبْنَى بِهِ   [مغني المحتاج] أَوْ سُورَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ كَذَا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا لِلتَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى تَعْلِيمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ وَكَّلَا مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَفْتَحَ الْمُصْحَفَ وَيَقُولَ تُعَلِّمُنِي مِنْ هُنَا إلَى هُنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ أَوْ صُعُوبَةٍ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ وَنَحْوِهِ إذْ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ الْقِرَاءَاتِ. لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ: يُعَلِّمُهُ الْأَغْلَبَ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَالِبُ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْجَهُ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ قِرَاءَةً تَعَيَّنَتْ، فَإِنْ أَقْرَأَهُ غَيْرَهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُتَعَلِّمِ وَلَا اخْتِبَارُ حِفْظِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ حَالِ الْفَرَسِ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، فَلَوْ وَجَدَ ذِهْنَهُ فِي الْحِفْظِ خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةَ، وَلَوْ كَانَ يَنْسَى فَهَلْ عَلَى الْأَجِيرِ إعَادَةُ تَعْلِيمِهِ أَوْ لَا؟ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ غَالِبٌ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ مَا دُونَ الْآيَةِ، فَإِذَا عَلَّمَهُ بَعْضَهَا فَنَسِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ بَاقِيهَا لَزِمَ الْأَجِيرَ إعَادَةُ تَعْلِيمِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْرَأُ فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ لَمْ يُعَلَّمْ كَمَا لَا يُبَاعُ الْمُصْحَفُ مِنْ الْكَافِرِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْقِيَاسِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا. فَرْعٌ الْإِجَارَةُ لِلْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا جَائِزَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِنُزُولِ الرَّحْمَةِ حَيْثُ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَالْحَيِّ الْحَاضِرِ، سَوَاءٌ أَعْقَبَ الْقُرْآنَ بِالدُّعَاءِ أَمْ جَعَلَ أَجْرَ قِرَاءَتِهِ لَهُ أَمْ لَا، فَتَعُودُ مَنْفَعَةُ الْقُرْآنِ إلَى الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلْحَقُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَأَكْثَرُ بَرَكَةً؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ أُجْرَةَ الْحَاصِلِ بِقِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ دُعَاءٌ بِحُصُولِ الْأَجْرِ لَهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْصُلُ لَهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. (وَفِي الْبِنَاءِ) أَيْ الِاسْتِئْجَارِ لَهُ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا كَسَقْفٍ (يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ) لِلْجِدَارِ، (وَالطُّولَ) وَهُوَ الِامْتِدَادُ مِنْ إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، (وَالْعَرْضَ) وَهُوَ مَا بَيْنَ وَجْهَيْ الْجِدَارِ، (وَالسَّمْكَ) وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ: الِارْتِفَاعُ، (وَ) يُبَيِّنُ أَيْضًا (مَا يُبْنَى بِهِ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 456 إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ. وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْجِدَارُ مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ (إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِ، فَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يُبْنَى بِهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، وَمَحَلُّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُبْنَى بِهِ حَاضِرًا، وَإِلَّا فَمُشَاهَدَتُهُ تُغْنِي عَنْ تَبْيِينِهِ، وَيُبَيَّنُ فِي النِّسَاخَةِ عَدَدُ الْأَوْرَاقِ وَأَسْطُرُ الصَّفْحَةِ وَقَدْرُ الْقِطَعِ وَالْحَوَاشِي، وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْمُدَّةِ. وَيُبَيَّنُ فِي الرَّعْيِ الْمُدَّةُ وَجِنْسُ الْحَيَوَانِ وَنَوْعُهُ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى قَطِيعٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ الْعَدَدُ اكْتَفَى بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَيُبَيَّنُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِضَرْبِ اللَّبِنِ إذَا قُدِّرَ بِالْعَمَلِ الْعَدَدُ وَالْقَالَبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - طُولًا وَعَرْضًا وَسَمْكًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْيِينِ، وَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا (لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ) أَوْ لِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِاخْتِلَافِ مَنَافِعِ هَذِهِ الْجِهَاتِ، فَإِنْ أُطْلِقَ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا إذَا لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهَا كَأَرَاضِي الْأَحْكَارِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْبِنَاءُ، وَبَعْضِ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ الْغِرَاسُ، (وَيَكْفِي) فِي أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزَرْعٍ (تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ) فِيهَا كَقَوْلِهِ: أَجَّرْتُكَهَا لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا فَيَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ لِلْإِطْلَاقِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ، وَمَا بَحَثَهُ حَكَاهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجْهًا. وَالثَّانِي: لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، وَيَجْرِي فِي قَوْلِهِ لِتَبْنِيَ أَوْ لِتَغْرِسَ لِتَفَاوُتِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ. نَعَمْ إنْ أَجَّرَ عَلَى غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَغَيْرِهَا كَذَلِكَ، (وَلَوْ قَالَ: لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ، وَيَصْنَعُ مَا شَاءَ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِضْرَارِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُرِيحَ الْمَأْجُورَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَمَا فِي إرَاحَةِ الدَّابَّةِ، (وَكَذَا) يَصِحُّ (لَوْ قَالَ) لَهُ: (إنْ شِئْت فَازْرَعْ) أَيْ الْأَرْضَ (وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ) وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْغِرَاسِ، وَالزَّرْعُ أَهْوَنُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِلْإِبْهَامِ. قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 457 وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ،   [مغني المحتاج] السُّبْكِيُّ: لَا بُدَّ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ زِيَادَةِ مَا شِئْت فَيَقُولُ: إنْ شِئْت فَازْرَعْ مَا شِئْت أَوْ اغْرِسْ مَا شِئْت، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَا ذَكَرَ عَادَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ تَعْيِينِ مَا يَزْرَعُ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ: أَجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ أَوْ فَازْرَعْ وَاغْرِسْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ، أَوْ لِتَزْرَعَ نِصْفًا وَتَغْرِسَ نِصْفًا، وَلَمْ يَخُصَّ كُلَّ نِصْفٍ بِنَوْعٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ لَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ كَمَا نُقِلَ عَنْ التَّقْرِيبِ فَتَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يَزْرَعُ وَكَمْ يَغْرِسُ؟ وَفِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَغْرُوسَ وَالْمَزْرُوعَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ. (وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَتِهِ) لَهُ (أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ) لِجُثَّتِهِ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ. تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ التَّامِّ، فَقِيلَ بِأَنْ يَصِفَهُ بِالضَّخَامَةِ أَوْ الثَّخَانَةِ لِيَعْرِفَ وَزْنَهُ تَخْمِينًا، وَقِيلَ: يَصِفُهُ بِالْوَزْنِ وَلَمْ يُرَجِّحَا شَيْئًا، وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ، (وَقِيلَ: لَا يَكْفِي الْوَصْفُ) فِيهِ وَتَتَعَيَّنُ الْمُشَاهَدَةُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، (وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (وَغَيْرِهِ) مِنْ نَحْوِ زَامِلَةٍ (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُكْتَرِي، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ عُرْفٌ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفِهِ التَّامِّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ مُجَرَّدًا لَيْسَ لَهُ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ وَيُرْكِبُهُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ نَحْوِ سَرْجٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ، فَإِنْ اطَّرَدَ فِيهِ عُرْفٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ يَطْلُبُ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ الْأَصَحَّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ. تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ زَامِلَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِ الْمُصَنِّفِ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْوِطَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ أَوْ وَصْفُهُ، وَالْغِطَاءُ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ وَيَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَحْتَاجُ إلَى شَرْطِهِ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ أَوْ وَصْفُهُ إلَّا إذَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفٌ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوِطَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 458 وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ مُطْلَقًا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ، وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْيِينُ الدَّابَّةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ   [مغني المحتاج] وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْمِلِ طَرَفٌ فَكَالْغِطَاءِ، (وَلَوْ شَرَطَ) فِي الْإِجَارَةِ (حَمْلَ الْمَعَالِيقِ) جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْبَعِيرِ كَسُفْرَةٍ وَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا وَصْفٍ (فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَرُبَّمَا قَلَّتْ وَرُبَّمَا كَثُرَتْ. وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَادِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَعَالِيقِ إذَا كَانَتْ فَارِغَةً. فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ فَكَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ، (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ (لَمْ يُسْتَحَقَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَمْلُهَا فِي الْأَصَحِّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمَعَالِيقُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرْكُوبِ، فَمَعَالِيقُ الْحِمَارِ دُونَ مَعَالِيقِ الْبَعِيرِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دَابَّةٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا ذَلِكَ. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِسَرْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَمْلَهَا قَطْعًا (وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ) الدَّابَّةِ إجَارَةِ (الْعَيْنِ) لِرُكُوبٍ (تَعْيِينُ الدَّابَّةِ) ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إحْدَى هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ لِلْإِبْهَامِ (وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ) ، وَالْأَظْهَرُ الِاشْتِرَاطُ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُحْتَرَزْ بِالتَّعْيِينِ عَنْ الْوَصْفِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ أَرَادَ بِالتَّعْيِينِ مُقَابِلَ الْإِبْهَامِ لِتَخْرُجَ الصُّورَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ كَافِيَةٌ، (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) لِرُكُوبِ دَابَّةٍ (ذِكْرُ الْجِنْسِ) لَهَا كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ (وَالنَّوْعِ) كَبَخَاتِيٍّ وَعِرَابٍ (وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأُنْثَى أَسْهَلُ سَيْرًا، وَالذَّكَرَ أَقْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ السَّيْرِ كَبَحْرٍ أَوْ قَطُوفٍ أَوْ مُهَمْلِجٍ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ. وَالْبَحْرُ: الْوَاسِعُ الْمَشْيِ. وَالْقَطُوفُ بِفَتْحِ الْقَافِ: الْبَطِيءُ السَّيْرِ، وَالْمُهَمْلِجُ بِكَسْرِ اللَّامِ: حَسَنُ السَّيْرِ فِي سُرْعَةٍ، (وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ إجَارَتَيْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ (بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ) ، إنْ كَانَ قَدْرًا تُطِيقُهُ الدَّابَّةُ غَالِبًا، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً، وَبِالْأَوْقَاتِ كَزَمَنِ وَحْلٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 459 إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا. وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَحْمُولَ، فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ، وَإِنْ غَابَ قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَجِنْسُهُ لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ، وَصِفَتَهَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ   [مغني المحتاج] ثَلْجٍ أَوْ مَطَرٍ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِمَا بَيَانُ وَقْتِ السَّيْرِ أَهُوَ اللَّيْلُ أَوْ النَّهَارُ؟ وَالنُّزُولِ فِي الْقُرَى أَوْ الصَّحْرَاءِ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ) قَدْرَ السَّيْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (عَلَيْهَا) فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ اُتُّبِعَ، فَإِنْ زَادَ فِي يَوْمٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا يُجْبَرَانِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بَلْ يَسِيرَانِ عَلَى الشَّرْطِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا لِخَوْفٍ. أُجِيبَ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ، أَوْ لِغَصْبٍ أَوْ لِخَوْفٍ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ فَلَا يُجَابُ. (وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (أَنْ يَعْرِفَ) مُؤَجِّرُ الدَّابَّةِ (الْمَحْمُولَ) ، لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ وَضَرَرِهِ، (فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ظَرْفٍ، (وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ) تَخْمِينًا لِوَزْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ امْتِحَانُهُ بِالْيَدِ كَفَتْ الرُّؤْيَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْحَالَيْنِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ يُوهِمُ أَنَّ مَا يَسْتَغْنِي عَنْ الظَّرْفِ كَالْأَحْجَارِ وَالْأَخْشَابِ لَا يُمْتَحَنُ بِالْيَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَالَ: وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ أَمْكَنَ لَكَانَ أَوْلَى، (وَإِنْ غَابَ) الْمَحْمُولُ (قُدِّرَ بِكَيْلٍ) فِي مَكِيلٍ (أَوْ وَزْنٍ) فِي مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ، فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْلَى وَأَحْصَرُ، (وَ) أَنْ يَعْرِفَ (جِنْسَهُ) أَيْ الْمَحْمُولِ الْغَائِبِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيدِ وَالْقُطْنِ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَثْقُلُ فِي مَحَلٍّ أَقَلَّ مِنْ الْقُطْنِ، وَالْقُطْنُ يَعُمُّهَا وَيَتَثَاقَلُ بِالرِّيحِ، فَلَوْ قَالَ: مِائَةَ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت صَحَّ، بَلْ وَبِدُونِ مِمَّا شِئْت كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ قَطْعِ الْأَصْحَابِ، وَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ. هَذَا فِي التَّقْدِيرِ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ. أَمَّا إذَا قُدِّرَ بِالْكَيْلِ، فَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ: عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مِمَّا شِئْت عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْكَيْلِ وَقِلَّتِهِ فِي الْوَزْنِ، وَأَيْنَ ثِقَلُ الْمِلْحِ مِنْ ثِقَلِ الذُّرَةِ، وَيُحْسَبُ مِنْ الْمِائَةِ الظَّرْفُ إنْ ذَكَرَهُ كَقَوْلِهِ: مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً بِظَرْفِهَا. فَإِنْ قَالَ: مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً أَوْ مِائَةُ قَفِيزٍ حِنْطَةً لَمْ يُحْسَبْ الظَّرْفُ فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ مَعْرِفَتُهُ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَائِرُ مُتَمَاثِلَةٌ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهَا حُمِلَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ: لِتَحْمِلْ عَلَيْهَا مَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ لِلْإِضْرَارِ بِهَا، بِخِلَافِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُطِيقُ كُلَّ مَا تَحْمِلُ، (لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ وَ) لَا (صِفَتَهَا) فَلَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لَحَمْلٍ (إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 460 إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا وَنَحْوَهُ. فَصْلٌ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ إلَّا حَجٌّ وَتَفْرِقَةُ زَكَاةٍ، وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.   [مغني المحتاج] بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَحْصِيلُ الْمَتَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ حَامِلِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ (وَنَحْوِهِ) كَخَزَفٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ وَحْلٌ أَوْ طِينٌ. أَمَّا إجَارَةُ عَيْنِ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ فَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهَا وَتَعْيِينُهَا كَمَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِلرُّكُوبِ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ] ِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَهُوَ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَالْقُرَبُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي إنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا، وَقَدْ شَرَعَ فِيمَا هُوَ شَائِعٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ: (لَا تَصِحُّ) مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ (إجَارَةُ مُسْلِمٍ) وَلَوْ عَبْدًا (لِجِهَادٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ، أَمَّا الْآحَادُ فَيُمْتَنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، فَقَالَ: (وَلَا عِبَادَةٍ) أَيْ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِعِبَادَةٍ (تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، إذْ الْقَصْدُ مِنْهَا امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ بِكَسْرِ نَفْسِهِ بِفِعْلِهَا، وَلَا يَقُومُ الْأَجِيرُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ؟ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ أُجْرَةً لِلْعَمَلِ وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْأُجْرَةِ عُدِمَ الِاسْتِحْقَاقُ، (إلَّا) الِاسْتِئْجَارَ لِقُرْبَةٍ مِنْ (حَجٍّ) أَوْ عُمْرَةٍ، وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ تَبَعًا لَهُمَا عَنْ مَيِّتٍ أَوْ عَاجِزٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ، (وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ) وَصَوْمٍ عَنْ مَيِّتٍ وَذَبْحِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ. وَضَابِطُ هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْعِبَادَةِ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ غَيْرُ شَائِعٍ فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ: (وَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ) كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ (وَدَفْنِهِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَوْ بَعْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَيْسَ بِشَائِعٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ حَتَّى يَقَعَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 461 وَلِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا، وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ،   [مغني المحتاج] عَنْهُ، وَلَا يَضُرُّ عُرُوضٌ تُعَيِّنُهُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مَعَ تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . وَمَعْنَى عَدَمِ شُيُوعِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي الْأَصْلِ فِي تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَجْهِيزَ الْمَيِّتِ يَخْتَصُّ بِالتَّرِكَةِ، ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، وَفِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَنَّ التَّعْلِيمَ بِالْمُؤَنِ يَخْتَصُّ بِمَالِ الْمُتَعَلِّمِ ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا. تَنْبِيهٌ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِعَامِلِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهَا أُجْرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَذِكْرُ الدَّفْنِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته، وَلَا تَكْرَارَ فِي ذِكْرِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ، وَفِيمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيرُ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْرِيفِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَنْكِيرُهُ، فَإِنَّ بَعْضَهُ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَتَقْيِيدُهُ التَّعْلِيمَ بِالْقُرْآنِ قَدْ يُفْهِمُ امْتِنَاعَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ أَشْخَاصًا وَمَسَائِلَ مَضْبُوطَةً يُعَلِّمُهَا لَهُمْ جَازَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقَضَاءِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِشِعَارٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْآذَانِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَالْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْقَاقُهَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، لَا عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ، وَلَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ، وَلَا عَلَى الْحَيْعَلَتَيْنِ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِمَامَةِ وَلَوْ نَافِلَةً: كَالتَّرَاوِيحِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا مِنْ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَا تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ لِلْأَجِيرِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيْتٍ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ. وَصُورَتُهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلصَّلَاةِ. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ. وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ فِي الْمَنْفَعَةِ: أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا، فَاسْتِئْجَارُ الْبُسْتَانِ لِثَمَرَتِهِ، وَالشَّاةِ لِصُوفِهَا أَوْ نِتَاجِهَا أَوْ لَبَنِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَهَا تَبَعًا لِلضَّرُورَةِ أَوْ حَاجَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ كَمَا سَبَقَ (لِحَضَانَةٍ) أَيْ حَضَانَةِ امْرَأَةٍ لِوَلَدٍ (وَإِرْضَاعٍ) لَهُ (مَعًا) ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا، (وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ) . أَمَّا الْحَضَانَةُ فَلِأَنَّهَا نَوْعُ خِدْمَةٍ، وَهِيَ نَوْعَانِ: صُغْرَى وَكُبْرَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا. وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ، فَلَهُ مَعَ الْحَضَانَةِ أَوْلَى، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. وَمَرَّ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 462 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالْحَضَانَةُ حِفْظُ صَبِيٍّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا،   [مغني المحتاج] عَلَى الْإِرْضَاعِ يُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ فَقَطْ. وَيَجِبُ تَعْيِينُ الرَّضِيعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ: أَيْ أَوْ بِالْوَصْفِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَاوِي لِاخْتِلَافِ شُرْبِهِ بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ. وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَوْ بَيْتُهَا؟ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ أَشَدُّ تَوَثُّقًا بِهِ، وَفِي بَيْتِهَا أَسْهَلُ عَلَيْهَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ كُلَّ مَا يَكْثُرُ بِهِ اللَّبَنُ، وَلِلْمُكْتَرِي تَكْلِيفُهَا بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: أَيْ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَضُرُّ بِلَبَنِهَا. اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ فِي النَّفَقَاتِ: لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَضُرُّ بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الرَّضِيعُ ثَدْيَهَا فَفِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ، فَفِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَنَّ الطِّفْلَ إذَا لَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا لِقِلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَهُوَ عَيْبٌ يُثْبِتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ، وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ غَيْرِهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى إرْضَاعِ اللِّبَأِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ إرْضَاعُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأُمِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ النَّفَقَاتِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ لِلرَّضَاعِ بُلُوغُ الْمُرْضِعَةِ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ أَوْ طِفْلٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى وَالْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ: بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ، وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي: نَعَمْ لِلْعَادَةِ بِتَلَازُمِهِمَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَضَانَةِ، فَقَالَ: (وَالْحَضَانَةُ) الْكُبْرَى (حِفْظُ صَبِيٍّ) أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، (وَتَعْهَدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ) وَتَطْهِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، (وَدَهْنِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ جَرَى عُرْفُ الْبَلَدِ بِخِلَافِهِ فَوَجْهَانِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، (وَكَحْلِهِ) وَإِضْجَاعِهِ (وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ) وَهُوَ سَرِيرُ الرَّضِيعِ (وَتَحْرِيكِهِ) عَلَى الْعَادَةِ (لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا) مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّضِيعُ؛ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ؛ وَلِحَاجَةِ الرَّضِيعِ إلَيْهَا. وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ. وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ وَمَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِنَةَ تَجْعَلُ الْوَلَدَ هُنَالِكَ. وَالْإِرْضَاعُ وَيُسَمَّى الْحَضَانَةَ الصُّغْرَى: أَنْ تُلْقِمَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي حِجْرِهَا مَثَلًا الثَّدْيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 463 وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ   [مغني المحتاج] وَتَعْصِرَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ، وَقِيلَ: اللَّبَنُ وَالْحَضَانَةُ تَابِعَةٌ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلرَّضَاعِ فَقَطْ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، عَلَّقَ الْأُجْرَةَ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا الْأَعْيَانُ تَبَعٌ لِلضَّرُورَةِ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا) أَيْ الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ (فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 464 فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ.   [مغني المحتاج] فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ) ، وَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ (دُونَ الْحَضَانَةِ) ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ أَتَى بِاللَّبَنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ جَازَ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْقَنَاةِ وَهِيَ الْجَدْوَلُ الْمَحْفُورُ لِلزِّرَاعَةِ بِمَائِهَا الْجَارِي إلَيْهَا مِنْ النَّهْرِ لِلْحَاجَةِ، لَا اسْتِئْجَارُ قَرَارِهَا دُونَ الْمَاءِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِمَائِهَا الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِيهَا بِالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَجْرِيَ فِيهَا الْمَاءُ أَوْ لِيَحْبِسَ الْمَاءَ فِيهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ مَائِهَا لِلْحَاجَةِ، لَا اسْتِئْجَارُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 465 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ   [مغني المحتاج] (وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْمَشْهُورِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِالْمَذْهَبِ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 466 وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ. قُلْت: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ اضْطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَانُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] بِكَسْرِ الْحَاءِ - اسْمٌ لِلْمِدَادِ (وَ) لَا (خَيْطٌ وَ) لَا (كُحْلٌ) وَلَا ذَرُورٌ وَلَا صِبْغٌ وَلَا طَلْعُ نَخْلٍ (عَلَى وَرَّاقٍ) أَيْ نَاسِخٍ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ الَّذِي يُورِقُ وَيَكْتُبُ. أَمَّا بَيَّاعُ الْوَرِقِ فَيُقَالُ لَهُ كَاغَدِيٌّ (وَ) لَا عَلَى (خَيَّاطٍ وَ) لَا (كَحَّالٍ) وَصَبَّاغٍ وَمُلَقِّحٍ فِي اسْتِئْجَارِهِمْ لِذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَالْأَعْيَانُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ، وَأَمْرُ اللَّبَنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ، (قُلْت: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (إلَى الْعَادَةِ) لِلنَّاسِ، إذْ لَا ضَبْطَ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ الرَّافِعِيُّ بِالْأَصَحِّ بَلْ بِالْأَشْبَهِ، ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ اضْطَرَبَتْ) أَوْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ كَمَا فَهِمَ بِالْأُولَى (وَجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ (فَتَبْطُلُ) أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ (الْإِجَارَةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ تَرَدُّدِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ يَلْتَحِقُ بِالْمُجْمَلَاتِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ تَرْجِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ نَقَلَ اخْتِلَافَ تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ إيرَادَ كَلَامِ الشَّرْحِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاكِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ يُقَالُ بِتَرْجِيحِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِمَا فِي الشَّرْحِ لَمْ يُرَجِّحْهُ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْحِبْرَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْوَرَّاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ تَقْدِيرُهُ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَشُرِطَ عَلَيْهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَمِرْوَدُ الْكَحَّالِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ. وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلِ النِّعَالِ، فَإِنْ ابْتَاعَ النَّعْلَيْنِ وَالشِّرَاكَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الْعَمَلِ - صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 467 فَصْلٌ يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا، وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ،   [مغني المحتاج] الْأُمِّ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. [فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ وَدَابَّةٍ] فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (يَجِبُ) عَلَيْهِ (تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي) إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَلَا يَأْثَمُ الْمُكْرِي بِالْمَنْعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِمَا سَيَأْتِي، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَإِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِذَا ضَاعَ مِنْهُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَمْ يُبَدِّلْهُ الْمُكْرِي لَهُ ثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُكْرِي عَلَى الْإِبْدَالِ، هَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ مُثْبَتٍ. أَمَّا الْقُفْلُ الْمَنْقُولُ وَمِفْتَاحُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكْتَرِي وَإِنْ اُعْتِيدَ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَنْعِهِ مِنْهُمَا خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِ الْمَنْقُولِ فِي الْعَقْدِ الْوَاقِعِ عَلَى الْعَقَارِ، وَالْمِفْتَاحُ تَابِعٌ لِلْغَلْقِ، (وَ) لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (عِمَارَتُهَا) بَلْ هِيَ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) سَوَاءٌ أَقَارَنَ الْخَلَلُ الْعَقْدَ كَدَارٍ لَا بَابَ لَهَا أَمْ عَرَضَ لَهَا دَوَامًا؟ وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَا يُحْتَاجُ لَعَيْنٍ زَائِدَةٍ كَإِقَامَةِ مَائِلٍ أَمْ يُحْتَاجُ: كَبِنَاءٍ وَتَطْيِينٍ؟ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا) بِالْعِمَارَةِ فَذَاكَ، (وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ) إنْ نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ لِتَضَرُّرِهِ، فَإِذَا وَكَفَ الْبَيْتُ: أَيْ قَطَرَ سَقْفُهُ فِي الْمَطَرِ لِتَرْكِ التَّطْيِينِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَالَ الْخِيَارُ، إلَّا إذَا حَصَلَ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ وَهَذَا فِي الْخَلَلِ الْحَادِثِ. أَمَّا الْمُقَارِنُ لِلْعَقْدِ إذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا خِيَارَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ فِي الْمُطْلَقِ. أَمَّا الْوَقْفُ فَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عِمَارَتَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ رِيعٌ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ بِالِاحْتِيَاطِ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ وَتَضَرَّرَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِذَا سَقَطَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُؤَجِّرَ ضَمَانُهُ وَلَا أُجْرَةُ تَخْلِيصِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَلَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ وَقَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى انْتِزَاعِهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 468 وَكَسْحُ الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي. وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ وَبَرْذَعَةٌ   [مغني المحتاج] لَزِمَهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَلَكِنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ هُنَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا كَمَا مَرَّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِيمَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ أَوْ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْحَالَيْنِ، (وَكَسْحُ) أَيْ رَفْعُ (الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ) فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَحَدَث بِهِ عَيْبٌ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي دَارٍ لَا يَنْتَفِعُ سَاكِنُهَا بِسَطْحِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ جَمَلُونَاتٌ، وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْعَرْصَةِ، (وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ) وَهِيَ بُقْعَةٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٍ (عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي) ، إنْ حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ. أَمَّا الْكُنَاسَةُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْقُشُورِ وَنَحْوِهِ فَلِحُصُولِهَا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ التُّرَابِ الَّذِي يَجْتَمِعُ لِهُبُوبِ الرِّيحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرُ. وَأَمَّا الثَّلْجُ؛ فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِانْتِفَاعِ لَا أَصْلُهُ، وَهُوَ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِنَقْلِهِ عُرْفًا. نَعَمْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أُجْبِرَ عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ، دُونَ الثَّلْجِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ أَوْ الرَّمَادُ أَوْ الثَّلْجُ الْخَفِيفُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ إزَالَتَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، إذْ يَحْصُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ، وَنَقْلُ رَمَادِ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، وَتَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَمُنْتَقَعِ الْحَمَّامِ وَالْحَشِّ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الدَّوَامِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ، وَعَلَى الْمَالِكِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ. وَفَارَقَ حُكْمُ الِانْتِهَاءِ هُنَا حُكْمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ: بِأَنَّ الْحَادِثَ هُنَا مَعَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ بِئْرِ الْحَشِّ وَالْبَالُوعَةِ وَهُمَا فَارِغَانِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ، بَلْ إنَّهُ مِنْ وَظِيفَتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي بَعْض الصُّوَرِ، حَتَّى إذَا تَرَكَ الْمُؤَجِّرُ مَا عَلَيْهِ ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مَا عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَيُمْنَعُ مُسْتَأْجِرُ دَارٍ لِلسُّكْنَى مِنْ طَرْحِ الرَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِ الدَّارِ، وَمِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ فِيهَا إلَّا إنْ اُعْتِيدَ رَبْطُهَا فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي، فَقَالَ: (وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ وَأَطْلَقَ (فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ) وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا بِغَيْرِ الْبَرْذَعَةِ لِقَوْلِهِ: وَبَرْذَعَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ. وَحُكِيَ إهْمَالُهَا. وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 469 وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا، وَالْأَصَحُّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا، وَإِعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ،   [مغني المحتاج] بِالْحِلْسِ الَّذِي يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ، وَمَنْ يُفَسِّرُ الْإِكَافَ بِالْبَرْذَعَةِ كَصَاحِبِ الْفَصِيحِ يَشْكُلُ عَلَيْهِ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ الْبَرْذَعَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَطْفِ التَّفْسِيرِ، (وَحِزَامٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ: مَا يُشَدُّ بِهِ الْإِكَافُ (وَثَفَرٌ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بِخَطِّهِ: مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُجَاوَرَتِهِ ثَفْرَ الدَّابَّةِ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا، (وَبُرَةٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، (وَخِطَامٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: خَيْطٌ يُشَدُّ فِي الْبُرَةِ ثُمَّ يُشَدُّ فِي طَرَفِ الْمِقْوَدِ بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ بِهِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا تَجِبُ هَذِهِ الْأُمُورُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَإِنْ شَرَطَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ شَرَطَ عَدَمَ ذَلِكَ كَأَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ عُرْيًا بِلَا حِزَامٍ وَلَا إكَافٍ وَلَا غَيْرِهِمَا اُتُّبِعَ الشَّرْطُ، (وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ) وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ (وَمِظَلَّةٌ) يُظَلَّلُ بِهَا عَلَى الْمَحْمِلِ، وَمَرَّ ضَبْطُهَا فِي بَابِ الصُّلْحِ، (وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا مَمْدُودَيْنِ. وَالْأَوَّلُ: مَا يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ، وَالثَّانِي مَا يُغَطَّى بِهِ، (وَتَوَابِعُهَا) كَالْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُرَادُ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِجَارَةِ، (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الْمُحَرَّرِ الْأَشْبَهُ (فِي السَّرْجِ) لِلْفَرَسِ الْمُؤَجَّرِ (اتِّبَاعُ الْعُرْفِ) فِي مَوْضِعِ الْإِجَارَةِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ. وَالثَّانِي: عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَالْإِكَافِ، (وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ) الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ إجَارَةَ (الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ فَلْيُهَيِّئْ أَسْبَابَهُ، وَالْعَادَةُ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ، (وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ بِالْإِكَافِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي، (وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (لِتَعَهُّدِهَا) وَصَوْنِهَا، (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (إعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ) الدَّابَّةَ (وَنُزُولِهِ) عَنْهَا (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) ، وَتُرَاعَى الْعَادَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَانَةِ فَيُنِيخُ الْبَعِيرَ لِامْرَأَةٍ وَضَعِيفٍ بِمَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ سِمَنٍ مُفْرِطٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَرِّبُ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ وَالتَّبْلِيغَ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 470 وَرَفْعُ الْمَحْمِلِ وَحَطُّهُ، وَشَدُّ الْمَحْمِلِ وَحَلُّهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ. وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْعَيْنِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ،   [مغني المحتاج] إنَاخَةُ الْبَعِيرِ لِقَوِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَعِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِرُكُوبِهِ تَعَلَّقَ بِهِ وَرَكِبَ وَإِلَّا شَبَّكَ الْجَمَّالُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِيَرْقَى عَلَيْهَا وَيَرْكَبَ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَالَةِ الرُّكُوبِ لَا بِحَالَةِ الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُقُوفُ لِيَنْزِلَ الرَّاكِبُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَانْتِظَارُ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّخْفِيفِ وَلَا الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ، وَلَيْسَ لَهُ التَّطْوِيلُ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَوَّلَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا النُّزُولُ لِمَا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَهُ النَّوْمُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي وَقْتِ الْعَادَةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ، وَفِي لُزُومِ الرَّجُلِ الْقَوِيِّ النُّزُولَ الْمُعْتَادَ لِلْإِرَاحَةِ، وَفِي الْعَقَبَاتِ وَجْهَانِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ وُجُوبَهُ فِي الْعَقَبَةِ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ النُّزُولُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ ظَاهِرَةٌ وَشُهْرَةٌ يَحِلُّ مُرُوءَتُهُ فِي الْعَادَةِ الْمَشْيُ، (وَ) عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمَذْكُورِ (رَفْعُ الْمَحْمِلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ (وَحَطُّهُ) عَلَى ظَهْرِهَا، وَقَوْلُهُ: (وَشَدُّ الْمَحْمِلِ) بِكَسْرِ الْمِيم بِخَطِّهِ يَصْدُقُ بِشَدِّ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، (وَحَلُّهُ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، (وَ) الْمُؤَجِّرُ (لَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ) دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ إجَارَةُ (الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ) لَا إعَانَتُهُ فِي رُكُوبٍ وَلَا حَمْلٍ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْلِيَةِ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ قَبْضَهَا بِالتَّخْلِيَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ قَبْضَ الْمَبِيعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ الدَّابَّةِ سَوْقُهَا أَوْ قَوْدُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ مُؤْنَةُ الدَّلِيلِ وَسَائِقُ الدَّابَّةِ وَأُجْرَةُ الْخَفِيرِ وَحِفْظُ الْمَتَاعِ فِي الْمَنْزِلِ وَالدَّلْوُ وَالرِّشَا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلِاسْتِقَاءِ كَالظَّرْفِ فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا حِفْظُ الدَّابَّةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ صِيَانَةً لَهَا، لَا بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَوَصَلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، بَلْ يُسَلِّمُهَا لِقَاضِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَوْ إلَى أَمِينٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَصْحَبَهَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْهَبُ وَلَا يَرْكَبُهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ جَمُوحًا كَالْوَدِيعَةِ. (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ فِي (إجَارَةِ الْعَيْنِ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِتَلَفِ الدَّابَّةِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تُبَدَّلُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا تُبَدَّلُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 471 وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَيْبِهَا، وَلَا خِيَارَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ، وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] (وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) عَلَى التَّرَاخِي، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِابْنِ السُّكَّرِيِّ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ (بِعَيْبِهَا) الْمُقَارِنِ إذَا جُهِلَ، وَالْحَادِثِ لِتَضَرُّرِهِ بِالْبَقَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ هُنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَثَرًا يَظْهَرُ لَهُ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ لَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمَنْفَعَةُ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَأَجَازَ لَزِمَ الْمُسَمَّى، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَ الْخِيَارُ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي الْأَثْنَاءِ وَفُسِخَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ فَلَا أَرْشَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْغَزِّيُّ وُجُوبُهُ فِيمَا مَضَى كَمَا فِي كُلِّ الْمُدَّةِ. تَنْبِيهٌ خُشُونَةُ مَشْيِ الدَّابَّةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا جَزَمَا بِهِ وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَجَعَلَهُ عَيْبًا، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي عَيْبِ الْمَبِيعِ. اهـ. وَجَمَعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا خُشُونَةٌ لَا يَخَافُ مِنْهَا السُّقُوطَ بِخِلَافِهِ هُنَا، (وَلَا خِيَارَ) لِلْمُكْتَرِي (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) بِعَيْبِ دَابَّةٍ أَحْضَرَهَا الْمُكْرِي (بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ) ، كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ، وَهَذَا غَيْرُ سَلِيمٍ، فَإِذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ رَجَعَ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْمُتْلَفِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ نَفْيِهِ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ مِنْ طَرِيقِ أَوْلَى، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ بِإِتْلَافِهَا أُبْدِلَتْ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إبْدَالِهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ لِلْمُكْرِي أَنْ يُبَدِّلَ الدَّابَّةَ الْمُسَلَّمَةَ عَنْ الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي، إذْ لِلْمُكْتَرِي إجَارَتُهَا بَعْدَ قَبْضِهَا، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا لَا قَبْلَ قَبْضِهَا عَمَّا الْتَزَمَ لَهُ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، وَتُبَدَّلُ هَذِهِ عِنْدَ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ قُدِّمَ بِمَنْفَعَتِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَفِي إجَارَتِهَا لِلْمُؤَجِّرِ وَجْهَانِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَصَحُّ صِحَّتُهَا مِنْهُ. اهـ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ بِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْمَنَافِعِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْأَعْيَانِ، (وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ) لَا لِيَصِلَ بَلْ (لِيُؤْكَلَ) فِي الطَّرِيقِ (يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ) ، كَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ إذَا بَاعَهَا أَوْ تَلِفَتْ. وَالثَّانِي: لَا يُبْدَلُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الزَّادِ أَنْ لَا يُبْدَلَ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ يَجِدُ الطَّعَامَ فِي الْمَنَازِلِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِسِعْرِ الْمَنْزِلِ الَّذِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 472 فَصْلٌ يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا، وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثِينَ   [مغني المحتاج] هُوَ فِيهِ، وَإِلَّا أُبْدِلَ قَطْعًا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إذَا أُكِلَ عَمَّا إذَا تَلِفَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ جَزْمًا. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ اُتُّبِعَ. وَأَمَّا الْمَاءُ الْمَحْمُولُ إذَا شُرِبَ فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ لِتَطَابُقِ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ عَلَى الْإِبْدَالِ، وَلَوْ حَمَلَ التَّاجِرُ مَتَاعًا يَبِيعُهُ فِي طَرِيقِهِ فَبَاعَ بَعْضَهُ، فَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِثْلُ الزَّادِ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ] فَصْلٌ فِي بَابِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ يَسْتَوْفِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً) مَعْلُومَةً (تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ) الْمُؤَجَّرَةُ (غَالِبًا) لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَيُؤَجِّرُ الدَّارَ وَالرَّقِيقَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَالدَّابَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَالثَّوْبَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْأَرْضَ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، (وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، (وَفِي قَوْلٍ) عَلَى (ثَلَاثِينَ) سَنَةً؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا مَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَقْفُهُ إلَّا سَنَةً وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. ثَانِيهَا إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنْ ابْنِ جَمَاعَةَ وَأَقَرَّهُ. ثَالِثُهَا الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ بَعْدَ سَنَةٍ، لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِمْرَارِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ مَنْ آجَرَ عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. رَابِعُهَا الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. قَالَ الْبَغَوِيّ: إنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ وُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ كَالصَّبِيِّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَإِنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ الصِّفَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَرْتَفِعُ التَّعْلِيقُ، وَبَيْعُ الْمُسْتَأْجَرِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ. خَامِسُهَا إجَارَةُ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 473 وَلَلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فَيُرْكِبُ وَيُسَكِّنُ مِثْلَهُ، وَلَا يُسَكِّنُ حَدَّادًا وَقَصَّارًا،   [مغني المحتاج] بِأَجَلٍ يَحِلُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَهَا. سَادِسُهَا إجَارَةُ الْوَلِيِّ الصَّبِيَّ أَوْ مَالَهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ مُدَّةَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ، فَلَوْ كَانَ عُمْرُهُ عَشَرَ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ عَشْرَ سِنِينَ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ، وَإِنْ احْتَمَلَ بُلُوغَهُ بِالِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّبِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. أَمَّا أَقَلُّهَا فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَقَلُّ مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ فِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةُ زِرَاعَتِهَا، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الدَّارُ لِلسُّكْنَى يَوْمٌ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ مَسَائِلُ: الْأُولَى سَوَادُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الْأَصَحُّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - آجَرَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ. ثَانِيهَا أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ. ثَالِثُهَا عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَقْدُ إجَارَةٍ عَلَى إقَامَتِهِمْ فِي دَارِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. رَابِعُهَا اسْتِئْجَارُ الْعُلُوِّ لِحَقِّ الْبِنَاءِ وَلِإِجْرَاءِ الْمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الصُّلْحِ. خَامِسُهَا اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ لِلْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ. سَادِسُهَا اسْتِئْجَارُ الْإِمَامِ لِلْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْأَذَانِ. وَالْمَنْفَعَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مُسْتَوْفٍ وَمُسْتَوْفًى مِنْهُ وَبِهِ وَفِيهِ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ) كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَمَانَةُ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ شَرَطَ اسْتِيفَاءَهَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَيْنًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَلِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ يُخْرِجُ الِاسْتِئْجَارَ لِإِفَادَةِ عَيْنٍ كَالرَّضَاعِ وَالْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْجَمِيعِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: بِغَيْرِهِ جَوَازَ إعَارَةِ الْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِهِ (فَيُرْكِبُ) فِي اسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ مِثْلَهُ ضَخَامَةً وَنَحَافَةً وَطُولًا وَعَرْضًا وَقِصَرًا أَوْ دُونَهُ فِيمَا ذُكِرَ، (وَيُسَكِّنُ) فِي اسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى (مِثْلَهُ، وَلَا يُسَكِّنُ) إذَا كَانَ بَزَّازًا مَثَلًا (حَدَّادًا، وَ) لَا (قَصَّارًا) لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ بِدَقِّهِمَا، وَكَذَا يُلْبِسُ الثَّوْبَ مِثْلَهُ وَدُونَهُ، وَيَنْبَغِي فِي اللَّابِسِ الْمُمَاثَلَةُ فِي النَّظَافَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَعَلَّ ضَابِطَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَاوِيَ الْمُسْتَأْجِرَ فِي الضَّرَرِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ يَجُوزُ إبْدَالُهُ، وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ مِنْهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 474 وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُبْدَلُ، وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخَيَّاطَةِ وَالِارْتِضَاعِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْجُرْجَانِيِّ: مَا لَوْ قَالَ: لِتَسْكُنَهَا وَتُسْكِنَ مَنْ شِئْت لِلْإِذْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: ازْرَعْ مَا شِئْت، وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ. وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ) الْمَنْفَعَةُ (كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) هُوَ قَيْدٌ فِي الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَكُونُ إلَّا مُعَيَّنَةً، وَلَوْ كَانَ قَيْدًا فِيهَا لَوَجَبَ التَّثْنِيَةُ (- لَا يُبْدَلُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ جَوَازُ الْإِبْدَالِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً مَا إذَا أَسْلَمَ دَابَّةً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُبَدَّلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ. وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا يُسْتَوْفَى) الْمَنْفَعَةُ (بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ) الْأَوَّلُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ (لِلْخِيَاطَةِ، وَ) الثَّانِي: لِأَجْلِ (الِارْتِضَاعِ) أَوْ التَّعْلِيمِ (- يَجُوزُ إبْدَالُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ بِمِثْلِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَأَشْبَهَ الرَّاكِبَ وَالْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ لِلْحَمْلِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ: كَالْمُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُسْتَوْفَى فِيهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ، كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فِي طَرِيقٍ لَهُ إبْدَالُ الطَّرِيقِ بِمِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عُيِّنَ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ حَمْلَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إبْدَالِ الرَّاكِبِ وَالْمَتَاعِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَقْدَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - يَتَنَاوَلُ الْمُدَّةَ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ بِتَسْلِيمِهَا وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ، وَإِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ تَنَاوَلَ الْعَقْدُ الْعَمَلَ الْمُسْتَوْفَى بِهِ؛ فَكَأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَلِلْإِمَامِ نَحْوُهُ، وَلَوْ اعْتَاضَ عَنْ مَنْفَعَةٍ بِمَنْفَعَةٍ جَازَ قَطْعًا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَعَيْنَا بِالتَّثْنِيَةِ فَإِنَّهُ صِفَةٌ لِصَبِيٍّ وَثَوْبٍ، وَإِيقَاعُ ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ شَاذٌّ. فَرْعٌ لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ لَمْ يَنَمْ فِيهِ لَيْلًا عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبَ التَّحْتَانِيَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ فِيهِ أَنْ يَشْرُطَهُ وَيَنَامَ فِي الثَّوْبِ التَّحْتَانِيِّ نَهَارًا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْفَوْقَانِيُّ فَلَا يَنَامُ فِيهِ وَلَا يَلْبَسُهُ كُلَّ وَقْتٍ، بَلْ عِنْدَ التَّجَمُّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالتَّجَمُّلِ كَحَالَةِ الْخُرُوجِ إلَى السُّوقِ وَنَحْوِهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 475 وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوْ انْتَفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ.   [مغني المحتاج] وَدُخُولِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَيَنْزِعُهُ فِي أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِقَمِيصٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلُبْسِهِ، وَلَا بِرِدَاءٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلِارْتِدَاءِ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ وَيَتَعَمَّمَ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ لِلُّبْسِ وَالِاتِّزَارِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا يَوْمًا كَامِلًا فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، إذْ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَقِيلَ: مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ، أَوْ يَوْمًا وَأَطْلَقَ فَمِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى مِثْلِهِ، أَوْ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دَخَلَتْ اللَّيَالِي الْمُشْتَمِلَةُ عَلَيْهَا. (وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى) الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ (الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ) وَغَيْرِهِمَا (يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ) جَزْمًا، فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهَا بِلَا تَقْصِيرٍ، إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، إلَّا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ دَفْعُ مُتْلَفَاتِهَا كَالْمُودَعِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ بَدَلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ، لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، (وَكَذَا بَعْدَهَا) إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا (فِي الْأَصَحِّ) اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ كَالْمُودَعِ، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا، بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ كَالْوَدِيعَةِ. وَالثَّانِي: يَدُ ضَمَانٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَثَوْبٍ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ بِدَارِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ إعْلَامِهِ فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا. أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا قَطْعًا. تَنْبِيهٌ لَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِسَبَبٍ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَالِكَ بِالِانْفِسَاخِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ضَمِنَهَا وَمَنَافِعَهَا لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ أَوْ كَانَ هُوَ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، (وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ) أَوْ غَيْرِهِ كَحَرْثٍ وَاسْتِقَاءٍ (وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا) وَتَلِفَتْ (لَمْ يَضْمَنْ) قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، وَسَوَاءٌ أُتْلِفَتْ فِي الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، (إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ) وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ (فِي وَقْتٍ) لِلِانْتِفَاعِ (لَوْ انْتَفَعَ بِهَا) فِيهِ - خَارِجًا عَنْ إصْطَبْلِهَا وَقْتَ الِانْهِدَامِ - مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ كَالنَّهَارِ، (لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ) ، بَلْ تَسْلَمُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِرَبْطِهَا فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ بِانْهِدَامِ سَقْفٍ فِي وَقْتٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ كَجُنْحِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الضَّمَانَ بِذَلِكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ يَدٍ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ السُّبْكِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ سَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا التَّفْصِيلُ، فَيُقَالَ: إنْ سَافَرَ فِي وَقْتٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالسَّيْرِ فِيهِ فَتَلِفَتْ بِآفَةٍ أَوْ نَقَصَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ تَرَكَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 476 وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ   [مغني المحتاج] الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي وَقْتِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ عَرَضَ لَهُ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْخَوْفِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالرَّبْطِ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا، وَإِلَّا لَوْ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلَ قِدْرًا لِلرَّدِّ عَلَى دَابَّةٍ فَانْكَسَرَتْ الْقِدْرُ بِتَعَثُّرِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَقَلُّ بِحَمْلِهَا أَوْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِ حَمْلُهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْقِدْرَ لَا تُرَدُّ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَمْلِهَا. (وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ) أَوْ بَعْضُهُ (فِي يَدِ أَجِيرٍ) قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْهُ فِيهِ (كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْدَرِ مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ (- لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ) ذَلِكَ الْأَجِيرُ (بِالْيَدِ) ، وَفَسَّرَ عَدَمَ الِانْفِرَادِ بِهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ) وَلَمْ يَقْعُدْ، وَكَذَا لَوْ حَمَّلَهُ الْمَتَاعَ وَمَشَى خَلْفَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَيْنِ حُكْمًا، وَإِنَّمَا اسْتَعَانَ بِالْأَجِيرِ فِي شُغْلِهِ كَالْمُسْتَعِينِ بِالْوَكِيلِ، (وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ) بِالْيَدِ، سَوَاءٌ الْمُشْتَرَكُ وَالْمُنْفَرِدُ، فَإِنْ انْتَفَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ لَا يَضْمَنُ (فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) . وَالثَّانِي: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا فَلَا يَضْمَنُ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَانَ لَا يَبُوحُ بِهِ خَشْيَةَ قُضَاةِ السُّوءِ وَأُجَرَاءِ السُّوءِ. وَقَالَ الْفَارِقِيُّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ: إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ: أَيْ بِالثَّانِي لِفَسَادِ النَّاسِ. قَالَ: وَلِي نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا أَفْتَيْتُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا حَكَمْتُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ. (وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ) ، وَفَسَّرَ الْمُشْتَرَكُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ) كَعَادَةِ الْقَصَّارِينَ وَالْخَيَّاطِينَ، وَسُمِّيَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ لِجَمَاعَةٍ فَذَاكَ، أَوْ لِوَاحِدٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ لِآخَرَ مِثْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، (لَا) الْأَجِيرُ (الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ) لِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ شَرْعًا الْتِزَامُ مِثْلِهِ لِآخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْفِرَادِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مَنَافِعُهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمُدَّةِ، فَيَدُهُ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 477 وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ كَوْنُهُ أَوْقَعَ الْإِجَارَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَقَدْ يُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُدَّةِ كَعَكْسِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " بِلَا تَعَدٍّ " عَمَّا إذَا تَعَدَّى فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا قَطْعًا، كَمَا لَوْ أَسْرَفَ الْخَبَّازُ فِي الْوَقُودِ أَوْ تَرَكَ الْخُبْزَ فِي النَّارِ حَتَّى احْتَرَقَ، أَوْ ضَرَبَ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ الصَّبِيَّ فَمَاتَ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ مُمْكِنٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي عُمِلَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، وَحَيْثُ ضَمَّنَا الْأَجِيرَ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ فَبِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَبِوَقْتِ التَّلَفِ. فَرْعٌ الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الدُّكَّانِ مَثَلًا لَا ضَمَان عَلَيْهِ إذَا أُخِذَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْمَالِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَارِسِ فِي السِّكَّةِ لَوْ سُرِقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السِّكَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ الْخُفَرَاءَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. . (وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا) بِلَا اسْتِئْجَارٍ (إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ) إلَى (خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَغَسَّالٍ يَغْسِلُهُ (فَفَعَلَ) ذَلِكَ (وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ عِوَضًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَطْعِمْنِي فَأَطْعَمَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَك شَهْرًا فَأَسْكَنَهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةً بِالْإِجْمَاعِ، (وَقِيلَ: لَهُ) أُجْرَةُ مِثْلٍ، لِاسْتِهْلَاكِ الدَّافِعِ عَمَلَهُ، (وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ) بِأُجْرَةٍ (فَلَهُ) أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ (فَلَا) أُجْرَةَ لَهُ، (وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ) هَذَا الْوَجْهُ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ وَقِيَامِهِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ النَّاسِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ إنَّهُ الِاخْتِيَارُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ أُفْتِي بِهِ وَأَفْتَى بِهِ خَلَائِقُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِذَا قُلْنَا لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا كَانَ حُرًّا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ. أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا، إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَعْوَاضِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً عَمَّا إذَا قَالَ: مَجَّانًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا قَطْعًا، وَمَا لَوْ ذَكَرَ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا جَزْمًا، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَالْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَرَّضَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 478 وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا ضَمِنَ الْعَيْنَ،   [مغني المحتاج] بِذِكْرِ أُجْرَةٍ كَاعْمَلْ وَأَنَا أُرْضِيك أَوْ اعْمَلْ وَمَا تَرَى مِنِّي إلَّا مَا يَسُرُّك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: حَتَّى أُحَاسِبَك اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تُرَدُّ هَذِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ أُجْرَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ عَمَلَهُ تَابِعٌ لِمَا فِيهِ أُجْرَةٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأُجْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ. ثَانِيهَا عَامِلُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا تُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مُسَمَّاةٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا الْإِمَامُ. ثَالِثُهَا عَامِلُ الْقِسْمَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَلِلْقَاسِمِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، كَذَا اسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ، وَنَازَعَ فِي التَّوْشِيحِ فِي اسْتِثْنَائِهَا، وَقَالَ: إنَّهُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا دَاخِلُ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْحَمَّامِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، صَرَفُوا مَنَافِعَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَالدَّاخِلُ لِلْحَمَّامِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُونِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ، فَالْحَمَّامِيُّ فِيهِ كَالْأَجِيرِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَنْ دَخَلَ سَفِينَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَى السَّاحِلَ فَإِنَّهُ كَالْأَجِيرِ فِيمَا ذَكَرَ: أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَالِكُهَا حَتَّى سَيَّرَهَا، وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ فَسَيَّرَهَا مَالِكُهَا فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ. فَرْعٌ مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْآلَةِ مِنْ سَطْلٍ وَإِزَارٍ وَنَحْوِهَا وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، لَا ثَمَنُ الْمَاءِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، فَالْحَمَّامِيُّ مُؤَجِّرٌ لِلْآلَةِ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا كَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ، وَالْآلَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَ الدَّاخِلِ الْآلَةُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ فَقَطْ. (وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، وَيُقَالُ: بِمِيمٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَيُقَالُ: بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: أَكْبَحَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ جَذَبَهَا بِاللِّجَامِ لِتَقِفَ، وَقَوْلُهُ: (فَوْقَ الْعَادَةِ) قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، (أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا) وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ (ضَمِنَ الْعَيْنَ) أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 479 وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ أَوْ لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةً دُونَ عَكْسِهِ. وَلَوْ اكْتَرَى لِمِائَةٍ   [مغني المحتاج] وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ الثَّانِي إنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ يَدُ الثَّانِي يَدَ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ؛ فَإِنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي الْغَصْبِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرُوهُ فِي الْغَصْبِ فِيمَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ وَهُنَا تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَضْمَنُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِإِرْكَابِهِ مَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ، وَلِهَذَا ضَمِنَ الْعَيْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَوْ أَرْكَبَ مِثْلَهُ فَجَاوَزَ الْعَادَةَ فِي الضَّرْبِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ. أَمَّا الضَّرْبُ الْمُعْتَادُ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ، فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا. فَإِنْ قِيلَ: ضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ يُوجِبُ الضَّمَانَ. أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْدِيبَهَا مُمْكِنٌ بِاللَّفْظِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الضَّرْبُ فَهُوَ اجْتِهَادٌ فَاكْتَفَى بِهِ لِلْإِبَاحَةِ دُونَ سُقُوطِ الضَّمَانِ، وَلَوْ ارْتَدَفَ مَعَ مُكْتَرِيَيْ دَابَّةٍ رَكِبَاهَا ثَالِثٌ عُدْوَانًا ضَمِنَ الثُّلُثَ إنْ تَلِفَتْ تَوْزِيعًا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَا عَلَى قَدْرِ أَوْزَانِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُوزَنُونَ غَالِبًا. وَلَوْ سَخَّرَ رَجُلًا وَبَهِيمَتَهُ فَمَاتَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسَخِّرِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا. أَمَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ مُعَارَةٌ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّ التَّعَدِّيَ فِي رَقَبَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ - لِيَخْرُجَ مَا لَوْ آجَرَ الْأَرْضَ لِزَرْعِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَ الذُّرَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِي الْمَنْفَعَةِ لَا الرَّقَبَةِ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلذُّرَةِ، (وَكَذَا) يَصِيرُ ضَامِنًا (لَوْ اكْتَرَى) دَابَّة (لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ) عَلَيْهَا (مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ) ، بِأَنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ فَيَجْتَمِعُ ثِقَلُهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَالشَّعِيرُ أَخَفُّ؛ فَيَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ، فَالضَّرَرُ مُخْتَلِفٌ، وَقِيسَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ كُلُّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الضَّرَرِ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ. وَسَوَاءٌ أُتْلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَمْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ، وَيُبَدَّلُ بِالْقُطْنِ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ؛ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ فِي الْحَجْمِ لَا الْحَدِيدُ، وَيُبَدَّلُ بِالْحَدِيدِ الرَّصَاصُ وَالنُّحَاسُ؛ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ فِي الْحَجْمِ لَا الْقُطْنُ، (أَوْ) اكْتَرَاهَا (لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ) عَشَرَةً (حِنْطَةً) فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَثْقَلُ، وَالْأَقْفِزَةُ جَمْعُ قَفِيزٍ، وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا، (دُونَ عَكْسِهِ) لِخِفَّةِ الشَّعِيرِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَجْمِ. (وَلَوْ اكْتَرَى) دَابَّةً (لِمِائَةٍ) أَيْ لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 480 فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا جَاهِلًا ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ   [مغني المحتاج] مَثَلًا (فَحَمَلَ) عَلَيْهَا (مِائَةً) مِنْهَا (وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ) مَعَ الْمُسَمَّى عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ بِتَمْثِيلِهِ بِالْعَشَرَةِ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ قَدْ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ. أَمَّا مَا يُتَسَامَحُ بِهِ كَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ بِسَبَبِهِ، وَلَوْ اكْتَرَى مَكَانًا لِوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فِيهِ فَزَادَ عَلَيْهَا نَظَرْتَ: فَإِنْ كَانَ أَرْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَرْفَةً لَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ، (وَإِنْ تَلِفَتْ) تِلْكَ الدَّابَّةُ (بِذَلِكَ) الزَّائِدِ (ضَمِنَهَا) ضَمَانَ يَدٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لَهَا بِحَمْلِ الزَّائِدِ، (فَإِنْ كَانَ) صَاحِبُهَا مَعَهَا (ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قِسْطَ الزِّيَادَةِ) فَقَطْ ضَمَانَ جِنَايَةٍ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، (وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ فَقُسِّطَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَةً وَآخَرُ جِرَاحَاتٍ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَيَسُّرِ التَّوْزِيعِ هُنَا، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ نِكَايَاتِهَا لَا تَنْضَبِطُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: " بِذَلِكَ " يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِالْيَدِ، لَا عِنْدَ عَدَمِ انْفِرَادِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُرَدُّ، (وَلَوْ سَلَّمَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا) بِمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ (جَاهِلًا) بِالزِّيَادَةِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ: هِيَ مِائَةٌ كَاذِبًا فَصَدَّقَهُ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ بِهَا (ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ حَمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَعْدَادَ الْمَجْهُولِ وَتَسْلِيمَهُ إلَى الْمُؤَجِّرِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالْإِلْجَاءِ إلَى الْحَمْلِ شَرْعًا، فَكَانَ كَشَهَادَةِ شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَفِيمَا يَضْمَنُهُ الْقَوْلَانِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْغَرَرِ وَالْمُبَاشَرَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: فَكَمَا لَوْ حَمَلَهَا الْمُكْتَرِي لَكَانَ أَوْلَى لِيَعُمَّ الضَّمَانَ وَأُجْرَةَ الزِّيَادَةِ، وَخَرَجَ بِالْجَاهِلِ الْعَالِمُ بِالزِّيَادَةِ: فَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ: احْمِلْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فَأَجَابَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ إيَّاهَا لِحَمْلِ الزِّيَادَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ لَا بِسَبَبِ الْعَارِيَّةِ ضَمِنَ الْقِسْطَ. أَمَّا بِسَبَبِهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 481 وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ. وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً فَقَالَ بَلْ قَمِيصًا فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ.   [مغني المحتاج] قَوْلِهِ: (وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ) الدَّابَّةَ (فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ) تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، عَلِمَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ وَسَكَتَ أَمْ جَهِلَهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي نَقْلِهَا، (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ (إنْ تَلِفَتْ) إذْ لَا يَدَ وَلَا تَعَدِّيَ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِرَدِّهَا إلَى الْمَنْقُولِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ رَدُّهَا دُونَ رِضَاهُ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْبَدَلِ لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَوْ غَرِمَ لَهُ بَدَلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا اسْتَرَدَّهُ وَرَدَّهَا إلَيْهِ، وَلَوْ كَالَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَكَمَا لَوْ كَالَ بِنَفْسِهِ وَحَمَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَا؟ وَلَوْ وَضَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَيَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ فَكَمَا لَوْ حَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ، وَلَوْ كَالَ أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ بِلَا إذْنٍ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلزَّائِدِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لَلْمُؤَجِّرِ وَرَدُّهُ إلَى الْمَكَانِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ إنْ طَالَبَهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الدَّابَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَحَضْرَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ حَمَلَ بَعْدَ كَيْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ أَحَدُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بَيْنَ الْغَرَرِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ أَوْ قَدْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ وُجِدَ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ نَاقِصًا عَنْ الْمَشْرُوطِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ، وَقَدْ كَالَهُ الْمُؤَجِّرُ حُطَّ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِالْمَشْرُوطِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ النَّقْصَ، فَإِنْ عَلِمَهُ لَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ قَدْ حَصَلَ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي تَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ. أَمَّا النَّقْصُ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ كَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ أَوْ الْوَزْنَيْنِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. (وَلَوْ أَعْطَاهُ) أَيْ خَيَّاطًا (ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ) ، وَأَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي قَطْعِهِ، (فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ) لِلْمَالِكِ: (أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً، فَقَالَ) الْمَالِكُ لِلْخَيَّاطِ: (بَلْ) أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ (قَمِيصًا) ، فَعَلَيْك الْأَرْشُ (فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ) ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْقَمِيصِ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَرْشَ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقًا أَصَحُّهَا طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ، (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ لِلْخَيَّاطِ إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيَّاطِ صَارَ حِينَئِذٍ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ (وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْإِذْنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 482 فَصْلٌ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِعُذْرٍ كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ،   [مغني المحتاج] فَالْأَصْلُ الضَّمَانُ، وَفِي الْأَرْشِ الْوَاجِبِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً. وَالثَّانِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً، لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَصَحَّحَ الثَّانِي جَمْعٌ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِلْخَيَّاطِ نَزْعُ خَيْطِهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّزْعِ إنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ، وَلَهُ مَنْعُ الْمَالِكِ مِنْ شَدِّ خَيْطٍ فِي خَيْطِ الْخِيَاطَةِ يَجُرُّهُ فِي الْمَدْرُوزِ مَكَانَهُ إذَا نُزِعَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا أُجْرَةَ لِلْخَيَّاطِ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنْ نَكَلَ فَفِي تَجْدِيدِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا التَّجْدِيدَ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْخَيَّاطِ: إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ يَكْفِينِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ - ضَمِنَ الْأَرْشَ، لِأَنَّ الْإِذْنَ مَشْرُوطٌ بِمَا لَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ فِي جَوَابِهِ: هُوَ يَكْفِيك، فَقَالَ: اقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ، وَلَوْ جَاءَ الْخَيَّاطُ مَثَلًا بِثَوْبٍ، وَقَالَ لِلْمَالِكِ: هَذَا ثَوْبُك، فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، فَإِذَا حَلَفَ فَقَدْ اعْتَرَفَ لِلْمَالِكِ بِشَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ. [فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا] . وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ: (لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) عَيْنًا كَانَتْ أَوْ ذِمَّةً، وَلَا تُفْسَخُ (بِعُذْرٍ) فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِمُؤَجِّرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ، فَالْأَوَّلُ كَمَرِيضٍ مُؤَجِّرٍ دَابَّةً عَجَزَ عَنْ خُرُوجِهِ مَعَهَا الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ. وَالثَّانِي: (كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ) عَلَى مُسْتَأْجِرٍ، وَالْوَقُودُ بِفَتْحِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ مَا يُوقَدُ بِهِ مِنْ حَطَبٍ وَغَيْرِهِ، وَبِضَمِّهَا مَصْدَرُ وَقَدَتْ النَّارُ، (وَسَفَرٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ عَرَضَ لِمُسْتَأْجِرِ دَارٍ مَثَلًا لَا بِسُكُونِهَا كَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ رُفْقَةٍ، وَهُمْ السَّفْرُ: أَيْ الْمُسَافِرُونَ يَتَعَذَّرُ خُرُوجُهُمْ، (وَ) كَعُرُوضِ (مَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ) عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِنَابَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُمَكَّنَةٌ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ. أَمَّا هُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِقَلْعِ سِنٍّ مُؤْلِمَةٍ فَزَالَ الْأَلَمُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ كَمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ؛ لِتَعَذُّرِ قَلْعِهَا حِينَئِذٍ شَرْعًا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 483 وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي فِي الْأَظْهَرِ، فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْإِمَامِ ذِمِّيًّا لِلْجِهَادِ، وَتَعَذَّرَ لِصُلْحٍ حَصَلَ قَبْلَ مَسِيرِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ لِلْإِمَامِ يَسْتَرْجِعُ بِهِ كُلَّ الْأُجْرَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِفْلَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لَلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخَ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ التَّفْلِيسِ. وَعَدَمُ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ الْمُسْتَأْجَرَ بِسَبَبِ فِتْنَةٍ حَادِثَةٍ أَوْ خَرَابِ النَّاحِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ إذْ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ) أَصَابَتْهُ مِنْ سَيْلٍ أَوْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ أَكْلِ جَرَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ زَرْعَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ، فَلَوْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ، فَلَوْ تَلِفَ الزَّرْعُ قَبْلَ تَلَفِ الْأَرْضِ وَتَعَذَّرَ إبْدَالُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهَا - لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمُسَمَّى لِمَا قَبْلَ التَّلَفِ شَيْئًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ الْأَرْضِ لَوْ بَقِيَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّلَفِ فَيُسْتَرَدُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَمَّى لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ أَوَّلًا اسْتَرَدَّ أُجْرَةَ الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَا الْمَاضِي كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي خِلَافَهُ. (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ) ، وَكَذَا مُعَيَّنُ غَيْرِهِمَا، لَكِنَّ الِانْفِسَاخَ (فِي) الزَّمَنِ (الْمُسْتَقْبَلِ) لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا، كَمَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ. تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِتْلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، فَهَلَّا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهَا صَارَ قَابِضًا لَهَا، وَالْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْإِتْلَافِ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَتَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَرْته، (لَا) فِي الزَّمَنِ (الْمَاضِي) إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْقَبْضِ، (فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى) مُوَزَّعًا عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا عَلَى الزَّمَانِ، فَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ سَنَةً مَثَلًا وَمَضَى نِصْفُهَا، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ضِعْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ النِّصْفِ الْبَاقِي وَجَبَ مِنْ الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ، وَالِاعْتِبَارُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 484 وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ لَا الصَّبِيِّ.   [مغني المحتاج] بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا بِمَا بَعْدَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ فِي الْبَعْضِ فَلْيَنْفَسِخْ فِي الْبَاقِي، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُعَيَّنِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا أُحْضِرَا وَمَاتَا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ أُبْدِلَا كَمَا مَرَّ، (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ وَلَوْ ذِمَّةً كَمَا فِي الْبَسِيطِ (بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا، بَلْ تَبْقَى إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ، وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجِرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ مَوْرِدُ الْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ، فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ. لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ آجَرَ عَبْدَهُ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ مَعَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ آجَرَ أَمَّ وَلَدِهِ وَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ. وَمِنْهَا الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. وَمِنْهَا مَوْتُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَأْتِي. وَمِنْهَا الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ دَارٍ مَثَلًا مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ؛ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ لَا بِمَنْفَعَتِهَا كَمَا هُنَا، وَرَدَّ بَعْضُهُمْ اسْتِثْنَاءَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الِانْفِسَاخَ لَيْسَ لِمَوْتِ الْعَاقِدِ بَلْ لِانْتِهَاءِ حَقِّهِ بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ الرَّدُّ بِظَاهِرٍ. (وَ) لَا تَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ (مُتَوَلِّي) أَيْ نَاظِرِ (الْوَقْفِ) مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْوَقْفِ وَأُجِرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، (وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ (مُدَّةً وَمَاتَ) الْبَطْنُ الْمُؤَجِّرُ (قَبْلَ تَمَامِهَا) وَشَرَطَ الْوَاقِفُ لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ النَّظَرَ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَقَطْ، (أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا) أَوْ مَالَهُ (مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا) الصَّبِيُّ (بِالسِّنِّ فَبَلَغَ) فِيهَا (بِالِاحْتِلَامِ) وَهُوَ رَشِيدٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا) فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ (فِي الْوَقْفِ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ (لَا) فِي (الصَّبِيِّ) فَلَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ بُنِيَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَنْفَسِخُ فِي الْوَقْفِ كَالْمِلْكِ وَتَنْفَسِخُ فِي الصَّبِيِّ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 485 وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ. لَا انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ،   [مغني المحتاج] الْوِلَايَةِ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. أَمَّا الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ فَلَا تَنْفَسِخُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ آجَرَ الْوَلِيُّ مَالَ الْمَجْنُونِ فَأَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَكَبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالِاحْتِلَامِ. أَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا فَهُوَ كَالصَّبِيِّ فِي اسْتِمْرَارِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ آجَرَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ بِالْأَرْشَدِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْغَزِّيُّ فِي الْفَتْوَى، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: الْبَطْنُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ كُلُّ الْبُطُونِ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْحَاكِمَ أَوْ الْوَاقِفَ أَوْ مَنْصُوبَهُ وَمَاتَ عَنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا أَوْضَحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ نَاظِرٌ لِلْكُلِّ، قَالَ: وَلَوْ آجَرَ النَّاظِرُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَمَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ انْتَقَلَتْ مَنَافِعُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقَّ الْمَنَافِعِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهَا تَنْفَسِخُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِانْهِدَامِ) كُلِّ (الدَّارِ) لِزَوَالِ الِاسْمِ وَفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبَيْعِ حَصَلَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا. تَنْبِيهٌ لَوْ هَدَمَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي النِّكَاحِ: إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ خَرَّبَ الدَّارَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْرِيبٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعْيِيبٌ لَا هَدْمٌ كَامِلٌ، وَلِهَذَا زِدْت فِي الْمَتْنِ كُلَّ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ. نَعَمْ، إنْ أَمْكَنَ إصْلَاحُهُ فِي الْحَالِ وَأَصْلَحَهُ الْمُؤَجِّرُ سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ. تَعْطِيلُ الرَّحَى لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَالْحَمَّامِ لِخَلَلِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ لِنَقْصِ الْمَاءِ فِي بِئْرِهِ. (وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِسَبَبِ (انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ) لِبَقَاءِ الِاسْمِ مَعَ إمْكَانِ زَرْعِهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ، (بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ) لِلْعَيْبِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ بِسَبَبِهِ تَعَذَّرَ قَبْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ. هَذَا إنْ لَمْ يَسُقْ الْمُؤَجِّرُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الزِّرَاعَةِ، وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ. تَنْبِيهٌ الِانْفِسَاخُ فِي الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَمِنْهُمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 486 وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ. وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَثِقَ بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَلَهُ   [مغني المحتاج] مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ، فَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ فَرْعٌ تَعْطِيلُ الرَّحَى لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَالْحَمَّامِ لِخَلَلِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ لِنَقْصِ الْمَاءِ فِي بِئْرِهِ وَنَحْوُهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ، وَقَضَيْتُهُ الِانْفِسَاخُ، وَالْقِيَاسُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْحَمَّامِ وَالرَّحَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، (وَغَصْبُ الدَّابَّةِ) وَنَدُّهَا (وَإِبَاقُ الْعَبْدِ) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِمَا (يُثْبِتُ الْخِيَارَ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا فُسِخَ انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَفِيمَا مَضَى الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ. نَعَمْ إنْ بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ وَانْتَزَعَ مِنْ الْغَاصِبِ وَرَدَّ النَّادَّةَ وَالْآبِقَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَازُوا التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ كَبَعِيرٍ يَرْكَبُهُ إلَى مَكَّةَ اسْتَوْفَاهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُقَدَّرَةَ بِعَمَلٍ وَإِنْ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَوْ بِالزَّمَانِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا انْقَضَى مِنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ فِي الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى، كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي الرَّقَبَةِ ضَمِنَهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودِعِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ. أَمَّا إذَا غَصَبَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِقْبَاضِ فَطَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: كَغَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالِانْفِسَاخِ، وَإِنْ غَصَبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَتَصَوَّرُ بِأَخْذِهَا مِنْ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لَا خِيَارَ وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ الْإِبْدَالُ. (وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا) بِعَيْنِهَا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَسَلَّمَ عَيْنَهَا (وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي) فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا خِيَارَ أَيْضًا، بَلْ إنْ شَاءَ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهَا، وَإِلَّا (رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا) وَمَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهَا (مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا) وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجِمَالِ فَضْلٌ (اقْتَرَضَ) الْقَاضِي (عَلَيْهِ) مِنْ الْمُكْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ، (فَإِنْ وَثِقَ) الْقَاضِي (بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ) أَيْ مَا اقْتَرَضَهُ (إلَيْهِ) وَإِنْ اقْتَرَضَهُ مِنْهُ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ (جَعَلَهُ) أَيْ مَا اقْتَرَضَهُ الْقَاضِي (عِنْدَ ثِقَةٍ) يُنْفِقُ عَلَيْهَا، (وَلَهُ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 487 أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ. وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ،   [مغني المحتاج] الْقَاضِي إنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا يَقْتَرِضُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ قَدْرَ النَّفَقَةِ) عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْجِمَالِ الْمَتْرُوكَةِ زِيَادَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ، بَلْ يَبِيعُ الْفَاضِلَ عَنْ الْحَاجَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مِنْهَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ جَمِيعِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ أَثْمَانَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَيَكْتَرِي لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ لِلْمَصْلَحَةِ، (وَلَوْ أَذِنَ) الْقَاضِي (لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ) عَلَى الْجِمَالِ وَمُتَعَهِّدِهَا (مِنْ مَالِهِ) أَوْ مَالِ غَيْرِهِ (لِيَرْجِعَ) بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَقَدْ لَا يَجِدُ الْقَاضِي مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لَا يَرَاهُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَيُجْعَلُ مُتَبَرِّعًا. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَتَى أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ لَمْ يَرْجِعْ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَوْ عَسِرَ إثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ، فَأَنْفَقَ وَأَشْهَدَ عَلَى مَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَيَحْفَظُهَا الْقَاضِي بَعْدَ الْمُدَّةِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا اقْتَرَضَ، وَإِنْ خَشِيَ أَنْ تَأْكُلَ نَفْسَهَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهَا بَاعَ الْكُلَّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ إذَا ادَّعَى نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: أَوَّلًا وَتَرَكَهَا عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا الْجَمَّالُ مَعَهُ. وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ اكْتَرَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَاكْتَرَى، فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاكْتِرَاءُ عَلَيْهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ فَلَهُ الْفَسْخُ كَمَا إذَا نَدَّتْ الدَّابَّةُ. (وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي) الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ (الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ) أَوْ غَيْرَهُمَا فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ) عَلَيْهِ، (وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ) لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْبَدَلُ كَالْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ أَتَرَكَ الِانْتِفَاعَ اخْتِيَارًا أَمْ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ لِعَدَمِ الرُّفْقَةِ؟ مَعَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ ضَمِنَهَا، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخٌ وَلَا إلْزَامُ الْمُكْرِي بِاسْتِرْدَادِ الدَّابَّةِ إلَى تَيَسُّرِ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 488 وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ إذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ.   [مغني المحتاج] الْخُرُوجِ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْكَنَهُ السَّيْرُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَاسْتِعْمَالُهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ: قَبَضَهَا أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ عَرَضَهَا عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ وَمَضَتْ مُدَّةِ الْإِجَارَةُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَسْتَقِرُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، (وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ) مُعَيَّنٍ (وَقَبَضَهَا) ، أَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا مَرَّ (وَ) لَمْ يَسِرْ حَتَّى (مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ) فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْعَمَلِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمُقَدَّرَةِ بِالْمُدَّةِ، (وَسَوَاءٌ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ) ، وَقَوْلُهُ: (إذَا سَلَّمَ) الْمُؤَجِّرُ (الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ قَيْدٌ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِتَعَيُّنِ حَقِّهِ بِالتَّسَلُّمِ وَحُصُولِ التَّمْكِينِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْتَقِرُّ بَدَلُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءٍ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالدَّابَّةِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْحُرِّ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ لَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ، بَلْ تَسْتَقِرُّ كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي الْمُؤَجَّرُ لَشَمِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ. ثُمَّ أَشَارَ لِفَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةِ: أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ بِقَوْلِهِ (وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) سَوَاءٌ أَقُدِّرَتْ بِعَمَلٍ أَمْ بِمُدَّةٍ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَمْ لَا (بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ) ، سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهَا أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْوَطْءِ، إذْ الْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ، وَالْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ فَكَذَا الْإِجَارَةُ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ التَّسْوِيَةِ التَّخْلِيَةُ فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي قَبْضِ الْعَقَارِ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا تَكْفِي فِي الْفَاسِدَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْفِي فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 489 وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ انْفَسَخَتْ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً وَأَجَّرَ لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ. وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ   [مغني المحتاج] الصَّحِيحَةِ دُونَ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا لَوْ عَرَضَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَامْتَنَعَ لَمْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَسْتَقِرُّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَيُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ بِأَنْ تَتْلَفَ الْمَنْفَعَةُ تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا. وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْفَاسِدَةِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا لِاسْتِرْدَادِ الْأُجْرَةِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ قَاعِدَةٌ كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ سَقَطَ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا عَقَدَ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ مَعَ الْكُفَّارِ عَلَى سُكْنَى الْحِجَازِ فَسَكَنُوا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى لِتَعَذُّرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا الْمَنْفَعَةَ وَلَيْسَ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، إذْ لَا مِثْلَ لَهَا تُعْتَبَرُ أُجْرَتُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى، وَخَرَجَ بِالْفَاسِدَةِ الْبَاطِلَةُ، كَاسْتِئْجَارِ صَبِيٍّ بَالِغًا عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. (وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) الْمُكْرِي (حَتَّى مَضَتْ) تِلْكَ الْمُدَّةُ (انْفَسَخَتْ) تِلْكَ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمُكْرِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَمْسَكَهَا لِقَبْضِ الْأُجْرَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ ثُمَّ سَلَّمَهَا انْفَسَخَتْ فِي الْمَاضِي وَثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي. (وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ) فِي الْإِجَارَةِ (مُدَّةً وَأَجَّرَ) لَهُ دَابَّةً (لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ) مُعَيَّنٍ (وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) إلَيْهِ (حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ) إمْكَانِ (السَّيْرِ) إلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ الْإِجَارَةَ (لَا تَنْفَسِخُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ لَا بِالزَّمَانِ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ الِاسْتِيفَاءُ. وَالثَّانِي: تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ حَبَسَهَا الْمُكْتَرِي تِلْكَ الْمُدَّةَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّا لَوْ لَمْ نُقَدِّرْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَضَاعَتْ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُكْرِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي كَمَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ثُمَّ سَلَّمَهُ. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مَا تُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا اسْتِيفَاؤُهَا فَلَا فَسْخَ وَلَا انْفِسَاخَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ تَأَخَّرَ وَفَاؤُهُ. (وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ) أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَقَفَهُ (فَالْأَصَحُّ) - الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ - (أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ تَبَرَّعَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ لَهُ وَقْتَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يُصَادِفْ الْعِتْقُ إلَّا الرَّقَبَةَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ. وَالثَّانِي: تَنْفَسِخُ كَمَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 490 وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَلْمُكْتَرِي،   [مغني المحتاج] (تَنْبِيهٌ) احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ آجَرَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَعَمَّا لَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْوَقْفِ خِلَافَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ مُدَّةً ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ - لَمْ تَنْفَسِخْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبَبِ الْعِتْقِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ) فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَيَسْتَوْفِي الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَتَهُ. وَالثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ كَالْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ عَبْدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ خِيَارَهَا ثَبَتَ لِنَقْصِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا، (وَالْأَظْهَرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةٍ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ) إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِتَفْوِيتِ السَّيِّدِ لَهُ وَدَفْعِ هَذَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأُولَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَنَاوَلَ الرَّقَبَةَ خَالِيَةً عَنْ الْمَنْفَعَةِ بَقِيَّةَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَى السَّيِّدِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَعَهُّدِ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَارِثُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ عَقْدًا ثُمَّ نَقَضَهُ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقٍ سَابِقٍ عَلَى الْإِجَارَةِ عَتَقَ وَلَمْ يُقْبَلْ فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ لِلْعَبْدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَأَقَرَّهُ. وَكَمَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِطُرُوِّ الْحُرِّيَّةِ لَا تَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الرِّقِّ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فَاسْتُرِقَّ، أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ دَارًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ - لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ أَجَّرَ دَارًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَتْ - فَالرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعِتْقِ وَفَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ مَلَكَ الْعَتِيقُ مَنَافِعَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَقِلًّا. فَإِنْ قِيلَ لَوْ بِيعَ الْمُؤَجَّرُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تَرْجِعُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهَا تَرْجِعُ لِلسَّيِّدِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كَانَ مُتَقَرَّبًا بِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَيْهِ - كَانَتْ مَنَافِعُ الْعَتِيقِ لَهُ نَظَرًا لِمَقْصُودِ الْعِتْقِ مِنْ كَمَالِ تَقَرُّبِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ آجَرَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ ثُمَّ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْمُؤَجَّرِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ) الْعَيْنِ (الْمُسْتَأْجَرَةِ) قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (لَلْمُكْتَرِي) ؛ لِأَنَّهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 491 وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا تَنْفَسِخُ..   [مغني المحتاج] بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ، (وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِيهَا، وَلِهَذَا يَسْتَأْجِرُ مِلْكَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. وَالثَّانِي: تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَا كَانَ لِلْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ حِينَ الْبَيْعِ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ لَا لِلزَّوْجِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الِانْفِسَاخِ. أَمَّا الْبَيْعُ فَصَحِيحٌ قَطْعًا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، (وَلَوْ بَاعَهَا) الْمُؤَجِّرُ أَوْ وَهَبَهَا (لِغَيْرِهِ) أَذِنَ الْمُسْتَأْجِرُ أَمْ لَا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الرَّقَبَةِ كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَيْنَ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ تُعَادُ إلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهَا إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ، وَيُعْفَى عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ التَّسْلِيمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ انْسَدَّتْ بَالُوعَةُ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّ زَمَنَ فَتْحِهَا يَسِيرٌ. تَنْبِيهٌ مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الصِّحَّةِ تَبِعَ فِيهِ الْجُمْهُورَ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِالْمُدَّةِ، فَإِنْ قُدِّرَتْ بِعَمَلٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إلَى بَلَدِ كَذَا، فَعَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازَانِ: الْبَيْعُ مُمْتَنِعٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِجَهَالَةِ مُدَّةِ السَّيْرِ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيُقَاسُ بِالْبَيْعِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَسْأَلَةُ هَرَبِ الْجِمَالِ السَّابِقَةُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْجِمَالِ قَدْرُ النَّفَقَةِ، قَالَا: وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ، وَالْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُسْتَأْجَرٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا لِقُوَّةِ الْعِتْقِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَأَقَرَّاهُ. (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِمَا ذُكِرَ قَطْعًا كَمَا لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَتَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا إنْ عَلِمَهَا وَجَهِلَ الْمُدَّةَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْت بِالْإِجَارَةِ وَلَكِنْ ظَنَنْت أَنَّ لِي أُجْرَةَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِي مِنْ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَأَجَابَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ بِالْمَنْعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، فَإِنْ عَلِمَهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَلَا أُجْرَةَ، وَإِنْ جَهِلَ ثُمَّ عَلِمَ وَأَجَازَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 492 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْبَغَوِيّ، وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ عَيْبًا وَفَسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ عَرَضَ مَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ - فَمَنْفَعَتُهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِلْبَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مَنَافِعَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ أَصْلِهِ. خَاتِمَةٌ لَوْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ نَسْجَ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ قَبْلَ النَّسْجِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْخِدْمَةِ وَلَوْ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ وَقْتِهَا وَتَفْصِيلِ أَنْوَاعِهَا صَحَّ، وَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجِيرِ رُتْبَةً وَذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَمَكَانًا وَوَقْتًا وَغَيْرَهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلْخَبْزِ بَيَّنَ أَنَّ مَا يَخْبِزُهُ أَرْغِفَةٌ أَوْ أَقْرَاصٌ غِلَاظٌ أَوْ رُقَاقٌ، وَأَنَّهُ يَخْبِزُ فِي فُرْنٍ أَوْ تَنُّورٍ، وَحَطَبُ الْخَبَّازِ كَحِبْرِ النُّسَّاخِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَعَلَى الْأَجِيرِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ أُجْرَةُ مَنْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا إلَيْهِ مِنْ تَمَامِ الْغُسْلِ، إلَّا إنْ شُرِطَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَتَلْزَمُهُ. وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى بَلَدٍ فَرَكِبَهَا إلَيْهِ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي سَارَ مِنْهُ وَلَوْ رَاكِبًا لَهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لَهُ، فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُهُ بِالْعُرْفِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِكِتَابَةِ صَكٍّ فِي بَيَاضٍ وَكَتَبَهُ غَلَطًا أَوْ بِلُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُ، أَوْ غَيَّرَ النَّاسِخُ تَرْتِيبَ الْكِتَابِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ - سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْوَرَقِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، فَخَاطَ نِصْفَهُ مَثَلًا ثُمَّ تَلِفَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مِنْ الْمُسَمَّى، إنْ كَانَ الْعَمَلُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَوْ تَلِفَتْ جَرَّةٌ حَمَلَهَا الْأَجِيرُ نِصْفَ الطَّرِيقِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ تَظْهَرُ عَلَى الثَّوْبِ فَوَقَعَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا بِظُهُورِ أَثَرِهِ، وَالْحَمْلُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْجَرَّةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِسْطِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَغَرَقُ الْأَرْضِ تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ، فَإِنْ تُوُقِّعَ انْحِسَارُهُ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا مَضَى وَثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، وَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَهَلْ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ اخْتَلَفَ مُفْتُو عَصْرِنَا فِيهِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ. وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ مِنْ شَخْصٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ جَائِزٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ الْحَبْسُ عَلَى أَجِيرِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ فِي الْحَبْسِ - أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْهُ مُدَّةَ الْعَمَلِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَسْتَوْثِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ إنْ رَآهُ كَأَنْ خَافَ هَرَبَهُ. أَمَّا أَجِيرُ الذِّمَّةِ فَلْيُطَالَبْ بِتَحْصِيلِ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ بِالْحَقَّيْنِ. وَلَوْ أَكْرَهَ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ شَخْصًا عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَوْ الْإِمَامُ وَلِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَجَبَتْ فِيهَا، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ وَسِعَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ. وَلِلْأَبِ إيجَارُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ لِإِسْقَاطِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 493 .. .... .... .... ..   [مغني المحتاج] نَفَقَتِهِ عَنْهُ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُهُ كَمَا يَشْتَرِي مَالَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ الْأَبُ لِابْنِهِ عَيْنًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَرِثَهُ الْآخَرُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْمِلْكِ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ عَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَوْ خَلَّفَ الْمُؤَجِّرُ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَأْجَرٌ مِنْهُ دُونُ الْآخَرِ فَالرَّقَبَةُ بَيْنَهُمَا بِالْإِرْثِ، وَالْإِجَارَةُ مُسْتَمِرَّةٌ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَدَخَلَ فِيهَا سَمَكٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فُرُوعِهِ، أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنَافِعَ السَّفِينَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهَا فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 494 كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ إنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] ِ، وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدٌ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: حَدُّ الْمَوَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَكُنْ عَامِرًا وَلَا حَرِيمًا لِعَامِرٍ - قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ أَوْ بَعُدَ - وَكَلَامُ الْمَتْنِ يُوَافِقُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ هُنَا: (الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ) وَقَالَ فِيمَا بَعْدُ: وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ مَعْمُورٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَخْبَارٌ، كَخَبَرِ «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتَّمْلِيكُ بِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِحَدِيثِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِي - أَيْ: طُلَّابُ الرِّزْقِ - مِنْهَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ قِسْمَانِ: أَصْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَمْ يُعَمَّرْ قَطُّ، وَطَارِئٌ وَهُوَ مَا خَرِبَ بَعْدَ عِمَارَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِ الْعِمَارَةِ التَّحَقُّقُ، بَلْ يَكْفِي عَدَمُ تَحَقُّقِهَا بِأَنْ لَا يُرَى أَثَرُهَا، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ أَصْلِ شَجَرٍ وَنَهْرٍ وَجُدُرٍ وَأَوْتَادٍ، وَنَحْوِهَا. (إنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأَرْضُ (بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ فَلِلْمُسْلِمِ) أَيْ: يَجُوزُ لَهُ (تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْإِمَامُ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ، وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. نَعَمْ لَوْ حَمَى الْإِمَامُ لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ مَوْضِعًا مِنْ الْمَوَاتِ فَأَحْيَاهُ شَخْصٌ؛ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَئِمَّةِ. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّمَلُّكِ قَدْ يُفْهِمُ التَّكْلِيفَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يَتَمَلَّكَانِ بَلْ يُمَلَّكَانِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يُفْهِمُهُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 495 وَلَيْسَ هُوَ لِذِمِّيٍّ. وَإِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَهُمْ إحْيَاؤُهَا، وَكَذَا لِلْمُسْلِمِ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَذُبُّونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا.   [مغني المحتاج] الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ. فَلِلْمُسْلِمِ، مَا لَوْ تَحَجَّرَ مُسْلِمٌ مَوَاتًا وَلَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَسْقُطُ فِيهَا حَقُّهُ؛ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ مَلَكَهُ، وَإِنْ حُمِلَ الْجَوَازُ فِي كَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ؛ فَلَا إيرَادَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ تَمَلُّكُ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ - مَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُسْلِمِينَ عُمُومًا كَالطَّرِيقِ وَالْمَقْبَرَةِ وَكَذَا عَرَفَةُ وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى - وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَمِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: لَمْ تُعَمَّرْ قَطُّ مَا كَانَ مَعْمُورًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ خَرِبَ وَبَقِيَ آثَارُ عِمَارَتِهِمْ؛ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. وَمَا عَمَّرَهُ الْكَافِرُ فِي مَوَاتِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُمَلَّكُهُ، كَمَا قَالَ (وَلَيْسَ هُوَ) أَيْ: إحْيَاءُ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ (لِذِمِّيٍّ) وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى - وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْإِمَامُ - لِأَنَّهُ اسْتِعْلَاءٌ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِمْ بِدَارِنَا، فَلَوْ أَحْيَا ذِمِّيٌّ أَرْضًا نُزِعَتْ مِنْهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَزَعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ وَأَحْيَاهَا مَلَكَهَا - وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ - كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ الذِّمِّيِّ، فَإِنْ بَقِيَ لَهُ فِيهَا عَيْنٌ؛ نَقَلَهَا، وَلَوْ زَرَعَهَا الذِّمِّيُّ وَزَهَدَ فِيهَا، صَرَفَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ فِي الْمَصَالِحِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُ الْغَلَّةِ، وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ بِدَارِنَا وَنَقْلُ تُرَابٍ مِنْ مَوَاتِ دَارنَا لَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِيهِ، أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنْ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُلِّكَهُ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي. (وَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأَرْضُ (بِبِلَادِ الْكُفَّارِ) دَارَ حَرْبٍ وَغَيْرِهَا (فَلَهُمْ إحْيَاؤُهَا) مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ دَارِهِمْ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْنَا فِيهِ؛ فَيُمَلَّكُونَهُ بِالْإِحْيَاءِ كَالصَّيْدِ. (وَكَذَا لِلْمُسْلِمِ) أَيْضًا إحْيَاؤُهَا (إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَذُبُّونَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا: أَيْ يَدْفَعُونَ (الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا) كَمَوَاتِ دَارِنَا، وَلَا يَمْلِكُهَا بِالِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ حَتَّى يَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ ذَبُّوهُمْ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُ إحْيَاؤُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالْمَعْمُورِ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَإِذَا اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا وَهُمْ يَذُبُّونَ عَنْهَا، فَالْغَانِمُونَ أَحَقُّ بِإِحْيَاءِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا، وَأَهْلُ الْخُمْسِ أَحَقُّ بِإِحْيَاءِ الْخُمْسِ، فَإِنْ أَعْرَضَ كُلُّ الْغَانِمِينَ عَنْ إحْيَاءِ مَا يَخُصُّهُمْ؛ فَأَهْلُ الْخُمْسِ أَحَقُّ بِهِ كَالْمُتَحَجَّرِ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ فَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ اخْتِصَاصًا، فَإِنْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْبَلَدَ لَنَا وَهُمْ يَسْكُنُونَ بِجِزْيَةٍ، فَالْمَعْمُورُ مِنْهَا فَيْءٌ وَمَوَاتُهَا الَّذِي كَانُوا يَذُبُّونَ عَنْهُ يَتَحَجَّرُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ فَيَحْفَظُهُ الْإِمَامُ لَهُمْ فَلَا يَكُونُ فَيْئًا فِي الْحَالِ، أَوْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْبَلَدَ لَهُمْ فَالْمُتَحَجِّرُ فِي ذَلِكَ الْمَوَاتِ لَهُمْ تَبَعًا لِلْمَعْمُورِ، كَمَا أَنَّ تَحَجُّرَ مَوَاتِ دَارِنَا لَنَا تَبَعًا لِلْمَعْمُورِ، فَإِنْ فَنِيَ الذِّمِّيُّونَ؛ فَكَنَائِسُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي فَنَوْا عَنْهَا، وَلَا وَارِثَ لَهُمْ. وَبِيَعُ النَّصَارَى الَّتِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 496 وَمَا كَانَ مَعْمُورًا فَلِمَالِكِهِ. فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ ضَائِعٌ. وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ.   [مغني المحتاج] فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا تُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ. وَالْمُرَادُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ: كُلُّ بَلْدَةٍ بَنَاهَا الْمُسْلِمُونَ - كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةَ - أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا - كَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ - أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً - كَخَيْبَرِ وَسَوَادِ الْعِرَاقِ - أَوْ صُلْحًا، عَلَى أَنْ تَكُونَ الرُّقْبَةُ لَنَا وَهُمْ يَسْكُنُونَهَا بِخَرَاجٍ، وَإِنْ فُتِحَتْ عَلَى أَنَّ الرُّقْبَةَ لَهُمْ؛ فَمَوَاتُهَا كَمَوَاتِ دَارِ الْحَرْبِ. وَلَوْ غَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَى بَلْدَةٍ يَسْكُنُهَا الْمُسْلِمُونَ - كَطَرَسُوسَ - لَا تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ. (وَمَا كَانَ مَعْمُورًا) مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ خَصَّصَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ: (فَلِمَالِكِهِ) إنْ عُرِفَ - مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ نَحْوَهُ - أَوْ لِوَارِثِهِ، وَلَا يُمَلَّكُ مَا خَرِبَ مِنْهُ بِالْإِحْيَاءِ. نَعَمْ، اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مَا أَعْرَضَ عَنْهُ كَافِرٌ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُهُ مَا كَانَ مَعْمُورًا فِي الْحَالِ أَوْ مَعْمُورًا فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ ثُمَّ انْدَرَسَ، بَلْ هُوَ فِي هَذَا أَظْهَرُ وَأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ. وَالْمَعْمُورُ لَا يَدْخُلُ الْإِحْيَاءُ فِيهِ بَلْ هُوَ لِمَالِكِهِ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ) مَالِكُهُ (وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ) أَيْ: فَهَذَا الْمَعْمُورُ مَالٌ (ضَائِعٌ) ؛ لِأَنَّهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ فِي حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ أَوْ اسْتِقْرَاضِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ لَوْ خَرِبَتْ قَرْيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَعَطَّلَتْ وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا، فَهَلْ لِلْإِمَامِ إعْطَاؤُهَا لِمَنْ يَعْمُرُهَا؟ . وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ: وَكُلُّ مَا لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ وَلَا يُرْجَى ظُهُورُهُ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ كَسَائِرِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَخْذِ الْعُشُورِ وَالْمُكُوسِ وَجُلُودِ الْبَهَائِمِ، وَنَحْوِهَا الَّتِي تُذْبَحُ وَتُؤْخَذُ مِنْ مُلَّاكِهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ مُلَّاكُهَا أَنَّهَا تَصِيرُ لِبَيْتِ الْمَالِ. (وَإِنْ كَانَتْ) - أَيْ الْعِمَارَةُ - (جَاهِلِيَّةً) بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا آثَارُ عِمَارَاتِهِمْ (فَالْأَظْهَرُ) . وَحَكَى جَمْعٌ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَنَّهُ) - أَيْ مَا كَانَ مَعْمُورًا جَاهِلِيًّا ثُمَّ خَرِبَ - (يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ) ؛ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمِلْكِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوَاتٍ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ بِبِلَادِهِمْ وَهُمْ لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ، وَإِلَّا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ بِالْإِحْيَاءِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ شَكَكْنَا فِي مَعْمُورٍ أَنَّهُ عُمِّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الرِّكَازِ الَّذِي جُهِلَ حَالُهُ: أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لُقَطَةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 497 وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمٌ مَعْمُورٌ، وَهُوَ مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ، فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ النَّادِي، وَمُرْتَكَضُ الْخَيْلِ، وَمُنَاخُ الْإِبِلِ، وَمَطْرَحُ الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا، وَحَرِيمُ الْبِئْرِ فِي الْمَوَاتِ مَوْقِفُ النَّازِحِ،   [مغني المحتاج] وَالْأَرْضُ الْعَامِرَةُ إذَا لَبِسَهَا رَمْلٌ أَوْ غَرَّقَهَا مَاءٌ فَصَارَتْ بَحْرًا ثُمَّ زَالَ الرَّمْلُ أَوْ الْمَاءُ؛ فَهِيَ لِمَالِكِهَا إنْ عُرِفَ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ بَاطِنِهَا يَكُونُ لَهُ، وَلَوْ لَبِسَهَا الْوَادِي بِتُرَابٍ آخَرَ، فَهِيَ بِذَلِكَ التُّرَابِ لَهُ، كَمَا فِي الْكَافِي، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ إسْلَامِيَّةً فَمَالٌ ضَائِعٌ، أَوْ جَاهِلِيَّةً فَتُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى مَا مَرَّ. وَأَمَّا الْجَزَائِرُ الَّتِي تُرَبِّيهَا الْأَنْهَارُ: فَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا مِنْ أَرَاضِي بِلَادٍ - كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي نَهْرِ النِّيلِ - فَحُكْمُهَا حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ رُبِّيَتْ مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَلَيْسَتْ حَرِيمًا لِمَعْمُورٍ فَهِيَ مَوَاتٌ، وَإِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ فَأَمْرُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ. هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا الْمَحَلَّ. (وَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ حَرِيمُ مَعْمُورٍ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْمَعْمُورِ مُسْتَحِقٌّ لِمَرَافِقِهِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ حَرِيمًا لِتَحْرِيمِ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْحَرِيمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَهُوَ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، لَكِنَّهُ لَا يُبَاعُ وَحْدَهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ، كَمَا لَا يُبَاعُ شِرْبُ الْأَرْضِ وَحْدَهُ. (وَهُوَ) أَيْ الْحَرِيمُ (مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِتَمَامِ الِانْتِفَاعِ) بِالْمَعْمُورِ وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُ الِانْتِفَاعِ بِدُونِهِ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ بَيَانِ الْحَرِيمِ عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ (فَحَرِيمُ الْقَرْيَةِ) الْمُحْيَاةِ (النَّادِي) وَهُوَ الْمَجْلِسُ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يَنْدُونَ: أَيْ يَتَحَدَّثُونَ، وَلَا يُسَمَّى الْمَجْلِسُ نَادِيًا إلَّا وَالْقَوْمُ فِيهِ، وَيُطْلَقُ النَّادِي عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ مُجْتَمَعُ النَّادِي، وَهِيَ أَوْلَى. نَعَمْ إنْ قُدِّرَ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ؛ سَاوَى تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ (وَمُرْتَكَضُ الْخَيْلِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ مَكَانُ سُوقِهَا. أَيْ إذَا كَانُوا خَيَّالَةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ (وَمُنَاخُ الْإِبِلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ إذَا كَانُوا أَهْلَ إبِلٍ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَمَطْرَحُ) السِّرْجِينِ وَالْقُمَامَاتِ، وَ (الرَّمَادِ وَنَحْوُهَا) كَمَرَاحِ غَنَمٍ وَسَيْلِ مَاءٍ وَمَلْعَبِ صِبْيَانٍ. وَكَذَا الْمَرْعَى وَالْمُحْتَطَبُ الْمُسْتَقِلَّانِ الْقَرِيبَانِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَكَذَا الْبَعِيدَانِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ - إذَا لَمْ يَفْحُشْ - بُعْدُهُمَا عَنْ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَعُدَّانِ مِنْ مَرَافِقِ الْقَرْيَةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِلَّا وَلَكِنْ كَانَ يَرْعَى وَيَحْتَطِبُ مِنْهُمَا عِنْدَ خَوْفِ الْبُعْدِ فَلَيْسَا بِحَرِيمٍ (وَحَرِيمُ الْبِئْرِ) الْمَحْفُورَةِ (فِي الْمَوَاتِ مَوْقِفُ النَّازِحِ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ. أَمَّا الْمَحْفُورَةُ فِي مِلْكِهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْعُرْفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 498 وَالْحَوْضُ، وَالدُّولَابُ، وَمُجْتَمَعُ الْمَاءِ، وَمُتَرَدِّدُ الدَّابَّةِ، وَحَرِيمُ الدَّارِ فِي الْمَوَاتِ مَطْرَحُ رَمَادٍ وَكُنَاسَةٌ وَثَلْجٌ، وَمَمَرٌّ فِي صَوْبِ الْبَابِ، وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ الِانْهِيَارُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ الْبِئْرُ الْمَحْفُورَةُ فِي الْمَوَاتِ وَهِيَ حَسَنَةٌ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُشْكِلَةٌ مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ؛ إذْ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ فِي الْمَوَاتِ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ إذْ شَرْطُ الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهَا أَوْ يَكُونَ الْمُضَافُ جُزْءًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ كَجُزْئِهِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ حَرِيمَ الْبِئْرِ كَجُزْئِهَا، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] (وَالْحَوْضُ) بِالرَّفْعِ - وَكَذَا الْمَعْطُوفَاتُ بَعْدَهُ - عَطْفٌ عَلَى (مَوْقِفُ) ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَصُبُّ النَّازِحُ فِيهِ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْبِئْرِ، وَكَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ بِمَصَبِّ الْمَاءِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَرِيمَ مَوْضِعُ الْحَوْضِ، وَكَذَا يُقَدَّرُ الْمَوْضِعُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ عَلَى الْحَوْضِ. (وَالدُّولَابُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ إنْ كَانَ الِاسْتِقَاءُ بِهِ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَمُجْتَمَعُ الْمَاءِ) الَّذِي يُطْرَحُ فِيهِ مَا يُخْرَجُ مِنْ الْحَوْضِ لِسَقْيِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّ ذِكْرَ الْمُجْتَمَعِ مَعَ الْحَوْضِ تَكْرَارٌ (وَمُتَرَدَّدُ) النَّازِحِ مِنْ (الدَّابَّةِ) إنْ اسْتَقَى بِهَا أَوْ الْآدَمِيِّ، أَمَّا الْبِئْرُ الْمُتَّخَذَةُ لِلشُّرْبِ فَيُعْتَبَرُ حَرِيمُهَا بِمَوْضِعِ وُقُوفِ الْمُسْتَقِي مِنْهَا، وَلَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ بِحَيْثُ نَقَصَ بِهِ مَاءُ الْأُولَى؛ مُنِعَ فِي الْأَصَحِّ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي حَرِيمِ الْمَوَاتِ (وَحَرِيمُ الدَّارِ) الْمَبْنِيَّةِ (فِي الْمَوَاتِ مَطْرَحُ رَمَادٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ) فِي بَلَدٍ يُثْلِجُ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (وَمَمَرٌّ فِي صَوْبِ الْبَابِ) لِيَتَوَقَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِصَوْبِ الْبَابِ جِهَتُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقَهُ قُبَالَةَ الْبَابِ عَلَى امْتِدَادِ الْمَوَاتِ، بَلْ لِغَيْرِهِ إحْيَاءُ مَا فِي قُبَالَةِ الْبَابِ إذَا أَلْقَى لَهُ مَمَرًّا، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى انْعِطَافٍ وَازْوِرَارٍ، وَفِنَاءُ جُدَرَانِ الدَّارِ وَهُوَ مَا حَوَالَيْهَا مِنْ الْخَلَاءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا لَيْسَ حَرِيمًا لَهَا فِي أَوْجَهِ وَجْهَيْنِ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ بِقُرْبِهَا وَمِنْ سَائِرِ مَا يَضُرُّ بِهَا، كَإِلْصَاقِ جِدَارِهِ أَوْ رَمْلِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِمَا يَضُرُّ مِلْكَ غَيْرِهِ (وَحَرِيمُ آبَارِ الْقَنَاةِ) الْمُحَيَّاةِ (مَا لَوْ حُفِرَ فِيهِ) أَيْ: الْحَرِيمِ (نَقَصَ مَاؤُهَا أَوْ خِيفَ) عَلَيْهَا (الِانْهِيَارُ) أَيْ: السُّقُوطُ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَرَاضِي صَلَابَةً وَلِينًا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى مَوْقِفِ نَازِحٍ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ فِي بِئْرِ الِاسْتِقَاءِ: بَلْ إلَى حِفْظِهَا وَحِفْظِ مَائِهَا. أَمَّا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ ثُمَّ حَفَرَ آخَرُ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ؛ فَلَا يُمْنَعُ وَإِنْ نَقَصَ مَاءَ غَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَفْرَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 499 وَالدَّارُ الْمَحْفُوفَةُ بِدُورٍ لَا حَرِيمَ لَهَا، وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارِهِ الْمَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا وَإِصْطَبْلًا، وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ إذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمِ الْجُدْرَانَ.   [مغني المحتاج] الِابْتِدَاءِ تَمَلُّكٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الْغَيْرُ، وَهُنَا كُلٌّ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ مَا جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ حَرِيمًا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَفْرِ الْآبَارِ، لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْحَرِيمِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذْ انْتَهَى الْمَوَاتُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مِلْكٌ قَبْلَ تَمَامِ حَدِّ الْحَرِيمِ، فَالْحَرِيمُ إلَى انْتِهَاءِ الْمَوَاتِ، وَضَبَطَ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ أَبْآرَ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ السَّاكِنَةِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَقَلْبُهَا أَلِفًا. قَالَ الْجَارْبُرْدِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا. تَنْبِيهٌ: فَعَلَ مَا الْغَالِبُ فِيهِ ظُهُورُ الْخَلَلِ فِي حِيطَانِ الْجَارِ كَدَقٍّ عَنِيفٍ يُزْعِجُ الْجِيرَانَ وَحَبْسِ الْمَاءِ فِي مِلْكِهِ بِحَيْثُ تَسْرِي النَّدَاوَةُ إلَى جِدَارِ الْجَارِ (وَالدَّارُ الْمَحْفُوفَةُ بِدُورٍ) بِأَنْ أُحْيِيَتْ كُلُّهَا مَعًا (لَا حَرِيمَ لَهَا) ؛ إذْ لَيْسَ جَعْلُ مَوْضِعٍ حَرِيمًا لِدَارٍ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ حَرِيمًا لِأُخْرَى. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ الْمَحْفُوفَةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا كُلُّ مَا لَا مَوَاتَ حَوْلَهُ، وَمِنْهُ غَيْرُ الْمَحْفُوفَةِ إذَا كَانَتْ بِطَرِيقٍ نَافِذٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ؛ لِأَنَّهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ نَافِذٍ، (وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُلَّاكِ (فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ) فِي التَّصَرُّفِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ أَوْ أَدَّى إلَى إتْلَافِ مَالِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ حُشٍّ فَاخْتَلَّ بِهِ جِدَارُ جَارِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا فِي الْحُشِّ مَاءُ بِئْرِهِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِ الْمَالِكِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ مِمَّا يَضُرُّ جَارَهُ ضَرَرًا لَا جَابِرَ لَهُ (فَإِنْ تَعَدَّى) بِأَنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِي التَّصَرُّفِ (ضَمِنَ) مَا تَعَدَّى فِيهِ لِافْتِيَاتِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ) لِلشَّخْصِ (أَنْ يَتَّخِذَ دَارِهِ الْمَحْفُوفَةَ بِمَسَاكِنَ حَمَّامًا) وَلَفْظُهُ مُذَكَّرٌ، وَطَاحُونَةً وَمَدْبَغَةً (وَإِصْطَبْلًا) وَفُرْنًا (وَحَانُوتَهُ فِي الْبَزَّازِينَ حَانُوتَ حَدَّادٍ) وَقَصَّارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَأَنْ يَجْعَلَهُ مَدْبَغَةً. لَكِنْ (إذَا احْتَاطَ وَأَحْكَمِ الْجُدْرَانَ) إحْكَامًا يَلِيقُ بِمَا يَقْصِدُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَفِي مَنْعِهِ إضْرَارٌ بِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِلْإِضْرَارِ بِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَعَلَ مَا الْغَالِبُ فِيهِ ظُهُورُ الْخَلَلِ فِي حِيطَانِ الْجَارِ كَدَقٍّ عَنِيفٍ يُزْعِجُ الْجِيرَانَ، وَحَبْسِ الْمَاءِ فِي مِلْكِهِ بِحَيْثُ تَسْرِي النَّدَاوَةُ إلَى جِدَارِ الْجَارِ؛ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مَنْعُ مَا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ يَلْزَمُ مِنْ حَفْرِهِ سُقُوطُ جِدَارِ جَارِهِ، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لَهُ جَعْلُهَا مَسْجِدًا وَلَا حَمَّامًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 500 وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَوَاتِ الْحَرَمِ، دُونَ عَرَفَاتٍ فِي الْأَصَحِّ قُلْت: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى كَعَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَخْتَلِفُ الْإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ فَإِنْ أَرَادَ مَسْكَنًا اشْتَرَطَ تَحْوِيطَ الْبُقْعَةِ   [مغني المحتاج] وَلَا حَانُوتًا وَلَا سَبِيلًا إلَّا بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الصُّلْحِ، وَلَوْ دَقَّ فَاهْتَزَّ الْجِدَارُ فَانْكَسَرَ مَا كَانَ مُعَلَّقًا فِيهِ: قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: فَإِنْ سَقَطَ فِي حَالَةِ الدَّقِّ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا ضَمَانَ فِي الْحَالَيْنِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ لَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، عَنْ قَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ؛ كَانَ أَوْلَى. (وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَوَاتِ الْحَرَمِ) كَمَا يُمَلَّكُ عَامِرُهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ (دُونَ عَرَفَاتٍ) فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِتَعَلُّقِ الْوُقُوفِ بِهَا كَالْحُقُوقِ الْعَامَّةِ مِنْ الطُّرُقِ، وَمُصَلَّى الْعِيدِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمَوَارِدِ الْمَاءِ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْعِمَارَةِ عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ وَالْخُلْجَانِ، فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ مَنْعُ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي: إنْ ضَيَّقَ امْتَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا (قُلْت: وَمُزْدَلِفَةُ وَمِنًى كَعَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُمَا فِي الْأَصَحِّ لِحَقِّ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ بِهِ الْمَبِيتُ وَالْمَرْمَى، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْبِنَاءِ بِمِنًى وَصَارَ ذَلِكَ لَا يُنْكَرُ، فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ هَدْمُ مَا فِيهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَنْعُ مِنْ الْبِنَاءِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْقُولٌ، وَأَنَّ خِلَافَ عَرَفَةَ يَجْرِي فِيهِ وَبِهِ صُرِّحَ فِي التَّصْحِيحِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي أَرْضِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ كَعَرَفَاتٍ لِوُجُودِ الْمَعْنَى، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ لِضِيقِهِ بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْبِنَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَلَوْ قُلْنَا بِمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْمَبِيتِ بِهَا لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا حِينَئِذٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَصَّبُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَجِيجِ إذَا نَفَرُوا أَنْ يَبِيتُوا بِهِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، فَمَنْ أَحْيَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (وَيَخْتَلِفُ الْإِحْيَاءُ بِحَسَبِ الْغَرَضِ) وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهُ وَلَا حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَيْهِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ، وَالضَّابِطُ التَّهْيِئَةُ لِلْمَقْصُودِ (فَإِنْ أَرَادَ) إحْيَاءَ الْمَوَاتِ (مَسْكَنًا اشْتَرَطَ) فِيهِ لِحُصُولِهِ (تَحْوِيطَ الْبُقْعَةِ) بِآجُرٍّ أَوْ لَبِنٍ أَوْ قَصَبٍ بِحَسَبِ عَادَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّحْوِيطِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَنُصَّ فِي الْأُمِّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 501 وَسَقْفَ بَعْضِهَا وَتَعْلِيقَ بَابٍ، وَفِي الْبَابِ وَجْهٌ أَوْ زَرِيبَةَ دَوَابَّ فَتَحْوِيطٌ لَا سَقْفٌ، وَفِي الْبَابِ الْخِلَافُ. أَوْ مَزْرَعَةً فَجَمْعُ التُّرَابِ حَوْلَهَا، وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَتَرْتِيبُ مَاءٍ لَهَا إنْ لَمْ يَكْفِهَا الْمَطَرُ، الْمُعْتَادُ،   [مغني المحتاج] عَلَى اشْتِرَاطِ الْبِنَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ (وَ) اشْتَرَطَ أَيْضًا (سَقْفَ بَعْضِهَا) لِيَتَهَيَّأَ لِلسُّكْنَى، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ (وَتَعْلِيقَ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ: أَيْ نَصْبَ (بَابٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْمَنَازِلِ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَبْوَابٌ، وَمَا لَا بَابَ لَهُ لَا يُتَّخَذُ مَسْكَنًا. (وَفِي) تَعْلِيقِ (الْبَابِ وَجْهٌ) أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ فَقْدَهُ لَا يَمْنَعُ السُّكْنَى وَإِنَّمَا يُنْصَبُ لِحِفْظِ الْمَتَاعِ، وَلَوْ قَالَ: وَفِيهِمَا وَجْهٌ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ فِي السَّقْفِ أَيْضًا وَجْهَهُ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ السُّكْنَى لَا تُشْتَرَطُ فِي إحْيَاءِ مَا ذُكِرَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. (أَوْ) أَرَادَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ (زَرِيبَةَ دَوَابَّ) أَوْ نَحْوَهَا كَحَظِيرَةٍ لِجَمْعِ ثِمَارٍ وَغَلَّاتٍ وَغَيْرِهَا (فَتَحْوِيطٌ) بِالْبِنَاءِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَلَا يَكْفِي نَصْبُ سَعَفٍ وَأَحْجَارٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَازَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَمَلِّكُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ عَادَةً (لَا سَقْفٌ) ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إحْيَاءِ الزَّرِيبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهَا عَدَمُهُ، وَلَوْ حَوَّطَ بِبِنَاءٍ فِي طَرَفٍ، وَاقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى نَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ سَعَفٍ. قَالَ الْقَاضِي: كَفَى، وَخَالَفَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، (وَفِي) نَصْبِ (الْبَابِ الْخِلَافُ) السَّابِقُ فِي الْمَسْكَنِ. وَلَوْ حَفَرَ قَبْرًا فِي مَوَاتٍ كَانَ إحْيَاءً لِتِلْكَ الْبُقْعَةِ وَمَلَكَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، كَمَا لَوْ بَنَى فِيهَا وَلَمْ يَسْكُنْ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ قَبْرًا فِي أَرْضِ مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ إذْ السَّبْقُ فِيهَا بِالدَّفْنِ لَا بِالْحَفْرِ. (أَوْ) أَرَادَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ (مَزْرَعَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا (فَجَمْعُ التُّرَابِ) وَنَحْوِهِ كَحَجَرٍ وَشَوْكٍ (حَوْلَهَا) يُشْتَرَطُ فِي إحْيَائِهَا لِيَنْفَصِلَ الْمُحْيِي عَنْ غَيْرِهِ لِجِدَارِ الدَّارِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحْوِيطِ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ (وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) بِطَمِّ الْمُنْخَفِضِ وَكَسْحِ الْمُسْتَعْلِي وَحَرْثِهَا إنْ لَمْ تُزْرَعْ إلَّا بِهِ وَتَلْيِينِ تُرَابِهَا وَلَرُبَّمَا يُسَاقُ إلَيْهَا لِتَتَهَيَّأَ لِلزِّرَاعَةِ (وَتَرْتِيبُ مَاءٍ لَهَا) بِشَقِّ سَاقِيَةٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِتَرْتِيبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ السَّقْيُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِذَا حَفَرَ طَرِيقَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا إجْرَاؤُهُ؛ كَفَى وَإِنْ لَمْ يَجْرِ، فَإِنْ هَيَّأَهُ وَلَمْ يَحْفِرْ طَرِيقَهُ كَفَى أَيْضًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، هَذَا (إنْ لَمْ يَكْفِهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ) فَإِنْ كَفَاهَا لَمْ يَحْتَجْ لِتَرْتِيبِ الْمَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَرْتِيبِ الْمَاءِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَرَاضِي الْجِبَالِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 502 لَا الزِّرَاعَةُ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ بُسْتَانًا فَجَمْعُ التُّرَابِ، وَالتَّحْوِيطُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ، وَيُشْتَرَطُ الْغَرْسُ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] سَوْقُ الْمَاءِ إلَيْهَا، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْحِرَاثَةِ، وَجَمْعُ التُّرَابِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ، وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ. الثَّانِيَةُ: أَرَاضِي الْبَطَائِحِ، وَهِيَ بِنَاحِيَةِ الْعِرَاقِ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ، فَالشَّرْطُ فِي إحْيَائِهَا حَبْسُ الْمَاءِ عَنْهَا عَكْسُ غَيْرِهَا. ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَ (لَا) يُشْتَرَطُ فِي إحْيَائِهَا (الزِّرَاعَةُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْإِحْيَاءِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي إحْيَاءِ الدَّارِ سُكْنَاهَا، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ إذْ الدَّارُ لَا تَصِيرُ مُحْيَاةً إلَّا إذَا جُعِلَ فِيهَا عَيْنُ مَالِ الْمُحْيِي، فَكَذَا الْمَزْرَعَةُ وَمَا يُبْذَرُ فِيهَا، يُقَالُ لَهُ: زَرِيعَةٌ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَجَمْعُهَا زَرَائِعُ، وَأَمَّا الْحَصَادُ فَلَا يُشْتَرَطُ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: غَرْسُ مَا يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا وَيُبْعِدُ الِاكْتِفَاءَ بِغَرْسِ شَجَرَةٍ أَوْ شَجَرَاتٍ فِي أَرْضٍ وَاسِعَةٍ (أَوْ) أَرَادَ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ (بُسْتَانًا فَجَمْعُ التُّرَابِ) يُشْتَرَطُ حَوْلَ الْأَرْضِ كَالْمَزْرَعَةِ، وَحُكْمُ الْكَرْمِ حُكْمُ الْبُسْتَانِ (وَالتَّحْوِيطُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ) عَمَلًا بِهَا، وَإِنْ جَرَتْ بِتَحْوِيطٍ بِبِنَاءٍ اشْتَرَطَ، أَوْ بِقَصَبٍ أَوْ شَوْكٍ؛ كَفَى أَوْ اكْتَفَتْ بِجَمْعِ تُرَابٍ كَفَى، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّحْوِيطِ وَجَمْعِ التُّرَابِ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي اشْتِرَاطَ جَمْعِ التُّرَابِ مَعَ التَّحْوِيطِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ، فَلَوْ قُيِّدَ التُّرَابُ بِحَالَةِ عَدَمِ التَّحْوِيطِ كَانَ أَوْلَى، وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ إنْ لَمْ يُعْتَدَّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْوِيطِ وَالرُّجُوعِ فِيمَا يُحَوِّطُ بِهِ إلَى الْعَادَةِ. (وَتَهْيِئَةُ مَاءٍ) عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْمَزْرَعَةِ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ بُسْتَانًا (الْغَرْسُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ كَالزَّرْعِ فِي الْمَزْرَعَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اسْمَ الْمَزْرَعَةِ يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْبُسْتَانِ قَبْلَ الْغَرْسِ؛ وَلِأَنَّ الْغَرْسَ لِلدَّوَامِ فَالْتَحَقَ بِبِنَاءِ الدَّارِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ، وَمَنْ شَرَطَ الزَّرْعَ فِي الْمَزْرَعَةِ شَرَطَ الْغَرْسَ فِي الْبُسْتَانِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ قَاطِعَةٌ بِالِاشْتِرَاطِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ الِاكْتِفَاءَ بِغَرْسِ الْبَعْضِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَسِيطِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ غَرْسُ مَا يُسَمَّى بِهِ بُسْتَانًا، وَيُبْعِدُ الِاكْتِفَاءَ بِغَرْسِ شَجَرَةٍ أَوْ شَجَرَاتٍ فِي أَرْضٍ وَاسِعَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُثْمِرَ الْغِرَاسُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَصْبِ الْبَابِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ صَرَّحَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ بِاشْتِرَاطِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي إحْيَاءِ الْبِئْرِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَطَيُّ الْبِئْرِ الرِّخْوَةِ بِخِلَافِ الصُّلْبَةِ، وَفِي إحْيَاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 503 وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ وَلَمْ يُتِمَّهُ أَوْ أَعْلَمَ عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ،   [مغني المحتاج] بِئْرِ الْقَنَاةِ خُرُوجُ الْمَاءِ وَجَرَيَانُهُ، وَلَوْ حَفَرَ نَهْرًا مُمْتَدًّا إلَى النَّهْرِ الْقَدِيمِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ لِيَجْرِيَ فِيهِ الْمَاءُ مَلَكَهُ وَلَوْ لَمْ يُجْرِهِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ السُّكْنَى فِي إحْيَاءِ الْمَسْكَنِ. (وَمَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ) لِنَوْعٍ فَغَيَّرَهُ لِنَوْعٍ آخَرَ مَلَكَهُ بِمَا يُحْيِي بِهِ ذَلِكَ النَّوْعَ كَأَنْ شَرَعَ فِي عَمَلِ بُسْتَانٍ ثُمَّ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً؛ مَلَكَهُ بِمَا تُمْلَكُ بِهِ الْمَزْرَعَةُ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، لَا عَلَى مَا حَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَوَّطَ الْبُقْعَةَ مَلَكَهَا وَإِنْ قَصَدَ الْمَسْكَنَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تُمْلَكُ بِهِ الزَّرِيبَةُ لَوْ قَصَدَهَا، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَلَوْ شَرَعَ فِي عَمَلِ إحْيَاءٍ (وَلَمْ يُتِمَّهُ) كَأَنْ حَفَرَ أَسَاسًا أَوْ جَمَعَ تُرَابًا (أَوْ أَعْلَمَ) عَطْفٌ عَلَى شَرَعَ: أَيْ جَعَلَ لَهُ عَلَامَةَ الْعِمَارَةِ (عَلَى بُقْعَةٍ بِنَصْبِ أَحْجَارٍ أَوْ غَرَزَ خَشَبًا) فِيهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَنْ خَطَّ خَطًّا أَوْ جَمَعَ تُرَابًا حَوْلَهَا (فَمُتَحَجِّرٌ) لِذَلِكَ الْمَحَلِّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْهُ (وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) مِنْ غَيْرِهِ: يَعْنِي مُسْتَحِقًّا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّ الْإِحْيَاءَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَلْيُفِدْ الشُّرُوعُ فِيهِ الِامْتِنَاعَ كَالِاسْتِيَامِ مَعَ الشِّرَاءِ، وَهَذِهِ الْأَحَقِّيَّةُ أَحَقِّيَّةُ اخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِحْيَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَهَا شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ، فَإِنْ خَالَفَ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَ مَا زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِحَجْرِهِ أَصْلًا. الثَّانِي: الْقُدْرَةُ عَلَى تَهْيِئَةِ الْإِكْمَالِ. فَلَوْ تَحَجَّرَ مَا يَعْجِزُ عَنْ إحْيَائِهِ؛ كَانَ لِغَيْرِهِ إحْيَاءُ الزَّائِدِ كَمَا مَرَّ. وَلَمَّا كَانَتْ أَحَقِّيَّةُ الْمُتَحَجِّرِ مَا يَحْجُرُهُ قَدْ تُوهِمُ أَحَقِّيَّةَ الْمِلْكِ اسْتَدْرَكَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ أَحَقِّيَّةُ اخْتِصَاصِ الْمُتَحَجِّرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَلَا هِبَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِيثَارُهُ بِهِ كَإِيثَارِهِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَيَصِيرُ الثَّانِي أَحَقَّ بِهِ وَيُورَثُ عَنْهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَكَأَنَّهُ يَتْبَعُ حَقَّ الِاخْتِصَاصِ كَبَيْعِ عُلُوِّ الْبَيْتِ لِلْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى دُونَ أَسْفَلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا اسْتَدْرَكَهُ الْمُصَنِّفُ مُسْتَدْرَكٌ كَمَا قِيلَ، فَإِنَّ عَدَمَ الْبَيْعِ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَقُّ أَعَمُّ فَيُصَدَّقُ بِالْأَحَقِّيَّةِ مَعَ الْمِلْكِ فَيَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَيْعِ، فَلِذَلِكَ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: لَكِنَّ إلَخْ. تَنْبِيهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ لِمَنْعِ الْبَيْعِ بِحَقِّ الشُّفْعَةِ مَعَ أَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 504 وَأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ. وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ، فَإِنْ اسْتَمْهَلَ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً. وَلَوْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا صَارَ أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ.   [مغني المحتاج] أَبَا إِسْحَاقَ يُخَالِفُ فِيهِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، وَهَلْ يَجْرِي خِلَافُهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا؟ الظَّاهِرُ الْمَنْعُ فَيَمْتَنِعُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ وَلَا مَنْفَعَةَ كَمَا قَطَعُوا بِهِ فِي امْتِنَاعِ الْعِوَضِ عَلَى حَقِّ الْقَسَمِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا لَا الْمَنْفَعَةَ اهـ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ) شَخْصٌ (آخَرُ مَلَكَهُ) وَإِنْ عَصَى بِذَلِكَ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي سَوْمِ أَخِيهِ وَاشْتَرَى. وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُهُ لِئَلَّا يُبْطِلَ حَقَّ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُعْرِضْ عَنْ الْعِمَارَةِ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا مَلَكَهُ الْمُحْيِي قَطْعًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَبِيهٌ بِمَا إذَا عَشَّشَ الطَّائِرُ فِي مِلْكِهِ وَأَخَذَ الْفَرْخَ غَيْرُهُ هَلْ يَمْلِكُهُ، وَكَذَا لَوْ تَوَحَّلَ طَيْرٌ فِي أَرْضِهِ أَوْ وَقَعَ الثَّلْجُ فِيهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ وَقَدْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ، وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْوَلِيمَةِ. (وَلَوْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ) وَلَمْ يُحْيِ، وَيُرْجَعُ فِي طُولِهَا لِلْعُرْفِ (قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ: (أَحْيِ أَوْ اُتْرُكْ) مَا تَحَجَّرْتَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ فِي حَقٍّ مُشْتَرَكٍ؛ فَمُنِعَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي شَارِعٍ (فَإِنْ اسْتَمْهَلَ) الْمُتَحَجِّرُ (أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً) يَسْتَعِدُّ فِيهَا لِلْعِمَارَةِ، وَتَقْدِيرُهَا إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَقِيلَ تُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يُعَمِّرْ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى سُلْطَانٍ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِلَا مُهْلَةٍ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَنْقُولِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحَجُّرَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْعِمَارَةِ، وَهِيَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ إلَّا بِقَدْرِ أَسْبَابِهَا، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ تَحَجُّرُ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ كَمَنْ تَحَجَّرَ لِيَعْمُرَ فِي قَابِلٍ، وَكَفَقِيرٍ تَحَجَّرَ إذَا قَدَرَ، فَوَجَبَ إذَا أَخَّرَ وَطَالَ الزَّمَانُ أَنْ يَعُودَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي إذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِي تَطْوِيلِ الْمُدَّةِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ فِي الْحَالِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ، وَعُلِمَ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْعِمَارَةِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي طَلَبِ الْإِمْهَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ قَضِيَّةِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنَّهُمَا قَالَا: فَإِنْ ذَكَرَ عُذْرًا وَاسْتَمْهَلَ؛ أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً اهـ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ. (وَلَوْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا) لَا لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ (صَارَ) بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ (أَحَقَّ بِإِحْيَائِهِ) مِنْ غَيْرِهِ، يَعْنِي مُسْتَحِقًّا لَهُ دُونَ غَيْرِهِ (كَالْمُتَحَجِّرِ) لِتَظْهَرَ فَائِدَةُ الْإِقْطَاعِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: صَارَ كَالْمُتَحَجِّرِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 505 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ، لِيَأْتِيَ فِيهِ سَائِرُ أَحْكَامِ التَّحَجُّرِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى هُنَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا أَقْطَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَمْلِكُهُ الْغَيْرُ بِإِحْيَائِهِ، قِيَاسًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا حَمَاهُ. أَمَّا إذَا أَقْطَعَهُ لِتَمْلِيكِ رَقَبَتِهِ؛ فَيَمْلِكُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ الرِّكَازِ. وَالْأَصْلُ فِي الْإِقْطَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ» وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ» . تَنْبِيهٌ هَلْ يَلْحَقُ الْمُنْدَرِسُ الضَّائِعَ بِالْمَوَاتِ فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي الْبَحْرِ: نَعَمْ، بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ جَعْلِهِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ، أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مُقَيِّدٌ لِذَاكَ. وَأَمَّا إقْطَاعُ الْعَامِرِ فَعَلَى قِسْمَيْنِ: إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ، وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ، وَالْأَوَّلُ أَنْ يُقْطِعَ الْإِمَامُ مِلْكًا أَحْيَاهُ بِالْأُجَرَاءِ وَالْوُكَلَاءِ، أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ وَكِيلُهُ فِي الذِّمَّةِ فَيَمْلِكُهُ الْمُقْطَعُ بِالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، إنْ أُبِّدَ أَوْ أُقِّتَ بِعُمْرِ الْمُقْطَعِ، وَهُوَ الْعُمْرَى، وَيُسَمَّى مَعَاشًا، وَالْأَمْلَاكُ الْمُتَخَلِّفَةُ عَنْ السَّلَاطِينِ الْمَاضِيَةِ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِلْإِمَامِ الْقَائِمِ، بَلْ لِوَرَثَتِهِمْ إنْ تَبَيَّنُوا، وَإِلَّا فَكَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، وَلَا يَجُوزُ إقْطَاعُ أَرَاضِي الْفَيْءِ تَمْلِيكًا، وَلَا إقْطَاعُ الْأَرَاضِي الَّتِي اصْطَفَاهَا الْأَئِمَّةُ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ فُتُوحِ الْبِلَادِ: إمَّا بِحَقِّ الْخُمْسِ، وَإِمَّا بِاسْتِطَابَةِ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ، وَلَا إقْطَاعُ أَرَاضِي الْخَرَاجِ صُلْحًا. وَفِي إقْطَاعِ أَرَاضِي مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ وَجْهَانِ: الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ، وَيَجُوزُ إقْطَاعُ الْكُلِّ مَعَاشًا. الثَّانِي: أَنْ يُقْطِعَ غَلَّةَ أَرَاضِي الْخَرَاجِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَحْسِبُ فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ لِلِاسْتِغْلَالِ خِلَافًا إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ قَدْرًا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُجَازَفَةٍ اهـ. أَيْ فَيَمْلِكُهَا الْمُقْطَعُ لَهُ بِالْقَبْضِ، وَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ قِبَلُهُ، فَإِنْ أَقْطَعَهَا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَطَلَ، وَكَذَا مِنْ أَهْلِ الْمَصَالِحِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْطَوْا مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ شَيْئًا، لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ يَكُونَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ قَدْ وَجَبَ بِسَبَبِ اسْتِبَاحَتِهِ كَالتَّأْذِينِ وَالْإِمَامَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ حَلَّ الْمَالُ وَوَجَبَ لِتَصِحَّ الْحَوَالَةُ بِهِ، وَيَخْرُجُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ عَنْ حُكْمِ الْإِقْطَاعِ. وَإِنْ أَقْطَعَهَا مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ كُتَّابِ الدَّوَاوِينِ جَازَ سَنَةً وَاحِدَةً، وَهَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ إنْ كَانَ جِزْيَةً، وَالْجَوَازُ إنْ كَانَ أُجْرَةً، وَيَجُوزُ إقْطَاعُ الْجُنْدِيِّ مِنْ أَرْضٍ عَامِرَةٍ لِلِاسْتِغْلَالِ بِحَيْثُ تَكُونُ مَنَافِعُهَا لَهُ مَا لَمْ يَنْزِعْهَا الْإِمَامُ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوِيهِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهَا أَنَّهُ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا يَحْصُلُ لِلْجُنْدِيِّ مِنْ الْفَلَّاحِ مِنْ مَغَلٍ وَغَيْرِهِ فَحَلَالٌ بِطَرِيقِهِ، وَمَا يُعْتَادُ أَخْذُهُ مِنْ رُسُومٍ وَمَظَالِمَ فَحَرَامٌ، وَالْمُقَاسَمَةُ مَعَ الْفَلَّاحِ، حَيْثُ الْبَذْرُ مِنْهُ، مَنَعَهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَغَيْرُهُ، وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْفَلَّاحِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 506 وَلَا يُقْطِعُ إلَّا قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ، وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَذَا التَّحَجُّرُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ وَصَدَقَةٍ وَضَالَّةٍ وَضَعِيفٍ عَنْ النُّجْعَةِ، وَأَنَّ لَهُ نَقْضَ   [مغني المحتاج] وَإِذَا وَقَعَ التَّرَاضِي عَلَى أَخْذِ الْمُقَاسَمَةِ عِوَضًا مِنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، فَحَقَّ عَلَى الْجُنْدِيِّ الْمُتَوَرِّعِ أَنْ يُرْضِيَ الْفَلَّاحَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْهُ إلَّا مَا يُقَابِلُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ. وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ الْجُنْدِيِّ فَجَمِيعُ الْمُغَلِّ لَهُ، وَلِلْفَلَّاحِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا عَمِلَ، فَإِنْ رَضِيَ الْفَلَّاحُ عَنْ أُجْرَتِهِ بِالْمُقَاسَمَةِ؛ جَازَ. (وَلَا يُقْطِعُ) الْإِمَامُ (إلَّا) شَخْصًا (قَادِرًا عَلَى الْإِحْيَاءِ، وَ) يَكُونُ مَا يُقْطِعُهُ لَهُ (قَدْرًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لَوْ أَرَادَ إحْيَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ مَا يَعُمُّ الْحِسِّيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ، فَلَا يُقْطِعُ الذِّمِّيَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَكَذَا التَّحَجُّرُ) ، فَلَا يَتَحَجَّرُ الشَّخْصُ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْإِحْيَاءِ، وَقَدْرًا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهِ، فَإِنْ زَادَ، فَالْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ لِغَيْرِهِ إحْيَاءَ الزَّائِدِ، كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَوَاشِي عِوَضًا عَنْ الرَّعْيِ فِي الْحِمَى أَوْ الْمَوَاتِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (أَنْ يَحْمِيَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهُ: أَيْ يَمْنَعَ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ (بُقْعَةَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ) وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ بَدَلًا عَنْ النَّقْدِ الْمَأْخُوذِ فِي الْجِزْيَةِ، وَفِيمَا إذَا قَالَ قَوْمٌ: نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ (وَ) لِرَعْيِ نَعَمِ (صَدَقَةِ) تَطَوُّعٍ (وَ) لِرَعْيِ نَعَمٍ (ضَالَّةٍ) وَتُسْتَعْمَلُ الضَّالَّةُ فِي غَيْرِ النَّعَمِ أَيْضًا (وَ) لِرَعْيِ نَعَمِ شَخْصٍ (ضَعِيفٍ عَنْ النُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ الْإِبْعَادُ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى، بِأَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ رَعْيِهَا، بِحَيْثُ لَا يَضُرُّهُمْ بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ بِحَيْثُ تَكْفِي بَقِيَّتُهُ النَّاسَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَمَى النَّقِيعَ بِالنُّونِ، وَقِيلَ بِالْبَاءِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِخَبَرِ «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. تَنْبِيهٌ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ خَيْلَ الْمُجَاهِدِينَ، وَهِيَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا؛ إذْ الْحِمَى الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ كَانَ لَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا الظَّهْرَ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْغَزْوِ، وَكَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمَ ضَالَّةٍ أَوْ تَأْخِيرَهَا حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ النَّظِيرُ عَنْ النَّظِيرِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَوَاشِي عِوَضًا عَنْ الرَّعْيِ فِي الْحِمَى أَوْ الْمَوَاتِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ الْعِدَّ: أَيْ الْعَذْبَ لِشُرْبِ خَيْلِ الْجِهَادِ، وَإِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (نَقْضَ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 507 مَا حَمَاهُ لِلْحَاجَةِ. وَلَا يَحْمِي لِنَفْسِهِ فَصْلٌ مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ الْمُرُورُ، وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا   [مغني المحتاج] رَفْعَ (مَا حَمَاهُ) وَكَذَا مَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْضِهِ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ اخْتِصَاصَ النَّقْضِ بِالْحَامِي فَإِنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، وَقَوْلُهُ (لِلْحَاجَةِ) إلَيْهِ: أَيْ عِنْدَهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ بِأَنْ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِهَا فِي الْحِمَى، وَلِلْحَاجَةِ مُتَعَلَّقٌ بِنَقْضٍ لَا بِمَا حَمَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ. الثَّانِي: الْمَنْعُ لِتَعَيُّنِهِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ كَمَا لَوْ عَيَّنَ بُقْعَةً لِمَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ. وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَحْيَاهُ مُحْيٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ؛ مَلَكَهُ وَكَانَ الْإِذْنُ مِنْهُ نَقْضًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ. أَمَّا مَا حَمَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يُنْقَضُ وَلَا يُغَيَّرُ بِحَالٍ وَلَوْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ، فَمَنْ زَرَعَ فِيهِ أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى؛ قُلِعَ، وَحَكَى صَاحِبُ الرَّوْنَقِ قَوْلًا وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا غَرِيبٌ لَكِنَّهُ مَلِيحٌ فَإِنَّ فِعْلَهُمْ أَعْلَى مِنْ فِعْلِ كُلِّ إمَامٍ بَعْدَهُمْ. (وَلَا يَحْمِي) الْإِمَامُ (لِنَفْسِهِ) قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَوْلُ الْمَرْجُوحُ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ غَيْرُهُمَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُدْخِلَ مَوَاشِيَهُ مَا حَمَاهُ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَقْوِيَاءِ، وَيُنْدَبُ لَهُ وَلِنَائِبِهِ أَنْ يَنْصِبَ أَمِينًا يُدْخِلُ فِيهِ دَوَابَّ الضُّعَفَاءِ، وَيَمْنَعُ مِنْهُ إدْخَالَ دَوَابِّ الْأَقْوِيَاءِ، فَإِنْ رَعَاهُ قَوِيٌّ مَنَعَ مِنْهُ وَلَا يَغْرَمُ شَيْئًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَجِّ: أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ نَبَاتِ النَّقِيعِ ضَمِنَهُ، عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّعْيِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أُحْمِيَ لَهُ، وَمَا هُنَاكَ فِي الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ، وَلَا يُعَزَّرُ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ وَإِلَّا فَلَا رَيْبَ فِي التَّعْزِيرِ. اهـ. وَلَعَلَّهُمْ سَامَحُوا فِي ذَلِكَ كَمَا سَامَحُوا فِي الْغُرْمِ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ] ِ (مَنْفَعَةُ الشَّارِعِ) الْأَصْلِيَّةُ (الْمُرُورُ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الصُّلْحِ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ عَنْ الشَّارِعِ بِالطَّرِيقِ النَّافِذِ، وَذُكِرَتْ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا، وَخَرَجَ بِالْأَصْلِيَّةِ الْمَنْفَعَةُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ بِهِ) وَلَوْ فِي وَسَطِهِ (لِاسْتِرَاحَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَانْتِظَارِ رَفِيقٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 508 إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الْإِمَامِ وَلَهُ تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ بِبَارِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَلَوْ سَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ   [مغني المحتاج] وَسُؤَالٍ، وَلَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلِلْإِمَامِ مُطَالَبَةُ الْوَاقِفِ بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ أَوْ الِانْصِرَافِ، هَذَا كُلُّهُ (إذَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ) فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» (وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْجُلُوسِ فِي الشَّارِعِ (إذْنُ الْإِمَامِ) لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ إطْلَاقُهُ الذِّمِّيَّ وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الِارْتِفَاقِ لَهُ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ: الثُّبُوتُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ فِي الشَّارِعِ وَلَوْ لِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ عِوَضًا قَطْعًا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ رَأَيْنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ وُكَلَاءِ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ يَبِيعُ مِنْ الشَّارِعِ مَا يَقُولُ: إنَّهُ يَفْضُلُ عَنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا لَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ الْمِلْكِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ بَيْعُ الْمَوَاتِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَفَاعِلُ ذَلِكَ لَا أَدْرِي بِأَيِّ وَجْهٍ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الرِّحَابُ الْوَاسِعَةُ بَيْن الدُّورِ فِي الْمُدُنِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الشَّامِلِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ إقْطَاعِ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ بُقْعَةً ارْتِفَاقًا لَا بِعِوَضٍ وَلَا تَمْلِيكًا فَيَصِيرُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِهِ كَالْمُتَحَجِّرِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيَجُوزُ الِارْتِفَاقُ أَيْضًا بِغَيْرِ الشَّارِعِ، كَالصَّحَارِيِ لِنُزُولِ الْمُسَافِرِينَ إنْ لَمْ يَضُرَّ النُّزُولُ بِالْمَارَّةِ. وَأَمَّا الِارْتِفَاقُ بِأَفْنِيَةِ الْمَنَازِلِ فِي الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَصْحَابِهَا مُنِعُوا مِنْ الْجُلُوسِ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ عَلَى عَتَبَةِ الدَّارِ؛ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَيُجْلِسَ غَيْرَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَى الْجُلُوسِ فِي فِنَاءِ الدَّارِ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ، وَحُكْمُ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ كَفِنَاءِ الدَّارِ. (وَلَهُ) أَيْ الْجَالِسُ فِي الشَّارِعِ (تَظْلِيلُ مَقْعَدِهِ) أَيْ مَوْضِعِ قُعُودِهِ فِي الشَّارِعِ (بِبَارِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا: نَوْعٌ يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ كَالْحَصِيرِ (وَغَيْرِهَا) مِمَّا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، كَثَوْبٍ وَعَبَاءَةٍ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُثَبَّتًا بِبِنَاءٍ؛ لَمْ يَجُزْ كَبِنَاءِ الدَّكَّةِ، وَلَهُ وَضْعُ سَرِيرٍ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِصَاحِبِ الْكَافِي، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَيَخْتَصُّ الْجَالِسُ بِمَكَانِهِ وَمَكَانِ مَتَاعِهِ وَمُعَامِلِيهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَاقِفًا بِقُرْبِهِ إنْ مَنَعَ رُؤْيَةَ مَتَاعِهِ، أَوْ وُصُولَ الْمُعَامِلِينَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَنْ قَعَدَ لِبَيْعِ مِثْلِ مَتَاعِهِ إذَا لَمْ يُزَاحِمْهُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ. (وَلَوْ سَبَقَ إلَيْهِ) أَيْ مَكَانٍ مِنْ الشَّارِعِ (اثْنَانِ) وَتَنَازَعَا فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 509 أُقْرِعَ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ بِرَأْيِهِ. وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ تَارِكًا لِلْحِرْفَةِ أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ حَقُّهُ، وَإِنْ فَارَقَهُ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ إلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ غَيْرَهُ. وَمَنْ أَلِفَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ وَيُقْرِئُ كَالْجَالِسِ فِي شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ،   [مغني المحتاج] مَوْضِعٍ مِنْهُ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ (وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ) أَحَدَهُمَا (بِرَأْيِهِ) كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا، فَالْمُسْلِمُ مُقَدَّمٌ مُطْلَقًا. (وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ) أَوْ لِلْحِرْفَةِ كَالْخِيَاطَةِ (ثُمَّ فَارَقَهُ) أَيْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ (تَارِكًا) لِلْمُعَامَلَةِ أَوْ (لِلْحِرْفَةِ أَوْ مُنْتَقِلًا إلَى غَيْرِهِ؛ بَطَلَ حَقُّهُ) بِمُفَارَقَتِهِ؛ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُقْطَعُ وَغَيْرُهُ فِيمَا أَرَاهُ (وَإِنْ فَارَقَهُ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ (لِيَعُودَ) إلَيْهِ (لَمْ يَبْطُلْ) حَقُّهُ مِنْهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَإِذَا فَارَقَهُ بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَكَذَا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تُقَامُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً إذَا اتَّخَذَ فِيهَا مَقْعَدًا كَانَ أَحَقَّ بِهِ فِي النَّوْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ أَرَادَ غَيْرُهُ الْجُلُوسَ فِيهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ؛ جَازَ إنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَامَلَةٍ وَكَذَا لِمُعَامَلَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، (إلَّا أَنْ تَطُولَ مُفَارَقَتُهُ) لَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ مُعَامِلُوهُ عَنْهُ وَيَأْلَفُونَ) فِي مُعَامَلَتِهِمْ (غَيْرَهُ) فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَإِنْ تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يُعْرَفَ فَيُعَامَلَ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ فِيمَا إذَا جَلَسَ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي نُكَتِهِ، وَخَرَجَ بِجَلَسَ لِمُعَامَلَةٍ، مَا لَوْ جَلَسَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمُفَارَقَتِهِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ جَوَّالًا، وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ السُّوقِ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ بِمُفَارَقَتِهِ. وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الشَّارِعِ لِلْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ الطَّرِيقَ حَقَّهُ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ وَكَفِّ الْأَذَى وَرَدِّ السَّلَامِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ فِي الْخَبَرِ. (وَمَنْ أَلِفَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ) النَّاسَ (وَيُقْرِئُ) الْقُرْآنَ أَوْ الْحَدِيثَ أَوْ الْفِقْهَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْعُلُومِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَنَحْوٍ وَصَرْفٍ وَلُغَةٍ فَحُكْمُهُ (كَالْجَالِسِ فِي) مَقْعَدٍ فِي (شَارِعٍ لِمُعَامَلَةٍ) فِي التَّفْصِيلِ السَّابِقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 510 وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ فَارَقَهُ لِحَاجَةٍ لِيَعُودَ لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ، فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إزَارَهُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ فُهِمَ مِنْ إلْحَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَسْجِدَ بِالشَّارِعِ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ إذْ الْمَسَاجِدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِصِغَارِ الْمَسَاجِدِ. قَالَ: وَأَمَّا كِبَارُهَا وَالْجَوَامِعُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ إنْ كَانَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ الِاسْتِئْذَانَ فِيهِ، وَقَدْ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ يُفْتِي وَيُقْرِئُ جُلُوسُ الطَّالِبِ، لَكِنْ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ مَجْلِسَ الْفَقِيهِ حَالَ تَدْرِيسِ الْمُدَرِّسِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ، الظَّاهِرُ فِيهِ دَوَامُ الِاخْتِصَاصِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْجُلُوسِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُفِيدُ وَلَا يَسْتَفِيدُ فَلَا مَعْنَى لَهُ (وَلَوْ جَلَسَ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (لِصَلَاةٍ لَمْ يَصِرْ أَحَقَّ بِهِ فِي) صَلَاةٍ (غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ لُزُومَ بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِلصَّلَاةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ، وَبِقَاعُ الْمَسْجِدِ لَا تَخْتَلِفُ بِخِلَافِ مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الصَّلَاةِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْحَصِرُ فِي بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ. أُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى تَحْصِيلِهِ بِالسَّبْقِ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْأَحَقِّيَّةَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ اسْتَمَرَّ إلَى وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى فَحَقُّهُ بَاقٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْجَالِسُ صَبِيًّا وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَلْحَقُ بِالصَّلَاةِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِسَمَاعِ وَعْظٍ أَوْ حَدِيثٍ: أَيْ أَوْ قِرَاءَةٍ فِي لَوْحٍ مَثَلًا، وَكَذَا مَنْ يُطَالِعُ مُنْفَرِدًا بِخِلَافِ مَنْ يُطَالِعُ لِغَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَلَوْ فَارَقَهُ) قَبْلَ الصَّلَاةِ (لِحَاجَةٍ) كَإِجَابَةِ دَاعٍ وَرُعَافٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ (لِيَعُودَ) بَعْد فَرَاغِ حَاجَتِهِ (لَمْ يَبْطُلْ اخْتِصَاصُهُ) بِهِ (فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (إزَارَهُ) أَوْ نَحْوَهُ كَسَجَّادَةٍ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمَارِّ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ كَغَيْرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ فِي غَيْبَتِهِ. أَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ وَاتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ سَدُّ الصَّفِّ مَكَانَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ دَخَلَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَخَرَجَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِيَعُودَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ تَصْرِيحًا اهـ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ حَقِّ السَّبْقِ مَا لَوْ قَعَدَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِخْلَافِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِالْإِمَامَةِ فَيُؤَخَّرُ وَيُقَدَّمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 511 وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ صُوفِيٌّ إلَى خَانْقَاهْ لَمْ يُزْعَجْ، وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ.   [مغني المحتاج] الْأَحَقُّ مَوْضِعَهُ لِخَبَرِ «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» مَمْنُوعٌ إذْ الصَّبِيُّ إذَا سَبَقَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا يُؤَخَّرُ. مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ: لَوْ بَسَطَ شَخْصٌ شَيْئًا فِي مَسْجِدٍ مَثَلًا وَمَضَى أَوْ بُسِطَ لَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ تَنْحِيَتُهُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، خِلَافًا لِلْمَرْوَزِيِّ، وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ أَيَّامٍ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ لِمَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ لَهُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَعَادَ كَانَ أَحَقَّ بِمَوْضِعِهِ، وَخُرُوجُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ نَاسِيًا، كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَإِنْ نَوَى اعْتِكَافًا مُطْلَقًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَوْضِعِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَيُنْدَبُ مَنْعُ مَنْ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ لِمُبَايَعَةٍ وَحِرْفَةٍ؛ إذْ حُرْمَتُهُ تَأْبَى اتِّخَاذَهُ حَانُوتًا، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ تَعَاطِيَ ذَلِكَ فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَلَا يَجُوزُ الِارْتِفَاقُ بِحَرِيمِ الْمَسْجِدِ إذَا أَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْإِذْنُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَإِلَّا جَازَ، وَيُنْدَبُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْقُرَّاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَغَيْرِهَا تَوْقِيرًا لَهُمْ. (وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ) فِي طَرِيقٍ أَوْ طَرَفِ بَلَدٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَسْكُنُهُ مِثْلُهُ (أَوْ) سَبَقَ (فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ صُوفِيٌّ) وَهُوَ وَاحِدُ الصُّوفِيَّةِ (إلَى خَانْقَاهْ) وَهِيَ مَكَانُ الصُّوفِيَّةِ (لَمْ يُزْعَجْ) مِنْهُ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا (وَلَمْ يَبْطُل حَقُّهُ) مِنْهُ (بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ) كَشِرَاءِ طَعَامٍ (وَنَحْوِهِ) كَصَلَاةٍ وَحَمَّامٍ سَوَاءٌ أَخْلَفَ فِيهِ غَيْرَهُ أَمْ مَتَاعَهُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَدْخَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا، إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْكُنَ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: لَوْ سَبَقَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الدُّخُولِ إلَى إذْنِ النَّاظِرِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِلْعُرْفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ وَإِنْ حَمَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُسْكِنَ مَنْ شَاءَ وَيَمْنَعَ مَنْ شَاءَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى النَّاظِرِ، وَإِنْ سَكَنَ بَيْتًا وَغَابَ وَلَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ عُرْفًا ثُمَّ عَادَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ سَكَنَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ أَلِفَهُ مَعَ سَبْقِهِ إلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ سُكْنَاهُ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ، عَلَى أَنْ يُفَارِقَهُ إذَا حَضَرَ، فَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ بَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ طَالَ مَقَامُ الْمُرْتَفِقِ فِي شَارِعٍ وَنَحْوِهِ - كَمَسْجِدٍ - لَمْ يُزْعَجْ إلَّا فِي الرُّبُطِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمُسَافِرِينَ فَلَا يُزَادُونَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا إلَّا لِخَوْفٍ أَوْ مَطَرٍ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لَمْ يُزَدْ عَلَيْهَا، وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فَيُقِيمُ الطَّالِبُ فِي الْمَدْرَسَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ حَتَّى يَقْضِيَ غَرَضَهُ أَوْ يَتْرُكَ التَّعَلُّمَ وَالتَّحْصِيلَ فَيُزْعَجَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 512 فَصْلٌ الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ مَا خَرَجَ بِلَا عِلَاجٍ كَنِفْطٍ وَكِبْرِيتٍ وَقَارٍ وَمُومْيَاءَ   [مغني المحتاج] السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ فِي مَدْرَسَةٍ أَشْخَاصٌ لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَحُضُورِ الدَّرْسِ وَقُدِّرَ لَهُمْ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ مَا يَسْتَوْعِبُ قَدْرَ ارْتِفَاعِ وَقْفِهَا؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْزِلَ زِيَادَةً عَلَيْهِمْ بِمَا يُنْقِصُ مَا قُرِّرَ لَهُمْ مِنْ الْمَعْلُومِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِمْ، وَفِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ لِلْفَارِقِيِّ فِي آخَرِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ الْإِقَامَةُ فِي الرُّبُطِ وَتَنَاوُلِ مَعْلُومِهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَصَوِّفِ الْقُعُودُ فِي الْمَدَارِسِ وَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ اسْمُ الْمُتَصَوِّفِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْفَقِيهِ، وَمَا يُطْلَقُ بِهِ اسْمُ الْفَقِيهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الصُّوفِيِّ، وَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُخُولُ الْمَدَارِسِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالنَّوْمُ فِيهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِهِ، لَا السُّكْنَى إلَّا الْفَقِيهَ أَوْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. فَرْعٌ النَّازِلُونَ بِمَوْضِعٍ فِي الْبَادِيَةِ فِي غَيْرِ مَرْعَى الْبَلَدِ لَا يُمْنَعُونَ وَلَمْ يَزْحَمُوا بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْمَرْعَى وَالْمَرَافِقِ إنْ ضَاقَتْ، فَإِنْ اسْتَأْذَنُوا الْإِمَامَ فِي اسْتِيطَانِ الْبَادِيَةِ وَلَمْ يَضُرَّ نُزُولُهُمْ بِابْنِ السَّبِيلِ رَاعَى الْأَصْلَحَ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا نَزَلُوهَا بِغَيْرِ إذْنٍ وَهُمْ غَيْرُ مُضِرِّينَ بِالسَّابِلَةِ؛ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا إنْ ظَهَرَ فِي مَنْعِهِمْ مَصْلَحَةٌ فَلَهُ ذَلِكَ. [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ الْأَرْضِ] ِ (الْمَعْدِنُ) وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاتِهِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ، فَالْمَعْدِنُ (الظَّاهِرُ وَهُوَ مَا خَرَجَ) أَيْ بَرَزَ جَوْهَرُهُ (بِلَا عِلَاجٍ) أَيْ عَمَلٍ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَقَدْ يَسْهُلُ وَقَدْ لَا يَسْهُلُ (كَنِفْطٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الْفَاءِ فِيهِمَا: مَا يُرْمَى بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فِي الْعَيْنِ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ اسْمٌ لِدُهْنٍ (وَكِبْرِيتٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ: عَيْنٌ تَجْرِي مَاءً فَإِذَا جَمَدَ مَاؤُهَا صَارَ كِبْرِيتًا أَبْيَضَ وَأَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَكْدَرَ، وَيُقَالُ: إنَّ الْأَحْمَرَ الْجَوْهَرُ، وَلِهَذَا ضَرَبُوا بِهِ الْمَثَلَ فِي الْعِزَّةِ فَقَالُوا: أَعَزُّ مِنْ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ، يُقَالُ: إنَّ مَعْدِنَهُ خَلْفَ بِلَادِ وَادِي النَّمْلِ الَّذِي مَرَّ بِهِ سُلَيْمَانُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، يُضِيءُ فِي مَعْدِنِهِ، فَإِذَا فَارَقَهُ زَالَ ضَوْءُهُ (وَقَارٍ) وَهُوَ الزِّفْتُ، وَيُقَالُ: فِيهِ قِيرٌ (وَمُومْيَاءَ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَبِالْمَدِّ، وَحُكِيَ الْقَصْرُ: شَيْءٌ يُلْقِيهِ الْمَاءُ فِي بَعْضِ السَّوَاحِلِ فَيَجْمُدُ فِيهِ فَيَصِيرُ كَالْقَارِ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَحْجَارٌ سُودٌ بِالْيَمَنِ خَفِيفَةٌ فِيهَا تَجْوِيفٌ. وَأَمَّا الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ عِظَامِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 513 وَبِرَامٍ وَأَحْجَارِ رَحًى لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ وَلَا إقْطَاعٍ فَإِنْ ضَاقَ نَيْلُهُ قُدِّمَ السَّابِقُ إلَيْهِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً فَالْأَصَحُّ إزْعَاجُهُ، فَلَوْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ فِي الْأَصَحِّ. ، وَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ   [مغني المحتاج] الْمَوْتَى، فَهِيَ نَجِسَةٌ (وَبِرَامٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ: جَمْعُ بُرْمَةٍ بِضَمِّهَا: حَجَرٌ يُعْمَلُ مِنْهُ الْقِدْرُ (وَأَحْجَارِ رَحًى) وَأَحْجَارِ نُورَةٍ وَمَدَرٍ وَجِصٍّ وَمِلْحٍ مَائِيٍّ، وَكَذَا جَبَلِيٍّ إنْ لَمْ يُحْوِجْ إلَى حَفْرٍ وَتَعَبٍ (لَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ) هَذَا خَبَرُ قَوْلِهِ الْمَعْدِنُ، وَقَوْلُهُ (وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ بِتَحَجُّرٍ وَلَا إقْطَاعٍ) مِنْ سُلْطَانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى الْخَبَرِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّاسِ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ كَالْمَاءِ وَالْكَلَإِ "؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْطَعَ رَجُلًا مِلْحَ مَأْرِبَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ: أَيْ الْعَذْبِ قَالَ: فَلَا إذْنَ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِقْطَاعِ بَيْنَ إقْطَاعِ التَّمْلِيكِ وَإِقْطَاعِ الْإِرْفَاقِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْعَ بِالْأَوَّلِ. وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ أَرْضًا لِيَأْخُذَ حَطَبَهَا أَوْ حَشِيشَهَا أَوْ صَيْدَهَا، وَلَا بِرْكَةً لِيَأْخُذَ سَمَكَهَا، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحَجُّرٌ كَمَا لَا يَدْخُلُ إقْطَاعٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي زَكَاةِ الْمَعْدِنِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمُخْرَجِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَعَلَى الْبُقْعَةِ، وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَسَاهُلَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَمَا قِيلَ. وَأَمَّا الْبِقَاعُ الَّتِي تُحْفَرُ بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَيُسَاقُ إلَيْهَا الْمَاءُ فَيَنْعَقِدُ فِيهَا مِلْحًا فَيَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَإِقْطَاعُهَا. (فَإِنْ ضَاقَ نَيْلُهُ) أَيْ الْحَاصِلُ مِنْهُ عَنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا جَاءَ إلَيْهِ (قُدِّمَ السَّابِقُ) إلَيْهِ (بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) مِنْهُ لِسَبْقِهِ وَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى مَا تَقْتَضِيهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ، وَقِيلَ: إنْ أَخَذَ لِغَرَضِ دَفْعِ فَقْرٍ أَوْ مَسْكَنَةٍ مُكِّنَ مِنْ أَخْذِ كِفَايَةِ سَنَةٍ أَوْ الْعُمْرِ الْغَالِبِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ (فَإِنْ طَلَبَ زِيَادَةً) عَلَى حَاجَتِهِ (فَالْأَصَحُّ إزْعَاجُهُ) إنْ زُوحِمَ عَنْ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ عُكُوفَهُ عَلَيْهِ كَالتَّحَجُّرِ. وَالثَّانِي: يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ لِسَبْقِهِ (فَلَوْ جَاءَا) إلَيْهِ (مَعًا) وَلَمْ يَكْفِ الْحَاصِلُ مِنْهُ لِحَاجَتِهِمَا وَتَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ وَالثَّانِي: يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ. وَالثَّالِثُ: يُنَصِّبُ مَنْ يُقَسِّمُ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا لِلتِّجَارَةِ وَالْآخَرُ لِلْحَاجَةِ أَمْ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا قُدِّمَ الْمُسْلِمُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي مَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ. (وَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ، وَهُوَ مَا لَا يَخْرُجُ) أَيْ يَظْهَرُ جَوْهَرُهُ (إلَّا بِعِلَاجٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ) وَرَصَاصٍ (وَنُحَاسٍ) وَفَيْرُوزَجَ وَيَاقُوتٍ وَعَقِيقٍ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 514 لَا يُمْلَكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ فِي الْأَظْهَرِ وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ مَلَكَهُ   [مغني المحتاج] طَبَقَاتِ الْأَرْضِ (لَا يُمْلَكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ) فِي مَوَاتٍ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَالْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ. وَالثَّانِي: يُمْلَكُ بِذَلِكَ إذَا قَصَدَ التَّمَلُّكَ كَالْمَوَاتِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْعِمَارَةِ، وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ تَخْرِيبٌ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا مُلِكَ يَسْتَغْنِي الْمُحْيِي عَنْ الْعَمَلِ، وَالنَّيْلُ مَبْثُوثٌ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ يُحْوِجُ كُلَّ يَوْمٍ إلَى حَفْرٍ وَعَمَلٍ. نَعَمْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِذَا طَالَ مَقَامُهُ، فَفِي إزْعَاجِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الظَّاهِرِ، وَلَوْ ازْدَحَمَ عَلَيْهِ اثْنَانِ وَضَاقَ عَنْهُمَا فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْأَوْجُهِ فِي الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ، وَلِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَبْرَزَهَا السَّيْلُ أَوْ أَتَى بِهَا حُكْمُ الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ. تَنْبِيهٌ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْإِقْطَاعِ هُنَا يُفْهِمُ جَوَازَهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ: يُقَالُ لَهَا: الْفُرْعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهَذَا الْإِقْطَاعُ إقْطَاعُ إرْفَاقٍ كَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، وَقِيلَ تَمْلِيكٌ كَإِقْطَاعِ الْمَوَاتِ. (وَمَنْ أَحْيَا مَوَاتًا فَظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ) كَذَهَبٍ (مَلَكَهُ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ مَلَكَ الْأَرْضَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَمِنْ أَجْزَائِهَا الْمَعْدِنُ بِخِلَافِ الرِّكَازِ فَإِنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا وَمَعَ مِلْكِهِ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَعْدِنِ النَّيْلُ وَهُوَ مَجْهُولٌ، فَلَوْ قَالَ مَالِكُهُ لِشَخْصٍ: مَا اسْتَخْرَجْتَهُ مِنْهُ فَهُوَ لِي فَفَعَلَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ أَوْ قَالَ: فَهُوَ بَيْنَنَا فَلَهُ أُجْرَةُ النِّصْفِ أَوْ قَالَ لَهُ: كُلُّهُ لَك فَلَهُ أُجْرَتُهُ، وَالْحَاصِلُ مِمَّا اسْتَخْرَجَهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَجْهُولٍ، وَخَرَجَ بِظَهْرِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ بِالْبُقْعَةِ الْمُحْيَاةِ مَعْدِنًا فَاِتَّخَذَ عَلَيْهِ دَارًا، فَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَمَلُّكِهِ بِالْإِحْيَاءِ وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُحَرَّرِ، فَيَكُونُ الرَّاجِحُ عَدَمُ مِلْكِهِ لِفَسَادِ الْقَصْدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضِ الْمُعْتَمَدَةِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ وَخَرَجَ بِالْبَاطِنِ الظَّاهِرُ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَهُ لِظُهُورِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى عِلَاجٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَاوِي نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْدِنَيْنِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ، وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَمْلِكُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا بُقْعَةُ الْمَعْدِنَيْنِ فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْيَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمَا لِفَسَادِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا مَزْرَعَةً وَلَا بُسْتَانًا وَنَحْوَهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 515 وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا. ، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهِمْ مِنْهَا فَضَاقَ سُقِيَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ إنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْمَعْدِنَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَإِلَّا فَمَنْ مَلَكَ أَرْضًا بِالْإِحْيَاءِ مَلَكَ طَبَقَاتِهَا حَتَّى الْأَرْضَ السَّابِعَةَ. (وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ) كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ (وَالْعُيُونِ) الْكَائِنَةِ (فِي الْجِبَالِ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَوَاتِ وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ (يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا) لِخَبَرِ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَحَجُّرُهَا وَلَا لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا. وَلَوْ حَضَرَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَ كُلٌّ مَا شَاءَ، فَإِنْ ضَاقَ وَقَدْ جَاءَا مَعًا قُدِّمَ الْعَطْشَانُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْعَطَشِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ لِلْقَارِعِ أَنْ يُقَدِّمَ دَوَابَّهُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ، بَلْ إذَا اسْتَوَوْا اُسْتُؤْنِفَتْ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الدَّوَابِّ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْقُرْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ وَإِنْ جَاءَا مُتَرَتِّبَيْنِ قُدِّمَ السَّابِقُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِيًا لِدَوَابِّهِ، وَالْمَسْبُوقُ عَطْشَانُ فَيُقَدَّمُ الْمَسْبُوقُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مَا لَا مَالِكَ لَهُ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ وَسَيَذْكُرُهُ. فَرْعٌ: أَرْضٌ وُجِدَ فِي يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى تِلْكَ الْأَرْضُ إلَّا مِنْهُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْحَفَرَ فَرْعٌ كُلُّ أَرْضٍ وُجِدَ فِي يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى تِلْكَ الْأَرْضُ إلَّا مِنْهُ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْحَفَرَ حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ: لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَنْبَعُهُ مِنْ أَرَاضِيهِمْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ. أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَهْر عَامٍّ - كَدِجْلَةَ - فَلَا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ كَانَ فِي الْمَاءِ الْمُبَاحِ قَاطِنُونَ فَأَهْلُ النَّهْرِ أَوْلَى بِهِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ حَافَاتُ الْمِيَاهِ الَّتِي يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ الِارْتِفَاقُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْهَا بِإِحْيَاءٍ وَلَا ابْتِيَاعٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِالْأَبْنِيَةِ عَلَى حَافَاتِ النِّيلِ كَمَا عَمَّتْ بِالْقَرَافَةِ مَعَ أَنَّهَا مُسَبَّلَةٌ اهـ. وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ. (فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهِمْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ بِلَا أَلِفٍ عَدَّهَا (مِنْهَا) أَيْ الْمِيَاهِ الْمُبَاحَةِ (فَضَاقَ) الْمَاءُ عَنْهُمْ وَبَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ (سُقِيَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) وَلَوْ كَانَ زَرَعَ الْأَسْفَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ الْمَاءُ إلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فَوْقَهُ إرْسَالُهُ إلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 516 وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ   [مغني المحتاج] كَمَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ (وَحَبَسَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) " لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا، وَالْحَدِيثُ وَاقِعَةُ حَالٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا لِمَا اقْتَضَاهُ حَالُهَا، وَلَوْلَا هَيْبَةُ الْحَدِيثِ وَخَوْفِي سُرْعَةَ تَأْوِيلِهِ وَحَمْلِهِ لَكُنْتُ أَخْتَارُهُ، لَكِنْ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ حَتَّى يَنْشَرِحَ صَدْرِي، وَيَقْذِفَ اللَّهُ فِيهِ نُورَ الْمُرَادِ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْأَعْلَى الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي وَهَكَذَا لَا الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ، وَعَبَّرُوا بِذَلِكَ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْيَا بُقْعَةً يَحْرِصُ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ مَا أَمْكَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ سُهُولَةِ السَّقْيِ وَخِفَّةِ الْمُؤْنَةِ وَقُرْبِ عُرُوقِ الْغِرَاسِ مِنْ الْمَاءِ، وَمِنْ هُنَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ إنْ أَحْيَوْا دُفْعَةً أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ الْإِقْرَاعُ، وَخَرَجَ بِضَاقَ مَا إذَا اتَّسَعَ: بِأَنْ كَانَ يَكْفِي جَمِيعَهُمْ فَيُرْسِلُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْمَاءَ فِي سَاقِيَتِهِ إلَى أَرْضِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ) الْوَاحِدَةِ (ارْتِفَاعٌ) لِطَرَفٍ مِنْهَا (وَانْخِفَاضٌ) لِآخَرَ مِنْهَا (أُفْرِدَ كُلُّ طَرَفٍ بِسَقْيٍ) لِأَنَّهُمَا لَوْ سَقَيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَطَرِيقُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفَضَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفَعَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَسْفَلِ، بَلْ لَوْ عُكِسَ جَازَ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْمُسْتَغَلَّةِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ، وَصَرَّحَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ احْتَاجَ الْأَعْلَى إلَى السَّقْيِ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ وُصُولِهِ لِلْأَسْفَلِ قُدِّمَ. وَلَوْ تَنَازَعَا مُتَحَاذِيَانِ بِأَنْ تَحَاذَتْ أَرْضُهُمَا أَوْ أَرَادَا شَقَّ النَّهْرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَحَاذِيَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْقُرْعَةُ؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا أَحْيَيَا دُفْعَةً أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى فِيمَا إذَا أَحْيَوْا مَعًا أَوْ جُهِلَ الْأَسْبَقُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قُدِّمَ هُنَاكَ لِقُرْبِهِ مِنْ النَّهْرِ، وَلَا مَزِيَّةَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قِيلَ بِالْإِقْرَاعِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَرَادَ شَخْصٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ مَوَاتٍ وَسَقْيَهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى السَّابِقِ مُنِعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا وَالْمَاءُ مِنْ أَعْظَمِ مَرَافِقِهَا وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ الْمَنْعُ بِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى رَأْسِ النَّهْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 517 وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فِي إنَاءٍ مُلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ لِلِارْتِفَاقِ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْتَحِلَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ عِمَارَةُ هَذِهِ الْأَنْهَارِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلِكُلٍّ مِنْ النَّاسِ بِنَاءُ قَنْطَرَةٍ عَلَيْهَا يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَبِنَاءُ رَحًى عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ الْأَنْهَارُ فِي مَوَاتٍ أَوْ فِي مِلْكِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعُمْرَانِ جَازَ مُطْلَقًا إنْ كَانَ الْعُمْرَانُ وَاسِعًا، وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ ضَيِّقًا، وَيَجُوزُ بِنَاءُ الرَّحَى أَيْضًا إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُلَّاكِ وَإِلَّا فَلَا، كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي الشَّارِعِ فِيهِمَا. (وَمَا أُخِذَ مِنْ هَذَا الْمَاءِ) الْمُبَاحِ (فِي إنَاءٍ) أَوْ حَوْضٍ مَسْدُودِ الْمَنَافِذِ أَوْ بِرْكَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ فِي أَرْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (مُلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ) كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: الدُّولَابُ الَّذِي يُدِيرُهُ الْمَاءُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي كِيزَانِهِ مَلَكَهُ صَاحِبُ الدُّولَابِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُ الْمَاءَ بِحَالٍ، بَلْ يَكُونُ بِحِرْزِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ رَدَّهُ إلَى مَحَلِّهِ لَمْ يَصِرْ شَرِيكًا بِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَيَاعَ مَالٍ كَمَا لَوْ رَمَى فِي الْبَحْرِ فَلْسًا فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْحُرْمَةِ. وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا أَجَبْتُ فِيهَا بِشَيْءٍ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْآنَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمَلَّكُ بِحَالٍ. وَخَرَجَ بِالْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ الدَّاخِلُ فِي مِلْكِهِ بِسَيْلٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِدُخُولِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامًا، وَمَنْ حَفَرَ نَهْرًا لِيُدْخِلَ فِيهِ الْمَاءَ مِنْ الْوَادِي، فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ وَلِغَيْرِهِ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِعْمَالُ مِنْهُ وَلَوْ بِدَلْوٍ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ. (وَحَافِرُ بِئْرٍ بِمَوَاتٍ) لَا لِلتَّمَلُّكِ بَلْ (لِلِارْتِفَاقِ) بِهَا لِنَفْسِهِ مُدَّةَ إقَامَتِهِ هُنَاكَ كَمَنْ يَنْزِلُ فِي الْمَوَاتِ وَيَحْفِرُ لِلشُّرْبِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ (أَوْلَى بِمَائِهَا) مِنْ غَيْرِهِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَسَقْيِ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ (حَتَّى يَرْتَحِلَ) لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» أَمَّا مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ مَا فَضَلَ عَنْهُ لِشُرْبٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، وَلَهُ مَنْعُ غَيْرِهِ مِنْ سَقْيِ الزَّرْعِ بِهِ، فَإِذَا ارْتَحَلَ صَارَ الْبِئْرُ كَالْمَحْفُورَةِ لِلْمَارَّةِ، أَوَّلًا بِقَصْدِ شَيْءٍ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا إذَا ارْتَحَلَ مُعْرِضًا. أَمَّا لَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ فَلَا إلَّا أَنْ تَطُولَ غَيْبَتُهُ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَإِعْرَاضُهُ عَنْهَا كَارْتِحَالِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ. تَنْبِيهٌ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِارْتِفَاقِ نَفْسِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيُخْرِجَ مَا لَوْ حَفَرَهَا لِارْتِفَاقِ الْمَارَّةِ، فَإِنَّ الْحَافِرَ كَأَحَدِهِمْ أَوْ حَفَرَهَا لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ وَتَصِيرُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِوَقْفٍ كَمَا صَرَّحَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 518 وَالْمَحْفُورَةُ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ يَمْلِكُ مَاءَهَا فِي الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ أَمْ لَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ، وَيَجِبُ لِمَاشِيَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَا وَلَوْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ سَدَّهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَاشِيَةِ بِظُهُورِ مَائِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهُ. (وَ) الْبِئْرُ (الْمَحْفُورَةُ) فِي الْمَوَاتِ لَا لِلْمَارَّةِ بَلْ (لِلتَّمَلُّكِ أَوْ فِي مِلْكٍ يَمْلِكُ) الْحَافِرُ (مَاءَهَا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِي مِلْكِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَمْلِكُهُ لِخَبَرِ «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ» السَّابِقِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي كُلِّ مَا يَنْبُعُ فِي مِلْكِهِ مِنْ نِفْطٍ وَقِيرٍ وَمِلْحٍ وَنَحْوِهَا (وَسَوَاءٌ مَلَكَهُ) عَلَى الصَّحِيحِ (أَمْ لَا) عَلَى مُقَابِلِهِ (لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ) وَشَجَرٍ (وَيَجِبُ) بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِغَيْرِهِ (لِمَاشِيَةٍ) وَلَوْ أَقَامَ غَيْرُهُ ثَمَّ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) يُمْكِنُ عَوْدُهُ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِلزَّرْعِ وَإِلَى الْوُجُوبِ لِلْمَاشِيَةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ فَإِذَا مَنَعَ مِنْ الْمَاءِ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ الْكَلَأِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَاشِيَةِ هُنَا الْحَيَوَانَاتُ الْمُحْتَرَمَةُ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَاجَةَ، وَقَيَّدَهَا الْمَاوَرْدِيُّ بِالنَّاجِزَةِ. قَالَ: فَلَوْ فَضَلَ عَنْهُ الْآنَ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ وَجَبَ بَذْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَخْلَفُ، هَذَا إنْ كَانَ هُنَاكَ كَلَأٌ مُبَاحٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مَبْذُولًا لَهُ وَلَمْ يُحْرِزْهُ فِي إنَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَذْلُهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَذْلُهُ لِلْمَاشِيَةِ دُونَ الزَّرْعِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ لِلزَّرْعِ كَالْمَاشِيَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِلْمَاشِيَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ، وَلَا يَجِبُ بَذْلُ فَضْلِ الْكَلَأِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ فِي الْحَالِ وَيُتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ، وَزَمَنُ رَعْيِهِ يَطُولُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْمَاشِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ وُرُودِ الْبِئْرِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ، فَإِنْ ضَرَّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهَا وَجَازَ لِلرُّعَاةِ اسْتِقَاءُ الْمَاءِ لَهَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ، وَحَيْثُ وَجَبَ الْبَذْلُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ وَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَذْلُ إعَارَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ. وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لَا بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ السِّقَاءِ بِعِوَضٍ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي شُرْبِ الْآدَمِيِّ أَهْوَنُ مِنْهُ فِي شُرْبِ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 519 وَالْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ يُقْسَمُ مَاؤُهَا بِنَصْبِ خَشَبَةٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، وَلَهُمْ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا كَانَ السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ. (وَالْقَنَاةُ) أَوْ الْعَيْنُ (الْمُشْتَرَكَةُ) بَيْنَ جَمَاعَةٍ (يُقْسَمُ مَاؤُهَا) عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهُمْ (بِنَصْبِ خَشَبَةٍ) مُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ مَوْضُوعَةٍ بِمُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَقَوْلُهُ (فِي عُرْضِ النَّهْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِنَصْبِ (فِيهَا ثُقَبٌ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ أَوَّلَهُ بِخَطِّهِ، وَلَوْ قُرِئَتْ بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ جَازَ (مُتَسَاوِيَةٌ) تِلْكَ الثُّقَبِ (أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ) مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ، فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ النِّصْفُ وَلِآخَرَ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ السُّدُسُ جَعَلَ فِيهَا سِتَّ ثُقَبٍ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي اثْنَانِ، وَلِلثَّالِثِ وَاحِدٌ، وَيَجُوزُ تَسَاوِي الثُّقَبِ مَعَ تَفَاوُتِ الْحُقُوقِ، كَأَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ ثُقْبَةً وَالْآخَرُ ثُقْبَتَيْنِ، هَذَا إنْ عَلِمَ قَدْرَ الْحِصَصِ، فَإِنْ جَهِلَ قَسَّمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَيَصْنَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَصِيبِهِ مَا شَاءَ. لَكِنْ لَا يَسُوقُهُ لِأَرْضٍ لَا شُرْبَ لَهَا مِنْ النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا شُرْبًا لَمْ يَكُنْ. أَمَّا إذَا اتَّسَعَ مَاءُ الْقَنَاةِ أَوْ الْعَيْنِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لِكُلٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِمَا ذُكِرَ (وَلَهُمْ) أَيْ: الشُّرَكَاءِ (الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً) وَهِيَ أَمْرٌ يَتَرَاضَوْنَ عَلَيْهِ كَأَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا أَوْ بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ، وَيَسْتَأْنِسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَكَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ قَبْل أَنْ يَأْخُذَ الْآخَرُ نَوْبَتَهُ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنْ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ نَوْبَتَهُ فِيهَا، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمْ مِنْ تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ وَمِنْ تَضْيِيقِهِ، وَمِنْ تَقْدِيمِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمِنْ تَأْخِيرِهِ، وَمِنْ إجْرَاءِ مَاءٍ يَمْلِكُهُ فِيهِ، وَمِنْ بِنَاءِ قَنْطَرَةٍ وَرَحًى عَلَيْهِ، وَمَنْ غَرَسَ شَجَرًا عَلَى حَافَتِهِ إلَّا بِرِضَا الْبَاقِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ وَعِمَارَتُهُ بِحَسَبِ الْمِلْكِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مُهَايَأَةً مَنْصُوبٌ إمَّا عَلَى الْحَالِ عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْحَالِ مِنْهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ: وَيُقْسَمُ مُهَايَأَةً، وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقِسْمَةِ فَاعِلَةً بِالظَّرْفِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ عَمَلَ الْجَارِّ بِلَا اعْتِمَادٍ وَهُمْ الْكُوفِيُّونَ، وَعَلَيْهِ فَنَصْبُ مُهَايَأَةً عَلَى الْحَالِ مِنْ الْفَاعِلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 520 .. .... .... .... ..   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا لِأَنَّهُ يَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ، فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَخْذِهِ الْآنَ صَحَّ، وَلَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ مَاءٍ رَاكِدٍ صَحَّ لِعَدَمِ زِيَادَتِهِ أَوْ مِنْ جَارٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ مَضْبُوطٍ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ، وَلَوْ بَاعَ مَاءَ الْقَنَاةِ مَعَ قَرَارِهِ وَالْمَاءُ جَارٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهَالَةِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ الْبُطْلَانَ فِي الْمَاءِ فَقَطْ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ اشْتَرَى الْبِئْرَ وَمَاءَهَا الظَّاهِرَ أَوْ جُزْأَيْهِمَا شَائِعًا وَقَدْ عُرِفَ عُمْقُهَا فِيهَا صَحَّ وَمَا يَنْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَالظَّاهِرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ جُزْأَهَا الشَّائِعَ دُونَ الْمَاءِ أَوْ أُطْلِقَ؛ لَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ. وَلَوْ سَقَى زَرْعَهُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ ضَمِنَ الْمَاءَ بِبَدَلِهِ وَالْغَلَّةُ لَهُ، لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْبَذْرِ، فَإِنْ غَرِمَ الْبَدَلَ وَتَحَلَّلَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ كَانَتْ الْغَلَّةُ أَطْيَبَ لَهُ مِمَّا لَوْ غَرِمَ الْبَدَلَ فَقَطْ، وَلَوْ أَشْعَلَ نَارًا فِي حَطَبٍ مُبَاحٍ لَمْ يَمْنَعْ أَحَدًا الِانْتِفَاعَ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَطَبُ لَهُ، فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْهَا، لَا الِاصْطِلَاءِ بِهَا وَلَا الِاسْتِصْبَاحِ مِنْهَا. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 521 كِتَابُ الْوَقْفِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْوَقْفِ] ِ هُوَ وَالتَّحْبِيسُ وَالتَّسْبِيلُ بِمَعْنًى، وَهُوَ لُغَةً الْحَبْسُ، يُقَالُ: وَقَفْت كَذَا: أَيْ حَبَسْته، وَلَا يُقَالُ: أَوْقَفْته إلَّا فِي لُغَةٍ تَمِيمِيَّةٍ وَهِيَ رَدِيئَةٌ وَعَلَيْهَا الْعَامَّةُ، وَهُوَ عَكْسُ حَبَسَ فَإِنَّ الْفَصِيحَ أَحْبِسُ. وَأَمَّا حَبَسَ فَلُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَشَرْعًا: حَبْسُ مَالٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ بِقَطْعِ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى مَصْرَفٍ مُبَاحٍ مَوْجُودٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى وُقُوفٍ وَأَوْقَافٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ لَمَّا سَمِعَهَا رَغِبَ فِي وَقْفِ بَيْرُحَاءَ وَهِيَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 522 شَرْطُ الْوَاقِفِ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ.   [مغني المحتاج] بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَمَالِ الْقَبُولِ. وَأَمَّا أَصْلُهُ فَيَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ غَيْرَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَيْسَتْ جَارِيَةً، بَلْ يَمْلِكُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَعْيَانَهَا وَمَنَافِعَهَا نَاجِزًا. وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ وَإِنْ شَمِلَهَا الْحَدِيثُ فَهِيَ نَادِرَةٌ، فَحَمْلُ الصَّدَقَةِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْوَقْفِ أَوْلَى، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي فِيهَا؟ فَقَالَ: إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْت بِهَا، فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يُبَاعَ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبَ وَلَا يُوَرَّثَ» وَهُوَ أَوَّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ مَقْدِرَةٌ إلَّا وَقَفَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْقَدِيمِ: بَلَغَنِي أَنَّ ثَمَانِينَ صَحَابِيًّا مِنْ الْأَنْصَارِ تَصَدَّقُوا بِصَدَقَاتٍ مُحَرَّمَاتٍ، وَالشَّافِعِيُّ يُسَمِّي الْأَوْقَافَ الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ: وَاقِفٌ وَمَوْقُوفٌ وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (شَرْطُ الْوَاقِفِ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ) دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْكَافِرُ، فَيَصِحُّ مِنْهُ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِنَا، وَإِنْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: لَا يَصِحُّ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ، وَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُمَا، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ (وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ) الْمُبَعَّضُ وَالْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَيُعْتَبَرُ وَقْفُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ وَلَوْ بِمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ، وَهَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْ الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الْعِبَارَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْوَقْفِ مَعْلُومًا لِلْوَاقِفِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ مَا لَمْ يَرَهُ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهُ إذَا رَآهُ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ وَقْفُ الْأَعْمَى، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا عَلِمْت. تَنْبِيهٌ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّ السَّفِيهَ أَهْلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 523 وَالْمَوْقُوفِ دَوَامُ الِانْتِفَاعِ بِهِ. لَا مَطْعُومٌ وَرَيْحَانٌ.   [مغني المحتاج] لِلتَّبَرُّعِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَقَفْت دَارِي عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ مَوْتِي صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَ) شَرْطُ (الْمَوْقُوفِ) مَعَ كَوْنِهِ عَيْنًا مُعَيَّنَةً مَمْلُوكَةً مِلْكًا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَيَحْصُلُ مِنْهَا فَائِدَةٌ أَوْ مَنْفَعَةٌ يَسْتَأْجِرُ لَهَا (دَوَامُ الِانْتِفَاعِ بِهِ) انْتِفَاعًا مُبَاحًا مَقْصُودًا، فَخَرَجَ بِالْعَيْنِ الْمَنْفَعَةُ وَالْوَقْفُ الْمُلْتَزَمُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِالْمُعَيَّنَةِ وَقْفُ أَحَدِ دَارَيْهِ، وَبِالْمَمْلُوكَةِ مَا لَا يَمْلِكُ، وَاسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَقْفَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَمْ جِهَةٍ عَامَّةٍ، وَأَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ وَأَفْتَى بِهِ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونَ لِلسُّلْطَانِ نُورِ الدِّينِ الشَّهِيدِ مُتَمَسِّكًا بِوَقْفِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَوَادَ الْعِرَاقِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ عَنْ عَشَرَةٍ أَوْ يَزِيدُونَ ثُمَّ وَافَقَهُمْ عَلَى صِحَّتِهِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمَطْلَبِ فِي بَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ صِحَّتَهُ عَنْ النَّصِّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: لَوْ رَأَى الْإِمَامُ وَقْفَ أَرْضِ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ جَازَ إذَا اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فِي النُّزُولِ عَنْهَا بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَبِقَبُولِ النَّقْلِ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْحَمْلُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ مُنْفَرِدًا وَإِنْ صَحَّ عِتْقُهُ. نَعَمْ إنْ وَقَفَ حَامِلًا صَحَّ فِيهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ اللَّبَنُ وَالثَّمَرَةُ وَنَحْوُهُمَا، وَبِالْمَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَاللُّبْسُ وَنَحْوُهُمَا وَبِيَسْتَأْجِرُ لَهَا وَبِدَوَامِ الِانْتِفَاعِ الطَّعَامُ وَنَحْوُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وَقْفُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ، وَمِنْ دَوَامِ الِانْتِفَاعِ الْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُهُمَا مَعَ أَنَّهُ لَا يَدُومُ النَّفْعُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ وَيَبْطُلُ الْوَقْفُ. وَبِمُبَاحًا وَقْفُ آلَاتِ الْمَلَاهِي فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ قَائِمَةٌ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُبَاحَةٍ، وَبِمَقْصُودًا وَقْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلتَّزْيِينِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. تَنْبِيهٌ يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ انْتَفَى النَّفْعُ حَالًا كَوَقْفِ عَبْدٍ وَجَحْشٍ صَغِيرَيْنِ وَزَمِنٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَكَمَنْ آجَرَ أَرْضًا ثُمَّ وَقَفَهَا، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ يُرِيدُ إبْقَاءَ مَنْفَعَةِ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ لِنَفْسِهِ مُدَّةً بَعْدَ وَقْفِهِ. (لَا مَطْعُومٌ وَرَيْحَانٌ) بِرَفْعِهِمَا، فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُمَا وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَطْعُومِ فِي اسْتِهْلَاكِهِ، وَعَلَّلَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَدَمُ صِحَّةِ وَقْفِ الرَّيْحَانِ بِسُرْعَةِ فَسَادِهِ، وَقَضِيَّتُهُ تَخْصِيصُهُ بِالرَّيَاحِينِ الْمَحْصُودَةِ. أَمَّا الْمَزْرُوعَةُ فَيَصِحُّ وَقْفُهَا لِلشَّمِّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُدَّةً، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 524 وَيَصِحُّ وَقْفُ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ وَمُشَاعٌ لَا عَبْدٌ وَثَوْبٌ فِي الذِّمَّةِ. وَلَا   [مغني المحتاج] التَّنَزُّهُ، وَقَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمَشْمُومِ الدَّائِمِ نَفْعُهُ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْعُودِ، وَيُطْلَقُ الرَّيْحَانُ عَلَى كُلِّ نَبْتٍ رَطْبٍ غَضٍّ طَيِّبِ الرِّيحِ، فَيَدْخُلُ الْوَرْدُ لِرِيحِهِ. (وَيَصِحُّ وَقْفُ عَقَارٍ) مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَار بِالْإِجْمَاعِ (وَ) وَقْفُ (مَنْقُولٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا فَإِنَّهُ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَعْبُدَهُ رَوَاهُ الْمُتَوَلِّي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ عَبْدٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الصَّوَابُ أَعْتُدَهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ جَمْعُ عَتَادٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا أَعَدَّهُ مِنْ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَاعَةٌ. وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ فِي الْأَعْصَارِ عَلَى وَقْفِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ وَالزَّلَالِيِّ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَ) وَقْفُ (مُشَاعٍ) مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَفَ مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ مُشَاعًا، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَلَا يَسْرِي إلَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ الْعِتْقِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ مَسْجِدًا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَالَ: يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ تَغْلِيبًا لِلْمَنْعِ وَتَجِبُ الْقِسْمَةُ لِتَعَيُّنِهَا طَرِيقًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ يَعْنِي مَنْ مَنَعَ قِسْمَةَ الْوَقْفِ مِنْ الْمُطْلَقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخُصُوصِهِ، وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِجَوَازِ الْمُكْثِ فِيهِ مَا لَمْ يُقْسِمْ، كَمَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ حَمْلُ الْمُصْحَفِ مَعَ الْأَمْتِعَةِ، وَاعْتَرَضَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ مَعَ الْأَمْتِعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا اهـ. وَكَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ، وَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ مَنْعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ مِنْ الْمُطْلَقِ لِلضَّرُورَةِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ مَسْجِدًا هُوَ الْأَقَلُّ أَمْ لَا. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي عَدَمُ حُرْمَةِ الْمُكْثِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ مَسْجِدًا أَقَلَّ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حَمْلُ التَّفْسِيرِ إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَقَلَّ عَلَى الْمُحْدِثِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ هُنَا شَائِعَةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلَمْ يُمْكِنْ تَبَعِيَّةُ الْأَقَلِّ لِلْأَكْثَرِ؛ إذْ لَا تَبَعِيَّةَ إلَّا مَعَ التَّمْيِيزِ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَنْ التَّفْسِيرِ فَاعْتُبِرَ الْأَكْثَرُ لِيَكُونَ الْبَاقِي تَابِعًا، وَمَرَّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ (لَا عَبْدٍ وَثَوْبٍ) مَثَلًا (فِي الذِّمَّةِ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ذِمَّتُهُ وَذِمَّةُ غَيْرِهِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ عَبْدٌ أَوْ ثَوْبٌ بِسَلَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُمَا؛ إذْ لَا مِلْكَ وَالْوَقْفُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ عَيْنٍ. نَعَمْ يَصِحُّ وَقْفُهُمَا بِالْتِزَامِ نَذْرٍ فِي ذِمَّةِ النَّاذِرِ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ وَقْفُ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ مَثَلًا ثُمَّ يُعَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَلَا) يَصِحُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 525 وَقْفُ حُرِّ نَفْسِهِ. وَكَذَا مُسْتَوْلَدَةٌ وَكَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَأَحَدُ عَبْدَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ   [مغني المحتاج] (وَقْفُ حُرِّ نَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، كَمَا لَا يَهَبُ نَفْسَهُ، وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ مُؤَقَّتَةً كَانَتْ - كَالْإِجَارَةِ - أَوْ مُؤَبَّدَةً - كَالْوَصِيَّةِ - لِأَنَّ الرَّقَبَةَ أَصْلٌ، وَالْمَنْفَعَةَ فَرْعٌ، وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ. (وَكَذَا مُسْتَوْلَدَةٌ وَكَلْبٌ مُعَلَّمٌ) أَوْ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيمِ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ (وَأَحَدُ عَبْدَيْهِ) لَا يَصِحُّ وَقْفُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ آيِلَةٌ إلَى الْعِتْقِ وَلَيْسَتْ قَابِلَةً لِلنَّقْلِ إلَى الْغَيْرِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ صِحَّةُ وَقْفِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَالْكَلْبُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَحَدُ الْعَبْدَيْنِ مُبْهَمٌ. وَالثَّانِي يَصِحُّ فِي أُمِّ الْوَلَدِ قِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ إجَارَتِهَا، وَفِي الْكَلْبِ كَذَلِكَ عَلَى رَأْيٍ، وَفِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ قِيَاسًا عَلَى عِتْقِهِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْعِتْقَ أُنْفِذَ بِدَلِيلِ سَرَايَتِهِ وَتَعْلِيقِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ وَالْقَابِلُ لِلتَّعْلِيمِ فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا أَوْ مُسْتَعَارَةٍ كَذَلِكَ أَوْ مُوصًى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا (وَلَوْ وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا) أَوْ مُسْتَعَارَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا (فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْفُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، أَوْ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَيَكْفِي دَوَامُهُ إلَى الْقَلْعِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْقَلْعِ فَكَأَنَّهُ وَقَفَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْضُوعٍ بِحَقٍّ وَلِذَا قَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ: وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ وُضِعَا بِأَرْضٍ بِحَقٍّ اهـ. وَلَوْ قَلَعَ الْبِنَاءَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ بَقِيَ وَقْفًا كَمَا كَانَ إنْ نَفَعَ، فَإِنْ لَمْ يَنْفَعْ فَهَلْ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟ وَجْهَانِ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالصَّحِيحُ غَيْرُهُمَا وَهُوَ شِرَاءُ عَقَارٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ، وَيُقَاسُ بِالْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ الْغِرَاسِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْوَجْهَانِ بَعِيدَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْوَقْفُ بَاقٍ بِحَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِلْوَاقِفِ لَجَازَ بَيْعُهُ وَبَيْعُ الْوَقْفِ مُمْتَنِعٌ اهـ. وَكَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ إنْ كَانَ الْغِرَاسُ مَا بَقِيَ يَصْلُحُ إلَّا لِلْإِحْرَاقِ وَصَارَتْ آلَةُ الْبِنَاءِ لَا تَصْلُحُ لَهُ وَإِلَّا فَكَلَامُ السُّبْكِيّ وَأَرْشُ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِقَطْعِ الْمَوْقُوفِ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَهُ فَيَشْتَرِي بِهِ شَيْئًا وَيُوقَفُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ. فَرْعٌ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ صَرْفَ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ رِيعِ الْمَوْقُوفِ هَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ أَوْ لَا؟ قِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 526 فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمْعٍ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى جَنِينٍ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ.   [مغني المحتاج] وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ، وَوَقْفُ الْبِنَاءِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ أُجْرَةِ الْقَرَارِ، فَإِذَا شَرَطَ صَرْفَ الْأُجْرَةِ مِنْ رِيعِهِ فَقَدْ شَرَطَ مَا يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا يُنَافِيهِ شَرْعًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ اهـ. وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ غَيْرُ الصُّورَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ فِي إجَارَةٍ اسْتَأْجَرَهَا الْوَاقِفُ قَبْلَ الْوَقْفِ، وَلَزِمَتْ الْأُجْرَةُ ذِمَّتَهُ: وَمَا قَالَاهُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا بَقِيَ الْمَوْقُوفُ بِهَا، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّهُ إنْ شَرَطَ أَنْ يُوَفِّيَ مِنْهُ مَا مَضَى مِنْ الْأُجْرَةِ فَالْبُطْلَانُ أَوْ الْمُسْتَقْبَلُ فَالصِّحَّةُ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ وَيُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ لِذِمَّتِهِ عَلَى حَالٍ قَبْلَ الْوَقْفِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْتَقِرُّ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسَبِ مَا يَمْضِي مِنْ الزَّمَانِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لَهُمَا أَيْ لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي رُكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُعَيَّنٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ) مِنْ (وَاحِدٍ) أَوْ اثْنَيْنِ (أَوْ جَمْعٍ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ تَمْلِيكِهِ) فِي حَالِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ، فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَا عَلَى فَقِيرِ أَوْلَادِهِ وَلَا فَقِيرَ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ فَقِيرٌ وَغَنِيٌّ صَحَّ، وَيُعْطِي مِنْهُ أَيْضًا مَنْ افْتَقَرَ بَعْدُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَبِكَوْنِهِ أَهْلًا لِتَمَلُّكِ الْمَوْقُوفِ، (فَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (عَلَى جَنِينٍ) لِعَدَمِ صِحَّةِ تَمَلُّكِهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَقْصُودًا أَمْ تَابِعًا حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ وَلَهُ جَنِينٌ عِنْدَ الْوَقْفِ لَمْ يَدْخُلْ، نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ دَخَلَ مَعَهُمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ قَدْ سَمَّى الْمَوْجُودِينَ أَوَذَكَرَ عَدَدَهُمْ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، وَلَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (وَلَا) يَصِحُّ (عَلَى الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ أَمْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ (فَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ) فَإِنْ كَانَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ لِلْوَاقِفِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ (فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ) كَمَا فِي الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَ نَفْسِهِ لَمْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ نَظِيرُ مَا فِي إعْطَاءِ الزَّكَاةِ لَهُ، أَوْ مُكَاتَبَ غَيْرِهِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 527 وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ لَغَا، وَقِيلَ هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ   [مغني المحتاج] يَمْلِكُ، فَإِنْ عَجَزَ بَانَ أَنَّ الْوَقْفَ مُنْقَطِعُ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ، وَإِنْ عَتَقَ وَقَدْ قَيَّدَ الْوَقْفَ بِمُدَّةِ الْكِتَابَةِ بَانَ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الِانْتِهَاءِ فَيَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَطْلَقَهُ دَامَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَفِي مَعْنَى التَّقْيِيدِ مَا لَوْ عَبَّرَ بِمُكَاتَبِ فُلَانٍ. وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبَعَّضِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مُهَايَأَةً وَصَدَرَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَكَالْحُرِّ، أَوْ يَوْمَ نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَكَالْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً وُزِّعَ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ ابْنِ خَيْرَانَ أَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ مَالِكُ الْمُبَعَّضِ أَنْ يَقِفَ نِصْفَهُ الرَّقِيقَ عَلَى نِصْفِ الْحُرِّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْأَرِقَّاءِ الْمَوْقُوفِينَ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا كَقَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ كَالْوَقْفِ عَلَى عَلَفِ الدَّوَابِّ الْمُرْصَدَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الدَّارِ وَإِنْ قَالَ عَلَى عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُمَلَّكُ إلَّا إنْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ لِطَارِقِهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً طَارِقُوهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَ وَإِلَّا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً؛ لِأَنَّ حِفْظَ عِمَارَتِهَا قُرْبَةٌ، فَهُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ. (وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ) مَمْلُوكَةٍ أَوْ قَيَّدَهُ بِعَلَفِهَا (لَغَا) الْوَقْفُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ بِحَالٍ، كَمَا لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهَا وَلَا الْوَصِيَّةُ (وَقِيلَ: هُوَ) فِي الْمَعْنَى (وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا) فَيَصِحُّ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ أَهْلٌ لَهُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ قَصَدَ مَالِكُهَا فَهُوَ وَقْفٌ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْمَمْلُوكَةِ الْمَوْقُوفَةُ كَالْخَيْلِ الْمَوْقُوفَةِ فِي الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى عَلَفِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَأَمَّا الْمُبَاحَةُ كَالْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ، فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا جَزْمًا. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ حَمَامُ مَكَّةَ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. (وَيَصِحُّ) الْوَقْفُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (عَلَى ذِمِّيٍّ) مُعَيَّنٍ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ فِيهِ قَصْدُ مَعْصِيَةٍ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى خَادِمِ الْكَنِيسَةِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى حُصْرِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ فَيَمْتَنِعُ وَقْفُ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَالْجَمَاعَةُ الْمُعَيَّنُونَ كَالْوَاحِدِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ الْيَهُودِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَاهَدُ، وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ إنْ حَلَّ بِدَارِنَا مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا رَجَعَ صُرِفَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَالْحَرْبِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ الدَّمِيرِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا لَوْ لَحِقَ الذِّمِّيُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَاذَا يَفْعَلُ بِغَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 528 لَا مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَنَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تُصْرَفَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ. وَ (لَا) يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى (مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَ) لَا وَقْفُ الشَّخْصِ عَلَى (نَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الثَّلَاثَةِ. أَمَّا فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ: فَلِأَنَّهُمَا لَا دَوَامَ لَهُمَا مَعَ كُفْرِهِمَا، وَالْوَقْفُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، فَكَمَا لَا يُوقَفُ مَا لَا دَوَامَ لَهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَنْ لَا دَوَامَ لَهُ: أَيْ مَعَ كُفْرِهِ فَلَا يَرِدُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ عَلَيْهِمَا كَالذِّمِّيِّ، وَنَصَّ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ: وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ الْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُرْتَدِّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْكِتَابِ. أَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَلِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ، وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّيْءِ وَقْفًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِلْكًا، وَمِثْلُ وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَقَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ: دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ، بَلْ إخْبَارٌ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَالصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ وَقَفَهُ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يُنْقَضْ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ مَسَائِلُ مِنْهَا مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَالْفُقَرَاءِ وَاتَّصَفَ بِصِفَتِهِمْ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ افْتَقَرَ، أَوْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ وَقَفَ كِتَابًا لِلْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ قِدْرًا لِلطَّبْخِ فِيهِ أَوْ كِيزَانًا لِلشُّرْبِ بِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَهُ الِانْتِفَاعُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ نَفْسَهُ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ أَبِيهِ الْمَوْصُوفِينَ بِكَذَا وَذَكَرَ صِفَاتِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْفَارِقِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُمَا، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ، فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنْ يُؤَجِّرَ مِلْكَهُ مُدَّةً يَظُنُّ أَنْ لَا يَعِيشَ فَوْقَهَا مُنَجَّمَةً ثُمَّ يَقِفُهُ بَعْدُ عَلَى مَا يُرِيدُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَتَصَرَّفُ هُوَ فِي الْأُجْرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بَعْدَ الْوَقْفِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِيَنْفَرِدَ بِالْيَدِ وَيَأْمَنَ خَطَرَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. وَمِنْهَا أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى صِحَّتَهُ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ وَقَفَ وَقْفًا لِيَحُجَّ عَنْهُ مِنْهُ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَيْسَ هَذَا وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ غَلَّتِهِ، فَإِنْ ارْتَدَّ لَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ فِي الْحَجِّ وَصُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أُعِيدَ الْوَقْفُ إلَى الْحَجِّ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 529 وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ فَبَاطِلٌ أَوْ جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَسَاجِدِ، وَالْمَدَارِسِ صَحَّ   [مغني المحتاج] الْجِهَادِ عَنْهُ جَازَ أَيْضًا، فَإِنْ ارْتَدَّ فَالْوَقْفُ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ يَصِحُّ مِنْ الْمُرْتَدِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَإِنْ وَقَفَ) مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ (عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ، كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ) وَنَحْوِهَا مِنْ مُتَعَبَّدَاتِ الْكُفَّارِ لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا أَوْ حُصْرِهَا أَوْ قَنَادِيلِهَا أَوْ خُدَّامِهَا أَوْ كُتُبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَوْ السِّلَاحِ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ (فَبَاطِلٌ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالْوَقْفُ شُرِعَ لِلتَّقَرُّبِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إنْشَاءُ الْكَنَائِسِ وَتَرْمِيمُهَا مَنَعْنَا التَّرْمِيمَ أَوْ لَمْ نَمْنَعْهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى التَّرْمِيمِ بِمَنْعِهِ، فَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ وَهْمٌ فَاحِشٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْكَنَائِسِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً قَبْلَ الْبِعْثَةِ، فَإِذَا لَمْ نُصَحِّحْ الْوَقْفَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى قَنَادِيلِهَا وَحُصْرِهَا فَكَيْفَ نُصَحِّحُهُ عَلَى تَرْمِيمِهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِبُطْلَانِ وَقْفِ الذِّمِّيِّ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَلَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُمْ حَيْثُ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِظْهَارِ، فَإِنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَبْطَلْنَاهُ وَإِنْ أَنْفَذَهُ حَاكِمُهُمْ لَا مَا وَقَفُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ عَلَى كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ فَلَا نُبْطِلُهُ بَلْ نُقِرُّهُ حَيْثُ نُقِرُّهَا. أَمَّا عِمَارَةُ كَنَائِسِ غَيْرِ التَّعَبُّدِ كَكَنَائِسِ نُزُولِ الْمَارَّةِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُمَا كَالْوَصِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي. (أَوْ) وَقَفَ عَلَى (جِهَةِ قُرْبَةٍ) أَيْ يَظْهَرُ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فِيهَا لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ، وَإِلَّا فَالْوَقْفُ كُلُّهُ قُرْبَةٌ (كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ) وَالْقُرَّاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ (وَالْمَسَاجِدِ) وَالْكَعْبَةِ وَالرُّبُطِ (وَالْمَدَارِسِ) وَالثُّغُورِ وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى (صَحَّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْوَقْفِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ: أَنَّ فَقِيرَ الزَّكَاةِ وَالْوَقْفِ وَاحِدٌ فَمَا مُنِعَ مِنْ أَحَدِهِمَا مُنِعَ مِنْ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ الصَّرْفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَيْضًا. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ آخِرَ الْبَابِ: الْأَصَحُّ أَنْ لَا يُعْطَى مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ فَقِيرَةٌ لَهَا زَوْجٌ يُمَوِّنُهَا وَلَا الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ أَبِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ: أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَهَاءِ مَنْ حَصَّلَ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ شَيْئًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي وَإِنْ قَلَّ لَا الْمُبْتَدِئُ مِنْ شَهْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلِلْمُتَوَسِّطِ بَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ يَجْتَهِدُ الْمُفْتِي فِيهَا، وَالْوَرَعُ لِلْمُتَوَسِّطِ: التَّرْكُ وَإِنْ أَفْتَى بِالدُّخُولِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ مَنْ اشْتَغَلَ بِالْفِقْهِ مُبْتَدِئُهُ وَمُنْتَهِيهِ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ النُّسَّاكُ الزَّاهِدُونَ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الدُّنْيَا، وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُهُمْ دُونَ النِّصَابِ أَوْ لَا يَفِي دَخْلُهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 530 أَوْ جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْأَغْنِيَاءِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِخَرْجِهِ، وَلَوْ خَاطَ وَنَسَجَ أَحْيَانًا فِي غَيْرِ حَانُوتٍ أَوْ دَرَّسَ أَوْ وَعَظَ أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يُلْبِسْهُ الْخِرْقَةَ شَيْخٌ فَلَا يَقْدَحُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ صُوفِيًّا بِخِلَافِ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ، وَيَكْفِي فِيهِ مَعَ مَا مَرَّ التَّزَيِّي بِزِيِّهِمْ أَوْ الْمُخَالَطَةُ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ أَوْ الْخَيْرِ أَوْ الثَّوَابِ أَقْرِبَاءُ الْوَاقِفِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَأَهْلُ الزَّكَاةِ غَيْرُ الْعَامِلِينَ وَالْمُؤَلَّفَةِ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ: الْغُزَاةُ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الزَّكَاةِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سَبِيلِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْبِرِّ وَسَبِيلِ الثَّوَابِ كَانَ ثُلُثٌ لِلْغُزَاةِ وَثُلُثٌ لِأَقَارِبِ الْوَاقِفِ وَثُلُثٌ لِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ غَيْرِ الْعَامِلِ وَالْمُؤَلَّفَةِ. (أَوْ) وَقَفَ عَلَى (جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْأَغْنِيَاءِ) وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفَسَقَةِ (صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَقْفَ تَمْلِيكٌ. وَالثَّانِي: لَا، نَظَرًا إلَى ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ. وَالثَّالِثُ: يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَيَبْطُلُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفَسَقَةِ، وَتَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَغْنِيَاءِ قَدْ يُرْشِدُ إلَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ تَرْجِيحُ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى هَؤُلَاءِ: يَعْنِي عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْفُسَّاقِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَلِكَ أَدْخَلْته فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَالصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَالتَّتِمَّةِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ جَائِزَةٌ. تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ الْغِنَى الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ الْوَقْفُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ: إمَّا لِمِلْكِهِ أَوْ لِقُوَّتِهِ وَكَسْبِهِ أَوْ كِفَايَتِهِ بِنَفَقَةِ غَيْرِهِ، وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ غَنِيٌّ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ فَقِيرٌ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَيُقْبَلُ بِلَا بَيِّنَةٍ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الشَّرْطَ انْتِفَاءُ الْمَعْصِيَةِ لَا وُجُودُ ظُهُورِ الْقُرْبَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى عَلَفِ الطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ قُرْبَةٌ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرًا» . . أُجِيبَ بِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَقْفِ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، بَلْ مِنْ حَيْثِيَّةِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ كَمَا سَبَقَ، وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى تَزْوِيقِ الْمَسْجِدِ أَوْ نَقْشِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا فِي آخِرِ الْبَابِ، وَلَا عَلَى عِمَارَةِ الْقُبُورِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَى صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ الْعِمَارَةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ. قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى عِمَارَتِهَا بِبِنَاءِ الْقِبَابِ وَالْقَنَاطِرِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 531 وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظٍ. وَصَرِيحُهُ وَقَفْت كَذَا أَوْ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ، وَالتَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ صَرِيحَانِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ مَوْقُوفَةً أَوْ لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] بِنَائِهَا نَفْسِهَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْمُؤَنِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْبَلَدِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَوَقْفُ بَقَرَةٍ أَوْ نَحْوِهَا عَلَى رِبَاطٍ إذَا قَالَ: لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا مَنْ يَنْزِلُ أَوْ لِيُبَاعَ نَسْلُهَا وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ فِي مَصَالِحِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ قَالَ الْقَفَّالُ: لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بَنَاهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدِ كَذَا لَا يَصِحُّ حَتَّى يُبَيِّنَ جِهَةَ مَصْرِفِهِ، وَطَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تُخَالِفُهُ اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُنَا الصِّحَّةُ أَيْضًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، فَقَالَ: (وَلَا يَصِحُّ) الْوَقْفُ (إلَّا بِلَفْظٍ) مِنْ نَاطِقٍ يُشْعِرُ بِالْمُرَادِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى، وَكَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ، وَفِي مَعْنَاهُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَكِتَابَتُهُ، بَلْ وَكِتَابَةُ النَّاطِقِ مَعَ نِيَّتِهِ كَالْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ وَنَوَى جَعْلَهُ مَسْجِدًا؛ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ مُغْنِيَانِ هُنَا عَنْ الْقَوْلِ، وَوَجَّهَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الْمَوَاتَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مَنْ أَحْيَاهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ لِلَفْظٍ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ إجْرَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا مِنْ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرِهَا، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ يَدُلُّ لَهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَذِنْت فِي الِاعْتِكَافِ فِيهِ صَارَ مَسْجِدًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. ثُمَّ لَفْظُ الْوَاقِفِ يَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَصَرِيحُهُ) كَأَنْ يَقُولَ: (وَقَفْت كَذَا) عَلَى كَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا لَمْ يَصِحَّ (أَوْ) يَقُولَ (أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ) لِاشْتِهَارِهِ لُغَةً وَعُرْفًا، وَإِنَّمَا قَالَ: مَوْقُوفَةٌ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ (وَالتَّسْبِيلُ وَالتَّحْبِيسُ صَرِيحَانِ) أَيْضًا، أَيْ الْمُشْتَقُّ مِنْهُمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِتَكَرُّرِهِمَا شَرْعًا وَاشْتِهَارِهِمَا عُرْفًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَمَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَقْفٌ إلَّا بِهِمَا. وَالثَّانِي: هُمَا كِنَايَتَانِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَهِرَا اشْتِهَارَ الْوَقْفِ (وَلَوْ قَالَ تَصَدَّقْت بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً أَوْ) صَدَقَةً (مَوْقُوفَةً أَوْ) صَدَقَةً (لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّصَدُّقِ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَقْفِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِغَيْرِهِ، وَمَا قَبْلَهُ صَرِيحٌ بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي هُوَ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ التَّمْلِيكِ الْمَحْضِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 532 وَقَوْلُهُ تَصَدَّقْت فَقَطْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَإِنْ نَوَى إلَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَيَنْوِيَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ حَرَّمْتُهُ أَوْ أَبَّدْتُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ وَلَا تُوهَبُ بِالْوَاوِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَإِلَّا فَأَحَدُ الْوَصْفَيْنِ كَافٍ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ مَعَ جَزْمِهِ أَوَّلًا بِصَرَاحَةٍ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ يَجِيءُ الْخِلَافُ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهِ. قَالَ: وَلَوْلَا وُثُوقِي بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْمِنْهَاجُ عِنْدِي بِخَطِّهِ لَكُنْت أَتَوَهَّمُ أَنَّ مَكَانَ مَوْقُوفَةٌ مُؤَبَّدَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَكِنَّ الْخِلَافَ مَحْكِيٌّ مِنْ خَارِجٍ؛ لِأَنَّ فِي صَرَاحَةِ لَفْظِ الْوَقْفِ وَجْهًا فَطُرِدَ مَعَ انْضِمَامِهِ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ: أَيْ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَصَحِّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ مَوْقُوفَةٌ مِنْ طُغْيَانِ الْقَلَمِ، وَيَكُونُ الْقَصْدُ كِتَابَةَ لَفْظَةِ مُؤَبَّدَةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ، فَسَبَقَ الْقَلَمُ إلَى كِتَابَةِ مَوْقُوفَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: لَفْظُ التَّحْرِيمِ كِنَايَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْكِنَايَةَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّينَ لِي أَبَدًا؛ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا كِنَايَةً، فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَالطَّلَاقِ،. أُجِيبَ بِأَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مَحْصُورَةٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّينَ لِي أَبَدًا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالطَّلَاقِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ الْفُسُوخُ، وَالزَّائِدُ فِي أَلْفَاظِ الْوَقْفِ يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: تَصَدَّقْت يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ، وَلَهُ مَحْمَلَانِ: مَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْمِلْكَ، وَمَحْمَلُ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ الْوَقْفُ، فَالزَّائِدُ يُعَيِّنُ الْمَحْمَلَ الثَّانِيَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ (وَقَوْلُهُ: تَصَدَّقْت فَقَطْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ) فِي الْوَقْفِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَقْفُ (وَإِنْ نَوَى) الْوَقْفَ لِتَرَدُّدِ اللَّفْظِ بَيْنَ صَدَقَةِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ (إلَّا أَنْ يُضِيفَ إلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ) كَالْفُقَرَاءِ (وَيَنْوِيَ) الْوَقْفَ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا حِينَئِذٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَالْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمُ الصَّرَاحَةِ، وَإِنَّمَا إضَافَتُهُ إلَى الْجِهَةِ الْعَامَّةِ صَيَّرَتْهُ كِنَايَةً حَتَّى تَعْمَلَ فِيهِ النِّيَّةُ، وَهُوَ - كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. أَمَّا إذَا أُضِيفَ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ يَنْفُذُ فِيمَا هُوَ صَرِيحٌ، وَهُوَ مَحْضُ التَّمْلِيكِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الظَّاهِرِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَصِيرُ وَقْفًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَلِيمٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ حَرَّمْتُهُ) لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا (أَوْ أَبَّدْتُهُ) عَلَيْهِمْ (لَيْسَ بِصَرِيحٍ) بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 533 وَأَنَّ قَوْلَهُ جَعَلْت الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا تَصِيرُ بِهِ مَسْجِدًا. وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ.   [مغني المحتاج] لَا يُسْتَعْمَلَانِ مُسْتَقِلَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤَكَّدُ بِهِمَا الْأَلْفَاظُ السَّابِقَةُ. وَالثَّانِي: هُوَ صَرِيحٌ لِإِفَادَةِ الْغَرَضِ كَالتَّسْبِيلِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَالَ: حَرَّمْتُهُ وَأَبَّدْتُهُ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَقُولَ: أَخْرَجْتُهُ عَنْ مِلْكِي وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ حَكَى الْإِمَامُ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ قَوْلَهُ جَعَلْت) هَذِهِ (الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ (تَصِيرُ بِهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ (مَسْجِدًا) ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَكُونُ إلَّا وَقْفًا فَأَغْنَى لَفْظُهُ عَنْ لَفْظِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي: وَعَلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ لَا يُصَيِّرُهُ مَسْجِدًا لِعَدَمِ ذِكْرِ شَيْءِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَقْفِ، وَإِنْ قَالَ جَعَلْت الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى صَارَتْ مَسْجِدًا جَزْمًا وَكَذَا إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ: جَعَلْت الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا الْوَقْفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ قَالَ: وَقَفْتهَا لِلصَّلَاةِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِ كِنَايَةً فِي وَقْفِهِ مَسْجِدًا فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَلَوْ بَنَى بَيْتًا وَأَذِنَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مَسْجِدًا وَإِنْ صَلَّى فِيهِ وَنَوَى جَعْلَهُ مَسْجِدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي فِيمَا إذَا بَنَاهُ فِي مَوَاتٍ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ) مُتَّصِلًا بِالْإِيجَابِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَإِلَّا فَقَبُولُ وَلِيِّهِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَهُ الْجُورِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ، وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ، لِلْإِمَامِ وَآخَرِينَ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَنَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ وَاسْتِحْقَاقُهُ الْمَنْفَعَةَ كَاسْتِحْقَاقِ الْعَتِيقِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بِالْإِعْتَاقِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَلِيمٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ، وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. قَالَ فِي الْوَسِيطِ: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ: فَلَوْ وَقَفَ بِحَذْفِ لَفْظَةِ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ: أَيْ فَيَكُونُ الْوَقْفُ قَدْ تَمَّ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَفْت عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَيَكُونُ مُفَرَّعًا عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِلْحَاقُ الْوَقْفِ بِالْعِتْقِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُرَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يُبْطَلُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى مَا إذَا وَقَفَ عَلَى ابْنِهِ الْحَائِزِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ لُزُومُ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 534 وَلَوْ رَدَّ بَطَلَ حَقُّهُ شَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا. وَلَوْ قَالَ وَقَفْت هَذَا سَنَةً فَبَاطِلٌ، وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ   [مغني المحتاج] بِالْقَبُولِ الْقَبْضُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَشَذَّ الْجُورِيُّ فَحَكَى قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي الْمُعَيَّنِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ الْوَقْفَ مِنْ الْوَاقِفِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ وَإِنْ شَرَطْنَا قَبُولَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِمْ كَمَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ رَدُّوا فَمُنْقَطِعُ الْوَسَطِ أَوْ رُدَّ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ. أَمَّا الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ جَزْمًا لِتَعَذُّرِهِ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يُجْعَل الْحَاكِمُ نَائِبًا فِي الْقَبُولِ كَمَا جُعِلَ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُبَاشِرٍ فَلِذَلِكَ جُعِلَ نَائِبًا فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا قَبُولَ نَاظِرِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُهِبَ لِلْمَسْجِدِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ نَاظِرِهِ وَقَبْضِهِ كَمَا لَوْ وُهِبَ شَيْءٌ لِصَبِيٍّ، وَقَوْلُهُ جَعَلْته لِلْمَسْجِدِ كِنَايَةُ تَمْلِيكٍ لَا وَقْفٍ، فَيُشْتَرَطُ قَبُولُ النَّاظِرِ وَقَبْضُهُ كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ رَدَّ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ (بَطَلَ حَقُّهُ) سَوَاءٌ (شَرَطْنَا الْقَبُولَ) مِنْ الْمُعَيَّنِ (أَمْ لَا) كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الرَّدِّ لَمْ يَعُدْ لَهُ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ: يَعُودُ لَهُ إنْ رَجَعَ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ لِغَيْرِهِ، مَرْدُودٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. نَعَمْ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَارِثِهِ الْحَائِزِ لِتَرِكَتِهِ شَيْئًا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ لَزِمَ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِرَدِّهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْوَصَايَا عَنْ الْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ فِي الْوَقْفِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ التَّأْبِيدُ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْقَرِضْ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَنْ يَنْقَرِضُ. ثُمَّ عَلَى مَنْ لَا يَنْقَرِضُ كَزَيْدٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءُ فَلَا يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْوَقْفِ كَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا) عَلَى كَذَا (سَنَةً) مَثَلًا (فَبَاطِلٌ) هَذَا الْوَقْفُ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ. فَإِنْ أَعْقَبَهُ بِمَصْرِفٍ كَوَقَفْتُهُ عَلَى زَيْدٍ سَنَةً ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ صَحَّ، وَرُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْخُوَارِزْمِيِّ. تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَ مَحَلُّهُ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ. أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَالْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالرِّبَاطِ كَقَوْلِهِ: جَعَلْته مَسْجِدًا سَنَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ مُؤَبَّدًا كَمَا لَوْ ذَكَرَ فِيهِ شَرْطًا فَاسِدًا، قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ: أَيْ وَهُوَ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ (وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ) وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَدُومُ (وَلَمْ يَزِدْ) عَلَى ذَلِكَ مَنْ صُرِفَ إلَيْهِ بَعْدَهُمْ (فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 535 الْوَقْفِ فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى وَقْفًا، وَأَنَّ مَصْرِفَهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ. وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ.   [مغني المحتاج] الْوَقْفِ) ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَقْفِ الْقُرْبَةُ وَالدَّوَامُ وَإِذَا بَيَّنَ مَصْرِفَهُ ابْتِدَاءً سَهَّلَ إدَامَتَهُ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ، وَيُسَمَّى مُنْقَطِعَ الْآخِرِ. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهُ لِانْقِطَاعِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْقَى وَقْفًا) ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْوَقْفِ عَلَى الدَّوَامِ كَالْعِتْقِ وَالثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَقْفُ وَيَعُودُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ وُرَّاثِهِ إنْ مَاتَ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّ مَصْرِفَهُ) عِنْدَ انْقِرَاضِ مَنْ ذَكَرَ (أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ) ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، وَفِي الْحَدِيثِ «صَدَقَتُكَ عَلَى غَيْرِ رَحِمِكَ صَدَقَةٌ، وَعَلَى رَحِمِكَ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» وَيَخْتَصُّ الْمَصْرِفُ وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ بِفُقَرَاءِ قَرَابَةِ الرَّحِمِ لَا الْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ فَيُقَدِّمُ ابْنَ بِنْتٍ عَلَى ابْنِ عَمٍّ. فَإِنْ قِيلَ: الزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْمَصَارِفِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا وَلَا الصَّرْفُ مِنْهَا إلَى الْأَقَارِبِ فَهَلَّا كَانَ الْوَقْفُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَقَارِبَ مِمَّا حَثَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِمْ فِي تَحْبِيسِ الْوَقْفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي طَلْحَةَ: «أَرَى أَنْ تَجْعَلهَا فِي الْأَقْرَبِينَ» فَجَعَلَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ، وَأَيْضًا الزَّكَاةُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْمَصَارِفِ الْوَاجِبَةِ لَهَا مَصْرِفٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ الْأَقَارِبُ، وَهُنَا لَيْسَ مَعَنَا مَصْرِفٌ مُتَعَيَّنٌ، وَالصَّرْفُ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ فَعَيَّنَّاهُ. وَالثَّانِي: يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ يَئُولُ إلَيْهِمْ فِي الِانْتِهَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ صَرَفَ الْإِمَامُ الرِّيعَ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَقِيلَ: يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ مَالِكًا مُسْتَقِلًّا، فَإِنْ وَقَفَ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، ثُمَّ انْقَرَضُوا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يُصْرَفْ إلَى أَقَارِبِ الْإِمَامِ بَلْ فِي الْمَصَالِحِ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فَمَصْرِفُهُ كَمَا فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ. (وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ كَوَقَفْتُهُ عَلَى) وَلَدِي وَلَا وَلَدَ لَهُ أَوْ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى أَوْ عَلَى (مَنْ سَيُولَدُ لِي) ثُمَّ الْفُقَرَاءِ (فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّرْفِ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ فَكَذَا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا الصِّحَّةُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ فِي الْمَرَضِ وَلَمْ يُجِزْ الْبَاقُونَ أَوْ عَلَى مُبْهَمٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 536 أَوْ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ كَوَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ رَجُلٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَقَفْت فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ. وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْت.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ لِمُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ نَاقِصٌ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ مَا قَدَّرْتُهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. (أَوْ) كَانَ الْوَقْفُ (مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ) بِفَتْحِ السِّينِ (كَوَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ) عَلَى (رَجُلٍ) مُبْهَمٍ (ثُمَّ) (الْفُقَرَاءِ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ) لِوُجُودِ الْمَصْرِفِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِمَا ذُكِرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ أَوْلَادِهِ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ لَا لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَمَدِ الِانْقِطَاعِ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى الْعَبْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَانَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ أَيْضًا، وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصْرَفُ بَعْدَ أَوْلَادِهِ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ مِثْلَ مَا مَرَّ فِي مُنْقَطِعِ الْآخِرِ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ صُورَةَ الْمَتْنِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ وَتَبِعَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ غَيْرَ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ الْمَصْرِفِ، فَقَالَ: (وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى) قَوْلِهِ (وَقَفْت) كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفَهُ (فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) لِعَدَمِ ذِكْرِ مَصْرِفِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي وَلَمْ يَذْكُرْ مَصْرِفًا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ لِلْمَسَاكِينِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا يَقُولُ بِهِ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْت هَذَا لِلَّهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ غَالِبَ الْوَصَايَا لِلْمَسَاكِينِ فَحَمَلَ الْإِطْلَاقَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَبِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَتَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَالنَّجَسِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْمَصْرِفَ وَاعْتَرَفَ بِهِ صَحَّ ظَاهِرًا وَنَازَعَهُ الْغَزِّيُّ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَّقْت وَنَوَى امْرَأَتَهُ لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَلَيْسَ هُنَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْرِفِ أَصْلًا اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَوْ بَيَّنَ الْمَصْرِفَ إجْمَالًا كَقَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى مَسْجِدِ كَذَا؛ كَفَى وَصُرِفَ إلَى مَصَالِحِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْجِهَةَ فَيَقُولُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ، وَهُوَ التَّنْجِيزُ فَقَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْت) كَذَا عَلَى كَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ لَمْ يُبْنَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَا يُضَاهِي التَّحْرِيرَ. أَمَّا مَا يُضَاهِيهِ كَجَعَلْتُهُ مَسْجِدًا إذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 537 وَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ،   [مغني المحتاج] جَاءَ رَمَضَانُ، فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِهِ كَقَوْلِهِ: وَقَفْت دَارِي بَعْدَ مَوْتِي عَلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَكَأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِقَوْلِ الْقَفَّالِ إنَّهُ لَوْ عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ كَانَ رُجُوعًا، وَلَوْ نَجَّزَ الْوَقْفَ وَعَلَّقَ الْإِعْطَاءَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْته عَلَى مَنْ شِئْتُ أَوْ فِيمَا شِئْتُ وَكَانَ قَدْ عَيَّنَ لَهُ مَا شَاءَ أَوْ مَنْ يَشَاءُ عِنْدَ وَقْفِهِ صَحَّ وَأُخِذَ بِبَيَانِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُهُ فِيمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْإِلْزَامُ فَقَالَ: (وَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) لِنَفْسِهِ فِي إبْقَاءِ وَقْفِهِ وَالرُّجُوعِ فِيهِ مَتَى شَاءَ أَوْ شَرَطَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ شَرَطَ عَوْدَهُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مَا كَأَنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ شَرَطَ أَنْ يَدْخُلَ مَنْ شَاءَ وَيَخْرُجَ مَنْ شَاءَ (بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لَهُ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْأَظْهَرِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ) أَصْلًا أَوْ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ صَحَّ الْوَقْفُ، وَ (اُتُّبِعَ شَرْطُهُ) كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمَصْلَحَةِ. وَالثَّانِي: لَا يُتَّبَعُ شَرْطُهُ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ فِي الْمَنْفَعَةِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ حَالُ الضَّرُورَةِ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا تُؤَجَّرَ الدَّارُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ انْهَدَمَتْ، وَلَيْسَ لَهَا جِهَةُ عِمَارَةٍ إلَّا بِإِجَارَةِ سِنِينَ، فَإِنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى بِالْجَوَازِ فِي عُقُودٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ وَوَافَقَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ إلَّا فِي اعْتِبَارِ التَّقْيِيدِ بِعُقُودٍ مُسْتَأْنَفَةٍ، فَرَدَّاهُ عَلَيْهِ وَقَالَا: يَنْبَغِي الْجَوَازُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِتَّ سِنِينَ، فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي فَصْلِهَا، وَإِذَا أَجَّرَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 538 وَأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ اُخْتُصَّ كَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّ نَصِيبَهُ يُصْرَفُ إلَى الْآخَرِ   [مغني المحتاج] الثَّلَاثَ الْأُخَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأُولَى: لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ إجَارَةَ الْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ صَحِيحَةٌ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ كَالْمُدَّةِ الْوَاحِدَةِ وَإِنَّمَا أَبْطَلْنَاهُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ لِانْفِرَادِهِ، وَلَوْ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ مِنْ مَتْجَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُكْتَبُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ أَنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْإِعَارَةَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إذَا شَرَطَ) ابْتِدَاءً (فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ) بِأَنْ وَقَفَ شَخْصٌ مَكَانًا مَسْجِدًا وَشَرَطَ فِيهِ (اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ اُخْتُصَّ) بِهِمْ أَيْ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَلَا يُصَلِّي وَلَا يَعْتَكِفُ فِيهِ غَيْرُهُمْ (كَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ) إذَا شَرَطَ فِي وَقْفِهِمَا اخْتِصَاصَهُمَا بِطَائِفَةٍ اُخْتُصَّا بِهِمْ جَزْمًا. وَالثَّانِي: لَا يَخْتَصُّ الْمَسْجِدُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْبُقْعَةِ مَسْجِدًا كَالتَّحْرِيرِ فَلَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِهِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَوْ خَصَّ الْمَقْبَرَةَ بِطَائِفَةٍ اُخْتُصَّتْ بِهِمْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ) مُعَيَّنَيْنِ (ثُمَّ الْفُقَرَاءِ) مَثَلًا (فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ) فِي حَرْمَلَةَ (أَنَّ نَصِيبَهُ يُصْرَفُ إلَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْتِقَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ انْقِرَاضُهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِذَا امْتَنَعَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ فَالصَّرْفُ إلَى مَنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ أَوْلَى. وَالثَّانِي: يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إذَا مَاتَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَفْصِلْ، فَإِنْ فَصَلَ فَقَالَ: وَقَفْت عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَ هَذَا فَهُوَ وَقْفَانِ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ، فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، بَلْ يَحْتَمِلُ انْتِقَالُهُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ أَوْ الْفُقَرَاءِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إنْ قَالَ: ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنْ قَالَ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمَا وَسَكَتَ عَمَّنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَهُمَا فَهَلْ نَصِيبُهُ لِلْآخَرِ أَوْ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لِلْآخَرِ وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا أَوْ بَانَ مَيِّتًا فَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَصَحِّ صَرْفُهُ لِلْآخَرِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو ثُمَّ بَكْرٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَا شَيْءَ لِبَكْرٍ، وَيَنْتَقِلُ الْوَقْفُ مِنْ زَيْدٍ إلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهُ بَعْدَ عَمْرٍو، وَعَمْرٌو بِمَوْتِهِ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَمَلَّكَ بَكْرٌ عَنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُصْرَفُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 539 فَصْلٌ قَوْلُهُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْكُلِّ وَكَذَا لَوْ زَادَ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ   [مغني المحتاج] إلَى بَكْرٍ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفُقَرَاءِ مَشْرُوطٌ بِانْقِرَاضِهِ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ الْوَلَدُ يَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ، وَيُوَافِقُهُ فَتْوَى الْبَغَوِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ طَوِيلَةٍ، حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ فِي وَقْفِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْوَقْفِ لَحَجَبَهُ بِمَنْ فَوْقَهُ يُشَارِكُ وَلَدُهُ مَنْ بَعْدَهُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ هَلْ تَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ أَوْ لَا؟ اخْتَارَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ الْأَوَّلَ، وَيَجْعَلُ ذِكْرَهُمْ قَرِينَةً فِي دُخُولِهِمْ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِمْ اهـ. هَذَا أَوْجَهُ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ اللَّفْظِيَّةِ] ِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ مَرْعِيَّةٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُنَافِي الْوَقْفَ، فَإِذَا تَلَفَّظَ الْوَاقِفُ فِي صِيغَةِ وَقْفِهِ بِحَرْفِ عَطْفٍ يَقْتَضِي تَشْرِيكًا أَوْ تَرْتِيبًا عُمِلَ بِهِ كَمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ. (قَوْلُهُ) أَيْ الشَّخْصُ (وَقَفْت) كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) فِي أَصْلِ الْإِعْطَاءِ وَالْمِقْدَارِ (بَيْنَ الْكُلِّ) وَهُوَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادُهُمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ لَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. وَنُقِلَ عَنْ إجْمَاعِ النُّحَاةِ وَمَنْ جَعَلَهَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ: يَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَقْدِيمُ الْأَوْلَادِ وَلَوْ جَمَعَهُمْ بِالْوَاوِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ اُخْتُصَّ وَلَدُهُ بِنَصِيبِهِ وَشَارَكَ الْبَاقِينَ فِيمَا عَدَاهُ. تَنْبِيهٌ إدْخَالُ أَلْ عَلَى كُلٍّ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَالْفَارِسِيِّ، وَمَنَعَهُ الْجُمْهُورُ نَظَرًا إلَى أَنَّ إضَافَةَ كُلٍّ مَعْنَوِيَّةٌ فَلَا تُجَامِعُهَا (وَكَذَا) يُسَوِّي بَيْنَ الْكُلِّ (لَوْ زَادَ) عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي قَوْلُهُ: (مَا تَنَاسَلُوا) أَيْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَعْقَابِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: مَا تَنَاسَلُوا لَا يَقْتَضِي تَسْوِيَةً وَلَا تَرْتِيبًا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ التَّسْوِيَةُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ سَفُلُوا (أَوْ) زَادَ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 540 بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ. وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى   [مغني المحتاج] مَا ذَكَرَ قَوْلَهُ (بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ) أَوْ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فَيُشَارِكُ الْبَطْنُ الْأَسْفَلُ الْبَطْنَ الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ: مَا تَنَاسَلُوا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْعَبَّادِيُّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ بَعْدُ تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] أَيْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لِلتَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ قَالَ: وَعَلَيْهِ هُوَ لِلتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْبَطْنَيْنِ فَقَطْ فَيَنْتَقِلُ بِانْقِرَاضِ الثَّانِي لِمَصْرِفٍ آخَرَ إنْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ وَإِلَّا فَمُنْقَطِعُ الْآخِرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ: لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّهُ نَقَلَ التَّرْتِيبَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ وَعَدَّ جَمَاعَةً مِنْ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّرْتِيبِ. ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ اقْتِضَاءِ التَّسْوِيَةِ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ أَيْضًا، فَإِنَّ لَفْظَةَ بَعْدَ فِي اقْتِضَاءِ التَّرْتِيبِ أَصْرَحُ مِنْ ثُمَّ وَالْفَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ جَزَمَا فِيهِمَا بِاقْتِضَاءِ التَّرْتِيبِ فَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ بَعْدَ أَصْرَحُ مِنْ ثُمَّ وَالْفَاءِ فِي التَّرْتِيبِ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11] {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم: 12] {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَوْصَافِهِ زَنِيمٍ، وَاسْتَدَلَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إظْهَارُ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَئِمَّةُ الْهُدَى وَبِهِمْ نَقْتَدِي، فَلَا يُظَنُّ فِيهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ أَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ كَانَتْ بَعْدَ بِمَعْنَى مَعَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّعْمِيمِ وَهُوَ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي إلَخْ وَتَعْقِيبُهُ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ إدْخَالُ سَائِرِ الْبُطُونِ حَتَّى لَا يَصِيرَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بَطْنًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى مُرَتَّبِينَ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ مُبْتَدَأً وَمُسَوِّغُهُ وَصْفٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْهُمْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَائِفَةٌ} [آل عمران: 154] أَيْ مِنْهُمْ، وَانْتِصَابُ بَعْدَ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ كَائِنًا بَعْدَ بَطْنٍ. (وَلَوْ قَالَ) : وَقَفْت كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، أَوْ) قَالَ: وَقَفْت كَذَا (عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 541 أَوْ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ. وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] مِنْهُمْ (أَوْ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) مِنْهُمْ أَوْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْهُمْ (فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ) فِيمَا ذُكِرَ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، فَلَا يَأْخُذُ بَطْنٌ وَهُنَاكَ بَطْنٌ أَقْرَبُ مِنْهُ آخَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ مَا تَنَاسَلُوا بِالْأُولَى مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِيهَا، بَلْ إنْ ذَكَرَهُ فِيهَا وَفِي الْبَقِيَّةِ لَمْ يَكُنْ التَّأْبِيدُ وَالتَّرْتِيبُ خَاصَّيْنِ بِالطَّبَقَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وَإِلَّا اُخْتُصَّا بِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ بَعْدَهُمَا مُنْقَطِعُ الْآخِرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْبَطْنِ الثَّالِثِ لِعَدَمِ ذِكْرِ ثُمَّ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ مَا تَنَاسَلُوا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ بِالصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ تَقْدِيمُ الْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَتِمُّ ذَلِكَ: فِي كُلِّ بَطْنٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ جَاءَ بِثُمَّ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَبِالْوَاوِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ كَأَنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِي كَانَ التَّرْتِيبُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي دُونَهُمْ عَمَلًا بِثُمَّ وَبِالْوَاوِ فِيهِمْ وَإِنْ عَكَسَ بِأَنْ جَاءَ بِالْوَاوِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي وَبِثُمَّ فِيمَا بَعْدَهُ كَانَ التَّرْتِيبُ لَهُمْ دُونَهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ بِكَسْرِ اللَّامِ فِيهِمَا بِخَطِّهِ، وَهُوَ إمَّا عَلَى الْبَدَلِ وَإِمَّا عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ وَقَفْته عَلَى الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ. (وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَلَدِ حَقِيقَةً؛ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي وَلَدِ وَلَدِ الشَّخْصِ: لَيْسَ وَلَدَهُ. وَالثَّانِي: يَدْخُلُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ هَذَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَهُ عَلَى قَاعِدَةِ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ، وَالْكَلَامُ هُنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. وَالثَّالِثُ: يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنِينَ لِانْتِسَابِهِمْ إلَيْهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا وُجِدَ النَّوْعَانِ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَصِيَانَةً لِكَلَامِ الْمُكَلِّفِ عَنْ الْإِلْغَاءِ، فَلَوْ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الصَّرْفُ لَهُ لِوُجُودِ الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّهُ يُصْرَفُ لَهُمْ مَعَهُ كَالْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ: الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ أَرَادَ جَمِيعُهُمْ دَخَلَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ قَطْعًا، أَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي لِصُلْبِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 542 وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْلِ وَالْعَقِبِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إلَيَّ مِنْهُمْ.   [مغني المحتاج] لَمْ يَدْخُلُوا قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ فَقَطْ اُخْتُصَّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ) قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ (فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَ) عَلَى (النَّسْلِ، وَ) عَلَى (الْعَقِبِ) بِكَسْرِ الْقَافِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا، وَهُوَ وَلَدُ الرَّجُلِ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (وَ) عَلَى (أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ) لِصِدْقِ اللَّفْظِ بِهِمْ. أَمَّا فِي الذُّرِّيَّةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] إلَى أَنْ ذَكَرِ عِيسَى، وَلَيْسَ هُوَ إلَّا وَلَدُ الْبِنْتِ وَالنَّسْلُ وَالْعَقِبُ فِي مَعْنَاهُ (إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى مَنْ يَنْتَسِبُ إلَيَّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، فَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، بَلْ إلَى آبَائِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» . أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي النِّكَاحِ. فَإِنْ قِيلَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ. سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً، وَهُوَ مُشْكِلٌ فِي الْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنِ فِي النَّسَبِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَ الِانْتِسَابِ فِي الْمَرْأَةِ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ، فَيَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَإِلَّا يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْوَقْفِ أَصْلًا، فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ، وَيَكُونُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولًا عَلَى وَقْفِ الرَّجُلِ. تَنْبِيهٌ يَدْخُلُ الْخُنْثَى فِي الْوَقْفِ عَلَى الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، وَالِاشْتِبَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ. نَعَمْ إنَّمَا يُعْطِي الْمُتَيَقِّنَ إذَا فَاضَلَ بَيْنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي إلَى الْبَيَانِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَحَدِهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الصِّنْفِ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ هَذَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْمَالَ يُصْرَفُ إلَى مَنْ عَيَّنَهُ مِنْ الْبَنِينَ أَوْ الْبَنَاتِ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِنَصِيبِ الْخُنْثَى، بَلْ يُوقَفُ نَصِيبُهُ إلَى الْبَيَانِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ عَلَى الصَّحِيحِ لِانْتِفَاءِ نَسَبِهِ عَنْهُ، فَلَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ دَخَلَ جَزْمًا، وَالْمُسْتَحَقُّونَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ حِمْلًا عِنْدَ الْوَقْفِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَلَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ نَخْلَةً فَخَرَجَتْ ثَمَرَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْحَمْلِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ شَيْءٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اسْتَحَقَّ كَالْمِيرَاثِ. . أُجِيبَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 543 وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُعْتِقٌ وَمُعْتَقٌ قُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ يَبْطُلُ، وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ كَوَقَفْت عَلَى مُحْتَاجِي   [مغني المحتاج] بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا تَسْمِيَتُهُ وَلَدًا، وَهُوَ لَا يُسَمَّى كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْإِرْثِ. وَأَمَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ: فَيَسْتَحِقُّ قَطْعًا، وَكَذَا الْأَوْلَادُ الْحَادِثُ عُلُوقُهُمْ بَعْدَ الْوَقْفِ يَسْتَحِقُّونَ إذَا انْفَصَلُوا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ دَخَلَ فِيهِمْ الْبَنَاتُ؛ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْقَبِيلَةِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلَا يَدْخُلُ الْأَخَوَاتُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْإِخْوَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي آخِرِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِدُخُولِهِنَّ. (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مُعْتِقٌ) بِكَسْرِ التَّاءِ (وَمُعْتَقٌ) بِفَتْحِ التَّاءِ (قُسِمَ) الْمَوْقُوفُ (بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ عَلَى الصِّنْفَيْنِ لَا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عَلَى الرَّاجِحِ (وَقِيلَ يَبْطُلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْعُمُومِ لِاخْتِلَافِ مَعْنَاهُمَا، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَلَهُ مُعْتِقٌ وَمُعْتَقٌ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَطْعًا، فَلَوْ طَرَأَ الْآخَرُ بَعْدَهُ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ النَّقِيبِ دُخُولَهُ قِيَاسًا عَلَى الْأَوْلَادِ. أُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمَوْلَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَقَدْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ، وَهِيَ الِانْحِصَارُ فِي الْمَوْجُودِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ، فَصَارَ الْمَعْنَى الْآخَرُ غَيْرَ مُرَادٍ. وَأَمَّا مَعَ الْقَرِينَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا أَوْ عُمُومًا عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ مُقَرَّرٍ فِي الْأُصُولِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْإِخْوَةِ، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ وَاحِدَةٌ، وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ، فَمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْوَاقِفُ بِالْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِ فَيُتْبَعُ تَقْيِيدُهُ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَخْتَصُّ بِحَالَةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَتَّجِهُ التَّشْرِيكُ فِي الْأَفْرَادِ كَوَقَفْت عَلَى مَوْلَايَ وَيَنْقَدِحُ مُرَاجَعَةُ الْوَاقِفِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ كَأَصْلِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْمَوَالِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَإِذَا اقْتَضَى الْحَالُ الصَّرْفَ إلَى الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ بِتَصْرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَنْ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمَوَالِي لَا حَالَ الْوَصِيَّةِ وَلَا حَالَ الْمَوْتِ، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِالْمَوْتِ أَنَّ مَنْ عَتَقَ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَقْفِ يَدْخُلُ (وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ) أَوْ مُفْرَدَاتٍ (مَعْطُوفَةٍ) لَمْ يَتَخَلَّلْهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ (تُعْتَبَرُ) تِلْكَ الصِّفَةُ (فِي الْكُلِّ) مِنْ تِلْكَ الْجُمَلِ أَوْ الْمُفْرَدَاتِ (كَوَقَفْت عَلَى مُحْتَاجِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 544 أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي، وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةُ عَلَيْهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا عُطِفَ بِوَاوٍ: كَقَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ أَوْ إلَّا أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ.   [مغني المحتاج] أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي) وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ (وَإِخْوَتِي، وَكَذَا) الصِّفَةُ (الْمُتَأَخِّرَةُ عَلَيْهَا) أَيْ عَنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (وَالِاسْتِثْنَاءُ) يُعْتَبَرَانِ فِي الْكُلِّ (إذَا عُطِفَ) فِيهِمَا (بِوَاوٍ كَقَوْلِهِ) فِي الْمُتَأَخِّرَةِ وَقَفْت (عَلَى أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ) وَالْمُحْتَاجُ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ مُرَاجَعَةَ الْوَاقِفِ إنْ أَمْكَنَ (وَإِلَّا أَنْ يَفْسُقَ بَعْضُهُمْ) لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْمُتَعَلِّقَاتِ كَالصِّفَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِجَامِعِ عَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ، وَإِنْ عَطَفَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمُتَعَاطِفَاتِ بِثُمَّ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِكَلَامٍ طَوِيلٍ اُخْتُصَّتْ الصِّفَةُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَعْطُوفِ الْأَخِيرِ فَالشَّرْطُ فِي عَوْدِهِمَا لِلْجَمِيعِ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ، وَأَنْ لَا يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ طَوِيلٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لَهُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ الْعَوْدُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِثُمَّ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: إنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَاوِ بَلْ الضَّابِطُ وُجُودُ عَاطِفٍ جَامِعٍ بِالْوَضْعِ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ اهـ. وَهَذَا الْمُخْتَارُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَتَقْدِيمُ الصِّفَةِ عَلَى الْمُتَعَاطِفَاتِ كَتَأْخِيرِهَا عَنْهَا فِي عَوْدِهَا إلَى الْجَمِيعِ، وَكَذَا الْمُتَوَسِّطَةُ، وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: الظَّاهِرُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ اهـ. وَمِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ الِاسْتِثْنَاءُ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجُمَلِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعَطْفِ، فَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهَا بِلَا عَطْفٍ حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَبْدِي حُرٌّ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ. تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِثَالٌ لِعَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ لَا الْجُمَلِ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ عَامِلٌ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى زَوْجَاتِهِ أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَبَنَاتِهِ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ فَتَزَوَّجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ خَرَجَتْ، وَلَا تَعُودُ إذَا طَلُقَتْ أَوْ فَارَقَتْ بِفَسْخٍ أَوْ وَفَاةٍ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ وَقَفَ عَلَى بَنَاتِهِ الْأَرَامِلِ فَتَزَوَّجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ثُمَّ طَلُقَتْ عَادَ اسْتِحْقَاقُهَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي الْبَنَاتِ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَ الْبَنَاتِ الْأَرَامِلِ، وَبِالطَّلَاقِ صَارَتْ أَرْمَلَةً، وَهُنَا جَعَلَهَا مُسْتَحِقَّةً إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَبِالطَّلَاقِ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا تَزَوَّجَتْ، وَمُقْتَضَى هَذَا وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي، وَأَصْلُهُ مَنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَرْمَلَةٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا الَّتِي فَارَقَهَا زَوْجُهَا، وَفِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَعَلَى هَذَا فَلَا سُؤَالَ. . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 545 فَصْلٌ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: أَيْ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ، فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَمَنَافِعُهُ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ الْمَعْنَوِيَّةِ] ِ (الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ (يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ انْتِقَالَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ (أَيْ يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ) ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ. قَالَ الْإِمَامُ فِي الشَّامِلِ: لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْعِبَادِ مِلْكُ الرِّقَابِ وَإِنْ أُطْلِقَ تَوَسُّعًا، فَالْمَالِكُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ (فَلَا يَكُونُ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَجْهُ بَقَاءِ الْمِلْكِ لِلْوَاقِفِ أَنَّهُ حَبَسَ الْأَصْلَ وَسَبَّلَ الثَّمَرَةَ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِهِ، وَوَجْهُ الثَّالِثِ الْإِلْحَاقُ بِالصَّدَقَةِ. فَإِنْ قِيلَ الْوَقْفُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَهُوَ يَدُلُّ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالثُّبُوتِ هُوَ الرِّيعُ، وَهُوَ حَقٌّ آدَمِيٌّ، وَلَوْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً انْفَكَّ عَنْهَا اخْتِصَاصُ الْآدَمِيِّ قَطْعًا، وَمِثْلُهَا الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَنَحْوُهُمَا. (وَمَنَافِعُهُ) أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمِلْكَ بِقَوْلِهِ (يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَلَكِنْ لَا يُؤَجِّرُ إلَّا إذَا كَانَ نَاظِرًا أَوْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ. نَعَمْ لِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ لِيُؤَجِّرَهَا لِلْعِمَارَةِ إنْ اقْتَضَاهَا الْحَالُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ لَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْخَرَابِ، وَفُهِمَ مِنْ تَجْوِيزِ الْإِعَارَةِ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ كَالْفُقَرَاءِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بَلْ الِانْتِفَاعَ، أَوْ قُيِّدَ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ بِالْقَرْيَةِ مَثَلًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا غَيْرَهُ بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَقَضِيَّةُ هَذَا مَنْعُ إعَارَتِهَا. وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالْمُسَامَحَةِ بِإِعَارَةِ بَيْتِ الْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا وَلِيَ دَارَ الْحَدِيثِ وَفِيهَا قَاعَةٌ لِلشَّيْخِ لَمْ يَسْكُنْهَا وَأَسْكَنَهَا غَيْرَهُ، فَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: لِتُشْغَلْ وَيُعْطَى الْمُعَلِّمُ غَلَّتَهَا لَمْ يَسْكُنْهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ حَصَلَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ نَقْصٌ فِي عَيْنِ الْمَوْقُوفِ كَرَصَاصِ الْحَمَّامِ وَاسْتَوْفَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَذْهَبَتْهُ النَّارُ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 546 وَيَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَفَوَائِدُهُ كَثَمَرَةٍ وَصُوفٍ وَلَبَنٍ، وَكَذَا الْوَلَدُ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي يَكُونُ وَقْفًا وَلَوْ مَاتَتْ الْبَهِيمَةُ اخْتَصَّ   [مغني المحتاج] الرَّصَاصِ مِمَّا قَبَضَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَصَرَفَهُ فِي مِثْلِهِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ تَفَقُّهًا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَقْفِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ مِلْكَهُ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ بِئْرًا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَيُدْفَنَ فِيهِ وَيَسْتَقِيَ مِنْهُ (وَيَمْلِكُ الْأُجْرَةَ) لِلْمَوْقُوفِ كَمَا لَوْ أَجَرَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَنَافِعِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ هَذَا أَنَّ النَّاظِرَ لَوْ أَجَرَ الْوَقْفَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُرَاجِعْهُ. (وَ) يَمْلِكُ أَيْضًا (فَوَائِدُهُ) الْحَاصِلَةَ بَعْدَ الْوَقْفِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ شَرَطَ أَنَّهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (كَثَمَرَةٍ) وَأَغْصَانِ خِلَافٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعْتَادُ قَطْعُهُ، لِأَنَّهَا كَالثَّمَرَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا يُعْتَادُ قَطْعُهُ. نَعَمْ إنْ شَرَطَ قَطْعَ الْأَغْصَانِ الَّتِي لَا يُعْتَادُ قَطْعُهَا مَعَ ثِمَارِهَا كَانَتْ لَهُ، قَالَهُ الْإِمَامُ. أَمَّا الثَّمَرَةُ الْمَوْجُودَةُ حَالَ الْوَقْفِ، فَهِيَ لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَتْ مُؤَبَّرَةً وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (وَصُوفٍ) وَشَعَرٍ وَوَبَرٍ وَرِيشٍ (وَلَبَنٍ وَكَذَا) . (الْوَلَدُ) الْحَادِثُ بَعْدَ الْوَقْفِ يَمْلِكُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ عِنْدَ شَرْطِ الْوَلَدِ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ (وَالثَّانِي: يَكُونُ وَقْفًا) تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْوَقْفِ فَوَلَدُهَا وَقْفٌ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَا عَلَى الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَنَحْوُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مِلْكِهِ لِوَلَدِ الْأَمَةِ إذَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَعَلَى الْوَاطِئِ قِيمَتُهُ وَتَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ جَعَلْنَا الْوَلَدَ مِلْكًا لَهُ، وَإِلَّا فَيُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ وَيُوقَفُ كَمَا قَالَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا يُشْتَرَى بِهِ عَبْدٌ إذَا كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا وَإِلَّا فَأُنْثَى كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمَوْقُوفُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حِينَ انْعِقَادِهِ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلْوَقْفِيَّةِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ إذَا قُتِلَتْ فَشِرَاءُ الْعَبْدِ بِالْقِيمَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْأَمَةِ وَيُكْسِبُهُ مَا لَا تُكْسِبُهُ فَهُوَ أَصْلَحُ لِلْوَقْفِ، وَخَرَجَ بِعِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقْفُ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ فَفَوَائِدُهَا مِنْ دَرٍّ وَنَحْوِهِ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ وَالْحَيَوَانُ الْمَوْقُوفُ لِلْإِنْزَاءِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْإِنْزَاءِ. نَعَمْ لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِنْزَاءِ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْوَاقِفِ لَهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَلَوْ مَاتَتْ الْبَهِيمَةُ) الْمَوْقُوفَةُ (اخْتَصَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 547 بِجِلْدِهَا وَلَهُ مَهْرُ الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ إنْ صَحَّحْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ إذَا أُتْلِفَ بَلْ   [مغني المحتاج] بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ انْدَبَغَ وَلَوْ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا عَادَ وَقْفًا، قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَعَبَّرْت بِالِاخْتِصَاصِ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، وَإِنْ قَطَعَ بِمَوْتِ الْبَهِيمَةِ الْمَوْقُوفَةِ الْمَأْكُولَةِ جَازَ ذَبْحُهَا لِلضَّرُورَةِ، وَهَلْ يَفْعَلُ الْحَاكِمُ بِلَحْمِهَا مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً أَوْ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ دَابَّةٌ مِنْ جِنْسِهَا وَتُوقَفُ؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْأَوَّلَ ابْنُ الْمُقْرِي وَالثَّانِيَ: صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِمَوْتِهَا لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ الِانْتِفَاعِ كَمَا لَا يَجُوزُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا حَيَّةً، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْجَوَازِ. (وَلَهُ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (مَهْرُ) وَطْءِ (الْجَارِيَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) أَوْ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ (أَوْ نِكَاحٍ إنْ صَحَّحْنَاهُ) أَيْ نِكَاحَهَا (وَهُوَ الْأَصَحُّ) إذَا زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ الْوَاقِفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَأَذِنَ لَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَوَائِدِ كَالثَّمَرَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَاقِفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْإِذْنُ فِي تَزْوِيجِهَا وَإِنْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَلْ لَوْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ إنْ قَبِلَ الْوَقْفَ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ، وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِلْوَاقِفِ أَيْضًا. وَإِذَا وَطِئَهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَلَا قِيمَةُ وَلَدِهَا الْحَادِثِ بِتَلَفِهِ أَوْ بِانْعِقَادِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَلَدُ الْمَوْقُوفَةِ الْحَادِثُ لَهُ، وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ كَالْوَاقِفِ، وَلَا أَثَرَ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ أَمَةٍ إذَا وَطِئَهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ صَحَّحْنَاهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَ وَطْءَ شُبْهَةٍ، وَقَدْ قَالَ: إنَّ الْمَهْرَ لَهُ فِي ذَلِكَ. أَمَّا إذَا زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ فَلَا مَهْرَ لَهَا. (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْوَاقِفُ (لَا يَمْلِكُ قِيمَةَ الْعَبْدِ) مَثَلًا (الْمَوْقُوفِ إذَا) تَلِفَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ لِرَقَبَتِهِ أَوْ (أُتْلِفَ) سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ أَمْ الْوَاقِفُ أَمْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ تَعَدِّيًا. أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِلَا تَعَدٍّ فَلَا ضَمَانَ، وَمِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْكِيزَانُ الْمُسَبَّلَةُ عَلَى أَحْوَاضِ الْمَاءِ، وَكَذَا الْكُتُبُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ مَثَلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْهَا بِلَا تَعَدٍّ، وَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ، وَمِنْ التَّعَدِّي اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَا وُقِفَ لَهُ (بَلْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 548 يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَبَعْضُ عَبْدٍ. وَلَوْ جَفَّتْ الشَّجَرَةُ لَمْ يَنْقَطِعْ الْوَقْفُ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا جِذْعًا،   [مغني المحتاج] يُشْتَرَى بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ (عَبْدٌ) مِثْلُهُ فَلَا يُشْتَرَى أَمَةٌ بِقِيمَتِهِ وَلَا عَبْدٌ بِقِيمَةِ أَمَةٍ وَلَا صَغِيرٌ بِقِيمَةِ كَبِيرٍ وَلَا عَكْسُهُ عَلَى أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ) مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ اسْتِمْرَارِ الثَّوَابِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَطْنِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِهِ. تَنْبِيهٌ الَّذِي يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَالْوَقْفَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ خَاصٌّ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِيَكُونَ وَقْفًا إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى يَقِفَهُ الْحَاكِمُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْنِيِّ فِي عِمَارَةِ الْجُدْرَانِ الْمَوْقُوفَةِ وَتَرْمِيمِهَا حَيْثُ يَصِيرُ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ، بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَوْقُوفَ مِثْلًا قَدْ فَاتَ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ بَاقِيَةٌ وَالطِّينُ وَالْحَجَرُ الْمَبْنِيُّ بِهِمَا كَالْوَصْفِ التَّابِعِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) شِرَاءُ عَبْدٍ بِقِيمَةِ التَّالِفِ (فَبَعْضُ عَبْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَى بِقِيمَتِهَا شِقْصُ شَاةٍ لِتَعَذُّرِ التَّضْحِيَةِ بِهِ، وَقِيلَ: يَمْلِكُ الْقِيمَةَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَيَنْتَهِي الْوَقْفُ لَهُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِهَا إلَخْ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الشِّقْصُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يَبْقَى الْبَدَلُ إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ شِرَاءِ شِقْصٍ. ثَانِيهَا: يَكُونُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. ثَالِثُهَا: يَكُونُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَهَذَا أَقْرَبُهَا، وَلَوْ جَنَى الْمَوْقُوفُ جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا اُقْتُصَّ مِنْهُ، وَفَاتَ الْوَقْفُ كَمَا لَوْ مَاتَ، وَإِنْ وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ مَالٌ أَوْ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ فَدَاهُ الْوَاقِفُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِهِ وَلَهُ إنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَاقِفُ ثُمَّ جَنَى الْعَبْدُ أُفْدِيَ مِنْ كَسْبِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَلَا يُفْتَدَى مِنْ تَرِكَةِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْوَارِثِ. (وَلَوْ) تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ الْمَوْقُوفِ بِسَبَبٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ كَأَنْ (جَفَّتْ الشَّجَرَةُ) أَوْ قَلَعَهَا رِيحٌ أَوْ سَيْلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ إعَادَتُهَا إلَى مَغْرِسِهَا قَبْلَ جَفَافِهَا (لَمْ يَنْقَطِعْ الْوَقْفُ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ امْتَنَعَ وَقْفُهَا ابْتِدَاءً لِقُوَّةِ الدَّوَامِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِالْأَصَحِّ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْمُقَابِلَ وَجْهٌ يَقُولُ: إنَّ الْوَقْفَ يَنْقَطِعُ وَيَنْقَلِبُ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ لَا طَرِيقَةً (بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا) حَالَ كَوْنِهَا (جِذْعًا) بِإِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا إدَامَةً لِلْوَقْفِ فِي عَيْنِهَا وَلَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 549 وَقِيلَ تُبَاعُ، وَالثَّمَنُ كَقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالْأَصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ إذَا بَلِيَتْ وَجُذُوعِهِ إذَا انْكَسَرَتْ وَلَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِلْإِحْرَاقِ.   [مغني المحتاج] (وَقِيلَ تُبَاعُ) لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ كَمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ (وَالثَّمَنُ) عَلَى هَذَا حُكْمُهُ (كَقِيمَةِ الْعَبْدِ) الْمُتْلَفِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا بِإِحْرَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ. قِيلَ: تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، لَكِنَّهَا لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ بَلْ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهَا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَصَحَّحَ هَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَنَقْلِهِ أَصْلَهُ عَنْ اخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي، وَلَكِنْ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مِلْكًا بِحَالٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّنَافِي إذْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَبْطُلُ وَتَعُودُ مِلْكًا مُتَنَافِيَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى عَوْدِهِ مِلْكًا أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهِ كَالْإِحْرَاقِ، وَمَعْنَى عَدَمِ بُطْلَانِ الْوَقْفِ أَنَّهُ مَا دَامَ بَاقِيًا لَا يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَمْلَاكِ مِنْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ بَقَاءِ الْوَقْفِ وَعَوْدِهِ مِلْكًا، بَلْ قِيلَ: إنَّ الْمَوْقُوفَ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي حَالِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ مَوْقُوفًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ وَصَارَ الرِّيعُ لَا يَفِي بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَفِي بِهَا فَقَطْ. أَفْتَى ابْنُ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّهُ يَلْتَحِقُ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ: أَيْ بِإِحْرَاقٍ وَنَحْوِهِ فَيُقْلَعُ، وَيُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا صُرِفَ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اهـ. وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ الْقَلْعِ وَانْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَاخْتَارَ الْمُؤَجِّرُ قَلْعَهُ فَيَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ الْوَاقِفِ ابْتِدَاءً اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الرَّيَاحِينِ الْمَغْرُوسَةِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا تَبْقَى مُدَّةً. وَلَوْ اشْتَرَى بِنَاءً عَلَى أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ وَلَمْ يَسْتَأْجِرْهَا ثُمَّ وَقَفَ الْبِنَاءَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ رِيعٌ وَجَبَتْ مِنْهُ الْأُجْرَةُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْ الْوَاقِفَ أُجْرَةٌ لِمَا بَعْدَ الْوَقْفِ، وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَتُهُ بِالتَّفْرِيعِ اهـ. وَإِذَا قَلَعَ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَإِذَا انْقَلَعَتْ أَشْجَارُ الْمَوْقُوفِ أَوْ انْهَدَمَ بِنَاؤُهُ أُجِرَتْ أَرْضُهُ لِمَا لَا يُرَادُ دَوَامُهُ كَزَرْعِهَا أَوْ لِمَا يُرَادُ كَغَرْسٍ، وَشَرْطُ قَلْعِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وَغُرِسَتْ الْأَرْضُ أَوْ بُنِيَتْ بِأُجْرَتِهَا الْحَاصِلَةِ بِإِيجَارِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ بَيْعِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ) الْمَوْقُوفَةِ (إذَا بَلِيَتْ وَجُذُوعِهِ إذَا انْكَسَرَتْ) أَوْ أَشْرَفَتْ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَفُهِمَ حُكْمُ الْمُنْكَسِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَلَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِلْإِحْرَاقِ) لِئَلَّا تَضِيعَ وَيَضِيقَ الْمَكَانُ بِهَا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فَتَحْصِيلُ نَزْرٍ يَسِيرٍ مِنْ ثَمَنِهَا يَعُودُ إلَى الْوَقْفِ أَوْلَى مِنْ ضَيَاعِهَا وَلَا تَدْخُلُ بِذَلِكَ تَحْتَ بَيْعِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومَةِ، وَهَذَا مَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 550 وَلَوْ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ لَمْ يُبَعْ بِحَالٍ.   [مغني المحتاج] جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَى هَذَا يُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْتَرَى بِثَمَنِ الْحَصِيرِ حَصِيرٌ لَا غَيْرُهَا. قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ وَكَالْحُصْرِ فِي ذَلِكَ نُحَاتَةُ الْخَشَبِ وَأَسْتَارُ الْكَعْبَةِ إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَفْعٌ وَلَا جَمَالٌ. وَالثَّانِي: لَا يُبَاعُ مَا ذُكِرَ إدَامَةً لِلْوَقْفِ فِي عَيْنِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي طَبْخِ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ تَقُومُ قِطْعَةٌ مِنْ الْجُذُوعِ مَقَامَ آجُرَّةٍ وَقَدْ تَقُومُ النَّحَاتَةُ مَقَامَ التُّرَابِ وَيَخْتَلِطُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَقَامَ التِّبْنِ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي الطِّينِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ لِنُدْرَةِ اصْطِنَاعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِبَعْضِ الْمَسَاجِدِ فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهَا. أَمَّا الْحُصْرُ الْمَوْهُوبَةُ أَوْ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَسْجِدِ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ لِلْحَاجَةِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إلَّا لِلْإِحْرَاقِ عَمَّا إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا أَلْوَاحٌ أَوْ أَبْوَابٌ فَلَا تُبَاعُ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ جِدَارُ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُنْهَدِمُ إذَا تَعَذَّرَ بِنَاؤُهُ كَالتَّالِفِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ. (وَلَوْ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ) أَوْ تَعَطَّلَ بِخَرَابِ الْبَلَدِ مَثَلًا (لَمْ) يَعُدْ مِلْكًا وَلَمْ (يُبَعْ بِحَالٍ) كَالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ ثُمَّ زَمِنَ وَلَمْ يَنْقَضِ إنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلِإِمْكَانِ عَوْدِهِ كَمَا كَانَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ: أَيْ إذَا لَمْ يُتَوَقَّعْ عَوْدُهُ وَإِلَّا حُفِظَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَمِنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ: إنَّهُ كَمُنْقَطِعِ الْآخِرِ، فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ نُقِضَ وَبَنَى الْحَاكِمُ بِنَقْضِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ وَإِلَّا حِفْظُهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى وَلَا يَبْنِي بِهِ بِئْرًا كَمَا لَا يَبْنِي بِنَقْضِ بِئْرٍ خَرِبَتْ مَسْجِدًا بَلْ بِئْرًا أُخْرَى مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ وَانْحَرَقَ الْوَادِي وَتَعَطَّلَتْ الْقَنْطَرَةُ وَاحْتِيجَ إلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى جَازَ نَقْلُهَا إلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَغَلَّةِ وَقْفِ الثَّغْرِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُلَاصِقُ مِنْ بِلَادِنَا بِلَادَ الْكُفَّارِ إذَا حَصَلَ فِيهِ الْأَمْنُ يَحْفَظُهُ النَّاظِرُ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا وَيَدَّخِرُ مِنْ زَائِدِ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَا يُعَمِّرُهُ بِتَقْدِيرِ هَدْمِهِ وَيَشْتَرِي لَهُ بِالْبَاقِي عَقَارًا وَيَقِفُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَيْهَا. فَرْعٌ تَقَدَّمَ عِمَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ وَيُصْرَفُ رِيعُ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَقْفًا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ فِي الْبِنَاءِ وَالتَّجْصِيصِ الْمُحْكَمِ وَالسُّلَّمِ وَالْبَوَارِي لِلتَّظْلِيلِ بِهَا وَالْمَكَانِسِ لِيُكْنَسَ بِهَا وَالْمَسَاحِي لِيُنْقَلَ بِهَا التُّرَابُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 551 فَصْلٌ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ اُتُّبِعَ، وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] وَفِي ظُلَّةٍ تَمْنَعُ إفْسَادَ خَشَبِ الْبَابِ بِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ، وَفِي أُجْرَةِ قَيِّمٍ لَا مُؤَذِّنٍ وَإِمَامٍ وَحُصْرٍ وَدَهْنٍ؛ لِأَنَّ الْقَيِّمَ يَحْفَظُ الْعِمَارَةَ بِخِلَافِ الْبَاقِي. فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ صُرِفَ مِنْ رِيعِهِ لِمَنْ ذُكِرَ لَا فِي التَّزْوِيقِ وَالنَّقْشِ، بَلْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَلَا يُصْرَفُ لِحَشِيشِ السَّقْفِ مَا عُيِّنَ لِحَشِيشِ الْحُصْرِ وَلَا عَكْسُهُ، وَلِأَهْلِ الْوَقْفِ الْمُهَايَأَةُ لَا قِسْمَتُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا تَغْيِيرُهُ عَنْ هَيْئَتِهِ كَجَعْلِ الْبُسْتَانِ دَارًا أَوْ حَمَّامًا إلَّا أَنْ يَشْرِطَ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَجُوزُ التَّغْيِيرُ بِحَسْبِهَا عَمَلًا بِشَرْطِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ تَغْيِيرُهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ. وَأَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يُنْقَلَ نَقْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ، وَعَلَيْهِ فَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّبَرَسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ، وَكَذَا فَتْحُ أَبْوَابِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ لِمَصْلَحَةِ السُّكَّانِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ النَّظَرِ عَلَى الْوَقْفِ وَشَرْطِ النَّاظِرِ وَوَظِيفَتِهِ] ِ (إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ) عَلَى وَقْفِهِ (لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ (اُتُّبِعَ) شَرْطُهُ سَوَاءٌ أَفَوَّضَهُ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَمْ أَوْصَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَقَرِّبُ بِالصَّدَقَةِ فَيُتْبَعُ شَرْطُهُ كَمَا يُتْبَعُ فِي مَصَارِفِهَا وَغَيْرِهَا، وَلَوْ جَعَلَ وِلَايَةَ وَقْفِهِ لِفُلَانٍ فَإِنْ مَاتَ فَلِفُلَانٍ جَازَ " وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَلِي أَمْرَ صَدَقَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَهُ إلَى حَفْصَةَ تَلِيهِ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ أُولُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِقَبُولِ الْمَشْرُوطِ لَهُ النَّظَرُ حُكْمُ قَبُولِ الْوَكِيلِ بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ وَفِي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبُولِهِمَا فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لَفْظًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لِأَحَدٍ (فَالنَّظَرُ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ النَّظَرَ الْعَامَّ فَكَانَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَنْبَنِي عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ، وَالْخِلَافُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَجْهَانِ وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِبَلَدٍ وَوَقَفَ عَلَيْهِ وَقْفًا بِبَلَدٍ آخَرَ وَلَمْ يَشْرِطْ النَّظَرَ لِأَحَدٍ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ كَانَ النَّظَرُ عَلَى الْمَسْجِدِ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ. وَوَقَعَ بَعْدَ تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ الْأَرْبَعَةِ فَتْوَى فِيمَنْ شَرَطَ النَّظَرَ لِزَيْدٍ ثُمَّ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِدِمَشْقَ، وَأَفْتَى الْفَزَارِيّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 552 وَشَرْطُ النَّاظِرِ الْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ، وَالِاهْتِدَاءُ إلَى التَّصَرُّفِ. وَوَظِيفَتُهُ الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَتَحْصِيلُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا   [مغني المحتاج] بِأَنَّ النَّظَرَ الْمَشْرُوطَ لِلْحَاكِمِ لَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمٍ مُعَيَّنٍ وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ اخْتِصَاصَ الشَّافِعِيِّ بِالنَّظَرِ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي شُرِطَتْ لِلْحَاكِمِ، وَاَلَّتِي سُكِتَ عَنْ نَظَرِهَا، وَاَلَّتِي آلَ نَظَرُهَا إلَى الْحَاكِمِ. قَالَ: لِأَنَّ الْقَاضِيَ الشَّافِعِيُّ هُوَ الْمَفْهُومُ عُرْفًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَمَتَى قِيلَ: الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَهُوَ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهُ قَيَّدُوهُ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَبُسِطَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ. (وَشَرْطُ النَّاظِرِ الْعَدَالَةُ) وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ رُشَدَاءَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ وِلَايَةٌ كَمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي مَنْصُوبِ الْحَاكِمِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى فِي مَنْصُوبِ الْوَاقِفِ بِالظَّاهِرَةِ كَمَا فِي الْأَبِ وَإِنْ افْتَرَقَا فِي وُفُورِ شَفَقَةِ الْأَبِ، وَخَالَفَ الْأَذْرَعِيُّ فَاعْتَبَرَ فِيهِ الْبَاطِنَةَ أَيْضًا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَ) شَرْطُهُ أَيْضًا (الْكِفَايَةُ) وَفَسَّرَهَا فِي الذَّخَائِرِ بِقُوَّةِ الشَّخْصِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ نَاظِرٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَلَّتْ إحْدَاهُمَا نَزَعَ الْحَاكِمُ الْوَقْفَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ الْوَاقِفَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَوَلَّاهُ اسْتِقْلَالًا فَيُوَلِّيه مَنْ أَرَادَ، وَأَنَّ النَّظَرَ لَا يُنْتَقَلُ لِمَنْ بَعْدَهُ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ آخَرَ: أَيْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ زَالَ الِاخْتِلَالُ عَادَ نَظَرُهُ إنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْإِمَامِ خِلَافَهُ، وَمَا فِي الْفَتَاوَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ إذَا تَعَيَّنَ. تَنْبِيهٌ فِي ذِكْرِ الْكِفَايَةِ كِفَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ (وَالِاهْتِدَاءُ إلَى التَّصَرُّفِ) وَلِذَلِكَ حَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ الِاهْتِدَاءِ عَلَى الْكِفَايَةِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ، أَوْ يُقَالُ: أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ الْمُهِمَّ مِنْ الْكِفَايَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى مَوَاضِعَ، فَأَثْبَتَ أَهْلِيَّتَهُ فِي مَكَان ثَبَتَ فِي بَاقِي الْأَمَاكِنِ مِنْ حَيْثُ الْأَمَانَةُ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ حَيْثُ الْكِفَايَةُ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ أَهْلِيَّتُهُ فِي سَائِرِ الْأَوْقَافِ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْبَاقِي فَوْقَ مَا أَثْبَتَ أَهْلِيَّتَهُ فِيهِ، أَوْ مِثْلَهُ بِكَثْرَةِ مَصَارِفِهِ وَأَعْمَالِهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا، وَلَا يَتَصَرَّفُ النَّاظِرُ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ وَلَيَّ الْيَتِيمِ. (وَوَظِيفَتُهُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ تَفْوِيضِ جَمِيعِ الْأُمُورِ (الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَتَحْصِيلُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا) عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَحِفْظُ الْأُصُولِ وَالْغَلَّاتِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 553 فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَعَدَّهُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْمُدَرِّسَ هُوَ الَّذِي يُنْزِلُ الْفُقَهَاءَ وَيُقَرِّرُ جَامِكِيَّاتِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ إلَّا تَحْصِيلُ الرِّيعِ وَقَسْمُهُ عَلَى الْمُنْزَلِينَ، وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ: وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ وَنَصْبُ غَيْرِهِ، وَالنَّاظِرُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَاقِفِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ: بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يُقَالُ النَّاظِرُ يُوَلِّي الْمُدَرِّسَ وَهُوَ يُنْزِلُ الطَّلَبَةَ فَالْمُدَرِّسُ فَرْعُ النَّاظِرِ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْفَرْعُ عَلَى الْأَصْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يَتَعَدَّهُ) اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ كَالْوَكِيلِ. ؛ 1 وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ شَيْئًا مِنْ الرِّيعِ جَازَ وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ النَّظَرُ لَهُ وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْغَسَّالِ وَنَحْوِهِ، فَلَوْ رَفَعَ النَّاظِرُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَهُوَ كَمَا إذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ فَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً. وَلَوْ ادَّعَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ صَرْفَ الرِّيعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، فَإِنْ كَانُوا مُعَيَّنِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَلَهُمْ مُطَالَبَتُهُ بِالْحِسَابِ، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ فَهَلْ لِلْإِمَامِ مُطَالَبَتُهُ بِالْحِسَابِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ وَيُصَدَّقُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَهُ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ الْحَاكِمُ حَلَّفَهُ، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْفَاقُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ، وَفِي مَعْنَاهُ الصَّرْفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ، بِخِلَافِ إنْفَاقِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ. وَلَوْ فَوَّضَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِاثْنَيْنِ لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِعَدْلَيْنِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا عَدْلٌ نَصَّبَ الْحَاكِمُ آخَرَ، وَإِنْ شَرَطَهُ لِلْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَالْأَرْشَدُ، فَأَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا فِي النَّظَرِ بِلَا اسْتِقْلَالٍ إنْ وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَدِيَّةَ قَدْ سَقَطَتْ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ فِيهَا وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ، وَإِنْ وُجِدَتْ الْأَرْشَدِيَّةُ فِي بَعْضٍ مِنْهُمْ اُخْتُصَّ بِالنَّظَرِ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ لِصِدْقِهِ بِهِ. وَلَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: جَعَلْت النَّظَرَ لِفُلَانٍ، وَلَهُ أَنْ يُفَوِّضَ النَّظَرَ إلَى مَنْ أَرَادَ فَفَوَّضَ النَّظَرَ إلَى شَخْصٍ فَهَلْ يَزُولُ نَظَرُ الْمُفَوِّضِ، أَوْ يَكُونُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ وَكِيلًا عَنْ الْمُفَوِّضِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُفَوِّضُ هَلْ يَبْقَى النَّظَرُ لِلْمُفَوَّضِ إلَيْهِ، أَوْ مَاتَ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ هَلْ يَعُودُ لِلْمُفَوِّضِ أَوْ لَا؟ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ مَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِإِنْسَانٍ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُسْنِدَ إلَى مَنْ شَاءَ، وَكَذَلِكَ سَنَدٌ بَعْدَ سَنَدٍ فَأَسْنَدَ إلَى إنْسَانٍ فَهَلْ لِلْمُسْنِدِ عَزْلُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ أَوْ لَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 554 وَلِلْوَاقِفِ عَزْلُ مَنْ وَلَّاهُ، وَنَصْبُ غَيْرِهِ. إلَّا أَنْ يَشْرِطَ نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ.   [مغني المحتاج] وَهَلْ يَعُودُ النَّظَرُ إلَى الْمُسْنَدِ أَوْ لَا؟ وَلَوْ أَسْنَدَ الْمُسْنَدُ أَوْ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ إلَى ثَالِثٍ فَهَلْ لِلْأَوَّلِ عَزْلُهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ لَيْسَ لِلْمُسْنِدِ عَزْلُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَلَا مُشَارَكَتُهُ، وَلَا يَعُودُ النَّظَرُ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلثَّانِي عَزْلُ الثَّالِثِ الَّذِي أَسْنَدَ إلَيْهِ الثَّانِي. (وَلِلْوَاقِفِ) النَّاظِرِ (عَزْلُ مَنْ) أَيِّ شَخْصٍ (وَلَّاهُ) النَّظَرَ (وَنَصْبُ غَيْرِهِ) مَكَانَهُ كَمَا يَعْزِلُ الْمُوَكِّلُ وَكِيلَهُ وَيُنَصِّبُ غَيْرَهُ وَكَانَ الْمُتَوَلِّي نَائِبًا عَنْهُ. أَمَّا غَيْرُ النَّاظِرِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَوْلِيَةٌ وَلَا عَزْلٌ بَلْ هِيَ لِلْحَاكِمِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ لَهُ الْعَزْلَ بِلَا سَبَبٍ، وَبِهِ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاقِفِ وَلِلنَّاظِرِ الَّذِي مِنْ جِهَتِهِ عَزْلُ الْمُدَرِّسِ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي إسْكَانِ هَذِهِ الدَّارِ لِفَقِيرٍ، فَلَهُ أَنْ يُسْكِنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا سَكَنَهَا فَقِيرٌ مُدَّةً فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُسَكِّنَ غَيْرَهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَلَيْسَ تَعْيِينُهُ لِذَلِكَ يُصَيِّرُهُ كَأَنَّهُ مُرَادُ الْوَاقِفِ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَغْيِيرُهُ وَبَسَطَ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ بَابِ الْقِسْمَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ إسْقَاطَ بَعْضِ الْأَجْنَادِ الْمُثَبَّتِينَ فِي الدِّيوَانِ بِسَبَبٍ جَازَ، أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي النَّظَرِ الْعَامِّ فَفِي النَّظَرِ الْخَاصِّ الْمُقْتَضِي لِلِاحْتِيَاطِ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجْنَادَ الْمُثَبَّتِينَ فِي الدِّيوَانِ قَدْ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمَنْ شَرَعَ فِيهِ أَوْ رَبَطَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: عَزْلُ النَّاظِرِ لِلْمُدَرِّسِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ مُسَوِّغٍ لَا يَنْفُذُ وَيَكُونُ قَادِحًا فِي نَظَرِهِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْفُذَ وَإِنْ كَانَ عَزْلُهُ غَيْرَ جَائِزٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ: لَا يَنْعَزِلُ أَصْحَابُ الْوَظَائِفِ الْخَاصَّةِ كَالْإِمَامَةِ وَالْإِقْرَاءِ وَالتَّصَوُّفِ وَالتَّدْرِيسِ وَالطَّلَبِ وَالنَّظَرِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ ابْنُ رَزِينٍ فَقَالَ: مَنْ تَوَلَّى تَدْرِيسًا لَا يَجُوزُ عَزْلُهُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِدُونِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الْعَزْلِ قَوْلَهُ (إلَّا أَنْ يَشْرِطَ) الْوَاقِفُ لِشَخْصٍ (نَظَرَهُ حَالَ الْوَقْفِ) فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَغْيِيرَ لِمَا شَرَطَهُ كَمَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُ مَنْ شَرَطَ تَدْرِيسَهُ أَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ حَالَ الْوَقْفِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْفُقَرَاءِ لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهُمْ بِالْأَغْنِيَاءِ، بِخِلَافِ مَنْ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ لَهُ عَزْلَهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 555 وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] شَيْخُنَا: تَقْيِيدُهُ فِي تَفْوِيضِ التَّدْرِيسِ بِمَا إذَا كَانَتْ جُنْحَةً، وَلَوْ عَزَلَ النَّاظِرُ بِالشَّرْطِ نَفْسَهُ أَوْ فَسَقَ فَتَوْلِيَةُ غَيْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ لَا إلَى الْوَاقِفِ، إذْ لَا نَظَرَ لَهُ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ النَّظَرَ فِي حَالِ الْوَقْفِ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ شَرَطَ النَّظَرَ حَالَ الْوَقْفِ لِزَيْدٍ بَعْدَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ مِنْ عَمْرٍو إلَى الْفُقَرَاءِ، فَعَزَلَ زَيْدٌ نَفْسَهُ مِنْ النَّظَرِ، أَوْ اسْتَنَابَ فِيهِ غَيْرَهُ قَبْلَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ مِنْ عَمْرٍو إلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ الْعَزْلُ وَلَا الِاسْتِنَابَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَاظِرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يَمْلِكُ الْوَاقِفُ عَزْلَ زَيْدٍ فِي الْحَالِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ) الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى غَيْرِهِ مُدَّةً بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ (فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ) عَلَيْهَا (لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ جَرَى بِالْغِبْطَةِ فِي وَقْتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ مَالَ الطِّفْلِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ الْقِيَمُ بِالْأَسْوَاقِ، أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ. وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ إذَا كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ وَالطَّالِبُ ثِقَةٌ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الْغِبْطَةِ. أَمَّا إذَا أَجَّرَ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا وَلَوْ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ الْمُطْلَقُ بِهِ أَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْمَوْقُوفَ عَلَى غَيْرِهِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَا إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ حَالَةَ الْعَقْدِ، ثُمَّ تَغَيَّرَتْ الْأَحْوَالُ وَطَرَأَتْ أَسْبَابٌ تُوجِبُ زِيَادَةَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ، وَيَتَبَيَّنُ خَطَأُ الشَّاهِدَيْنِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْمَنَافِعِ فِي مُدَّةٍ مُمْتَدَّةٍ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا اسْتَمَرَّ الْحَالُ الْمَوْجُودَةُ حَالَةَ التَّقْوِيمِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ هَذَا التَّقْوِيمُ كَتَقْوِيمِ السِّلْعَةِ الْحَاضِرَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا، وَاَلَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَيْهَا الرَّغَبَاتُ حَالَةَ الْعَقْدِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا عَسَاهُ يَتَجَدَّدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ وَالزَّهَادَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا لَا تَبْقَى عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَطَالَ فِي رَدِّ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ لَا خَفَاءَ فِيهِ. خَاتِمَةٌ نَفَقَةُ الْمَوْقُوفِ وَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ وَعِمَارَتِهِ مِنْ حَيْثُ شَرَطَهَا الْوَاقِفُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَإِلَّا فَمِنْ مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ كَكَسْبِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْعَقَارِ، فَإِذَا تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ فَالنَّفَقَةُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ لَا الْعِمَارَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَجُهِلَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ أَوْ الْمَقَادِيرِ بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ سَوَّى الْوَاقِفُ بَيْنَهُمْ أَوْ فَاضَلَ، قُسِّمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي شَرْطِهِ وَلَا بَيِّنَةَ، وَلِأَحَدِهِمْ يَدٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 556 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لِاعْتِضَادِ دَعْوَاهُ بِالْيَدِ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا عُمِلَ بِقَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ، أَوْ مَيِّتًا فَوَارِثُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَنَاظِرُهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ لَا الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ وُجِدَ الْوَارِثُ وَالنَّاظِرُ، فَالنَّاظِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَبِيلَةٍ كَالطَّالِبِينَ أَجْزَأَ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ اشْتَرَطَ ثَلَاثَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْغُرَبَاءُ وَفُقَرَاءُ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَلِلنَّاظِرِ الِاقْتِرَاضُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَلَوْ نَبَتَتْ شَجَرَةٌ بِمَقْبَرَةٍ فَثَمَرَتُهَا مُبَاحَةٌ لِلنَّاسِ تَبَعًا لِلْمَقْبَرَةِ وَصَرْفُهَا إلَى مَصَالِحِ الْمَقْبَرَةِ أَوْلَى مِنْ تَبْقِيَتِهَا لِلنَّاسِ لَا ثَمَرَ شَجَرَةٍ غُرِسَتْ لِلْمَسْجِدِ فِيهِ، فَلَيْسَتْ مُبَاحَةً بِلَا عِوَضٍ، بَلْ يَصْرِفُ الْإِمَامُ عِوَضَهَا لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا خَرَجَتْ الشَّجَرَةُ عَنْ مِلْكِ غَارِسِهَا هُنَا بِلَا لَفْظٍ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَخَرَجَ بِغَرْسِهَا لِلْمَسْجِدِ غَرْسُهَا مُسَبَّلَةً، فَيَجُوزُ أَكْلُهَا بِلَا عِوَضٍ، وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ نِيَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ وَتُقْطَعُ الشَّجَرَةُ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ بَلْ إنْ جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ فَلِلْإِمَامِ قَطْعُهَا، وَإِنْ أَدْخَلَهَا الْوَاقِفُ فِي الْوَقْفِ، وَالْوَقْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَا وُقِفَ لَهُ ضَمِنَهُ، فَإِنْ انْكَسَرَ الْقِدْرُ بِلَا تَعَدٍّ، فَإِنْ تَطَوَّعَ أَحَدٌ بِإِصْلَاحِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا أُعِيدَ صَغِيرًا بِبَعْضِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَقَصْعَةٌ أَوْ مِغْرَفَةٌ أَوْ نَحْوُهَا وَلَا حَاجَةَ إلَى إنْشَاءِ وَقْفٍ، وَلَوْ وَقَفَ دُهْنًا لِإِسْرَاجِ الْمَسْجِدِ بِهِ أُسْرِجَ كُلَّ اللَّيْلِ إلَّا أَنْ لَا يُتَوَقَّعَ حُضُورُ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاعًا جَائِزًا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَاقِعَةً عَنْ السُّبْكِيّ: قَالَ لِي ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَفْتَيْت بِبُطْلَانِ خِزَانَةِ كُتُبٍ وَقَفَهَا وَاقِفٌ لِتَكُونَ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فِي مَدْرَسَةِ الصَّالِحِيَّةِ بِمِصْرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَنَظِيرُهُ إحْدَاثُ مِنْبَرٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إحْدَاثُ كُرْسِيِّ مُصْحَفٍ مُؤَبَّدٍ يُقْرَأُ فِيهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ قَالَ: وَالْعَجَبُ مِنْ قُضَاةٍ يُثْبِتُونَ وَقْفَ ذَلِكَ شَرْعًا " وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " وَسُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ أَرْضًا بِهَا أَشْجَارُ مَوْزٍ وَالْعَادَةُ أَنَّ شَجَرَ الْمَوْزِ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَزَالَتْ الْأَشْجَارُ بَعْدَ أَنْ نَبَتَتْ مِنْ أُصُولِهَا أَشْجَارٌ ثُمَّ أَشْجَارٌ عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ. فَأَجَابَ: الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ أُصُولِ الْمَوْزِ وَفِرَاخِهِ وَقْفٌ وَمَا نَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْفِرَاخِ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الْوَقْفِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ وَقْفٍ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ إذَا قَتَلَهُ وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهِ عَبْدًا آخَرَ فَإِنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ وَقْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ فَاتَ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ بَاقِيَةٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 557 كِتَابُ الْهِبَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْهِبَةِ] ِ تُقَالُ لِمَا يَعُمُّ الْهَدِيَّةَ وَالصَّدَقَةَ، وَلِمَا يُقَابِلُهُمَا، وَاسْتُعْمِلَ الْأَوَّلُ فِي تَعْرِيفِهَا وَالثَّانِي: فِي أَرْكَانِهَا وَسَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا عَلَى الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] وَقَوْلُهُ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهَا الْهِبَةُ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْهِبَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَالْهِبَةُ: بِرٌّ، وَلِأَنَّهَا سَبَبُ التَّوَادِّ وَالتَّحَابِّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَقَبِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةَ الْمُقَوْقَسِ الْكَافِرِ وَتَسَرَّى مِنْ جُمْلَتِهَا بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ وَأَوْلَدَهَا، وَقَبِلَ هَدِيَّةَ النَّجَاشِيِّ الْمُسْلِمِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا وَهَادَاهُ أَيْضًا " وَقَدْ يُعْرَضُ لَهَا أَسْبَابٌ تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ: مِنْهَا الْهِبَةُ لِأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ وَالْعُمَّالِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَاتِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ قَبْلَ الْوِلَايَةِ كَمَا هُوَ مُحَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمُتَّهَبُ يَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَصَرْفُهَا فِي الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ أَفْضَلُ مِنْ صَرْفِهَا فِي غَيْرِهِمْ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَلِمَا رُوِيَ فِي الثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 558 التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ هِبَةٌ فَإِنْ مَلَّكَ مُحْتَاجًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَصَدَقَةٌ، فَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ.   [مغني المحتاج] الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ» وَالصَّرْفُ إلَى الْأَوَّلِ أَفْضَلُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِهَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، فَقَالَ (التَّمْلِيكُ) لِعَيْنٍ (بِلَا عِوَضٍ) فِي حَالِ الْحَيَاةِ تَطَوُّعًا (هِبَةٌ) فَخَرَجَ بِالتَّمْلِيكِ الْعَارِيَّةُ وَالضِّيَافَةُ وَالْوَقْفُ، وَبِالْعَيْنِ الدَّيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا، وَبِنَفْيِ الْعِوَضِ مَا فِيهِ عِوَضٌ كَالْبَيْعِ وَلَوْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَبِالْحَيَاةِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبُولِ وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبِالتَّطَوُّعِ الْوَاجِبِ مِنْ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَكَانَ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ كَمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ الْهِبَةُ تَمْلِيكٌ إلَخْ، فَإِنَّ الْهِبَةَ هِيَ الْمُحَدَّثُ عَنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى حَصْرِ الْهِبَةِ فِي التَّمْلِيكِ مَا لَوْ أُهْدِيَ إلَى غَنِيٍّ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ عَقِيقَةٍ، فَإِنَّهُ هِبَةٌ وَلَا تَمْلِيكَ فِيهِ، وَمَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ، بَلْ فِيهِ تَمْلِيكٌ. لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ، وَإِطْلَاقُهُمْ التَّمْلِيكَ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الْأَعْيَانَ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْهِبَةَ بِثَوَابٍ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْهِبَةِ لِوُجُودِ الْعِوَضِيَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزُّبَيْرِيُّ. ثُمَّ قَسَّمَ التَّمْلِيكَ الْمَذْكُورَ إلَى الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ مَلَّكَ) بِلَا عِوَضٍ (مُحْتَاجًا) شَيْئًا (لِثَوَابِ الْآخِرَةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا (فَصَدَقَةٌ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ، وَالتَّحْقِيقُ، كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحَاجَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ قَالَ السُّبْكِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الْحَاجَةُ أَوْ قَصْدُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ، وَيُثَابُ عَلَيْهَا إذَا قَصَدَ الْقُرْبَةَ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ مَلَّكَ غَنِيًّا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ (فَإِنْ نَقَلَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مَعَ قَصْدِ الثَّوَابِ (إلَى مَكَانِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إكْرَامًا لَهُ فَهَدِيَّةٌ) أَيْضًا، أَوْ بِدُونِ قَصْدِ الثَّوَابِ فَهَدِيَّةٌ فَقَطْ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ نَقَلَهُ بِالْوَاوِ وَهِيَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْفَاءَ تَوَهُّمٌ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ قِسْمٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هِيَ قَسِيمُهَا، وَإِذَا انْضَمَّ إلَى تَمْلِيكِ الْمُحْتَاجِ بِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ النَّقْلُ إلَى مَكَانِهِ فَتَكُونُ هَدِيَّةً وَصَدَقَةً، وَقَدْ تَجْتَمِعُ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ فِيمَا لَوْ مَلَّكَ مُحْتَاجًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ بِلَا عِوَضٍ وَنَقَلَهُ إلَيْهِ إكْرَامًا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِكْرَامَ لَيْسَ شَرْطًا فَالشَّرْطُ هُوَ النَّقْلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الرِّشْوَةِ. وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْهَدِيَّةِ عَلَى الْعَقَارِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 559 وَشَرْطُ الْهِبَةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا.   [مغني المحتاج] هَذَا الْبَيْتَ مَثَلًا صَحَّ وَبَاعَهُ وَنَقَلَ ثَمَنَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِهْدَاءِ إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ وَتَعْمِيمِهِ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا تَعْرِيفُهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. فَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: عَاقِدٌ وَصِيغَةُ وَمَوْهُوبٌ، وَقَدْ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ بَعْضِ ذَلِكَ فَقَالَ (وَشَرْطُ الْهِبَةِ) لِتَتَحَقَّقَ عَاقِدَانِ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَلَهُمَا شُرُوطٌ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ الْمِلْكُ، وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ وَلِيٍّ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ لِمَا يُوهَبُ لَهُ مِنْ تَكْلِيفٍ وَغَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ لَهُ وَلِيُّهُ فَلَا تَصِحُّ لِحَمْلٍ وَلَا لِبَهِيمَةٍ وَلَا لِرَقِيقِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْهِبَةَ لَهُ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ، وَ (إيجَابٌ وَقَبُولٌ لَفْظًا) مِنْ النَّاطِقِ مَعَ التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ كَالْبَيْعِ. وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَمِنْ صَرِيحِ الْإِيجَابِ وَهَبْتُك وَمَنَحْتُك وَمَلَّكْتُك بِلَا ثَمَنٍ، وَمِنْ صَرِيحِ الْقَبُولِ قَبِلْت وَرَضِيت، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِهِمَا مَسَائِلُ: مِنْهَا الْهِبَةُ الضِّمْنِيَّةُ كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، فَفَعَلَ فَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ هِبَةً وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ لِلْقَبُولِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ نَوْبَتَهَا مِنْ ضَرَّتِهَا لَمْ يُحْتَجْ لِقَبُولِهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ. وَمِنْهَا مَا يَخْلَعُهُ السُّلْطَانُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبُولُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَزَيَّنَهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكًا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ لِزَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ كَذَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ، وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنْ وَهَبَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلِيٌّ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِدَرَاهِمِك لَحْمًا فَاشْتَرَاهُ وَصَحَّحْنَاهُ لِلسَّائِلِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَكُونُ هِبَةً لَا قَرْضًا، وَيَقْبَلُ الْهِبَةَ لِلصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ الْوَلِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ انْعَزَلَ الْوَصِيُّ وَمِثْلُهُ الْقَيِّمُ وَأَثِمَا لِتَرْكِهِمَا الْأَحَظَّ، بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِمَا وَيَقْبَلُهَا السَّفِيهُ نَفْسُهُ وَكَذَا الرَّقِيقُ لَا سَيِّدُهُ وَإِنْ وَقَعَتْ لَهُ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَيَكْفِيهِ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ، وَفِي الذَّخَائِرِ أَنَّ انْعِقَادَ الْهِبَةِ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِالِاسْتِيجَابِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْبَيْعِ: أَيْ فَتَصِحُّ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الْكِتَابَةُ، وَاخْتَارَ فِي الْمَجْمُوعِ صِحَّتَهَا بِالْمُعَاطَاةِ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كِنَايَةٌ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ: لَمْ أُرِدْهَا صَدَقَ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْعَارِيَّةِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْهِبَةِ كَالْبَيْعِ، وَهَلْ يَصِحُّ قَبُولُ بَعْضِ الْمَوْهُوبِ أَوْ قَبُولُ أَحَدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 560 وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ. وَلَوْ قَالَ أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ فَإِذَا مِتَّ فَهِيَ لِوَرَثَتِك فَهِيَ هِبَةٌ،   [مغني المحتاج] شَخْصَيْنِ نِصْفَ مَا وَهَبَ لَهُمَا وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا، كَمَا قَالَ شَيْخِي تَبَعًا لِبَعْضِ الْيَمَانِيِّينَ الصِّحَّةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. إنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَيْسَ بِقَادِحٍ. (وَلَا يُشْتَرَطَانِ) أَيْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ (فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ (بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ مِنْ هَذَا) أَيْ الْمُهْدِي، وَيَكُونُ كَالْإِيجَابِ (وَالْقَبْضُ مِنْ ذَاكَ) أَيْ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَيَكُونُ كَالْقَبُولِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ، وَقَدْ أَهْدَى الْمُلُوكُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِسْوَةَ وَالدَّوَابَّ وَالْجَوَارِيَ كَمَا مَرَّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ» - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَعَنْ أَبَوَيْهَا، وَلَمْ يُنْقَلْ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطَانِ كَالْهِبَةِ، وَحُمِلَ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى الْإِبَاحَةِ رُدَّ بِتَصَرُّفِهِمْ فِي الْمَبْعُوثِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ. وَالْفُرُوجُ لَا تُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ. تَنْبِيهٌ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ احْتِيَاجِ الصَّدَقَةِ إلَى الصِّيغَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ افْتِقَارِهَا إلَيْهَا قَطْعًا. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الظَّاهِرُ لَكِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: إنَّ الصَّدَقَةَ كَالْهَدِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ كَلَامُهُ إنَّمَا يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْهَدِيَّةَ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِبَةِ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ الْهِبَةِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ الْهِبَةُ الْخَاصَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا الْهِبَةُ الْعَامَّةُ الْمُرَادَةُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَقَوْلُهُ لَفْظًا تَأْكِيدٌ وَنَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ الْبَاءِ. فَرْعٌ لَوْ خَتَنَ شَخْصٌ وَلَدَهُ وَاتَّخَذَ دَعْوَةً، فَأُهْدِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ أَصْحَابَ الْهَدَايَا الِابْنُ وَلَا الْأَبُ، حُكِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لِلِابْنِ وَصَحَّحَهُ الْعَبَّادِيُّ وَصَاحِبُ الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَالثَّانِي وَيُحْكَى عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ أَقْوَى وَأَصَحُّ أَنَّهَا لِلْأَبِ، وَلَوْ غَرَسَ شَجَرًا وَقَالَ عِنْدَ غَرْسِهِ: غَرَسْته لِطِفْلِي لَمْ يَمْلِكْهُ، فَإِنْ قَالَ: جَعَلْته لَهُ صَارَ مِلْكَهُ: أَيْ إذَا قَبِلَهُ لَهُ كَمَا مَرَّ. وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الصِّيغَةِ وَتَوْقِيتُهَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ: أَعَمَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ) مَثَلًا: أَيْ جَعَلْتُهَا لَك عُمْرَك أَوْ حَيَاتَك أَوْ مَا عِشْت أَوْ حَيِيت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فَإِذَا مِتَّ) بِفَتْحِ التَّاءِ (فَهِيَ لِوَرَثَتِك) أَوْ لِعَقِبِك كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (فَهِيَ هِبَةٌ) حُكْمًا، وَلَكِنَّهُ طَوَّلَ الْعِبَارَةَ فَيُعْتَبَرُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ، فَإِذَا مَاتَ كَانَتْ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا تَعُودُ لِلْوَاهِبِ بِحَالٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَيُّمَا رَجُلٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 561 وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَعَمَرْتُك فَكَذَا فِي الْجَدِيدِ، وَلَوْ قَالَ فَإِذَا مِتُّ عَادَتْ إلَيَّ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ: أَرْقَبْتُكَ أَوْ   [مغني المحتاج] أَعْمَرَ عُمْرَى فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا» (وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى) قَوْلِهِ: (أَعَمَرْتُك) هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ (فَكَذَا) هِيَ هِبَةٌ (فِي الْجَدِيدِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» وَلَيْسَ فِي جَعْلِهَا لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَا يُنَافِي انْتِقَالَهَا إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنَّ الْأَمْلَاكَ كُلَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِحَيَاتِهِ وَالْقَدِيمُ بُطْلَانُهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعَمَرْتُك سَنَةً (وَ) عَلَى الْجَدِيدِ (لَوْ قَالَ) مَعَ قَوْلِهِ أَعْمَرْتُكَهَا: (فَإِذَا مِتَّ عَادَتْ إلَيَّ) أَوْ إلَى وَارِثِيَّ (فَكَذَا) هِيَ هِبَةٌ وَإِعْمَارٌ صَحِيحٌ (فِي الْأَصَحِّ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَيَلْغُو ذِكْرُ الشَّرْطِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فَهَلَّا بَطَلَتْ الْعُمْرَى كَالْبَيْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ تُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، فَإِذَا بَطَلَتْ يَسْقُطْ مَا يُقَابِلُهَا فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَيَبْطُلُ، وَالْعُمْرَى لَا ثَمَنَ فِيهَا فَلِذَلِكَ صَحَّتْ، وَبِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَقْتَضِي فَسْخًا مُنْتَظَرًا وَلَا يَضُرُّ الْهِبَةَ بِدَلِيلِ هِبَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ وَيَضُرُّ الْبَيْعَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَضِيَّةُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْهِبَةَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَحَّتْ كَالْعُمْرَى وَهُوَ كَذَلِكَ. فَائِدَةٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ إلَّا هَذَا. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ الْعَقْدُ لِفَسَادِ الشَّرْطِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ يَبْطُلُ مِنْ بَابِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ جَعَلْتُهَا لَك عُمْرِي أَوْ عُمْرَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ اللَّفْظِ الْمُعْتَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْقِيتِ الْمِلْكِ، فَإِنَّ الْوَاهِبَ أَوْ زَيْدًا قَدْ يَمُوتُ أَوَّلًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَكَأَنْ لَا تَوْقِيتَ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى كَإِذَا مِتُّ أَوْ جَاءَ فُلَانٌ أَوْ رَأْسُ الشَّهْرِ فَهَذِهِ الدَّارُ لَك عُمْرَك، فَلَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ فَهِيَ لَك عُمْرَك فَوَصِيَّةٌ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنْ الثُّلُثِ (وَلَوْ قَالَ: أَرْقَبْتُك) هَذِهِ الدَّارَ مَثَلًا (أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 562 جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى: أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ. وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ، وَمَا لَا كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ وَضَالٍّ فَلَا إلَّا حَبَّتَيْ   [مغني المحتاج] جَعَلْتُهَا لَك رُقْبَى) وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ مُدَّةَ طُولِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ، وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ لَك فَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ) وَهُوَ الصِّحَّةُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ (وَالْقَدِيمِ) وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّفْسِيرِ فِي عَقْدِ الرُّقْبَى بَلْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْقَبْتُك. نَعَمْ إنْ عَقَدَهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَوَهَبْتُهَا لَك عُمْرَك اُحْتِيجَ لِلتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ. وَالْعُمْرَى وَالرُّقْبَى كَانَا عَقْدَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَطِيَّتَيْنِ مَخْصُوصَتَيْنِ، فَالْعُمْرَى مِنْ الْعُمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا عُمْرَهُ، وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَصِحَّةُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ. لَكِنَّ الْحَدِيثَ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ وَكُلِّ قِيَاسٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِمَا أَمْرٌ وَنَهْيٌ، فَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِمَا لِلنَّهْيِ وَصِحَّتِهِمَا لِلْحَدِيثِ، كَمَا قُلْنَا فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ لَمْ يَبْعُدْ وَبُسِطَ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ فِي الرُّقْبَى مِنْ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ فِي الْعُمْرَى، وَلَوْ جَعَلَ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا دَارِهِ لِلْآخَرِ رُقْبَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ عَادَتْ لِلْآخَرِ فَرُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ ضَابِطًا لَهُ بِضَابِطٍ، فَقَالَ (وَ) كُلُّ (مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ هِبَتُهُ) بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ التَّاءَ مِنْ جَازَ هِبَتُهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْنِيثَ الْهِبَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ أَوْ لِمُشَاكَلَةِ جَازَ بَيْعُهُ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ: مِنْهَا الْجَارِيَةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الرَّاهِنُ أَوْ أَعْتَقَهَا، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا يَجُوزُ هِبَتُهَا لَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا بَيْعُ الْمَوْصُوفِ سَلَمًا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ، وَيَمْتَنِعُ هِبَتُهُ كَوَهَبْتُكَ دِينَارًا فِي ذِمَّتِي ثُمَّ يُعَيِّنُهُ فِي الْمَجْلِسِ. وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ يَصِحُّ بَيْعُهُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَصِحُّ هِبَتُهُ. وَمِنْهَا الْقَيِّمُ وَالْوَصِيُّ عَلَى مَالِ الطِّفْلِ يَصِحُّ مِنْهُمَا بَيْعُ مَالِهِ لَا هِبَتُهُ. وَمِنْهَا هِبَةُ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بِالْإِجَارَةِ، وَفِي هِبَتِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وَهَبَ مَنَافِعَهُ عَارِيَّةً وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وَهَبَ مَنَافِعَهُ أَمَانَةً، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَ) كُلُّ (مَا لَا) يَجُوزُ بَيْعُهُ (كَمَجْهُولٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَى انْتِزَاعِهِ (وَضَالٍّ) وَآبِقٍ، (فَلَا) تَجُوزُ هِبَتُهُ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إلَّا حَبَّتَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 563 حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ وَلِغَيْرِهِ   [مغني المحتاج] حِنْطَةٍ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ كَشَعِيرٍ، فَإِنَّهُمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا لِانْتِفَاءِ الْمُقَابِلِ فِيهِمَا، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِمَّا زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، فَفِي الرَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ أَنَّ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَزَبِيبَةٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ. لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَيْرُهُ إنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ مَا فِي الْمَتْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمِنْهَا إذَا لَمْ تَعْلَمُ الْوَرَثَةُ مِقْدَارَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ الْإِرْثِ، كَمَا لَوْ خَلَّفَ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا خُنْثَى. وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَرَائِضِ أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ الَّذِينَ وَقَفَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ، وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهَالَةٍ وَلَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ لِلضَّرُورَةِ. وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَطَ حَمَامُ بُرْجَيْنِ فَوَهَبَ صَاحِبُ أَحَدِهِمَا نَصِيبَهُ لِلْآخَرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حِنْطَتُهُ بِحِنْطَةِ غَيْرِهِ، أَوْ مَائِعُهُ بِمَائِعِ غَيْرِهِ، أَوْ ثَمَرَتُهُ بِثَمَرَةِ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا تَأْخُذُ مِنْ مَالِي أَوْ تُعْطِي أَوْ تَأْكُلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ دُونَ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ إبَاحَةٌ، وَهِيَ تَصِحُّ مَجْهُولَةً بِخِلَافِهِمَا. وَمِنْهَا صُوفُ الشَّاةِ الْمَجْعُولَةِ أُضْحِيَّةً وَلَبَنُهَا كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَمِنْهَا الطَّعَامُ الْمَغْنُومُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ تَجُوزُ هِبَتُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُمْ أَكْلُهُ هُنَاكَ، وَلَا يَصِحُّ لَهُمْ تَبَايُعُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا تُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّ الْآخِذَ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حَتَّى يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ لِلْغَانِمِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَمِنْهَا الثِّمَارُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ تَجُوزُ هِبَتُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَكَذَا الزَّرْعُ الْأَخْضَرُ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَهَبَ الْأَرْضَ مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفَرَّدُ بِالْعَقْدِ، فَإِنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ فِي الْأَرْضِ وَتُفَرَّقُ الصَّفْقَةُ هُنَا عَلَى الْأَرْجَحِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَذْرِ لَا تَضُرُّ فِي الْأَرْضِ إذْ لَا ثَمَنَ وَلَا تَوْزِيعَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ الْمُتَحَجِّرُ مَا تَحَجَّرَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يُبَاعُ وَتَجُوزُ هِبَتُهُ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ: وَلَوْ وَهَبَ مَرْهُونًا أَوْ كَلْبًا وَلَوْ مُعَلَّمًا، أَوْ خَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَبْلَ الدِّبَاغِ، أَوْ دُهْنًا نَجِسًا لَمْ يَصِحَّ كَالْبَيْعِ، وَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأَوَانِي مِنْ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ تَصِحُّ هِبَتُهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْلِ الْيَدِ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ كَمَا صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ هِبَتَهُ لَا تَصِحُّ. (وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ) لَهُ مِنْهُ لَا يَحْتَاجُ قَبُولًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ صَرِيحٌ فِي الْإِبْرَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: إنَّهُ كِنَايَةٌ، وَتَرْكُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ كِنَايَةُ إبْرَاءٍ (وَ) هِبَتُهُ (لِغَيْرِهِ) وَهُوَ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 564 بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ إلَّا بِقَبْضٍ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ.   [مغني المحتاج] (بَاطِلَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَإِنَّمَا يُقْبَضُ مِنْ الدُّيُونِ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ، وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: صَحِيحَةٌ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ تَبَعًا لِلنَّصِّ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِهِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ قِيلَ بَلْ أَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ هِبَةَ مَا فِي الذِّمَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بِخِلَافِ بَيْعِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِي بُطْلَانِ هِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَرْجِيحِ الْبَيْعِ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ طَرْدِ الْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ. فَرْعٌ تَمْلِيكُ الْمِسْكِينِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا عَلَيْهِ إبْدَالٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَفِيمَا عَلَى غَيْرِهِ تَمْلِيكٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا. (وَلَا يُمْلَكُ مَوْهُوبٌ) بِالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ غَيْرِ الضِّمْنِيَّةِ وَذَاتِ الثَّوَابِ الشَّامِلَةِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ (إلَّا بِقَبْضٍ) ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إلَى النَّجَاشِيِّ ثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً مِسْكًا ثُمَّ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إنِّي لَأَرَى النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ وَلَا أَرَى الْهَدِيَّةَ الَّتِي قَدْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ إلَّا تُسْتَرَدُّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَيَّ فَهِيَ لَكِ فَكَانَ كَذَلِكَ» لِأَنَّهُ عَقْدُ إرْفَاقٍ كَالْقَرْضِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ، فَلَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَالْمَقْبُوضُ بِهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ، وَبِغَيْرِ الضِّمْنِيَّةِ الضِّمْنِيَّةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي مَجَّانًا، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَنْهُ وَيَسْقُطُ الْقَبْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا يَسْقُطُ الْقَبُولُ إذَا كَانَ الْتِمَاسُ الْعِتْقِ بِعِوَضٍ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، وَبِغَيْرِ ذَاتِ الثَّوَابِ ذَاتُهُ، فَإِنَّهُ إذَا سَلَّمَ الثَّوَابَ اسْتَقَلَّ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُهُ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ (بِإِذْنِ الْوَاهِبِ) فِيهِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ الْوَاهِبُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ أَمْ لَا، فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إذْنٍ وَلَا إقْبَاضٍ لَمْ يَمْلِكْهُ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَمْ بَعْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَبْضِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِتْلَافُ وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقِّ الْقَبْضِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَكْلِ أَوْ الْعِتْقِ عَنْهُ فَأَكَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ كَانَ قَبْضًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْمَوْهُوبِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 565 فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى   [مغني المحتاج] قَبْلَ قَبْضِهِ لِلْوَاهِبِ لِبَقَائِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَقَبْضُ الْمُشَاعِ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ مَنْقُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا وَمَنَعَ مِنْ الْقَبْضِ شَرِيكَهُ وَوَكَّلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي قَبْضِ نَصِيبِهِ صَحَّ، فَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَ لَهُ الْحَاكِمُ وَيَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا، وَيَصِحُّ بَيْعُ الْوَاهِبِ لِلْمَوْهُوبِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَ الْهِبَةِ بِالْعَقْدِ، وَلَيْسَ الْإِقْرَارُ بِالْهِبَةِ وَلَوْ مَعَ الْمِلْكِ إقْرَارًا بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ، وَالْإِقْرَارُ يُحْمَلُ عَلَى الْيَقِينِ إلَّا إنْ قَالَ: وَهَبْته لَهُ وَخَرَجْت مِنْهُ إلَيْهِ وَكَانَ فِي يَدِ الْمُتَّهَبِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهُ: وَهَبْته وَأَقْبَضْته لَهُ إقْرَارٌ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ صُدِّقَ الْوَاهِبُ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَقَالَ الْوَاهِبُ: رَجَعْت قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَقَالَ الْمُتَّهَبُ: بَلْ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْمُتَّهَبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ أَقَبَضَهُ، وَقَالَ قَصَدْت بِهِ الْإِيدَاعَ أَوْ الْعَارِيَّةَ وَأَنْكَرَ الْمُتَّهَبُ صُدِّقَ الْوَاهِبُ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ. (فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ (بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ) لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ، وَ (قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) أَيْ وَارِثُ الْوَاهِبِ فِي الْإِقْبَاضِ وَالْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ وَوَارِثُ الْمُتَّهَبِ فِي الْقَبْضِ (وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ) لِجَوَازِهِ كَالْوَكَالَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّهَا تُؤَوَّلُ إلَى اللُّزُومِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ الْجَائِزِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَيَقْبِضَانِ إذَا أَفَاقَا، وَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ قَبْضُهَا قَبْلَ الْإِفَاقَةِ. فَرْعٌ لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ الشَّامِلُ لِلْمُهْدِي وَالْمُتَصَدِّقُ أَوْ وَارِثُهُ فِي الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ أَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُتَّهَبُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيهِمَا بَطَلَ الْإِذْنُ فَلَيْسَ لِلرَّسُولِ إيصَالُ الْهِبَةِ إلَى الْمُتَّهَبِ أَوْ وَارِثِهِ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ جُنُونُ الْوَاهِبِ وَإِغْمَاؤُهُ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. (وَيُسَنُّ لِلْوَالِدِ) وَإِنْ عَلَا (الْعَدْلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: «وَهَبَنِي أَبِي هِبَةً فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمَّ هَذَا أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْهُ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " اتَّقُوا اللَّهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 566 وَقِيلَ كَقِسْمَةِ الْإِرْثِ.   [مغني المحتاج] وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ " وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ قَالَ " فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي " وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ " لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ إنَّ لِبَنِيكَ مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ " وَلِئَلَّا يُفْضِيَ بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى الْعُقُوقِ أَوْ التَّحَاسُدِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَرْكَ هَذَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّافِعِيِّ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بَلْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: إنَّ تَرْكَهُ حَرَامٌ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ " لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ " وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِرِوَايَةِ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» ؛ وَلِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَضَّلَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ، وَفَضَّلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ابْنًا عَاصِمًا بِشَيْءٍ، وَفَضَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعْضَ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ (وَقِيلَ: كَقِسْمَةِ الْإِرْثِ) فَيُضَعَّفُ حَظُّ الذَّكَرِ كَالْمِيرَاثِ كَمَا أَعْطَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَارِثَ رَضِيَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ بِخِلَافِ هَذَا، بَلْ قِيلَ: إنَّ الْأَوْلَى أَنْ تُفَضَّلَ الْأُنْثَى حَكَاهُ ابْنُ جَمَاعَةِ الْمَقْدِسِيِّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ؛ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْمِيرَاثِ بِالْعُصُوبَةِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ بِالرَّحِمِ فَهُمَا سَوَاءٌ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ فِي أَوْلَادِهِ خُنْثَى فَحُكْمُهُ حُكْمُ الذَّكَرِ لَا الْأُنْثَى حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْوَجْهَانِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ قِيَاسِ الْمِيرَاثِ مِنْ وَقْفِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْحَاجَةِ أَوْ عَدَمِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ تَفْضِيلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِيمَا مَرَّ، وَيُسْتَثْنَى الْعَاقُّ وَالْفَاسِقُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي الْمَعَاصِي فَلَا يُكْرَهُ حِرْمَانُهُ، وَيُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُسَوِّيَ الْوَلَدُ إذَا وَهَبَ لِوَالِدَيْهِ شَيْئًا، وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ التَّسْوِيَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْأَوْلَادِ، فَإِنْ فَضَّلَ أَحَدَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى لِخَبَرِ «إنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ» وَالْإِخْوَةُ وَنَحْوُهُمْ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 567 وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهِ وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَشَرْطُ رُجُوعِهِ بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ الْمُتَّهَبِ   [مغني المحتاج] - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «حَقُّ كَبِيرِ الْإِخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «الْأَكْبَرُ مِنْ الْإِخْوَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ» . (وَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ) عَلَى التَّرَاخِي (فِي هِبَةِ وَلَدِهِ) الشَّامِلَةِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا لِبَعْضِهَا كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى مِنْ دُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ (وَكَذَا لِسَائِرِ الْأُصُولِ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا الْوَلَدُ أَمْ لَا، غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، لِخَبَرِ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ. وَالْوَالِدُ يَشْمَلُ كُلَّ الْأُصُولِ إنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِلَّا أُلْحِقَ بِهِ بَقِيَّةُ الْأُصُولِ بِجَامِعِ أَنَّ لِكُلٍّ وِلَادَةً كَمَا فِي النَّفَقَةِ وَحُصُولِ الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَالثَّانِي: لَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأَبِ مُسْتَدِلًّا بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقُصِرَ الْوَالِدُ عَلَى الْأَبِ وَعَمَّمَهُ الْأَوَّلُ، وَعَبْدُ الْوَلَدِ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ كَالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِعَبْدِ الْوَلَدِ هِبَةٌ لِلْوَلَدِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ. نَعَمْ إنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَقَدْ بَانَ بِآخِرِ الْأَمْرِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَلَدِ فَهُوَ كَهِبَةِ اثْنَيْنِ لِوَلَدٍ تَنَازَعَا فِيهِ ثُمَّ أُلْحِقَ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِثُبُوتِ بُنُوَّتِهِ، وَهِبَتُهُ لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ وَهَبَ شَيْئًا لِوَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَرِثْهُ الْوَلَدُ لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ، وَإِنَّمَا وَرِثَهُ جَدُّ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ الْجَدُّ الْحَائِزُ لِلْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُورَثُ وَحْدَهَا إنَّمَا تُورَثُ بِتَبَعِيَّةِ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَرِثُهُ. وَيُكْرَهُ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِأَوْلَادِهِ إنْ عَدَلَ بَيْنَهُمْ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ يَسْتَعِينُوا بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ إنْذَارِهِ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَلَا يُكْرَهُ، وَهَلْ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ بِالرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَالْهِبَةِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْإِعْطَاءِ. وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْبَحْرِ: أَوْجَهُهُمَا الْكَرَاهَةُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا. أَمَّا الْهِبَةُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَهِبَةٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي هِبَةِ الْأَعْيَانِ. أَمَّا لَوْ وَهَبَ وَلَدَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ جَزْمًا، سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ تَمْلِيكٌ أَمْ إسْقَاطٌ، إذْ لَا بَقَاءَ لِلدَّيْنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُ شَيْئًا فَتَلِفَ. (وَشَرْطُ رُجُوعِهِ) أَيْ الْأَبِ أَوْ أَحَدِ سَائِرِ الْأُصُولِ (بَقَاءُ الْمَوْهُوبِ فِي سَلْطَنَةِ) أَيْ وِلَايَةِ (الْمُتَّهَبِ) وَهُوَ الْوَلَدُ، وَيَدْخُلُ فِي السَّلْطَنَةِ مَا لَوْ أَبِقَ الْمَوْهُوبُ أَوْ غَصَبَ فَيَثْبُتُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا، وَيَخْرُجُ بِهَا مَا لَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ أَوْ أَفْلَسَ الْمُتَّهَبُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِيهِمَا. نَعَمْ إنْ قَالَ: أَنَا أُؤَدِّي أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَأَرْجِعُ مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي أَنَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 568 فَيَمْتَنِعُ بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ، لَا بِرَهْنِهِ وَهِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَعْلِيقِ عِتْقِهِ وَتَزْوِيجِهَا وَزِرَاعَتِهَا، وَكَذَا الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] لَوْ رَهَنَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَقَالَ: أَنَا أَبْذُلُ قِيمَتَهُ وَأَرْجِعُ لَمْ يُمَكَّنْ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ خُرُوجِ دَرَاهِمِهِ مُسْتَحَقَّةً فَيَفُوتُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ الْعَقْدَ وَلَا يَقَعُ مَوْقُوفًا، بِخِلَافِ بَذْلِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ مَوْقُوفًا، فَإِنْ سَلَّمَ مَا بَذَلَهُ وَإِلَّا رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَيْضًا لِمَا فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ الرَّهْنِ مِنْ إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُتَّهَبِ. نَعَمْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ بِشَرْطِ رِضَا الْغَرِيمِ، وَخَرَجَ بِحَجْرِ الْفَلَسِ: حَجْرُ السَّفَهِ فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا الرُّجُوعُ فِي صُوَرٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا فِي قَوْلِهِ (فَيَمْتَنِعُ) الرُّجُوعُ فِي الْمَوْهُوبِ بِزَوَالِ السَّلْطَنَةِ، سَوَاءٌ أَزَالَتْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ (بِبَيْعِهِ) كُلِّهِ (وَوَقْفِهِ) وَعِتْقِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَمْ لَا، كَأَنْ كَاتَبَ الْمَوْهُوبَ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ. أَمَّا لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بَعْضُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَاقِي. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مِنْ أَبِيهِ الْوَاهِبِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ (لَا بِرَهْنِهِ وَ) لَا (هِبَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) فِيهِمَا لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ، وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لَهُمَا ثُبُوتُ الرُّجُوعِ لِبَقَاءِ سَلْطَنَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِزَوَالِهَا (وَ) لَا (تَعْلِيقِ عِتْقِهِ) وَلَا تَدْبِيرِهِ (وَ) لَا (تَزْوِيجِهَا) الْجَارِيَةَ (و) لَا (زِرَاعَتِهَا) أَيْ الْأَرْضِ فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِكُلٍّ مِنْهَا لِبَقَاءِ السَّلْطَنَةِ (وَكَذَا الْإِجَارَةُ) لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَمَوْرِدُ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَعَلَى هَذَا فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا يَسْتَوْفِي الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْإِمَامِ إنْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ الْمُؤَجَّرِ فَفِي الرُّجُوعِ تَرَدُّدٌ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ بَقَاءِ السَّلْطَنَةِ مَا إذَا مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ. مِنْهَا مَا لَوْ جُنَّ الْأَبُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَالَ جُنُونِهِ، وَلَا رُجُوعَ لِوَلِيِّهِ، بَلْ إذَا أَفَاقَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَحْرَمَ وَالْمَوْهُوبُ صَيْدٌ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ يَدِهِ عَلَى الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ ارْتَدَّ الْوَالِدُ وَفَرَّعْنَا عَلَى وَقْفِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَقْبَلُ الْوَقْفَ كَمَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، فَلَوْ حَلَّ: أَيْ مِنْ إحْرَامِهِ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَوْهُوبُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ رَجَعَ، وَلَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا وَوَهَبَهُ الْوَلَدُ لِوَلَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْهُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ ابْنِهِ أَوْ انْتَقَلَ بِمَوْتِهِ إلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ الْأَبُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ابْنَهُ لَا رُجُوعَ لَهُ، فَالْأَبُ أَوْلَى، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 569 وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ وَعَادَ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ زَادَ رَجَعَ فِيهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ لَا الْمُنْفَصِلَةِ.   [مغني المحتاج] وَلَوْ وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ فَوَهَبَهُ الْوَلَدُ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ، لَمْ يَثْبُتْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فَالْأَبُ أَوْلَى، وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَلَدُ لِجَدِّهِ ثُمَّ الْجَدُّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فَالرُّجُوعُ لِلْجَدِّ فَقَطْ. (وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ) أَيْ الْوَلَدِ عَنْ الْمَوْهُوبِ (وَعَادَ) إلَيْهِ بِإِرْثٍ أَمْ لَا (لَمْ يَرْجِعْ) أَيْ الْأَصْلُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ، وَالثَّانِي: يَرْجِعُ نَظَرًا إلَى مِلْكِهِ السَّابِقِ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ عَادَ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لِلْوَلَدِ بِالْإِقَالَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ. نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَهَبَ لَهُ عَصِيرًا ثُمَّ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْكَائِنَ فِي الْخَلِّ سَبَبُهُ مِلْكُ الْعَصِيرِ، وَمَا لَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ عَجَزَ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَاسْتَثْنَى الدَّمِيرِيُّ مَا لَوْ وَهَبَهُ صَيْدًا فَأَحْرَمَ الْوَلَدُ وَلَمْ يُرْسِلْهُ ثُمَّ تَحَلَّلَ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْوَلَدِ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالْإِحْرَامِ وَلَمْ يَعُدْ بِالتَّحَلُّلِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَلَوْ زَرَعَ الْوَلَدُ الْحَبَّ أَوْ فَرَّخَ الْبَيْضَ لَمْ يَرْجِعْ الْأَصْلُ فِيهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا. (وَلَوْ زَادَ) الْمَوْهُوبُ (رَجَعَ) الْأَصْلُ (فِيهِ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ) كَسِمَنٍ وَحَرْثِ أَرْضٍ لِزِرَاعَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُورَتَانِ: الْأُولَى: مَا لَوْ وَهَبَ أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً حَائِلًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهَا وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا فِي الْأُمِّ دُونَ الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَيَرْجِعُ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ قَبْلَ الْوَضْعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ وَهَبَهُ نَخْلًا فَأَطْلَعَتْ ثَمَرًا غَيْرَ مُؤَبَّرٍ، فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَاوَضَةَ وَلَا تَرَاضٍ كَالصَّدَاقِ قَالَهُ الْحَاوِي فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّفْلِيسِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ التَّبَعِيَّةِ: أَيْ تَبَعِيَّةِ الطَّلْعِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحَمْلِ (لَا) الزِّيَادَةِ (الْمُنْفَصِلَةِ) كَالْوَلَدِ الْحَادِثِ وَالْكَسْبِ فَلَا يَرْجِعُ الْأَصْلُ فِيهَا بَلْ تَبْقَى لِلْمُتَّهَبِ لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِهِ، بِخِلَافِ الْحَمْلِ الْمُقَارِنِ لِلْهِبَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ وَإِنْ انْفَصَلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْهُوبِ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مُقَارِنًا لِلْهِبَةِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْأُمِّ فَقَطْ كَانَ رُجُوعًا فِي الْحَمْلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ صَبَغَ الْوَلَدُ الثَّوْبَ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ طَحَنَ الْحِنْطَةَ أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ شَارَكَ وَالِدَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الثَّوْبِ بِمَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ فَلَا شَرِكَةَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 570 وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِرَجَعْت فِيمَا وَهَبْتُ أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ إلَى مِلْكِي أَوْ نَقَضْتُ الْهِبَةَ. لَا بِبَيْعِهِ وَوَقْفِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعْتَاقِهِ وَوَطْئِهَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ: أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَوْ تَعَلَّمَ عِنْدَ الْوَلَدِ صَنْعَةً فَزَادَتْ قِيمَتُهُ يَفُوزُ بِهَا الْوَالِدُ، وَبِهِ صَرَّحَا هُنَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَذَكَرَا مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ تَعَلُّمَ الْحِرْفَةِ وَحَرْثَ الْأَرْضِ، لَكِنْ ذَكَرَا فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّ تَعَلُّمَ الْحِرْفَةِ كَالْعَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ شَرِيكًا فِيهَا بِمَا زَادَ كَالْقِصَارَةِ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مَا هُنَا تَعَلُّمٌ لَا مُعَالَجَةَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ، وَمَا هُنَاكَ تَعَلُّمٌ فِيهِ مُعَالَجَةٌ مِنْهُ، وَلَوْ رَجَعَ الْأَصْلُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي وَهَبَهَا لِلْوَلَدِ، وَقَدْ غَرَسَ الْوَلَدُ، أَوْ بَنَى تَخَيَّرَ الْأَصْلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ فِي الْغَرْسِ، أَوْ الْبِنَاءَ بَيْنَ قَلْعِهِ بِأَرْشِ نَقْصِهِ، أَوْ تَمَلُّكَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ تَبْقِيَتَهُ بِأُجْرَةٍ كَالْعَارِيَّةِ، وَلَوْ نَقَصَ الْمَوْهُوبُ رَجَعَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَرْشِ نَقْصٍ. فَرْعٌ: لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا فِي الصِّحَّةِ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُ وَلَمْ تَذْكُرْ مَا رَجَعَ فِيهِ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهَا وَلَمْ تُنْزَعْ الْعَيْنُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَرْجُوعِ فِيهِ. (وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِرَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ أَوْ اسْتَرْجَعْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ إلَى مِلْكِي أَوْ نَقَضْتُ الْهِبَةَ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، كَأَبْطَلْتُهَا وَفَسَخْتُهَا، وَكُلُّ هَذِهِ صَرَائِحُ، وَيَحْصُلُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ كَأَخَذْتُهُ وَقَبَضْتُهُ، وَكُلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ رُجُوعُ الْبَائِعِ بَعْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ هُنَا. تَنْبِيهٌ الْمَوْهُوبُ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْدَادٍ لَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا مُنَجَّزًا. فَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ رَجَعْت لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْفُسُوخَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ كَالْعُقُودِ، وَ (لَا) يَحْصُلُ الرُّجُوعُ (بِبَيْعِهِ) أَيْ مَا وَهَبَهُ الْأَصْلُ لِوَلَدِهِ (وَ) لَا (وَقْفِهِ وَ) لَا (هِبَتِهِ وَ) لَا (إعْتَاقِهِ وَ) لَا (وَطْئِهَا) لِكَمَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا ذُكِرَ، وَقَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْخَمْسِ صُوَرٍ. وَالثَّانِي: يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِكُلٍّ مِنْهَا كَمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ ضَعِيفٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ الْوَالِدَ بِالْإِتْلَافِ وَالِاسْتِيلَادِ الْقِيمَةُ وَبِالْوَطْءِ الْمَهْرُ، وَتَلْغُو الْبَقِيَّةُ، وَتَحْرُمُ بِهِ الْأَمَةُ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ وَالِدِهِ، وَتُحَرَّمُ مَوْطُوءَةُ الْوَلَدِ الَّتِي وَطِئَهَا الْوَالِدُ عَلَيْهِمَا مَعًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ، وَلَوْ تَفَاسَخَ الْمُتَوَاهِبَانِ الْهِبَةَ أَوْ تَقَايَلَا حَيْثُ لَا رُجُوعَ لَمْ تَنْفَسِخْ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 571 وَلَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأُصُولِ فِي هِبَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْيِ الثَّوَابِ. وَمَتَى وَهَبَ مُطْلَقًا فَلَا ثَوَابَ إنْ وَهَبَ لِدُونِهِ، وَكَذَا لِأَعْلَى مِنْهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلِنَظِيرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ أَحَدُهَا: لَوْ بَاعَ الْوَلَدُ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ ادَّعَى الْأَبُ أَنَّهُ رَجَعَ فِيهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثَانِيهَا: لَوْ جَهَّزَ شَخْصٌ ابْنَتَهُ بِأَمْتِعَةٍ لَمْ تَمْلِكْهَا إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً، وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَمْتِعَةَ بَيْتِهَا لَمْ تَمْلِكْهَا بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً وَاشْتَرَى بِنِيَّتِهَا فَتَمْلِكُ بِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ أَنْقَدَ الثَّمَنَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. ثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْوَالِدِ عَيْنٌ وَأَقَرَّ بِأَنَّهَا فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، وَهِيَ مِلْكُ وَلَدِهِ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقِرَّ بِهِ كَانَ هِبَةً مِنْهُ وَأَنَّهُ رَجَعَ فِيهِ وَكَذَّبَهُ الْوَلَدُ صُدِّقَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَلَا رُجُوعَ لِلْأَبِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا أَفْتَى بِهِ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَالْهَرَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. رَابِعُهَا: لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ بِثَوْبٍ فَظَنَّ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ لَهُ مَلَكَهُ اعْتِبَارًا بِنِيَّةِ الدَّافِعِ، فَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْمَدْفُوعُ لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. (وَلَا رُجُوعَ لِغَيْرِ الْأُصُولِ فِي هِبَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِنَفْيِ الثَّوَابِ) أَيْ الْعِوَضِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ؛ وَلِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ مَجَّانًا كَالْمُتَصَدِّقِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّةَ الْهِبَةِ إذَا قُيِّدَتْ بِنَفْيِ الثَّوَابِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ. (وَمَتَى وَهَبَ) شَيْئًا (مُطْلَقًا) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِثَوَابٍ وَعَدَمِهِ (فَلَا ثَوَابَ) أَيْ لَا عِوَضَ (إنْ وَهَبَ لِدُونِهِ) فِي الْمَرْتَبَةِ، كَالْمَلِكِ لِرَعِيَّتِهِ، وَالْأُسْتَاذِ لِغُلَامِهِ، إذْ لَا تَقْتَضِيه لَفْظًا وَلَا عَادَةً. تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِذَلِكَ سَبْعَةَ أَنْوَاعٍ: هِبَةَ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الصِّلَةُ، وَهِبَةَ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّالِفُ، وَهِبَةَ الْغَنِيِّ لِلْفَقِيرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْعُهُ، وَالْهِبَةَ لِلْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْقُرْبَةُ وَالتَّبَرُّكُ، وَهِبَةَ الْمُكَلَّفِ لِغَيْرِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ مِنْهُ، وَالْهِبَةَ لِلْأَصْدِقَاءِ وَالْإِخْوَانِ لِأَنَّ الْقَصْدَ تَأَكُّدُ الْمَوَدَّةِ، وَالْهِبَةَ لِمَنْ أَعَانَ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُكَافَأَتُهُ، وَزَادَ الدَّارِمِيُّ هَدِيَّةَ الْمُتَعَلِّمِ لِمُعَلِّمِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَكَذَا) إنْ وَهَبَ مُطْلَقًا الدُّونَ (لِأَعْلَى مِنْهُ) كَهِبَةِ الْغُلَامِ لِأُسْتَاذِهِ، فَلَا ثَوَابَ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَوْ أَعَارَهُ دَارًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلْحَاقًا لِلْأَعْيَانِ بِالْمَنَافِعِ. وَالثَّانِي يَجِبُ الثَّوَابُ لِاطِّرَادِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ (وَ) كَذَا إنْ وَهَبَ مُطْلَقًا (لِنَظِيرِهِ) فَلَا ثَوَابَ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ مِثْلِهِ: الصِّلَةُ وَتَأَكُّدُ الصَّدَاقَةِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَالْهَدَايَا فِي ذَلِكَ كَالْهِبَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَفَقُّهًا، وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ تَصْرِيحِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 572 فَإِنْ وَجَبَ فَهُوَ قِيمَةُ الْمَوْهُوبِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ، وَلَوْ وَهَبَ بِشَرْطِ ثَوَابٍ مَعْلُومٍ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ مَجْهُولٍ فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ. وَلَوْ بَعَثَ هَدِيَّةً فِي ظَرْفٍ فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ فَهُوَ هَدِيَّةٌ أَيْضًا، وَإِلَّا   [مغني المحتاج] الْبَنْدَنِيجِيِّ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَثَوَابُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ فِيهَا مُطْلَقًا. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَنُقِلَ عَنْ تَصْرِيحِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ وَجَبَ) فِي الْهِبَةِ مُطْلَقًا ثَوَابٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْأَظْهَرِ (فَهُوَ قِيمَةُ الْمَوْهُوبِ) أَيْ قَدْرُهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا اقْتَضَى الْعِوَضَ وَلَمْ يُسَمَّ فِيهِ شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ، وَعَلَى هَذَا، فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ قِيمَةِ وَقْتِ الْقَبْضِ لَا وَقْتِ الثَّوَابِ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ مَا يُعَدُّ ثَوَابًا لِمِثْلِهِ عَادَةً. (فَإِنْ لَمْ يُثِبْهُ) هُوَ وَلَا غَيْرُهُ (فَلَهُ) أَيْ الْوَاهِبِ (الرُّجُوعُ) فِي الْمَوْهُوبِ إنْ بَقِيَ، وَبِبَدَلِهِ إنْ تَلِفَ، وَلَوْ أَهْدَى شَخْصٌ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ لَهُ حَاجَةً أَوْ يَخْدُمَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا إنْ بَقِيَتْ وَبَدَلُهَا إنْ تَلِفَتْ كَمَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ (وَلَوْ وَهَبَ) شَخْصًا شَيْئًا (بِشَرْطِ ثَوَابٍ مَعْلُومٍ) عَلَيْهِ، كَوَهَبْتُكَ هَذَا عَلَى أَنْ تُثِيبَنِي كَذَا (فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ) هَذَا (الْعَقْدِ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِمَالٍ مَعْلُومٍ فَصَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهُ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ لِتَنَاقُضِهِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ يَقْتَضِي التَّبَرُّعَ (وَيَكُونُ بَيْعًا عَلَى الصَّحِيحِ) نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، فَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ مِنْ الشُّفْعَةِ وَالْخِيَارَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ بِلَا خِلَافٍ: وَغَلَطَ الْغَزَالِيُّ فِي إشَارَتِهِ إلَى خِلَافٍ فِيهِ اهـ. وَمَا صَحَّحَاهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْهِبَةِ ذَاتِ الثَّوَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَيْعٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هُنَاكَ. وَالثَّانِي: يَكُونُ هِبَةً نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ (أَوْ) بِشَرْطِ ثَوَابٍ (مَجْهُولٍ) كَوَهَبْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِثَوْبٍ (فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ صِحَّتِهِ بَيْعًا لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ وَلِتَعَذُّرِ صِحَّتِهِ هِبَةً لِذِكْرِ الثَّوَابِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقْتَضِيه، وَقِيلَ: يَصِحُّ هِبَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَقْتَضِيهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُتَّهَبُ لِلْوَاهِبِ: وَهَبْتَنِي بِلَا ثَوَابٍ، وَقَالَ الْوَاهِبُ: بَلْ بِثَوَابٍ صُدِّقَ الْمُتَّهَبُ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذِكْرِ الْبَدَلِ. (وَلَوْ بَعَثَ) شَخْصٌ لِآخَرَ (هَدِيَّةً فِي ظَرْفٍ) وَهُوَ الْوِعَاءُ (فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَقَوْصَرَّةِ تَمْرٍ) وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ: وِعَاءُ التَّمْرِ، وَلَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إلَّا وَفِيهَا التَّمْرُ وَإِلَّا فَهِيَ زِنْبِيلٌ (فَهُوَ) أَيْ الظَّرْفُ (هَدِيَّةٌ أَيْضًا) تَحْكِيمًا لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ، وَمِثْلُهُ عُلَبُ الْحَلْوَاءِ وَالْفَاكِهَةِ وَنَحْوِهِمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 573 فَلَا، وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ..   [مغني المحتاج] جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّ الظَّرْفِ أَوْ اضْطَرَبَتْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي (فَلَا) يَكُونُ هَدِيَّةً بَلْ أَمَانَةً فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْعَادَةُ فِي رَدِّ الظُّرُوفِ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَعَادَةِ الْبِلَادِ وَمَا يُحْمَلُ مِنْهَا إلَى الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ دُونَ مُهَادَاةِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَكَذَا الْإِهْدَاءُ إلَى الْمُلُوكِ، وَلَا سِيَّمَا مَا يُحْمَلُ إلَيْهِمْ مِنْ النَّوَاحِي الْبَعِيدَةِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ لَا تُرَدَّ ظُرُوفُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عُرْفُهَا، وَفِي كُلِّ قَوْمٍ عُرْفُهُمْ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ. تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ الْمُتَوَلِّي بِذَلِكَ الْكِتَابَ الَّذِي يَكْتُبُهُ الْإِنْسَانُ لِصَاحِبِهِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا أَمْ حَاضِرًا، فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يَمْلِكُهُ، فَإِنَّهُ هَدِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ أَنْ اُكْتُبْ لِي الْجَوَابَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ (وَ) إذَا لَمْ يَكُنْ الظَّرْفُ هَدِيَّةً (يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ) لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (إلَّا فِي أَكْلِ الْهَدِيَّةِ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ) عَمَلًا بِهَا، وَيَكُونُ عَارِيَّةً حِينَئِذٍ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ رَدُّهُ حَالًا لِخَبَرِ «اسْتَبِقُوا الْهَدَايَا بِرَدِّ الظُّرُوفِ» قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالِاسْتِحْبَابُ الْمَذْكُورُ حَسَنٌ، وَفِي جَوَازِ حَبْسِهِ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ رِضَا الْمُهْدِي بِهِ، وَهَلْ يَكُونُ إبْقَاؤُهَا فِيهِ مَعَ إمْكَانِ تَفْرِيغِهِ عَلَى الْعَادَةِ مُضَمِّنًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ لَا لَفْظًا وَلَا عُرْفًا أَمْ لَا؟ وَفِي كَلَامِ الْقَاضِي مَا يُفْهِمُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلَا أَعْرِفُ لَهُ أَصْلًا. وَلَوْ خَلَصَ شَخْصٌ آخَرُ مِنْ يَدِ ظَالِمٍ ثُمَّ أَنْفَذَ إلَيْهِ شَيْئًا هَلْ يَكُونُ رِشْوَةً أَوْ هَدِيَّةً. قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: يُنْظَرُ إنْ كَانَ أَهْدَى إلَيْهِ مَخَافَةَ أَنَّهُ رُبَّمَا لَوْ لَمْ يَبَرَّهُ بِشَيْءٍ لَنَقَضَ جَمِيعَ مَا فَعَلَهُ كَانَ رِشْوَةً، وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ خِيَانَتَهُ بِأَنْ لَا يَنْقُضَ ذَلِكَ بِحَالٍ كَانَ هِبَةً. خَاتِمَةٌ أَفْضَلُ الْبِرِّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَفِعْلِ مَا يَسُرُّهُمَا مِنْ الطَّاعَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وَمِنْ بِرِّهِمَا الْإِحْسَانُ إلَى صَدِيقِهِمَا، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» وَمِنْ الْكَبَائِرِ عُقُوقُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ أَنْ يُؤْذِيَهُ أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ مَا لَمْ يَكُنْ مَا أَذَاهُ بِهِ وَاجِبًا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِي مَالِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ شُبْهَةٌ وَدَعَاهُ لِلْأَكْلِ مِنْهُ فَلْيَتَلَطَّفْ فِي الِامْتِنَاعِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَأْكُلْ وَيُقَلِّلْ بِتَصْغِيرِ اللُّقْمَةِ وَتَطْوِيلِ الْمَضْغَةِ. قَالَ: وَكَذَا إذَا أَلْبَسَهُ ثَوْبًا مِنْ شُبْهَةٍ وَكَانَ يَتَأَذَّى بِرَدِّهِ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَلْبَسْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَنْزِعُهُ إذَا غَابَ، وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ إلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 574 .. .... .... .... ..   [مغني المحتاج] بِحَضْرَتِهِ. وَصِلَةُ الْقَرَابَةِ، وَهِيَ فِعْلُكَ مَعَ قَرِيبِكَ مَا تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا مَأْمُورٌ بِهَا وَتَحْصُلُ بِالْمَالِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالزِّيَارَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ وَفَاءِ الْعَهْدِ كَمَا يَتَأَكَّدُ كَرَاهَةُ إخْلَافِهِ. وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا وَهَبَهُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ طَلَبَ إنْسَانٌ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَهَبَهُ مَالًا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ فَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي خَلْوَةٍ مَا أَعْطَاهُ لَهُ فَوَهَبَهُ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ كَالْمُصَادَرِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ لِاتِّقَاءِ شَرِّهِ أَوْ سِعَايَتِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِهِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْكُلُ مِنْ هَدِيَّةٍ حَتَّى يَأْمُرَ صَاحِبَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا لِلشَّاةِ الَّتِي أُهْدِيَتْ إلَيْهِ يَعْنِي الْمَسْمُومَةَ بِخَيْبَرَ» وَهَذَا أَصْلٌ لِمَا يَفْعَلُهُ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، أَوْ أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تُنَافِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ، كَمَا أَنَّ إخْبَارَهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ يُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ لَا يُنَافِي جِهَادَهُ وَأَمْرَهُ بِالْقِتَالِ، فَمِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ السَّلَفِ سُلُوكُ الْأَسْبَابِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 575 كِتَابُ اللُّقَطَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ اللُّقَطَةِ] ِ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ. وَحَكَى ابْنُ مَالِكٍ فِيهَا أَرْبَعَ لُغَاتٍ: لُقَاطَةٌ، وَلُقْطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الْقَافِ، وَلُقَطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ، وَلَقَطٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ بِلَا هَاءٍ، وَنَظَمَهَا فِي بَيْتٍ، فَقَالَ: لُقَاطَةٌ وَلُقْطَةٌ وَلُقَطَهْ ... لَقَطٌ مَا لَاقِطٌ قَدْ لَقَطَهْ وَيُقَالُ: اللُّقَطَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ اسْمٌ لِلْمُلْتَقِطِ بِكَسْرِهَا أَيْضًا، وَهِيَ لُغَةً مَا وُجِدَ عَلَى تَطَلُّبٍ قَالَ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 8] وَشَرْعًا: مَا وُجِدَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ مِنْ مَالٍ أَوْ مُخْتَصٍّ ضَائِعٍ مِنْ مَالِكِهِ بِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَنَحْوِهَا لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ بِقُوَّتِهِ وَلَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مَالِكَهُ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ مَا وُجِدَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 576 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَإِنَّهُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ إنْ ادَّعَاهُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ مَلَكَ مِنْهُ، وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمُحْيِي، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لُقَطَةً، وَبِسُقُوطٍ أَوْ غَفْلَةٍ مَا إذَا أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ مَثَلًا أَوْ أَلْقَى فِي حِجْرِهِ هَارِبٌ كِيسًا وَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَهُوَ مَالٌ ضَائِعٌ يَحْفَظُهُ، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِ الضَّائِعِ، بِأَنَّ الضَّائِعَ مَا يَكُونُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ كَالْمَوْجُودِ فِي مُودَعِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمُغْلَقَةِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ، وَاللُّقَطَةُ مَا وُجِدَ ضَائِعًا بِغَيْرِ حِرْزٍ، وَاشْتِرَاطُ الْحِرْزِ فِيهِ دُونَهَا إنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَمِنْهُ مَا لَا يَكُونُ مُحْرَزًا كَمَا مَرَّ فِي إلْقَاءِ الْهَارِبِ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مُحْرَزًا كَمَا لَوْ وَجَدَ دِرْهَمًا فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَدْرِي أَهُوَ لَهُ أَوْ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ، فَعَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْقَفَّالُ أَنْ يُعَرِّفَهُ لِمَنْ يَدْخُلُ بَيْتَهُ، وَبِغَيْرِ حَرْبِيٍّ مَا وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمَّسُ، وَلَيْسَ لُقَطَةً، وَمَا خَرَجَ بِبَقِيَّةِ الْحَدِّ وَاضِحٌ، وَدَخَلَ فِيهِ صِحَّةُ الْتِقَاطِ الْهَدْيِ، وَفَائِدَتُهُ: جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالنَّحْرِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَالْمَوْقُوفُ وَفَائِدَتُهُ تَمَلُّكُ مَنَافِعِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ. يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلَدُ اللُّقَطَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِضَائِعٍ، وَالرِّكَازُ الَّذِي هُوَ دَفِينُ الْإِسْلَامِ يَصِحُّ لَقْطُهُ، وَلَيْسَ مَالًا ضَائِعًا وَالْخَمْرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ، فَيَصِحُّ الْتِقَاطُهَا وَلَا مَالَ وَلَا اخْتِصَاصَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ اللُّقَطَةَ بَعْدَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَذَكَرَهُمَا فِي التَّنْبِيهِ بَعْدَ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَلَوْ ذُكِرَتْ عَقِبَ الْقَرْضِ لَكَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَهُ، وَالشَّرْعُ أَقْرَضَهُ الْمُلْتَقَطَةَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ الْآمِرَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إذْ فِي أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ وَالرَّدِّ بِرٌّ وَإِحْسَانٌ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ، فَقَالَ: اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعَرِّفْهَا فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ، فَأَدِّهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهَا، وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: مَا لَك وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا، وَسُئِلَ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» وَفِي الِالْتِقَاطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا الْتَقَطَهُ، وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 577 يُسْتَحَبُّ الِالْتِقَاطُ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ وَاثِقٍ، وَيَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُكْرَهُ لِفَاسِقٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الِالْتِقَاطِ.   [مغني المحتاج] الطِّفْلِ، وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ الْمُغَلَّبُ؛ لِأَنَّهُ مَآلُ الْأَمْرِ. وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْتِقَاطٌ وَمُلْتَقِطٌ بِكَسْرِ الْقَافِ وَمُلْتَقَطٌ بِفَتْحِهَا. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (يُسْتَحَبُّ الِالْتِقَاطُ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ) وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ، وَفِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَقَعَ فِي يَدِ خَائِنٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ أَوْ كَسْبٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ ابْتِدَاءً (وَقِيلَ: يَجِبُ) عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ صِيَانَةً لِلْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا، وَحَمَلَ النَّصَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ. وَقَالَ: لَا يَتَحَقَّقُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ أَحَدٍ وَالنَّقْلُ أَمَانَةٌ، فَإِنَّا لَوْ سُئِلْنَا عَمَّنْ قَالَ بِهِ لَمْ نَجِدْ مَنْ نَنْقُلُهُ عَنْهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ) الِالْتِقَاطُ قَطْعًا (لِغَيْرِ وَاثِقٍ) بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ فِي الْحَالِ آمِنٌ خَشْيَةَ الضَّيَاعِ أَوْ طُرُوِّ الْخِيَانَةِ (وَ) لَكِنْ (يَجُوزُ) الِالْتِقَاطُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ خِيَانَتَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ خَشْيَةَ اسْتِهْلَاكِهَا. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ حُرْمَةَ الِالْتِقَاطِ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ فَقَالَ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ ظَالِمًا يَخْشَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا أَخَذَهَا. (وَيُكْرَهُ) الِالْتِقَاطُ تَنْزِيهًا كَمَا عَزَاهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِلْجُمْهُورِ (لِفَاسِقٍ) لِئَلَّا تَدْعُوهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ، وَقِيلَ تَحْرِيمًا كَمَا فِي الْبَسِيطِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ شَاذٌّ أَوْ مُؤَوَّلٌ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الِالْتِقَاطِ) كَالْوَدِيعَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِتَمَلُّكٍ أَمْ حِفْظٍ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الرَّافِعِيِّ: لَكِنْ يُسَنُّ، وَقِيلَ: يَجِبُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ الْتَقَطَ فَلْيُشْهِدْ ذَا أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ» وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُ عَلَى النَّدْبِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَيَذْكُرُ فِي الْإِشْهَادِ بَعْضَ صِفَاتِ اللُّقَطَةِ لِيَكُونَ فِي الْإِشْهَادِ فَائِدَةٌ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ رُبَّمَا طَمِعَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَشْهَدَ أَمِنَ، وَلَا يَسْتَوْعِبُهَا لِئَلَّا يَتَوَصَّلَ إلَيْهَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 578 وَأَنَّهُ يَصِحُّ الْتِقَاطُ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْ الْفَاسِقِ وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ، وَأَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ تَعْرِيفُهُ، بَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ رَقِيبٌ،   [مغني المحتاج] كَاذِبٌ، بَلْ يَصِفُهَا لِلشُّهُودِ بِأَوْصَافٍ يَحْصُلُ بِالْإِشْهَادِ بِهَا فَائِدَةٌ، وَيُكْرَهُ اسْتِيعَابُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْإِمَامِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِشْهَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ ظَالِمًا يَخْشَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِهَا أَخَذَهَا، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ الْإِشْهَادُ، وَكَذَا التَّعْرِيفُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ الِاكْتِسَابُ لَا الْوِلَايَةُ؛ لِأَنَّهُ مَآلُ الْأَمْرِ كَمَا مَرَّ، فَقَالَ: (وَ) الْمَذْهَبُ (أَنَّهُ يَصِحُّ الْتِقَاطُ الْفَاسِقِ) وَالْمُرْتَدِّ إنْ قُلْنَا: لَا يَزُولُ مِلْكُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالسَّفِيهِ (وَالصَّبِيِّ) وَالْمَجْنُونِ (وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) وَفِي مَعْنَاهُ الْمُسْتَأْمَنُ وَالْمُعَاهَدُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَاصْطِيَادِهِمْ وَاحْتِطَابِهِمْ، وَشَرَطَ الْإِمَامُ فِي صِحَّةِ الْتِقَاطِ الصَّبِيِّ التَّمْيِيزَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللُّقَطَةِ الِاكْتِسَابُ، فَيَصِحُّ، أَوْ الْوِلَايَةُ وَالْأَمَانَةُ، فَلَا يَصِحُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِقِ الَّذِي يُوجِبُ فِسْقُهُ حَجْرًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُقَالُ إنَّ مَسْأَلَةَ الْفَاسِقِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيُكْرَهُ لِفَاسِقٍ. فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ هُنَا أَنَّ أَحْكَامَ اللُّقَطَةِ هَلْ تَثْبُتُ لَهُ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ الْأَخْذَ. أَمَّا الْتِقَاطُ الذِّمِّيِّ بِدَارِ الْكُفَّارِ فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُنَا، وَخَرَجَ بِهِ الْحَرْبِيُّ يَجِدُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا تُنْزَعُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ: أَيْ، وَمَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ كَانَ لَهُ تَعْرِيفُهَا وَتَمَلُّكُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَقِيلَ: تَكُونُ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ. قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتُرَدُّ لُقَطَتُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَتَكُونُ فَيْئًا إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا، فَإِنْ أَسْلَمَ فَحُكْمُهُ كَالْمُسْلِمِ (ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُلْتَقَطُ (يُنْزَعُ) أَيْ يَنْزِعُهُ الْقَاضِي (مِنْ الْفَاسِقِ، وَيُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ) لِأَنَّ مَالَ وَلَدِهِ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ فَكَيْفَ مَالُ الْأَجَانِبِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ: أَيْ إنْ أُمِنَتْ غَائِلَتُهُ، وَلَكِنْ يُضَمُّ إلَيْهِ عَدْلٌ مُشْرِفٌ، وَأُجْرَةُ الْعَدْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ تَبَعًا لِلدَّارِمِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ الْوَاجِدِ الْفَاسِقِ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ تَعْرِيفُهُ بَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ) عَدْلٌ (رَقِيبٌ) خَشْيَةً مِنْ التَّفْرِيطِ فِي التَّعْرِيفِ، وَالثَّانِي: يُعْتَمَدُ مِنْ غَيْرِ رَقِيبٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَمُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَاسِقَ يُعَرِّفُ، وَالْعَدْلُ يُرَاقِبُهُ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْأَمِينَ هُوَ الَّذِي يُعَرِّفُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا: يَجْتَمِعَانِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَمَّ التَّعْرِيفُ، فَلِلْمُلْتَقِطِ التَّمَلُّكُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 579 وَيَنْزِعُ الْوَلِيُّ لُقَطَةَ الصَّبِيِّ وَيُعَرِّفُ وَيَتَمَلَّكُهَا لِلصَّبِيِّ إنْ رَأَى ذَلِكَ حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُ، وَيَضْمَنُ الْوَلِيُّ إنْ قَصَّرَ فِي انْتِزَاعِهِ حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ. وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ   [مغني المحتاج] بِغُرْمِهَا إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِذَا لَمْ يَتَمَلَّكْهَا تُرِكَتْ بِيَدِ الْأَمِينِ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْفَاسِقِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ مِنْ يَدِ الذِّمِّيِّ بَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إلْحَاقُهُ بِالْفَاسِقِ، وَيَلْحَقُ بِهِ أَيْضًا الْمُرْتَدُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَالْمُعَاهَدُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ أَمِينًا لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ، وَعَضَّدَهُ الْحَاكِمُ بِأَمِينٍ يَقْوَى بِهِ عَلَى الْحِفْظِ وَالتَّعْرِيفِ (وَيَنْزِعُ الْوَلِيُّ) وُجُوبًا (لُقَطَةَ الصَّبِيِّ) وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ لِحَقِّهِمْ وَحَقِّ الْمَالِكِ، وَتَكُونُ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْهُمْ كَمَا نَابَ عَنْهُمْ فِي مَالِهِمْ (وَيُعَرِّفُ) هَا الْوَلِيُّ لَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَبِيعَ جُزْءًا مِنْ اللُّقَطَةِ لِمُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ مُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَعْرِيفَ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ، وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ، وَأَمَّا السَّفِيهُ، فَيَصِحُّ تَعْرِيفُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ (وَيَتَمَلَّكُهَا لِلصَّبِيِّ) وَنَحْوِهِ (إنْ رَأَى ذَلِكَ) مَصْلَحَةً (حَيْثُ يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ فِي مَعْنَى الِاقْتِرَاضِ فَإِنْ لَمْ يَرَهُ مَصْلَحَةً لَهُ حَفِظَهُ أَمَانَةً أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي (وَ) عَلَى صِحَّةِ الْتِقَاطِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ (يَضْمَنُ الْوَلِيُّ إنْ قَصَّرَ فِي انْتِزَاعِهِ) أَيْ الْمُلْتَقَطِ (حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِ الصَّبِيِّ) وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِتَقْصِيرِهِ كَمَا لَوْ قَصَّرَ فِي حِفْظِ مَا احْتَطَبَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيَهُ الْحَاكِمُ فَالْأَشْبَهُ عَدَمُ ضَمَانِهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي انْتِزَاعِهَا ضَمِنَ الصَّبِيُّ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِالتَّلَفِ بِلَا تَقْصِيرٍ، وَيَعْرِفُ التَّالِفُ الْمَضْمُونَ وَيُتَمَلَّكُ لِلصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ الْقِيمَةُ بَعْدَ قَبْضِ الْحَاكِمِ لَهَا. أَمَّا مَا فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُهُ لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْوَلِيُّ حَتَّى بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ رَشَدَ السَّفِيهُ كَانَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ، فَأَقَرَّهَا فِي يَدِهِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِلصَّيْمَرِيِّ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ. (وَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ) إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ السَّيِّدُ، وَلَمْ يَنْهَهُ؛ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ أَمَانَةٌ وَوِلَايَةٌ ابْتِدَاءً وَتَمْلِيكٌ انْتِهَاءً، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا، وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ وَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ كَاحْتِطَابِهِ وَاصْطِيَادِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ كَقَوْلِهِ مَتَى وَجَدْتَ لُقَطَةً، فَأْتِنِي بِهَا صَحَّ جَزْمًا، وَإِنْ نَهَاهُ امْتَنَعَ جَزْمًا عِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَقَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ وَطَرَدَ غَيْرُهُ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْإِذْنُ فِي الِاكْتِسَابِ إذْنٌ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 580 وَلَا يُعْتَدُّ بِتَعْرِيفِهِ فَلَوْ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ كَانَ الْتِقَاطًا. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْتِقَاطِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً. وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَهِيَ   [مغني المحتاج] الِالْتِقَاطِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ بُطْلَانِ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ نُثَارُ الْوَلِيمَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَيَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الْوَلِيمَةِ، وَكَذَا الْحَقِيرُ كَتَمْرَةٍ وَزَبِيبَةٍ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ اللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَعْرِيفَ فِيهِ وَلَا تَمَلُّكَ، فَهُوَ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ (وَ) عَلَى بُطْلَانِ الْتِقَاطِهِ (لَا يُعْتَدُّ بِتَعْرِيفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَقِطٍ، وَيَضْمَنُ الْمُلْتَقَطَ فِي رَقَبَتِهِ، وَعَلَى صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ يُعْتَدُّ بِتَعْرِيفِهِ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ يَتَمَلَّكُهُ لِسَيِّدِهِ بِإِذْنِهِ، وَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْمُدَبَّرُ وَمُعَلَّقُ الْعِتْقِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ إلَّا أَنَّ الضَّمَانَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يَتَعَلَّقُ بِسَيِّدِهَا لَا بِرَقَبَتِهَا عَلِمَ سَيِّدُهَا أَمْ لَا (فَإِنْ أَخَذَهُ) أَيْ الْمُلْتَقَطَ (سَيِّدُهُ) أَوْ أَجْنَبِيٌّ (مِنْهُ) أَيْ الْعَبْدِ (كَانَ الْتِقَاطًا) لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْعَبْدِ الضَّمَانُ، وَفِي مَعْنَى أَخْذِ السَّيِّدِ إقْرَارُهُ اللُّقَطَةَ فِي يَدِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ أَمِينًا إذْ يَدُهُ كَيَدِهِ، فَإِنْ اسْتَحْفَظَهُ، وَهُوَ غَيْرُ أَمِينٍ أَوْ أَهَمَلَهُ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْعَبْدِ وَسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ، وَلَوْ أَفْلَسَ السَّيِّدُ قُدِّمَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ فِي الْعَبْدِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ أَخَذَهُ سَيِّدُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ الْتَقَطَ لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِلْعَتِيقِ تَمَلُّكُهَا وَكَأَنَّهُ الْتَقَطَ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: فِي الشَّرْحِ (الْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْتِقَاطُ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً) كَالْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، فَيُعَرِّفُ وَيَتَمَلَّكُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّعِ وَالْحِفْظِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، فَهُوَ كَالْقِنِّ لَكِنْ لَا يَأْخُذُهَا السَّيِّدُ مِنْهُ، وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بَلْ يَأْخُذُهَا الْقَاضِي وَيَحْفَظُهَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَالْحُرِّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَمَلَّكَهَا الْمُكَاتَبُ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ كَانَ بَدَلُهَا فِي كَسْبِهِ وَلَا يُقَدَّمُ مَالِكُهَا بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِي الْحُرِّ الْمُفْلِسِ أَوْ الْمَيِّتِ، فَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ قَبْلَ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ لَمْ يَأْخُذْهَا السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ الْتِقَاطَ الْمُكَاتَبِ لَا يَقَعُ لِسَيِّدِهِ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْتِقَاطُهُ اكْتِسَابًا، لِأَنَّ لَهُ يَدًا كَالْحُرِّ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ بَلْ يَحْفَظُهَا الْحَاكِمُ لِلْمَالِكِ. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً، فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ. (وَ) الْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْتِقَاطِ (مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ فِي الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْقِنِّ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (هِيَ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 581 لَهُ وَلِسَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ فِي الْأَظْهَرِ، وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ النَّادِرِ مِنْ الْأَكْسَابِ وَالْمُؤَنِ إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ الْحَيَوَانُ الْمَمْلُوكُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ بِقُوَّةٍ كَبَعِيرٍ وَفَرَسٍ أَوْ بِعَدْوٍ   [مغني المحتاج] اللُّقَطَةُ (لَهُ وَلِسَيِّدِهِ) فَيُعَرِّفَانِهَا وَيَتَمَلَّكَانِهَا. هَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً (فَإِنْ كَانَتْ مُهَايَأَةً) بِالْهَمْزِ: أَيْ مُنَاوَبَةً (فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْكَسْبِ النَّادِرِ فِي الْمُهَايَأَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالثَّانِي: تَكُونُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا، فَعَلَى الْأَظْهَرِ مَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ عَرَّفَهَا وَتَمَلَّكَهَا، وَالِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الِالْتِقَاطِ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ هَلْ يُحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُهَايَأَةً وَفِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالْقِنِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ. وَأَمَّا فِي نَوْبَةِ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَالْحُرِّ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ (وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (النَّادِرِ مِنْ الْأَكْسَابِ) الْحَاصِلَةِ لِلْمُبَعِّضِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُهَايَأَةِ أَنْ يَخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا وَقَعَ فِي نَوْبَتِهِ (وَ) حُكْمُ النَّادِرِ مِنْ (الْمُؤَنِ) كَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَثَمَنِ دَوَاءٍ وَأُجْرَةِ حَمَّامٍ إلْحَاقًا لِلْغُرْمِ بِالْغُنْمِ فَالْأَكْسَابُ لِمَنْ حَصَلَتْ فِي نَوْبَتِهِ، وَالْمُؤَنُ عَلَى مَنْ وَجَدَ سَبَبَهَا فِي نَوْبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ فِيهِمَا، وَمُقَابِلُهُ يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّادِرَةَ مَجْهُولَةٌ، وَرُبَّمَا لَا تَخْطُرُ بِالْبَالِ عِنْدَ التَّهَايُؤِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى إدْخَالِهَا (إلَّا أَرْشَ الْجِنَايَةِ) الْمَوْجُودَةِ مِنْ الْمُبَعَّضِ أَوْ عَلَيْهِ كَمَا شَمَلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَخْتَصُّ أَرْشُهَا بِصَاحِبِ النَّوْبَةِ بَلْ يَكُونُ الْأَرْشُ بَيْنَ الْمُبَعَّضِ وَالسَّيِّدِ جَزْمًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْأَرْشَ يَتَعَلَّقُ بِالرَّقَبَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةً فَيَشْتَرِكَانِ فِي سَائِرِ النَّادِرِ مِنْ الْأَكْسَابِ وَالْمُؤَنِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْمُلْتَقَطِ] ِ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ، وَالْمُلْتَقَطُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: حَيَوَانٌ، وَثَانِيهِمَا جَمَادٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (الْحَيَوَانُ الْمَمْلُوكُ) بِأَثَرٍ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَوَسْمٍ وَتَعْلِيقِ قُرْطٍ (الْمُمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ) كَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ، ثُمَّ فَصَّلَ امْتِنَاعَ الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ (بِقُوَّةٍ) يَمْتَنِعُ بِهَا (كَبَعِيرٍ) كَبِيرٍ (وَفَرَسٍ) وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ (أَوْ) يَمْتَنِعُ (بِعَدْوٍ) أَيْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 582 كَأَرْنَبٍ وَظَبْيٍ، أَوْ طَيَرَانٍ كَحَمَامٍ إنْ وُجِدَ بِمَفَازَةٍ فَلِلْقَاضِي الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ وَكَذَا لِغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ لِتَمَلُّكٍ، وَإِنْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ، وَمَا لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا كَشَاةٍ يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمَفَازَةِ،   [مغني المحتاج] جَرْيٍ (كَأَرْنَبٍ وَظَبْيٍ أَوْ) يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ (طَيَرَانٍ كَحَمَامٍ) وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ كَقُمْرِيٍّ وَيَمَامٍ (إنْ وُجِدَ) هَذَا الْحَيَوَانُ (بِمَفَازَةٍ) وَهِيَ الْمُهْلِكَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ تَفَاؤُلًا بِالْفَوْزِ (فَلِلْقَاضِي) أَوْ مَنْصُوبِهِ (الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ) عَلَى مَالِكِهِ لَا لِلتَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ، وَكَانَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَظِيرَةٌ يَحْفَظُ فِيهَا الضَّوَالَّ. رَوَاهُ مَالِكٌ (وَكَذَا لِغَيْرِهِ) أَيْ الْقَاضِي مِنْ الْآحَادِ الْتِقَاطُهُ لِلْحِفْظِ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ خَائِنٌ، وَالثَّانِي لَا، إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْآحَادِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ فَإِنْ عَرَفَهُ، وَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ كَانَ فِي يَدِهِ أَمَانَةً جَزْمًا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ أَخْذِ الْحَاكِمِ إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ. أَمَّا إذَا أُمِنَ عَلَيْهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ فِي غَيْرِ الْحَاكِمِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ) أَيْ الْحَيَوَانِ الْمُمْتَنِعِ فِي الْأَمْنِ (لِتَمَلُّكٍ) عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ «مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا» ، وَقِيسَ الْبَاقِي عَلَيْهَا بِجَامِعِ إمْكَانِ رَعْيِهَا فِي الْبَرِّيَّةِ بِلَا رَاعٍ، فَمَنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ ضَمِنَهُ، وَلَا يَبْرَأُ بِرَدِّهِ إلَى مَوْضِعِهِ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ. أَمَّا زَمَنُ النَّهْبِ وَالْفَسَادِ، فَيَجُوزُ أَخْذُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي صَحْرَاءَ وَغَيْرِهَا. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا بِالْمَمْلُوكِ يُخْرِجُ صُوَرًا: مِنْهَا الْكَلْبُ. وَمِنْهَا الْهَدْيُ. وَمِنْهَا الْمَوْقُوفُ. وَمِنْهَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (وَإِنْ وُجِدَ بِقَرْيَةٍ) أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ (فَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْتِقَاطِهِ لِلتَّمَلُّكِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُمْرَانِ يَضِيعُ بِامْتِدَادِ الْيَدِ الْخَائِنَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَفَازَةِ، فَإِنَّ طُرُوقَهَا لَا يَعُمُّ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْمَفَازَةِ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ سِيَاقَهُ يَقْتَضِي الْمَفَازَةَ بِدَلِيلِ «دَعْهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ» . تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الِالْتِقَاطِ لِلتَّمَلُّكِ صُوَرٌ: مِنْهَا لُقَطَةُ الْحَرَمِ كَمَا سَيَأْتِي. وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِرَاضُهَا (وَمَا) أَيْ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي (لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا) أَيْ صِغَارِ السِّبَاعِ (كَشَاةٍ) وَعِجْلٍ وَفَصِيلٍ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ وَكَسَيْرِ خَيْلٍ وَإِبِلٍ (يَجُوزُ) لِقَاضٍ وَغَيْرِهِ (الْتِقَاطُهُ لِلتَّمَلُّكِ فِي الْقَرْيَةِ) وَنَحْوِهَا (وَالْمَفَازَةِ) صَوْنًا لَهُ عَنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 583 وَيَتَخَيَّرُ آخِذُهُ مِنْ مَفَازَةٍ فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ أَوْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَعَرَّفَهَا ثُمَّ تَمَلَّكَهُ أَوْ أَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمْرَانِ فَلَهُ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ لَا الثَّالِثَةُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الْخَوَنَةِ وَالسِّبَاعِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الشَّاةِ «هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» (وَيَتَخَيَّرُ) فِيمَا لَا يَمْتَنِعُ (آخِذُهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بِخَطِّهِ (مِنْ مَفَازَةٍ) بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ كَمَا بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ شَاءَ عَرَّفَهُ وَتَمَلَّكَهُ) وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ (أَوْ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ (بَاعَهُ) مُسْتَقِلًّا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ فِي الْأَصَحِّ (وَحَفِظَ ثَمَنَهُ وَعَرَّفَهَا) أَيْ اللُّقَطَةَ الَّتِي بَاعَهَا، وَكَانَ تَعْرِيفُهَا بِمَكَانٍ يَصْلُحُ لِلتَّعْرِيفِ (ثُمَّ تَمَلَّكَهُ) أَيْ الثَّمَنَ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَعَرَّفَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ لِلثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعَرَّفُ (أَوْ) أَيْ وَإِنْ شَاءَ (أَكَلَهُ) مُتَمَلِّكًا لَهُ (وَغَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ ظَهَرَ مَالِكُهُ) وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ التَّعْرِيفَ فِي الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ أَكْلِهَا تَعْرِيفُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنْ الَّذِي يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا قَالَ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُعَرَّفُ بِالصَّحْرَاءِ لَا مُطْلَقًا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَذِهِ الْخِصَالِ لَيْسَ تَشَهِّيًا، بَلْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ، وَزَادَ الْمَاوَرْدِيُّ خَصْلَةً رَابِعَةً، وَهِيَ تَمَلُّكُهُ فِي الْحَالِ وَتَبْقِيَتُهُ حَيًّا لِدَرٍّ وَنَسْلٍ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَبَاحَ تَمَلُّكَهُ مَعَ اسْتِهْلَاكِهِ، فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَبِيحَ تَمَلُّكَهُ مَعَ اسْتِبْقَائِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّ الْأُولَى عُلِّلَتْ بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهَا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ؛ فَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْأَكْلُ فَالْبَيْعُ أَوْلَى. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقِيمَةُ الْمُعْتَبَرَةُ قِيمَةُ يَوْمِ الْأَخْذِ إنْ أُخِذَ لِلْأَكْلِ وَقِيمَةُ يَوْمِ التَّمَلُّكِ إنْ أُخِذَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَأَقَرَّاهُ (فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْعُمْرَانِ، فَلَهُ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ، وَهُمَا الْإِمْسَاكُ وَالْبَيْعُ (لَا الثَّالِثَةُ) وَهِيَ الْأَكْلُ (فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ. وَالثَّانِي لَهُ الْأَكْلُ أَيْضًا كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْأَكْلُ فِي الصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِيهِ بِخِلَافِ الْعُمْرَانِ، وَيَشُقُّ النَّقْلُ إلَيْهِ. أَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ، فَفِيهِ الْخَصْلَتَانِ الْأُولَيَانِ، وَلَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ، وَإِذَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 584 وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ. وَيَلْتَقِطَ غَيْرَ الْحَيَوَانِ فَإِنْ كَانَ يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ وَعَرَّفَهُ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ، وَقِيلَ إنْ وَجَدَهُ   [مغني المحتاج] أَمْسَكَ لُقَطَةَ الْحَيَوَانِ، وَتَبَرَّعَ بِالْإِنْفَاقِ، فَذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَشْهَدَ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْعُمْرَانِ الشَّارِعُ وَالْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْمَوَاتِ مَحَالُّ اللُّقَطَةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَلْتَقِطَ عَبْدًا لَا يُمَيِّزُ) فِي زَمَنِ أَمْنٍ أَوْ نَهْبٍ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَمُمَيِّزًا وَقْتَ نَهْبٍ بَلْ قَدْ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِحِفْظِ رُوحِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُ الْمُمَيِّزِ فِي الْأَمْنِ لَا فِي مَفَازَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ فِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ، فَيَصِلُ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ صُورَةُ الْتِقَاطِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مُشْكِلَةٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ اللَّقِيطِ أَنَّ مَنْ لَا يُعْرَفُ رِقُّهُ وَلَا حُرِّيَّتُهُ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَكَيْفَ يُلْتَقَطُ، وَإِنْ عُرِفَ رِقُّهُ بِبَيِّنَةٍ عُرِفَ مَالِكُهُ، فَكَيْفَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّقَّ يُعْرَفُ بِعَلَامَةٍ كَعَلَامَةِ الْحَبَشَةِ وَالزِّنْجِ أَوْ أَنَّهُ عُرِفَ رَقِّهِ وَجُهِلَ مَالِكُهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ ضَالًّا، وَكَذَلِكَ يَأْتِي هَذَا فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْأَمَةِ مَجُوسِيَّةً. تَنْبِيهٌ خَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَبْدًا الْأَمَةُ، فَإِنَّهَا إنْ حَلَّتْ لِلْمُلْتَقِطِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْتَقِطَهَا لِلتَّمَلُّكِ بَلْ لِلْحِفْظِ، وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ لَهُ كَمَجُوسِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ جَازَ لَهُ الْتِقَاطُهَا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِي الْتِقَاطِ الرَّقِيقِ الْخَصْلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْحِفْظِ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ، فَعَلَى مَا مَرَّ آنِفًا فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَإِذَا بِيعَ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعِتْقِ قَدْ يُوهِمُ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ فِيمَا عَدَاهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِأَجْلِ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ قُوَّةِ الْعِتْقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَاهُ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَ) أَنْ (يَلْتَقِطَ غَيْرَ الْحَيَوَانِ) وَهُوَ الْجَمَادُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَالًا كَالنُّقُودِ وَالثِّيَابِ أَمْ غَيْرَ مَالٍ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ لِلِاخْتِصَاصِ أَوْ الْحِفْظِ (فَإِنْ كَانَ) مِمَّا (يَسْرُعُ فَسَادُهُ كَهَرِيسَةٍ) وَعِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ وَرُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ تَخَيَّرَ آخِذُهُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ (فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ) اسْتِقْلَالًا إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَبِإِذْنِهِ إنْ وَجَدَهُ آخِذًا مِمَّا مَرَّ (وَعَرَّفَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ (لِيَتَمَلَّكْ ثَمَنَهُ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَلَا يُعَرِّفُ الثَّمَنَ، وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ أَوْلَى مِنْ الْخَصْلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ) وَغَرِمَ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ أَوَجَدَهُ فِي مَفَازَةٍ أَمْ عُمْرَانٍ (وَقِيلَ: إنْ وَجَدَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 585 فِي عُمْرَانٍ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِعِلَاجٍ كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ، أَوْ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ جَفَّفَهُ، وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي. وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ أَبَدًا فَهِيَ أَمَانَةٌ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَلَمْ يُوجِبْ الْأَكْثَرُونَ التَّعْرِيفَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ،   [مغني المحتاج] فِي عُمْرَانٍ وَجَبَ الْبَيْعُ) لِتَيَسُّرِهِ أَوْ امْتَنَعَ الْأَكْلُ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الشَّاةِ مِنْ تَصْحِيحِ مَنْعِ الْأَكْلِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاةِ بِأَنَّ الطَّعَامَ قَدْ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِالْمُشْتَرِي، فَتَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَى أَكْلِهِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا الْأَكْلَ، فَأَكَلَ وَجَبَ التَّعْرِيفُ فِي الْعُمْرَانِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ. قَالَ الْإِمَامُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ إفْرَازُ الْقِيمَةِ الْمَغْرُومَةِ مِنْ مَالِهِ. نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ إفْرَازِهَا عِنْدَ تَمَلُّكِهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ، قَالَهُ الْقَاضِي (وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاؤُهُ) أَيْ مَا يَسْرُعُ فَسَادُهُ. لَكِنْ (بِعِلَاجٍ) فِيهِ (كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ) أَيْ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَبَنٍ يَصِيرُ أَقِطًا (فَإِنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ) جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إنْ وَجَدَهُ، وَإِلَّا اسْتِقْلَالًا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ (أَوْ) كَانَتْ الْغِبْطَةُ (فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ) لَهُ أَوْ غَيْرُهُ (جَفَّفَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ (وَإِلَّا بِيعَ بَعْضُهُ) بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي التَّجْفِيفَ (لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي) طَلَبًا لِلْأَحَظِّ، وَخَالَفَ هَذَا الْحَيَوَانُ حَيْثُ بِيعَ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ تَتَكَرَّرُ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْكُلَ نَفْسَهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: الْوَاجِدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا تَقَرَّرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْأَغْبَطِ وَاجِبَةٌ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِعَمَلِ الْأَغْبَطِ فِي ظَنِّهِ بَلْ يُرَاجِعُ الْقَاضِيَ، فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ بِيعَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الْبَيْعِ مِنْ قِلَّةِ الْكُلْفَةِ. (وَمَنْ أَخَذَ لُقَطَةً لِلْحِفْظِ أَبَدًا) وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ (فَهِيَ أَمَانَةٌ) فِي يَدِهِ، وَكَذَا دَرُّهَا وَنَسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِمَالِكِهَا فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ (فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لَزِمَهُ الْقَبُولُ) حِفْظًا لَهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَكَذَا مَنْ أَخَذَ لِلتَّمَلُّكِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهَا إلَى الْحَاكِمِ يَلْزَمْهُ الْقَبُولُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِقُدْرَةِ الْمُودِعِ عَلَى الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ (وَلَمْ يُوجِبْ الْأَكْثَرُونَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (التَّعْرِيفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ) وَهِيَ أَخْذُ اللُّقَطَةِ لِلْحِفْظِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا أَوْجَبَهُ لَمَّا جَعَلَ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَهُ، وَرَجَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وُجُوبَهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِعَزْوِهِ عَدَمَ التَّعْرِيفِ إلَى الْأَكْثَرِينَ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 586 فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ خِيَانَةً لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ الْخِيَانَةِ فَضَامِنٌ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ فَأَمَانَةٌ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ، وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ فِي الْأَصَحِّ. وَيَعْرِفُ جِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَقَدْرَهَا   [مغني المحتاج] الْأَصَحِّ كَعَادَتِهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّحِيحُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ كِتْمَانَهَا يُفَوِّتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَالِكُهَا يَنْشُدُهَا فَيَعْلَمُ بِهِ آخِذُهَا لِلْحِفْظِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ مِنْ عَابِرِ سَبِيلٍ وَمِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ أَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ تَعَبِ التَّعْرِيفِ دَفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ أَمِينٍ، وَإِذَا عَرَّفَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ قَصْدُ التَّمَلُّكِ عَرَّفَهَا سَنَةً مِنْ يَوْمئِذٍ، وَلَا يُعْتَدُّ بِمَا عَرَّفَهُ قَبْلُ عَلَى الْأَصَحِّ سَوَاءٌ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّعْرِيفِ أَمْ لَا (فَلَوْ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ) الْأَخْذَ الَّذِي لِلْحِفْظِ أَبَدًا، وَكَذَا بَعْدَ الْأَخْذِ لِلتَّمَلُّكِ (خِيَانَةً) فِيمَا الْتَقَطَهُ (لَمْ يَصِرْ) بِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْخِيَانَةِ (ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ) حَتَّى يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ الْقَصْدُ بِالْفِعْلِ كَالْمُودَعِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ، وَخَرَجَ بِقَصْدِ مَا لَوْ فَعَلَ الْخِيَانَةَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا جَزْمًا. تَنْبِيهٌ مَتَى صَارَ الْمُلْتَقِطُ ضَامِنًا فِي الدَّوَامِ بِحَقِيقَةِ الْخِيَانَةِ أَوْ بِقَصْدِهَا ثُمَّ أَقْلَعَ وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَهَا وَيَتَمَلَّكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْخِيَانَةَ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَ (وَإِنْ أَخَذَ بِقَصْدِ الْخِيَانَةِ فَضَامِنٌ) عَمَلًا بِقَصْدِهِ الْمُقَارِنِ لِفِعْلِهِ (وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْأَخْذِ خِيَانَةً (أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) نَظَرًا لِلِابْتِدَاءِ كَالْغَاصِبِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَهُ ذَلِكَ نَظَرًا لِوُجُودِ صُورَةِ الِالْتِقَاطِ، وَلَوْ سَلَّمَهَا لِلْحَاكِمِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْغَاصِبِ (وَإِنْ أَخَذَ لِيُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ (فَأَمَانَةٌ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ) كَالْمُودَعِ (وَكَذَا بَعْدَهَا مَا لَمْ يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا قَبْلَ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، وَالثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: تَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إذَا كَانَ غَرِمَ مِنْ التَّمَلُّكِ مُطَّرِدًا كَالْمُسْتَامِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمُسْتَامَ مَأْخُوذٌ لِحَظِّ آخِذِهِ حِينَ أَخَذَهُ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ. تَنْبِيهٌ بَقِيَ مِنْ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَخَذَ لَا بِقَصْدِ خِيَانَةٍ وَلَا أَمَانَةٍ أَوْ بِقَصْدِ أَحَدِهِمَا وَنَسِيَهُ وَحُكْمُهُمَا أَنْ لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَلَهُ التَّمَلُّكُ بِشَرْطِهِ اتِّفَاقًا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَابِعَاهُ. (وَيَعْرِفُ) الْمُلْتَقِطُ بِفَتْحِ الْيَاءِ بِخَطِّهِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ، وَهِيَ الْعِلْمُ (جِنْسَهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنَوْعَهَا مِنْ كَوْنِهَا أَشْرَفِيَّةً أَوْ بُلُّورِيَّةً (وَصِفَتَهَا) مِنْ صِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَنَحْوِهِمَا (وَقَدْرَهَا) بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 587 وَعِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ يُعَرِّفُهَا فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا   [مغني المحتاج] ذَرْعٍ أَوْ عَدٍّ (وَعِفَاصَهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ الْوِعَاءُ مِنْ جِلْدٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَصْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي يَلْبِسُ رَأْسَ الْقَارُورَةِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْوِعَاءِ تَوَسُّعًا (وَوِكَاءَهَا) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ بِخَطِّهِ، وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ مِنْ خَيْطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِخَبَرِ زَيْدٍ السَّابِقِ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ وَلْيَعْرِفَ صِدْقَ وَاصِفِهَا، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ تَكُونُ عَقِبَ الْأَخْذِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَهِيَ سَنَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَفِي الْكَافِي أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَيَنْدُبُ كَتْبُ الْأَوْصَافِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَنَّهُ الْتَقَطَهَا فِي وَقْتِ كَذَا (ثُمَّ يُعَرِّفُهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ الْمُشَدَّدِ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَهَذَا وَاجِبٌ إنْ قَصَدَ التَّمَلُّكَ قَطْعًا، وَإِلَّا فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْرِيفِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ تَبَعًا لِلْجِيلِيِّ مَا لَوْ كَانَ السُّلْطَانُ ظَالِمًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَهَا أَخَذَهَا، فَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيفُ حِينَئِذٍ، بَلْ تَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ بَعْدَ السَّنَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ يَتَمَلَّكُ بَعْدَهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: ثُمَّ يُعَرِّفُهَا أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالتَّعْرِيفِ عَقِبَ الِالْتِقَاطِ لَا تَجِبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّ جَوَازِ التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْمُلْتَقِطِ أَنَّهُ يُفَوِّتُ مَعْرِفَةَ الْمَالِكِ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَجَبَ الْبِدَارُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ الْمُبَادَرَةَ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَنْ يُؤَرِّخَ وُجْدَانَ اللُّقَطَةِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَيُسْنِدُهُ إلَى وَقْتِهِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُعَاوَضَةِ مَا جَرَى مِنْ التَّأْخِيرِ الْمَنْسِيِّ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ بِمَأْذُونِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهَا لَهُ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُعَرِّفِ عَاقِلًا غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْخَلَاعَةِ وَالْمُجُونِ، وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا صَنَعَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِهِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَكَانِ التَّعْرِيفِ بِقَوْلِهِ (فِي الْأَسْوَاقِ) عِنْدَ قِيَامِهَا فِي بَلَدِ الِالْتِقَاطِ (وَ) فِي (أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) عِنْدَ خُرُوجِ النَّاسِ (وَنَحْوِهَا) مِنْ الْمَجَامِعِ وَالْمَحَافِلِ وَمَحَالِّ الرِّحَالِ وَمُنَاخِ الْأَسْفَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى وُجُودِ صَاحِبِهَا. وَيَجِبُ التَّعْرِيفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَلِيُكْثِرَ مِنْهُ فِيهِ، لِأَنَّ طَلَبَ الشَّيْءِ فِي مَكَانِهِ أَكْثَرُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ الْمَسَاجِدُ فَيُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ التَّحْرِيمَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَلَا يُكْرَهُ التَّعْرِيفُ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ؛ وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 588 سَنَةً عَلَى الْعَادَةِ يُعَرِّفُ أَوَّلًا كُلَّ يَوْمٍ طَرَفَيْ النَّهَارِ ثُمَّ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ، وَلَا تَكْفِي سَنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] النَّاسِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى كَذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ سَفَرًا اسْتَنَابَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَيُعَرِّفُهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا أَوْ اسْتَنَابَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِهِ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ فِيهَا إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، فَفِي بَلْدَةٍ يَقْصِدُهَا قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ سَوَاءٌ أَقَصَدَهَا ابْتِدَاءً أَمْ لَا حَتَّى لَوْ قَصَدَ بَعْدَ قَصْدِهِ الْأَوَّلِ بَلْدَةً أُخْرَى، وَلَوْ بَلْدَتَهُ الَّتِي سَافَرَ مِنْهَا عَرَّفَ فِيهَا، وَلَا يُكَلَّفُ الْعُدُولَ عَنْهَا إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَقَوْلُهُ (سَنَةً) أَيْ مِنْ يَوْمِ التَّعْرِيفِ بَيَانٌ لِمُدَّةِ التَّعْرِيفِ لِخَبَرِ زَيْدٍ الْمَارِّ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّنَةَ لَا يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْقَوَافِلُ غَالِبًا، وَتَمْضِي فِيهَا الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَرِّفْ سَنَةً لَضَاعَتْ الْأَمْوَالُ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَوْ جَعَلَ التَّعْرِيفَ أَبَدًا لَامْتَنَعَ مِنْ الِالْتِقَاطِ، فَكَأَنَّ فِي السَّنَةِ نَظَرًا لِلْفَرِيقَيْنِ مَعًا، وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ. وَأَمَّا الْقَلِيلَةُ، فَسَتَأْتِي وَلَوْ الْتَقَطَ اثْنَانِ لُقَطَةً عَرَّفَهَا كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ سَنَةٍ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالتَّعْرِيفُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكُلِّهَا لَا لِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَلُّكِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيجَابِ السَّنَةِ لُقَطَةُ دَارِ الْحَرْبِ، وَقَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْرِيفِهَا هُنَاكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَرِّفُهَا رُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُتَصَوَّرُ التَّعْرِيفُ سَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ إذَا قَصَدَ الْحِفْظَ فَعَرَّفَهَا سَنَةً ثُمَّ قَصَدَ التَّمَلُّكَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ سَنَةً مِنْ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ السَّنَةَ بِالتَّعْرِيفِ كُلَّ يَوْمٍ، بَلْ (عَلَى الْعَادَةِ) زَمَانًا وَمَكَانًا وَقَدْرًا (يُعَرِّفُ أَوَّلًا) أَيْ أَوَّلَ سَنَةِ التَّعْرِيفِ (كُلَّ يَوْمٍ) مَرَّتَيْنِ (طَرَفَيْ النَّهَارِ) لَا لَيْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ (ثُمَّ) يُعَرِّفُ (كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً ثُمَّ كُلَّ أُسْبُوعٍ) مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (ثُمَّ كُلَّ شَهْرٍ) مَرَّةً تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ، بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّ الْأَخِيرَ تَكْرِيرُ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّعْرِيفَ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأُوَلِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ تَطَلُّبَ الْمَالِكِ فِيهَا أَكْثَرُ، وَسَكَتَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْمُهَذَّبِ ذَكَرَ الْأُسْبُوعَ فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى. قَالَ الشَّارِحُ: وَيُقَاسُ بِهَا الثَّانِيَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قِيلَ وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ يُعَرِّفُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُلْتَقِطُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ بَنَى وَارِثُهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَا تَكْفِي) فِي التَّعْرِيفِ (سَنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَصَحِّ) فِي الْمُحَرَّرِ، وَعِبَارَتُهُ وَالْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ السَّنَةِ فِي الْخَبَرِ التَّوَالِي كَمَا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 589 قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَكْفِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ وَيَذْكُرُ بَعْضَ أَوْصَافِهَا. وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إنْ أَخَذَ لِحِفْظٍ، بَلْ يُرَتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَقْتَرِضُ عَلَى الْمَالِكِ. وَإِنْ أَخَذَ لِتَمَلُّكٍ لَزِمَتْهُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْ فَعَلَى الْمَالِكِ.   [مغني المحتاج] لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا سَنَةً، وَعَلَى هَذَا إذَا قَطَعَ التَّعْرِيفَ مُدَّةً اسْتَأْنَفَ وَلَا يَبْنِي (قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَكْفِي) السَّنَةُ الْمُفَرَّقَةُ فِي التَّعْرِيفِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا، وَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ فِي التَّعْرِيفِ زَمَانَ الْوِجْدَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ مَا جَرَى مِنْ التَّأْخِيرِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ: وَتَسَاهَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَجَعَلَ التَّأْرِيخَ مُسْتَحَبًّا، وَيَقُولُ فِي تَعْرِيفِهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ: مَنْ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ. [فَصْلٌ وَيَذْكُرُ نَدْبًا بَعْضَ أَوْصَافِهَا] ) كَمَا يَذْكُرُ جِنْسَهَا، فَيَقُولُ: مَنْ ضَاعَ لَهُ دَنَانِيرُ أَوْ عِفَاصُهَا أَوْ وِكَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الظَّفْرِ بِالْمَالِكِ، وَلَا يَسْتَوْفِيهَا لِئَلَّا يَعْتَمِدَهَا كَاذِبٌ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهَا حَرُمَ عَلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ بِالصِّفَاتِ، وَيُفَارِقُ هَذَا مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا فِي الْإِشْهَادِ لِحَصْرِ الشُّهُودِ وَعَدَمِ التُّهْمَةِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ إنْ أَخَذَ) اللُّقَطَةَ (لِحِفْظٍ) لَهَا عَلَى مَالِكِهَا بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّعْرِيفِ السَّابِقِ، إذْ الْحَظُّ لِمَالِكِهَا فَقَطْ (بَلْ يُرَتِّبُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) . قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: قَرْضًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ إنَّهُ إنْفَاقٌ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (أَوْ يَقْتَرِضُ عَلَى الْمَالِكِ) وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ، فَالْمُلْتَقِطُ مُتَبَرِّعٌ إنْ عَرَّفَ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ الْمُلْتَقِطَ بِصَرْفِ الْمُؤْنَةِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يَبِيعَ بَعْضَهَا إنْ رَآهُ كَمَا لَوْ هَرَبَ الْجَمَّالُ. (وَإِنْ أَخَذَ) اللُّقَطَةَ (لِتَمَلُّكٍ) وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا جَزْمًا كَمَا مَرَّ، وَ (لَزِمَتْهُ) مُؤْنَةُ التَّعْرِيفِ، سَوَاءٌ أَتَمَلَّكَهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْ) أَيْ اللُّقَطَةَ كَأَنْ ظَهَرَ مَالِكُهَا (فَعَلَى الْمَالِكِ) لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا تَمَلَّك ثُمَّ ظَهَرَ الْمَالِكُ، وَرَجَعَ فِيهَا لَمْ يَجِئْ هَذَا الْوَجْهُ، وَتَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ بِظُهُورِ الْمَالِكِ يَشْمَلُ ظُهُورَهُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنَّهُ مَتَى ظَهَرَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ أَوْ بَعْدَهُ رَجَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ: فَلَوْ قَالَ الْمِنْهَاجُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 590 وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَقِيرَ لَا يُعَرَّفُ سَنَةً بَلْ زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا.   [مغني المحتاج] وَقِيلَ إنْ ظَهَرَ الْمَالِكُ فَعَلَيْهِ لَكَانَ أَلْخَصَ اهـ. وَكَالتَّمَلُّكِ قَصْدُ الِاخْتِصَاصِ، وَقَصْدُ الِالْتِقَاطِ لِلْخِيَانَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ فِي مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا لَوْ الْتَقَطَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِبًى أَوْ جُنُونٍ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إخْرَاجُ مُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَبِيعُ جُزْءًا مِنْ اللُّقَطَةِ لِمُؤْنَةِ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَقِيرَ) أَيْ الْقَلِيلَ الْمُتَمَوَّلَ، وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ فَاقِدَهُ لَا يُكْثِرُ أَسَفَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَطُولُ طَلَبُهُ لَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حَقَارَتِهِ وَقُدِّرَ بِالدِّينَارِ وَقُدِّرَ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - " لَا بَأْسَ بِمَا دُونَ الدِّرْهَمِ أَنْ يُسْتَنْفَعَ بِهِ " وَقُدِّرَ بِمَا لَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُ السَّارِقِ (لَا يُعَرَّفُ سَنَةً) ؛ لِأَنَّ فَاقِدَهُ لَا يَدُومُ عَلَى طَلَبِهِ سَنَةً بِخِلَافِ الْخَطِيرِ. وَالثَّانِي: يُعَرَّفُ سَنَةً لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهَا جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ التَّمَلُّكِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَالَ: وَيُشْكِلُ عَلَى تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقِيرِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: إنَّ الْأَكْثَرَ قَالُوا: إنَّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْكَلْبِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ يُقْتَنَى لَهَا يُعَرَّفُ سَنَةً ثُمَّ يَخْتَصُّ بِهِ اهـ. وَهَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْأَسَفُ، فَإِنْ فُرِضَ قِلَّتُهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (بَلْ) الْأَصَحُّ يُعَرِّفُهُ (زَمَنًا يُظَنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ يُعْرِضُ عَنْهُ غَالِبًا) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَدَانِقُ الْفِضَّةِ يُعَرَّفُ فِي الْحَالِ، وَدَانِقُ الذَّهَبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ مُدَّةً يُظَنُّ فِي مِثْلِهَا طَلَبُ فَاقِدِهَا، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إعْرَاضُهُ سَقَطَ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ ظَاهِرَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: لَا يُعْرِضُ أَوْ يَقُولَ إلَى زَمَنٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ لَا تُقَدَّرُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ كَمَا قُدِّرَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَبِأَنَّ زَمَنًا مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى سَنَةٍ: أَيْ لَا يُعَرِّفُهَا إلَى سَنَةٍ بَلْ إلَى زَمَنٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ بَلْ لَا تَعْطِفُ الْجُمَلَ، بَلْ هِيَ مَعَهَا حَرْفُ ابْتِدَاءٍ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: بَلْ يُخْلَطَانِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَكْفِي مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهَا عَنْ حَدِّ الْكِتْمَانِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ الْقَلِيلِ أَصْلًا. أَمَّا مَا لَا يُتَمَوَّلُ: كَحَبَّةِ بُرٍّ وَزَبِيبَةٍ لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ، وَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ، فَقَدْ قِيلَ: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي الطَّوَافِ زَبِيبَةً، فَقَالَ: إنَّ مِنْ الْوَرَعِ مَا يَمْقُتُهُ اللَّهُ «، وَمَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلَا أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا» وَلَكِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 591 فَصْلٌ إذَا عَرَّفَ سَنَةً لَمْ يَمْلِكْهَا حَتَّى يَخْتَارَهُ بِلَفْظٍ كَتَمَلَّكْت، وَقِيلَ تَكْفِي النِّيَّةُ، وَقِيلَ يَمْلِكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ   [مغني المحتاج] هَلْ يَزُولُ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ إذَا وَقَعَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْوَافِي، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبَّةً أَوْ نَوَاةً إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَلْعُهَا وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا، فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِعْرَاضِ، فَكَيْفَ يَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُبَاحِ الْمُسْتَفَادِ بِالْعَادَةِ كَالشُّرْبِ مِنْ الْأَنْهَارِ. وَأَمَّا الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا فِي وَقْتِ الْحَصَادِ، فَيَجُوزُ إذَا ظَنَّ إعْرَاضَ الْمَالِكِ عَنْهَا أَوْ ظَنَّ رِضَاهُ بِأَخْذِهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآخِذُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ خَالَفَ فِي الثَّانِي الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يُغْتَفَرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَلَوْ الْتَقَطَ كَلْبًا يُقْتَنَى أَوْ خَمْرًا مُحْتَرَمَةً أَوْ زِبْلًا كَثِيرًا عَرَّفَهُ سَنَةً أَوْ مَا يَلِيقُ بِهِ، ثُمَّ اخْتَصَّ بِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ صَاحِبُهُ وَكَانَ بَاقِيًا أَخَذَهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. [فَصْلٌ فِيمَا تُمْلَكُ بِهِ اللُّقَطَةُ] ُ (إذَا عَرَّفَ) مُلْتَقِطُهَا لِلتَّمَلُّكِ (سَنَةً) عَلَى الْعَادَةِ أَوْ دُونَهَا عَلَى مَا مَرَّ جَازَ لَهُ التَّمَلُّكُ، وَ (لَمْ يَمْلِكْهَا) بِذَلِكَ (حَتَّى يَخْتَارَهُ) أَيْ التَّمَلُّكَ (بِلَفْظٍ) مِنْ نَاطِقٍ يَدُلُّ عَلَى التَّمَلُّكِ (كَتَمَلَّكْت) مَا الْتَقَطْتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ بِبَدَلٍ فَافْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ كَالشَّفِيعِ وَيَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ كَالْقَرْضِ، وَهَذَا فِيمَا يُمَلَّكُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْكَلْبِ وَالْخَمْرِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اخْتِيَارِ نَقْلِ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي كَانَ لِغَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ كَسَائِرِ عُقُودِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ وَلَدَ اللُّقَطَةِ كَاللُّقَطَةِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْتِقَاطِهَا، وَانْفَصَلَ مِنْهَا قَبْلَ تَمَلُّكِهَا، وَإِلَّا مَلَكَهُ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُمْلَكُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِأُمِّهِ: أَيْ وَتَمَلُّكِهَا (وَقِيلَ: تَكْفِي) بَعْدَ التَّعْرِيفِ (النِّيَّةُ) أَيْ تَجْدِيدُ قَصْدِ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ لِفَقْدِ الْإِيجَابِ (وَقِيلَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (يَمْلِكُ) اللُّقَطَةَ (بِمُضِيِّ السَّنَةِ) بَعْدَ التَّعْرِيفِ اكْتِفَاءً بِقَصْدِهِ عِنْدَ الْأَخْذِ لِلتَّمَلُّكِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ. تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِ تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ بَيْنَ الْهَاشِمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ الْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 592 فَإِنْ تَمَلَّكَ فَظَهَرَ الْمَالِكُ وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا فَذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إلَى بَدَلِهَا أُجِيبَ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَمَلُّكُهَا لِلْفَقِيرِ خَشْيَةَ ضَيَاعِهَا عِنْدَ طَلَبِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّمَلُّكِ مَسَائِلُ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا التَّمَلُّكُ. مِنْهَا الْجَارِيَةُ الَّتِي تَحِلُّ لِلْمُلْتَقِطِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهَا لِلتَّمَلُّكِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِقْرَاضُهَا عَلَى الرَّاجِحِ، فَعَلَى هَذَا تُلْتَقَطُ لِلْحِفْظِ فَقَطْ، وَفِي تَعْرِيفِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ تُعَرَّفَ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ تُبَاعُ وَيَتَمَلَّكُ ثَمَنَهَا كَمَا لَوْ الْتَقَطَ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيَتَمَلَّكُ ثَمَنَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةَ الْمَالِكِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي بَيْعِ الْأَمَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَتَرَكَ التَّعْرِيفَ وَالتَّمَلُّكَ ثُمَّ نَدِمَ، وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أُخِذَ لِلْخِيَانَةِ كَمَا مَرَّ. وَمِنْهَا لُقَطَةُ الْحَرَمِ كَمَا سَيَأْتِي. (فَإِنْ تَمَلَّكَ) الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ (فَظَهَرَ الْمَالِكُ) لَهَا، وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ يَمْنَعُ بَيْعَهَا كَمَا فِي الْقَرْضِ (وَاتَّفَقَا عَلَى رَدِّ عَيْنِهَا) أَوْ بَدَلَهَا (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ، إذْ الْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَيَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ رَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا إذَا عَلِمَهُ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ قَبْلَ طَلَبِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ. أَمَّا إذَا حَصَلَ الرَّدُّ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى مَالِكِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَإِنْ أَرَادَهَا الْمَالِكُ وَأَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الْعُدُولَ إلَى بَدَلِهَا. أُجِيبَ الْمَالِكُ فِي الْأَصَحِّ) كَالْقَرْضِ بَلْ أَوْلَى، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ» . وَالثَّانِي: يُجَابُ الْمُلْتَقِطُ، لِأَنَّهُ مَلَكَهَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي الْقَرْضِ. تَنْبِيهٌ لَوْ جَاءَ الْمَالِكُ، وَقَدْ بِيعَتْ اللُّقَطَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بَاقِيًا كَانَ لَهُ الْفَسْخُ، وَأَخَذَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِاسْتِحْقَاقِهِ الرُّجُوعَ لَعَيْنِ مَالِهِ مَعَ بَقَائِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَالْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ رَهْنٍ أَوْ كِتَابَةٍ، وَإِذَا رَدَّهَا الْمُلْتَقِطُ سَلِيمَةً أَوْ مَعِيبَةً مَعَ الْأَرْشِ لَزِمَ الْمَالِكَ الْقَبُولُ، وَيَتَعَيَّنُ رَدُّهَا بِالزَّوَائِدِ الْمُتَّصِلَةِ، وَإِنْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّمَلُّكِ تَبَعًا لِلْأَصْلِ، بَلْ لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ انْفَصَلَتْ رَدَّهَا كَنَظِيرِهِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ الْتَقَطَ حَائِلًا فَحَمَلَتْ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ رَدَّ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمِّ. أَمَّا الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ، فَهِيَ لِلْمُلْتَقِطِ لِحُدُوثِهَا عَلَى مِلْكِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ وَلَدَتْ عِنْدَهُ رَقِيقًا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَظِيرُ مَا فِي التَّفْرِيقِ بِالْفَسْخِ، وَتَقَدَّمَ فِيهِ خِلَافٌ، وَتَقَدَّمَ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 593 وَإِنْ تَلِفَتْ غَرِمَ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ التَّمَلُّكِ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَ الْأَرْشِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ،   [مغني المحتاج] الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْمُنْفَصِلِ، فَيَكُونُ الْحَادِثُ هُنَا بَعْدَ التَّمَلُّكِ لِلْمُلْتَقِطِ. تَنْبِيهٌ: الِاخْتِصَاصَاتُ كَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْكَلْبِ النَّافِعِ فَلَا يَضْمَنُ أَعْيَانَهَا وَلَا مَنَافِعَهَا (وَإِنْ) جَاءَ الْمَالِكُ، وَقَدْ (تَلِفَتْ) تِلْكَ اللُّقَطَةُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا بَعْدَ التَّمَلُّكِ (غَرِمَ مِثْلَهَا) إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً (أَوْ قِيمَتَهَا) إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِوَضُ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْقِيمَةُ تُعْتَبَرُ (يَوْمَ التَّمَلُّكِ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ دُخُولِ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِهِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ كَمِلْكِ الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ صُورِيٌّ رَدَّ الْمِثْلَ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَالِكَ فِي الْقَرْضِ دَفَعَ مَالَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَنَفْسُهُ مُطْمَئِنَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَرُدُّ لَهُ مِثْلَ مَا أَخَذَ. وَأَمَّا اللُّقَطَةُ: فَالْقِيمَةُ فِيهَا قَدْ تَكُونُ فِي يَوْمِ التَّمَلُّكِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْمَرْدُودِ، فَيَفُوتُ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ، فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَظْهَرُ، وَلَوْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ لِلْمَالِكِ بَعْدَ التَّلَفِ: كُنْتُ أَمْسَكْتُهَا لَكَ، وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لَمْ يَضْمَنْهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَمْ أَقْصِدْ شَيْئًا، فَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ صُدِّقَ الْمُلْتَقِطُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. أَمَّا التَّلَفُ قَبْلَ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ كَالْمُودَعِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمُلْتَقِطُ الْبَدَلَ عِنْدَ إبَاحَةِ إتْلَافِ اللُّقَطَةِ كَأَكْلِ الشَّاةِ الْمُلْتَقَطَةِ فِي الْمَفَازَةِ فَتَلِفَتْ سَقَطَ حَقُّ الْمَالِكِ بِتَلَفِ الْقِيمَةِ: أَيْ وَالْمِثْلُ لِلصُّورَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّعَامِ عَنْ نَصِّ الْأَصْحَابِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَمْلُوكِ. أَمَّا الِاخْتِصَاصَاتُ كَالْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَالْكَلْبِ النَّافِعِ، فَلَا يَضْمَنُ أَعْيَانَهَا وَلَا مَنَافِعَهَا (وَإِنْ) جَاءَ، وَقَدْ (نَقَصَتْ بِعَيْبٍ) أَوْ نَحْوِهِ حَدَثَ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا (فَلَهُ) أَيْ مَالِكُهَا (أَخْذُهَا مَعَ الْأَرْشِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ فَكَذَا الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرَ أَنَّ مَا ضُمِنَ كُلُّهُ بِالتَّلَفِ ضُمِنَ بَعْضُهُ عِنْدَ النَّقْصِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا إلَّا مَسْأَلَةُ الشَّاةِ الْمُعَجَّلَةِ، فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالتَّلَفِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا. وَالثَّانِي: لَا أَرْشَ لَهُ، وَلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ: الرُّجُوعُ إلَى بَدَلِهَا سَلِيمَةً، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَدَلَهَا، وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ: أَضُمُّ إلَيْهَا الْأَرْشَ وَأَرُدُّهَا أُجِيبَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ. (وَإِذَا ادَّعَاهَا رَجُلٌ) مَثَلًا (وَلَمْ يَصِفْهَا) بِصِفَاتِهَا السَّابِقَةِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لَهُ بِهَا مِمَّا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ: كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لَهُ (لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِ) لِحَدِيثِ «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» الْحَدِيثَ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا لَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهَا إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ إلَّا إنْ أَلْزَمَهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 594 وَإِنْ وَصَفَهَا وَظَنَّ صِدْقَهُ جَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ دَفَعَ فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا حُوِّلَتْ إلَيْهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ، وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، وَالْقَرَارُ عَلَيْهِ. قُلْت: لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] بِتَسْلِيمِهَا بِالْوَصْفِ حَاكِمٌ. (وَإِذَا وَصَفَهَا) مُدَّعِيهَا، وَهُوَ وَاحِدٌ بِمَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا (وَظَنَّ صِدْقَهُ جَازَ) لَهُ (الدَّفْعُ إلَيْهِ) جَزْمًا عَمَلًا بِظَنِّهِ، بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ كَغَيْرِهِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا قَدْ تُعْسَرُ. أَمَّا إذَا وَصَفَهَا جَمَاعَةٌ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِمْ، وَلَوْ ادَّعَاهَا اثْنَانِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهَا لَهُ تَعَارَضَتَا. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَظَنَّ صِدْقَهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ تَلِفَتْ اللُّقَطَةُ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَصْفِهَا ثَبَتَتْ وَدَفَعَ إلَيْهِ بَدَلَهَا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمَالِكُ: تَعْلَمُ أَنَّهَا لِي فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمَ ذَلِكَ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (فَإِنْ دَفَعَ) اللُّقَطَةَ لِوَاصِفِهَا بِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ إجْبَارِ حَاكِمٍ يَرَاهُ (فَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِهَا) أَيْ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ مِنْهُ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ (حُوِّلَتْ) مِنْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ (إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ تُوجِبُ الدَّفْعَ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصْفِ الْمُجَرَّدِ (فَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ) أَيْ الْوَاصِفِ لِلُّقَطَةِ (فَلِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ) بِأَنَّ اللُّقَطَةَ لَهُ (تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَسْلِيمُهُ. أَمَّا إذَا أَلْزَمَهُ بِالدَّفْعِ حَاكِمٌ يَرَاهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ (وَ) لَهُ مُطَالَبَةُ (الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ) اللُّقَطَةُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ قَدْ أَتْلَفَهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ التَّمَلُّكِ ثُمَّ ادَّعَاهَا بَعْدُ، وَوَصَفَهَا فَسَلَّمَ إلَيْهِ الْبَدَلَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، فَأَقَامَ بَيِّنَةً بِهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالُ الْمُلْتَقِطِ لَا مَالُ الْمُدَّعِي (وَ) إذَا كَانَ لَهُ تَغْرِيمُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَ (الْقَرَارُ عَلَيْهِ) لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ قَدْ أَقَرَّ لِلْوَاصِفِ بِالْمِلْكِ، ثُمَّ غَرَّمَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ الْمُلْتَقِطَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ.؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ظَلَمَهُ، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ. وَلَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ فِي تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ شَامِلًا لِلُقَطَةِ الْحَرَمِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِإِخْرَاجِهَا بِقَوْلِهِ: (قُلْتُ) ، كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (لَا تَحِلُّ لُقَطَةُ الْحَرَمِ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: مَكَّةَ وَحَرَمِهَا (لِلتَّمَلُّكِ) بَلْ لِلْحِفْظِ أَبَدًا (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لَا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهُ إلَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 595 وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] لِمُنْشِدٍ» قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَيْ لِمُعَرِّفٍ، فَفَرَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا لِلتَّعْرِيفِ، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي التَّعْرِيفِ بِسَنَةٍ كَغَيْرِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيفَ عَلَى الدَّوَامِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْصِيصِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَرَمَ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَثَابَةً لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى، فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا مِنْ أَجْلِهَا، أَوْ يَبْعَثُ فِي طَلَبِهَا، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ بِهِ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ كَمَا غُلِّظَتْ الدِّيَةُ فِيهِ. وَالثَّانِي: تَحِلُّ. وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ تَأْكِيدُ التَّعْرِيفِ لَهَا سَنَةً لِئَلَّا يُظَنَّ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْرِيفِهَا فِي الْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُتَمَوَّلِ. أَمَّا غَيْرُهُ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ وَاجِدُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ كَعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِيُخْرِجَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ، وَلَيْسَتْ لُقَطَةُ عَرَفَةَ، وَمُصَلَّى إبْرَاهِيمَ كَلُقَطَةِ الْحَرَمِ وَحِكَايَتُهُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ مُوَافِقٌ لِلرَّوْضَةِ وَمُخَالِفٌ لِلشَّرْحَيْنِ فِي حِكَايَتِهِ قَوْلَيْنِ (وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا) عِنْدَ الْتِقَاطِهَا لِلْحِفْظِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَقَوْلُهُ (قَطْعًا) زِيَادَةٌ عَلَى الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْوَجْهُ الْمُتَقَدِّمُ فِيمَنْ الْتَقَطَ لِلْحِفْظِ، وَنَقَلَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ الْإِقَامَةُ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ دَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَقَدْ يَجِيءُ هَذَا التَّخْيِيرُ فِي كُلِّ مَا اُلْتُقِطَ لِلْحِفْظِ. خَاتِمَةٌ لَوْ أَخَذَ اللُّقَطَةَ اثْنَانِ، فَتَرَكَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ الِالْتِقَاطِ لِلْآخَرِ لَمْ يَسْقُطْ، وَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ يَسْبِقْ تَارِيخٌ لَهُمَا تَعَارَضَتَا، وَلَوْ سَقَطَتْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ لَهَا فَالْتَقَطَهَا آخَرُ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ لِسَبْقِهِ، وَلَوْ أَمَرَ وَاحِدٌ آخَرَ بِالْتِقَاطِ لُقَطَةٍ رَآهَا فَأَخَذَهَا، فَهِيَ لِلْآمِرِ إنْ قَصَدَهُ الْآخَرُ وَلَوْ مَعَ نَفْسِهِ وَإِلَّا، فَهِيَ لَهُ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي الِالْتِقَاطِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي عُمُومِ الِالْتِقَاطِ، وَهَذَا فِي خُصُوصِ لُقَطَةٍ وُجِدَتْ، فَالْأَمْرُ بِأَخْذِهَا اسْتِعَانَةٌ مُجَرَّدَةٌ عَلَى تَنَاوُلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ رَآهَا مَطْرُوحَةً، فَدَفَعَهَا بِرِجْلِهِ، وَتَرَكَهَا حَتَّى ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ فِي يَدِهِ. وَلَوْ أَخَذَ خَمْرًا أَرَاقَهَا صَاحِبُهَا فَتَخَلَّلَتْ عِنْدَهُ مَلَكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ لَهَا. وَقَبْلَ تَخَلُّلِهَا عَلَيْهِ إذَا جَمَعَهَا إرَاقَتُهَا إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ فَيُعَرِّفُهَا كَالْكَلْبِ - الْمُحْتَرَمِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 596 كِتَابُ اللَّقِيطِ الْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ اللَّقِيطِ] فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ وَقَتِيلٍ، وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ، وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُنْبَذُ إذَا أُلْقِيَ فِي الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ، وَيُسَمَّى دَعِيًّا أَيْضًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وقَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] وَأَرْكَانُ اللَّقِيطِ الشَّرْعِيِّ ثَلَاثَةٌ: الْتِقَاطٌ، وَلَقِيطٌ، وَمُلْتَقِطٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (الْتِقَاطُ) أَيْ أَخْذُ (الْمَنْبُوذِ) بِالْمُعْجَمَةِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] إذْ بِإِحْيَائِهَا يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْ النَّاسِ فَإِحْيَاؤُهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ؛ وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَوَجَبَ حِفْظُهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ رُبَّمَا احْتَالَ لِنَفْسِهِ وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ، حَيْثُ لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَيْهَا الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَنْبُوذِ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ أَخْذُهُ، فَلَوْ لَمْ يَلْتَقِطْهُ حَتَّى عَلِمَ بِهِ غَيْرُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ عَلِمَا مَعًا أَوْ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ؟ أَبْدَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا (وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ) أَيْ الْتِقَاطِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 597 وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ عَدْلٍ رَشِيدٍ. وَلَوْ الْتَقَطَ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ اُنْتُزِعَ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَهُ فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ أَوْ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ فَالسَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ.   [مغني المحتاج] الْعَدَالَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ اعْتِمَادًا عَلَى الْأَمَانَةِ كَاللُّقَطَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْمَالُ، وَالْإِشْهَادُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ، وَمِنْ اللَّقِيطِ حُرِّيَّتُهُ وَنَسَبُهُ فَوَجَبَ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَبِأَنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ، وَلَا تَعْرِيفَ فِي اللَّقِيطِ وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ أَيْضًا عَلَى مَا مَعَهُ تَبَعًا لَهُ وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وُجُوبَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا مَعَهُ بِالْمُلْتَقِطِ بِنَفْسِهِ. أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ لَهُ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ فَقَطْ. قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي وَهُوَ اللَّقِيطُ فَهُوَ صَغِيرٌ مَنْبُوذٌ فِي شَارِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا كَافِلَ لَهُ مَعْلُومٌ وَلَوْ مُمَيِّزًا لِحَاجَتِهِ إلَى التَّعَهُّدِ، وَإِنْ أَفْهَمَ التَّعْبِيرُ بِالْمَنْبُوذِ اخْتِصَاصَهُ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ. فَإِنَّ الْمَنْبُوذَ وَهُوَ الَّذِي يُنْبَذُ دُونَ التَّمْيِيزِ، وَنَبْذُهُ فِي الْغَالِبِ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ فَاحِشَةٍ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ، أَوْ لِلْعَجْزِ عَنْ مُؤْنَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ النَّبْذُ رُدَّ إلَى الْقَاضِي لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَافِلِهِ فَيُسَلِّمُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ، كَمَا يَقُومُ بِحِفْظِ مَالِ الْغَائِبِينَ، أَوْ وُجِدَ لَهُ كَافِلٌ وَلَوْ مُلْتَقِطًا رُدَّ إلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْحِفْظِ. نَعَمْ الْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الصَّبِيَّ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُلْتَقِطُ فَقَالَ (وَإِنَّمَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ) أَيْ حَضَانَةُ اللَّقِيطِ (لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَكِنَّ الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ (مُسْلِمٍ) إنْ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ (عَدْلٍ) ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ عَلَى الْغَيْرِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْأَوْصَافُ الْمَذْكُورَةُ كَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ بِالدَّارِ فَلِلْكَافِرِ الْتِقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُ الْتِقَاطِ الْيَهُودِيِّ لِلنَّصْرَانِيِّ وَعَكْسَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَالْإِرْثِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، وَقَوْلُهُ (رَشِيدٍ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِعَدْلٍ كَمَا يُسْتَغْنَى عَنْ مُكَلَّفٍ بِعَدْلٍ، وَمُرَادُهُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَالظَّاهِرَةُ لِيَدْخُلَ الْمَسْتُورُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَيُقَدَّمُ عَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ، وَلَا تَفْتَقِرُ وِلَايَةُ الِالْتِقَاطِ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ دَفْعُهُ إلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ وَجَدَهُ فَأَعْطَاهُ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ مُحْتَرَزَاتِ مَا تَقَدَّمَ فَذَكَرَ مُحْتَرَزَ حُرٍّ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ الْتَقَطَ) رَقِيقٌ (عَبْدٌ) أَوْ أَمَةٌ مُدَبَّرٌ أَوْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، أَوْ أُمُّ وَلَدٍ، أَوْ مُكَاتَبٌ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ اُنْتُزِعَ) اللَّقِيطُ (مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا (فَإِنْ عَلِمَهُ) أَيْ السَّيِّدُ (فَأَقَرَّهُ عِنْدَهُ، أَوْ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ فَالسَّيِّدُ) هُوَ (الْمُلْتَقِطُ) وَهُوَ نَائِبُهُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْبِيَةِ إذْ يَدُهُ كَيَدِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّرْكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 598 وَلَوْ الْتَقَطَ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا اُنْتُزِعَ مِنْهُ. وَلَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى أَخْذِهِ جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ فَالْتَقَطَهُ مُنِعَ الْآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ، وَإِنْ الْتَقَطَاهُ مَعًا وَهُمَا أَهْلٌ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ وَعَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ.   [مغني المحتاج] فِي يَدِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ. أَمَّا بَعْدَهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَرَاهُ إذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ اهـ. وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ إذْ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ الْتَقِطْ لِي فَالسَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَفِي الْمُبَعَّضِ إذَا الْتَقَطَ فِي نَوْبَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ وِلَايَةٌ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْمُبَعَّضِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ أَوْ الْتَقَطَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ فَالْتِقَاطُهُ كَالْقِنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَذَكَرَ مُحْتَرِزًا مُكَلَّفٍ عَدْلٍ رَشِيدٍ فِي قَوْلِهِ. (وَلَوْ الْتَقَطَ صَبِيٌّ) أَوْ مَجْنُونٌ (أَوْ فَاسِقٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ) بِسَفَهٍ (أَوْ كَافِرٌ مُسْلِمًا اُنْتُزِعَ مِنْهُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَتُهْمَةِ الْفَاسِقِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَعَدَمِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْمُنْتَزِعُ مِنْهُمْ هُوَ الْحَاكِمُ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ، وَخَرَجَ بِمُسْلِمٍ الْمَحْكُومُ بِكُفْرِهِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ بِيَدِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا بِيَدِ الْمُسْلِمِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ ازْدَحَمَ اثْنَانِ) كُلٌّ مِنْهُمَا أَهْلٌ لِالْتِقَاطِهِ (عَلَى أَخْذِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِازْدَحَمَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَا آخُذُهُ (جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا أَوْ) عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ (مِنْ غَيْرِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا قَبْلَ أَخْذِهِ فَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ لَهُ (وَإِنْ سَبَقَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (فَالْتَقَطَهُ مُنِعَ الْآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَالْتَقَطَهُ مَا لَوْ سَبَقَ إلَى الْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ (وَإِنْ الْتَقَطَاهُ مَعًا) أَيْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ فِي مَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِمَعْنَى جَمِيعٍ (وَهُمَا أَهْلٌ) لِالْتِقَاطِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ وَلَوْ تَفَاوَتَا فِي الْغِنَى لَمْ يُقَدَّمْ أَغْنَاهُمَا. نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَخِيلًا وَالْآخَرُ جَوَادًا فَقِيَاسُ تَقْدِيمِ الْغَنِيِّ أَنْ يُقَدَّمَ الْجَوَادُ؛ لِأَنَّ حِفْظَ اللَّقِيطِ عِنْدَهُ أَكْثَرُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ وَإِنْ كَانَ الْغَنِيُّ بَخِيلًا. وَالثَّانِي يَسْتَوِي الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ لَا تَجِبُ عَلَى مُلْتَقِطِهِ (وَ) يُقَدَّمُ (عَدْلٌ) بَاطِنًا بِكَوْنِهِ مُزَكًّى عِنْدَ حَاكِمٍ (عَلَى مَسْتُورٍ) أَيْ عَدْلٍ ظَاهِرًا بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ فِسْقُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ تَزْكِيَتُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ. أَمَّا الْعَدْلُ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، وَيُقَدَّمُ الْحُرُّ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 599 فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ. وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ لَقِيطًا بِبَلَدٍ فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى بَادِيَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ.   [مغني المحتاج] الْمُكَاتَبِ لِكَمَالِهِ، وَالْبَلَدِيُّ عَلَى الْبَدَوِيِّ، وَيَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي الْتِقَاطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ، وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ، وَقِيلَ الْكَافِرُ، وَلَا تُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ قُدِّمَتْ فِي الْحَضَانَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ ازْدَحَمَ عَلَى أَخْذِ لَقِيطٍ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ ظَاعِنٌ إلَى بَادِيَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَآخَرُ مُقِيمٌ فَالْمُقِيمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَحْوَطُ لِنَسَبِهِ لَا عَلَى ظَاعِنٍ يَظْعَنُ بِهِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى بَلْ يَسْتَوِيَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُهُ إلَى بَلَدِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيمَ قَرَوِيٍّ مُقِيمٍ بِالْقَرْيَةِ عَلَى بَلَدِيٍّ ظَاعِنٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ، لَكِنَّ مَنْقُولَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ كَمَا نَقَلَهُ هُوَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَيُقَدَّمُ حَضَرِيٌّ عَلَى بَدَوِيٍّ إذَا وَجَدَاهُ بِمَهْلَكَةٍ، وَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ إذَا وَجَدَاهُ بِمَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُقَدَّمُ الْبَصِيرُ عَلَى الْأَعْمَى، وَالسَّلِيمُ عَلَى الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ إنْ قِيلَ بِأَهْلِيَّتِهِمْ لِلِالْتِقَاطِ (فَإِنْ اسْتَوَيَا) فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ وَتَشَاحَّا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا عَلَى النَّصِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ اللَّقِيطُ مُمَيِّزًا وَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ لِتَعْوِيلِهِمْ ثَمَّ عَلَى الْمَيْلِ النَّاشِئِ عَنْ الْوِلَادَةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا وَلَا يُهَايَأُ بَيْنَهُمَا لِلْإِضْرَارِ بِاللَّقِيطِ وَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِمَا لِتَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَقَدْ كَانَتْ الْقُرْعَةُ فِي الْكَفَالَةِ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي قِصَّةِ مَرْيَمَ، قَالَ تَعَالَى {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] أَيْ اقْتَرَعَتْ الْأَحْبَارُ عَلَى كَفَالَتِهَا بِإِلْقَاءِ أَقْلَامِهِمْ، وَلَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ شَرْعًا أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ لِلْقَارِعِ تَرْكُ حَقِّهِ لِلْآخَرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ تَرَكَ حَقَّهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ انْفَرَدَ بِهِ الْآخَرُ (وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ) أَوْ قَرَوِيٌّ أَوْ بَدَوِيٌّ (لَقِيطًا بِبَلَدٍ) أَوْ قَرْيَةٍ (فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى بَادِيَةٍ) لِخُشُونَةِ عَيْشِهَا وَتَفْوِيتِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالصَّنْعَةِ، وَقِيلَ لِضَيَاعِ النَّسَبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّفَرِ بِهِ لِلنُّقْلَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. نَعَمْ لَوْ قَرُبَتْ الْبَادِيَةُ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ الْمُرَادُ مِنْهَا جَازَ النَّقْلُ إلَيْهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَيَمْتَنِعُ أَيْضًا نَقْلُهُ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ الْبَادِيَةُ خِلَافُ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَةَ الْمُدُنُ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ، وَالْقَرْيَةُ هِيَ الْعِمَارَةُ الْمُجْتَمِعَةُ فَإِنْ كَبُرَتْ سُمِّيَتْ بَلَدًا. وَإِنْ عَظُمَتْ سُمِّيَتْ مَدِينَةً، وَالرِّيفُ هِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ (نَقْلَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) بِنَاءً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 600 وَأَنَّ لِلْغَرِيبِ إذَا الْتَقَطَ بِبَلَدٍ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِبَادِيَةٍ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدٍ. وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَوِيٌّ بِبَلَدٍ فَكَالْحَضَرِيِّ أَوْ بِبَادِيَةٍ أُقِرَّ بِيَدِهِ، وَقِيلَ إنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِلنُّجْعَةِ لَمْ يُقَرَّ. وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ،   [مغني المحتاج] عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى سَوَاءٌ كَانَتْ وَطَنَ الْمُلْتَقِطِ أَمْ لَا سَافَرَ إلَيْهَا لِنَقْلِهِ أَمْ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي. وَالثَّانِي يَمْتَنِعُ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ، فَإِنْ كَانَ مَخُوفًا، أَوْ انْقَطَعَتْ الْأَخْبَارُ بَيْنَهُمَا لَمْ يُقَرَّ اللَّقِيطُ فِي يَدِهِ قَطْعًا، وَلَمْ يُفَرِّقْ الْجُمْهُورُ بَيْنَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَدُونَهَا، وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَقَطَعَ فِيمَا دُونَهَا بِالْجَوَازِ وَمَنَعَهُ فِي الْكِفَايَةِ، فَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ لِلْغَرِيبِ) الْمُخْتَبَرِ أَمَانَتَهُ (إذَا الْتَقَطَ بِبَلَدٍ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى بَلَدِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ بِخَطِّهِ لِلْمَعْنَى الْأَصَحِّ لِتَقَارُبِ الْمَعِيشَةِ. وَالثَّانِي لَا، لِلْمَعْنَى الثَّانِي وَهُوَ ضَيَاعُ النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْغَرِيبِ الْمُخْتَبَرِ أَمَانَتُهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ قَطْعًا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَالنَّقْلُ مِنْ بَادِيَةٍ إلَى بَادِيَةٍ وَمِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ كَالنَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ اللَّقِيطُ بَلَدِيٌّ (بِبَادِيَةٍ) فِي حِلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ (فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى) قَرْيَةٍ وَإِلَى (بَلَدٍ) يَقْصِدُهُ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ. وَقِيلَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الْبَادِيَةُ فِي مَهْلَكَةٍ فَلَهُ نَقْلُهُ لِمَقْصَدِهِ قَطْعًا. (وَإِنْ وَجَدَهُ) قَرَوِيٌّ أَوْ (بَدَوِيٌّ بِبَلَدٍ فَكَالْحَضَرِيِّ) فَإِنْ أَرَادَ الْمُقَامَ بِهِ أُقِرَّ بِيَدِهِ، أَوْ نَقْلَهُ إلَى بَلَدٍ أَوْ بَادِيَةٍ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ. (أَوْ) وَجَدَهُ الْبَدَوِيُّ (بِبَادِيَةٍ أُقِرَّ بِيَدِهِ) وَإِنْ كَانَ أَهْلُ حِلَّتِهِ يَنْتَقِلُونَ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ كَبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ (وَقِيلَ إنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ لِلنُّجْعَةِ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهِيَ الِانْتِقَالُ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى وَغَيْرِهِ (لَمْ يُقَرَّ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لِنَسَبِهِ، وَالْبَدَوِيُّ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ، وَالْحَضَرِيُّ سَاكِنُ الْحَاضِرَةِ، وَهِيَ خِلَافُ الْبَادِيَةِ، وَالْبَلَدِيُّ سَاكِنُ الْبَلَدِ، وَالْقَرَوِيُّ سَاكِنُ الْقَرْيَةِ. (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ وَمُؤْنَةُ حَضَانَتِهِ لَيْسَتْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ بَلْ (فِي مَالِهِ) كَغَيْرِهِ (الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ) وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ وَوُجُودُهُمْ لَا يَتَحَقَّقُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجِهَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوُجُودُ وَإِلَّا لَمْ يُصْرَفْ إلَى مَنْ حَدَثَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا الْجَوَابِ، وَيُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَنْ يُمْكِنُ الصَّرْفُ إلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْجِهَةُ وَيَكْفِي إمْكَانُهَا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 601 أَوْ الْخَاصِّ وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَثِيَابٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَيْهِ وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ وَمَا فِي جَيْبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا وَمَهْدِهِ وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ. وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ إضَافَةُ الْمَالِ إلَى اللَّقِيطِ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُوَ مَالَهُ بَلْ مَالُ الْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ لِعُمُومِ كَوْنِهِ لَقِيطًا أَوْ مُوصًى لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَالُ لَهُ بِخُصُوصِهِ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ لَهُ، وَيَقْبَلُ لَهُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ (أَوْ) نَفَقَةُ اللَّقِيطِ فِي مَالِهِ (الْخَاصِّ، وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَثِيَابٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَيْهِ) وَمَلْبُوسَةٍ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ لِفَهْمِهِ مِمَّا ذُكِرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ) وَمُغَطًّى بِهَا وَدَابَّةٍ مَشْدُودَةٍ فِي وَسَطِهِ أَوْ عِنَانِهَا بِيَدِهِ أَوْ رَاكِبًا عَلَيْهَا (وَمَا فِي جَيْبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا) كَذَهَبٍ وَحُلِيٍّ (وَمَهْدِهِ) وَهُوَ سَرِيرُهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ (وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَ) مَنْثُورَةٍ (تَحْتَهُ) ؛ لِأَنَّ لَهُ يَدًا وَاخْتِصَاصًا كَالْبَالِغِ وَالْأَصْلُ الْحُرِّيَّةُ مَا لَمْ يُعْرَفْ غَيْرُهَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ التَّخْيِيرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَقْلًا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَفْقَهُ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ فَلَا يُنْفَقُ مِنْ الْعَامِّ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْخَاصِّ. (وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارٍ) وَنَحْوِهَا كَحَانُوتٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا مُسْتَحِقٌّ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُ (فَهِيَ) أَيْ الدَّارُ وَنَحْوُهَا (لَهُ) لِلْيَدِ وَلَا مُزَاحِمَ وَإِنْ وُجِدَ فِيهَا غَيْرُهُ كَلَقِيطَيْنِ أَوْ لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ فَهِيَ لَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ فَلَوْ رَكِبَهَا أَحَدُهُمَا وَمَسَكَ الْآخَرُ زِمَامَهَا فَهِيَ لِلرَّاكِبِ فَقَطْ لِتَمَامِ الِاسْتِيلَاءِ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ مِنْ أَنَّهَا بَيْنَهُمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَجْهٌ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَدَ لِلرَّاكِبِ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَزِمَامُهَا بِيَدِهِ أَوْ مَرْبُوطَةٌ بِهِ فَهِيَ لَهُ وَكُلُّ مَا عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي حُكِمَ بِأَنَّهَا لَهُ لَهُ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِبُسْتَانٍ وُجِدَ فِيهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِخِلَافِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا تَصَرُّفٌ، وَالْحُصُولُ فِي الْبُسْتَانِ لَيْسَ تَصَرُّفًا وَلَا سُكْنَى، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُسْكَنُ عَادَةً يَكُونُ كَالدَّارِ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِضَيْعَةٍ وُجِدَ فِيهَا، كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَا. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذُكِرَ لَهُ صَلَاحِيَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَدَفْعِ الْمُنَازِعِ لَهُ لَا أَنَّهُ طَرِيقٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ مِلْكِهِ ابْتِدَاءً؛ فَلَا يَسُوغُ لِلْحَاكِمِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ مِلْكُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ مَدْفُونٌ) وَلَوْ كَانَ (تَحْتَهُ) وَفِيهِ رُقْعَةٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 602 وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ مَوْضُوعَةٌ بِقُرْبِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ قَرْضًا،   [مغني المحتاج] مَكْتُوبٌ فِيهَا أَنَّ الدَّفِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ الْعَاقِلَ لَوْ كَانَ جَالِسًا عَلَى أَرْضٍ تَحْتَهَا دَفِينٌ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ، وَحُكْمُ هَذَا الْمَالِ إنْ كَانَ مِنْ دَفِينِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرِكَازٌ وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ. نَعَمْ إنْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَهُ فَهُوَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ وُجِدَ خَيْطٌ مُتَّصِلٌ بِالدَّفِينِ مَرْبُوطٌ بِبَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ وَجَبَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا انْضَمَّتْ الرُّقْعَةُ إلَيْهِ (وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ) وَدَابَّةٌ (مَوْضُوعَةٌ بِقُرْبِهِ) لَيْسَتْ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا عَلَى مَا اتَّصَلَ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ بِقُرْبِ الْمُكَلَّفِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِمِلْكِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ رِعَايَةً. وَالثَّانِي أَنَّهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ حُكِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ مَعَ الْمَكَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ وَخَرَجَ بِقُرْبِهِ الْبَعِيدَةُ عَنْهُ فَلَا تَكُونُ لَهُ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ الْقُرْبِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ فِيهِ الْعُرْفُ (فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (مَالٌ) عَامٌّ وَلَا خَاصٌّ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِلَا رُجُوعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْبَالِغِ الْمُعْسِرِ بَلْ أَوْلَى. وَالثَّانِي الْمَنْعُ بَلْ يُقْتَرَضُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ وَثَمَّ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ أَوْ حَالَتْ الظُّلْمَةُ دُونَهُ اقْتَرَضَ لَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ذِمَّةِ اللَّقِيطِ كَالْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاقْتِرَاضُ (قَامَ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ قَرْضًا) بِالْقَافِ بِخَطِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُمْ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقُوا عَلَى اللَّقِيطِ وَيُقَسِّطُهَا الْإِمَامُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ وَيَجْعَلُ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيعَابُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ قَسَّطَهَا عَلَى مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي اجْتِهَادِهِ تَخَيَّرَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ سَيِّدٌ رَجَعُوا عَلَيْهِ أَوْ ظَهَرَ لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا مَالٌ أَوْ اكْتَسَبَهُ فَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ قَرِيبٌ رُجِعَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَكَيْفَ يُطَالَبُ بِهَا قَرِيبُهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ وَقَعَتْ قَرْضًا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ إذَا اقْتَرَضَ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِهَا، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِهَا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ وَلَا قَرِيبٌ وَلَا كَسْبٌ وَلَا لِلرَّقِيقِ سَيِّدٌ، فَالرُّجُوعُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْغَارِمِينَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ حَصَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَيَسَارِهِ قُضِيَ مِنْهُ، وَإِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 603 وَفِي قَوْلٍ نَفَقَةً. وَلِلْمُلْتَقِطِ الِاسْتِقْلَالُ بِحِفْظِ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي قَطْعًا. فَصْلٌ إذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ أَوْ بِدَارٍ فَتَحُوهَا وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ كُفَّارٍ صُلْحًا أَوْ بَعْدَ مِلْكِهَا بِجِزْيَةٍ،   [مغني المحتاج] حَصَلَ لَهُ مَالٌ مَعَ بَيْتِ الْمَالِ مَعًا فَمِنْ مَالِهِ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ اللَّقِيطُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ أَمْ بِكُفْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافَهُ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ (وَفِي قَوْلٍ) يَقُومُ الْمُسْلِمُونَ بِكِفَايَتِهِ (نَفَقَةً) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ عَاجِزٌ، وَإِنْ قَامَ بِهَا بَعْضُهُمْ انْدَفَعَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ قَرْضًا وَنَفَقَةً مَنْصُوبَانِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِالْقَرْضِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقَرْضِ وَالنَّفَقَةِ. (وَلِلْمُلْتَقِطِ الِاسْتِقْلَالُ بِحِفْظِ مَالِهِ) أَيْ اللَّقِيطِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِحِفْظِ الْمَالِكِ فَمَالُهُ أَوْلَى، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْعَدْلِ الَّذِي يَجُوزُ إيدَاعُ مَالِ الْيَتِيمِ عِنْدَهُ، وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُ مُخَاصَمَةُ مَنْ نَازَعَهُ فِيهِ إلَّا بِوِلَايَةٍ مِنْ الْحَاكِمِ (وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالٍ اللَّقِيطِ (إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْمَالِ لَا تَثْبُتُ لِقَرِيبٍ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى، فَإِنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَ وَقَوْلُهُ (قَطْعًا) تَبِعَ فِيهِ الْإِمَامَ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَلْ فِيهِمَا وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ إنْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ إذْنَ الْقَاضِي لَيْسَ شَرْطًا، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الدَّعَاوَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ وُجُوبِ مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ إذَا وَجَدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ أَنْفَقَ وَأَشْهَدَ وُجُوبًا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ " كُلَّ مَرَّةٍ فِيهِ " حَرَجٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ. [فَصْلٌ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ أَوْ كُفْرِهِ بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا] (إذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) بِأَنْ سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ (وَ) إنْ كَانَ (فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ) أَوْ مُعَاهَدُونَ؛ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) وُجِدَ لَقِيطًا (بِدَارٍ فَتَحُوهَا) ؛ أَيْ الْمُسْلِمُونَ (وَأَقَرُّوهَا) قَبْلَ مِلْكِهَا (بِيَدِ كُفَّارٍ صُلْحًا) أَيْ عَلَى جِهَتِهِ، (أَوْ) أَقَرَّهَا الْمُسْلِمُونَ بِيَدِ كُفَّارٍ (بَعْدَ مِلْكِهَا) عَنْوَةً (بِجِزْيَةٍ) أَوْ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا ثُمَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 604 وَفِيهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ، وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ كُفَّارٍ فَكَافِرٌ إنْ لَمْ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ فَمُسْلِمٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] جَلَاهُمْ الْكُفَّارُ عَنْهَا (وَفِيهَا مُسْلِمٌ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ يُمْكِنُ أَنْ يُولَدَ لِلْمُسْلِمِ ذَلِكَ اللَّقِيطُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا مُنْتَشِرًا أَوْ تَاجِرًا أَوْ مُجْتَازًا أَوْ نَفَاهُ (حُكِمَ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ) فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» . تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ أَيْضًا، فَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنَّمَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ مُسْلِمٌ. أَمَّا لَوْ كَانَ جَمِيعُ مَنْ فِيهَا كُفَّارًا فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ دَارَ إسْلَامٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْجَمِيعَ دَارُ إسْلَامٍ، وَإِذَا وُجِدَ اللَّقِيطُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا مُشْرِكَ فِيهَا كَالْحَرَمِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِلَّا فَفِي الظَّاهِرِ (وَإِنْ وُجِدَ) اللَّقِيطُ (بِدَارِ كُفَّارٍ) وَهِيَ دَارُ الْحَرْبِ (فَكَافِرٌ) ذَلِكَ اللَّقِيطُ (إنْ لَمْ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ) إذْ لَا مُسْلِمَ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ أَهْلُ الْبُقْعَةِ مِلَلًا جُعِلَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُجْتَازَ لَا أَثَرَ لَهُ. لَكِنْ قَالَ الْفُورَانِيُّ إذَا اجْتَازَ بِهَا مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ) ، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ (فَمُسْلِمٌ فِي الْأَصَحِّ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ قُبِلَ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ دُونَ إسْلَامِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي كَافِرٌ تَغْلِيبًا لِلدَّارِ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِمَامُ الْخِلَافُ فِي أَسِيرٍ يَنْتَشِرُ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ. أَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي مَطْمُورَةٍ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ كَمَا لَا أَثَرَ لِلْمُجْتَازِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْبُوسِينَ امْرَأَةٌ، وَحَاصِلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ بِهَا وَقْتَ الْعُلُوقِ. أَمَّا لَوْ طَرَقَهَا مُسْلِمٌ ثُمَّ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا وُجِدَ بِهَا مَنْبُوذٌ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ، وَلَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِبَرِّيَّةٍ فَمُسْلِمٌ حَكَاهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ بَرِّيَّةَ دَارِنَا أَوْ بَرِّيَّةً لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا. أَمَّا بَرِّيَّةُ دَارِ الْحَرْبِ لَا يَطْرُقُهَا مُسْلِمٌ فَلَا، وَوَلَدُ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الزِّنَا بِمُسْلِمٍ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ: مُسْلِمٌ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَقْطُوعُ النَّسَبِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 605 وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا تُفْرَضَانِ فِي لَقِيطٍ: إحْدَاهُمَا الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ، وَلَوْ عُلِّقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ،   [مغني المحتاج] ذَلِكَ. (وَ) تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةٌ وَحِينَئِذٍ (مَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُعَاهَدٌ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ لَحِقَهُ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ النَّسَبُ (وَتَبِعَهُ فِي الْكُفْرِ) وَارْتَفَعَ مَا ظَنَنَّاهُ مِنْ إسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ حُكْمٌ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، هَذَا إنْ شَهِدَ عَدْلَانِ، وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعٌ مِنْ النِّسْوَةِ، فَفِي الْحُكْمِ بِتَبَعِيَّتِهِ فِي الْكُفْرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ، وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ التَّبَعِيَّةُ وَمِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى) بِأَنَّهُ ابْنُهُ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ) وَإِنْ لَحِقَهُ فِي النَّسَبِ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ فَلَا نُغَيِّرُهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى كَافِرٍ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ وَلَدَهُ مِنْ مُسْلِمَةٍ بِوَطْءِ شُبْهَةٍ وَيُحَالُ بَيْنَهُمَا كَمَا يُحَالُ بَيْنَ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ وَبَيْنَ أَبِيهِ. وَسَيَأْتِي هَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ كَالنَّسَبِ (وَيُحْكَمُ) أَيْضًا (بِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ بِجِهَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ) غَيْرِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ (لَا تُفْرَضَانِ فِي اللَّقِيطِ) وَإِنَّمَا ذُكِرَا فِي بَابِهِ اسْتِطْرَادًا (إحْدَاهُمَا) وَهِيَ أَقْوَاهُمَا (الْوِلَادَةُ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ فَهُوَ) أَيْ الصَّبِيُّ أَيْ الصَّغِيرُ الشَّامِلُ لِلْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (مُسْلِمٌ) بِإِجْمَاعٍ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ، وَلَا يَضُرُّ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ الْعُلُوقِ مِنْهُمَا مِنْ رِدَّةٍ (فَإِنْ بَلَغَ) الصَّغِيرُ الْمُسْلِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ (وَوَصَفَ كُفْرًا) بِأَنْ أَعْرَبَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (فَمُرْتَدٌّ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَلَوْ 39 عَلِقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ بُلُوغِهِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) حَالًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَضْعِهِ أَمْ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ أَمْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] . تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا يُوهِمُ قَصْرَهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِي مَعْنَى الْأَبَوَيْنِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ وَكَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا. فَإِنْ قِيلَ إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 606 فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ، وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ. الثَّانِيَةُ إذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلًا تَبِعَ السَّابِيَ فِي الْإِسْلَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ،   [مغني المحتاج] وَالنَّصْرَانِيَّة حُكْمٌ جَدِيدٌ، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَالْمَجْنُونُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ كَالصَّغِيرِ فِي تَبَعِيَّةِ أَحَدِ أُصُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، وَكَذَا إنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فِي الْأَصَحِّ، وَتَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا زَنَى بِكَافِرَةٍ يَكُونُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ كَافِرَيْنِ الْأَصْلِيَّانِ وَالْمُرْتَدَّانِ عَلَى تَرْجِيحِهِ مِنْ أَنَّ وَلَدَ الْمُرْتَدَّيْنِ مُرْتَدٌّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ. أَمَّا عَلَى تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ (فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ) بَعْدَ بُلُوغِهِ (كُفْرًا فَمُرْتَدٌّ) فِي الْأَظْهَرِ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فَأَشْبَهَ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ (وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ وَأُزِيلَ ذَلِكَ بِالْحُكْمِ بِالتَّبَعِيَّةِ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ انْقَطَعَتْ فَيُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَصْفُ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ وَصَفَهُ ثُمَّ وَصَفَ الْكُفْرَ فَمُرْتَدٌّ قَطْعًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا تُنْقَضُ الْأَحْكَامُ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِرِدَّتِهِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ تَرِكَةِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يَأْخُذَ مِنْ تَرِكَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ مَا حَرَمْنَاهُ مِنْهُ، وَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَقَعْ مُجْزِئًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِشَيْءٍ لَمْ يُنْقَضْ مَا حُكِمَ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ إسْلَامِهِ فِي الصِّبَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ لَوْ أَقَرَّ بِالْكُفْرِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ فَبَلَغَ وَأَفْصَحَ بِالْكُفْرِ فَأَصْلِيٌّ لَا مُرْتَدٌّ فَيُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ وَيُنْقَضُ مَا أَمْضَيْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ مِمَّا جَرَى فِي الصِّغَرِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِشَيْءٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ ضَعِيفَةُ الْجِهَةِ. تَنْبِيهٌ: سَبَى الذِّمِّيُّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ وَبَاعَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ بَاعَهُ الْمُسْلِمُ الَّذِي سَبَاهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دُونَ أَبَوَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ (الثَّانِيَةُ إذَا سَبَى مُسْلِمٌ طِفْلًا) أَوْ مَجْنُونًا (تَبِعَ السَّابِيَ) لَهُ (فِي الْإِسْلَامِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَتَبِعَهُ كَالْأَبِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا، فَعُدِمَ عَمَّا كَانَ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَةٌ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّابِي بَالِغًا عَاقِلًا أَمْ لَا. أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُ السَّابِيَ جَزْمًا وَمَعَ كَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْ الطِّفْلِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَا فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا أَنَّ مَالِكَهُمَا وَاحِدٌ بَلْ يَتْبَعُ أَحَدَ أَبَوَيْهِ فِي دِينِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 607 وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ لَمْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالًا عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] سَابِيهِمَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ تَبَعِيَّةِ السَّابِي فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ، وَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُ الْأَصْلِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي ابْتِدَاءِ السَّبْيِ (وَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ) وَحَمَلَهُ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ (لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَادِهِ فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي مَسْبِيِّهِ؛ وَلِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ. نَعَمْ هُوَ عَلَى دِينِ سَابِيهِ كَمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ. تَنْبِيهٌ اُسْتُشْكِلَ حِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا انْفَرَدَ بِأَخْذِهِ بِأَنْ سَرَقَهُ وَقُلْنَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا يُخَمَّسُ فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْأَصَحِّ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَيَدُ الذِّمِّيِّ نَائِبَةٌ عَنْهُمْ، فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِإِسْلَامِهِ. وَجَوَّزَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَعَارُضِ يَدِهِ وَحَقِّهِمْ، وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَبَى الذِّمِّيُّ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ وَبَاعَهُ لِمُسْلِمٍ، أَوْ بَاعَهُ الْمُسْلِمُ الَّذِي سَبَاهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دُونَ أَبَوَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتْبَعْ الْمُشْتَرِيَ لِفَوَاتِ وَقْتِ التَّبَعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ ابْتِدَاءً، وَلَوْ بَلَغَ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي وَوَصَفَ كُفْرًا كَانَ كَالْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أُصُولِهِ. وَلَوْ جَنَى اللَّقِيطُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَمُوجَبُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، إذْ لَيْسَ لَهُ عَاقِلَةٌ خَاصَّةٌ أَوْ عَمْدًا وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ كَضَمَانِ مَالٍ أَتْلَفَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ فَفِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَأَرْشُ طَرَفِهِ لَهُ، وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ لَا مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَقْتَصَّ لَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَ الْإِفْصَاحِ بِالْإِسْلَامِ، بَلْ تَجِبُ دِيَتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَيَقْتَصُّ لِنَفْسِهِ فِي الطَّرَفِ إنْ أَفْصَحَ بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَيُحْبَسُ قَاطِعُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَهُ إلَى الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ، وَيَأْخُذُ الْوَلِيُّ وَلَوْ حَاكِمًا لَا وَصِيًّا الْأَرْشَ لِمَجْنُونٍ فَقِيرٍ لَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِصَبِيٍّ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، فَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَأَرَادَ رَدَّ الْأَرْشِ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ مُنِعَ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ إسْلَامِ التَّبَعِيَّةِ شَرَعَ فِي إسْلَامِ الْمُبَاشَرَةِ فَقَالَ (وَلَا يَصِحُّ إسْلَامُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ اسْتِقْلَالًا عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ وَهُمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُمَا اتِّفَاقًا كَمَا سَيَأْتِي؛ وَلِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إمَّا خَبَرٌ وَإِمَّا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 608 فَصْلٌ إذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ فَهُوَ حُرٌّ   [مغني المحتاج] إنْشَاءٌ، فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُوَ كَعُقُودِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَالثَّانِي يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يَرِثَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَأَجَابَهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. قَالَ الْمَرْعَشِيُّ وَهُوَ الَّذِي أَعْرِفُهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ إسْلَامِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَلَا كَلَامَ، وَعَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُعَلَّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا أُنِيطَتْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ، فَقَدْ تَكُونُ مَنُوطَةً قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ لِئَلَّا يَفْتِنُوهُ، وَهَذِهِ الْحَيْلُولَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا فَيُتَلَطَّفُ بِوَالِدَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَبَيَا فَلَا حَيْلُولَةَ، وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ احْتِيَاطًا لِلْإِسْلَامِ وَلَا نَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَدْخُلُ بِإِسْلَامِهِ الْجَنَّةَ إذَا أَسَرَّهُ كَمَا أَظْهَرَهُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا، فَإِنْ بَلَغَ ثُمَّ وَصَفَ الْكُفْرَ هُدِّدَ وَطُولِبَ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَصَرَّ رُدَّ إلَيْهِمَا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُمَيِّزِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُمَا قَطْعًا وَأَنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُ الْمُكَلَّفِ بِالنُّطْقِ لِلنَّاطِقِ، وَالْإِشَارَةِ لِلْعَاجِزِ عَنْ النُّطْقِ قَطْعًا، وَكَالْمُكَلَّفِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَفِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ إذَا مَاتُوا وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا، فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْآخِرَةِ لِمَا مَرَّ. . [فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ] (فَصْلٌ) : فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرِقِّ اللَّقِيطِ وَحُرِّيَّتِهِ وَاسْتِلْحَاقِهِ (إذَا لَمْ يُقِرَّ اللَّقِيطُ بِرِقٍّ فَهُوَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَمْ أَحُدَّهُ حَتَّى أَسْأَلَهُ، فَإِنْ قَالَ أَنَا حُرٌّ حَدَدْتُ قَاذِفَهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا مُسْلِمٌ فِيهِ وَلَا ذِمِّيَّ فَهُوَ رَقِيقٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 609 إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدٌ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ قُبِلَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْبِقَ تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ بَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الرِّقِّ وَأَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا الْمَاضِيَةِ الْمُضِرَّةِ بِغَيْرِهِ   [مغني المحتاج] كَسَائِرِ صِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى، وَعَلَى هَذَا فَتُسْتَثْنَى هَاتَانِ الصُّورَتَانِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُقِيمَ أَحَدٌ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ) وَتَتَعَرَّضَ لِسَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي فَيُعْمَلَ بِهَا. (وَإِنْ أَقَرَّ) اللَّقِيطُ الْمُكَلَّفُ (بِهِ) أَيْ الرِّقِّ (لِشَخْصٍ فَصَدَّقَهُ قُبِلَ إنْ لَمْ يَسْبِقْ) مِنْهُ (إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ) كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ، وَخَرَجَ بِصِدْقِهِ مَا لَوْ كَذَّبَهُ فَإِنَّ الرِّقَّ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِلَمْ يَسْبِقْ مَا لَوْ سَبَقَ إقْرَارُهُ بِحُرِّيَّةٍ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ الْتَزَمَ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ دَعْوَاهَا الرَّجْعَةَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ عَدَمُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجَعَلَ الشَّارِعُ الْقَوْلَ قَوْلَهَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إثْبَاتًا وَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِالْخِيَانَةِ، وَإِقْرَارُ اللَّقِيطِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَقَدْ تَأَكَّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْحُرِّيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ فَكَذَّبَهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ عَمْرٌو، وَهَذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِحُرِّيَّةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، فَإِذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ أَيْضًا فَصَارَ حُرَّ الْأَصْلِ وَالْحُرِّيَّةُ مَظِنَّةُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهَا بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ سَكَتُوا عَنْ اعْتِبَارِ الرُّشْدِ هُنَا فِي الْمُقِرِّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ اعْتِبَارُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِيرِ، فَلَا يُقْبَلُ اعْتِرَافُ الْجَوَارِي بِالرِّقِّ كَمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِنَّ السَّفَهُ وَعَدَمُ الْمَعْرِفَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي غَالِبِ الْعَبِيدِ، لَا سِيَّمَا مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْبُلُوغِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ (أَنْ لَا يَسْبِقَ) مِنْهُ (تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهُ) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ (حُرِّيَّةً كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ) وَغَيْرِهِمَا، (بَلْ) بَعْدَ التَّصَرُّفِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الرِّقِّ وَ) فِي (أَحْكَامِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ) مُطْلَقًا فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ. أَمَّا فِيمَا لَهُ فَقِيَاسًا عَلَى إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْجَدِيدِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ثُبُوتَ حَقٍّ لَهَا. وَأَمَّا فِيمَا عَلَيْهِ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَيْهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ فَتَبْقَى أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ (لَا) الْأَحْكَامُ (الْمَاضِيَةُ الْمُضِرَّةُ بِغَيْرِهِ) ؛ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 610 فِي الْأَظْهَرِ. فَلَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ وَفِي يَدِهِ مَالٌ قُضِيَ مِنْهُ. وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهُ   [مغني المحتاج] فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى الْغَيْرِ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَيَصِيرُ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ. وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلَهُ (فَلَوْ لَزِمَهُ) أَيْ اللَّقِيطَ (دَيْنٌ فَأَقَرَّ بِرِقٍّ) أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ رِقَّهُ (وَفِي يَدِهِ مَالٌ قُضِيَ) الدَّيْنُ (مِنْهُ) وَلَا يُجْعَلُ لِلْمُقَرِّ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اُتُّبِعَ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَلَا يُقْضَى مِنْهُ عَلَى الثَّانِي، بَلْ الْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ. أَمَّا الْأَحْكَامُ الْمَاضِيَةُ الْمُضِرَّةُ بِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا جَزْمًا. تَنْبِيهٌ لَوْ نَكَحَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ فَإِنْ كَانَ أُنْثَى لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ بَلْ يَسْتَمِرُّ وَيَصِيرُ كَالْمُسْتَوْفَى الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ انْفِسَاخَهُ يَضُرُّ الزَّوْجَ فِيمَا مَضَى سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ أَمْ لَا كَالْحُرِّ إذَا وَجَدَ الطَّوْلَ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ، لَكِنْ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ شُرِطَتْ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَزِمَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ مِنْهُمَا يَضُرُّ الزَّوْجَ، وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَزِمَهُ بِزَعَمِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ إلَيْهَا أَجْزَأَهُ، فَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ سَقَطَ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَزْعُمُ فَسَادَ النِّكَاحِ وَتُسَلَّمُ إلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمَ الْحَرَائِرِ، وَيُسَافِرُ بِهَا زَوْجُهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، وَأَوْلَادُهَا قَبْلَ إقْرَارِهَا بِالرِّقِّ أَحْرَارٌ لِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا وَلَا يَلْزَمُ قِيمَتُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي إلْزَامِهِ، وَبَعْدَهُ أَرِقَّاءُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَالِمًا بِرِقِّهَا، وَيُلْغَزُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُقَالُ لَنَا: حُرٌّ تَزَوَّجَ حُرَّةً فَأَوْلَدَهَا حُرًّا ثُمَّ رَقِيقًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا طَلُقَتْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ حَقُّ الزَّوْجِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَتَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ كَالْأَمَةِ لِعَدَمِ تَضَرُّرِ الزَّوْجِ بِنُقْصَانِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِالرِّقِّ ذَكَرًا انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَزِمَهُ الْمُسَمَّى إنْ دَخَلَ بِهَا، وَنِصْفُهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ ذَلِكَ يَضُرُّهَا، وَحِينَئِذٍ يُؤَدِّيهِ مِمَّا فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ كَسْبِهِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ، وَلَوْ جَنَى عَلَى غَيْرِهِ عَمْدًا ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ حُرًّا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ رَقِيقًا، وَإِنْ جَنَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ قَضَى الْأَرْشَ مِمَّا بِيَدِهِ. فَإِنْ قِيلَ الْأَرْشُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ الْجَانِي حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الرِّقَّ لَمَّا أَوْجَبَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ اقْتَضَى التَّعَلُّقَ بِمَا فِي يَدِهِ كَالْحُرِّ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْ الرَّقِيقِ دُونَ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِيمَا يَضُرُّهُ أَوْ بَعْدَمَا قُطِعَتْ خَطَأً وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفَيْ الْقِيمَةِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي الزَّائِدِ يَضُرُّ بِالْجَانِي. (وَلَوْ ادَّعَى رِقَّهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 611 مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ، فَإِنْ بَلَغَ وَقَالَ: أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.   [مغني المحتاج] مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ) جَزْمًا إذْ الظَّاهِرُ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا تُتْرَكُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّ فِي قَبُولِهِ مَصْلَحَةً لِلصَّبِيِّ وَثُبُوتَ حَقٍّ لَهُ، (وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ) بِلَا بَيِّنَةٍ وَأَسْنَدَهُ إلَى الِالْتِقَاطِ لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، فَلَا تُزَالُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. وَالثَّانِي يُقْبَلُ وَيُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ كَمَا فِي يَدِ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ وَسَيَأْتِي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى اللَّقِيطِ الرِّقُّ، فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ لَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ بِالرِّقِّ قُبِلَ، فَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ كَانَ أَنْكَرَ أَصْلَ الرِّقِّ ثُمَّ أَقَرَّ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ وَلَمْ يُحَلَّفْ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِطَلَبِ الْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَلَوْ قَذَفَ شَخْصٌ لَقِيطًا كَبِيرًا أَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَلَوْ صَغِيرًا جِنَايَةً تُوجِبُ قِصَاصًا وَادَّعَى أَنَّهُ رَقِيقٌ فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي الْأُولَى وَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ، وَمَتَى كَانَ اللَّقِيطُ قَاذِفًا وَادَّعَى الرِّقَّ حُدَّ حَدَّ الْأَحْرَارِ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ فِي الْمَاضِي. (وَلَوْ رَأَيْنَا صَغِيرًا مُمَيِّزًا أَوْ غَيْرَهُ فِي يَدِ مَنْ يَسْتَرِقُّهُ) بِادِّعَائِهِ رِقَّهُ (وَلَمْ يُعْرَفْ اسْتِنَادُهَا إلَى الِالْتِقَاطِ) وَلَا غَيْرِهِ (حُكِمَ لَهُ بِالرِّقِّ) بِدَعْوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ عَمَلًا بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ بِلَا مُعَارِضٍ، وَيَحْلِفُ وُجُوبًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ نَدْبًا، وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ بِالرِّقِّ كَاللَّقِيطِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُؤَثِّرُ تَكْذِيبُ الْمُمَيِّزِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ إلَخْ أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، ثُمَّ قَالَا لَكِنْ رَوَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يُرَقُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ (فَإِنْ بَلَغَ) اللَّقِيطُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِرِقِّهِ (وَقَالَ أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بِالْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِرِقِّهِ فِي صِغَرِهِ فَلَا نُزِيلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَهُ تَحْلِيفُ السَّيِّدِ، كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِرِقِّهِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ فِي الصِّغَرِ مِلْكَهُ وَيَسْتَخْدِمَهُ ثُمَّ يَبْلُغَ وَيُنْكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَجَرَّدَ الِاسْتِخْدَامُ إلَى الْبُلُوغِ ثُمَّ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ وَيُنْكِرَ الْمُسْتَخْدَمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدَّعَاوَى، وَلَوْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِغَيْرِ سَيِّدِهِ لَمْ يُقْبَلْ، وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِفَاقَتُهُ كَبُلُوغِهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 612 وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ. وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ حُرٌّ مُسْلِمٌ لَحِقَهُ   [مغني المحتاج] فَرْعٌ لَوْ رَأَيْنَا صَغِيرَةً فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي نِكَاحَهَا وَبَلَغَتْ وَأَنْكَرَتْ قُبِلَ قَوْلُهَا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَهَلْ يُحْكَمُ فِي صِغَرِهَا بِالنِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ نَعَمْ كَالرِّقِّ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْيَدَ فِي الْجُمْلَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْمِلْكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ الْمَمْلُوكُ مَمْلُوكًا وَالنِّكَاحُ طَارِئٌ بِكُلِّ حَالٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيِّنَةِ. (وَمَنْ أَقَامَ) مِنْ مُلْتَقِطٍ وَغَيْرِهِ (بَيِّنَةً بِرِقِّهِ عُمِلَ بِهَا) لِظُهُورِ فَائِدَتِهَا. سَوَاءٌ أَقَامَهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ أَمْ غَيْرُهُ (وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَعَرَّضَ الْبَيِّنَةُ لِسَبَبِ الْمِلْكِ) كَإِرْثٍ وَشِرَاءٍ؛ لِئَلَّا تُعْتَمَدَ ظَاهِرُ الْيَدِ وَتَكُونَ عَنْ الْتِقَاطٍ (وَفِي قَوْلٍ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمِلْكِ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ أَمْرَ الرِّقِّ خَطِيرٌ فَاحْتِيطَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَيَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، إذْ الْغَرَضُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ، وَمِنْ التَّعَرُّضِ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْعِلْمُ بِأَنَّ شَهَادَتَهَا لَمْ تَسْتَنِدْ إلَى ظَاهِرِ الْيَدِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ، وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَشْهَدَ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُمْ وَلَيْسُوا مِلْكًا لَهُ، فَإِذَا قَالَ هَذَا انْتَفَى هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى وَفْقِ مَا يَأْتِي فِي الدَّعَاوَى، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا فِي الدَّعَاوَى بِأَنَّ مَا هُنَا فِي اللَّقِيطِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ، وَالْمَقْصُودُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الرِّقِّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالْقَصْدُ فِي الدَّعَاوَى تَعْيِينُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِكَوْنِ أَمَتِهِ وَلَدَتْهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْيَدَ نَصٌّ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَاشْتُرِطَ فِي زَوَالِهَا ذِكْرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ وَالرِّقُّ مُحْتَمَلٌ؛ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَى قَاتِلِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّقِّ، وَإِذَا اُكْتُفِيَ بِالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَكْفِي شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَنَّهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْوِلَادَةِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا شَهِدَتْ بِهِ أَيْضًا أَمْ لَا لِثُبُوتِ النَّسَبِ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ بِالْوِلَادَةِ. (وَلَوْ اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ) الْمَحْكُومَ بِإِسْلَامِهِ (حُرٌّ) ذَكَرٌ (مُسْلِمٌ لَحِقَهُ) بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِحَقٍّ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُلْتَقِطُ وَغَيْرُهُ الرَّشِيدُ وَالسَّفِيهُ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُلْتَقِطِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 613 وَصَارَ أَوْلَى بِتَرْبِيَتِهِ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ عَبْدٌ لَحِقَهُ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] أَيْنَ هُوَ وَلَدُكَ؛ مِنْ أَمَتِكَ أَوْ زَوْجَتِكَ أَوْ شُبْهَةٍ؟ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الِالْتِقَاطَ يُفِيدُ النَّسَبَ بَلْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُهُ إذَا كَانَ الْمُسْتَلْحِقُ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ مُسْلِمٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي لَقِيطٍ مَحْكُومٍ بِإِسْلَامِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِلْكَافِرِ حِينَئِذٍ اسْتِلْحَاقُهُ لَكِنْ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْكُفْرِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْتَلْحِقِ امْرَأَةٌ فَأَنْكَرَتْ أَنَّهُ ابْنُهَا لَمْ يَلْحَقْهَا (وَ) إذَا لَحِقَهُ (صَارَ أَوْلَى) أَيْ أَحَقَّ (بِتَرْبِيَتِهِ) مِنْ غَيْرِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهَا دُونَ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ: حُرٌّ لَا مَفْهُومَ لَهُ أَيْضًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ) أَيْ اللَّقِيطَ (عَبْدٌ لَحِقَهُ) لِأَنَّهُ فِي النَّسَبِ كَالْحُرِّ لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ مِنْهُ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَإِنَّمَا فَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْحُرِّ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ) فِي لُحُوقِهِ بِهِ (تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ) فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ عَلَى تَقْدِيرِ عِتْقِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ ابْنًا وَكَانَ لَهُ أَخٌ يُقْبَلُ اسْتِلْحَاقُهُ، وَإِذَا لَحِقَهُ بِتَصْدِيقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ لَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ، إذْ لَا مَالَ لَهُ، وَعَنْ حَضَانَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لَهَا فَيُقَرُّ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِأَخٍ أَوْ عَمٍّ لَمْ يَلْحَقْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِقْرَارِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ النَّسَبُ بِغَيْرِهِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ وَارِثٍ حَائِزٍ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَعَلَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَ حَالَ مَوْتِ الْحُرِّ حُرًّا ثُمَّ اُسْتُرِقَّ لِكُفْرِهِ وَحِرَابَتِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لَحِقَ الْمَيِّتَ اهـ. وَهَذَا بَعِيدٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ. وَلَوْ اسْتَلْحَقَ حُرٌّ عَبْدَ غَيْرِهِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ فَصَدَّقَهُ لَحِقَهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْإِرْثِ الْمُتَوَهَّمِ بِالْوَلَاءِ، وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يَلْحَقْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ (وَإِنْ اسْتَلْحَقَتْهُ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ (لَمْ يَلْحَقْهَا فِي الْأَصَحِّ) إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ خَلِيَّةً لِإِمْكَانِهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِالْوِلَادَةِ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَالثَّانِي يَلْحَقُهَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَصَارَتْ كَالرَّجُلِ. وَالثَّالِثُ يَلْحَقُ الْخَلِيَّةَ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ لِبُعْدِ الْإِلْحَاقِ بِهَا دُونَهُ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهَا لَحِقَهَا وَكَذَا زَوْجُهَا إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَضْعِهِ عَلَى فِرَاشِهِ وَأَمْكَنَ الْعُلُوقُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْحَقُهُ، وَلَوْ تَنَازَعَتْ امْرَأَتَانِ لَقِيطًا أَوْ مَجْهُولًا وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَعُرِضَ مَعَهُمَا عَلَى الْقَائِفِ، فَلَوْ أَلْحَقَهُ بِإِحْدَاهُمَا لَحِقَهَا وَلَحِقَ زَوْجَهَا بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى الْقَائِفِ لِمَا مَرَّ أَنَّ اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ الْبَيِّنَةِ. وَاسْتِلْحَاقُ الْأَمَةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 614 أَوْ اثْنَانِ لَمْ يُقَدَّمْ مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ أَوْ تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ مِنْهُمَا،   [مغني المحتاج] يَصِحُّ بِالْبَيِّنَةِ كَالْحُرَّةِ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِرِقِّ الْوَلَدِ لِمَوْلَاهَا بِاسْتِلْحَاقِهَا لِاحْتِمَالِ انْعِقَادِهِ حُرًّا بِوَطْءِ شُبْهَةٍ، وَيَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْخُنْثَى عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ وَلَا يُحْتَاطُ عَلَيْهِ، فَإِنْ اتَّضَحَتْ ذُكُورَتُهُ بَعْدُ اسْتَمَرَّ الْحُكْمُ أَوْ أُنُوثَتُهُ فَخِلَافُ الْمَرْأَةِ. (أَوْ) اسْتَلْحَقَ اللَّقِيطَ (اثْنَانِ) أَهْلَانِ لِلِالْتِقَاطِ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا نَسَبَهُ مِنْهُ (لَمْ يُقَدَّمْ) مِنْهُمَا (مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ) وَأَوْلَى مِنْهُ عَلَى كَافِرٍ (وَعَبْدٍ) بَلْ يَسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ مِمَّا سَيَأْتِي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (بَيِّنَةٌ) أَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَتَعَارَضَتَا كَمَا سَيَأْتِي (عُرِضَ) اللَّقِيطُ مَعَ الْمُدَّعِيَيْنِ (عَلَى الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ) لِأَنَّ فِي إلْحَاقِهِ أَثَرًا فِي الِانْتِسَابِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الدَّعَاوَى، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى إلْحَاقِ الْقَائِفِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعِدَدِ عَنْ الرُّويَانِيِّ (أَوْ) كَانَ وَلَكِنْ (تَحَيَّرَ أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا) اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَ (أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ) الْجِبِلِّيُّ (إلَيْهِ مِنْهُمَا) فَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ التَّشَهِّي، فَمَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ مِنْهُمَا لَحِقَ بِهِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ " أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا رَجُلًا لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا أَبُوهُ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اتْبَعْ أَيُّهُمَا شِئْتَ " وَلِأَنَّ طَبْعَ الْوَلَدِ يَمِيلُ إلَى وَالِدِهِ وَيَجِدُ بِهِ مَا لَا يَجِدُ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَكْفِي انْتِسَابُهُ وَهُوَ صَبِيٌّ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِخِلَافِهِ فِي الْحَضَانَةِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ فِيهَا لَا يَلْزَمُ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَقْوَالِ الْمُلْتَزَمَةِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ انْتِسَابِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ لَحِقَهُ النَّسَبُ، لَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ الْآخَرُ إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْعِدَدِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُمِرَ يَقْتَضِي جَبْرَهُ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَزَادَ غَيْرُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ، هَذَا فِيمَنْ امْتَنَعَ عِنَادًا. أَمَّا مَنْ لَمْ يَمِلْ طَبْعُهُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ، فَإِنْ انْتَسَبَ إلَى غَيْرِهِمَا وَصَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَإِذَا انْتَسَبَ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ قُدِّمَ الْقَائِفُ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ أَوْ حُكْمٌ أَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ، وَلَوْ كَانَا وَلَدَيْنِ فَانْتَسَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ دَامَ الْإِشْكَالُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 615 وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] فَإِنْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ قُبِلَ قَوْلُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ (وَلَوْ أَقَامَا) عَلَى نَسَبِهِ (بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا فِي الْأَظْهَرِ) وَعُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ كَمَا مَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا، وَلَا تُرَجَّحُ بَيِّنَةٌ بِيَدٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لَا عَلَى النَّسَبِ. وَالثَّانِي لَا يَسْقُطَانِ وَتُرَجَّحُ إحْدَاهُمَا بِقَوْلِ الْقَائِفِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى قَوْلِ التَّسَاقُطِ فِي التَّعَارُضِ فِي الْأَمْوَالِ. خَاتِمَةٌ لَوْ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: هُوَ ذَكَرٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ أُنْثَى، فَبَانَ ذَكَرًا فَفِي الشَّامِلِ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُسْمَعَ دَعْوَى مَنْ قَالَ هُوَ أُنْثَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ غَيْرَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُسْمَعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الصِّفَةِ اهـ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَلَوْ اسْتَرْضَعَ ابْنَهُ يَهُودِيَّةً لَهَا ابْنٌ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْرِفْ ابْنَهُ مِنْ ابْنِهَا أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ أَمْرَهُمَا مَوْقُوفٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَائِفٍ، أَوْ يَبْلُغَا فَيَنْتَسِبَا انْتِسَابًا مُخْتَلِفًا، وَفِي الْحَالِ يُوضَعَانِ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بَيِّنَةٌ وَلَا قَافَةٌ وَانْتَسَبَا إلَى وَاحِدٍ دَامَ الْوُقُوفُ فِيمَا يَرْجِعُ لِلنَّسَبِ وَيُتَلَطَّفُ بِهِمَا لِيُسْلِمَا، فَإِنْ أَصَرَّا عَلَى الِامْتِنَاعِ لَمْ يُكْرَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا مَاتَا دُفِنَا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا إنْ صَلَّى عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ، فَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 616 كِتَابُ الْجَعَالَةِ هِيَ كَقَوْلِهِ: مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا. وَيُشْتَرَطُ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْجَعَالَةِ] بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ، اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ كَالْجَوْهَرِيِّ عَلَى الْكَسْرِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِفَايَتِهِ عَلَى الْفَتْحِ، وَ (هِيَ) لُغَةً اسْمٌ لِمَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ وَكَذَا الْجُعْلُ وَالْجَعِيلَةُ. وَشَرْعًا الْتِزَامُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَجْهُولٍ عَسُرَ عَمَلُهُ (كَقَوْلِهِ) أَيْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (مَنْ) خَاطَ ثَوْبِي هَذَا قَمِيصًا فَلَهُ كَذَا أَوْ (رَدَّ آبِقِي) أَوْ آبِقَ زَيْدٍ (فَلَهُ كَذَا) فَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالِ وَذَكَرَهَا تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ بَعْدَ بَابِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْتِقَاطِ الضَّالَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْإِجَارَةِ كَصَاحِبِ التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيِّ وَتَبِعَهُمْ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ، خَبَرُ الَّذِي رَقَاهُ الصَّحَابِيُّ بِالْفَاتِحَةِ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ كَمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ الرَّاقِي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَالْقَطِيعُ ثَلَاثُونَ رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ وَيُسْتَأْنَسُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَالْوَسْقِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجَعَالَةِ عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرِيضُ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رُقْيَةٍ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ حَصَلَ فِيهِ تَعَبٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهَا فِي رَدِّ ضَالَّةٍ وَآبِقٍ وَعَمَلٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِرَدِّهِ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى رَدِّهِ لِلْجَهْلِ بِمَكَانِهِ فَجَازَتْ كَالْقِرَاضِ، وَاحْتُمِلَ إبْهَامُ الْعَامِلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ رُبَّمَا لَا يَهْتَدِي إلَى الرَّاغِبِ فِي الْعَمَلِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَعَمَلٌ وَجُعْلٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا مُعَبِّرًا عَنْهُ بِالشَّرْطِ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ) فِيهَا لِتَتَحَقَّقَ (صِيغَةٌ) مِنْ الْجَاعِلِ مِنْ الصِّيَغِ السَّابِقَةِ وَنَحْوِهَا (تَدُلُّ عَلَى) إذْنٍ فِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 617 الْعَمَلِ بِعِوَضٍ مُلْتَزَمٍ، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا إذْنٍ أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ،   [مغني المحتاج] (الْعَمَلِ) بِطَلَبٍ كَقَوْلِهِ رُدَّ عَبْدِي أَوْ عَبْدَ فُلَانٍ وَلَكَ كَذَا أَوْ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ إنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ كَذَا؛ وَالصِّيغَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الرَّدِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ لَا الْوَضْعِ (بِعِوَضٍ) مَعْلُومٍ مَقْصُودٍ (مُلْتَزَمٍ) بِمَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَافْتَقَرَتْ إلَى صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَقَدْرِ الْمَبْذُولِ، وَإِشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ (فَلَوْ) رَدَّهُ مَنْ عَلِمَ بِإِذْنِهِ قَبْلَ رَدِّهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ الْمُلْتَزَمَ سَوَاءٌ أَعَلِمَهُ بِوَاسِطَةٍ أَمْ بِدُونِهَا. نَعَمْ إنْ قَالَ: إنْ رَدَّ عَبْدِي مَنْ سَمِعَ نِدَائِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ عَلِمَ نِدَاءَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ (عَمِلَ بِلَا إذْنٍ) كَأَنْ عَمِلَ قَبْلَ النِّدَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِرَدِّ الضَّوَالِّ وَدَخَلَ الْعَبْدُ مَثَلًا فِي ضَمَانِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فَعَمِلَ غَيْرُهُ) (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِوَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ. أَمَّا الْعَامِلُ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَلَمْ يَعْمَلْ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْغَيْرُ رَقِيقَ الْمَأْذُونِ لَهُ وَرَدَّ بَعْدَ عِلْمِ سَيِّدِهِ بِالِالْتِزَامِ اسْتَحَقَّ الْمَأْذُونُ لَهُ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّ يَدَ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ وَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ آبِقِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ نِدَاؤُهُ، أَوْ قَالَ: إنْ رَدَّهُ زَيْدٌ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ زَيْدٌ غَيْرَ عَالِمٍ بِإِذْنِهِ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الرَّدِّ، وَلَمْ يَشْرُطْ عِوَضًا أَوْ شَرَطَ عِوَضًا غَيْرَ مَقْصُودٍ كَالدَّمِ فَلَا شَيْءَ لِلرَّادِّ. تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا، عَدِمَ الِاسْتِحْقَاقَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَأَجْرَى جَمَاعَةٌ فِيهِ خِلَافَ الْغَسَّالِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ اسْتَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِي الْإِجَارَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ عَدَمُ التَّأْقِيتِ كَالْقِرَاضِ، فَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ آبِقِي الْيَوْمَ فَلَهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَظْفَرُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْقِرَاضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (وَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَاعِلِ كَوْنُهُ مَالِكًا، وَحِينَئِذٍ (لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ) لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِهْزَاءُ وَالْخَلَاعَةُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا اسْتَحَقَّهُ الرَّادُّ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَلَيْسَ الْجُعْلُ عِوَضَ تَمْلِيكٍ، وَبِهَذَا خَالَفَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا مِمَّنْ يَقَعُ الْمِلْكُ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ فَلَهُ كَذَا عَلَى مَالِكِهِ فَيَكُونُ فُضُولِيًّا مَحْضًا فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ الْتِزَامًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ إلَى الْفَهْمِ، وَصَوَّرَ ابْنُ يُونُسَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا قَالَهُ فَلَهُ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ وَأَلْحَقَ الْأَئِمَّةُ بِهِ قَوْلَهُ فَلَهُ كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْتِزَامٌ. فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ بِهَذَا الْقَوْلِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الْآبِقِ بَلْ يَضْمَنُ، فَكَيْفَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 618 وَإِنْ قَالَ: قَالَ زَيْدٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى زَيْدٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ وَإِنْ عَيَّنَهُ.   [مغني المحتاج] يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَاضٍ بِهِ قَطْعًا أَوْ بِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يَأْذَنَ الْمَالِكُ لِمَنْ شَاءَ فِي الرَّدِّ، أَوْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَوْ صَدَّقَ الرَّادُّ الْمُنَادِيَ عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُنَادِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ مِنْ مَحْجُورِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجُعْلُ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَنَّ الرَّادَّ يَسْتَحِقُّهُ فِي مَالِ الْمَالِكِ بِمُقْتَضَى قَوْلِ وَلِيِّهِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ اهـ. فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ الْأَخِيرُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي (وَإِنْ قَالَ) الْأَجْنَبِيُّ (قَالَ زَيْدٌ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَكَانَ) الْأَجْنَبِيُّ (كَاذِبًا لَمْ يَسْتَحِقَّ) الْعَامِلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَلَا عَلَى زَيْدٍ) إنْ كَذَّبَ الْقَائِلَ وَإِنْ صَدَّقَهُ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ عَلَى زَيْدٍ إنْ كَانَ الْقَائِلُ ثِقَةً وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ غَيْرَ عَالِمٍ إذْنَهُ وَالْتِزَامَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى زَيْدٍ وَإِنْ صَدَّقَهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالِكُ الْخَبَرَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْقَائِلِ الثِّقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَرْوِيجِ قَوْلِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ) لَفْظًا (وَإِنْ عَيَّنَهُ) الْجَاعِلُ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَلِاسْتِحَالَةِ طَلَبِ جَوَابِهِ. وَأَمَّا فِي الْمُعَيَّنِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْقَمُولِيُّ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: إنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ، فَقَالَ: أَرُدُّهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ هُنَا نِصْفَ الدِّينَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ لَمَّا كَانَ فِيهِ شَوْبُ مُعَارَضَةٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَقَدْ رَضِيَ بِبَعْضِ مَا شُرِطَ لَهُ اُعْتُبِرَ. وَأَمَّا الرُّكْنُ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَاقِدُ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَزِمِ لِلْجُعْلِ مَالِكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ. وَأَمَّا الْعَامِلُ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا اُشْتُرِطَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْعَمَلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِإِذْنٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْعَبْدِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْعَاجِزُ عَنْ الْعَمَلِ كَصَغِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ مَعْدُومَةٌ فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الْأَعْمَى لِلْحِفْظِ قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَإِنْ كَانَ مُبْهَمًا كَفَى عِلْمُهُ بِالنِّدَاءِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا لَوْ قَالَ مَنْ جَاءَ بِآبِقِي فَلَهُ دِينَارٌ، فَمَنْ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ عَبْدٍ عَاقِلٍ أَوْ مَجْنُونٍ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ عَلِمَ بِهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 619 وَتَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَكَذَا مَعْلُومٌ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجُعْلِ، مَعْلُومًا فَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ فَسَدَ الْعَقْدُ،   [مغني المحتاج] لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ جَاءَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي السِّيَرِ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ إذَا قَامَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ (وَتَصِحُّ) الْجَعَالَةُ (عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ) كَرَدِّ آبِقِي لِلْحَاجَةِ، وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا اُحْتُمِلَتْ فِي الْقَرْضِ لِحُصُولِ زِيَادَةٍ فَاحْتِمَالُهَا فِي رَدِّ الْحَاصِلِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِرَدِّ الْآبِقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ وَأَطْلَقَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ صِحَّتَهَا عَلَى الْمَجْهُولِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ بِمَا عَسُرَ عَمَلُهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ سَهُلَ تَعَيَّنَ ضَبْطُهُ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى احْتِمَالِ الْجَهَالَةِ فَفِي بِنَاءِ حَائِطٍ يُبَيِّنُ طُولَهُ وَعَرْضَهُ وَارْتِفَاعَهُ وَمَوْضِعَهُ وَمَا يُبْنَى عَلَيْهِ، وَفِي الْخِيَاطَةِ يُعْتَبَرُ وَصْفُ الثَّوْبِ وَالْخِيَاطَةِ (وَكَذَا) كُلُّ عَمَلٍ (مَعْلُومٍ) يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ كَالْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ تَصِحُّ الْجَعَالَةُ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مَعَ الْجَهَالَةِ فَمَعَ الْعِلْمِ أَوْلَى، وَالثَّانِي الْمَنْعُ اسْتِغْنَاءً بِالْإِجَارَةِ، وَسَوَاءٌ فِي الْعَمَلِ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ حُبِسَ ظُلْمًا فَبَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ فَرْضَ كِفَايَةٍ. تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ فِي الْعَمَلِ كَوْنُهُ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ مَنْ الْمَطْلُوبُ فِي يَدِهِ فَرَدَّهُ وَفِي الرَّدِّ كُلْفَةٌ كَالْآبِقِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ بِجِهَةٍ تُوجِبُ الرَّدَّ، كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ، وَقَضِيَّتُهُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالرَّدِّ إنْ كَانَ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَلَكِنْ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ مَنْ دَلَّ عَلَى مَا فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ، وَلَوْ جَعَلَ لِمَنْ أَخْبَرَهُ بِكَذَا جُعْلًا فَأَخْبَرَهُ بِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَمَلٍ، فَإِنْ تَعِبَ وَصَدَقَ فِي إخْبَارِهِ وَكَانَ لِلْمُسْتَخْبِرِ غَرَضٌ فِي الْمُخْبَرِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْجُعْلُ، فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْجَعَالَةِ (كَوْنُ الْجُعْلِ) مَالًا (مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ عِوَضٌ كَالْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ بِخِلَافِ الْعَمَلِ وَالْعَامِلِ (فَلَوْ) كَانَ مَجْهُولًا، كَأَنْ (قَالَ: مَنْ رَدَّهُ) أَيْ عَبْدِي مَثَلًا (فَلَهُ ثَوْبٌ أَوْ أُرْضِيهِ) أَوْ نَحْوَهُ أَوْ كَانَ الْجُعْلُ خَمْرًا أَوْ مَغْصُوبًا (فَسَدَ الْعَقْدُ) لِجَهْلِ الْجُعْلِ أَوْ نَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 620 وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَلَوْ قَالَ مِنْ بَلَدِ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ قِسْطُهُ مِنْ الْجُعْلِ. وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ   [مغني المحتاج] تَسْلِيمِهِ (وَلِلرَّادِّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ هُنَا صُورَتَانِ الْأُولَى مَا إذَا قَالَ حُجَّ عَنِّي وَأُعْطِيكَ نَفَقَتَكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ جَهَالَتِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ إنَّ هَذِهِ أَرْزَاقٌ لَا جَعَالَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ جَعَالَةً إذَا جَعَلَهُ عِوَضًا، فَقَالَ: حُجَّ عَنِّي بِنَفَقَتِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهَا جَعَالَةٌ فَاسِدَةٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. الثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْعِلْجِ، وَسَتَأْتِي فِي السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ وَلَوْ وَصَفَ الْجُعْلَ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ اسْتَحَقَّهُ الْعَامِلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَنَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ لَا يُغْنِي وَصْفُهُ عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ عُقُودٌ لَازِمَةٌ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ، فَاحْتِيطَ لَهَا مَا لَمْ يُحْتَطْ لِلْجَعَالَةِ، وَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ رَقِيقِي مَثَلًا فَلَهُ ثِيَابُهُ أَوْ رُبُعُهُ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَهَلْ يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّقِيقِ أَوْ لَا لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ وَصَفَهُ بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الصِّحَّةُ. فَائِدَةٌ: الِاعْتِبَارُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِالزَّمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ كُلُّ الْعَمَلِ لَا بِالزَّمَانِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّسْلِيمُ كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ. (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْجَعَالَةِ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مَثَلًا (مِنْ بَلَدِ كَذَا) فَلَهُ كَذَا (فَرَدَّهُ) الْعَامِلُ (مِنْ) مَكَانٍ (أَقْرَبَ مِنْهُ) (فَلَهُ قِسْطُهُ) أَيْ الْأَقْرَبِ (مِنْ الْجُعْلِ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْجُعْلِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ مَثَلًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ، وَيَجِبُ فَرْضُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا إذَا تَسَاوَتْ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَحُزُونَةً، فَإِنْ تَفَاوَتْ بِأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ نِصْفِ الْمَسَافَةِ ضِعْفُ أُجْرَةِ النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُقَابِلُهُ ثُلُثَا الْجُعْلِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " أَقْرَبَ " تِلْكَ الْبَلْدَةَ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ السُّبْكِيُّ، فَلَوْ قَالَ مَكِّيٌّ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ عَرَفَةَ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ مِنْ مِنًى أَوْ مِنْ التَّنْعِيمِ اسْتَحَقَّ بِالْقَصْدِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمَكَانِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْإِشَارَةُ إلَى مَوْضِعِ الْآبِقِ أَوْ مَظِنَّتِهِ، لَا أَنَّ الرَّدَّ مِنْهُ شَرْطٌ فِي أَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الْمَكَانِ لَكَانَ إذَا رَدَّهُ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ مِنْهُ، وَخَرَجَ بِأَقْرَبَ مَا لَوْ رَدَّهُ مِنْ أَبْعَدَ فَلَا يَسْتَحِقُّ لِلزِّيَادَةِ شَيْئًا. (وَلَوْ) عَمَّمَ الْمَالِكُ النِّدَاءَ، كَأَنْ قَالَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَ (اشْتَرَكَ) حِينَئِذٍ (اثْنَانِ) مَثَلًا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 621 فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ. وَلَوْ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ إعَانَتَهُ فَلَهُ كُلُّ الْجُعْلِ، وَإِنْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلِلْأَوَّلِ قِسْطُهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ،   [مغني المحتاج] غَيْرُ مُعَيَّنَيْنِ (فِي رَدِّهِ اشْتَرَكَا فِي الْجُعْلِ) لِحُصُولِ الرَّدِّ مِنْهُمَا، وَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ أَيْ غَالِبًا حَتَّى يَقَعَ التَّوْزِيعُ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ هَذَا مَا لَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَدَخَلَ جَمْعٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ دَخَلَ وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ يُرَادُ، وَمَا لَوْ قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ دِينَارٌ فَحَجَّ عَنْهُ اثْنَانِ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ كَالْوَلِيَّيْنِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، فَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّ، وَلَوْ قَالَ مَنْ رَدَّ الْعَبْدَيْنِ مِنْ كَذَا فَلَهُ دِينَارٌ فَرَدَّهُمَا سَامِعٌ مِنْ نِصْفِ الْمَسَافَةِ، أَوْ رَدَّ أَحَدَهُمَا مِنْ جَمِيعِهَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ عَلَى الْعَمَلِ، أَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: إنْ رَدَدْتُمَا الْعَبْدَيْنِ فَلَكُمَا كَذَا فَرَدَّهُمَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَهُ النِّصْفُ. أَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا وَاحِدًا مِنْ الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ الرُّبُعُ لِذَلِكَ فِيهِمَا، قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ أَيُّ رَجُلٍ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَرَدَّهُ اثْنَانِ اقْتَسَمَا الدِّرْهَمَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَقْرَبِ عِنْدِي، وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ فَقَالَا لِرَجُلٍ: إنْ رَدَدْتَ عَبْدَنَا فَلَكَ دِينَارٌ فَرَدَّهُ فَالدِّينَارُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّنٍ) كَإِنْ رَدَدْتَ عَبْدِي فَلَكَ دِينَارٌ (فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الْعَمَلِ إنْ قَصَدَ) الْغَيْرُ (إعَانَتَهُ) بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُعَيَّنِ (كُلُّ الْجُعْلِ) ؛ لِأَنَّ رَدَّ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِقَصْدِ الْإِعَانَةِ لَهُ وَاقِعٌ عَنْهُ وَمَقْصُودُ الْمَالِكِ رَدُّ الْآبِقِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ، فَلَا يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ (وَإِنْ قَصَدَ) الْمُشَارِكُ (الْعَمَلَ) لِنَفْسِهِ أَوْ (لِلْمَالِكِ) أَوْ مُطْلَقًا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (فَلِلْأَوَّلِ) أَيْ الْمُعَيَّنِ (قِسْطُهُ) وَهُوَ النِّصْفُ، إذْ الْقِسْمَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ، وَلَوْ قَصَدَ الْعَمَلَ لِنَفْسِهِ وَالْعَامِلِ، أَوْ لِلْعَامِلِ وَالْمُلْتَزِمِ أَوْ لِلْجَمِيعِ فَلِلْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجُعْلِ وَفِيهَا ثُلُثَاهُ، وَلَوْ شَارَكَهُ اثْنَانِ فِي الرَّدِّ فَإِنْ قَصَدَا إعَانَتَهُ فَلَهُ تَمَامُ الْجُعْلِ، أَوْ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثُهُ أَوْ وَاحِدٌ إعَانَتَهُ وَالْآخَرُ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ فَلَهُ ثُلُثَاهُ (وَلَا شَيْءَ لِلْمُشَارِكِ بِحَالٍ) فِي أَيِّ حَالٍ مِمَّا قَصَدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا. نَعَمْ إنْ الْتَزَمَ لَهُ الْعَامِلُ بِشَيْءٍ لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: رُدَّ عَبْدِي مَثَلًا وَلَك دِينَارٌ فَأَعَانَهُ آخَرُ فَالْكُلُّ لِزَيْدٍ، فَقَدْ يَحْتَاجُ لِلْمُعَاوَنَةِ وَغَرَضُ الْمُلْتَزِمِ الْعَمَلُ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَإِنْ لَمْ يَعْجَزْ؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 622 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خُفِّفَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا. فَهُوَ كَالْوَكِيلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ فِيمَا يَعْجَزُ عَنْهُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ كَمَا يُوَكِّلُ فِيهِ، وَتَوْكِيلُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ غَيْرَهُ كَالتَّوْكِيلِ فِي الِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ. فَائِدَةٌ: اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ لَهُ تَمَامَ الْجُعْلِ إذَا قَصَدَ الْمُشَارِكُ إعَانَتَهُ، وَمِنْ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ نَصِيبَهُ إذَا تَبَرَّعَ عَنْهُ الْمَالِكُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فِي الْعَمَلِ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ، وَكُلُّ وَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ وَيَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمَعْلُومِ. قَالَ: وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَا: أَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ. وَأَمَّا النَّائِبُ فَلِعَدَمِ وِلَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الْمُبَاشَرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمُدْرِكُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّيعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْجَعَالَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْجَاعِلِ، وَالْعَمَلُ هُنَا لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِبَاحَةُ بِشَرْطِ الْحُضُورِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَتْحُ بَابٍ لِأَرْبَابِ الْجِهَاتِ وَالْجَهَالَاتِ فِي تَوَلِّي الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ وَاسْتِنَابَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ أَوْ يَصْلُحُ بِنَذْرٍ يَسِيرٍ مِنْ الْمَعْلُومِ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُسْتَنِيبُ مَالَ الْوَقْفِ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ اهـ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ بَعْدَ تَمْثِيلِ السُّبْكِيّ بِالْإِمَامَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَتَفَقَّهُ عَنْهُ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَعَالَةَ إذَا وَرَدَتْ عَلَى بَذْلِ الْمَنَافِعِ فِي تَحْصِيلِ الشَّيْءِ فَلَهَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْجُعْلُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: مَنْ بَنَى لِي حَائِطًا أَوْ خَاطَ لِي ثَوْبًا فَلَهُ كَذَا فَخَاطَ بَعْضٌ الثَّوْبَ، أَوْ بَنَى بَعْضٌ الْحَائِطَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْئَيْنِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ مَنْ رَدَّ الْعَبْدَيْنِ فَلَهُ كَذَا فَرَدَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْجُعْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ غَيْبَةُ الطَّالِبِ عَنْ الدَّرْسِ بَعْضَ الْأَيَّامِ، إذَا قَالَ الْوَاقِفُ مَنْ حَضَرَ شَهْرَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ الْأَيَّامَ كَمَسْأَلَةِ الْعَبِيدِ فَإِنَّهَا أَشْيَاءُ مُتَفَاصِلَةٌ فَيَسْتَحِقُّ قِسْطَ مَا حَضَرَ. قَالَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَلِذَلِكَ كَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْقُشَيْرِيُّ إذَا بَطَلَ يَوْمًا غَيْرَ مَعْهُودِ الْبَطَالَةِ فِي دَرْسِهِ لَا يَأْخُذُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ مَعْلُومًا. قَالَ وَسَأَلْت شَيْخُنَا عَنْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ الطَّالِبُ فِي حَالِ انْقِطَاعِهِ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ - يَعْنِي شَيْخَهُ -: وَلَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَكُنْ بِصَدَدِ الِاشْتِغَالِ لَمْ يَسْتَحِقَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْعُهُ بِالْعِلْمِ لَا مُجَرَّدُ حُضُورِهِ، وَكَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِرْصَادِ اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 623 وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ. فَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا شَيْءَ لَهُ.   [مغني المحتاج] يُبَاشِرْ اهـ. وَالظَّاهِرُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْوَظَائِفَ إنْ كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا سَوَاءٌ أَحَضَرَ أَمْ لَا اسْتَنَابَ أَمْ لَا. وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ جُعِلَ لَهُ مَعْلُومٌ فِي نِيَابَتِهِ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فِيهِ، فَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الظَّاهِرُ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (الْفَسْخُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمُلْتَزَمِ فَلِأَنَّهَا تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطٍ فَأَشْبَهَتْ الْوَصِيَّةَ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ فَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مَجْهُولٌ فَأَشْبَهَتْ الْقِرَاضَ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ ابْتِدَاءً مِنْ الْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْعَامِلِ فَيُؤَوَّلُ الْفَسْخُ فِي حَقِّهِ بِالرَّدِّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ مَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْفَسْخِ حِينَئِذٍ لِلُزُومِ الْجُعْلِ (فَإِنْ فُسِخَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ فَسَخَ الْمَالِكُ أَوْ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ (قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ (أَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِيهِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ، سَوَاءٌ أَوْقَعَ الْعَمَلَ مُسْلِمٌ أَمْ لَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. نَعَمْ لَوْ زَادَ الْمَالِكُ فِي الْعَمَلِ وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِالزِّيَادَةِ فَفَسَخَ لِذَلِكَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْمُسَابَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ لِذَلِكَ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَقِيَاسُهُ إذَا نَقَصَ مِنْ الْجُعْلِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فَسْخٌ كَمَا سَيَأْتِي فَهُوَ فَسْخٌ مِنْ الْمَالِكِ لَا مِنْ الْعَامِلِ وَلَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ وَالْمُلْتَزِمُ مَعًا لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لِاجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ وَإِنْ عَمِلَ الْعَامِلُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إنْ عَلِمَ بِالْفَسْخِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي نُفُوذِ عَزْلِ الْوَكِيلِ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ عِلْمِهِ اهـ. وَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ لَهُ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ جَاهِلًا وَهُوَ مُعَيَّنٌ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ بِالْفَسْخِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَيَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَبِجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَرَدَّهُ إلَى وَارِثِهِ وَجَبَ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 624 وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ فِي الْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.   [مغني المحتاج] الْمُسَمَّى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَرَدَّهُ وَارِثُهُ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَيْضًا اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَ الْعَامِلُ مُعَيَّنًا. أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِعَمَلِهِ وَعَمَلِ مُوَرِّثِهِ. كَمَا لَوْ رَدَّهُ اثْنَانِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. (وَإِنْ فَسَخَ الْمَالِكُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ (فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمَا عَمِلَهُ الْعَامِلُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي التَّسْلِيطَ عَلَى رَفْعِهِ، وَإِذَا ارْتَفَعَ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ لَكِنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ وَقَعَ مُحْتَرَمًا فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ فَرُجِعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ إذَا فُسِخَتْ بِعَيْبٍ وَرُبَّمَا عَبَّرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ حَتَّى يَضْمَنَ أَيْ يَلْتَزِمَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِ مَا عَمِلَ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ. وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْعَامِلُ بِنَفْسِهِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا صَدَرَ مِنْ الْعَامِلِ لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ أَصْلًا كَرَدِّ الْعَبْدِ إلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ بَعْضُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ عَلَّمْتَ ابْنِي الْقُرْآنَ فَلَكَ كَذَا فَعَلَّمَهُ بَعْضَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَوَقَعَ لِلْأَذْرَعِيِّ فِي شَرْحِهِ هُنَا خِلَافُ ذَلِكَ فَلْيُحْذَرْ. فَإِنْ قِيلَ قِيَاسُ مَا لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حَيْثُ تَنْفَسِخُ، وَيَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ مِنْ الْمُسَمَّى أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَامِلَ ثَمَّ تَمَّمَ الْعَمَلَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْمَالِكُ مِنْهُ بِخِلَافِهِ هُنَا (وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَزِيدَ وَيَنْقُصَ) أَيْ يَتَصَرَّفَ (فِي الْجُعْلِ) أَيْ الَّذِي شَرَطَهُ لِلْعَامِلِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ يَعْتَبِرَ جِنْسَهُ (قَبْلَ الْفَرَاغِ) مِنْ عَمَلِ الْعَامِلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَلْ أَوْلَى، كَأَنْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ يَقُولَ: فَلَهُ خَمْسَةٌ أَوْ عَكْسَهُ، أَوْ يَقُولَ: مَنْ رَدَّهُ فَلَهُ دِينَارٌ ثُمَّ يَقُولَ: فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَإِنْ سَمِعَ الْعَامِلُ ذَلِكَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ اُعْتُبِرَ النِّدَاءُ الْأَخِيرُ، وَلِلْعَامِلِ مَا ذُكِرَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ، أَوْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفَائِدَتُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ) فِي الْعَمَلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْعَامِلُ (وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ النِّدَاءَ الْأَخِيرَ فَسْخٌ لِلْأَوَّلِ وَالْفَسْخُ مِنْ الْمِلْكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ عَمِلَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ الْأَوَّلَ خَاصَّةً، وَمَنْ سَمِعَ الثَّانِيَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي نِصْفَ الْمُسَمَّى الثَّانِي، وَالْمُرَادُ بِالسَّمَاعِ الْعِلْمُ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا ذُكِرَ لِجَمِيعِ الْعَمَلِ لَا لِلْمَاضِي خَاصَّةً، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ شَيْئًا بَعْدَ الْفَسْخِ لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 625 وَلَوْ مَاتَ الْآبِقُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ هَرَبَ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ أَوْ سَعْيَهُ فِي رَدِّهِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا   [مغني المحتاج] ذَلِكَ فِيهِمَا فَسْخٌ بِلَا بَدَلٍ بِخِلَافِ هَذَا. (وَلَوْ) تَلِفَ الْمَرْدُودُ قَبْلَ وُصُولِهِ كَأَنْ (مَاتَ الْآبِقُ) بِغَيْرِ قَتْلِ الْمَالِكِ لَهُ (فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ) وَلَوْ بِقُرْبِ دَارِ سَيِّدِهِ (أَوْ) غُصِبَ أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ أَوْ (هَرَبَ) وَلَوْ فِي دَارِ الْمَالِكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ لَهُ (فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ) وَإِنْ حَضَرَ الْآبِقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَأَتَى بِبَعْضِ الْأَعْمَالِ وَمَاتَ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجِّ الثَّوَابُ، وَقَدْ حَصَلَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَقْصُودِ، وَبِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِالشَّرْطِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ فَاحْتَرَقَ أَوْ تَرَكَهُ، أَوْ بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ فَانْهَدَمَ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّمْ الصَّبِيُّ لِبَلَادَتِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْآبِقَ فَلَمْ يَجِدْهُ، هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ مَا عَمِلَ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمُسَمَّى كَمَا لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ لِوُقُوعِهِ مُسَلَّمًا بِالتَّعْلِيمِ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ حُرًّا كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ السَّيِّدُ أَوْ حَصَلَ التَّعْلِيمُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَسْخِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ بِالْفَسْخِ جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَلَوْ مَنَعَ الصَّبِيَّ أَبُوهُ مِنْ تَمَامِ التَّعَلُّمِ أَوْ الْمَالِكُ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا عَمِلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أَوْ كَالْفَسْخِ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْمَالِكُ فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْقِسْطَ كَمَا لَوْ فَسَخَ الْمَالِكُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ رَقِيقَهُ قَبْلَ رَدِّهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ إذَا رَدَّهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لِحُصُولِ الرُّجُوعِ ضِمْنًا أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لِعَمَلِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ تَنْزِيلًا لِإِعْتَاقِهِ مَنْزِلَةَ فَسْخِهِ. (وَإِذَا رَدَّهُ) أَيْ الْآبِقَ الْعَامِلُ عَلَى سَيِّدِهِ (فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعْلِ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا حَبْسَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا لَا يَحْبِسُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ (وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ) بِيَمِينِهِ (إذَا أَنْكَرَ شَرْطَ الْجُعْلِ) لِلْعَامِلِ بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ، فَقَالَ: الْعَامِلُ شَرَطْتَ لِي جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ (أَوْ) أَنْكَرَ (سَعْيَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (فِي رَدِّهِ) أَيْ الْآبِقِ بِأَنْ قَالَ: لَمْ تَرُدَّهُ وَإِنَّمَا رَجَعَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَالرَّدِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي بُلُوغِهِ النِّدَاءَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّادِّ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَمَاعِ نِدَائِهِ. (فَإِنْ اخْتَلَفَا) الجزء: 3 ¦ الصفحة: 626 فِي قَدْرِ الْجُعْلِ تَحَالَفَا.   [مغني المحتاج] أَيْ الْمُلْتَزِمُ وَالْعَامِلُ (فِي قَدْرِ الْجُعْلِ) بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقُلْنَا لِلْعَامِلِ قِسْطُ مَا عَمِلَهُ (تَحَالَفَا) وَفُسِخَ الْعَقْدُ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِجَارَةِ. أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ وَلَا تَحَالُفَ، وَمِثْلُهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْعَمَلِ كَقَوْلِهِ: شَرَطْتُ لَهُ مِائَةً عَلَى رَدِّ عَبْدَيْنِ فَقَالَ: بَلْ عَلَى عَبْدٍ. خَاتِمَةٌ يَدُ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَقَعُ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ يَدُ أَمَانَةٍ، فَإِنْ خَلَّاهُ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مُدَّةَ الرُّجُوعِ فَمُتَبَرِّعٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ يُشْهِدَ عِنْدَ فَقْدِهِ، لِيَرْجِعَ وَمَنْ وَجَدَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ السَّيْرِ بِنَحْوِ بَادِيَةٍ لَزِمَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ نَحْوِهَا وَإِذَا أَقَامَ مَعَهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَلَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا حَمْلُ مَالِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ وَإِلَّا يَضْمَنُهُ فِي الْحَالَيْنِ لَوْ تَرَكَهُ، وَحُكْمُ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَرِيضِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ لَا حُكْمُ الْمَيِّتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ سَرَقَ الْآبِقُ قُطِعَ كَغَيْرِهِ وَيَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ إذَا وَجَدَهُ انْتِظَارًا لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ أَبْطَأَ سَيِّدُهُ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، فَإِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 627 كِتَابُ الْفَرَائِضِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْفَرَائِضِ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَيْ: مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ، جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ: أَيْ مُقَدَّرَةٍ لِمَا فِيهَا مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ فَغُلِّبَتْ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَسَائِلَ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ - كَمَا قَدَّرَتْهُ - الصَّادِقَةَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ إرَادَةً لِلتَّغْلِيبِ، وَالْفَرْضُ لُغَةً التَّقْدِيرُ. قَالَ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] أَيْ قَدَّرْتُمْ، وَأَتَى بِمَعْنَى الْقَطْعِ. قَالَ تَعَالَى: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] أَيْ مَقْطُوعًا مَحْدُودًا، وَبِمَعْنَى الْإِنْزَالِ. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] أَيْ أَنْزَلَهُ، وَبِمَعْنَى التَّبْيِينِ. قَالَ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ بَيَّنَ، وَبِمَعْنَى الْإِحْلَالِ. قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] أَيْ أَحَلَّ، وَبِمَعْنَى الْعَطَاءِ: تَقُولُ الْعَرَبُ: لَا أَصَبْت مِنْهُ فَرْضًا وَلَا قَرْضًا. وَلَمَّا كَانَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي السِّتَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ السِّهَامِ الْمُقَدَّرَةِ وَالْمَقَادِيرِ الْمُقْتَطَعَةِ وَالْعَطَاءِ الْمُجَرَّدِ، وَتَبْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ، وَإِحْلَالِهِ وَإِنْزَالِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ. وَشَرْعًا هُنَا نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لِلْوَارِثِ. وَالْأَصْلُ فِي الْفَرَائِضِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ " ذَكَرٍ " بَعْدَ رَجُلٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مُقَابِلٌ لِلصَّبِيِّ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقَابِلُ الْأُنْثَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ رَجُلٍ كَفَى، فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِ رَجُلٍ مَعَهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوَارِيثُ كَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْكِبَارَ دُونَ الصِّغَارِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ حَظَّ الزَّوْجَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الزَّوْجِ سَنَةً وَيُوَرِّثُونَ الْأَخَ زَوْجَةَ أَخِيهِ وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْحِلْفِ وَالنُّصْرَةِ فَيَقُولُ: ذِمَّتِي ذِمَّتُكَ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ ثُمَّ نُسِخَ فَتَوَارَثُوا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ، وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَتَيْ الْمَوَارِيثِ آيَةِ الشِّتَاءِ الَّتِي فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ، وَآيَةِ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَاشْتَهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَى تَعْلِيمِهَا، وَتَعَلُّمِهَا مِنْهَا «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَعَلِّمُوهُ أَيْ: عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَرُوِيَ وَعَلِّمُوهَا - أَيْ الْفَرَائِضَ - النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَقْضِي بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. وَمِنْهَا «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ مِنْ دِينِكُمْ وَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ عِلْمٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا حَثَّهُمْ عَلَى تَعَلُّمِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا التَّوَارُثِ أَيْ: وَهُوَ التَّوَارُثُ الْمُتَقَدِّمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ» عَلَى أَقْوَالٍ: أَحْسَنُهَا أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، فَإِنَّ حَالَ النَّاسِ اثْنَانِ حَيَاةٌ وَوَفَاةٌ، فَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْوَفَاةِ، وَسَائِرُ الْعُلُومِ تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ. وَقِيلَ: النِّصْفُ بِمَعْنَى الصِّنْفِ. قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ وَقِيلَ: إنَّ الْعِلْمَ يُسْتَفَادُ بِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّصِّ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إذَا تَحَدَّثْتُمْ فَتَحَدَّثُوا فِي الْفَرَائِضِ وَإِذَا لَهَوْتُمْ فَالْهُوا فِي الرَّمْيِ، وَاشْتَهَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةٌ: عَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ هَؤُلَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَافَقَتْهُمْ الْأُمَّةُ وَمَا اخْتَلَفُوا إلَّا وَقَعُوا فُرَادَى ثَلَاثَةٌ فِي جَانِبٍ، وَوَاحِدٌ فِي جَانِبٍ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَذْهَبَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ» . وَعَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُهْجَرْ لَهُ قَوْلٌ بَلْ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ مَعْمُولٌ بِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى اخْتِيَارِهِ لِمَذْهَبِهِ أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَدِلَّتِهِ فَوَجَدَهَا مُسْتَقِيمَةً فَعَمِلَ بِهَا لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَذَكَرْتُ فِي شَرْحِ النَّبِيهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي اسْمِ زَيْدٍ أُصُولُ الْفَرَائِضِ، وَغَالِبُ قَوَاعِدِهَا، وَعَرَّفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي،   [مغني المحتاج] بَعْضُهُمْ عِلْمَ الْفَرَائِضِ بِأَنَّهُ الْفِقْهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْإِرْثِ وَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ الْمُوَصِّلِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّرِكَةِ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ، فَخَرَجَ بِالْإِرْثِ الْعِلْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِالصَّلَاةِ مَثَلًا فَلَا يُسَمَّى عِلْمَ الْفَرَائِضِ، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ يَحْتَاجُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ إلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ: عِلْمِ الْفَتْوَى بِأَنْ يُعْلَمَ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَعِلْمِ النَّسَبِ بِأَنْ يُعْلَمَ الْوَارِثُ مِنْ الْمَيِّتِ بِالنَّسَبِ وَكَيْفِيَّةِ انْتِسَابِهِ لِلْمَيِّتِ، وَعِلْمِ الْحِسَابِ بِأَنْ يُعْلَمَ مِنْ أَيِّ حِسَابٍ تَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ، وَحَقِيقَةُ مُطْلَقِ الْحِسَابِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي عَدَدٍ لِاسْتِخْرَاجِ مَجْهُولٍ مِنْ مَعْلُومٍ. (يُبْدَأُ) وُجُوبًا (مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) وَهِيَ مَا يُخَلِّفُهُ فَتَصْدُقُ بِمَا تَرَكَهُ مِنْ خَمْرٍ صَارَ خَلًّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ شَبَكَةٍ نَصَبَهَا فَوَقَعَ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ صَيْدٌ فَيُورَثُ ذَلِكَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي قَتْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالتَّرِكَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَالِ الْمُتَخَلِّفِ، وَعَلَّقَ بِيُبْدَأُ قَوْلُهُ: (بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ، وَهِيَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَيِّتُ مِنْ كَفَنٍ، وَحَنُوطٍ، وَأُجْرَةِ تَغْسِيلٍ وَحَفْرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» وَلَمْ يَسْأَلْ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ كَمَا تُقَدَّمُ حَاجَتُهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقُوتٍ يَوْمَ الْقِسْمَةِ عَلَى حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ لِلْوَارِثِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُورَثُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُتْرَكُ لِلْحَيِّ عِنْدَ فَلَسِهِ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى؛ لِأَنَّ الْحَيَّ يُعَالَجُ وَيَسْعَى لِنَفْسِهِ، وَالْمَيِّتَ قَدْ انْقَطَعَ عِلَاجُهُ وَسَعْيُهُ بِمَوْتِهِ، وَيُبْدَأُ أَيْضًا بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِ مَنْ عَلَى الْمَيِّتِ مُؤْنَتُهُ إنْ كَانَ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْفَلَسِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ، وَخَادِمُهَا فَتَجْهِيزُهَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ، وَكَالزَّوْجَةِ الْبَائِنُ الْحَامِلُ (ثُمَّ تُقْضَى) مِنْهَا (دُيُونُهُ) الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْمَيِّتُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا لَزِمَتْهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْحَجِّ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ فِي الْأَصَحِّ. أَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فَسَتَأْتِي (ثُمَّ) تَنْفُذُ (وَصَايَاهُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ عِتْقٍ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَتَبَرُّعٍ نُجِّزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ أُلْحِقَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] (مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) بَعْدَ إخْرَاجِ دَيْنِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِثُمَّ، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى الدَّيْنِ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ كَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ فَقُوِّيَ جَانِبُهَا بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهَا وَيُتَسَاهَلَ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّ فِيهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ. قُلْتُ: فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ وَالْجَانِي وَالْمَرْهُونِ وَالْمَبِيعِ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ أَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ،   [مغني المحتاج] الْقُوَّةِ مَا يُغْنِيهِ عَنْ التَّقْوِيَةِ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ تَنْفُذْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يُحْكَمْ بِانْعِقَادِهَا حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُحْكَمُ بِانْعِقَادِهَا وَتَنْفُذُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيَّةُ فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ فَلِمَاذَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهَا قُيِّدَتْ بِالسُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» (ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي) مِنْ التَّرِكَةِ (بَيْنَ الْوَرَثَةِ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ تَنْبِيهٌ: تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فَتَكُونُ التَّرِكَةُ بِكَمَالِهَا كَالْمَرْهُونَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَمَا تُورَثُ الْأَمْوَالُ تُورَثُ الْحُقُوقُ، وَضَبَطَهُ الْمُتَوَلِّي: بِكُلِّ حَقٍّ لَازِمٍ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ كَحَقِّ الْخِيَارِ، وَالشُّفْعَةِ بِخِلَافِ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ أَشْيَاءَ مِنْهُ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ وَالنَّجَاسَاتِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْكَلْبِ، وَالسِّرْجِينِ، وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ (قُلْتُ) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ) أَيْ كَالْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِهَا (وَالْجَانِي) لِتَعَلُّقِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ (وَالْمَرْهُونِ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ (وَالْمَبِيعِ) بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ (إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا) بِثَمَنِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَبِيعِ حَقٌّ لَازِمٌ كَكِتَابَةٍ سَوَاءٌ أَحُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ مَوْتِهِ أَمْ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ فَسْخِ الْبَائِعِ بِهِ (قُدِّمَ) ذَلِكَ الْحَقُّ (عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ) وَتَجْهِيزِ مُؤَنِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) تَقْدِيمًا لِحَقِّ صَاحِبِ التَّعَلُّقِ عَلَى حَقِّهِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ. وَلَيْسَتْ صُورَةُ التَّعَلُّقِ مُنْحَصِرَةً فِي الْمَذْكُورَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا، وَالْحَاصِرُ لَهَا التَّعَلُّقُ بِالْعَيْنِ، فَمِنْهَا مَا إذَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ قِسْمَةِ مَالِ الْقِرَاضِ؛ فَإِنَّ حَقَّ الْعَامِلِ يُقَدَّمُ عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ لِتَصْرِيحِهِمْ هُنَاكَ بِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ إلَّا قَدْرَ حِصَّةِ الْعَامِلِ وَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ لِلْعَامِلِ، وَمِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا أَدَّى نُجُومَ الْكِتَابَةِ، وَمَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ بَاقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ. وَمِنْهَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ الْوَفَاةِ بِالْحَمْلِ سُكْنَاهَا مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ وَذَكَرْتُ صُوَرًا أُخْرَى مَعَ نَظْمٍ فِيهَا مَعَ إشْكَالٍ لِلسُّبْكِيِّ فِي صُورَتَيْ الزَّكَاةِ وَمَبِيعِ الْمُفْلِسِ، وَالْجَوَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِرْثَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: وُجُودِ أَسْبَابِهِ، وَشُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ) بِاسْتِقْرَاءِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ (أَرْبَعَةٌ) فَلَا إرْثَ بِغَيْرِهَا مِنْ مُؤَاخَاةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ. أَوَّلُهَا (قَرَابَةٌ) وَهِيَ الرَّحِمُ فَيَرِثُ بِهَا بَعْضُ الْأَقَارِبِ مِنْ بَعْضٍ فِي فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (وَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ وَلَا عَكْسَ، وَالرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ.   [مغني المحتاج] ثَانِيهَا (نِكَاحٌ) صَحِيحٌ وَلَوْ بِلَا وَطْءٍ فَيَرِثُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فِي فَرْضٍ فَقَطْ (وَ) ثَالِثُهَا (وَلَاءٌ) وَهِيَ عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا نِعْمَةُ الْمُعْتِقِ مُبَاشَرَةً، أَوْ سِرَايَةً أَوْ شَرْعًا كَعِتْقِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ فَيَرِثُ بِهِ الْمُعْتِقُ فِي تَعْصِيبٍ فَقَطْ. أَمَّا الْقَرَابَةُ وَالنِّكَاحُ فَلِلْآيَةِ. وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ شَبَّهَ الْوَلَاءَ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ يُورَثُ بِهِ فَكَذَا الْوَلَاءُ (فَيَرِثُ الْمُعْتِقُ الْعَتِيقَ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَا يَرِثُ الْعَتِيقُ الْمُعْتِقَ حَيْثُ تَمَحَّضَ كَوْنُهُ عَتِيقًا وَإِلَّا فَقَدْ يُتَصَوَّرُ الْإِرْثُ بِالْوَلَاءِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ اسْتَلْحَقَ السَّيِّدُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَاسْتَرَقَّهُ عَتِيقُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَا فَكُلٌّ مِنْهُمَا عَتِيقُ الْآخَرِ، وَمُعْتِقُهُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ مُبَاشَرَةً فَيَتَوَارَثَانِ. الثَّانِيَةُ: أَعْتَقَ شَخْصٌ عَبْدًا فَاشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ فَأَعْتَقَهُ ثَبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ السَّيِّدِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْعَتِيقِ بِالسِّرَايَةِ، وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا شَخْصَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ يَخْتَصُّ التَّوَارُثُ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي الْقَرَابَةِ أَيْضًا كَابْنِ الْأَخِ يَرِثُ عَمَّتَهُ وَلَا عَكْسَ، وَلَمَّا كَانَتْ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ خَاصَّةً لَمْ يُفْرِدْ كُلًّا مِنْهَا بِالذِّكْرِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّابِعُ عَامًّا أَفْرَدَهُ، فَقَالَ (وَالرَّابِعُ الْإِسْلَامُ) أَيْ: جِهَتُهُ فَإِنَّهَا الْوَارِثَةُ كَالنَّسَبِ لَا الْمُسْلِمُونَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ هُمْ الْمُسْلِمُونَ لَمْ تَصِحَّ، فَلَمَّا صَحَّتْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ الْجِهَةُ (فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ) أَيْ: تَرِكَةُ الْمُسْلِمِ أَوْ بَاقِيهَا كَمَا سَيَأْتِي (لِبَيْتِ الْمَالِ) لَا مَصْلَحَةً كَمَا قِيلَ بَلْ (إرْثًا) لِلْمُسْلِمِينَ عُصُوبَةً (إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرِثُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْ الْمَيِّتِ كَالْعَصَبَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ تَرِكَتَهُ، أَوْ بَاقِيَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَخُصُّ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ. تَنْبِيهٌ: الْوَارِثُ الْمُعَيَّنُ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ اسْتِوَاءَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْإِرْثِ أَهْلَ الْبَلَدِ وَغَيْرَهُمْ، وَمَنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهُ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ أَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِبَلَدِ الْمَيِّتِ، وَلَكِنْ لَا يُعْطِي مُكَاتَبًا وَلَا قَاتِلًا وَلَا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ وَابْنُهُ إلَّا مِنْ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ إلَّا لِلْأُمِّ، وَكَذَا ابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ.   [مغني المحتاج] كَافِرًا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا وَارِثِينَ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ أُعْطِيَهُ وَجَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا أَيْضًا بِالْإِرْثِ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ لَا يُعْطَى مِنْ الْوَصِيَّةِ شَيْئًا بِلَا إجَازَةٍ. أَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَارِثٍ أَوْ وَارِثٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ فَإِنَّ تَرِكَتَهُ أَوْ بَاقِيَهَا تَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا. فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْإِمَامِ كَأَنْ يَمْلِكَ بِنْتَ عَمِّهِ، ثُمَّ يُعْتِقَهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجَ بِهَا، ثُمَّ تَمُوتَ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُ، فَهُوَ زَوْجُهَا وَابْنُ عَمِّهَا وَمُعْتِقُهَا وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: لَا مَدْخَلَ لِلْوَلَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ مَعَ وُجُودِ الْعَاصِبِ مِنْ النَّسَبِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا تُصُوِّرَتْ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَرِثْ بِهَا كُلِّهَا. فَإِنْ قِيلَ: الْإِمَامُ لَيْسَ بَيْتَ الْمَالِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَارِثَ جِهَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ فِيهِ. وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِرْثِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا: أَوَّلُهَا: تَحَقُّقُ مَوْتِ الْمُورَثِ، أَوْ إلْحَاقُهُ بِالْمَوْتَى تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ انْفَصَلَ مَيِّتًا فِي حَيَاةِ أُمِّهِ، أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ مُوجِبَةٍ لِلْغُرَّةِ، فَيُقَدَّرُ أَنَّ الْجَنِينَ عَرَضَ لَهُ الْمَوْتُ لِتُوَرَّثَ عَنْهُ الْغُرَّةُ أَوْ إلْحَاقُ الْمُورَثِ بِالْمَوْتَى حُكْمًا كَمَا فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ اجْتِهَادًا. وَثَانِيهَا: تَحَقُّقُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ. وَثَالِثُهَا: مَعْرِفَةُ إدْلَائِهِ لِلْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ وَلَاءٍ. وَرَابِعُهَا: الْجِهَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْإِرْثِ تَفْصِيلًا، وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِرْثِ مُطْلَقَةً كَقَوْلِ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي: هَذَا وَارِثُ هَذَا بَلْ لَا بُدَّ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ إرْثَهُ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي أَيْضًا قَوْلُ الشَّاهِدِ: هَذَا ابْنُ عَمِّهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا. وَأَمَّا مَوَانِعُ الْإِرْثِ فَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ. (وَالْمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ) أَيْ: الذُّكُورِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِمْ كَانَ أَوْلَى لَكِنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، وَكَذَا فِي النِّسَاءِ فَيَشْمَلُ غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (عَشَرَةٌ) بِالِاخْتِصَارِ، وَخَمْسَةَ عَشْرَةَ بِالْبَسْطِ وَهُمْ (الِابْنُ وَابْنُهُ) وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: (وَإِنْ سَفَلَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ التَّنْبِيهَ عَلَى إخْرَاجِ ابْنِ الْبِنْتِ (وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا وَالْأَخُ) لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ (وَابْنُهُ) أَيْ الْأَخِ، وَقَوْلُهُ: (إلَّا مِنْ الْأُمِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ ابْنِهِ فَقَطْ أَيْ: ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. أَمَّا ابْنُهُ لِأُمٍّ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْعَمُّ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمُّ الْأَبِ، وَعَمُّ الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَيَدْخُلُ فِي ابْنِهِ الْآتِي ابْنَاهُمَا (إلَّا) الْعَمَّ (لِلْأُمِّ) فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَكَذَا ابْنُهُ) أَيْ: الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ (وَالزَّوْجُ وَالْمُعْتِقُ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ أَوْ وَرِثَ بِهِ، فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْعَشَرَةِ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ، وَمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ. (وَ) الْمُجْمَعُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 وَمِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ، وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ. فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَرِثَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ. أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ فَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ. أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ   [مغني المحتاج] عَلَى إرْثِهِنَّ (مِنْ النِّسَاءِ سَبْعٌ) بِالِاخْتِصَارِ وَعَشَرَةٌ بِالْبَسْطِ، وَهُنَّ (الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ) أَيْ: الِابْنُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ سَفَلَتْ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِدُخُولِ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ، وَلَيْسَتْ بِوَارِثَةٍ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَالْمُتَعَارَفُ عَوْدُهُ لِلْمُضَافِ (وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ (وَالْأُخْتُ) مِنْ جِهَاتِهَا الثَّلَاثِ (وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ) وَهِيَ مَنْ صَدَرَ مِنْهَا الْعِتْقُ، أَوْ وَرِثَتْ بِهِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: الْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمَرْأَةِ زَوْجٌ، وَالزَّوْجَةُ لُغَةٌ مَرْجُوحَةٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَاسْتِعْمَالُهَا فِي بَابِ الْفَرَائِضِ مُتَعَيَّنٌ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. اهـ. وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَسْتَعْمِلُ فِي عِبَارَتِهِ الْمَرْأَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ. (فَلَوْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ) فَقَطْ وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ أُنْثَى (وَرِثَ) مِنْهُمْ ثَلَاثَةٌ (الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَالزَّوْجُ فَقَطْ) لِأَنَّهُمْ لَا يُحْجَبُونَ، وَمَنْ بَقِيَ مَحْجُوبٌ بِالْإِجْمَاعِ فَابْنُ الِابْنِ بِالِابْنِ، وَالْجَدُّ بِالْأَبِ وَالْبَاقِي مَحْجُوبٌ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِالِابْنِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُمْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا رُبُعًا وَسُدُسًا: لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلِابْنِ الْبَاقِي. فَائِدَةٌ شَبَّهَ الْفَرْضِيُّونَ عَمُودَ النَّسَبِ بِالشَّيْءِ الْمُدْلَى مِنْ عُلُوٍّ، فَأَصْلُ كُلِّ إنْسَانٍ أَعْلَى مِنْهُ، وَفَرْعُهُ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَكَانَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ بِالشَّجَرَةِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَفَرْعُهُ أَعْلَى كَمَا فِي الشَّجَرَةِ، فَيُقَالُ فِي أَصْلِهِ: وَإِنْ سَفَلَ، وَفِي فَرْعِهِ: وَإِنْ عَلَا. (أَوْ) اجْتَمَعَ (كُلُّ النِّسَاءِ) فَقَطْ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَالْمَيِّتُ ذَكَرٌ (فَ) الْوَارِثُ مِنْهُنَّ خَمْسَةٌ، وَهُنَّ (الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، وَالزَّوْجَةُ) وَالْبَاقِي مِنْ النِّسَاءِ مَحْجُوبٌ: الْجَدَّةُ بِالْأُمِّ، وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ بِالْبِنْتِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأُخْتِ لِلْأَبِ وَالْمُعْتِقَةِ بِالشَّقِيقَةِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ تَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْفُرُوضِ، وَتَصِحُّ مَسْأَلَتُهُنَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ فِيهَا سُدُسًا، وَثُمُنًا لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ الْبَاقِي، وَهُوَ سَهْمٌ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِي النِّسَاءِ الْجَرُّ بِتَقْدِيرِ كُلٍّ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَالرَّفْعُ إنْ لَمْ تُقَدِّرْهَا. (أَوْ) اجْتَمَعَ (الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ) الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِأَنْ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا الزَّوْجَةَ فَإِنَّهَا الْمَيِّتَةُ، أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ إلَّا الزَّوْجَ فَإِنَّهُ الْمَيِّتُ وَرِثَ مِنْهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خَمْسَةٌ، بَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) وَهُوَ الزَّوْجُ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجَةُ، وَهِيَ حَيْثُ الْمَيِّتُ الزَّوْجُ لِحَجْبِهِمْ مَنْ عَدَاهُمْ، فَالْأَوْلَى: مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ أَرْبَعَةٌ وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، وَالْبَاقِي، وَهُوَ خَمْسَةٌ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا، وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ فَأَصْلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، بَلْ الْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ   [مغني المحتاج] ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ. وَالثَّانِيَةُ: أَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ: لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ، وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ أَثْلَاثًا، وَلَا ثُلُثَ لَهُ صَحِيحٌ، فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَوْ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ اسْتِحَالَةَ اجْتِمَاعِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ عَلَى مَيِّتٍ وَاحِدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً عَلَى مَيِّتٍ مُكَفَّنٍ أَنَّهُ امْرَأَتُهُ، وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهُ مِنْهَا، وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ زَوْجُهَا وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُهَا مِنْهُ فَكُشِفَ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ خُنْثَى لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرْتُ تَصْحِيحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفَارِيعَهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. ضَابِطٌ كُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الذُّكُورِ حَازَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي إلَّا الزَّوْجَ وَكُلُّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْ الْإِنَاثِ لَا يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ إلَّا الْمُعْتِقَةَ، وَمَنْ قَالَ بِالرَّدِّ لَا يَسْتَثْنِي مِنْ حَوْزِ جَمِيعِ الْمَالِ إلَّا الزَّوْجَةَ. (وَلَوْ فُقِدُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (كُلُّهُمْ) أَوْ فَضَلَ عَمَّنْ وُجِدَ مِنْهُمْ شَيْءٌ (فَأَصْلُ) الْمَنْقُولِ فِي (الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَصْلًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ: وَفِي الْحَدِيثِ " «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ إلَى قُبَاءَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا مِيرَاثَ لَهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ: إنَّهُمْ يَرِثُونَ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ (وَ) أَصْلُ الْمَذْهَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يُفْقَدُوا كُلُّهُمْ، بِأَنْ وُجِدَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْتَغْرِقْ التَّرِكَةَ أَنَّهُ (لَا يُرَدُّ) مَا بَقِيَ (عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ) فِيمَا إذَا فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ، وَهَذَا لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ لَكَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، إذْ صُورَةُ الْمَتْنِ فَقْدُ الْكُلِّ فَيَكُونُ اسْتِئْنَافًا لِفَقْدِ الْبَعْضِ، فَإِذَا وُجِدَ ذُو فَرْضٍ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ أَخَذَتَا فَرْضَيْهِمَا وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا الْبَاقِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وَالرَّدُّ يَقْتَضِي أَخْذَهُمَا الْكُلَّ (بَلْ الْمَالُ) كُلُّهُ فِي فَقْدِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ الْبَاقِي فِي فَقْدِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ الْفُرُوضِ (لِبَيْتِ الْمَالِ) سَوَاءٌ انْتَظَمَ أَمْرُهُ بِإِمَامٍ عَادِلٍ يَصْرِفُهُ فِي جِهَتِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِرْثَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ وَمُسْتَوْفٍ لَهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ لَمْ يُعْدَمُوا، وَإِنَّمَا عُدِمَ الْمُسْتَوْفِي لَهُمْ فَلَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّهِمْ، هَذَا هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصْلِ، وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْأَصْلِ مَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ كَمَا قَالَ (وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ) مِنْ الْأَصْحَابِ يَعْنِي: جُمْهُورَهُمْ (إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ) لِكَوْنِ الْإِمَامِ غَيْرَ عَادِلٍ (بِالرَّدِّ) أَيْ بِأَنْ يُرَدَّ (عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْمَالَ مَصْرُوفٌ إلَيْهِمْ، أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِنْفَاقِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ،   [مغني المحتاج] وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِاخْتِيَارِ هَذَا، لَكِنْ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ عِنْدَ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ ابْنُ سُرَاقَةَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدِّمِيهِمْ أَيْ: لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْأَرْبَعِمِائَةِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْجَوْجَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ، فَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ لَهُ بِفَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَكَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الرَّدِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا، بَلْ إنْ كَانَ فِي يَدِ أَمِينٍ نَظَرٌ، إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ بِشَرْطِهِ صَرَفَ الْأَمِينُ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَصَالِحِ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْجَائِرِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْمُتَصَدِّقِ غَرَضًا صَحِيحًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ، وَقَوْلُهُ: (غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ) بِجَرِّ غَيْرِ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ نَصْبِهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّدِّ الْقَرَابَةُ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهِمَا، وَنَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الزَّوْجِيَّةِ رَحِمٌ: كَبِنْتِ الْخَالَةِ، وَبِنْتِ الْعَمِّ وَجَبَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالرَّدِّ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا لَكِنَّ الصَّرْفَ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ (مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ) لِسِهَامِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلْعَدْلِ فِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَخَذَ الْفَرْضَ وَالْبَاقِيَ بِالرَّدِّ، أَوْ جَمَاعَةً مِنْ صِنْفٍ: كَالْبَنَاتِ، فَالْبَاقِي لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ صِنْفَيْنِ فَأَكْثَرَ رُدَّ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ، فَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فَرْضَيْهِمَا سَهْمَانِ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْأُمِّ رُبُعُهُمَا نِصْفُ سَهْمٍ، وَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمَا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ النِّصْفِ، وَمَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ إنْ اعْتَبَرْتَ مَخْرَجَ الرُّبُعِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَاعِدَةِ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَى أَرْبَعَةٍ: لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِمْ سَهْمٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْبِنْتِ وَرُبُعُهُ لِلْأُمِّ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سِتَّةَ عَشَرَ: لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَفِي بِنْتٍ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ فُرُوضِهِنَّ خَمْسَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ: لِلْأُمِّ رُبُعُهَا سَهْمٌ وَرُبُعٌ، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتِسْعِينَ وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْبِنْتِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، وَلِلْأُمِّ سَبْعَةٌ. قَالَ الشَّارِحُ: وَيُقَالُ: عَلَى وَفْقِ الِاخْتِصَارِ ابْتِدَاءً فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: سِهَامُهُمَا مِنْ السِّتَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ: فَيَجْعَلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَفِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ، وَالثُّمُنُ لِلزَّوْجَيْنِ بَعْدَ نَصِيبِهِمَا لَا يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ سِهَامٍ: الْأُمُّ وَالْبِنْتُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمَا فَتُضْرَبُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ أَيْ: فَتُضْرَبُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَهِيَ مُخْتَصَرَةٌ مَفِيدَةٌ وَالرَّدُّ ضِدُّ الْعَوْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي قَدْرِ السِّهَامِ وَنَقْصٌ فِي عَدَدِهَا وَالْعَوْلُ نَقْصٌ فِي قَدْرِهَا وَزِيَادَةٌ فِي عَدَدِهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا) أَيْ: أَصْحَابُ الْفُرُوضِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ (صُرِفَ) الْمَالُ (إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ) لِحَدِيثِ: «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 وَهُمْ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ أَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ،   [مغني المحتاج] وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَإِنَّمَا قُدِّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُفِيدَةَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَرْضِ أَقْوَى، وَإِذَا صُرِفَ إلَيْهِمْ فَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُهُمْ، وَقِيلَ: يُخَصُّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: صُرِفَ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِرْثِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالرَّافِعِيُّ الثَّانِيَ، وَفِي كَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبَانِ: مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَنْزِلَ كُلُّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ الَّذِي يُدْلِي بِهِ إلَى الْمَيِّتِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَهُوَ تَوْرِيثُ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْعَصَبَاتِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ، وَالْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمْ حَازَ جَمِيعَ الْمَالِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ الْأَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ لَا إلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوَارِثِ فَاعْتِبَارُ الْقُرْبِ إلَيْهِ أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي السَّبْقِ إلَيْهِ قُدِّرَ كَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً، ثُمَّ يُجْعَلُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلْمُدْلِينَ بِهِ الَّذِينَ نَزَلُوا مَنْزِلَتَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ، فَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] أَوْ بِالْفَرْضِ اقْتَسَمُوا نَصِيبَهُ عَلَى حَسَبِ فُرُوضِهِمْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْلَادُ الْأَخِ مِنْ الْأُمِّ، وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ مِنْهَا فَلَا يَقْتَسِمُونَ ذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بَلْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إرْثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَإِرْثِ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فِي أَنَّهُ إمَّا بِالْفَرْضِ أَوْ بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُ الْقَاضِي - تَوْرِيثُهُمْ تَوْرِيثٌ بِالْعُصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْقُرْبُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ وَيَحُوزُ الْمُنْفَرِدُ الْجَمِيعَ - تَفْرِيعٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ وَلْنَذْكُرْ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ: بِنْتُ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ: فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْعَلَانِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ فَيَحُوزَانِ الْمَالَ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ أَرْبَاعًا بِنِسْبَةِ إرْثِهِمَا، وَعَلَى الثَّانِي الْمَالُ لِبِنْتِ الْبِنْتِ لِقُرْبِهَا إلَى الْمَيِّتِ، بِنْتُ ابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتُ بِنْتِ ابْنٍ الْمَالُ لِلثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهَا أَسْبَقُ إلَى الْوَارِثِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي، فَلِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدَّرَجَةِ، بِنْتُ بِنْتٍ وَابْنٌ وَبِنْتٌ مِنْ بِنْتٍ أُخْرَى لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الِابْنِ وَأُخْتِهِ أَثْلَاثًا بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَالُ بَيْنَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ، ثُمَّ يُجْعَلَ نِصْفُ الْبِنْتِ الْأُولَى لِبِنْتِهَا وَنِصْفُ الْأُخْرَى لِوَلَدَيْهَا أَثْلَاثًا، وَالتَّنْزِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجْبِ كَمَا أَفَادَنِيهِ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، فَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ لَا تَحْجُبُهَا إلَى الثُّمُنِ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ ثَلَاثُ بَنَاتِ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ، السُّدُسُ لِبِنْتِ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْبَاقِي لِبِنْتِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْآبَاءِ، وَبِنْتُ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ مَحْجُوبَةٌ لِحَجْبِ أَبِيهَا بِالشَّقِيقِ، وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، ثَلَاثَةُ بَنِي أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى خَمْسَةٍ كَمَا هُوَ بَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ بِالْفَرْضِ وَالرَّدِّ (وَهُمْ) لُغَةً كُلُّ قَرِيبٍ وَشَرْعًا (مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ) بِالْإِرْثِ (مِنْ الْأَقَارِبِ) هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ (وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ) جَمْعُ صِنْفٍ بِمَعْنَى النَّوْعِ وَفَتْحُ صَادِهِ لُغَةٌ (أَبُو الْأُمِّ وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ) كَأَبِي أَبِي الْأُمِّ، وَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ، وَهَذَانِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَمَنْ جَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ، وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ. فَصْلٌ الْفُرُوضُ الْمُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتَّةٌ   [مغني المحتاج] عَدَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَحَدَ عَشَرَ (وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ) لِلصُّلْبِ كَبِنْتِ بِنْتٍ، أَوْ لِلِابْنِ كَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِأَوْلَادٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا أَوْلَادَ بَنَاتِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَنَاتِ شَامِلٌ لَهُمْ كَمَا أَدْخَلْتُهُمْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ) كَذَلِكَ (وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ) وَكَذَا بَنَاتُهُمْ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ: لَمَّا كَانَ فَرْعُ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُ مُطْلَقًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، عَبَّرَ بِالْأَوْلَادِ الشَّامِلِ لِلصِّنْفَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَقَيَّدَ فَرْعَ الْإِخْوَةِ بِالْبَنَاتِ لِيُخْرِجَ ذُكُورَهُمْ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ بَنَاتِهِمْ دَخَلُوا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَلِفَهْمِهِنَّ بِالْأَوْلَى مِنْ ذِكْرِ الْبَنِينَ كَمَا مَرَّ (وَالْعَمُّ) بِالرَّفْعِ (لِلْأُمِّ) وَهُوَ أَخُو الْأَبِ لِأُمِّهِ (وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَكَذَا بَنُو الْأَعْمَامِ لِلْأُمِّ (وَالْعَمَّاتُ) بِالرَّفْعِ (وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ) كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ جِهَاتِهِ الثَّلَاثِ (وَالْمُدْلُونَ بِهِمْ) أَيْ: الْعَشَرَةِ مَا عَدَا السَّاقِطَ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ إذْ لَمْ يَبْقَ فِي ذَلِكَ السَّاقِطِ مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى " عَشَرَةٌ " فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَيْهِمْ. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ: لَوْ خَلَّفَ ثَلَاثَ خَالَاتٍ، وَثَلَاثَ عَمَّاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ كَانَ لِلْخَالَاتِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأُمِّ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً مَعَ الْأَبِ وَلِلْعَمَّاتِ الثُّلُثَانِ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبُ الْأَبِ لَوْ كَانَ حَيًّا مَعَ الْأُمِّ. الثَّانِي: أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَعْمَامِ مِنْ الْأُمِّ كَآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا يُسْقِطُ الْأَقْرَبُ الْأَبْعَدَ مِنْهُمْ إلَى الْوَارِثِ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِمْ بِنْتُ عَمٍّ فَأَكْثَرَ لِغَيْرِ أُمٍّ أَخَذَتْ الْمَالَ لِسَبْقِهَا إلَى الْوَارِثِ. الثَّالِثُ: أَخْوَالُ الْأُمِّ وَخَالَاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَا تَرِثُهُ وَيَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ عَنْهُمْ، وَأَعْمَامُهَا وَعَمَّاتُهَا بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأُمِّ فَيَرِثُونَ مَا يَرِثُهُ، وَعَمَّاتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَبِي الْأَبِ فَيَرِثْنَ مَا يَرِثُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ خَالٍ وَخَالَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدَّةِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهَا، وَكُلُّ عَمٍّ وَعَمَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ الَّذِي هُوَ أَخُوهَا. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْفُرُوضِ وَأَصْحَابِهَا] - وَهُمْ كُلُّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ - وَقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ (الْفُرُوضُ) جَمْعُ فَرْضٍ بِمَعْنَى نَصِيبٍ أَيْ: الْأَنْصِبَاءُ (الْمُقَدَّرَةُ) أَيْ: الْمَحْصُورَةُ لِلْوَرَثَةِ بِأَنْ لَا يُزَادَ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصَ مِنْهَا إلَّا لِعَارِضٍ كَعَوْلٍ فَيُنْقَصُ أَوْ رَدٍّ فَيُزَادُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) لِلْوَرَثَةِ، وَخَبَرُ الْفُرُوضِ قَوْلُهُ (سِتَّةٌ) بِعَوْلٍ وَبِدُونِهِ وَيَجْمَعُهَا هبادبز وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِعِبَارَاتٍ أَخْصَرُهَا الرُّبُعُ وَالثُّلُثُ وَضِعْفُ كُلٍّ وَنِصْفُهُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَنِصْفُ نِصْفِهِ وَالثُّلُثَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 النِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: زَوْجٍ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ، وَبِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدَاتٍ. وَالرُّبُعُ فَرْضُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَزَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَالثُّمُنُ فَرْضُهَا مَعَ أَحَدِهِمَا.   [مغني المحتاج] وَنِصْفُهُمَا وَنِصْفُ نِصْفِهِمَا، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ النِّصْفُ وَنِصْفُهُ وَرُبُعُهُ وَالثُّلُثَانِ وَنِصْفُهُمَا وَرُبُعُهُمَا، وَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ " فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى " السُّدُسُ الَّذِي لِلْجَدَّةِ وَلِبِنْتِ الِابْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: السُّدُسُ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَعَ كَوْنِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ أُمًّا أَوْ جَدَّةً أَوْ بِنْتَ ابْنٍ، وَالسُّبُعُ وَالتُّسْعُ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَوَّلُ سُدُسٌ عَائِلٌ وَالثَّانِي ثُمُنٌ عَائِلٌ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى فِي الْغَرَّاوَيْنِ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ، وَفِي مَسَائِلِ الْجَدِّ حَيْثُ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاجْتِهَادِ. فَأَحَدُ الْفُرُوضِ (النِّصْفُ) بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِهِ كَغَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ كَسْرٍ مُفْرَدٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكُنْت أَوَدُّ أَنْ لَوْ بَدَءُوا بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِمَا حَتَّى رَأَيْتُ أَبَا النَّجَا وَالْحُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَفِيَّ بَدَآ بِهِمَا فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ، وَهُوَ (فَرْضُ خَمْسَةٍ) فَرْضُ (زَوْجٍ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ) وَارِثًا بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ وَإِنْ سَفَلَ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، مُفْرَدًا أَوْ جَمْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ إجْمَاعًا، وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَشْمَلُهُمَا إعْمَالًا لَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَإِنَّمَا بَدَأَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِالزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَدَأَ بِالْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْفَرْضِيِّينَ التَّعْلِيمُ وَالتَّقْرِيبُ مِنْ الْأَفْهَامِ، وَالِابْتِدَاءُ بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْكَلَامُ أَسْهَلُ وَأَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ فَيَتَدَرَّبُ الْمُتَعَلِّمُ، وَالْكَلَامُ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَقَلُّ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى بَدَأَ بِمَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدَ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ وَلَدٌ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ نَحْوِ رِقٍّ كَكُفْرٍ، وَبِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ الْوَارِثُ بِعُمُومِهَا كَوَلَدِ الْبِنْتِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ وَرَّثْنَا ذَوِي الْأَرْحَامِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَ) فَرْضُ (بِنْتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ) وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبِنْتِ: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وَبِنْتُ الِابْنِ كَالْبِنْتِ لِمَا مَرَّ فِي وَلَدِ الِابْنِ (أَوْ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهَا السُّدُسَ، وَقَوْلُهُ: (مُنْفَرِدَاتٍ) رَاجِعٌ إلَى الْأَرْبَعِ، وَأَخْرَجَ بِهِ مَا لَوْ اجْتَمَعْنَ مَعَ إخْوَتِهِنَّ أَوْ أَخَوَاتِهِنَّ، أَوْ اجْتَمَعَ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِانْفِرَادَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ زَوْجٌ فَلَهَا النِّصْفُ أَيْضًا. (وَ) ثَانِيهَا (الرُّبُعُ) وَهُوَ (فَرْضُ) اثْنَيْنِ فَرْضُ (زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَارِثٌ بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ} [النساء: 12] وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِهِ وَلَدُ الْبِنْتِ (وَ) فَرْضُ (زَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ) وَارِثٌ (مِنْهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء: 12] وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَرِثُ الْأُمُّ الرُّبُعَ فَرْضًا فِي حَالٍ يَأْتِي فَيَكُونُ الرُّبُعُ لِثَلَاثَةٍ. (وَ) ثَالِثُهَا (الثُّمُنُ) وَيُقَالُ فِيهِ: ثَمِينٌ أَيْضًا وَهُوَ (فَرْضُهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ الْوَارِثِ وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا وَبِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ وَأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. وَالثُّلُثُ فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ،   [مغني المحتاج] سَفَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْهَا أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12] وَوَلَدُ الِابْنِ كَالِابْنِ كَمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالزَّوْجَةِ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَالْأَكْثَرِ، فَالزَّوْجَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ أَوْ الْأَرْبَعُ يَشْتَرِكَانِ أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي كُلٍّ مِنْ الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ لِلزَّوْجِ فِي حَالَتَيْهِ ضِعْفُ مَا لِلزَّوْجَةِ فِي حَالَتَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ذُكُورَةً، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّضْعِيفَ فَكَانَ مَعَهَا كَالِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ. (وَ) رَابِعُهَا (الثُّلُثَانِ) وَهُوَ (فَرْضُ) أَرْبَعَةٍ: فَرْضُ (بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَنَاصِبُهُ وَاجِبُ الْإِضْمَارِ أَيْ: ذَاهِبًا مِنْ فَرْضِ عَدَدِ الِابْنَتَيْنِ إلَى حَالَةِ الصُّعُودِ عَنْ الِابْنَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ النَّصْبِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْفَاءِ وَثُمَّ لَا بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ (وَ) فَرْضُ (بِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ) مِنْهُمَا، سَوَاءٌ أَكُنَّ مِنْ أَبٍ أَمْ آبَاءٍ (وَ) فَرْضُ (أُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ) مِنْهُمَا (لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) وَضَابِطُ مَنْ يَرِثُ الثُّلُثَيْنِ مَنْ تَعَدَّدَ مِنْ الْإِنَاثِ مِمَّنْ فَرْضُهُ النِّصْفُ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ أَوْ يَحْجُبُهُنَّ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْبَنَاتِ: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] وَفِي الْأَخَوَاتِ: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] نَزَلَتْ فِي سَبْعِ أَخَوَاتٍ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا مَرِضَ وَسَأَلَ عَنْ إرْثِهِنَّ مِنْهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْأُخْتَانِ فَأَكْثَرُ، وَقِيسَ بِالْأُخْتَيْنِ الْبِنْتَانِ، وَبِنْتَا الِابْنِ، وَبِالْأَخَوَاتِ أَوْ الْبَنَاتِ بَنَاتُ الِابْنِ بَلْ هُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي لَفْظِ الْبَنَاتِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ " فَوْقَ " صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبِنْتَيْنِ، وَيُقَاسُ بِهِمَا بِنْتَا الِابْنِ أَوْ هُمَا دَاخِلَتَانِ كَمَا مَرَّ، وَبِالْأَخَوَاتِ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَمِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَهُوَ لَوْ كَانَ مَعَ وَاحِدَةٍ كَانَ حَظُّهَا الثُّلُثَ، فَأَوْلَى وَأَحْرَى أَنْ يَجِبَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ أُخْتِهَا. (وَ) خَامِسُهَا (الثُّلُثُ) وَهُوَ فَرْضُ اثْنَيْنِ (فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ) وَارِثٌ (وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) وَارِثٌ (وَلَا اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) لِلْمَيِّتِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا أَشِقَّاءَ أَمْ لَا ذُكُورًا أَمْ لَا مَحْجُوبِينَ بِغَيْرِهِمَا كَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ مَعَ جَدٍّ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَوَلَدُ الِابْنِ مُلْحَقٌ بِالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ بِالْإِخْوَةِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إجْمَاعًا قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ أَبٌ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا ذَلِكَ فَفَرْضُهَا ثُلُثُ الْبَاقِي كَمَا سَيَأْتِي (وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) يَسْتَوِي فِي الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ الْأُمِّ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ وَهِيَ وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 وَقَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ. وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ: أَبٍ وَجَدٍّ لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ وَأُمٍّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْ إخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ وَجَدَّةٍ وَلِبِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ وَلِأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ.   [مغني المحتاج] لَمْ تَتَوَاتَرْ لَكِنَّهَا كَالْخَبَرِ فِي الْعَمَلِ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ تَوْقِيفًا، وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ لَا تَعْصِيبَ فِيمَنْ أَدْلُوا بِهِ بِخِلَافِ الْأَشِقَّاءِ وَلِأَبٍ، فَإِنَّ فِيهِمْ تَعْصِيبًا، فَكَانَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَالْبِنْتَيْنِ وَالْبَنَاتِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ (وَقَدْ يُفْرَضُ) الثُّلُثُ (لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ) فِيمَا إذَا نَقَصَ عَنْهُ بِالْمُقَاسَمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ فَأَكْثَرُ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِهَذَا يَكُونُ فَرْضُ الثُّلُثِ لِثَلَاثَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّالِثُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَمَا مَرَّ. (وَ) سَادِسُهَا (السُّدُسُ) وَهُوَ (فَرْضُ سَبْعَةٍ) فَرْضُ (أَبٍ وَجَدٍّ) وَارِثٍ (لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] الْآيَةَ، وَوَلَدُ الِابْنِ كَالْوَلَدِ كَمَا مَرَّ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ (وَ) فَرْضُ (أُمٍّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ) وَارِثٌ (أَوْ اثْنَيْنِ) فَأَكْثَرَ (مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) لِمَا مَرَّ فِي الْآيَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: اثْنَيْنِ قَدْ يَشْمَلُ مَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَيْنِ مُلْزَقَيْنِ لَهُمَا رَأْسَانِ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ وَأَرْبَعُ أَيْدٍ وَفَرْجَانِ وَلَهَا ابْنٌ آخَرُ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الِابْنُ وَتَرَكَ أُمَّهُ وَهَذَيْنِ، فَيُصْرَفُ لَهَا السُّدُسُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الِاثْنَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَتُعْطَى أَيْضًا السُّدُسَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ أَخَوَيْنِ كَأَنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَاشْتَبَهَ الْحَالُ ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِأَحَدِهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلَدَانِ فَلِلْأُمِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ السُّدُسُ فِي الْأَصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الْعِدَدِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُ الِابْنِ وَاثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ، فَاَلَّذِي رَدَّهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ الْوَلَدُ لِقُوَّتِهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَ) فَرْضُ (جَدَّةٍ) وَارِثَةٍ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ» وَالْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ الْوَارِثَاتُ يَشْتَرِكَانِ، أَوْ يَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ كَمَا سَيَأْتِي وَرَوَى الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ لِلْجَدَّتَيْنِ» (وَ) يُفْرَضُ أَيْضًا (لِبِنْتِ ابْنٍ) فَأَكْثَرَ (مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ) أَوْ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ أَقْرَبَ مِنْهَا تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ لِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي بِنْتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَلِأَنَّ الْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، وَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ (وَ) يُفْرَضُ أَيْضًا (لِأُخْتٍ) لِأَبٍ (أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ) كَمَا فِي الْبِنْتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ (وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء: 12] الْآيَةَ. تَتِمَّةٌ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الذُّكُورِ؛ الزَّوْجُ، وَالْأَخُ لِلْأُمِّ، وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَقَدْ يَرِثُ الْأَبُ وَالْجَدُّ بِالتَّعْصِيبِ فَقَطْ، وَقَدْ يَجْمَعَانِ بَيْنَهُمَا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَتِسْعَةٌ مِنْ الْإِنَاثِ الْأُمُّ، وَالْجَدَّتَانِ، وَالزَّوْجَةُ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ، وَذَوَاتُ النِّصْفِ الْأَرْبَعُ. [فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ] وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ بَيَانِ الْوَارِثِ وَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ شَرَعَ فِيمَنْ يُحْجَبُ وَمَنْ لَا يُحْجَبُ، فَقَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 فَصْلٌ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ وَابْنُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا الِابْنُ أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ وَالْجَدُّ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، وَلِأُمٍّ يَحْجُبُهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ وَوَلَدُ ابْنٍ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ: أَبٌ، وَجَدٌّ،   [مغني المحتاج] فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ. وَشَرْعًا مَنْعُ مَنْ قَامَ بِهِ سَبَبُ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مِنْ أَوْفَرِ حَظَّيْهِ، وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ حَجْبَ حِرْمَانٍ، وَالثَّانِي حَجْبَ نُقْصَانٍ، فَالثَّانِي كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ وَقَدْ مَرَّ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي، وَحَجْبٌ بِالشَّخْصِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْفَصْلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ) مِنْ الْإِرْثِ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلَيْسَ فَرْعًا لِغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ (وَابْنُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ (لَا يَحْجُبُهُ) مِنْ الْعَصَبَةِ (إلَّا الِابْنُ) أَبَاهُ كَانَ أَوْ عَمَّهُ لِإِدْلَائِهِ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (أَوْ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ) كَابْنِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا ابْنُ الِابْنِ مُرَادُهُ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا قَدَّرْتُهُ حَتَّى يَنْتَظِمَ مَعَ هَذَا. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يَحْجُبُهُ أَيْضًا أَبَوَانِ وَابْنَتَانِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْفَصْلِ فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ (وَالْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا (لَا يَحْجُبُهُ إلَّا) ذَكَرٌ (مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا أَوْلَادُ الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْمُتَوَسِّطَ بِالذَّكَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ إيضَاحًا؛ لِأَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ أُنْثَى لَا يَرِثُ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى حَجْبًا، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمُتَوَسِّطٍ لِيَتَنَاوَلَ حَجْبَ الْجَدِّ لِأَبِيهِ، وَمَا فَوْقَهُ مِنْ الصُّوَرِ (وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ) ثَلَاثَةٌ (الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ) وَإِنْ سَفَلَ بِالْإِجْمَاعِ (وَ) الْأَخُ (لِأَبٍ يَحْجُبُهُ) أَرْبَعَةٌ (هَؤُلَاءِ) الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهُمْ إذَا حَجَبُوا الشَّقِيقَ فَهُوَ أَوْلَى (وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ) لِقُوَّتِهِ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ، فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ أَنَّهُ يُحْجَبُ أَيْضًا بِبِنْتٍ، وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا مَرَّ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَحْجُبْهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ يُحْجَبُ بِمُفْرَدِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ لَا تَحْجُبُ الْأَخَ بِمُفْرَدِهَا، بَلْ مَعَ غَيْرِهَا (وَ) الْأَخُ (لِأُمٍّ يَحْجُبُهُ) أَرْبَعَةٌ (أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَوَلَدُ ابْنٍ) وَلَوْ أُنْثَى بِالْإِجْمَاعِ، وَلِآيَتَيْ الْكَلَالَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ. أَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَحْجُبُهُمْ وَإِنْ أَدْلُوا بِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حَجْبِ الْمُدْلِي بِالْمُدْلَى بِهِ، إمَّا اتِّحَادُ جِهَتِهِمَا كَالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْجَدَّةِ مَعَ الْأُمِّ، أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمُدْلَى بِهِ كُلَّ التَّرِكَةِ لَوْ انْفَرَدَ كَالْأَخِ مَعَ الْأَبِ، وَالْأُمُّ مَعَ وَلَدِهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأُمُومَةِ، وَهُوَ بِالْأُخُوَّةِ، وَلَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إذَا انْفَرَدَتْ (وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ: أَبٌ) لِأَنَّهُ يَحْجُبُ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى (وَجَدٌّ) لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 وَابْنٌ وَابْنُهُ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ، وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَعَمٌّ لِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ، وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ. وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ، وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ أَوْ بِنْتَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا، وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ،   [مغني المحتاج] أَبِيهِ فَحَجَبَهُ كَأَبِيهِ (وَابْنٌ وَابْنُهُ) لِأَنَّهُمَا يَحْجُبَانِ أَبَاهُ فَهُوَ أَوْلَى (وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَبَاهُ فَهُوَ يُدْلِي بِهِ وَإِنْ كَانَ عَمَّهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ (وَ) أَخٌ (لِأَبٍ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ يَحْجُبُهُ سَبْعَةٌ تَنْبِيهٌ إنَّمَا ضَبَطَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِالْعَدَدِ دُونَ غَيْرِهِ دَفْعًا لِلْإِلْبَاسِ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِأَبٍ، لِئَلَّا يُوهِمَ التَّكْرَارَ وَإِرَادَةً لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ " وَلِأَبٍ " الثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ (وَ) ابْنُ الْأَخِ (لِأَبٍ يَحْجُبُهُ) سَبْعَةٌ (هَؤُلَاءِ) السِّتَّةُ لِمَا سَبَقَ (وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ) لِقُوَّتِهِ. فَرْعٌ: لَوْ تَعَارَضَ قُرْبُ جِهَةٍ كَابْنِ ابْنِ أَخٍ شَقِيقٍ وَابْنِ أَخٍ لِأَبٍ قُدِّمَ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ بُنُوَّةَ الْأَخِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ يُقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ (وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ) ثَمَانِيَةٌ (هَؤُلَاءِ) السَّبْعَةُ لِمَا سَبَقَ (وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ) لِقُرْبِ دَرَجَتِهِ (وَ) الْعَمُّ (لِأَبٍ يَحْجُبُهُ) تِسْعَةٌ (هَؤُلَاءِ) الثَّمَانِيَةُ لِمَا مَرَّ (وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ) لِقُوَّتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَمَّ يُطْلَقُ عَلَى عَمِّ الْمَيِّتِ وَعَمِّ أَبِيهِ وَعَمِّ جَدِّهِ، وَابْنُ عَمِّ الْمَيِّتِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ أَبِيهِ، وَابْنُ عَمِّ أَبِيهِ يُقَدَّمُ عَلَى عَمِّ جَدِّهِ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ كَمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْأَبِ وَهُوَ الْأَخُ عَلَى ابْنِ الْجَدِّ وَهُوَ الْعَمُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ عَمُّ الْمَيِّتِ لَا عَمُّ أَبِيهِ وَلَا عَمُّ جَدِّهِ (وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ) عَشَرَةٌ (هَؤُلَاءِ) التِّسْعَةُ لِمَا مَرَّ (وَعَمٌّ لِأَبٍ) لِأَنَّهُ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ (وَ) ابْنُ عَمٍّ (لِأَبٍ يَحْجُبُهُ) أَحَدَ عَشَرَ (هَؤُلَاءِ) الْعَشَرَةُ لِمَا سَلَفَ (وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ) لِقُوَّتِهِ (وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنْ الْوَلَاءِ، إذْ تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَلَاءِ كَالْمَحْرَمِيَّةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَسُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ وَنَحْوِهَا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَجْبِ الذُّكُورِ شَرَعَ فِي حَجْبِ الْإِنَاثِ فَقَالَ: (وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ) عَنْ إرْثِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ فِي الْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ. فَائِدَةٌ ضَابِطُ مَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَجْبُ بِالشَّخْصِ كُلُّ مَنْ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ إلَّا الْمُعْتِقَ وَالْمُعْتِقَةَ (وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ) لِأَنَّهُ أَبُوهَا أَوْ عَمُّهَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهَا (أَوْ بِنْتَانِ) لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ فَرْضُ الْبَنَاتِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ (إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا) أَيْ بِنْتِ الِابْنِ (مَنْ يُعَصِّبُهَا) سَوَاءٌ أَكَانَ فِي دَرَجَاتِهَا كَأَخِيهَا أَمْ أَسْفَلَ مِنْهَا كَابْنِ ابْنِ عَمِّهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا اشْتَرَكَتْ مَعَهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ ثُلُثَيْ الْبِنْتَيْنِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] (وَالْجَدَّةُ لِلْأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ) إذْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ غَيْرُهَا فَلَا تُحْجَبُ بِالْأَبِ وَلَا بِالْجَدِّ. فَائِدَةٌ قَدْ تَرِثُ الْجَدَّةُ مَعَ بِنْتِهَا إنْ كَانَتْ بِنْتُهَا جَدَّةً أَيْضًا فَيَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 20 وَلِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ، وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فِي الْأَظْهَرِ. وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ كَالْأَخِ، وَالْأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ. وَالْمُعْتِقَةُ كَالْمُعْتِقِ، وَكُلُّ عَصَبَةٍ   [مغني المحتاج] وَذَلِكَ فِي جَدَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَصُورَتُهَا: لِزَيْنَبِ مَثَلًا بِنْتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ، وَلِحَفْصَةَ ابْنٌ، وَلِعَمْرَةَ بِنْتٌ فَنَكَحَ ابْنُ حَفْصَةَ بِنْتَ بِنْتِ خَالَتِهِ عَمْرَةَ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَا تُسْقِطُ عَمْرَةُ - الَّتِي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ - أُمَّهَا زَيْنَبَ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أَبِي الْوَلَدِ، وَأَخْصَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: مَاتَ زَيْدٌ عَنْ فَاطِمَةَ أُمِّ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهَا زَيْنَبَ وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي السُّدُسِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَالُوا: لَيْسَ لَنَا جَدَّةٌ تَرِثُ مَعَ بِنْتِهَا الْوَارِثَةِ إلَّا هَذِهِ (وَ) الْجَدَّةُ (لِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ. نَعَمْ لَوْ مَاتَ زَيْدٌ الْمَذْكُورُ آنِفًا عَنْ أَبِيهِ وَجَدَّتِهِ زَيْنَبَ وَرِثَتْ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ. قَالَ الْخَفَّافُ: وَلَيْسَ لَنَا جَدَّةٌ تَرِثُ وَابْنُهَا حَيٌّ مِنْ ابْنِ ابْنِهَا إلَّا هَذِهِ (أَوْ الْأُمُّ) أَيْ تَحْجُبُ الْجَدَّةَ لِلْأَبِ أَيْضًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْأُمُومَةِ وَالْأُمُّ أَقْرَبُ مِنْهَا (وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا) سَوَاءٌ أَدْلَتْ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ، وَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمِّ أُمٍّ، وَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ أَمْ لَمْ تُدْلِ بِهَا كَأُمِّ أَبٍ وَأُمِّ أَبِي أَبٍ فَلَا تَرِثُ الْبُعْدَى مَعَ وُجُودِ الْقُرْبَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْبُعْدَى جَدَّةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَحْجُبْ الْقُرْبَى الْبُعْدَى كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فِي مِثَالِ زَيْنَبَ (وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ) فَتَنْفَرِدُ الْأُولَى بِالسُّدُسِ؛ لِأَنَّ لَهَا قُوَّتَيْنِ: قُرْبَهَا بِدَرَجَةٍ، وَكَوْنَ الْأُمِّ هِيَ الْأَصْلُ، وَالْجَدَّاتُ كَالْفَرْعِ لَهَا (وَ) الْجَدَّةُ (الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ) كَأُمِّ أَبٍ (لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ) كَأُمِّ أُمِّ أُمٍّ (فِي الْأَظْهَرِ) بَلْ يَكُونُ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَحْجُبُهَا فَالْجَدَّةُ الَّتِي تُدْلِي بِهِ أَوْلَى أَنْ لَا تَحْجُبَهَا، وَالثَّانِي يَحْجُبُهَا لِلْقُرْبِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِقُوَّةِ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ وَلِذَلِكَ تَحْجُبُ الْأُمُّ جَمِيعَ الْجَدَّاتِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَسَيَأْتِي ضَابِطُ مَنْ يَرِثُ مِنْ الْجَدَّاتِ وَمَنْ لَا يَرِثُ. (وَالْأُخْتُ مِنْ الْجِهَاتِ) كُلِّهَا فِي حَجْبِهَا بِغَيْرِهَا (كَالْأَخِ) فِيمَا يُحْجَبُ بِهِ فَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ، وَتُحْجَبُ الْأُخْتُ لِأَبٍ بِهَؤُلَاءِ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ بِأَبٍ وَجَدٍّ وَوَلَدٍ وَفَرْعِ ابْنٍ وَارِثٍ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تُوهِمُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ الْأُخْتَ الشَّقِيقَةَ تَحْجُبُ الْأُخْتَ لِلْأَبِ كَمَا أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُنْدَفِعٌ بِمَا قَالَهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ لَهَا مَعَ الشَّقِيقَةِ السُّدُسَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِأَخِيهَا أَنَّ الشَّقِيقَةَ أَوْ الَّتِي لِأَبٍ لَا تُحْجَبُ بِفُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ حَيْثُ يُفْرَضُ لَهَا بِخِلَافِ الْأَخِ (وَالْأَخَوَاتُ الْخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ) كَمَا فِي بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبَنَاتِ، وَخَرَجَ بِالْخُلَّصِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهُنَّ وَلَا يُحْجَبْنَ كَمَا سَيَأْتِي. (وَالْمُعْتِقَةُ) فِي حَجْبِهَا بِغَيْرِهَا (كَالْمُعْتِقِ) فِي حَجْبِهِ فَيَحْجُبُهَا عَصَبَةُ النَّسَبِ (وَكُلُّ عَصَبَةٍ) يُمْكِنُ حَجْبُهُ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 21 يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ. فَصْلٌ الِابْنُ يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ وَكَذَا الْبَنُونَ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ،   [مغني المحتاج] التَّعْصِيبِ لِلْفَرْضِ (يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ) لِلتَّرِكَةِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ فَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ لِحَجْبِهِ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ بَدَلَ الْأَخِ لِلْأُمِّ الْجَدَّ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ إنَّمَا يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ لَا بِالْفَرْضِ حَتَّى يَكُونَ لِلْجَدِّ السُّدُسُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الْهَائِمِ بِأَنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا السُّدُسُ أَوْ دُونَهُ أَوْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، وَخَرَجَ بِيُمْكِنُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ لَا يَحْجُبُهُ أَحَدٌ، وَبِلَمْ يَنْتَقِلْ إلَخْ الْعَصَبَةُ الشَّقِيقُ فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَالْعَصَبَةُ الشَّقِيقَةُ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ، فَإِنَّ الْعَصَبَةَ فِيهِمَا لَمْ يُحْجَبْ بِاسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا انْتَقَلَ إلَى الْفَرْضِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لَكَانَ حَسَنًا. تَنْبِيهٌ: مَنْ لَا يَرِثُ لِمَانِعٍ مِنْ رِقٍّ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَلَا نُقْصَانًا. وَكُلُّ مَنْ حَجَبَ شَخْصًا عَادَتْ فَائِدَتُهُ إلَيْهِ إلَّا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا مَسْأَلَةُ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ فَتُرَدُّ الْأُمُّ إلَى السُّدُسِ لَا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ بَلْ بِوَاسِطَةِ الْأَخَوَيْنِ، وَلَا تَعُودُ فَائِدَةُ حَجْبِهَا إلَيْهِمَا وَالتَّحْقِيقُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ لَا اسْتِثْنَاءَ، فَإِنَّ الْأُمَّ وَإِنْ حُجِبَتْ بِالْأَخَوَيْنِ لَكِنَّهُمَا حُجِبَا بِالْأَبِ فَعَادَتْ فَائِدَةُ الْحَجْبِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ السُّدُسِ بِالتَّعْصِيبِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ انْفِرَادًا وَاجْتِمَاعًا] (الِابْنُ) الْمُنْفَرِدُ (يَسْتَغْرِقُ الْمَالَ وَكَذَا) الِابْنَانِ وَ (الْبَنُونَ) إجْمَاعًا فِي الْجَمِيعِ. تَنْبِيهٌ: اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِالتَّرِكَةِ هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَالِ كَانَ أَوْلَى، وَإِرْثُ الِابْنِ بِالْعُصُوبَةِ، وَقِيلَ: لَا يُسَمَّى عَصَبَةً لِأَنَّ الْعَصَبَةَ مَنْ قَدْ يُحْجَبُ، وَهُوَ لَا يُحْجَبُ. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ (وَلِلْبِنْتِ) الْوَاحِدَةِ (النِّصْفُ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ) وَهَذَا قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَذُكِرَ هُنَا تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (وَلَوْ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالْمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ) أَيْ نَصِيبِ (الْأُنْثَيَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ} [النساء: 11] الْآيَةَ وَإِنَّمَا فَضَّلَ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى لِاخْتِصَاصِهِ بِلُزُومِ مَا لَا يَلْزَمُ الْأُنْثَى مِنْ الْجِهَادِ، وَتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَهُ حَاجَتَانِ حَاجَةٌ لِنَفْسِهِ وَحَاجَةٌ لِزَوْجَتِهِ، وَلِلْأُنْثَى حَاجَةٌ وَاحِدَةٌ لِنَفْسِهَا، بَلْ هِيَ غَالِبًا مُسْتَغْنِيَةٌ بِالتَّزْوِيجِ عَنْ الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى احْتِيَاجَهَا إلَى النَّفَقَةِ وَأَنَّ الرَّغْبَةَ تَقِلُّ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ جَعَلَ لَهَا حَظًّا مِنْ الْإِرْثِ وَأَبْطَلَ حِرْمَانَ الْجَاهِلِيَّةِ لَهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهَا نِصْفَ مَا لِلذَّكَرِ؛ لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ، وَخُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ فِي إخْوَةِ الْأُمِّ فَسَوَّى بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ لِإِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ وَبَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فِيمَا إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 22 وَأَوْلَادُ الِابْنِ إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ، وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ، وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَكَذَا سَائِرُ الْمَنَازِلِ، وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ.   [مغني المحتاج] كَانَ هُنَاكَ ابْنٌ مَثَلًا فَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسَ لِتَعَبِهَا فِي تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ غَالِبًا (وَأَوْلَادُ الِابْنِ) وَإِنْ نَزَلَ (إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ) فِيمَا ذُكِرَ بِالْإِجْمَاعِ لِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَتَهُمْ (فَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ) أَيْ أَوْلَادُ الصُّلْبِ وَأَوْلَادُ الِابْنِ (فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ) مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ (حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ) بِالْإِجْمَاعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرٌ (فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ) فَقَطْ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ (أَوْ) الْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ (الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قِيَاسًا عَلَى أَوْلَادِ الصُّلْبِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ (إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ) تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ. أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لَهَا بِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا فِي الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَلِأَنَّ الْبَنَاتِ لَيْسَ لَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ، فَالْبِنْتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَتَرَجَّحَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ عَلَى بَنَاتِ الِابْنِ بِقُرْبِهَا فَيَشْتَرِكْنَ فِي السُّدُسِ كَالْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ (وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا) أَوْ أَخَذْنَ (الثُّلُثَيْنِ) كَمَا مَرَّ (وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ) بِالسَّوِيَّةِ (أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ) مِنْ وَلَدِ الِابْنِ مَعَ بِنْتَيْ الصُّلْبِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبَهُنَّ) فِي الْبَاقِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إذْ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ ذَكَرٌ وَلَا إسْقَاطُ مَنْ فَوْقَهُ وَإِفْرَادُهُ بِالْمِيرَاثِ مَعَ بُعْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ لَمْ يُفْرَدْ مَعَ قُرْبِهِ، وَأَفْهَمَ تَعْصِيبُهُ لَهُنَّ إذَا كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذَا يُسَمَّى الْأَخَ الْمُبَارَكَ. أَمَّا الْأَعْلَى فَيَسْقُطْنَ بِهِ (وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ (وَكَذَا سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الْمَنَازِلِ) مِنْ كُلِّ دَرَجَةٍ نَازِلَةٍ مَعَ دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ كَأَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ ابْنِ الِابْنِ (وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ) مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ عَنْ إنَاثِهِمْ (مَنْ فِي دَرَجَتِهِ) كَأُخْتِهِ وَبِنْتِ عَمِّهِ فَيُعَصِّبُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَفَضَلَ لَهَا مِنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ أَمْ لَا كَمَا يُعَصِّبُ الِابْنُ الْبَنَاتِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَنْ هِيَ أَسْفَلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُهَا كَمَا مَرَّ (وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ) كَبِنْتِ عَمِّ أَبِيهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثَيْنِ) كَبِنْتَيْ صُلْبٍ وَبِنْتِ ابْنٍ، وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ، فَإِنْ كَانَ لَهَا شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعَصِّبْهَا كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَابْنِ ابْنِ ابْنٍ؛ لِأَنَّ لَهَا فَرْضًا اسْتَغْنَتْ بِهِ عَنْ تَعْصِيبِهِ، وَلَا يُقَالُ: تَأْخُذُ السُّدُسَ وَيُعَصِّبُهَا فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَصَائِصِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 23 فَصْلٌ الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ وَبِتَعْصِيبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ، وَبِهِمَا إذَا كَانَ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا بِالْعُصُوبَةِ. وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْفُرُوضِ وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَالَ الْفَرْضِيُّونَ: لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَنْ يُعَصِّبُ أُخْتَهُ وَعَمَّتَهُ وَعَمَّةَ أَبِيهِ وَجَدَّهُ وَبَنَاتِ أَعْمَامِهِ وَبَنَاتِ أَعْمَامِ أَبِيهِ وَجَدَّهُ إلَّا الْمُسْتَنْزِلَ مِنْ أَوْلَادِ الِابْنِ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ إرْثِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِرْثِ الْأُمِّ] ِّ فِي حَالَةٍ (الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ) فَقَطْ السُّدُسَ كَمَا مَرَّ (إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ) وَارِثٌ وَإِنْ سَفَلَ وَالْبَاقِي لِمَنْ مَعَهُ (وَ) يَرِثُ (بِتَعْصِيبٍ) فَقَطْ (إذَا لَمْ يَكُنْ) مَعَهُ (وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ وَحْدَهُ أَمْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ كَزَوْجَةٍ فَلَهُ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ بِالْعُصُوبَةِ وَإِلَّا أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يُشَارِكُ الْأَبَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَيَرِثُ بِالْفَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُشَرِّكَةِ وَبِالتَّعْصِيبِ فِي غَيْرِهَا (وَ) يَرِثُ (بِهِمَا) أَيْ: الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (إذَا كَانَ) مَعَهُ (بِنْتٌ) مُفْرَدَةٌ أَوْ كَانَ مَعَهَا بِنْتٌ أُخْرَى فَأَكْثَرُ (أَوْ بِنْتُ ابْنٍ) وَإِنْ سَفَلَ مُفْرَدَةٌ أَوْ مَعَهَا بِنْتُ ابْنٍ أُخْرَى أَوْ بِنْتَا ابْنٍ فَأَكْثَرُ (لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا) لِأَنَّ لَفْظَ الْوَلَدِ فِي الْآيَةِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَلَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ لَصَحَّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أَوْ بِنْتَا ابْنٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا) أَيْ: الْأَبِ وَالْبِنْتِ أَوْ الْأَبِ وَبِنْتِ الِابْنِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذُكِرَ، وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ لَهُ يَأْخُذُهُ (بِالْعُصُوبَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَأَوْلَى بِمَعْنَى أَقْرَبَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَحَقَّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبْهَامِ وَالْجَهَالَةِ فَلَا يَبْقَى لِلْكَلَامِ مَعْنًى. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ، وَقَدْ يَجْمَعُ الزَّوْجُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ، لَكِنْ هَذَا خَرَجَ بِقَوْلِنَا فِيمَا مَرَّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ هَذَا بِجِهَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَإِنَّهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي) فَصْلِ (الْفُرُوضِ) الْمُقَدَّرَةِ، وَأَعَادَهُ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ) فَرْضِ (الزَّوْجِ أَوْ) فَرْضِ (الزَّوْجَةِ) لَا ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ إظْهَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخِلَافَ قَائِلًا بِأَنَّ لَهَا الثُّلُثَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لَوْ انْفَرَدَا اقْتَسَمَا الْمَالَ أَثْلَاثًا، فَإِذَا اجْتَمَعَا مَعَ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ اقْتَسَمَا الْفَاضِلَ كَذَلِكَ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ، فَلِلزَّوْجِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مِنْ اثْنَيْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي ثُلُثُهُ لِلْأُمِّ وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ، وَأَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 24 وَالْجَدُّ كَالْأَبِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْجَدُّ يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَالْأَبُ يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ وَلَا يُسْقِطُهَا الْجَدُّ وَالْأَبُ فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ. وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَكَذَا الْجَدَّاتُ   [مغني المحتاج] صَحِيحٌ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى سِتَّةٌ فَتَكُونُ مِنْ سِتَّةٍ فَهِيَ تَأْصِيلٌ لَا تَصْحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَصْلَيْنِ الزَّائِدَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي، قَالُوا: وَإِنَّمَا عَبَّرُوا عَنْ حِصَّتِهَا فِيهِمَا بِثُلُثِ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهَا أَخَذَتْ فِي الْأُولَى السُّدُسَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرُّبُعَ تَأَدُّبًا مَعَ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَيُلَقَّبَانِ بِالْغَرَّاوَيْنِ لِشُهْرَتِهِمَا تَشْبِيهًا لَهُمَا بِالْكَوْكَبِ الْأَغَرِّ وَبِالْعُمْرِيَّتَيْنِ لِقَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهِمَا بِمَا ذُكِرَ وَبِالْغَرِيبَتَيْنِ لِغَرَابَتِهِمَا (وَالْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ (كَالْأَبِ) عِنْدَ عَدَمِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَغَيْرِهِ (إلَّا أَنَّ الْأَبَ) يُفَارِقُهُ فِي أَنَّهُ (يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ) لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ (وَالْجَدُّ) لَا يُسْقِطُهُمْ بَلْ (يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَبُ) يُفَارِقُ الْجَدَّ أَيْضًا فِي أَنَّهُ (يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِهِ (وَلَا يُسْقِطُهَا) أَيْ: أُمَّ نَفْسِ الْأَبِ (الْجَدُّ) لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَالشَّخْصُ لَا يُسْقِطُ زَوْجَةَ نَفْسِهِ، فَالْأَبُ وَالْجَدُّ سِيَّانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ (وَالْأَبُ) يُفَارِقُ الْجَدَّ فِيمَا سَبَقَ (فِي) مَسْأَلَتَيْ (زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ) فَإِنَّ الْأَبَ فِيهِمَا (يَرُدُّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي، وَلَا يَرُدُّهَا الْجَدُّ) بَلْ تَأْخُذُ مَعَهُ الثُّلُثَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يُسَاوِيهَا فِي الدَّرَجَةِ فَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْأَبِ. تَنْبِيهٌ: فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّتَانِ، وَمَعَ أَبِي الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ، وَمَعَ جَدِّ الْجَدِّ أَرْبَعٌ، وَهَكَذَا كُلَّمَا عَلَا الْجَدُّ دَرَجَةً زَادَ فِيمَنْ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّةٌ تَنْبِيهٌ: لَا يَنْحَصِرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلْ يُفَارِقُهُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّتَانِ، وَمَعَ أَبِي الْجَدِّ ثَلَاثَةٌ، وَمَعَ جَدِّ الْجَدِّ أَرْبَعٌ، وَهَكَذَا كُلَّمَا عَلَا الْجَدُّ دَرَجَةً زَادَ فِيمَنْ يَرِثُ مَعَهُ جَدَّةٌ. (وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ) كَمَا مَرَّ، وَذَكَرَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (وَكَذَا الْجَدَّاتُ) يَعْنِي: الْجَدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلْجَدَّتَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ بِالسُّدُسِ» وَسَوَاءٌ اسْتَوَيْنَ فِي الْإِدْلَاءِ أَمْ زَادَتْ إحْدَاهُمَا بِجِهَةٍ: مِثَالُهُ فِي ذَاتِ جِهَتَيْنِ تَزَوَّجَ ابْنُ ابْنِ هِنْدٍ بِبِنْتِ بِنْتِهَا فَأَتَى مِنْهَا بِوَلَدٍ فَهِنْدٌ أُمُّ أُمِّ أُمِّ الْوَلَدِ، وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ فَهِيَ جَدَّةٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَهِيَ ذَاتُ جِهَتَيْنِ فَإِذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ عَنْهَا وَعَنْ أُمِّ أُمِّ أَبِيهِ وَهِيَ ذَاتُ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَفْضُلُ هِنْدٌ عَلَيْهَا، بَلْ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ بِاعْتِبَارِ الْأَبْدَانِ وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْطَى السُّدُسَ لِثَلَاثِ جَدَّاتٍ» وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 25 وَتَرِثُ مِنْهُنَّ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ وَكَذَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَضَابِطُهُ كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِمَحْضِ إنَاثٍ أَوْ ذُكُورٍ أَوْ إنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ تَرِثُ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ فَلَا.   [مغني المحتاج] إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ (وَتَرِثُ مِنْهُنَّ) جَزْمًا (أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ) كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ (وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ) أَيْ: الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ (وَكَذَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُنَّ جَدَّاتٌ يُدْلِينَ بِوَارِثٍ فَيَرِثْنَ كَأُمِّ الْأَبِ. وَالثَّانِي: لَا يَرِثْنَ لِإِدْلَائِهِنَّ بِجَدٍّ فَأَشْبَهْنَ أُمَّ أَبِي الْأُمِّ (وَضَابِطُهُ) أَيْ إرْثِ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ، هُوَ (كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ) أَيْ وَصَلَتْ (بِمَحْضِ إنَاثٍ) كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ (أَوْ ذُكُورٍ) كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ (أَوْ إنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ) كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ (تَرِثُ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ) كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ (فَلَا) تَرِثُ كَمَا لَا يَرِثُ ذَلِكَ الذَّكَرُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْرِفَةِ بَيَانِ إرْثِ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ إذَا تَعَدَّدْنَ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ جَدَّاتٌ فَالْوَارِثُ مِنْهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاحِدَةٌ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّعَدُّدُ فِي الَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَيَتَعَدَّدُ ذَلِكَ بِتَعَدُّدِ الدَّرَجَةِ، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى مِنْكَ أَبُوكَ وَأُمُّكَ، ثُمَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَبٌ وَأُمٌّ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ هُمْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ هُمْ الدَّرَجَةُ الْأُولَى مِنْ دَرَجَاتِ الْجُدُودَةِ ثُمَّ أُصُولُك فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ ثَمَانِيَةٌ، وَفِي الرَّابِعَةِ سِتَّةَ عَشَرَ، وَفِي الْخَامِسَةِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَهَكَذَا، فَإِذَا وَصَلْت إلَى الْعَاشِرَةِ كَانَ فِيهَا أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ جَدَّةً، وَالنِّصْفُ مِنْ الْأُصُولِ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ ذُكُورٌ وَالنِّصْفُ إنَاثٌ وَهُنَّ الْجَدَّاتُ، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْأُصُولِ جَدَّتَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ أَرْبَعٌ، وَفِي الرَّابِعَةِ ثَمَانٍ، وَفِي الْخَامِسَةِ سِتَّةَ عَشْرَ، وَفِي الْعَاشِرَةِ خَمْسُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ جَدَّةً، ثُمَّ مِنْهُنَّ وَارِثَاتٌ وَغَيْرُ وَارِثَاتٍ، فَإِذَا سُئِلْتَ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْجَدَّاتِ الْوَارِثَاتِ عَلَى أَقْرَبِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْمَنَازِلِ فَاجْعَلْ دَرَجَتَهُنَّ بِعَدَدِ السُّؤَالِ عَنْهُ، وَمَحْضُ نِسْبَةِ الْأُولَى إلَى الْمَيِّتِ أُمَّهَاتٌ ثُمَّ أَبْدِلْ مِنْ آخِرِ نِسْبَةِ الثَّانِيَةِ أُمًّا بِأَبٍ وَفِي آخِرِ نِسْبَةِ الثَّالِثَةِ أُمَّيْنِ بِأَبَوَيْنِ، وَهَكَذَا تَنْقُصُ مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَتَزِيدُ فِي الْآبَاءِ حَتَّى يَتَمَحَّضَ نِسْبَةُ الْأَخِيرَةِ أَبًا، مِثَالُهُ: إذَا سَأَلْتَ عَنْ عَشْرِ جَدَّاتٍ وَارِثَاتٍ فَاجْعَلْ دَرَجَتَهُنَّ عَشَرَةً. الْأُولَى: مُدْلِيَةٌ بِالْأُمُومَةِ، وَهِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمٍّ. الثَّانِيَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ. الثَّالِثَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبٍ. الرَّابِعَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبٍ. الْخَامِسَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ. السَّادِسَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ. السَّابِعَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ. الثَّامِنَةُ: أُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ. التَّاسِعَةُ: أُمُّ أُمِّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ. الْعَاشِرَةُ: أُمُّ أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبِي أَبٍ، ثُمَّ الْوَارِثَاتُ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْأُصُولِ بِعَدَدِ تِلْكَ الدَّرَجَةِ، فَفِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ اثْنَتَانِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ثَلَاثٌ، وَفِي الرَّابِعَةِ أَرْبَعٌ، وَفِي الْخَامِسَةِ خَمْسٌ وَهَكَذَا فِي كُلِّ دَرَجَةٍ لَا تَزِيدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 26 فَصْلٌ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إنْ انْفَرَدُوا وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَكَذَا إنْ كَانُوا لِأَبٍ إلَّا فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَا أُمٍّ وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، فَيُشَارِكُ الْأَخُ وَلَدَيْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ،   [مغني المحتاج] إلَّا وَارِثَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ تَضَاعَفَ عَدَدُهُنَّ فِي كُلِّ دَرَجَةٍ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْجَدَّاتِ مَا بَلَغْنَ نِصْفَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَنِصْفَهُنَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، فَإِذَا صَعِدَتْ دَرَجَةً تَبَدَّلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِأُمِّهَا وَزَادَتْ أُمُّ الْجَدِّ الَّذِي صَعِدَتْ إلَيْهِ. [فَصْلٌ فِي إرْثِ الْحَوَاشِي] (الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إنْ انْفَرَدُوا) عَنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ (وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ) فَلِلذَّكَرِ الْوَاحِدِ فَأَكْثَرَ كُلُّ الْمَالِ، وَلِلْأُنْثَى النِّصْفُ وَلِلثِّنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الصِّنْفَيْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَكَذَا إنْ كَانُوا) أَيْ: الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ (لِأَبٍ) وَانْفَرَدُوا عَنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبَوَيْنِ وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ (إلَّا) أَيْ لَكِنْ (فِي الْمُشَرَّكَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ بِخَطِّهِ أَيْ: الْمُشَرَّكِ فِيهَا بَيْنَ الشَّقِيقِ وَوَلَدَيْ الْأُمِّ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا بِمَعْنَى فَاعِلَةِ التَّشْرِيكِ (وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ) أَوْ جَدَّةٌ (وَوَلَدَا أُمٍّ) فَصَاعِدًا (وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ) فَأَكْثَرُ (فَيُشَارِكُ الْأَخُ) الشَّقِيقُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مَنْ يُسَاوِيهِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ (وَلَدَيْ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ) بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَرَابَةِ الَّتِي وَرِثُوا بِهَا الْفَرْضَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ أَوْلَادُ الْأُمِّ بَعْضُهُمْ ابْنَ عَمٍّ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَإِنْ سَقَطَتْ عُصُوبَتُهُ، وَتُسَمَّى هَذِهِ أَيْضًا بِالْحِمَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَرَمَ الْأَشِقَّاءَ فَقَالُوا: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا أَلَسْنَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ؟ فَشَرَّكَ بَيْنَهُمْ وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ أَنَّ زَيْدًا هُوَ الْقَائِلُ: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا أَمَا زَادَهُمْ الْأَبُ إلَّا قُرْبًا، وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هُوَ الْقَائِلُ ذَلِكَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَضَى بِهَا مَرَّةً فَلَمْ يُشَرِّكْ، ثُمَّ قَضَى فِي الْعَامِ الثَّانِي فَشَرَّكَ فَقِيلَ: إنَّك أَسْقَطْتَهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي فَقَالَ: ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. وَتُسَمَّى الْمِنْبَرِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَرُوِيَ هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حَجَرًا مُلْقًى فِي الْيَمِّ، فَعَلَى هَذَا تُسَمَّى الْحَجَرِيَّةَ وَالْيَمِّيَّةَ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ سِتَّةٌ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْأَخِ مَنْ يُسَاوِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ صَحَّتْ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا (وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ) لِأَبَوَيْنِ (أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَرَابَةُ أُمٍّ يُشَارِكُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ بَدَلَهُ أُخْتٌ لِأَبٍ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ وَعَالَتْ، وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فُرِضَ لَهُمَا أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَأُعِيلَتْ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ وَأَسْقَطَهُنَّ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ هَذَا الْأَخَ الْمَشْئُومَ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الشَّقِيقِ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فُرِضَ لَهَا النِّصْفُ أَوْ ثِنْتَانِ فَأَكْثَرُ فُرِضَ لَهُمَا أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ أَوْ خُنْثَى شَقِيقٌ فَبِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ هِيَ الْمُشَرَّكَةُ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَمَا مَرَّ، وَبِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ تَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا تَدَاخُلٌ، فَيَصِحَّانِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 27 وَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ صُلْبٍ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ، وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا، وَلِلْوَاحِدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ، وَلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ. وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ،   [مغني المحتاج] ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَإِلَّا ضَرَّ فِي حَقِّهِ ذُكُورَتُهُ وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ، وَيَسْتَوِي فِي حَقِّ وَلَدَيْ الْأُمِّ الْأَمْرَانِ، فَإِذَا قُسِمَتْ يَفْضُلُ أَرْبَعَةٌ مَوْقُوفَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى أَخَذَهَا أَوْ ذَكَرًا أَخَذَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ وَاحِدًا (وَلَوْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ) مِنْ الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ وَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ (فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ) فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ، وَلَوْ مَعَ أُنْثَى حَجَبَ أَوْلَادَ الْأَبِ أَوْ أُنْثَى فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِأَوْلَادِ الْأَبِ الذُّكُورِ فَقَطْ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِ الْأَبِ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ اثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرُ فَلَهُمَا، أَوْ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الْأَبِ الذُّكُورِ فَقَطْ أَوْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الْخُلَّصِ مِنْهُمَا مَعَ الْأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَأَكْثَرَ (إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ) مِنْهُنَّ كَمَا مَرَّ (وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا) لَا ابْنُ الْأَخِ وَلَا ابْنُ الْعَمِّ، فَلَوْ خَلَّفَ شَخْصٌ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَابْنَ أَخٍ لِأَبٍ فَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْأَخِ، وَلَا يُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِأَنَّهُ لَا يُعَصِّبُ أُخْتَهُ فَلَا يُعَصِّبُ عَمَّتَهُ، وَأَيْضًا ابْنُ الِابْنِ يُسَمَّى ابْنًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَابْنُ الْأَخِ لَا يُسَمَّى أَخًا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ اجْتَمَعَ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ وَلِأُمٍّ، وَحُكْمُهُمْ أَنَّ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ إنَاثًا كَانَ لِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلَّتِي لِلْأَبِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَلِلَّتِي لِلْأُمِّ السُّدُسُ (وَلِلْوَاحِدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ، وَلِاثْنَيْنِ) مِنْهُمْ (فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ) بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ بِالرَّحِمِ فَاسْتَوَوْا كَالْأَبَوَيْنِ مَعَ الْوَلَدِ فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الثُّلُثِ، وَبِهَذَا فَارَقُوا الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْفَرْضِيُّونَ: أَوْلَادُ الْأُمِّ يُخَالِفُونَ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: ذَكَرُهُمْ يُدْلَى بِأُنْثَى وَيَرِثُ. ثَانِيهَا: يَحْجُبُونَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ حَجْبَ نُقْصَانٍ. ثَالِثُهَا: يَرِثُونَ مَعَ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ. رَابِعُهَا: تَقَاسُمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. خَامِسُهَا: ذَكَرُهُمْ الْمُنْفَرِدُ كَأُنْثَاهُمْ الْمُنْفَرِدَةِ. وَلَمَّا سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ فِي اجْتِمَاعِ الْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ أَشَارَ هُنَا إلَى الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ فَقَالَ: (وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِمَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ.» قَالَ الْإِمَامُ: وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِنْتَانِ أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ وَأَخَوَاتٌ أَخَذَ الْبَنَاتُ أَوْ بَنَاتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 28 فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَيَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ. وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ كَأَخِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا   [مغني المحتاج] الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ، فَلَوْ فَرَضْنَا لِلْأَخَوَاتِ، وَأَعَلْنَا الْمَسْأَلَةَ نَقَصَ نَصِيبُ الْبَنَاتِ، أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ، فَاسْتَبْعَدُوا أَنْ تُزَاحِمَ الْأَخَوَاتُ الْأَوْلَادَ أَوْ أَوْلَادَ الِابْنِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُهُنَّ فَجَعَلَ عَصَبَاتٍ لِيَدْخُلَ النَّقْصُ عَلَيْهِنَّ خَاصَّةً. ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَةَ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِقَوْلِهِ: (فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ) اجْتَمَعَتْ (مَعَ الْبِنْتِ) أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ مَعَهُمَا الْإِخْوَةَ وَ (الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ) كَمَا يُسْقِطُهُمْ الْأَخُ الشَّقِيقُ. تَنْبِيهٌ: وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ بَدَلَ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ: أَوْلَادَ الْأَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ أَخٌ شَقِيقٌ عَصَّبَهَا وَكَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مُخَالَفَةُ أَصْلِ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفَ مَا لِلْأُنْثَى وَلِأَنَّ تَعْصِيبَهَا إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ (وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ) حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ (كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا) فَيَسْتَغْرِقُ الْوَاحِدُ أَوْ الْجَمْعُ مِنْهُمْ الْمَالَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْفُرُوضِ، وَعِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ يُسْقِطُ ابْنُ الشَّقِيقِ ابْنَ الْأَخِ لِلْأَبِ (لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ) أَيْ: آبَاءَهُمْ (فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ) مِنْ الثُّلُثِ (إلَى السُّدُسِ) بِخِلَافِ آبَائِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهَا الثُّلُثَ حَيْثُ لَا إخْوَةَ، وَهَذَا الِاسْمُ لَا يَصْدُقُ عَلَى بَنِيهِمْ كَمَا مَرَّ (وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ) بَلْ يَسْقُطُونَ بِهِ وَآبَاؤُهُمْ يَرِثُونَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ كَالْأَخِ بِدَلِيلِ تَقَاسُمِهِمَا إذَا اجْتَمَعَا، وَإِذَا كَانَ كَالْأَخِ فَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ مَعَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ (وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَيَسْقُطُونَ فِي الْمُشَرَّكَةِ) بِخِلَافِ آبَائِهِمْ الْأَشِقَّاءِ؛ لِأَنَّ مَأْخَذَ التَّشْرِيكِ قَرَابَةُ الْأُمِّ، وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِي ابْنِ الْأَخِ، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ مُخْتَصَّةٌ بِبَنِي الْإِخْوَةِ لِلْأَبَوَيْنِ كَمَا قَرَّرْتُهُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَبَنِيهِمْ سِيَّانِ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَزَادَ فِي الرَّوْضَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ أُخَرَ: الْأُولَى: الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأَوْلَادُهُمْ لَا يَحْجُبُونَهُمْ الثَّانِيَةُ: الْأَخُ لِلْأَبِ يَحْجُبُ ابْنَ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنُهُ لَا يَحْجُبُهُ. الثَّالِثَةُ: بَنُو الْإِخْوَةِ لَا يَرِثُونَ مَعَ الْأَخَوَاتِ إذَا كُنَّ عَصَبَاتٍ مَعَ الْبَنَاتِ. فَائِدَةٌ: الْإِخْوَةُ وَالْإِخْوَانُ: جَمْعُ أَخٍ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَخُو النَّسَبِ، وَأَخُو الصَّدَاقَةِ. وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: الْإِخْوَةُ فِي النَّسَبِ وَالْإِخْوَانُ فِي الْأَصْدِقَاءِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ كُلٌّ يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا. (وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ) حُكْمُهُ فِي الْإِرْثِ (كَالْأَخِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا) مَنْصُوبَانِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: فِي الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ، فَمَنْ انْفَرَدَ مِنْهُمَا اسْتَغْرَقَ الْمَالَ وَإِلَّا أَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَإِذَا اجْتَمَعَا سَقَطَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 29 وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ وَسَائِرِ عَصَبَةِ النَّسَبِ، وَالْعَصَبَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ، فَيَرِثُ الْمَالَ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ.   [مغني المحتاج] الْعَمُّ لِأَبٍ بِالْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ كَأَخٍ مِنْ أَبٍ مَعَ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ، هَذَا عِنْدَ عَدَمِ بَنِي الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُمْ يَحْجُبُونَهُمْ لِتَأَخُّرِ رُتْبَتِهِمْ عَنْهُمْ (وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنْ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَمِّ كَبَنِي الْإِخْوَةِ (وَ) كَذَا قِيَاسُ (سَائِرِ) أَيْ: بَاقِي (عَصَبَةِ النَّسَبِ) كَبَنِي بَنِي الْعَمِّ وَبَنِي بَنِي الْإِخْوَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَنُو الْأَخَوَاتِ اللَّوَاتِي هُنَّ عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ مَعَ أَنَّ بَنِيهِنَّ لَيْسُوا مِثْلَهُنَّ، وَهُنَّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ (وَالْعَصَبَةُ) وَيُسَمَّى بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَهُ الْمُطَرِّزِيُّ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ جَمْعُ عَاصِبٍ، وَمَعْنَى الْعَصَبَةِ لُغَةً قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ، وَشَرْعًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَنْ لَيْسَ لَهُ) حَالَ التَّعْصِيبِ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ (سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ) الْوَرَثَةِ (الْمُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ) وَغَيْرِهِمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْتُ الْمُقَدَّرَ بِجِهَةِ التَّعْصِيبِ لِئَلَّا يَرِدَ ابْنُ عَمٍّ هُوَ زَوْجٌ أَوْ أَخٌ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فَرْضًا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ بَلْ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ أُخُوَّةِ الْأُمِّ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ، وَأَدْخَلْتُ فِي كَلَامِهِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، إذْ الصَّحِيحُ فِي تَوْرِيثِهِمْ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُمْ يُنَزِّلُونَ كُلًّا مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ، وَهُمْ يَنْقَسِمُونَ إلَى ذَوِي فَرْضٍ وَعَصَبَاتٍ. تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الرِّجَالِ عَصَبَةٌ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ النِّسَاءِ ذَاتُ فَرْضٍ إلَّا الْمُعْتِقَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ تَعْرِيفِ الْعَصَبَةِ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: (فَيَرِثُ الْمَالَ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي صُورَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَيْتُ الْمَالِ (أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ) أَوْ الْفَرْضِ، إنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذُو فُرُوضٍ أَيْ: سَهْمٍ مُقَدَّرٍ وَلَمْ يَنْتَظِمْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ بَيْتُ الْمَالِ وَكَانَ ذُو الْفَرْضِ فِيهَا أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ لَهُ فَرْضٌ، وَمِنْ حُكْمِ الْعَاصِبِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ الْفُرُوضِ كَمَا سَبَقَ إلَّا إذَا انْقَلَبَ إلَى فَرْضٍ كَالشَّقِيقِ فِي الْمُشَرَّكَةِ، وَمِنْ حُكْمِهِ أَيْضًا أَنَّ قَرِيبَ الْجِهَةِ فِيهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَرِيبِ لِلْمَيِّتِ، فَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ عَمٍّ، فَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. تَنْبِيهٌ: وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ هُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: فَيَرِثُ الْمَالَ صَادِقٌ بِالْعَصَبَةِ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَبِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مَعًا، وَالْعَصَبَةُ بِغَيْرِهِ هُنَّ الْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ غَيْرُ وَلَدِ الْأُمِّ مَعَ أَخِيهِنَّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا فَضَلَ إلَخْ صَادِقٌ بِذَلِكَ، وَبِالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ، وَهُنَّ الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الِابْنِ، فَلَيْسَ لَهُنَّ حَالٌ يَسْتَغْرِقْنَ فِيهَا الْمَالَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ وَالْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ لُحْمَةَ عَصَبَةٍ بِخِلَافِ الثَّانِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 30 فَصْلٌ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ أَوْ الْفَاضِلُ عَنْ الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصَبَتِهِ بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ، وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ لَكِنْ الْأَظْهَرُ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ وَابْنَ أَخِيهِ يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ] ِ (مَنْ) مَاتَ (وَلَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كُلُّهُ لِمُعْتِقِهِ (أَوْ الْفَاضِلُ) مِنْهُ (عَنْ) الْفَرْضِ أَوْ (الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ) الْمُعْتِقُ (أَوْ امْرَأَةً) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَلِأَنَّ الْإِنْعَامَ بِالْإِعْتَاقِ مَوْجُودٌ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَاسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنَّمَا قُدِّمَ النَّسَبُ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ حَدِيثُ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» شُبِّهَ بِهِ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ مُعْتِقٌ (فَلِعَصَبَتِهِ) أَيْ الْمُعْتِقِ (بِنَسَبٍ الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ) كَابْنِهِ وَأَخِيهِ (لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ) وَلَوْ مَعَ أَخَوَيْهِمَا الْمُعَصِّبَيْنِ لَهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَلَا لِلْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ أَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ مِنْ النَّسَبِ الْمُتَرَاخِي، وَإِذَا تَرَاخَى النَّسَبُ وَرِثَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ كَبَنِي الْأَخِ وَبَنِي الْعَمِّ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْأَخِ وَبِنْتُ الْعَمِّ فَبِنْتُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى أَنْ لَا تَرِثَ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنْهُمَا، وَالْمُعْتَبَرُ أَقْرَبُ عَصَبَاتِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَتِيقِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَوَلَاؤُهُ لِابْنِ الْمُعْتِقِ دُونَ ابْنِ ابْنِهِ. تَنْبِيهٌ: الْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْوَلَاءُ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ، إذْ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ الْوَلَاءُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثُوا. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَتَلَخَّصُ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ لَهُمْ مَعَهُ، لَكِنْ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِيمَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لَهُ كَإِرْثِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ لَا بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ (وَتَرْتِيبُهُمْ) أَيْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ (كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ) فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ وَإِنْ عَلَا، وَهَكَذَا (لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَابْنَ أَخِيهِ) لَهُمَا (يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ) جَرْيًا عَلَى الْقِيَاسِ فِي أَنَّ الْبُنُوَّةَ أَقْوَى مِنْ الْأُبُوَّةِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي النَّسَبِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الْأَخَ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّ، وَلَا إجْمَاعَ فِي الْوَلَاءِ فَصِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ كَالنَّسَبِ، وَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْعَمِّ وَأَبِي الْجَدِّ، وَفِي كُلِّ عَمٍّ اجْتَمَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 31 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ. وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ. فَصْلٌ إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ   [مغني المحتاج] مَعَ جَدٍّ إذَا أَدْلَى الْعَمُّ بِأَبٍ دُونَ ذَلِكَ الْجَدِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَذَا فِي ابْنِ الْعَمِّ مَعَ أَبِي الْجَدِّ، وَيُفَارِقُ الْعِتْقُ أَيْضًا النَّسَبَ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَا عَمٍّ: أَحَدُهُمَا: أَخٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَرْضِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ فِي النَّسَبِ يَرِثُ فَأُعْطِيَ فَرْضَهُ وَاسْتَوَيَا فِي الْبَاقِي بِالْعُصُوبَةِ، وَفِي الْوَلَاءِ لَا يَرِثُ بِالْفَرْضِ، فَرُجِّحَ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ لِتَمَحُّضِهَا لِلتَّرْجِيحِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْمُعْتِقِ (عَصَبَةٌ) مِنْ النَّسَبِ (فَلِمُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتِهِ) أَيْ عَصَبَةِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ. (وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ مَنْ أَعْتَقَتْهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشْعِرُ قَوْلُهُ: مُعْتَقَهَا إخْرَاجَ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهَا مِنْ أُصُولِهَا أَوْ فُرُوعِهَا بِالْمِلْكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ لَهَا وَلَاؤُهُ اتِّفَاقًا (أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ) أَيْ: مُعْتَقِهَا (بِنَسَبٍ) كَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ وَلَاءٍ) كَمُعْتَقِهِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، وَيَشْرَكُهَا الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَصَبَةَ مُعْتِقٍ مِنْ النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: اشْتَرَتْ بِنْتٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ لَهُ ثُمَّ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى فِي التَّنْبِيهِ صُورَةً ثَالِثَةً، وَهِيَ جَرُّ الْوَلَاءِ إلَيْهَا. وَصُورَتُهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُهَا بِمُعْتَقَةٍ لِرَجُلٍ فَيَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا وَهُوَ أَبُو الْوَلَدِ جَرَّ الْأَبُ وَلَاءَ الْوَلَدِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَلَوْ اشْتَرَتْ بِنْتٌ أَبَاهَا فَعَتَقَ عَلَيْهَا ثُمَّ اشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ عَنْهَا وَعَنْ ابْنٍ لَهُ ثُمَّ عَتِيقُهُ عَنْهُمَا فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةُ مُعْتِقٍ مِنْ النَّسَبِ وَالْبِنْتَ مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ، وَالْأَوَّلُ أَقْوَى، وَتُسَمَّى هَذِهِ مَسْأَلَةَ الْقُضَاةِ لِمَا قِيلَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ غَيْرُ الْمُتَفَقِّهَةِ حَيْثُ جَعَلُوا الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ، وَغَفَلُوا عَنْ كَوْنِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مِنْ النَّسَبِ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، وَلَا مِيرَاثَ لِمُعْتِقِ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ إلَّا لِمُعْتِقِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ. [فَصْلٌ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ] ِ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: (إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 32 وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ   [مغني المحتاج] أَوْ أَبُوهُ (وَإِخْوَةٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا (وَأَخَوَاتٌ) فَإِنْ كَانُوا لِأُمٍّ سَقَطُوا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 33 لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ،   [مغني المحتاج] الْحَجْبِ، وَإِنْ كَانُوا (لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) لَمْ يَسْقُطُوا بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 34 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ خَطِيرٌ فِي الْفَرَائِضِ، وَمَسَائِلُهُ كَثِيرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 35 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَكَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهَا، وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ: " أَجْرَؤُكُمْ عَلَى قَسْمِ الْجَدِّ أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْتَحِمَ جَرَاثِيمَ جَهَنَّمَ فَلْيَقْضِ فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ مِنْ عَصَبَاتِكُمْ، وَلَا تَسْأَلُونِي عَنْ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لَا حَيَّاهُ اللَّهُ وَلَا بَيَّاهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَوَّلُ مَنْ وَرَّثَ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ثُمَّ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا تُسْقِطُ الْجَدَّ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُخَالِفْ إلَّا فِرْقَةٌ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 36 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَمُقَاسَمَتُهُمْ كَأَخٍ، فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالْمُقَاسَمَةِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ   [مغني المحتاج] الْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ فَيَحْجُبُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُسَمَّى أَبًا وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ كَالْأَبِ فَأَسْقَطَ الْإِخْوَةَ. وَالْمَذْهَبِ الثَّانِي: أَنَّهُ يُشَارِكُ الْإِخْوَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو) أَيْ صَاحِبُ (فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ) جَمِيعِ (الْمَالِ، وَ) مِنْ (مُقَاسَمَتِهِمْ كَأَخٍ) . أَمَّا أَخْذُ الثُّلُثِ فَلِأَنَّ لَهُ مَعَ الْأُمِّ مِثْلَيْ مَالِهَا، وَالْإِخْوَةُ لَا يُنْقِصُونَهَا عَنْ السُّدُسِ فَلَا يُنْقِصُونَهُ عَنْ مِثْلَيْهِ وَلِأَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يُنْقِصُونَ أَوْلَادَ الْأُمِّ عَنْ الثُّلُثِ، فَبِالْأَوْلَى الْجَدُّ لِأَنَّهُ يَحْجُبُهُمْ. وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِأَنَّهُ كَالْأَخِ فِي إدْلَائِهِ بِالْأَبِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَأَخَذَ بِأَكْثَرِهِمَا. فَإِنْ اسْتَوَى لَهُ الْأَمْرَانِ، فَالْفَرْضِيُّونَ يُعَبِّرُونَ فِيهِ بِالثُّلُثِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَمُقْتَضَى التَّشْبِيهِ: أَنَّ لَهُ مَعَ الْأَخَوَاتِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فِيمَا إذَا كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي خَمْسِ صُوَرٍ: أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، وَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ فِيمَا إذَا زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ، وَلَا تَنْحَصِرُ صُوَرُهُ فِي عَدَدٍ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِخَمْسِ أَخَوَاتٍ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ أَوْ ثَلَاثِ أَخَوَاتٍ وَأَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ، وَيَسْتَوِي لَهُ الثُّلُثُ وَالْمُقَاسَمَةُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَخَوَانِ أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ (فَإِنْ أَخَذَ) الْجَدُّ (الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ جَدٌّ (وَإِنْ كَانَ) مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ يُتَصَوَّرُ إرْثُهُ مَعَهُمْ وَهُوَ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّاتُ وَالزَّوْجَانِ (فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ، وَ) مِنْ (ثُلُثِ الْبَاقِي) بَعْدَ الْفَرْضِ (وَ) مِنْ (الْمُقَاسَمَةِ) بَعْدَ الْفَرْضِ. أَمَّا السُّدُسُ: فَلِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ مَعَ الْأَوْلَادِ فَمَعَ الْإِخْوَةِ أَوْلَى، وَأَمَّا ثُلُثُ الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ لَأَخَذَ جَمِيعَ ثُلُثِ الْمَالِ، فَإِذَا خَرَجَ قَدْرُ الْفَرْضِ مُسْتَحَقًّا أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي وَكَأَنَّ الْفَرْضَ تَلِفَ مِنْ الْمَالِ. وَأَمَّا الْمُقَاسَمَةُ فَلِمَا سَبَقَ مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أَخٍ، وَضَابِطُ مَعْرِفَةِ الْأَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْفَرْضُ نِصْفًا فَمَا دُونَهُ، فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كَانَ لِإِخْوَةٍ دُونَ مِثْلَيْهِ، وَإِنْ زَادُوا عَلَى مِثْلَيْهِ فَثُلُثُ الْبَاقِي أَغْبَطُ، وَإِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ اسْتَوَيَا، وَقَدْ تَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ ثُلُثَيْنِ فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ إنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ وَإِلَّا فَلَهُ السُّدُسُ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ بَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ كَنِصْفٍ وَثُمُنٍ، فَالْقِسْمَةُ أَغْبَطُ مَعَ أُخْتٍ أَوْ أَخٍ أَوْ أُخْتَيْنِ، فَإِنْ زَادُوا فَلَهُ السُّدُسُ (وَقَدْ لَا يَبْقَى) بَعْدَ الْفَرْضِ (شَيْءٌ) لِلْجَدِّ (كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ بِسَهْمِ بَقِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 37 فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ، وَقَدْ يَبْقَى دُونَ سُدُسٍ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ وَتُعَالُ، وَقَدْ يَبْقَى سُدُسٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ وَيُعَدُّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِ أَوْلَادَ الْأَبِ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِذَا أَخَذَ حِصَّتَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ فَالْبَاقِي لَهُمْ وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ.   [مغني المحتاج] فَرْضِ مَنْ نَقَصَ فَرْضُهُ، وَحِينَئِذٍ (فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ) اثْنَانِ (وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ) إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ (وَقَدْ يَبْقَى) لِلْجَدِّ بَعْدَ الْفَرْضِ (دُونَ سُدُسٍ: كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ، هِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ: لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ ثَلَاثَةٌ، يَبْقَى لِلْجَدِّ سَهْمٌ (فَيُفْرَضُ لَهُ) سُدُسٌ (وَتُعَالُ) الْمَسْأَلَةُ بِوَاحِدٍ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ (وَقَدْ يَبْقَى) لِلْجَدِّ (سُدُسٌ: كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ) مَعَ جَدٍّ وَإِخْوَةٍ، هِيَ مِنْ سِتَّةٍ: لِلْبِنْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُمِّ وَاحِدٌ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ (فَيَفُوزُ بِهِ الْجَدُّ وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ) وَالْأَخَوَاتُ (فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ) الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَ الْمَالُ أَهْلَ الْفَرْضِ (وَلَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ) بِالْوَاوِ بِلَا أَلِفٍ قَبْلَهَا، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ بِأَوْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَالْكَلَامَ هُنَا فِي اجْتِمَاعِهِمَا، وَحِينَئِذٍ (فَحُكْمُ الْجَدِّ مَا سَبَقَ) مِنْ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إنْ كَانَ مَعَهُ (وَ) لَكِنْ فِي صُورَةِ اجْتِمَاعِهِمَا (يَعُدُّ) أَيْ يَحْسُبُ (أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ فَاعِلُ يَعُدُّ (عَلَيْهِ) أَيْ الْجَدِّ (أَوْلَادَ الْأَبِ) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ مَفْعُولُ يَعُدُّ (فِي الْقِسْمَةِ) أَيْ: يُدْخِلُونَهُمْ فِي الْعَدَدِ عَلَى الْجَدِّ إذَا كَانَتْ الْمُقَاسَمَةُ خَيْرًا لَهُ (فَإِذَا أَخَذَ) الْجَدُّ (حِصَّتَهُ) وَهِيَ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَبَقَ (فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ) وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ مَعَهُ أُنْثَى فَأَكْثَرُ (فَالْبَاقِي لَهُمْ) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ) ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْأَبَوَيْنِ يَقُولُونَ لِلْجَدِّ: كِلَانَا إلَيْكَ سَوَاءٌ فَنُزَاحِمُكَ بِإِخْوَتِنَا، وَنَأْخُذُ حِصَّتَهُمْ، كَمَا أَنَّ الْإِخْوَةَ يَرُدُّونَ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ وَالْأَبُ يَحْجُبُهُمْ وَيَأْخُذُ مَا نَقَصُوا مِنْ الْأُمِّ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ مَعَ الْجَدِّ وَالْأَخِ الشَّقِيقِ أَنْ يَقُولَ الْجَدُّ: أَنَا الَّذِي أَحْجُبُهُ فَأَزْحَمُكَ بِهِ وَآخُذُ حِصَّتَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِخْوَةَ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ فَجَازَ أَنْ يَنُوبَ أَخٌ عَنْ أَخٍ، وَالْأُخُوَّةُ وَالْجُدُودَةُ جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْجَدُّ نَصِيبَ الْآخَرِ، وَبِأَنَّ وَلَدَ الْأَبِ الْمَعْدُودَ عَلَى الْجَدِّ لَيْسَ بِمَحْرُومٍ أَبَدًا بَلْ يَأْخُذُ قِسْطًا مَا قُسِمَ لَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ عَدَّ الْجَدُّ الْأَخَ مِنْ الْأُمِّ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَانَ مَحْرُومًا أَبَدًا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الْمُعَادَّةِ هَذِهِ الْمُعَادَّةُ. فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ: لِلْجَدِّ سَهْمٌ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقِ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ. وَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ: سِتَّةٍ لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَالْبَاقِي - وَهُوَ الثُّلُثَانِ - لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَتَرْجِعُ لِثَلَاثَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ ابْتِدَاءً مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ وَاحِدٌ وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ اثْنَانِ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ لِلْأَبِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ. وَفِي جَدٍّ وَشَقِيقٍ وَشَقِيقَةٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ عَدَدُ رُءُوسِهِمْ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْجَدِّ سِتَّةٌ، وَلِلشَّقِيقِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِلشَّقِيقَةِ أَرْبَعَةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ وَاحِدٌ يَفْضُلُ اثْنَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 38 وَإِلَّا فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ إلَى النِّصْفِ. وَالثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا إلَى الثُّلُثَيْنِ. وَلَا يَفْضُلُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ. وَقَدْ يَفْضُلُ عَنْ النِّصْفِ فَيَكُونُ لِأَوْلَادِ الْأَبِ. وَالْجَدُّ مَعَ أَخَوَاتٍ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ وَلِلْجَدِّ سُدُسٌ، وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ فَتَعُولُ ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْجَدُّ، وَالْأُخْتُ نَصِيبَيْهِمَا أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ.   [مغني المحتاج] لِلشَّقِيقِ وَالشَّقِيقَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ لِلْجَدِّ ثَلَاثَةٌ وَلِلشَّقِيقِ أَرْبَعَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ اثْنَانِ، وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَأَشْبَاهُهَا تُسَمَّى بِالْمُعَادَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ بَلْ إنَاثٌ (فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ) مِنْهُنَّ مَا خَصَّهَا مَعَ الْجَدِّ بِالْقِسْمَةِ (إلَى) تَكْمِلَةِ (النِّصْفِ) إنْ وَجَدَتْهُ. فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ وَتَصِحُّ مِنْ عَشَرَةٍ لِلْجَدِّ أَرْبَعَةٌ وَلِلشَّقِيقَةِ خَمْسَةٌ يَفْضُلُ وَاحِدٌ لِلْأَخِ مِنْ الْأَبِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِعَشَرِيَّةِ زَيْدٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ كَجَدٍّ وَأُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَةٍ وَأَخٍ لِأَبٍ فَتَقْتَصِرُ الشَّقِيقَةُ عَلَى مَا فَضَلَ لَهَا، وَلَا تُزَادُ عَلَيْهِ (وَ) تَأْخُذُ (الثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا) مَعَ مَا خَصَّهُمَا مَعَ الْجَدِّ بِالْقِسْمَةِ (إلَى) تَكْمِلَةِ (الثُّلُثَيْنِ) إنْ وَجَدَتَا ذَلِكَ. فَفِي جَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا الثُّلُثَيْنِ بَلْ النَّاقِصَ عَنْهُمَا اقْتَصَرَتَا عَلَى النَّاقِصِ كَجَدٍّ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَالْبَاقِي لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَهُوَ دُونَ الثُّلُثَيْنِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالتَّعْصِيبِ وَإِلَّا لَزِيدَتَا وَأُعِيلَتْ (وَلَا يَفْضُلُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ) لِأَنَّ لِلْجَدِّ الثُّلُثَ كَمَا مَرَّ. فَإِذَا مَاتَ عَنْ شَقِيقَتَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ لِلشَّقِيقَتَيْنِ وَهُوَ تَمَامُ فَرْضِهِمَا (وَقَدْ يَفْضُلُ عَنْ النِّصْفِ) شَيْءٌ (فَيَكُونُ) الْفَاضِلُ (لِأَوْلَادِ الْأَبِ) كَمَا مَرَّ فِي عَشَرِيَّةِ زَيْدٍ. (وَالْجَدُّ) حُكْمُهُ (مَعَ أَخَوَاتٍ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ) كَمَا لَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَ الْإِخْوَةِ وَلَا تُعَالُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِنَّ وَلَكِنْ قَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَهُنَّ وَتُعَالُ الْمَسْأَلَةُ بِسَبَبِهِ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ بِالْجُدُودَةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ قَوْلَهُ (إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَكْدَرَ وَهُوَ اسْمُ السَّائِلِ عَنْهَا أَوْ الْمَسْئُولِ أَوْ الزَّوْجِ، أَوْ بَلَدِ الْمَيِّتَةِ، أَوْ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ وَلَا يُعِيلُ مَسَائِلَ الْجَدِّ، وَهُنَا فَرَضَ وَأَعَالَ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي تَسْمِيَتُهَا مُكَدِّرَةً لَا أَكْدَرِيَّةً، وَقِيلَ لِأَنَّ زَيْدًا أَكْدَرَ عَلَى الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا لِأَنَّهُ أَعْطَاهَا النِّصْفَ ثُمَّ اسْتَرْجَعَهُ مِنْهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) هِيَ مِنْ سِتَّةٍ (فَلِلزَّوْجِ) مِنْهَا (نِصْفٌ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْأُمِّ) مِنْهَا (ثُلُثٌ) وَهُوَ اثْنَانِ لِعَدَمِ مَنْ يَحْجُبُهَا عَنْهُ (وَلِلْجَدِّ) مِنْهَا (سُدُسٌ) وَهُوَ وَاحِدٌ لِعَدَمِ مَنْ يَحْجُبُهُ (وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ) وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِعَدَمِ مَنْ يُسْقِطُهَا مِنْهُ وَمَنْ يُعَصِّبُهَا، فَإِنَّ الْجَدَّ لَوْ عَصَّبَهَا نَقَصَ حَقُّهُ وَهُوَ السُّدُسُ فَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ لَهَا (فَتَعُولُ) بِنَصِيبِ الْأُخْتِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ إلَى تِسْعَةٍ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَقْتَسِمُ الْجَدُّ وَالْأُخْتُ نَصِيبَهُمَا) وَهُمَا الْأَرْبَعَةُ مِنْ التِّسْعَةِ (أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ) وَلَهَا الثُّلُثُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 39 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَانْكَسَرَتْ عَلَى مَخْرَجِ الثُّلُثِ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ، وَإِنَّمَا قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَفْضِيلِهَا عَلَى الْجَدِّ كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ فَفُرِضَ لَهَا بِالرَّحِمِ، وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّعْصِيبِ رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِالْجَدِّ أَنْ تَسْقُطَ وَإِنْ رَجَعَ الْجَدُّ إلَى الْفَرْضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا فِي بِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ وَتَسْقُطُ الْأُخْتُ لِأَنَّهَا عَصَبَةٌ مَعَ الْبَنَاتِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَنَاتِ لَا يَأْخُذْنَ إلَّا الْفَرْضَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عُصُوبَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَفَرِيضَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَالتَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِ الْفَرْضِيَّةِ، وَالْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ، وَأَيْضًا إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَتْ الْأُخْتُ عَصَبَةً مَعَ الْجَدِّ وَالْجَدُّ صَاحِبُ فَرْضٍ، كَمَا أَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ صَاحِبَةُ فَرْضٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأُخْتُ عَصَبَةٌ بِالْجَدِّ وَهُوَ عَصَبَةٌ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا يُحْجَبُ إلَى الْفَرْضِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ أَخٌ تَسْقُطُ، أَوْ أُخْتَانِ فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلَهُمَا السُّدُسُ الْبَاقِي، وَلَا عَوْلَ وَلَمْ تَكُنْ أَكْدَرِيَّةً، وَلَوْ سَقَطَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الزَّوْجُ كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَرْضًا وَقَاسَمَ الْجَدُّ الْأُخْتَ فِي الثُّلُثَيْنِ فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي لَا ثُلُثَ لَهُ فَاضْرِبْ ثَلَاثَةً فِي الثَّلَاثَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغْ تِسْعَةً: لِلْأُمِّ ثَلَاثَةُ أَتْسَاعٍ، وَلِلْجَدِّ أَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ، وَلِلْأُخْتِ تُسْعَانِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ مُشْكِلٌ فَالْأَسْوَأُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ أُنُوثَتُهُ، وَفِي حَقِّ الْمُشْكِلِ وَالْجَدِّ ذُكُورَتُهُ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُعَالُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ الْمَالِ، وَآخَرُ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَآخَرُ ثُلُثَ بَاقِي الْبَاقِي، وَآخَرُ الْبَاقِيَ. الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخَذَ أَحَدُهُمْ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ، وَآخَرُ نِصْفَ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَآخَرُ نِصْفَ الْجُزْأَيْنِ، وَآخَرُ نِصْفَ الْأَجْزَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْأُخْتَ يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ لِلثِّنْتَيْنِ فِي الْمُعَادَّةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْضَ هُنَاكَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ الْأَخِ لَا بِالْجَدِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمُلَقَّبَاتِ، وَمِنْهَا الْمُشَرَّكَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَمِنْهَا الْخَرْقَاءُ بِالْمَدِّ، وَهِيَ أُمٌّ وَأُخْتٌ لِغَيْرِ أُمٍّ وَجَدٌّ: لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ أَثْلَاثًا، فَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخَرُّقِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِيهَا، وَتُلَقَّبُ أَيْضًا بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْ الْمُلَقَّبَاتِ مَا لَهُ لَقَبٌ وَاحِدٌ، وَمِنْهَا مَا لَهُ أَكْثَرُ وَغَايَتُهُ عَشَرَةٌ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْفَرْضِيُّونَ مِنْ التَّلْقِيبَاتِ وَلَا نِهَايَةَ لَهَا وَلَا حَسْمَ لِأَبْوَابِهَا، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمَلًا كَثِيرَةً فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَلَهُمْ مَسَائِلُ أُخَرُ تُسَمَّى بِالْمُعَايَاةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُعَايَاةُ هِيَ أَنْ تَهْتَدِيَ لِشَيْءٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ، مِنْهَا مَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ إنْ وَلَدْت ذَكَرًا وَوَرِثَ وَوَرِثْتُ، أَوْ أُنْثَى لَمْ تَرِثْ وَلَمْ أَرِثْ فَهِيَ بِنْتُ ابْنِ الْمَيِّتِ، وَزَوْجَةُ ابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ وَهُنَاكَ بِنْتَا صُلْبٍ، فَالْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ بَيْنَ الْقَائِلَةِ وَابْنِهَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى فَلَا شَيْءَ لَهَا لِاسْتِغْرَاقِ الثُّلُثَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَصِّبِ، وَمِنْهُمَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمُّ الْآخَرِ هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ فَوُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنٌ، فَكُلُّ ابْنٍ هُوَ عَمُّ الْآخَرِ لِأُمِّهِ، وَمِنْهَا رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالُ الْآخَرِ، هُمَا رَجُلَانِ نَكَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ فَوُلِدَ لَهُمَا ابْنَانِ فَكُلُّ ابْنٍ هُوَ خَالُ الْآخَرِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا أَيْضًا جُمَلًا كَثِيرَةً فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. [فَصْلٌ فِي توارث الْمُسْلِم وَالْكَافِر] 1 ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 40 فَصْلٌ: لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ   [مغني المحتاج] شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذِكْرِ الْمَوَانِعِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ مُتَرْجِمًا لَهَا وَلِمَا يُذْكَرُ مَعَهَا بِفَصْلٍ، فَقَالَ: فَصْلٌ لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ هَذَا أَحَدُهَا وَهُوَ اخْتِلَافُ الدِّينِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 41 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَلِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، وَاخْتَلَفُوا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 42 وَلَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ وَلَا يُورَثُ. وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا،   [مغني المحتاج] فِي تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ، وَقِيلَ: نَرِثُهُمْ كَمَا نَنْكِحُ نِسَاءَهُمْ وَلَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَنَا: وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّوَارُثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ وَلَا مُوَالَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ بِحَالٍ. وَأَمَّا النِّكَاحُ فَمِنْ نَوْعِ الِاسْتِخْدَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُمْ -. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَبِالْعَكْسِ، وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ نَفَى التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ صَادِقٌ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، فَلَيْسَ فِيهِ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ مَاتَ كَافِرٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ وَوَقَفْنَا الْمِيرَاثَ فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يَرِثُ مِنْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْمَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَقَدْ وَرِثَ مُذْ كَانَ حَمْلًا، وَلِهَذَا نَقَلَ السُّبْكِيُّ عَمَّنْ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى التَّحْقِيقِ فِي الْفِقْهِ مَوْثُوقٌ بِهِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ: أَنَّ لَنَا جَمَادًا يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ، وَاسْتَحْسَنَهُ السُّبْكِيُّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْجَمَادُ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا. (وَ) ثَانِيهَا الرِّدَّةُ كَمَا قَالَ، وَ (لَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ) بِحَالٍ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَوْرِيثِهِ مِنْ مِثْلِهِ لِأَنَّ مَا خَلَّفَهُ فَيْءٌ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَذَاكَ يُقَرُّ، وَلَا مِنْ مُسْلِمٍ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ، وَمَا ادَّعَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُورَثِهِ أَنَّهُ يَرِثُهُ رَدَّهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ مُصَادِمٌ لِلْحَدِيثِ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ: وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ شَيْئًا وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ (وَلَا يُورَثُ) بِحَالٍ، بَلْ مَالُهُ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، سَوَاءٌ اكْتَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ فِي الرِّدَّةِ. لَكِنْ لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ مُسْلِمٍ مَعَ الْمُكَافَأَةِ فَارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ سِرَايَةً وَجَبَ قَوَدُ الطَّرَفِ، وَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ كَانَ وَارِثَهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَالزِّنْدِيقُ كَالْمُرْتَدِّ فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَهُوَ مَنْ لَمْ يَتَدَيَّنْ بِدِينٍ، وَكَذَا نَصْرَانِيٌّ تَهَوَّدَ أَوْ نَحْوُهُ. (وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ) عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا) كَيَهُودِيٍّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ، وَنَصْرَانِيٍّ مِنْ مَجُوسِيٍّ، وَمَجُوسِيٍّ مِنْ وَثَنِيٍّ وَبِالْعُكُوسِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مِلَلِ الْكُفْرِ فِي الْبُطْلَانِ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] . فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إرْثُ الْيَهُودِيِّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسُهُ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ إلَى مِلَّةٍ لَا يُقَرُّ. أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ، وَالنِّكَاحِ وَفِي النَّسَبِ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يَهُودِيًّا، وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا إمَّا بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ، وَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 44 لَكِنْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ. وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُورَثُ. وَلَا قَاتِلٌ،   [مغني المحتاج] الْيَهُودِيَّةَ وَالْآخَرُ النَّصْرَانِيَّةَ جُعِلَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ وَالْأُخُوَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ (لَكِنَّ الْمَشْهُورَ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ (أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ، فَالتَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعِصْمَتِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُعَاهَدِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَبَيْنَهُ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ بِالْأَوْلَى، وَالثَّانِي يَتَوَارَثَانِ لِشَمُولِ الْكُفْرِ لَهُمَا. (وَ) ثَالِثُهَا الرِّقُّ وَهُوَ لُغَةً الْعُبُودِيَّةُ وَالشَّيْءُ الرَّقِيقُ. وَشَرْعًا عَجْزٌ حُكْمِيٌّ يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ بِسَبَبِ الْكُفْرِ، فَعَلَيْهِ (لَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ) مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُبَعَّضٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَكَانَ الْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمَيِّتِ، وَاحْتَجَّ السُّهَيْلِيُّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ، فَإِنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْمِلْكِ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ، وَفِي الْمُبَعَّضِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَقْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ تَوْرِيثِهِ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِالرِّقِّ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَرِثْ كَالْقِنِّ، وَلَا يُورَثُ أَيْضًا الرَّقِيقُ كُلُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ (يُورَثُ) عَنْهُ ذَلِكَ الْمَالُ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ فَيَرِثُهُ عَنْهُ قَرِيبُهُ الْحُرُّ أَوْ مُعْتِقُ بَعْضِهِ وَزَوْجَتُهُ، وَلَا شَيْءَ لِسَيِّدِهِ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ بِالرِّقِّيَّةِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ مَا مَلَكَهُ لِمَالِكِ الْبَاقِي. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ كَوْنِ الرَّقِيقِ لَا يُورَثُ كَافِرٌ لَهُ أَمَانٌ وَجَبَتْ لَهُ جِنَايَةٌ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَأَمَانِهِ ثُمَّ نَقَضَ الْأَمَانَ فَسُبِيَ وَاسْتُرِقَّ وَحَصَلَتْ السِّرَايَةُ بِالْمَوْتِ فِي حَالِ رِقِّهِ، فَإِنْ قُدِّرَ الْأَرْشُ مِنْ الْقِيمَةِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا رَقِيقٌ كُلُّهُ يُورَثُ إلَّا هَذَا. (وَ) رَابِعُهَا: الْقَتْلُ فَعَلَيْهِ (لَا) يَرِثُ (قَاتِلٌ) مِنْ مَقْتُولِهِ مُطْلَقًا؛ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَيْءٌ» أَيْ: مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 45 وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ وَرِثَ. وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ.   [مغني المحتاج] الْمِيرَاثِ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَسْتَعْجِلَ الْإِرْثَ بِالْقَتْلِ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ حِرْمَانَهُ؛ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ قَطْعُ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ سَبَبُ الْإِرْثِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ غَيْرَهُ مَضْمُونًا أَمْ لَا، بِمُبَاشَرَةٍ أَمْ لَا، قَصَدَ مَصْلَحَتَهُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ أَمْ لَا مُكْرَهًا أَمْ لَا (وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ: الْقَتْلُ كَأَنْ وَقَعَ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا (وَرِثَ) الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِحَقٍّ، وَيُحْمَلُ الْخَبَرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. تَنْبِيهٌ: الْمَرْأَةُ لَوْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا زَوْجُهَا مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَضْمُونِ يَمْنَعُ الْإِرْثَ وَلَوْ بِسَبَبٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَاتَتْ مِنْ الْوِلَادَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا مَعَ أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَقَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْمَقْتُولَ يَرِثُ مِنْ قَاتِلِهِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَصُورَتُهُ بِأَنْ يَجْرَحَ مُورَثَهُ ثُمَّ يَمُوتَ الْجَارِحُ ثُمَّ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ. (وَ) خَامِسُهَا: إبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ فَعَلَيْهِ (لَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ) أَوْ حَرْقٍ (أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي) بِلَادِ (غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا) عُلِمَ سَبْقٌ أَوْ جُهِلَ (لَمْ يَتَوَارَثَا) أَيْ: لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ، وَالْجَهْلُ بِالسَّبْقِ صَادِقٌ بِأَنْ يُعْلَمَ أَصْلُ السَّبْقِ وَلَا يُعْلَمَ عَيْنُ السَّابِقِ، وَبِأَنْ لَا يُعْلَمَ سَبْقٌ أَصْلًا، وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ خَمْسٌ: الْعِلْمُ بِالْمَعِيَّةِ، الْعِلْمُ بِالسَّبْقِ وَعَيْنِ السَّابِقِ، الْجَهْلُ بِالْمَعِيَّةِ وَالسَّبْقِ، الْجَهْلُ بِعَيْنِ السَّابِقِ مَعَ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ، الْتِبَاسُ السَّابِقِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ، فَفِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تُقْسَمُ التَّرِكَةُ (وَ) فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ (مَالُ) أَيْ: تَرِكَةُ (كُلٍّ) مِنْ الْمَيِّتَيْنِ بِغَرَقٍ وَنَحْوِهِ (لِبَاقِي وَرَثَتِهِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا يُوَرِّثُ الْأَحْيَاءَ مِنْ الْأَمْوَاتِ، وَهُنَا لَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ عِنْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ فَلَا يَرِثُ كَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا، وَلِأَنَّا إنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ فَهُوَ تَحَكُّمٌ، وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا مِنْ صَاحِبِهِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ لِأَنَّهُمَا إنْ مَاتَا مَعًا فَفِيهِ تَوْرِيثُ مَيِّتٍ مِنْ مَيِّتٍ، أَوْ مُتَعَاقِبَيْنِ فَفِيهِ تَوْرِيثُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ كُلِّ مَيِّتٍ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ الْآخَرَ. تَنْبِيهٌ: اسْتِبْهَامُ تَارِيخِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِرْثِ لَا مِنْ نَفْسِ الْإِرْثِ تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ: لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ كَعِبَارَةِ التَّنْبِيهِ، تَنْبِيهٌ فَإِنَّ اسْتِبْهَامَ تَارِيخِ الْمَوْتِ مَانِعٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالْإِرْثِ لَا مِنْ نَفْسِ الْإِرْثِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يَتَوَارَثَا لَيْسَ بِخَاصٍّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَرِثُ مِنْ الْآخَرِ دُونَ عَكْسِهِ كَالْعَمَّةِ وَابْنِ أَخِيهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَوَانِعِ خَمْسَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَهْمَلَ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ تَوْرِيثِهِ عَدَمُ تَوْرِيثِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنِ أَخِيهِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ. وَقَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كَافِيَتِهِ: الْمَوَانِعُ الْحَقِيقِيَّةُ أَرْبَعَةٌ: الْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ وَالدَّوْرُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعًا مَجَازٌ، وَقَالَ فِي غَيْرِهِ إنَّهَا سِتَّةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالرِّدَّةُ، وَاخْتِلَافُ الْعَهْدِ، وَأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا مَجَازٌ وَانْتِفَاءُ الْإِرْثِ مَعَهُ لَا لِأَنَّهُ مَانِعٌ، بَلْ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ كَمَا فِي جَهْلِ التَّارِيخِ أَوْ السَّبَبِ كَمَا فِي انْتِفَاءِ النَّسَبِ وَهَذَا أَوْجَهُ. وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِخَبَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 47 وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ تُرِكَ مَالُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ - يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا - فَيَجْتَهِدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يُعْطِيَ مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الْحُكْمِ.   [مغني المحتاج] الصَّحِيحَيْنِ: «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ لَا يَتَمَنَّى أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ مَوْتَهُمْ لِذَلِكَ فَيَهْلِكَ، وَأَنْ لَا يَظُنَّ بِهِمْ الرَّغْبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ مَالُهُمْ صَدَقَةً بَعْدَ وَفَاتِهِمْ تَوْفِيرًا لِأُجُورِهِمْ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ كَمَا لَا يُورَثُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْإِرْثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ وَيُورَثُ وَعَكْسُهُ فِيهِمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ يُورَثُ وَلَا يَرِثُ وَعَكْسُهُ. فَالْأَوَّلُ: كَزَوْجَيْنِ وَأَخَوَيْنِ. وَالثَّانِي: كَرَقِيقٍ وَمُرْتَدٍّ. وَالثَّالِثُ: كَمُبَعَّضٍ وَجَنِينٍ فِي غُرَّتِهِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُورَثُ عَنْهُ لَا غَيْرُهَا. وَالرَّابِعُ: الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ كَمَا تَقَرَّرَ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ شَرَعَ فِي مُوجِبَاتِ التَّوَقُّفِ عَنْ الصَّرْفِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: الشَّكُّ فِي النَّسَبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ كَأَنْ يَدَّعِيَ اثْنَانِ وَلَدًا مَجْهُولًا نَسَبُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا وَيَمُوتَ الْوَلَدُ قَبْلَ إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا فَيُوقَفَ مِيرَاثُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْهُ وَيُصْرَفَ لِلْأُمِّ نَصِيبُهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ وُقِفَ مِيرَاثُ الْوَلَدِ وَيُعْمَلُ فِي حَقِّ قَرِيبِهِ بِالْأَسْوَأِ. الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ وَالْحَمْلِ وَالذُّكُورَةِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ أُسِرَ) أَيْ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ غَيْرُهُمْ (أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ) وَلَهُ مَالٌ وَأُرِيدَ الْإِرْثُ مِنْهُ (تُرِكَ) أَيْ: وُقِفَ (مَالُهُ) وَلَا يُقْسَمُ (حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ) مَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ (تَمْضِيَ مُدَّةٌ) يُعْلَمُ أَوْ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْقُودَ (لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا) فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ (فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي) حِينَئِذٍ (وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَلَا يُورَثُ إلَّا بِيَقِينٍ. أَمَّا عِنْدَ الْبَيِّنَةِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَعَ الْحُكْمِ فَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. تَنْبِيهٌ: وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَهُ مَالٌ وَأُرِيدَ الْإِرْثُ مِنْهُ تُرِكَ مَالُهُ وَلَا يُقْسَمُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُعْلَمُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَا تَتَقَدَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ مُقَدَّرَةٌ بِسَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ بِثَمَانِينَ، وَقِيلَ بِتِسْعِينَ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهَا الْعُمْرُ الطَّبِيعِيُّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَكْفِي مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِمَوْتِهِ، لَكِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ: أَنَّ الْقِسْمَةَ حَيْثُ وَقَعَتْ بِالْحَاكِمِ تَضَمَّنَتْ الْحُكْمَ بِمَوْتِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ نَقْضُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اضْطِرَابٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِلشَّكِّ. ثُمَّ أَشَارَ لِفَائِدَةِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ) إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ (الْحُكْمِ) بِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ فَائِدَةُ الْحُكْمِ، فَمَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: وَقْتَ كَذَا جَزْمًا بِهِ وَفِي الْبَسِيطِ قُبَيْلَ الْحُكْمِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا فَإِنَّ الْحُكْمَ إظْهَارٌ فَيُقَدَّرُ مَوْتُهُ قُبَيْلَهُ بِأَدْنَى زَمَانٍ، وَقَوْلُهُمْ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلَحْظَةٍ لَمْ يَرِثْهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 48 وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَإِ. وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ،   [مغني المحتاج] زَمَانٌ فَكَمَوْتِهِمَا مَعًا. قَالَ: وَهَذَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَهُ لِكَوْنِ الْمُدَّةِ زَادَتْ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهُ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحُكْمِ. قَالَ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. اهـ. . وَمِثْلُ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ بَلْ أَوْلَى، وَلَا يَدْفَعُ الْحَاكِمُ مِنْهُ إلَّا لِوَارِثٍ ذِي فَرْضٍ لَا يَسْقُطُ بِيَقِينٍ، وَهُوَ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ. تَنْبِيهٌ: مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَقَفْنَا كُلَّ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ، وَإِلَّا وَقَفْنَا حِصَّتَهُ تَنْبِيهٌ: أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ نَفْسَ الظَّنِّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. قَالَ: وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْغَلَبَةَ أَيْ: الرُّجْحَانَ مَأْخُوذٌ فِي مَاهِيَّةِ الظَّنِّ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حُكْمِ الْإِرْثِ مِنْ الْمَفْقُودِ شَرَعَ فِي حُكْمِ إرْثِهِ مِنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: (وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمَفْقُودُ) قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ (وَقَفْنَا) كُلَّ التَّرِكَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ، وَإِلَّا وَقَفْنَا (حِصَّتَهُ) فَقَطْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ مَنْ يَرِثُ مِنْهُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ حِصَّتَهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ، أَوْ يُقَالَ: إنَّ حِصَّتَهُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ وَلَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: (وَعَمِلْنَا فِي الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَأِ) فَمَنْ يَسْقُطُ بِالْمَفْقُودِ لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ وَمَنْ يَنْقُصُ مِنْهُمْ حَقُّهُ بِحَيَاتِهِ أَوْ مَوْتِهِ قُدِّرَ فِيهِ مَوْتُهُ، وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ بِهِمَا أُعْطِيَهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: فَالْأَوَّلُ: كَزَوْجٍ مَفْقُودٍ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَعَمٍّ حَاضِرِينَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ وَسَقَطَ الْعَمُّ أَوْ مَيِّتًا فَلَهُمَا سَهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِمْ حَيَاتُهُ. وَالثَّانِي: كَجَدٍّ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٍ لِأَبٍ مَفْقُودٍ، فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَيَاتُهُ فَيَأْخُذُ الثُّلُثَ، وَفِي حَقِّ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ مَوْتُهُ فَيَأْخُذُ النِّصْفَ وَيَبْقَى السُّدُسُ إنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ فَلِلْجَدِّ، أَوْ حَيَاتُهُ فَلِلْأَخِ. وَالثَّالِثُ: كَابْنٍ مَفْقُودٍ وَبِنْتٍ وَزَوْجٍ حَاضِرِينَ لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ بِكُلِّ حَالٍ. تَنْبِيهٌ: تَلِفَ الْمَوْقُوفُ لِلْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ أَخَذَ مَا دُفِعَ لِلْحَاضِرِينَ وَقُسِمَ مَا بَيْنَ الْكُلِّ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ تَنْبِيهٌ: لَوْ تَلِفَ الْمَوْقُوفُ لِلْغَائِبِ ثُمَّ حَضَرَ أَخَذَ مَا دُفِعَ لِلْحَاضِرِينَ وَقُسِمَ مَا بَيْنَ الْكُلِّ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتَيْ الْحَمْلِ وَالْخُنْثَى إذَا بَانَتْ حَيَاةُ الْحَمْلِ وَذُكُورَةُ الْخُنْثَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّوَقُّفِ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي الْحَمْلِ فَقَالَ (وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ) بِكُلِّ تَقْدِيرٍ بَعْدَ انْفِصَالِهِ بِأَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ مِنْهُ (أَوْ قَدْ يَرِثُ) عَلَى تَقْدِيرٍ دُونَ تَقْدِيرٍ. أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ فَكَمَنْ مَاتَ عَنْ حَمْلِ زَوْجَةِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ مُعْتِقِهِ فَإِنَّ الْحَمْلَ إنْ كَانَ ذَكَرًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَرِثَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ فَكَمَنْ مَاتَ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ وَحَمْلٍ مِنْ الْأَبِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ ذَكَرًا لَا يَرِثُ شَيْئًا لِاسْتِغْرَاقِ أَهْلِ الْفَرْضِ الْمَالَ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهَا السُّدُسُ (عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ) أَيْ الْحَمْلِ (وَحَقِّ غَيْرِهِ) قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَالْحَمْلُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ اسْمٌ لِمَا فِي الْبَطْنِ، وَبِكَسْرِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 49 فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَرِثَ، وَإِلَّا فَلَا، بَيَانُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ وُقِفَ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا،   [مغني المحتاج] اسْمٌ لِمَا يُحْمَلُ عَلَى رَأْسٍ أَوْ ظَهْرٍ، وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ فِي حَمْلِ الشَّجَرَةِ وَجْهَيْنِ وَمَرَّ أَنَّ الْحَمْلَ يَرِثُ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَلَكِنَّ شَرْطَ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ لِلْإِرْثِ وِلَادَتُهُ حَيًّا كَمَا قَالَ: (فَإِنْ انْفَصَلَ) كُلُّهُ (حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ مُورَثِهِ بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ فِرَاشًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ إذَا كَانَتْ خَلِيَّةً (وَرِثَ) لِثُبُوتِ نَسَبِهِ، فَلَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَكَانْفِصَالِهِ مَيِّتًا فِي الْإِرْثِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ: إحْدَاهُمَا: فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إذَا صَاحَ أَوْ اسْتَهَلَّ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ. الثَّانِيَةُ: إذَا حَزَّ إنْسَانٌ رَقَبَتَهُ أَيْ: وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَبْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِهَا وَتُعْلَمُ الْحَيَاةُ مُسْتَقِرَّةً بِاسْتِهْلَالِهِ صَارِخًا، أَوْ بِعُطَاسِهِ، أَوْ التَّثَاؤُبِ، أَوْ الْتِقَامِ الثَّدْيِ. أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ جَانٍ، أَوْ حَيِيَ حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، أَوْ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً لِوَقْتٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ (فَلَا) يَرِثُ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَعْدُومٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَالْمَعْدُومِ، وَفِي الثَّالِثَةِ مُنْتَفٍ نَسَبُهُ عَنْ الْمَيِّتِ (بَيَانُهُ) أَنْ يُقَالَ: (إنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمَسْأَلَةِ (وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ) ثَمَّ (مَنْ) أَيْ وَارِثٌ (قَدْ يَحْجُبُهُ) الْحَمْلُ (وُقِفَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (الْمَالُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ إلَى انْفِصَالِهِ احْتِيَاطًا (وَإِنْ كَانَ) فِي الْمَسْأَلَةِ (مَنْ) أَيْ وَارِثٌ (لَا يَحْجُبُهُ) أَيْ الْحَمْلُ (وَلَهُ) سَهْمٌ (مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ) حَالَةَ كَوْنِهِ (عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ) فِي الْمَسْأَلَةِ (عَوْلٌ: كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ: لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ آخِرَهُ: أَيْ الثُّمُنُ وَالسُّدُسَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ بِنْتَانِ، فَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ لِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَيُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأَبَوَيْنِ ثَمَانِيَةٌ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ بِنْتَيْنِ كَانَ لَهُمَا أَوْ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ أَوْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فَأَكْثَرَ كَمَلَ لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ بِغَيْرِ عَوْلٍ، وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ كَذَلِكَ، وَالْبَاقِي لِلْأَوْلَادِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمِنْبَرِيَّةِ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَانَ أَوَّلُ خُطْبَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى، فَسُئِلَ حِينَئِذٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ ارْتِجَالًا: صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تُسُعًا وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ فَصَارَتْ تَسْتَحِقُّ التُّسُعَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ سَهْمٌ (مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا) فِي الْحَالِ شَيْئًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَقَدَّرُ بِعَدَدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خَمْسٌ فِي بَطْنٍ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ شَيْخًا بِالْيَمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وُلِدَ لَهُ خَمْسَةُ بُطُونٍ فِي كُلِّ بَطْنٍ خَمْسَةٌ وَاثْنَيْ عَشَرَ فِي بَطْنٍ. قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّهُ وُجِدَ سَبْعَةٌ فِي بَطْنٍ وَأَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ذَكَرَ أَنَّهُ صَارَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 50 وَقِيلَ أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ. وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ.   [مغني المحتاج] أَحَدَهُمْ فَصَرَعَهُ وَكَانَ يُعَيَّرُ بِهِ، وَيُقَالُ: صَرَعَك سُبُعُ رَجُلٍ، وَحَكَى فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْهَيْثَمِ: أَنَّ بَعْضَ سَلَاطِينِ بَغْدَادَ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِأَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي بَطْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ الْأُصْبُعِ وَأَنَّهُمْ عَاشُوا وَرَكِبُوا الْخَيْلَ مَعَ أَبِيهِمْ فِي بَغْدَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي هَذَا بُعْدٌ. اهـ. لَا بُعْدَ فِيهِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْجِزُهَا شَيْءٌ (وَقِيلَ أَكْثَرُ الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ) بِحَسَبِ الْوُجُودِ عِنْدَ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُتْبَعُ فِي مِثْلِهِ الْوُجُودُ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وُجِدَ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَحِينَئِذٍ (فَيُعْطَوْنَ) أَيْ: الْأَوْلَادُ (الْيَقِينَ) أَيْ: فَيُوقَفُ مِيرَاثُ أَرْبَعَةٍ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي، وَتُقَدَّرُ الْأَرْبَعَةُ ذُكُورًا: مِثَالُهُ خَلَّفَ ابْنًا، وَزَوْجَةً حَامِلًا فَلَهَا الثُّمُنُ، وَلَا يُدْفَعُ لِلِابْنِ شَيْءٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيُدْفَعُ إلَيْهِ خُمُسُ الْبَاقِي عَلَى الثَّانِي، وَعَلَيْهِ يَتَمَكَّنُ الَّذِينَ صُرِفَ إلَيْهِمْ حِصَّتُهُمْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِلَّا لَمْ تُدْفَعْ إلَيْهِمْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ مِنْ أَسْبَابِ التَّوَقُّفِ، وَهُوَ الشَّكُّ فِي الذُّكُورَةِ، فَقَالَ: (وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ) أَيْ الْمُلْتَبِسُ أَمْرُهُ، وَهُوَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَخَنَّثَ الطَّعَامُ إذَا اشْتَبَهَ أَمْرُهُ فَلَمْ يَخْلُصْ طَعْمُهُ الْمَقْصُودُ، وَشَارَكَ طَعْمَ غَيْرِهِ، سُمِّيَ الْخُنْثَى بِذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ الشَّبَهَيْنِ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فَرْجُ رَجُلٍ وَلَا فَرْجُ امْرَأَةٍ بَلْ يَكُونُ لَهُ ثُقْبَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ وَلَا يُشْبِهُ فَرْجَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. الثَّانِي: وَهُوَ أَشْهَرُهُمَا: مَا لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ) بِذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ (كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ) ظَاهِرٌ فَيُدْفَعُ إلَيْهِ نَصِيبُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَفَ إرْثُهُ بِهِمَا (فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ) أَيْ: الْخُنْثَى (وَ) فِي (حَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ) حَالُهُ وَلَوْ بِإِخْبَارِهِ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى اتِّضَاحِهِ بِمَعْنَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِلْبَوْلِ فِيهِ بَلْ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَصِيرَ مُكَلَّفًا فَيُخْتَبَرَ بِمَيْلِهِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي الْمَيْلِ بَلْ يُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ. وَأَمَّا بِمَعْنَى الضَّرْبِ الثَّانِي فَيَتَّضِحُ بِالْبَوْلِ مِنْ فَرْجٍ، فَإِنْ بَالَ مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ فَرَجُلٌ، أَوْ مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ، أَوْ مِنْهُمَا فَالسَّبْقُ لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً اتَّضَحَ بِالتَّأَخُّرِ لَا الْكَثْرَةِ وَتَزْرِيقٍ وَتَرْشِيشٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَزَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ زُرْقٍ أَوْ رَشَشٍ فَلَا اتِّضَاحَ، وَيَتَّضِحُ أَيْضًا بِحَيْضٍ وَإِمْنَاءٍ إنْ لَاقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرْجَيْنِ، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَ مِنْهُ أَمْ مِنْهُمَا بِشَرْطِ التَّكَرُّرِ، وَلَوْ بَالَ أَوْ أَمْنَى بِذَكَرِهِ وَحَاضَ بِفَرْجِهِ أَوْ بَالَ بِأَحَدِهِمَا وَأَمْنَى بِالْآخَرِ فَمُشْكِلٌ، وَلَا أَثَرَ لِلِحْيَةٍ وَلَا لِنُهُودِ ثَدْيٍ وَلَا لِتَفَاوُتِ أَضْلُعٍ، فَإِنْ عُدِمَ الدَّالُّ السَّابِقُ اُخْتُبِرَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَعَقْلٍ، فَإِنْ مَالَ بِإِخْبَارِهِ إلَى النِّسَاءِ فَرَجُلٌ أَوْ إلَى الرِّجَالِ فَامْرَأَةٌ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ وَلَا بَعْدَهُمَا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ مَعْلُومَةُ الْوُجُودِ، وَقِيَامُ الْمَيْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَكْذِبُ فِي إخْبَارِهِ، وَاَلَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 51 وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا. فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوْ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ، وَقِيلَ بِهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ   [مغني المحتاج] يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ خُنْثَى مِنْ الْوَرَثَةِ ثَمَانِيَةٌ: الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الِابْنِ، وَالْأَخُ وَوَلَدُهُ، وَالْعَمُّ وَوَلَدُهُ، وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَاتُهُ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَمَنْ أَلْقَى عَلَيْكَ أَبَا خُنْثَى أَوْ أُمَّ خُنْثَى فَقَدْ أَلْقَى مُحَالًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَنَّ الْخُنْثَى يَرِثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ وَرِثَ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ وَوُقِفَ مَا يَرِثُهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، فَفِي زَوْجٍ وَأَبٍ وَوَلَدٍ خُنْثَى لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ وَلِلْأَبِ سُدُسٌ، وَلِلْخُنْثَى النِّصْفُ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَبِ، وَفِي وَلَدٍ خُنْثَى وَأَخٍ يُصْرَفُ إلَى الْوَلَدِ النِّصْفُ وَيُوقَفُ الْبَاقِي، وَفِي وَلَدٍ خُنْثَى وَبِنْتٍ وَعَمٍّ يُعْطَى الْخُنْثَى وَالْبِنْتُ الثُّلُثَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْخُنْثَى وَالْعَمِّ، فَإِنْ مَاتَ مُشْكِلًا تَعَيَّنَ الِاصْطِلَاحُ، وَلَوْ اتَّفَقَ الَّذِينَ وُجِدَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ أَيْ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِأَنْقَصَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ تَوَاهُبٌ وَإِلَّا لَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى صُورَةِ التَّوَقُّفِ، وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهَالَةٍ، لَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ مِنْ الْبَيْنِ وَوَهَبَهُ لَهُمْ عَلَى جَهْلٍ بِالْحَالِ جَازَ أَيْضًا كَمَا قَالَاهُ. (وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوْ) زَوْجٍ هُوَ (ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا) فَيَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْآخَرَ بِالْوَلَاءِ أَوْ بُنُوَّةِ الْعَمِّ، لِأَنَّهُ وَارِثٌ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ الْقَرَابَتَانِ فِي شَخْصَيْنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " جِهَتَا فَرْضٍ " عَنْ الْأَبِ حَيْثُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ. (فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِ أَوْ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ) لِأَبٍ بِأَنْ وَطِئَ بِنْتَهُ فَأَوْلَدَهَا بِنْتًا ثُمَّ مَاتَتْ الْعُلْيَا فَقَدْ خَلَّفَتْ أُخْتًا مِنْ أَبٍ وَهِيَ بِنْتُهَا (وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ) فَقَطْ (وَقِيلَ بِهِمَا) أَيْ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَتَسْتَغْرِقُ الْمَالَ إذَا انْفَرَدَتْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ يُورَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ فَيُورَثُ بِأَقْوَاهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لِأَنَّهُمَا كَالْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لَا تَرِثُ النِّصْفَ بِأُخُوَّةِ الْأَبِ وَالسُّدُسَ بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُحَرَّرِ فِي جِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَرِثَ بِهِمَا، وَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى أَنْ يَقُولَ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مُسْتَدْرَكٌ إذْ لَيْسَ مَعَ الْأُخْتِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِنْتٌ حَتَّى تَكُونَ الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةً، وَإِنَّمَا الْأُخْتُ نَفْسُهَا هِيَ الْبِنْتُ فَكَيْفَ تُعَصِّبُ نَفْسَهَا؟ . تَنْبِيهٌ: وَإِذَا اجْتَمَعَتْ قَرَابَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِسْلَامِ قَصْدًا لَمْ يَرِثْ بِهِمَا تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَحْتَجْ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَتْ قَرَابَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الْإِسْلَامِ قَصْدًا لَمْ يَرِثْ بِهِمَا، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْفَرْضَيْنِ، وَالْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ وَإِنْ كَانَ مِثَالُهُ يَخُصُّ الثَّانِيَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ. (وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا) عَلَى الْآخَرِ (بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 52 أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الْأَخُ. وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ، وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَوْ لَا تَحْجُبَ أَوْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا فَالْأَوَّلُ كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا، وَالثَّانِي كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ بِأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا، وَالثَّالِثُ كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ بِأَنْ يَطَأَ هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا فَالْأُولَى أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ.   [مغني المحتاج] أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ) فَرْضًا (وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا) سَوَاءٌ بِالْعُصُوبَةِ، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ يَتَعَاقَبَ أَخَوَانِ عَلَى امْرَأَةٍ وَتَلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ابْنًا وَلِأَحَدِهِمَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهَا فَابْنَاهُ ابْنَا عَمِّ الْآخَرِ، وَأَحَدُهُمَا أَخُوهُ لِأُمِّهِ (فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ: ابْنَيْ الْعَمِّ الْمَذْكُورَيْنِ (بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ) لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ تَسْقُطُ بِالْبِنْتِ (وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ الْبَاقِي (الْأَخُ) كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ مُنِعَتْ مِنْ الْأَخْذِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، وَإِذَا لَمْ تَأْخُذْ بِهَا تَرَجَّحَتْ عُصُوبَتُهُ كَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ مَعَ أَخٍ لِأَبٍ. (وَمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ) لَا بِهِمَا لِمَا سَبَقَ (وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) حَجْبَ حِرْمَانٍ أَوْ نُقْصَانٍ (أَوْ) بِأَنْ (لَا تُحْجَبَ) إحْدَاهُمَا أَصْلًا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخَطِّهِ وَالْأُخْرَى قَدْ تُحْجَبُ (أَوْ) بِأَنْ تُحْجَبَ وَلَكِنْ (تَكُونَ) إحْدَاهُمَا (أَقَلَّ حَجْبًا) فَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (فَ) الْأَمْرُ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ حَجْبُ الْحِرْمَانِ (كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ، بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ) أُمَّهُ (أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا) فَتَرِثَ هَذِهِ الْبِنْتُ مِنْ أَبِيهَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِأَنَّ أُخُوَّةَ الْأُمِّ سَاقِطَةٌ بِالْبِنْتِيَّةِ، وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ إلَّا وَالْمَيِّتُ رَجُلٌ. وَمِنْ صُوَرِ حَجْبِ النُّقْصَانِ: أَنْ يَنْكِحَ الْمَجُوسِيُّ بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا وَيَمُوتَ فَقَدْ خَلَّفَ بِنْتَيْنِ: إحْدَاهُمَا زَوْجَةٌ فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ الْبِنْتَ تَحْجُبُ الزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبُعِ إلَى الثُّمُنِ (وَ) الْأَمْرُ (الثَّانِي) وَهُوَ أَنْ لَا تُحْجَبَ إحْدَاهُمَا أَصْلًا (كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ، بِأَنْ يَطَأَ) مَنْ ذُكِرَ (بِنْتَهُ فَتَلِدَ بِنْتًا) ثُمَّ تَمُوتَ فَتَرِثَ وَالِدَتُهَا مِنْهَا بِالْأُمُومَةِ لَا بِالْأُخْتِيَّةِ لِلْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تُحْجَبُ حِرْمَانًا أَصْلًا وَالْأُخْتُ تُحْجَبُ (وَ) الْأَمْرُ (الثَّالِثُ) وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ حَجْبًا (كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ) لِأَبٍ (بِأَنْ يَطَأَ) مَنْ ذُكِرَ (هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدَ وَلَدًا، فَالْأُولَى) أَيْ الْبِنْتُ الْأُولَى نِسْبَتُهَا لِهَذَا الْوَلَدِ (أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ) لِأَبِيهِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَرِثَتْ مِنْهُ الْبِنْتُ الْأُولَى بِالْجُدُودَةِ دُونَ الْأُخْتِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لِلْأُمِّ أَقَلُّ حَجْبًا مِنْ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّةَ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ. وَأَمَّا الْأُخْتُ فَيَحْجُبُهَا جَمَاعَةٌ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُورَثُونَ بِالزَّوْجِيَّةِ قَطْعًا لِبُطْلَانِهَا كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ هُنَا، لَكِنَّهُمَا حَكَيَا عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَنَى التَّوَارُثَ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ اجْتِمَاعِ عُصُوبَتَيْنِ فِي شَخْصٍ كَأَخٍ هُوَ مُعْتِقٌ لِقِلَّةِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ تُغْنِي عَنْ الْأُخْرَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 53 فَصْلٌ إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ قُسِمَ الْمَالُ بِالسَّوِيَّةِ إنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. وَإِنْ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ قُدِّرَ كُلُّ ذَكَرٍ أُنْثَيَيْنِ وَعَدَدُ رُءُوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذَوَا فَرْضَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَالرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي أُصُولِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَعُولُ مِنْهَا وَقِسْمَةِ التَّرِكَةِ] ِ (إنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ قُسِمَ الْمَالُ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصَاتِ بَيْنَهُمْ (بِالسَّوِيَّةِ إنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا) كَبِنْتَيْنِ أَوْ إخْوَةٍ أَوْ أَعْمَامٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَوْ بَيْنَهُمْ، سَوَاءٌ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ (أَوْ) تَمَحَّضُوا (إنَاثًا) كَثَلَاثِ مُعْتِقَاتٍ أَعْتَقْنَ عَبْدًا بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْوَلَاءِ، فَإِنْ تَفَاوَتَ الْمِلْكُ تَفَاوَتَ الْإِرْثُ بِحَسْبِهِ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي النَّسَبِ فِي مَسَائِلِ الرَّدِّ. (وَإِنْ اجْتَمَعَ) مِنْ النَّسَبِ (الصِّنْفَانِ) مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ كَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ (قُدِّرَ كُلُّ ذَكَرٍ) مِنْهُمْ (أُنْثَيَيْنِ) وَلَا يُقَالُ: يُقَدَّرُ لِلْأُنْثَى نِصْفُ نَصِيبٍ لِئَلَّا يُنْطَقَ بِالْكَسْرِ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ النُّطْقِ بِهِ، وَقَوْلُهُ: (وَعَدَدُ رُءُوسِ الْمَقْسُومِ عَلَيْهِمْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِمُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ، وَهُوَ (أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ: أَصْلُهَا هُوَ الْعَدَدُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ سِهَامُهَا فَهِيَ مِنْ عَدَدِ رُءُوسِ الْعَصَبَةِ: الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ فِي الْوَلَاءِ عَلَى مَا مَرَّ وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فِي النَّسَبِ كَابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ فَأَضِفْ عَدَدَ الذُّكُورِ، وَأَضِفْ إلَيْهِ عَدَدَ الْإِنَاثِ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَقِسْ عَلَى هَذَا، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْوَلَاءِ. أَمَّا الْوَلَاءُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ تَفَاوُتٌ فِي الْمِلْكِ فَعَدَدُ رُءُوسِ الْمُعْتِقِينَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا أَمْ مُجْتَمِعِينَ وَإِنْ تَفَاوَتُوا فَأَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ مِنْ مَخْرَجِ الْمَقَادِيرِ كَالْفُرُوضِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَ) الْوَرَثَةُ (إنْ كَانَ فِيهِمْ) مَعَ الْعَصَبَاتِ (ذُو) أَيْ صَاحِبُ (فَرْضٍ) وَاحِدٍ كَبِنْتٍ وَعَمٍّ (أَوْ ذَوَا) بِالتَّثْنِيَةِ (فَرْضَيْنِ) مَثَلًا (مُتَمَاثِلَيْنِ) فِي الْفَرْضِ وَالْمَخْرَجِ: كَأُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ، أَوْ فِي الْمَخْرَجِ فَقَطْ: كَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَعَمٍّ (فَالْمَسْأَلَةُ) الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ الْكَسْرُ أَيْ: أَصْلُهَا يَكُونُ (مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ السِّتَّةَ كُسُورٌ مُضَافَةٌ لِمَعْدُودٍ وَهُوَ التَّرِكَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ عَصَبَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ. فَفِي زَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ هِيَ أَيْضًا مِنْ اثْنَيْنِ، وَتُسَمَّى هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ بِالنِّصْفِيَّتَيْنِ، إذْ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ شَخْصَانِ يَرِثَانِ الْمَالَ مُنَاصَفَةً فَرْضًا غَيْرُهُمَا وَبِالْيَتِيمَتَيْنِ، إذْ لَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ نَظِيرُهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فُرُوضٌ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَخْرَجَ: هُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ الْكَسْرُ، وَهُوَ مَفْعَلُ بِمَعْنَى الْمَكَانِ، فَكَأَنَّهُ مَوْضِعٌ تَخْرُجُ مِنْهُ سِهَامُ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحَةً الَّذِي هُوَ أَصْلُهَا، وَالْكَسْرُ أَصْلُهُ مَصْدَرٌ، وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْكَسْرِ الْمُرَادِ بِهِ الْجُزْءُ، وَهُوَ مَا دُونَ الْوَاحِدِ (فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ، وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ، وَالرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ، وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ، وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ) لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ صَحِيحٌ اثْنَانِ وَكَذَا الْبَاقِي، وَكُلُّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ لَفْظًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 54 وَإِنْ كَانَ فَرْضَانِ مُخْتَلِفَا الْمَخْرَجِ فَإِنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ. وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَالْحَاصِلُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ كَسُدُسٍ وَثُمُنٍ فَالْأَصْلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ كُلٌّ فِي كُلٍّ وَالْحَاصِلُ الْأَصْلُ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ فَالْأَصْلُ اثْنَا عَشَرَ فَالْأُصُولُ سَبْعَةٌ: اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ.   [مغني المحتاج] وَمَعْنًى إلَّا النِّصْفَ فَلَمْ يُشْتَقَّ مِنْ اسْمِ الْعَدَدِ، وَلَوْ اُشْتُقَّ مِنْهُ لَقِيلَ لَهُ ثَنْيٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ كَمَا قِيلَ فِي غَيْرِهِ مِنْ ثُلُثٍ وَرُبُعٍ إلَى عُشُرٍ، وَإِنَّمَا اُشْتُقَّ مِنْ التَّنَاصُفِ، فَكَأَنَّ الْمُقْتَسِمَيْنِ تَنَاصَفَا وَاقْتَسَمَا بِالسَّوِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: سُكُوتُهُ عَنْ الثُّلُثَيْنِ يُفْهِمُ أَنَّهُمْ لَيْسَ جُزْءًا بِرَأْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَضْعِيفُ الثُّلُثِ. (وَإِنْ كَانَ) فِي الْمَسْأَلَةِ (فَرْضَانِ مُخْتَلِفَا الْمَخْرَجِ) بِقِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ (فَإِنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا فَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ) حِينَئِذٍ (أَكْثَرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أُمٍّ وَأَخٍ لِأُمٍّ وَعَمٍّ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْفَرْضَيْنِ فِيهَا عَدَدًا هُوَ السُّدُسُ وَالثُّلُثُ دَاخِلٌ فِيهِ، وَالْمُتَدَاخَلَانِ عَدَدَانِ مُخْتَلِفَانِ أَقَلُّهُمَا جُزْءًا مِنْ الْأَكْثَرِ لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ كَثَلَاثَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ أَوْ سِتَّةٍ. (وَإِنْ) كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَرْضَانِ، وَ (تَوَافَقَا) بِجُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ (ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَالْحَاصِلُ) مِنْ الضَّرْبِ: هُوَ (أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: كَسُدُسٍ وَثُمُنٍ) كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ أُمٌّ وَزَوْجَةٌ وَابْنٌ (فَالْأَصْلُ) أَيْ أَصْلُ كُلِّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا ذُكِرَ (أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) حَاصِلُ ضَرْبِ وَفْقِ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ نِصْفُ السِّتَّةِ أَوْ الثَّمَانِيَةِ فِي كَامِلِ الْآخَرِ، وَالْوَفْقُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَافَقَةِ. (وَإِنْ) كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَرْضَانِ وَ (تَبَايَنَا) مَخْرَجًا (ضُرِبَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (فِي كُلٍّ) مِنْهُمَا (وَالْحَاصِلُ) مِنْ الضَّرْبِ (الْأَصْلُ) لِلْمَسْأَلَةِ (كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أُمٍّ وَزَوْجَةٍ وَأَخٍ لِأَبَوَيْنِ، فَثُلُثُ الْأُمِّ وَرُبُعُ الزَّوْجَةِ مُتَبَايِنَانِ (فَالْأَصْلُ) أَيْ: أَصْلُ كُلِّ مَسْأَلَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا ذُكِرَ (اثْنَا عَشَرَ) حَاصِلُ ضَرْبِ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ، وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ الرُّبُعُ فِي الْآخَرِ، وَالْمُتَبَايِنَانِ: هُمَا الْعَدَدَانِ اللَّذَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ (فَالْأُصُولُ) أَيْ: مَخَارِجُ الْفُرُوضِ مُفْرَدَةً وَمَرْكَبَةً عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ (سَبْعَةٌ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَخْرُجُ حِسَابُهَا إلَّا مِنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ، وَإِنَّمَا انْحَصَرَتْ الْمَخَارِجُ فِي سَبْعَةٍ، وَالْفُرُوضُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَهَا حَالَتَانِ: حَالَةُ انْفِرَادٍ، وَحَالَةُ تَرْكِيبٍ فَفِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ يُحْتَاجُ إلَى خَمْسَةِ مَخَارِجَ، وَهِيَ النِّصْفُ وَالثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَالسُّدُسُ وَالثُّمُنُ، وَيَسْقُطُ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا الثُّلُثُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَفِي حَالِ التَّرْكِيبِ يُحْتَاجُ إلَى مَخْرَجَيْنِ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: التَّمَاثُلِ، وَالتَّدَاخُلِ، وَالتَّوَافُقِ، وَالتَّبَايُنِ، فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّمَاثُلِ: كَسُدُسٍ وَسُدُسٍ، أَوْ التَّدَاخُلِ كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ لَمْ يَحْتَجْ مَجْمُوعُهُمَا إلَى مَخْرَجٍ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ التَّوَافُقِ أَوْ التَّبَايُنِ احْتَاجَ إلَى مَخْرَجٍ لِجَمِيعِ الْفُرُوضِ بِضَرْبِ وَفْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُمْلَتِهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 55 وَاَلَّذِي يَعُولُ مِنْهَا السِّتَّةُ إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ، وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ   [مغني المحتاج] كَامِلِ الْآخَرِ فَاحْتَجْنَا إلَى مَخْرَجَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدِهِمَا: اثْنَا عَشَرَ، وَهُوَ مَعَ التَّوَافُقِ تَرْكِيبُ الرُّبُعِ وَالسُّدُسِ، وَمَعَ التَّبَايُنِ تَرْكِيبُ الرُّبُعِ وَالثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ رُبُعٌ وَسُدُسٌ أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ وَثُلُثَانِ. وَالثَّانِي: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ مَعَ التَّوَافُقِ تَرْكِيبُ الثُّمُنِ وَالسُّدُسِ، وَمَعَ التَّبَايُنِ تَرْكِيبُ الثُّمُنِ وَالثُّلُثَيْنِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ لَهُ ثُمُنٌ وَسُدُسٌ وَثِنْتَانِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الثُّمُنِ وَالثُّلُثِ فَظَهَرَ انْحِصَارُ الْمَخَارِجِ فِي السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَزَادَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهَا أَصْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ، فَأَوَّلُهُمَا كَأُمٍّ وَجَدٍّ وَخَمْسَةِ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ سُدُسٌ صَحِيحٌ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى هُوَ هَذَا الْعَدَدُ، وَالثَّانِي: كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَسَبْعَةِ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ رُبُعٌ وَسُدُسٌ صَحِيحَانِ وَثُلُثُ مَا يَبْقَى هُوَ هَذَا الْعَدَدُ، وَالْمُتَقَدِّمُونَ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ تَصْحِيحًا وَاسْتَصْوَبَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ طَرِيقَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هُوَ الْمُخْتَارُ الْأَصَحُّ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَوْلَا إقَامَةُ الْفَرِيضَةِ مِنْ النِّصْفِ وَثُلُثِ مَا يَبْقَى لَقَالُوا: هِيَ مِنْ اثْنَيْنِ لِلزَّوْجِ وَاحِدٌ يَبْقَى وَاحِدٌ، وَلَيْسَ لَهُ ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَيُضْرَبُ مَخْرَجُ الثُّلُثِ فِي اثْنَيْنِ فَتَصِيرُ سِتَّةً وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الِاحْتِجَاجِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ غَيْرُ سَالِمٍ مِنْ النِّزَاعِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْفَرْضِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَهَا مِنْ اثْنَيْنِ. اهـ. وَعَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْضٌ أَصْلِيٌّ وَلَا كَذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَدِّ، وَاعْتَذَرَ الْإِمَامُ عَنْ الْقُدَمَاءِ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَعُدُّوهُمَا مَعَ مَا سَبَقَ لِأَنَّ الْأُصُولَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ الْمَنْصُوصَةِ، وَهِيَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا وَثُلُثُ مَا يَبْقَى مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَيْسَ مَنْصُوصًا وَلَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. قَالَ: وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: طَرِيقَةُ الْقُدَمَاءِ أَصْلٌ، وَطَرِيقَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِحْسَانٌ. تَنْبِيهٌ: لَمَّا كَانَ الِاثْنَا عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ زَائِدَيْنِ عَلَى الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ حَسُنَ الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَالْأُصُولُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَعُولُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ، فَقَالَ: (وَاَلَّذِي يَعُولُ مِنْهَا) ثَلَاثَةٌ (السِّتَّةُ) وَضِعْفُهَا وَضِعْفُ ضِعْفِهَا، فَالسِّتَّةُ تَعُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْتَارًا وَأَشْفَاعًا (إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ) لِغَيْرِ أُمٍّ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ اثْنَانِ فَعَالَتْ بِسُدُسِهِمَا، وَنَقَصَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُبُعُ مَا نُطِقَ لَهُ بِهِ. قِيلَ: وَهِيَ أَوَّلُ فَرِيضَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ بَدَأْتُ بِالزَّوْجِ لَمْ يَبْقَ لِلْأُخْتَيْنِ حَقُّهُمَا، وَإِنْ بَدَأْتُ بِالْأُخْتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلزَّوْجِ حَقُّهُ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ، فَأَشَارَ إلَيْهِ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْعَوْلِ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَلِآخَرَ أَرْبَعَةٌ، أَلَيْسَ تَجْعَلُ الْمَالَ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: هُوَ ذَاكَ فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ (وَ) تَعُولُ السِّتَّةُ أَيْضًا (إلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ) أَيْ كَزَوْجٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 56 وَأُمٍّ، وَإِلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمِّ، وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ. وَالِاثْنَا عَشَرَ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ، وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ. وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ كَبِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ.   [مغني المحتاج] وَأُخْتَيْنِ (وَأُمٍّ) فَيُزَادُ عَلَيْهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ لِلْأُمِّ فَتَعُولُ بِمِثْلِ ثُلُثِهَا، وَإِدْخَالُ الْكَافِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَهَؤُلَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَمِنْ صُوَرِ الْعَوْلِ لِلثَّمَانِيَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمُبَاهَلَةِ مِنْ الْبَهْلِ، وَهُوَ اللَّعْنُ، وَقِيلَ: إنَّهَا أَوَّلُ فَرِيضَةٍ أُعِيلَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ صَغِيرًا فَلَمَّا كَبِرَ أَظْهَرَ الْخِلَافَ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ، وَجَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ، وَلَا عَوْلَ حِينَئِذٍ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ لَمْ تَقُلْ هَذَا لِعُمَرَ؟ فَقَالَ: كَانَ رَجُلًا مُهَابًا فَهِبْتُهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الَّذِي أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمَالِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا ذَهَبَ النِّصْفَانِ بِالْمَالِ فَأَيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ؟ ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا لَوْ مِتُّ أَوْ مِتَّ لَقُسِمَ مِيرَاثُنَا عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ خِلَافِ رَأْيِكَ. قَالَ: فَإِنْ شَاءُوا فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَهُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَهُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ فَسُمِّيَتْ الْمُبَاهَلَةَ لِذَلِكَ (وَ) تَعُولُ السِّتَّةُ أَيْضًا (إلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ) أَيْ زَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ وَأُمٍّ (وَأَخٍ لِأُمٍّ) فَعَالَتْ بِمِثْلِ نِصْفِهَا (وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهُمْ) أَيْ: الْمَذْكُورِينَ فِي التِّسْعَةِ (وَآخَرَ لِأُمٍّ) فَتَعُولُ بِمِثْلِ ثُلُثَيْهَا، وَتُسَمَّى هَذِهِ بِأُمِّ الْفُرُوخِ بِالْخَاءِ لِكَثْرَةِ سِهَامِهَا الْعَائِلَةِ وَالشُّرَيْحِيَّةِ لِأَنَّ شُرَيْحًا قَضَى فِيهَا بِذَلِكَ، وَمَتَى عَالَتْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ لَا يَكُونُ الْمَيِّتُ إلَّا امْرَأَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَعُولُ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِزَوْجٍ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عَوْلِ السِّتَّةِ إلَى أَرْبَعِ مَرَّاتٍ شَرَعَ فِي عَوْلِ ضِعْفِهَا، فَقَالَ: (وَالِاثْنَا عَشَرَ) تَعُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْتَارًا. الْمَرَّةُ الْأُولَى: بِنِصْفِ سُدُسِهَا (إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ) لِغَيْرِ أُمٍّ (وَ) الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ بِرُبُعِهَا (إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ) أَيْ: الْمَذْكُورِينَ (وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَ) الْمَرَّةُ الثَّالِثَةُ بِرُبُعِهَا وَسُدُسِهَا إلَى (سَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ) أَيْ: الْمَذْكُورِينَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ (وَ) أَخٍ (آخَرَ لِأُمٍّ) . وَمِنْ صُوَرِهَا أُمُّ الْأَرَامِلِ، وَهِيَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ وَجَدَّتَانِ وَأَرْبَعُ أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ أُنْثَى مُتَسَاوِيَاتٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَرَامِلِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الدِّينَارِيَّةَ الصُّغْرَى لِأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ فِيهَا سَبْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ دِينَارٌ، وَإِنَّمَا أُعِيلَتْ هَذِهِ بِالْأَوْتَارِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رُبُعٍ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، وَاَلَّذِي يَنْضَمُّ إلَيْهِ الثُّلُثَانِ، وَهُمَا ثَمَانِيَةٌ أَوْ ثُلُثٌ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ أَوْ نِصْفٌ وَهُوَ سِتَّةٌ، فَإِذَا انْضَمَّ الْفَرْدُ لِلزَّوْجِ كَانَ وِتْرًا لَا شَفْعًا بِخِلَافِ السِّتَّةِ فَإِنَّهَا تَعُولُ شَفْعًا وَوِتْرًا كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْوِتْرَ يُشْفَعُ فِيهَا بِوِتْرٍ آخَرَ فَتَصِيرُ شَفْعًا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عَوْلِ الضِّعْفِ إلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا وَالْمَيِّتُ رَجُلٌ كَمَا أَفْهَمَهُ تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْعَدَدِ الْأَصَمِّ مَا يَكُونُ أَصْلًا لِلْمَسْأَلَةِ إلَى الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَالسَّبْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ مِنْ مَسَائِلِ الْعَوْلِ. شَرَعَ فِي عَوْلِ ضِعْفِ ضِعْفِهَا، فَقَالَ: (وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ) تَعُولُ عَوْلَةً وَاحِدَةً وِتْرًا فَقَطْ بِثُمُنِهَا (إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ كَبِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ) وَمَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 57 وَإِذَا تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَذَاكَ وَإِنْ اخْتَلَفَا وَفَنِيَ الْأَكْثَرُ بِالْأَقَلِّ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَمُتَدَاخِلَانِ كَثَلَاثَةٍ مَعَ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَفْنَهُمَا إلَّا عَدَدٌ ثَالِثٌ فَمُتَوَافِقَانِ بِجُزْئِهِ كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يَفْنَهُمَا إلَّا وَاحِدٌ   [مغني المحتاج] تَسْمِيَةُ هَذِهِ بِالْمِنْبَرِيَّةِ، وَغَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا عَوْلَ فِيهِ لِأَنَّ الْأُصُولَ قِسْمَانِ: تَامٌّ وَنَاقِصٌ، فَالتَّامُّ هُوَ الَّذِي يَعُولُ وَهُوَ الَّذِي إذَا الْمَسْأَلَةُ الْمِنْبَرِيَّةُ اجْتَمَعَتْ أَجْزَاؤُهُ الصَّحِيحَةُ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَزْيَدَ، فَالسِّتَّةُ تَامَّةٌ لِأَنَّ لَهَا سُدُسًا وَثُلُثًا وَنِصْفًا تَسَاوَتْ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ سِتَّةٌ، وَالِاثْنَا عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ زَائِدَانِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَهُ سُدُسٌ وَرُبُعٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ، فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَالثَّانِي لَهُ ثُمُنٌ وَسُدُسٌ وَرُبُعٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ، فَالْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَالنَّاقِصُ هُوَ الَّذِي إذَا اجْتَمَعَتْ أَجْزَاؤُهُ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ، وَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ، وَالْعَوْلُ زِيَادَةٌ فِي مَسْأَلَةِ أَصْحَابِ فُرُوضٍ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ بَعْضِهِمْ وَتَضِيقُ الْفُرُوضِ عَلَيْهِمْ فَتُعَالُ لِيَدْخُلَ النَّقْصُ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ وُجُودُ عَاصِبٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ، فَقَالَ: (وَإِذَا تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ) كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ مَخْرَجَيْ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ وَلَدَيْ أُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ أَنْ يُقَالَ فِيهِمَا مُتَمَاثِلَانِ وَيُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا وَيُجْعَلَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَحَقِيقَةُ الْمُتَمَاثِلَيْنِ أَنَّهُمَا إذَا سُلِّطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَفْنَاهُ مَرَّةً وَاحِدَةً (وَإِنْ اخْتَلَفَا وَفَنِيَ الْأَكْثَرُ بِالْأَقَلِّ) عِنْدَ إسْقَاطِهِ مِنْ الْأَكْثَرِ (مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَمُتَدَاخِلَانِ كَثَلَاثَةٍ مَعَ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ) أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِنَّ السِّتَّةَ تَفْنَى بِإِسْقَاطِ الثَّلَاثِ مَرَّتَيْنِ، وَالتِّسْعَةَ بِإِسْقَاطِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ بِإِسْقَاطِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ لِأَنَّهَا خُمُسُهَا. وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِدُخُولِ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ، فَيَكُونُ الْأَكْثَرُ مَدْخُولًا فِيهِ وَإِنْ اقْتَضَى اللَّفْظُ دُخُولَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَحُكْمُ الْمُتَدَاخِلِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالْأَكْبَرِ وَيُجْعَلُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ (وَإِنْ) أَيْ وَإِنْ اخْتَلَفَا وَ (لَمْ يُفْنِهِمَا إلَّا عَدَدٌ ثَالِثٌ فَمُتَوَافِقَانِ بِجُزْئِهِ) أَيْ الثَّالِثِ (كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ) بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ (بِالنِّصْفِ) لِأَنَّكَ إذَا سَلَّطْتَ الْأَرْبَعَةَ عَلَى السِّتَّةِ يَبْقَى مِنْهَا اثْنَانِ سَلِّطْهُمَا عَلَى الْأَرْبَعَةِ مَرَّتَيْنِ تَفْنَى بِهِمَا فَقَدْ حَصَلَ الْإِفْنَاءُ بِاثْنَيْنِ، وَهُوَ عَدَدٌ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءِ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَإِنْ فَنِيَ بِثَلَاثَةٍ فَالْمُوَافَقَةُ بِالثُّلُثِ وَهَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ فَبِالْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِسْبَةِ الْوَاحِدِ إلَى الْعَدَدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْإِفْنَاءُ فَمَا كَانَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَانَتْ الْمُوَافَقَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ وَنِسْبَةُ الْوَاحِدِ إلَى الِاثْنَيْنِ النِّصْفُ وَإِلَى الثَّلَاثَةِ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ الْمُفْنِي أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَالتَّوَافُقُ حِينَئِذٍ بِالْأَجْزَاءِ كَجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، فَإِنْ أَفْنَى عَدَدَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدٍ وَاحِدٍ، فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِأَجْزَاءِ مَا فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ مِنْ الْآحَادِ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ تُفْنِيهِمَا السِّتَّةُ وَالثَّلَاثَةُ وَالِاثْنَانِ، فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالْأَسْدَاسِ وَالْأَثْلَاثِ وَالْأَنْصَافِ، وَالْعَمَلُ وَالِاعْتِبَارُ فِي ذَلِكَ بِالْجُزْءِ الْأَقَلِّ فَيُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ وَفِي الْمُتَوَافِقَيْنِ بِالْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ الْعُشْرُ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَحُكْمُ الْمُتَوَافِقَيْنِ أَنْ تَضْرِبَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ، وَالْحَاصِلُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ (وَإِنْ) أَيْ وَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَمْ يَفْنَ أَكْثَرُهُمَا بِأَقَلِّهِمَا وَلَا بِعَدَدٍ ثَالِثٍ بِأَنْ (لَمْ يُفْنِهِمَا إلَّا وَاحِدٌ) وَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 58 تَبَايَنَا كَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ، وَالْمُتَدَاخَلَانِ مُتَوَافِقَانِ، وَلَا عَكْسَ. فَرْعٌ إذَا عَرَفْتَ أَصْلَهَا وَانْقَسَمَتْ السِّهَامُ عَلَيْهِمْ فَذَاكَ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ قُوبِلَتْ بِعَدَدِهِ، فَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ عَدَدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ، وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِ فِيهَا فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ،   [مغني المحتاج] بِعَدَدٍ، بَلْ هُوَ مَبْدَؤُهُ (تَبَايَنَا كَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ) لِأَنَّكَ إذَا أَسْقَطْتَ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى وَاحِدٌ، فَإِذَا سَلَّطْتَهُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَنِيَتْ بِهِ. وَسُمِّيَا مُتَبَايِنَيْنِ لِأَنَّ فَنَاءَهُمَا بِمُبَايِنِهِمَا وَهُوَ الْوَاحِدُ، لِأَنَّهُمَا عَدَدَانِ وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ كَمَا مَرَّ وَحُكْمُ الْمُتَبَايِنَيْنِ أَنَّك تَضْرِبُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ فِي الْآخَرِ فَانْحَصَرَ حِينَئِذٍ نِسْبَةُ كُلِّ عَدَدَيْنِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ وَالتَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ (وَ) الْعَدَدَانِ (الْمُتَدَاخِلَانِ مُتَوَافِقَانِ) كَثَلَاثَةٍ مَعَ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ فَالثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ السِّتَّةِ وَالتِّسْعَةِ وَمُوَافِقَةٌ لَهُمَا بِالثُّلُثِ (وَلَا عَكْسَ) أَيْ لَيْسَ كُلُّ مُتَوَافِقَيْنِ مُتَدَاخِلَيْنِ، فَقَدْ يَكُونَانِ مُتَوَافِقَيْنِ وَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ كَسِتَّةٍ مَعَ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّدَاخُلِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ مَا دَخَلَ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْأَرْبَعَةَ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ التَّصْحِيحِ الْمُتَرْجِمِ لَهُ بِقَوْلِهِ. فَرْعٌ: فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ تَصْحِيحَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ النِّسَبِ الْأَرْبَعِ، وَإِنَّمَا تَرْجَمَ بِالْفَرْعِ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِتَصْحِيحِهَا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ بِحَيْثُ يَسْلَمُ الْحَاصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ الْكَسْرِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ بِالتَّصْحِيحِ (إذَا عَرَفْتَ) أَيُّهَا الطَّالِبُ لِتَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ (أَصْلَهَا وَانْقَسَمَتْ السِّهَامُ) فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ لِضَرْبٍ: كَزَوْجٍ وَثَلَاثَةِ بَنِينَ هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَكَزَوْجَةٍ وَثَلَاثَةِ بَنِينَ وَبِنْتٍ: هِيَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ وَلِلْبِنْتِ وَاحِدٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ اثْنَانِ (وَإِنْ انْكَسَرَتْ) تِلْكَ السِّهَامُ (عَلَى صِنْفٍ) مِنْهُمْ سِهَامُهُ (قُوبِلَتْ) سِهَامُهُ (بِعَدَدِهِ) أَيْ رُءُوسِ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي انْكَسَرَ عَلَيْهِ (فَإِنْ تَبَايَنَا) أَيْ السِّهَامُ وَالرُّءُوسُ (ضُرِبَ عَدَدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) إنْ لَمْ تَعُلْ وَفِيهَا (بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ) فَمَا اجْتَمَعَ صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ، مِثَالُهُ بِلَا عَوْلٍ زَوْجَةٌ وَأَخَوَانِ: هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلزَّوْجَةِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأَخَوَيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مُنْكَسِرَةٍ عَلَيْهِمَا فَاضْرِبْ عَدَدَهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَمِثَالُهَا بِالْعَوْلِ زَوْجٌ وَخَمْسُ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تُوَافِقُ، فَاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا وَهُوَ سَبْعَةٌ تَبْلُغُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِقَدْرِ مَا فِي الْآخَرِ مِنْ الْآحَادِ (وَإِنْ تَوَافَقَا) أَيْ سِهَامُ الصِّنْفِ مَعَ عَدَدِ رُءُوسِهِ (ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِ) أَيْ الصِّنْفِ (فِيهَا) أَيْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إنْ تَعُلْ وَفِيهَا بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ (فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ) مِثَالُهَا بِلَا عَوْلٍ أُمٌّ وَأَرْبَعَةُ أَعْمَامٍ، هِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 59 وَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفَيْنِ قُوبِلَتْ سِهَامُ كُلِّ صِنْفٍ بِعَدَدِهِ، فَإِنْ تَوَافَقَا رُدَّ الصِّنْفُ إلَى وَفْقِهِ، وَإِلَّا تُرِكَ ثُمَّ إنْ تَمَاثَلَ عَدَدُ الرُّءُوسِ ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا، وَإِنْ تَدَاخَلَا ضُرِبَ أَكْثَرُهُمَا، وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ،   [مغني المحتاج] سَهْمٌ، وَسَهْمَانِ لِلْأَعْمَامِ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ تُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ وَمِنْهَا تَصِحُّ، وَمِثَالُهَا بِالْعَوْلِ زَوْجٌ وَأَبَوَانِ وَسِتُّ بَنَاتٍ هِيَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَنَصِيبُ الْبَنَاتِ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَكِنْ يُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ وَفْقَهُنَّ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ تَبْلُغُ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ (وَإِنْ انْكَسَرَتْ) تِلْكَ السِّهَامُ (عَلَى صِنْفَيْنِ قُوبِلَتْ سِهَامُ كُلِّ صِنْفٍ بِعَدَدِهِ) أَيْ الصِّنْفِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ (فَإِنْ تَوَافَقَا) أَيْ السِّهَامُ وَالْعَدَدُ فِي الصِّنْفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (رُدَّ الصِّنْفُ) الْمُوَافِقُ (إلَى وَفْقِهِ، وَإِلَّا) بِأَنْ تَبَايَنَ السِّهَامُ وَالْعَدَدُ فِي الصِّنْفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (تُرِكَ) الصِّنْفُ الْمُبَايِنُ بِحَالِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (إنْ تَمَاثَلَ عَدَدُ الرُّءُوسِ) فِي الصِّنْفَيْنِ بِرَدِّ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى وَفْقِهِ، أَوْ بِبَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ، أَوْ بِرَدِّ أَحَدِهِمَا وَبَقَاءِ الْآخَرِ (ضُرِبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْعَدَدَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) إنْ لَمْ تَعُلْ وَ (بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ، وَإِنْ تَدَاخَلَا) أَيْ الْعَدَدَانِ (ضُرِبَ أَكْثَرُهُمَا) فِيمَا ذُكِرَ (وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي الْمَسْأَلَةِ) إنْ لَمْ تَعُلْ وَبِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ (وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلُ) مِنْ الضَّرْبِ (فِي) أَصْلِ (الْمَسْأَلَةِ) إنْ لَمْ تَعُلْ وَبِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ (فَمَا بَلَغَ) الضَّرْبُ فِي كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ (صَحَّتْ مِنْهُ) الْمَسْأَلَةُ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْنَ سِهَامِ الصِّنْفَيْنِ وَعَدَدِهِمَا تَوَافُقًا وَتَبَايُنًا، وَتَوَافُقًا فِي أَحَدِهِمَا وَتَبَايُنًا فِي الْآخَرِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، وَأَنَّ بَيْنَ عَدَدِهِمَا تَمَاثُلًا وَتَدَاخُلًا وَتَوَافُقًا وَتَبَايُنًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ. وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ اثْنَا عَشَرَ، فَكُلُّ حَالَةٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ، وَأَنَا أَسْرُدُ لَك أَمْثِلَتَهَا لِتَتَدَرَّبَ عَلَى هَذَا الْفَنِّ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ. أَمْثِلَةٌ: الْحَالَةُ الْأُولَى: وَهِيَ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ وَعَدَدِهِمَا تَوَافُقٌ: أُمٌّ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَثِنْتَا عَشْرَةَ أُخْتًا لِأَبٍ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ: لِلْإِخْوَةِ سَهْمَانِ يُوَافِقَا عَدَدَهُمْ بِالنِّصْفِ فَيُرَدُّ إلَى ثَلَاثَةٍ، وَلِلْأَخَوَاتِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ بِالرُّبُعِ فَيُرَدُّ إلَى ثَلَاثَةٍ وَتُضْرَبُ إحْدَى الثَّلَاثَتَيْنِ فِي سَبْعَةٍ تَبْلُغُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. أُمٌّ وَثَمَانِيَةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَثَمَانُ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ تَرُدُّ عَدَدَ الْإِخْوَةِ إلَى أَرْبَعَةٍ وَالْأَخَوَاتِ إلَى اثْنَتَيْنِ وَهُمَا مُتَدَاخِلَانِ فَتَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ فِي سَبْعَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. أُمٌّ وَاثْنَا عَشَرَ أَخًا لِأُمٍّ وَسِتَّ عَشْرَةَ أُخْتًا لِغَيْرِ أُمٍّ تَرُدُّ عَدَدَ الْإِخْوَةِ إلَى سِتَّةٍ وَالْأَخَوَاتِ إلَى أَرْبَعَةٍ وَتَضْرِبُ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ تُضْرَبُ فِي سَبْعَةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. أُمٌّ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَثَمَانِ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ تَرُدُّ عَدَدَ الْإِخْوَةِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالْأَخَوَاتِ إلَى اثْنَتَيْنِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَتَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ سِتَّةً تُضْرَبُ فِي سَبْعَةٍ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 60 وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا الِانْكِسَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ وَأَرْبَعَةٍ، وَلَا يَزِيدُ الِانْكِسَارُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مَبْلَغِ الْمَسْأَلَةِ فَاضْرِبْ نَصِيبَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ فِيهَا فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُهُ ثُمَّ تُقَسِّمُهُ عَلَى عَدَدِ الصِّنْفِ.   [مغني المحتاج] وَمِنْهُ تَصِحُّ. أَمْثِلَةُ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ: وَهِيَ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ سِهَامِ الصِّنْفَيْنِ وَعَدَدِهِمَا تَبَايُنٌ: ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ هِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالْعَدَدَانِ مُتَمَاثِلَانِ يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ تِسْعَةً، وَمِنْهُ تَصِحُّ. ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ الْعَدَدَانِ مُتَدَاخِلَانِ تَضْرِبُ أَكْثَرَهُمَا وَهُوَ سِتَّةٌ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. تِسْعُ بَنَاتٍ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ الْعَدَدَانِ مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ يُضْرَبُ ثُلُثُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ وَمِنْهُ تَصِحُّ. ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَأَخَوَانِ لِغَيْرِ أُمٍّ الْعَدَدَانِ مُتَبَايِنَانِ تَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ سِتَّةً تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. أَمْثِلَةُ الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ: وَهِيَ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ سِهَامِ الصِّنْفَيْنِ وَعَدَدِهِمَا تَوَافُقٌ فِي أَحَدِهِمَا وَتَبَايُنٌ فِي الْآخَرِ سِتُّ بَنَاتٍ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ تَرُدُّ عَدَدَ الْبَنَاتِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَتَضْرِبُ إحْدَى الثَّلَاثَتَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ تِسْعَةً، وَمِنْهُ تَصِحُّ. أَرْبَعُ بَنَاتٍ وَأَرْبَعَةُ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ تَرُدُّ عَدَدَ الْبَنَاتِ إلَى اثْنَيْنِ وَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْأَرْبَعَةِ فَتَضْرِبُهُمَا فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ ثَمَانِ بَنَاتٍ وَسِتَّةُ إخْوَةٍ لِغَيْرِ أُمٍّ تَرُدُّ عَدَدَ الْبَنَاتِ إلَى أَرْبَعَةٍ، وَهِيَ تُوَافِقُ السِّتَّةَ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. أَرْبَعُ بَنَاتٍ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ تَرُدُّ عَدَدَ الْبَنَاتِ إلَى اثْنَيْنِ، وَهُمَا مَعَ الثَّلَاثَةِ مُتَبَايِنَانِ تَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ سِتَّةً تُضْرَبُ فِي ثَلَاثَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْهُ تَصِحُّ. (وَيُقَاسُ عَلَى) جَمِيعِ (هَذَا) الْمَذْكُورِ فِي انْكِسَارِ السِّهَامِ عَلَى صِنْفَيْنِ (الِانْكِسَارُ) فِيهَا (عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ) كَجَدَّتَيْنِ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَمَّيْنِ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ (وَ) الِانْكِسَارُ فِيهَا عَلَى أَصْنَافٍ (أَرْبَعَةٍ) كَزَوْجَتَيْنِ وَأَرْبَعِ جَدَّاتٍ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ لِأُمٍّ وَعَمَّيْنِ أَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ (وَلَا يَزِيدُ الِانْكِسَارُ) فِي غَيْرِ الْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةِ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَزِيدُونَ عَلَى خَمْسَةِ أَصْنَافٍ عِنْدَ اجْتِمَاعِ كُلِّ الْوَرَثَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي اجْتِمَاعِ مَنْ يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنْ الْخَمْسَةِ الزَّوْجُ وَالْأَبُ وَالْأُمُّ وَلَا تَعَدُّدَ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَنَصِيبُهُ صَحِيحٌ عَلَيْهِ جَزْمًا. أَمَّا الْوَلَاءُ وَالْوَصِيَّةُ فَيَزِيدُ الْكَسْرُ فِيهِمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ (فَإِذَا أَرَدْت) بَعْدَ تَصْحِيحِ الْمَسْأَلَةِ (مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ (مِنْ مَبْلَغِ) سِهَامِ (الْمَسْأَلَةِ فَاضْرِبْ نَصِيبَهُ) أَيْ الصِّنْفِ (مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ) بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ (فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا فَمَا بَلَغَ) الضَّرْبُ (فَهُوَ نَصِيبُهُ) أَيْ الصِّنْفِ (ثُمَّ تَقْسِمُهُ) أَيْ مَا بَلَغَ بِالضَّرْبِ (عَلَى عَدَدِ الصِّنْفِ) وَمَثَّلَ لِذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ بِجَدَّتَيْنِ، وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ، وَعَمٍّ لِغَيْرِ أُمٍّ هِيَ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَصِحُّ بِضَرْبِ سِتَّةٍ فِيهَا تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ لِلْجَدَّتَيْنِ وَاحِدٌ فِي سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ أَرْبَعَةٌ فِي سِتَّةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِكُلِّ أُخْتٍ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْعَمِّ وَاحِدٌ فِي سِتَّةٍ بِسِتَّةٍ، وَإِذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 61 فَرْعٌ: مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ لَمْ يَرِثْ الثَّانِيَ غَيْرَ الْبَاقِينَ وَكَانَ إرْثُهُمْ مِنْهُ كَإِرْثِهِمْ مِنْ الْأَوَّلِ جُعِلَ كَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ وَقُسِمَ بَيْنَ الْبَاقِينَ كَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ أَوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْبَاقِينَ. وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ إرْثُهُ فِي الْبَاقِينَ أَوْ انْحَصَرَ وَاخْتَلَفَ قَدْرُ الِاسْتِحْقَاقِ   [مغني المحتاج] أَرَدْتَ مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْوَرَثَةِ قَبْلَ عَمَلِ الْمَسْأَلَةِ، فَاضْرِبْ نَصِيبَ ذَلِكَ الْوَارِثِ فِي أَعْدَادِ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ وَارِثٍ، فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ تَضْرِبُ نَصِيبَ الْجَدَّتَيْنِ وَهُوَ وَاحِدٌ فِي أَعْدَادِ الْأَخَوَاتِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بِثَلَاثَةٍ، ثُمَّ فِي الْعَمِّ وَهُوَ وَاحِدٌ بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ مَا لِكُلِّ جَدَّةٍ وَهَكَذَا، وَهَذَا الطَّرِيقُ خَاصٌّ بِمُبَايَنَةِ السِّهَامِ لِلرُّءُوسِ وَكُلٍّ مِنْ الرُّءُوسِ لِلْآخَرِ. . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَيِّتٍ وَاحِدٍ شَرَعَ فِي تَصْحِيحِهَا بِالنِّسْبَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَرْعٌ: فِي الْمُنَاسَخَاتِ، فَهِيَ نَوْعٌ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ. وَالنَّسْخُ لُغَةً: إبْطَالُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ، يُقَالُ: نَسَخَتْ الشَّمْسُ الظِّلَّ إذَا أَذْهَبَتْهُ وَحَلَّتْ مَحَلَّهُ، وَاصْطِلَاحًا أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَسُمِّيَ هَذَا مُنَاسَخَةً لِانْتِقَالِ الْمَالِ فِيهِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ مِنْ غَوِيصِ الْفَرَائِضِ فَإِذَا (مَاتَ) شَخْصٌ (عَنْ وَرَثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) لِتَرِكَتِهِ نَظَرْتَ (فَإِنْ لَمْ يَرِثْ) الْمَيِّتَ (الثَّانِيَ غَيْرُ) كُلِّ (الْبَاقِينَ) مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ (وَكَانَ إرْثُهُمْ) أَيْ الْبَاقِينَ (مِنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ الثَّانِي (كَإِرْثِهِمْ مِنْ) الْمَيِّتِ (الْأَوَّلِ جُعِلَ) حَالُهُمْ بِالنَّظَرِ إلَى الْحِسَابِ وَالِاخْتِصَارِ فِيهِ لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا شَرْعًا (كَأَنَّ) الْمَيِّتَ (الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ) مِنْ وَرَثَةِ الْأَوَّلِ (وَقُسِمَ) الْمَتْرُوكُ (بَيْنَ الْبَاقِينَ) مِنْ الْوَرَثَةِ (كَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ) لِغَيْرِ أُمٍّ (أَوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْبَاقِينَ) لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ إلَيْهِمْ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ، فَكَأَنَّ الَّذِينَ مَاتُوا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُونُوا، فَلَوْ مَاتَ عَنْ أَرْبَعَةِ بَنِينَ وَأَرْبَعِ بَنَاتٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُمْ ابْنٌ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ مِنْهُمْ صَارَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى عَشَرَةٍ، فَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ عَمَّنْ بَقِيَ صَارَتْ عَلَى تِسْعَةٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ عَمَّنْ بَقِيَ صَارَتْ عَلَى سَبْعَةٍ، فَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ عَمَّنْ بَقِيَ صَارَتْ عَلَى سِتَّةٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ عَمَّنْ بَقِيَ صَارَتْ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَإِنْ مَاتَتْ بِنْتٌ عَمَّنْ بَقِيَ صَارَتْ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَكَأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَ ابْنٍ وَبِنْتٍ فَلَهُ سَهْمَانِ وَلَهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْإِخْوَةَ عَلَى الْبَنِينَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِمْ بَاقٍ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فَإِذَا خَلَّفَ إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ، فَالْوَرَثَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالْإِخْوَةِ، بِخِلَافِ الْبَنِينَ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبَنَاتٍ ثُمَّ مَاتَ بَعْضُهُمْ، فَالْإِرْثُ فِي الْأُولَى بِالْبُنُوَّةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْأُخُوَّةِ وَأَفْهَمَ تَصْوِيرُهُ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَصَبَةِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِي غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَأْتِي فِي غَيْرِ الْعَصَبَةِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ بِجَدَّتَيْنِ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، وَفِي الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ كَأُمٍّ وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَمُعْتِقٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْإِخْوَةِ عَنْ الْبَاقِينَ. (وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ إرْثُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ الثَّانِي (فِي الْبَاقِينَ) إمَّا لِأَنَّ الْوَارِثَ غَيْرُهُمْ أَوْ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ يَشْرَكُهُمْ فِيهِ (أَوْ انْحَصَرَ) فِيهِمْ (وَاخْتَلَفَ قَدْرُ الِاسْتِحْقَاقِ) لَهُمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 62 فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَسْأَلَةَ الثَّانِي إنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ مَسْأَلَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا كُلَّهَا فِيهَا فَمَا بَلَغَ صَحَّتَا مِنْهُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نَصِيبِ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى أَوْ فِي وَفْقِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ مَسْأَلَتِهِ وَنَصِيبِهِ وَفْقٌ.   [مغني المحتاج] مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي (فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ) صَحِّحْ (مَسْأَلَةَ الثَّانِي) بَعْدَ تَصْحِيحِهِمَا يُنْظَرُ (إنْ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ فَذَاكَ) ظَاهِرٌ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى وَعَنْ بِنْتٍ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَنَصِيبُ مَيِّتِهِمَا مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى عَلَى مَسْأَلَتِهِ نَظَرْتَ (فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ مَسْأَلَةِ الثَّانِي وَنَصِيبِهِ (مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ مَسْأَلَتِهِ) أَيْ الثَّانِي (فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ) كَجَدَّتَيْنِ وَثَلَاثِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ عَنْ أُخْتٍ لِأُمٍّ هِيَ الشَّقِيقَةُ فِي الْأُولَى وَعَنْ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَعَنْ أُمِّ أُمٍّ هِيَ إحْدَى الْجَدَّتَيْنِ فِي الْأُولَى أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ، وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَنَصِيبُ مَيِّتِهَا مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ يُوَافِقَانِ مَسْأَلَتَهَا بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ مَسْأَلَتِهَا وَهُمْ ثَلَاثَةٌ فِي الْأُولَى تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ لِكُلِّ جَدَّةٍ مِنْ الْأُولَى سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ وَلِلْوَارِثَةِ فِي الثَّانِيَةِ سَهْمٌ مِنْهَا فِي وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ وَلِأُخْتٍ لِلْأَبَوَيْنِ فِي الْأُولَى سِتَّةٌ مِنْهَا فِي ثَلَاثَةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ سَهْمٌ فِي وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ وَلِلْأُخْتِ وَلِلْأَبِ فِي الْأُولَى سَهْمَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأَبَوَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا فِي وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا وَرِثَتْ الْأُخْتَانِ فِي الْأُولَى أَيْضًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ كَانَ لِمَانِعٍ وُجِدَ لَهُمَا عِنْدَ الْأُولَى كَرِقٍّ وَكَانَ زَائِلًا عِنْدَ الثَّانِيَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بَلْ مُبَايَنَةٌ فَقَطْ وَإِنْ أُوهِمَ دُخُولُ التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ أَيْضًا تَحْتَ قَوْلِهِ: وَإِلَّا ضُرِبَتْ (كُلُّهَا) أَيْ الثَّانِيَةِ (فِيهَا) أَيْ الْأُولَى (فَمَا بَلَغَ) الضَّرْبُ (صَحَّتَا) أَيْ الْمَسْأَلَتَانِ (مِنْهُ، ثُمَّ) تَقُولُ (مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ) الْمَسْأَلَةِ (الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا) مِنْ وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ كُلِّهَا (وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نَصِيبِ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى، أَوْ) أَخَذَهُ مَضْرُوبًا (فِي وَفْقِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ مَسْأَلَتِهِ وَنَصِيبِهِ وَفْقٌ) كَزَوْجَةٍ وَثَلَاثَةِ بَنِينَ وَبِنْتٍ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمٍّ وَثَلَاثَةِ إخْوَةٍ وَهُمْ الْبَاقُونَ مِنْ الْأُولَى الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَالثَّانِيَةُ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَنَصِيبُ مَيِّتِهَا مِنْ الْأُولَى سَهْمٌ لَا يُوَافِقُ مَسْأَلَتَهُ فَتُضْرَبُ فِي الْأُولَى تَبْلُغُ مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى سَهْمٌ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ وَلِكُلِّ ابْنٍ مِنْ الْأُولَى سَهْمَانِ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ خَمْسَةٌ فِي وَاحِدٍ بِخَمْسَةٍ وَمَا صَحَّتْ مِنْهُ الْمَسْأَلَتَانِ صَارَ كَمَسْأَلَةٍ أُولَى، فَإِذَا مَاتَ ثَالِثٌ عُمِلَ فِي مَسْأَلَتِهِ مَا عُمِلَ فِي الثَّانِي وَهَكَذَا، فَإِذَا صَحَّتْ الْأُولَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 63 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] ثُمَّ الثَّانِيَةُ وَجَعَلْتَهُمَا كَمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَصَحِّحْ الثَّالِثَةَ، وَانْظُرْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا خَصَّهُ مِنْ التَّصْحِيحِ، فَإِنْ صَحَّتْ عَلَيْهَا فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ رَدَدْتَ الثَّالِثَةَ إلَى وَفْقِهَا وَالسِّهَامَ إلَى وَفْقِهَا وَضَرَبْتَ وَفْقَ الثَّالِثَةِ الَّتِي صَارَتْ ثَانِيَةً فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ فَاضْرِبْ كُلَّ الثَّالِثَةِ فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ التَّصْحِيحِ يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي وَفْقِ الثَّالِثَةِ فِي صُورَةِ الْمُوَافَقَةِ أَوْ فِي كُلِّهَا فِي صُورَةِ الْمُبَايَنَةِ وَقَدْ صَارَتْ الثَّلَاثُ وَاحِدَةً، فَإِنْ فُرِضَ هُنَاكَ مَيِّتٌ رَابِعٌ صَحِّحْ مَسْأَلَتَهُ وَاعْمَلْهَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ. فَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثِ بَنَاتٍ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ عَنْ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ فَتَعُولُ الْأُولَى مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ وَلِلْبَنَاتِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَمَانِيَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ اثْنَيْنِ وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى تِسْعَةٌ لَا يَصِحُّ عَلَى مَسْأَلَتِهِ وَلَا يُوَافِقُ فَاضْرِبْ الثَّانِيَةَ وَهِيَ اثْنَانِ الْأُولَى يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَتَانِ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا وَهُوَ اثْنَانِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نَصِيبِ مُورَثِهِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَتَقُولُ: كَانَ لِلْأُمِّ مِنْ الْأُولَى سِتَّةٌ فِي اثْنَيْنِ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَكَانَ لِكُلِّ مَيِّتٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْأُولَى ثَمَانِيَةٌ فِي اثْنَيْنِ بِسِتَّةَ عَشَرَ، وَكَانَ لِكُلِّ ابْنٍ مِنْ الثَّانِيَةِ سَهْمٌ فِي تِسْعَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَنَصِيبُ الْمَيِّتِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَتَانِ اثْنَا عَشَرَ تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا لِلْأَخِ ثَمَانِيَةٌ وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ فَقَدْ صَحَّتْ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَتَانِ، وَلَكَ أَنْ تُصَحِّحَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ بِرَأْسِهَا وَتُقَابِلَ نَصِيبَ كُلِّ مَيِّتٍ بِمَسْأَلَتِهِ، فَمَنْ انْقَسَمَ نَصِيبُهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ فَلَا اعْتِدَادَ بِمَسْأَلَتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَنْقَسِمْ حَفِظْتَ مَسْأَلَتَهُ بِتَمَامِهَا إنْ لَمْ تُوَافِقْ نَصِيبَهُ أَوْ وَفْقَهَا إنْ تَوَافَقَا وَفَعَلْتَ بِهَا كَمَا يُفْعَلُ بِأَعْدَادِ الْأَصْنَافِ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَمَا حَصَلَ ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَمَا حَصَلَ قَسَمْتَهُ فَتَضْرِبُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُولَى فِي الْعَدَدِ الْمَضْرُوبِ فِيهَا، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ لَهُ إنْ كَانَ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا. . خَاتِمَةٌ: قَدْ يُذْكَرُ فِي الْمُنَاسَخَاتِ مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ فَلْيُتَفَطَّنْ لَهُ، كَمَا لَوْ قِيلَ زَوْجٌ وَأَرْبَعُ بَنَاتٍ وَعَمٌّ ثُمَّ لَمْ تُقَسَّمْ التَّرِكَةُ حَتَّى مَاتَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ وَخَلَّفَتْ أُمًّا وَمَنْ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّ أُمَّ الْبِنْتِ هِيَ الْمَيِّتَةُ الْأُولَى فَيَسْتَحِيلُ كَوْنُهَا مَوْجُودَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا قِيلَ: أَبَوَانِ وَابْنَتَانِ لَمْ تُقَسَّمْ التَّرِكَةُ حَتَّى مَاتَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَخَلَّفَتْ مَنْ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيُقَالُ: الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى. يُقَالُ: إنَّ الْمَأْمُونَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ الْقَضَاءَ سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْأَوَّلُ كَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى فَوَلَّاهُ الْقَضَاءَ وَقَالَ: إذَا عَرَفْتَ الْفَرْقَ عَرَفْتَ الْجَوَابَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا فَالْأَبُ وَارِثٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ أَبُو الْأَبِ وَإِلَّا فَغَيْرُ وَارِثٍ لِأَنَّهُ أَبُو الْأُمِّ، فَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ الْأَوَّلُ رَجُلًا صَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ سَهْمَانِ، وَمَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَهِيَ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ مِنْ سِتَّةٍ أَيْضًا لِلْجَدَّةِ سَهْمٌ يَفْضُلُ خَمْسَةٌ بَيْنَ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَبَيْنَ الْأُخْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 64 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَثْلَاثًا وَهِيَ لَا ثُلُثَ لَهَا صَحِيحًا فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ سِهَامِ الْمَيِّتَةِ وَهُمَا اثْنَانِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَتَرُدُّهَا إلَى نِصْفِهَا تِسْعَةٍ وَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ فَتَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَرَفْتَ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى صَحَّتْ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، بَيَانُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنْ سِتَّةٍ كَمَا مَرَّ، وَمَسْأَلَةَ الْمَيِّتِ الثَّانِي مِنْ سِتَّةٍ أَيْضًا وَالْجَدُّ أَبُو الْأُمِّ لَا يَرِثُ فَتَأْخُذُ الْجَدَّةُ سَهْمًا وَالْأُخْتُ ثَلَاثَةً وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ بِشَرْطِهِ وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَسِهَامِهِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَتَرُدُّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ وَتَضْرِبُهَا فِي سِتَّةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَتَعْمَلُ فِيهَا بِمَا مَرَّ. وَلَمَّا شَارَكَتْ الْوَصَايَا الْفَرَائِضَ فِي التَّعْلِيقِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا فَقَالَ:. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 65 كِتَابُ الْوَصَايَا   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْوَصَايَا] وَلَكِنَّ تَقْدِيمَهَا أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصِي ثُمَّ يَمُوتُ فَتُقَسَّمُ تَرِكَتُهُ، وَهِيَ جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَهَدَايَا وَهَدِيَّةٍ. قَالَ الشَّارِحُ: بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ أَيْ: لِتَشْمَلَ الْوِصَايَةَ فَإِنَّ الْبَابَ مَعْقُودٌ لَهُمَا، وَالْإِيصَاءُ يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ، وَالْوَصَايَا لُغَةً، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةُ بِالْعَهْدِ إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ. وَالْوَصِيَّةُ لُغَةً الْإِيصَالُ مِنْ وَصَّى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ. وَشَرْعًا تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ التَّبَرُّعُ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بِهَا حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَوَارِيثِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا} [النساء: 11] . وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي بِهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» أَيْ: مَا الْحَزْمُ أَوْ مَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا فَقَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَلِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ: «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقًى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً بِكُلِّ الْمَالِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ: مَالًا الْوَصِيَّةُ الْآيَةَ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ وَكَثُرَ الْعِيَالُ، وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْقَرِيبِ غَيْرِ الْوَارِثِ وَتَقْدِيمُ الْمَحْرَمِ مِنْهُمْ ثُمَّ ذِي رَضَاعٍ ثُمَّ صِهْرٍ ثُمَّ ذِي وَلَاءٍ ثُمَّ جِوَارٍ كَمَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمُنَجَّزَةِ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجُونَ مِمَّنْ ذُكِرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 66 تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ، وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ.   [مغني المحتاج] أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ. أَمَّا الْوَارِثُ فَلَا يُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى: كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ أَوْ حَقٍّ لِآدَمِيِّينَ: كَوَدِيعَةٍ وَمَغْصُوبٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَنْ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: فَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَخْشَ مِنْهُمْ كِتْمَانَهُ كَالْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُمْ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَصَدَقَةُ الشَّخْصِ صَحِيحًا ثَمَّ حَيًّا أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَتِهِ مَرِيضًا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ: قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا» . . وَأَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ: مُوصٍ، وَمُوصًى لَهُ، وَمُوصًى بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ) مُخْتَارٍ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ (وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَهَا، وَمَالُهُ عِنْدَنَا بِأَمَانٍ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْمُرْتَدَّ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ. نَعَمْ إنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ كَافِرًا بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ، وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فَالسَّفِيهُ بِلَا حَجْرٍ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالسَّفِيهِ حَجْرُ الْفَلَسِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مَعَهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: مُكَلَّفٍ، فَقَالَ: (لَا مَجْنُونٍ) وَمَعْتُوهٍ وَمُبَرْسَمٍ (وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُمْ. وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ سَبَبُهُ سُكْرًا عَصَى بِهِ، وَكَلَامُهُ مُنْتَظِمٌ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (وَفِي قَوْلٍ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ فِي الْحَالِ، وَتُفِيدُ الثَّوَابَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ جَزْمًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالدَّارِمِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: حُرٍّ. فَقَالَ: (وَلَا رَقِيقٍ) فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ قِنًّا أَمْ مُدَبَّرًا أَمْ مُكَاتَبًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ أَمْ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَيْثُ التَّوَارُثُ، وَالرَّقِيقُ لَا يُورَثُ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ بِالْوَصِيَّةِ (وَقِيلَ: إنْ) أَوْصَى فِي حَالِ رِقِّهِ ثُمَّ (عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ) لِأَنَّ عِبَارَتَهُ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ حِينَئِذٍ. أَمَّا إذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ سَيِّدُهُ فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ لِصِحَّةِ تَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 67 وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ. أَوْ لِشَخْصٍ فَالشَّرْطُ. أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ بُطْلَانُ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَقِيَاسُ التَّوْرِيثِ عَنْهُ الصِّحَّةُ. اهـ. فَتَصِحُّ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، وَالْمُبَعَّضَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: الصِّحَّةُ لِأَنَّ الرِّقَّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، وَالْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ، فَقَالَ: (وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ) فِي الصِّحَّةِ (أَنْ لَا تَكُونَ) الْجِهَةُ (مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ) لِلتَّعَبُّدِ فِيهَا وَلَوْ تَرْمِيمًا، وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَقِرَاءَتِهِمَا، وَكِتَابَةِ كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَالنُّجُومِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِدَهْنِ سِرَاجِ الْكَنِيسَةِ تَعْظِيمًا لَهَا. أَمَّا إذَا قَصَدَ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ وَالْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهَا، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَسَوَاءٌ أَوْصَى بِمَا ذُكِرَ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ، بَلْ قِيلَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِبِنَاءِ الْكَنِيسَةِ مِنْ الْمُسْلِمِ رِدَّةٌ، وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا الْوَصِيَّةُ بِبِنَاءِ مَوْضِعٍ لِبَعْضِ الْمَعَاصِي كَالْخَمَّارَةِ، وَإِذَا انْتَفَتْ الْمَعْصِيَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً كَالْفُقَرَاءِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَا قُبُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا أَوْ مُبَاحَةً لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَفَكِّ أُسَارَى الْكُفَّارِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ الْإِحْسَانِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ مَنْعَ الْوَصِيَّةِ بِعِمَارَةِ الْكَنِيسَةِ، وَمَحَلُّهُ فِي كَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ. أَمَّا كَنِيسَةٌ تَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ أَوْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَوْمٍ يَسْكُنُونَهَا أَوْ تُحْمَلُ أُجْرَتُهَا لِلنَّصَارَى فَيَجُوزُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ إنْ خَصَّ نُزُولَهَا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ حَرُمَ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ أَوْصَى بِبِنَائِهَا لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَالتَّعَبُّدِ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ. (أَوْ) أَوْصَى (لِشَخْصٍ) أَيْ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الشَّخْصِ كَمَا فَعَلَ فِي الْوَقْفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ أَفْرَادُهُ: كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ (فَالشَّرْطُ) عَدَمُ الْمَعْصِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ الْوَصِيَّةُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَلَا تَصِحُّ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ: كَأَعْطُوا الْعَبْدَ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ صَحَّ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا تَشْبِيهًا بِمَا إذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ بِعْهُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ. وَ (أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ) عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَوْ بِمُعَاقَدَةِ وَلِيِّهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِمَيِّتٍ، لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَهُنَاكَ مَيِّتٌ قُدِّمَ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ أَوْ الْمُحْدِثِ الْحَيِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ وَصِيَّةً لِمَيِّتٍ بَلْ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى أَمْرَهُ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنًا أَوْ عَامًّا، لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. وَقَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا: لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِلَّهِ - تَعَالَى - صُرِفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 68 فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ وَتُنْفَذُ إنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَعُلِمَ، وُجُودُهُ عِنْدَهَا بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَكْثَرَ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ أَوْ لِدُونِهِ اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] قَوْلِ الشَّافِعِيِّ. . وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِبَارِ تَصَوُّرِ الْمِلْكِ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي فَتَمْتَنِعُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْكِتَابَةِ، لَكِنَّهُ هُنَا حَكَى وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقِيَاسُ الْبَابِ الصِّحَّةُ: أَيْ: يَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ أَرْسَلَ الْوَصِيَّةَ وَلَا شَيْءَ لَهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ مِنْ الطَّلَاقِ كَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَوْ عَلَّقَ بِمِلْكِهِ لَهُ، كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ إنْ مَلَكْتُهُ فَيَصِيرُ مُوصًى بِهِ إذَا مَلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ بَعْضَهُ صَحَّتْ قَطْعًا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَصِحُّ لِجِنِّيٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ مَنَعَ نِكَاحَ الْجِنِّيَّةِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَصَوُّرِ الْمِلْكِ قَوْلَهُ: (فَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِحَمْلٍ) مَوْجُودٍ وَلَوْ نُطْفَةً كَمَا يَرِثُ بَلْ أَوْلَى لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِمَنْ يَرِثُ كَالْمُكَاتَبِ. أَمَّا لَوْ قَالَ لِحَمْلِهَا الَّذِي سَيَحْدُثُ فَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ (وَتَنْفُذُ) بِمُعْجَمَةٍ (إنْ انْفَصَلَ) الْحَمْلُ (حَيًّا) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، فَلَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا وَلَوْ بِجِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا لَا يَرِثُ (وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (بِأَنْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَإِذَا خَرَجَ قَبْلَهَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ سَيِّدٌ أَمْ لَا (فَإِنْ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ) مِنْهَا (وَالْمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ) الْمُوصَى بِهِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ عِنْدَهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّكِّ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) أَيْ الْمَرْأَةُ الْآنَ (فِرَاشًا) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (وَانْفَصَلَ) الْحَمْلُ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ) أَيْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَمْلُ الْمُوصَى لَهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ (أَوْ لِدُونِهِ) أَيْ دُونِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْأَرْبَعُ فَأَقَلُّ (اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ نَادِرٌ، وَفِي تَقْدِيرِ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ. نَعَمْ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا قَطُّ لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا قَالَهُ السُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ فِي الْفَاسِقَةِ وَنَحْوِهَا دُونَ غَيْرِهَا. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إلْحَاقِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ بِمَا فَوْقَهَا وَالْأَرْبَعِ سِنِينَ بِمَا دُونَهَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلْحَاقَ السِّتَّةِ بِمَا دُونَهَا مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسَعُ لَحْظَتَيْ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْعِدَدِ، وَقَدْ رُدَّ مَا صَوَّبَهُ بِأَنَّ لَحْظَةَ الْوَطْءِ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْمُقَارَنَةِ فَالسِّتَّةُ عَلَى هَذَا مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَا دُونَهَا كَمَا قَالُوهُ فِي الْمَحَلِّ الْآخَرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا صَحِيحٌ وَأَنَّ التَّصْوِيبَ سَهْوٌ وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 69 وَإِنْ أَوْصَى. لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ.   [مغني المحتاج] جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ مُلْحَقَةٌ بِمَا فَوْقَهَا فَقُدِرَ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّا أَثْبَتْنَا النَّسَبَ فِيهَا كَمَا مَرَّ فَلَا تُبَعَّضُ الْأَحْكَامُ، وَلَوْ انْفَصَلَ تَوْأَمٌ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ آخَرُ لِدُونِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ اسْتَحَقَّا، وَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ، وَبَيْنَ الثَّانِي عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالْمَرْأَةُ فِرَاشٌ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِحَمْلِ هِنْد مِنْ زَيْدٍ اُعْتُبِرَ مَا مَعَ مَرَّ ثُبُوتُ نَسَبِهِ بِالشَّرْعِ مِنْ زَيْدٍ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ مِنْهُ ثُمَّ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ لَمْ يَسْتَحِقَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِحَمْلِ فُلَانَةَ، وَيَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَمْلِ وَلِيُّهُ وَلَوْ وَصِيًّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ حَيًّا، فَلَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقِيلَ: يَكْفِي كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَصَحَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. (وَإِنْ أَوْصَى) لِحُرٍّ فَرُقَّ لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ مُطْلَقًا بَلْ مَتَى عَتَقَ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فَيْئًا فِي الْأَظْهَرِ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَالِ مَنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَ نَقْضِ أَمَانِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالثَّانِي: لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. وَإِنْ أَوْصَى (لِعَبْدٍ) لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ بِمُكَاتَبٍ وَلَا مُبَعَّضٍ (فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ) إلَى مَوْتِ الْمُوصِي (فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ) عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَالْقَبُولِ: أَيْ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ لِتَصِحَّ لَكِنْ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعَبْدِ لَهَا وَإِنْ نَهَاهُ سَيِّدُهُ عَنْ الْقَبُولِ، وَلَا يَكْفِي قَبُولُ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَلْ مَعَ الْعَبْدِ، هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْقَبُولِ، وَإِلَّا قَبِلَ السَّيِّدُ كَوَلِيِّ الْحُرِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقِيلَ: يُوقَفُ الْحَالُ إلَى تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُوصِي تَمْلِيكَهُ، فَإِنْ قَصَدَهُ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَمْ تَصِحَّ كَنَظِيرِهِ فِي الْوَقْفِ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يَعْتِقُ الْعَبْدُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَتَكُونُ لَهُ أَوَّلًا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ نَاجِزٌ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ. وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهُ صَحَّ لَهُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُنْتَظَرٌ، وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُمْ بِالْوَقْفِ عَلَى الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ (وَإِنْ عَتَقَ) كُلُّهُ (قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي) أَوْ بَاعَهُ كُلَّهُ كَذَلِكَ (فَلَهُ) فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ حُرٌّ حِينَئِذٍ، وَلِلْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْضُهُ أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، فَقِيَاسُ مَا قَالُوا فِيمَا إذَا أَوْصَى لِمُبَعَّضٍ وَلَا مُهَايَأَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي الْأُولَى، وَبَيْنَ السَّيِّدَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أَوْ بَيْنَ السَّيِّدَيْنِ وَأَوْصَى أَوْ وَهَبَ لَهُ فَلِصَاحِبِ النَّوْبَةِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ وَيَوْمَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ، وَلَوْ خَصَّصَ بِهَا نِصْفَهُ الْحُرَّ أَوْ الرَّقِيقَ أَوْ أَحَدَ السَّيِّدَيْنِ تُخَصَّصُ (وَإِنْ عَتَقَ) أَوْ بِيعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْقَبُولِ فَالْمِلْكُ لِلْمُعْتِقِ أَوْ الْبَائِعِ وَإِنْ عَتَقَ أَوْ بِيعَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (ثُمَّ قَبِلَ) الْوَصِيَّةَ (بُنِيَ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ) إنْ قُلْنَا بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ بِالْمَوْتِ فَقَطْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 70 وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا.   [مغني المحتاج] فَهِيَ لِلْمُعْتِقِ أَوْ الْبَائِعِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَبُولِ فَقَطْ فَلِلْعَتِيقِ فِي الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ عَتَقَ مَعَ الْمَوْتِ فَالْمِلْكُ لِلْعَتِيقِ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَقْتَ الْمِلْكِ. أَمَّا إذَا أَوْصَى لِعَبْدِ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ صَحَّ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَعَتَقَ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَبَاقِي الثُّلُثِ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَصِيَّةٌ لِمَنْ بَعْضُهُ مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَبَعْضُهُ حُرٌّ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَهُوَ لَهُ أَوْ بَاعَهُ فَلِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا بِأَنْ مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَرَطَ تَقْدِيمَ عِتْقِهِ فَازَ مَعَ عِتْقِهِ بِبَاقِي الثُّلُثِ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ وَمُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ وَمُدَبَّرِهِ كَالْقِنِّ، فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَهُ وَقْتَ الْمِلْكِ أَوْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ، وَخَرَجَ عِتْقُهُ مَعَ وَصِيَّتِهِ مِنْ الثُّلُثِ اسْتَحَقَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ لِلْوَارِثِ. (وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ) لِغَيْرِهِ (وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ جَزْمًا لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكِ، وَالدَّابَّةُ لَا تَمْلِكُ، بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِمُ مَعَهُ الْخِطَابُ وَيَأْتِي مَعَهُ الْقَبُولُ، وَرُبَّمَا عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ جَزَمُوا هُنَا بِالْبُطْلَانِ وَذَكَرُوا فِي إطْلَاقِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا وَجْهَيْنِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُشْبِهُ مَجِيئَهُمَا هُنَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ فَيَنْبَغِي إضَافَتُهُ إلَى مَنْ يَمْلِكُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْفَرْقُ أَصَحُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى الْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَهَا أَيْ: عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بَلْ أَوْلَى (وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ. الْأُولَى مَصْدَرٌ وَالثَّانِيَةُ لِلْمَأْكُولِ (فَالْمَنْقُولُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالظَّاهِرِ الْمَنْقُولِ (صِحَّتُهَا) لِأَنَّ عَلْفَهَا عَلَى مَالِكِهَا فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا كَالْوَصِيَّةِ لِعِمَارَةِ دَارِهِ فَإِنَّهَا لَهُ؛ لِأَنَّ عِمَارَتَهَا عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا. هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَمُقَابِلُ الْمَنْقُولِ احْتِمَالٌ لِلرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَقْفِ وَجْهَانِ، فَيُشْبِهُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ قَالَ: فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَمُرَادُهُ بِالظَّاهِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ لَا أَنَّهُ نَاقِلٌ الْخِلَافَ فِي صِحَّتِهَا. اهـ. وَعَلَى الْمَنْقُولِ يُشْتَرَطُ قَبُولُ مَالِكِ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ أَيْضًا كَسَائِرِ الْوَصَايَا. ثُمَّ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ فِي الْأُولَى لِعَلْفِهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ لِعِمَارَتِهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَيَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا الْوَصِيُّ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ مَالِكٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ كَذَلِكَ، فَلَوْ بَاعَهَا مَالِكُهَا انْتَقَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: هِيَ لِلْبَائِعِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الْحَقُّ إنْ انْتَقَلَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ قِيَاسُ الْعَبْدِ فِي التَّقْدِيرَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ فُهِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَعَلَيْهِ لَوْ قَبِلَ الْبَائِعُ ثُمَّ بَاعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 71 وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ. وَلِذِمِّيٍّ، وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] الدَّابَّةَ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ ذَلِكَ لِعَلْفِهَا وَإِنْ صَارَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (لِعِمَارَةِ) أَوْ مَصَالِحِ (مَسْجِدٍ) إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَفِي مَعْنَى الْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ الْمُسَبَّلُ وَالْخَانْقَاهْ وَقَيَّدَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ الْمَسْجِدَ بِالْمَوْجُودِ، فَإِنْ أَوْصَى لِمَسْجِدٍ سَيُبْنَى لَمْ تَصِحَّ جَزْمًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ سَيُبْنَى (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا يَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ. وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ) لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَصْرِفُهُ قَيِّمُهُ فِي أَهَمِّهَا بِاجْتِهَادِهِ. وَالثَّانِي يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَالدَّابَّةِ، وَرَدَّهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلدَّابَّةِ نَادِرٌ مُسْتَنْكَرٌ فِي الْعُرْفِ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا قَالَ: أَرَدْتُ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ سَبَقَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ الْأَفْقَهُ وَالْأَرْجَحُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي اللُّقَطَةِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الْهِبَةِ لِلْمَسْجِدِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالْكَعْبَةُ فِي ذَلِكَ كَالْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. قَالَ: وَيُصْرَفُ فِي عِمَارَتِهَا، وَقِيلَ إلَى سَاكِنِ مَكَّةَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إلْحَاقُ الْكِسْوَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ، وَكَذَا مَا أَوْصَى بِهِ لِلضَّرِيحِ النَّبَوِيِّ - عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - يُحْمَلُ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي حَرَمِهِ فَإِنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَرَمِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِذِمِّيٍّ) بِمَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَمَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «فِي كُلِّ كَبِدٍ حَرَّاءَ أَجْرٌ» وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ: " أَنَّ صَفِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْصَتْ لِأَخِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَكَانَ يَهُودِيًّا " أَمَّا مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَالْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِهِ، وَفِي مَعْنَى الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ (وَكَذَا حَرْبِيٌّ) مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ أَكَانَ بِدَارِنَا أَمْ لَا بِمَا لَهُ تَمَلُّكُهُ لَا كَسَيْفٍ وَرُمْحٍ (وَ) كَذَا (مُرْتَدٌّ) مُعَيَّنٌ لَمْ يَمُتْ مُرْتَدًّا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِمَا فَلَا مَعْنَى لِلْوَصِيَّةِ لَهُمَا كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَقْفَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ وَهُمَا مَقْتُولَانِ بِكُفْرِهِمَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: مَسْأَلَةُ الْمُرْتَدِّ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنَّا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ قَطْعًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مُتَّجَهٌ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ التَّعْيِينُ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَتَصِحُّ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالرِّدَّةِ فَلَا تَصِحُّ لَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَرْتَدُّ بَطَلَتْ أَوْ لِمُسْلِمٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 72 وَقَاتِلٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَلِوَارِثٍ فِي الْأَظْهَرِ، إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي،   [مغني المحتاج] فَارْتَدَّ لَمْ تَبْطُلْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقِيَاسُهُ الْبُطْلَانُ فِيمَنْ لَوْ أَوْصَى لِمَنْ يُحَارَبُ (وَ) كَذَا (قَاتِلٌ) وَلَوْ تَعَدِّيًا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ وَخَالَفَتْ الْإِرْثَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مَالٌ يُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يُوصِيَ لِجَارِحِهِ ثُمَّ يَمُوتَ أَوْ لِإِنْسَانٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ سَيِّدِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَبْدٍ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْتُلُ غَيْرَهُ تَعَدِّيًا فَبَاطِلَةٌ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ فِي الْأُولَى وَمِثْلُهَا الثَّانِيَةُ أَوْ بِحَقٍّ فَيَظْهَرُ فِيهَا الصِّحَّةُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَمِثْلُهَا الْأُولَى. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (لِوَارِثٍ) خَاصٍّ غَيْرِ حَائِزٍ بِغَيْرِ قَدْرِ إرْثِهِ (فِي الْأَظْهَرِ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ) الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ إجَازَتَهُمْ تَنْفِيذٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ. قَالَ الذَّهَبِيُّ: صَالِحٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ لِأَجْنَبِيٍّ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازُوهَا لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَخَرَجَ بِخَاصٍّ الْوَارِثُ الْعَامُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إرْثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ قَطْعًا، وَبِغَيْرِ حَائِزٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِحَائِزٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّتِمَّةِ، وَبِغَيْرِ قَدْرِ إرْثِهِ مَا لَوْ أَوْصَى لِوَارِثٍ بِقَدْرِ إرْثِهِ، فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي بَيْنَ الْمُشَاعِ، وَالْمُعَيَّنِ، وَبِالْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ مَا لَوْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ الْإِجَازَةُ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَجَازَ مَا لَمْ تُقْبَضْ الْوَصِيَّةُ فَإِنْ قُبِضَتْ صَارَ ضَامِنًا مَا أَجَازَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ هِبَتُهُ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْوَقْفِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ وَقَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمْ كَمَنْ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَلَهُ دَارٌ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَوَقَفَ ثُلُثَيْهِمَا عَلَى الِابْنِ وَثُلُثَهَا عَلَى الْبِنْتِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ فِي الْأَصَحِّ، فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إبْطَالُهُ وَلَا إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْوَارِثِ عَنْ الثُّلُثِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَمَكُّنُهُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: مِنْ الْحِيَلِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِخَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا، فَإِنْ قَبِلَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ (وَ) بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ (لَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ) الْوَصِيَّةَ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) فَلِمَنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاتِهِ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَكْسُهُ إذْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُمْ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَدْ يَبْرَأُ وَقَدْ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْإِجَازَةِ أَيْضًا بَعْدَ الْمَوْتِ مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 73 وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ، وَتَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ، وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا.   [مغني المحتاج] جَهْلِ قَدْرِ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِمُعَيَّنٍ كَعَبْدٍ وَقَالُوا بَعْدَ إجَازَتِهِمْ: ظَنَنَّا كَثْرَةَ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِهِ فَبَانَ قَلِيلًا، أَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ، أَوْ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ صَحَّتْ إجَازَتُهُمْ فِيهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ وَالْجَهَالَةَ فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَادَّعَى الْمُجِيزُ الْجَهْلَ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ كَأَنْ قَالَ: كُنْتُ اعْتَقَدْتُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الْجَهْلِ إنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا ظَنَّهُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ لَمْ يُصَدَّقْ وَنَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْجَمِيعِ (وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (وَارِثًا) أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ (بِيَوْمِ) أَيْ وَقْتِ (الْمَوْتِ) فَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ فَحَدَثَ لَهُ ابْنٌ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، أَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ (وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) شَائِعًا مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ (لَغْوٌ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ وَارِثٍ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أُجِيزَ أَخَذَهُ وَقُسِمَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ (وَ) الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ (بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ) كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ ابْنَيْهِ بِعَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ بِدَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ (صَحِيحَةٌ) كَمَا لَوْ أَوْصَى بِبَيْعِ عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ لِزَيْدٍ (وَ) لَكِنْ (تَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِالْأَعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا. وَالثَّانِي لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ فِي قِيمَةِ التَّرِكَةِ لَا فِي عَيْنِهَا، إذْ لَوْ بَاعَهَا الْمَرِيضُ بِثَمَنِ مِثْلِهَا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ، وَالدَّيْنُ كَالْعَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُوصَى بِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَقْصُودًا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيَقْبَلُ النَّقْلَ فَلَا تَصِحُّ بِمَا لَا يُقْصَدُ كَدَمٍ، وَلَا بِمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمِزْمَارٍ، وَلَا بِمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَقِصَاصٍ، وَحَقِّ الشُّفْعَةِ - إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِالتَّأْخِيرِ لِعُذْرٍ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ - وَحَدِّ قَذْفٍ وَإِنْ قَبِلَتْ الِانْتِقَالَ بِالْإِرْثِ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ. نَعَمْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْقِصَاصِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَمِثْلُهُ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ فَقَالَ (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِ) الْمَجْهُولِ كَ (الْحَمْلِ) الْمَوْجُودِ فِي الْبَطْنِ مُنْفَرِدًا عَنْ أُمِّهِ أَوْ مَعَهَا وَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ وَبِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَالطَّيْرِ الطَّائِرِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي ثُلُثِهِ كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثَيْهِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَخْلُفَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ جَازَ أَنْ يَخْلُفَهُ الْمُوصَى لَهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَقَالَ: يُجَزُّ الصُّوفُ عَلَى الْعَادَةِ، وَمَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَا حَدَثَ لِلْوَارِثِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَمْلِ (انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ وَيُرْجَعُ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. أَمَّا إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ حَمْلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 74 وَبِالْمَنَافِعِ. وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ. (وَ) .   [مغني المحتاج] أَمَةٍ وَانْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ وَتَنْفُذُ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مُتَقَوِّمًا فَتَنْفُذُ فِي بَدَلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلٍ فَانْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ حَمْلَ بَهِيمَةٍ فَانْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ حَمْلَ أَمَةٍ وَانْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُوصَى لَهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ فِي حَمْلِ الْأَمَةِ دُونَ الْبَهِيمَةِ فِيمَا إذَا انْفَصَلَا بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ بَدَلُهُ فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَمَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْبَهِيمَةِ بَدَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا فَيَكُونُ لِلْوَارِثِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَمْ يَرِدْ، وَيَصِحُّ الْقَبُولُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ قَبْلَ الْوَضْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدَتْ أَمَتِي ذَكَرًا فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِزَيْدٍ، أَوْ أُنْثَى فَوَصِيَّةٌ لِعَمْرٍو جَازَ وَكَانَ عَلَى مَا قَالَ سَوَاءٌ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى، فَقِيلَ لَا حَقَّ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا أَيْ: وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِالْمَنَافِعِ) الْمُبَاحَةِ وَحْدَهَا مُؤَقَّتَةً وَمُؤَبَّدَةً وَمُطْلَقَةً، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَابِلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ كَالْأَعْيَانِ، وَتَصِحُّ بِالْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَبِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ وَالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا لِشَخْصٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا لِإِمْكَانِ صَيْرُورَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ وَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ عَادَتْ إلَى الْوَرَثَةِ لَا إلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخَانِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَكَذَا) تَصِحُّ (بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اُحْتُمِلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنْ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً فَتَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَسْتَدْعِي مُتَصَرَّفًا فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا أَوْصَى بِمَا يَحْدُثُ هَذَا الْعَامَ أَوْ كُلَّ عَامٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ: أَوْصَيْت بِمَا يَحْدُثُ فَهَلْ يَعُمُّ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالسَّنَةِ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ الْعُمُومُ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِي الْحَمْلِ فَوَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَكُنْ مُوصًى بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا أَوْصَى بِمَا سَيَحْدُثُ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ كَانَ مُوصًى بِهِ أَوْ بَيْنَهُمَا وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَنْبِيهٌ: تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ بَعْدَ الْعَطْفِ بِأَوْ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ. أَمَّا الْبَصْرِيُّ فَيُفْرِدُهُ فَكَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ سَيَحْدُثُ. (وَ) تَصِحُّ (بِ) الْمُبْهَمِ كَ (أَحَدِ عَبْدَيْهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِبْهَامُ وَتَعَيُّنُ الْوَارِثِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ صَحَّتْ هُنَا وَلَمْ تَصِحَّ فِي أَوْصَيْتُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ كَمَا مَرَّ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُوصَى لَهُ، وَلِهَذَا صَحَّتْ بِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ لَا لِحَمْلٍ سَيَحْدُثُ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ الْتَحَقَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ يَمْلِكُ أَحَدَهُمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ. (وَ) تَصِحُّ بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِرَّةً وَبِالْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ وَبِعَبْدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 75 بِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرِمَةٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ أَعْطَى أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ لَغَتْ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ الْمَالُ.   [مغني المحتاج] غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ مَلَكْتُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَ (بِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ) لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا وَانْتِقَالِهَا بِالْإِرْثِ وَنَحْوِهِ، وَمِثْلُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ الْكَلْبُ الْقَابِلُ لِلتَّعْلِيمِ وَلَوْ جَرْوًا، وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ، وَالْكَلْبُ الْمُتَّخَذُ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَنَحْوِهَا لِجَوَازِ اقْتِنَاءِ ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَخِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ. تَنْبِيهٌ: إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكَلْبِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ فِي صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةِ زَرْعٍ أَوْ نَعَمٍ صَاحِبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ نَعَمٍ فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَقَضِيَّةُ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اقْتِنَاؤُهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الصِّحَّةُ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَقْرَبُ وَيَنْقُلُهُ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ (وَ) تَصِحُّ بِنَحْوِ (زِبْلٍ) مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَمَادٍ وَجِلْدِ مَيْتَةٍ قَابِلٍ لِلدِّبَاغِ وَزَيْتٍ نَجِسٍ وَمَيْتَةٍ لِطَعْمِ الْجَوَارِحِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زِبْلِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ زِبْلِ الْأَوَّلَيْنِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُكْرَهُ اقْتِنَاءُ السِّرْجِينِ لِرُتْبِيَّةِ الزَّرْعِ (وَ) تَصِحُّ بِنَحْوِ (خَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ) كَنَبِيذٍ وَهِيَ مَا عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ أَوْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَحْكِمَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمُسْتَحْكِمَةِ بِالْبُطْلَانِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا (وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ) الَّتِي يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ وَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ كِلَابٌ يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهَا (أُعْطِيَ) الْمُوصَى لَهُ (أَحَدَهَا) وَالْخِيرَةُ لِلْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مَالًا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مِنْ الْكِلَابِ مُقْتَنًى وَتَعْتَوِرُهُ الْأَيْدِي كَالْأَمْوَالِ، فَقَدْ يُسْتَعَارُ لَهُ اسْمُ الْمَالِ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْكِلَابِ مَا يُنَاسِبُهُ وَإِنْ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ) يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ لِتَعَذُّرِ شِرَاءِ كَلْبٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ اتِّهَابُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ مُتَبَرِّعٌ وَأَرَادَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ جَازَ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ. انْتَهَى وَلِبُعْدِ هَذَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ كَلْبٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَفُقِدَ ثُمَّ تَجَدَّدَ لَهُ كَلْبٌ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَقْتِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصِّحَّةُ نَظَرًا إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ. (وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا) كُلِّهَا (أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَثُرَتْ) تِلْكَ الْكِلَابُ (وَقَلَّ الْمَالُ) وَلَوْ دَانِقًا إذْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ الْمُوصَى بِهِ وَقَلِيلٌ مِنْ الْمَالِ خَيْرٌ مِنْ الْكِلَابِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا. وَالثَّانِي يُقَدَّرُ أَنْ لَا مَالَ لَهُ وَتَنْفُذُ فِي ثُلُثِ الْكِلَابِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَهُ كِلَابٌ وَأَوْصَى بِهَا كُلِّهَا نَفَذَ فِي ثُلُثِهَا فَقَطْ عَدَدًا لَا قِيمَةً، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا أَوْ كَلْبٌ فَقَطْ وَأَوْصَى بِهِ نَفَذَ فِي ثُلُثِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبَيْنِ مِنْ أَرْبَعَةٍ نَفَذَ فِي وَاحِدٍ وَثُلُثٍ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَبِالْكِلَابِ لِعَمْرٍو لَمْ يُعْطَ عَمْرٌو إلَّا ثُلُثَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 76 وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتْ إلَّا إنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ. فَصْلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ،   [مغني المحتاج] لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ حَظُّهُمْ بِسَبَبِ الثُّلُثِ الَّذِي نَفَذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْسَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُخْرَى فِي وَصِيَّةِ غَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ. تَنْبِيهٌ: غَيْرُ الْكِلَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْكِلَابِ فِي نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَثُرَ وَقَلَّ الْمَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَجْنَاسٌ مِنْ كِلَابٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ وَشَحْمِ مَيْتَةٍ وَوَصَّى بِوَاحِدٍ مِنْهَا اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ بِفَرْضِ الْقِيمَةِ لَا بِالْعَدَدِ وَلَا بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاسُبَ بَيْنَ الرُّءُوسِ وَلَا الْمَنْفَعَةِ. (وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ) كَالْكُوبَةِ ضَيِّقِ الْوَسَطِ وَاسِعِ الطَّرَفَيْنِ (وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ) وَهُوَ مَا يُضْرَبُ بِهِ لِلتَّهْوِيلِ (وَ) طَبْلُ (حَجِيجٍ) وَهُوَ مَا يُضْرَبُ لِلْإِعْلَامِ بِنُزُولٍ وَارْتِحَالٍ، وَطَبْلُ بَازٍ (حُمِلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (عَلَى) الطَّبْلِ (الثَّانِي) لِيَصِحَّ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الثَّوَابَ، وَهُوَ فِيمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَوْصَى بِعُودٍ وَبِهِ عُودُ لَهْوٍ لَا يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ وَعُودٌ مُبَاحٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَلَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْمُبَاحِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْعُودِ يَنْصَرِفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِعُودِ اللَّهْوِ، وَالطَّبْلُ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا طُبُولٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَغَتْ (وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتْ) لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ (إلَّا إنْ صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ) وَنَحْوِهَا كَطَبْلِ الْبَازِي، أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهَا، وَسَوَاءٌ أَصَلَحَ عَلَى هَيْئَتِهِ أَمْ بَعْدَ تَغَيُّرٍ يَبْقَى مَعَهُ اسْمُ الطَّبْلِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا بِزَوَالِ اسْمِ الطَّبْلِ لَغَتْ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَالَ الْمُوصِي: أَرَدْتُ بِهِ الِانْتِفَاعَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُمِلَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَافِي، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَوْ أَوْصَى بِقَوْسٍ حُمِلَ عَلَى الْقَوْسِ الَّذِي لِرَمْيِ الْأَسْهُمِ مِنْ نَبْلٍ - وَهِيَ السِّهَامُ الصِّغَارُ - وَنُشَّابٍ، وَهِيَ السِّهَامُ الْفَارِسِيَّةُ وَحُسْبَانٍ وَهِيَ سِهَامٌ صِغَارٌ تُرْمَى بِمَجْرًى فِي الْقَوْسِ دُونَ قَوْسِ الْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ، وَلَوْ قَالَ: مِنْ قِسِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَوْسُ سِهَامٍ بَلْ قَوْسُ بُنْدُقٍ أَوْ نَدْفٍ حُمِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَا لَهُ حُمِلَ عَلَى قَوْسِ الْبُنْدُقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ، فَإِنْ عَيَّنَ قَوْسًا تَعَيَّنَ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ مَا يُسَمَّى قَوْسًا تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْقَوْسُ الْوَتَرَ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى قَوْسًا بِدُونِهِ، بِخِلَافِ السَّهْمِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الرِّيشَ وَالنَّصْلَ لِثُبُوتِهِمَا فِيهِ. [فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ وَفِي حُكْمِ إجْمَاعِ تَبَرُّعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ] ٍ (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ (أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 77 فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ، وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ يَوْمَ الْمَوْتِ،   [مغني المحتاج] «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْمَرَضِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ. وَلَا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ. قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَالثُّلُثُ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ» فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ بِحُرْمَتِهَا. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّف أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا لَا يُطْلَبُ، وَهُوَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَيَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا لَا تَصْدُقُ بِالْمُبَاحِ لِأَنَّ يَنْبَغِي إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى يُنْدَبُ كَمَا حَلَّيْتُهُ عَلَيْهِ أَوْ يَجِبُ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يُجْزَمُ بِحُرْمَتِهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى إجَازَتِهِمْ. وَسُنَّ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الثُّلُثِ شَيْئًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَلِاسْتِكْثَارِ الثُّلُثِ فِي الْخَبَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَمْ لَا، وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّف فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَا يُسْتَحَبُّ النَّقْصُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ (فَإِنْ زَادَ) فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الثُّلُثِ (وَرَدَّ) (الْوَارِثُ) الْخَاصُّ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ (بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ) عَلَى الثُّلُثِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَالْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا مُجِيزَ أَوْ كَانَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ يُوقَفُ إلَى تَأَهُّلِ الْوَارِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ تُوُقِّعَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ يَدَ الْوَارِثِ عَلَيْهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ أَجَازَ) الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفَ (فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ) أَيْ: إمْضَاءٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي بِالزَّائِدِ، وَتَصَرُّفُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُضَافٌ لِلْمِلْكِ، وَحَقُّ الْوَارِثِ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ثَانِي الْحَالِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ (وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ) أَيْ هِبَةٌ (مُبْتَدَأَةٌ) مِنْ الْوَارِثِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَارِثِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ بَلْ أَصْحَابُ الدُّيُونِ الْمُسْتَغْرِقَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَجَازُوا وَرَدَّ الْوَارِثُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ لِلْغُرَمَاءِ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ إلَّا بِسُقُوطِ الدَّيْنِ أَصْلًا، وَالْإِجَازَةُ لَا تُسْقِطُ الدَّيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ دَفِينٌ وَنَحْوُهُ وُفُّوا مِنْهُ، وَإِذَا قُلْنَا تَنْفِيذٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَرَثَةِ مَنْ يُجِيزُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ) لَا فَائِدَةَ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ عَطِيَّةً مِنْ الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ. فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا تَنْفِيذٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَالْقِيَاسُ صِحَّتُهُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَشْبَهُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ الْآنَ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَقْلٌ. اهـ. وَيُؤَيِّدُ الْقِيَاسَ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ (وَيُعْتَبَرُ الْمَالُ) الْمُوصَى بِثُلُثِهِ (يَوْمَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ وَلَا عَبْدَ لَهُ ثُمَّ مَلَكَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ وَلَوْ زَادَ مَالُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 78 وَقِيلَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَتَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ: كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ. وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ أُقْرِعَ   [مغني المحتاج] تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ (وَقِيلَ) يُعْتَبَرُ (يَوْمَ الْوَصِيَّةِ) وَعَلَيْهِ تَنْعَكِسُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ النَّذْرِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ اللُّزُومِ نَظِيرُ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي تُنَفَّذُ فِيهِ الْوَصِيَّةُ هُوَ الثُّلُثُ الْفَاضِلُ بَعْدَ الدَّيْنِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ تُنَفَّذْ الْوَصِيَّةُ فِي شَيْءٍ، لَكِنَّهَا تَنْعَقِدُ حَتَّى نُنَفِّذَهَا لَوْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ أَوْ قَضَى عَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) الَّذِي يُوصَى بِهِ (أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ) سَوَاءٌ أَعُلِّقَ فِي الصِّحَّةِ أَمْ فِي الْمَرَضِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: يَنْبَغِي إلَخْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَيْضًا: فَإِنَّهُ مَصْدَرَ آضَ: أَيْ: رَجَعَ (وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا (تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ (كَوَقْفٍ وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ) لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا، إذْ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ الْهِبَةِ، وَخَرَجَ: بِتَبَرُّعٍ مَا لَوْ اسْتَوْلَدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا بَلْ إتْلَافًا وَاسْتِمْتَاعًا فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَبِمَرَضِهِ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي صِحَّتِهِ فَيُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْعِتْقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ مَعَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي الْمَرَضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قِيمَةَ مَا يَفُوتُ عَلَى الْوَرَثَةِ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ التَّفْوِيتِ فِي الْمُنَجَّزِ وَبِوَقْتِ الْمَوْتِ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْعِتْقِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِمَعْرِفَةِ الثُّلُثِ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ مُنَجَّزًا فِي الْمَرَضِ قِيمَةُ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ وَفِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِحْقَاقِ وَفِيمَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ بِأَقَلِّ قِيمَةٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ أَوْ يَوْمَ الْقَبْضِ أَقَلَّ، فَمَا نَقَصَ قَبْلَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ جَارٍ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، وَلَوْ أَوْصَى بِتَأْجِيلِ الْحَالِّ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلِلرُّويَانِيِّ احْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا التَّفَاوُتُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ. (وَإِذَا اجْتَمَعَ) فِي وَصِيَّةٍ (تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ) وَإِنْ كَانَتْ مُرَتَّبَةً (وَعَجَزَ الثُّلُثُ) عَنْهَا أَيْ: لَمْ يُوفِ بِهَا (فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ) كَأَنْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ غَانِمٌ وَسَالِمٌ وَبَكْرٌ أَحْرَارٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ، فَمَنْ قُرِعَ عَتَقَ مِنْهُ مَا يَكْفِي الثُّلُثَ وَسَيَأْتِي كَيْفِيَّةُ الْقُرْعَةِ فِي بَابَيْ الْقِسْمَةِ وَالْعِتْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ تَخْلِيصُ الشَّخْصِ مِنْ الرِّقِّ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّشْقِيصِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَرَتُّبُهَا مَعَ إضَافَتِهَا لِلْمَوْتِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي وَقْتِ نَفَاذِهَا، وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ، بَلْ لَا يُقَدَّمُ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي يَحْتَاجُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 79 أَوْ غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ. أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ قُسِّطَ بِالْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ. أَوْ مُنَجَّزَةٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ فَإِنْ وُجِدَتْ دُفْعَةً وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ وَقُسِّطَ فِي غَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] إلَى إنْشَاءِ عِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهِمَا وَاحِدٌ. نَعَمْ إنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً، كَأَنْ قَالَ: أَعْتِقُوا سَالِمًا بَعْدَ مَوْتِي ثُمَّ غَانِمًا ثُمَّ بَكْرًا قُدِّمَ مَا قَدَّمَهُ جَزْمًا. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: إذَا مِتُّ فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ غَانِمٌ ثُمَّ نَافِعٌ لَمْ يُقَدَّمْ الْأَوَّلُ، بَلْ هُمْ سَوَاءٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّف؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ التَّبَرُّعَاتِ فِيمَا مَثَّلُوا بِهِ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَهَا مُرَتَّبَةً مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ عَلَى وَفْقِ اعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ هَذَا، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَأَوْصَى بِإِعْتَاقِ آخَرَ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا (أَوْ) تَمَحَّضَ تَبَرُّعَاتٌ (غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ) عَلَى الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِقْدَارِ كَمَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ. فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِبَكْرٍ بِخَمْسِينَ وَلِعَمْرٍو بِخَمْسِينَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ خَمْسِينَ، وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ الْوَصَايَا إنَّمَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، فَاسْتَوَى فِيهَا حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ، هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ رَتَّبَ كَأَنْ قَالَ: اُعْطُوا زَيْدًا مِائَةً ثُمَّ عَمْرًا مِائَةً جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ تَرْتِيبِهِ. (أَوْ هُوَ) أَيْ اجْتَمَعَ عِتْقٌ (وَغَيْرُهُ) كَأَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَلِزَيْدٍ بِمِائَةٍ (قُسِّطَ) الثُّلُثُ عَلَيْهِمَا (بِالْقِيمَةِ) لِلْعَتِيقِ لِاتِّحَادِ وَقْتِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةٌ عَتَقَ نِصْفُهُ وَلِزَيْدٍ خَمْسُونَ (وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) لِقُوَّتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَوْصَى لَهُ بِمِائَةٍ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَا شَيْءَ لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُقَسَّطُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ، فَإِنْ اعْتَبَرَ الْمُوصِي وُقُوعَ التَّبَرُّعَاتِ مُرَتَّبَةً بَعْدَ الْمَوْتِ، كَأَنْ قَالَ: اعْتِقُوا بَكْرًا ثُمَّ أَعْطُوا زَيْدًا مِائَةً قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ مَرِضَ شَهْرًا فَأَكْثَرَ وَمَاتَ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ فِي الصِّحَّةِ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي الْمَرَضِ كَمَا قَالَاهُ هُنَا. (أَوْ) اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ (مُنَجَّزَةٌ) كَأَنْ أَعْتَقَ وَوَقَفَ وَتَصَدَّقَ (قُدِّمَ الْأَوَّلُ) مِنْهَا (فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ) لِقُوَّتِهِ وَنُفُوذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَازَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهَا عِتْقٌ أَمْ لَا اتَّحَدَ جِنْسُهَا أَمْ لَا وَيَتَوَقَّفُ مَا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ (فَإِنْ وُجِدَتْ) هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ (دُفْعَةً) بِضَمِّ الدَّالِ: إمَّا مِنْهُ، أَوْ بِوَكَالَةٍ (وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ) فِيهَا (كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ) كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكُمْ أَوْ أَبْرَأْتُكُمْ (أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ) خَاصَّةً حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ فِي الْجَمِيع لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةً مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» . قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْلَا الْحَدِيثُ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَعْتِقَ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ مِقْدَارُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ تَرَكَهُ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْإِعْتَاقِ تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ. وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ مَعَ بَقَاءِ رِقِّ بَعْضِهِ (وَقَسَّطَ) بِالْقِيمَةِ (فِي غَيْرِهِ) كَمَا مَرَّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 80 وَإِنْ اخْتَلَفَ وَتَصَرَّفَ وُكَلَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ قُسِّطَ، وَإِنْ كَانَ قُسِّطَ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ فَقَالَ إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ وَلَا إقْرَاعَ. وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيهِ غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ أَيْضًا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ عِتْقِ الْعَبِيدِ مُرَتَّبًا وَدُفْعَةً، وَسَكَتَ عَمَّا إذَا أَشْكَلَ الْأَمْرُ بِأَنْ عُلِمَ التَّرْتِيبُ وَلَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ أَوْ عُلِمَ ثُمَّ نَسِيَ. وَحُكْمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي بَابِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ بَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ بَعْضُهُ. (وَإِنْ اخْتَلَفَ) جِنْسُ التَّبَرُّعَاتِ (وَتَصَرَّفَ) فِيمَا دَفَعَهُ (وُكَلَاءُ) الْمُوصِي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ) بِأَنْ تَمَحَّضَ غَيْرُهُ، كَأَنْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي هِبَةٍ، وَآخَرَ فِي بَيْعٍ بِمُحَابَاةٍ، وَآخَرَ فِي صَدَقَةٍ وَتَصَرَّفُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً (قُسِّطَ) الثُّلُثُ عَلَى الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ (وَإِنْ كَانَ) فِي تَصَرُّفِ الْوُكَلَاءِ عِتْقٌ (قُسِّطَ) الثُّلُثُ عَلَيْهَا أَيْضًا (وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ) هُمَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ بِتَوْجِيهِهِمَا. تَنْبِيهٌ قَدْ يُوهِمُ تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ حَصْرَ وُقُوعِ التَّصَرُّفَاتِ دُفْعَةً بِتَصَرُّفِ وُكَلَاءَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ: أَعْتَقْتَ وَأَبْرَأْت وَوَقَفْتَ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَبَقِيَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمَسْأَلَةِ أَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ تَبَرُّعَاتٌ مُنَجَّزَةٌ وَتَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ فَيُقَدَّمُ الْمُنَجَّزُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْمَرِيضُ مِنْ الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْبُيُوعِ الْمُنَجَّزَةِ سَالِمٌ حُرٌّ وَغَانِمٌ حُرٌّ تَرْتِيبٌ لَا سَالِمٌ وَغَانِمٌ حُرَّانِ. (وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ، فَقَالَ: إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ، ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ) غَانِمٌ فَقَطْ لِسَبْقِهِ (وَلَا إقْرَاعَ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَخْرُجَ الْقُرْعَةُ بِالْحُرِّيَّةِ لِسَالِمٍ فَيَلْزَمُ إرْقَاقُ غَانِمٍ فَيَفُوتُ شَرْطُ عِتْقِ سَالِمٍ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ، وَلِهَذَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ تِلْوَهَا. وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَعْتَقْت غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ فِي حَالِ إعْتَاقِ غَانِمٍ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِهِ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُكُمَا، وَاسْتَثْنَى صُورَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي بَابِ الْعِتْقِ، وَهِيَ إذَا قَالَ: ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَلَا قُرْعَةَ فِي الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَقَطْ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا أَوْ لَا عَبِيدَ إنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُ آخِرًا عَتَقَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ مِنْ غَانِمٍ ثُلُثَاهُ إنْ تَسَاوَتْ قِيمَتُهَا، وَإِنْ تَفَاوَتَا فَبِقَدْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا. أَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ أَحَدُهُمَا بِكَمَالِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقِسْطِهِ أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ سَالِمٌ أَوْ بَعْضُهُ فَإِنَّهُمَا يَعْتِقَانِ فِي الْأُولَى وَغَانِمٌ وَبَعْضُ سَالِمٍ فِي الثَّانِيَةِ. (وَلَوْ أَوْصَى) لِشَخْصٍ (بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيه غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ) أَيْ الْعَيْنُ (كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الْحَالِ) لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْغَائِبِ فَلَا يَحْصُلُ لِوَرَثَةٍ مَثَلًا مَا حَصَلَ لِلْمُوصَى لَهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ) مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ (أَيْضًا) لِأَنَّ تَسَلُّطَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 81 فَصْلٌ إذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ بَرَأَ نَفَذَ،   [مغني المحتاج] مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَسَلُّطِ الْوَارِثِ عَلَى مِثْلَيْ مَا يَتَسَلَّطُ هُوَ عَلَيْهِ، وَالْوَارِثُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ لِاحْتِمَالِ سَلَامَةِ الْغَائِبِ فَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ الْجَمِيعُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَذِنُوا لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ صَحَّ كَمَا قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ. وَالثَّانِي: يَتَسَلَّطُ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِهَذَا الْقَدْرِ مُتَعَيِّنٌ. تَنْبِيهٌ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُ مَنْعِ الْوَارِثِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثَيْ الْحَاضِرِ بِالتَّصَرُّفِ النَّاقِلِ لِلْمِلْكِ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ بِاسْتِخْدَامٍ وَإِيجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِذَا تَصَرَّفَ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَبَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا أَيْ: فَيَصِحُّ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِمْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ التَّصَرُّفِ، قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلَهُ عَيْنٌ وَدَيْنٌ أَعْطَى ثُلُثَ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا نُصَّ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَعْطَى ثُلُثَهُ، أَوْ قَالَ أَعْطُوهُ كُلَّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ أَعْطَى الْيَوْمَ وَيُوقَفُ بَاقِي الثُّلُثِ فَيُعْطَى مُتَفَرِّقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الْوَارِثُ. [فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ] ِ الْمُقْتَضِيَيْنِ لِلْحَجْرِ فِي التَّبَرُّعَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (إذَا ظَنَنَّا الْمَرَضَ مَخُوفًا) أَيْ: يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا نَادِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (لَمْ يَنْفُذْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْيَاءِ، وَفَتْحُ النُّونِ، وَتَشْدِيدُ الْفَاءِ (تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَشْكَلَ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ النُّفُوذِ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِبَاطِنِ الْأَمْرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَظُنَّهُ مَخُوفًا أَوْ لَا إذْ الْمَنَاطُ حِينَئِذٍ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ لَا ظَنًّا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ حَيْثُ قَالُوا: لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ جَازَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَنَّهَا حُرَّةٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِاحْتِمَالِ ظُهُورِ دَيْنٍ، فَإِنْ تَحَقَّقْنَا نُفُوذَ الْعِتْقِ اسْتَمَرَّتْ الصِّحَّةُ، وَإِلَّا فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ وَقُلْنَا: هِيَ تَنْفِيذٌ، فَكَمَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ رَدَّ أَوْ أَجَازَ وَقُلْنَا: هِيَ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ بَانَ فَسَادُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَيْسَ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا، فَكَلَامُهُمْ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَقَالَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْوَقْفِ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى وَقْفِ الِاسْتِمْرَارِ وَاللُّزُومِ لِيَنْتَظِمَ الْكَلَامَانِ. اهـ. وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ (فَإِنْ بَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ: خَلَصَ مِنْ الْمَرَضِ (نَفَذَ) بِفَتْحِ النُّونِ التَّبَرُّعُ الْمَذْكُورُ: أَيْ اسْتَمَرَّ نُفُوذُهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ الْحَجْرِ فَإِنْ مَاتَ بِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ أَوْ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ تَرَدٍّ لَمْ يَنْفُذْ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى حَالَةٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 82 وَإِنْ ظَنَنَّاهُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْفَجْأَةِ نَفَذَ، وَإِلَّا فَمَخُوفٌ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ، وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ، وَذَاتُ جَنْبٍ   [مغني المحتاج] يُقْطَعُ فِيهَا بِمَوْتِهِ، فَإِنْ انْتَهَى إلَى ذَلِكَ بِأَنْ شَخَصَ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ أَيْ: فَتَحَ عَيْنَيْهِ بِغَيْرِ تَحْرِيكِ جَفْنٍ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ فِي النَّزْعِ، أَوْ ذُبِحَ أَوْ شُقَّ بَطْنُهُ وَخَرَجَتْ أَمْعَاؤُهُ أَوْ غَرِقَ فَغَمَرَهُ الْمَاءُ، وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِهِ فِي وَصِيَّةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ (وَإِنْ ظَنَنَّاهُ) أَيْ: الْمَرَضَ (غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ) مِنْهُ (فَإِنْ حُمِلَ) الْمَوْتُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ (عَلَى) مَوْتِ (الْفَجْأَةِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَمْدُودًا وَبِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مَقْصُورًا كَأَنْ مَاتَ وَبِهِ وَجَعُ ضِرْسٍ أَوْ عَيْنٍ (نَفَذَ) التَّبَرُّعُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَجْأَةِ كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (فَمَخُوفٌ) أَيْ تَبَيَّنَّا بِاتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ أَنَّهُ مَخُوفٌ، لَا أَنَّ إسْهَالَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَخُوفٌ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي. فَإِنْ قِيلَ: الْمَرَضُ إنْ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ كَانَ مَخُوفًا وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لَنَا فِي مَعْرِفَتِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ أَوْ غَرِقَ مَثَلًا فِي هَذَا الْمَرَضِ إنْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَخُوفٌ لَمْ يَنْفُذْ كَمَا مَرَّ وَإِلَّا نَفَذَ (وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ) أَيْ الْمَرَضِ (مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِ) قَوْلِ (طَبِيبَيْنِ) عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ (حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ) أَيْ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ شَرْطُ الشَّهَادَةِ كَغَيْرِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ طَبِيبَيْنِ كَوْنُهُمَا عَالِمَيْنِ بِالطِّبِّ، وَمِنْ قَوْلِهِ عَدْلَيْنِ كَوْنُهُمَا مُسْلِمَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ، فَلَا يَثْبُتُ بِنِسْوَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَالَ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَرَضُ عِلَّةً بَاطِنَةً بِامْرَأَةٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ غَالِبًا ثَبَتَ بِمَنْ ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَرَضِ غَيْرَ مَخُوفٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَإِنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ، وَلَوْ قَالَ الطَّبِيبَانِ: هَذَا الْمَرَضُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَخُوفٌ فَمَخُوفٌ، أَوْ يُفْضِي إلَى مَخُوفٍ نَادِرًا فَلَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُتَبَرَّعُ عَلَيْهِ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ مَخُوفًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَبَرِّعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَوْفِ وَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ، وَلَمْ يُعَرِّفْ الْمُصَنِّفُ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ اسْتِغْنَاءً بِذِكْرِ أَمْثِلَةٍ مِنْهُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَمِنْ الْمَخُوفِ قُولَنْجُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ فَلَا يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ بِسَبَبِهِ الْبُخَارُ إلَى الدِّمَاغِ فَيُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَيُقَالُ فِيهِ قُولُونٌ، وَيَنْفَعُهُ أُمُورٌ: مِنْهَا التِّينُ وَالزَّبِيبُ وَالْمُبَادَرَةُ إلَى التَّنْقِيَةِ بِالْإِسْهَالِ، وَالْقَيْءِ، وَيَضُرُّهُ أُمُورٌ: مِنْهَا حَبْسُ الرِّيحِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ أَصَابَ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ كَثِيرًا وَيُعَافَى مِنْهُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَلَا انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا غَيْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَقْسَامٌ (وَ) مِنْهُ (ذَاتُ جَنْبٍ) وَسَمَّاهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَاتَ خَاصِرَةٍ، وَهِيَ قُرُوحٌ تَحْدُثُ فِي دَاخِلِ الْجَنْبِ بِوَجَعٍ شَدِيدٍ ثُمَّ تَنْفَتِحُ فِي الْجُنُوبِ وَيَسْكُنُ الْوَجَعُ، وَذَلِكَ وَقْتُ الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مَخُوفَةً لِقُرْبِهَا مِنْ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ، وَمَنْ عَلَامَاتِهَا ضِيقُ النَّفَسِ وَالسُّعَالُ وَالْحُمَّى الْمُلَازِمَةُ وَالْوَجَعُ الْفَاحِشُ تَحْتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 83 وَرُعَافٌ دَائِمٌ. وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ وَدِقٌّ، وَابْتِدَاءُ فَالِجٍ، وَخُرُوجُ طَعَامٍ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ، أَوْ وَمَعَهُ دَمٌ، وَحُمًّى مُطْبَقَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَّا الرِّبْعَ،   [مغني المحتاج] الْأَضْلَاعِ، أَجَارَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ (وَ) مِنْهُ (رُعَافٌ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ (دَائِمٌ) أَوْ كَثِيرٌ لِأَنَّهُ يُنْزِفُ الدَّمَ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الدَّائِمِ الْقَلِيلِ، فَإِنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْبَدَنِ. (وَ) مِنْهُ (إسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ) أَيْ مُتَتَابِعٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَشِّفُ رُطُوبَةَ الْبَدَنِ، وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَتَابِعِ كَإِسْهَالِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَلَيْسَ مَخُوفًا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ دَمٌ مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ، أَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ انْخِرَاقُ بَطْنٍ بِحَيْثُ لَا يُمْسِكُ الطَّعَامَ وَيَخْرُجُ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ (وَ) مِنْهُ (دِقٌّ) بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ وَلَا تَمْتَدُّ مَعَهُ الْحَيَاةُ غَالِبًا (وَ) مِنْهُ (ابْتِدَاءُ فَالِجٍ) وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ طُولًا، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى اسْتِرْخَاءِ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ، وَسَبَبُهُ غَلَبَةُ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلْغَمِ، وَإِنَّمَا كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مَخُوفًا لِأَنَّهُ إذَا هَاجَ رُبَّمَا أَطْفَأَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ لَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ عَاجِلًا فَلَا يَكُونُ مَخُوفًا (وَ) مِنْهُ (خُرُوجُ الطَّعَامِ) مَعَ الْإِسْهَالِ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ عَقِبَ مُتَوَاتِرٍ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّتِهِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الْمُحَرَّرِ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِسْهَالُ إنْ كَانَ مُتَوَاتِرًا، وَكَذَا إذَا خَرَجَ الطَّعَامُ (غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ) وَغَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَيَمْتَنِعُ الْجَرُّ عَلَى الصِّفَةِ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً وَمَا قَبْلَهُ مَعْرِفَةٌ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْجِنْسِ (أَوْ كَانَ يَخْرُجُ) مَعَ الْإِسْهَالِ أَيْضًا (بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ) وَيُسَمَّى الزَّحِيرَ أَوْ بِعَجَلَةٍ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّوْمِ (أَوْ) لَا بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ (وَ) لَكِنْ (مَعَهُ دَمٌ) مِنْ عُضْوٍ شَرِيفٍ كَكَبِدٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ دَمِ الْبَوَاسِيرِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَذِكْرُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ (وَ) مِنْهُ (حُمَّى مُطْبَقَةٌ) بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ أَيْ: لَازِمَةٌ، وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّف فِي تَحْرِيرِهِ وَهُوَ أَشْهَرُ (أَوْ) حُمَّى (غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ الْمُطْبَقَةِ وَهِيَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: حُمَّى الْوَرْدِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ. وَحُمَّى الْغِبِّ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمًا. وَحُمَّى الثِّلْثِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمًا. وَحُمَّى الْأَخَوَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ (إلَّا الرِّبْعَ) فَلَيْسَتْ مَخُوفَةً وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْوَى فِي يَوْمَيْ الْإِقْلَاعِ وَتَسْمِيَتُهَا الْعَامَّةُ الْمُثَلَّثَةَ وَقَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ أَصْوَبُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفُقَهَاءِ لَهَا بِالرِّبْعِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْمُدَّةِ، لَكِنْ فَسَّرَهَا الثَّعَالِبِيُّ فِي فِقْهِ اللُّغَةِ بِمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَإِلْحَاقُهَا بِرِبْعِ الْإِبِلِ فِي وُرُودِ الْمَاءِ وَهُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا حُمَّى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا إنْ اتَّصَلَ بِهَا قَبْلَ الْعَرَقِ مَوْتٌ فَقَدْ بَانَتْ مَخُوفَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهَا بَعْدَ الْعَرَقِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهَا زَالَ بِالْعَرَقِ وَالْمَوْتُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالْحُمَّى الْيَسَرِيَّةُ لَيْسَتْ مَخُوفَةً بِحَالٍ، وَالرِّبْعُ وَالْوِرْدُ وَالْغِبُّ وَالثِّلْثُ بِكَسْرِ أَوَّلِهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمِنْ الْمَخُوفِ عَدَمُ انْحِصَارِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا كَثِيرَةٌ، فَمِنْهُ هَيَجَانُ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ وَالدَّمِ بِأَنْ يَتَوَرَّمَ وَيَنْصَبَّ إلَى عُضْوٍ كَيَدٍ وَرِجْلٍ فَيَحْمَرَّ وَيَنْتَفِخَ، وَمِنْهُ الطَّاعُونُ وَهُوَ هَيَجَانُ الدَّمِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَبْ الْمُتَبَرِّعُ إذَا كَانَ مِمَّا يَحْصُلُ لِأَمْثَالِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِنْهُ الْقَيْءُ الدَّائِمُ أَوْ الْمَصْحُوبُ بِخَلْطٍ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 84 وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ، وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ، وَطَلْقُ حَامِلٍ، وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ. وَصِيغَتُهَا   [مغني المحتاج] الْأَخْلَاطِ كَالْبَلْغَمِ أَوْ دَمٍ، وَمِنْهُ الْجِرَاحَةُ إذَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَى الْجَوْفِ، أَوْ كَانَتْ عَلَى مَقْتَلٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْمِ، أَوْ حَصَلَ مَعَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ تَآكُلٌ، أَوْ تَوَرُّمٌ. وَمِنْهُ الْبِرْسَامُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي حِجَابِ الْقَلْبِ أَوْ الْكَبِدِ يَصْعَدُ أَثَرُهُ إلَى الدِّمَاغِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمَخُوفِ) مِنْ الْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ (أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى) وَلَوْ اعْتَادَ الْبُغَاةُ أَوْ الْقُطَّاعُ قَتْلَ مَنْ أَسَرُوهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ. أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْ قَتْلَ الْأَسْرَى كَالرُّومِ فَلَا خَوْفَ فِي أَسْرِهِمْ (وَالْتِحَامُ) أَيْ اخْتِلَاطُ (قِتَالٍ بَيْنَ) فَرِيقَيْنِ (مُتَكَافِئَيْنِ) أَوْ قَرِيبَيْنِ مِنْ التَّكَافُؤِ سَوَاءٌ أَكَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ، أَمْ كَافِرًا وَمُسْلِمًا، وَلَفْظَةُ مُتَكَافِئَيْنِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَا خَوْفَ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ وَلَوْ كَانَا يَتَرَامَيَانِ بِالنِّشَابِ وَلَا فِي الْفَرِيقِ الْغَالِبِ (وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ) بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى مَا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْقَتْلِ كَالتَّقْدِيمِ لَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ لِلْقِصَاصِ وَقْتُ دَهْشَةٍ، فَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يُوصِي إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَإِمَّا أَنْ نُضَمِّنَهُ لَوْ تَرَكَ أَوْ لَا، إنْ ضَمَّنَّاهُ أَضْرَرْنَاهُ وَإِنْ لَمْ نُضَمِّنْهُ أَضْرَرْنَا بِالْمَالِكِ، فَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ يُلْحَقَ الْحَبْسُ لِلْقَتْلِ بِالْمَخُوفِ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا (أَوْ رَجْمٍ) فِي الزِّنَا، أَوْ قَتْلٍ فِي قَطْعِ طَرِيقٍ (وَاضْطِرَابُ رِيحٍ) هُوَ مُغْنٍ عَنْ قَوْلِهِ (وَهَيَجَانُ مَوْجٍ) لِتَلَازُمِهِمَا (فِي) حَقِّ (رَاكِبِ سَفِينَةٍ) فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ عَظِيمٍ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ. نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ السَّاحِلِ لَا يَكُونُ مَخُوفًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا خَوْفَ إذَا كَانَ الْبَحْرُ سَاكِنًا (وَطَلْقُ حَامِلٍ) بِسَبَبِ وِلَادَةٍ بِخِلَافِ إسْقَاطِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِخَطَرِ الْوِلَادَةِ دُونَهُمَا، وَخَرَجَ بِطَلْقِ حَامِلٍ الْحَمْلُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ. فَائِدَةٌ: رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِ آخِرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ " إذَا عَسُرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وِلَادَتُهَا فَيُكْتَبُ فِي صَحْفَةٍ ثُمَّ يُغْسَلُ وَيُسْقَى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلْ الْمَشِيمَةُ) وَهِيَ الَّتِي تُسَمِّيهَا النِّسَاءُ الْخَلَاصَ، فَإِنْ انْفَصَلَتْ الْمَشِيمَةُ فَلَا خَوْفَ إنْ لَمْ يَحْصُلُ بِالْوِلَادَةِ جُرْحٌ، أَوْ ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ وَرَمٌ. تَنْبِيهٌ: لَا يُلْحَقُ بِالْأَمْرَاضِ السَّابِقَةِ وَجَعُ الْعَيْنِ وَلَا الضِّرْسِ وَلَا الصُّدَاعِ وَلَا الْهَرَمِ وَلَا الْجَرَبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعُ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ: (وَصِيغَتُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 85 أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا أَوْ ادْفَعُوا إلَيْهِ أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً، وَتَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ، وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ. وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بَلَا قَبُولٍ،   [مغني المحتاج] (أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا، أَوْ ادْفَعُوا إلَيْهِ) بَعْدَ مَوْتِي كَذَا (أَوْ أَعْطُوهُ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، قَالَ: وَوَصْلُهَا غَلَطٌ (بَعْدَ مَوْتِي) كَذَا (أَوْ جَعَلْتُهُ) لَهُ بَعْدَ مَوْتِي (أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي) وَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ، وَيُرْشِدُ لَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ: وَيَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَمِنْ صَرَائِحِهَا أَيْضًا: مَلَّكْتُهُ لَهُ، أَوْ وَهَبْتُهُ لَهُ، أَوْ حَبَوْتَهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِي. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بَعْدَ مَوْتِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَيْدٌ فِي الْمَذْكُورَيْنِ قَبْلَهُ، فَلَوْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ، أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ الْكُلِّ لِيَعُودَ إلَيْهَا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ لَكَانَ أَحْسَنَ، عَلَى أَنَّ فِي عَوْدِهِ لِغَيْرِ الْأَخِيرَةِ نَظَرًا لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي حُرُوفِ الْعَطْفِ الْجَامِعَةِ بِخِلَافِ مَا هُوَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مِثْلُ أَوْ: كَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ ذِكْرُهُ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُؤَيِّدُ تَعَيُّنَ ذِكْرِهِ عَقِبَ كُلِّ صِيغَةٍ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْكُلِّ وَقُلْنَا: يَعُودُ لِلْجَمِيعِ لَزِمَ كَوْنُهُ قَيْدًا فِي أَوْصَيْتُ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى) قَوْلِهِ (هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ) لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ: هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَصِحُّ بِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ الْوَصِيَّةُ فَتُقْبَلُ إرَادَتُهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ صَرَاحَتُهُ حِينَئِذٍ لِذِكْرِهِ لَهُ مَعَ الصَّرَائِحِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ، فَلَوْ قَالَ: هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي مِنْ مَالِي كَانَ وَصِيَّةً قَطْعًا، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَهَبْته لَهُ وَنَوَى الْوَصِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ الْهِبَةِ، وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ (وَتَنْعَقِدُ) الْوَصِيَّةُ (بِكِنَايَةٍ) بِنُونٍ مَعَ النِّيَّةِ كَعَبْدِي هَذَا لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ التَّعْيِينُ لَهَا وَالتَّعْيِينُ لِلْإِعَارَةِ، أَوْ عَيَّنْتُ هَذَا لَهُ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ فَأَشْبَهَتْ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً لِلتَّمَلُّكِ بِالْوَصِيَّةِ (وَالْكِتَابَةُ) بِالتَّاءِ (كِنَايَةٌ) بِنُونٍ فَيَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَأَوْلَى، فَإِذَا كَتَبَ لِزَيْدٍ كَذَا وَنَوَى بِهِ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَأَعْرَبَ بِالنِّيَّةِ نُطْقًا أَوْ وَرِثْتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَحَّتْ، وَلَوْ كَتَبَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا وَهُوَ نَاطِقٌ، وَأَشْهَدَ جَمَاعَةً أَنَّ الْكِتَابَ خَطُّهُ وَمَا فِيهِ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَى مَا فِيهِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَصِيَّتُهُ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ، فَإِنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ فَوَصِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ بِكِتَابَةٍ، أَوْ إشَارَةٍ كَالْبَيْعِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ كُلُّ مَنْ ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِي شَيْئًا أَعْطُوهُ لَهُ وَلَا تُطَالِبُوهُ بِحُجَّةٍ فَادَّعَى اثْنَانِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِحَقَّيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقَدْرِ وَلَا حُجَّةَ كَانَ كَالْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ ضَاقَ عَنْ الْوَفَاءِ قُسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ مَا يَدَّعِيهِ فُلَانٌ فَصَدِّقُوهُ فَمَاتَ، فَهُوَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ، وَتَعْيِينُهُ لِلْوَرَثَةِ. (وَإِنْ أَوْصَى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) بِأَنْ أَوْصَى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ (كَالْفُقَرَاءِ) أَوْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَالْهَاشِمِيَّةِ وَالْمُطَّلِبِيَّةِ (لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ بَلَا) اشْتِرَاطِ (قَبُولٍ) لِتَعَذُّرِهِ، وَيَجُوزُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 86 أَوْ لِمُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ. وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ. فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ   [مغني المحتاج] الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلْدَةٍ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ كَالْمُعَيَّنِ وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ) أَوْصَى (لِمُعَيَّنٍ) مَحْصُورٍ كَزَيْدٍ (اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ) كَالْهِبَةِ، فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْغَزَالِيِّ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ وَقَدَّمْتُ فِي بَابِهَا أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْيَمَانِيِّينَ فَكَذَا هُنَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا قَبِلَ بَعْضَهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ مَا اُغْتُفِرَ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي الْمُعَيَّنِ الْمُتَعَدِّدُ الْمَحْصُورُ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمْ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُعَيَّنِ الْآدَمِيَّ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَمَسْجِدٍ فَهَلْ نَقُولُ: نَاظِرُ الْوَقْفِ كَالْوَلِيِّ أَوْ يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ نَصٌّ وَالثَّانِي أَقْرَبُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِلْخَيْلِ الْمُسَبَّلَةِ بِالثُّغُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَيِّمِ الْمَسْجِدِ فِيمَا نَظُنُّهُ. اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْأَخْذُ كَالْهَدِيَّةِ قَالَ: وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لَلَهُ تَعَالَى فَكَانَ كَالْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَمِثْلُهُ التَّدْبِيرُ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ وَصِيَّةٌ، أَيْ عَلَى رَأْيٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى رَهْنِ الْمُدَبَّرِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِرَقَبَتِهِ فَفِي افْتِقَارِ الْقَبُولِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ؛ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ. (وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) إذْ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَأَشْبَهَ إسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلِمَنْ قَبِلَ فِي الْحَيَاةِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْعَكْسِ، وَيَصِحُّ الرَّدُّ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ لَا بَعْدَهُمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّف فِي تَصْحِيحِهِ الصِّحَّةَ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتِمَّ، قَالَ: وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ تَبِعَ الْبَغَوِيَّ فِي التَّرْجِيحِ (وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي (الْفَوْرُ) فِي الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الْفَوْرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُقُودِ النَّاجِزَةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ لَاعْتُبِرَ الْإِيجَابُ وَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقَبُولِ أَوْ الرَّدِّ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ. هَذَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَبُولِ وَكَانَ الْحَظُّ لَهُ فِيهِ، فَالْمُتَّجَهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُ، وَلَا يُحْكَمُ بِالرَّدِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي السَّفِيهِ، وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْمَحَاجِيرِ. (فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَهُ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 87 بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ. وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي أَمْ بِقَبُولِهِ أَمْ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا بَانَ لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ، وَعَلَيْهَا تُبْنَى الثَّمَرَةُ، وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ،   [مغني المحتاج] الْمُوصِي (بَطَلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْمَوْتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ الْقَبُولِ (أَوْ) مَاتَ (بَعْدَهُ) قَبْلَ قَبُولِهِ وَرَدِّهِ (فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ) الْوَصِيَّةَ أَوْ يَرُدُّ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهُ فَقَامَ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ لَدَخَلَتْ صُورَةُ الرَّدِّ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لَنَا عَقْدٌ لَا يَفُوتُ بِمَوْتِ الْقَابِلِ إلَّا الْوَصِيَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَوْصَى لِرَقِيقٍ شَخْصٌ ثُمَّ مَاتَ الرَّقِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُ الْوَارِثِ الْوَارِثَ الْخَاصَّ، وَالْوَارِثَ الْعَامَّ حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَارِثٍ خَاصٍّ قَامَ الْإِمَامُ مَقَامَهُ، فَإِذَا قَبِلَ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّبِيلِيُّ وَإِذَا قَبِلَ وَارِثُهُ هَلْ يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَ مُورَثِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ كَدِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً وَلَا يُخَالِفُ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ قَبُولَ وَارِثِهِ إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَوَرِثَهُ، وَإِذَا قَبِلَ وَارِثُهُ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ إذْ لَوْ وَرِثَ لَاعْتُبِرَ قَبُولُهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَحْكُمْ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ بَلْ هُوَ عَلَى الرِّقِّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ فَلَا يَرِثُ. أَمَّا إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ قَبُولِهِ فَقَدْ مَلَكَهَا وَانْتَقَلَتْ إلَى وَارِثِهِ سَوَاءٌ أَقَبَضَهَا أَمْ لَا أَوْ بَعْدَ الرَّدِّ بَطَلَتْ بِرَدِّهِ. (وَهَلْ يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ) الْوَصِيَّةَ (بِمَوْتِ الْمُوصِي) كَالْإِرْثِ وَالتَّدْبِيرِ. وَلَكِنْ إنَّمَا تَسْتَقِرُّ بِالْقَبُولِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ (أَمْ بِقَبُولِهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ (أَمْ) مِلْكُ الْوَصِيَّةِ (مَوْقُوفٌ) وَبَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَبِلَ) الْمُوصَى لَهُ (بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ) الْوَصِيَّةَ (بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْهَا (بَانَ) أَنَّهَا (لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ) مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ لِلْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَا لِلْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ رَدُّهُ كَالْإِرْثِ فَتَعَيَّنَ وَقْفُهُ، فَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَبُولُ بَلْ لَهُ الرَّدُّ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَ الْوَصِيَّةَ. فَإِنْ قِيلَ: يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّف بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ بِقَبُولِهِ؛ لِأَنَّ صِنَاعَةَ الْعَرَبِيَّةِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا سُئِلَ بِهَلْ أَنْ يُؤْتَى بِأَوْ، لَا بِأَمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَسَمَّحَ كَالْفُقَهَاءِ بِوَضْعِ هَلْ مَوْضِعَ الْهَمْزَةِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ فِيهِ السُّؤَالُ عَنْ التَّعْيِينِ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ هَلْ، فَإِنَّ السُّؤَالَ بِهَا فِي الْأَصْلِ عَنْ وُجُودِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ (وَعَلَيْهَا) أَيْ: الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ (تُبْنَى الثَّمَرَةُ وَكَسْبُ عَبْدٍ) مَثَلًا (حَصَلَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ وَنَفَقَتُهُ) وَكِسْوَتُهُ وَنَحْوهُمَا (وَفِطْرَتُهُ) بَيْنَهُمَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ لِلْمُوصَى لَهُ الْفَوَائِدُ وَعَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا وَلَا، وَلَوْ رَدَّ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ وَعَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا وَلَا، وَعَلَى النَّفْيِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَتَعَلَّقُ مَا ذُكِرَ بِالْوَارِثِ، هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيَّةِ التَّمْلِيكِ. أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِلْكُ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 88 وَنُطَالِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ. فَصْلٌ   [مغني المحتاج] لِلْوَارِثِ إلَى عِتْقِهِ قَطْعًا كَذَا قَالَاهُ فَتَكُونُ الْأَكْسَابُ لَهُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ. لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: قِيلَ إنَّهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُوصَى لَهُ وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا لِلْعَبْدِ لِتَقَرُّرِ اسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ، وَبِمَا قَالَهُ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ فَتَأَخَّرَ وَقْفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِمَنْ يَكُونُ رِيعُهُ؟ قِيلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جُعِلَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ الْوَقْفِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَبَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِقَبُولٍ. أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ مَحْصُورٍ. فَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَمَتِهِ لِزَوْجِهَا فَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ تَبَيَّنَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَإِنْ رَدَّ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَالزَّوْجُ وَارِثُ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْأَجْنَبِيُّ الْوَصِيَّةَ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ وَإِنْ رَدَّ انْفَسَخَ، هَذَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِوَارِثٍ آخَرَ، وَأَجَازَ الزَّوْجُ الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا لَمْ يَنْفَسِخْ، وَإِلَّا انْفَسَخَ. فَإِنْ قِيلَ: يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِتَعْرِيفِ الثَّمَرَةِ وَتَنْكِيرِ كَسْبٍ، وَجَمْعِهِمَا فِي ضَمِيرِ حَصَلَا مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَطْلُبُهُ حَالًا وَالثَّانِي يَطْلُبُهُ صِفَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الثَّمَرَةِ لِلْجِنْسِ، وَالْمُعَرَّفُ بِأَلْ الْجِنْسِيَّةِ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ فَلَيْسَ طَلَبُ الثَّمَرَةِ وَكَسْبٌ حِينَئِذٍ مِنْ جِهَتَيْنِ، بَلْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ (وَنُطَالِبُ) بِالنُّونِ أَوَّلَهُ بِخَطِّهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ (الْمُوصَى لَهُ) بِالْعَبْدِ أَيْ: يُطَالِبُهُ الْوَارِثُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْ: أَوْ الْقَائِمُ مَقَامَهُ مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ (بِالنَّفَقَةِ) وَسَائِرِ الْمُؤَنِ (إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ) كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مُطَلِّقُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ مِنْ التَّعْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ يَرُدَّ خَيَّرَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَكَمَ بِالْبُطْلَانِ كَالْمُتَحَجِّرِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِحْيَاءِ. تَنْبِيهٌ اُسْتُشْكِلَ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ، وَقِيلَ لِلْمَيِّتِ: كَيْفَ يُكَلَّفُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ الْمُطَالَبَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَلَكَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي، صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا فِي زَمَنِ الْوَقْفِ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمُطَالَبَةِ حَالًا. أَمَّا النِّسْبَةُ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَهِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، إنْ قَبِلَ، وَعَلَى الْوَارِثِ إنْ رَدَّ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ] ٍ: لَفْظِيَّةٍ، وَمَعْنَوِيَّةٍ، وَحِسَابِيَّةٍ. وَالْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ الْقِسْمَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ اخْتِصَارًا. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 89 إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ تَنَاوَلَ صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةً وَمَعِيبَةً ضَأْنًا وَمَعْزًا وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصَحِّ لَا سَخْلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ لَغَتْ،   [مغني المحتاج] (إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ) وَأَطْلَقَ (تَنَاوَلَ) اسْمُ الشَّاةِ (صَغِيرَةَ الْجُثَّةِ) أَيْ الْجِسْمُ (وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةَ وَمَعِيبَةً ضَأْنًا) بِالْهَمْزِ، وَقَدْ يُخَفَّفُ (وَمَعْزًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَتُسَكَّنُ جَمْعُ مَاعِزَةٍ لِصِدْقِ الِاسْمِ. فَإِنْ قِيلَ: تَجْوِيزُ الْمَعِيبَةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ: إنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَهُنَا لَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ شَاةً لَا تُشْتَرَى لَهُ مَعِيبَةً كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَنَّهُ أَبْدَى فِيهِ احْتِمَالًا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: ضَأْنًا وَمَعْزًا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَ الْوَارِثُ إعْطَاءَهُ أَرْنَبًا أَوْ ظَبْيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ قَبُولُهُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ الشَّاةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ وَالنَّعَامِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ، وَسَبَبُهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ بِالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: شَاةٌ مِنْ شِيَاهِي وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الظِّبَاءُ أَعْطَى مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ. وَنَقَلَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ (وَكَذَا ذَكَرَ) بِتَنَاوُلِهِ أَيْضًا اسْمَ الشَّاةِ إنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَلَيْسَتْ التَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ بَلْ لِلْوَحْدَةِ كَحَمَامٍ وَحَمَامَةٍ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: لَفْظُ الشَّاةِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَلِهَذَا حُمِلَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَالثَّانِي لَا يَتَنَاوَلُهُ لِلْعُرْفِ، وَالْخُنْثَى كَالذَّكَرِ. أَمَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ كَأَعْطُوهُ شَاةً يَنِزُّهَا عَلَى غَنَمِهِ أَوْ تَيْسًا أَوْ كَبْشًا تَعَيَّنَ الذَّكَرُ، أَوْ شَاةً يَحْلُبُهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَوْ نَعْجَةً تَعَيَّنَتْ الْأُنْثَى أَوْ شَاةً يَنْتَفِعُ بِصُوفِهَا تَعَيَّنَ الضَّأْنُ أَوْ بِشَعْرِهَا تَعَيَّنَ الْمَعْزُ، وَخَرَجَ بِصَغِيرَةِ الْجُثَّةِ صَغِيرَةُ السِّنِّ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (لَا سَخْلَةٌ) وَهِيَ وَلَدُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مَا لَمْ يَبْلُغْ سَنَةً (وَ) لَا (عَنَاقٌ) وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ كَذَلِكَ وَكَالْعَنَاقِ الْجَدْيُ كَمَا شَمِلَتُهُ السَّخْلَةُ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا كَفَى عَنْ ذِكْرِ الْعَنَاقِ، وَدَخَلَ الْجَدْيُ فَلَا يَتَنَاوَلَهُمَا اسْمُ الشَّاةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَا يُسَمَّى شَاةً لِصِغَرِ سِنِّهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ. وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُمَا لِصِدْقِ الِاسْمِ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ سَائِرِ الْأَصْحَابِ وَالْغَزَالِيِّ عَنْهُمْ خَلَا الصَّيْدَلَانِيَّ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ (وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً) أَوْ رَأْسًا (مِنْ غَنَمِي) أَوْ مِنْ شِيَاهِي بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ غَنَمٌ عِنْدَ مَوْتِهِ أُعْطِيَ شَاةً مِنْهَا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ (وَلَا غَنَمَ لَهُ) عِنْدَ الْمَوْتِ (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ هَذِهِ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوَصِيَّةُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَلَهُ غَنَمٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَرِقَّاءُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ مَلَكَهُ بَعْدُ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى شَاةً مِنْ غَنَمِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ غَنَمِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 90 وَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ، وَالْجَمَلُ وَالنَّاقَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْبَخَاتِيَّ وَالْعِرَابَ لَا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُ بَعِيرٍ نَاقَةً لَا بَقَرَةٍ ثَوْرًا   [مغني المحتاج] مَجْهُولٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَقَطْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تُلْغَى. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَيْهِ أَيْ: إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ظِبَاءٌ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ تَصْحِيحِهِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الظِّبَاءَ قَدْ يُقَالُ لَهَا شِيَاهُ الْبَرِّ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا غَنَمُ الْبَرِّ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَلِهَذَا لَغَتْ هُنَا (وَإِنْ قَالَ) أَعْطُوهُ شَاةً (مِنْ مَالِي) وَلَا غَنَمَ لَهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ عِنْدَ مَوْتِهِ (اُشْتُرِيَتْ لَهُ) شَاةٌ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ مِمَّا مَرَّ، فَالضَّمِيرُ فِي اُشْتُرِيَتْ لِلشَّاةِ، وَهِيَ لِلْوَحْدَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: اُشْتُرِيَ أَوْ اُشْتُرِيَتْ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: إنَّ اُشْتُرِيَ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا، وَأَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا شَاةً عَلَى غَيْرِ صِفَةِ غَنَمِهِ لِشُمُولِ الْوَصِيَّةِ لِذَلِكَ وَإِنْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ شَاةً تَعَيَّنَتْ سَلِيمَةً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِيهَا كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي أَوْ رَأْسًا مِنْ مَالِي أَوْ اشْتَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا وَاقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فَكَمَا لَوْ قَالَ: مِنْ مَالِي، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ مَالِي وَلَا مِنْ غَنَمِي (وَالْجَمَلُ وَالنَّاقَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْبَخَاتِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَاحِدُهَا بُخْتِيٌّ. وَبُخْتِيَّةٌ، وَهِيَ جِمَالٌ طُوَالُ الْأَعْنَاقِ (وَ) يَتَنَاوَلَانِ (الْعِرَابَ) وَالسَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ وَصَغِيرَ الْجُثَّةِ وَكَبِيرَهَا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ كَالشَّاةِ، وَ (لَا) يَتَنَاوَلُ (أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) فَلَا يَتَنَاوَلُ الْجَمَلُ النَّاقَةَ وَلَا عَكْسَهُ؛ لِأَنَّ الْجَمَلَ لِلذَّكَرِ، وَالنَّاقَةُ لِلْأُنْثَى (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (تَنَاوُلُ بَعِيرٍ) مَعَ تَنَاوُلِهِ مَا يَتَنَاوَلَهُ الْجَمَلُ (نَاقَةً) لِأَنَّهُ لُغَةً اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَقَدْ سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ حَلَبَ فُلَانٌ بَعِيرَهُ وَصَرَعَتْنِي بَعِيرِي. وَالثَّانِي الْمَنْعُ، وَرَجَّحَهُ كَثِيرُونَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّف عَنْ عَكْسِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ الْجَزْمُ بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ، وَفِي الْمُحْكَمِ النَّاقَةُ الْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ (لَا بَقَرَةٍ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ: تَشُقُّهَا. أَيْ لَا تَتَنَاوَلُ (ثَوْرًا) بِالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْأُنْثَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُثِيرُ الْأَرْضَ. وَالثَّانِي: يَتَنَاوَلُ، وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ، وَلَا يُخَالِفُ الْأَوَّلُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الْبَقَرَةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا عَلَيْهِ لَمْ يُشْتَهَرْ عُرْفًا، وَالْبَغْلُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ لِلذَّكَرِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَمِثْلُهُمَا الْأَوَّلُ، وَاخْتَارَ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا شُمُولَهُمَا لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، فَإِنْ أَتَى بِالْهَاءِ كَحَمَارَةٍ وَكَلْبَةٍ وَبَغْلَةٍ لَمْ يُجْزِ الذَّكَرُ، وَفِي الرَّوْضَةِ آخِرَ النَّذْرِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الْبَعِيرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَصِيلَ، وَالْبَقَرَةُ لَا تَتَنَاوَلُ الْعِجْلَ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الشَّاةَ لَا تَتَنَاوَلُ السَّخْلَةَ، وَتَدْخُلُ الْجَوَامِيسُ فِي اسْمِ الْبَقَرِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ عَدَمِ الدُّخُولِ كَمَا يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُهَا. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَحْشِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَيْرُهَا فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 91 وَالثَّوْرُ لِلذَّكَرِ. وَالْمَذْهَبُ حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ. وَيَتَنَاوَلُ الرَّقِيقُ صَغِيرًا وَأُنْثَى وَمَعِيبًا وَكَافِرًا وَعُكُوسَهَا وَقِيلَ: إنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ وَجَبَ الْمُجْزِئُ كَفَّارَةً.   [مغني المحتاج] مَرَّ فِي الشَّاةِ. فَإِنْ قِيلَ مَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ قَدْ يُشْكِلُ بِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ فَأَكَلَ لَحْمَ بَقَرِ وَحْشٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَمَا هُنَاكَ إنَّمَا يُبْنَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبٌ (وَالثَّوْرُ) يُصْرَفُ إذَا أَوْصَى بِهِ (لِلذَّكَرِ) فَقَطْ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْبَقَرَةَ، وَاسْمُ عَشْرِ بَقَرَاتٍ وَعَشْرِ أَيْنُقٍ لِلْإِنَاثِ وَعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى. (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (حَمْلُ الدَّابَّةِ) عُرْفًا إذَا أَوْصَى بِهَا (عَلَى) مَا يُمْكِنُ رُكُوبُهُ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ مِنْ (فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَلَوْ ذَكَرًا وَمَعِيبًا وَصَغِيرًا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَغْلَبُ مَا يُرْكَبُ. قَالَ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] وَقِيلَ: هَذَا عَلَى عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ، وَإِذَا كَانَ عُرْفُ أَهْلِ غَيْرِهَا كَالْعِرَاقِ الْفَرَسَ حُمِلَ عَلَيْهِ، وَلِلِاخْتِلَافِ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ بِالنَّصِّ صَحَّ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِمَارِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا حُمُرٌ وَحْشِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ حَذَرًا مِنْ إلْغَائِهَا. اهـ. وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الشَّاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ظِبَاءٌ، هَذَا إنْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً لِيُقَاتِلَ أَوْ يَكُرَّ أَوْ يَفِرَّ عَلَيْهَا فَفَرَسٌ، أَوْ لِيَنْتَفِعَ بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا فَفَرَسٌ أُنْثَى أَوْ نَاقَةٌ أَوْ حِمَارَةٌ، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا خَرَجَ مِنْهَا الْفَرَسُ، فَإِنْ اعْتَادُوا الْحَمْلَ عَلَى الْبَرَاذِينِ دَخَلَتْ. بَلْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ الْمُصَنِّفُ إذَا قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا دَخَلَ فِيهَا الْجِمَالُ وَالْبَقَرُ إنْ اعْتَادُوا الْحَمْلَ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً مِنْ دَوَابِّي وَمَعَهُ دَابَّةٌ مِنْ جِنْسٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَتْ أَوْ دَابَّتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مِنْهُمَا تَخَيَّرَ الْوَارِثُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِيَوْمِ الْمَوْتِ لَا بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ النَّعَمِ أَوْ نَحْوِهَا فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ الصِّحَّةُ، وَيُعْطِي مِنْهَا لِصِدْقِ اسْمِ الدَّابَّةِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الشَّاةِ. (وَيَتَنَاوَلُ الرَّقِيقُ) إذَا أَوْصَى بِهِ أَوْ بِإِعْتَاقِهِ (صَغِيرًا وَأُنْثَى وَمَعِيبًا وَكَافِرًا وَعُكُوسَهَا) وَهِيَ كَبِيرٌ وَذَكَرٌ وَسَلِيمٌ وَمُسْلِمٌ وَخُنْثَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى الْجَمِيعِ (وَقِيلَ: إنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ وَجَبَ الْمُجْزِئُ كَفَّارَةً) لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْإِعْتَاقِ، بِخِلَافِ أَعْطُوهُ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهِ، وَالْخِلَافُ فِي عِتْقِ التَّطَوُّعِ، فَلَوْ قَالَ: عَنْ كَفَّارَةٍ تَعَيَّنَ الْمُجْزِئُ فِيهَا أَوْ نَذْرٍ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. هَذَا عَنْ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا لِيُقَاتِلَ أَوْ لِيَخْدُمَهُ فِي السَّفَرِ أُعْطِيَ ذَكَرًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى: وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا سَلِيمًا مِنْ الزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهِمَا. وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِمَّا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْخِدْمَةُ، وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا لِلْخِدْمَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا مُطْلَقًا، إذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ قَالَ: لِيَحْضُنَ وَلَدَهُ أَوْ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ فَأُنْثَى؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تَصْلُحُ لِذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 92 وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ. أَوْ بِإِعْتَاقِ رِقَابٍ فَثَلَاثٌ، فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى شِقْصٌ بَلْ نَفِيسَتَانِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفُسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِلْعِتْقِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: كَفَّارَةً بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ: إمَّا حَالٌ لِأَنَّهُ نَفْسَهُ كَفَّارَةٌ أَوْ تَمْيِيزٌ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ كَفَّارَةً بِمَعْنَى تَكْفِيرٍ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ لِقِلَّتِهِ. (وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ) مُبْهَمًا - أَيْ بِأَحَدِ أَرِقَّائِهِ (فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا) كُلُّهُمْ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ مَضْمُونًا أَوْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقٍ أَوْ نَحْوِ بَيْعٍ (قَبْلَ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (بَطَلَتْ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ لَا رَقِيقَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ (وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ) لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إمْسَاكُهُ وَإِعْطَاؤُهُ قِيمَةَ مَقْتُولٍ وَمِثْلُهُ لَوْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ بِمَا مَرَّ إلَّا وَاحِدًا، هَذَا إذَا أَوْصَى بِأَحَدِ الْمَوْجُودَيْنِ فَإِنْ أَوْصَى بِأَحَدِ أَرِقَّائِهِ فَمَاتَ الَّذِينَ فِي مِلْكِهِ أَوْ خَرَجُوا عَنْ مِلْكِهِ وَتَجَدَّدَ لَهُ غَيْرُهُمْ لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ الْمَوْجُودَيْنِ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ لِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الْحَادِثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ مَوْتِهِ مَا بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ أَوْ الْمَوْتُ بَعْدَ الْقَبُولِ أَوْ قَبْلَهُ وَقَبِلَ انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى قِيمَةِ أَحَدِهِمْ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ بِخِيرَةِ الْوَارِثِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ وَلَزِمَهُ تَجْهِيزُهُ فِي الْحَالَيْنِ. (أَوْ) أَوْصَى (بِإِعْتَاقِ رِقَابٍ فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ عَلَى الرَّاجِحِ، وَمَنْ قَالَ: أَقَلُّهُ اثْنَانِ جَوَّزَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِ مَالِي رِقَابًا وَأَعْتِقُوهُمْ اشْتَرَوْا ثَلَاثًا لِمَا مَرَّ فَأَكْثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالِاسْتِكْثَارُ مَعَ الِاسْتِرْخَاصِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِقْلَالِ مَعَ الِاسْتِغْلَاءِ. وَمَعْنَاهُ أَنَّ إعْتَاقَ خَمْسِ رِقَابٍ قَلِيلَةِ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ أَرْبَعٍ كَثِيرَةِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مَا وَصَّى بِهِ إلَى رَقَبَتَيْنِ مَعَ إمْكَانِ ثَلَاثٍ، فَلَوْ صَرَفَهُ ضَمِنَ الْوَصِيُّ الثَّالِثَةَ، وَهَلْ يَضْمَنُ ثُلُثَ مَا نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ أَقَلَّ مَا يَجِدُ بِهِ رَقَبَةً؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي (فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَّ) أَيْ: عَنْ ثَلَاثِ رِقَابٍ (فَالْمَذْهَبُ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى) مَعَ رَقَبَتَيْنِ (شِقْصٌ) مِنْ رَقَبَةٍ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيهَا حُرًّا خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ (بَلْ) يَشْتَرِي (نَفِيسَتَانِ بِهِ) أَيْ: بِمَا أَوْصَى بِهِ (فَإِنْ فَضَلَ) مِنْ الْمُوصَى بِهِ (عَنْ أَنْفُسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الشِّقْصَ لَيْسَ رَقَبَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ رَقَبَةً، فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا شِقْصٌ لَمْ يُشْتَرَ قَطْعًا. وَالثَّانِي: يُشْتَرَى شِقْصٌ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِ الْمُوصِي مِنْ صَرْفِ الْفَاضِلِ لِلْوَرَثَةِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ فَضَلَ مَا أَوْصَى بِهِ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ ثَلَاثِ نَفِيسَاتٍ شَيْءٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهَا أَوْلَى بِأَنْ لَا يُشْتَرَى بِهِ الشِّقْصُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِحُصُولِ اسْمِ الْجَمْعِ هُنَا، وَلَوْ أَوْصَى بِشِرَاءِ شِقْصٍ اُشْتُرِيَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إمَّا لِعَدَمِهِ أَوْ لِقِلَّةِ الْبَاقِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرُدَّتْ لِلْوَرَثَةِ (وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِلْعِتْقِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ) لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الثُّلُثِ إلَى الْعِتْقِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَى الشِّقْصُ وَإِنْ قُدِرَ عَلَى التَّكْمِيلِ، وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 93 وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ فَلَهُمَا، أَوْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَكُلُّهُ لِلْحَيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا أَوْ قَالَ أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْهُمَا لَغَتْ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ فَوَلَدَتْهُمَا اسْتَحَقَّ الذَّكَرُ أَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَلَوْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ   [مغني المحتاج] يُشْتَرَى شِقْصٌ، لَكِنَّ التَّكَمُّلَ أَوْلَى إذَا أَمْكَنَ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الطَّاوُسِيُّ وَالْبَارِزِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يُشْتَرَى ذَلِكَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ التَّكْمِيلِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَقْرَبُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ. (وَلَوْ وَصَّى لِحَمْلِهَا) بِشَيْءٍ (فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ) حَيَّيْنِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَلَهُمَا) بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَلَا يُفَضَّلُ ذَكَرٌ عَنْ أُنْثَى كَمَا لَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ شَيْئًا (أَوْ) أَتَتْ (بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَكُلُّهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (لِلْحَيِّ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ بِانْفِصَالِهِمَا مَيِّتَيْنِ. وَالثَّانِي لَهُ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي كَمَا لَوْ أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ (وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا أَوْ قَالَ) إنْ كَانَ حَمْلُكِ (أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا جَمِيعَهُ لَيْسَ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى، وَلَوْ وَلَدَتْ فِي الْأُولَى ذَكَرَيْنِ قُسِمَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا كَمَا اخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي الثَّانِيَةِ أُنْثَيَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُكِ ابْنًا فَلَهُ كَذَا، أَوْ بِنْتًا فَلَهَا كَذَا، فَوَلَدَتْ ابْنَيْنِ أُنْثَيَيْنِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى لِلْجِنْسِ فَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا الْفَرْقُ بِوَاضِحٍ، وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: بَلْ الْفَرْقُ وَاضِحٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ وَاضِحٌ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ وَإِلَّا فَفِي وُضُوحِ الْفَرْقِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا نَظَرٌ (وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ) فَلَهُ كَذَا (فَوَلَدَتْهُمَا) أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى (اسْتَحَقَّ الذَّكَرُ) فَقَطْ لِأَنَّهُ وُجِدَ بِبَطْنِهَا، وَزِيَادَةُ الْأُنْثَى لَا تَضُرُّ (أَوْ) وَلَدَتْ (ذَكَرَيْنِ فَالْأَصَحُّ) وَفِي الْوَجِيزِ الْأَظْهَرُ (صِحَّتُهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُرْ الْحَمْلَ فِي وَاحِدٍ بَلْ حَصَرَ الْوَصِيَّةَ فِيهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِاقْتِضَاءِ التَّنْكِيرِ التَّوْحِيدَ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُعْطِيهِ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) كَمَا لَوْ وَقَعَ الْإِبْهَامُ فِي الْمُوصَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فِي حُقُوقِهِ، وَقِيلَ: يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: يُوقَفُ إلَى أَنْ يَتَأَهَّلَا لِلْقَبُولِ فَيَصْطَلِحَا وَلَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت غُلَامًا، أَوْ إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ غُلَامٌ، أَوْ إنْ كُنْتِ حَامِلًا بِغُلَامٍ فَلَهُ كَذَا، أَوْ أُنْثَى فَكَذَا فَوَلَدَتْهُمَا أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ وَلَوْ مَعَ أُنْثَيَيْنِ أَعْطَى الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى أَعْطَى الْأَقَلَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَإِنْ جَزَمَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ تَمَامُ مَا جَعَلَ لِلْآخَرِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَالُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ. (وَلَوْ وَصَّى) بِشَيْءٍ (لِجِيرَانِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لَحْنٌ، وَفِي الْمُحْكَمِ إنَّ جَمْعَ الْجَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 94 فَلِأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.   [مغني المحتاج] جِيرَةٌ وَجِيرَانٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إلَّا قَاعٌ وَقِيعَةٌ وَقِيعَانٌ (فَلِأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) مِنْ جَوَانِبِ دَارِهِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ، وَهُوَ إمَامٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَكَلَامُهُ فِيهَا حُجَّةٌ، وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ: «حَقُّ الْجِوَارِ أَرْبَعُونَ دَارًا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ قُدَّامًا وَخَلْفًا وَيَمِينًا وَشَمَالًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مُرْسَلًا، وَلَهُ طُرُقٌ تُقَوِّيهِ. وَقِيلَ: الْجَارُ مَنْ لَاصَقَ دَارِهِ، وَقِيلَ: أَهْلُ الْمَحَلَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَقِيلَ: الْمُلَاصِقُ وَالْمُقَابِلُ، وَقِيلَ: أَهْلُ الزُّقَاقِ غَيْرِ النَّافِذِ، وَقِيلَ: مَنْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ دَرْبٌ يُغْلَقُ، وَقِيلَ: مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: قَبِيلَتُهُ، وَقِيلَ: جَمِيعَ أَهْلِ الْبَلَدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 60] وَعَلَى الْأَوَّلِ يُصْرَفُ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِلْمُسْلِمِ وَالْغَنِيِّ وَضِدِّهِمَا عَلَى عَدَدِ الدُّورِ لَا عَلَى عَدَدِ السُّكَّانِ، وَالْعِبْرَةُ بِالسَّاكِنِ لَا بِالْمِلْكِ، وَتُقَسَّمُ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ وَلَوْ رَدَّ بَعْضُ الْجِيرَانِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الدُّورِ مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُتَّجَهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ غَايَةَ الْجِوَارِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ، فَجُمْلَةُ الدُّورِ حِينَئِذٍ مِائَةٌ وَسِتُّونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ أَرْبَعُونَ، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: هَكَذَا وَهَكَذَا أَنَّ الْأَرْبَعِينَ تُعَدُّ هَكَذَا وَهَكَذَا حَتَّى تَتِمَّ، وَاعْتُرِضَ هَذَا الْعَدَدُ بِأَنَّ دَارَ الْمُوصِي قَدْ تَكُونُ كَبِيرَةً فِي التَّرْبِيعِ فَيُسَامِتُهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَارًا فَيَزِيدُ الْعَدَدُ. وَقَدْ تُسَامِتُ دَارَ الْمُوصِي دَارٌ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْءٌ عَنْهَا فَيَزِيدُ الْعَدَدُ أَيْضًا. وَرُبَّمَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ كُلَّ جَانِبٍ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ وُجِدَتْ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ اخْتَارَ الْوَارِثُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرَ، فَإِنْ وُجِدَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ زِيَادَةٌ، وَفِي آخَرَ نَقْصٌ يَنْبَغِي أَنْ يُكَمَّلَ النَّاقِصُ مِنْ الزَّائِدِ، وَيُقَسَّمَ عَلَيْهِمَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّبْعُ كَالدَّارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى بُيُوتٍ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُوصِي دَارٌ إنْ صُرِفَ إلَى جِيرَانِ أَكْثَرِهِمَا سُكْنَى، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ إلَى جِيرَانِ مَنْ كَانَ فِيهَا حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ الثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ. وَيَظْهَرُ قَوْلُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي وَاحِدَةٍ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ، وَفِي أُخْرَى حَالَةَ الْمَوْتِ، فَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِلَى جِيرَانِهِمَا وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ جِيرَانَ الْمَسْجِدِ كَجِيرَانِ الدَّارِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ، وَقِيلَ: جَارُهُ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ لِخَبَرِ: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَجَارُهُ مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي الْخَبَرِ خَاصٌّ بِحُكْمِ الصَّلَاةِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 95 وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ، وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ،   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي تَرْجَمَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَحُسْنُ الْجِوَارِ عِمَارَةٌ لِلدِّيَارِ وَزِيَادَةٌ فِي الْأَعْمَارِ» . (وَالْعُلَمَاءُ) فِي الْوَصِيَّةِ هُمْ (أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ) . قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمَا سِوَاهَا فِي الدِّينِ حُطَامٌ فَانٍ، وَبَيَّنَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ) عِلْمِ (التَّفْسِيرِ) وَهُوَ لُغَةً بَيَانُ مَعْنَى اللَّفْظِ الْغَرِيبِ. وَشَرْعًا مَعْرِفَةُ مَعَانِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، وَهَذَا بَلَا سَاحِلٍ لَهُ، وَكُلُّ عَالِمٍ يَأْخُذُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ: مَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ، وَمَا يُدْرَكُ مِنْ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ بِوَاسِطَةِ عُلُومٍ أُخَرَ كَاللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْعِ وَوَرَاءَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَهْمٌ يُؤْتِيهِ اللَّهُ لِلْعَبْدِ وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَيْضًا. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَمَنْ عَرَفَ التَّفْسِيرَ دُونَ أَحْكَامِهِ لَا يُصْرَفُ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَنَاقِلِ الْحَدِيثِ (وَ) مِنْ عِلْمِ (حَدِيثٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ مَعَانِيهِ وَرِجَالِهِ وَطُرُقِهِ وَصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ وَعَلِيلِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ بَعْدَ الْقُرْآنِ، فَالْعَالِمُ بِهِ مِنْ أَجَلِّ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ مِنْ عُلَمَائِهِ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السَّمَاعِ الْمُجَرَّدِ (وَ) مِنْ عِلْمِ (فِقْهٍ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا أَيْ: عَرَفَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ دُونَ مَنْ عَرَفَ طَرَفًا مِنْهُ كَمَنْ عَرَفَ أَحْكَامَ الْحَيْضِ أَوْ الْفَرَائِضِ وَإِنْ سَمَّاهَا الشَّارِعُ نِصْفَ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِنْبَاطِ الظَّاهِرِيَّةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَفْتَى بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ أَوْصَى لِأَعْلَمِ النَّاسِ صُرِفَ لِلْفُقَهَاءِ لِتَعَلُّقِ الْفِقْهِ بِأَكْثَرِ الْعُلُومِ. وَقَالَ شَارِحُ التَّعْجِيزِ: أَوْلَى النَّاسِ بِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ نُورٌ يَقْذِفُ هَيْبَتَهُ فِي الْقَلْبِ أَيْ مَنْ قُذِفَ فِي قَلْبِهِ ذَلِكَ، وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مَوْهِبَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ بِخِلَافِ مَا يَفْهَمُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الزَّمَانِ، فَذَلِكَ صِنَاعَةٌ وَوَصْفُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالصُّوفِيَّةِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْوَقْفِ. سُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فَقِيلَ: إنَّ فُقَهَاءَنَا لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْتُمْ فَقِيهًا قَطُّ؟ الْفَقِيهُ هُوَ الْقَائِمُ لَيْلَهُ، الصَّائِمُ نَهَارَهُ، الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الَّذِي لَا يُدَارِي وَلَا يُمَارِي، يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ، فَإِنْ قُبِلَتْ مِنْهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَفَقِهَ عَنْ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَعَلِمَ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكْرَهُهُ، فَذَلِكَ هُوَ الْعَالِمُ الَّذِي قِيلَ فِيهِ: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنْ الْمَغْرُورِينَ، وَلَوْ أَوْصَى لِمُفَسِّرٍ وَمُحَدِّثٍ وَفَقِيهٍ فَاجْتَمَعَتْ فِي شَخْصٍ أُعْطِيَ بِأَحَدِهَا كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ عَنْ عُلُومِ الْعَقْلِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالْمَنْطِقِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْمَنْطِقِ الطَّاوُسِيُّ فِي التَّعْلِيقَةِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ فَلْيَكُنْ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الْحَصْرُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْعِلْمُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ مِثْلُهَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ عَلَيْهِ، وَعَدَّ الْغَزَالِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْمُسْتَصْفَى مِنْ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ عِلْمَ الْبَاطِنِ يَعْنِي: عِلْمَ الْقَلْبِ، وَتَطْهِيرَهُ عَنْ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الرَّاسِخِ فِي الْعِلْمِ فَقِيلَ: هُوَ مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ جَمَعَ أَرْبَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 96 لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ، وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.   [مغني المحتاج] خِصَالٍ: التَّقْوَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَالتَّوَاضُعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَالزُّهْدَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّنْيَا، وَالْمُجَاهَدَةَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْعَالِمُ بِتَصَارِيفِ الْكَلَامِ، وَمَوَارِدِ الْأَحْكَامِ، وَمَوَاقِعِ الْمَوَاعِظِ؛ لِأَنَّ الرُّسُوخَ الثُّبُوتُ فِي الشَّيْءِ، وَعَطَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْمَرْفُوعِ قَوْلَهُ (لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ) وَمُنَجِّمٌ وَحَاسِبٌ وَمُهَنْدِسٌ فَلَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَهُمْ مِنْهُمْ، وَكَذَا الْعَالِمُ بِاللُّغَةِ وَالصَّرْفِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ وَالْعَرُوضِ وَالْقَوَافِي وَالْمُوسِيقَى وَنَحْوِهَا، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ تَبَعًا لِابْنِ يُونُسَ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقْرِئِ التَّالِي. أَمَّا الْعَالِمُ بِالرِّوَايَاتِ وَرِجَالِهَا فَكَالْعَالِمِ بِطُرُقِ الْحَدِيث، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنَّ عِلْمَ الْقِرَاءَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي، فَالْعَارِفُ بِهِ لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْعُلَمَاءِ، وَبِأَنَّ التَّالِيَ قَارِئٌ لَا مُقْرِئٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْأُدَبَاءِ النُّحَاةُ وَاللُّغَوِيُّونَ، وَقَدْ عَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ الْأَدَبَ اثْنَيْ عَشَرَ عِلْمًا، وَالْمُرَادُ بِالْمُعَبِّرِ مُفَسِّرُ الْمَنَامِ، وَالْأَفْصَحُ عَابِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: عَبَرْتُ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ التَّشْدِيدَ وَفِي الْحَدِيث: «الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ» وَالطَّبِيبُ مَنْ يُحْسِنُ عِلْمَ الطِّبِّ (وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ) لَيْسَ مِنْهُمْ (عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) لِمَا ذُكِرَ وَنَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي زِيَادَتِهِ عَنْ النَّصِّ، وَقِيلَ يَدْخُلُ، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَمَالَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَدِّثِ وَالْمُقْرِئِ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الدُّخُولِ كُلُّهُمْ أَوْ فِي الْخُرُوجِ، وَلِأَجْلِ هَذَا التَّوَقُّفِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَصَحِّ إلَى قَوْلِهِ: عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ: السُّبْكِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِعِلْمِ الْكَلَامِ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ، وَلِيُمَيِّزَ بَيْنَ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ، فَذَاكَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِهِ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ التَّوَغُّلُ فِي شُبَهِهِ، وَالْخَوْضُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْفَلْسَفَةِ، وَتَضْيِيعُ الزَّمَانِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا وَدَاعِيًا إلَى ضَلَالَةٍ، فَذَاكَ بِاسْمِ الْجَهْلِ أَحَقُّ. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْحُكَمَاءِ فَذَاكَ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ بَلْ أَكْثَرُهُ ضَلَالٌ وَفَلْسَفَةٌ وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الَّذِي أَنْكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ: لَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَذَا الصُّوفِيَّةُ يَنْقَسِمُونَ إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَالْقُطْبِ الْقُونَوِيِّ وَالْعَفِيفِ التِّلْمِسَانِيِّ، فَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ جُهَّالٌ خَارِجُونَ عَنْ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ: إنَّ الشَّكَّ فِي كُفْرِ طَائِفَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ كُفْرٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُمْ الَّذِينَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ الِاتِّحَادُ. قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ أَخْيَارٌ وَكَلَامُهُمْ جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ كَسَائِرِ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُمْ فِي مُرَادِهِمْ وَإِنْ افْتَقَرَ عِنْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 97 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَوْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَهُ عِنْدَهُ كُفْرًا إلَى تَأْوِيلٍ، إذْ اللَّفْظُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، فَالْمُعْتَقِدُ مِنْهُمْ لِمَعْنَاهُ مُعْتَقِدٌ لِمَعْنًى صَحِيحٍ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى وِلَايَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ جَمَاعَةٌ عُلَمَاءُ عَارِفُونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْيَافِعِيُّ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ وَفِي طَائِفَتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورُ عِنْدَ غَيْرِ الصُّوفِيَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ عَنْ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا اسْتَغْرَقَ فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ وَالْعِرْفَانِ بِحَيْثُ تَضْمَحِلُّ ذَاتُهُ فِي ذَاتِهِ، وَصِفَاتُهُ فِي صِفَاتِهِ، وَيَغِيبُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ عِبَارَاتٌ تُشْعِرُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ بَيَانِ حَالِهِ الَّذِي تَرَقَّى إلَيْهِ وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ صُرِفَ لِحُفَّاظِ كُلِّ الْقُرْآنِ فِي الْأَصَحِّ لَا لِمَنْ لَا يَحْفَظُ وَيَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ لِلرِّقَابِ صُرِفَ إلَى الْمُكَاتَبِينَ كِتَابَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عَنْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى ثَلَاثَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا مُكَاتَبٌ وُقِفَ الثُّلُثُ لِجَوَازِ أَنْ يُكَاتَبَ رَقِيقٌ، فَإِنْ رَقَّ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ الْمَالُ إنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ سَيِّدِهِ أَوْ لِسَبِيلِ اللَّهِ صُرِفَ إلَى الْغُزَاةِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ شَرْعًا، وَأَقَلُّ مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ ثَلَاثَةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ آلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ أَوْصَى لِآلِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ، وَهَلْ تُحْمَلُ عَلَى الْقَرَابَةِ أَوْ عَلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَوَّلُ، وَأَهْلُ الْبَيْتِ كَالْآلِ لَكِنْ تَدْخُلُ الزَّوْجَةُ فِيهِمْ أَيْضًا، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَيْتِ دَخَلَ كُلُّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِآبَائِهِ دَخَلَ أَجْدَادُهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ لِأُمَّهَاتِهِ دَخَلَتْ جَدَّاتُهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَيْضًا، وَلَا تَدْخُلُ الْأَخَوَاتُ فِي الْإِخْوَةِ كَعَكْسِهِ، وَالْأَحْمَاءُ آبَاءُ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا أَبُو زَوْجَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ حم، وَالْمَحَارِمُ يَدْخُلُ فِيهِمْ كُلُّ مَحْرَمٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ. وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُدَبَّرُ وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ. وَلَوْ أَوْصَى لِلْيَتَامَى أَوْ الْأَرَامِلِ أَوْ الْأَيَامَى أَوْ الْعُمْيَانِ أَوْ الْحُجَّاجِ أَوْ الزَّمْنَى أَوْ أَهْلِ السُّجُونِ أَوْ الْغَارِمِينَ أَوْ لِتَكْفِينِ الْمَوْتَى أَوْ لِحَفْرِ قُبُورِهِمْ اُشْتُرِطَ فَقْرُهُمْ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحُجَّاجِ؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ هُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالْوَصِيَّةِ، ثُمَّ إنْ انْحَصَرُوا وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَإِلَّا جَازَ وَالْيَتِيمُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْيَتِيمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَفِي الْبَهَائِمِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: وَمِنْ الطَّيْرِ مِنْ قِبَلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَحْضُنَانِهِ وَيَزُقَّانِهِ وَالْأَيِّمُ وَالْأَرْمَلَةُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا إلَّا أَنَّ الْأَرْمَلَةَ مَنْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِمَوْتٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ، وَالْأَيِّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ زَوْجٍ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخُلُوِّ عَنْ الزَّوْجِ حَالًا، وَلَوْ أَوْصَى لِلْأَرَامِلِ أَوْ الْأَبْكَارِ أَوْ الثَّيِّبِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِنَّ الرِّجَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَوْجَاتٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ فِي الْعُرْفِ لِلنِّسَاءِ، أَوْ لِلْعُزَّابِ صُرِفَ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا زَوْجَةَ لَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا عَلَى أَحَدِ رَأْيَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَالْقَانِعُ السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَلَا يَسْأَلُ وَسَيَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ. فَائِدَةٌ: النَّاسُ غِلْمَانٌ وَصِبْيَانٌ وَأَطْفَالٌ وَذَرَارِيُّ إلَى الْبُلُوغِ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ شُبَّانٌ وَفِتْيَانٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 98 وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ، وَلَوْ جَمَعَهُمَا شُرِّكَ نِصْفَيْنِ، وَأَقَلُّ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ، وَلَهُ التَّفْضِيلُ، أَوْ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لَكِنْ لَا يُحْرَمُ.   [مغني المحتاج] إلَى الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَهَا كُهُولٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ هُمْ بَعْدَهَا شُيُوخٌ. (وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ) فَمَا وَصَّى بِهِ لِأَحَدِهِمَا يَجُوزُ دَفْعُهُ لِلْآخَرِ لِوُقُوعِ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَدْخُلُ الْفَقِيرُ الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ، وَلَا فَقِيرُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ كَالزَّكَاةِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ نَقْلُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ أَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إلَيْهَا امْتِدَادَهَا فِي الزَّكَاةِ، إذْ الزَّكَاةُ مَطْمَعُ نَظَرِ الْفُقَرَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُوَظَّبَةٌ دَائِرَةٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهَا بِفُقَرَاءِ سَائِرِ الْبِلَادِ (وَلَوْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ فِي الْوَصِيَّةِ (شُرِّكَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا (نِصْفَيْنِ) فَيُجْعَلُ نِصْفُهُ لِلْفُقَرَاءِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ، فَلَا يُقْسَمُ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ (وَأَقَلُّ) مَا يَكْفِي مِنْ (كُلِّ صِنْفٍ) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ بَنِي زَيْدٍ وَبَنِي عَمْرٍو فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ اسْتِيعَابُهُمْ بِأَنْ يُقْسَمَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، فَلَوْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ، وَلَا يَصْرِفُهُ لَهُ بَلْ يُسَلِّمُهُ لِلْقَاضِي، وَيَصْرِفُهُ لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَرُدُّهُ إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ هُوَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ ذَكَرُوا فَرْعًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ قَرِيبٌ وَاحِدٌ هَلْ يَكُونُ لَهُ الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ خِلَافٌ فَلْيَكُنْ هُنَا نَظِيرُهُ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَأْتِي. وَيُشْتَرَطُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمُوصَى لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَمَالِيكِ فِي ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُوصِي وَالْحَاكِمِ عِنْدَ فَقْدِهِ (التَّفْضِيلُ) بَيْنَ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَلْ يَتَأَكَّدُ تَفْضِيلُ الْأَشَدِّ حَاجَةً وَعِيَالًا، وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ ثُمَّ جِيرَانِهِمْ ثُمَّ مَعَارِفِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ، فَإِنْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ وَهُمْ مَحْصُورُونَ وَجَبَ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ كَتَعْيِينِهِمْ. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُمْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَلَوْ عَيَّنَ فُقَرَاءَ بَلَدٍ وَلَا فَقِيرَ بِهَا لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ (أَوْ) وَصَّى (لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ زَيْدًا (كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِمْ فِي إضَافَتِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ زَيْدٌ فَقِيرًا فَيَتَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْفُقَرَاءِ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ فَائِدَتَيْنِ: مَنْعَ الْإِخْلَالِ بِهِ، وَعَدَمَ اعْتِبَارِ فَقْرِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (لَكِنْ) زَيْدٌ (لَا يُحْرَمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا يُحْرَمُ أَحَدُهُمْ؛ لِعَدَمِ وُجُوبِ اسْتِيعَابِهِمْ كَمَا مَرَّ لِنَصِّهِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ تَعْبِيرُهُ بِالْمَذْهَبِ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا سَبْعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَبَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ مَذْكُورَةٌ فِي الْمَبْسُوطَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَكْثَرَهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، هَذَا إذَا أَطْلَقَ زَيْدًا، فَإِنْ وَصَفَهُ بِوَصْفِهِمْ، كَأَنْ قَالَ: لِزَيْدٍ الْفَقِيرِ وَالْفُقَرَاءِ وَكَانَ غَنِيًّا أَخَذَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 99 أَوْ لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مُنْحَصِرٍ كَالْعَلَوِيَّةِ صَحَّتْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. أَوْ لِأَقَارِبِ زَيْدٍ دَخَلَ كُلُّ قَرَابَةٍ وَإِنْ بَعُدَ   [مغني المحتاج] نَصِيبَهُ الْفُقَرَاءُ لَا وَارِثُ الْمُوصِي وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا، وَإِنْ وَصَفَهُ بِغَيْرِ وَصْفِهِمْ كَأَنْ قَالَ: لِزَيْدٍ الْكَاتِبِ وَالْفُقَرَاءِ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ النِّصْفَ أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ أُعْطِيَ زَيْدٌ النِّصْفَ وَاسْتُوْعِبَ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ جَمَاعَتُهُ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَلِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِهِ لَمْ يُعْطَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّينَارِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَ الْمُوصَى بِالتَّقْدِيرِ. أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَجِبْرِيلَ أَوْ لَهُ وَالْحَائِطِ أَوْ الرِّيحِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ كَالشَّيْطَانِ أُعْطِيَ زَيْدٌ النِّصْفَ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي كَمَا لَوْ أَوْصَى لِابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عَمْرٍو وَلَيْسَ لِعَمْرٍو ابْنٌ، وَلَوْ أَضَافَ الْحَائِطَ كَأَنْ قَالَ: وَعِمَارَةُ حَائِطِ الْمَسْجِدِ، أَوْ حَائِطِ دَارِ زَيْدٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، وَصُرِفَ النِّصْفُ فِي عِمَارَتِهِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَالْمَلَائِكَةِ أَوْ الرِّيَاحِ أَوْ الْحِيطَانِ أَوْ نَحْوِهَا أُعْطِيَ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ، وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلَّهِ فَلِزَيْدٍ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّهَا مَصْرِفٌ لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى صُرِفَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: لِلَّهِ تَعَالَى صُرِفَ لِلْمَسَاكِينِ. وَلَوْ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ، وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جُعِلَ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا. (أَوْ) وَصَّى (لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مُنْحَصِرٍ كَالْعَلَوِيَّةِ) وَالْهَاشِمِيَّةِ وَبَنِي تَمِيمٍ (صَحَّتْ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ خَصَّصَهُ بِثَلَاثَةٍ فَاتُّبِعَ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ) كَمَا فِي الْفُقَرَاءِ. فَائِدَةٌ: مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَهُمْ الْأَشْرَافُ الْمَوْجُودُونَ، وَمِنْهُمْ الْهَاشِمِيُّونَ، وَنَقَلَ شَيْخُ شَيْخِنَا لِشِهَابِ بْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ فِي كِتَابِهِ " أَبْنَاءِ الْعُمُرَانِ " فِي سَنَةِ ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ أَمَرَ السُّلْطَانُ شَعْبَانُ الْأَشْرَافَ أَنْ يَمْتَازُوا عَنْ النَّاسِ بِعَصَائِبَ خُضْرٍ عَلَى الْعَمَائِمِ فَفُعِلَ ذَلِكَ بِمِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الْأَنْدَلُسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: جَعَلُوا لِأَبْنَاءِ الرَّسُولِ عَلَامَةً ... إنَّ الْعَلَامَةَ شَأْنُ مَنْ لَمْ يُشْهَرْ نُورُ النُّبُوَّةِ فِي كَرِيمِ وُجُوهِهِمْ ... يُغْنِي الشَّرِيفَ عَنْ الطِّرَازِ الْأَخْضَرِ. (أَوْ) وَصَّى بِشَيْءٍ (لِأَقَارِبِ زَيْدٍ) مَثَلًا أَوْ رَحِمِهِ (دَخَلَ كُلُّ قَرَابَةٍ) لَهُ (وَإِنْ بَعُدَ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا، وَيَكُونُ نَصِيبُهُ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، وَرُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفُقَرَاءِ عَدَمُ دُخُولِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْتُ النَّاشِرِيَّ بَحَثَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَلْ يَدْخُلُ الْعَبِيدُ فِي الْأَقَارِبِ وَيُصْرَفُ إلَى سَادَاتِهِمْ؟ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلُوا إذَا لَمْ تَكُنْ السَّادَةُ دَاخِلِينَ لَا إنْ دَخَلُوا؛ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الصَّرْفُ لِلسَّادَةِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ عَبِيدِهِمْ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ، فَقَالَ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي دُخُولِهِمْ، فَيُقَالُ: يَنْبَغِي دُخُولُهُمْ إنْ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 100 إلَّا أَصْلًا وَفَرْعًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمٍّ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْعِبْرَةُ بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ زَيْدٌ، وَتُعَدُّ أَوْلَادُهُ قَبِيلَةً،   [مغني المحتاج] يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ أَحْرَارٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ أَحْرَارٌ لَمْ تَدْخُلْ الْعَبِيدُ مَعَهُمْ، إذْ لَا يُقْصَدُونَ بِالْوَصِيَّةِ عَادَةً اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاشِرِيُّ لِقَوْلِهِمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُذْكَرُ لِإِرَادَةِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، وَالِاسْمُ شَامِلٌ لِلْكُلِّ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ كُلُّ قَرِيبٍ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ وَهَذَا إذَا انْحَصَرُوا، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَكَالْوَصِيَّةِ لِلْعَلَوِيَّةِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْجَمْعِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى قَرِيبَيْنِ أَوْ قَرِيبٍ وَاحِدٍ أَخَذَ الْكُلَّ لَا الْقِسْطَ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَدْخُلُ الْبَعِيدُ مَعَ أَنَّ أَقَارِبَ جَمْعُ أَقْرَبَ وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ التَّسْوِيَةَ ثَابِتَةٌ بِالْعُرْفِ. وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] فَدَخَلَ كُلُّ قَرِيبٍ وَبَعْضُهُمْ أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ، وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَبِينَ الْأَوْلَادُ، وَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] كَانَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ جُمْلَةِ مَنْ دُعِيَ لِلْإِنْذَارِ (إلَّا أَصْلًا) أَيْ الْأَبَ وَالْأُمَّ فَقَطْ (وَ) إلَّا (فَرْعًا) أَيْ أَوْلَادَ الصُّلْبِ فَقَطْ فَلَا يَدْخُلَانِ فِي الْأَقَارِبِ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا يُسَمُّونَ أَقَارِبَ عُرْفًا. أَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْأَحْفَادُ فَيَدْخُلُونَ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهَا. وَالثَّانِي: يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَقْرَبِ الْأَقَارِبِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ مِنْ الْأَقَارِبِ؟ . قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا أَظْهَرُ بَحْثًا وَنَقْلًا، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ (وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ أُمٍّ) فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ (فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ فِي الْأَصَحِّ) إذَا كَانَ الْمُوصِي عَرَبِيًّا فَإِنَّهُمْ لَا يَفْتَخِرُونَ بِهَا وَلَا يَعُدُّونَهَا قَرَابَةً. وَالثَّانِي: يَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ كَالْعَجَمِ، وَقَوَّاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَا وُجِّهَ بِهِ الْأَوَّلُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ تَدْخُلُ فِي لَفْظِ الرَّحِمِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ جَمِيعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّحِمَ هِيَ قَرَابَةٌ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقِبْطِ: «إنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» لِأَنَّ أُمَّ إسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ وَقَدْ افْتَخَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَالِهِ سَعْدٍ «فَقَالَ: سَعْدٌ خَالِي فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (وَالْعِبْرَةُ) فِيمَا ذُكِرَ (بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ زَيْدٌ، وَتُعَدُّ أَوْلَادُهُ) أَيْ ذَلِكَ الْجَدِّ (قَبِيلَةً) فَيَرْتَقِي فِي بَنِي الْأَعْمَامِ إلَيْهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ فَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ حَسَنِيٍّ لِأَوْلَادِ الْحَسَنِ دُونَ أَوْلَادِ مَنْ فَوْقَهُ وَأَوْلَادِ الْحُسَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ الشَّافِعِيِّ فِي زَمَانِهِ لِأَوْلَادِ شَافِعٍ، فَتَقْيِيدُ الرَّوْضَةِ بِزَمَنِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ جَدٍّ يُعْرَفُ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَلَا يُصْرَفُ لِمَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 101 وَيَدْخُلُ فِي أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ ابْنٍ عَلَى أَبٍ وَأَخٍ عَلَى جَدٍّ وَلَا يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَوِرَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتِ وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يُنْسَبُ إلَى جَدٍّ بَعْدَ شَافِعٍ كَأَوْلَادِ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ أَخَوَيْ شَافِعٍ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى الْمُطَّلِبِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ بَعْضِ أَوْلَادِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ شَافِعٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى دُخُولِ جَمِيعِ النَّاسِ فَإِنَّ آدَمَ يَجْمَعُهُمْ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: يُنْسَبُ إلَيْهِ جَدُّ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ (وَيَدْخُلُ فِي أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ) أَيْ الْمُوصِي (الْأَصْلُ) مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ (وَالْفَرْعُ) مِنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ، كَمَا يَدْخُلُ غَيْرُهُمْ عِنْدَ عَدَمِهِمْ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَهُمْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِزِيَادَةِ الْقَرَابَةِ وَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِمْ أَقَارِبُ عُرْفًا، وَالْمُرَادُ دُخُولُهُمْ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ وَالتَّقْدِيمُ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ ابْنٍ) وَإِنْ سَفَلَ (عَلَى أَبٍ) لِأَنَّهُ أَقْوَى إرْثًا وَتَعْصِيبًا، وَلَوْ عَبَّرَ كَالْحَاوِي الصَّغِيرِ بِالْفَرْعِ لِتَدْخُلَ الْبِنْتُ لَكَانَ أَوْلَى، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْفَرْعَ جُزْءُ الْمُوصِي، وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ فَتَقَدَّمَ الْأَوْلَادُ ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، وَيَسْتَوِي أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ، ثُمَّ الْأَبَوَانِ عَلَى مَنْ فَوْقَهُمَا (وَأَخٍ) مِنْ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ (عَلَى جَدٍّ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ لِقُوَّةِ الْبُنُوَّةِ عَلَى جِهَةِ الْأُبُوَّةِ، وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يُقَدَّمُ فِيهِ الْأَخُ مُطْلَقًا عَلَى الْجَدِّ لِلْأَبِ إلَّا هُنَا وَفِي الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْأَخِ لِلْأُمِّ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ إخْرَاجُ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَالثَّانِي: يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِيهِمَا لِاسْتِوَاءِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْأَخِيرَيْنِ فِي الدَّرَجَةِ لِإِدْلَائِهِمَا بِالْأَبِ، وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى، بَلْ الْمُرَجَّحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأُولَى أَيْضًا قَوْلَانِ، وَالْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ بَعْدَ الْجُدُودَةِ سَوَاءٌ، ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُقَدَّمُ الْعَمُّ وَالْعَمَّةُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ، وَالْخَالُ وَالْخَالَةُ عَلَى جَدِّ الْأُمِّ وَجَدَّتِهَا (وَلَا يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَوِرَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ) وَالْأَخُ وَالْأُخْتُ كَمَا يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنْ الْأُمِّ سَوَاءٌ. نَعَمْ يُقَدَّمُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى وَلَدِ أَحَدِهِمَا، وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ هَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ دَرَجَةً فِي الْجِهَةِ كَيْفَ كَانَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَإِلَّا فَالْبَعِيدُ مِنْ الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْ الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ كَابْنِ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفَلَ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ (وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَتُقَدَّمُ الْجَدَّةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ عَلَى الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي الْوَقْفِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ ثَمَّ اسْمُ الْجَدَّةِ وَهُنَا مَعْنَى الْأَقْرَبِيَّةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ (وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِعُرْفِ الشَّرْعِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ؛ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يُوصَى لَهُ غَالِبًا فَيَخْتَصُّ بِالْبَاقِينَ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَقْوَى فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَدْخُلُونَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمْ ثُمَّ يَبْطُلُ نَصِيبُهُمْ، وَيَصِحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 102 فَصْلٌ تَصِحُّ بِمَنَافِعِ عَبْدٍ وَدَارٍ وَغَلَّةِ حَانُوتٍ، وَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ، وَأَكْسَابَهُ الْمُعْتَادَةَ. وَكَذَا مَهْرُهَا   [مغني المحتاج] الْبَاقِي لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ، وَإِذَا أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِهِ فَالتَّرْتِيبُ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ وَارِثًا صُرِفَ الْمُوصَى بِهِ لِلْأَقْرَبِ مِنْ غَيْرِ الْوَارِثِينَ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُونَ الْوَصِيَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ. [فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَبَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ وَمَا يَنْفَعُهُ] فَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَذَكَرَ مَعَهُ بَيَانَ مَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَا يَنْفَعُهُ مُبْتَدِئًا مِنْ ذَلِكَ بِالْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِمَنَافِعِ عَبْدٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ الدَّوَابِّ (وَدَارٍ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْعَقَارَاتِ (وَ) نَحْوِ (غَلَّةِ حَانُوتٍ) كَثَمَرَةِ بُسْتَانٍ مُؤَقَّتَةٍ وَمُؤَبَّدَةٍ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مُقَابَلَةٌ بِالْأَعْوَاضِ، فَكَانَتْ كَالْأَعْيَانِ، وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَنَافِعَ بِمَا يُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ، وَغَلَّةِ عُطِفَ عَلَى مَنَافِعَ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِمُغَايَرَتِهَا لَهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمَنَافِعُ وَالْغَلَّةُ مُتَقَارِبَانِ، وَكُلُّ عَيْنٍ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ إمَّا بِفِعْلِهِ كَالِاسْتِغْلَالِ أَوْ بِعِوَضٍ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى غَلَّةً، فَالْمُوصَى لَهُ بِهِ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَأُجْرَةِ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ وَمَا يَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُ غَلَّةٌ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَنْفَعَةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ (وَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ) الْمُوصَى بِهَا، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ إبَاحَةٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، لَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ تَلْزَمُ بِالْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَيُعِيرَ وَيُورَثَ عَنْهُ وَيُوصِي بِهَا، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْفَعَةِ دُونَ أَنْ يَنْتَفِعَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِأَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ حَيَاتَكَ أَوْ بِأَنْ تَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ بِأَنْ يَخْدُمَكَ هَذَا الْعَبْدُ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَيْسَ لَهُ الْإِجَارَةُ وَلَا الْإِعَارَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ بِأَنَّهُ هُنَا عَبَّرَ بِالْفِعْلِ وَأَسْنَدَهُ إلَى الْمُخَاطَبِ فَاقْتَضَى قُصُورَهُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ. تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ الْمَنْفَعَةَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤَبَّدَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَطَعَا بِهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ خِلَافًا لِمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ الْمُؤَقَّتَةِ إبَاحَةٌ فَلَا يُؤَجَّرُ (وَ) يُمَلَّكُ أَيْضًا (أَكْسَابَهُ الْمُعْتَادَةَ) كَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَأُجْرَةِ حِرْفَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا إبْدَالُ الْمَنَافِعِ الْمُوصَى بِهَا بِخِلَافِ النَّادِرَةِ كَالْهِبَةِ وَاللُّقَطَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْصَدُ بِالْوَصِيَّةِ. وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ: مَا زِلْتُ أَسْتَشْكِلُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَأَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَنْتَفِعُ وَيَمْلِكُ الْمَنَافِعَ، فَمَا الَّذِي بَقِيَ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ حَتَّى رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ قَائِلًا يَقُولُ: لَوْ ظَهَرَ فِي الْأَرْضِ مَعْدِنٌ مَلَكَهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ اهـ. وَلَهُ أَيْضًا عِتْقُهُ وَبَيْعُهُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ. (وَكَذَا مَهْرُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 103 فِي الْأَصَحِّ، لَا وَلَدُهَا فِي الْأَصَحِّ، بَلْ هُوَ كَالْأُمِّ مَنْفَعَتُهُ لَهُ، وَرَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ. وَلَهُ   [مغني المحتاج] لِشَخْصٍ إنْ زُوِّجَتْ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ مَثَلًا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مِنْ فَوَائِدِ الرَّقَبَةِ كَالْكَسْبِ، وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: أَنَّ مَهْرَهَا لِوَارِثِ الْمُوصِي أَمَّا أَرْشُ الْبَكَارَةِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِالِانْدِرَاجِ فَهُوَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْوَارِثِ وَطْءُ الْأَمَةِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَحْبَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْهَلَاكِ بِالطَّلْقِ وَالنُّقْصَانِ وَالضَّعْفِ بِالْوِلَادَةِ وَالْحَمْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحْبَلُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْمَرْهُونَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ هُوَ الَّذِي حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَبِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَفْعِ الْعُلْقَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا، وَلَا بُدَّ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يُعَطِّلَ زَمَنَ الْوَطْءِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ وَطِئَ فَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهُ لِتَكُونَ قُرْبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْهُ رَقِيقًا وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْوَارِثِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَكَذَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا، فَلَوْ وَطِئَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَلَا حَدَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَالْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ أَوْجَهُ مِمَّا جَزَمَ بِهِ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ يُحَدُّ كَمَا يُحَدُّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ أَتَمُّ مِنْ مِلْكِ الْمَوْقُوفِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُورَثُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ وَلَا كَذَلِكَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا أَبَدًا. أَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَا مُدَّةً فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّهُ لَا حَدَّ مُطْلَقًا، وَلَوْ أَحْبَلَهَا الْمُوصَى لَهُ لَمْ يَثْبُتْ اسْتِيلَادُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي مِنْ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَمْلُوكَ لَيْسَ كَالْكَسْبِ وَيُشْتَرَى بِهَا رَقِيقٌ، وَيَكُونُ مِثْلَ الْأَمَةِ رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَقِيلَ: الْقِيمَةُ لِلْوَارِثِ، وَيَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ وَمَنْ يُزَوِّجُهُ. قَالَ فِي الْوَسِيطِ: أَمَّا الْعَبْدُ فَيَظْهَرُ اسْتِقْلَالُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَقْدِ لِلتَّضَرُّرِ بِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْأَكْسَابِ وَهُوَ الْمُتَضَرِّرُ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْوَارِثُ عَلَى الْأَصَحِّ لِمِلْكِهِ الرَّقَبَةَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُوصَى لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَرُّرِهِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْأَمَةِ يَأْتِي فِي الْعَبْدِ أَيْضًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (لَا وَلَدُهَا) مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا فَلَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ أُمِّهِ (فِي الْأَصَحِّ، بَلْ هُوَ كَالْأُمِّ مَنْفَعَتُهُ لَهُ وَرَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ فَيَجْرِي مَجْرَاهَا. وَالثَّانِي: يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ كَالْمَوْقُوفَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفَةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ عَلَى قَوْلٍ فَقَوِيَ الِاسْتِتْبَاعُ بِخِلَافِهِ هُنَا كَذَا قِيلَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ أَبَدًا. قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ أَيْضًا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْوَاقِفَ أَخْرَجَ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُوصِي لَمْ يُخْرِجْهَا، وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْمَنْفَعَةَ لَكِنَّ الْمَنْفَعَةَ اسْتَتْبَعَتْ الْعَيْنَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ. (وَلَهُ) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 104 إعْتَاقُهُ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً وَكَذَا أَبَدًا فِي الْأَصَحِّ. وَبَيْعُهُ إنْ لَمْ يُؤَبَّدْ كَالْمُسْتَأْجَرِ، وَإِنْ أَبَّدَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْمُوصَى لَهُ دُونَ غَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] الْوَارِثِ (إعْتَاقُهُ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ وَلَوْ مُؤَبَّدًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِرَقَبَتِهِ وَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ بِحَالِهَا، وَلَا يَرْجِعُ الْعَتِيقُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الرَّقَبَةَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَهُ وَلَا أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْكَسْبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إجْزَاؤُهُ عَنْ النَّذْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَوْ الْجَائِزِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَرْجِيحِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ الْمَعِيبَ يُجْزِئُ أَنَّ هَذَا يُجْزِئُ أَيْضًا، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْعَتِيقُ رَقِيقًا بِالْإِرْثِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَازَ بِكَسْبِهِ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَعِيرَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَجَّرَ الْحُرُّ نَفْسُهُ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ اسْتَعَارَهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْوَارِثِ (نَفَقَتُهُ) وَكِسْوَتُهُ وَفِطْرَتُهُ (إنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً) لِأَنَّهُ مَلَكَهُ كَمَا إذَا أَجَّرَهُ (وَكَذَا) إنْ أَوْصَى بِهَا (أَبَدًا فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ يَقُولَ أَبَدًا أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْعَبْدِ أَوْ يُطْلِقَ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِإِعْتَاقِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَالزَّوْجِ، وَعَلَفُ الدَّابَّةِ كَنَفَقَةِ الرَّقِيقِ. وَأَمَّا سَقْيُ الْبُسْتَانِ الْمُوصَى بِثَمَرِهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَظَاهِرٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مَنْعُهُ، وَإِنْ تَنَازَعَا لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ. (وَ) لِلْوَارِثِ (بَيْعُهُ) أَيْ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِلْمُوصَى لَهُ قَطْعًا وَلِغَيْرِهِ عَلَى الرَّاجِحِ (إنْ لَمْ يُؤَبَّدْ) الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ (كَالْمُسْتَأْجَرِ) وَالْجَامِعُ اسْتِحْقَاقُ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةً مُؤَقَّتَةً، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُعَيَّنَةً. أَمَّا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً كَحَيَاةِ زَيْدٍ فَيَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (وَإِنْ أَبَّدَ) الْمُوصِي الْمَنْفَعَةَ أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةً (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْمُوصَى لَهُ) لِاجْتِمَاعِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ لَهُ (دُونَ غَيْرِهِ) إذْ لَا فَائِدَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ: أَيْ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ تُقْصَدُ بِالْبَيْعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ كَنْزًا أَوْ نَحْوَهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ مُطْلَقًا لِكَمَالِ الرَّقَبَةِ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِاسْتِغْرَاقِ الْمَنْفَعَةِ بِحَقِّ الْغَيْرِ - أَيْ فِي الْأُولَى وَلِجَهْلِ الْمُدَّةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى بَيْعِهِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ بَيْعَهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ الصِّحَّةُ مِنْ الْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي الصِّحَّةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمَةَ لَا تَأْتِي هُنَا، وَسَيَأْتِي تَصْوِيرُ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ. ، وَلَوْ قُتِلَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَاقْتَصَّ الْوَارِثُ مِنْ قَاتِلِهِ انْتَهَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ وَبَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا، فَإِنْ وَجَبَ مَالٌ بِعَفْوٍ عَلَى الْقِصَاصِ أَوْ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُهُ اشْتَرَى بِهِ مِثْلَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْوَارِثِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَالْأَرْشُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ بَاقٍ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَمَقَادِيرُ الْمَنْفَعَةِ لَا تَنْضَبِطُ، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ بَعْضِ الْعَيْنِ، وَإِنْ جَنَى عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ إنْ لَمْ يَفْدِيَاهُ، فَإِنْ زَادَ الثَّمَنُ عَلَى الْأَرْشِ اشْتَرَى بِالزَّائِدِ مِثْلَهُ، وَإِنْ فَدَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا عَادَ كَمَا كَانَ، وَإِنْ فَدَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَقَطْ بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ نَصِيبُ الْآخَرِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا فُدِيَتْ الرَّقَبَةُ كَيْفَ تُبَاعُ الْمَنَافِعُ وَحْدَهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ بَيْعَهَا وَحْدَهَا مَعْقُولٌ فَقَدْ قَالُوا بِهِ فِي بَيْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 105 وَأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا، وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً قُوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَّ مَسْلُوبَهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَيُحْسَبُ النَّاقِصُ مِنْ الثُّلُثِ. وَتَصِحُّ بِحَجٍّ تَطَوُّعٍ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] حَقِّ الْبِنَاءِ عَلَى السَّطْحِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّهَا تُبَاعُ وَحْدَهَا بِالْإِجَارَةِ (وَ) الْأَصَحُّ أَيْضًا (أَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا) رَقَبَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ (مِنْ الثُّلُثِ إنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا) وَلَوْ بِحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ لِتَفْوِيتِ الْيَدِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا، وَلِأَنَّ مُدَّةَ عُمْرِهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَتَعَيَّنَ تَقْوِيمُ الرَّقَبَةِ بِمَنَافِعِهَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمَجْهُولَةَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: وَخَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى لَهُ قِيمَةٌ طَمَعًا فِي إعْتَاقِهِ، مِثَالُهُ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ قِيمَتُهُ بِمَنَافِعِهِ مِائَةٌ وَبِدُونِهَا عَشَرَةٌ، فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْأَوَّلِ الْمِائَةُ لَا التِّسْعُونَ، فَيُعْتَبَرُ فِي نُفُوذِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِائَتَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ عَلَى الثَّانِي تِسْعُونَ فَقَطْ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ التِّسْعِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ دُونَ مَنْفَعَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ لِجَعْلِنَا الرَّقَبَةَ الْخَالِيَةَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَالتَّالِفَةِ (وَإِنْ أَوْصَى بِهَا) أَيْ مَنْفَعَةِ الْعَبْدِ (مُدَّةً) مَعْلُومَةً (قُوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَّ) قُوِّمَ (مَسْلُوبُهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَيُحْسَبُ النَّاقِصُ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ مُعَرَّضَةٌ لِلزَّوَالِ، فَلَوْ قُوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ بِمِائَةٍ وَبِدُونِهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِثَمَانِينَ فَالْوَصِيَّةُ بِعِشْرِينَ، وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضِ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَوَّمَ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا، وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ فَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ الْوَصِيَّةَ عَادَتْ إلَى الْوَارِثِ كَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْعَبْدَ مِثَالًا، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ وَثَمَرَةَ الْبُسْتَانِ كَذَلِكَ. وَلَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا فَأَعَادَهَا الْوَارِثُ بِآلَتِهَا عَادَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ غُصِبَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهِ فَأُجْرَتُهُ عَنْ مُدَّةِ الْغَصْبِ لِلْمُوصَى لَهُ لَا لِلْوَارِثِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُؤَجَّرِ؛ لِأَنَّهَا هُنَا بَدَلُ حَقِّهِ بِخِلَافِهَا ثَمَّ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَتَعُودُ الْمَنَافِعُ إلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِحَجٍّ) وَعُمْرَةِ (تَطَوُّعٍ فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَدْخُلُ النِّيَابَةُ فِي فَرْضِهَا فَتَدْخُلُ فِي نَفْلِهَا كَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نُقِضَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا نِيَابَةَ فِي نَفْلِهِ قَطْعًا. أُجِيبَ بِأَنَّ النِّيَابَةَ تَصِحُّ فِي فَرْضِ الزَّكَاةِ وَفَرْضِ الْحَجِّ فِي الْحَيَاةِ بِشَرْطِهِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ، وَهُوَ الْمُرَادُ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهِمَا. وَأَمَّا فَرْضُ الصَّوْمِ فَلَمْ تَصِحَّ النِّيَابَةُ فِيهِ فِي الْحَيَاةِ بِحَالٍ فَلَمْ تَقَعْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فَلَا يُنْقَضُ بِهِ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرُوا هُنَا فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَرِيضِ الْمَأْيُوسِ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: تَشْبِيهًا بِالْحَجِّ، وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ فَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْ حَيٍّ بَلَا خِلَافٍ مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ. . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَجِيءُ الْخِلَافُ فِي حَجِّ الْوَارِثِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ عَمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَجِبْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 106 وَيُحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ الْمِيقَاتِ كَمَا قَيَّدَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَمِنْ الْمِيقَاتِ فِي الْأَصَحِّ. وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الثُّلُثِ عُمِلَ بِهِ،   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ الْحَجُّ لِفَقْدِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ فِيهَا، وَلِهَذَا لَوْ تَكَلَّفَ فِي الْحَيَاةِ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ اهـ. وَالْقَطْعُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْفَرْضِ مُنْتَفِيَةٌ فِي التَّطَوُّعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ فَتَبْطُلُ إنْ عَجَزَ الثُّلُثُ أَوْ مَا يَخُصُّ الْحَجَّ مِنْهُ عَنْ أُجْرَةِ الْحَجِّ، وَيَرْجِعُ لِلْوَارِثِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ الْحَجِّ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ أَوْصَى بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِجَمِيعِ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ حَيْثُ يَعْتِقُ بِقَدْرِهِ عَلَى وَجْهٍ بِأَنَّ عِتْقَ الْبَعْضِ قُرْبَةٌ كَالْكُلِّ وَالْحَجُّ لَا يَتَبَعَّضُ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَالَ (وَيُحَجُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (مِنْ بَلَدِهِ أَوْ الْمِيقَاتِ كَمَا قَيَّدَ) عَمَلًا بِوَصِيَّتِهِ، هَذَا إنْ وَسِعَهُ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ أَمْكَنَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ (وَإِنْ) لَمْ يُقَيِّدْ بَلْ (أَطْلَقَ) الْحَجَّ (فَمِنْ الْمِيقَاتِ) يُحَجُّ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ. وَالثَّانِي: مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ التَّجْهِيزُ لِلْحَجِّ مِنْهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِغَالِبٍ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا قَالَ: حُجُّوا عَنِّي مِنْ ثُلُثٍ، فَإِنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي فَعَلَ مَا يُمْكِنُ بِهِ ذَلِكَ مِنْ حِجَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِنْ فَضَلَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ كَانَ لِلْوَارِثِ كَمَا مَرَّ. (وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ) وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا تُحْسَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَأَوْلَى، وَكَذَا كُلُّ وَاجِبٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَالْعُمْرَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَةِ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ فِي الصِّحَّةِ أَمْ فِي الْمَرَضِ، وَحَجَّةُ النَّذْرِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا قَالَاهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَحِلُّهُ إذَا الْتَزَمَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ الْتَزَمَهُ فِي الْمَرَضِ فَمِنْ الثُّلُثِ قَطْعًا، قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَقَالَ: يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِهِ (فَإِنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ) مِنْ (الثُّلُثِ عُمِلَ بِهِ) وَهُوَ فِي الْأُولَى تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ بِدُونِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ قَصَدَ الرِّفْقَ بِالْوَرَثَةِ لِتَوْفِيرِ الثُّلُثَيْنِ فَتُزَاحَمُ الْوَصَايَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إتْلَافٌ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِمَا ذَكَرَ لَمْ يُقَدَّمْ الْحَجُّ بَلْ يُوَزَّعْ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحَجِّ بِالْحِصَّةِ وَيُكَمَّلُ الْوَاجِبَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: اقْضُوا دَيْنِي مِنْ ثُلُثِي فَلَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ تَدُورُ الْمَسْأَلَةُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ مَا تَتِمُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ ثُلُثِ الْبَاقِي، وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الثُّلُثِ وَالْأُجْرَةُ لَهَا مِائَةٌ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَالتَّرِكَةُ ثَلَاثُمِائَةٍ أَنْ يُفْرَضَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْحَجُّ شَيْئًا يَبْقَى ثَلَاثُمِائَةٍ إلَّا شَيْئًا انْزِعْ مِنْهَا ثُلُثَهَا وَهُوَ مِائَةٌ إلَّا ثُلُثَ شَيْءٍ اقْسِمْهُ بَيْنَ الْحَجِّ وَزَيْدٍ نِصْفَيْنِ، فَنَصِيبُ الْحَجِّ خَمْسُونَ إلَّا سُدُسَ شَيْءٍ فَيُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ مَبْلَغُ خَمْسِينَ وَخَمْسَةِ أَسْدَاسٍ تَعْدِلُ مِائَةً وَذَلِكَ تَمَامُ الْأُجْرَةِ فَأَسْقِطْ خَمْسِينَ بِخَمْسِينَ يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ خَمْسِينَ، وَإِذَا كَانَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الشَّيْءِ خَمْسِينَ كَانَ الشَّيْءُ سِتِّينَ فَانْزِعْ السِّتِّينَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، ثُمَّ خُذْ ثُلُثَ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانُونَ اقْسِمْهُ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ يَحْصُلُ لِصَاحِبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 107 وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَحُجُّ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْوَصِيَّةِ أَرْبَعُونَ وَلِلْحَجِّ أَرْبَعُونَ فَهِيَ مَعَ السِّتِّينَ اللَّاتِي نَزَعْتهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَمَامُ أُجْرَةِ الْحَجِّ (وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا) أَيْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِرَأْسِ مَالٍ وَلَا ثُلُثٍ (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) كَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ وَتُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ بِهَا عَلَى التَّأْكِيدِ وَالتِّذْكَارِ بِهَا (وَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ مَصْرِفُ الْوَصَايَا فَيُحْمَلُ ذِكْرُ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ (وَيَحُجُّ) عَنْهُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) لِبَلَدِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَكِنْ عَلَى الْأَوَّلِ جَزْمًا وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَاهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ إلَّا مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ اُمْتُثِلَ. نَعَمْ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ وَعَجَزَ عَنْهُ فَمِنْ حَيْثُ أَمْكَنَ. وَلَوْ قَالَ: أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا مَثَلًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَحُجُّ بِدُونِهَا، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَمِقْدَارُ أُجْرَةِ حَجَّةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالزَّائِدُ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوُجِدَ مَنْ يَحُجَّ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ صُرِفَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقِيلَ: يَجِبُ صَرْفُ الْجَمِيع وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَلَوْ قَالَ: أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِكَذَا وَلَمْ يُعَيِّنْ سَنَةً، فَامْتَنَعَ زَيْدٌ مِنْ حَجِّ عَامِ الْوَصِيَّةِ هَلْ يُؤَخَّرُ الْحَجُّ لِأَجْلِهِ أَوْ يُسْتَأْجَرُ غَيْرُهُ فِي عَامِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَجُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ؟ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ فِي حَيَاتِهِ وَأَخَّرَ تَهَاوُنًا حَتَّى مَاتَ لَا تُؤَخَّرُ عَنْ عَامِهَا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَاصِيًا بِالتَّأْخِيرِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ عَلَى الْفَوْرِ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَلَا تَمَكَّنَ أَخَّرَهُ الْمُعَيَّنُ إلَى الْيَأْسِ مِنْ حَجِّهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا كَالتَّطَوُّعِ. قَالَ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ التَّغْرِيرِ اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْحَجِّ عَنْهُ أَحَجَّ غَيْرَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ إنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ. (وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ) حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَكَذَا عُمْرَتَهُ وَحَجَّةَ النَّذْرِ وَعُمْرَتَهُ (عَنْ الْمَيِّتِ) مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ (بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ لِلِافْتِقَارِ إلَى النِّيَّةِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّوْمِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلصَّوْمِ بَدَلًا وَهُوَ الْإِمْدَادُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِهِ ظَاهِرُهُ إذْنُ الْمَيِّتِ قَبْلَ وَفَاتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ إذْنُهُ فِي حَالِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقَّنِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ كَذَا صَوَّرَاهَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا أَذِنَ الْوَارِثُ صَحَّ قَطْعًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِغَيْرِ إذْنٍ لِيَشْمَلَ إذْنَهُ وَإِذْنَ الْوَارِثِ وَالْحَاكِمِ حَيْثُ لَا وَارِثَ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ الْخَاصُّ طِفْلًا وَنَحْوَهُ. اهـ. وَإِذَا عَيَّنَ الْمَيِّتُ شَخْصًا تَعَيَّنَ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَوْلُهُ: لِلْأَجْنَبِيِّ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 108 وَيُؤَدِّي الْوَارِثُ عَنْهُ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ فِي كَفَّارَةٍ مُرَتَّبَةٍ، وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو فِي الْمُخَيَّرَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتِقُ أَيْضًا، وَأَنَّ لَهُ الْأَدَاءَ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ،   [مغني المحتاج] لِلْقَرِيبِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ جَزْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي الصَّوْمِ عَنْهُ، لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِالْوَارِثِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي مَعْنَى الْوَارِثِ الْوَصِيُّ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَالسَّيِّدُ. فَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ نَذْرٍ وَمَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِهَا فَوَجْهَانِ، فَإِنْ جَوَّزْنَا فَحَجَّ السَّيِّدُ عَنْهُ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ صَحَّ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ وَقَالَ: إنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ هُنَا أَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: إنْ لَمْ يُوصِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ، وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ مَعَ حِكَايَتِهِ هُنَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ لِلْوَارِثِ الِاسْتِنَابَةَ، وَأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ هُنَا، وَعِبَارَتُهُ مَعَ الشَّرْحِ: وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ تَطَوُّعًا بِلَا وَصِيَّةٍ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُوهِمُ اعْتِمَادَ الثَّانِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجِيرَ الْمُتَطَوِّعِ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَفِي النَّذْرِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَاذَا يَسْلُكُ بِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. وَيَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ الْمَيِّتِ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَزَكَاةَ الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهَلْ يُثَابُ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ؟ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إنْ كَانَ قَدْ امْتَنَعَ بَلَا عُذْرٍ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ لَمْ يُثَبْ وَإِلَّا أُثِيبَ. (وَيُؤَدِّي الْوَارِثُ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ التَّرِكَةِ (الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ) كَعِتْقٍ وَإِطْعَامٍ وَكِسْوَةٍ (فِي كَفَّارَةٍ مُرَتَّبَةٍ) وَهِيَ كَفَّارَةُ وِقَاعِ رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ فِي الْعِتْقِ، وَخَرَجَ بِالْمَالِيِّ الْبَدَنِيُّ كَالصَّوْمِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ (وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو) الْوَارِثُ أَيْضًا مِنْ التَّرِكَةِ (فِي) الْكَفَّارَةِ (الْمُخَيَّرَةِ) وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَنَذْرُ اللَّجَاجِ وَتَحْرِيمُ عَيْنِ الْأَمَةِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَالْوَاوُ فِي وَيَكْسُو بِمَعْنَى أَوْ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْوَارِثَ (يُعْتِقُ أَيْضًا) فِي الْمُخَيَّرَةِ كَالْمُرَتَّبَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ شَرْعًا فَإِعْتَاقُهُ كَإِعْتَاقِهِ. وَالثَّانِي: قَالَ: لَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَى الْعِتْقِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّخْيِيرَ هُنَا بَيْنَ الثَّلَاثِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَقَلُّهَا قِيمَةً (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ لَهُ) أَيْ الْوَارِثِ (الْأَدَاءَ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ) سَوَاءٌ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي: لَا لِبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ. وَالثَّالِثُ: يُمْنَعُ الْإِعْتَاقُ فَقَطْ لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَنْعُهُ عِنْدَ وُجُودِ التَّرِكَةِ، وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا يُوَافِقُهُ بَحْثًا فَإِنَّهُ قَالَ: يُشْبِهُ أَنَّهُ قَالَ: كَالْأَجْنَبِيِّ وَنَازَعَهُ السُّبْكِيُّ فِيهِ، وَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ جَوَازُ الْأَدَاءِ مِنْ مَالِهِ مَعَ وُجُودِ تَرِكَتِهِ، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْبَيَانِ مَا يُوَافِقُهُ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا اقْتَضَاهُ مَفْهُومُ كَلَامِ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَنْعِ عِنْدَ وُجُودِ تَرِكَةٍ بَعِيدٌ مِنْ النَّظَرِ، لِأَنَّ لِلْوَارِثِ إمْسَاكَ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ حَقِّ الْآدَمِيِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ مِنْ غَيْرِهَا فَحَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْلَى اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَعَلَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 109 وَأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، لَا إعْتَاقٍ فِي الْأَصَحِّ. وَتَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ.   [مغني المحتاج] تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ لِإِثْبَاتِ الْخِلَافِ لَا لِلْمَنْعِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ (يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ) هُوَ غَيْرُ الْوَارِثِ عَنْهُ (بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) كَقَضَاءِ دَيْنِهِ. وَالثَّانِي: لَا لِبُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ (لَا إعْتَاقٍ) تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا يَقَعُ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِاجْتِمَاعِ بُعْدِ الْعِبَادَةِ عَنْ النِّيَابَةِ وَبُعْدِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ. وَالثَّانِي: يَقَعُ عَنْهُ كَغَيْرِهِ، وَهَذَا التَّصْحِيحُ فِي الْمُخَيَّرَةِ وَالْمُرَتَّبَةِ أَخْذًا مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ تَصْحِيحِ الْوُقُوعِ فِي الْمُرَتَّبَةِ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ فِي الْمُخَيَّرَةِ بِسُهُولَةِ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ إعْتَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا تَرِكَةَ فَأَدَّاهُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ الْقَبُولُ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ فَقَالَ (وَتَنْفَعُ الْمَيِّتَ صَدَقَةٌ) عَنْهُ، وَوَقْفٌ، وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ، وَحَفْرُ بِئْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَدُعَاءٌ) لَهُ (مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ) كَمَا يَنْفَعُهُ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ، وَلِلْإِجْمَاعِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي بَعْضِهَا كَخَبَرِ: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَخَبَرِ «سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِإِسْقَاءِ وَلَدِكَ لَكَ» وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ لِلسَّابِقِينَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: مَنْسُوخٌ بِهِ، وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَصَدِّقُ. وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ بِصَدَقَتِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ثَوَابٌ غَيْرُ ذَلِكَ كَالصَّلَاةِ عَنْهُ قَضَاءً أَوْ غَيْرِهَا، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَهَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْفَتَاوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَكْثَرِينَ، وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَقَالَ: يَأْتِي بِهِمَا الْأَجِيرُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ تَبَعًا لِلطَّوَافِ وَصَحَّحَاهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ: كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْآنَ بَانَ لِي أَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ. وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْأَذْكَارِ وَجْهًا أَنَّ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ كَمَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ ابْنُ الصَّلَاحِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 110 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَابْنُ أَبِي الدَّمِ، وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ، وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ بِالِاسْتِنْبَاطِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ إذَا قُصِدَ بِهِ نَفْعُ الْمَيِّتِ وَتَخْفِيفُ مَا هُوَ فِيهِ نَفَعَهُ، إذْ ثَبَتَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَمَّا قَصَدَ بِهَا الْقَارِئُ نَفْعَ الْمَلْدُوغِ نَفَعَتْهُ، وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» وَإِذَا نَفَعَتْ الْحَيَّ بِالْقَصْدِ كَانَ نَفْعُ الْمَيِّتِ بِهَا أَوْلَى اهـ. وَقَدْ جَوَّزَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَيِّتِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَا لِفُلَانٍ فَيَجْعَلَهُ دُعَاءً، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِنَفْعِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَفَعَ الدُّعَاءُ وَجَازَ بِمَا لَيْسَ لِلدَّاعِي فَلَأَنْ يَجُوزَ بِمَا لَهُ أَوْلَى، وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقِرَاءَةِ بَلْ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَكَانَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ يُنْكِرُ قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا تَلَوْته إلَى فُلَانٍ خَاصَّةً وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا قَالَهُ فَإِنَّ الثَّوَابَ قَدْ يَتَفَاوَتُ فَأَعْلَاهُ مَا خَصَّ زَيْدًا، وَأَدْنَاهُ مَا كَانَ عَامًّا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيمَا يُعْطِيهِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يَشَاءُ وَقَدْ أَشَارَ الرُّويَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْحِلْيَةِ إلَى هَذَا، فَقَالَ: صَلَاةُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَعَلَى النَّبِيِّينَ عَامَّةً اهـ. . وَأَمَّا ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنَعَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ مِنْهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يَتَجَرَّأُ عَلَى الْجَنَابِ الرَّفِيعِ إلَّا بِمَا أَذِنَ فِيهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ إلَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ لِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ مَعْنَى التَّعْظِيمِ بِخِلَافِ الرَّحْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ يَعْتَمِرُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمْرَةً بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ. وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُوَفَّقِ وَكَانَ مِنْ طَبَقَةِ الْجُنَيْدِ أَنَّهُ حَجَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِجَجًا، وَعَدَّهَا الْفُقَّاعِيُّ سِتِّينَ حَجَّةً، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السَّرَّاجِ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ خَتَمَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ خَتْمَةٍ وَضَحَّى عَنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ اهـ. وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ مُجْتَهِدُونَ فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ التَّضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا تَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ: وَلَا تَضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا عَنْ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يُوصِ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَسْقَطَ الْقِسْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَقْسَامِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِسَابِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ طُرُقٍ مِنْهُ فَنَقُولُ: لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْحَائِزِ، وَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ أُعْطِيَ النِّصْفَ لِاقْتِضَائِهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبٌ، وَأَنْ يَكُونَ النَّصِيبَانِ مِثْلَيْنِ، وَإِنْ رُدَّتْ الْوَصِيَّةُ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِنَصِيبٍ كَنَصِيبِ أَحَدِ أَبْنَائِهِ وَلَهُ ابْنَانِ، فَهُوَ كَابْنٍ آخَرَ مَعَهُمْ، فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ وَهَكَذَا، وَضَابِطُهُ أَنْ تُصَحِّحَ الْفَرِيضَةَ بِدُونِ الْوَصِيَّةِ، وَتَزِيدَ فِيهَا مِثْلَ نَصِيبِ الْمُوصِي بِمِثْلِ نَصِيبِهِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهَا فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ مِنْ اثْنَيْنِ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ فَيُزَادُ عَلَيْهِمَا سَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ أَوْ كَانَ بِنْتَانِ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ إحْدَاهُمَا فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ؛ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ كَانَتْ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمٌ فَتَزِيدُ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمًا تَبْلُغُ أَرْبَعَةً، وَإِنْ أَوْصَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 111 فَصْلٌ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا أَوْ فَسَخْتُهَا أَوْ هَذَا لِوَارِثِي.   [مغني المحتاج] بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ وَلَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، فَالْوَصِيَّةُ بِسَهْمَيْنِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تِسْعَةٍ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ فَتَزِيدُهُمَا عَلَى التِّسْعَةِ تَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ. وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَا ابْنٌ لَهُ وَارِثٌ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إذْ لَا نَصِيبَ لِلِابْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ وَلَا ابْنَ لَهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ كَمَا فِي الْكَافِي، وَكَأَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ، وَلَوْ أَوْصَى وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ لَوْ كَانَتْ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّمُنِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ سَبْعَةٍ، لَوْلَا الْوَصِيَّةُ، وَنَصِيبُ الْبِنْتِ مِنْهَا سَهْمٌ فَتَزِيدُ عَلَى السَّبْعَةِ وَاحِدًا تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً. وَإِنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ أُعْطِيَ كَأَقَلِّهِمْ نَصِيبًا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ فَزِدْ عَلَى مَسْأَلَتِهِمْ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ مِثْلَ سَهْمِ أَقَلِّهِمْ، فَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ فَيُقَسَّمُ الْمَالُ كَمَا يُقَسَّمُ بَيْنَ ابْنٍ وَبِنْتَيْنِ. وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ أَوْ قِسْطٍ أَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ أَوْ عَظِيمٍ أَوْ سَهْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ رَجَعَ إلَى الْوَارِثِ فِي تَفْسِيرِهِ، وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُوصَى لَهُ زِيَادَةً حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إرَادَتَهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ إلَّا شَيْئًا قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ، وَحُمِلَ الشَّيْءُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْأَكْثَرِ لِيَقَعَ التَّفْسِيرُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ قَالَ: أَعْطُوهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ وَاحِدًا فِي عَشَرَةٍ فَكَمَا فِي الْإِقْرَارِ أَوْ أَعْطُوهُ أَكْثَرَ مَالِي أَوْ مُعْظَمَهُ أَوْ عَامَّتَهُ، فَالْوَصِيَّةُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ: أَعْطُوهُ زُهَاءَ أَلْفٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْمَدِّ فَبِمَا فَوْقَ نِصْفِهِ، فَإِنْ قِيلَ: مَعْنَى زُهَاءَ أَلْفٍ لُغَةً قَدْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَلْفٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْرُهُ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا مِنْ زَهَوْتُهُ بِكَذَا أَيْ حَزَرْتُهُ حَكَاهُ الصَّغَانِيُّ قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً لِتَطَرُّفِهَا أَثَرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ كَمَا فِي كِسَاءٍ أَوْ أَعْطُوهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حُمِلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ مِنْ غَالِبِ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبُ نَقْدٍ فَسَّرَهُ الْوَارِثُ. وَفِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، فَإِنَّ الْحِسَابَ فَنٌّ طَوِيلٌ وَلِذَا جَعَلُوهُ عِلْمًا بِرَأْسِهِ، وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فَالْحَوَالَةُ عَلَى مُصَنَّفَاتِهِ. [فَصْلٌ فِي الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ] ِ (لَهُ) أَيْ الْمُوصِي (الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ) أَيْ عَنْ التَّبَرُّعِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَلِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا مِلْكُ مُعْطِيهَا فَأَشْبَهَتْ الْهِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَعَنْ بَعْضِهَا) كَمَنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ بَعْضِهِ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مِنْ وَصِيَّتِهِ مَا شَاءَ. أَمَّا الْمُنْجَزُ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا فِيمَا لِفَرْعِهِ كَالْهِبَةِ، وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ بِأُمُورٍ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُوصِي: (نَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا) أَوْ رَفَعْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا (أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا أَوْ فَسَخْتُهَا) أَوْ أَزَلْتُهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الصَّرَائِحِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ (أَوْ هَذَا لِوَارِثِي) بَعْدَ مَوْتِي مُشِيرًا إلَى الْمُوصَى بِهِ أَوْ هُوَ مِيرَاثٌ عَنِّي؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 112 وَبِبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ وَكَذَا هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ مَعَ قَبْضٍ وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَبِوَصِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَا تَوْكِيلٌ فِي بَيْعِهِ وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِوَارِثِهِ إلَّا إذَا انْقَطَعَ تَعَلُّقُ الْمُوصَى لَهُ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِ نِصْفِ الْوَصِيَّةِ حَمْلًا عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو أَنَّ الْوَصِيَّةَ الثَّانِيَةَ تَشْرِيكٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا إنَّمَا كَانَتْ تَشْرِيكًا ثَمَّ لِمُشَارَكَتِهَا الْأُولَى فِي التَّبَرُّعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا الْمُعْتَضِدُ بِقُوَّةِ الْإِرْثِ الثَّابِتِ قَهْرًا وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا لِوَارِثِي بَعْدَ مَوْتِي مَفْهُومُ صِفَةٍ أَيْ لَا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: هُوَ لِعَمْرٍو بَعْدَ قَوْلِهِ هُوَ لِزَيْدٍ فَمَفْهُومُ لَقَبٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهِ بِالتَّشْرِيكِ دُونَ تِلْكَ، وَلَوْ قَالَ: هُوَ تَرِكَتِي لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ التَّرِكَةِ. ، وَلَوْ سُئِلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَأَنْكَرَهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَهُوَ عَلَى مَا مَرَّ فِي جَحْدِ الْوَكَالَةِ - أَيْ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا أَوْ لَا لِغَرَضٍ فَيَكُونُ رُجُوعًا - وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ رُجُوعٌ، وَفِي التَّدْبِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ. (وَ) يَحْصُلُ الرُّجُوعُ أَيْضًا عَنْ الْوَصِيَّةِ لَا بِصِيغَةِ رُجُوعٍ بَلْ بِتَصَرُّفِ الْمُوصِي فِيهَا (بِبَيْعٍ) وَإِنْ حَصَلَ بَعْدَهُ فَسْخٌ وَلَوْ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ (وَ) نَحْوِ (إعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ) مِنْ التَّصَرُّفَاتِ النَّاجِزَةِ اللَّازِمَةِ فِي الْحَيَاةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَتَنْفُذُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، وَلَا تَعُودُ الْوَصِيَّةُ لَوْ عَادَ الْمِلْكُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْفَلَسِ وَالْهِبَةِ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ وَالْوَالِدِ حَقًّا لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْوَالِدِ إبْطَالُهُ. وَأَمَّا الْمُوصِي فَلَهُ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ (وَكَذَا هِبَةٍ أَوْ رَهْنٍ مَعَ قَبْضٍ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رُجُوعٌ جَزْمًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَتَعْرِيضِهِ لِلْبَيْعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَكِنْ فِي الرَّهْنِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ (وَكَذَا دُونَهُ) أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فِيهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ عُرْضَةٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَالثَّانِي لَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي الْهِبَةِ مَحِلُّهُ فِي الصَّحِيحَةِ. وَأَمَّا الْفَاسِدَةُ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: ثَالِثُهَا: إنْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ كَانَتْ رُجُوعًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ طَرْدَهُمَا فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ،. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ رُجُوعٌ فِيهِمَا مُطْلَقًا كَالْعَرْضِ عَلَى مَا يَأْتِي، بَلْ أَوْلَى (وَ) يَحْصُلُ الرُّجُوعُ أَيْضًا (بِوَصِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ) فِيمَا أَوْصَى بِهِ كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِمَا لِإِشْعَارِهِ بِالرُّجُوعِ (وَكَذَا تَوْكِيلٌ فِي بَيْعِهِ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (وَعَرْضُهُ عَلَيْهِ) أَوْ عَلَى الرَّهْنِ أَوْ الْهِبَةِ يَكُونُ رُجُوعًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ تَوَسُّلٌ إلَى أَمْرٍ يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ، وَالثَّانِي: يَكُونُ رُجُوعًا فِي النِّصْفِ فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيَّةِ وَالتَّوْكِيلِ لَا مُطْلَقًا كَمَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ فِي الْجَمِيعِ وَالرَّوْضَةُ فِي الْعَرْضِ. وَلَوْ أَجَّرَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ أَعَارَهُ أَوْ اسْتَخْدَمَهُ، أَوْ رَكِبَ الْمَرْكُوبَ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، أَوْ أَذِنَ لِلرَّقِيقِ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَزَوَّجَهَا أَوْ وَطِئَهَا وَإِنْ أَنْزَلَ، أَوْ عَلَّمَهَا صَنْعَةً أَوْ عَبْدًا فَزَوَّجَهُ، أَوْ عَلَّمَهُ صَنْعَةً أَوْ سُئِلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَقَالَ: لَا أَدْرِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 113 وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ رُجُوعٌ. وَلَوْ وَصَّى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا فَرُجُوعٌ أَوْ بِمِثْلِهَا، فَلَا، وَكَذَا بِأَرْدَأَ فِي الْأَصَحِّ. وَطَحْنُ حِنْطَةٍ وَصَّى بِهَا وَبَذْرُهَا وَعَجْنُ دَقِيقٍ وَغَزْلُ قُطْنٍ وَنَسْجُ غَزْلٍ وَقَطْعُ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ فِي عَرْصَةٍ رُجُوعٌ.   [مغني المحتاج] لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي الْوَصِيَّةَ بَلْ هِيَ إمَّا انْتِفَاعٌ وَلَهُ الْمَنْفَعَةُ وَالرَّقَبَةُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِمَّا اسْتِصْلَاحٌ قُصِدَ بِهِ إفَادَةَ الْمُوصَى لَهُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيَّةٍ بِمُعَيَّنٍ. ، فَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ هَلَكَ أَوْ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُطْلَقٌ لَا يَخْتَصُّ بِمَا مَلَكَهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، بَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا مَلَكَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ زَادَ أَوْ نَقَصَ أَوْ تَبَدَّلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا. (وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ) وَصَّى بِهَا بِحِنْطَةٍ أُخْرَى (رُجُوعٌ) سَوَاءٌ أَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَمْ بِغَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ بِمَا أَحْدَثَهُ فِي الْعَيْنِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْخَلْطِ مَا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ فَلَا رُجُوعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَتَعْلِيلُهُمْ مُصَرَّحٌ بِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالرَّوْضَةِ: وَخَلَطَهُ - أَيْ الْمُوصِي - لِأَنَّهَا لَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ خَلَطَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ. وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ صَاعًا مَثَلًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ وَصَّى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (فَخَلَطَهَا) الْمُوصِي (بِأَجْوَدَ مِنْهَا فَرُجُوعٌ) لِأَنَّهُ أَحْدَثَ بِالْخَلْطِ زِيَادَةً لَمْ يَرْضَ بِتَسْلِيمِهَا وَلَا يُمْكِنُ بِدُونِهَا، وَاحْتُرِزَ بِخَلْطِهِ عَمَّا لَوْ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ خَلَطَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ (أَوْ بِمِثْلِهَا فَلَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ تَغْيِيرًا (وَكَذَا) لَوْ خَلَطَهَا (بِأَرْدَأَ) مِنْهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ كَالتَّعْيِيبِ، وَالثَّانِي: رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهُ فَأَشْبَهَ الْخَلْطَ بِالْأَجْوَدِ. فَإِنْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَلَمْ يَصِفْهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الصَّاعَ فَلَا أَثَرَ لِلْخَلْطِ، وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَا شَاءَ مِنْ حِنْطَةِ التَّرِكَةِ، فَإِنْ قَالَ: مِنْ مَالِي حَصَّلَهُ الْوَارِثُ، فَإِنْ وَصَفَهَا وَقَالَ: مِنْ حِنْطَتِي الْفُلَانِيَّةِ فَالْوَصْفُ مَرْعِيٌّ، فَإِنْ بَطَلَ بِخَلْطِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (وَطَحْنُ حِنْطَةٍ وَصَّى بِهَا وَبَذْرُهَا) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ أَيْ حِنْطَةٍ وَصَّى بِهَا وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعْطُوفَاتِ (وَعَجْنُ دَقِيقٍ) وَخَبْزُ عَجِينٍ وَذَبْحُ شَاةٍ وَإِحْضَانُ بَيْضٍ لِنَحْوِ دَجَاجٍ لِيَتَفَرَّخَ وَدَبْغُ جِلْدٍ وَطَبْخُ لَحْمٍ (وَغَزْلُ قُطْنٍ وَنَسْجُ غَزْلٍ وَقَطْعُ ثَوْبٍ قَمِيصًا) وَصَبْغُهُ أَوْ قِصَارَتُهُ وَجَعْلُ الْخَشَبِ بَابًا (وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ فِي عَرْصَةٍ رُجُوعٌ) عَنْ الْوَصِيَّةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: زَوَالُ الِاسْمِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى لَهُ فَكَانَ كَالتَّلَفِ. وَالثَّانِي: الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَيُعْزَى الْأَوَّلُ مِنْهُمَا إلَى النَّصِّ، وَالثَّانِي: إلَى أَبِي إِسْحَاقَ وَعَلَيْهِمَا يَنْبَنِي مَا لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَقِيَاسُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُجُوعٌ وَقِيَاسُ الثَّانِي الْمَنْعُ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ، فَإِنَّ الْأَصْحَابَ يُعَلِّلُونَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَوْ طَبَخَ الْمُوصِي اللَّحْمَ أَوْ شَوَاهُ أَوْ جَعَلَهُ وَهُوَ لَا يَفْسُدُ قَدِيدًا، أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا، أَوْ حَشَى الْقُطْنَ فِرَاشًا أَوْ جُبَّةً كَانَ رُجُوعًا لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْقَدِيدَ لَا يُسَمَّى لَحْمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى لَحْمَ قَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَفَّفَ رُطَبًا أَوْ قَدَّدَ لَحْمًا قَدْ يَفْسُدُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَوْنٌ لِلرُّطَبِ وَاللَّحْمِ عَنْ الْفَسَادِ فَلَا يُشْعِرُ بِتَغَيُّرِ الْقَصْدِ. فَإِنْ قِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 114 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خَبْزُ الْعَجِينِ لِلصَّوْنِ عَنْ الْفَسَادِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ رُجُوعٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ مَعَ صَوْنِهِ تَهْيِئَتَهُ لِلْأَكْلِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ لِزَوَالِ الِاسْمِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ خَاطَ الثَّوْبَ وَهُوَ مَقْطُوعٌ حِينَ الْوَصِيَّةِ أَوْ غَسَلَهُ أَوْ نَقَلَ الْمُوصَى بِهِ إلَى مَكَان آخَرَ وَلَوْ بَعِيدًا عَنْ مَحِلِّ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا، إذْ لَا إشْعَارَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِالرُّجُوعِ، وَخَرَجَ بِبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ الزَّرْعُ فِي الْعَرْصَةِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا كَلِبْسِ الثَّوْبِ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَزْرُوعُ مِمَّا تَبْقَى أُصُولُهُ، فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى كَلَامِهِمْ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ كَالْغِرَاسِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ. ، وَلَوْ عَمَّرَ بُسْتَانًا أَوْ أَوْصَى بِهِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا إلَّا إنْ غَيَّرَ اسْمَهُ كَأَنْ جَعَلَهُ خَانًا أَوْ لَمْ يُغَيِّرْهُ لَكِنْ أَحْدَثَ فِيهِ بَابًا مِنْ عِنْدَهُ فَيَكُونُ رُجُوعًا، وَهَدْمُ الدَّارِ الْمُبْطِلُ لِاسْمِهَا رُجُوعٌ فِي النَّقْضِ مِنْ طُوبٍ وَخَشَبٍ، وَفِي الْعَرْصَةِ أَيْضًا لِظُهُورِ ذَلِكَ فِي الصَّرْفِ عَنْ جِهَةِ الْوَصِيَّةِ، وَانْهِدَامُهَا وَلَوْ بِهَدْمِ غَيْرِهِ يُبْطِلُهَا فِي النَّقْضِ لِبُطْلَانِ الِاسْمِ لَا فِي الْعَرْصَةِ وَالْآسِ إنْ بَقِيَ لِبَقَائِهَا بِحَالِهِمَا، هَذَا إنْ بَطَلَ الِاسْمُ وَإِلَّا بَطَلَ فِي نَقْضِ الْمُنْهَدِمِ مِنْهَا فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ النَّصِّ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَلَا أَثَرَ لِانْهِدَامِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ وَإِنْ زَالَ اسْمُهَا بِذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ وَبَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ يَوْمَئِذٍ. فُرُوعٌ: لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ رَقِيقٍ مَثَلًا سَنَةً ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَةً وَمَاتَ عَقِبَ الْإِجَارَةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ السَّنَةُ الْأُولَى، فَإِذَا انْصَرَفَتْ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَطَلَتْ فِي النَّصِّ الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَبَسَ الرَّقِيقَ الْوَارِثُ السَّنَةَ بَلَا عُذْرٍ غَرِمَ لِلْمُوصَى لَهُ الْأُجْرَةَ، وَلَا أَثَرَ لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ لِشَخْصٍ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ صَحَّ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُ الْوَارِثُ ذَلِكَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: يُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى سَنَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِمَوْتِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُضْطَرًّا إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ وَعَلِمَ الْمُوصِي وَقَصَدَ إعَانَتَهُ. وَأَمَّا إحَالَةُ الْأَمْرِ عَلَى تَعْيِينِ الْوَارِثِ فَلَيْسَ بِالْوَاضِحِ قَالَ: لَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْقَاضِي: لَوْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ هَذَا الْبُسْتَانِ سَنَةً وَلَمْ يُعَيِّنْهَا فَتَعْيِينُهَا إلَى الْوَارِثِ اهـ. وَقَدْ يَدُلُّ لِلْبَحْثِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ حُمِلَتْ فِيهَا عَلَى السَّنَةِ الْأُولَى، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ تَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ الْحَمْلَ عَلَى السَّنَةِ الْأُولَى، وَهُنَاكَ خَصَّهُ بِنَوْعٍ مِنْهَا وَهُوَ الْخِدْمَةُ، فَجُعِلَتْ الْخِيَرَةُ فِي زَمَنِهِ لِلْوَارِثِ. وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ بِمِائَةٍ أُخْرَى مُعَيَّنَةٍ اسْتَحَقَّهُمَا وَإِنْ أَطْلَقَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَمِائَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِائَةٍ ثُمَّ خَمْسِينَ فَخَمْسُونَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَدَ تَقْلِيلَ حَقِّهِ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ، وَإِنْ أَوْصَى بِهِ بِخَمْسِينَ ثُمَّ بِمِائَةٍ فَمِائَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ، فَلَوْ وَجَدْنَا الْوَصِيَّتَيْنِ وَلَمْ نَعْلَمْ الْمُتَأَخِّرَةَ مِنْهُمَا أُعْطِيَ الْمُتَيَقَّنَ وَهُوَ خَمْسُونَ؛ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الْوَصِيَّةِ بِهَا. وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِعَمْرٍو بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا أُعْطِيَ نِصْفَ مَا بِيَدِهِمَا، وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعَمْرٍو لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ التَّشْرِيكِ فَيُشْرَكُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ دُفْعَةً وَاحِدَةً: أَوْصَيْتُ بِهَا لَكُمَا، لَكِنْ لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ فِي الْأُولَى كَانَ الْكُلُّ لِلْآخِذِ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَهُ الْمُوصِي صَرِيحًا بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى. وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ بِنِصْفِهَا لِعَمْرٍو وَقَبِلَا اقْتَسَمَاهَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا لِلْأَوَّلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 115 فَصْلٌ يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ.   [مغني المحتاج] وَثُلُثُهَا لِلثَّانِي، فَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلُ فَنِصْفُهَا لِلثَّانِي، أَوْ الثَّانِي فَكُلُّهَا لِلْأَوَّلِ كَذَا قَالَاهُ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِلثَّانِي الرُّبْعُ إذْ النِّصْفُ لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ شَرَكَهُ مَعَ الثَّانِي فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الطَّرِيقَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ وَالصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ فِي الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَاهُ عَمَلًا بِطَرِيقِ الْعَوْلِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْحَدَّادِ، وَتَقْرِيرُهَا أَنْ يُقَالَ: مَعَنَا مَالٌ وَنِصْفُ مَالٍ فَنُضِيفُ النِّصْفَ عَلَى الْكُلِّ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ ثَلَاثَةً تُقَسَّمُ عَلَى النِّسْبَةِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ ثُلُثَاهُ، وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ الثُّلُثُ. وَإِنْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأُولَى، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعَمْرٍو. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِي مَثَلًا إلَّا ثُلُثَ مَالِي كَانَ اسْتِثْنَاءً مُسْتَغْرِقًا، وَهَلْ يَلْغُو الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ فِي الْإِقْرَارِ، أَنَّ قَوْلَهُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ مَا لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ اهـ. فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْوَصِيَّةِ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا مَا أَوْصَيْت لَهُ بِشَيْءٍ وَهَذَا رُجُوعٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلِ، وَصَرَّحَ الْمَارْدِينِيُّ بِتَصْحِيحِ الثَّانِي وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَشَرْحِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ. [فَصْلٌ فِي الْوِصَايَةِ] ِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ، وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا إلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ قَدْ لَا يَفْهَمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوِصَايَةِ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ الْوَصِيَّةَ بِكَذَا وَالْوِصَايَةَ بِكَذَا كَمَا قَدَّمْتُهُ أَوَّلَ الْبَابِ، فَقَالَ (يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ) الْحُقُوقِ مِنْ (الدَّيْنِ) وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيِّ وَغَيْرِهَا (وَ) فِي (تَنْفِيذِ الْوَصَايَا) إنْ كَانَتْ (وَ) فِي (النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) وَنَحْوِهِمْ كَالْمَجَانِينِ وَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا بِالْإِجْمَاعِ وَاتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ مَنْعَهُ لِانْقِطَاعِ سَلْطَنَةِ الْمُوصِي وَوِلَايَتِهِ بِالْمَوْتِ، لَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ، فَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى إلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَكَانَ يَحْفَظُ أَمْوَالَهُمْ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ أَوْصَى فَكَتَبَ: وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ. بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ الْوَصِيَّةُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَدٌّ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ إلَى ثِقَةٍ كَافٍ وَجِيهٍ إذَا وَجَدَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الْوَصِيَّةَ اسْتَوْلَى عَلَى مَالِهِ خَائِنٌ مِنْ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الظَّلَمَةِ، إذْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ مَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 116 وَشَرْطُ الْوَصِيِّ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمُوصَى بِهِ وَإِسْلَامٌ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ إلَى ذِمِّيٍّ.   [مغني المحتاج] وَلَدِهِ. عَنْ الضَّيَاعِ. قَالَ: وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ عَلَى الْحَمْلِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَمْلُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ الْإِيصَاءِ. وَيَجِبُ الْإِيصَاءُ فِي رَدِّ مَظَالِمَ وَقَضَاءِ حُقُوقٍ عَجَزَ عَنْهَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَا شُهُودٌ كَمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوصِ أَحَدًا بِهَا فَأَمْرُهَا إلَى الْقَاضِي يَنْصِبُ مَنْ يَقُومُ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَنَائِزِ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى لِشَخْصٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ كَذَا هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ . وَأَرْكَانُ الْوِصَايَةِ أَرْبَعَةٌ: وَصِيٌّ، وَمُوصٍ، وَمُوصًى فِيهِ، وَصِيغَةٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ شَرْطِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَشَرْطُ الْوَصِيِّ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ (تَكْلِيفٌ) أَيْ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ، وَالْوَصِيُّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الَّذِي يُوصِي، وَعَلَى مَنْ يُوصَى إلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا مَرَّ (وَحُرِّيَّةٌ) لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ أَبِيهِ فَلَا يَصْلُحُ وَصِيًّا لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي فَرَاغًا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ الْقِنَّ وَالْمُبَعَّضَ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُفْهَمُ مَنْعُ الْإِيصَاءِ لِمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ مُدَّةً لَا يُمْكِنُهُ فِيهَا التَّصَرُّفُ بِالْوِصَايَةِ، وَفِي مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْوَصِيِّ مَتَى تُعْتَبَرُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَصِحُّ إلَيْهِمَا (وَعَدَالَةٌ) فَلَا تَجُوزُ إلَى فَاسِقٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَائْتِمَانٌ وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ (وَهِدَايَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمُوصَى بِهِ) فَلَا يَصِحُّ إلَى مَنْ لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ تَغَفُّلٍ، إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ هَذَا حَالُهُ. (وَإِسْلَامٌ) فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِنْ مُسْلِمٍ إلَى ذِمِّيٍّ إذْ لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَلِتُهْمَتِهِ قَالَ - تَعَالَى -: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] [النِّسَاءَ] وَقَالَ - تَعَالَى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] الْآيَةُ. (لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ إلَى ذِمِّيٍّ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَوْلَادِهِ الْكُفَّارِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَدْلًا فِي دِينِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُمْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَشَهَادَتِهِ. تَنْبِيهٌ تَصِحُّ وِصَايَةُ الذِّمِّيِّ إلَى الْمُسْلِمِ اتِّفَاقًا كَمَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَلِي تَزْوِيجَ الذِّمِّيَّاتِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ الِاخْتِيَارُ وَعَدَمُ الْجَهَالَةِ وَالْعَدَاوَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَاسْتَنْبَطَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْوَصِيِّ الذِّمِّيِّ مِنْ مِلَّةِ الْمُوصَى عَلَيْهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ وَصِيَّةُ النَّصْرَانِيِّ إلَى الْيَهُودِيِّ أَوْ الْمَجُوسِيِّ وَبِالْعَكْسِ لِلْعَدَاوَةِ، وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَمَا جَازَتْ وَصِيَّةُ ذِمِّيٍّ إلَى مُسْلِمٍ، وَقَدْ يُرَدُّ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا الدِّينِيَّةُ. . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ إلَى مُسْلِمٍ وَجَعَلَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فَالْمُتَّجَهُ جَوَازُ إيصَائِهِ إلَى ذِمِّيٍّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الْوَصِيَّ يَلْزَمُهُ النَّظَرُ بِالْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالتَّفْوِيضُ إلَى الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الذِّمِّيِّ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ وَلَدٌ بَالِغٌ سَفِيهٌ ذِمِّيٌّ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ عَلَيْهِ ذِمِّيًّا، وَهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 117 وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ، وَأُمُّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا. وَيَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِالْفِسْقِ وَكَذَا الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ.   [مغني المحتاج] بَحْثٌ مَرْدُودٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذُكِرَ الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ. مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهِيَ أَمْوَالُ أَيْتَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَشْفُ عَلَيْهِمْ؟ فَأَجَابَ بِالْمَنْعِ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ. وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّسَلُّطِ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَى مَنْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهَا كَصَبِيٍّ وَرَقِيقٍ ثُمَّ اسْتَكْمَلَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّ. (وَلَا يَضُرُّ) فِي الْوَصِيِّ (الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوْكِيلِ فِيمَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ. وَالثَّانِي: يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأَخْرَسَ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَهَذَا النَّظَرُ هُوَ الظَّاهِرُ. (وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَوْصَى سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَأُمُّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا) مِنْ النِّسَاءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِصْطَخْرِيِّ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَلِي بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَكَذَا أَوْلَى مِنْ الرِّجَالِ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ إذَا كَانَ فِيهَا مَا فِيهِمْ مِنْ الْكِفَايَةِ وَالِاسْتِرْبَاحِ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَمْ مِنْ مُحِبٍّ مُشْفِقٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْأَرْبَاحِ وَالْمَصَالِحِ التَّامَّةِ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُفَوِّضَ أَمْرَ الْأَطْفَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصَّى إلَى امْرَأَةٍ فَتَكُونُ قَيِّمَةً، فَإِنْ كَانَتْ أُمُّ الْأَطْفَالِ فَذَاكَ أَوْلَى، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ. (وَيَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ) وَقَيِّمُ الْقَاضِي وَالْأَبُ وَالْجَدُّ بَعْدَ الْوِلَايَةِ (بِالْفِسْقِ) بِتَعَدٍّ فِي الْمَالِ، أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ لِزَوَالِ الشَّرْطِ فَلَا يَحْتَاجُ لِعَزْلِ حَاكِمٍ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَنْعَزِلُ بِاخْتِلَالِ كِفَايَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ بِضَمِّ الْقَاضِي إلَيْهِ مُعَيَّنًا، بَلْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَى الْوَصِيِّ غَيْرَهُ بِمُجَرَّدِ الرِّيبَةِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ خَلَلٍ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَفَسَادُ الزَّمَانِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ قَوِيَتْ الرِّيبَةُ بِقَرَائِنَ ظَاهِرَةٍ ضَمَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ ضَعُفَ مَنْصُوبُ الْقَاضِي عَزَلَهُ. (وَكَذَا) يَنْعَزِلُ (الْقَاضِي) بِالْفِسْقِ (فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا كَالْإِمَامِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْقَضَاءِ وَفَرْضُهَا فِي عَدَمِ نُفُوذِ حُكْمِهِ لَا فِي انْعِزَالِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) فَلَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِوِلَايَتِهِ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلِحَدِيثِ: «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَفَرُّدَ الرَّافِعِيِّ بِتَرْجِيحِ عَدَمِ الِانْعِزَالِ. تَنْبِيهٌ: بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ تَعُودُ وِلَايَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا وِلَايَةُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمَا شَرْعِيَّةٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 118 وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ إيصَاءٌ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَوِلَايَةُ غَيْرِهِمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ التَّفْوِيضِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ لَمْ تُعَدَّ إلَّا بِوِلَايَةٍ جَدِيدَةٍ، وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ كَالْفِسْقِ فِي الِانْعِزَالِ بِهِ، فَلَوْ أَفَاقَ غَيْرُ الْأَصِيلِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَمْ تُعَدَّ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِالتَّفْوِيضِ كَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ الْأَصِيلِ تَعُودُ وِلَايَتُهُ وَإِنْ انْعَزَلَ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِلَا تَفْوِيضٍ، وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ، فَإِنْ أَفَاقَ الْإِمَامُ وَقَدْ وُلِّيَ آخَرُ بَدَلَهُ نَفَذَتْ تَوْلِيَتُهُ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ وَإِلَّا فَلَا فَيُوَلَّى الْأَوَّلُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالرِّدَّةِ وَلَا تَعُودُ إمَامَتُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُوصِي فَقَالَ (وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ) مُخْتَارٍ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ تَنْفِيذٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَيْنَ الْفَاءِ وَالذَّالِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ تَنْفُذُ بِلَا تَحْتَانِيَّةٍ مَضْمُومُ الْفَاءِ وَالذَّالِ بَعْدَ دَائِرَةٍ أَيْ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَصِحُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا قَوْلُهُ مِنْ إلَخْ فَصَارَ كَلَامُهُ حِينَئِذٍ مُشْتَمِلًا عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَالْأُخْرَى نُفُوذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ مَحْذُورَاتٌ: إحْدَاهَا: التَّكْرَارُ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَلَا فَائِدَةَ لِلْحُكْمِ ثَانِيًا بِصِحَّتِهَا. ثَانِيهَا: صَيْرُورَةُ الْكَلَامِ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَنْفُذُ. ثَالِثُهَا: مُخَالَفَةُ أَصْلِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ اسْتِثْنَاءُ السَّكْرَانِ مِنْ التَّكْلِيفِ عَلَى رَأْيِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَهُ، وَيَصِحُّ إيصَاؤُهُ وَكَلَامُهُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا صَحَّحْنَا وَصِيَّتَهُ بِالْمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَ شَخْصٍ لِتَنْفِيذِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا مَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَمَنْعُهُ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ فَيَلِيهِ الْحَاكِمُ أَوْ وَلِيُّهُ اهـ. وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: يَنْبَغِي إضَافَةُ الرُّشْدِ إلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إيصَاءُ الْفَاسِقِ فِيمَا تَرَكَهُ لِوَلَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ مَسْلُوبُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي الْمُوصِي (فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ) وَالْمَجَانِينِ، وَكَذَا السُّفَهَاءُ الَّذِينَ بَلَغُوا كَذَلِكَ (مَعَ هَذَا) السَّابِقِ مِنْ حُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ (أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ الْمُوصَى (وِلَايَةٌ) مُبْتَدَأَةٌ مِنْ الشَّرْعِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنْ ذِكْرٍ لَا بِتَفْوِيضٍ فَتَثْبُتُ الْوِصَايَةُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَيَخْرُجُ الْأَخُ، وَالْعَمُّ، وَالْوَصِيُّ، وَالْقَيِّمُ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ الْحَاكِمُ دُونَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَتَخْرُجُ الْأُمُّ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ) فِي وَصِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بِأَنْ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ (إيصَاءٌ) إلَى غَيْرِهِ، إذْ الْوَلِيُّ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ الثَّانِي، وَقِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ (فَإِنْ أُذِنَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِخَطِّهِ (فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ الْمُوصِي، أَوْ مُطْلَقًا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) لَكِنَّهُ فِي الثَّالِثَةِ إنَّمَا يُوصِي عَنْ الْمُوصِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 119 وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك إلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ. وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ وَصِيٍّ وَالْجَدُّ حَيٌّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ. وَلَا الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ.   [مغني المحتاج] وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَوْصِ بِتَرِكَتِي فُلَانًا أَوْ مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى بِهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْوِصَايَةِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، وَلَوْ لَمْ يُضِفْ التَّرِكَةَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: أَوْصِ مَنْ شِئْتَ فَأَوْصَى شَخْصًا لَمْ يَصِحَّ الْإِيصَاءُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِبُطْلَانِ إذْنِهِ بِالْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: أَوْصَيْت إلَى مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ إنْ مِتَّ أَنْتَ أَوْ إذَا مِتَّ أَنْتَ فَوَصِيُّك وَصِيٌّ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ مَجْهُولٌ، وَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْوَصِيَّ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنَصِّبَ غَيْرَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَيْك إلَى بُلُوغِ ابْنِي) فُلَانٍ (أَوْ) إلَى (قُدُوم زَيْدٍ) مَثَلًا (فَإِذَا بَلَغَ) ابْنِي (أَوْ قَدِمَ) زَيْدٌ (فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ) هَذَا الْإِيصَاءُ، وَاغْتُفِرَ فِيهِ التَّأْقِيتُ فِي قَوْلِهِ: إلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ، وَالتَّعْلِيقُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ، وَلَوْ أَخَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَذَكَرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ كَانَ أَنْسَبَ فَإِنَّهَا مِثَالٌ لَهُمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَوْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ فَهَلْ تَبْقَى وِلَايَةُ الْوَصِيِّ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ إنْ قَدِمَ أَهْلًا لِذَلِكَ أَوْ لَا، وَتَكُونُ وِلَايَتُهُ مُغَيَّاةً بِذَلِكَ فَتَنْتَقِلُ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِالْوَصِيَّةِ إلَى غَيْرِ الْمُتَأَهِّلِ لَهَا وَغَيْرِهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهَا مُغَيَّاةٌ بِذَلِكَ. وَلِلْأَبِ الْوَصِيَّةُ إلَى غَيْرِ الْجَدِّ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ، وَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ إلَّا فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَنَحْوَهُمْ كَمَا قَالَ (وَلَا يَجُوزُ) لِلْأَبِ عَلَى الصَّحِيحِ (نَصْبُ وَصِيٍّ) عَلَى الْأَطْفَالِ وَنَحْوِهِمْ (وَالْجَدُّ حَيٌّ) حَاضِرٌ (بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ) عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ شَرْعًا فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُ الْوِلَايَةِ عَنْهُ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْجَدُّ غَائِبًا فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ أَرَادَ الْأَبُ الْإِيصَاءَ بِالتَّصَرُّفِ عَلَيْهِمْ إلَى حُضُورِهِ فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْبُلُوغِ الْجَوَازُ، وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَا تَمْنَعُ حَقَّ الْوِلَايَةِ اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى أَجْنَبِيٍّ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ مَاتَ الْجَدُّ أَوْ فَسَقَ أَوْ جُنَّ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ الْجَدِّ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ تَأَهَّلَ عِنْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ فَالظَّاهِرُ انْعِزَالُ الْوَصِيِّ اهـ. وَمَا قَالَاهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ: لَوْ اسْتَلْحَقَ الْخُنْثَى غَيْرَهُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِبُنُوَّةِ الظَّهْرِ وَلَا الْبَطْنِ لَحِقَهُ، فَإِذَا حَدَثَ لِلْوَلَدِ أَوْلَادٌ فَأَوْصَى عَلَيْهِمْ أَجْنَبِيًّا مَعَ وُجُودِ وَالِدِهِ الْمُسْتَلْحَقِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ وَجْهًا وَاحِدًا اهـ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ أَبُو أَبٍ. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يُوصِ الْأَبُ أَحَدًا فَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْحَاكِمِ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ وَأَمْرِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمَا إلَّا فِي تَنْفِيذِ الْوَصَايَا فَالْحَاكِمُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُوصَى فِيهِ، فَقَالَ: (وَلَا) يَجُوزُ (الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ) مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 120 وَلَفْظُهُ أَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ وَنَحْوهُمَا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ. وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك لَغَا. وَالْقَبُولُ   [مغني المحتاج] وُجُودِ الْجَدِّ وَعَدَمِهِ وَعَدَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ بِحَدِيثِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ بِدُخُولِ الدَّنِيِّ فِي نَسَبِهِمْ، وَلِأَنَّ الْبَالِغِينَ لَا وِصَايَةَ فِي حَقِّهِمْ، وَالصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ لَا يُزَوِّجُهُمَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ. نَعَمْ إنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَاسْتَمَرَّ نَظَرُ الْوَصِيِّ لِسَفَهٍ اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي نِكَاحِهِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ الْإِيصَاءِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِنَاءِ كَنِيسَةِ التَّعَبُّدِ لِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفًا مَالِيًّا مُبَاحًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ (وَلَفْظُهُ) أَيْ الْإِيجَابُ فِي الْإِيصَاءِ مِنْ نَاطِقٍ (أَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ فَوَّضْتُ) إلَيْك (وَنَحْوُهُمَا) كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي فِي أَمْرِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُكَ وَصِيًّا، وَهَلْ تَنْعَقِدُ الْوِصَايَةُ بِلَفْظِ الْوِلَايَةِ، كَوَلَّيْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا تَنْعَقِدُ بِأَوْصَيْتُ إلَيْك؟ وَجْهَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بَلَا تَرْجِيحٍ، رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْهُمَا الِانْعِقَادَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ وَكِتَابَتُهُ، وَالنَّاطِقُ إذَا اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِرَأْسِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لِقِرَاءَةِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ كَالْأَخْرَسِ (وَيَجُوزُ فِيهِ) أَيْ الْإِيصَاءِ (التَّوْقِيتُ) كَأَوْصَيْتُ إلَيْك سَنَةً أَوْ إلَى بُلُوغِ ابْنِي كَمَا مَرَّ (وَالتَّعْلِيقُ) كَإِذَا مِتُّ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إلَيْك؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارَ فَكَذَا التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ، وَلِأَنَّ الْإِيصَاءَ كَالْإِمَارَةِ. وَقَدْ «أَمَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَقَالَ: إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ) كَقَوْلِهِ: فُلَانٌ وَصِيٌّ فِي قَضَاءِ دَيْنِي وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِي وَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ أَطْفَالِي، وَمَتَى خَصَّصَ وِصَايَتَهُ بِحِفْظٍ وَنَحْوِهِ أَوْ عَمَّمَ اُتُّبِعَ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْصَيْت إلَيْك أَوْ أَقَمْتُك مَقَامِي فِي أَمْرِ أَطْفَالِي وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ وَحِفْظُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت إلَيْك لَغَا) هَذَا الْإِيصَاءُ كَمَا قَالَ: وَكَّلْتُكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا وَكَّلَ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَا عُرْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الْإِيصَاءِ (الْقَبُولُ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَصَرُّفٍ فَأَشْبَهَ الْوَكَالَةَ وَالْقَبُولُ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا وَكَذَا إذَا عَرَضَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ لَفْظًا لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ التَّصَرُّفُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْوَكَالَةِ، وَتَبْطُلُ بِالرَّدِّ كَأَنْ يَقُولَ: لَا أَقْبَلُ. وَيُسَنُّ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ الْقَبُولُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ. وَنَقَلَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ إلَّا أَحْمَقُ أَوْ لِصٌّ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الضَّعْفَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَبُولُ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 121 وَلَا يَصِحُّ فِي حَيَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَصَّى اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا إلَّا إنْ صَرَّحَ بِهِ. وَلِلْمُوصِي وَالْوَصِيِّ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ.   [مغني المحتاج] «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَتَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَلِيَنَّ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ» . (وَلَا يَصِحُّ) قَبُولُ الْإِيصَاءِ وَلَا رَدُّهُ (فِي حَيَاتِهِ) أَيْ الْمُوصِي (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ التَّصَرُّفِ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ بِالْمَالِ، فَلَوْ قَبِلَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَغَا أَوْ رَدَّ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ قَبِلَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَحَّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْقَبُولُ، وَالرَّدُّ كَالْوَكَالَةِ. (وَلَوْ وَصَّى اثْنَيْنِ) وَلَمْ يَجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ بَلْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهِ أَوْ أَطْلَقَ كَأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو أَوْ إلَيْكُمَا (لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ فِي الْأَوَّلِ، وَاحْتِيَاطًا فِي الثَّانِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ (إلَّا إنْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ الِانْفِرَادِ كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ إلَى كُلٍّ مِنْكُمَا، أَوْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا، وَصِيٌّ أَوْ أَنْتُمَا وَصِيَّايَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّثْنِيَةَ فِي حُكْمِ تَكْرِيرِ الْمُفْرَدِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: كُلٌّ مِنْكُمَا وَصِيٌّ، فَإِذَا ضَعُفَ أَحَدُهُمَا عَنْ التَّصَرُّفِ انْفَرَدَ الْآخَرُ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ، وَلِلْإِمَامِ نَصْبُ مَنْ يُعِينُ الْآخَرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ تَلَفُّظُهُمَا بِالْعَقْدِ مَعًا، بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَصْدُرَ عَنْ رَأْيِهِمَا وَإِنْ بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا بِأَمْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ وُجُوبِ الِاجْتِمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالِانْفِرَادِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ وَأَمْوَالِهِمْ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَضَاءِ دَيْنٍ لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ. أَمَّا رَدُّ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُوصَى بِهَا وَقَضَاءِ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ فَلِأَحَدِهِمَا الِاسْتِقْلَالُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ اسْتِقْلَالُ أَحَدِهِمَا بِهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ يَقَعُ مَوْقِعَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ الشَّيْخَانِ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ، وَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي حِفْظِ الْمَالِ الْمُنْقَسِمِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي تَعْيِينِ النِّصْفِ الْمَحْفُوظِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ وَاسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِهِ لَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْأَوْلَادِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى الْحَاكِمِ نَصْبُ آخَرَ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوِصَايَةَ لِيَتَصَرَّفَ مَعَ الْمَوْجُودِ، وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُ الْآخَرِ مُسْتَقِلًّا فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ، وَلَوْ مَاتَا مَثَلًا جَمِيعًا لَزِمَ الْحَاكِمَ نَصْبُ اثْنَيْنِ مَكَانَهُمَا، وَلَوْ جَعَلَ الْمُوصِي عَلَى الْوَصِيَّيْنِ مُشْرِفًا لَمْ يَتَصَرَّفَا إلَّا بِمُرَاجَعَتِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحِلُّهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ، لَا كَشِرَاءِ الْخُبْزِ وَالْبَقْلِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَيْسَ لِلْمُشْرِفِ التَّصَرُّفُ، ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ. (وَ) عَقْدُ الْإِيصَاءِ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَحِينَئِذٍ (لِلْمُوصِي وَالْوَصِيِّ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ) كَالْوَكَالَةِ، هَذَا إنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَغْلِبْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 122 وَإِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ وَنَازَعَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ صَدَقَ الْوَصِيُّ، أَوْ فِي دَفْعٍ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ صُدِّقَ الْوَلَدُ.   [مغني المحتاج] عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ مِنْ قَاضٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفُذُ عَزْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْبَلْ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ؟ فِيهِ نَظَرٌ يَحْتَمِلُ اللُّزُومُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ الظَّالِمِ بِذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - الْأَوَّلُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا فِي الدَّفْعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُوصِي أَنَّ عَزْلَهُ لِوَصِيِّهِ مُضَيِّعٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ أَوْ لِأَمْوَالِ أَوْلَادِهِ بِاسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ أَوْ لِخُلُوِّ النَّاحِيَةِ عَنْ قَاضٍ أَمِينٍ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ عَزْلُهُ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. تَنْبِيهٌ: تَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ الْعَزْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي فَإِنَّ الْعَزْلَ فَرْعُ الْوِلَايَةِ، وَلَا وِلَايَةَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالرُّجُوعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. (وَإِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ) رَشِيدًا وَكَمَلَ غَيْرُهُ (وَنَازَعَهُ) أَيْ الْوَصِيُّ أَوْ نَحْوُهُ كَالْأَبِ (فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) أَوْ عَلَى مَمُونِهِ (صَدَقَ الْوَصِيُّ) وَنَحْوُهُ بِيَمِينِهِ فِي اللَّائِقِ بِالْحَالِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَقَدْ تَشُقُّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى النَّفَقَةِ اللَّائِقَةِ صُدِّقَ الْوَلَدُ قَطْعًا (أَوْ) نَازَعَهُ (فِي دَفْعِ) الْمَالِ (إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ) وَالرُّشْدِ لِلطِّفْلِ وَالْكَمَالِ لِغَيْرِهِ، أَوْ فِي تَارِيخِ مَوْتِ الْأَبِ (صُدِّقَ الْوَلَدُ) بِيَمِينِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَلِأَنَّهُ لَا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي الْوَكَالَةِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ فِي الْقَيِّمِ الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَإِنَّ عِبَارَتَهُ هُنَاكَ: وَقَيِّمُ الْيَتِيمِ إلَخْ، وَهَذِهِ فِي الْوَصِيِّ لَا فِي قَيِّمِ الْيَتِيمِ، لَكِنَّ تَخْصِيصَهُ الْوَصِيَّ بِالذِّكْرِ يُوهِمُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُمَا كَالْوَصِيِّ كَمَا تَقَرَّرَ. خَاتِمَةٌ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمِثْلِهِ كَالْوَكِيلِ، قِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْأَذْرَعِيِّ، وَلَا يُخَالِطُ الطِّفْلَ بِالْمَالِ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْإِرْفَاقِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} [البقرة: 220] الْآيَةَ، وَلَا يَسْتَقِلُّ بِقِسْمَةِ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَيْسَ لَهُ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ أَوْ إقْرَارًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاعَ لَهُ شَيْئًا حَالًّا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُؤَجَّلِ، وَلَوْ فَسَقَ الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى اللَّهِ وَإِلَى زَيْدٍ حُمِلَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى التَّبَرُّكِ، وَإِنْ خَافَ الْوَصِيُّ عَلَى الْمَالِ مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ فَلَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِنْ هَذَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ، وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 123 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بَذْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ الْقَرَائِنُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: يَجُوزُ تَعْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَإِذَا كَانَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِ الطِّفْلِ أَجْنَبِيًّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لَا تَكْفِيهِ أَخَذَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ أُمًّا بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهَا وَكَانَ فَقِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 124 كِتَابُ الْوَدِيعَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] ِ هِيَ فَعِيلَةٌ، مِنْ وَدَعَ إذَا تَرَكَ، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي النَّسَائِيّ: «دَعُوا الْحَبَشَةَ مَا وَدَعُوكُمْ وَاتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ» وَجَمْعُهَا وَدَائِعُ. قَالَ الشَّاعِرُ: إذَا أَنْتَ لَا تَبْرَحُ تُؤَدِّي أَمَانَةً ... وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَثْقَلَتْكَ الْوَدَائِعُ وَهِيَ لُغَةً: الشَّيْءُ الْمَوْضُوعُ عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبٍ لِلْحِفْظِ. وَشَرْعًا: تُقَالُ عَلَى الْإِيدَاعِ، وَعَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةُ، مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ يَدَعُ إذَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ، وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ فِي دَعَةٍ: أَيْ رَاحَةٍ؛ لِأَنَّهَا فِي رَاحَةِ الْمُودَعِ وَمُرَاعَاتِهِ وَحِفْظِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ: اسْتَوْدَعَ الْعِلْمَ قِرْطَاسًا فَضَيَّعَهُ ... وَبِئْسَ مُسْتَوْدَعُ الْعِلْمِ الْقَرَاطِيسُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا عَقْدٌ، فَحَقِيقَتُهَا شَرْعًا: تَوْكِيلٌ فِي حِفْظِ مَمْلُوكٍ أَوْ مُحْتَرَمٍ مُخْتَصٍّ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ صِحَّةُ إيدَاعِ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَجِلْدِ مَيْتَةٍ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَزِبْلٍ، وَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَخَرَجَ بِمُخْتَصٍّ: مَا لَا اخْتِصَاصَ فِيهِ كَالْكَلْبِ الَّذِي لَا يُقْتَنَى، وَبِتَوْكِيلِ الْعَيْنِ فِي يَدِ مُلْتَقِطٍ، وَثَوْبٍ طَيَّرَتْهُ رِيحٌ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ مُغَايِرٌ لِحُكْمِ الْوَدِيعَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 125 مَنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَمَنْ قَدَرَ وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ كُرِهَ، فَإِنْ وَثِقَ اُسْتُحِبَّ.   [مغني المحتاج] الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ، فَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي رَدِّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَنْزِلْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا، وقَوْله تَعَالَى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] ، وَخَبَرُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ يَخْطُبُ لِلنَّاسِ: " لَا يُعْجِبَنَّكُمْ مِنْ الرَّجُلِ طَنْطَنَتُهُ، وَلَكِنْ مَنْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَكَفَّ عَنْ أَعْرَاضِ النَّاس، فَهُوَ الرَّجُلُ " وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً بَلْ ضَرُورَةً إلَيْهَا. وَلَكِنْ (مَنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: فِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا، أَمَّا عَلَى الْمَالِكِ فَلِإِضَاعَتِهِ مَالَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُودِعِ فَلِإِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا عَلِمَ أَنَّ غَيْرَهُ يَأْخُذُ مَالَهُ لِيُنْفِقَهُ أَوْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْآخِذِ إذَا عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ. وَالْإِيدَاعُ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَأَثَرُ التَّحْرِيمِ مَقْصُورٌ عَلَى الْآثِمِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُودِعُ وَكِيلًا أَوْ وَلِيَّ يَتِيمٍ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْإِيدَاعُ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ قَطْعًا (وَمَنْ قَدَرَ) عَلَى حِفْظِهَا وَهُوَ فِي الْحَالِ أَمِينٌ (وَ) لَكِنْ (لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ) بَلْ خَافَ الْخِيَانَةَ مِنْ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (كُرِهَ) لَهُ قَبُولُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خَشْيَةَ الْخِيَانَةِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ الْحَالَ، وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ وَفِيهِ مَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: جَزْمُهُ بِالْكَرَاهَةِ لَا يُطَابِقُ كَلَامَ الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ بَلَا تَرْجِيحٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِالتَّحْرِيمِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ: وَلَكِنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْدَعَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ مَالَ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا مِنْهُ جَزْمًا (فَإِنْ) قَدَرَ عَلَى حِفْظِهَا، وَ (وَثِقَ) بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فِيهَا (اُسْتُحِبَّ) لَهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَاوُنِ الْمَأْمُورِ بِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَكِنْ بِالْأُجْرَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَصْلِ الْقَبُولِ كَمَا بَيَّنَهُ السَّرَخْسِيُّ دُونَ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَمَنْفَعَةِ حِرْزِهِ فِي الْحِفْظِ بَلَا عِوَضٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِفْظِ كَمَا يَأْخُذَ أُجْرَةَ الْحِرْزِ، وَمَنَعَهُ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ تُؤْخَذُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا فِي سَقْيِ اللِّبَأِ. وَأَرْكَانُ الْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ: وَدِيعَةٌ بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ، وَمُودِعٌ، وَوَدِيعٌ، وَصِيغَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَدِيعَةُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهُمَا الْعَاقِدَانِ. فَقَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 126 وَشَرْطُهُمَا شَرْطُ مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ. وَيُشْتَرَطُ صِيغَةُ الْمُودِعِ كَاسْتَوْدَعْتُكَ هَذَا أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَ أَوْ أَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَيَكْفِي الْقَبْضُ   [مغني المحتاج] (وَشَرْطُهُمَا شَرْطُ مُوَكَّلٍ وَوَكِيلٍ) لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ فَمَنْ صَحَّتْ وَكَالَتُهُ صَحَّ إيدَاعُهُ، وَمَنْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ صَحَّ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ فَخَرَجَ اسْتِيدَاعُ مُحْرِمٍ صَيْدًا أَوْ كَافِرٍ مُصْحَفًا وَنَحْوُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ صِيغَةُ الْمُودِعِ) النَّاطِقِ بِاللَّفْظِ، وَهِيَ إمَّا صَرِيحٌ (كَاسْتَوْدَعْتُكَ هَذَا) أَوْ أَوْدَعْتُكَ أَوْ هُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَك (أَوْ اسْتَحْفَظْتُكَ أَوْ أَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ) أَوْ احْفَظْهُ. وَإِمَّا كِنَايَةٌ وَتَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ النِّيَّةِ كَخُذْهُ أَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ كَخُذْهُ أَمَانَةً، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ، وَلَوْ عَلَّقَهَا كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُك هَذَا لَمْ يَصِحَّ كَالْوَكَالَةِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ بِالصِّحَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ الْحِفْظُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْوَكَالَةِ حِينَئِذٍ، فَفَائِدَةُ الْبُطْلَانِ سُقُوطُ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ، وَالرُّجُوعُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ الْحَمَّامَ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ الْحَمَّامِيَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ ضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِنْ نَامَ أَوْ قَامَ مِنْ مَكَانَهُ، وَلَا نَائِبَ لَهُ، فَإِنْ اسْتَحْفَظَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ لَزِمَهُ حِفْظُهَا. وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا مُطْلَقًا لِلْعَادَةِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي الْوَدِيعِ (الْقَبُولُ) لِلْوَدِيعَةِ (لَفْظًا وَيَكْفِي الْقَبْضُ) لَهَا كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بَلْ أَوْلَى عَقَارًا كَانَتْ أَوْ مَنْقُولًا، فَإِذَا قَبَضَهَا تَمَّتْ الْوَدِيعَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ النَّقْلِ، وَلَكِنَّ الَّذِي قَالَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذَا وَدِيعَتِي عِنْدَك أَوْ احْفَظْهُ، فَقَالَ: قَبِلْتُ أَوْ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ كَانَ إيدَاعًا كَمَا لَوْ قَبَضَهُ بِيَدِهِ. وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مَا يُوَافِقُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَالثَّالِثُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ صِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَعَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الرَّدِّ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا تَفْتَقِرُ الْوَدِيعَةُ إلَى عِلْمِ الْوَدِيعِ بِمَا فِيهَا بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَعْرِيفِهَا، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْمَالِكُ لَهُ بَلْ وَضَعَ مَالَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ: أُرِيدَ أَنْ أُودِعَك أَمْ لَا، أَوْ أَوْجَبَ لَهُ وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَدَّ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ ذَهَبَ وَتَرَكَهَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ بِأَنْ كَانَ ذَهَابُهُ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ، وَإِنْ قَبَضَهَا صَارَ ضَامِنًا إلَّا إنْ كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلضَّيَاعِ فَقَبَضَهَا حَسِبَهُ صَوْنًا لَهَا عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَضْمَنُ، وَذَهَابُ الْوَدِيعِ مَعَ تَرْكِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَالِكُ حَاضِرٌ كَرَدِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ ائْتِمَانٍ مِنْ الْمُودِعِ النَّاطِقِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ: الشَّرْطُ وُجُودُ اللَّفْظِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْفِعْلِ مِنْ الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ، فَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَوْدِعْنِيهِ مَثَلًا فَدَفَعَهُ لَهُ سَاكِتًا كَفَى كَالْعَارِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَالشَّرْطُ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ فَوَدِيعَةٌ أَبَدًا أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 127 وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ مَالًا لَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنْ قَبِلَ ضَمِنَ. وَلَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا مَالًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ. وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَصَبِيٍّ وَتَرْتَفِعُ بِمَوْتِ الْمُودِعِ أَوْ   [مغني المحتاج] خُذْهُ يَوْمًا وَدِيعَةً وَيَوْمًا عَارِيَّةً فَوَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَعَارِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَلَمْ يُعِدَّ بَعْدَ يَوْمِ الْعَارِيَّةِ وَدِيعَةً وَلَا عَارِيَّةً بَلْ تَصِيرُ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، فَلَوْ عَكَسَ الْأُولَى فَقَالَ: خُذْهُ يَوْمًا غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَيَوْمًا وَدِيعَةً، فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ عَقْدَ وَدِيعَةٍ، وَإِنْ عَكَسَ الثَّانِيَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَارِيَّةٌ وَفِي الثَّانِي أَمَانَةٌ. (وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ مَالًا لَمْ يَقْبَلْهُ) لِأَنَّ إيدَاعَهُ كَالْعَدَمِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (فَإِنْ قَبِلَ) الْمَالَ وَقَبَضَهُ (ضَمِنَ) لِعَدَمِ الْإِذْنِ الْمُعْتَبَرِ كَالْغَاصِبِ، وَلِهَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُقَالُ: صَحِيحُ الْوَدِيعَةِ لَا ضَمَانَ فِيهِ فَكَذَا فَاسِدُهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ هُوَ بَاطِلٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى وَلِيِّهِ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ تَضْمِينِهِ مَا لَوْ خِيفَ هَلَاكُهُ فَأَخَذَهُ حِسْبَةً صَوْنًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَمَا لَوْ أَتْلَفَ الصَّبِيُّ وَدِيعَةَ نَفْسِهِ بِلَا تَسْلِيطٍ مِنْ الْوَدِيعِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْجِرَاحِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْمُمَاثَلَةِ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ عَبْدٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى سَيِّدِهِ. (وَلَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا) أَوْ مَجْنُونًا (مَالًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ) وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ (لَمْ يَضْمَنْ) كُلٌّ مِنْهُمَا مَا تَلِفَ عِنْدَهُ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عِنْدَ بَالِغٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْفَاظٍ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَ) مَا أَتْلَفَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَائِعَ أَذِنَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ بِخِلَافِ الْإِيدَاعِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَجَّحُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ. (وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) فِي إيدَاعِهِ وَالْإِيدَاعِ عِنْدَهُ وَالْأَخْذِ مِنْهُ وَعَدَمِ تَضْمِينِهِ بِالتَّلَفِ عِنْدَهُ وَتَضْمِينِهِ بِإِتْلَافِهِ (كَصَبِيٍّ) فِيمَا ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ بِالْحَجْرِ أَنَّ السَّفِيهَ إذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ رَقِيقٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَتَلِفَ عِنْدَهُ مَا أَوْدَعَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ كَذَا أَطْلَقَاهُ، وَقَيَّدَهُ الْجُرْجَانِيِّ بِعَدَمِ التَّفْرِيطِ. قَالَ: وَلَا يُفَارِقُ الرَّقِيقُ الصَّبِيَّ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ فَرَّطَ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُودَعُ عِنْدَهُ أَصْلًا وَيُودَعُ عِنْدَ الرَّقِيقِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَلَامُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قُيِّدَ بِهِ، وَوَلَدُ الْوَدِيعَةِ وَدِيعَةٌ كَأُمِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عَقْدٌ. وَقِيلَ: إنَّهَا أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَإِنْ قِيلَ: لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْخِلَافِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ فَائِدَةً، وَهِيَ أَنَّ الْعَيْنَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَجِبُ رَدُّهَا بَعْدَ الطَّلَبِ، وَيَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الثَّانِي حَالًا. تَنْبِيهٌ: أَحْكَامُ الْوَدِيعَةِ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الْجَوَازُ، وَالثَّانِي: الْأَمَانَةُ، وَالثَّالِثُ: الرَّدُّ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (وَتَرْتَفِعُ) الْوَدِيعَةُ أَيْ يَنْتَهِي حُكْمُهَا (بِمَوْتِ الْمُودِعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ (أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 128 الْمُودَعِ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ، وَلَهُمَا الِاسْتِرْدَادُ وَالرَّدُّ كُلَّ وَقْتٍ. وَأَصْلُهَا الْأَمَانَةُ وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوَارِضَ: مِنْهَا أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ بِلَا إذْنٍ وَلَا عُذْرٍ، فَيَضْمَنُ. وَقِيلَ إنْ أَوْدَعَ الْقَاضِيَ   [مغني المحتاج] الْمُودَعِ) بِفَتْحِهَا وَحَجْرِ سَفَهٍ عَلَيْهِ (وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ) وَبِعَزْلِ الْوَدِيعِ نَفْسَهُ، وَبِالْجُحُودِ الْمُضَمَّنِ، وَبِالْإِقْرَارِ بِهَا لِآخَرَ، وَبِنَقْلِ الْمَالِكِ الْمِلْكَ فِيهَا بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ الرَّدُّ إلَى الْوَلِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْجُنُونِ، وَإِلَى الْوَارِثِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ لِزَوَالِ الِائْتِمَانِ وَلَوْ وَكَّلَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَ فِي إجَارَتِهَا فَأَجَّرَهَا وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ عَادَتْ وَدِيعَةً عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ (وَلَهُمَا الِاسْتِرْدَادُ وَالرَّدُّ) أَيْ لِلْمُودِعِ بِكَسْرِ الدَّالِ الِاسْتِرْدَادُ، وَلِلْمُودَعِ بِفَتْحِهَا الرَّدُّ (كُلَّ وَقْتٍ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَمْرَيْنِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَلِلْمُودَعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَتَى شَاءَ، وَلِلْمُودَعِ الرَّدُّ كَذَلِكَ، فَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. أَمَّا الْمُودِعُ فَلِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَأَمَّا الْمُودَعُ فَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْحِفْظِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ جَوَازُ الرَّدِّ لِلْمُودَعِ بِحَالَةٍ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الْقَبُولُ، وَإِلَّا حَرُمَ الرَّدُّ، فَإِنْ كَانَ بِحَالَةٍ يُنْدَبُ فِيهِ الْقَبُولُ فَالرَّدُّ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ. تَنْبِيهٌ: أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ ثُمَّ ثَنَّاهُ ثَانِيًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَمَانَةُ فَقَالَ: (وَأَصْلُهَا الْأَمَانَةُ) أَيْ مَوْضُوعُهَا عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ الْأَمَانَةَ لَيْسَتْ فِيهَا تَبَعًا كَالرَّهْنِ بَلْ هِيَ مَقْصُودَةٌ فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِجُعْلٍ أَمْ لَا كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّ الْمُودَعَ يَحْفَظُهَا لِلْمَالِكِ فَيَدُهُ كَيَدِهِ، وَلَوْ ضَمِنَ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ،. فَلَوْ أَوْدَعَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى فِيهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ قَالَ فِي الْكَافِي. وَلَوْ أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً وَأَذِنَ لَهُ فِي رُكُوبِهَا أَوْ ثَوْبًا وَأَذِنَ لَهُ فِي لُبْسِهِ فَهُوَ إيدَاعٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، فَلَوْ رَكِبَ أَوْ لَبِسَ صَارَتْ عَارِيَّةً فَاسِدَةً، فَإِذَا تَلِفَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي صَحِيحِ الْإِيدَاعِ، أَوْ بَعْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْعَارِيَّةِ. (وَقَدْ تَصِيرُ) الْوَدِيعَةُ (مَضْمُونَةً) عَلَى الْوَدِيعِ بِالتَّقْصِيرِ فِيهَا، وَلَهُ أَسْبَابٌ عَبَّرَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ (بِعَوَارِضَ: مِنْهَا أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ) وَلَوْ وَلَدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ عَبْدَهُ أَوْ قَاضِيًا (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُودِعِ (وَلَا عُذْرٍ) لَهُ (فَيَضْمَنُ) لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ وَلَا يَدِهِ. نَعَمْ اسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ مَا لَوْ طَالَتْ غَيْبَةُ الْمَالِكِ أَيْ وَتَضْجَرُ مِنْ الْحِفْظِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ فَأَوْدَعَهَا الْوَدِيعُ الْقَاضِيَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنَّفِ فَيَضْمَنُ أَيْ صَارَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُضَمِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي، فَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْحَالِ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْعَالِمِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَا مُودَعٌ. أَمَّا إذَا أَوْدَعَهَا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَفَرِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. نَعَمْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا. (وَقِيلَ إنْ أَوْدَعَ الْقَاضِيَ) الْأَمِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 129 لَمْ يَضْمَنْ، وَإِذَا لَمْ يُزِلْ يَدَهُ عَنْهَا جَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا إلَى الْحِرْزِ أَوْ يَضَعُهَا فِي خِزَانَةٍ مُشْتَرَكَةٍ. وَإِذَا أَرَادَ سَفَرًا فَلْيَرُدَّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنْ فَقَدَهُمَا فَالْقَاضِي فَإِنْ فَقَدَهُ فَأَمِينٌ. فَإِنْ دَفَنَهَا بِمَوْضِعٍ   [مغني المحتاج] (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ أَمَانَةَ الْقَاضِي أَظْهَرُ مِنْ أَمَانَتِهِ (وَإِذَا لَمْ يُزِلْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ (يَدَهُ) وَلَا نَظَرَهُ (عَنْهَا جَازَتْ الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا) مَعَهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا (إلَى الْحِرْزِ أَوْ يَضَعُهَا فِي خِزَانَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ بِخَطِّهِ مَوْضِعٌ يُخْزَنُ فِيهِ (مُشْتَرَكَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَيْرِ كَالْعَارِيَّةِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَعَانَ فِي سَقْيِ الْبَهِيمَةِ وَعَلْفِهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِمَخْزَنِهِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ وَاسْتَحْفَظَ عَلَيْهَا ثِقَةً يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ يُلَاحِظُهَا فِي عَوْدَاتِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِذَا قَطَعَ نَظَرَهُ عَنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْهَا فَكَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْمُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، فَالْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ أَمْوَالُهُمْ فِي خَزَائِنِهِمْ بِأَيْدِي خُزَّانٍ لَهُمْ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ بِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْكَنِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْهَا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ. أَمَّا إذَا اسْتَحْفَظَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ مَنْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ. (وَإِذَا أَرَادَ) الْوَدِيعُ (سَفَرًا) وَلَوْ قَصِيرًا وَقَدْ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ حَضَرًا (فَلْيَرُدَّ) هَا (إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) مُطْلَقًا أَوْ وَكِيلِهِ فِي اسْتِرْدَادِ هَذِهِ خَاصَّةً لِيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ، فَإِنْ دَفَعَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ فِي الْأَجْنَبِيِّ قَطْعًا، وَفِي الْقَاضِي عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ لَهُ دَفْعَهَا إلَى وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ طَرَأَ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَإِنْ فَقَدَهُمَا) أَيْ الْمَالِكُ وَوَكِيلُهُ لِغَيْبَةٍ أَيْ لِمَسَافَةِ قَصْرٍ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي عَدْلِ الرَّاهِنِ (فَالْقَاضِي) أَيْ يَرُدُّهَا إلَيْهِ أَيْ إذَا كَانَ أَمِينًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ، وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِينَ، وَكَذَا الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَإِنَّمَا يَحْمِلُهَا إلَى الْحَاكِمِ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْحَالَ وَيَأْذَنَ لَهُ، فَلَوْ حَمَلَهَا ابْتِدَاءً قَبْلَ أَنْ يُعَرِّفَهُ ضَمِنَ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِدَفْعِهَا إلَى أَمِينٍ كَفَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَسَلَّمَهَا بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ مَحْبُوسًا بِالْبَلَدِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَكَالْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَيُقَاسُ بِالْحَبْسِ التَّوَارِي وَنَحْوُهُ، وَبِالْمَالِكِ عِنْدَ فَقْدِهِ وَكِيلَهُ، وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ قَبُولُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَا الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ لِلْغَائِبِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بَقَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَحْفَظُ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا لَهُ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَرَّضُ لِلتَّلَفِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ تَعَرَّضَ لَهُ، وَلِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ حِفْظُهَا (فَإِنْ فَقَدَهُ) أَيْ الْقَاضِيَ، أَوْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ (فَأَمِينٌ) يَرُدُّهَا إلَيْهِ يَأْتَمِنُهُ الْمُودِعُ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَأْخِيرِ السَّفَرِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ، فَإِنَّ الْأَمِينَ قَدْ يُنْكِرُ، فَإِنْ تَرَكَ هَذَا التَّرْتِيبَ ضَمِنَ لِعُدُولِهِ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا رُتْبَةَ فِي الْأَشْخَاصِ بَعْدَ الْأَمِينِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَغْرَبَ فِي الْكَافِي فَقَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَسَلَّمَهَا إلَى فَاسِقٍ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ. (فَإِنْ دَفَنَهَا بِمَوْضِعٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 130 وَسَافَرَ ضَمِنَ فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا يَسْكُنُ الْمَوْضِعِ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ إلَّا إذَا وَقَعَ حَرِيقٌ أَوْ غَارَةٌ وَعَجَزَ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَالْحَرِيقُ وَالْغَارَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَإِشْرَافُ الْحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ أَعْذَارٌ كَالسَّفَرِ.   [مغني المحتاج] وَلَوْ حِرْزًا (وَسَافَرَ ضَمِنَ) هَا لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْأَخْذِ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا مَنْ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: (فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا) يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (يَسْكُنُ الْمَوْضِعِ) الَّذِي دُفِنَتْ فِيهِ، وَهُوَ حِرْزُ مِثْلِهَا (لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَا فِي الْمَوْضِعِ فِي يَدِ سَاكِنِهِ فَكَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا فَشَرْطُهُ فَقْدُ الْقَاضِي الْأَمِينِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ الدَّفْعُ إلَى الْقَاضِي، أَوْ إعْلَامُهُ بِهِ، أَوْ الدَّفْعُ إلَى الْأَمِينِ، أَوْ إعْلَامُهُ بِهِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا إعْلَامٌ لَا إيدَاعٌ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ أَعْلَمَ أَمِينًا لَا يَجُوزُ الْإِيدَاعُ عِنْدَهُ ضَمِنَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهَذَا الْإِعْلَامُ لَيْسَ بِإِشْهَادٍ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ ائْتِمَانٌ حَتَّى تَكْفِيَ فِيهِ امْرَأَةٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَعْلَمَ بِهَا يُشْعِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْأَمِينِ لَهَا وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَوْلُهُ: يَسْكُنُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ مُرَاقَبَةَ الْحَارِسِ لَهَا كَالسُّكْنَى. وَخَرَجَ بِقَوْلِي: وَهُوَ حِرْزٌ مِثْلُهَا مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا جَزْمًا، وَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ السَّفَرُ كَمَا قَالَ:. (وَلَوْ سَافَرَ بِهَا) مِنْ حَضَرٍ (ضَمِنَ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَتَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ كَتَقْصِيرِهِ بِالسَّفَرِ الَّذِي حِرْزُهُ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ، أَمَّا لَوْ أَوْدَعَهَا الْمَالِكُ مُسَافِرًا فَسَافَرَ بِهَا أَوْ مُنْتَجِعًا فَانْتَجَعَ بِهَا فَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ، وَلَهُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا ثَانِيًا لِرِضَا الْمَالِكِ بِهِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إحْرَازُهَا بِالْبَلَدِ فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الضَّمَانِ بِالسَّفَرِ قَوْلَهُ: (إلَّا إذَا) أَرَادَ سَفَرًا، وَ (وَقَعَ حَرِيقٌ) أَوْ نَهْبٌ (أَوْ غَارَةٌ وَعَجَزَ) عِنْدَ ذَلِكَ (عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا) أَيْ بِالتَّرْتِيبِ الَّذِي (سَبَقَ) فَلَا يَضْمَنُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ، بَلْ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ بِهَا فِي حَالَةِ الْخَوْفِ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ بِهَا كَانَ مُضَيِّعًا لَهَا. قَالَ الشَّيْخَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ احْتِمَالُ الْهَلَاكِ فِي الْحَضَرِ أَقْرَبَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَهُوَ حَسَنٌ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ: الْعُذْرُ الْمَذْكُورُ، وَالْعَجْزُ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْعَجْزُ كَافٍ، فَلَوْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَرِيقٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ مَصَالِحِهِ وَتَنْفِرَ النَّاسُ عَنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ أَقَامَ بِهَا، فَإِنْ هَجَمَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَطَرَحَهَا بِمَضْيَعَةٍ لِيَحْفَظَهَا فَضَاعَتْ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ دَفَنَهَا خَوْفًا مِنْهُمْ عِنْدَ إقْبَالِهِمْ، ثُمَّ أَضَلَّ مَوْضِعَهَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ فَتَصِيرَ مَضْمُونَةً عَلَى آخِذِهَا (وَالْحَرِيقُ وَالْغَارَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَإِشْرَافُ الْحِرْزِ عَلَى الْخَرَابِ) وَلَمْ يَجِدْ حِرْزًا هُنَاكَ يَنْقِلُهَا إلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَعْذَارِ (أَعْذَارٌ كَالسَّفَرِ) فِي جَوَازِ الْإِيدَاعِ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 131 وَإِذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا فَلْيَرُدَّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَإِلَّا فَالْحَاكِمِ أَوْ إلَى أَمِينٍ أَوْ يُوصِي بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ، إلَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: الْغَارَةُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْأَفْصَحُ الْإِغَارَةُ. وَمِنْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ تَرْكُ الْإِيصَاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَإِذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا فَلْيَرُدَّهَا إلَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ) الْمُطْلَقِ أَوْ فِي قَبْضِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ حَالَةٍ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا سَبَقَ كَالْمَرَضِ الْمَخُوفِ فِيمَا هَاهُنَا اهـ. وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا: وَفِي مَعْنَى الْمَرَضِ هُنَا الْحَبْسُ لِيُقْتَلَ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْحَبْسَ لِلْقَتْلِ لَيْسَ بِمَخُوفٍ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ هُنَاكَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَلْيُرَاجَعْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَدُّهَا إلَى أَحَدِهِمَا (فَالْحَاكِمِ) الْأَمِينِ يَرُدُّهَا إلَيْهِ إنْ وَجَدَهُ أَوْ يُوصِي بِهَا إلَيْهِ (أَوْ) يَرُدُّهَا إنْ لَمْ يَجِدْ الْحَاكِمَ إلَى (أَمِينٍ أَوْ يُوصِي بِهَا) إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَرَادَ سَفَرًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحَاكِمِ بَيْنَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَعِنْدَ الْعَجْزِ بَيْنَ الدَّفْعِ لِأَمِينٍ وَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَطْلَقَ اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي أَنَّهُ لَا يُودِعُهَا عِنْدَ أَمِينٍ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي، وَالْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ الْإِعْلَامُ بِهَا وَوَصْفُهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا أَوْ يُشِيرُ لِعَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَيَأْمُرَ بِالرَّدِّ إنْ مَاتَ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْإِشْهَادِ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى عِنْدِي وَدِيعَةٌ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُوصِ، فَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ، فَقَالَ: عِنْدِي ثَوْبٌ لِفُلَانٍ ضَمِنَ إنْ وُجِدَ فِي تَرِكَتِهِ أَثْوَابٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَيَانِ وَإِنْ وُجِدَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ ضَمِنَ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ الثَّوْبَ الْمَوْجُودَ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الثَّوْبُ الْمَوْجُودُ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي مَحِلِّهِ (ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ، فَإِنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ يَدَهُ وَيَدْعُهَا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى إلَى فَاسِقٍ أَوْ أَوْدَعَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الضَّمَانِ بِغَيْرِ إيصَاءٍ وَإِيدَاعٍ إذَا تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَالسَّفَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّمَانُ إلَّا بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِآفَةٍ فِي مَرَضِهِ أَوْ بَعْدَ صِحَّتِهِ ضَمِنَهَا كَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّقْصِيرَاتِ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْقَاضِي. أَمَّا الْقَاضِي إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْيَتِيمِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَلِعُمُومِ وِلَايَتِهِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. قَالَ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا فَرَّطَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إيصَائِهِ لَيْسَ تَفْرِيطًا وَإِنْ مَاتَ عَنْ مَرَضٍ، وَهُوَ الْوَجْهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَاضِي الْأَمِينِ، وَنُقِلَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ. أَمَّا غَيْرُهُ فَيَضْمَنُ قَطْعًا، وَالضَّمَانُ فِيمَا ذُكِرَ ضَمَانُ التَّعَدِّي بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ لَا ضَمَانُ الْعَقْدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ (إلَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (مَاتَ فَجْأَةً) أَوْ قُتِلَ غِيلَةً فَلَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا. وَلَوْ لَمْ يُوصِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 132 وَمِنْهَا إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ إلَى أُخْرَى دُونَهَا فِي الْحِرْزِ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلَفَاتِهَا. فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَهَا ضَمِنَ،   [مغني المحتاج] فَادَّعَى صَاحِبُهَا أَنَّهُ قَصَّرَ، وَقَالَ الْوَارِثُ: لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ إلَى تَقْصِيرٍ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا قَالَهُ الْإِمَامُ عِنْدَ جَزْمِ الْوَارِثِ بِالتَّلَفِ، فَأَمَّا عِنْدَ ذِكْرِهِ لَهُ احْتِمَالًا فَإِنَّهُ صَحَّحَ الضَّمَانَ اهـ. لَكِنَّ شَيْخُنَا جَعَلَ هَذَا مِنْ الْجَزْمِ وَصَوَّرَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ قَالَ: عَرَفْتُ الْإِيدَاعَ لَكِنْ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ، وَأَنَا أُجَوِّزُ أَنَّهَا تَلِفَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يُوصِ بِهَا لِذَلِكَ فَيَضْمَنُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ مُسْقِطًا، وَصَحَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي دَعْوَى التَّلَفِ وَالرَّدِّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَسَائِرِ الْأُمَنَاءُ كَالْمُودَعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الْعَامِلَ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوجَدْ مَالُ الْقِرَاضِ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ ضَمِنَ، وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّضْمِينِ مِنْ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ. (وَمِنْهَا) أَيْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ (إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ) إلَى مَحَلَّةٍ أُخْرَى (أَوْ) مِنْ (دَارٍ) إلَى دَارٍ أُخْرَى (دُونَهَا فِي الْحِرْزِ) وَلَوْ كَانَ حِرْزٌ مِثْلُهَا (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ، سَوَاءٌ أَنْهَاهُ عَنْ النَّقْلِ أَمْ عَيَّنَ لَهُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ أَمْ أَطْلَقَ، بَعِيدَتَيْنِ كَانَتَا أَمْ قَرِيبَتَيْنِ لَا سَفَرَ بَيْنَهُمَا وَلَا خَوْفَ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ نَقَلَهَا بِظَنِّ الْمِلْكِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَفَعَ بِهَا ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَتَلِفَتْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا نَقَلَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْغَصْبِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَسَاوَيَا فِي الْحِرْزِ أَوْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ (فَلَا) يَضْمَنُ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، وَخَرَجَ بِدَارٍ مَا لَوْ نَقَلَهَا مِنْ بَيْتٍ إلَى آخَرَ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خَانٍ وَاحِدٍ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْرَزَ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَنَقْلُهَا مِنْ كِيسٍ أَوْ صُنْدُوقٍ إلَى آخَرَ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُودَعِ فَحُكْمُهُ كَالْبَيْتِ فِي النَّقْلِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَالِكِ فَتَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالنَّقْلِ الْمُجَرَّدِ لَيْسَ بِمُضَمَّنٍ إلَّا إنْ فُضَّ الْخَتْمُ، أَوْ فُتِحَ الْقُفْلُ فَيَضْمَنُ فِي الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ مَسَائِلُ: مِنْهَا لَوْ نَقَلَهَا وَالطَّرِيقُ مَخُوفٌ، وَمِنْهَا مَا لَوْ نَهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ النَّقْلِ وَنَقَلَ بَلَا ضَرُورَةٍ، وَمِنْهَا لَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الدَّارِ الْمَنْقُولِ إلَيْهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالسَّرِقَةُ مِنْ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ كَالِانْهِدَامِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْحِرْزُ الْمَنْقُولُ مِنْهُ لِمَالِكِ الْوَدِيعَةِ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً، وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَحْرَزَ إذَا لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا. (وَمِنْهَا) أَيْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ (أَنْ لَا يَدْفَعَ مُتْلَفَاتِهَا) لِوُجُوبِ الدَّفْعِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ مِنْ حِفْظِهَا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي خِزَانَةِ الْوَدِيعِ حَرِيقٌ فَبَادَرَ لِنَقْلِ أَمْتِعَتِهِ فَاحْتَرَقَتْ الْوَدِيعَةُ لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا وَدَائِعُ فَبَادَرَ لِنَقْلِ بَعْضِهَا فَاحْتَرَقَ مَا تَأَخَّرَ نَقْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا آخِرَ الْبَابِ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ. (فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَهَا) بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوْ سَقْيَهَا مُدَّةً يَمُوتُ فِيهَا بِتَرْكِ ذَلِكَ (ضَمِنَ) هَا وَإِنْ لَمْ تَمُتْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 133 فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفًا عَلَفَهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَيُرَاجِعُهُ أَوْ وَكِيلُهُ، فَإِنْ فُقِدَا فَالْحَاكِمُ، وَلَوْ بَعَثَهَا مَعَ مَنْ يَسْقِيهَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِعَلْفِهَا وَسَقْيِهَا أَمْ سَكَتَ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَبِهِ يَحْصُلُ الْحِفْظُ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِقَبُولِهَا، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا، فَإِنْ مَاتَتْ دُونَ الْمُدَّةِ لَمْ يَضْمَنْهَا إلَّا إذَا كَانَ بِهَا جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ سَابِقٌ وَعَلِمَهُ فَيَضْمَنُهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَقِيلَ: يَضْمَنُ الْقِسْطَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِالْأَمْرَيْنِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا لَوْ جَوَّعَ إنْسَانًا وَبِهِ جُوعٌ سَابِقٌ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ (فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ فَمَاتَ بِسَبَبِ تَرْكِ ذَلِكَ (فَلَا) يَضْمَنُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِلْإِذْنِ فِي إتْلَافِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَ: اُقْتُلْ دَابَّتِي فَقَتَلَهَا. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ إذْ لَا حُكْمَ لِنَهْيِهِ عَمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ كَأَنْ أَوْدَعَ الْوَلِيُّ حَيَوَانَ مَحْجُورِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُشْبِهُ أَنَّ نَهْيَهُ كَالْعَدَمِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَيَّدَهُ بِعِلْمِ الْوَدِيعِ بِالْحَالِ أَيْ لِقَرَارِ الضَّمَانِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ فِي التَّضْمِينِ وَعَدَمِهِ كَمَا ذُكِرَ. أَمَّا التَّأْثِيمُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ لِيُجْبِرَ الْمَالِكَ عَلَى عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ فِي النَّفَقَةِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، هَذَا إذَا نَهَاهُ لَا لِعِلَّةٍ، فَإِنْ كَانَ كَقُولَنْجِ أَوْ تُخْمَةٍ لَزِمَهُ امْتِثَالُ نَهْيِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ قَبْلَ زَوَالِ الْعِلَّةِ ضَمِنَ كَذَا أَطْلَقَاهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الضَّمَانُ بِمَا إذَا عَلِمَ بِعِلَّتِهَا (وَإِنْ أَعْطَاهُ الْمَالِكُ عَلَفًا) بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ وَلَمْ يَنْهَهُ (عَلَفَهَا) فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ عَلْفُهَا (مِنْهُ، وَإِلَّا فَيُرَاجِعُهُ أَوْ وَكِيلُهُ) لِيَسْتَرِدَّهَا أَوْ يُعْطِيَ عَلَفَهَا أَوْ يَعْلِفَهَا (فَإِنْ فُقِدَا) بِالتَّثْنِيَةِ بِخَطِّهِ أَيْ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ (فَالْحَاكِمُ) يُرَاجِعُهُ لِيَقْتَرِضَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يُؤَجِّرَهَا، وَيَصْرِفَ الْأُجْرَةَ فِي مُؤْنَتِهَا أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ جَمِيعَهَا إنْ رَآهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقَدْرُ الَّذِي يَعْلِفُهَا عَلَى الْمَالِكِ هُوَ الَّذِي يَصُونُهَا عَنْ التَّلَفِ وَالتَّعْيِيبِ لَا مَا يَحْصُلُ بِهِ السِّمَنُ، فَإِنْ فَقَدَ الْحَاكِمَ تَعَاطَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ لِيَرْجِعَ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ لَمْ يَرْجِعْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ هَرَبُ الْجَمَّالِ. نَعَمْ لَوْ كَانَتْ رَاعِيَةً. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَسْرِيحِهَا مَعَ ثِقَةٍ، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَرْجِعْ أَيْ إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ مَنْ يُسَرِّحُهَا مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ (وَلَوْ بَعَثَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ (مَعَ مَنْ) أَيْ أَمِينٍ (يَسْقِيهَا) أَوْ يَعْلِفُهَا حَيْثُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا لِذَلِكَ (لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ) لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي: يَضْمَنُ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ حِرْزِهَا عَلَى يَدِ مَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ الْمَالِكُ تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمَبْعُوثُ مَعَهُ أَمِينًا كَمَا مَرَّ وَلَا خَوْفَ، وَالْوَدِيعُ لَا يُخْرِجُ دَوَابَّهُ لِلسَّقْيِ أَوْ كَوْنُهُ لَا يَسْقِي وَعَادَتُهُ سَقْيُ دَوَابِّهِ فَمَعَ غَيْرِ الْأَمِينِ وَالْخَوْفِ يَضْمَنُ قَطْعًا، وَمَعَ إخْرَاجِ دَوَابِّهِ لِلسَّقْيِ أَوْ كَوْنِهِ لَا يَسْقِي دَوَابَّهُ بِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ قَطْعًا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ دَابَّةٌ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 134 وَعَلَى الْمُودَعِ تَعْرِيضُ ثِيَابِ الصُّوفِ لِلرِّيحِ كَيْ لَا يُفْسِدَهَا الدُّودُ، وَكَذَا لِبْسُهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا. وَمِنْهَا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الْحِفْظِ الْمَأْمُورِ وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْعُدُولِ فَيَضْمَنُ، فَلَوْ قَالَ لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] أَوْدَعَهُ نَخْلًا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِسَقْيِهِ فَتَرَكَهُ لَا يَضْمَنُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَلَا تَرْجِيحٍ صَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَفَرَّقَ بِحُرْمَةِ الرُّوحِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَفِيمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ سَقْيِهِ. وَإِنْ أَوْدَعَهُ حِنْطَةً أَوْ أُرْزًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِيهِ السُّوسُ لَزِمَهُ الدَّفْعُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بَاعَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ كَمَا قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ. وَلَوْ تَرَكَ شَخْصٌ عِنْدَ صَاحِبِ الْخَانِ مَثَلًا حِمَارًا وَقَالَ لَهُ: احْفَظْهُ كَيْ لَا يَخْرُجَ فَلَاحَظَهُ فَخَرَجَ فِي بَعْضِ غَفَلَاتِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الْحِفْظِ الْمُعْتَادِ. (وَعَلَى الْمُودَعِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (تَعْرِيضُ ثِيَابِ الصُّوفِ) وَنَحْوِهِ، كَشَعْرٍ وَوَبَرٍ وَخَزٍّ مُرَكَّبٍ مِنْ حَرِيرٍ وَصُوفٍ وَلِبْدٍ، وَكَذَا بُسُطٌ وَأَكْسِيَةٌ وَإِنْ لَمْ تُسَمَّ ثِيَابًا عُرْفًا (لِلرِّيحِ كَيْ لَا يُفْسِدَهَا الدُّودُ، وَكَذَا) عَلَيْهِ أَيْضًا (لُبْسُهَا) بِنَفْسِهِ إنْ لَاقَ بِهِ (عِنْدَ حَاجَتِهَا) لِتَعْبَقَ بِهَا رَائِحَةُ الْآدَمِيِّ فَتَدْفَعَ الدُّودَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفَسَدَتْ ضَمِنَ، سَوَاءٌ أَمَرَهُ الْمَالِكُ أَمْ سَكَتَ، فَإِنْ نَهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْوَدِيعُ كَأَنْ كَانَتْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ فَلَا ضَمَانَ، أَمَّا مَا لَا يَلِيقُ بِهِ لِبْسُهُ لِضِيقِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ مَنْ يَلِيقُ بِهِ لُبْسُهُ بِهَذَا الْقَصْدِ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَيُلَاحِظُهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ لِبْسُهُ كَأَنْ كَانَ خَزًّا مُرَكَّبًا مِنْ صُوفٍ وَحَرِيرٍ وَالْأَكْثَرُ حَرِيرٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَلْبَسُهُ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ لِبْسُهُ أَوْ وَجَدَ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِأُجْرَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ لِبْسُهُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ، وَلَوْ كَانَتْ ثِيَابُ الصُّوفِ كَثِيرَةً يَحْتَاجُ لِبْسُهَا إلَى طُوَلِ زَمَنٍ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَجْعَلَ لَهُ أُجْرَةً فِي مُقَابَلَةِ لُبْسِهَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْذُلَ مَنْفَعَتَهُ مَجَّانًا كَالْحِرْزِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَنَشْرِ الصُّوفِ تَمْشِيَةُ الدَّابَّةِ وَتَسْيِيرُهَا الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا مِنْ الزَّمَانَةِ لِطُوَلِ وُقُوفِهَا، وَجَعَلَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا مَثَلًا، وَجَعَلَ الضَّابِطَ خَوْفَ الْفَسَادِ. (وَمِنْهَا) أَيْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ (أَنْ يَعْدِلَ) فِي الْوَدِيعَةِ (عَنْ الْحِفْظِ الْمَأْمُورِ) بِهِ فِيهَا (وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْعُدُولِ) عَنْهُ إلَى الْوَجْهِ الْمَعْدُولِ إلَيْهِ (فَيَضْمَنُ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ (فَلَوْ) عَدَلَ كَأَنْ (قَالَ) لَهُ (لَا تَرْقُدْ) أَيْ لَا تَنَمْ (عَلَى الصُّنْدُوقِ) الَّذِي فِيهِ الْوَدِيعَةُ (فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ) بِانْكِسَارِهِ (ضَمِنَ) لِمُخَالَفَتِهِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى التَّلَفِ (وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِسَبَبٍ غَيْرِ الِانْكِسَارِ كَسَرِقَةٍ (فَلَا) يَضْمَنُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا، وَلَمْ يَأْتِ التَّلَفُ مِمَّا جَاءَ بِهِ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ رُقُودَهُ عَلَيْهِ يُوهِمُ السَّارِقَ نَفَاسَةَ مَا فِيهِ فَيَقْصِدُهُ تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ وَأَخَذَهُ السَّارِقُ. أَمَّا لَوْ سُرِقَ مَا فِيهِ مِنْ الصَّحْرَاءِ مِنْ جَانِبٍ كَأَنْ يَرْقُدَ فِيهِ إنْ لَمْ يَرْقُدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَقَدَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخْلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 135 وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا تُقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ فَأَقْفَلَهُمَا. وَلَوْ قَالَ ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ فِي كُمِّك فَأَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ فَتَلِفَتْ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا إنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ ضَمِنَ؛ أَوْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ فَلَا؛ وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ بَدَلًا عَنْ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ لَمْ يَضْمَنْ، وَبِالْعَكْسِ يَضْمَنُ.   [مغني المحتاج] جَانِبَ الصُّنْدُوقَ، وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ السَّارِقُ مِنْ الْأَخْذِ إذَا كَانَ بِجَانِبِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْجَانِبِ الْمَذْكُورِ (وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (لَوْ قَالَ) لَهُ (لَا تُقْفِلْ) بِمُثَنَّاةٍ مَضْمُومَةٍ وَفَاءٍ مَكْسُورَةٍ (عَلَيْهِ) أَيْ الصُّنْدُوقِ أَصْلًا فَاقْفِلْ عَلَيْهِ، أَوْ أَقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلًا فَقَطْ فَأَقْفَلَ عَلَيْهِ (قُفْلَيْنِ) أَوْ لَا تُقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ أَوْ لَا تُغْلِقْ بَابَ الْبَيْتِ (فَأَقْفَلَهُمَا) أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ لَمْ يَضْمَنْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ زَادَ احْتِيَاطًا، وَالثَّانِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَغْرَى السَّارِقَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي بَلَدٍ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا. (وَلَوْ قَالَ لَهُ: ارْبِطْ الدَّرَاهِمَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ فِي الْمَشْهُورِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا (فِي كُمِّك) أَيْ شُدَّهَا فِيهِ، وَجَمْعُهُ أَكْمَامٌ (فَأَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ فَتَلِفَتْ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا إنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ) أَيْ أَوْ نِسْيَانٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (ضَمِنَ) لِحُصُولِ التَّلَفِ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً لَمْ تَضِعْ بِهَذَا السَّبَبِ (أَوْ) تَلِفَتْ (بِأَخْذِ غَاصِبٍ) لَهَا مِنْ يَدِهِ (فَلَا) يَضْمَنُ لِأَنَّ الْيَدَ أَمْنَعُ لِلْغَصْبِ حِينَئِذٍ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إطْلَاقُ قَوْلَيْنِ، وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ: إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِمْسَاكِ ضَمِنَ، وَإِنْ أَمْسَكَ بَعْدَ الرَّبْطِ لَمْ يَضْمَنْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا امْتَثَلَ أَمْرَهُ وَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ لَمْ يُكَلَّفْ مَعَهُ إمْسَاكُهَا بِالْيَدِ، بَلْ إنْ كَانَ الرَّبْطُ مِنْ خَارِجِ الْكُمِّ فَأَخَذَهَا الْقَاطِعُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَهَا وَتَنْبِيهُ الْقَاطِعِ وَإِغْرَاءَهُ عَلَيْهَا لِسُهُولَةِ قَطْعِهِ أَوْ حَلِّهِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، لَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ بِانْحِلَالِ الْعَقْدِ وَضَاعَتْ وَقَدْ احْتَاطَ فِي الرَّبْطِ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ بَقِيَتْ الْوَدِيعَةُ فِي الْكُمِّ، أَوْ كَانَ الرَّبْطُ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالْعَكْسِ فَيَضْمَنُهَا إنْ اسْتَرْسَلَتْ لِتَنَاثُرِهَا بِالِانْحِلَالِ لَا إنْ أَخَذَهَا الْقَاطِعُ لِعَدَمِ تَنَبُّهِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَأْمُورُ بِهِ مُطْلَقُ الرَّبْطِ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى جِهَةِ التَّلَفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَدَلَ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ فَحَصَلَ بِهِ التَّلَفُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّبْطَ لَيْسَ كَافِيًا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فُرِضَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَضَمُّنِهِ الْحِفْظَ، وَلِهَذَا لَوْ رَبَطَ رَبْطًا غَيْرَ مُحْكَمٍ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الرَّبْطِ يَشْمَلُ الْمُحْكَمَ وَغَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ: احْفَظْ الْوَدِيعَةَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَوَضَعَهَا فِي زَاوِيَةٍ مِنْهُ فَانْهَدَمَتْ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ، وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَتْ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى لَسَلِمَتْ. أُجِيبَ بِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْتِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلٍّ مِنْ زَوَايَاهُ، وَالْعُرْفُ لَا يُخَصِّصُ مَوْضِعًا مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ فَرَبَطَ فِي التَّحْتَانِيِّ مِنْهُمَا لَمْ يَضْمَنْ، سَوَاءٌ أَرَبَطَهَا دَاخِلَ الْكُمِّ أَمْ خَارِجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ) الَّذِي فِي جَنْبِ قَمِيصِهِ أَوْ لِبَتِّهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (بَدَلًا عَنْ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ لَمْ يَضْمَنْ) عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ إلَّا إذَا كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ فَيَضْمَنُ لِسُهُولَةِ تَنَاوُلِهَا بِالْيَدِ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَضْمَنُ لِمُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ (وَبِالْعَكْسِ) أَيْ أَمَرَهُ بِوَضْعِهَا فِي الْجَيْبِ فَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ (يَضْمَنُ) قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرْسِلُ الْكُمَّ فَتَسْقُطُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 136 وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْحِفْظِ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ أَخَذَهَا غَاصِبٌ وَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ وَإِنْ قَالَ احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَلْيَمْضِ إلَيْهِ وَيُحْرِزُهَا فِيهِ، فَإِنْ أَخَّرَ بَلَا عُذْرٍ ضَمِنَ.   [مغني المحتاج] (وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْحِفْظِ) فِيهَا (فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ) أَوْ نَحْوِهِ كَعَلَى تِكَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، أَوْ عَلَى طَرَفِ ثَوْبِهِ (وَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ، أَوْ) لَمْ يَرْبِطْهَا بِهَا (جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ) الضَّيِّقِ أَوْ الْوَاسِعِ الْمَزْرُورِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ احْتَاطَ فِي الْحِفْظِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْجَيْبُ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ لِسُهُولَةِ أَخْذِهَا مِنْهُ بِالْيَدِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَذَا لَوْ كَانَ الْجَيْبُ مَثْقُوبًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَسَقَطَتْ أَوْ حَصَلَتْ بَيْنَ ثَوْبَيْهِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا فَسَقَطَتْ ضَمِنَهَا، وَفِي الْكَافِي فِي بَابِ الْغَصْبِ: إذَا كَانَ الثُّقْبُ مَوْجُودًا عِنْدَ جَعْلِهَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ فَلَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الرَّبْطِ مِنْ غَيْرِ إمْسَاكٍ أَنَّهُ يَضْمَنُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ النَّظَرُ لِكَيْفِيَّةِ الرَّبْطِ وَجِهَةِ التَّلَفِ، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي كُمِّهِ وَلَمْ يَرْبِطْهَا فَسَقَطَتْ، فَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَشْعُرُ بِهَا ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ فِي الْإِحْرَازِ وَإِنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً يَشْعُرُ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ، فَلَوْ نَفَضَ كُمَّهُ فَسَقَطَتْ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَوْ وَضَعَهَا فِي كَوْرِ عِمَامَتِهِ وَلَمْ يَشُدَّهَا ضَمِنَ، وَخَرَجَ بِالسُّوقِ مَا لَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ فِي الْبَيْتِ وَقَالَ: احْفَظْهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحِفْظُ فِيهِ فَوْرًا، فَإِنْ أَخَّرَ بَلَا مَانِعٍ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فِيهِ وَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ أَوْ شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ لَا مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ وَخَرَجَ بِهَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَمْكَنَ إحْرَازُهَا فِي الْبَيْتِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزَ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ مِمَّا يَلِي أَضْلَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنْ الْبَيْتِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا حَصَلَ التَّلَفُ فِي زَمَنِ الْخُرُوجِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُخَالَفَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي تَقْيِيدِهِمْ الصُّورَةَ بِمَا إذَا قَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مَرْبُوطَةً، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَإِنْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ أَخَذَهَا غَاصِبٌ وَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ بِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ) لِتَقْصِيرِهِ. (وَإِنْ) دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ، وَ (قَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَلْيَمْضِ إلَيْهِ) فَوْرًا (وَيُحْرِزُهَا فِيهِ) عَقِبَ وُصُولِهِ (فَإِنْ أَخَّرَ بَلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) لِتَفْرِيطِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْوَدِيعَةِ وَطُوَلِ التَّأْخِيرِ وَضِدِّهِمَا. وَقَالَ الْفَارِقِيُّ: إنْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ الْقُعُودُ بِالسُّوقِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ لِاشْتِغَالِهِ بِتِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا فَأَخَّرَهَا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَضْمَنْ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِالْقُعُودِ، وَلَا لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فِي الْمُضِيِّ إلَى الْبَيْتِ فَأَخَّرَهَا ضَمِنَ، هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. فَأَمَّا إذَا قَالَ أَحْرِزْهَا الْآنَ فِي الْبَيْتِ فَقَبِلَ وَأَخَّرَهَا ضَمِنَ مُطْلَقًا اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا مُتَّجَهٌ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الشَّامِلِ وَحِلْيَةِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّصِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ يَرُدُّهُ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 137 وَمِنْهَا أَنْ يُضَيِّعَهَا بِأَنْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزٍ مِثْلِهَا، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ. فَلَوْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ فِي الْأَصَحِّ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ.   [مغني المحتاج] قَالَ لَهُ وَهُوَ فِي حَانُوتِهِ: احْمِلْهَا إلَى بَيْتِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ فِي الْحَالِ وَيَحْمِلَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ تَرَكَهَا فِي حَانُوتِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا إلَى الْبَيْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا نَظَرَ إلَى عَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْزَمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ شَنِيعَةٌ: ضَادُ الضَّمَانِ، وَطَاءُ الطَّلَاقِ، وَوَاوُ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ قَالَ: احْفَظْ هَذَا فِي يَمِينِكَ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ ضَمِنَ، وَبِالْعَكْسِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَحْرَزُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ أَكْثَرَ غَالِبًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنْ لَوْ هَلَكَ لِلْمُخَالَفَةِ ضَمِنَ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَعْسَرَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ كَانَا سَوَاءٌ. (وَمِنْهَا) أَيْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ (أَنْ يُضَيِّعَهَا بِأَنْ يَضَعَهَا) بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا (فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا) وَلَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ إخْفَاءَهَا؛ لِأَنَّ الْوَدَائِعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا (أَوْ يَدُلُّ) بِضَمِّ الدَّالِ (عَلَيْهَا سَارِقًا) بِأَنْ يُعَيِّنَ لَهُ مَكَانَهَا وَتَضِيعُ بِالسَّرِقَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَوْ) يَدُلُّ عَلَيْهَا (مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ) فِيهَا بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْلَمَهُ بِهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حِفْظَهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا وَلَوْ أَعْلَمَهُ بِهَا هُوَ وَغَيْرُهُ لَا شَيْءَ عَلَى غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ هُوَ الضَّمَانُ لِمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ أَعْلَمَ الْمُصَادِرَ بِهَا مُكْرَهًا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ إذَا دَلَّ عَلَى صَيْدٍ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنْهُ بِأَنَّ الْوَدِيعَ الْتَزَمَ الْحِفْظَ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ، وَحَمَلَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى قَرَارِ الضَّمَانِ لَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا حَصْرُ التَّضْيِيعِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مِنْهُ الضَّيَاعُ بِالنِّسْيَانِ، وَمِنْهُ دَفْنُهَا فِي حِرْزٍ ثُمَّ يَنْسَاهُ. وَمِنْهُ مَا لَوْ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَ الْوَدِيعَةَ، وَلَوْ عَيَّنَ الْمَالِكُ لِلْوَدِيعَةِ ظَرْفًا مِنْ ظُرُوفِهِ فَنَقَلَهَا الْوَدِيعُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْهَا وَهُوَ مُسَاوٍ لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ وَالْمَظْرُوفَ وَدِيعَتَانِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حِفْظُ أَحَدِهِمَا فِي حِرْزٍ وَالْآخَرِ فِي آخَرَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي دُونَ الْمُعَيَّنِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَتْ الظُّرُوفُ لِلْوَدِيعِ فَكَالْبُيُوتِ فِيمَا مَرَّ فِيهَا، وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ دُخُولِ أَحَدٍ عَلَيْهَا، أَوْ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ عَلَى حِفْظِهَا بِحَارِثٍ، أَوْ عَنْ الْإِخْبَارِ بِهَا فَخَالَفَهُ فِيهِ ضَمِنَ إنْ كَانَ أَخَذَهَا الدَّاخِلُ عَلَيْهَا أَوْ الْحَارِسُ لَهَا أَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعَهَا، وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ أَوْ تَلِفَتْ لَا بِسَبَبِ الْإِخْبَارِ فَلَا ضَمَانَ، فَقَوْلُ الْعَبَّادِيِّ: وَلَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ هَلْ عِنْدَك لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ وَأَخْبَرَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ كِتْمَانَهَا مِنْ حِفْظِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ. (فَلَوْ أَكْرَهَهُ) أَيْ الْوَدِيعَ (ظَالِمٌ) عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ (حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ) أَيْ الْوَدِيعِ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَسْلِيمِهِ وَالضَّمَانُ يَسْتَوِي فِيهِ الِاخْتِيَارُ وَالِاضْطِرَارُ (ثُمَّ يَرْجِعُ) الْوَدِيعُ (عَلَى الظَّالِمِ) لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 138 وَمِنْهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِأَنْ يَلْبَسَ أَوْ يَرْكَبَ خِيَانَةً، أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ أَوْ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا فَيَضْمَنُ.   [مغني المحتاج] لَيْسَ لَهُ تَضْمِينُهُ لِلْإِكْرَاهِ وَيُطَالَبُ الظَّالِمُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ مُطَالَبَةُ الظَّالِمِ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: سَلَّمَهَا إلَيْهِ مَا لَوْ أَخَذَهَا الظَّالِمُ بِنَفْسِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ فَقَطْ جَزْمًا. فَإِنْ قِيلَ: رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا لَوْ أُكْرِهَ الصَّائِمُ حَتَّى أَكَلَ عَدَمَ الْفِطْرِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ عَلَى تَرْجِيحِ التَّضْمِينِ هُنَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هُنَا اسْتِيلَاءً عَلَى مَالِكِ الْغَيْرِ فَضَمَّنَّاهُ، وَفِي الصَّوْمِ فَعَلَهُ كَلَا فِعْلٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَيَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ إنْكَارُ الْوَدِيعَةِ عَنْ الظَّالِمِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إعْلَامِهِ بِهَا جَهْدَهُ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ضَمِنَ. وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ رَقِيقًا وَالظَّالِمُ يُرِيدُ قَتْلَهُ، أَوْ الْفُجُورَ بِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يُوَرِّيَ فِي يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ وَأَمْكَنَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَكَأَنْ يُعَرِّفَهَا لِئَلَّا يَحْلِفَ كَاذِبًا، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيهَا، فَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ مُكْرَهًا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى اعْتِرَافِهِ فَحَلَفَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ رَقِيقِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا وَسَلَّمَهَا ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ فَدَى زَوْجَتَهُ أَوْ رَقِيقَهُ بِهَا، وَلَوْ أَعْلَمَ اللُّصُوصَ بِمَكَانِهَا فَضَاعَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْحِفْظِ لَا إنْ أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَكَانِهَا فَلَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ. (وَمِنْهَا) أَيْ عَوَارِضِ الضَّمَانِ (أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِأَنْ يَلْبَسَ) الثَّوْبَ مَثَلًا (أَوْ يَرْكَبَ) الدَّابَّةَ (خِيَانَةً) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ لَا لِعُذْرٍ فَيَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَمِنْهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْكِتَابِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: خِيَانَةً رُكُوبُ الْجُمُوحِ لِلسَّقْيِ، أَوْ خَوْفُ الزَّمَانَةِ عَلَيْهَا، وَلِبْسُ الصُّوفِ وَنَحْوُهُ لِدَفْعِ الدُّودِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ خَاتَمَهُ وَأَمَرَهُ بِلُبْسِهِ فِي خِنْصَرِهِ فَجَعَلَهُ فِي بِنْصِرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ لِكَوْنِهِ أَغْلَظَ إلَّا إنْ جَعَلَهُ فِي أَعْلَاهُ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، أَوْ انْكَسَرَ لِغِلَظِ الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ أَسْفَلَ الْخِنْصَرِ أَحْفَظُ مِنْ أَعْلَى الْبِنْصِرِ وَوَسَطِهِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِلْمُخَالَفَةِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي إلَى أَصْلِ الْبِنْصِرِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ أَحْرَزُ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ، وَلَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِشَيْءٍ فَوَضَعَهُ فِي الْخِنْصَرِ لَا غَيْرِهَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بَلَا ضَرُورَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِلُبْسِهِ فِيهَا الْحِفْظَ لَمْ يَضْمَنْ، وَغَيْرُ الْخِنْصَرِ لِلْمَرْأَةِ فِي حِفْظِهَا لِلْخَاتَمِ كَالْخِنْصَرِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَخَتَّمُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْخُنْثَى يَحْتَمِلُ إلْحَاقُهُ بِالرَّجُلِ إذَا لَبِسَ الْخَاتَمَ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَيَحْتَمِلُ مُرَاعَاةُ الْأَغْلَظِ هُنَا وَهُوَ الْتِحَاقُهُ بِالْمَرْأَةِ كَمَا غَلَّظْنَا فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فَأَلْحَقْنَاهُ بِالرَّجُلِ اهـ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمُتَّجَهُ تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خِيَانَةً مَا لَوْ اسْتَعْمَلَ الْوَدِيعَةَ ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَضْمَنُ مَعَ أَنَّهُ لَا خِيَانَةَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْغَصْبِ عَنْ جَزْمِ الْإِمَامِ (أَوْ يَأْخُذُ الثَّوْبَ) مِنْ مَحِلِّهِ (لِيَلْبَسَهُ أَوْ الدَّرَاهِمَ) مِنْ مَحِلِّهَا (لِيُنْفِقَهَا) غَيْرَ ظَانٍّ أَنَّهَا مِلْكُهُ (فَيَضْمَنُ) بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ وَلَمْ يُنْفِقْ لِاقْتِرَانِ الْفِعْلِ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي، فَإِنْ تَلِفَ الْمَأْخُوذُ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ، فَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 139 وَلَوْ نَوَى الْأَخْذَ وَلَمْ يَأْخُذ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَمِنَ،   [مغني المحتاج] مَضَتْ فِي يَدِهِ مُدَّةً بَعْدَ التَّعَدِّي وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَضْمَنُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمَغْصُوبِ حَتَّى يَتَنَاوَل ضَمَانَ الْعَيْنِ فِي صُورَةِ التَّلَفِ وَالْأُجْرَةُ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكْتَةٍ كَلَامَ التَّنْبِيهِ، أَمَّا إذَا أَخَذَهَا ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا إلَّا إنْ انْتَفَعَ بِهَا كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: الدَّرَاهِمَ عَمَّا لَوْ أَخَذَ بَعْضَهَا كَأَنْ أَخَذَ مِنْهَا دِرْهَمًا لِيَنْتَفِعَ بِهِ، فَإِنْ رَدَّ بَدَلَهُ إلَيْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَالِكُ إلَّا بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ ضَمَانِهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْهَا ضَمِنَ الْجَمِيعَ لِخَلْطِ الْوَدِيعَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْهَا فَالْبَاقِي غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْ بَعْضِهَا لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ بِصِفَةٍ كَسَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَسِكَّةٍ ضَمِنَ مَا لَا يَتَمَيَّزُ خَاصَّةً، وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ إلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ غَيْرَهُ مِنْ بَقِيَّةِ الدَّرَاهِمِ، وَإِنْ تَلِفَتْ كُلُّهَا، أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ هُوَ عَنْهَا لِاخْتِلَاطِهِ بِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْطَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْأَخْذِ، وَإِنْ تَلِفَ نِصْفُهَا ضَمِنَ نِصْفَ الدَّرَاهِمِ فَقَطْ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَفْتَحْ قُفْلًا عَنْ صُنْدُوقٍ، أَوْ خَتْمًا عَنْ كِيسٍ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، فَإِنْ فَتَحَهُ، أَوْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ مَثَلًا مَدْفُونَةً فَنَبَشَهَا ضَمِنَ الْجَمِيعَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ، وَفِي ضَمَانِ الصُّنْدُوقِ وَالْكِيسِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ فَتَحَ الرُّبُطَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْكِيسِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ مَنْعُ الِانْتِشَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكْتُومًا عَنْهُ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ خَرَقَ الْكِيسَ مِنْ فَوْقَ الْخَتْمِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا نُقْصَانَ الْخَرْقِ. نَعَمْ إنْ خَرَقَهُ مُتَعَمِّدًا ضَمِنَ جَمِيعَ الْكِيسِ، وَلَوْ عَدَّ الدَّرَاهِمَ الْمَوْدُوعَةَ، أَوْ وَزَنَهَا، أَوْ ذَرَعَ الثَّوْبَ كَذَلِكَ لِيَعْرِفَ قَدْرَ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِذَلِكَ فِي اللُّقَطَةِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَهَذِهِ أَوْلَى. (وَلَوْ نَوَى الْأَخْذَ) لِلْوَدِيعَةِ خِيَانَةً، أَوْ نَوَى تَعْيِيبَهَا (وَلَمْ يَأْخُذْ) وَلَمْ يُعَيِّبْ (لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا. وَالثَّانِي: يَضْمَنْ كَمَا لَوْ نَوَاهُ ابْتِدَاءً. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الِابْتِدَاءِ اقْتَرَنَتْ بِالْفِعْلِ فَأَثَّرَتْ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي التَّضْمِينِ أَمَّا التَّأْثِيمُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِنِيَّةِ الْأَخْذِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا يَضْمَنُ مِنْ وَقْتِ نِيَّةِ الْأَخْذِ حَتَّى لَوْ نَوَى يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَخَذَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَضْمَنُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ تَجْرِيدُ الْقَصْدِ لِأَخْذِهَا. فَأَمَّا مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَدَاعِيَةُ الدِّينِ تَمْنَعُهُ فَلَا حُكْمَ لَهُ، وَإِنْ تَرَدَّدَ الرَّأْيُ وَلَمْ يَجْزِمْ قَصْدًا، فَالظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ حَتَّى يُجَرِّدَ قَصْدَ الْعُدْوَانِ. (وَلَوْ خَلَطَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (بِمَالِهِ) وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (وَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ، فَإِنْ تَمَيَّزَتْ بِسِكَّةٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ حَدَاثَةٍ، أَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَنَانِيرَ لَمْ يَضْمَنْ. نَعَمْ إنْ حَدَثَ بِالْخَلْطِ نَقْصٌ ضَمِنَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ الضَّابِطُ التَّمْيِيزَ بَلْ سُهُولَتَهُ حَتَّى لَوْ خَلَطَ حِنْطَةً بِشَعِيرٍ مَثَلًا كَانَ مُضَمَّنًا فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَسُرَ التَّمْيِيزُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 140 وَلَوْ خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ لِلْمُودِعِ ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَمْ يَبْرَأْ، فَإِنْ أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَانًا بَرِئَ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى طَلَبَهَا الْمَالِكُ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ ضَمِنَ أَيْ الْوَدِيعَةَ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَبِأَقْصَى الْقِيَمِ إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً كَالْمَغْصُوبِ، وَيَمْلِكُ الْوَدِيعَةَ كَمَا صَرَّحَا بِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ فِيمَا إذَا خَلَطَ الْحِنْطَةَ وَالزَّيْتَ وَنَحْوَهُمَا بِمِثْلِهِمَا لَهُ، إذْ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُهَا لَكَ حَتَّى يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَيَتَرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ الْغُرْمُ (وَلَوْ خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ) مَثَلًا غَيْرِ مَخْتُومَيْنِ (لِلْمُودِعِ) وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِسُهُولَةٍ (ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَدِّيهِ، وَالثَّانِي: لِأَنَّ كُلًّا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ. أَمَّا إذَا كَانَا مَخْتُومَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْفَضِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلِطْ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ لِمُودِعَيْنِ فَأَوْلَى بِالضَّمَانِ. وَلَوْ قَطَعَ الْوَدِيعُ يَدَ الدَّابَّةِ الْمُودَعَةِ، أَوْ أَحْرَقَ بَعْضَ الثَّوْبِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ خَطَأً ضَمِنَ الْمُتْلَفَ فَقَطْ دُونَ الْبَاقِي لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِيهِ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَمْدًا ضَمِنَهُمَا جَمِيعًا لِتَعَدِّيهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ تَسْوِيَتَهُمْ الْخَطَأَ بِالْعَمْدِ فِي الضَّمَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحِلَّ التَّسْوِيَةِ فِي ضَمَانِ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُتْلَفِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا فِي ضَمَانِ التَّعَدِّي كَمَا فِي الْبَاقِي فِيهَا إذْ لَا تَعَدِّيَ فِيهِ. (وَمَتَى صَارَتْ) أَيْ الْوَدِيعَةُ (مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ) مِمَّا مَرَّ (ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ لَمْ يَبْرَأْ) مِنْ الضَّمَانِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ التَّعَدِّي حِفْظُهَا كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، بَلْ عَلَيْهِ رَدُّهَا، بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ بَعْدَ تَعَدِّيهمَا (فَإِنْ أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَانًا) كَقَوْلِهِ: اسْتَأْمَنْتُكَ عَلَيْهَا، أَوْ أَبْرَأْتُكَ مِنْ ضَمَانِهَا، أَوْ أَمَرَهُ بِرَدِّهَا إلَى الْحِرْزِ (بَرِئَ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ. وَالثَّانِي: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَيْهِ أَوْ إلَى وَكِيلِهِ لِخَبَرِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: أَحْدَثَ عَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْدَعْتُكَ، فَإِنْ خُنْتَ ثُمَّ تَرَكْتَ الْخِيَانَةَ عُدْتَ أَمِينًا فَخَانَ ثُمَّ تَرَكَ الْخِيَانَةَ فَلَا يَعُودُ أَمِينًا قَطْعًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ وَتَعْلِيقٌ لِلْوَدِيعَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِئْمَانَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَالِكِ خَاصَّةً لَا لِلْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ وَنَحْوِهِمَا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلُوهُ لَمْ يُعَدَّ أَمِينًا قَطْعًا. وَلَوْ أَتْلَفَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَانًا فِي الْبَدَلِ لَمْ يَبْرَأْ بَلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْبَدَلَ إلَى الْمَالِكِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ رَدُّهَا عِنْدَ بَقَائِهَا عَلَى مَالِكِهَا إذَا طَلَبَهَا فَقَالَ: (وَمَتَى طَلَبَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (الْمَالِكُ) أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْقَبْضِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْوَدِيعَ (الرَّدُّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] [النِّسَاءَ] . أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْقَبْضِ كَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَيْهِ، بَلْ يَحْرُمُ، فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ ضَمِنَ، وَلَوْ رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فِي حَالِ سُكْرِهِ. قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ مُخَاطَبٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ حَمْلَهَا إلَى مَالِكِهَا بَلْ يَحْصُلُ (بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) فَقَطْ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمَالِكَ الْإِشْهَادَ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدَّفْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 141 فَإِنْ أَخَّرَ بَلَا عُذْرٍ ضَمِنَ. وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا أَوْ ذَكَرَ خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،   [مغني المحتاج] فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَبَهَا وَكِيلُ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَوْدَعَهُ حَاكِمًا ثُمَّ طَلَبَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُزِلَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَجِيءُ مِثْلُهُ إذَا كَانَ الْمُودِعُ يَنُوبُ عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَلَوْ أَوْدَعَ شَخْصٌ يُعْرَفُ بِاللُّصُوصِيَّةِ وَدِيعَةً عِنْدَ آخَرَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْوَدِيعِ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ طَالَبَهُ بِالرَّدِّ هَلْ يَلْزَمُهُ أَوْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ وَيَطْلُبُ صَاحِبَهَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعَ امْتِدَادِ الزَّمَانِ رَدَّهُ؟ احْتِمَالَانِ فِي الْبَحْرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعٌ لِظَاهِرِ الْيَدِ، وَلَوْ بَعَثَ شَخْصٌ رَسُولًا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ أَمَارَةً لِمَنْ يَقْضِي لَهُ الْحَاجَةَ وَقَالَ: رُدَّهُ عَلَيَّ بَعْدَ قَضَائِهَا فَوَضَعَهُ بَعْدَ قَضَائِهَا فِي حِرْزٍ مِثْلِهِ لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا التَّخْلِيَةُ لَا النَّقْلُ، وَلَوْ قَالَ مَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِمَالِكِهَا: خُذْ وَدِيعَتَكَ لَزِمَهُ أَخْذُهَا كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَعَلَى الْمَالِكِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ لَا شَرِيكَ لِلْمُودِعِ، فَلَوْ أَوْدَعَهُ اثْنَانِ وَجَاءَ أَحَدُهُمَا يَسْتَرِدُّ نَصِيبَهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الْإِيدَاعِ فَكَذَا فِي الِاسْتِرْدَادِ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيُقَسِّمَهُ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ نَصِيبَهُ، وَاحْتَرَزَ بِتَفْسِيرِ الرَّدِّ بِالتَّخْلِيَةِ عَنْ رَدِّ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَثَوْبٍ طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ فِي دَارِهِ، فَإِنْ رَدَّهَا بِالْإِعْلَامِ بِحُصُولِهَا فِي يَدِهِ. (فَإِنْ أَخَّرَ) رَدَّ الْوَدِيعَةَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ (بَلَا عُذْرٍ ضَمِنَ) لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ كَصَلَاةٍ وَطَهَارَةٍ وَلَيْلٍ وَمُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَأَكْلٍ لَمْ يُضْمَنْ، هَذَا إنْ كَانَ الْعُذْرُ لَا يَطُولُ زَمَنُهُ، فَإِنْ كَانَ يَطُولُ كَنَذْرِ اعْتِكَافِ شَهْرٍ مَثَلًا أَوْ إحْرَامٍ يَطُولُ زَمَنُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ تَمَكَّنَ مِنْ تَوْكِيلِ أَمِينٍ مُتَبَرِّعٍ يُخَلِّي بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَخَّرَ ضَمِنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْ الْمَالِكُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَبْعَثَ إلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِيدَاعِ عِنْدَهُ أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُ مَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَإِنْ أَبَى بَعَثَ الْحَاكِمُ مَعَهُ أَمِينًا يُسَلِّمُهَا إلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَدِيعُ غَائِبًا اهـ. وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمَالِكُ: أَعْطِ وَكِيلِي فُلَانًا وَتَمَكَّنَ ضَمِنَ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْوَكِيلُ، وَكَذَا مَنْ يَعْرِفُ مَالِكَ الضَّالَّةِ وَمَا طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ وَإِنْ أَخَّرَ عَنْ وَكِيلٍ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إلَيْهِ أَوْ لِيُعْطِيَ آخَرَ وَقَدْ قَالَ لَهُ: أَعْطِهَا أَحَدَ وُكَلَائِي ضَمِنَ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَلَا تُؤَخِّرْ فَأَخَّرَ عَصَى أَيْضًا، فَإِنْ قَالَ: أَعْطِ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْصِ بِالتَّأْخِيرِ وَلَمْ يَضْمَنْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ) لَهُ (سَبَبًا أَوْ ذَكَرَ) لَهُ سَبَبًا (خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ صُدِّقَ) فِي ذَلِكَ (بِيَمِينِهِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ فَلْيُصَدِّقْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْأَوْلَى. نَعَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَإِذَا نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَ ذِكْرِ السَّبَبِ الْخَفِيِّ حَلَفَ أَيْ الْمَالِكُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: عَلَى الْبَتِّ وَالْغَصْبِ كَالسَّرِقَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَقِيلَ: كَالْمَوْتِ، وَرَجَّحَهُ الْمُتَوَلِّي. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ ادَّعَى وُقُوعَهُ فِي مَجْمَعٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامَيْنِ عَلَى ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 142 وَإِنْ ذَكَرَ ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ صُدِّقَ بَلَا يَمِينٍ، وَإِنْ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ جُهِلَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ بِهِ. وَإِنْ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَوَارِثِهِ أَوْ ادَّعَى وَارِثُ الْمُودِعِ الرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا فَادَّعَى الْأَمِينُ الرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ دَعْوَى السَّرِقَةِ مَا لَوْ طَلَبَهَا الْمَالِكُ، فَقَالَ: أَرُدُّهَا وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ طَالَبَهُ فَأَخْبَرَهُ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ إنْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَهَا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ أَيِسَ مِنْهَا ضَمِنَ، نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَالْإِطْلَاقُ أَظْهَرُ (وَإِنْ ذَكَرَ) سَبَبًا (ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ، فَإِنْ عُرِفَ الْحَرِيقُ وَعُمُومُهُ) وَلَمْ يَحْتَمِلْ سَلَامَةُ الْوَدِيعَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (صُدِّقَ بَلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عَنْ الْيَمِينِ. أَمَّا إذَا اُحْتُمِلَ سَلَامَتُهَا بِأَنْ عَمَّ ظَاهِرًا لَا يَقِينًا فَيَحْلِفُ لِاحْتِمَالِ سَلَامَتِهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَإِنْ عُرِفَ) الْحَرِيقُ (دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ (وَإِنْ جُهِلَ) مَا ادَّعَاهُ مِنْ السَّبَبِ الظَّاهِرِ (طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ (ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ بِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَتْلَفُ بِهِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلَفِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ أَوْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمَالِكُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ وَاسْتَحَقَّ. (وَإِنْ ادَّعَى) وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى أَمَانَتِهِ (رَدَّهَا عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ) مِنْ مَالِكٍ وَحَاكِمٍ وَوَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَقَيِّمٍ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا عِنْدَ دَفْعِهَا لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ. أَمَّا لَوْ ضَمِنَهَا بِتَفْرِيطٍ أَوْ عُدْوَانٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ رَدَّهَا. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَجْرِي فِي كُلِّ أَمِينٍ كَوَكِيلٍ وَشَرِيكٍ وَعَامِلِ قِرَاضٍ وَجَابٍ فِي رَدِّ مَا جَبَاهُ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ لِلْجِبَايَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَأَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى الْوَدِيعِ إذَا أَوْدَعَهُ عِنْدَ سَفَرِهِ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْوَدِيعِ الِاسْتِرْدَادَ إذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الرَّدَّ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمَا. وَضَابِطُ الَّذِي يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي الرَّدِّ هُوَ كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ فَإِنَّهُمَا يُصَدَّقَانِ فِي التَّلَفِ لَا فِي الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَذَا الْعَيْنَ لِغَرَضِ أَنْفُسِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ: كُلُّ مَالٍ تَلِفَ فِي يَدِ أَمِينٍ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا إذَا اسْتَسْلَفَ السُّلْطَانَ لِحَاجَةِ الْمَسَاكِينِ زَكَّاهُ قَبْلَ حَوْلِهَا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهَا لَهُمْ أَيْ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحِلِّهَا. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَيَلْحَقُ بِهَا مَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَحَبَسَهَا الْبَائِعُ عَلَى الثَّمَنِ ثُمَّ أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَتَلِفَتْ فَإِنَّهَا مِنْ ضَمَانِهِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِ الْبَائِعِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ (أَوْ) ادَّعَى الرَّدَّ (عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ ائْتَمَنَهُ (كَوَارِثِهِ) أَيْ الْمَالِكِ (أَوْ) ادَّعَى وَارِثُ الْمُودَعِ بِفَتْحِ الدَّالِ (الرَّدَّ) لِلْوَدِيعَةِ مِنْهُ لَا مِنْ مُوَرِّثِهِ (عَلَى الْمَالِكِ أَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا فَادَّعَى الْأَمِينُ الرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ طُولِبَ) كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ (بِبَيِّنَةٍ) بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ. أَمَّا إذَا ادَّعَى الْوَارِثُ الرَّدَّ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِدُخُولِ ذَلِكَ فِي الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 143 وَجُحُودُهَا بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ مُضَمِّنٍ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ حُصُولِهَا فِي يَدِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ: يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ (وَجُحُودُهَا) بِلَا عُذْرٍ (بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ) لَهَا (مُضَمَّنٌ) كَخِيَانَتِهِ. أَمَّا لَوْ جَحَدَهَا بِعُذْرٍ كَأَنْ طَالَبَ الْمَالِكَ بِهَا ظَالِمٌ فَطَلَبَ الْمَالِكُ الْوَدِيعَ بِهَا فَجَحَدَهَا دَفْعًا لِلظَّالِمِ أَوْ جَحَدَهَا بِلَا طَلَبٍ مِنْ مَالِكِهَا، وَإِنْ كَانَ الْجَحْدُ بِحَضْرَتِهِ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً: لَا وَدِيعَةَ عِنْدِي لِأَحَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ إخْفَاءَهَا أَبْلَغُ فِي حِفْظِهَا وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْمَالِكُ، وَلَكِنْ قَالَ لِي: عِنْدَك وَدِيعَةٌ فَأَنْكَرَ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْإِخْفَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَلَوْ جَحَدَهَا بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ غَلِطْتُ أَوْ نَسِيتُ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ. . فَائِدَةٌ: سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ وَدِيعَةٌ مَضَتْ عَلَيْهَا مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَلَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهَا وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ، فَقَالَ: يَصْرِفُهَا فِي أَهَمِّ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَدِّمُ أَهْلَ الضَّرُورَةِ وَمَسِيسِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا، وَلَا يَصْرِفُهَا إلَّا فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ صَرْفُهَا فِيهِ، وَإِنْ جَهِلَهُ فَلْيَسْأَلْ أَوْرَعَ الْعُلَمَاءِ بِالْمَصَالِحِ الْوَاجِبَةِ التَّقْدِيمِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ تَنَازَعَا الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ بِأَنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَلِلْآخِرِ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ، وَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَغَرِمَ لَهُ الْوَدِيعُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ: هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيتُهُ وَكَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ إذَا قَالَ الْمَغْصُوبُ لِأَحَدِكُمَا وَأُنْسِيتُهُ فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْهُ تَعَيَّنَ الْمَغْصُوبُ لِلْآخَرِ بَلَا يَمِينٍ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَارِثُ عِلْمَ الْوَدِيعِ بِمَوْتِ الْمَالِكِ وَطَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْوَارِثُ وَأَخَذَهَا، وَإِنْ قَالَ الْوَدِيعُ: حَبَسْتُهَا عِنْدِي لِأَنْظُرَ هَلْ أَوْصَى بِهَا مَالِكُهَا أَمْ لَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ ضَامِنٌ، وَلَوْ أَوْدَعَهُ وَرَقَةً مَكْتُوبَةً فِيهَا الْحَقُّ الْمُقَرُّ بِهِ وَتَلِفَتْ بِتَقْصِيرٍ ضَمِنَ قِيمَتَهَا مَكْتُوبَةً وَأُجْرَةَ الْكِتَابَةِ كَذَا قَالَاهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ الْوَرَقَةَ الْمَكْتُوبَةَ مُتَقَوِّمَةٌ فَإِذَا تَلِفَتْ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَلَا نَظَرَ لِأُجْرَةِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَلَزِمَ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى غَيْرِهِ ثَوْبًا مُطَرَّزًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَأُجْرَةَ التَّطْرِيزِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَالْغَاصِبُ إنَّمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ فَقَطْ كَمَا أَجَابَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَالصَّوَابُ لُزُومُهَا فَقَطْ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّطْرِيزَ يُزِيدُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَالِبًا، وَلَا كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهَا قَدْ تُنْقِصُهَا، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِ الْكَامِلِ وَغَيْرِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 144 كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ الْفَيْءُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بَلَا قِتَالٍ وَإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ] ِ هَذَا شَطْرُ بَيْتٍ مَوْزُونٍ، وَالْقَسْمُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ، وَالْفَيْءُ مَصْدَرُ فَاءَ يَفِيءُ إذَا رَجَعَ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَالِ الرَّاجِعِ مِنْ الْكُفَّارِ إلَيْنَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَصْدَرِ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ، وَالْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ. وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي الْمَحَاسِنِ: سُمِّيَ الْفَيْءُ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى طَاعَتِهِ، فَمَنْ خَالَفَهُ فَقَدْ عَصَاهُ وَسَبِيلُهُ الرَّدُّ إلَى مَنْ يُطِيعُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْغَنِيمَةَ أَيْضًا فَلِذَلِكَ قِيلَ اسْمُ الْفَيْءِ يَشْمَلُهَا دُونَ الْعَكْسِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: يُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الْفَيْءِ، وَقِيلَ: اسْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا افْتَرَقَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، وَالْمَشْهُورُ تَغَايُرُهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْغَنِيمَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ الْغُنْمِ وَهُوَ الرِّبْحُ اُسْتُعْمِلَتْ شَرْعًا فِي رِبْحٍ مِنْ الْكُفَّارِ خَاصٍّ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا فَضْلٌ وَفَائِدَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] [الْحَشْر] وقَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] [الْأَنْفَال] الْآيَتَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «وَقَدْ فَسَّرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِيمَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بَلْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاءُ إذَا غَنِمُوا مَالًا جَمَعُوهُ فَتَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ تَأْخُذُهُ، ثُمَّ أُحِلَّتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاتِلِينَ كُلِّهِمْ نُصْرَةً وَشَجَاعَةً بَلْ أَعْظَمُ يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إعْطَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَأْتِي، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْكِتَابَ بَعْدَ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَهُوَ أَنْسَبُ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا اقْتِدَاءً بِالْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ: (الْفَيْءُ: مَالٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَكَلْبٍ يُنْتَفَعُ بِهِ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) مِمَّا هُوَ لَهُمْ (بَلَا قِتَالٍ وَ) لَا (إيجَافِ) أَيْ إسْرَاعِ (خَيْلٍ وَ) لَا سَيْرِ (رِكَابٍ) أَيْ إبِلٍ وَنَحْوِهَا كَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَسُفُنٍ وَرَجَّالَةٍ، وَخَرَجَ بِزِيَادَةِ لَنَا مَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ وَبِزِيَادَةِ مِمَّا هُوَ لَهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّا لَمْ نَمْلِكْهُ بَلْ يُرَدُّ عَلَى مَالِكِهِ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَيُحْفَظُ. تَنْبِيهٌ: اعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ فِي حُصُولِ الْفَيْءِ انْتِفَاءَ الْقِتَالِ وَإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَهَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 145 كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ وَذِمِّيٍّ مَاتَ بَلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ. وَخُمْسُهُ لِخَمْسَةٍ: أَحَدُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ   [مغني المحتاج] يَصْدُقُ بِانْتِفَاءِ الْمَجْمُوعِ وَبِانْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي، فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ كَافٍ فِي حُصُولِ اسْمِ الْغَنِيمَةِ فَلَا يَكُونُ فَيْئًا حَتَّى تَنْتَفِيَ الثَّلَاثَةُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَا إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ بِأَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ الْفَيْءُ مَا حَصَلَ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْأَعَمُّ إذَا انْتَفَى يَنْتَفِي الْأَخَصُّ لِانْتِفَاءِ الْإِنْسَانِ بِانْتِفَاءِ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا يَظْهَرُ كَوْنُ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فِي حَدِّ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا فِي جَانِبِ النَّفْيِ فِي حَدِّ الْفَيْءِ فَالْوَاوُ عَلَى بَابِهَا، وَالْمُرَادُ انْتِفَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا أَظْهَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْوَاعًا سِتَّةً مِنْ الْفَيْءِ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ: (كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ) مِنْ كُفَّارٍ شُرِطَتْ عَلَيْهِمْ إذَا دَخَلُوا دَارَنَا، وَخَرَاجٍ ضُرِبَ عَلَيْهِمْ عَلَى اسْمِ جِزْيَةٍ (وَمَا جَلَوْا) أَيْ تَفَرَّقُوا (عَنْهُ خَوْفًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ (وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ) عَلَى الرِّدَّةِ (وَذِمِّيٍّ) أَوْ نَحْوِهِ (مَاتَ بَلَا وَارِثٍ) أَوْ تَرَكَ وَارِثًا غَيْرَ حَائِزٍ. تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ بِجَامِعٍ فَإِنَّ الْمَالَ يُخْرِجُ الِاخْتِصَاصَاتِ مَعَ أَنَّهَا فَيْءٌ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ قَالَ: مَا حَصَلَ كَانَ أَوْلَى، وَلَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ مَا حَصَلَ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَلُقَطَةٍ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا فَيْءٌ وَمَا أَهْدَوْهُ لَنَا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَيْءٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ بَلْ هُوَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ، وَأَمَّا مَا أَهْدَوْهُ لَنَا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهُوَ غَنِيمَةٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الْخَوْفِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْمَالُ الَّذِي جَلَوْا عَنْهُ لِضُرٍّ أَصَابَهُمْ أَوْ صُولِحُوا عَلَيْهِ بَلَا قِتَالٍ فَإِنَّهُ فَيْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ. ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ الْفَيْءِ بِقَوْلِهِ: (فَيُخَمَّسُ) جَمِيعُهُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ مُتَسَاوِيَةٍ كَالْغَنِيمَةِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ قَالُوا: لَا يُخَمَّسُ بَلْ جَمِيعُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. لَنَا قَوْله تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ، فَأَطْلَقَ هَهُنَا، وَقَيَّدَ فِي الْغَنِيمَةِ فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَالِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ بِالْقِتَالِ وَعَدَمِهِ كَمَا حَمَلْنَا الرَّقَبَةَ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَسِّمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسَ خُمْسِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ خُمْسُ خُمْسٍ. وَأَمَّا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ لِمَصَالِحِنَا، وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ كَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. (وَخُمْسُهُ) أَيْ الْفَيْءِ (لِخَمْسَةٍ) فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ (أَحَدُهَا: مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ) فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِكَافِرٍ، ثُمَّ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَصَالِحِ بِقَوْلِهِ: (كَالثُّغُورِ) جَمْعُ ثَغْرٍ: أَيْ سَدُّهَا وَشَحْنُهَا بِالْعَدَدِ. وَالْمُقَاتِلَةُ، وَهِيَ مَوَاضِعُ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَلِيهَا بِلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَيَخَافُ أَهْلُهَا مِنْهُمْ، وَكَعَمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْحُصُونِ (وَ) أَرْزَاقِ (الْقُضَاةِ) الْأَئِمَّةِ (وَالْعُلَمَاءِ) بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَطَلَبَةِ هَذِهِ الْعُلُومِ تَنْبِيهٌ: نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 146 يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ، وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ   [مغني المحتاج] كَالْأَئِمَّةِ وَمُعَلِّمِي الْقُرْآنِ وَالْمُؤَذِّنِينَ؛ لِأَنَّ الثُّغُورَ حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ مَنْ ذُكِرَ بِالِاكْتِسَابِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَعَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَعَنْ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ فَيُرْزَقُونَ مَا يَكْفِيهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِذَلِكَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: تُعْطَى الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ مَعَ الْغِنَى وَقَدْرُ الْمُعْطَى إلَى رَأْيِ السُّلْطَانِ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَخْتَلِفُ بِضِيقِ الْمَالِ وَسَعَتِهِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيُعْطَى أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ لَا مَعَ الْغِنَى، وَالْمُرَادُ بِالْقُضَاةِ غَيْرُ قُضَاةِ الْعَسْكَرِ. أَمَّا قُضَاتُهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ: وَكَذَا أَئِمَّتُهُمْ وَمُؤَذِّنُوهُمْ وَعُمَّالُهُمْ (يُقَدَّمُ الْأَهَمُّ) فَالْأَهَمُّ مِنْهَا وُجُوبًا، وَأَهَمُّهَا كَمَا فِي التَّنْبِيهِ سَدُّ الثُّغُورِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْمُسْلِمِينَ تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ. قَالَ: وَهَذَا غُلُوٌّ، وَالثَّانِي: يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ قُوتَ يَوْمٍ، وَالثَّالِثُ: يَأْخُذُ كِفَايَةَ سَنَةٍ، وَالرَّابِعُ: يَأْخُذَ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ، حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ، وَهُنَا لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ شَيْئًا اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا الرَّابِعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ: لَوْ غَصَبَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَخَلَطَ الْجَمِيعَ ثُمَّ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْمُخْتَلِطِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَجَدَ قَدْرَ حِصَّتِهِ، فَإِنْ فَرَّقَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَلِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَ الْقَدْرَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْبَاقِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ اهـ. وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْغَصْبِ (وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ) بَنُو (الْمُطَّلِبِ) وَمِنْهُمْ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُمْ آلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ الْمُرَادُ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ دُونَ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَعَةُ أَوْلَادَ عَبْدِ مَنَافٍ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ عَلَى بَنِي الْأَوَّلِينَ مَعَ سُؤَالِ بَنِي الْآخِرِينَ لَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ حَتَّى إنَّهُ لَمَّا بُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرِّسَالَةِ نَصَرُوهُ وَذَبُّوا عَنْهُ، بِخِلَافِ بَنِي الْآخَرِينَ بَلْ كَانُوا يُؤَذُّونَهُ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ أَشِقَّاءُ، وَنَوْفَلٌ أَخُوهُمْ لِأَبِيهِمْ، وَعَبْدُ شَمْسٍ هُوَ جَدُّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ. أَمَّا مَنْ انْتَسَبَ مِنْهُمْ إلَى الْأُمَّهَاتِ فَلَا، كَذَا قَالَاهُ، وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيُّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ بِنْتِهِ زَيْنَبَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ مِنْ بِنْتِهِ رُقَيَّةَ فَإِنَّهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى بَلَا شَكٍّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِذَلِكَ، فَيَنْبَغِي الضَّبْطُ بِقَرَابَةِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ لَا بَيْنَهُمَا اهـ. وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَثْنَى أَوْلَادُ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْأُمَّهَات، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَحَّحُوهُ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتِسَابُ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ. وَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ تُوُفِّيَا صَغِيرَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا نَسْلٌ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِمَا اهـ. فَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 147 يَشْتَرِكُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ، وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ،   [مغني المحتاج] السُّبْكِيّ مَعَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ غَيْرُ الْمُرَادِ، فَإِنَّ قَرَابَةَ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَعَمُّ مِنْ فُرُوعِهِمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (يَشْتَرِكُ) فِي خُمُسِ الْخُمُسِ (الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَبَّاسَ مِنْهُ، وَكَانَ مِنْ أَغْنِيَاءِ قُرَيْشٍ (وَالنِّسَاءُ) لِأَنَّ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ سَهْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةَ عَمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدْفَعُ لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْهُ، وَلَوْلَا هَذِهِ الْأَدِلَّةُ لَمْ يُدْفَعْ لِلنِّسَاءِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الصَّرْفِ لِلذُّكُورِ، فَإِنَّ " ذُو " اسْمٌ مُذَكَّرٌ وَجَعْلَهُ لِلشَّخْصِ الَّذِي يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ قَالَهُ السُّبْكِيُّ (وَ) لَكِنْ (يُفَضَّلُ الذَّكَرُ) وَلَوْ صَغِيرًا عَنْ الْأُنْثَى، فَلَهُ سَهْمَانِ وَلَهَا سَهْمٌ فَإِنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - يَسْتَحِقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْأُنْثَى، وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ اهـ. بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوقَفُ لَهُ تَمَامُ نَصِيبِ الذَّكَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (كَالْإِرْثِ) وَحَكَى الْإِمَامُ فِي أَنَّ الذَّكَرَ يُفَضَّلُ عَلَى الْأُنْثَى إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ التَّسْوِيَةُ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَالْإِرْثِ أَنَّهُمْ لَوْ أَعْرَضُوا عَنْ سَهْمِهِمْ لَمْ يَسْقُطْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السِّيَرِ، وَمِنْ إطْلَاقِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُجِبْ تَعْمِيمُهُمْ، وَأَنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ مُدْلٍ بِجِهَتَيْنِ وَمُدْلٍ بِجِهَةٍ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَأَنَّهُ لَا يُفَضَّلُ كَبِيرٌ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا قَرِيبٌ عَلَى بَعِيدٍ وَلَا حَاضِرٌ بِمَوْضِعِ الْفَيْءِ عَلَى غَائِبٍ عَنْهُ (وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى) لِلْآيَةِ جَمْعُ يَتِيمٍ (وَهُوَ صَغِيرٌ) ذَكَرٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ أُنْثَى لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ (لَا أَبَ لَهُ) أَمَّا كَوْنُهُ صَغِيرًا فَلِخَبَرِ: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ضَعَّفَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ. أَمَّا كَوْنُهُ لَا أَبَ لَهُ فَلِلْوَضْعِ وَالْعُرْفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ أَمْ لَا، قُتِلَ أَبُوهُ فِي الْجِهَادِ أَمْ لَا، لَهُ جَدٌّ أَمْ لَا. وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ هِيَ الَّتِي لَا جَدَّ لَهَا، وَالْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ الصَّوَابُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْيَتِيمَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ هِيَ الَّتِي لَا تُزَوَّجُ إلَّا فِي صِغَرِهَا فَإِنَّ الْجَدَّ يُزَوِّجُهَا، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُ بَلَا شَكٍّ تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْيَتِيمَ بِالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ أَيْتَامَ الْكُفَّارِ لَا يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى شَيْئًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ لِذَلِكَ، وَيَنْدَرِجُ فِي تَفْسِيرِهِمْ الْيَتِيمَ وَلَدُ الزِّنَا وَاللَّقِيطُ وَالْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ، وَلَا يُسَمَّوْنَ أَيْتَامًا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا أَبَ لَهُ شَرْعًا فَلَا يُوصَفُ بِالْيُتْمِ، وَاللَّقِيطُ قَدْ يَظْهَرُ أَبُوهُ، وَالْمَنْفِيُّ بِلِعَانٍ قَدْ يَسْتَلْحِقُهُ نَافِيهِ. وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ سَهْمِ الْيَتَامَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 148 وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، وَيَعُمُّ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ، وَقِيلَ يُخَصُّ بِالْحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ،   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: يُقَالُ لِمَنْ فَقَدَ أُمَّهُ دُونَ أَبِيهِ مُنْقَطِعٌ، وَالْيَتِيمُ فِي الْبَهَائِمِ مَنْ فَقَدَ أُمَّهُ، وَفِي الطَّيْرِ مَنْ فَقَدَ أُمَّهُ وَأَبَاهُ (وَيُشْتَرَطُ) فِي إعْطَاءِ الْيَتِيمِ لَا فِي تَسْمِيَتِهِ يَتِيمًا (فَقْرُهُ) الْآتِي تَعْرِيفُهُ فِي الْكِتَابِ الْآتِي الشَّامِلُ لِمَسْكَنَتِهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِإِشْعَارِ لَفْظِ الْيُتْمِ بِهِ، وَلِأَنَّ اغْتِنَاءَهُ بِمَالِ أَبِيهِ إذَا مُنِعَ اسْتِحْقَاقُهُ فَاغْتِنَاؤُهُ بِمَالِهِ أَوْلَى بِمَنْعِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَإِلَّا لَمَا كَانَ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ لِدُخُولِهِ فِي الْفُقَرَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ عَدَمُ حِرْمَانِهِ (وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ) الشَّامِلُونَ لِلْفُقَرَاءِ (وَابْنُ السَّبِيلِ) لِلْآيَةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي الْكِتَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَيُشْتَرَطُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ الْفَقْرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ لِلْمَسَاكِينِ بَيْنَ سَهْمِهِمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَسَهْمِهِمْ مِنْ الْخُمْسِ وَحَقِّهِمْ مِنْ الْكَفَّارَاتِ فَيَصِيرُ لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْوَالٍ قَالَ: وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ يُتْمٌ وَمَسْكَنَةٌ أُعْطِيَ بِالْيُتْمِ دُونَ الْمَسْكَنَةِ؛ لِأَنَّ الْيُتْمَ وَصْفٌ لَازِمٌ وَالْمَسْكَنَةَ زَائِلَةٌ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْيُتْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فَقْرٍ وَمَسْكَنَةٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْغَازِي مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى لَا يَأْخُذَ بِالْغَزْوِ بَلْ بِالْقَرَابَةِ فَقَطْ. لَكِنْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ يَأْخُذَ بِهِمَا، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغَزْوِ وَالْمَسْكَنَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْغَزْوِ لِحَاجَتِنَا وَبِالْمَسْكَنَةِ لِحَاجَةِ صَاحِبِهَا (وَيَعُمُّ) الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ) بِالْعَطَاءِ وُجُوبًا غَائِبُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ الْفَيْءِ وَحَاضِرُهُمْ. نَعَمْ يُجْعَلُ مَا فِي كُلِّ إقْلِيمٍ لِسَاكِنِيهِ، فَإِنْ عَدِمَهُ بَعْضُ الْأَقَالِيمِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَعْضِهَا شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهُمْ السَّهْمُ بِأَنْ لَمْ يَفِ بِمَنْ فِيهِ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ نُقِلَ إلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ كَمَا فِي الزَّكَاةِ كَمَا جَزَمَا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ الْيَتَامَى وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْحَاجَةِ فَتُرَاعَى حَاجَتُهُمْ بِخِلَافِ ذَوِي الْقُرْبَى فَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِالْقَرَابَةِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ الْحَاصِلُ يَسِيرًا لَا يَسُدُّ مَسَدًّا بِالتَّوْزِيعِ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ وَلَا يُسْتَوْعَبُ لِلضَّرُورَةِ وَتَصِيرُ الْحَاجَةُ مُرَجَّحَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَمَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ أُعْطِيَ الْبَاقُونَ نَصِيبَهُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ إلَّا سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ، وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ، وَلَا يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْيُتْمِ وَلَا مُدَّعِي الْقَرَابَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَقِيلَ: يُخَصُّ بِالْحَاصِلِ) مِنْ مَالِ الْفَيْءِ (فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ) كَالزَّكَاةِ وَلِمَشَقَّةِ النَّقْلِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى حِرْمَانِ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ (وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ) الَّتِي كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَضْمُومَةً إلَى خُمْسِ الْخُمْسِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ) لِعَمَلِ الْأَوَّلِينَ بِهِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 149 وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ فَيَضَعُ الْإِمَامُ دِيوَانًا،   [مغني المحتاج] لِأَنَّهَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحُصُولِ النُّصْرَةِ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْمُقَاتِلُونَ بَعْدَهُ هُمْ الْمُرْصَدُونَ لَهَا كَمَا قَالَ (وَهُمْ الْأَجْنَادُ الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ) بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ لَهُمْ، سُمُّوا مُرْتَزِقَةً؛ لِأَنَّهُمْ أَرْصَدُوا أَنْفُسَهُمْ لِلذَّبِّ عَنْ الدِّينِ وَطَلَبُوا الرِّزْقَ مِنْ مَالِ اللَّهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ الْمُتَطَوِّعَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يَغْزُونَ إذَا نَشَطُوا، فَإِنَّمَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ لَا مِنْ الْفَيْءِ عَكْسُ الْمُرْتَزِقَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا لِلْمَصَالِحِ كَخُمْسِ الْخُمْسِ، وَأَهَمُّهَا الْمُرْتَزِقَةُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَفِ الْمَالُ بِحَاجَةِ الْمُرْتَزِقَةِ وَهُمْ فُقَرَاءُ صَرَفَ الْإِمَامُ لَهُمْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ. وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ لِلْمُرْتَزِقَةِ (فَيَضَعُ الْإِمَامُ) لَهُمْ (دِيوَانًا) نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ الْوُجُوبَ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَهُ فِي الْإِسْلَامِ سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 150 وَيُنَصِّبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيفًا وَيَبْحَثُ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَعِيَالِهِ وَمَا يَكْفِيهِمْ فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُمْ وَيُقَدِّمُ فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ وَالْإِعْطَاءِ قُرَيْشًا، وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ   [مغني المحتاج] الدَّفْتَرُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ أَسْمَاؤُهُمْ وَقَدْرُ أَرْزَاقِهِمْ، وَيُطْلَقُ الدِّيوَانُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ لِلْكِتَابَةِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ كِسْرَى؛ لِأَنَّهُ اطَّلَعَ يَوْمًا عَلَى دِيوَانِهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ مَعَ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ دِيوَانُهُ: أَيْ مَجَانِينَ. ثُمَّ حُذِفَتْ الْهَاءُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ تَخْفِيفًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَاسْتُحْسِنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» (وَيُنْصَبُ) نَدْبًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (لِكُلِّ قَبِيلَةٍ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ (أَوْ جَمَاعَةٍ) مِنْهُمْ (عَرِيفًا) لِيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِمْ، وَيَسْهُلَ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْهُمْ وَيُعَرِّفَهُ بِأَحْوَالِهِمْ وَيَرْجِعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ: ارْجِعُوا حَتَّى أَسْأَلَ عُرَفَاءَكُمْ» وَكَانَ قَدْ عَرَّفَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا، وَزَادَ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَيُنَصِّبُ الْإِمَامُ صَاحِبَ جَيْشٍ وَهُوَ يُنَصِّبُ النُّقَبَاءَ وَكُلُّ نَقِيبٍ يُنَصِّبُ الْعُرَفَاءَ، وَكُلُّ عَرِيفٍ يُحِيطُ بِأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصِينَ بِهِ، فَيَدْعُو الْإِمَامُ صَاحِبَ الْجَيْشِ، وَهُوَ يَدْعُو النُّقَبَاءَ، وَكُلُّ نَقِيبٍ يَدْعُو الْعُرَفَاءَ الَّذِينَ تَحْتَ رَايَتِهِ، وَكُلُّ عَرِيفٍ يَدْعُو مَنْ تَحْتَ رَايَتِهِ، وَالْعَرِيفُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ مَنَاقِبَ الْقَوْمِ. فَائِدَةٌ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ الْجَنَّةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ رُءُوسُ أَهْلِهَا (وَيَبْحَثُ) الْإِمَامُ وُجُوبًا (عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ (وَ) عَنْ (عِيَالِهِ) وَهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ أَوْلَادٍ وَزَوْجَاتٍ وَرَقِيقٍ لِحَاجَةِ غَزْوٍ أَوْ لِخِدْمَةٍ إنْ اعْتَادَهَا، لَا رَقِيقُ زِينَةٍ وَتِجَارَةٍ (وَمَا يَكْفِيهِمْ فَيُعْطِيهِ) كِفَايَتَهُ وَ (كِفَايَتَهُمْ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْجِهَادِ، وَيُرَاعَى فِي الْحَاجَةِ حَالُهُ فِي مُرُوءَتِهِ وَضِدِّهَا وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالرُّخْصُ وَالْغَلَاءُ وَعَادَةُ الْبَلَدِ فِي الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ، وَيُزَادُ إنْ زَادَتْ حَاجَتُهُ بِزِيَادَةِ وَلَدٍ وَحُدُوثِ زَوْجَةٍ فَأَكْثَرَ وَمَا لَا رَقِيقَ لَهُ يُعْطَى مِنْ الرَّقِيقِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْقِتَالِ مَعَهُ أَوْ لِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُخْدَمُ وَيُعْطَى مُؤْنَتُهُ، وَمَنْ يُقَاتِلُ فَارِسًا وَلَا فَرَسَ لَهُ يُعْطَى مِنْ الْخَيْلِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْقِتَالِ، وَيُعْطَى مُؤْنَتُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَاتِ يُعْطَى لَهُنَّ مُطْلَقًا لِانْحِصَارِهِنَّ فِي أَرْبَعٍ. ثُمَّ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُمَا حَاصِلٌ مِنْ الْفَيْءِ، وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ هُوَ وَيَصِيرُ إلَيْهِمَا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يُزَادُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِنَسَبٍ عَرِيقٍ وَسَبْقٍ فِي الْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَسَائِرِ الْخِصَالِ الْمَرَضِيَّةِ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ، بَلْ يَسْتَوُونَ كَالْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِسَبَبِ تَرَصُّدِهِمْ لِلْجِهَادِ وَكُلُّهُمْ مُتَرَصِّدُونَ لَهُ (وَيُقَدَّمُ) نَدْبًا (فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ) فِي الدِّيوَانِ (وَ) فِي (الْإِعْطَاءِ) أَيْضًا (قُرَيْشًا) عَلَى غَيْرِهِمْ، لِخَبَرِ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا» ، وَلِشَرَفِهِمْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ) أَحَدُ أَجْدَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. سُمُّوا بِذَلِكَ لِتَقَرُّشِهِمْ وَهُوَ تَجَمُّعُهُمْ، وَقِيلَ: لِشِدَّتِهِمْ (وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ) أَيْ قُرَيْشٍ (بَنِي هَاشِمٍ) وَهُوَ جَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّانِي. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 151 وَالْمُطَّلِبِ ثُمَّ عَبْدِ شَمْسٍ ثُمَّ نَوْفَلٍ ثُمَّ عَبْدِ الْعُزَّى ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْأَنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ، ثُمَّ الْعَجَمَ وَلَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلَا زَمِنًا وَلَا مَنْ لَا   [مغني المحتاج] كَانَ يَهْشِمُ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ (وَ) يُقَدِّمُ مِنْهُمْ أَيْضًا بَنِي (الْمُطَّلِبِ) شَقِيقَ هَاشِمٍ. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ: «إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ شَمْسٍ) لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبَوَيْهِ (ثُمَّ) بَنِي (نَوْفَلٍ) لِأَنَّهُ أَخُو هَاشِمٍ لِأَبِيهِ عَبْدِ مُنَافٍ (ثُمَّ) بَنِي (عَبْدِ الْعُزَّى) لِمَكَانِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُمْ أَصْهَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى (ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ) أَيْ بَاقِيهَا مِنْ قُرَيْشٍ (الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . فَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَعْدَ بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ. ثُمَّ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْوَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ بَنِي تَيْمٍ لِمَكَانِ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثُمَّ يُقَدِّمُ بَنِي مَخْزُومٍ. ثُمَّ بَنِي عَدِيٍّ لِمَكَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. ثُمَّ بَنِي جُمَحٍ وَبَنِي سَهْمٍ فَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. ثُمَّ بَنِي عَامِرٍ. ثُمَّ بَنِي الْحَارِثِ (ثُمَّ) بَعْدَ قُرَيْشٍ يُقَدِّمُ (الْأَنْصَارَ) لِآثَارِهِمْ الْحَمِيدَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَقْدِيمُ الْأَوْسِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْوَالُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ (ثُمَّ) بَعْدَ الْأَنْصَارِ يُقَدِّمُ (سَائِرَ) أَيْ بَاقِيَ (الْعَرَبِ) وَمِنْهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ لَا قَرَابَةَ لَهُمْ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ: بَعْدَ الْأَنْصَارِ مُضَرُ، ثُمَّ رَبِيعَةُ، ثُمَّ وَلَدُ عَدْنَانَ، ثُمَّ وَلَدُ قَحْطَانَ، فَيُرَتِّبُهُمْ عَلَى السَّابِقَةِ كَقُرَيْشٍ، فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ بِالسَّبْقِ إلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ بِالدِّينِ، ثُمَّ بِالسِّنِّ، ثُمَّ بِالْهِجْرَةِ، ثُمَّ بِالشَّجَاعَةِ ثُمَّ بِرَأْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُقْرِعَ، وَأَنْ يُقَدِّمَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ (ثُمَّ) يُقَدِّمُ بَعْدَ الْعَرَبِ (الْعَجَمَ) وَقُدِّمَتْ الْعَرَبُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ وَأَشْرَفُ، وَالتَّقْدِيمُ فِيهِمْ إنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى نَسَبٍ بِالْأَجْنَاسِ كَالتُّرْكِ وَالْهِنْدِ وَبِالْبُلْدَانِ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُمْ سَابِقَةٌ فِي الْإِسْلَامِ تَرَتَّبُوا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَبِالْقُرْبِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، ثُمَّ بِالسَّبْقِ إلَى طَاعَتِهِ، فَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى نَسَبٍ اُعْتُبِرَ فِيهِمْ قُرْبُهُ وَبُعْدُهُ كَالْعَرَبِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ السِّنِّ، ثُمَّ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ الشَّجَاعَةِ، ثُمَّ رَأْيِ وَلِيِّ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْعَرَبِ، وَالتَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَبٌّ لَا مُسْتَحَقٌّ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْمَطْلَبِ، وَاَلَّذِي يَثْبُتُ فِي الدِّيوَانِ مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ هُوَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ الْبَصِيرُ الْقَادِرُ عَلَى الْقِتَالِ الْعَارِفُ بِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ) شَخْصًا (أَعْمَى وَلَا زَمِنًا) وَلَا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا كَافِرًا، وَقَوْلُهُ: (وَلَا مَنْ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 152 يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ، وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ أُعْطِيَ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ إذَا مَاتَ فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تُنْكَحَ   [مغني المحتاج] يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ) كَأَقْطَعَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ كَفَى، وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ، وَكَذَا الْأَعْرَجِ إنْ كَانَ فَارِسًا وَإِلَّا فَلَا، وَيُمَيَّزُ الْمَجْهُولُ بِصِفَةٍ فَيُذْكَرُ نَسَبُهُ وَسِنُّهُ وَلَوْنُهُ، وَيُحْكَى وَجْهُهُ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ (وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمَرَضِ وَالْجُنُونِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (أُعْطِيَ) جَزْمًا كَصَحِيحٍ وَيَبْقَى اسْمُهُ فِي الدِّيوَانِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ عَارِضٍ فَرُبَّمَا يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الْجِهَادِ وَيُقْبِلُوا عَلَى الْكَسْبِ لِهَذِهِ الْعَوَارِضِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ) زَوَالُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى) أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ، وَلِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ فَعَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، وَلَكِنْ يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ الدِّيوَانِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إبْقَائِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ الْقَدْرَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ لِأَجْلِ فَرَسِهِ وَقِتَالِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُعْطَى كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ اللَّائِقَةَ بِهِ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَالثَّانِي: لَا يُعْطَى لِعَدَمِ رَجَاءِ نَفْعِهِ أَيْ لَا يُعْطَى مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ الْمُعَدَّةِ لِلْمُقَاتِلَةِ، وَلَكِنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِهَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي إعْطَائِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. أَمَّا الْمَاضِي فَيُعْطَاهُ جَزْمًا (وَكَذَا) تُعْطَى (زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ فِي حَيَاتِهِ (إذَا مَاتَ) بَعْدَ أَخْذِ نَصِيبِهِ فِي الْأَظْهَرِ لِئَلَّا يُشْغَلَ النَّاسُ بِالْكَسْبِ عَنْ الْجِهَادِ إذَا عَلِمُوا ضَيَاعَ عِيَالِهِمْ بَعْدَهُمْ. تَنْبِيهٌ: إفْرَادُهُ الزَّوْجَةَ وَجَمْعُهُ الْأَوْلَادَ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْوَحْدَةِ فِي الزَّوْجَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تُعْطَى الزَّوْجَاتُ وَإِنْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَوْلَادِ يُوهِمُ عَدَمَ الدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ كَالْوَالِدَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْإِعْطَاءَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ: أَيْ وَالزَّوْجَةِ كُفَّارًا هَلْ يُعْطَوْنَ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ اهـ. لَكِنَّ قَضِيَّةَ إطْلَاقِهِمْ إعْطَاؤُهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِمْ الْإِسْلَامَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ مَا يُعْطَوْنَ، وَالْمُرَادُ مَا يَلِيقُ بِهِمْ لَا مَا كَانَ لِلْمُرْتَزِقِ أَخَذَهُ وَالثَّانِي: لَا يُعْطَوْنَ لِزَوَالِ تَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ (فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تُنْكَحَ) وَكَذَا الزَّوْجَاتُ كَمَا مَرَّ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الثَّانِي مِنْ الْمُرْتَزِقَةِ قَرَّرَ لَهَا كِفَايَتَهَا تَبَعًا لَهُ، وَلَوْ اسْتَغْنَتْ الزَّوْجَةُ بِكَسْبٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَوَصِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَسْبِ، وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِالْبَاقِي، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ كَالزَّوْجَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: حَتَّى تُنْكَحَ يَقْتَضِي أَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهِ أَيْ وَلَمْ تَسْتَغْنِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا تُعْطَى إلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ التَّزْوِيجِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 153 وَالْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا. فَإِنْ فَضَلَتْ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ،   [مغني المحتاج] مَعَ رَغْبَةِ الْأَكْفَاءِ فِيهَا أَنَّهَا تُعْطَى وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْضًا وَإِنْ نُظِرَ فِيهِ (وَ) تُعْطَى (الْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا) بِكَسْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَوَصِيَّةٍ أَوْ يَقْدِرُ الذُّكُورُ عَلَى الْغَزْوِ، فَمَنْ أَحَبَّ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ أُثْبِتَ وَإِلَّا قُطِعَ، فَإِذَا بَلَغَ عَاجِزًا لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَكَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ تَزَوَّجَ الْإِنَاثَ. . تَنْبِيهٌ: اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَوْ الْمُعِيدَ أَوْ الْمُدَرِّسَ إذَا مَاتَ تُعْطَى زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُ مَا يَقُومُ بِهِمْ تَرْغِيبًا فِي الْعِلْمِ كَالتَّرْغِيبِ هُنَا فِي الْجِهَادِ، فَإِنْ فَضُلَ الْمَالُ عَنْ كِفَايَتِهِمْ صُرِفَ إلَى مَنْ يَقُومُ بِالْوَظِيفَةِ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْطِيلٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا اشْتَرَطَ مُدَرِّسًا بِصِفَةٍ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ. قُلْنَا: قَدْ حَصَلَتْ الصِّفَةُ مُدَّةً مِنْ أَبِيهِمْ وَالصَّرْفُ لَهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَمُدَّتُهُمْ مُغْتَفَرَةٌ فِي جَنْبِ مَا مَضَى كَزَمَنِ الْبَطَالَةِ، وَلَا يَقْدَحُ تَقْرِيرُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلتَّدْرِيسِ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِوِلَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَقْرِيرُ مَنْ لَا يَصْلُحُ ابْتِدَاءً كَمَا يَمْتَنِعُ إثْبَاتُ اسْمِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْجِهَادِ فِي الدِّيوَانِ ابْتِدَاءً. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعِلْمَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ لَا يَصُدُّ النَّاسَ عَنْهُ شَيْءٌ فَيُوَكِّلُ النَّاسَ فِيهِ إلَى مَيْلِهِمْ إلَيْهِ، وَالْجِهَادَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ فَيَحْتَاجُ النَّاسُ فِي إرْصَادِ أَنْفُسِهِمْ إلَيْهِ إلَى التَّآلُفِ وَإِلَّا فَمَحَبَّةُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ قَدْ تَصُدُّ عَنْهُ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَفَرْقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ أَقْوَى مِنْ الْخَاصَّةِ كَالْأَوْقَافِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي تِلْكَ التَّوَسُّعُ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ أَخْرَجَهُ شَخْصٌ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ نَشْرِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ الْمَخْصُوصِ، فَكَيْفَ يُصْرَفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ الصَّرْفُ لِأَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كِفَايَتَهُمْ كَمَا كَانَ يُصْرَفُ لِأَبِيهِمْ، وَمُقْتَضَى الْفَرْقِ الْأَوَّلِ عَدَمُهُ اهـ. وَالْفَرْقُ الثَّانِي أَظْهَرُ، وَلْيَكُنْ وَقْتُ الْعَطَاءِ مَعْلُومًا لَا يَخْتَلِفُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ أَوْ غَيْرِهِ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْإِعْطَاءَ يَكُونُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً لِئَلَّا يَشْغَلَهُمْ الْإِعْطَاءُ كُلَّ أُسْبُوعٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ عَنْ الْجِهَادِ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَهِيَ مُعْظَمُ الْفَيْءِ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ جَمْعِ الْمَالِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَنَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ كَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ جَمْعِ الْمَالِ فَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ، إذْ الْحَقُّ إنَّمَا يَثْبُتُ بِجَمْعِ الْمَالِ وَذِكْرُ الْحَوْلِ مِثَالٌ فَمِثْلُهُ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ مِنْ اخْتِصَاصِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ بِالْمُرْتَزِقَةِ. (فَإِنْ فَضَّلَتْ) بِتَشْدِيدِ الضَّادِ. أَيْ زَادَتْ (الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَةِ الْمُرْتَزِقَةِ وُزِّعَ) الْفَاضِلُ (عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ. مِثَالُ ذَلِكَ كِفَايَةُ وَاحِدٍ أَلْفٌ، وَكِفَايَةُ الثَّانِي أَلْفَانِ، وَكِفَايَةُ الثَّالِثُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَكِفَايَةُ الرَّابِعِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَجْمُوعِ كِفَايَتِهِمْ عَشَرَةُ آلَافٍ فَيُفْرَضُ الْحَاصِلُ عَلَى ذَلِكَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَيُعْطَى الْأَوَّلُ عُشْرَهَا، وَالثَّانِي خُمْسَهَا، وَالثَّالِثُ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهَا، وَالرَّابِعُ خُمُسَيْهَا، وَكَذَا يُفْعَلُ إنْ زَادَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 154 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ. فَأَمَّا عَقَارُهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفًا، وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ. فَصْلٌ الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّ صَرْفَ الزَّائِدِ لَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ قَالَ: الَّذِي فَهِمْتُهُ عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِرِجَالِهِمْ حَتَّى لَا يُصْرَفَ مِنْهُ لِلذَّرَارِيِّ أَيْ الَّذِينَ لَا رَجُلَ لَهُمْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ عَنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقُ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ) أَيْ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَاتِ الْمُرْتَزِقَةِ (فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ) وَهُوَ الْخَيْلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعُونَةٌ لَهُمْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ كَالْغَنِيمَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُبْقِي فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ الْفَيْءِ مَا وَجَدَ لَهُ مَصْرِفًا فَيَصْرِفُ مَالَ كُلِّ سَنَةٍ إلَى مَصَارِفِهِ وَلَا يَدَّخِرُ شَيْئًا خَوْفًا لِنَازِلَةٍ تَأَسِّيًا بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فَإِنَّهُمَا مَا كَانَا يَدَّخِرَانِ شَيْئًا، ثُمَّ إنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِأَمْرِهَا، وَإِنْ غَشِيَهُمْ الْعَدُوُّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَنْ يَنْفِرُوا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَصْرِفًا ابْتِدَاء رِبَاطَات الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَسَبِ رَأْيِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَوَادِثِ اهـ. فَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عَنْ كِفَايَتِهِمْ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرْزَاقِهِمْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (هَذَا) السَّابِقُ كُلُّهُ (حُكْمُ مَنْقُولِ) مَالِ (الْفَيْءِ. فَأَمَّا عَقَارُهُ) مِنْ أَرْضٍ أَوْ بِنَاءٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ جَمِيعَهُ (يُجْعَلُ وَقْفًا) أَيْ يُنْشِئُ الْإِمَامُ وَقْفَهُ (وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ) كُلَّ سَنَةٍ (كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ قِسْمَةِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُمْ فَتُصْرَفُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَلَّةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ وَخُمْسُهَا لِلْمَصَالِحِ وَذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيل. تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْحُصُولِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ وَقْفٍ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ: يَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الْحُصُولِ كَرِقِّ النِّسَاءِ بِنَفْسِ الْأَسْرِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ. ثَانِيهَا: تَحَتُّمُ الْوَقْفِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ رَأَى قِسْمَتَهُ أَوْ بَيْعَهُ وَقِسْمَةَ ثَمَنِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يُقَسَّمُ سَهْمُ الْمَصَالِحِ، بَلْ يُوقَفُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي الْمَصَالِحِ، أَوْ تُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَيْهَا، وَلَكِنَّ الْوَقْفَ أَوْلَى. ثَالِثُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْفِ الْوَقْفُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْوَقْفُ عَنْ التَّصَرُّفِ بِالْقِسْمَةِ لَا الْوَقْفُ الشَّرْعِيُّ. [فَصْلٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا] (الْغَنِيمَةُ) لُغَةً الرِّبْحُ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَشَرْعًا (مَالٌ) وَمَا الْتَحَقَ بِهِ كَخَمْرَةٍ مُحْتَرَمَةٍ (حَصَلَ) لَنَا (مِنْ كُفَّارٍ) أَصْلِيِّينَ حَرْبِيِّينَ مِمَّا هُوَ لَهُمْ (بِقِتَالٍ) مِنَّا (وَإِيجَافٍ) بِخَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 155 فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ   [مغني المحتاج] نَحْوِهِمَا مِمَّا مَرَّ وَلَوْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ فِي الْقِتَالِ، أَوْ قَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ حِينَ الْتَقَى الصَّفَّانِ. وَمِنْ الْغَنِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْ دَارِهِمْ سَرِقَةً، أَوْ اخْتِلَاسًا، أَوْ لُقَطَةً، أَوْ مَا أَهْدَوْهُ لَنَا، أَوْ صَالَحُونَا عَلَيْهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ. وَأَمَّا الْمَرْهُونُ الَّذِي لِلْحَرْبِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَالْمُؤَجَّرُ الَّذِي لَهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا إذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَهَلْ هُوَ فَيْءٌ أَوْ غَنِيمَةٌ؟ وَجْهَانِ أَشْبَهَهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّانِي؛ وَيُرَدُّ عَلَى طَرْدِ هَذَا الْحَدِّ الْمَتْرُوكِ بِسَبَبِ حُصُولِنَا فِي دَارِهِمْ وَضَرْبِ مُعَسْكَرِنَا فِيهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ غَنِيمَةً فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ وُجُودِ الْإِيجَافِ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَا أُخِذَ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ، فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُمْ، وَمَا أُخِذَ مِنْ تَرِكَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ فَيْءٌ لَا غَنِيمَةٌ كَمَا مَرَّ، وَمَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ كَجِزْيَةٍ فَإِنَّهُ فَيْءٌ كَمَا مَرَّ أَيْضًا، وَلَوْ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ نَحْوِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ نَمْلِكْهُ، وَلَوْ غَنِمَ ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ فَهَلْ يُخَمَّسُ الْجَمِيعُ أَوْ نَصِيبُ الْمُسْلِمِ؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ بِأَنَّهُ لَا يُغْنَمُ مَالُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَمَسَّك بِدِينٍ حَقٍّ وَلَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ أَصْلًا. أَمَّا لَوْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِدِينٍ بَاطِلٍ فَلَا، بَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْكُفَّارِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَإِيجَافٍ بِالْوَاوِ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ لِئَلَّا يُرَدَّ الْمَأْخُوذُ بِقِتَالِ الرَّجَّالَةِ وَبِالسُّفُنِ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا إيجَافَ فِيهِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ (فَيُقَدَّمُ مِنْهُ) أَيْ أَصْلِ مَالِ الْغَنِيمَةِ (السَّلَبُ) بِالتَّحْرِيكِ (لِلْقَاتِلِ) الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَكَانَ حُرًّا أَمْ لَا، ذَكَرًا أَمْ لَا، بَالِغًا أَمْ لَا، شَرَطَهُ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 156 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لَا، فَارِسًا أَمْ لَا، وَذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 157 وَهُوَ ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَالْخُفُّ وَالرَّانُ وَآلَاتُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ، وَنَفَقَةٌ مَعَهُ وَجَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ عِشْرِينَ قَتِيلًا وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ» . تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لِسَلَبٍ سَوَاءٌ أُحْضِرَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ لَا، وَالْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ وَالْخَائِنُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا سَهْمَ لَهُ وَلَا رَضْخَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَطْلَقُوا اسْتِحْقَاقَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ السَّلَبَ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ لِمُسْلِمٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَتِيلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ، فَلَوْ قَتَلَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُقَاتِلَا فَلَا سَلَبَ لَهُ، فَإِنْ قَاتَلَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَعْرَضَ مُسْتَحِقُّ السَّلَبِ عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَهُ. (وَهُوَ) أَيْ السَّلَبُ (ثِيَابُ الْقَتِيلِ) الَّتِي عَلَيْهِ (وَالْخُفُّ وَالرَّانُ) وَهُوَ بِمُهْمَلَةٍ وَأَلْفٍ وَنُونٍ خُفٌّ لَا قَدَمَ لَهُ أَطْوَلُ مِنْ الْخُفِّ يُلْبَسُ لِلسَّاقِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْحَجِّ (وَآلَاتُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ) وَهُوَ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ الزَّرَدِيَّةُ (وَسِلَاحٍ) لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ عَطْفِهِ السِّلَاحَ عَلَى الدِّرْعِ أَنَّ الدِّرْعَ لَيْسَ بِسِلَاحٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْمُصَنِّفِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْهُ، وَعَطْفُهُ أَيْضًا مَا بَعْدَ الثِّيَابِ عَلَيْهَا يُشْعِرُ بِمُغَايَرَتِهِ لَهَا، وَهُوَ عَكْسُ مَا قَالُوهُ فِيمَنْ أَوْصَى بِثِيَابِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ كُلُّ مَا عَلَى بَدَنِهِ، وَمِنْهُ الْخُفُّ وَالرَّانُ وَالطَّيْلَسَانُ، وَلَوْ كَانَ غُلَامُهُ حَامِلًا لِسِلَاحِهِ يُعْطِيهِ مَتَى شَاءَ. قَالَ الْإِمَامُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السِّلَاحُ كَالْفَرَسِ الْمَجْنُوبِ مَعَ الْغُلَامِ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَلَوْ زَادَ سِلَاحُهُ عَلَى الْعَادَةِ فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْجَنِيبَةِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا وَاحِدَةً أَنَّهُ هُنَا لَا يُعْطَى إلَّا سِلَاحًا وَاحِدًا. وَقَالَ الْإِمَامُ: إذَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ لَا سِلَاحٌ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (وَمَرْكُوبٍ) لِلْقَتِيلِ قَاتَلَ عَلَيْهِ أَوْ أَمْسَكَهُ بِعِنَانِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ رَاجِلًا (وَ) آلَتِهِ نَحْوِ (سَرْجٍ وَلِجَامٍ) وَمِهْمَازٍ مَعْقُودٍ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا (وَكَذَا) لِبَاسُ زِينَتِهِ، وَهُوَ (سِوَارٌ) وَطَوْقٌ (وَمِنْطَقَةٌ) وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ (وَخَاتَمٌ، وَ) كَذَا (نَفَقَةٌ مَعَهُ) مَعَ هِمْيَانِهَا لَا الْمُخَلَّفَةِ فِي رَحْلِهِ (وَجَنِيبَةٍ تُقَادُ مَعَهُ فِي الْأَظْهَرِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَمَامَهُ أَمْ خَلْفَهُ أَمْ بِجَنْبِهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقَادُ مَعَهُ لِيَرْكَبَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ يَقُودُهَا بِنَفْسِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُتَّصِلَةٌ بِهِ وَتَحْتَ يَدِهِ، وَالْجَنِيبَةُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فَهِيَ كَمَرْكُوبِهِ الَّذِي أَمْسَكَ بِعَنَانِهِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ رَاجِلًا، بِخِلَافِ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَثْقَالَهُ، وَبِخِلَافِ الْمُهْرِ التَّابِعِ لَهُ فَإِنَّهُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقَاتِلًا بِهَا فَأَشْبَهَتْ مَا فِي خَيْمَتِهِ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْجَنَائِبُ اخْتَارَ الْقَاتِلُ مِنْهَا وَاحِدَة كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 158 لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ الْحَرْبِ، فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنْ الصَّفِّ أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ فَلَا سَلَبَ، وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.   [مغني المحتاج] وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْإِمَامِ وَاحِدَةً مِنْهَا أَوْ يُقْرِعُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَائِدَهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا لَقَالَ يَقُودُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ يَقُودُهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ سَلَبًا كَسَائِرِ مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مَعَهُ جَنَائِبُ اسْتَحَقَّ وَاحِدَةً، إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْجَنَائِبَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ عَدَدٍ يَقُودُونَهَا (لَا حَقِيبَةٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وِعَاءٌ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَتَاعُ وَيُجْعَلُ عَلَى حَقْوِ الْبَعِيرِ (مَشْدُودَة عَلَى الْفَرَسِ) فَلَا يَأْخُذُهَا وَلَا مَا فِيهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْأَمْتِعَةِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ لِبَاسِهِ وَلَا مِنْ حِلْيَتِهِ وَلَا حِلْيَةِ فَرَسِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ كَالْجَنِيبَةِ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا لِأَنَّهُ حَمَلَهَا عَلَى فَرَسِهِ لِتَوَقُّعِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا. (وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ) الْقَاتِلُ السَّلَبَ (بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ) أَيْ بِرُكُوبِ الْغَرَرِ (شَرَّ كَافِرٍ) أَصْلِيٍّ مُشْتَغِلٍ بِالْقِتَالِ (فِي حَالِ الْحَرْبِ) هَذِهِ قُيُودٌ ثَلَاثَةٌ فُرِّعَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ) رُمِيَ (مِنْ الصَّفِّ) الَّذِينَ لِلْمُسْلِمِينَ (أَوْ قَتَلَ) كَافِرًا (نَائِمًا) أَوْ مُشْتَغِلًا بِأَكْلٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ (وَقَدْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ) الْمُحَارِبُونَ غَيْرَ مُتَحَيِّزِينَ لِقِتَالٍ أَوْ إلَى فِئَةٍ (فَلَا سَلَبَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَطَرِ وَالتَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَثْخَنَهُ فَتَيَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَغْرَى بِهِ كَلْبًا عَقُورًا فَقَتَلَهُ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَرَ بِرُوحِهِ حَيْثُ صَبَرَ فِي مُقَاتَلَتِهِ حَتَّى عَقَرَهُ الْكَلْبُ اهـ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَغْرَى بِهِ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ وَالْمَقِيسَ يَمْلِكُ السَّلَبَ فَهُوَ لِلْمَجْنُونِ وَلِمَالِكِ الرَّقِيقِ لَا لِآمِرِهِمَا، فَإِنْ أَغْرَى الْكَلْبَ بَلَا مُقَاتَلَةٍ كَرَامِي السَّهْمِ فَلَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ. أَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا لِقِتَالٍ أَوْ فِئَةٍ فَحُكْمُ الْقِتَالِ بَاقٍ فِي حَقِّهِمْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ مِنْ الصَّفِّ، عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ مِنْ وَرَاءِ الصَّفِّ، وَكَذَا كَتَبَهَا الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ فِي الْمِنْهَاجِ. ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى لَفْظَةِ وَرَاءَ، وَالصُّورَتَانِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَأَتَى الْمِنْهَاجُ بِمَا لَيْسَ فِي أَصْلِهِ لِكَوْنِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا فِي أَصْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ لِمَنْ لَا يَلْتَزِمُ فِي الِاخْتِصَارِ الْإِتْيَانَ بِمَعْنَى الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَقَوْلُهُ: انْهَزَمَ الْكُفَّارُ يُفْهَمُ أَنَّ انْهِزَامَ الْكَافِرِ الْوَاحِدِ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ فَقَتَلَهُ فِي إدْبَارِهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ لِمُثْخِنِهِ كَمَا مَرَّ دُونَ قَاتِلِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَنَاطَ كِفَايَةُ شَرِّهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 159 وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَبَعْدَ السَّلَبِ تُخْرَجُ مُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ كَمَا سَبَقَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ، فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الثَّانِي لِفَهْمِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ بِأَنْ يُعْمِيَهُ، وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنْ يَضْرِبَ رَأْسَهُ فَيَذْهَبَ ضَوْءُ عَيْنَيْهِ، وَبِمَنْ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ فَيَقْلَعَهَا، فَهِيَ أَحْسَنُ لِشُمُولِهَا مَا ذُكِرَ. (وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ فَدَاهُ أَوْ أَرَقَّهُ. أَمَّا فِي الْأَسْرِ فَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الْقَطْعِ. وَأَمَّا فِي الْقَطْعِ فَكَمَا لَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ، وَالثَّانِي: لَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ إلَّا بِالْقَتْلِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ الِامْتِنَاعَ فَرُبَّمَا أَعْمَى شَرٌّ مِنْ الْبَصِيرِ وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ يَحْتَالُ عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِ نَفْسِهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَطَعَ يَدًا وَرِجْلًا لِضَعْفِ حَرَكَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَ طَرَفًا وَفَقَأَ عَيْنًا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ. وَلَوْ مَسَكَهُ شَخْصٌ بِحَيْثُ مَنَعَهُ الْهَرَبَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي قَتْلِهِ أَوْ إثْخَانِهِ اشْتَرَكَا فِي سَلَبِهِ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ مَنُوطٌ بِالْقَتْلِ. نَعَمْ، إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ كَمُخَذِّلٍ رُدَّ نَصِيبُهُ إلَى الْغَنِيمَةِ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. أَمَّا إذَا ضَبَطَهُ فَهُوَ أَسِيرٌ وَقَتْلُ الْأَسِيرِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ السَّلَبَ كَمَا مَرَّ، وَالْجَارِحُ إنْ أَثْخَنَ جَرِيحَهُ فَالسَّلَبُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ فَدَفَعَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَكِبَ الْغَرَرَ فِي دَفْعِ شَرٍّ وَلَا حَقَّ لِلْآسِرِ فِي رَقَبَةِ أَسِيرِهِ وَلَا فِدَائِهِ، فَلَوْ أَرَقَّهُ الْإِمَامُ أَوْ فَدَاهُ فَالرَّقَبَةُ وَالْفِدَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ لَا حَقَّ فِيهِمَا لِآسِرِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّلَبِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا. (وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى الْمَشْهُورِ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهِ لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسْهُ» وَالثَّانِي: يُخَمَّسُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، فَيَدْفَعَ خُمُسَهُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْبَاقِيَ لِلْقَاتِلِ. (وَبَعْدَ السَّلَبِ تُخْرَجُ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلَهُ بِخَطِّهِ (مُؤْنَةُ الْحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ كَأُجْرَةِ حَمَّالٍ وَرَاعٍ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ. (ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي) بَعْدَ السَّلَبِ وَالْمُؤَنُ خَمْسَةُ أَخْمَاسٍ مُتَسَاوِيَةٍ، وَيُؤْخَذُ خَمْسُ رِقَاعٍ وَيُكْتَبُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَصَالِحِ وَعَلَى أَرْبَعٍ لِلْغَانِمِينَ. ثُمَّ تُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ مُتَسَاوِيَةٍ وَيُخْرَجُ لِكُلِّ خُمْسٍ رُقْعَةٌ، فَمَا خَرَجَ لِلَّهِ أَوَ لِلْمَصَالِحِ جُعِلَ بَيْنَ أَهْلِ الْخُمْسِ عَلَى خُمْسِهِ كَمَا قَالَ: (فَخُمُسُهُ) أَيْ الْمَالِ الْبَاقِي (لِأَهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ) بَيْنَهُمْ (كَمَا سَبَقَ) فِي قَسْمِ الْفَيْءِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 160 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ يُقَسَّمُ مَا لِلْغَانِمِينَ قَبْلَ قِسْمَةِ هَذَا الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُمْ حَاضِرُونَ وَمَحْصُورُونَ. لَكِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 161 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بَعْدَ إفْرَازِهِ بِقُرْعَةٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْخُمُسِ يَفُوزُونَ بِسِهَامِهِمْ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 162 وَالْأَصَحُّ أَنَّ النَّفَلَ يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ إنْ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ،   [مغني المحتاج] قِسْمَةِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأْخِيرُهَا بَلَا عُذْرٍ إلَى الْعَوْدِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَكْرُوهٌ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّعْجِيلُ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغَانِمِينَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ إذَا طَلَبَهَا الْغَانِمُونَ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ الْحَالِ. وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ لِلْجَيْشِ أَنْ لَا يُخَمَّسَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ وَوَجَبَ تَخْمِيسُ مَا غَنِمُوهُ سَوَاءٌ أَشَرَطَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا، وَقِيلَ: إنْ شَرَطَهُ لِضَرُورَةِ لَمْ يُخَمَّسْ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ النَّفَلَ) بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ فَفَاءٍ خَفِيفَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتُسَكَّنُ أَيْضًا (يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ) لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنْ الْخُمُسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُرِيدُ مِنْ خُمُسِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي: مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ كَالسَّلَبِ، وَالثَّالِثُ: مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا كَالْمُصَحَّحِ فِي الرَّضْخِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَحَلُّهُ (إنْ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ) وَفَاءٌ بِالشَّرْطِ أَوْ الْوَعْدِ وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ بِهِ لِلْحَاجَةِ، فَيُشْتَرَطُ الرُّبْعُ أَوْ الثُّلُثُ أَوْ غَيْرُهُمَا. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: نَفْلٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: يَجُوزُ فِيهِ التَّشْدِيدُ إذَا عَدَّيْتُهُ إلَى اثْنَيْنِ وَالتَّخْفِيفُ إذَا عَدَّيْتُهُ إلَى وَاحِدٍ، وَقَدْ كَتَبَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ خَفَّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَعَلَ النَّفَلَ (وَيَجُوزُ) جَزْمًا (أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُ) فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ وَلَا تُغْتَفَرُ الْجَهَالَةُ حِينَئِذٍ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ جَعَالَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى احْتِمَالِ الْجَهْلِ فِي الْجُعْلِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 163 وَالنَّفَلُ زِيَادَةٌ يَشْتَرِطُهَا الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةَ الْكُفَّارِ وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ، وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْحَاصِلِ عِنْدَهُ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِمَّا يَتَجَدَّدُ فِيهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ خُمُسِ الْخُمُسِ وَالْمَصَالِحِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُرَاعِيَ الْمَصْلَحَةَ (وَالنَّفَلُ) لُغَةً الزِّيَادَةُ، وَشَرْعًا (زِيَادَةٌ) عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ (يَشْتَرِطُهَا الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةُ الْكُفَّارِ) زَائِدَةٌ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ بَقِيَّةُ الْجَيْشِ كَالتَّقَدُّمِ عَلَى طَلِيعَةٍ وَالتَّهَجُّمِ عَلَى قَلْعَةٍ وَالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا وَحِفْظِ مَكْمَنٍ، وَيَجُوزُ إفْرَادُ الْمَشْرُوطِ لَهُ وَتَعَدُّدُهُ وَتَعْيِينُهُ وَعَدَمُ تَعْيِينِهِ كَمَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا. هَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ النَّفَلِ، وَشَرْطُهُ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَاقْتَضَى الْحَالُ بَعْثَ السَّرَايَا وَحِفْظَ الْمَكَامِنِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُنَفِّلَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ أَثَرٌ مَحْمُودٌ كَمُبَارَزَةٍ وَحُسْنِ إقْدَامٍ، وَهَذَا يُسَمَّى إنْعَامًا وَجَزَاءً عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ شُكْرًا، وَالْأَوَّلُ جَعَالَةٌ. وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ هَذَا بِمَا عِنْدَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْغَنِيمَةِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ التَّنْفِيلَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ إصَابَةِ الْمَغْنَمِ، وَهُوَ مَا قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. أَمَّا بَعْدَ إصَابَتِهِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ مَا أَصَابُوهُ (وَيَجْتَهِدُ) الشَّارِطُ (فِي قَدْرِهِ) بِحَسَبِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ وَقَدْ صَحَّ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ» ، وَالْبَدْأَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ السَّرِيَّةُ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ قَبْلَ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ مُقَدِّمَةً لَهُ، وَالرَّجْعَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ السَّرِيَّةُ الَّتِي يَأْمُرُهَا بِالرُّجُوعِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْجَيْشِ لِدَارِنَا، وَإِنَّمَا نَقَصَ فِي الْبَدْأَةِ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرِيحُونَ إذْ لَمْ يَطُلْ بِهِمْ السَّفَرُ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي غَفْلَةٍ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْ وَرَائِهِمْ يَسْتَظْهِرُونَ بِهِ، وَالرَّجْعَةُ بِخِلَافِهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْبَدْأَةُ السَّرِيَّةُ الْأُولَى وَالرَّجْعَةُ الثَّانِيَةُ، وَيُقَالُ لِلرَّجْعَةِ: الْقُفُولُ بِضَمِّ الْقَافِ، وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالنَّقْصُ عَنْ الرُّبْعِ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ (وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا) أَيْ الْبَاقِي مِنْهَا بَعْدَ تَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الْمُؤَنِ كَمَا سَبَقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 164 لِلْغَانِمِينَ. وَهُمْ مَنْ   [مغني المحتاج] (لِلْغَانِمِينَ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَعَمَلًا بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْضِ خَيْبَرَ. (وَهُمْ) أَيْ الْغَانِمُونَ (مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 165 حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ.   [مغني المحتاج] حَضَرَ الْوَقْعَةَ) وَلَوْ فِي أَثْنَائِهَا قَبْلَ الِانْقِضَاءِ وَلَوْ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْفَتْحِ، وَعَلَّقَ بِحَضَرَ قَوْلَهُ: (بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ) مَعَ الْجَيْشِ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ يَشْهَدُ الْوَقْعَةَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَهَيُّؤُهُ لِلْجِهَادِ وَحُصُولُهُ هُنَاكَ، فَإِنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ بَاعِثَةٌ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ فِي الْغَالِبِ إلَّا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ تَكْثِيرِهِ سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا مَنْ حَضَرَ لَا بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَقَاتَلَ فِي الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ هَذَا الضَّابِطُ يَشْمَلُ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ كَالصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ، فَلَوْ قَالَ: مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُ كَمَا فَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ لَخَرَجَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَحْتَمِلُ إبْقَاءُ الْكَلَامِ عَلَى عُمُومِهِ وَمَنْ يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 166 وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَفِيمَا قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ وَجْهٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالْحِيَازَةِ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ وَكَذَا بَعْدَ   [مغني المحتاج] جُمْلَةِ الْغَانِمِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِمْ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرَّضْخَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ، وَأُورِدَ عَلَى مَنْطُوقِ الْمَتْنِ صُورَتَانِ: الْأُولَى الْمُخَذِّلُ وَالْمُرْجِفُ وَالْخَائِنُ إذَا حَضَرُوا الْوَقْعَةَ لَا يَسْتَحِقُّونَ سَهْمًا وَلَا رَضْخًا وَإِنْ حَضَرُوا بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَقَاتَلُوا، بَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ حُضُورِ الصَّفِّ وَلَا يُمْنَعُ الْفَاسِقُ مِنْ الصَّفِّ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ تَخْذِيلُهُ، وَالْمُخَذِّلُ مَنْ يُثَبِّطُ الْقَوْمَ كَأَنْ يَقُولَ: الْعَدُوُّ كَثِيرٌ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ، وَالْمُرْجِفُ مَنْ يُخَوِّفُ الْقَوْمَ كَأَنْ يَقُولَ: جَاءَ الْعَدُوَّ مَدَدٌ، وَالْخَائِنُ مَنْ يُطْلِعُ الْكُفَّارَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِيَةُ: الْمُنْهَزِمُ غَيْرَ مُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ وَلَمْ يَعُدْ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَعَ حُضُورِهِ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْوَقْعَةِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْمَحُوزِ بَعْدَهُ فَقَطْ، وَكَذَا مَنْ حَضَرَ فِي الْأَثْنَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَحُوزِ قَبْلَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ فَإِنَّهُ يُعْطَى لِبَقَائِهِ فِي الْحَرْبِ مَعْنًى بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى بَعِيدَةٍ، وَإِنْ ادَّعَى التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ، أَوْ التَّحَرُّفَ لِقِتَالٍ صَدَّقْنَاهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَدْرَكَ الْحَرْبَ، وَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ مِنْ الْجَمِيعِ، وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مِنْ الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْحَرْبَ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ، وَعَلَى مَفْهُومِهِ ثَلَاثُ صُورٍ، الْأُولَى: مَا لَوْ بَعَثَ الْإِمَامُ جَاسُوسًا فَغَنِمَ الْجَيْشُ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَإِنَّهُ يُشَارِكهُمْ فِي الْأَصَحِّ، الثَّانِيَةُ: لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ بَعْضَ الْعَسْكَرِ لِيُحْرَسَ مِنْ هُجُومِ عَدُوٍّ، أَوْ أَفْرَدَ مِنْ الْجَيْشِ كَمِينًا، فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْوَقْعَةَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِهِمْ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ دَخَلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْحَرْبِ بِجَيْشٍ فَبَعَثَ سَرِيَّةً فِي نَاحِيَةٍ فَغَنِمَتْ شَارَكَهَا جَيْشُ الْإِمَامِ وَبِالْعَكْسِ لِاسْتِظْهَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، وَلَوْ بَعَثَ سَرِيَّتَيْنِ إلَى جِهَةٍ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِيمَا تَغْنَمُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ بَعَثَهُمَا إلَى جِهَتَيْنِ وَإِنْ تَبَاعَدَتَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يُشَارِكُ السَّرَايَا الْإِمَامُ وَلَا جَيْشُهُ إنْ كَانُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ قَصَدَ لُحُوقَهُمْ. (وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ) وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ، أَوْ خِيفَ رُجُوعُ الْكُفَّارِ لِعَدَمِ شُهُودِ الْوَقْعَةِ (وَفِيمَا) بَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَ (قَبْلَ حِيَازَةِ الْمَالِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ لَحِقَ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِيلَاءِ. تَنْبِيهٌ تَرَدَّدَ الرَّافِعِيُّ فِي حِكَايَةِ هَذَا وَجْهًا أَوْ قَوْلًا، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ قَوْلٌ، وَصُوَرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعٌ: حَاضِرٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَالْحِيَازَةِ فَيَسْتَحِقُّ جَزْمًا، أَوْ بَعْدَهُمَا فَلَا جَزْمًا، أَوْ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ عَكْسُهُ فَيَسْتَحِقُّ كَمَا يَفْهَمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ. (وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ، أَوْ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ (بَعْدَ انْقِضَائِهِ) أَيْ الْقِتَالِ (وَ) بَعْدَ (الْحِيَازَةِ فَحَقُّهُ) مِنْ الْمَالِ إنْ قُلْنَا: إنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالِانْقِضَاءِ وَالْحِيَازَةِ، أَوْ حَقَّ تَمَلُّكِهِ إنْ قُلْنَا: إنَّهَا إنَّمَا تُمْلَكُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَوْ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (لِوَارِثِهِ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَصْدُقُ بِمَا قُلْنَاهُ (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (بَعْدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 167 الِانْقِضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ فِي الْقِتَالِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَجِيرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ، وَالتَّاجِرَ وَالْمُحْتَرِفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا. وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ.   [مغني المحتاج] الِانْقِضَاءِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُمْلَكُ بِالِانْقِضَاءِ. وَالثَّانِي: لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تُمْلَكُ بِالِانْقِضَاءِ مَعَ الْحِيَازَةِ، وَهَلْ الْمَمْلُوكُ عَلَيْهِمَا نَفْسُ الْأَعْيَانِ أَوْ حَقَّ تَمَلُّكِهَا؟ وَجْهَانِ وَكِلَاهُمَا يُورِثُ كَمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا إنَّمَا تُمْلَكُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَوْ الْقِسْمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَلَوْ مَاتَ فِي) أَثْنَاءِ (الْقِتَالِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ) هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فَلَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِيهِ، وَنَصَّ فِي مَوْتِ الْفَرَسِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهَا، وَالْأَصَحُّ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَارِسَ مَتْبُوعٌ، فَإِذَا مَاتَ فَاتَ الْأَصْلُ وَالْفَرَسُ تَابِعٌ، فَإِذَا مَاتَ جَازَ أَنْ يَبْقَى سَهْمُهُ لِلْمَتْبُوعِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ فِيهِمَا وَجْهُ الِاسْتِحْقَاقِ شُهُودُ بَعْضِ الْوَقْعَةِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ اعْتِبَارُ آخِرِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ وَقْتُ الظَّفَرِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ مَاتَ فِي الْقِتَالِ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمَالِ أَوَّلًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إنَّ الْقِيَاسَ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ حِيَازَةِ الْمَالِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَأْمَنْ شَرَّهُمْ مَا دَامَتْ الْحَرْبُ بَاقِيَةً، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَلَوْ مَرِضَ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ مَرَضًا يَمْنَعُ الْقِتَالَ وَهُوَ يُرْجَى زَوَالُهُ اسْتَحَقَّ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ كَالْفَالِجِ وَالزَّمَانَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ وَدُعَائِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَالْجُنُونُ كَالْمَوْتِ وَأَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَالْجِرَاحَةُ فِي الْحَرْبِ كَالْمَرَضِ، وَأَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَرَضِ. (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَجِيرَ) الَّذِي وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَا لِجِهَادٍ، بَلْ (لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ) وَنَحْوِهَا (وَالتَّاجِرَ وَالْمُحْتَرِفَ) كَالْخَيَّاطِ وَالْبَقَّالِ (يُسْهَمُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا) لِشُهُودِهِمْ الْوَقْعَةَ وَقِتَالِهِمْ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا الْجِهَادَ. أَمَّا مَنْ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى ذِمَّتِهِ أَوْ بِغَيْرِ مُدَّةً كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَيُعْطَى وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ لِلْجِهَادِ فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِبُطْلَانِ إجَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُضُورِ الصَّفِّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ السَّهْمَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَمْ يَحْضُرْ مُجَاهِدًا، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى إجَارَةِ الذِّمِّيِّ. وَلَوْ أَفْلَتَ أَسِيرٌ مِنْ يَدِ الْكُفَّارِ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أُسْهِمَ لَهُ إنْ حَضَرَ الصَّفَّ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ؛ لِشُهُودِهِ الْوَقْعَةَ وَلِقَصْدِ مَنْ أَسْلَمَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْإِسْلَامِ فَيُقَبَّحُ حِرْمَانُهُ، وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا حِيزَ بَعْدَ حُضُورِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَسِيرُ مِنْ جَيْشٍ آخَرَ أُسْهِمَ لَهُ إنْ قَاتَلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَانَ بِقِتَالِهِ قَصْدُهُ لِلْجِهَادِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَكَذَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِشُهُودِهِ الْوَقْعَةَ. (وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ) لَهُ سَهْمٌ وَلِلْفَرَسِ سَهْمَانِ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَمَنْ حَضَرَ بِفَرَسٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 168 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] يَرْكَبُهُ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ رُكُوبُهُ لَا إنْ حَضَرَ مَعَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ، وَلَوْ اسْتَعَارَ فَرَسًا أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ غَصَبَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ الْمَالِكُ الْوَقْعَةَ أَوْ حَضَرَ وَلَهُ فَرَسٌ غَيْرُهُ أُسْهِمَ لَهُ لَا لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَحْضَرَهُ وَشَهِدَ بِهِ الْوَقْعَةَ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَلَا فَرَسَ لَهُ وَعَلِمَ بِفَرَسِهِ، أَوْ ضَاعَ فَرَسُهُ الَّذِي يُرِيدُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْمَغْصُوبِ وَلَا الضَّائِعِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ. وَلَوْ رَكِبَ شَخْصَانِ فَرَسًا وَشَهِدَا الْوَقْعَةَ، وَقَوِيَتْ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ بِهِمَا أُعْطِيَا أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمَانِ لَهُمَا وَسَهْمَانِ لِلْفَرَسِ، وَإِنْ لَمْ تَقْوَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهُمَا سَهْمَانِ. وَلَوْ قَاتَلُوا فِي مَاءٍ أَوْ حِصْنٍ وَقَدْ أَحْضَرَ الْفَارِسُ فَرَسَهُ أُعْطَى الْأَسْهُمَ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الرُّكُوبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَلَى مَنْ بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَرْكَبَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِإِعْطَائِهِ سَهْمَ الْفَرَسِ وَأَقَرَّاهُ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ فِي غَنِيمَةِ الْكَامِلِينَ، فَلَوْ انْفَرَدَ أَهْلُ الرَّضْخِ بِغَنِيمَةٍ خُمِّسَتْ وَقُسِّمَ الْبَاقِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 169 وَلَا يُعْطَى إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لَا لِبَعِيرٍ وَغَيْرِهِ. وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ وَمَا لَا غَنَاءَ فِيهِ، وَفِي قَوْلٍ يُعْطَى إنْ لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الْأَمِيرِ عَنْ إحْضَارِهِ. وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالذِّمِّيُّ إذَا حَضَرُوا فَلَهُمْ الرَّضْخُ   [مغني المحتاج] بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِمْ، وَيَتْبَعُهُمْ صِغَارُ السَّبْيِ فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمْ كَامِلٌ فَالْغَنِيمَةُ لَهُ وَيَرْضَخُ لَهُمْ. (وَلَا يُعْطَى) الْفَارِسُ (إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعْطِ الزُّبَيْرَ إلَّا لِفَرَسٍ وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَفْرَاسٌ» (عَرَبِيًّا كَانَ) الْفَرَسُ (أَوْ غَيْرَهُ) كَالْبِرْذَوْنِ، وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ أَعْجَمِيَّانِ، وَالْهَجِينُ وَهُوَ مَا أَبُوهُ عَرَبِيٌّ دُونَ أُمِّهِ، وَالْمُقْرِفُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ يَحْصُلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُهُمَا كَالرِّجَالِ (لَا لِبَعِيرٍ وَغَيْرِهِ) كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْفِيلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَرْبِ صَلَاحِيَّةَ الْخَيْلِ لَهُ بِالْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَاسْتَأْنَسُوا لَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ، وَصَوَّبَ فِي الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلْإِبِلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر: 6] لَكِنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيُرْضَخُ لَهُ، وَيُفَضَّلُ الْفِيلُ عَلَى الْبَغْلِ، وَالْبَغْلُ عَلَى الْحِمَارِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِ الْبَعِيرِ عَلَى الْبَغْلِ وَعَكْسِهِ فَقِيلَ: يُفَضَّلُ الْبَعِيرُ لِمَا نُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقِيلَ: يُفَضَّلُ الْبَغْلُ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَالْأَوَّلُ اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ مَنْ فَضَّلَ الْبَعِيرَ عَلَى الْبَغْلِ عَلَى الْهَجِينِ وَكَلَامَ مَنْ عَكَسَ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا أَظْهَرُ، وَالْحَيَوَانُ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَا يُرْضَخُ لَهُ، وَمَا يُسْهَمُ لَهُ حُكْمُ مَا يُرْضَخُ لَهُ. وَلَا يُدْخِلُ الْإِمَامُ دَارَ الْحَرْبِ إلَّا فَرَسًا شَدِيدًا (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يُعْطَى) السَّهْمُ (لِفَرَسٍ أَعْجَفَ) أَيْ مَهْزُولٍ بَيِّنِ الْهُزَالِ (وَمَا لَا غَنَاءَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ أَيْ لَا نَفْعَ (فِيهِ) كَالْهَرِمِ وَالْكَبِيرِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ بَلْ هُوَ عَلَى صَاحِبِهِ (وَفِي قَوْلٍ: يُعْطَى إنْ لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الْأَمِيرِ عَنْ إحْضَارِهِ) بِأَنْ لَمْ يَنْهَهُ الْأَمِيرُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ كَمَا يُعْطَى الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إذَا حَضَرَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الشَّيْخَ يُنْتَفَعُ بِرَأْيِهِ وَدُعَائِهِ. نَعَمْ يُرْضَخُ لَهُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَأَتَّى رُكُوبُهُ وَإِلَّا لَمْ يُعْطِ قَطْعًا. قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ بِنَهْيِ الْأَمِيرِ عَنْ إحْضَارِهِ لَا يُسْهَمُ لَهُ قَطْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَجَفُهُ فَكَطُرُوءِ مَوْتِهِ، وَلَوْ أَحْضَرَهُ أَعْجَفَ فَصَحَّ نَظَرَ إنْ كَانَ حَالَ حُضُورِ الْوَقْعَةِ صَحِيحًا أُسْهِمَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْأَعْجَفِ الْحَرُونُ الْجَمُوحُ، وَإِنْ كَانَ شَدِيدًا قَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُرُّ وَلَا يَفِرُّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، بَلْ قَدْ يُهْلَكُ رَاكِبُهُ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُ الْمُصَنِّفُ لِسِنِّ الْفَرَسِ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُسَابَقَةِ، فَقَالَ: وَاَلَّذِي تَجُوزُ الْمُسَابِقَةُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْلِ مَا يُسْهَمُ لَهُ. وَهُوَ الْجَذَعُ وَالثَّنِيُّ، وَقِيلَ: وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا. (وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ) وَالْمَجْنُونُ (وَالْمَرْأَةُ) وَالْخُنْثَى (وَالذِّمِّيُّ) وَالذِّمِّيَّةُ (إذَا حَضَرُوا) الْوَقْعَةَ مَعَ غَيْرِهِمْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَأَذِنَ الْإِمَامُ لِلذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ وَلَمْ يَسْتَأْجِرَا كَمَا سَيَأْتِي وَفِيهِمْ نَفْعٌ (فَلَهُمْ الرَّضْخُ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 170 وَهُوَ دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي قَدْرِهِ. وَمَحِلُّهُ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: إنَّمَا يَرْضَخُ لِذِمِّيٍّ حَضَرَ بَلَا أُجْرَةٍ، وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] فِي الْعَبْدِ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَفِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا، وَفِي قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ «أُسْهِمَ وَحُمِلَ عَلَى الرَّضْخِ» وَالرَّضْخُ مُسْتَحَقٌّ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ السَّيِّدُ وَالْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ فِي الْحُضُورِ أَمْ لَا، وَالرَّضْخُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ فِيهِمْ نَفْعٌ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ تَبَعًا لِنَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَتَعْبِيرُهُ بِالذِّمِّيِّ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْكُفَّارِ لَا يُرْضَخُ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْمُعَاهَدِ وَالْحَرْبِيِّ بِالذِّمِّيِّ إذَا حَضَرُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ، وَيَدُلُّ تَعْبِيرُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ بِالْكَافِرِ. قَالَ: وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ هُنَاكَ مُهَايَأَةٌ وَحَضَرَ فِي نَوْبَتِهِ أُسْهِمَ لَهُ وَإِلَّا رُضِخَ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي الْأَوَّلُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْوَجْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ وَالْمُبَعَّضِ كَذَلِكَ، وَيُرْضَخُ أَيْضًا لِلْأَعْمَى إنْ حَضَرَ وَالزَّمِنِ وَفَاقِدِ أَطْرَافٍ، وَكَذَا تَاجِرٌ وَمُحْتَرِفٌ حَضَرَا وَلَمْ يُقَاتِلَا (وَهُوَ) أَيْ الرَّضْخُ لُغَةً الْعَطَاءُ الْقَلِيلُ، وَشَرْعًا شَيْءٌ (دُونَ سَهْمٍ) لِرَاجِلٍ (يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي قَدْرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْدِيدٌ فَرَجَعَ إلَى رَأْيِهِ. وَيُفَاوِتُ عَلَى قَدْرِ نَفْعِ الْمُرْضَخِ لَهُ فَيُرَجَّحُ الْمُقَاتِلُ وَمَنْ قِتَالُهُ أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَارِسُ عَلَى الرَّاجِلِ، وَالْمَرْأَةُ الَّتِي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعَطْشَى عَلَى الَّتِي تَحْفَظُ الرِّجَالَ بِخِلَافِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالرَّضْخُ بِالِاجْتِهَادِ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّضْخُ لِفَارِسٍ، كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسِّهَامِ فَنَقَصَ بِهِ عَنْ قَدْرِهَا كَالْحُكُومَةِ مَعَ الْأُرُوشِ الْمُقَدَّرَةِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَسْتَحِقُّ الرَّضْخَ وَإِنْ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ. (وَمَحِلُّهُ) أَيْ الرَّضْخُ (الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ سَهْمٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ يُسْتَحَقُّ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ كَالْمُؤَنِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ سَهْمُ الْمَصَالِحِ. (قُلْتُ: إنَّمَا يَرْضَخُ لِذِمِّيٍّ) وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْكُفَّارِ (حَضَرَ بَلَا أُجْرَةٍ، وَ) كَانَ حُضُورُهُ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ الْأَمِيرِ وَبِلَا إكْرَاهٍ مِنْهُ (عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِ الْآحَادِ. وَالثَّانِي: فِيمَا إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ لَا يُرْضَخُ لَهُ. وَالثَّالِثُ: إنْ قَاتَلَ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ حُضُورِهِ بَدَلًا فَلَا يُقَابِلُ بِبَدَلٍ آخَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِالْأُجْرَةِ سَهْمَ رَاجِلٍ. تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَالَ: بِأُجْرَةٍ وَلَمْ يَقُلْ: بِإِجَارَةٍ لِيَشْمَلَ الْإِجَارَةَ وَالْجَعَالَةَ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ، فَإِنْ حَضَرَ بَلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ الْأَمِيرِ فَلَا رَضْخَ لَهُ بَلْ يُوزِرُهُ الْإِمَامُ إنْ رَآهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْخُرُوجِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ سَهْمٍ وَرُضِخَ لِاسْتِهْلَاكِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 171 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ لَوْ زَالَ نَقْصُ أَهْلِ الرَّضْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ الْحَرْبُ بِإِسْلَامٍ أَوْ بُلُوغٍ أَوْ إفَاقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ وُضُوحِ ذُكُورَةِ مُشْكِلٍ أُسْهِمَ لَهُمْ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا الرَّضْخُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ غَزَتْ طَائِفَةٌ وَلَيْسَ فِيهِمْ أَمِيرٌ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ فَحَكَّمُوا وَاحِدًا فِي الْقِسْمَةِ صَحَّتْ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَلَا، حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 172 كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ،   [مغني المحتاج] [كِتَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] ِ أَيْ الزَّكَوَاتِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا. وَأَمَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ فَقَدْ أَفْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ بِفَصْلٍ آخِرَ هَذَا الْكِتَابِ وَجَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ نَقْدٍ وَحَبٍّ وَغَيْرِهِمَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهَا بِصِدْقِ بَاذِلِهَا، وَذَكَرَ هَذَا الْكِتَابَ الْمُزَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَكْثَرُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ هَذَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ وَالزَّكَاةِ يَتَوَلَّى الْإِمَامُ جَمْعَهُ. وَذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ الزَّكَاةِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ وَافْتَتَحَهُ الْمُحَرَّرُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَعُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ ب " إنَّمَا " أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِيعَابِهِمْ، وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى وَتَقْيِيدِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلُ الصَّرْفُ فِي مَصَارِفِهَا اُسْتُرْجِعَ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ عَلَى تَرْتِيبِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا: (الْفَقِيرُ) مُشْتَقٌّ مِنْ كَسْرٍ الْفِقَارِ الَّتِي فِي الظَّهْرِ، وَهُوَ هُنَا (مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ) جَمِيعُهَا أَوْ مَجْمُوعُهُمَا (مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ) لِقَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ» وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْآيَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا اقْتَضَتْ الْآيَةُ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَارْتَبَطَ كَلَامُهُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُرَادُ بِحَاجَتِهِ مَا يَكْفِيهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ، وَاَلَّذِي لَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى عَشَرَةٍ وَيَجِدُ مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ: أَوْ ثَلَاثَةً. وَقَالَ الْقَاضِي: أَوْ أَرْبَعَةً، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مَوْقِعًا الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ لَا فَقَدْ لَا يَقَعُ النِّصَابُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَمْنَعُهُ مِنْهُ مَرَضٌ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْغَلُهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يَشْغَلُهُ فِي كَسْبٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ كَسْبًا حَلَالًا كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فَفَقِيرٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 173 وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ وَثِيَابُهُ وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ، وَالْمُؤَجَّلُ وَكَسْبٌ لَا يَلِيقُ بِهِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهَمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَقْرِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، فَقَالَ: لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ حَتَّى يَصْرِفَ مَا عِنْدَهُ لِلدَّيْنِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرٌ لِفَقِيرِ الزَّكَاةِ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي كَلَامِهِ. أَمَّا فَقِيرُ الْعَرَايَا، فَسَبَقَ فِيهَا أَنَّهُ مَنْ لَا نَقْدَ بِيَدِهِ. وَأَمَّا فَقِيرُ الْعَاقِلَةِ، فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا أَنَّهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ مَا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ (وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ) الْمَمْلُوكُ لَهُ (وَ) لَا (ثِيَابُهُ) اللَّائِقَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الثِّيَابِ تَعَدُّدُهَا وَلَا كَوْنُهَا لِلتَّجَمُّلِ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَسْكَنِ وَالثِّيَابِ يُوهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ غَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ رَقِيقَهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ وَكُتُبَهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ آلَةٍ لَهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ كُتُبٍ يَتَفَرَّجُ فِيهَا، وَلَوْ اعْتَادَ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَدْرَسَةِ وَمَعَهُ ثَمَنُ مَسْكَنٍ أَوْ لَهُ مَسْكَنٌ خَرَجَ عَنْ اسْمِ الْفَقْرِ بِمَا مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ (وَ) لَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ أَيْضًا (مَالُهُ الْغَائِبُ فِي) مَسَافَةٍ (مَرْحَلَتَيْنِ) بَلْ لَهُ الْأَخْذُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ قِيَاسًا عَلَى فَسْخِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ بِغَيْبَةِ مَالِ الزَّوْجِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَحْتَاجُ الْقَوْلُ بِالْأَخْذِ مَعَ مَالِهِ الْغَائِبِ إلَى دَلِيلٍ اهـ. دَلِيلُهُ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِي اشْتِرَاطِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، بَلْ يَنْبَغِي الْجَوَازُ فِيمَا دُونَهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي الْحَاضِرِ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ (وَ) لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ أَيْضًا مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنَهُ (الْمُؤَجَّلُ) الَّذِي لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحِلَّ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَمْ لَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَرَدَّدُ النَّاظِرُ فِيهِ اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْمَنْقُولِ. وَأَمَّا عَلَى بَحْثِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا، وَيُجَابُ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا كَانَ مَعْدُومًا لَمْ يَعْتَبِرُوا لَهُ زَمَنًا، بَلْ يُعْطَى حَتَّى يَحِلَّ وَيَقْدِرَ عَلَى خَلَاصِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ الْغَائِبِ فَفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا (وَ) لَا يَمْنَعُ الْأَخْذَ مِنْهَا أَيْضًا (كَسْبٌ) حَرَامٌ أَوْ (لَا يَلِيقُ بِهِ) أَيْ بِحَالِهِ وَمُرُوءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فَكَانَ كَالْعَدَمِ، وَإِطْلَاقُ الْكَسْبِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَسْبِ الْحَلَالِ اللَّائِقِ. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ لَكِنْ بِمَالٍ حَرَامٍ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى كَسْبٍ حَلَالٍ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ أَرْبَابَ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالْكَسْبِ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ: فَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِالتَّكَسُّبِ بِالْبَدَنِ وَهُوَ قَوِيٌّ قَادِرٌ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالْغِنَى، فَأَمَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَتَرْكُهُ ضَرْبٌ مِنْ الْحَمَاقَةِ وَرُعُونَاتِ النَّفْسِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّرَفُّعِ عَنْهُ وَأَخْذِ أَوْسَاخِ النَّاسِ، بَلْ أَخْذُهَا أَذْهَبُ لِلْمُرُوءَةِ مِنْ التَّكَسُّبِ بِالنَّسْخِ وَالْخِيَاطَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 174 وَلَوْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ فَفَقِيرٌ. وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ فَلَا. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ. وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَنَحْوِهِمَا فِي مَنْزِلِهِ، وَقَدْ أَجَّرَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفْسَهُ أَيْ لِيَهُودِيٍّ يَسْتَقِي لَهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ اهـ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. (وَلَوْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ) شَرْعِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَقَرَّاهُ (وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ) مِنْ اشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ (فَفَقِيرٌ) فَيَشْتَغِلُ بِهِ وَيَأْخُذُ مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ. أَمَّا مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّحْصِيلُ فَلَا يُعْطَى إنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مَا لَوْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ، فَلَا يُعْطَى إذَا كَانَ يَلِيقُ بِهِ مِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فِي الْبَسِيطِ بِالتَّكَسُّبِ بِالْوِرَاقَةِ - يَعْنِي النَّسْخَ. تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَنْ اشْتَغَلَ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ بِمَا كَانَ آلَةً لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ وَيَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ بِالْوِرَاقَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ تَعْلِيمِهِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَقْطَعُهُ عَنْ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ. (وَلَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ) لِلْعِبَادَاتِ وَمُلَازَمَةِ الْخَلَوَاتِ فِي الْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا (فَلَا) يَكُونُ فَقِيرًا، وَادَّعَى فِي الْمَجْمُوعِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ وَقَطْعَ الطَّمَعِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاس أَوْلَى مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَى النَّوَافِلِ مَعَ الطَّمَعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَغِلِ بِهَذَا وَبَيْنَ الْمُشْتَغِلِ بِعِلْمٍ أَوْ قُرْآنٍ بِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَغِلٌ بِمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِخِلَافِ هَذَا، وَلِأَنَّ نَفْعَ هَذَا قَاصِرٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الْبَرَزِيِّ: أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ وَكَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَسِبَ مَعَ الصَّوْمِ كِفَايَتَهُ أَنَّ لَهُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ كِفَايَتَهُ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ وَلَكِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ فَلَهُ أَخْذُهَا لِيَنْكِحَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ كِفَايَتِهِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: إنَّ مُسْتَغْرِقَ الْوَقْتِ بِالْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ كَالْمُشْتَغِلِ بِالْفِقْهِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا. أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا وَإِنْ كَانَ صُوفِيًّا اهـ وَفِي قِيَاسِهِ عَلَى الْفِقْهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ. (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فَقِيرٍ الزَّكَاةِ الْآخِذِ مِنْهَا (الزَّمَانَةُ) وَهِيَ - بِفَتْحِ الزَّايِ - الْعَاهَةُ (وَلَا التَّعَفُّفُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَدِيدِ) فِيهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] أَيْ غَيْرِ السَّائِلِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ وَمَنْ سَأَلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ زَمِنًا، وَالْقَدِيمِ يَشْتَرِطَانِ، وَرَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِالْأَوَّلِ، وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِلْجُمْهُورِ. (وَالْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ) نَفَقَةِ (زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا) وَلَا مِسْكِينًا أَيْضًا فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ كَالْمُكْتَسِبِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى غَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجِ وَلَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَوْ الْبَائِنِ وَهِيَ حَامِلٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْأَخْذُ بَلَا خِلَافٍ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 175 وَالْمِسْكِينُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ.   [مغني المحتاج] الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ مُتَبَرِّعٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ. قَالَ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فِي الْمَكْفِيِّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فَقِيرًا يُخَالِفُ تَعْبِيرَ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ هَذَا الثَّانِي اهـ. وَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ إلَخْ، وَهُوَ شَامِلٌ لِهَذَا، فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ، لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهُ مَنْزِلَةَ الْغَنِيِّ لِكَوْنِهِ مَكْفِيًّا فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، فَالتَّعْبِيرُ بَلَا يُعْطَى أَوْلَى. وَيُعْطِي الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ وَالْمُؤَلَّفَةِ، وَمِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ، لَا إنْ سَافَرَتْ مَعَهُ بِإِذْنٍ أَوْ دُونَهُ أَوْ وَحْدَهَا بَلَا إذْنٍ فَلَا يُعْطِيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى وَإِنْ انْتَفَى الْإِذْنُ مَكْفِيَّةٌ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَاصِيَةٌ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِ لِرُجُوعِهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهِ أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ بَاقِي كِفَايَتِهَا لِحَاجَةِ السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا كَأَنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا أُعْطِيت كِفَايَتَهَا مِنْهُ، وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بَلَا إذْنٍ أُعْطِيت هِيَ وَالْعَاصِي بِالسَّفَرِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، بِخِلَافِ النَّاشِزَةِ الْمُقِيمَةِ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى الْغِنَى بِالطَّاعَةِ، فَأَشْبَهَتْ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ، وَالْمُسَافِرَةُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ فِي الْحَالِ، وَلِلزَّوْجَةِ إعْطَاءُ زَوْجِهَا الْحُرِّ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا أَنَّهُ مَكْفِيٌّ بِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَالْمِسْكِينُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ) لَائِقٍ بِهِ حَلَالٍ (يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ) لِمَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ وَمَلْبَسِهِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ (وَلَا يَكْفِيهِ) ذَلِكَ الْمَالُ أَوْ الْكَسْبُ كَمَنْ يَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةٍ وَلَا يَجِدُ إلَّا سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَقِيرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: الْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَقَدْ يَمْلِكُ أَلْفَ دِينَارٍ وَهُوَ مِسْكِينٌ، وَقَدْ لَا يَمْلِكُ إلَّا فَأْسًا وَحَبْلًا وَهُوَ غَنِيٌّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ بَلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ خِلَافًا لِمَنْ عَكَسَ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] [الْكَهْفُ] حَيْثُ سُمِّيَ مَالِكِيهَا مَسَاكِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَمْلِكُ شَيْئًا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ، وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْفَقْرِ، وَالْعِبْرَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كِفَايَةُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: كِفَايَةَ سَنَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ، وَخَرَجَ بِلَائِقٍ بِهِ وَحَلَالٍ غَيْرُ اللَّائِقِ بِهِ وَالْحَرَامُ فَهُوَ كَمَنْ لَا كَسْبَ لَهُ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 176 وَالْعَامِلُ سَاعٍ وَكَاتِبٌ وَقَاسِمٌ وَحَاشِرٌ يَجْمَعُ ذَوِي الْأَمْوَالِ، لَا الْقَاضِي وَالْوَالِي.   [مغني المحتاج] الْمَسْكَنَةِ أَثَاثٌ يَحْتَاجُهُ فِي سَنَتِهِ وَلَا مِلْكُهُ ثِيَابَ شِتَاءٍ يَحْتَاجُهَا فِي صَيْفٍ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا مِلْكُ كُتُبٍ وَهُوَ فَقِيهٌ يَحْتَاجُهَا لِلتَّكَسُّبِ كَالْمُؤَدِّبِ وَالْمُدَرِّسِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لِلْقِيَامِ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ وَإِنْ كَانَ احْتِيَاجُهُ لَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَتَبْقَى لَهُ النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ النُّسَخِ الْمُتَكَرِّرَةِ عِنْدَهُ فَلَا يَبْقَيَانِ مَعًا لِاغْتِنَائِهِ بِالصَّحِيحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَصَحَّ وَالْأُخْرَى أَحْسَنَ يَبْقَى الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ لَهُ كِتَابَانِ مِنْ عِلْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَبْسُوطًا وَالْآخِرُ وَجِيزًا بَقِيَ الْمَبْسُوطُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُدَرِّسٍ، بِأَنْ كَانَ قَصْدُهُ الِاسْتِفَادَةَ، وَإِنْ كَانَ مُدَرِّسًا بَقِيَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي التَّدْرِيسِ، وَيَبْقَى لَهُ كُتُبُ طِبٍّ يَكْتَسِبُ بِهَا أَوْ يُعَالِجُ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْمُعَالِجُ مَعْدُومٌ مِنْ الْبَلَدِ، وَكُتُبُ وَعْظٍ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَاعِظٌ، إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَنْتَفِعُ بِالْوَعْظِ كَانْتِفَاعِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَعَلَى حَسَبِ إرَادَتِهِ، وَلَا يَبْقَى لَهُ كِتَابٌ يَتَفَرَّجُ فِيهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ لِلتَّعْلِيمِ وَلِلِاسْتِفَادَةِ فَلَا يَمْنَعُ الْمَسْكَنَةَ كَمَا تَقَرَّرَ، وَيُطْلَبُ لِلتَّفَرُّجِ فِيهِ بِالْمُطَالَعَةِ كَكُتُبِ التَّوَارِيخِ وَالشَّعْرِ فَيُمْنَعُ، وَمَنْ لَهُ عَقَارٌ مَثَلًا يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَهُوَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ، فَقَالَ: (وَالْعَامِلُ) عَلَى الزَّكَاةِ (سَاعٍ) وَهُوَ الَّذِي يَجْبِي الزَّكَاةَ (وَكَاتِبٌ) يَكْتُبُ مَا أَعْطَاهُ أَرْبَابُ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمَالِ وَيَكْتُبُ لَهُمْ بَرَاءَةً بِالْأَدَاءِ وَمَا يُدْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ (وَقَاسِمٌ) وَحَاسِبٌ وَعَرِيفٌ، وَهُوَ كَنَقِيبِ الْقَبِيلَةِ، وَجُنْدِيٌّ وَهُوَ الْمُشَدُّ عَلَى الزَّكَاةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (وَحَاشِرٌ) وَهُوَ اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ (يَجْمَعُ ذَوِي الْأَمْوَالِ) وَالثَّانِي: مَنْ يَجْمَعُ ذَوِي السُّهْمَانِ لِصِدْقِ اسْمِ الْعَامِلِ عَلَى الْجَمِيعِ، لَكِنَّ أَشْهَرَهُمْ هُوَ الَّذِي يُرْسَلُ إلَى الْبِلَادِ وَالْبَاقُونَ أَعْوَانٌ. تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ اسْمِ الْعَامِلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، فَلَوْ فَرَّقَ الْمَالِكُ أَوْ حَمَلَهَا إلَى الْإِمَامِ سَقَطَ (لَا) الْإِمَامُ وَ (الْقَاضِي وَالْوَالِي) لِلْإِقْلِيمِ إذَا قَامُوا بِذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الزَّكَاةِ، بَلْ رِزْقُهُمْ إذَا لَمْ يَتَطَوَّعُوا بِالْعَمَلِ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ عَمَلَهُمْ عَامٌّ، وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَرِبَ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ وَاسْتَقَاءَهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْقَاضِي قَبْضَ الزَّكَوَاتِ وَصَرْفَهَا، وَهَذَا فِي أَمْوَالِ أَيْتَامٍ تَحْتَ نَظَرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ لَهَا نَاظِرًا فَفِي دُخُولِهَا فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الدُّخُولُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَأَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الدُّخُولَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَيُزَادُ فِي الْعُمَّالِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْوَزَّانُ وَالْكَيَّالُ وَالْعَدَّادِ عُمَّالٌ إنْ مَيَّزُوا بَيْنَ أَنْصِبَاءِ الْأَصْنَافِ وَأُجْرَتُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ، إذْ لَوْ أَلْزَمْنَاهَا لِلْمَالِكِ لَزِدْنَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا مُمَيِّزُو الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ وَجَامِعُوهُ فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا لِتَوْفِيَةِ الْوَاجِبِ، كَأُجْرَةِ كَيْلِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَأُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْحَافِظِ بَعْدَ قَبْضِهَا وَالْمُخَزِّنِ وَالنَّاقِلِ فِي جُمْلَةِ السَّهْمَيْنِ لَا فِي سَهْمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 177 وَالْمُؤَلَّفَةُ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ أَوْ لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ. وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ.   [مغني المحتاج] الْعَامِلِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الرَّابِعِ، فَقَالَ: (وَالْمُؤَلَّفَةُ) جَمْعُ مُؤَلَّفٍ مِنْ التَّأَلُّفِ، وَهُوَ جَمْعُ الْقُلُوبِ، وَهُوَ (مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ) فَيُتَأَلَّفُ لِيَقْوَى إيمَانُهُ وَيَأْلَفُ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ضَعْفِ النِّيَّةِ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوِيَّةٌ، وَلَكِنْ (لَهُ شَرَفٌ) فِي قَوْمِهِ (يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ) مِنْ نَظَائِرِهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي شَرَفِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] ؛ إذْ لَوْ لَمْ نُعْطِ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ نَجِدْ لِلْآيَةِ مَحْمَلًا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُعْطَوْنَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ بِالْمَالِ. وَالثَّالِثُ: يُعْطَوْنَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّهُ مُرْصَدٌ لِلْمَصَالِحِ، وَهَذَا مِنْهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ لِأَنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَنْ أَسْلَمَ مُؤَلَّفَةُ الْكُفَّارِ، وَهُمْ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمْ وَمَنْ يُخْشَى شَرُّهُمْ، فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ قَطْعًا لِلْإِجْمَاعِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ: أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» . تَنْبِيهٌ حَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُؤَلَّفَةَ فِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ؛ الْمَذْكُورَانِ. وَالثَّالِثُ: مَنْ يُقَاتِلُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ، وَالرَّابِعُ: مَنْ يُقَاتِلُ مَنْ يَلِيهِ مِنْ مَانِعِي الزَّكَاةِ فَيُعْطَوْنَ إذَا كَانَ إعْطَاؤُهُمَا أَهْوَنَ عَلَيْنَا مِنْ جَيْشٍ يُبْعَثُ لِبُعْدِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ احْتِيَاجُنَا إلَيْهِمْ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. أَمَّا هُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَهَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ؟ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ نَعَمْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الْخَامِسِ، فَقَالَ: (وَالرِّقَابُ) وَهُمْ (الْمُكَاتَبُونَ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَيُدْفَعُ إلَيْهِمْ لَا مِنْ زَكَاةِ سَيِّدِهِمْ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ مَا يُؤَدُّونَ مِنْ النُّجُومِ فِي الْكِتَابَةِ بِأَنْ عَجَزُوا عَنْ الْوَفَاءِ وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ النَّجْمُ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ مُتَيَسِّرٌ فِي الْحَالِ، وَرُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ عِنْدَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْعَاجِزِينَ لِعَدَمِ حَاجَتِهِمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْحُلُولَ كَمَا اشْتَرَطَ فِي الْغَارِمِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الرِّقِّ أَهَمُّ، وَالْغَارِمُ يُنْتَظَرُ لَهُ الْيَسَارُ، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَ بِمَا يَخُصُّهُمْ رِقَابٌ لِلْعِتْقِ كَمَا قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177] كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَهُنَاكَ يُعْطَى الْمَالُ لِلْمُجَاهِدِينَ فَيُعْطَى لِلرِّقَابِ هُنَا. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَلَا يُعْطَى؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، وَكَذَا لَا يُعْطَى مَنْ كُوتِبَ بَعْضُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِبَعْضِهِ الرَّقِيقِ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتِبِينَ. وَاسْتَحْسَنَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ صُرِفَ إلَيْهِ فِي نَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْمُكَاتَبَ مِنْ زَكَاةِ سَيِّدِهِ لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِرَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُعْطِيَ غَرِيمَهُ مِنْ زَكَاتِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 178 وَالْغَارِمُ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أُعْطِيَ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يُعْطَى إذَا تَابَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ   [مغني المحتاج] فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ فَكَأَنَّهُ أَعْطَى مَمْلُوكَهُ، بِخِلَافِ الْغَارِمِ. وَيُعْطَى الْمُكَاتَبُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى كَسْبِ مَا يُؤَدِّي بِهِ النُّجُومَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ لَا يُعْطَيَانِ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ حَاجَتَهُمَا تَتَحَقَّقُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَالْكَسُوبُ يُحَصِّلُ كُلَّ يَوْمٍ كِفَايَتَهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلِ كِفَايَةِ الدَّيْنِ إلَّا بِالتَّدْرِيجِ وَلَا يُزَادُونَ عَلَى مَا يُؤَدُّونَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا فُكَّ بِهِ رَقَبَتِهِ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ لَا الْمُكَاتِبِينَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ اسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَتَعَلَّقَ بَدَلُهُ بِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا لِحُصُولِ الْمَالِ عِنْدَهُ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ، فَلَوْ قَبَضَهُ السَّيِّدُ رَدَّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَغَرِمَ بَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَوْ مَلَّكَهُ السَّيِّدُ شَخْصًا لَمْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ بَلْ يُغَرِّمُهُ السَّيِّدُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ السَّادِسِ، وَهُوَ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: دَيْنٌ لَزِمَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لِتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَهُوَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَدَيْنٌ لَزِمَهُ لَا لِتَسْكِينِهَا، وَالْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ هَذَا الضَّرْبَ، وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (وَالْغَارِمُ إنْ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ) شَيْئًا يَصْرِفُهُ فِي غَرَضِهَا (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ، كَحَجٍّ وَجِهَادٍ وَتَزَوُّجٍ وَأَكْلٍ وَلُبْسٍ (أُعْطِيَ) وَمِثْلُهُ مَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَدِينِ فِي مَعْصِيَةٍ، وَمَثَّلَ الرَّافِعِيُّ الِاسْتِدَانَةَ لِلْمَعْصِيَةِ بِثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ فِي الْحَجْرِ عَدَمُ تَحْرِيمِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَطَاعِمِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْأَصَحِّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا إسْرَافٌ فِي نَفَقَةٍ بِقَرْضٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً بِخِلَافِهِ هُنَاكَ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا فَلَا يُعْطَى (قُلْتُ: الْأَصَحُّ يُعْطَى) مَعَ الْفَقْرِ (إذَا تَابَ) عَنْهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ النَّظَرُ إلَى حَالِ وُجُودِهَا كَالْمُسَافِرِ لِمَعْصِيَةٍ إذَا تَابَ فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِمُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِيَظْهَرَ حَالُهُ إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ: يُعْطَى إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فِي تَوْبَتِهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ، وَالثَّانِي: لَا يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً ثُمَّ يَعُودُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ اسْتَدَانَ لِمَعْصِيَةٍ ثُمَّ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ أُعْطِيَ وَفِي عَكْسِهِ يُعْطَى أَيْضًا إنْ عُرِفَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ أَوْ لَا، وَلَكِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَالْأُولَى وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَاسْتِدْرَاكُهُ لِمَا يُفْهِمُهُ عُمُومُ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ اسْتَدَانَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ الْمُسْتَدِينَ لِمَعْصِيَةٍ لَا يُعْطَى مُطْلَقًا، وَلِهَذَا نَقَلَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُحَرَّرِ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَمُرَادُهُ مَا اقْتَضَاهُ عُمُومُ الْمَفْهُومِ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِينِ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى وَفَاءِ مَا اسْتَدَانَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ لِحَاجَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ، فَلَوْ وَجَدَ مَا يَقْتَضِي بِهِ دَيْنَهُ لَمْ يُعْطِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِنْ الْمُهِمِّ الْبَحْثُ عَنْ مَعْنَى الْحَاجَةِ، وَعِبَارَةُ أَكْثَرِهِمْ تَقْتَضِي كَوْنَهُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَقْرَبُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا يُعْتَبَرُ الْفَقْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 179 دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى، وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا.   [مغني المحتاج] وَالْمَسْكَنَةُ، بَلْ لَوْ مَلَكَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكَنَ فَيُتْرَكُ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيُعْطَى مَا يَقْضِي بِهِ بَاقِيَ دَيْنِهِ، وَوَافَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ بِالِاكْتِسَابِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُعْطَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بَعْدَ زَمَنٍ وَحَاجَتُهُ حَاصِلَةٌ فِي الْحَالِ لِثُبُوتِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ حِينَئِذٍ مُحْتَاجٌ. ثَانِيهِمَا: عَوْدُ الْخِلَافِ إلَى التَّائِبِ تَفْرِيعًا عَلَى إعْطَائِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ اشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ مَجْزُومٌ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْخِلَافُ عَائِدٌ لِلِاسْتِدَانَةِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: (قُلْتُ: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَهُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطَ قَبْلَ الْحُلُولِ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ الْآنَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُكَاتَبِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي، فَقَالَ: (أَوْ) أَيْ أَوْ اسْتَدَانَ (لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيْ الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ، كَأَنْ يَخَافَ فِتْنَةً بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي قَتِيلٍ لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَيَسْتَدِينُ مَا يَسْكُنُ بِهِ الْفِتْنَةُ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا وَإِتْلَافُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ كَالنَّفْسِ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ (أُعْطِيَ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا (مَعَ الْغِنَى) بِالْعَقَارِ قَطْعًا، وَبِالْعَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِالنَّقْدِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا) يُعْطَى حِينَئِذٍ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ فِي الْغُرْمِ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةُ غَيْرِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الْفَقْرُ فِيهِ لَقَلَّتْ الرَّغْبَةُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَاقِيًا كَأَنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى. الضَّرْبُ الثَّالِث: الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ: مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَنْ مُعَيَّنٍ لَا فِي تَسْكِينِ فِتْنَةٍ فَيُعْطَى إنْ أَعْسَرَ مَعَ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ أَوْ أَعْسَرَ وَحْدَهُ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَرِمَ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِالْإِذْنِ، وَصَرْفُهُ إلَى الْأَصِيلِ الْمُعْسِرِ أَوْلَى لِأَنَّ الضَّامِنَ فَرَّعَهُ، وَإِنْ أَعْسَرَ الْأَصِيلُ وَحْدَهُ أُعْطِيَ دُونَ الضَّامِنِ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ أَوْ الضَّامِنِ الْمُوسِرِ.؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِذَا أُعْطِيَ الضَّامِنُ وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَصِيلِ وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ مِنْ عِنْدَهُ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَا مُوسِرِينَ لَمْ يُعْطِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَقِرَى ضَيْفٍ، وَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ، وَفَكِّ أَسِيرٍ، فَهُوَ كَمَنْ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَقِيلَ: يُعْطَى عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ النَّقْدِ لَا عَنْ غَيْرِهِ كَالْعَقَارِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ الْمَقَالَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. تَنْبِيهٌ اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ حُلُولَ الدَّيْنِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي الضَّرْبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 180 وَسَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى. وَابْنُ السَّبِيلُ مُنْشِئُ سَفَرٍ أَوْ مُجْتَازٌ،   [مغني المحتاج] الثَّانِي، وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ الْإِعْطَاءُ فِيهِ مَعَ الْغِنَى يَجُوزُ مَعَ التَّأْجِيلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ إذْ لَا طَلَبَ لِلْمَدِينِ الْآنَ وَالتَّسْلِيمُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْغَارِمُ إلَى السَّيِّدِ أَوْ الْغَرِيمِ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ أَحْوَطُ وَأَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمُهُ إلَى مَنْ ذُكِرَ وَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكَاتَبِ أَوْ الْغَارِمِ لَا يَقَعُ زَكَاةً؛ لِأَنَّهُمَا الْمُسْتَحِقَّانِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْمَصْرُوفِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدَّى عَنْهُ دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ أُبْرِئَ الْغَارِمُ أَوْ اسْتَغْنَيَا وَبَقِيَ مَالُ الزَّكَاةِ فِي أَيْدِيهِمَا اسْتَرَدَّ مِنْهُمَا بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ، وَلَوْ أَتْلَفَاهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَالْبَرَاءَةِ لَمْ يَغْرَمَا لِتَلَفِهِ عَلَى مِلْكِهِمَا مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ أَوْ بَعْدَهُ غَرِمَاهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ أَنْ يَتَّجِرَا فِي الْمَأْخُوذِ لِيَرْبَحَا فِيهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُنْفِقَ مَا أَخَذَهُ وَيُؤَدِّيَ مِنْ كَسْبِهِ مُنِعَ الْمُكَاتَبُ لَا الْغَارِمُ، وَلَوْ أَدَّى الْغَارِمُ الدَّيْنَ مِنْ قَرْضٍ فَلَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ حَتَّى لَزِمَهُ دَيْنٌ صَارَ بِهِ غَارِمًا اُسْتُرِدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُسْتَسْلِفِ لَهُ قَبْلَ غُرْمِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِ الْآنَ، وَلَوْ بَانَ الْقَابِضُ لِلزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِكِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لَهَا كَغَنِيٍّ لَمْ يَحُزْهُ، وَإِنْ أَعْطَاهَا لَهُ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِالْوَصْفِ الَّذِي أَعْطَاهُ بِهِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ السَّابِعِ، فَقَالَ: (وَسَبِيلُ اللَّهِ - تَعَالَى - غُزَاةٌ) ذُكُورٌ (لَا فَيْءَ لَهُمْ) أَيْ لَا اسْمَ لَهُمْ فِي دِيوَانِ الْمُرْتَزِقَةِ بَلْ يَتَطَوَّعُونَ بِالْغَزْوِ حَيْثُ نَشَطُوا لَهُ وَهُمْ مُشْتَغِلُونَ بِالْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ (فَيُعْطَوْنَ) مِنْ الزَّكَاةِ (مَعَ الْغِنَى) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْغَزْوِ، بِخِلَافِ مَنْ لَهُمْ الْفَيْءُ، وَهُمْ الْمُرْتَزِقَةُ الثَّابِتُ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ عُدِمَ الْفَيْءُ فِي الْأَظْهَرِ بَلْ يَجِبُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إعَانَتُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «كَانَ أَهْلُ الْفَيْءِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْزِلٍ عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَأَهْلُ الصَّدَقَاتِ بِمَعْزِلٍ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ» ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَخَذُوا بَدَلَ جِهَادِهِمْ مِنْ الْفَيْءِ، فَلَوْ أَخَذُوا مِنْ الزَّكَاةِ أَخَذُوا بَدَلَيْنِ عَنْ مُبْدَلٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، وَلِكُلِّ ضَرْبٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الضَّرْبِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ سَبِيلُ اللَّهِ بِالْغُزَاةِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجِهَادِ أَغْلَبُ عُرْفًا وَشَرْعًا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 76] فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سَبِيلُ اللَّهِ بِالْوَضْعِ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَيْهِ، وَهُوَ أَعَمُّ، وَلَعَلَّ اخْتِصَاصَهُ بِالْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الشَّهَادَةِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ أَحَقُّ بِإِطْلَاقِ سَبِيلِ اللَّهِ عَلَيْهِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّنْفِ الثَّامِنِ، فَقَالَ: (وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ الطَّرِيقِ (مُنْشِئُ سَفَرٍ) مُبَاحٍ مِنْ مَحَلِّ الزَّكَاةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَلَدَهُ أَوْ مُقِيمًا فِيهِ (أَوْ مُجْتَازٌ) بِهِ فِي سَفَرِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُلَازَمَتِهِ السَّبِيلَ وَهِيَ الطَّرِيقُ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى مَا ذُكِرَ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَّا مُنْفَرِدًا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجْتَازِ مَجَازٌ فِي الْمُنْشِئِ، وَإِعْطَاءُ الثَّانِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 181 وَشَرْطُهُ الْحَاجَةُ وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ، وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ وَأَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَكَذَا مَوْلَاهُمْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَوَّلِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مُرِيدَ السَّفَرِ مُحْتَاجٌ إلَى أَسْبَابِهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (وَشَرْطُهُ) فِي الْإِعْطَاءِ لَا فِي التَّسْمِيَةِ (الْحَاجَةُ) بِأَنْ لَا يَجِدَ مَا يَكْفِيهِ غَيْرَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَكَانَ آخَرَ أَوْ كَانَ كَسُوبًا أَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِنُزْهَةٍ (وَعَدَمُ الْمَعْصِيَةِ) بِسَفَرِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ طَاعَةً كَسَفَرِ حَجٍّ وَزِيَارَةٍ أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ تِجَارَةٍ أَوْ مَكْرُوهًا كَسَفَرِ مُنْفَرِدٍ لِعُمُومِ الْآيَةِ بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُعْطَى فِيهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ السَّفَرَ لَا لِقَصْدٍ صَحِيحٍ كَسَفَرِ الْهَائِمِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ نَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ يُعْطَى وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: لَمْ يُعْطِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّ النَّصَّ لَيْسَ فِي الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْفَيْءِ (وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ) أَيْ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مِنْهَا (مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ) فَلَا تُدْفَعُ لِكَافِرٍ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا عَدَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَبِاتِّفَاقِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا، وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ إلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. نَعَمْ الْكَيَّالُ وَالْوَزَّانُ وَالْحَافِظُ وَالْحَمَّالُ يَجُوزُ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ عَامِلًا فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: صَدَقَةٌ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: أُجْرَةٌ فَلَا يُنَصَّبُ فِيهَا لِعَدَمِ أَمَانَتِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفٍ (وَ) شَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ أَيْضًا (أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا) وَلَوْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ لِخُلُوِّ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، أَوْ لِاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا الْأَخْذُ مِنْ الْمَالِ الْمَنْذُورِ صَدَقَتُهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ: «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا، وَلَا غُسَالَةَ الْأَيْدِي، إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ» أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ نَعَمْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُمْ الْإِمَامُ فِي الْحِفْظِ أَوْ النَّقْلِ فَلَهُمْ أُجْرَتُهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إمَّا ضَعِيفٌ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا يُعْطَاهُ الْعَامِلُ أُجْرَةً لَا زَكَاةً، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ زَكَاةٌ. . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا اُسْتُؤْجِرُوا لِلنَّقْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ يَعْمَلَانِ فِيهِمَا بِالْأُجْرَةِ (وَكَذَا مَوْلَاهُمْ) أَيْ عُتَقَاءُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِخَبَرِ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ. وَالثَّانِي: يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِلشَّرَفِ فِي ذَوِي الْقُرْبَى وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي مَوْلَاهُمْ، وَجَرَى عَلَى هَذَا فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ عَدَمِ كَفَاءَتِهِمْ لِمَوْلَاهُمْ فِي النِّكَاحِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمْ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 182 فَصْلٌ مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الْإِمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً،   [مغني المحتاج] الْمَذْهَبَ أَنَّ مَوْلَاهُمْ لَا يَلْحَقُ بِهِمْ، وَمَعَ هَذَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ حَصْرَ الشُّرُوطِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فِيمَا عَدَا الْمُكَاتَبَ، فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مُبَعَّضٍ وَلَوْ فِي نَوْبَةِ نَفْسِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَطَّانِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي عَلَى نَقْلِ الزَّكَاةِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. نَعَمْ تُسْتَثْنَى الزَّوْجَةُ إنْ كَانَتْ غَارِمَةً كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخِصَالِ، وَلَوْ كَانَ لِشَخْصٍ أَبٌ قَوِيٌّ صَحِيحٌ فَقِيرٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ لَا؟ أَفْتَى ابْنُ يُونُسَ عِمَادُ الدِّينِ بِالثَّانِي وَأَخُوهُ كَمَالُ الدِّينِ بِالْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ إذْ لَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ، وَأَفْتَى الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ بَلَغَ تَارِكُ الصَّلَاةِ كَسَلًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ بَلْ يَقْبِضُهَا لَهُ وَلِيُّهُ لِسَفَهِهِ، وَإِنْ بَلَغَ مُصَلِّيًا رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ جَازَ دَفْعُهَا لَهُ وَصَحَّ قَبْضُهُ بِنَفْسِهِ، وَأَفْتَى ابْنُ الْبَرَزِيِّ بِجَوَازِ دَفْعِهَا إلَى فَاسِقٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ يُعِينُهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ. وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: لَا يَجُوزُ قَبْضُ الزَّكَاةِ مِنْ أَعْمَى، وَلَا دَفْعُهَا لَهُ بَلْ يُوَكَّلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَفَسَادُ هَذَا ظَاهِرٌ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ السُّقُوطِ فِيمَا إذَا دَفَعَ زَكَاتَهُ لِمِسْكِينٍ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْمَدْفُوعِ جِنْسًا وَقَدْرًا بِأَنْ كَانَتْ فِي كَاغَدٍ وَنَحْوِهِ. . [فَصْلٌ مَا يَقْتَضِي صَرْفَ الزَّكَاةِ لِمُسْتَحِقِّهَا] فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَقْتَضِي صَرْفَ الزَّكَاةِ لِمُسْتَحِقِّهَا وَمَا يَأْخُذُهُ مِنْهَا كُلُّ (مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الْإِمَامُ) أَوْ مَنْصُوبُهُ لِتَفْرِقَتِهَا (اسْتِحْقَاقَهُ) لَهَا (أَوْ عَدَمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فِي ذَلِكَ فَيُعْطِي مَنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا، وَيُمْنَعُ مَنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ، بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الصَّرْفُ لَهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ أَيْ لَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِيهِ، بَلْ جَزَمُوا بِهِ، وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا إضْرَارٌ بِالْغَيْرِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مَنْ طَلَبَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَفْرِقَتَهَا بِلَا طَلَبٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَعَلِمَ الْإِمَامُ فَلَوْ فَرَّقَهَا الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الدَّافِعُ اسْتِحْقَاقَ الْمُرِيدِ الدَّفْعَ عَلَيْهِ وَلَا عَدَمَهُ (فَإِنْ ادَّعَى) مَرِيدُ الْأَخْذِ (فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً) يُقِيمُهَا عَلَى ذَلِكَ لِعُسْرِهَا، وَلَمْ يَحْلِفْ فِي الْأَصَحِّ إنْ اُتُّهِمَ، فَإِنْ لَمْ يُتَّهَمْ لَمْ يَحْلِفْ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى اللَّذَيْنِ سَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيِّ وَلَمْ يُطَالِبْهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 183 فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ كُلِّفَ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى عِيَالًا فِي الْأَصَحِّ. وَيُعْطَى غَازٍ وَابْنُ سَبِيلٍ بِقَوْلِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا اُسْتُرِدَّ،   [مغني المحتاج] بِيَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْكَسْبِ وَحَالُهُ يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ كَأَنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ شَيْخًا كَبِيرًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، وَكَذَا يَصْدُقُ إنْ كَانَ قَوِيًّا جَلْدًا فِي الْأَصَحِّ (فَإِنْ عُرِفَ لَهُ) أَيْ مَنْ طَلَبَ زَكَاةً (مَالٌ) يَمْنَعُ مِنْ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَيْهِ (وَادَّعَى تَلَفَهُ كُلِّفَ) بَيِّنَةً عَلَى تَلَفِهِ، وَهِيَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِسُهُولَتِهَا، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ تَلَفَهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ أَوْ خَفِيٍّ كَالْوَدِيعِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَالظَّاهِرُ التَّفْرِقَةُ كَالْوَدِيعَةِ اهـ. . وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَاكَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَهُنَا عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ أَخْذِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَفِي هَذَا حَرَجٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] . تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِسْكِينٌ، أَوْ ابْنُ سَبِيلٍ قُبِلَ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ (وَكَذَا إنْ ادَّعَى) مَنْ طَلَبَ زَكَاةً (عِيَالًا) لَهُ لَا يَفِي كَسْبُهُ بِكِفَايَتِهِمْ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعِيَالِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمْ وَلِسُهُولَةِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَوْلُ السُّبْكِيّ تَفَقُّهًا: وَكَذَا مَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ وَغَيْرِهِ بَعِيدٍ. (وَيُعْطَى غَازٍ) جَاءَ وَقْتَ خُرُوجِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَابْنُ سَبِيلٍ) كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَيْهِ (بِقَوْلِهِمَا) بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا) مَعَ الرُّفْقَةِ وَإِنْ تَأَهَّبَا لِلْغَزْوِ وَالسَّفَرِ (اُسْتُرِدَّ) مِنْهُمَا مَا أَخَذَاهُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ تَحْصُلْ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ تَأْخِيرَهُ، وَقَدَّرَهُ السَّرَخْسِيُّ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّهَا تَقْرِيبٌ أَيْ فَيَحْتَمِلُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ لِانْتِظَارِ الرُّفْقَةِ وَتَحْصِيلِ الْأُهْبَةِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ الْغَازِي فِي الطَّرِيقِ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْغَزْوِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ جَمِيعُ مَا أَخَذَهُ، وَهَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ظَاهِرٌ فِي حَالَةِ مَوْتِهِ دُونَ امْتِنَاعِهِ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْغَازِيَ وَابْنَ السَّبِيلِ إذَا خَرَجَا وَرَجَعَا وَفَضَلَ شَيْءٌ لَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ يُسْتَرَدُّ مِنْ ابْنِ السَّبِيلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْغَازِي فَإِنْ غَزَا وَرَجَعَ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ صَالِحٌ وَلَمْ يُقَتِّرْ عَلَى نَفْسِهِ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ ذَلِكَ فَقَطْ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْطَى فَوْقَ حَاجَتِهِ فَإِنْ قَتَّرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يُقَتِّرْ وَالْبَاقِي يَسِيرٌ لَمْ يُسْتَرَدَّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَخْتَصُّ الِاسْتِرْدَادُ بِهِمَا، بَلْ إذَا أَعْطَى الْمُكَاتَبُ ثُمَّ اسْتَغْنَى عَمَّا أَعْطَيْنَاهُ بِتَبَرُّعِ السَّيِّدِ بِإِعْتَاقِهِ أَوْ إبْرَائِهِ عَنْ النُّجُومِ اُسْتُرِدَّ مَا قَبَضَهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعِتْقِ بِالْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَوْ سَلَّمَ بَعْضَ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ فَأَعْتَقَهُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْتَقَهُ بِالْمَقْبُوضِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَا قَالَهُ مُتَعَيِّنٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 184 وَيُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ: إخْبَارُ عَدْلَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْهَا الِاسْتِفَاضَةُ، وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ. وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ كِفَايَةَ سَنَةٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ كِفَايَةَ الْعُمْرِ   [مغني المحتاج] الْغَارِمِ إذَا اسْتَغْنَى عَمَّا أَخَذَهُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَيُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبَيِّنَةٍ) بِالْعَمَلِ وَالْكِتَابَةِ وَالْغُرْمِ لِسُهُولَتِهَا وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يُقِيمَ الْمُكَاتَبُ بَيِّنَةً بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ النُّجُومِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: الْعَامِلُ وَمُطَالَبَةٌ بِالْبَيِّنَةِ مَحَلُّهَا إذَا أَتَى لِرَبِّ الْمَالِ وَطَالَبَ وَجَهِلَ. أَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِنَّهُ الَّذِي يَبْعَثُهُ فَلَا تَتَأَتَّى الْبَيِّنَةُ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ التَّفْرِقَةَ ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى الْقَبْضَ وَالتَّفْرِقَةَ وَطَلَبَ أُجْرَتَهُ مِنْ الْمَصَالِحِ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْغُرْمِ مَا إذَا غَرِمَهُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ لِشُهْرَةِ أَمْرِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِحْيَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَسْتَفِضْ غُرْمُهُ لِذَلِكَ، وَيَرْجِعُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّهُ إنْ اشْتَهَرَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا احْتَاجَ كَالْغَارِمِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ حَسَنٌ (وَهِيَ) أَيْ الْبَيِّنَةُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ (إخْبَارُ عَدْلَيْنِ) بِصِفَةِ الشُّهُودِ، وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِإِخْبَارٍ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِدَعْوَى عِنْدَ قَاضٍ وَإِنْكَارٍ وَاسْتِشْهَادٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ الِاسْتِفَاضَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَيُغْنِي عَنْهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ فِي كُلِّ مُطَالَبَةٍ بِهَا مِنْ الْأَصْنَافِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (الِاسْتِفَاضَةُ) بَيْنَ النَّاسِ لِحُصُولِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِهَا، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ شَرْطَهَا التَّسَامُعُ مِنْ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ (وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ) فِي الْغَارِمِ (وَ) تَصْدِيقُ (السَّيِّدِ) فِي الْمُكَاتَبِ يُغْنِي عَنْ الْبَيِّنَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِظُهُورِ الْحَقِّ بِالْإِقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُرَاعَى الْمُكَاتَبُ فَإِنْ عَتَقَ وَإِلَّا اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ، وَالْغَارِمُ فَإِنْ وَفَّى وَإِلَّا اُسْتُرْجِعَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَحُكْمُهُمْ أَنَّ مَنْ قَالَ: نِيَّتِي فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ، وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى الشَّرَفَ بِأَنْ قَالَ: أَنَا شَرِيفٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، أَوْ الْكِفَايَةَ بِأَنْ قَالَ: أَنَا أَكْفِيكُمْ شَرَّ مَنْ يَلِينِي مِنْ الْكُفَّارِ، أَوْ مَانِعِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا فِي الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِهِ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّرْفِ وَقَدْرِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: (وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ لَمْ يُحْسِنْ كَسْبًا بِحِرْفَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ (كِفَايَةَ سَنَةٍ) لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَتَحْصُلُ بِهَا الْكِفَايَةُ سَنَةً، وَأُيِّدَ بِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ كِفَايَةَ سَنَةٍ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ) فِي الْأُمِّ (وَ) هُوَ (قَوْلُ الْجُمْهُورِ) أَيْضًا يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا (كِفَايَةَ الْعُمْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 185 الْغَالِبِ فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَى الْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ قَدْرُ دَيْنِهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ أَوْ مَوْضِع مَالِهِ،   [مغني المحتاج] الْغَالِبِ) لِأَنَّ بِهِ تَحْصُلُ الْكِفَايَةُ عَلَى الدَّوَامِ، وَفَسَّرَ الْكِفَايَةَ بِقَوْلِهِ: (فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ) وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُدْفَعَ لَهُ كِفَايَةُ عُمْرِهِ دَفْعَةً (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْعُمْرِ الْغَالِبِ مَاذَا يَدْفَعُ لَهُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَقَدْ سَأَلْتُ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ يَشْتَرِي الْعَقَارَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِمَامَ. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْغَازِي إنْ شَاءَ اشْتَرَى لَهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. أَمَّا مَنْ يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَتَهَا قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا: وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ حِرَفٌ أُعْطِيَ بِأَقَلِّهَا فَإِنْ لَمْ تَفِ بِحَالِهِ تَمَّمَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُعْطَى بِالْحِرْفَةِ الَّتِي تَكْفِيهِ، أَوْ بِتِجَارَةٍ فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ مَا يَفِي رِبْحُهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَأَوْضَحُوهُ بِالْمِثَالِ، فَقَالُوا: الْبَقْلِيُّ يَكْفِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَالْبَاقِلَّانِيُّ عَشَرَةٌ، وَالْفَاكِهَانِيُّ عِشْرُونَ، وَالْخَبَّازُ خَمْسُونَ، وَالْبَقَّالُ مِائَةٌ، وَالْعَطَّارُ أَلْفٌ، وَالْبَزَّازُ أَلْفَانِ، وَالصَّيْرَفِيُّ خَمْسَةُ آلَافٍ، وَالْجَوْهَرِيُّ عَشَرَةُ آلَافٍ. وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ، فَلَوْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِمْ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا نُقِصَ أَوْ زِيدَ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ. تَنْبِيهٌ الْبَقْلِيُّ بِمُوَحَّدَةٍ هُوَ مَنْ يَبِيعُ الْبُقُولَ، وَالْبَاقِلَّانِيُّ مَنْ يَبِيعُ الْبَاقِلَّاءَ، وَالْبَقَّالُ بِمُوَحَّدَةٍ الْفَامِيُّ، وَهُوَ مَنْ يَبِيعُ الْحُبُوبَ قِيلَ: وَالزَّيْتَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَنْ جَعَلَهُ بِالنُّونِ فَقَدْ صَحَّفَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى النَّقْلِيَّ لَا النَّقَّالَ اهـ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَقَلِّ مَا يُدْفَعُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَفِي الْوَدَائِعِ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَقَلُّهُ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِلْمَالِكِ إذَا لَمْ يَنْحَصِرْ الْمُسْتَحِقُّونَ أَوْ انْحَصَرُوا وَلَمْ يَفِ بِهِمْ الْمَالُ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَأَكْثَرُهُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى (وَ) يُعْطَى (الْمُكَاتَبُ) كِتَابَةً صَحِيحَةً (وَالْغَارِمُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَدْرَ دَيْنِهِ) فَقَطْ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا الْبَعْضُ أُعْطِيَا التَّتِمَّةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَهُمَا لِلْحَاجَةِ. نَعَمْ الْغَارِمُ لِذَاتِ الْبَيْنِ يُعْطَى قَدْرَ دَيْنِهِ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ تَثْنِيَةُ الضَّمِيرِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَوْ يَعْطِفُ الْغَارِمَ بِأَوْ (وَ) يُعْطَى (ابْنُ السَّبِيلِ مَا) أَيْ شَيْئًا إذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ يَكْفِيهِ لِنَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ بِحَسَبِ الْحَالِ صَيْفًا وَشِتَاءً بِحَيْثُ (يُوَصِّلُهُ) ذَلِكَ (مَقْصِدَهُ) بِكَسْرِ الصَّادِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَالٌ (أَوْ) يُعْطَى مَا يُوَصِّلُهُ (مَوْضِع مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي طَرِيقِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ مَا يَكْفِيهِ كَمَّلَ لَهُ كِفَايَتُهُ ذَهَابًا وَكَذَا رُجُوعًا إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الرُّجُوعِ وَلَيْسَ لَهُ فِي مَقْصِدِهِ وَلَا طَرِيقِهِ مَا يَكْفِيهِ، وَلَا يُعْطَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 186 وَالْغَازِي قَدْرُ حَاجَتِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ وَفَرَسًا وَسِلَاحًا، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ، وَيُهَيَّأُ لَهُ وَلِابْنِ السَّبِيلِ مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ، وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَمَتَاعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ،   [مغني المحتاج] لِمُدَّةِ الْإِقَامَةِ إلَّا إقَامَةَ مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهَذَا شَامِلٌ لِمَا إذَا قَامَ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ فَيُعْطَى لِثَمَانِيَةِ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَ) يُعْطَى (الْغَازِي) إذَا حَانَ وَقْتُ خُرُوجِهِ (قَدْرَ حَاجَتِهِ) فِي غَزْوَةٍ (نَفَقَةً وَكِسْوَةً) لِنَفْسِهِ وَكَذَا لِعِيَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي النَّفَقَةِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَقِيَاسًا فِي الْكِسْوَةِ (ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ) فِي مَوْضِع الْغَزْوِ إلَى الْفَتْحِ وَإِنْ طَالَتْ الْإِقَامَةُ؛ لِأَنَّ اسْمَهُ لَا يَزُولُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ ابْنِ السَّبِيلِ. تَنْبِيهٌ سَكَتُوا عَنْ قَدْرِ الْمُعْطَى لِإِقَامَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الِابْتِدَاءِ مُدَّةُ مُقَامِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَحْتَمِلُ إعْطَاؤُهُ لِأَقَلِّ مُدَّةٍ يُظَنُّ إقَامَتُهُ هُنَاكَ وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ زِيدَ بِحَسَبِهَا. لَكِنْ قَدْ يَجُرُّهُ ذَلِكَ إلَى نَقْلِ الزَّكَاةِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَصَرْفِهَا هُنَاكَ، وَقَدْ يُغْتَفَرُ هَذَا لِلْحَاجَةِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَ) يُعْطَى (فَرَسًا) أَيْ قِيمَتَهَا إنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَارِسًا (وَسِلَاحًا) أَيْ قِيمَتَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَصِيرُ ذَلِكَ) أَيْ الْفَرَسُ وَالسِّلَاحُ (مِلْكًا لَهُ) فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ إذَا رَجَعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَارِقِيُّ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ لِامْتِنَاعِ الْإِبْدَالِ فِي الزَّكَاةِ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ هَذَا السَّهْمِ خَيْلًا وَسِلَاحًا وَيُوقِفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ وَأَنْ يُعِيرَهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ وَوَقَفَهُ، وَيَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا إنْ قَلَّ الْمَالُ، وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ اُسْتُرِدَّ مِنْهُ الْمَوْقُوفُ وَالْمُسْتَأْجَرُ وَالْمُعَارُ (وَيُهَيَّأُ لَهُ) أَيْ لِلْغَازِي (وَلِابْنِ السَّبِيلِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (مَرْكُوبٌ) غَيْرُ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ الْغَازِي بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ لَا تَمْلِيكٍ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي، هَذَا (إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ كَانَ) السَّفَرُ قَصِيرًا أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا (ضَعِيفًا لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ) دَفْعًا لِضَرُورَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَصِيرًا وَهُوَ قَوِيٌّ فَلَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّ الْمَرْكُوبَ غَيْرُ الْفَرَسِ الَّذِي يُقَاتِلُ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرْتُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْغَازِي غَيْرَ الْفَرَسِ، وَذَكَرَا تَهْيِئَةَ الْمَرْكُوبِ لِابْنِ السَّبِيلِ فَقَطْ، وَلَمْ يَحْضُرْنِي فِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ لِلْأَصْحَابِ، بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّ مَرْكُوبَهُ هُوَ الْفَرَسُ الَّذِي يُعْطَاهُ قَالَ: وَقَدْ يُوَجَّهُ مَا فِي الْكِتَابِ بِتَوْفِيرِ الْخَيْلِ إلَى وَقْتِ الْحَرْبِ؛ إذْ لَوْ رَكِبُوهَا مِنْ دَارِنَا إلَى دَارِ الْحَرْبِ رُبَّمَا كَلَّتْ وَعَجَزَتْ عَنْ الْكَرِّ وَالْفَرِّ حَالَ الْمُطَارَدَةِ وَالْقِتَالِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ الْمَغْزِيُّ. اهـ. وَمَا وُجِّهَ بِهِ هُوَ الْمُرَادُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَ) يُهَيَّأُ لَهُمَا (مَا) أَيْ مَرْكُوبٌ (يَنْقُلُ عَلَيْهِ) كُلٌّ مِنْهُمَا (الزَّادَ وَمَتَاعَهُ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) مَتَاعُهُ (قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ) فَلَا؛ لِانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 187 وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يُعْطَى إحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الْأَظْهَرِ. فَصْلٌ يَجِبُ اسْتِيعَابُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِرْدَادَ الْمَرْكُوبِ وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ إذَا رَجَعَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ التَّهْيِئَةَ لِابْنِ السَّبِيلِ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِلنُّزْهَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْمُتَّجَهُ مَنْعُ صَرْفِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ. اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ النُّزْهَةُ هِيَ الْحَامِلَةُ لَهُ عَلَى السَّفَرِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ وَالْعَامِلِ أَمَّا الْمُؤَلَّفَة فَيُعْطِيهِمْ الْإِمَامُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ أَوْ الْمَالِكُ إنْ فَرَّقَ عَلَى قَوْلِنَا أَنَّهُ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَأَمَّا الْعَامِلُ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الزَّكَاةِ أُجْرَةَ مِثْلِ مَا عَمِلَهُ، فَإِنْ شَاءَ بَعَثَهُ الْإِمَامُ بِلَا شَرْطٍ ثُمَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَإِنْ شَاءَ سَمَّاهَا لَهُ إجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ ثُمَّ أَدَّاهُ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْمَالِكُ قَبْلَ قُدُومِ الْعَامِلِ أَوْ حَمَلَهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لِتَصَرُّفِهِ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ وَالزَّائِدُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ عَلَى أُجْرَتِهِ يَرْجِعُ لِلْأَصْنَافِ وَإِنْ نَقَصَ سَهْمُهُ عَنْهَا كَمُلَ قَدْرُهَا مِنْ الزَّكَاةِ ثُمَّ قَسَّمَ الْبَاقِي، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إجَارَةً أَوْ جَعَالَةً جَازَ وَبَطَلَ سَهْمُهُ فَتُقْسَمُ الزَّكَاةُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَامِلٌ. فَرْعٌ: قَالَ الدَّارِمِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْعَامِلُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا عَلَى الْقَاعِدَةِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ هَذَا فَرَضَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِمَنْ عَمِلَ كَالْغَنِيمَةِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُجَاهِدُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا إعْلَاء كَلِمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِذَا عَمِلَ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا اسْتَحَقَّ وَإِسْقَاطُهُ بَعْدَ الْعَمَلِ لِمَا مَلَكَهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَيْسَ كَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ مِنْ الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالْمِيرَاثِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ (وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ) لِلزَّكَاةِ كَالْفَقْرِ وَالْغُرْمِ وَلَوْ كَانَ عَامِلًا فَقِيرًا (يُعْطَى إحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ، وَالثَّانِي: يُعْطَى بِهِمَا لِاتِّصَافِهِ بِهِمَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ مِنْ زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ. أَمَّا إذَا كَانَ أَخَذَ مِنْ زَكَاةٍ بِصِفَةٍ وَمِنْ أُخْرَى بِصِفَةٍ أُخْرَى فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَوْ أَخَذَ فَقِيرٌ غَارِمٌ مَعَ الْغَارِمِينَ نَصِيبَهُ مِنْ سَهْمِهِمْ فَأَعْطَاهُ غَرِيمَهُ أُعْطِيَ مَعَ الْفُقَرَاءِ نَصِيبَهُ مِنْ سَهْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّيْخِ نَصْرٍ وَأَقَرَّهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالْمُرَادُ امْتِنَاعُ أَخْذِهِ بِهِمَا دُفْعَةً: أَيْ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيمَا أَخَذَهُ أَوَّلًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. أَمَّا مَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ لِلْفَيْءِ أَيْ وَإِحْدَاهُمَا الْغَزْوُ كَغَازٍ هَاشِمِيٍّ فَيُعْطَى بِهِمَا. [فَصْلٌ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الزَّكَاةِ] فَصْلٌ فِي حُكْمِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَمَا يَتْبَعُهَا (يَجِبُ اسْتِيعَابُ) أَيْ تَعْمِيمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 188 الْأَصْنَافِ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ، وَإِلَّا فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ، وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ يَسْتَوْعِبُ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ،   [مغني المحتاج] (الْأَصْنَافِ) الثَّمَانِيَةِ بِالزَّكَاةِ حَتَّى زَكَاةِ الْفِطْرِ (إنْ) أَمْكَنَ بِأَنْ (قَسَمَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (وَهُنَاكَ عَامِلٌ) مَعَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ قَسَمَ الْعَامِلُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيُعْزَلُ حَقُّهُ ثُمَّ يُفَرَّقُ الْبَاقِي عَلَى سَبْعَةٍ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعْمِيمُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَائِلَةِ الزَّكَاةِ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا، فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، فَإِنْ كُنْتِ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكِ حَقَّكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ شَقَّتْ الْقِسْمَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ جَمَعَ جَمَاعَةٌ فِطْرَتَهُمْ ثُمَّ قَسَمُوهَا عَلَى سَبْعَةٍ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: مِنْهُمْ الْإِصْطَخْرِيُّ جَوَازَ صَرْفِهَا إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ. وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ اخْتِيَارِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ جَوَازَ صَرْفِهَا إلَى وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَنَا أُفْتِي بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْأَحْوَطُ دَفْعُهَا إلَى ثَلَاثَةٍ. قَالَ: وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا يَلْزَمُهُمْ خَلْطُ فِطْرَتِهِمْ، وَالصَّاعُ لَا يُمْكِنُ تَفْرِقَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ فِي الْعَادَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَسَمَ الْمَالِكُ أَوْ الْإِمَامُ وَلَا عَامِلَ بِأَنْ حَمَلَ كُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ زَكَاتَهُ إلَى الْإِمَامِ أَوْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ عَامِلًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (فَالْقِسْمَةُ) حِينَئِذٍ (عَلَى سَبْعَةٍ) لِسُقُوطِ سَهْمِ الْعَامِلِ فَيُدْفَعُ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ سُبْعُ الزَّكَاةِ قَلَّ عَدَدُهُ أَوْ كَثُرَ (فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ) مِنْ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ (فَعَلَى الْمَوْجُودِينَ) مِنْهُمْ؛ إذْ الْمَعْدُومُ لَا سَهْمَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمَوْجُودُ الْآنَ أَرْبَعَةٌ: فَقِيرٌ، وَمِسْكِينٌ، وَغَارِمٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: سَمِعْتُ الْقَاضِيَ أَبَا حَامِدٍ يَقُولُ: أَنَا أُفَرِّقُ زَكَاةَ مَالِي عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِأَنِّي لَا أَجِدُ غَيْرَهُمْ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي زَمَنِهِمْ. وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَمْ نَفْقِدْ إلَّا الْمُكَاتَبِينَ، لَكِنْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَطُوفُ الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا. تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فَقْدَ الْبَعْضِ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا فَقْدُ صِنْفٍ بِكَمَالِهِ كَالْمُكَاتَبِينَ، وَالثَّانِيَةُ فَقْدُ بَعْضِ صِنْفٍ بِأَنْ لَا يَجِدُ مِنْهُ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: أَنَّهُ يُصْرَفُ بَاقِي السَّهْمِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا، وَلَا يُنْقَلُ لِبَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي بَلَدِ الزَّكَاةِ وَلَا غَيْرِهَا حُفِظَتْ الزَّكَاةُ حَتَّى يُوجَدُوا أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ وُجِدُوا وَامْتَنَعُوا مِنْ أَخْذِهَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ الْمَحْصُورِينَ الْمَالِكِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَإِنْ وُجِدُوا فِي غَيْرِ بَلَدِ الزَّكَاةِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ (وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ الْمَفْرُوضُ إلَيْهِ الصَّرْفُ (اسْتَوْعَبَ) وُجُوبًا (مِنْ الزَّكَوَاتِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الِاسْتِيعَابُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 189 وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ الْمَالِكَ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ، وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ. لَا بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ، إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ.   [مغني المحتاج] زَكَاةِ كُلِّ شَخْصٍ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُعْطَى زَكَاةَ شَخْصٍ بِكَمَالِهَا لِوَاحِدٍ، وَأَنْ يَخُصَّ وَاحِدًا بِنَوْعٍ وَآخَرَ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَوَاتِ كُلَّهَا فِي يَدِهِ كَالزَّكَاةِ الْوَاحِدَة. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا لَمْ يَقِلَّ الْمَالُ، فَإِنْ قَلَّ بِأَنْ كَانَ قَدْرًا لَوْ وَزَّعَهُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسُدَّ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِيعَابُ لِلضَّرُورَةِ، بَلْ يُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْفَيْءِ (وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ) وُجُوبًا (الْمَالِكُ) آحَادَ كُلَّ صِنْفٍ (إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ) بِأَنْ سَهُلَ عَادَةً ضَبْطُهُمْ وَمَعْرِفَةُ عَدَدِهِمْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ضَابِطِ الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (وَوَفَّى بِهِمْ) أَيْ بِحَاجَتِهِمْ (الْمَالُ) وَيَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ، فَإِنْ أَخَلَّ أَحَدُهُمَا بِصِنْفٍ ضَمِنَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ لَهُ ابْتِدَاءً، لَكِنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ لَا مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا أَوْ انْحَصَرُوا وَلَمْ يَفِ الْمَالُ بِحَاجَتِهِمْ (فَيَجِبُ) فِي غَيْرِ الْعَامِلِ (إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ) فَأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَضَافَ إلَيْهِمْ الزَّكَوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ، فَلَوْ دَفَعَ لِاثْنَيْنِ غَرِمَ لِلثَّالِثِ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهُ ابْتِدَاءً خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ، وَقِيلَ: يَغْرَمُ لَهُ الثُّلُثَ، أَمَّا الْعَامِلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا إنْ حَصَلَتْ بِهِ الْكِفَايَةُ (وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ) سَوَاءٌ أَقَسَمَ الْإِمَامُ أَوْ الْمَالِكُ وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ أَشَدَّ لِانْحِصَارِهِمْ، وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - جَمَعَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونُوا سَوَاءً. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: الْعَامِلُ فَإِنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَتِهِ كَمَا مَرَّ. الثَّانِيَةُ: الْفَاضِلُ نَصِيبُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَإِنَّهُ يُعْطَى قَدْرَ كِفَايَتِهِ فَقَطْ. وَ (لَا) يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ التَّسْوِيَةُ (بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ) لِأَنَّ الْحَاجَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ فَاكْتُفِيَ بِصِدْقِ الِاسْمِ بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَاتِهِمْ، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ اُسْتُحِبَّ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِهَا، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَقِيرٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَهَذَا لَمْ يُثْبِتْ الْحَقَّ لَهُمْ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنُوا لِفَقْدِ غَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُسْتَحِقٌّ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بَلْ يُنْقَلُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ (إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ) لِأَنَّ عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ فَكَذَا التَّسْوِيَةُ؛ وَلِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ تَسَاوِي حَاجَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فِيهِمَا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ عَنْ التَّتِمَّةِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قُلْتُ: مَا فِي التَّتِمَّةِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ فَهُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابَ التَّسْوِيَةِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَاتِ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ فَيُرَاعِيهَا وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِيعَابُ يَجُوزُ الدَّفْعُ لِلْمُسْتَوْطَنَيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 190 وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ وَلَوْ عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَجَبَ النَّقْلُ،   [مغني المحتاج] وَالْغُرَبَاءِ، وَلَكِنْ الْمُسْتَوْطِنُونَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ جِيرَانُهُ. (وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ) مِنْ بَلَدِ الْوُجُوبِ الَّذِي فِيهِ الْمُسْتَحِقُّونَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فِيهِ مُسْتَحِقُّوهَا فَتُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَالُوا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» وَلِامْتِدَادِ أَطْمَاعِ أَصْنَافِ كُلِّ بَلْدَةٍ إلَى زَكَاةِ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِ وَالنَّقْلُ يُوحِشُهُمْ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ النَّقْلِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعْطَى لِكَافِرٍ كَمَا مَرَّ، وَقِيَاسًا عَلَى نَقْلِ الْوَصِيَّةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْأَطْمَاعَ لَا تَمْتَدُّ إلَى ذَلِكَ امْتِدَادَهَا إلَى الزَّكَاةِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّحْرِيمِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أُمُورًا: أَحَدُهَا: جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَا دُونَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ النَّقْلُ إلَى قَرْيَةٍ بِقُرْبِ الْبَلَدِ. الثَّانِي: جَرَيَانُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَهْلُ السِّهَامِ مَحْصُورِينَ أَمْ لَا، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِمَا، وَخَصَّهُ فِي الشَّافِي بِعَدَمِ انْحِصَارِهِمْ، فَلَوْ انْحَصَرُوا حَوْلًا تَمَلَّكُوهَا وَتَعَيَّنَ صَرْفُهَا إلَيْهِمْ وَتَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِمْ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَمَنْ دَخَلَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا سَيَأْتِي. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَالِكِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. أَمَّا الْإِمَامُ وَالسَّاعِي، فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الْأَصَحُّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ جَوَازُ النَّقْلِ لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ وَسِيرَةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. اهـ. وَالْعِبْرَةُ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ الْمَالِيَّةِ بِبَلَدِ الْمَالِ حَالَ الْوُجُوبِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِبَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ اعْتِبَارًا بِسَبَبِ الْوُجُوبِ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ نَظَرَ الْمُسْتَحِقِّينَ يَمْتَدُّ إلَى ذَلِكَ فَيُصْرَفُ الْعُشْرُ إلَى مُسْتَحِقِّي بَلَدِ الْأَرْضِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا الْعُشْرُ، وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةِ إلَى مُسْتَحِقِّي الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بِكُلِّ بَلَدٍ عِشْرُونَ شَاةٍ فَلَهُ إخْرَاجُ شَاةٍ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ حَذَرًا مِنْ التَّشْقِيصِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي غَنَمِ كُلِّ بَلَدٍ شَاةٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْلُ لِانْتِفَاءِ التَّشْقِيصِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ وَالْمَالُ بِبَادِيَةٍ وَلَا مُسْتَحِقَّ فِيهَا فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى مُسْتَحِقِّ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْخِيَامِ غَيْرُ الْمُسْتَقِرِّينَ بِمَوْضِعٍ، بِأَنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ دَائِمًا فَلَهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُسْتَحِقٌّ نَقْلُ وَاجِبِهِمْ إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ وَإِنْ اسْتَقَرُّوا بِمَوْضِعٍ، لَكِنْ قَدْ يَظْعَنُونَ عَنْهُ وَيَعُودُونَ إلَيْهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فِي الْحُلَلِ وَفِي الْمَرْعَى وَفِي الْمَاءِ صُرِفَ إلَى مَنْ هُوَ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، وَلِهَذَا عُدَّ مِثْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ حَاضِرِيهِ، وَالصَّرْفُ إلَى الظَّاعِنِينَ مَعَهُمْ أَوْلَى لِشِدَّةِ جِوَارِهِمْ، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِمَا ذُكِرَ فَالْحِلَّةُ كَالْقَرْيَةِ فِي حُكْمِ النَّقْلِ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهَا فَيَحْرُمُ النَّقْلُ عَنْهَا. (وَلَوْ عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ) الَّذِي وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا وَفَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ (وَجَبَ النَّقْلُ) لَهَا إلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ لِبَلَدِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ نُقِلَ لِأَبْعَدَ مِنْهَا فَعَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 191 أَوْ بَعْضُهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ وَجَبَ، وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ، وَقِيلَ يُنْقَلُ وَشَرْطُ السَّاعِي كَوْنُهُ حُرًّا عَدْلًا فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ فَإِنْ عُيِّنَ أَخْذٌ وَدَفْعٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْفِقْهُ وَلْيُعْلِمْ شَهْرًا لِأَخْذِهَا.   [مغني المحتاج] الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ (أَوْ) عُدِمَ (بَعْضُهُمْ) أَيْ الْأَصْنَافُ غَيْرَ الْعَامِلِ أَوْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ بَعْضٍ وَجَدَ مِنْهُمْ (وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ) مَعَ وُجُودِهِمْ (وَجَبَ) نَقْلُ نَصِيبِ الصِّنْفِ الْمَعْدُومِ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ. أَمَّا الْعَامِلُ فَنَصِيبُهُ يُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ نُجَوِّزْ النَّقْلَ (فَيُرَدُّ) نَصِيبُ الْبَعْضِ أَوْ مَا فَضَلَ عَنْهُ (عَلَى الْبَاقِينَ) حَتْمًا إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ فَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِهِمْ لِانْحِصَارِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِمْ (وَقِيلَ يُنْقَلُ) حَتْمًا إلَى أَقْرَبِ بَلَدٍ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَصْنَافِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى رِعَايَةِ الْمَكَانِ الثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ عَدَمَ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ كَالْعَدَمِ الْمُطْلَقِ، فَإِنْ نُقِلَ ضَمِنَ. تَنْبِيهٌ حَيْثُ جَازَ النَّقْلُ أَوْ وَجَبَ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ. نَعَمْ إنْ قَبَضَهُ السَّاعِي مِنْ الْمَالِكِ فَمُؤْنَةُ النَّقْلِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَشَرْطُ السَّاعِي) وَهُوَ الْعَامِلُ (كَوْنُهُ حُرًّا) ذَكَرًا مُكَلَّفًا (عَدْلًا) فِي الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا لِأَنَّهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهَا كَغَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ. تَنْبِيهٌ اسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ عَنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ (فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ) فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ وِلَايَتُهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِيُعْلَمَ مَنْ يَأْخُذُ وَمَا يُؤْخَذُ، هَذَا إذَا كَانَ التَّفْوِيضُ عَامًّا (فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخْذٌ وَدَفْعٌ) فَقَطْ (لَمْ يُشْتَرَطْ الْفِقْهُ) الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ بِالتَّعْيِينِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ فَيُعْتَبَرُ مِنْهَا التَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ، وَكَذَا الْإِسْلَامُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ. وَمِثْلُ السَّاعِي أَعْوَانُ الْعَامِلِ مِنْ كُتَّابِهِ وَحُسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حَاوِيهِ، وَيَقْسِمُ الزَّكَاةَ سَاعٍ قُلِّدَ الْقِسْمَةَ أَوْ أُطْلِقَ تَقْيِيدُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلِّدَ الْأَخْذَ وَحْدَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ، فَإِنْ كَانَ السَّاعِي جَائِرًا فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ عَادِلًا فِي قَسْمِهَا جَازَ كَتْمُهَا عَنْهُ وَدَفْعُهَا إلَيْهِ، أَوْ كَانَ جَائِرًا فِي الْقِسْمَةِ عَادِلًا فِي الْأَخْذِ وَجَبَ كَتْمُهَا، فَلَوْ أُعْطِيَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا أَجْزَأَتْ وَإِنْ لَمْ يُوصِلْهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ كَالْإِمَامِ. (وَلْيُعْلِمْ) الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (شَهْرًا لِأَخْذِهَا) لِيَتَهَيَّأَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ لِدَفْعِهَا وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِأَخْذِهَا. وَيُسَنُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَوْنُ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْعَامِ، وَهَذَا فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَامُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ فَيَبْعَثْ وَقْتَ وُجُوبِهَا وَهُوَ فِي الزَّرْعِ عِنْدَ الِاشْتِدَادِ وَفِي الثِّمَارِ عِنْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ، وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا يَبْعَثَ فِي زَكَاةِ الْحُبُوبِ إلَّا عِنْدَ تَصْفِيَتِهَا بِخِلَافِ الثِّمَارِ فَإِنَّهَا تُخْرَصُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ بَعَثَ خَارِصًا لَمْ يَبْعَثْ السَّاعِي إلَّا عِنْدَ جَفَافِهَا. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ هَذَا الْإِعْلَامَ وَاجِبٌ، وَالصَّحِيحُ نَدْبُهُ. وَيَجِبُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 192 وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ   [مغني المحتاج] الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَتِمَّةٌ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِي تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا عَدَدَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَقَدْرَ حَاجَاتِهِمْ، وَأَنْ يَبْدَأَ بِإِعْطَاءِ الْعَامِلِينَ، فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ بِلَا تَقْصِيرٍ فَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا عِنْدَ وُقُوعِهَا فِي خَطَرٍ كَأَنْ أَشْرَفَتْ عَلَى هَلَاكٍ أَوْ حَاجَةِ مُؤْنَةٍ نُقِلَ أَوْ رُدَّ حَيْرَانُ، فَإِنْ بَاعَ بِلَا عُذْرٍ ضَمِنَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ جَمَاعَةً وَالزَّكَاةُ شَاةً مَثَلًا أَخَذُوهَا، وَلَا تُبَاعُ عَلَيْهِمْ لِيَقْسِمَ ثَمَنَهَا، وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الزَّكَاةَ بِالْعَمَلِ وَالْأَصْنَافِ بِالْقِسْمَةِ. نَعَمْ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ، وَكَذَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ اسْتَحَقُّوهَا مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَضُرُّهُمْ حُدُوثُ غِنًى أَوْ غَيْبَةٍ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ دَفَعَ نَصِيبَهُ لِوَارِثِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُزَكِّي وَارِثَهُ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ لِسُقُوطِ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ قَادِمٌ وَلَا غَائِبٌ عَنْهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ، وَيَضْمَنُ الْإِمَامُ إنْ أَخَّرَ التَّفْرِيقَ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِتَفْرِيقِهَا؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّفْرِيقُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْمُسْتَحِقِّ قَدْرَ مَا أَخَذَهُ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ صُرَّةً وَلَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهَا أَجْزَأَهُ زَكَاةٌ وَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، وَإِنْ اُتُّهِمَ رَبُّ الْمَالِ فِيمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَأَنْ قَالَ: لَمْ يَحُلْ عَلَيَّ الْحَوْلُ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيفُهُ، وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ بِمَا يَدَّعِيهِ كَأَنْ قَالَ: أَخْرَجْتُ زَكَاتَهُ أَوْ بِعْتُهُ. وَيُسَنُّ لِلْمَالِكِ إظْهَارُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لِئَلَّا يُسَاءَ الظَّنُّ بِهِ، وَلَوْ ظَنَّ آخِذُ الزَّكَاةِ أَنَّهُ أَعْطَى مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَصْنَافِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ، وَإِذَا أَرَادَ الْأَخْذَ مِنْهَا لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ قَدْرِهَا فَيَأْخُذُ بَعْضَ الثَّمَنِ بِحَيْثُ يَبْقَى مَا يَدْفَعُهُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفِهِ وَلَا أَثَرَ لِمَا دُونَ غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَلَوْ أَخَّرَ تَفْرِيقَ الزَّكَاةِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي، فَمَنْ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَوْ غَارِمًا أَوْ مُكَاتَبًا مِنْ عَامِهِ إلَى الْعَامِ الثَّانِي خُصُّوا بِزَكَاةِ الْمَاضِي وَشَارَكُوا غَيْرَهُمْ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَيُعْطَوْنَ مِنْ زَكَاةِ الْعَامَيْنِ، وَمَنْ كَانَ غَارِمًا أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ أَوْ مُؤَلَّفًا لَمْ يُخَصُّوا بِشَيْءٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْخُذُونَ لِمَا يَسْتَقْبِلُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ. (وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ) وَالْجِزْيَةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا وَيَرُدُّهَا وَاجِدُهَا لَوْ شَرَدَتْ أَوْ ضَلَّتْ، وَلْيُعَرِّفْهَا الْمُتَصَدِّقُ فَلَا يَتَمَلَّكَهَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الِاتِّبَاعُ فِي نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْقِيَاسُ فِي غَيْرِهَا. أَمَّا نَعَمُ غَيْرِ الزَّكَاةِ وَالْفَيْءِ فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَالنَّعَمِ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْفِيَلَةُ. وَالْوَسْمُ بِالْمُهْمَلَةِ: التَّأْثِيرُ بِالْكَيِّ وَغَيْرِهِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ الْإِعْجَامَ، حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَجَعَلَ الْمُهْمَلَةَ لِلْوَجْهِ وَالْمُعْجَمَةَ لِسَائِرِ الْجَسَدِ، وَيُكْتَبُ عَلَى نَعَمِ الزَّكَاةِ مَا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا فَيُكْتَبُ عَلَيْهَا زَكَاةٌ، أَوْ صَدَقَةٌ، أَوْ طُهْرَةٌ، أَوْ لِلَّهِ، وَهُوَ أَبْرَكُ وَأَوْلَى اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ حُرُوفًا، فَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَحَكَى ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَقَرَّهُ، وَعَلَى نَعَمِ الْجِزْيَةِ جِزْيَةٌ وَصَغَارٌ بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ ذُلٌّ، وَهَذَا أَوْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] . فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَازَ الْوَسْمُ بِاَللَّهِ مَعَ أَنَّهَا قَدْ تَتَمَرَّغُ عَلَى النَّجَاسَاتِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ التَّمْيِيزُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 193 فِي مَوْضِعٍ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَيُكْرَهُ فِي الْوَجْهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ:   [مغني المحتاج] الذِّكْرُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْحَرْفُ الْكَبِيرُ كَكَافِ الزَّكَاةِ أَوْ صَادِ الصَّدَقَةِ، أَوْ جِيمِ الْجِزْيَةِ، أَوْ فَاءِ الْفَيْءِ، كَافٍ، وَيُكْتَبُ ذَلِكَ (فِي مَوْضِعٍ) ظَاهِرٍ صَلْبٍ (لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ) وَالْأَوْلَى فِي الْغَنَمِ آذَانُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَفْخَاذُهَا، وَيَكُونُ اسْمُ الْغَنَمِ أَلْطَفَ مِنْ الْبَقَرِ، وَالْبَقَرِ أَلْطَفَ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْإِبِلِ أَلْطَفَ مِنْ الْفِيَلَةِ (وَيُكْرَهُ) الْوَسْمُ (فِي الْوَجْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ) الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ (وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمِ) بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُشَيْرِيِّ نَسَبًا النَّيْسَابُورِيِّ وَطَنًا، مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً (لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَشَارَ إلَى حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِحِمَارٍ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ» . قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْأُمِّ قَالَ: وَالْخَبَرُ عِنْدَنَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَيَنْبَغِي رَفْعُ الْخِلَافِ وَحَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ، أَوْ أَنَّ قَائِلَهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ. أَمَّا الْآدَمِيُّ. فَوَسْمُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا، وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: يَجُوزُ الْكَيُّ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَلَا، سَوَاءٌ نَفْسُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ خِصَاءُ مَا يُؤْكَلُ فِي صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُطَيِّبُ اللَّحْمَ وَيَحْرُمُ فِي الْكَبِيرِ، وَكَذَا خِصَاءُ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَيَحْرُمُ التَّهْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ، وَيُكْرَهُ إنْزَاءُ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَعَكْسُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُ إنْزَاءِ الْخَيْلِ عَلَى الْبَقَرِ لِضَعْفِهَا وَتَضَرُّرِهَا بِكُبْرِ آلَةِ الْخَيْلِ. [فَصْلٌ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ] ِ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاق غَالِبًا (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ) لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَطْعَمَ جَائِعًا أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَمَنْ كَسَا مُؤْمِنًا عَارِيًّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَخُضْرُ الْجَنَّةِ بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: ثِيَابُهَا الْخُضْرُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إلَّا أَخَذَهَا اللَّهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيَهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ» وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا يُحَرِّمُهَا كَأَنْ يُعْلَمَ مِنْ آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ تَجِبُ فِي الْجُمْلَةِ كَأَنْ وَجَدَ مُضْطَرًّا وَمَعَهُ مَا يُطْعِمُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 194 وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَكَافِرٍ. وَدَفْعُهَا سِرًّا. وَفِي رَمَضَانَ.   [مغني المحتاج] فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ (وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ) وَلَوْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ لَهُ: أَتَشْرَبُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَمِثْلُهُمْ مَوْلَاهُمْ بَلْ أَوْلَى، لَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَظْهَرِ تَشْرِيفًا لَهُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ» وَفِيهِ: «لَعَلَّهُ أَنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا، وَيُكْرَهُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا إنْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ، «وَعَلَيْهِ حَمَلُوا خَبَرَ الَّذِي مَاتَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ» ، وَالْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ دِينَارَيْنِ، وَهَذَا لَيْسَ غِنَى الزَّكَاةِ. أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ وَصَلَ الْعُمْرَ الْغَالِبَ، أَوْ كَانَ غِنَاهُ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ، أَوْ كَسْبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ فَسَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال كَمَا هُوَ مِنْ قَوَاعِدِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَيُعْتَبَرُ فِي حِلِّهَا لَهُ أَنْ لَا يَظُنَّ الدَّافِعُ فَقْرَهُ. فَإِنْ أَعْطَاهُ ظَانًّا حَاجَتَهُ، فَفِي الْإِحْيَاءِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَسَبِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوَصْفِ الْمَظْنُونِ (وَ) تَحِلُّ لِشَخْصٍ (كَافِرٍ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» وَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلَّا تَقِيٌّ» أُرِيدَ بِهِ الْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْكَافِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا فِي الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَهُ عَهْدٌ أَوْ ذِمَّةٌ، أَوْ قَرَابَةٌ، أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، أَوْ كَانَ بِأَيْدِينَا بِأَسْرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا، وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ، وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. (وَدَفْعُهَا سِرًّا) أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا جَهْرًا لِآيَةِ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] : وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَدْرِيَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ» نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَأَظْهَرَهَا لِيُقْتَدَى بِهِ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا سَمَعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ. (وَ) دَفْعُهَا (فِي رَمَضَانَ) أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا فِي غَيْرِهِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: صَدَقَةٌ فِي رَمَضَانَ» وَلِأَنَّ الْفُقَرَاءَ فِيهِ يَضْعُفُونَ وَيَعْجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ، وَتَتَأَكَّدُ فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ، وَكَذَا فِي الْأَمَاكِنِ الشَّرِيفَةِ كَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ، وَعِنْدَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ كَالْكُسُوفِ وَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 195 وَلِقَرِيبٍ وَجَارٍ أَفْضَلُ.   [مغني المحتاج] أَرَادَ التَّطَوُّعَ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِرٍّ فِي رَجَبٍ أَوْ شَعْبَانَ مَثَلًا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إلَى رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ، بَلْ الْمُسَارَعَةُ إلَى الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ التَّصَدُّقَ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّا يَقَعُ فِي غَيْرِهَا. (وَ) دَفْعُهَا (لِقَرِيبٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَبَ رَحِمًا وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا لِغَيْرِ الْقَرِيبِ وَلِلْقَرِيبِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَفِي الْأَشَدِّ مِنْ الْأَقَارِبِ عَدَاوَةٌ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُجَانَبَةِ الرِّيَاءِ وَكَسْرِ النَّفْسِ. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الْحَنَّاطِيُّ: هَلْ الْأَفْضَلُ وَضْعُ الرَّجُلِ صَدَقَتَهُ فِي رَحِمِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ أَوْ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ؟ فَأَجَابَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَأُلْحِقَ بِالْأَقَارِبِ الزَّوْجُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَتَيْتَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتَا لِبِلَالٍ سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يُجْزِئُ أَنْ نَتَصَدَّقَ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَيَتَامَى فِي حُجُورِنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ» وَيُقَاسُ بِالزَّوْجِ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ هِيَ بَعْدُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَأَوْلَادِ الْعَمِّ وَالْخَالِ، ثُمَّ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْمَحْرَمِ رَضَاعًا ثُمَّ مُصَاهَرَةً، ثُمَّ فِي الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَلَاءً مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ. (وَ) دَفْعُهَا (لِجَارٍ) أَقْرَبَ فَأَقْرَبَ (أَفْضَلُ) مِنْ دَفْعِهَا لِغَيْرِ الْجَارِ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ فَقَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا» وَقُدِّمَ الْجَارُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى قَرِيبٍ بَعِيدٍ مِنْ دَارِ الْمُتَصَدِّقِ بَلْ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا بِحَيْثُ لَا تُنْقَلُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا، وَلَوْ كَانَ الْقَرِيبُ بِبَادِيَةٍ فَإِنْ كَانَتْ تُنْقَلُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ فِي مَحَلِّهَا قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ بَعُدَتْ دَارُهُ، وَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجُونَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ. وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ مِمَّا يُحِبُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَأَنْ يَدْفَعَهَا بِبَشَاشَةٍ وَطِيبِ نَفْسٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْأَجْرِ وَجَبْرِ الْقَلْبِ. وَتُكْرَهُ الصَّدَقَةُ بِالرَّدِيءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَبِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ،. وَلَا يَأْنَفُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْقَلِيلِ فَإِنَّ قَلِيلَ الْخَيْرِ كَثِيرٌ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» . وَلَوْ بَعَثَ بِشَيْءٍ مَعَ غَيْرِهِ إلَى فَقِيرٍ فَلَمْ يَجِدْهُ اُسْتُحِبَّ لِلْبَاعِثِ أَنْ لَا يَعُودَ فِيهِ بَلْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَتُسَنُّ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ، لِخَبَرِ: «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 196 وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ وَلَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ   [مغني المحتاج] الْمَاءُ» أَيْ فِي الْأَمَاكِنِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَمَلَّكَ صَدَقَتَهُ أَوْ زَكَاتَهُ أَوْ كَفَّارَتَهُ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الَّذِي أَخَذَهَا لِخَبَرِ: «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحْيِ مِنْهُ فَيُحَابِيهِ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ مَلَكَهَا لَهُ، وَلَا بِالْإِرْثِ مِمَّنْ مَلَكَهَا لَهُ. (وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ) لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ (وَ) لَكِنْ (لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ) لَهُ (أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ) فَالتَّصَدُّقُ بِدُونِهِ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تُطَابِقُ مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ تَفَاوُتٌ ظَاهِرٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ أَفَادَتْ أَنَّ عَدَمَ التَّصَدُّقِ مُسْتَحَبٌّ فَيَكُونُ التَّصَدُّقُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّصَدُّقَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ فَتَصَدَّقَ بِأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَوْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ (أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً) لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَمَّا تَقْدِيمُ مَا يَحْتَاجُهُ لِلنَّفَقَةِ فَلِخَبَرِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ، وَأَبْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّ كِفَايَتَهُمْ فَرْضٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْلِ، وَالضِّيَافَةُ كَالصَّدَقَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ: وَأَمَّا خَبَرُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ، فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ حِينَئِذٍ إلَى الْأَكْلِ. وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَتَبَرَّعَا بِحَقِّهِمَا وَكَانَا صَابِرَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ لِأُمِّهِمْ: نَوِّمِيهِمْ خَوْفًا مَنْ أَنْ يَطْلُبُوا الْأَكْلَ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ كَثِيرِينَ. لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ صَبَرَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ حُرْمَةِ إيثَارِ عَطْشَانَ عَطْشَانَ آخَرَ بِالْمَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ مُضْطَرًّا آخَرَ مُسْلِمًا. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الدَّيْنِ فَلِأَنَّ أَدَاءَهُ وَاجِبٌ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَسْنُونِ، فَإِنْ رَجَا لَهُ وَفَاءً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ظَاهِرَةٍ فَلَا بَأْسَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ إلَّا إنْ حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ. وَقَدْ وَجَبَ وَفَاءُ الدَّيْنِ عَلَى الْفَوْرِ بِمُطَالَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ دَفْعُهُ فِي دَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَفِي اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ بِمَا) أَيْ بِكُلِّ مَا (فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ كِفَايَتُهُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ كِسْوَةُ فَضْلِهِ لَا مَا يَكْفِيهِ فِي الْحَالِ فَقَطْ، وَلَا مَا يَكْفِيهِ فِي سَنَتِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 197 أَوْجُهٌ: أَصَحُّهُمَا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ اُسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] الْإِحْيَاءِ، وَلِوَفَاءِ دَيْنِهِ (أَوْجُهٌ: أَصَحُّهُمَا إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ) عَلَى الْإِضَافَةِ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ (وَإِلَّا فَلَا) يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُخْتَلِفَةُ الظَّاهِرِ كَخَبَرِ: «إنَّ أَبَا بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَخَبَرِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ غِنَى النَّفْسِ وَصَبْرِهَا عَلَى الْفَقْرِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا، وَالثَّالِث: لَا يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا. أَمَّا الصَّدَقَةُ بِبَعْضِ مَا فَضَلَ عَمَّا ذُكِرَ فَمُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يُقَارِبُ الْجَمِيعَ، فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهِ. وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ حَرَامٌ مُبْطِلٌ مُحْبِطٌ لِلْأَجْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ» . خَاتِمَةٌ يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يَمْنَعَ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ بِاَللَّهِ وَتَشَفَّعَ بِهِ لِخَبَرِ: «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» وَخَبَرِ: «مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ لَكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ بِهِ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ. . قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَا يَطْمَعَ الْمُتَصَدِّقُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْقُصَ أَجْرُ الصَّدَقَةِ، فَإِنْ دَعَا لَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا لِتَسْلَمَ لَهُ صَدَقَتُهُ. وَيُسَنُّ التَّصَدُّقُ عَقِبَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ، وَمِنْهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي وَطْءِ الْحَائِضِ. وَيُسَنُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقَدِيمِ فَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا ثُمَّ عَمِدَ إلَى ثَوْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَزَلْ فِي حِفْظِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا» وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّصَدُّقِ بِالرَّدِيءِ، بَلْ مِمَّا يُحِبُّ، وَهَذَا كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالْفُلُوسِ دُونَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَهَلْ قَبُولُ الزَّكَاةِ لِلْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ مِنْ قَبُولِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا مِنَّةَ فِيهَا، وَرَجَّحَ الثَّانِي آخَرُونَ مِنْهُمْ الْجُنَيْدُ وَالْخَوَّاصُ لِئَلَّا يَضِيقَ عَلَى الْأَصْنَافِ، وَلِئَلَّا يُخِلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْأَخَذِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ وَاحِدًا مِنْهُمَا. ثُمَّ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ شُبْهَةٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَأْخُذْ الزَّكَاةَ وَإِنْ قَطَعَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ إنْ لَمْ يَأْخُذْ هَذَا مِنْهُ لَا يَتَصَدَّقُ فَلْيَأْخُذْهَا، فَإِنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا وَلَمْ يُضَيِّقْ بِالزَّكَاةِ تَخَيَّرَ، وَأَخْذُهَا أَشَدُّ فِي كَسْرِ النَّفْسِ اهـ. أَيْ فَهُوَ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَلَأِ وَتَرْكُهُ فِي الْخَلْوَةِ أَفْضَلُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ النَّفْسِ، وَيُسَنُّ لِلرَّاغِبِ فِي الْخَيْرِ أَنْ لَا يَخْلُوَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ مِنْ الصَّدَقَةِ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 198 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا وَمَلَكَانِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ قَالَ حَتَّى يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ» . . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 199 كِتَابُ النِّكَاحِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ النِّكَاحِ] ِ هُوَ لُغَةً: الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَمِنْهُ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ إذَا تَمَايَلَتْ وَانْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ. وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ وَطْءٍ بِلَفْظِ إنْكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتِهِ، وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُهُ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا. لَكِنَّهُمْ إذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانٌ فُلَانَةَ أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ أَوْ أُخْتَهُ أَرَادُوا تَزَوَّجَهَا وَعَقَدَ عَلَيْهَا، وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ زَوْجَتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْمُجَامَعَةَ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَهُ أَلْفُ اسْمٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ اللُّغَوِيُّ: لَهُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُونَ اسْمًا وَكَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْمُسَمَّى، وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي مَوْضُوعِهِ الشَّرْعِيِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ كَمَا جَاءَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَقْدُ، وَالْوَطْءُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الشَّرْعِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 200 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْحَنَفِيَّةُ: لَمْ يَرِدْ النِّكَاحُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا بِمَعْنَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ، وَمَنْ أَرَادَ بِهِ الْكِنَايَةَ عَنْهُ أَتَى بِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ أَوْ الْمُمَاسَّةِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] فَالْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ حَقِيقَةً فِي الْجِمَاعِ وَيُكَنَّى بِهِ عَنْ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يُسْتَقْبَحُ مِنْ ذِكْرِهِ كَمَا يُسْتَقْبَحُ مِنْ فِعْلِهِ، وَالْعَقْدُ لَا يُسْتَقْبَحُ: أَيْ فَلَا يُكَنَّى بِالْأَقْبَحِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْ الْوَطْءِ؛ إذْ يُقَالُ فِي الزِّنَا: سِفَاحٌ لَا نِكَاحٌ، وَيُقَالُ فِي السُّرِّيَّةِ: لَيْسَتْ مُزَوَّجَةً وَلَا مَنْكُوحَةً، وَصِحَّةُ النَّفْيِ دَلِيلُ الْمَجَازِ. وَالثَّالِثُ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ كَالْعَيْنِ، وَحُمِلَ عَلَى هَذَا النَّهْيُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] عَنْ الْعَقْدِ وَعَنْ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مَعًا عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ تَظْهَرُ فِيمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَفِيمَا لَوْ عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعَقْدِ عِنْدَنَا لَا الْوَطْءِ إلَّا إنْ نَوَى، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَلْ هُوَ مِلْكٌ أَوْ إبَاحَةٌ؟ وَجْهَانِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَفِيمَا لَوْ وُطِئَتْ الزَّوْجَةُ بِشُبْهَةٍ إنْ قُلْنَا مِلْكٌ فَالْمَهْرُ لَهُ وَإِلَّا فَلَهَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي الْأُولَى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الزَّوْجِيَّةُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَالْمَهْرُ لَهَا، فَظَهَرَ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ الثَّانِي، وَهَلْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ أَوْ الْمَرْأَةُ فَقَطْ؟ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي، وَالْأَصْلُ فِي حِلِّهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ، فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَمِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا» رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ امْرَأَةً صَالِحَةً فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى شَطْرِ دِينِهِ» أَيْ لِأَنَّ الْفَرْجَ وَاللِّسَانَ لَمَّا اسْتَوَيَا فِي إفْسَادِ الدِّينِ جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَطْرًا. قَالَ الْأَطِبَّاءُ: وَمَقَاصِدُ النِّكَاحِ ثَلَاثَةٌ: حِفْظُ النَّسْلِ، وَإِخْرَاجُ الْمَاءِ الَّذِي يَضُرُّ احْتِبَاسُهُ وَنَيْلُ اللَّذَّةِ، وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي فِي الْجَنَّةِ؛ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ وَلَا احْتِبَاسَ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالنِّكَاحُ شُرِعَ مِنْ عَهْدِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَمَرَّتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ، بَلْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ فِي الْجَنَّةِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِيمَا يُتَعَبَّدُ بِهِ مِنْ الْعَقْدِ بَعْدَ الْإِيمَانِ. قَالَ: قُلْتُ: ذَلِكَ بِفَتْحِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ. اهـ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ أَصْحَابِنَا بِتَخْصِيصِ هَذَا الْكِتَابِ بِذِكْرِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 201 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْخَصَائِصُ الشَّرِيفَةِ أَوَّلَهُ لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا أَشْيَاء كَثِيرَةً يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ بِهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ فَلَا أُطِيلُ بِذِكْرِهَا هَهُنَا وَلَكِنْ أَذْكُرُ مِنْهَا طَرَفًا يَسِيرًا تَبَرُّكًا بِبَرَكَةِ صَاحِبِهَا - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - فَإِنَّ ذِكْرَهَا مُسْتَحَبٌّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا لِئَلَّا يَرَى الْجَاهِلُ بَعْضَ الْخَصَائِصِ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ، فَيَعْمَلُ بِهِ أَخْذًا بِأَصْلِ التَّأَسِّي فَوَجَبَ بَيَانُهَا لِتُعْرَفَ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا: الْوَاجِبَاتُ، وَهِيَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا الضُّحَى، وَالْوَتْرُ، وَالْأُضْحِيَّةُ، وَالسِّوَاكُ، وَالْمُشَاوَرَةُ. النَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ، وَهِيَ أَيْضًا كَثِيرَةٌ. مِنْهَا الزَّكَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَمَعْرِفَةُ الْخَطِّ، وَالشِّعْرِ، وَخَائِنَةِ الْأَعْيُنِ، وَهِيَ الْإِيمَاءُ بِمَا يَظْهَرُ خِلَافُهُ دُونَ الْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ، وَنِكَاحِ الْأَمَةِ وَلَوْ مُسْلِمَةً. النَّوْعُ الثَّالِثُ: التَّخْفِيفَاتُ وَالْمُبَاحَاتُ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ أَيْضًا. مِنْهَا تَزْوِيجُ مَنْ شَاءَ مِنْ النِّسَاءِ لِمَنْ شَاءَ وَلَوْ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا مُتَوَلِّيًا الطَّرَفَيْنِ وَزَوَّجَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَأُبِيحَ لَهُ الْوِصَالُ وَصَفِيُّ الْمَغْنَمْ وَيَحْكُمُ وَيَشْهَدُ لِوَلَدِهِ وَلِنَفْسِهِ، وَأُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ تِسْعٍ. وَقَدْ تَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِضْعَ عَشَرَةٍ، وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَكَثْرَةُ الزَّوْجَاتِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلتَّوْسِعَةِ فِي تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ عَنْهُ الْوَاقِعَةِ سِرًّا مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَنَقْلِ مَحَاسِنِهِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَمَّلَ لَهُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ. النَّوْعُ الرَّابِع: الْفَضَائِلُ وَالْإِكْرَامُ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا. مِنْهَا تَحْرِيمُ مَنْكُوحَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ أَكُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا، مُطَلَّقَاتٍ أَمْ لَا، بِاخْتِيَارِهِنَّ أَمْ لَا، وَتَحْرِيمُ سَرَارِيِّهِ، وَهُنَّ إمَاؤُهُ الْمَوْطُوآتُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَوْطُوآتِ، وَتَفْضِيلُ زَوْجَاتِهِ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ، وَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يُقَالُ لَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنَاتِ، بِخِلَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَبٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] فَمَعْنَاهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَدَ صُلْبِهِ، وَيَحْرُمُ سُؤَالَهُنَّ إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ، وَأَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ؛ إذْ قِيلَ بِنُبُوَّتِهَا، ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خَدِيجَةُ، ثُمَّ عَائِشَةُ، ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ. وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ: «خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، ثُمَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» . فَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ خَدِيجَةَ إنَّمَا فَضَلَتْ فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومَةِ لَا بِاعْتِبَارِ السِّيَادَةِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَخُصَّ بِأَنَّهُ أَوَّلُ النَّبِيِّينَ خَلْقًا وَبِتَقَدُّمِ نُبُوَّتِهِ، فَكَانَ نَبِيًّا وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَبِتَقَدُّمِ أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ: بَلَى وَقْتَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] وَبِخَلْقِ آدَمَ وَجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَجْلِهِ وَبِكِتَابَةِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ عَلَى الْعَرْشِ وَالسَّمَوَاتِ وَالْجِنَانِ وَسَائِرِ مَا فِي الْمَلَكُوتِ، وَبِشَقِّ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَبِجَعْلِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بِظَهْرِهِ بِإِزَاءِ قَلْبِهِ، وَبِحِرَاسَةِ السَّمَاءِ مِنْ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَالرَّمْيِ بِالشُّهُبِ، وَبِإِحْيَاءِ أَبَوَيْهِ حَتَّى آمَنَا بِهِ، وَأُكْرِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشَّفَاعَاتِ الْخَمْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَوَّلُهَا: الْعُظْمَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ حِينَ يَفْزَعُونَ إلَيْهِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ. الثَّانِيَةُ: فِي إدْخَالِ خَلْقٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. الثَّالِثَةُ: فِي نَاسٍ اسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ فَلَا يَدْخُلُونَهَا. الرَّابِعَةُ: فِي نَاسٍ دَخَلُوا النَّارَ فَيُخْرَجُونَ. الْخَامِسَة: فِي رَفْعِ دَرَجَاتِ نَاسٍ فِي الْجَنَّةِ، وَكُلُّهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 202 هُوَ مُسْتَحَبُّ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ يَجِدُ أُهْبَتَهُ،   [مغني المحتاج] ثَبَتَتْ فِي الْأَخْبَارِ، وَخُصَّ مِنْهَا بِالْعُظْمَى، وَدُخُولُ خَلْقٍ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَهِيَ الثَّانِيَةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خُصَّ بِالثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ أَيْضًا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ - أَيْ مَنْ يُجَابُ شَفَاعَتُهُ - فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُشَفِّعَهُ فِينَا، وَيُدْخِلَنَا مَعَهُ الْجَنَّةَ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِينَا وَمَشَايِخِنَا وَإِخْوَانِنَا وَمُحِبِّينَا وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَمَّا كَانَ النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (هُوَ مُسْتَحَبُّ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ) بِأَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ، وَلَوْ خَصِيًّا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِحْيَاءِ (يَجِدُ أُهْبَتَهُ) وَهِيَ مُؤَنُهُ مِنْ مَهْرٍ وَكِسْوَةِ فَصْلِ التَّمْكِينِ، وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا تَحْصِينًا لِدِينِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ بَقَاءِ النَّسْلِ وَحِفْظِ النَّسَبِ وَلِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» بِالْمَدِّ: أَيْ قَاطِعٌ وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ لُغَةً الْجِمَاعُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذَلِكَ، وَقِيلَ: مُؤَنُ النِّكَاحِ، وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ رَدَّهُ إلَى مَعْنَى الثَّانِي؛ إذْ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لِعَجْزِهِ عَنْهَا فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَدَمِ شَهْوَتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِهَا. وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَكَّافِ بْنِ وَدَاعَةَ: أَنَّهُ «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: أَلَكَ زَوْجَةٌ يَا عَكَّافُ. قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا جَارِيَةٌ. قَالَ: لَا. قَالَ: وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُوسِرٌ. قَالَ: نَعَمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: فَأَنْتَ إذًا مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ: إنْ كُنْتَ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى فَالْحَقْ بِهِمْ، وَإِنْ كُنْتَ مِنَّا فَاصْنَعْ كَمَا نَصْنَعُ، فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِنَا النِّكَاحَ: شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ، وَإِنَّ أَرْذَلَ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ؛ إذْ الْوَاجِبُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِطَابَةِ، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَلَا يَجِبُ الْعَدَدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَرَدَّ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْمُسْتَطَابَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْحَلَالُ؛ لِأَنَّ فِي النِّسَاءِ مُحَرَّمَاتٌ، وَهُنَّ فِي قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةَ، وَقِيلَ: هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ لَا يَسُوغُ لِجَمَاعَتِهِمْ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ لِبَقَاءِ النَّسْلِ، وَقِيلَ: يَجِبُ إذَا خَافَ الزِّنَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَتَّجِهُ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي، وَرُدَّ بِأَنَّ قَائِلَهُ لَحِظَ الْكَمَالَ بِالْإِحْصَانِ الَّذِي يَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا خَوْفَ الرَّجْمِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي التَّسَرِّي وَقِيلَ: يَجِبُ إذَا نَذَرَهُ حَيْثُ كَانَ مُسْتَحَبًّا، وَرُدَّ بِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُكَلَّفُ، وَالنِّكَاحُ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَا الْوَلِيِّ إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَعَلَى رِضَا الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَهُوَ فِي حَالِ النَّذْرِ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إنْشَاءِ النِّكَاحِ، وَبِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ، وَالْعُقُودُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 203 فَإِنْ فَقَدَهَا اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ، وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ،   [مغني المحتاج] وَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَ: أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تَنْكِحِينِي فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ فِيمَا إذَا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ فَظَلَمَ وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْقَسْمِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الضَّرَّةِ لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ نَوْبَةِ الْمَظْلُومَةِ بِسَبَبِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى تَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، فَإِنْ هَذَا الطَّلَاقَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْبِدْعِيِّ، وَقَالُوا فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الرَّجْعَةُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفُ مَا لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعَلَّلَهُ بِالْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ. تَنْبِيهٌ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفُ لَا يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَجِدُ أُهْبَتَهُ، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ بِإِلْحَاقِهَا بِالرَّجُلِ فِي حَالِ الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ أَيْ وَهِيَ تَتَعَبَّدُ كُرِهَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ أَيْ لِأَنَّهَا تَتَقَيَّدُ بِالزَّوْجِ وَتَشْتَغِلُ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ أَيْ لِتَوَقَانِهَا إلَى النِّكَاحِ أَوْ إلَى النَّفَقَةِ أَوْ خَائِفَةً مِنْ اقْتِحَامِ الْفَجَرَةِ أَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَعَبِّدَةً اُسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ أَيْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِينِ الدِّينِ وَصِيَانَةِ الْفَرْجِ وَالتَّرَفُّهِ بِالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا قِيلَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا النِّكَاحُ مُطْلَقًا مَرْدُودٌ، وَالضَّمَائِرُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفُ هُوَ وَإِلَيْهِ وَأُهْبَتُهُ إنْ أَرَادَ بِهَا الْعَقْدَ أَوْ الْوَطْءَ أَوْ بِإِلَيْهِ الْعَقْدَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ أَرَادَ بَهُوَ وَأُهْبَتُهُ الْعَقْدَ وَبِإِلَيْهِ الْوَطْءَ صَحَّ، لَكِنْ فِيهِ تَعَسُّفٌ، وَالشَّارِحُ فَسَّرَ النِّكَاحَ بِالتَّزَوُّجِ الَّذِي هُوَ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ التَّفَاصِيلَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ كَرَاهَةٍ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هِيَ فِيهِ لَا فِي الْعَقْدِ الْمُرَكَّبِ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ (فَإِنْ فَقَدَهَا) بِفَتْحِ الْقَافِ: أَيْ عَدِمَ الْأُهْبَةَ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ (تَرْكُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ» وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْكِحَ، وَهِيَ دُونَ عِبَارَةِ الْكِتَابِ فِي الطَّلَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ وَنَظَرَ فِيهِ، وَأَشَدُّ مِنْهَا فِي الطَّلَبِ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِكَرَاهَةِ النِّكَاحِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ يُسْتَحَبُّ كَانَ أَخَصْرَ وَأَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ (وَيَكْسِرُ) إرْشَادًا (شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ. قَالُوا: وَالصَّوْمُ يُثِيرُ الْحَرَكَةَ أَوَّلًا، فَإِذَا دَامَ سَكَنَتْ، وَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ شَهْوَتُهُ تَزَوَّجَ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ: «ثَلَاثٌ حُقَّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعِينَهُمْ: مِنْهُمْ: النَّاكِحُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَعْفِفَ» . وَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد: " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ التَّزَوُّجَ مَخَافَةَ الْعَيْلَةِ فَلَيْسَ مِنَّا» . وَأُجِيبَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ} [النور: 33] بِحَمْلِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَتَزَوَّجُهُ وَلَا يَكْسِرُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 204 فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ كُرِهَ إنْ فَقَدَ الْأُهْبَةَ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ الْعِبَادَةُ أَفْضَلُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ كُرِهَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] بِكَافُورٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْخِصَاءِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُكْرَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِقَطْعِ شَهْوَتِهِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ قَطْعُ الشَّهْوَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ تَغَيُّرُهَا فِي الْحَالِ، وَلَوْ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِاسْتِعْمَالِ ضِدِّ تِلْكَ الْأَدْوِيَةِ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَالثَّانِي عَلَى الْقَطْعِ لَهَا مُطْلَقًا (فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ) لِلنِّكَاحِ بِأَنْ لَمْ تَتُقْ نَفْسُهُ لَهُ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ أَوْ لِعَارِضٍ كَمَرَضٍ أَوْ عَجْزٍ (كُرِهَ) لَهُ (إنْ فَقَدَ الْأُهْبَةَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَحُكْمُ الِاحْتِيَاجِ لِلتَّزْوِيجِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ غَيْرِ النِّكَاحِ كَخِدْمَةٍ وَتَأَنُّسٍ كَالِاحْتِيَاجِ لِلنِّكَاحِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَفِي الْإِحْيَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِيمَنْ صَحَّ نِكَاحُهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ. أَمَّا مَنْ لَا يَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ كَالسَّفِيهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَإِلَّا) بِأَنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ لِلنِّكَاحِ وَلَا عِلَّةَ بِهِ (فَلَا) يُكْرَهُ لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَمَقَاصِدُ النِّكَاحِ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ (لَكِنْ الْعِبَادَةُ) أَيْ التَّخَلِّي لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (أَفْضَلُ) لَهُ مِنْ النِّكَاحِ إذَا كَانَ يَقْطَعُهُ عَنْهَا اهْتِمَامًا بِهَا، وَفِي مَعْنَى التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ التَّخَلِّي لِلِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ عِبَادَةً لَمَا صَحَّ مِنْهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ عِبَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ عِمَارَةِ الدُّنْيَا كَعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ وَالْعِتْقِ، فَإِنَّ هَذِهِ تَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَهِيَ مِنْهُ عِبَادَةٌ، وَمِنْ الْكَافِرِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ عِبَادَةٌ، وَيَدُلُّ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعِبَادَةُ تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ إنْ قَصَدَ بِهِ طَاعَةً مِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ أَوْ إعْفَافٍ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ. اهـ. وَيَنْزِلُ الْكَلَامَانِ عَلَى هَذَا وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ نِكَاحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مُطْلَقًا، وَفَائِدَتُهُ نَقْلُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا النِّسَاءُ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ) فَاقِدُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ وَاجِدُ الْأُهْبَةِ الَّذِي لَا عِلَّةَ بِهِ (فَالنِّكَاحُ) لَهُ (أَفْضَلُ) مِنْ تَرْكِهِ (فِي الْأَصَحِّ) كَيْ لَا تَقْضِيَ بِهِ الْبَطَالَةُ وَالْفَرَاغُ إلَى الْفَوَاحِشِ، وَالثَّانِي: تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ، وَفِي الصَّحِيحِ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ مِنْ النِّسَاءِ» (فَإِنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَ) لَكِنْ (بِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ) وَهُوَ كِبَرُ السِّنِّ (أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ) دَائِمٍ أَوْ كَانَ مَمْسُوحًا (كُرِهَ) لَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ مَعَ مَنْعِ الْمَرْأَةِ مِنْ التَّحْصِينِ، أَمَّا مَنْ يَعِنُّ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ أَفْهَمَ عَدَمُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفُ لَهُ خِلَافَهُ، وَالتَّعْنِينُ مَصْدَرُ عَنَّ: أَيْ تَعَرَّضَ، فَكَأَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلنِّكَاحِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْمَنْكُوحَةِ، فَقَالَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 205 وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِكْرٌ نَسِيبَةٌ لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً،   [مغني المحتاج] (وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا - أَيْ وَهُوَ زِيَادَةُ النَّسَبِ - وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» أَيْ اسْتَغْنَتْ إنْ فَعَلْتَ أَوْ افْتَقَرْتَ إنْ خَالَفْتَ، وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ الطَّاعَاتُ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ وَالْعِفَّةُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ (بِكْرٌ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «هَلَّا أَخَذْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ: «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا - أَيْ أَلْيَنُ كَلِمَةً - وَأَنْتَقُ أَرْحَامًا - أَيْ أَكْثَرُ أَوْلَادًا - وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» . وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَسْتَشِيرَ مِائَةَ نَفْسٍ، وَأَنَّهُ اسْتَشَارَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَقِيَ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَطْلُعُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَآخُذُ بِقَوْلِهِ وَلَا أَعْدُوهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ؛ إذْ طَلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ رَاكِبٌ قَصَبَةً فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ، فَقَالَ لَهُ النِّسَاءُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ عَلَيْكَ، وَوَاحِدَةٌ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، فَالْبِكْرُ لَك، وَذَاتُ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِكَ عَلَيْكَ، وَالثَّيِّبُ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ: أَطْلِقْ الْجَوَادَ، فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِقِصَّتِك، فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَاتَ قَاضِينَا، فَرَكِبْتُ هَذِهِ الْقَصَبَةَ وَتَبَاهَلْتُ لِأَخْلُصَ مِنْ الْقَضَاءِ ". قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَكَمَا يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ الْبِكْرِ يُسَنُّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ إلَّا مِنْ بِكْرٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ قَطُّ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الْإِينَاسِ بِأَوَّلِ مَأْلُوفٍ، وَلِهَذَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَدِيجَةَ: إنَّهَا أَوَّلُ نِسَائِي» (نَسِيبَةٌ) أَيْ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ، لِمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: " وَلِحَسَبِهَا ". وَأَمَّا خَبَرُ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَلَا تَضَعُوهَا إلَّا فِي الْأَكْفَاءِ» فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَهُ أَسَانِيدُ فِيهَا مَقَالٌ، وَلَكِنْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً) هَذَا مِنْ نَفْيِ الْمَوْصُوفِ الْمُقَيَّدِ بِصِفَةٍ فَيَصْدُقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ. وَهِيَ أَوْلَى مِنْهَا، وَاسْتَدَلَّ الرَّافِعِيُّ لِذَلِكَ تَبَعًا لِلْوَسِيطِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَنْكِحُوا الْقَرَابَةَ الْقَرِيبَةَ، فَإِنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ ضَاوِيًا» أَيْ نَحِيفًا، وَذَلِكَ لِضَعْفِ الشَّهْوَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يَجِيءُ كَرِيمًا عَلَى طَبْعِ قَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَمْ أَجِدْ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا مُعْتَمَدًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ هَذَا الْحُكْمُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ. وَقَدْ زَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهِيَ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ. اهـ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْقَرِيبَةِ أَوْلَى هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُزَوِّجَ مِنْ عَشِيرَتِهِ، وَعَلَّلَهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ اتِّصَالُ الْقَبَائِلِ لِأَجْلِ التَّعَاضُدِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ. اهـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 206 وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا سُنَّ نَظَرُهُ إلَيْهَا   [مغني المحتاج] الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ، وَلَا يَشْكُلُ ذَلِكَ بِتَزَوُّجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ مَعَ أَنَّهَا بِنْتُ عَمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَلَا بِتَزَوُّجِ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِأَنَّهَا بَعِيدَةٌ فِي الْجُمْلَةِ؛ إذْ هِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ، وَأَيْضًا بَيَانًا لِلْجَوَازِ. تَنْبِيهٌ لَوْ أَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ لَيَّسَتْ بِقَوْلِهِ غَيْرُ كَانَ مُنَاسِبًا لِلصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَنْكُوحَةِ أُمُورٌ ذَكَرْتُ مِنْهَا كَثِيرًا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، مِنْهَا أَنْ تَكُونَ وَلُودًا، لِخَبَرِ: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. وَيُعْرَفُ الْبِكْرُ وَلُودًا بِأَقَارِبِهَا، وَأَنْ تَكُونَ جَمِيلَةً لِخَبَرِ الْحَاكِمِ: «خَيْرُ النِّسَاءِ مَنْ تَسُرُّ إذَا نُظِرَتْ، وَتُطِيعُ إذَا أُمِرَتْ، وَلَا تُخَالِفُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا» . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَاتَ الْجَمَالِ الْبَارِعِ، فَإِنَّهَا تَزْهُوَ بِجَمَالِهَا، وَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: وَلَا تُغَالِ فِي الْمَلِيحَةِ فَإِنَّهَا قَلَّ أَنْ تَسْلَمَ لَك، وَأَنْ تَكُونَ عَاقِلَةً. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيَتَّجِهُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَقْلِ هُنَا الْعَقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَنَاطِ التَّكْلِيفِ. اهـ. وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مُطَلِّقٌ يَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا، وَأَنْ لَا تَكُونَ شَقْرَاء، فَقَدْ أَمَرَ الشَّافِعِيُّ الرَّبِيعَ أَنْ يَرُدَّ الْغُلَامَ الْأَشْقَرَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ وَقَالَ مَا لَقِيتُ مِنْ أَشْقَرَ خَيْرًا قَطُّ، وَقِصَّتُهُ مَعَ الْأَشْقَرِ الَّذِي أَضَافَهُ فِي عَوْدِهِ مِنْ الْيَمَنِ مَشْهُورَةٌ، وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَأَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الْمَهْرِ؛ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا» . وَقَالَ عُرْوَةُ: أَوَّلُ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكْثُرَ صَدَاقَهَا، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا قَلَّ أَنْ يَجِدَهَا الشَّخْصُ فِي نِسَاءِ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا تُوجَدُ فِي نِسَاءِ الْجِنَانِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ لَا يَحْرِمَنَا مِنْهُنَّ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيُقَاسُ بِالزَّوْجَةِ فِي هَذَا السُّرِّيَّةِ، وَلَكِنْ مَنَعَ الْقَفَّالُ وَالْجُوَيْنِيُّ التَّسَرِّي فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ التَّخْمِيسِ. نَعَمْ مَسْبِيُّ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ شِرَاؤُهَا وَوَطْؤُهَا؛ إذْ لَا خُمُسَ عَلَى الْكَافِرِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْخُمْسِ اتَّجَهَ الْحِلُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ أَعَفَّتْهُ وَاحِدَةٌ لَكِنَّهَا عَقِيمٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ نِكَاحُ وَلُودٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي شَوَّالٍ، وَأَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، وَأَنْ يَعْقِدَ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ جَمْعٍ، وَأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِخَبَرِ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتَيَّ فِي بُكُورِهَا» (وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا) وَرَجَا رَجَاءً ظَاهِرًا أَنَّهُ يُجَابُ إلَى خِطْبَتِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. (سُنَّ نَظَرُهُ إلَيْهَا) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً: اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَمَعْنَى يُؤْدَمُ أَيْ يَدُومَ فَقَدَّمَ الْوَاوَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 207 قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ، وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ وَلَا يَنْظُرُ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ   [مغني المحتاج] الدَّالِ، وَقِيلَ: مِنْ الْإِدَامِ مَأْخُوذٌ مِنْ إدَامِ الطَّعَامِ لِأَنَّهُ يُطَيَّبُ بِهِ، حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالثَّانِي عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَوَقْتُهُ (قَبْلَ الْخِطْبَةِ) وَبَعْدَ الْعَزْمِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْعَزْمِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَبَعْدَ الْخِطْبَةِ قَدْ يُفْضِي الْحَالُ إلَى التَّرْكِ فَيَشُقَّ عَلَيْهَا. وَمُرَادُهُ بِخَطَبَ فِي الْخَبَرِ عَزَمَ عَلَى خِطْبَتِهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «إذَا أُلْقِيَ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةُ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا» (وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ) هِيَ وَلَا وَلِيُّهَا اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الشَّارِعِ، وَلِئَلَّا تَتَزَيَّنَ فَيَفُوتَ غَرَضُهُ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِحُرْمَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، فَإِنْ لَمْ تُعْجِبْهُ سَكَتَ، وَلَا يَقُولُ: لَا أُرِيدُهَا؛ لِأَنَّهُ إيذَاءٌ (وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ) إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهَا فَلَا يَنْدَمَ بَعْدَ النِّكَاحِ؛ إذْ لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ غَالِبًا بِأَوَّلِ نَظْرَةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَبْطِ التَّكْرَارِ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثٍ لِحُصُولِ الْمَعْرِفَةِ بِهَا غَالِبًا، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أُرِيتُك فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ» . اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُضْبَطَ بِالْحَاجَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَظَرِهِ بِالشَّهْوَةِ نَظَرٌ (وَلَا يَنْظُرُ) مِنْ الْحُرَّةِ (غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ظَهْرًا وَبَطْنًا؛ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الزِّينَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] [النُّورُ] وَالْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي الْوَجْهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَفِي الْيَدَيْنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ. أَمَّا الْأَمَةُ وَلَوْ مُبَعَّضَةً فَيَنْظُرُ مِنْهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَالَ: إنَّهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ نَظَرُهُ إلَيْهَا بَعَثَ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهَا تَتَأَمَّلُهَا وَتَصِفُهَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقَالَ: اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي عَوَارِضَهَا» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ لِلْمَبْعُوثِ أَنْ يَصِفَ لِلْبَاعِثِ زَائِدًا عَلَى مَا يَنْظُرُهُ فَيَسْتَفِيدَ بِالْبَعْثِ مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِنَظَرِهِ، وَتَقْيِيدُ الْبَعْثِ بِعَدَمِ التَّيَسُّرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَأَطْلَقَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ أَوْجَهُ، وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ غَيْرَ عَوْرَتِهِ إذَا أَرَادَتْ تَزْوِيجَهُ، فَإِنَّهَا يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا وَتَسْتَوْصِفُ كَمَا مَرَّ فِي الرَّجُلِ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَنْظُرُ مِنْ الْآخَرِ مَا عَدَا عَوْرَةَ الصَّلَاةِ، وَخَرَجَ بِالنَّظَرِ الْمَسُّ فَلَا يَجُوزُ؛ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. فَائِدَةٌ: أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ نَظَرُ الْمَخْطُوبَةِ وَلَهَا أَخٌ أَوْ ابْنٌ أَمْرَدُ يَحْرُمُ نَظَرُهُ وَكَانَ يُشْبِهُهَا أَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الْخَاطِبِ إلَيْهِ اهـ. وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بِشَهْوَةٍ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّظَرِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَخْطُوبَةَ مَحَلُّ التَّمَتُّعِ فِي الْجُمْلَةِ (وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ) عَاقِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَوْ شَيْخًا وَعَاجِزًا عَنْ الْوَطْءِ، وَمُخَنَّثًا، وَهُوَ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ (إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ) وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ حَدًّا تُشْتَهَى فِيهِ، لَا الْبَالِغَةُ (أَجْنَبِيَّةٍ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 208 وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَكَذَا عَنْدَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] لِلنَّاظِرِ بِلَا خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] [النُّورُ] الْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَخَرَجَ بِالْفَحْلِ الْمَمْسُوحُ وَسَيَأْتِي، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَجْبُوبُ، وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ فَقَطْ، وَالْخَصِيُّ وَهُوَ مَنْ بَقِيَ ذَكَرُهُ دُونَ أُنْثَيَيْهِ، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، فَإِنَّ حُكْمَهُمْ كَالْفَحْلِ، وَبِالْبَالِغِ الصَّبِيُّ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُرَاهِقِ، وَبِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ وَسَتَأْتِي، وَبِالْأَجْنَبِيَّةِ الْمَحْرَمُ وَسَيَأْتِي، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ عَاقِلًا مُخْتَارًا كَمَا قَدَّرْتُهُ لِيَخْرُجَ الْمَجْنُونُ وَالْمَكْرُوهُ (وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا) مِنْ كُلِّ يَدٍ، فَيَحْرُمُ نَظَرُ رُءُوسِ أَصَابِعِ كَفَّيْهَا إلَى الْمِعْصَمِ ظَهْرًا وَبَطْنًا (عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ) تَدْعُو إلَى الِاخْتِلَاءِ بِهَا لِجِمَاعٍ أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَلَوْ نَظَرَ إلَيْهِمَا بِشَهْوَةٍ وَهُوَ قَصْدُ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ الْمُجَرَّدِ وَأَمِنَ الْفِتْنَةَ حَرُمَ قَطْعًا (وَكَذَا) يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا (عِنْدَ الْأَمْنِ) مِنْ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَوَجَّهَهُ الْإِمَامُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ، وَبِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةٌ لِلْفِتْنَةِ وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] [النُّورُ] وَاللَّائِقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ سَدُّ الْبَابِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْجُمْهُورِ، وَالشَّيْخَانِ لِلْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الصَّوَابُ لِكَوْنِ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْمَدْرَكِ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ. اهـ. وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ كَانَ أَنْسَبَ، وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَنْعِ النِّسَاءِ أَيْ مَنْعِ الْوُلَاةِ لَهُنَّ مُعَارَضٌ بِمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا فِي طَرِيقِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُنَّ لِلْآيَةِ، وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ، بَلْ مَنْعُهُنَّ مِنْ ذَلِكَ، لَا لِأَنَّ السِّتْرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِنَّ فِي ذَاتِهِ، بَلْ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً عَامَّةً، وَفِي تَرْكِهِ إخْلَالًا بِالْمُرُوءَةِ. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ السِّتْرَ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْجَمْعُ، وَكَلَامُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالْجَوَازِ كُرِهَ، وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى، وَحَيْثُ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الرَّاجِحُ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْمُنْتَقِبَةِ الَّتِي لَا يَتَبَيَّنُ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنَيْهَا وَمَحَاجِرِهَا أَوْ لَا؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ جَمِيلَةً، فَكَمْ فِي الْمَحَاجِرِ مِنْ خَنَاجِرٍ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا غَيْرُ عَوْرَةٍ وَإِنَّمَا أُلْحِقَا بِهَا فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَقَالَ: عَوْرَتُهَا مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ كُبْرَى وَصُغْرَى، فَالْكُبْرَى مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَالصُّغْرَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَيَجِبُ سَتْرُ الْكُبْرَى فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَا عَنْ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَالْخَنَاثَى وَالصُّغْرَى عَنْ النِّسَاءِ وَإِنْ قَرُبْنَ، وَكَذَا عَنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ وَالصِّبْيَانِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ الْأَقْرَبَ إلَى صُنْعِ الْأَصْحَابِ أَنَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا عَوْرَةٌ فِي النَّظَرِ لَا فِي الصَّلَاةِ وَإِطْلَاقُهُ الْكَبِيرَةَ يَشْمَلُ الْعَجُوزَ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةً، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 209 وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ، وَقِيلَ مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ إلَى الْأَمَةِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ. وَإِلَى صَغِيرَةٍ إلَّا الْفَرْجِ.   [مغني المحتاج] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} [النور: 60] [النُّورُ] وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِذَهَابِ أَنَسٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُمِّ أَيْمَنَ، وَبَعْدَهُ انْطَلَقَ إلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ سُفْيَانُ يَدْخُلُ عَلَى رَابِعَةَ. اهـ. وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ. وَصَوْتُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَيَجُوزُ الْإِصْغَاءُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَنُدِبَ تَشْوِيهُهُ إذَا قُرِعَ بَابُهَا فَلَا تُجِيبُ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ، بَلْ تُغَلِّظُ صَوْتَهَا بِظَهْرِ كَفِّهَا عَلَى الْفَمِ (وَلَا يَنْظُرُ) الْفَحْلُ (مِنْ مَحْرَمِهِ) الْأُنْثَى مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ مَا (بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) مِنْهَا أَيْ يَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ إجْمَاعًا (وَيَحِلُّ) بِغَيْرِ شَهْوَةٍ نَظَرُ (مَا سِوَاهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا عَدَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ مَعْنًى يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُنَاكَحَةَ فَكَانَا كَالرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، فَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِ الْمَحْرَمِ، فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ (وَقِيلَ) : إنَّمَا يَحِلُّ نَظَرُ (مَا يَبْدُو) مِنْهَا (فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ) لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى النَّظَرِ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا يَبْدُو فِي الْمَهْنَةِ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ وَالْعُنُقُ وَالْيَدُ إلَى الْمِرْفَقِ وَالرِّجْلُ إلَى الرُّكْبَةِ. وَالْمَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا: الْخِدْمَةُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَسْرِهَا. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ نَظَرَهُ إلَى مَا يَبْدُو فِي حَالِ الْمَهْنَةِ جَائِزٌ قَطْعًا، وَإِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ حَرَامٌ قَطْعًا، وَالْخِلَافُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَحْرَمِ بَيْنَ الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْكَافِرُ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ حِلَّ الْمَحَارِمِ كَالْمَجُوسِ امْتَنَعَ نَظَرُهَا لَهُ وَنَظَرُهُ إلَيْهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (وَالْأَصَحُّ حِلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ) وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا (إلَى الْأَمَةِ) وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ (إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) فَلَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْرَتُهَا فِي الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ إلَّا مَا يَبْدُو فِي الْمَهْنَةِ؛ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَالثَّالِثُ: يَحْرُمُ نَظَرُهَا كُلُّهَا كَالْحُرَّةِ وَسَيَأْتِي تَرْجِيحُهُ، وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ بِلَا شَهْوَةٍ الْحِلَّ وَإِنْ خَافَ الْفِتْنَةَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ قَطْعًا حِينَئِذٍ، أَمَّا النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ فَحَرَامٌ قَطْعًا لِكُلِّ مَنْظُورٍ إلَيْهِ مِنْ مَحْرَمٍ وَغَيْرِهِ غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَالتَّعَرُّضُ لَهُ هُنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لَيْسَ لِلِاخْتِصَاصِ بَلْ لِحِكْمَةٍ تَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ. اهـ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا هُوَ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ غَالِبًا قُيِّدَ بِالْعَدَمِ وَمَا لَا فَلَا، وَقِيلَ: إنَّمَا قُيِّدَ بِذَلِكَ فِي الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا لِنَقْصِهَا عَنْ الْحُرَّةِ قَدْ يُتَسَاهَلُ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا فَدُفِعَ ذَلِكَ بِالتَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ. (وَ) الْأَصَحُّ حِلُّ النَّظَرِ (إلَى صَغِيرَةٍ) لَا تُشْتَهَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْإِنَاثِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي وَجْهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى يَكَادُ أَنْ يَكُونَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ (إلَّا الْفَرْجَ) فَلَا يَحِلُّ نَظَرُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَصَاحِبِ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا وَرَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ جَوَّزَهُ جَزْمًا فَلَيْسَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا بَلْ فِيهِ خِلَافٌ لَا أَنَّهُ رَدَّ الْحُكْمَ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فَصَرَّحَ بِالْجَوَازِ، وَأَمَّا فَرْجُ الصَّغِيرِ فَكَفَرْجِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي بِجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ إلَى التَّمْيِيزِ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْأُمَّ زَمَنَ الرَّضَاعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 210 وَأَنَّ نَظَرَ الْعَبْدِ إلَى سَيِّدَتِهِ وَنَظَرَ مَمْسُوحٍ كَالنَّظَرِ إلَى مَحْرَمٍ، وَأَنَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ. وَيَحِلُّ نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ.   [مغني المحتاج] وَالتَّرْبِيَةَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُرْضِعَةُ غَيْرُ الْأُمِّ كَالْأُمِّ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَظَرَ الْعَبْدِ) الْفَحْلِ الْعَفِيفِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ غَيْرِ الْمُبَعَّضِ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُكَاتَبِ (إلَى سَيِّدَتِهِ) الْعَفِيفَةِ كَمَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَ) أَنَّ (نَظَرَ مَمْسُوحٍ) إلَى أَجْنَبِيَّةٍ سَوَاءٌ أَكَانَ حُرًّا أَمْ لَا، وَهُوَ ذَاهِبُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ (كَالنَّظَرِ إلَى مَحْرَمٍ) فَيَحِلُّ نَظَرُهُمَا بِلَا شَهْوَةٍ نَظَرَ الْمَحْرَمِ، أَمَّا الْأُولَى فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] [النُّورُ] ، «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَدْ أَتَاهَا وَمَعَهُ عَبْدٌ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا وَعَلَيْهَا ثَوْبٌ إذَا قَنَعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا تَلْقَى قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31] [النُّورُ] أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: يَحْرُمُ نَظَرُهُمَا كَغَيْرِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْإِرْبَةِ الْإِمَاءُ وَالْمُغَفَّلُونَ الَّذِينَ لَا يَشْتَهُونَ النِّسَاءَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْفَاسِقُ وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِغَيْرِ الزِّنَا خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ. وَالْمُبَعَّضُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مَعَ سَيِّدَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْمُكَاتَبُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَفَاءُ النُّجُومِ أَوْ لَا خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي الشِّقِّ الثَّانِي، وَقِيلَ: إنَّهُ كَالْقِنِّ، وَنُقِلَ عَنْ نَصَّ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَتَجِبُ الْفَتْوَى بِهِ. فَإِنْ قِيلَ يَشْكُلُ عَلَى الْأَوَّلِ جَوَازُ نَظَرِ السَّيِّدِ إلَى مُكَاتَبَتِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَقْيِيدُ الْجَوَازِ فِي الْمَمْسُوحِ بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمَةِ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا مُنِعَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُرَاهِقَ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ مَنْ قَارَبَ الْحُلُمَ حُكْمُهُ فِي نَظَرِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ (كَالْبَالِغِ) فَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ مَنْعُهُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهَا الِاحْتِجَابُ مِنْهُ كَالْمَجْنُونِ فِي ذَلِكَ لِظُهُورِهِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] [النُّورُ] وَالثَّانِي: لَهُ النَّظَرُ كَالْمَحْرَمِ، أَمَّا الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إلَّا فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَضَعْنَ فِيهَا ثِيَابَهُنَّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهِ فِي دُخُولِهِ فِيهَا عَلَيْهِنَّ لِآيَةِ: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: 58] [النُّورُ] وَأَمَّا غَيْرُ الْمُرَاهِقِ فَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يَحْكِي مَا يَرَاهُ فَكَالْعَدِمِ، أَوْ بَلَغَهُ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ فَكَالْمَحْرَمِ أَوْ بِشَهْوَةٍ فَكَالْبَالِغِ. تَنْبِيهٌ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ الِاسْتِئْذَانُ أَيْ عَلَى سَيِّدَتِهِ إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَسَبَبُهُ كَثْرَةُ الْحَاجَةِ إلَى الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالْمُخَالَطَةِ (وَيَحِلُّ) بِلَا شَهْوَةٍ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ (نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ) اتِّفَاقًا (إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) فَيَحْرُمُ وَلَوْ مِنْ ابْنٍ وَسَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 4 ¦ الصفحة: 211 وَيَحْرُمُ نَظَرُ أَمْرَدَ بِشَهْوَةٍ. قُلْتُ: وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ.   [مغني المحتاج] أَنَّ الْفَخِذَ فِي الْحَمَّامِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. (وَيَحْرُمُ نَظَرُ أَمْرَدَ) وَهُوَ الشَّابُّ الَّذِي لَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ. وَلَا يُقَالُ لِمَنْ أَسَنَّ وَلَا شَعْرَ بِوَجْهِهِ أَمْرَدُ، بَلْ يُقَالُ لَهُ: ثَطُّ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (بِشَهْوَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْأَمْرَدِ كَمَا مَرَّ، بَلْ النَّظَرُ إلَى الْمُلْتَحِي وَإِلَى النِّسَاءِ الْمَحَارِمِ بِشَهْوَةٍ حَرَامٌ قَطْعًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَضَابِطُ الشَّهْوَةِ فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَأَثَّرَ بِجَمَالِ صُورَةِ الْأَمْرَدِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ مِنْ نَفْسِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُلْتَحِي، فَهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْمُرَادُ بِالشَّهْوَةِ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِقَصْدِ قَضَاءِ وَطَرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ يُحِبُّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ الْجَمِيلِ وَيَلْتَذُّ بِهِ. قَالَ: فَإِذَا نَظَرَ لِيَلْتَذّ بِذَلِكَ الْجَمَالِ فَهُوَ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَشْتَهِيَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْوِقَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ زِيَادَةٌ فِي الْفِسْقِ. قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى فَاحِشَةٍ وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى مُجَرَّدِ النَّظَرِ وَالْمَحَبَّةِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَالِمُونَ مِنْ الْإِثْمِ وَلَيْسُوا بِسَالِمِينَ، وَلَوْ انْتَفَتْ الشَّهْوَةُ وَخِيفَ الْفِتْنَةُ حَرُمَ النَّظَرُ أَيْضًا كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَيْسَ الْمَعْنِيُّ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِوُقُوعِهَا، بَلْ يَكْفِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ نَادِرًا (قُلْتُ: وَكَذَا بِغَيْرِهَا) وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ (فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ، فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ؛ إذْ الْكَلَامُ فِي الْجَمِيلِ الْوَجْهِ النَّقِيِّ الْبَدَنِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التِّبْيَانِ وَرِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمَا، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَلَّاءِ. قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ أُسْتَاذِي يَوْمًا فَرَأَيْتُ حَدَثًا جَمِيلًا فَقُلْتُ: يَا أُسْتَاذِي تَرَى يُعَذِّبُ اللَّهُ هَذِهِ الصُّورَةَ؟ فَقَالَ: وَنَظَرْتَ؟ سَتَرَى غِبَّهُ. قَالَ: فَنَسِيتُ الْقُرْآنَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِشْرِينَ سَنَةً، وَسَمَّى السَّلَفُ الصَّالِحُ الْمُرْدَ الْأَنْتَانَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَقْذَرُونَ شَرْعًا. وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ وَإِلَّا لَأَمَرَ الْمُرْدَ بِالِاحْتِجَابِ كَالنِّسَاءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاحْتِجَابِ لِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَفِي تَرْكِ الْأَسْبَابِ اللَّازِمَةِ لَهُ، وَعَلَى غَيْرِهِمْ غَضُّ الْبَصَرِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا الصَّعْبُ إيجَابُ الْغَضِّ مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُصَنِّفُ وَيَرُدُّهُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَمُخَالَطَتُهُمْ الصِّبْيَانَ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِغَضِّ الْبَصَرِ عَنْهُمْ فِي كُلِّ حَالٍ كَالنِّسَاءِ، بَلْ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ، وَنَازَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي الْعَزْوِ لِلنَّصِّ وَقَالَ الصَّادِرُ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّمَا هُوَ إطْلَاقٌ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ الشَّهْوَةِ. اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَا أَعْرِفُ هَذَا النَّصَّ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَتِهِ وَلَا سُنَنِهِ وَلَا مَبْسُوطِهِ، وَتَبِعَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ النَّصِّ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أَحَدٌ وَلَيْسَ وَجْهًا ثَانِيًا فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً لَا يَحْرُمُ قَطْعًا، فَإِنْ خَافَ فَوَجْهَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ النَّصِّ مَطْعُونٌ فِيهِ، وَلَعَلَّهُ وَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ حُصُولِ شَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ. وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ بِلَا خِلَافٍ، وَهَذَا إجْمَاعُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الشَّافِعِيِّ مَا يَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ. اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ: لَمْ يُصَرِّحْ هُوَ أَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَلَا غَيْرُهُ بِحِكَايَتِهَا فِي الْمَذْهَبِ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اخْتِيَارَاتِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 212 وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَرْأَةُ مَعَ امْرَأَةٍ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ. وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ إلَى مُسْلِمَةٍ.   [مغني المحتاج] لَا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لِلنَّاظِرِ وَلَا مَمْلُوكًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهِمَا عِنْدَ الْأَمْنِ وَعَدَمِ الشَّهْوَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ قِيلَ بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ حَرُمَتْ الْخَلْوَةُ بِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ: هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّهَا أَفْحَشُ وَأَقْرَبُ إلَى الْمَفْسَدَةِ. (وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ) الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالْعِمْرَانِيِّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ أَرْجَحُ دَلِيلًا (أَنَّ الْأَمَةَ) فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا (كَالْحُرَّةِ) فِي حُرْمَةِ نَظَرِهَا مُطْلَقًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأُنُوثَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ، فَفِي الْإِمَاءِ التُّرْكِيَّاتِ وَنَحْوِهِنَّ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ أَشَدُّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْحَرَائِرِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ: وَمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لَا يُعْرَفُ، وَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَوْرَةِ الْأَمَةِ وَمُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ اهـ. وَهَذَا مَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ لِمَا مَرَّ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ رَأَى أَمَةً مُنْتَقِبَةً فَقَالَ: أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ يَا لَكَاعُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْإِمَاءِ الْمُتَبَذِّلَاتِ الْبَعِيدَاتِ عَنْ الشَّهْوَةِ، أَوْ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَصَدَ نَفْيَ الْأَذَى عَنْ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ كُنَّ يُقْصَدْنَ لِلزِّنَا. قَالَ - تَعَالَى -: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] [الْأَحْزَاب] وَكَانَتْ الْحَرَائِرُ تُعْرَفُ بِالسِّتْرِ فَخَشِيَ أَنَّهُ إذَا اسْتَتَرَتْ الْإِمَاءُ حَصَلَ الْأَذَى لِلْحَرَائِرِ، فَأَمَرَ الْإِمَاءَ بِالتَّكَشُّفِ وَيَحْتَرِزْنَ فِي الصِّيَانَةِ مِنْ أَهْلِ الْفُجُورِ. (وَالْمَرْأَةُ) الْبَالِغَةُ حُكْمُهَا (مَعَ امْرَأَةٍ) مِثْلِهَا فِي النَّظَرِ (كَرَجُلٍ) أَيْ كَنَظَرِ رَجُلٍ (وَرَجُلٍ) فِيمَا سَبَقَ فَيَجُوزُ مَعَ الْأَمْنِ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيَحْرُمُ مَعَ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ. (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ نَظَرِ) كَافِرَةٍ (ذِمِّيَّةٍ) أَوْ غَيْرِهَا (إلَى مُسْلِمَةٍ) فَتَحْتَجِبُ الْمُسْلِمَةُ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] [النُّورُ] فَلَوْ جَازَ لَهَا النَّظَرُ لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ مَنَعَ الْكِتَابِيَّاتِ دُخُولَ الْحَمَّامِ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ، وَلِأَنَّهَا رُبَّمَا تَحْكِيهَا لِلْكَافِرِ. وَالثَّانِي: لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَالرِّجَالِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِمْ بَيْنَ نَظَرِ الْكَافِرِ إلَى الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمِ إلَى الْمُسْلِمِ. نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا مَعَهَا كَالْأَجْنَبِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي كَافِرَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِلْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لَهَا. أَمَّا هُمَا فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَيْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَحْرَمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ إيرَادِ الْمُصَنِّفُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى الذِّمِّيَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ قُلْنَا: إنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِذَا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْكَافِرَةِ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ التَّمْكِينُ مِنْهُ. وَأَمَّا نَظَرُ الْمُسْلِمَةِ إلَيْهَا فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكَافِرَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْفَاسِقَةُ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَالْكَافِرَةِ مَعَ الْمُسْلِمَةِ رَدَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 213 وَجَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً. قُلْتُ: الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ كَهُوَ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَظَرُهَا إلَى مَحْرَمِهَا كَعَكْسِهِ.   [مغني المحتاج] الْبُلْقِينِيُّ وَالرَّدُّ ظَاهِرٌ وَإِنْ جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ. (وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ) الْبَالِغَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ (إلَى بَدَنِ) رَجُلٍ (أَجْنَبِيٍّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً) وَلَا نَظَرَتْ بِشَهْوَةٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَلِأَنَّ مَا سِوَى مَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ) أَيْ تَحْرِيمُ نَظَرِهَا تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ (كَهُوَ) أَيْ كَنَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ (إلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] [النُّورُ] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: «كُنْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُ؟ فَقَالَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى وَجْهِ الرَّجُلِ وَكَفَّيْهِ عِنْدَ الْأَمْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاتَّفَقَتْ الْأَوْجُهُ عَلَى جَوَازِ نَظَرِهَا إلَى وَجْهِ الرَّجُلِ وَكَفَّيْهِ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ الْفِتْنَةِ. اهـ. وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَارُّ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفُ أَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ لِلَعِبِهِمْ وَحِرَابَتِهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ. وَأَجَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ، أَوْ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لَمْ تَبْلُغْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ؛ إذْ ذَاكَ، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ أَنَّهَا تَنْظُرُ مِنْهَا مَا يَبْدُو فِي الْمَهْنَةِ فَقَطْ؛ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ، وَقَوَّاهُ بَعْضُهُمْ لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي نَظَرِهِنَّ فِي الطُّرُقَاتِ إلَى الرِّجَالِ، وَيُسْتَثْنَى عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا قَصَدَتْ نِكَاحَهُ فَلَهَا النَّظَرُ إلَيْهَا قَطْعًا، بَلْ يُنْدَبُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ كَهُوَ إلَيْهَا قَدْ يَقْتَضِيهِ (وَنَظَرُهَا إلَى مَحْرَمِهَا) حُكْمُهُ (كَعَكْسِهِ) وَهُوَ نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى مَحْرَمِهِ فَتَنْظُرُ مِنْهُ بِلَا شَهْوَةٍ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَقِيلَ: مَا يَبْدُو مِنْهُ فِي الْمَهْنَةِ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: لَا يَحْرُمُ إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ، وَقِيلَ: كَنَظَرِهِ إلَيْهَا، وَهَذَا الَّذِي ضَعَّفَهُ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ هُنَا. . وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيُعَامَلُ بِالْأَشَدِّ فَيُجْعَلُ مَعَ النِّسَاءِ رَجُلًا وَمَعَ الرِّجَالِ امْرَأَةً إذَا كَانَ فِي سِنٍّ يَحْرُمُ فِيهِ نَظَرُ الْوَاضِحِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ مِنْ الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَلَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِامْرَأَةٍ فَهُوَ مَعَهَا كَعَبْدِهَا، وَقِيلَ: يُسْتَصْحَبُ فِيهِ حُكْمُ الصِّغَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْحِيحُ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضَعْفِ الشَّهْوَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 214 وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ. وَمُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ.   [مغني المحتاج] بِخِلَافِهَا قَبْلَهُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ضَابِطِ مَا يَحْرُمُ مِنْهُ فَقَالَ: (وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي اللَّذَّةِ وَإِثَارَةِ الشَّهْوَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَسَّ، فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ، وَلَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ لَمْ يُفْطِرْ، فَيَحْرُمُ مَسُّ الْأَمْرَدِ كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ وَأَوْلَى، وَدَلْكُ الرَّجُلِ فَخِذَ الرَّجُلِ بِلَا حَائِلٍ وَيَجُوزُ مِنْ فَوْقِ إزَارٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَلَمْ تَكُنْ شَهْوَةٌ، وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الضَّابِطِ صُوَرٌ طَرْدًا وَعَكْسًا، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا أُبِينَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ نَظَرُهُ لَا مَسُّهُ، وَمِنْهُ حَلَقَةُ دُبُرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ لَا مَسُّهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ أَمْكَنَ الطَّبِيبَ مَعْرِفَةُ الْعِلَّةِ بِالْمَسِّ دُونَ النَّظَرِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ الْمَسُّ لَا النَّظَرُ، وَمِنْ الثَّانِي الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّ بَطْنِ أُمِّهِ وَظَهْرِهَا وَغَمْزِ سَاقَهَا وَرِجْلِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ مَسِّ الْمَحَارِمِ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسِّ الشَّهْوَةِ، وَالثَّانِي عَلَى مَسِّ الْحَاجَةِ وَالشَّفَقَةِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، لَكِنْ يَبْقَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ شَهْوَةٌ، وَلَا حَاجَةٌ لَا شَفَقَةٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَبَيْنَهُمَا مَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةُ، فَمَا قَرُبَ إلَى الْأَوَّلِ ظَهَرَ تَحْرِيمُهُ، وَمَا قَرُبَ إلَى الثَّانِي ظَهَرَ جَوَازُهُ. اهـ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَصْدِ، فَقَدْ قَبَّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ، وَقَبَّلَ الصِّدِّيقُ الصِّدِّيقَةَ. فَإِنْ قِيلَ: إنْ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفَقَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّابِتَ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الشَّهْوَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَصْدُقُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَحَيْثُ حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ حَيْثُ اسْمَ مَكَان، وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَحْرُمُ نَظَرُهُ يَحْرُمُ مَسُّهُ، وَمَتَى اسْمُ زَمَانٍ، فَهُوَ لَيْسَ مَقْصُودًا هُنَا. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الزَّمَانَ أَيْضًا مَقْصُودٌ، فَإِنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ يَحْرُمُ نَظَرُهَا. فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا جَازَ، فَإِذَا طَلَّقَهَا حَرُمَ، وَكَذَلِكَ الطِّفْلَةُ عَلَى الْعَكْسِ، وَكَذَلِكَ يُسْتَثْنَى زَمَانُ الْمُدَاوَاةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَنَحْوَهَا. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُرْمَةِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ هُوَ حَيْثُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا. وَأَمَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالنَّظَرُ وَالْمَسُّ (مُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ) وَلَوْ فِي فَرْجٍ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ حَرَجًا، فَلِلرَّجُلِ مُدَاوَاةُ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ إنْ جَوَّزْنَا خَلْوَةَ أَجْنَبِيٍّ بِامْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهَا تَعَاطِي ذَلِكَ مِنْ امْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ذِمِّيًّا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ، وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا تَكُونَ كَافِرَةً أَجْنَبِيَّةً مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ لَمْ نَجِدْ لِعِلَاجِ الْمَرْأَةِ إلَّا كَافِرَةً وَمُسْلِمًا، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْكَافِرَةَ تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ نَظَرَهَا وَمَسَّهَا أَخَفُّ مِنْ الرَّجُلِ بَلْ الْأَشْبَهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا تَنْظُرُ مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمَهْنَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ. تَنْبِيهٌ رَتَّبَ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَيُعْتَبَرُ وُجُودُ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَصَبِيٌّ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُرَاهِقٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَبِيٌّ غَيْرُ مُرَاهِقٍ كَافِرٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَامْرَأَةٌ كَافِرَةٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 215 قُلْتُ: وَيُبَاحُ النَّظَرُ لِمُعَامَلَةٍ وَشَهَادَةٍ. وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] فَمَحْرَمُهَا الْمُسْلِمُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَحْرَمُهَا الْكَافِرُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ مُسْلِمٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَأَجْنَبِيٌّ كَافِرٌ. اهـ. وَالْمُتَّجَهُ تَأْخِيرُ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ عَنْ الْمَحْرَمِ بِقِسْمَيْهِ، وَقَيَّدَ فِي الْكَافِي الطَّبِيبَ بِالْأَمِينِ فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَأْمَنَ الِافْتِتَانَ، وَلَا يَكْشِفَ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَفِي مَعْنَى الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ نَظَرُ الْخَاتِنِ إلَى فَرْجِ مَنْ يَخْتِنُهُ، وَنَظَرُ الْقَابِلَةِ إلَى فَرْجِ الَّتِي تُوَلِّدُهَا، وَيُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ، وَفِي غَيْرِهِمَا مَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ تَأَكُّدُهَا بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَشِدَّةِ الضَّنَى كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ خَافَ شَيْئًا فَاحِشًا فِي عُضْوٍ بَاطِنٍ امْتَنَعَ النَّظَرُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي السَّوْأَتَيْنِ مَزِيدُ تَأَكُّدِهَا بِأَنْ لَا يُعَدَّ التَّكَشُّفُ بِسَبَبِهَا هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ (قُلْتُ: وَيُبَاحُ النَّظَرُ) مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِلْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ (لِمُعَامَلَةٍ) مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ (وَشَهَادَةٍ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً حَتَّى يَجُوزَ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالْوِلَادَةِ، وَإِلَى الثَّدْيِ لِلشَّهَادَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، هَذَا إنْ قَصَدَ بِهِ الشَّهَادَةَ. فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ فُسِّقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ قَالَ: حَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ بِلَا تَعَمُّدٍ فَرَأَيْتُهُ قُبِلَ، وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهَا وَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا كُلِّفَتْ الْكَشْفَ عَنْ وَجْهِهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ إنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فِي نِقَابِهَا، فَإِنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْكَشْفِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ النَّظَرِ حِينَئِذٍ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَانَةِ وَلَدِ الْكَافِرِ لِيَنْظُرَ هَلْ أَنْبَتَ أَمْ لَا؟ وَيَجُوزُ لِلنِّسْوَةِ أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَبَالَتُهُ وَامْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، فَإِنْ خَافَهَا لَمْ يَنْظُرْ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَيَنْظُرُ وَيَضْبِطُ نَفْسَهُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ. وَقَوْلُهُ: (وَتَعْلِيمٍ) مَزِيدٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بَلْ عَلَى غَالِبِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: كَشَفَتْ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ، وَعُدَّ مِنْهَا اثْنَيْ عَشَرَ مُصَنَّفًا فَلَمْ أَجِدْهَا، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ كَالْفَاتِحَةِ وَمَا يَتَعَيَّنُ تَعْلِيمُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا بِشَرْطِ التَّعَذُّرِ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ. وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ، وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ فِي الصَّدَاقِ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيمُ لِلْأَمْرَدِ خَاصَّةً لِمَا سَيَأْتِي. اهـ. وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ لِلْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ، وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِ الزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ، فَصَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا طَمْعَةٌ فِي الْآخَرِ، فَمُنِعَ عَنْ ذَلِكَ (وَنَحْوِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ، كَجَارِيَةٍ يُرِيدُ الرَّجُلُ شِرَاءَهَا أَوْ عَبْدٍ تُرِيدُ الْمَرْأَةُ شِرَاءَهُ، وَكَالْحَاكِمِ يُحَلِّفُ الْمَرْأَةَ أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ الْجُرْجَانِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقِيَاسُهُ جَوَازُهُ عِنْدَ الْحُكْمِ لَهَا. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ مَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَيُنْظَرُ فِي الْمُعَامَلَةِ إلَى الْوَجْهِ فَقَطْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 216 وَلِلزَّوْجِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ بَدَنِهَا.   [مغني المحتاج] الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِيمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ اشْتَرَتْ عَبْدًا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُزَادُ عَلَى النَّظْرَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى ثَانِيَةٍ لِلتَّحَقُّقِ فَيَجُوزُ. وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ إذَا عَرَفَهَا بِالنَّظَرِ إلَى بَعْضِ وَجْهِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ وَجْهِهَا، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ يَسْتَوْعِبَهُ. تَنْبِيهٌ كُلُّ مَا حَرُمَ نَظَرُهُ مُتَّصِلًا حَرُمَ نَظَرُهُ مُنْفَصِلًا: كَشَعْرِ عَانَةٍ وَلَوْ مِنْ رَجُلٍ، وَقُلَامَةِ ظُفْرِ حُرَّةٍ، وَلَوْ مِنْ يَدَيْهَا، وَتَجِبُ مُوَارَاتُهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْهِ أَحَدٌ، وَاسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبَ. قَالَ: وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ فِي الْحَمَّامَاتِ عَلَى طَرْحِ مَا تَنَاثَرَ مِنْ امْتِشَاطِ شُعُورِ النِّسَاءِ، وَحَلْقِ عَانَاتِ الرِّجَالِ. اهـ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَأَمَّا إذَا أُبِينَ شَعْرٌ مِنْ رَأْسِ أَمَةٍ أَوْ شَيْءٌ مِنْ ظُفْرِهَا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلِّ نَظَرِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ. (وَلِلزَّوْجِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ بَدَنِهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهَا كَعَكْسِهِ، وَلَوْ إلَى الْفَرْجِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرُ الْفَرْجِ مِنْ الْآخَر، وَمِنْ نَفْسِهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَإِلَى بَاطِنِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً. «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: مَا رَأَيْتُ مِنْهُ وَلَا رَأَى مِنِّي: أَيْ الْفَرْجَ» . وَأَمَّا خَبَرُ: «النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ يُورِثُ الطَّمْسَ» أَيْ الْعَمَى كَمَا وَرَدَ كَذَلِكَ، فَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي الضُّعَفَاءِ، بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَخَالَفَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَحَسَّنَ إسْنَادَهُ. وَقَالَ: أَخْطَأَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَخَصَّ الْفَارِقِيُّ الْخِلَافَ بِغَيْرِ حَالَةِ الْجِمَاعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مُصَرِّحٌ بِحَالَةِ الْجِمَاعِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: يُورِثُ الْعَمَى، فَقِيلَ: فِي النَّاظِرِ، وَقِيلَ: فِي الْوَلَدِ، وَقِيلَ: فِي الْقَلْبِ، وَشَمَلَ كَلَامُهُمْ الدُّبُرَ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: وَالتَّلَذُّذُ بِالدُّبُرِ بِلَا إيلَاجٍ جَائِزٌ صَرِيحٌ فِيهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ بِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ. وَيُسْتَثْنَى زَوْجَتُهُ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءِ الْغَيْرِ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْخِلَافُ الَّذِي فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لَا يَجْرِي فِي مَسِّهِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. وَقَالَ: سَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ مَسِّ الرَّجُلِ فَرْجَ زَوْجَتِهِ وَعَكْسِهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ أَجْرُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ زَوْجِهَا إذَا مَنَعَهَا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا نَظَرُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ كَالْمَحْرَمِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَالْأَمَةُ كَالزَّوْجَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 217 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فِي النَّظَرِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وَمِنْ سَيِّدِهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْآخَرِ وَلَوْ إلَى الْفَرْجِ مَعَ الْكَرَاهَةِ لَا الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ بِكِتَابَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَشَرِكَةٍ وَكُفْرٍ كَتَوَثُّنٍ وَرِدَّةٍ وَعِدَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَنَسَبٍ وَرَضَاعٍ وَمُصَاهَرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرَهُ مِنْهَا إلَى مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ دُونَ مَا زَادَ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُشْتَرَكَةِ مَمْنُوعٌ، وَالصَّوَابُ فِيهَا وَفِي الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُبَعَّضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَيِّدَتِهِ أَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ. أَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِعَارِضٍ قَرِيبِ الزَّوَالِ كَحَيْضٍ وَرَهْنٍ فَلَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا. تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ اضْطِجَاعُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَا عَارِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْفِرَاشِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» . وَيَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ وَإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ فِي الْمَضْجَعِ، وَاحْتَجَّ لَهُ الرَّافِعِيُّ بِخَبَرِ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفُرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْعُرْيِ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَجَانِبِ، فَمَا بَالُكَ بِالْمَحَارِمِ خُصُوصًا الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ. فَائِدَةٌ: أَفَادَ السُّبْكِيُّ عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْنِ الْحَاجِّ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا عَالِمًا أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ يَكْرَهُ النَّوْمَ فِي الثِّيَابِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ الْعُرَى عِنْدَ النَّوْمِ أَيْ وَيَتَغَطَّى بِثِيَابِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا. . وَتُسَنُّ مُصَافَحَةُ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ يَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. نَعَمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُرْمَةِ نَظَرِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ تَحْرُمُ مُصَافَحَتُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَسَّ أَبْلَغُ مِنْ النَّظَرِ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَتُكْرَهُ مُصَافَحَةُ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ كَجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ،. وَتُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ وَالتَّقْبِيلُ فِي الرَّأْسِ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَبِّلُ أَوْ الْمُقَبَّلُ صَالِحًا لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ إلَّا لِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ تَبَاعَدَ لِقَاءٌ عُرْفًا فَسُنَّةٌ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا، وَيَأْتِي فِي تَقْبِيلِ الْأَمْرَدِ مَا مَرَّ، وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ الطِّفْلِ وَلَوْ وَلَدَ غَيْرَهُ شَفَقَةً لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ لِمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ. وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْحَيِّ الصَّالِحِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، كَعِلْمٍ وَشَرَفٍ وَزُهْدٍ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِغِنَاهُ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، كَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ، وَيُكْرَهُ حَنْيُ الظَّهْرِ مُطْلَقًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَأَمَّا السُّجُودُ لَهُ فَحَرَامٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ تَارِكِ الصَّلَاةِ. وَيُسَنُّ الْقِيَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إكْرَامًا لَا رِيَاءً وَتَفْخِيمًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَقَدْ ثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 218 فَصْلٌ تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ، لَا تَصْرِيحٌ لِمُعْتَدَّةٍ، وَلَا تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ، وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَكَذَا لِبَائِنٍ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ] ِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ: الْتِمَاسُ الْخَاطِبِ النِّكَاحَ مِنْ جِهَةِ الْمَخْطُوبَةِ (تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ، وَ) عَنْ (عِدَّةٍ) وَكُلِّ مَانِعٍ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ وَأَنْ لَا يَسْبِقَهُ غَيْرُهُ بِالْخِطْبَةِ، وَيُجَابُ تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا كَمَا تَحْرُمُ خِطْبَةُ مَنْكُوحَةٍ كَذَلِكَ إجْمَاعًا فِيهِمَا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِهِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ الْقَطْعُ بِجَوَازِ خِطْبَتِهَا مِمَّنْ لَهُ الْعِدَّةُ مَعَ عَدَمِ خُلُوِّهَا عَنْ الْعِدَّةِ، وَمِنْ مَنْطُوقِهِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، فَلَا يَجُوزُ لِمُطَلِّقِهَا أَنْ يَخْطُبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَتَعْتَدَّ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْمَخْطُوبَةِ، فَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ حَرُمَ أَنْ يَخْطِبَ خَامِسَةً وَأَنْ يَخْطِبَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَقِيَاسُهُ تَحْرِيمُ خِطْبَةِ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَكَذَا ثَانِيَةُ السَّفِيهِ، وَثَالِثَةُ الْعَبْدِ. وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ مِنْ الْحَجِّ: يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ الْخِطْبَةِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْحِلِّ يُفْهِمُ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقِيلَ: هِيَ كَالنِّكَاحِ؛ إذْ الْوَسَائِلُ كَالْمَقَاصِدِ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ خِطْبَةِ السُّرِّيَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمُسْتَفْرَشَةِ وَإِنْ لَمْ يُعْرِضْ السَّيِّدُ عَنْهُمَا. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَنْكُوحَةِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ السَّيِّدِ. نَعَمْ إنْ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَمْ يَقْصِدْ السَّيِّدُ التَّسَرِّيَ جَازَ التَّعْرِيضُ كَالْبَائِنِ إلَّا إنْ خِيفَ فَسَادُهَا عَلَى مَالِكِهَا، وَ (لَا) يَحِلُّ (تَصْرِيحٌ لِمُعْتَدَّةٍ) بَائِنًا كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ. وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّصْرِيحُ مَا يَقْطَعُ بِالرَّغْبَةِ فِي النِّكَاحِ كَأُرِيدُ أَنْ أَنْكِحَكِ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ نَكَحْتُكِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا صَرَّحَ تَحَقَّقَتْ رَغْبَتُهُ فِيهَا فَرُبَّمَا تَكْذِبُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (وَلَا) يَحِلُّ (تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الزَّوْجَةِ، وَلِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ تَكْذِبُ انْتِقَامًا، وَالتَّعْرِيضُ مَا يَحْتَمِلُ الرَّغْبَةُ فِي النِّكَاحِ وَعَدَمَهَا، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ جَمِيلَةٌ، وَرُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ، وَمَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ، وَلَسْتِ بِمَرْغُوبٍ عَنْكِ، وَالتَّعْرِيضُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُرْضِ الشَّيْءِ، وَهُوَ جَانِبُهُ؛ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ بَعْضَ مَا يُرِيدُهُ، وَفُهِمَ مِنْهُ مَنْعُ التَّصْرِيحِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) وَلَوْ حَامِلًا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْمُوَاعَدَةُ فِيهَا سِرًّا كَالْخِطْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يُرِدْ بِالسِّرِّ ضِدَّ الْجَهْرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجِمَاعَ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنْشَدُوا: الطَّوِيلَ أَلَا زَعَمَتْ بَسَّاسَةُ الْيَوْمَ أَنَّنِي ... كَبِرْتُ وَأَنْ لَا يَشْهَدَ السِّرَّ أَمْثَالِي (وَكَذَا) يَحِلُّ تَعْرِيضٌ (لِبَائِنٍ) بِفَسْخٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ طَلَاقٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِانْقِطَاعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 219 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] سَلْطَنَةِ الزَّوْجِ عَنْهَا، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنْ يَنْكِحَهَا فَأَشْبَهَتْ الرَّجْعِيَّةَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ الَّذِي يَحِلُّ نِكَاحُهَا فِيهَا. أَمَّا هُوَ فَيَحِلُّ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 220 وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ،   [مغني المحتاج] التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ. وَأَمَّا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهُ فِيهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فَوَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ فَإِنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ تُقَدَّمُ فَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَخْطُبَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْعِدَدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَحُكْمُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا حُكْمُ الْخِطْبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَلْ خِطْبَةُ مَنْ يَمْتَنِعُ نِكَاحُهَا فِي الْحَالِ كَالثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْعَاقِلَةِ وَالْبِكْرِ فَاقِدَةِ الْمُجْبِرِ جَائِزَةٌ أَوْ لَا؟ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ وَبَحَثَ غَيْرُهُ الْمَنْعَ مِنْ التَّصْرِيحِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْخِطْبَةَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا لِعَدَمِ الْمُجِيبِ، وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِالْجِمَاعِ لِمَخْطُوبَتِهِ لِقُبْحِهِ، وَقَدْ يَحْرُمُ بِأَنْ يَتَضَمَّنَ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْجِمَاعِ، كَقَوْلِهِ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى جِمَاعِكِ، أَوْ لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ مَنْ يُجَامِعُكِ، وَلَا يُكْرَهُ التَّصْرِيحُ بِهِ لِزَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ تَمَتُّعِهِ. (وَتَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ (إلَّا بِإِذْنِهِ) مَعَ ظُهُورِ الرِّضَا بِالتَّرْكِ لَا لِرَغْبَةِ حَيَاءٍ وَنَحْوِهِ، لِخَبَرِ: «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَالتَّقَاطُعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوَّلُ مُسْلِمًا أَمْ لَا، مُحْرِمًا أَوْ لَا، وَذِكْرُ الْأَخِ فِي الْخَبَرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ امْتِثَالًا. نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، وَإِعْرَاضُ الْمُجِيبِ كَإِعْرَاضِ الْخَاطِبِ، وَكَذَا لَوْ طَالَ الزَّمَانُ بَعْدَ إجَابَتِهِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُعْرِضًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ نَكَحَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَخْطُوبَةِ، وَسُكُوتُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 221 فَإِنْ لَمْ يُجَبْ وَلَمْ يُرَدَّ، لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ. وَمَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ ذَكَرَ   [مغني المحتاج] الْبِكْرِ غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ تَكُونَ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةَ الْإِذْنِ، وَمِنْ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَتِهِ، وَمِنْهَا مَعَ الْوَلِيِّ إنْ كَانَ الْخَاطِبُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَمِنْ السُّلْطَانِ إنْ كَانَتْ مَجْنُونَةً بَالِغَةً فَاقِدَةَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَمِنْ السَّيِّدِ إنْ كَانَتْ أَمَةً غَيْرَ مُكَاتَبَةٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً، وَمِنْ السَّيِّدِ مَعَ الْمُكَاتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْ الْمُبَعَّضَةِ مَعَ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ، وَمِنْ السَّيِّدِ مَعَ وَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً، وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخِطْبَةِ وَالْإِجَابَةِ وَحُرْمَةِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَأَنْ تَكُونَ الْخِطْبَةُ الْأُولَى جَائِزَةً، فَلَوْ رُدَّ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَوْ أُجِيبَ بِالتَّعْرِيضِ كَلَا رَغْبَةَ عَنْكَ أَوْ بِالتَّصْرِيحِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِهَا أَوْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهَا بِالصَّرِيحِ أَوْ عَلِمَ كَوْنَهَا بِهِ وَحَصَلَ إعْرَاضٌ مِمَّنْ ذُكِرَ، أَوْ كَانَتْ الْخِطْبَةُ الْأُولَى مُحَرَّمَةً كَأَنْ خَطَبَ فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَتُهُ، وَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ خَمْسًا وَلَوْ بِالتَّرْتِيبِ وَصُرِّحَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ حَرُمَتْ خِطْبَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَى أَرْبَعَ مِنْهُنَّ أَوْ يَتْرُكَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِي الْخَامِسَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَنْ شَاءَ صَحَّ، وَحَلَّ لِكُلِّ أَحَدٍ خِطْبَتُهَا عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ نُصَّ عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ شَيْخِي: وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَحِلُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَهَا قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَهَا أَحَدٌ. اهـ. وَعَلَى هَذَا لَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذِهِ (فَإِنْ لَمْ يُجَبْ وَلَمْ يُرَدَّ) بِأَنْ سُكِتَ عَنْ التَّصْرِيحِ لِلْخَاطِبِ بِإِجَابَةٍ أَوْ رَدٍّ وَالسَّاكِتُ غَيْرُ بِكْرٍ يَكْفِي سُكُوتُهَا أَوْ ذِكْرُ مَا يُشْعِرُ بِالرِّضَا، نَحْوُ: لَا رَغْبَةَ عَنْكَ (لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ) «لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ أَبَا جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةَ خَطَبَاهَا، وَخَطَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسَامَةَ بَعْدَ خِطْبَتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أَجَابَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَالثَّانِي تَحْرُمُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَقُطِعَ بِالْأَوَّلِ فِي السُّكُوتِ لِأَنَّهَا لَا تُبْطِلُ شَيْئًا. تَنْبِيهٌ: قَدْ نَصُّوا عَلَى اسْتِحْبَابِ خِطْبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الرِّجَالِ، فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ الرَّجُلَ وَكَانَتْ الْمُجَابَةُ يُكْمَلُ بِهَا الْعَدَدُ الشَّرْعِيُّ، أَوْ كَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَنْ تَخْطِبَهُ امْرَأَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى مَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ هُنَا مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ انْتَفَى مَا مَرَّ جَازَ إذْ جَمْعُهُ بَيْنَ أَرْبَعٍ لَا مَانِعَ مِنْهُ. (وَمَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ) أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ أَرَادَ الِاجْتِمَاعَ عَلَيْهِ لِنَحْوِ مُعَامَلَةٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ كَالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَوْ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ (ذَكَرَ) الْمُسْتَشَارُ جَوَازًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَوُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَشَارِ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ إذَا عَلِمَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ الْمُشْتَرِيَ وَغَيْرَهُ، وَمِثْلُهُ الْبَقِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّعْبِيرَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ وَمَفْعُولُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 222 مَسَاوِئَهُ بِصِدْقٍ. وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ قَبْلَ الْخِطْبَةِ   [مغني المحتاج] ذَكَرَ قَوْلُهُ (مَسَاوِئَهُ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عُيُوبُهُ (بِصِدْقٍ) لِيَحْذَرَ، بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ لَا لِلْإِيذَاءِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَارِّ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِشَارَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِشَارَةٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ خَيَالٌ، بَلْ النَّصِيحَةُ هُنَا آكَدُ وَأَحَبُّ. اهـ. وَفِيهِ تَلْمِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْأَعْرَاضَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الْأَمْوَالِ، وَمَحَلُّ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ بِأَنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذِكْرِهَا كَقَوْلِهِ: لَا تَصْلُحُ لَكَ مُصَاهَرَتُهُ وَنَحْوِهِ كَلَا تَصْلُحُ مُعَامَلَتُهُ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ ذِكْرُ عُيُوبِهِ، قَالَهُ فِي الْأَذْكَارِ تَبَعًا لِلْإِحْيَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا انْدَفَعَ بِذِكْرِ بَعْضِهَا حَرُمَ عَلَيْهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَالْغِيبَةُ تُبَاحُ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ، وَذَكَرَهَا وَجَمَعَهَا غَيْرُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ حَيْثُ قَالَ: لَقَبٌ وَمُسْتَفْتٍ وَفِسْقٌ ظَاهِرٌ ... وَالظُّلْمُ تَحْذِيرٌ مُزِيلُ الْمُنْكَرِ أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِذَلِكَ فَقَطْ إلَّا أَنْ يُوجَدَ لِجَوَازِ ذِكْرِ غَيْرِهِ سَبَبٌ آخَرُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُظَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ فَتَمْتَنِعُ غِيبَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى زَلَّتِهِ تَسَاهَلُوا فِي ارْتِكَابِ الذَّنْبِ، وَغِيبَةُ الْكَافِرِ مُحَرَّمَةٌ إنْ كَانَ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّ فِيهَا تَنْفِيرًا لَهُمْ عَنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ، وَتَرْكًا لِوَفَاءِ الذِّمَّةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمَّعَ ذِمِّيًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَمُبَاحَةٌ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ حَسَّانَ أَنْ يَهْجُوَ الْمُشْرِكِينَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغِيبَةَ، وَهِيَ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَلَوْ فِي مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ سَوَاءٌ أَذَكَرَهُ بِلَفْظٍ، أَمْ كِتَابَةٍ، أَمْ إشَارَةٍ بِيَدٍ، أَوْ رَأْسٍ، أَوْ جَفْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ، لَكِنَّهَا تُبَاحُ لِلْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ قَدْ تَجِبُ بَذْلًا لِلنَّصِيحَةِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْبَارِزِيّ: وَلَوْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فِي النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَجَبَ ذِكْرُهُ لِلزَّوْجَةِ، إنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ عَنْهُ وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسَتْرُ نَفْسِهِ. اهـ. وَوُجُوبُ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعِيدٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكْفِيَهُ قَوْلُهُ أَنَا لَا أَصْلُحُ لَكُمْ، وَسُمِّيَتْ عُيُوبُ الْإِنْسَانِ مَسَاوِئَ؛ لِأَنَّهُ يَسُوءُهُ ذِكْرُهَا، وَالْمُصَنِّفُ سَهَّلَ هَمْزَةُ مَسَاوِئَ بِإِبْدَالِهَا يَاءً، وَفِيهِ تَلْمِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ تَرْكَ الْهَمْزَةَ لَحْنٌ، وَمَسَاوِيَ بِوَزْنِ مَفَاعِلَ جَمْعُ مَفْعَلٍ كَمَسَاكِنَ جَمْعُ مَسْكَنٍ. (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْخَاطِبِ أَوْ نَائِبِهِ (تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ، وَهِيَ الْكَلَامُ الْمُفْتَتَحُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُخْتَتَمُ بِالْوَصِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لِخَبَرِ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» فَيَحْمَدُ اللَّهَ الْخَاطِبُ أَوْ نَائِبُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ (قَبْلَ الْخِطْبَةِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَهِيَ الْتِمَاسُ التَّزْوِيجِ كَمَا مَرَّ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 223 وَقَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَوْ خَطَبَ الْوَلِيُّ فَقَالَ الزَّوْجُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلْتُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ   [مغني المحتاج] فَيَقُولُ عَقِبَ الْخِطْبَةِ: جِئْتُ خَاطِبًا كَرِيمَتَكُمْ فُلَانَةَ، وَيَخْطُبُ الْوَلِيُّ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ: لَسْتَ بِمَرْغُوبٍ عَنْكِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ فِي الْخِطْبَةِ الْجَائِزِ فِيهَا التَّصْرِيحُ أَمَّا الْخِطْبَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا التَّعْرِيضُ، فَلَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْخُطْبَةُ قَبْلَ الْخِطْبَةِ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ (وَ) يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ أُخْرَى (قَبْلَ الْعَقْدِ) وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْأُولَى، وَتَبَرَّكَ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا قَالَ: «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَخْطُبَ لِحَاجَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيَقُلْ إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [النساء: 1] إلَى قَوْلِهِ: {رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] إلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمًا} [النساء: 27] » وَتُسَمَّى هَذِهِ الْخُطْبَةُ خُطْبَةَ الْحَاجَةِ، وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ بَعْدَهَا: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ يَقْضِي فِيهَا مَا يَشَاءُ وَيْحُكُمْ مَا يُرِيدُ، لَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ، وَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ، وَلَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَكِتَابٍ قَدْ سَبَقَ، فَإِنَّ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَقَدَّرَ أَنْ يَخْطِبَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ عَلَى صَدَاقِ كَذَا، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ أَجْمَعِينَ (وَلَوْ خَطَبَ الْوَلِيُّ) وَأَوْجَبَ كَأَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجْتُكَ إلَخْ (فَقَالَ الزَّوْجُ) قَبْلَ الْقَبُولِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلْتُ) نِكَاحَهَا إلَخْ (صَحَّ النِّكَاحُ) مَعَ تَخَلُّلِ الْخُطْبَةِ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْمُتَخَلَّلَ مِنْ مَصَالِحِ الْعَقْدِ فَلَا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ كَالْإِقَامَةِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْفَاصِلَ لَيْسَ مِنْ الْعَقْدِ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ أَقْوَى. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَذْفِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى مِنْ هَذِهِ الْخُطْبَةِ مُوَافِقٌ لِتَصْوِيرِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْمَسْأَلَةَ بِذَلِكَ لَكِنَّهُمَا بَعْدَ هَذَا ذَكَرَا اسْتِحْبَابَهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاسْتَبْعَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنَّمَا حَذَفَ الْمُصَنِّفُ مَدْخُولَ قَبِلْتُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى (بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ) الذِّكْرُ بَيْنَهُمَا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ (قُلْتُ: الصَّحِيحُ) وَصَحَّحَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 224 لَا يُسْتَحَبُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ طَالَ الذِّكْرُ الْفَاصِلُ لَمْ يَصِحَّ.   [مغني المحتاج] الْأَذْكَارِ أَيْضًا (لَا يُسْتَحَبُّ) ذَلِكَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَوْقِيفٌ، بَلْ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ بِهِ، وَتَابَعَ فِي الرَّوْضَةِ الرَّافِعِيَّ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَجَعَلَا فِي النِّكَاحِ أَرْبَعَ خُطَبٍ: خُطْبَةٌ مِنْ الْخَاطِبِ، وَأُخْرَى مِنْ الْمُجِيبِ لِلْخِطْبَةِ، وَخُطْبَتَيْنِ لِلْعَقْدِ، وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ وَأُخْرَى قَبْلَ الْقَبُولِ، فَمَا صَحَّحَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَإِنَّ حَاصِلَ مَا فِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ. وَالثَّانِي: وَنَقَلَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ: اسْتِحْبَابُهُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُبْطِلُ خَارِجٌ عَنْهُمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يَبْطُلُ فَضْلًا عَنْ ضَعْفِ الْخِلَافِ، وَمَتَى قِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ اتَّجَهَ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَامَ الْأَجْنَبِيَّ، وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ، وَفِي كَلَامِ السُّبْكِيّ إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْبُطْلَانُ عَلَى مَا إذَا طَالَ كَمَا قَالَ (فَإِنْ طَالَ) عُرْفَا (الذِّكْرُ الْفَاصِلُ) بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِحَيْثُ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْقَبُولِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ جَزْمًا لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ، لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِالْمُعْتَمَدِ بَدَلَ الصَّحِيحِ كَانَ أَوْلَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الذِّكْرُ مُقَدِّمَةَ الْقَبُولِ وَجَبَ أَنْ لَا تَضُرَّ إطَالَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ. وَأَجَابَ عَنْهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَبُولِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ لَا مَا زَادَ، وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الطُّولَ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِقَدْرِ لَوْ كَانَا سَاكِتَيْنِ فِيهِ لِخُرُوجِ الْجَوَابِ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا اهـ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُضْبَطَ بِالْعُرْفِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ الذِّكْرَ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ كَلَامِ أَجْنَبِيٌّ يُبْطِلُ وَلَوْ يَسِيرًا وَهُوَ الْأَصَحُّ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْخُلْعِ فَإِنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِيهِ الْيَسِيرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى حَلِّ الْعِصْمَةِ، وَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي عَقْدِهَا. قِيلَ: وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ مِنْ الْقَائِلِ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ الْجَوَابُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ، وَاقْتَضَى إيرَادُهُ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْكَلِمَ وَالْكَلِمَةَ، لَا الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ عِنْدَ النُّحَاةِ. تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ لِلْوَلِيِّ عَرْضُ مُوَلِّيَتِهِ عَلَى ذَوِي الصَّلَاحِ كَمَا فَعَلَ شُعَيْبٌ بِمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَعُمَرُ بِعُثْمَانَ ثُمَّ بِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَيُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالنِّكَاحِ السُّنَّةَ وَالصِّيَانَةَ لِدِينِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَنْ يُدْعَى لِلزَّوْجَيْنِ بِالْبَرَكَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَبِالْجَمْعِ بِخَيْرٍ فَيُقَالُ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: بِالرِّفَاءِ وَالْبَنِينَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ الِالْتِئَامُ وَالِاتِّفَاقُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: رَفَأْتُ الثَّوْبَ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَأَنْ يُقَدِّمَ الْوَلِيُّ عَلَى الْعَقْدِ أُزَوِّجُكَ هَذِهِ أَوْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ شَرَطَهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَمْ يُبْطِلْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمَوْعِظَةُ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالشَّرْعِ. وَيُسَنُّ لِلزَّوْجِ أَوَّلَ مَا يَلْقَى زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ: بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَّا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 225 فَصْلٌ إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِيجَابٍ، وَهُوَ زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك، وَقَبُولٌ: بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ أَوْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا،   [مغني المحتاج] صَاحِبِهِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، وَفِي الْإِحْيَاءِ: يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ، وَالْأَخِيرَةِ مِنْهُ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْهُ فَيُقَالُ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ الْجِمَاعَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي: وَيُقَالُ: إنَّهُ يُجَامِعُ. قَالَ: وَإِذَا قَضَى وَطَرُهُ فَلْيُمْهِلْ عَلَيْهَا حَتَّى تَقْضِيَ وَطَرَهَا. قَالَ: وَفِي الْوَطْءِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَجْرَانِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْجِمَاعَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ، وَلَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ. [فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ] ِ وَغَيْرِهَا وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ، وَزَوْجَةٌ، وَشَاهِدَانِ، وَزَوْجٌ، وَوَلِيٌّ، وَهُمَا الْعَاقِدَانِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِيجَابٍ، وَهُوَ) قَوْلُ الْوَلِيِّ (زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك) ابْنَتِي مَثَلًا إلَخْ (وَقَبُولٌ) وَهُوَ (بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُ) هَا (أَوْ نَكَحْتُ) هَا إلَخْ، وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ مَفْعُولُ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ لِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (أَوْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا) وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَاحِ أَيْ قَبِلْتُ إنْكَاحَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ اللُّغَوِيِّينَ، وَصَحَّ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ قَبُولًا لِقَوْلِ الْوَلِيِّ أَنْكَحْتُكَ (أَوْ) قَبِلْتُ (تَزْوِيجَهَا) أَوْ هَذَا النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ. أَمَّا اعْتِبَارُ أَصْلِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَبِالِاتِّفَاقِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَأَمَّا هَذَا اللَّفْظُ فَلِمَا سَيَأْتِي، وَرَضِيتُ نِكَاحَهَا كَقَبِلْتُ نِكَاحَهَا كَمَا حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ، وَمِثْلُهُ أَرَدْتُ أَوْ أَحْبَبْتُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ يَدُلُّ لِقَوْلِ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَوْلُ الْبُوَيْطِيِّ: وَمَتَى تَزَوَّجَ بِغَيْرِ اسْمِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ لَا يَجُوزُ، فَإِذَا قَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَكُنْ شَيْئًا حَتَّى يَقُولَ: قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَكَزَوَّجْتُك زَوَّجْتُ لَكَ أَوْ إلَيْكَ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ. اهـ. وَمِثْلُ ذَلِكَ جَوَّزْتُكَ وَنَحْوُهُ، أَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ هَمْزَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ قَالَ قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ، أَوْ قَبِلْتُهَا فَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ الصِّحَّةُ فِي قَبِلْتُ النِّكَاحَ أَوْ التَّزْوِيجَ، وَالْبُطْلَانُ فِي قَبِلْتُهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ تَوَافُقُ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ فِي اللَّفْظِ، فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَ فَقَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا صَحَّ، وَبِهَذَا يَتِمُّ صَحَّ كَوْنُ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ الزَّوْجِ: تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ لَيْسَ قَبُولًا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ إذَا ضُمَّ إلَى ذَلِكَ الضَّمِيرُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. أَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ وَتَقَدَّمَ الِاعْتِذَارُ عَنْهُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْقَبُولِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا، وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 226 وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى الْوَلِيِّ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ.   [مغني المحتاج] اشْتِرَاطَ التَّخَاطُبِ لَكِنْ قَالَا: لَوْ قَالَ الْمُتَوَسِّطُ لِلْوَلِيِّ: زَوَّجْتَ ابْنَتَكَ فُلَانًا فَقَالَ: زَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ: قَبِلْتَ نِكَاحَهَا فَقَالَ: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مُرْتَبِطَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَا أَوْ أَحَدُهُمَا نَعَمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُهَا لِفُلَانٍ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى زَوَّجْتُهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي، وَهَذَا اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمُسَمَّى فَلَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا صَرَّحَ الزَّوْجُ بِهِ فِي لَفْظِهِ فَيَقُولُ: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا عَلَى هَذَا الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَهَذَا حِيلَةٌ فِيمَنْ لَمْ يُزَوِّجْهَا وَلِيُّهَا إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْقَبُولَ فِيهِ مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِيجَابِ فَإِنَّ الثَّمَنَ رُكْنٌ فِيهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُهُ بِلَا صَدَاقٍ، بَلْ مَعَ نَفْيِهِ، وَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْجُزْءِ مِنْ الْمَنْكُوحَةِ كَزَوَّجْتُكَ نِصْفَ ابْنَتِي، قَالَهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَتْ: زَوَّجَكَ اللَّهُ بِنْتِي لَمْ يَصِحَّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَا يَقْتَضِي صَرَاحَتَهَا. وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ أَيْضًا إصْرَارُ الْعَاقِدِ وَبَقَاؤُهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ حَتَّى يُوجَدَ الْقَبُولُ، فَإِنْ أَوْجَبَ الْوَلِيُّ ثُمَّ رَجَعَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَوْ رَجَعَتْ الْآذِنَةُ عَنْ إذْنِهَا، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا، أَوْ جُنَّتْ، أَوْ ارْتَدَّتْ امْتَنَعَ الْقَبُولُ وَكَوْنُ الْقَبُولِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ لَفْظِ الْإِيجَابِ أَيْ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَهْرِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِحِلِّ الْمَنْكُوحَةِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُمَا يَعْتَقِدَانِ أَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً مِنْ رَضَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى لَفْظِ الْوَلِيِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ، أَوْ تَزَوَّجْتُ ابْنَتَكَ، أَوْ أُنْكِحْتُهَا فَيَقُولُ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ تَقَدُّمَ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي التَّوْكِيلِ فِي النِّكَاحِ لَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوَّلًا: قَبِلْتُ نِكَاحَ فُلَانَةَ لِفُلَانٍ، فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتُهَا فُلَانًا جَازَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (وَلَا يَصِحُّ) عَقْدُ النِّكَاحِ (إلَّا بِلَفْظِ) مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِ (التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ) دُونَ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِمَا كَالْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ لِخَبَرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 227 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 228 وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] قَالُوا: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ التَّزْوِيجُ أَوْ الْإِنْكَاحُ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهُمَا فَوَجَبَ الْوُقُوفُ مَعَهُمَا تَعَبُّدًا وَاحْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْزَعُ إلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فِيهِ وَالْأَذْكَارُ فِي الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ، وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ امْرَأَةً، فَقَالَ: مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» فَقِيلَ: وَهْمٌ مِنْ الرَّاوِي، أَوْ إنَّ الرَّاوِيَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى ظَنًّا مِنْهُ تَرَادُفَهُمَا، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ: زَوَّجْتُكَهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْجَمَاعَةُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمْعٌ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ قَوْله تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] [الْأَحْزَابِ] جَعَلَ النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ مِنْ خَصَائِصِهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ إلَخْ لَيْسَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: إنَّمَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِإِيجَابٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِي اشْتِرَاطِ الصِّيغَةِ، وَهُنَا فِي تَعْيِينِهَا. (وَيَصِحُّ) عَقْدُ النِّكَاحِ (بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ) وَهِيَ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَإِنْ أَحْسَنَ قَائِلُهَا الْعَرَبِيَّةَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إعْجَازٌ فَاكْتُفِيَ بِتَرْجَمَتِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ. وَالثَّالِثُ: إنْ عَجَزَ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 229 لَا بِكِنَايَةٍ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ فَقَالَ قَبِلْتُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُكَ أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ تَزَوَّجْهَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُ صَحَّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا فَهِمَ كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ كَلَامَ نَفْسِهِ وَكَلَامَ الْآخَرِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ اللُّغَاتُ أَمْ اخْتَلَفَتْ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، فَإِنْ فَهِمَهَا ثِقَةٌ دُونَهُمَا فَأَخْبَرَهُمَا بِمَعْنَاهَا فَوَجْهَانِ، رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْمَنْعَ كَمَا فِي الْعَجَمِيِّ الَّذِي ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ مَعْنَاهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ. قَالَ: وَصُورَتُهُ أَنْ لَا يَعْرِفَهَا إلَّا بَعْدَ إتْيَانِهِ بِهَا، فَلَوْ أَخْبَرَهُ بِمَعْنَاهُ قَبْلُ صَحَّ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ (لَا بِكِنَايَةٍ) كَأَحْلَلْتُكَ ابْنَتِي لَا يَصِحُّ بِهَا النِّكَاحُ، إذْ لَا اطِّلَاعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ: (قَطْعًا) مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ: فَاعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ فِي الْمَطْلَبِ حِكَايَةَ خِلَافٍ فِيهِ، وَالْمُرَادُ الْكِنَايَةُ بِالصِّيغَةِ. أَمَّا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي فَقَبِلَ وَنَوَيَا مُعَيَّنَةً صَحَّ النِّكَاحُ كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّ الشُّهُودَ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ، فَالْكِنَايَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِكِتَابَةٍ فِي غَيْبَةٍ أَوْ حُضُورٍ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، فَلَوْ قَالَ لِغَائِبٍ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، أَوْ قَالَ: زَوَّجْتُهَا مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ كَتَبَ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَيْ الْخَبَرُ فَقَالَ: قَبِلْتُ لَمْ يَصِحَّ، وَيَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِهَا فَطِنُونَ. أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهَا الْفَطِنُونَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نِكَاحُ الْأَخْرَسِ بِالْكِتَابَةِ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ هُنَا كَمَا مَرَّ، وَفِي الطَّلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ نِكَاحُهُ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْكِتَابَةَ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ لَا فِي تَزْوِيجِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَاتِبًا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ، فَيُوَكِّلُ مَنْ يُزَوِّجُهُ أَوْ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ، وَالسَّائِلُ نَظَرَ إلَى مَنْ يُزَوِّجُهُ لَا إلَى وِلَايَتِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِهَا (وَلَوْ قَالَ) الْوَلِيُّ (زَوَّجْتُكَ) إلَخْ (فَقَالَ) الزَّوْجُ: (قَبِلْتُ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (لَمْ يَنْعَقِدْ) هَذَا النِّكَاحُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّصْرِيحُ بِوَاحِدٍ مِنْ لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَنِيَّتُهُ لَا تُفِيدُ، وَفِي قَوْلٍ يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ كَالْمُعَادِ لَفْظًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ، وَفَارَقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَبُولَ وَإِنْ انْصَرَفَ إلَى مَا أَوْجَبَهُ الْبَائِعُ إلَّا أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَاتِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ قَطْعًا، وَقِيلَ: بِالصِّحَّةِ قَطْعًا (وَلَوْ قَالَ) الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ (زَوِّجْنِي) بِنْتَك إلَخْ (فَقَالَ) الْوَلِيُّ لَهُ (زَوَّجْتُكَ) إلَخْ (أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ) لِلْخَاطِبِ (تَزَوَّجْهَا) أَيْ بِنْتِي إلَخْ (فَقَالَ) الْخَاطِبُ (تَزَوَّجْتُ) إلَخْ (صَحَّ) النِّكَاحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ لِوُجُودِ الِاسْتِدْعَاءِ الْجَازِمِ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: زَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَبِلْتُ نِكَاحَهَا، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ: زَوَّجْتنِي ابْنَتَكَ أَوْ تُزَوِّجْنِيهَا أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: أَتَتَزَوَّجُ ابْنَتِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: زَوَّجْتُ نَفْسِي ابْنَتَك وَقَبِلَ الْوَلِيُّ، فَفِي انْعِقَادِهِ بِهَذَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُمَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَالْعِوَضَيْنِ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 230 وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَلَوْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَقَالَ إنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلُقَتْ وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ. وَلَا تَوْقِيتُهُ.   [مغني المحتاج] الْبَيْعِ أَوْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ الْمَهْرُ لَا نَفْسُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا مَعَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فَعَلَيْهِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ زَوَّجْتُ إنَّمَا يَلِيقُ بِالْوَلِيِّ لَا بِالزَّوْجِ. (وَ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّكَاحِ مُنْجَزًا، وَحِينَئِذٍ (لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) كَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ مِنْ بَاقِي الْمُعَاوَضَاتِ، بَلْ أَوْلَى لِمَزِيدِ اخْتِصَاصِهِ بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - صَحَّ كَمَا مَرَّ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ (وَلَوْ بُشِّرَ) شَخْصٌ (بِوَلَدٍ فَقَالَ) لِآخَرَ (إنْ كَانَتْ أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا) إلَخْ فَقَبِلَ (أَوْ قَالَ) لَهُ (إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلَقَتْ) أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ: (وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا) وَكَانَتْ أَذِنَتْ لِأَبِيهَا فِي تَزْوِيجِهَا، أَوْ قَالَ: إنْ وَرِثْتُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا (فَالْمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ) أَيْ النِّكَاحِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لِوُجُودِ صُورَةِ التَّعْلِيقِ وَفَسَادِ الصِّيغَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يُتَصَوَّرُ الْإِذْنُ مِنْ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ فِي الْبِكْرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَاعْتَدَّتْ. . أُجِيبَ بِتَصَوُّرِهِ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ فِي الدُّبُرِ أَوْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ، وَفِي الْمَجْنُونَةِ أَوْ فِي الْعَاقِلَةِ إذَا أَذِنَتْ لَهُ إنْ طَلَقَتْ وَاعْتَدَّتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا أَشَارَ إلَى صِحَّةِ هَذَا الْإِذْنِ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ وَأَقَرَّاهُ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ هُنَا يُفْهِمُهُ فَمَا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ: أَذِنْتُ لَكَ فِي تَزْوِيجِهَا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، لَكِنَّ الرَّاجِحَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ: وَاعْتَدَّتْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَصَحَّ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي بِكْرٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بُشِّرَ بِوَلَدٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَ أُنْثَى إلَخْ عَمَّا لَوْ أُخْبِرَ بِحُدُوثِ بِنْتٍ لَهُ أَوْ بِمَوْتِ إحْدَى نِسَاءِ زَيْدٍ مَثَلًا فَصَدَقَ الْمُخْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِزَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ وَلِغَيْرِهِ فِي الْأُولَى: إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ، بَلْ هُوَ تَحْقِيقٌ كَقَوْلِهِ: إنْ كُنْتِ زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَكُونُ إنْ بِمَعْنَى إذْ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] [آلُ عِمْرَانَ] كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ، ثُمَّ قَالَا: وَيَجِبُ فَرْضُهُ فِيمَا إذَا تُيُقِّنَ صِدْقُ الْمُخْبِرِ وَإِلَّا فَلَفْظُ إنْ لِلتَّعْلِيقِ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ كَوْنِ التَّعْلِيقِ مَانِعًا إذَا كَانَ لَيْسَ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا فَيَنْعَقِدُ، فَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي إنْ كَانَتْ حَيَّةً، وَالصُّورَةُ أَنَّهَا كَانَتْ غَائِبَةً وَتَحَدَّثَ بِمَرَضِهَا أَوْ ذَكَرَ مَوْتَهَا أَوْ قَتْلَهَا وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ يَصِحُّ مَعَهُ الْعَقْدُ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا. (وَ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّكَاحِ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ (لَا) يَصِحُّ (تَوْقِيتُهُ) بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، كَشَهْرٍ، أَوْ مَجْهُولَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ، وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 231 وَلَا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ،   [مغني المحتاج] الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَكَانَ جَائِزًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ رُخْصَةً لِلْمُضْطَرِّ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، ثُمَّ حُرِّمَ عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ رُخِّصَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ حُرِّمَ أَبَدًا، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ: إنَّ الْقِبْلَةَ نُسِخَتْ مَرَّتَيْنِ أَيْضًا، وَلُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَيْضًا حُرِّمَتْ مَرَّتَيْنِ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَذْهَبُ إلَى جَوَازِهَا، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهَا وَيَرُدُّ تَجْوِيزَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُنْتُ قَدْ أَذِنْتُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَذِهِ النِّسْوَةِ، أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا.» تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ بُطْلَانِ النِّكَاحِ مَا إذَا نَكَحَهَا مُدَّةَ عُمْرِهِ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهَا. قَالَ: فَإِنَّ النِّكَاحَ الْمُطْلَقَ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ لَا يَضُرُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ. قَالَ: وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا حَيَاتَكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَالنِّكَاحُ أَوْلَى، وَكَذَا لَا يَصِحُّ إذَا أَقَّتَهُ بِمُدَّةٍ لَا تَبْقَى إلَيْهَا الدُّنْيَا غَالِبًا كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِصِيَغِ الْعُقُودِ لَا بِمَعَانِيهَا. (وَلَا) يَصِحُّ (نِكَاحُ الشِّغَارِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَهُوَ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَبِالْمُعْجَمَتَيْنِ، نَحْوُ قَوْلِ الْوَلِيِّ لِلْخَاطِبِ (زَوَّجْتُكَهَا) أَيْ بِنْتِي مَثَلًا (عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيُقْبَلُ) ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: تَزَوَّجْتُ بِنْتَكَ وَزَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى مَا ذَكَرْتُ، وَتَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْخَبَرِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي، أَوْ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاوِي عَنْهُ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ، وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ حَيْثُ جَعَلَ مَوْرِدَ النِّكَاحِ امْرَأَةً وَصَدَاقًا لِأُخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ، وَقِيلَ: التَّعْلِيقُ وَقِيلَ: الْخُلُوُّ مِنْ الْمَهْرِ، وَعَوَّلَ الْإِمَامُ عَلَى الْخَبَرِ، وَضَعَّفَ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا وَهُوَ أَسْلَمُ. وَسُمِّيَ شِغَارًا، إمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 232 فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ سَمَّيَا مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْبَلَدُ عَنْ السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عَنْهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمَهْرِ، وَقِيلَ: لِخُلُوِّهِ عَنْ بَعْضِ الشَّرَائِطِ، وَإِمَّا مِنْ قَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِيَبُولَ؛ إذْ أَصْلُ الشِّغَارِ فِي اللُّغَةِ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخِرِ: لَا تَرْفَعْ رِجْلَ ابْنَتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ ابْنَتِكَ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ اسْتِيجَابٌ قَائِمٌ مَقَامَ قَوْلِهِ: وَزَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْقَبُولُ بَعْدُ (فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا) بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُ كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ فَقَبِلَ (فَالْأَصَحُّ) فِي الْعَقْدَيْنِ (الصِّحَّةُ) لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ، وَلَكِنْ يُفْسِدُ الْمُسَمَّى، وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك وَبُضْعُ ابْنَتِك صَدَاقٌ لِابْنَتِي صَحَّ الْأَوَّلُ وَبَطَلَ الثَّانِي؛ لِجَعْلِ بُضْعِ بِنْتِ الثَّانِي صَدَاقًا لِبِنْتِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: بُضْعُ ابْنَتِي صَدَاقٌ لِابْنَتِكَ بَطَلَ الْأَوَّلُ وَصَحَّ الثَّانِي لِمَا عُرِفَ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ التَّعْلِيقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ (وَلَوْ سَمَّيَا مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا) كَقَوْلِهِ: وَبُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَلْفٌ صَدَاقُ الْأُخْرَى (بَطَلَ) عَقْدُ كُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ التَّشْرِيكِ الْمَوْجُودِ، وَالثَّانِي: صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَفْسِيرِ صُورَةِ الشِّغَارِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْمَهْرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: سَمَّيَا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ سَمَّى أَحَدُهُمَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَمِنْ صُوَرِ الشِّغَارِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لِابْنِ دَاوُد أَنْ يَقُولَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ ابْنِي ابْنَتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى، وَمِنْ صُوَرِهِ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أَمَتِي، وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنَّ بُضْعَكَ صَدَاقٌ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِشَيْخِنَا لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ، لَكِنْ يَفْسُدُ الصَّدَاقُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ سَمَّى خَمْرًا، وَيَفْسُدُ الْمُسَمَّى دُونَ النِّكَاحِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي بِمَنْفَعَةِ أَمَتِكَ لِلْجَهْلِ بِالْمُسَمَّى. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ: زَوَّجْتُكَ جَارِيَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِصَدَاقٍ لَهَا هُوَ رَقَبَةُ الْجَارِيَةِ فَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ النِّكَاحَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَشْرِيكَ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ عَقْدُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ وَالتَّعْوِيضِ فِي الْأُولَى وَفَسَادِ الْمُسَمَّى فِي الثَّانِيَةِ؛ إذْ لَوْ صَحَّ الْمُسَمَّى فِيهَا لَزِمَ صِحَّةُ نِكَاحِ الْأَبِ جَارِيَةَ بِنْتِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْدٌ مَثَلًا ابْنَتَهُ وَصَدَاقُ الْبِنْتِ بُضْعُ الْمُطَلَّقَةِ فَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ التَّزْوِيجُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ، وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ زَيْدٌ عَبْدَهُ وَيَكُونُ طَلَاقُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 233 وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، وَشَرْطُهُمَا حُرِّيَّةٌ،   [مغني المحتاج] عِوَضًا مِنْ عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ عَلَى ذَلِكَ طَلُقَتْ وَنَفَذَ الْعِتْقُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَرَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى السَّيِّدِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالسَّيِّدُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ. وَالرُّكْنُ الثَّانِي: الزَّوْجَةُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا خُلُوُّهَا مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَزَوَّجْتُك إحْدَى بَنَاتِي أَوْ زَوَّجْتُ بِنْتِي مَثَلًا أَحَدَكُمَا بَاطِلٌ، وَلَوْ مَعَ الْإِشَارَةِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الرُّؤْيَةُ، وَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ بِعْتُكَ دَارِي، وَكَانَ رَأَى دَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا صَحَّ كُلٌّ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ، وَلَوْ سَمَّى الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةِ بِغَيْرِ اسْمِهَا أَوْ غَلِطَ فِي حُدُودِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكِ هَذَا الْغُلَامَ، وَأَشَارَ إلَى الْبِنْتِ الَّتِي يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا صَحَّ كُلٌّ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْبَيْعِ. أَمَّا فِيمَا لَا إشَارَةَ فِيهِ فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبِنْتِيَّةِ وَالدَّارِيَّةِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ مُمَيَّزَةٌ، فَاعْتُبِرَتْ وَلَغَا الِاسْمُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا وَسَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا. وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ إشَارَةٌ فَتَعْوِيلًا عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَ اسْمُ بِنْتِهِ الْوَاحِدَةِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ، وَلَمْ يَقُلْ بِنْتِي لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِكَثْرَةِ الْفَوَاطِمِ، لَكِنْ لَوْ نَوَاهَا صَحَّ عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، فَإِنْ قِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ الْإِشْهَادُ وَالشُّهُودُ لَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ مُغْتَفَرَةٌ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ اعْتَبَرَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا عِلْمَ الشُّهُودِ بِالْمَنْوِيَّةِ، وَعَلَيْهِ لَا سُؤَالَ، وَلَوْ قَالَ، وَلَهُ ابْنَتَانِ كُبْرَى وَصُغْرَى: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي الْكُبْرَى وَسَمَّاهَا بِاسْمِ الصُّغْرَى صَحَّ فِي الْكُبْرَى اعْتِمَادًا عَلَى الْوَصْفِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْوَلِيُّ لِلزَّوْجِ اسْمَ وَاحِدَةٍ مِنْ بِنْتَيْهِ وَقَصْدُهُمَا الْأُخْرَى صَحَّ فِيمَا قَصَدَاهَا وَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ، وَفِيهِ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ الْمُتَقَدِّمَانِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ قَصْدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَبِلَ غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ، وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي الصَّغِيرَةَ الطَّوِيلَةَ، وَكَانَتْ الطَّوِيلَةُ الْكَبِيرَةَ فَالتَّزْوِيجُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كِلَا الْوَصْفَيْنِ لَازِمٌ، وَلَيْسَ اعْتِبَارُ أَحَدِهِمَا فِي تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْآخَرِ فَصَارَتْ مُبْهَمَةً قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ خَطَبَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ امْرَأَةً وَعَقَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى خُطُوبَةِ الْآخَرِ وَلَوْ غَلَطًا صَحَّ النِّكَاحَانِ لِقَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَهُ الْوَلِيُّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، فَقَالَ: (وَلَا يَصِحُّ) النِّكَاحُ (إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ) لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ تَشَاحُّوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . قَالَ: وَلَا يَصِحُّ فِي ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ غَيْرُهُ، وَالْمَعْنَى فِي اعْتِبَارِهِمَا الِاحْتِيَاطُ لِلْأَبْضَاعِ وَصِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنْ الْجُحُودِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا عَبَّرَ بِالْحُضُورِ لِيُفْهَمَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ حُضُورِهِمَا قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا أَوْ حَضَرَا وَسَمِعَا الْعَقْدَ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا الصَّدَاقَ، وَيُسَنُّ إحْضَارُ جَمْعٍ زِيَادَةً عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: ذَكَرَ فِي الْوَسِيطِ أَنَّ حُضُورَ الشُّهُودِ شَرْطٌ، لَكِنْ تَسَاهَلَ فِي تَسْمِيَتِهِ رُكْنًا، وَبِالْجُمْلَةِ حُضُورُهُمْ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَنْكِحَةِ، وَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِحُضُورِ (وَشَرْطُهُمَا حُرِّيَّةٌ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 234 وَذُكُورَةٌ وَعَدَالَةٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ، وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا،   [مغني المحتاج] فَلَا يَنْعَقِدُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَلَوْ عُقِدَ بِحَضْرَةِ مَنْ أَعْتَقَهُ شَخْصٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ: وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعِتْقِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِتْقَ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ الصِّحَّةُ إنْ لَمْ يُبْطِلْ، وَعَدَمُهَا إنْ بَطَلَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي إنْ كَانَ الشَّاهِدُ خُنْثَى ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ ذَكَرًا أَنَّهُ يَكْفِي (وَذُكُورَةٌ) فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّسَاءِ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِنَّ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ بِخُنْثَيَيْنِ وَلَوْ بَانَا رَجُلَيْنِ، لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الصِّحَّةَ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ عَقَدَ عَلَى مُشْكِلٍ أَوَّلَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ أُنْثَى فِي الْأَوَّلِ أَوْ ذَكَرًا فِي الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبَسِيطِ، وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا تَحَقُّقُهُ، بِخِلَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رُكْنٌ، وَالرُّكْنُ يُعْتَبَرُ تَحَقُّقُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا لَا يُشْتَرَطُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ رِضَاهَا لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا شُرِطَ فِيهِ، وَإِذَا وُجِدَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ كَفَى، وَأَيْضًا الْخُنْثَى أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا بَانَ رَجُلًا اكْتَفَيْنَا بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْعَقْدِ عَلَى الْخُنْثَى فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِعَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ وَالتَّكْلِيفِ فِي الشَّاهِدِ بِقَوْلِهِ: (وَعَدَالَةٌ) وَلَوْ ظَاهِرَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِفَاسِقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِمَا (وَسَمْعٌ) وَلَوْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ؛ إذْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَوْلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِ، فَلَا يَنْعَقِدُ بِأَصَمَّ، وَفِيهِ وَجْهٌ (وَبَصَرٌ) لِأَنَّ الْأَقْوَالَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ وَالسَّمَاعِ (وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ) بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِحَضْرَتِهِ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ مَنْسُوبًا إلَى النَّصِّ أَنْ يُعَبِّرَ بِقَوْلِ: وَبَقِيَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ أُخَرُ، وَهِيَ كَوْنُهُ نَاطِقًا رَشِيدًا ضَابِطًا، وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ عَنْ قُرْبٍ غَيْرِ مُتَعَيِّنٍ لِلْوِلَايَةِ كَأَبٍ وَأَخٍ مُنْفَرِدٍ وُكِّلَ وَحَضَرَ مَعَ آخَرَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ لُغَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِشَاهِدَيْنِ مَقْبُولَيْ شَهَادَةِ نِكَاحٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ) أَيْ النِّكَاحِ (بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ) أَيْ ابْنَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ ابْنِ أَحَدِهِمَا وَابْنِ الْآخَرِ (وَعَدُوَّيْهِمَا) أَيْ وَعَدُوَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَدُوِّ أَحَدِهِمَا وَعَدُوِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَيَنْعَقِدُ بِهِمَا النِّكَاحُ فِي الْجُمْلَةِ. وَالثَّانِي: لَا لِتَعَذُّرِ ثُبُوتِ هَذَا النِّكَاحِ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالِانْعِقَادِ فِي الْعَدَاوَةِ لِإِمْكَانِ زَوَالِهَا. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ ابْنَيْهِ مَعَ ابْنَيْهَا وَعَدُوَّيْهِ مَعَ عَدُوَّيْهَا بِلَا خِلَافٍ وَالْجَدُّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا كَالِابْنِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَكُونُ الْأَبُ شَاهِدًا لِاخْتِلَافِ دَيْنٍ أَوْ رِقٍّ كَأَنْ تَكُونَ بِنْتُهُ رَقِيقَةً فَيُزَوِّجَهَا سَيِّدُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 235 وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ،   [مغني المحتاج] وَحَضَرَ، وَهُوَ بِصِفَةِ الشُّهُودِ أَوْ كَافِرَةً فَزَوَّجَهَا أَخُوهَا مَثَلًا الْكَافِرُ وَحَضَرَهُ الْأَبُ، وَيَنْعَقِدُ بِالْحَوَاشِي كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَهُمْ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ مَثَلًا وَالْعَاقِدُ غَيْرُهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ لَا إنْ عَقَدَ بِوَكَالَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَهُ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ غَيْرُهُمَا بِوَكَالَةٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَا مَرَّ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَعَدُوَّيْهِمَا بِمَعْنَى أَوْ، وَلِهَذَا حَكَى الرَّافِعِيُّ الْخِلَافَ فِي الْعَدُوَّيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَيَجْرِي فِي الِابْنَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْكُلُّ انْعَقَدَ قَطْعًا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورِي الْعَدَالَةِ) وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا بِأَنْ عُرِفَتْ بِالْمُخَالَطَةِ دُونَ التَّزْكِيَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَجْرِي بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَالْعَوَامِّ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ لَاحْتَاجُوا إلَى مَعْرِفَتِهَا لِيُحْضِرُوا مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا فَيَطُولُ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ وَيَشُقُّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي انْعِقَادِهِ النِّكَاحَ بِالْمَسْتُورَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ بِهِمَا الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي: فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْحَاكِمَ كَغَيْرِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُعَامَلَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا رَأَى مَالًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِلَا مُنَازِعٍ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ كَمَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَعْتَمِدَ ظَاهِرَ الْيَدِ، وَلَا يُقَالُ: الْحَاكِمُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ طَلَبُ الْحُجَّةِ وَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَنْعَقِدُ بِالْمَسْتُورَيْنِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ، وَيُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ بِالْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ فِسْقُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّ الصِّحَّةَ فِي الْمَسْتُورِ إنَّمَا هِيَ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا بِعَدْلَيْنِ بَاطِنًا، وَيَبْطُلُ السِّتْرُ بِتَفْسِيقِ عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ، فَلَوْ أَخْبَرَ بِفِسْقِ الْمَسْتُورِ عَدْلٌ لَمْ يَصِحَّ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ: الْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ فَإِنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَلَمْ يُوجَدَا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ إثْبَاتَ الْجُرْحِ بَلْ زَوَالُ ظَنِّ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِخَبَرِ الْعَدْلِ، وَلَوْ تَحَاكَمَ الزَّوْجَانِ وَقَدْ أَقَرَّا بِنِكَاحٍ عُقِدَ بِمَسْتُورَيْنِ فِي نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَلِمَ الْحَاكِمُ بِفِسْقِ شُهُودِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا، كَذَا قَالَاهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، سَوَاءٌ أَتَرَافَعَا إلَيْهِ أَمْ لَا، وَإِنْ عَلِمَ بِكَوْنِهِمَا مَسْتُورَيْنِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا، سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَعْقِدُ بِهِمَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِمَا هُنَا تَابِعٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ كَمَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا تَبَعًا لِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ، وَلَا يَقْبَلُ الْمَسْتُورَيْنِ فِي إثْبَاتِ النِّكَاحِ وَلَا فَسَادِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَعْلَمَ بَاطِنَهُمَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفِ فِي نُكَتِهِ عَلَى هَذَا، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي وَإِطْلَاقُ الْمَتْنِ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهَذَا أَوْلَى (لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ إسْلَامُهُ وَلَا حُرِّيَّتُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ يَخْتَلِطُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ وَالْأَحْرَارُ بِالْأَرِقَّاءِ وَلَا غَالِبَ، أَوْ يَكُونَ ظَاهِرَ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ فَلَا يَنْعَقِدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 236 وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَبَاطِلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَبِينُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ،   [مغني المحتاج] النِّكَاحُ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِهِ بِهِمَا بَاطِنًا لِسُهُولَةِ الْوُقُوفِ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْأَهْلِيَّةِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَمْ لَا، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِي الْخُنْثَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَتْ ذُكُورَتُهُ الصِّحَّةُ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخُنُوثَةَ لَا تَخْفَى غَالِبًا، وَكَمَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ مَسْتُورُ الْبُلُوغِ كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، إذْ الْأَصْلُ الصِّبَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا عِنْدَ الْعَقْدِ صَحَّ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ (وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَبَاطِلٌ) أَيْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِفَوَاتِ الْعَدَالَةِ كَمَا لَوْ بَانَا كَافِرَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاقِدِ إذْ ذَاكَ حَاكِمًا أَوْ لَا، وَسَيُعِيدُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ حَيْثُ يَقُولُ فِيهِ: وَمَتَى حُكِمَ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا كَافِرَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَا فَاسِقَانِ فِي الْأَظْهَرِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِالسَّتْرِ يَوْمَئِذٍ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: عِنْدَ الْعَقْدِ عَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ الْفِسْقُ فِي الْحَالِ وَلَمْ يَعْلَمْ قِدَمَهُ وَلَا حُدُوثَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِبُطْلَانِهِ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ: لَكِنْ لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِ هَذَا النِّكَاحِ إلَّا بِشَهَادَةِ غَيْرِهِمَا. قَالَ: وَكَذَا فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ فِسْقَهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَعَمَّا إذَا تَبَيَّنَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَقْيِيدُهُ بِزَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الِاسْتِبْرَاءُ الْمُعْتَبَرُ (وَإِنَّمَا يَبِينُ) فِسْقُ الشَّاهِدِ (بِبَيِّنَةٍ) تَقُومُ بِهِ حِسْبَةً أَوْ غَيْرَهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ فَاسِقًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِلْمُ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ كَالْبَيِّنَةِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَالتَّجْرِيدِ لَكِنَّهُمَا صَوَّرَاهُ بِالتَّرَافُعِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: هَذَا نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ مَا لَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْهِ فِيهِ كَسَائِرِ الْخِلَافِيَّاتِ. قُلْت: يُحْتَمَلُ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعَا. اهـ. وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ الْمُوَافِقُ لِمَا قُيِّدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ (أَوْ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ) عَلَى فِسْقِهِ، سَوَاءٌ أَقَالَا لَمْ نَعْلَمْهُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَمْ عَلِمْنَاهُ ثُمَّ نَسِينَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَمْ عَلِمْنَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ أَقَرَّ الزَّوْجَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ بِعَدْلَيْنِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمَا بِالصِّحَّةِ بِإِقْرَارِهِمَا ثُمَّ ادَّعَيَا أَنَّهُ عُقِدَ بِفَاسِقَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِمَا ثَانِيًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْرِيرِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ تَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ بِاعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي حَقِّهِمَا، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - بِأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَوَافَقَا عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ بِهَذَا السَّبَبِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَاهُ بِلَا مُحَلِّلٍ كَمَا فِي الْكَافِي لِلْخُوَارِزْمِيِّ لِلتُّهْمَةِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِمَا. قَالَ: وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُمَا وَلَا بَيِّنَتَهُمَا، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْحِسْبَةِ تُقْبَلُ، لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ مَحَلَّ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْحِسْبَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 237 وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا فَاسِقَيْنِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِلَّا فَكُلُّهُ. وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ   [مغني المحتاج] كَأَنْ طَلَّقَ شَخْصٌ زَوْجَتَهُ وَهُوَ يُعَاشِرُهَا أَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهَا حَاجَةٌ فَلَا تُسْمَعُ، وَهُنَا كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي، وَهُوَ حَسَنٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا أَرَادَ نِكَاحًا جَدِيدًا، فَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ التَّخَلُّصَ مِنْ الْمَهْرِ، كَأَنْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَرَادَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَهْرَ الْمِثْلِ: أَيْ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى فَيَنْبَغِي قَبُولُهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ: يُقْبَلُ اعْتِرَافُهُمَا فِي حَقِّهِمَا. اهـ. وَإِذَا سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ حِينَئِذٍ تَبَيَّنَ بِهَا بُطْلَانُ النِّكَاحِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ حِيلَةً فِي دَفْعِ الْمُحَلِّلِ (وَلَا أَثَرَ) بِالنِّسْبَةِ لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا) عِنْدَ الْعَقْدِ (فَاسِقَيْنِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُمَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ تَفْرِيقِ الزَّوْجَيْنِ فَقَدْ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ حَضَرَا عَقْدَ أُخْتِهِمَا وَنَحْوِهَا ثُمَّ قَالَا ذَلِكَ وَمَاتَتْ وَهُمَا وَارِثَاهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُمَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِي فَسَادِ الْمُسَمَّى بَعْدَهُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَوْ اعْتَرَفَ بِهِ) أَيْ بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ (الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ) ذَلِكَ الزَّوْجَةُ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ، وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَا تُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ كَإِقْرَارِهِ بِالرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ طَلَاقًا وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ، وَقِيلَ: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ تُنْقِصُهُ كَمَا لَوْ نَكَحَ أَمَةً وَقَالَ: نَكَحْتُهَا وَأَنَا وَاجِدٌ طَوْلَ حُرَّةٍ، فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ بِطَلْقَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ، وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ يَقْتَضِي وُقُوعَ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ. قَالَ: فَالْوَجْهُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ: الْفَسْخُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْبُطْلَانِ وَتَأْوِيلُ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ (وَعَلَيْهِ) إذَا اعْتَرَفَ بِالْفِسْقِ (نِصْفُ) مَا سَمَّاهُ مِنْ (الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِلَّا) بِأَنْ دَخَلَ بِهَا (فَكُلُّهُ) لِأَنَّ حُكْمَ اعْتِرَافِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَلَا يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ بَعْدَ حَلِفِهَا أَنَّهُ عُقِدَ بِعَدْلَيْنِ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِالزَّوْجِ عَمَّا لَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ بِالْفِسْقِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِهِ وَهِيَ تُرِيدُ رَفْعَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَضُرُّهَا، فَلَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَإِنْ مَاتَتْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْءٍ سَقَطَ الْمَهْرُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُسَمَّى وَمَهْرُ الْمِثْلِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إلَّا إذَا كَانَتْ مَحْجُورَةً بِسَفَهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُسْقِطْ لِفَسَادِ إقْرَارِهَا فِي الْمَالِ وَالْأَمَةُ كَذَلِكَ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَسُقُوطُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ تَقْبِضْهُ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهَا تُقِرُّ لَهُ بِهِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَيَبْقَى فِي يَدِهَا وَلَوْ قَالَتْ: نَكَحْتَنِي بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ فَقَالَ: بَلْ بِهِمَا نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْكَارٌ لِأَصْلِ الْعَقْدِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. اهـ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ. (وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا الْمَرْأَةِ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 238 حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ. فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإِذْنٍ،   [مغني المحتاج] بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهَا كَأَنْ قَالَتْ: رَضِيت أَوْ أَذِنْت فِيهِ (حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا) بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ احْتِيَاطًا لِيُؤْمَنَ إنْكَارُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) الْإِشْهَادُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ وَرِضَاهَا الْكَافِي فِي الْعَقْدِ يَحْصُلُ بِإِذْنِهَا وَبِبَيِّنَةٍ، وَكَذَا بِإِخْبَارِ وَلِيِّهَا مَعَ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِمَنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ الْمَذْكُورُ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا كَتَزْوِيجِ الْأَبِ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي اسْتِحْبَابُهُ صِيَانَةً لِلْعَقْدِ مِنْ أَنْ تَرْفَعَهُ إلَى مَنْ يَعْتَبِرُ إذْنَهَا مِنْ الْحُكَّامِ فَيُبْطِلَهُ إذَا جَحَدَتْهُ. اهـ. وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مَا لَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ هُوَ الْحَاكِمَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ إذْنُهَا. [فَصْلٌ لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ، وَهُمَا الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ، أَوْ النَّائِبُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ (لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا) أَيْ لَا تَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ بِحَالٍ لَا (بِإِذْنٍ) وَلَا بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ الْإِيجَابُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 239 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَالْقَبُولُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 240 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] [النِّسَاءُ] . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 241 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وقَوْله تَعَالَى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] [الْبَقَرَةُ] أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 242 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى، وَلِخَبَرِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ خَبَرَ: «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. نَعَمْ لَوْ عُدِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ فَوَلَّتْ مَعَ خَاطِبِهَا أَمْرَهَا رَجُلًا مُجْتَهِدًا لِيُزَوِّجَهَا مِنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ وَالْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ، وَكَذَا لَوْ وَلَّتْ مَعَهُ عَدْلًا صَحَّ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِفَقْدِ الْحَاكِمِ، بَلْ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ سَفَرًا وَحَضَرًا بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ التَّحْكِيمِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَمُرَادُ الْمُهِمَّاتِ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ. وَأَمَّا الَّذِي اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي الْعَدَالَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ فَشَرْطُهُ السَّفَرُ وَفَقْدُ الْقَاضِي. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي بَعِيدٌ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ وَلِيٌّ حَاضِرٌ، وَيَظْهَرُ الْجَزْمُ بِمَنْعِ الصِّحَّةِ إذَا أَمْكَنَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَتِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 243 وَلَا غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ، وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ، لَا الْحَدَّ،   [مغني المحتاج] وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ مُؤْذِنٌ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ التَّزْوِيجِ مِنْ حَاكِمِ أَهْلٍ حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَتْ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا فِي الْكُفْرِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (وَلَا) تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ (غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ) عَنْ الْوَلِيِّ وَلَا بِوِلَايَةٍ، وَلَوْ وَكَّلَ ابْنَتَهُ مَثَلًا أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا فِي نِكَاحِهَا لَا عَنْهَا بَلْ عَنْهُ، أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا سَفِيرَةٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْوَكِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْ عَنْهَا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ اُبْتُلِينَا بِإِمَامَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا تَنْفُذُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ تَصْحِيحُ تَزْوِيجِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمَرْأَةِ فِي نِكَاحِ غَيْرِهَا إلَّا فِي مِلْكِهَا، أَوْ فِي سَفِيهٍ، أَوْ مَجْنُونٍ هِيَ وَصِيَّةٌ عَلَيْهِ (وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ) بِوِلَايَةٍ وَلَا وَكَالَةٍ؛ إذْ لَا يَصِحُّ لَهَا فَلَا تَتَعَاطَاهُ لِلْغَيْرِ. تَنْبِيهٌ: الْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى وَقَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِحَثًا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا. اهـ. نَعَمْ لَوْ زَوَّجَ الْخُنْثَى أُخْتَهُ ثُمَّ بَانَ ذَكَرًا فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الشَّاهِدِ الصِّحَّةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ جَزَمَ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِ الْخَنَاثَى (وَالْوَطْءُ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ (فِي نِكَاحٍ) بِشُهُودٍ (بِلَا وَلِيٍّ) كَتَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا، أَوْ بِوَلِيٍّ بِلَا شُهُودٍ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَلَا بِبُطْلَانِهِ لَا يُوجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ (يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ) لِفَسَادِ النِّكَاحِ وَلِخَبَرِ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثًا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيجَابِ الْمَهْرِ مَا إذَا كَانَ النَّاكِحُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَهْرِ يُفْهِمُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ مَعَهُ أَرْشُ بَكَارَةٍ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَنَّ إتْلَافَ الْبَكَارَةِ مَأْذُونٌ فِيهِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوَطْءُ وَ (لَا) يُوجِبُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ (الْحَدَّ) سَوَاءٌ أَصَدَرَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَمْ لَا لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَوْ لَمْ يَطَأْ الزَّوْجُ فِي هَذَا النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 244 وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا صَحَّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَفْتَقِرْ صِحَّةُ نِكَاحِهِ لَهَا إلَى مُحَلِّلٍ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِبُطْلَانِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ، فَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَامْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُخَالِفِ بَعْدَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ. أَمَّا الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ غَالِبًا وَمَنْ لَا فَلَا بِقَوْلِهِ: (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ) عَلَى مُوَلِّيَتِهِ (بِالنِّكَاحِ) بِعَدْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْهُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ عَلَيْهِ (إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ) وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ كَانَ مُجْبِرًا وَالزَّوْجُ كُفْئًا؛ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِقْرَارَ غَالِبًا كَمَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُجْبِرٍ (فَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِنْشَاءِ إلَّا بِإِذْنِهَا. تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لَوْلَا الَّذِي قَدَّرْتُهُ مَا إذَا اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ وَكَانَ عِنْدَ الْإِقْرَارِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا ادَّعَى أَنَّهُ زَوَّجَهَا حِينَ كَانَتْ بِكْرًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا بِالْإِنْشَاءِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمِنْهَاجِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَصْفُهُ بِذَلِكَ حِينَ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَكْسِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ) الْحُرَّةِ وَلَوْ سَفِيهَةً فَاسِقَةً بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (بِالنِّكَاحِ) مِنْ زَوْجٍ صَدَّقَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ غَيْرَ كُفْءٍ (عَلَى الْجَدِيدِ) وَإِنْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدَانِ إنْ عَيَّنَتْهُمَا، أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: مَا رَضِيتُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ كُفْءٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجَيْنِ فَثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَلِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَكَذِبِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا الْإِقْرَارَ فَتَقُولُ: زَوَّجَنِي مِنْهُ وَلِيِّي بِحَضْرَةِ عَدْلَيْنِ وَرِضَائِي إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ يَكْفِي إقْرَارُهَا الْمُطْلَقُ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِي إقْرَارِهَا الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى وَمَا هُنَا فِي إقْرَارِهَا الْمُبْتَدَإِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأَمَةِ، وَمِثْلُهَا الْعَبْدُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا، وَطَرِيقُ حِلِّهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ إنْ كَانَا غَرِيبَيْنِ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَعَنْ الْقَدِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَحَمَلَهُ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ الْغَيْرِ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِزَوْجٍ وَالْمُجْبِرُ لِآخَرَ فَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ أَوْ إقْرَارُهَا أَوْ السَّابِقُ أَوْ يَبْطُلَانِ جَمِيعًا؟ احْتِمَالَاتٌ لِلْإِمَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ، فَإِنْ أَقَرَّا مَعًا فَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِبَدَنِهَا وَحَقِّهَا، وَلَوْ جَهِلَ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ أَوْ يَبْطُلَانِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِإِقْرَارِهَا؛ لِأَنَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 245 وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا،   [مغني المحتاج] تَحَقَّقْنَا وَشَكَكْنَا فِي الْمُفْسِدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَنُقِلَ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ التَّلْخِيصِ تَرْجِيحُ السُّقُوطِ مُطْلَقًا، وَلَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَذَكَرَ شَرَائِطَ الْعَقْدِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَاقُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ وَاسْتِدَامَتُهُ تَنْفَكُّ عَنْ الصَّدَاقِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مُشِيرَةٌ إلَى شَخْصٍ: هَذَا زَوْجِي فَسَكَتَ فَمَاتَتْ وَرِثَهَا وَلَوْ مَاتَ هُوَ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ قَالَ هُوَ: هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَتْ فَمَاتَ وَرِثَتْهُ وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا عَلَى النَّصِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْوِلَايَةِ أَرْبَعَةٌ، السَّبَبُ الْأَوَّلُ الْأُبُوَّةُ وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ فَقَالَ (وَلِلْأَبِ) وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ وَهِيَ (تَزْوِيجُ) ابْنَتِهِ (الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً) عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ (بِغَيْرِ إذْنِهَا) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا» . وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «وَالْبِكْرُ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا» حُمِلَتْ عَلَى النَّدْبِ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسُ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فَهِيَ شَدِيدَةُ الْحَيَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا إلَّا بِإِذْنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يَحْتَاطُ لِمُوَلِّيَتِهِ لِخَوْفِ الْعَارِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ الْجَوَازَ. تَنْبِيهٌ: لِتَزْوِيجِ الْأَبِ بِغَيْرِ إذْنِهَا شُرُوطٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا مَرَّ. الثَّانِي: أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ. الثَّالِثُ: أَنْ يُزَوِّجَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا بِمَنْ تَتَضَرَّرُ بِمُعَاشَرَتِهِ كَأَعْمَى وَشَيْخٍ هَرِمٍ. السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ، فَإِنَّ الزَّوْجَ قَدْ يَمْنَعُهَا لِكَوْنِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَلَهَا غَرَضٌ فِي تَعْجِيلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهَا. قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَهَلْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ شُرُوطٌ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَوْ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ فَقَطْ؟ فِيهِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِهَذَا وَمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ لِذَاكَ، فَالْمُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ بِغَيْرِ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلِيِّهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفْئًا وَأَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِحَالِ الصَّدَاقِ، وَلَيْسَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْيَسَارِ مُعْتَبَرًا فِي الْكَفَاءَةِ كَمَا هُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ شُرُوطٌ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْإِجْبَارِ أَيْضًا انْتِفَاءُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ. اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهُورُ الْعَدَاوَةِ هُنَا كَمَا اُعْتُبِرَ ثَمَّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ الْمُجْبِرِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُزَوِّجَهَا إلَّا مِمَّنْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهَا، أَمَّا مُجَرَّدُ كَرَاهَتِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَلَا تُؤَثِّرُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا) أَيْ الْبِكْرِ إذَا كَانَتْ مُكَلَّفَةً لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَتَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفَةِ فَلَا إذْنَ لَهَا، وَيُسَنُّ اسْتِفْهَامُ الْمُرَاهِقَةِ وَأَنْ لَا يُزَوِّجَ الصَّغِيرَةَ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا نِسْوَةٌ ثِقَاتٌ يَنْظُرْنَ مَا فِي نَفْسِهَا وَالْأُمُّ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى مَا لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 246 وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ إلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَسَوَاءٌ زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ،   [مغني المحتاج] يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا (وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ) بَالِغَةٍ وَإِنْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ (إلَّا بِإِذْنِهَا) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ السَّابِقِ وَخَبَرِ: «لَا تُنْكِحُوا الْأَيَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلِأَنَّهَا عَرَفَتْ مَقْصُودَ النِّكَاحِ فَلَا تُجْبَرُ بِخِلَافِ الْبِكْرِ (فَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الثَّيِّبُ (صَغِيرَةً) غَيْرَ مَجْنُونَةٍ وَغَيْرَ أَمَةٍ (لَمْ تُزَوَّجْ) سَوَاءٌ احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ أَمْ لَا (حَتَّى تَبْلُغَ) لِأَنَّ إذْنَ الصَّغِيرَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَامْتَنَعَ تَزْوِيجُهَا إلَى الْبُلُوغِ، أَمَّا الْمَجْنُونَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ عِنْدَ عَدَمِهِ قَبْلَ بُلُوغِهَا لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلِسَيِّدِهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَكَذَا لِوَلِيِّ السَّيِّدِ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ (وَالْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا (كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فِيمَا ذَكَرَ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً وَعُصُوبَةً كَالْأَبِ وَيَزِيدُ الْجَدُّ عَلَيْهِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْأَبِ، وَوَكِيلُ الْأَبِ وَالْجَدُّ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ، لَكِنَّ وَكِيلَ الْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَسَوَاءٌ) فِي حُصُولِ الثُّيُوبَةِ وَاعْتِبَارِ إذْنِهَا (زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ) فِي قُبُلِهَا (حَلَالٍ) كَالنِّكَاحِ (أَوْ حَرَامٍ) كَالزِّنَا أَوْ بِوَطْءٍ لَا يُوصَفُ بِهِمَا كَشُبْهَةٍ كَمَا شَمِلَهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ: بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا بِحُرْمَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ (وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ) فِي الْقُبُلِ (كَسَقْطَةٍ) وَحِدَّةِ طَمْثٍ وَطُولِ تَعْنِيسٍ وَهُوَ الْكِبَرُ أَوْ بِأُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسْ الرِّجَالَ فَهِيَ عَلَى غَبَاوَتِهَا وَحَيَائِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ فِيمَا ذُكِرَ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِزَوَالِ الْعُذْرَةِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُمَارِسْ الرِّجَالَ بِالْوَطْءِ فِي مَحَلِّ الْبَكَارَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ الْبِكْرَ لَوْ وُطِئَتْ فِي قُبُلِهَا وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا بِأَنْ كَانَتْ غَوْرَاءَ كَسَائِرِ الْأَبْكَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَنَظِيرِهِ الْآتِي فِي التَّحْلِيلِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ بِمُمَارَسَةِ الرِّجَالِ خِلَافَهُ كَمَا أَنَّ قَضِيَّتَهُ كَذَلِكَ إذَا زَالَتْ بِذَكَرِ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَقِرْدٍ مَعَ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهَا كَالثَّيِّبِ، وَلَوْ خُلِقَتْ بِلَا بَكَارَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَبْكَارِ كَمَا حَكَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتُصَدَّقُ الْمُكَلَّفَةُ فِي دَعْوَى الْبَكَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا فِي دَعْوَى الثُّيُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَطْءِ، فَإِنْ ادَّعَتْ الثُّيُوبَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَدْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهَا نُطْقًا فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِمَا فِي تَصْدِيقِهَا مِنْ إبْطَالِ النِّكَاحِ بَلْ لَوْ شَهِدَتْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلْ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ أَنَّهَا خُلِقَتْ بِدُونِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنْ أَفْتَى الْقَاضِي بِخِلَافِهِ (وَمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَابْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ) بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 247 وَتُزَوَّجُ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَالْمُعْتِقُ.   [مغني المحتاج] عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ وَإِذْنُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَتُزَوَّجُ الثَّيِّبُ) الْعَاقِلَةُ (الْبَالِغَةُ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ) لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَكْفِي سُكُوتُهَا لِحَدِيثِ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ، وَلَوْ أَذِنَتْ بِلَفْظِ التَّوْكِيلِ جَازَ عَلَى النَّصِّ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: الَّذِينَ لَقِينَاهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يَعُدُّونَهُ إذْنًا؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ بَاطِلٌ، وَرُجُوعَهَا عَنْ الْإِذْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عَنْ الْوَكَالَةِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بَعْدَ رُجُوعِهَا وَقَبْلَ عِلْمِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِذْنُ الْخَرْسَاءِ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِكَتْبِهَا. قَالَ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ هَلْ تَكُونُ فِي مَعْنَى الْمَجْنُونَةِ حَتَّى يُزَوِّجَهَا الْأَبُ وَالْجَدُّ ثُمَّ الْحَاكِمُ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا لِأَنَّهَا عَاقِلَةٌ؟ لَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِكَتْبِ مَنْ لَهَا إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ ظَاهِرٌ إنْ نَوَتْ بِهِ الْإِذْنَ كَمَا قَالُوا كِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالطَّلَاقِ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ (وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ) الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ إذَا اُسْتُؤْذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْءٍ أَوْ غَيْرِهِ (سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ بَكَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ إذْنٌ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا» فَإِنْ بَكَتْ بِصِيَاحٍ أَوْ ضَرْبِ خَدٍّ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الرِّضَا. وَالثَّانِي: لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ كَمَا فِي الثَّيِّبِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمُجْبِرِ، أَمَّا هُوَ فَالسُّكُوتُ كَافٍ قَطْعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إيرَادُ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِاسْتُؤْذِنَتْ مَا لَوْ زُوِّجَتْ بِحَضْرَتِهَا مَعَ سُكُوتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا وَبِمَنْ كُفْءٌ أَوْ غَيْرُهُ مَا لَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ بِدُونِ الْمَهْرِ أَصْلًا أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَسَكَتَتْ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي سُكُوتُهَا لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ كَبَيْعِ مَالِهَا، وَلَوْ اُسْتُؤْذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ بِرَجُلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَسَكَتَتْ كَفَى فِيهِ سُكُوتُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْإِذْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَيَجُوزُ أَنْ أُزَوِّجَكِ أَوْ تَأْذَنِينَ. فَقَالَتْ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَوْ لِمَ لَا آذَنُ كَفَى؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِرِضَاهَا. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ الْخَاطِبُ: أَتُزَوِّجُنِي لَمْ يَكُنْ اسْتِيجَابًا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ يُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْجَزْمُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ يَكْفِي فِيهِ السُّكُوتُ فَكَفَى فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ جَوَابِهَا، وَلَوْ قَالَتْ: رَضِيتُ بِمَنْ رَضِيَتْ بِهِ أُمِّي أَوْ بِمَنْ اخْتَارَتْهُ أَوْ بِمَا يَفْعَلُهُ أَبِي وَهُمْ فِي ذِكْرِ النِّكَاحِ كَفَى، لَا إنْ قَالَتْ: رَضِيتُ إنْ رَضِيَتْ أُمِّي أَوْ رَضِيتُ بِمَا تَفْعَلُهُ أُمِّي فَلَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْقِدُ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَكَذَا لَا يَكْفِي رَضِيتُ إنْ رَضِيَ أَبِي إلَّا أَنْ تُرِيدَ رَضِيتُ بِمَا يَفْعَلُهُ فَيَكْفِي وَلَوْ أَذِنَتْ بِكْرٌ فِي تَزْوِيجِهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ اُسْتُؤْذِنَتْ كَذَلِكَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَكَتَتْ كَانَ إذْنًا إنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلِهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ الْعِتْقُ فَقَالَ: (وَالْمُعْتِقُ) وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ فَيَشْمَلُ عَصَبَتَهُ وَهُوَ السَّبَبُ الثَّالِثُ لَا مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَقَطْ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 248 وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ. وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ أَبٌ ثُمَّ جَدٌّ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمٌّ ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ كَالْإِرْثِ، وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ بِبُنُوَّةٍ،   [مغني المحتاج] وَالسَّبَبُ الرَّابِعُ السُّلْطَانُ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْقَاضِيَ وَالْمُعْتِقَ وَعَصَبَتَهُ (وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ) فِيمَا ذَكَرَ قَبْلَهُ. (وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ) بِالتَّزْوِيجِ (أَبٌ) لِأَنَّ سَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ يُدْلُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَمُرَادُهُ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَالسُّلْطَانُ وَالْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ لَا يُدْلُونَ بِهِ (ثُمَّ جَدٌّ) أَبُو أَبٍ (ثُمَّ أَبُوهُ) وَإِنْ عَلَا لِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ مُشَارَكَتِهِ فِي الْعُصُوبَةِ (ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ) لِأَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْأَبِ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِهِ (ثُمَّ ابْنُهُ) أَيْ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا (وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْعَمِّ (ثُمَّ عَمٌّ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ سَفَلَ (ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ) مِنْ الْقَرَابَةِ أَيْ بَاقِيهِمْ (كَالْإِرْثِ) لِأَنَّ الْمَأْخَذَ فِيهِمَا وَاحِدٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: كَالْإِرْثِ مُتَعَلِّقٌ بِسَائِرِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ يُقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ هُنَا وَالْجَدُّ فِي الْإِرْثِ يُشَارِكُ الْأَخَ وَهُنَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالشَّقِيقُ فِي الْإِرْثِ يُقَدَّمُ قَطْعًا عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ وَهُنَا فِيهِ خِلَافٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ) وَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى عَمٍّ لِأَبٍ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ لِزِيَادَةِ الْقُرْبِ وَالشَّفَقَةِ كَالْإِرْثِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ غَابَ الشَّقِيقُ لَمْ يُزَوِّجْ الَّذِي لِأَبٍ بَلْ السُّلْطَانُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ هُمَا وَلِيَّانِ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي النِّكَاحِ فَلَا يُرَجَّحُ بِهَا بِخِلَافِ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا عَمَّانِ أَحَدُهُمَا خَالٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَا يُفِيدُ لَا يُرَجِّحُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَمَّ لِأَبَوَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ فِي الْإِرْثِ وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: يُقَدَّمُ مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ لَشَمِلَ مَا أَدْخَلْتُهُ فِي كَلَامِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ لَكِنَّهُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا، فَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْأُمِّ. وَالْأَوَّلُ يُدْلِي بِالْجَدِّ وَالْجَدَّةِ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا ابْنِ عَمٍّ. أَحَدُهُمَا ابْنُهَا. وَالْآخَرُ أَخُوهَا مِنْ الْأُمِّ، فَالِابْنُ هُوَ الْمُقَدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ، وَلَوْ كَانَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا: مُعْتِقٌ قُدِّمَ الْمُعْتِقُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ. وَالْآخَرُ: شَقِيقًا قُدِّمَ الشَّقِيقُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا خَالٌ فَهُمَا سَوَاءٌ بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَسْمِيَةُ كُلِّ مَنْ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَلِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ وَجَعَلَ الْوِلَايَةَ حَقِيقَةً لِلْأَبِ وَالْجَدِّ فَقَطْ (وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ) أُمَّهُ وَإِنْ عَلَتْ (بِبُنُوَّةٍ) مَحْضَةٍ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي النَّسَبِ؛ إذْ انْتِسَابُهَا إلَى أَبِيهَا، وَانْتِسَابُ الِابْنِ إلَى أَبِيهِ فَلَا يَعْتَنِي بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ لِلصِّحَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ. قَالَ لِابْنِهَا عُمَرَ: قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ ". أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ نِكَاحَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْتَاجُ إلَى وَلِيٍّ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ اسْتِطَابَةً لِخَاطِرِهِ. ثَانِيهَا: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وُلِدَ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي السَّنَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 249 فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ أَوْ مُعْتِقًا أَوْ قَاضِيًا زَوَّجَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، كَالْإِرْثِ، وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتَقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً،   [مغني المحتاج] الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَزَوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، وَقِيلَ: كَانَ سِنُّ عُمَرَ يَوْمَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ سِنِينَ. قَالَهُ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ وَكَانَ حِينَئِذٍ طِفْلًا فَكَيْفَ يُزَوِّجُ. ثَالِثُهَا: بِتَقْدِيرِ صِحَّةِ أَنَّهُ زَوَّجَ وَهُوَ بَالِغٌ فَيَكُونُ بِبُنُوَّةِ الْعَمِّ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ بَنِي أَعْمَامِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَقْرَبُ مِنْهُ (فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ) لَهَا أَوْ ذَا قَرَابَةٍ أُخْرَى مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحِ مَجُوسٍ كَمَا إذَا كَانَ أَخَاهَا أَوْ ابْنَ أَخِيهَا أَوْ ابْنَ عَمِّهَا (أَوْ مُعْتِقًا) لَهَا أَوْ غَاصِبَ مُعْتِقٍ لَهَا (أَوْ قَاضِيًا) أَوْ مُحَكِّمًا أَوْ وَكِيلًا عَنْ وَلِيِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (زَوَّجَ بِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ فَلَا تَضُرُّهُ الْبُنُوَّةُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٌ، فَإِذَا وُجِدَ مَعَهَا سَبَبٌ آخَرَ يَقْتَضِي الْوِلَايَةَ لَمْ تَمْنَعْهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ ابْنُ ابْنِ عَمٍّ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَمِّهَا ابْنَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَبِنِكَاحِ الْمَجُوسِ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لَهَا بِأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا، وَيَأْذَنُ لَهُ سَيِّدُهُ فَيُزَوِّجُهَا بِالْمِلْكِ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ رَجُلٌ (نَسِيبٌ زَوَّجَ الْمُعْتِقُ) الرَّجُلُ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) بِحَقِّ الْوَلَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقِ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً وَالتَّرْتِيبُ هَذَا (كَالْإِرْثِ) فِي تَرْتِيبِهِ وَمَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلِأَنَّ الْمُعْتِقَ أَخْرَجَهَا مِنْ الرِّقِّ إلَى الْحُرِّيَّةِ فَأَشْبَهَ الْأَبَ فِي إخْرَاجِهِ لَهَا إلَى الْوُجُودِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا التَّشْبِيهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: أَنَّ أَخَا الْمُعْتِقِ أَوْلَى مِنْ جَدِّهِ، وَفِي النَّسَبِ يُقَدَّمُ الْجَدُّ. الثَّانِيَةِ: أَنَّ ابْنَ الْمُعْتِقِ يُزَوِّجُ وَيُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ التَّعْصِيبَ لَهُ، وَفِي النَّسَبِ لَا يُزَوِّجُهَا ابْنُهَا بِالْبُنُوَّةِ. الثَّالِثَةُ: أَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُقَدَّمُ عَلَى الْجَدِّ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ وَالِدِهِ. الرَّابِعَةُ: الْعَمُّ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِي الْجَدِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِخِلَافِ النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: الْمُعْتِقُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ فَلَوْ تَزَوَّجَ عَتِيقٌ بِحُرَّةِ الْأَصْلِ وَأَتَتْ بِابْنَةٍ لَا يُزَوِّجُهَا مَوَالِي الْأَبِ، وَكَلَامُ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْإِشْرَافِ التَّزْوِيجُ لِمَوَالِي الْأَبِ، ثُمَّ أَشَارَ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ ضَابِطِ مَنْ يُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ بِقَوْلِهِ: (وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ) إذَا فُقِدَ وَلِيُّ الْعَتِيقَةِ مِنْ النَّسَبِ كُلُّ (مَنْ يُزَوِّجُ الْمُعْتِقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً) بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْوِلَايَةِ عَلَى الْمُعْتِقَةِ فَيُزَوِّجُهَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ بَقِيَّةُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَرْتِيبِهِمْ بِرِضَا الْعَتِيقَةِ، وَيَكْفِي سُكُوتُ الْبِكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَإِنْ خَالَفَ فِي دِيبَاجِهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعَتِيقَةَ كَافِرَةً وَالْمُعْتِقَةُ مُسْلِمَةً وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ أَنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 250 وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا مَاتَتْ زَوَّجَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ،   [مغني المحتاج] لَا يُزَوِّجُهَا وَلَيْسَ مُرَادًا وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُعْتِقَةُ وَوَلِيُّهَا كَافِرَيْنِ وَالْعَتِيقَةُ مُسْلِمَةً أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَوْ قَالَ يُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي حَالِ مَوْتِهَا لَاسْتَقَامَ، وَلَكِنْ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ اخْتِلَافِ الدِّينِ الْآتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ (وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْمُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهَا وَلَا إجْبَارَ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ. وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا وَالْعَصَبَةُ إنَّمَا يُزَوِّجُونَ بِإِدْلَائِهِمْ بِهَا فَلَا أَقَلَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ أَمَةِ الْمَرْأَةِ حُكْمُ عَتِيقَتِهَا فَيُزَوِّجُهَا مَنْ يُزَوِّجُ سَيِّدَتَهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ، لَكِنْ إذَا كَانَتْ السَّيِّدَةُ كَامِلَةً اُشْتُرِطَ إذْنُهَا وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا إذْ لَا تَسْتَحِي، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ثَيِّبًا امْتَنَعَ عَلَى الْأَبِ تَزْوِيجُ أَمَتِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مَجْنُونَةً وَلَيْسَ لِلْأَبِ إجْبَارُ أَمَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ، وَلَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ جَارِيَةً ثُمَّ أَعْتَقَتْ هَذِهِ الْعَتِيقَةُ جَارِيَةً وَلَلْمُعْتَقَةِ ابْنٌ فَوَلَاءُ الثَّانِيَةِ لِمُعْتِقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْوَلِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ (فَإِذَا مَاتَتْ) أَيْ الْمُعْتِقَةُ (زَوَّجَ) الْعَتِيقَةَ (مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ) عَلَى الْمُعْتِقَةِ مِنْ عَصَبَاتِهَا فَيُزَوِّجُهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ، إذْ تَبَعِيَّةُ الْوَلَاءِ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ أَعْتَقَهَا اثْنَانِ اُعْتُبِرَ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلَانِ، أَوْ يُوَكِّلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، أَوْ يُبَاشِرَانِ مَعًا وَيُزَوِّجُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ مَعَ السُّلْطَانِ وَإِنْ مَاتَا اُشْتُرِطَ فِي تَزْوِيجِهَا اثْنَانِ مِنْ عَصَبَتِهِمَا، وَاحِدٌ مِنْ عَصَبَةِ أَحَدِهِمَا، وَآخَرُ مِنْ عَصَبَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَفَى مُوَافَقَةُ أَحَدِ عَصَبَتِهِ لِلْآخَرِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَرِثَهُ الْآخَرُ اسْتَقَلَّ بِتَزْوِيجِهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ عَدَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ فِي دَرَجَةٍ كَبَنِينَ وَإِخْوَةٍ كَانُوا كَالْإِخْوَةِ فِي النَّسَبِ، فَإِذَا زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَاهَا صَحَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْآخَرِينَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ عَتِيقَتَهُ أَبَاهُ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ بِتَرْتِيبِهِمْ لَكِنْ بِإِذْنِهِ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ فَيَكُونُ قَدْ زَوَّجَهَا وَكِيلُهُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ وَوَلِيُّهَا بِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَاوِي وَالْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِمَا وُجُوبُ إذْنِهِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: فَلَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ خُنْثَى مُشْكِلًا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، وَالْخُنْثَى كَالْمَفْقُودِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِإِذْنِهِ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا أَبُوهُ بِإِذْنِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَأَحْوَطُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِذْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَ السُّلْطَانُ، وَلَوْ عَقَدَ الْخُنْثَى فَبَانَ ذَكَرًا صَحَّ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الْمُبَعَّضَةُ فَيُزَوِّجُهَا الْمَالِكُ مَعَ وَلِيِّهَا الْقَرِيبِ ثُمَّ مَعَ مُعْتِقِ الْبَعْضِ، ثُمَّ مَعَ عَصَبَتِهِ، ثُمَّ مَعَ السُّلْطَانِ. وَأَمَّا أَمَةُ السَّيِّدَةِ الْمُبَعَّضَةِ فَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ الْمُبَعَّضَةِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهَا حُرَّةً بِإِذْنِهَا (فَإِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ) الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِخَبَرِ: «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 251 وَكَذَا يُزَوِّجُ إذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ وَالْمُعْتِقُ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إلَى كُفْءٍ   [مغني المحتاج] وَإِنْ رَضِيَتْ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ: وَالْأَصَحُّ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِمَا حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَقِيَاسُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ. اهـ. وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَاطِبِ فَلَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُؤَثِّرًا فِي جَوَازِ الْحُكْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حَاضِرٌ وَالْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِهِ (وَكَذَا يُزَوِّجُ) السُّلْطَانُ (إذَا عَضَلَ) النَّسِيبُ (الْقَرِيبُ) وَلَوْ مُجْبِرًا، أَيْ امْتَنَعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا هُوَ (وَالْمُعْتِقُ) وَعَصَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ وَفَائِهِ وَفَّاهُ الْحَاكِمُ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ جَزْمًا، وَهَذَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْعَضْلُ دُونَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ. فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ وِلَايَةِ الْفَاسِقِ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِلَّا فَلَا يُفَسَّقُ بِذَلِكَ، وَهَلْ الْمُرَادُ مَا قَالَاهُ هُنَا بِالْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ الْأَنْكِحَةُ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَرَضِ الْحَاكِمِ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ؟ . قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَوَقَعَ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَضْلَ كَبِيرَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخُطَّةِ حَاكِمٌ. وَقِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ كَمَا زِدْتُهُ، وَهَلْ السُّلْطَانُ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ النِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ غَابَ عَنْهَا وَلِيُّهَا إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ زَوَّجَهَا أَحَدُ نُوَّابِهِ أَوْ قَاضٍ آخَرَ أَوْ بِالنِّيَابَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ إنْ قُلْنَا بِالْوِلَايَةِ قُدِّمَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ أَوْ بِالنِّيَابَةِ فَلَا، وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ بِالْأَوَّلِ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ، وَصَحَّحَ الْإِمَامُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ، وَهَذَا أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ عَلَى صُورَتَيْنِ وَذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يُزَوِّجَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِحْرَامِهِ وَإِرَادَتِهِ تَزْوِيجَ مُوَلِّيَتِهِ وَلَا مُسَاوٍ لَهُ فِي الدَّرَجَةِ، وَالْمَجْنُونَةُ وَالْبَالِغَةُ عِنْدَ فَقْدِ الْمُجْبِرِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يُزَوِّجُ فِيهَا الْحَاكِمُ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ: وَتُزَوِّجُ الْحُكَّامُ فِي صُوَرٍ أَتَتْ ... مَنْظُومَةً تَحْكِي عُقُودَ جَوَاهِرِ عَدَمُ الْوَلِيِّ وَفَقْدُهُ وَنِكَاحُهُ ... وَكَذَاكَ غَيْبَتُهُ مَسَافَةَ قَاصِرِ وَكَذَاكَ إغْمَاءٌ وَحَبْسٌ مَانِعٌ ... أَمَةً لِمَحْجُورٍ تَوَارِي الْقَادِرِ إحْرَامُهُ وَتَعَزُّزٌ مَعَ عَضْلِهِ ... إسْلَامُ أُمِّ الْفَرْعِ وَهِيَ لِكَافِرِ فَأَهْمَلَ النَّاظِمُ تَزْوِيجَ الْمَجْنُونَةِ الْبَالِغَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ عِنْدَ إغْمَاءِ الْوَلِيِّ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ) مِنْ الْوَلِيِّ (إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ) رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً (إلَى كُفْءٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 252 وَامْتَنَعَ وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ. فَصْلٌ لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ   [مغني المحتاج] وَامْتَنَعَ) الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهَا مِنْ كُفْءٍ، فَإِنْ دَعَتْهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَوْ دَعَتْ إلَى عِنِّينٍ أَوْ مَجْبُوبٍ بِالْبَاءِ لَزِمَهُ إجَابَتُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ كَانَ عَاضِلًا، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَعَتْهُ إلَى أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ مَجْنُونٍ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ لِنُقْصَانِ الْمَهْرِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ مَحْضُ حَقِّهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ نِكَاحِهَا فِي تَزْوِيجِ التَّحْلِيلِ، فَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ أَوْ لِقُوَّةِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى قَصْدِهِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِي تَزْوِيجِ الْحَاكِمِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِامْتِنَاعِهِ لَا يُعَدُّ عَاضِلًا. اهـ. . وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ: لَوْ طَلَبَتْ التَّزْوِيجَ بِرَجُلٍ وَادَّعَتْ كَفَاءَتَهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ رُفِعَ لِلْقَاضِي، فَإِنْ ثَبَتَتْ كَفَاءَتُهُ أَلْزَمَهُ تَزْوِيجُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ زَوَّجَهَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ فَلَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَضْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُزَوِّجَ بِأَنْ يُحْضِرَ الْوَلِيَّ وَالْخَاطِبَ وَالْمَرْأَةَ فَيَأْمُرَ الْحَاكِمُ الْوَلِيَّ بِالتَّزْوِيجِ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ أَوْ يَسْكُتُ أَوْ تُقَامُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِتَوَارٍ أَوْ تَعَزُّزٍ أَوْ غَيْبَةٍ لَا يُزَوِّجُ فِيهَا الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ: إذَا ظَهَرَتْ حَاجَةُ الْمَجْنُونَةِ إلَى النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ تَزْوِيجِهَا كَانَ عَاضِلًا فَتَرِدُ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفُ الْعَضْل فِيمَا ذَكَرَهُ (وَلَوْ عَيَّنَتْ) مُجْبَرَةٌ (كُفُؤًا وَأَرَادَ الْأَبُ) أَوْ الْجَدُّ الْمُجْبِرُ كُفْئًا (غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ نَظَرًا مِنْهَا، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ إجَابَتُهَا إعْفَافًا لَهَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الْمُجْبِرِ مَنْ عَيَّنَتْهُ جَزْمًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ تَزْوِيجِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا لَوْ عَيَّنَتْ كُفْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَزَوَّجَهَا مِنْ كُفْءٍ آخَرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَحَكَاهُ عَنْهُ فِي الْكِفَايَةِ. [فَصْلٌ مَوَانِع وِلَايَةِ النِّكَاحِ] فَصْلٌ فِي مَوَانِعِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ (لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ) قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مُبَعَّضٍ لِنَقْصِهِ فَأَمَةُ الْمُبَعَّضِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا بِلَا إذْنِ مَالِكِ بَعْضِهِ لَا يَجُوزُ، وَبَابُ التَّزْوِيجِ مُنْسَدٌّ عَلَيْهِ لِرِقِّهِ، وَلَوْ جَازَ التَّزْوِيجُ بِإِذْنِهِ لِكَوْنِهَا لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْضَهُ لَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ زَوَّجَهَا بِهِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ نَفْيُهُ الْوِلَايَةَ جَوَازَ كَوْنِ الرَّقِيقِ وَكِيلًا، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 253 وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ   [مغني المحتاج] كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ (وَ) لَا (صَبِيٍّ) لِسَلْبِ وِلَايَتِهِ (وَ) لَا (مَجْنُونٍ) فِي حَالَةِ جُنُونِهِ الْمُطْبِقِ، وَكَذَا إنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْوِلَايَةَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ، وَتَغْلِيبًا لِزَمَنِ الْجُنُونِ فِي الْمُتَقَطِّعِ فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ فِي زَمَنِ جُنُونِ الْأَقْرَبِ دُونَ إفَاقَتِهِ، وَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَبَقِيَ آثَارُ الْخَبَلِ كَحِدَّةِ خُلُقٍ لَمْ تُعَدْ وِلَايَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَعَلَّهُ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ جِدًّا فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، أَوْ قَصُرَ زَمَنُ الْجُنُونِ كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ لَمْ تُنْقَلْ الْوِلَايَةُ، بَلْ يُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ كَالْإِغْمَاءِ (وَ) لَا (مُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ) وَهُوَ كِبَرُ السِّنِّ (أَوْ خَبَلٍ) بِتَحْرِيكِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِهَا، وَهُوَ فَسَادٌ فِي الْعَقْلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ بِالْإِسْكَانِ مَصْدَرٌ، وَلَا فَرْقَ فِي الْخَبَلِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ لِعَجْزِهِ عَنْ اخْتِيَارِ الْأَكْفَاءِ، وَفِي مَعْنَاهُ: مَنْ شَغَلَتْهُ الْأَسْقَامُ وَالْآلَامُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: سُكُونُ الْأَلَمِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ إفَاقَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَإِذَا اُنْتُظِرَتْ الْإِفَاقَةُ فِي الْإِغْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ السُّكُونُ هُنَا، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْتِظَارِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ كَمَا فِي صُورَةِ الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بَاقِيَةٌ وَشِدَّةُ الْأَلَمِ الْمَانِعَةُ مِنْ النَّظَرِ كَالْغَيْبَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَهُ أَمَدٌ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَجُعِلَ مُرَادًا، بِخِلَافِ سُكُونِ الْأَلَمِ وَإِنْ اُحْتُمِلَ زَوَالُهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى صُورَةِ الْغَيْبَةِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى التَّزْوِيجِ مَعَهَا، وَلَا كَذَلِكَ مَعَ دَوَامِ الْأَلَمِ الْمَذْكُورِ (وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ أَوْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لَا وِلَايَةَ لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي: يَلِي؛ لِأَنَّهُ كَامِلُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ النِّكَاحِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَزُولَ وِلَايَتُهُ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا كَالرَّوْضَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ جَزَمَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالزَّوَالِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَتَوْكِيلُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فِي النِّكَاحِ كَتَوْكِيلِ الرَّقِيقِ فَيَصِحُّ فِي الْقَبُولِ دُونَ الْإِيجَابِ، وَخَرَجَ بِالسَّفَهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ مَرَضٍ فَإِنَّهُ يَلِي لِكَمَالِ نَظَرِهِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ (وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ) الْمَانِعَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 254 فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّامًا اُنْتُظِرَ، وَقِيلَ لِلْأَبْعَدِ. وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ. وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ   [مغني المحتاج] لِلْوِلَايَةِ (فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ) لِخُرُوجِ الْأَقْرَبِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فَأَشْبَهَ الْمَعْدُومَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ، حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ أَمَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ وَأَخٍ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا فِي الْوَلَاءِ لِلْحَاكِمِ. فَقَدْ نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ عَادَتْ الْوِلَايَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظَةُ مَتَى، وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذَا عَنْ ذِكْرِهِ الْفِسْقَ وَاخْتِلَافَ الدِّينِ لِيَعُودَ إلَيْهِمَا أَيْضًا، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ فِيهِمَا إلَى الْأَبْعَدِ، وَلَوْ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ فَادَّعَى الْأَقْرَبُ أَنَّهُ زَوَّجَ بَعْدَ تَأَهُّلِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمَا، وَالرُّجُوعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ غَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ فِيمَا لَوْ زَوَّجَهَا بَعْدَ تَأَهُّلِ الْأَقْرَبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْهُ (وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا) كَالْحَاصِلِ بِهَيَجَانِ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ (اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ) قَطْعًا كَالنَّائِمِ (وَإِنْ كَانَ يَدُومُ) يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ (أَيَّامًا اُنْتُظِرَ) أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبُ الزَّوَالِ كَالنَّوْمِ (وَقِيلَ) لَا تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ (لِلْأَبْعَدِ) كَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ بِلَا تَعَدٍّ فِي مَعْنَى الْإِغْمَاءِ، فَإِنْ دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ فِي زَمَنِ الْإِغْمَاءِ أَوْ السُّكْرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُزَوِّجُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُزَوِّجُهَا. (وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى) فِي وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ (فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَحْثِ وَالسَّمَاعِ، وَالثَّانِي: يَقْدَحُ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الشَّهَادَةِ فَأَشْبَهَ الصِّغَرَ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ شَهَادَتَهُ إنَّمَا رُدَّتْ لِتَعَذُّرِ التَّحَمُّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُقْبَلُ فِيمَا تَحَمَّلَ قَبْلَ الْعَمَى إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهَا، وَيَجِيءُ خِلَافُ الْأَعْمَى فِي الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمِ لِغَيْرِهِ مُرَادَهُ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي لَا يَخْتَصُّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُونَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ إنْ كَانَ كَاتِبًا تَكُونُ الْوِلَايَةُ لَهُ فَيُوَكِّلُ بِهَا مَنْ يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ أَوْ يُزَوِّجُهُ، وَهَذَا مُرَادُ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَأَسْقَطَهَا ابْنُ الْمُقْرِي نَظَرًا إلَى تَزْوِيجِهِ لَا إلَى وِلَايَتِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ. (وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ) غَيْرَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُجْبِرًا كَانَ أَوْ لَا، فُسِّقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 255 عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ لَا، أَعْلَنَ بِفِسْقِهِ أَوْ لَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) بَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ لِحَدِيثِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ. وَنَقَلَ ابْنُ دَاوُد عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ فِي الْحَدِيثِ الْعَدْلُ، وَلِأَنَّهُ نَقْصٌ يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَمْنَعُ الْوِلَايَةَ كَالرِّقِّ، وَلَا يُرَدُّ سَيِّدُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَمَا مَرَّ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ طَرِيقَةً، أَشْهَرُهَا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالْأَظْهَرِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَلِي، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَاتٌ؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبْعِيَّ أَقْوَى مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَوْ سَلَبَ الْوِلَايَةَ لَانْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ وُلِّيَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ، إذْ الْفِسْقُ قَدْ عَمَّ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالنَّصِّ وَالْحَدِيثِ، بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الْحَاكِمِ الْمَرْضِيِّ الْعَالِمِ الْأَهْلِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْجَهَلَةِ وَالْفُسَّاقِ فَكَالْعَدِمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْوَدِيعَةِ وَفِي غَيْرِهَا. اهـ. وَالْأَوْجَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ لِلضَّرُورَةِ، وَقَضَاؤُهُ نَافِذٌ. أَمَّا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ، فَعَلَيْهِ إنَّمَا يُزَوِّجُ بَنَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلِيٌّ غَيْرُهُ كَبَنَاتِ غَيْرِهِ، وَيُزَوِّجُ الْفَاسِقُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَضُرَّ بِهَا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 256 وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ.   [مغني المحتاج] وَيُحْتَمَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفِسْقُ يَتَحَقَّقُ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ، وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي اشْتِرَاطُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ عَدْلًا لِأَنَّ بَيْنهمَا وَاسِطَةً، فَإِنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى، وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ تِلْكَ الْمَلَكَةُ لَا عَدْلٌ وَلَا فَاسِقٌ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَسْتُورَ يَلِي، وَأَثْبَتَ غَيْرُهُمَا فِيهِ خِلَافًا، وَأَصْحَابُ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ يَلُونَ كَمَا رَجَّحَ فِي الرَّوْضَةِ انْقَطَعَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَةِ وَجْهَيْنِ، وَحَيْثُ مَنَعْنَا وِلَايَةَ الْفَاسِقِ، فَقَالَ الْبَغَوِيّ: إذَا تَابَ زَوَّجَ فِي الْحَالِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ نَحْوَهُ فِي الْعَضْلِ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي وَلِيِّ النِّكَاحِ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا قَبُولُ الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرِ فِيهَا الْعَدَالَةُ الْمُتَقَدِّمُ تَعْرِيفُهَا، وَالِاسْتِبْرَاءُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ بِالتَّزْوِيجِ فِي الْعَضْلِ زَالَ مَا لِأَجْلِهِ عَصَى وَفُسِّقَ قَطْعًا وَبِتَوْبَتِهِ عَنْ فِسْقٍ آخَرَ صَارَ مَسْتُورَ الْعَدَالَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: لَا يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ. (وَيَلِي) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ (الْكَافِرُ) الْأَصْلِيُّ (الْكَافِرَةَ) الْأَصْلِيَّةَ وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا، فَيُزَوِّجُ الْيَهُودِيُّ نَصْرَانِيَّةً، وَالنَّصْرَانِيُّ يَهُودِيَّةً كَالْإِرْثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] [الْأَنْفَال] . وَقَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالْإِرْثِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى ذِمِّيَّةٍ وَبِالْعَكْسِ، وَأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَمُرْتَكِبُ الْمُحَرَّمِ الْمُفَسِّقِ فِي دِينِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْكَافِرَةِ كَالْفَاسِقِ عِنْدَنَا فَلَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَيُزَوِّجُهَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ وِلَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَرْتَكِبْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَحْضُ وِلَايَةٍ عَلَى الْغَيْرِ، فَلَا يُؤَهَّلُ لَهَا الْكَافِرُ وَالْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يُرَاعِي حَظَّ مُوَلِّيَتِهِ يُرَاعِي حَظَّ نَفْسِهِ أَيْضًا فِي تَحْصِينِهَا وَدَفْعِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ، وَصُورَةُ وِلَايَةِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ: أَنْ يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ يَهُودِيَّةً فَيَجِيءُ لَهُ مِنْهَا بِنْتٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خُيِّرَتْ بَيْنَ دَيْنِ أَبِيهَا وَبَيْنَ دَيْنِ أُمِّهَا فَتَخْتَارُ دَيْنَ أُمِّهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الْكَافِرَةِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَ قَاضِيهِمْ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْكَافِرِ لِأَنَّ نِكَاحَ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ وَإِنْ صَدَرَ مِنْ قَاضِيهِمْ أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي مُطْلَقًا لَا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَا مُرْتَدَّةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَلَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِمِلْكٍ كَمَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي مُسْلِمَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ كَافِرٍ، وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا. نَعَمْ لِوَلِيِّ السَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ كَالسَّيِّدِ الْآتِي بَيَانُ حُكْمِهِ، وَلِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الْكَافِرَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَلِلْمُسْلِمِ تَوْكِيلُ نَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فِي قَبُولِ نَصْرَانِيَّةٍ لِأَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ نِكَاحَهَا لِأَنْفُسِهِمَا لَا فِي نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ، إذْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا نِكَاحُهَا بِحَالٍ بِخِلَافِ تَوْكِيلِهِمَا فِي طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 257 وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ، وَلَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ فِي الْأَصَحِّ، فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ، لَا الْأَبْعَدُ. قُلْت: وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ،   [مغني المحتاج] طَلَاقُهَا. وَيُتَصَوَّرُ بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسْلِمْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِإِسْلَامِهَا وَلَا طَلَاقَ، وَلِلنَّصْرَانِيِّ وَنَحْوِهِ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ فِي نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ لَا فِي نِكَاحِ مَجُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا بِحَالٍ، وَلِلْمُعْسِرِ تَوْكِيلُ الْمُوسِرِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْمُوسِرَ مِنْ أَهْلِ نِكَاحِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الْحَالِ لِمَعْنًى فِيهِ فَهُوَ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَكَّلَهُ رَجُلٌ لِيَقْبَلَ لَهُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ قَدْ مَرَّ أَكْثَرُهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ. (وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) مَنْ وُلِّيَ وَلَوْ حَاكِمًا أَوْ زَوْجٌ أَوْ وَكِيلٌ عَنْ أَحَدِهِمَا (أَوْ الزَّوْجَةِ) بِنُسُكٍ وَلَوْ فَاسِدًا (يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ) لِحَدِيثِ: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْكَافُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَضْمُومَةً فِي الثَّانِي (وَلَا يَنْقُلُ) الْإِحْرَامُ (الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ كَمَا يَمْنَعُهُ إحْرَامُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) يَرْجِعُ لِنَقْلِ الْوِلَايَةِ فَقَطْ، وَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا (فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ لَا الْأَبْعَدُ) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ مَعَ بَقَاءِ الْوِلَايَةِ لِبَقَاءِ الرُّشْدِ وَالنَّظَرِ، وَالثَّانِي يَنْقُلُ لِلْأَبْعَدِ كَالْجُنُونِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مُدَّةِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ طُولِهَا وَقِصَرِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي طَوِيلِهَا كَمَا فِي الْغَيْبَةِ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ الْحَلَالِ فِي النِّكَاحِ وَلَا إذْنُ الْمُحْرِمَةِ لِعَبْدِهَا فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَشَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كُلَّ مُحْرِمٍ حَتَّى الْإِمَامَ وَالْقَاضِيَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ أَنْ يَصِحَّ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمَا، وَيَجُوزُ أَنْ تُزَفَّ إلَى الْمُحْرِمِ زَوْجَتُهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَأَنْ تُزَفَّ الْمُحْرِمَةُ إلَى زَوْجِهَا الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ، وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ وَتَصِحُّ رَجْعَتُهُ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ كَالْإِمْسَاكِ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ: أَوْ الزَّوْجَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ الْحَلَالِ، أَوْ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ الْحَلَالِ فَعَقَدَ عَلَى ابْنِهِ أَوْ عَبْدِهِ جَبْرًا حَيْثُ نَوَاهُ، أَوْ بِإِذْنٍ سَابِقٍ لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (قُلْت) أَخَذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوْ الزَّوْجُ) بَعْدَ تَوْكِيلِهِ فِي التَّزْوِيجِ (فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ) الْعَقْدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 258 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ فَفَرْعُهُ أَوْلَى، وَأَيْضًا الْوَكِيلُ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ، فَكَأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 259 وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ،   [مغني المحتاج] الْعَاقِدَ هُوَ الْمُوَكِّلُ، وَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِإِحْرَامِ مُوَكِّلِهِ فَيَعْقِدُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَلَوْ عَقَدَ الْوَكِيلُ وَاخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ هَلْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ صُدِّقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ، وَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا فِي تَزْوِيجِهِ، أَوْ أَذِنَتْ مُحْرِمَةٌ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا صَحَّ، سَوَاءٌ أَقَالَ وَكِّلْ لِتُزَوَّجَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَمْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ دُونَ الْإِذْنِ، وَإِنْ شَرَطَ صُدُورَ الْعَقْدِ فِي الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ وَلَا الْإِذْنُ، وَلَوْ وَكَّلَ حَلَالٌ مُحْرِمًا لِيُوَكِّلَ حَلَالًا فِي التَّزْوِيجِ صَحَّ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ وَكِّلْ عَنْ نَفْسِك فَإِنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرُوا مِثْلَهُ فِيمَا إذَا وَكَّلَ الْوَلِيُّ الْمَرْأَةَ لِتُوَكِّلَ عَنْ نَفْسِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَوْجَهُ الصِّحَّةُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ أَهْلًا لِلتَّزْوِيجِ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ فِي ذَاتِهِ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ. اهـ. لَكِنَّ كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ مُطْلَقٌ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ التَّزْوِيجَ بِحَالِ الْإِحْرَامِ فَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِحَالِ الْإِحْرَامِ فَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُحْرِمُ لِلْحَلَالِ زَوِّجْنِي حَالَ إحْرَامِي فَلَمْ يَتَحَرَّرْ بَيْنَهُمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ. فَائِدَةٌ: لَوْ تَزَوَّجَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَنِكَاحُهُ، بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ لَوْ تَزَوَّجَ نَاسِيًا لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُحْرِمِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَعِبَارَةَ الْمُصَلِّي صَحِيحَةٌ. (وَلَوْ غَابَ) الْوَلِيُّ (الْأَقْرَبُ) نَسَبًا أَوْ وَلَاءً (إلَى مَرْحَلَتَيْنِ) وَلَا وَكِيلَ لَهُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ، أَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (زَوَّجَ السُّلْطَانُ) أَيْ سُلْطَانُ بَلَدِهَا أَوْ نَائِبُهُ لَا سُلْطَانُ غَيْرِ بَلَدِهَا وَلَا الْأَبْعَدُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ وَلِيٌّ وَالتَّزْوِيجُ حَقٌّ لَهُ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ نَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ، وَقِيلَ: يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 260 وَدُونَهُمَا لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ، وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ إنْ قَالَتْ لَهُ وَكِّلْ وَكَّلَ،   [مغني المحتاج] كَالْجُنُونِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَالْأَوْلَى: لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يُزَوِّجَ أَوْ يَسْتَأْذِنَهُ فَيُزَوِّجَ الْقَاضِي لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ (وَدُونَهُمَا) أَيْ الْمَرْحَلَتَيْنِ (لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِقِصَرِ الْمَسَافَةِ فَيُرَاجَعُ فَيَحْضُرُ أَوْ يُوَكِّلُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِيمًا. وَالثَّانِي: يُزَوِّجُ لِئَلَّا تَتَضَرَّرَ بِفَوَاتِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ كَالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَوْفٍ جَازَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ فِي سِجْنِ السُّلْطَانِ وَتَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ، وَيُزَوِّجُ الْقَاضِي أَيْضًا عَنْ الْمَفْقُودِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا حَيَاتُهُ، لِتَعَذُّرِ نِكَاحِهَا مِنْ جِهَتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا عَضَلَ، هَذَا إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا زَوَّجَهَا الْأَبْعَدُ، وَلِلْقَاضِي التَّعْوِيلُ عَلَى دَعْوَاهَا غَيْبَةَ وَلِيِّهَا، وَأَنَّهَا خَلِيَّةٌ عَنْ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا شَهَادَةُ مُطَّلِعٍ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ اسْتِحْبَابَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَلَحَّتْ فِي الْمُطَالَبَةِ وَرَأَى الْقَاضِي التَّأْخِيرَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا لَهُ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِلْأَنْكِحَةِ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا أَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ لِلْغَائِبِ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزَوِّجْهَا فِي الْغَيْبَةِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْيَمِينِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِدَعْوَى هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ؟ وَجْهَانِ وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ وَلِيِّهِ ثُمَّ قَدِمَ وَقَالَ: كُنْتُ زَوَّجْتُهَا فِي الْغَيْبَةِ قُدِّمَ نِكَاحُ الْحَاكِمِ، وَيُفَارَقُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدَ الْغَائِبِ لِدَيْنٍ عَلَيْهِ فَقَدِمَ وَادَّعَى بَيْعَهُ حَيْثُ يُقَدَّمُ بَيْعُ الْمَالِكِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِي النِّكَاحِ كَوَلِيٍّ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ فَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ ثُمَّ قَدِمَ وَادَّعَى سَبْقَهُ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ ثُمَّ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ سَبْقَهُ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَلِيُّ بَيِّنَةً بِسَبْقِهِ قَدَّمَ نِكَاحَهُ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةَ التَّفْصِيلِ فِي الْوَلِيَّيْنِ فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا (وَلِلْمُجْبِرِ) لِمُوَلِّيَتِهِ (التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ) مِنْهَا (بِغَيْرِ إذْنِهَا) كَمَا يُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا وَيَكْفِي سُكُوتُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي جَوَازِ تَوْكِيلِ الْمُجْبِرِ (تَعْيِينُ الزَّوْجِ) لِلْوَكِيلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْيِينَ فِي التَّوْكِيلِ فَيَمْلِكُ الْإِطْلَاقَ بِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ شَفَقَةٌ تَدْعُوهُ إلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ شَفَقَةَ الْوَلِيِّ تَدْعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِنَظَرِهِ وَاخْتِيَارِهِ (وَيَحْتَاطُ) حَتْمًا (الْوَكِيلُ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِالْكُفْءِ، وَلَا كُفْءَ مَعَ طَلَبِ أَكْفَأَ مِنْهُ، فَإِنْ زَوَّجَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ (وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ لِكَوْنِهَا ثَيِّبًا (إنْ قَالَتْ لَهُ: وَكِّلْ وَكَّلَ) يَتَنَاوَلُ كَلَامُهُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: الْأُولَى: قَالَتْ لَهُ: زَوِّجْ وَوَكِّلْ فَلَهُ الْأَمْرَانِ جَزْمًا. الثَّانِيَةُ: قَالَتْ لَهُ: وَكِّلْ وَسَكَتَتْ عَنْ التَّزْوِيجِ فَلَهُ التَّوْكِيلُ جَزْمًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 261 وَإِنْ نَهَتْهُ فَلَا، وَإِنْ قَالَتْ زَوِّجْنِي فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ،   [مغني المحتاج] بَلْ لَهُ ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ: أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ وَنَهَتْهُ عَنْ التَّزْوِيجِ بِنَفْسِهِ، ظَاهِرُهُ صِحَّةُ الْإِذْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْإِذْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْ الْوَلِيَّ وَرَدَّتْ التَّزْوِيجَ إلَى الْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَشْبَهَ التَّفْوِيضَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً (وَإِنْ) أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ، وَ (نَهَتْهُ) عَنْ التَّوْكِيلِ (فَلَا) يُوَكِّلُ، وَنَفَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ عَمَلًا بِإِذْنِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَوَّجُ بِالْإِذْنِ وَلَمْ تَأْذَنْ فِي تَزْوِيجِ الْوَكِيلِ بَلْ نَهَتْ عَنْهُ (وَإِنْ قَالَتْ) لَهُ (زَوِّجْنِي) سَاكِتَةً عَنْ التَّوْكِيلِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ (فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ مُتَصَرِّفٌ بِالْوِلَايَةِ فَأَشْبَهَ الْوَصِيَّ وَالْقَيِّمَ وَهُمَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ إذْنٍ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا نَائِبَانِ وَهُوَ وِلَايَتُهُ أَصْلِيَّةٌ بِالشَّرْعِ، وَإِذْنُهَا فِي التَّزْوِيجِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَقَدْ حَصَلَ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ فَلَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ كَالْوَكِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ لِلْوَكِيلِ، فَإِنْ عَيَّنَتْ فِي إذْنِهَا لِلْوَلِيِّ شَخْصًا وَجَبَ تَعْيِينُهُ لِلْوَكِيلِ فِي التَّوْكِيلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمُعَيَّنِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ التَّفْوِيضَ الْمُطْلَقَ مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مُعَيَّنٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الطِّفْلِ لِلْوَكِيلِ بِعْ مَالَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَبَاعَهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِفَسَادِ صِيغَةِ التَّفْوِيضِ (وَلَوْ وَكَّلَ) غَيْرُ الْمُجْبِرِ (قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ) التَّوْكِيلُ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُوَكِّلُ غَيْرَهُ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَلِي تَزْوِيجَهَا بِشَرْطِ الْإِذْنِ فَلَهُ تَفْوِيضُ مَالِهِ لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ إذْنِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِئْذَانَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ فَوَكَّلَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْفُضُولِيُّ وَكَانَ وَكِيلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ سِوَى الْحَاكِمِ وَأَمَرَ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهَا صَحَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِنَابَةَ الْحَاكِمِ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ تَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِخْلَافِ، وَلَوْ قَالَتْ لِلْقَاضِي: أَذِنْت لِأَخِي أَنْ يَزَوَّجَنِي، فَإِنْ عَضَلَ فَزَوِّجْنِي هَلْ يَصِحُّ الْإِذْنُ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْبُطْلَانُ، وَلَوْ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا ثُمَّ زَالَتْ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ قَبْلَ التَّزْوِيجِ هَلْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ أَوْ لَا؟ لَكِنْ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنٍ، الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ فِي النِّكَاحِ: تَزَوَّجْ لِي فُلَانَةَ مِنْ فُلَانٍ وَكَانَ فُلَانٌ وَلِيَّهَا لِفِسْقِ أَبِيهَا ثُمَّ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبِ، أَوْ قَالَ لَهُ زَوِّجْنِيهَا مِنْ أَبِيهَا فَمَاتَ الْأَبُ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ مَثَلًا هَلْ لِلْوَكِيلِ تَزْوِيجُهَا مِمَّنْ صَارَ وَلِيًّا؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْعُ (وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ) لِلزَّوْجِ (زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ) أَيْ زَيْدٍ مَثَلًا فَيُقْبَلُ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِنْتَ فُلَانٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى اسْمِ الْأَبِ، وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَتْ مُمَيَّزَةً بِذِكْرِ الْأَبِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ صِفَتَهَا وَيَرْفَعَ نَسَبَهَا إلَى أَنْ يَنْتَفِيَ الِاشْتِرَاكُ كَمَا يُؤْخَذْ مِنْ كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 262 وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا، فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ.   [مغني المحتاج] (وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْت بِنْتِي فُلَانًا) أَيْ مُوَكِّلَهُ (فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ) فَإِنْ تَرَكَ لَفْظَةَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: قَبِلْت وَلَمْ يَقُلْ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ وَالزَّوْجُ الْوَكَالَةَ، وَفِي الثَّانِيَةِ إذَا عَلِمَهَا الشُّهُودُ وَالْوَلِيُّ وَإِلَّا فَيَحْتَاجُ الْوَكِيلُ إلَى التَّصْرِيحِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ فَيَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ كَقَوْلِ وَكِيلِ الزَّوْجِ: قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْكَ لِفُلَانٍ فَيَقُولُ الْوَلِيُّ زَوَّجْتُهَا لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْجَوَازُ وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. . فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُك بِنْتِي فَقَالَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لِمُوَكِّلِي لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ، فَإِنْ قَالَ: قَبِلْت نِكَاحَهَا وَسَكَتَ انْعَقَدَ لَهُ، وَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْمُوَكِّلِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ هُنَا بِمَثَابَةِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ يَرِدُ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلَ لِلْمُوَكِّلِ وَالنِّكَاحُ يَرِدُ عَلَى الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ، وَإِنْكَارُ الْمُوَكِّلِ فِي نِكَاحِهِ لِلْوَكَالَةِ يُبْطِلُ النِّكَاحَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِوُقُوعِهِ لِلْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ: زَوَّجْت فُلَانَةَ فُلَانًا، فَيَقُولُ وَكِيلُ الزَّوْجِ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لَهُ وَلَوْ قَالَ وَكِيلُ الزَّوْجِ: قَبِلْت نِكَاحَ فُلَانَةَ مِنْك لِفُلَانٍ. فَقَالَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ: زَوَّجْتُهَا فُلَانًا صَحَّ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْقَبُولِ عَلَى الْإِيجَابِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ اقْتَصَرَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ عَلَى قَوْلِهِ: زَوَّجْتهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الْقَبُولِ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِابْنِهِ بِالْوِلَايَةِ فَلْيَقُلْ لَهُ الْوَلِيُّ: زَوَّجْت فُلَانَةَ بِابْنِك، فَيَقُولُ الْأَبُ: قَبِلْت نِكَاحَهَا لِابْنِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْكِيلِ بِقَبُولِ النِّكَاحِ أَوْ إيجَابِهِ ذِكْرُ الْمَهْرِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّوْجُ فَيَعْقِدُ لَهُ وَكِيلُهُ عَلَى مَنْ يُكَافِئُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا دُونَهُ، فَإِنْ عَقَدَ بِمَا فَوْقَهُ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ فِي الْخُلْعِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ جَزْمِهِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ عَقَدَ وَكِيلُ الْوَلِيِّ بِدُونِ مَا قَدَّرَ لَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ عَقَدَ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِأَكْثَرِ مِمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ الزَّوْجُ صَحَّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الْجَزْمِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْوَكِيلِ: زَوِّجْهَا بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ بِالْمَهْرِ فَلَمْ يَمْتَثِلْ لَمْ يَنْعَقِدْ تَزْوِيجُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلًا فَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَمْتَثِلْ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَيْعِ فِيهِمَا. وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمَرْأَةَ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ لَمْ يَصِفْهُ بَلْ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْتَ فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ عَامٌّ، وَمَا ذَكَرَ مُطْلَقٌ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى فَرْدٍ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 263 وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ، لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ. وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرَهُ إنْ تَعَيَّنَ إجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ فِي   [مغني المحتاج] يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ لِمَا فِي إلْزَامِ الزَّوْجِ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا كَذَلِكَ هِيَ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِعَبْدِك هَذَا مَثَلًا فَفَعَلَ صَحَّ وَمَلَكَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا. (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ) وَهُوَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ بِنَصْبِ الْمُجْبِرِ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا (تَزْوِيجُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ (مَجْنُونَةٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهَا (بَالِغَةٍ) مُحْتَاجَةٍ وَلَوْ ثَيِّبًا لِاكْتِسَابِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَرُبَّمَا كَانَ جُنُونُهَا لِشِدَّةِ الشَّبَقِ (وَمَجْنُونٍ) بَالِغٍ أَطْبَقَ جُنُونُهُ وَ (ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ) لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ رَغْبَتِهِ فِيهِ، إمَّا بِدَوَرَانِهِ حَوْلَ النِّسَاءِ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ أَوْ بِتَوَقُّعِ شِفَائِهِ بِالْوَطْءِ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ لِظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُمَا لَمْ يُزَوِّجْهُمَا حَتَّى يُفِيقَا وَيَأْذَنَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْبِكْرِ وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ يُزَوَّجَانِ بِكِبَرٍ لِحَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَزْوِيجَهَا يُفِيدُهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَتَزْوِيجَهُ يُغْرِمُهُ إيَّاهُمَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ إذْ وُجُودُ الْحَاجَةِ كَافٍ فِيهِمَا، وَلِذَا عَبَّرَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ بِمَا قُلْتُهُ، وَاعْتَذَرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبُلُوغَ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمَجْنُونَ بِالْبُلُوغِ لِدَلَالَةِ الْحَاجَةِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالِاحْتِبَاكِ وَهُوَ أَنْ يُحْذَفْ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ مَا أُثْبِتَ آخِرَهُ وَعَكْسُهُ فَحَذَفَ ظُهُورَ الْحَاجَةِ فِي الْمَجْنُونَةِ وَأَثْبَتَ الْبُلُوغَ فِيهَا وَحَذَفَ الْبُلُوغَ فِي الْمَجْنُونِ وَذَكَرَ الْحَاجَةَ فِيهِ، فَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران: 13] أَيْ مُؤْمِنَةٌ، {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: 13] أَيْ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ وَجَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ لَهُ وَهَذَا فِي لُزُومِهِ وَلَوْ احْتَاجَ مَجْنُونٌ إلَى مَنْ يَخْدِمَهُ وَلَيْسَ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِ، وَمُؤَنُ النِّكَاحِ أَخَفُّ مِنْ شِرَاءِ أَمَةٍ وَمُؤْنَتِهَا فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ نَصَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: الزَّوْجَةُ لَا يَلْزَمُهَا خِدْمَةُ زَوْجِهَا وَإِنْ وَعَدَتْ رُبَّمَا لَا تَفِي. أُجِيبَ بِأَنَّ طَبْعَهَا يَدْعُوهَا إلَى خِدْمَتِهِ وَالْوَازِعُ الطَّبَعِيُّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ وَ (لَا) يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ (صَغِيرَةٍ وَ) لَا (صَغِيرٍ) سَوَاءٌ أَكَانَا عَاقِلَيْنِ أَمْ مَجْنُونَيْنِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِي الْحَالِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ الثَّيِّبَ الْعَاقِلَةَ لَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ كَمَا مَرَّ. (وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ (وَغَيْرُهُ إنْ تَعَيَّنَ) كَأَخٍ وَاحِدٍ أَوْ عَمٍّ (إجَابَةُ) بِالرَّفْعِ (مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ) الْبَالِغَةِ إنْ دَعَتْ إلَى كُفْءٍ تَحْصِينًا لَهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ أَثِمَ كَالْقَاضِي أَوْ الشَّاهِدِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوْ الشَّهَادَةُ وَامْتَنَعَ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَلَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِتَزْوِيجِ الْحَاكِمِ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ) غَيْرُ الْمُجْبِرِ (كَإِخْوَةٍ) أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ (فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ) التَّزْوِيجَ (لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ) إلَيْهِ (فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 264 الْأَصَحِّ. وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ، فَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَآخَرُ عَمْرًا،   [مغني المحتاج] الْأَصَحِّ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّوَاكُلِ فَلَا يَعْفُوهَا، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِإِمْكَانِهِ بِغَيْرِهِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الشُّهُودِ إذَا طُلِبَ مِنْ بَعْضِهِمْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَقَضِيَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَصِيرُ بِالِامْتِنَاعِ عَاضِلًا فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يُزَوِّجُ مَعَ وُجُودِ وَلِيٍّ آخَرَ فِي دَرَجَةِ الْمُمْتَنِعِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ هُنَا بِإِذْنِهِمْ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُ مُدَّةُ الْمُرَاجَعَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. اهـ. وَمَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِلرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ إنَّمَا يُزَوِّجُ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْجَمِيعِ وَتَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ الْعَضْلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ. (وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ) مِنْ النَّسَبِ (فِي دَرَجَةٍ) وَرُتْبَةٍ كَإِخْوَةٍ أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ أَعْمَامٍ كَذَلِكَ وَأَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِانْفِرَادِهِ، أَوْ قَالَتْ: أَذِنْت فِي فُلَانٍ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُزَوِّجْنِي مِنْهُ (اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ) بِبَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِشَرَائِطِهِ وَبَعْدَهُ أَوْرَعُهُمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ وَأَحْرَصُ عَلَى طَلَبِ الْحَظِّ (وَ) بَعْدَهُ (أَسَنُّهُمْ) لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ (بِرِضَاهُمْ) أَيْ رِضَا الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ لِلْمَصْلَحَةِ لِتَجْتَمِعَ الْآرَاءُ وَلَا يَتَشَوَّشُ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْثَارِ بَعْضٍ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْمَفْضُولُ بِرِضَاهَا بِكُفْءٍ صَحَّ وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْبَاقِينَ أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَجْتَمِعُوا، وَلَوْ عَيَّنَتْ بَعْدَ إطْلَاقِ الْإِذْنِ وَاحِدًا لَمْ يَنْعَزِلْ الْبَاقُونَ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ لَمْ يُزَوِّجْ غَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَتْ: زَوِّجُونِي اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْأَصَحِّ، أَمَّا أَوْلِيَاءُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ بِوَكَالَةٍ، نَعَمْ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ كَالْأَقَارِبِ (فَإِنْ تَشَاحُّوا) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ: أَنَا أُزَوِّجُ وَلَمْ يَرْضَوْا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَاتَّحَدَ الْخَاطِبُ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ وُجُوبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ زَوَّجَ وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ، أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْخَاطِبُ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَإِنْ رَضِيَتْ بِالْجَمِيعِ أَمَرَ الْقَاضِي بِتَزْوِيجِهَا مِنْ الْأَصْلَحِ لَهَا مِنْهُمْ أَيْ بَعْدَ تَعْيِينِهِ، وَلَوْ أَذِنَتْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْقُضَاةِ عَلَى أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ بِتَزْوِيجِهَا فَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُزَوِّجُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُقْرَعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الِانْفِرَادِ وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهِ فَلْيُبَادِرْ إلَى التَّصَرُّفِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ، وَأَطْلَقَ ابْنُ كَجٍّ أَنَّ الَّذِي يُقْرِعُ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ السُّلْطَانُ. وَقَالَ ابْنُ دَاوُد: يُنْدَبُ أَنْ يُقْرِعَ السُّلْطَانُ، فَإِنْ أَقْرَعَ غَيْرُهُ جَازَ وَهَذَا أَوْجَهُ (فَلَوْ زَوَّجَ) هَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ (غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ) أَنْ يُزَوِّجَهَا (صَحَّ) تَزْوِيجُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْإِذْنِ فِيهِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِيَكُونَ لِلْقُرْعَةِ فَائِدَةٌ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا قَطْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمْ لَا سَلْبُ الْوِلَايَةِ عَمَّنْ لَمْ تَخْرُجْ لَهُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لِأَحَدِهِمْ مَا لَوْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَزَوَّجَ مَعَ التَّنَازُعِ قَبْلَ الْقُرْعَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُمَيِّزُ حَقَّ الْوِلَايَةِ بِغَيْرِهِ، وَبِقَوْلِهِ: وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ فَزَوَّجَ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا كَمَا مَرَّ (وَلَوْ) أَذِنَتْ لَهُمْ فِي التَّزْوِيجِ وَ (زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ) أَيْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي الدَّرَجَةِ (زَيْدًا) وَهُوَ كُفْءٌ (وَآخَرُ عَمْرًا) كَذَلِكَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 265 فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ فَبَاطِلَانِ، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ،   [مغني المحتاج] أَوْ أَذِنَتْ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ زَيْدٍ، وَالْآخَرُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ عَمْرٍو فَزَوَّجَاهَا أَوْ وَكَّلَ الْمُجْبِرُ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِزَيْدٍ، وَالْوَكِيلُ عَمْرًا أَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْ كُفْأَيْنِ، فَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ، شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصَادُقٍ مُعْتَبَرٍ (فَهُوَ الصَّحِيحُ) وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الْمَسْبُوقُ وَالْآخَرُ بَاطِلٌ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ وَقَعَا) أَيْ التَّزْوِيجَانِ (مَعًا) وَتَعَدَّدَ الْخَاطِبُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي ثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ) فِيهِمَا (فَبَاطِلَانِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْجَمْعَ مُمْتَنِعٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَتَعَيَّنَ بُطْلَانُهُمَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُمَا إنْ وَقَعَا مَعًا تَدَافَعَا أَوْ مُرَتَّبًا فَلَا اطِّلَاعَ عَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ إمْضَاءُ الْعَقْدِ لَغَا، إذْ الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ، فَإِنْ اتَّحَدَ الْخَاطِبُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنْ أَوْجَبَ كُلٌّ مِنْ الْوَلِيَّيْنِ لَهُ مَعًا صَحَّ وَيُقْبَلُ كُلٌّ مِنْ الْإِيجَابَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي: فَسَخْت السَّابِقَ مِنْهُمَا أَوْ يَأْمُرُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا بِالتَّطْلِيقِ لِيَكُونَ نِكَاحُهَا بَعْدُ عَلَى يَقِينِ الصِّحَّةِ، وَيُثْبِتُ لِلْقَاضِي هَذِهِ الْوِلَايَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ شَرَعَ فِي رَابِعِهَا بِقَوْلِهِ (وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا) أَيْ: التَّزْوِيجَيْنِ (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ) بِأَنْ آيِسَ مِنْ تَعْيِينِهِ وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ فَبَاطِلَانِ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) أَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي مَخْرَجٌ مِنْ نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْجُمُعَتَيْنِ: أَنَّهُ يُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فَإِنْ رُجِيَ مَعْرِفَتُهُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النِّكَاحَيْنِ يَبْطُلَانِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِيمَا إذَا عُلِمَ السَّبْقُ دُونَ السَّابِقِ وَعِنْدَ جَهْلِ السَّبْقِ وَالْمَعِيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْأَصَحُّ إنْ جَرَى فَسْخٌ مِنْ الْحَاكِمِ فُسِخَ بَاطِنًا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْعِوَضُ عَادَ إلَيْهَا الْمُعَوَّضُ كَالْبَائِعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخِ الْحَاكِمِ مِلْكًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، ثُمَّ شَرَعَ فِي خَامِسِهَا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ) بِالْآخَرِ (وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ) السَّابِقُ لِجَوَازِ التَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ فَيَمْتَنِعَانِ مِنْهَا، فَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَلَا تَنْكِحُ غَيْرَهُمَا إلَّا بِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُمَا بِأَنْ يُطَلِّقَاهَا أَوْ يَمُوتَا أَوْ يُطَلِّقَهَا أَحَدُهُمَا وَيَمُوتَ الْآخَرُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ مَوْتِ آخِرِهِمَا، وَلَا يُبَالَى بِطُولِ ضَرَرِهَا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ، وَاَلَّذِي انْقَطَعَ دَمُهَا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تَصْبِرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ مَعَ الضَّرَرِ، وَلَهَا طَلَبُ فَسْخِ نِكَاحِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِتَضَرُّرِهَا بِسَبَبِ التَّوَقُّفِ لِلْإِشْكَالِ كَالْعَيْبِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 266 فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ حُلِّفَتْ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَا كُفْأَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ كُفْأَيْنِ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ أَوْ أَحَدُهُمَا كُفْئًا فَنِكَاحُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ تَأَخَّرَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرْضَوْا بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ فَمَاتَ فِي مُدَّتِهِ أَحَدُهُمَا وُقِفَ مِنْ تَرِكَتِهِ مِيرَاثُ زَوْجَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَحِصَّتُهَا مِنْ الرُّبْعِ أَوْ الثُّمُنِ أَوْ مَاتَتْ هِيَ وُقِفَ مِيرَاثُ زَوْجٍ إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ، وَلَا يُطَالِبُ أَحَدُهُمَا بِالْمَهْرِ لِلْإِشْكَالِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِ مَهْرَيْنِ وَلَا إلَى قِسْمَةِ مَهْرٍ عَلَيْهِمَا، وَفِي مُطَالَبَتِهَا بِالنَّفَقَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لَا، لِعَدَمِ التَّمْكِينِ، وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ، وَحَبْسُهَا لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِمَا، وَعِنْدَ ابْنِ كَجٍّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ لِصُورَةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ النُّشُوزِ مَعَ حَبْسِهَا، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ، وَعَلَى الْوُجُوبِ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَعَيَّنَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَقَدْ اتَّفَقَا لَمْ يَرْجِعْ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إلَّا إذَا أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي، وَوَجَّهَهُ شَيْخِي بِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَاللَّازِمُ لِلشَّخْصِ لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ عِنْدَ اعْتِرَافِ الزَّوْجَيْنِ بِالْإِشْكَالِ (فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ) مِنْهُمَا عَلَيْهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَكُلٌّ كُفْءٌ كَمَا مَرَّ أَوْ عِنْدَ إسْقَاطِ الْكَفَاءَةِ (عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ) أَيْ سَبْقِ نِكَاحِهِ مُعَيَّنًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ حَقَّاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا لَمْ تُسْمَعْ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِسَبْقِهِ: أَيْ سَبْقِ نِكَاحِهِ مَا إذَا ادَّعَيَا عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ سَبْقَ أَحَدِ النِّكَاحَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ أَيْضًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّعِي. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُسْمَعُ لِلْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ أَيْ عَلَيْهَا كَمَا قَدَّرْته، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَيُفْهِمُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ عِلْمَهَا، وَخَرَجَ بِهِ دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَلَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَلَيْسَ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ، وَذِكْرُ الْحُرَّةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالزَّوْجَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِهِ أَيْضًا الدَّعْوَى عَلَى الْوَلِيِّ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ مُجْبِرًا سُمِعَتْ، وَيَحْلِفُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُقْبَلُ، ثُمَّ إنْ حَلَفَ فَلِلْمُدَّعِي مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الثَّيِّبِ أَيْضًا بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهَا، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَثَبَتَ نِكَاحُهُ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّتْ لَهُ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا حَلِفُ الْوَلِيِّ (فَإِنْ أَنْكَرَتْ) عِلْمَهَا بِهِ (حُلِّفَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهَا يَمِينٌ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمَا قَالَهُ الْجُورِيُّ عَنْ النَّصِّ. وَأَمَّا إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ فَسَيَأْتِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 267 وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَسَمَاعُ دَعْوَى الْآخَرِ، وَتَحْلِيفُهَا لَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: هَذَا لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو إنْ قُلْنَا نَعَمْ، فَنَعَمْ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينٌ وَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَوْ حَلَّفَهَا الْحَاضِرُ فَهَلْ لِلْغَائِبِ تَحْلِيفُهَا لِتَمَيُّزِ حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ وَاحِدَةٌ، وَجْهَانِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرْجِيحِ مَا مَرَّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا حَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ وَلَا تَارِيخَ الْعَقْدَيْنِ، فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ سَبْقَهُ تَعَيَّنَ الْحَلِفُ لِلثَّانِي وَأَجْرَى هَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ خَصْمَيْنِ يَدَّعِيَانِ شَيْئًا وَاحِدًا، وَإِذَا حَلَفَتْ لَهُمَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ، وَفِي بَقَاءِ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ كَمَا حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَرَّحَ كَغَيْرِهِ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ النِّكَاحَيْنِ، وَثَانِيهِمَا: نَعَمْ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا حَلَفَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّبْقِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي جَرَيَانَ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ التَّدَاعِي وَالتَّحَالُفِ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ رَبْطِ الدَّعْوَى بِهَا، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ، فَإِنْ رَدَّتْ عَلَيْهِمَا الْيَمِينَ فَحَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَقِيَ الْإِشْكَالُ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا كَمَا لَوْ اعْتَرَفَا بِالْإِشْكَالِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبَهْجَةِ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ ثَبَتَ نِكَاحُهُ، وَيَحْلِفَانِ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّهُمَا يَحْلِفَانِ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ (وَ) عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا (إنْ أَقَرَّتْ) بِالسَّبْقِ (لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ) مِنْهَا بِإِقْرَارِهَا، وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْخَرْسَاءِ وَشَبَهِهَا بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ بِسَبْقِ نِكَاحِ أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَالْحَالُ حَالُ الْإِشْكَالِ (وَ) أَمَّا (سَمَاعُ دَعْوَى) الزَّوْجِ (الْآخَرِ) عَلَيْهَا (وَتَحْلِيفُهَا لَهُ) فَإِنَّهُ (يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ) السَّابِقَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ (فِيمَنْ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ (قَالَ) فِي إقْرَارِهِ (هَذَا) الْمَالُ (لِزَيْدٍ) لَا (بَلْ) هُوَ (لِعَمْرٍو، هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو) وَهُوَ مَنْ وَضَعَ الْمُظْهَرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ (إنْ قُلْنَا نَعَمْ) أَيْ يَغْرَمُ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ هُنَاكَ (فَنَعَمْ) أَيْ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَلَهُ التَّحْلِيفُ رَجَاءَ أَنْ تُقِرَّ فَيُغَرِّمُهَا مَهْرَ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزَّوْجِيَّةُ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ غَرِمَتْ لَهُ مَهْرَ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا غُرْمَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَقَرَّتْ لَهُمَا مَعًا فَهُوَ لَغْوٌ. فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهَا لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَسْبِقْ نِكَاحَك إقْرَارٌ مِنْهَا لِلْآخَرِ إنْ اعْتَرَفَتْ قَبْلَهُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا، وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَا مَعًا، فَلَا تَكُونُ مُقِرَّةً بِسَبْقِ الْعَقْدِ الْآخَرِ. ثَانِيهُمَا: إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسَّبْقِ وَلَا لِعِلْمِهَا بِهِ وَادَّعَيَا عَلَيْهَا الزَّوْجِيَّةَ وَفَصَّلَا الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لَزِمَهَا الْحَلِفُ الْجَازِمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، وَلَا يَكْفِيهَا الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالسَّابِقِ، وَيَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ إنْ لَمْ تَعْلَمْ سَبْقَهُ وَعَدَمُ الْعِلْمِ يُجَوِّزُ لَهَا الْحَلِفَ الْجَازِمَ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي تَوَلِّي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 268 وَلَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْقَاضِي، فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي، نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ   [مغني المحتاج] طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ الَّذِي يَنْفَرِدُ بِهِ الْجَدُّ عَنْ الْأَبِ، فَقَالَ: (وَلَوْ تَوَلَّى) جَدٌّ (طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ كَالْبَيْعِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ لَا يَنْتَظِمُ، وَلِخَبَرِ: «كُلُّ نِكَاحٍ لَا يَحْضُرُهُ أَرْبَعَةٌ فَهُوَ سِفَاحٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. تَنْبِيهٌ: لِلْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ أَبُو الْوَلَدِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ، وَأَنْ يَكُونَ ابْنُ الِابْنِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ بِنْتُ الِابْنِ بِكْرًا أَوْ مَجْنُونَةً، فَاسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْطِ الثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ مُجْبِرًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فَلَا يَجُوزُ فِي بِنْتِ ابْنِهِ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ كَالْبَيْعِ وَأَوْلَى. وَقِيلَ: يَكْفِي الْإِيجَابُ، وَشَرَطَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَابْنُ مَعِينٍ فِي التَّنْقِيبِ أَنْ يَقُولَ وَقَبِلْت بِالْوَاوِ نِكَاحَهَا، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَصِحَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. اهـ. وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي رَأْيٌ مَرْجُوحٌ. . فُرُوعٌ: مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا إلَّا الْحَاكِمُ إذَا زَوَّجَهَا لِمَجْنُونٍ وَنَصَبَ مَنْ يَقْبَلُ وَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ وَبِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَزْوِيجَ مَجْنُونَةٍ بِمَجْنُونٍ لَا نَصَّ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَلَا يُحْتَمَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ غَيْرُهُ، وَلِلْعَمِّ تَزْوِيجُ بِنْتِ أَخِيهِ بِابْنِهِ الْبَالِغِ، وَلِابْنِ الْعَمِّ تَزْوِيجُ بِنْتِ عَمِّهِ بِابْنِهِ الْبَالِغِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بِابْنِهِ الطِّفْلِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَمْ يَحْضُرْهُ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ الْجُدُودَةِ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الصَّبْرُ إلَى بُلُوغِ الصَّبِيِّ فَيُقْبَلُ بَلْ يَقْبَلُ لَهُ أَبُوهُ وَالْحَاكِمُ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ كَالْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ، وَلَوْ تَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي تَزْوِيجِ عَبْدِهِ بِأَمَتِهِ إنْ قِيلَ لَهُ إجْبَارُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. (وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ) وَنَحْوُهُ كَمُعْتِقٍ وَعَصَبَتِهِ (نَفْسَهُ) وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ) لَهُ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ (فِي دَرَجَتِهِ) بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ شَقِيقًا وَلَهُ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ وَالْآخَرُ لِأَبٍ زَوَّجَهَا مِنْهُ الْأَوَّلُ، هَذَا إنْ وُجِدَ (فَإِنْ فُقِدَ) مَنْ فِي دَرَجَتِهِ حِسًّا أَوْ حُكْمًا كَأَنْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ شَقِيقًا وَمَعَهُ آخَرُ لِأَبٍ (فَالْقَاضِي) أَيْ قَاضِي بَلَدِهَا لَا قَاضِي بَلَدِهِ يُزَوِّجُهُ فِي الْأَصَحِّ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَلَا تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَلَوْ قَالَتْ لِابْنِ عَمِّهَا أَوْ لِمُعْتَقِهَا: زَوِّجْنِي مِنْ نَفْسِك زَوَّجَهُ الْقَاضِي بِهَذَا الْإِذْنِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لَا إنْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي مَنْ شِئْت أَوْ زَوِّجْنِي (فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) مُخْتَصًّا بِهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَلِّيهِ بِقَبُولِهِ لَهُ (زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ) كَالسُّلْطَانِ أَوْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ (مِنْ الْوُلَاةِ) فِي بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا إنْ كَانَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 269 أَوْ خَلِيفَتُهُ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكَّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ. فَصْلٌ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ صَحَّ،   [مغني المحتاج] الزَّوْجَةُ فِي عَمَلِ ذَلِكَ الْقَاضِي (أَوْ خَلِيفَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَهُ نَافِذٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ نُقِلَ عَنْ ابْنِ يَحْيَى الْبَلْخِيّ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، وَفَعَلَهُ حِينَ كَانَ قَاضِيًا بِدِمَشْقَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَزْوِيجِ الْقَاضِي الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَمَحْجُورَهُ فَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ كَمَا يُزَوَّجُ خَلِيفَةُ الْقَاضِي مِنْ الْقَاضِي (وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ) غَيْرِ الْجَدِّ (تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا) وَيَتَوَلَّى الطَّرَفُ الْآخَرِ (أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا) أَيْ وَاحِدٍ فِي الْإِيجَابِ وَآخَرَ فِي الْقَبُولِ فَيَتَوَلَّيَاهُ لَمْ يَجُزْ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ، بِخِلَافِ تَزْوِيجِ خَلِيفَةِ الْقَاضِي لَهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ بِالْوِلَايَةِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِانْعِقَادِهِ بِأَرْبَعَةٍ تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ الْجَدَّ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ يَجُوزُ لِأَنَّ لَهُ تَعَاطِيَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ فِعْلِ الشَّخْصِ لِشَيْءٍ جَوَازُ تَوْكِيلِهِ فِيهِ. نَعَمْ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحَّ. [فَصْلٌ الْكَفَاءَة الْمُعْتَبَرَة فِي النِّكَاحِ] فَصْلٌ فِي الْكَفَاءَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّكَاحِ دَفْعًا لِلْعَارِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، بَلْ هِيَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ وَالْوَلِيِّ فَلَهُمَا إسْقَاطُهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا (زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ) الْمُنْفَرِدُ كَأَبٍ أَوْ عَمٍّ (غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ) زَوَّجَهَا (بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ) كَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ (بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ) مِمَّنْ فِي دَرَجَتِهِ غَيْرَ كُفْءٍ (صَحَّ) التَّزْوِيجُ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ حَقُّهَا وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ رَضُوا بِإِسْقَاطِهَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ لَهُ فِي الْأُمِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ بَنَاتِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا أَحَدَ يُكَافِئُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 270 وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا   [مغني المحتاج] قَالَ السُّبْكِيُّ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ جَازَ لِلضَّرُورَةِ لِأَجْلِ نَسْلِهِنَّ وَمَا حَصَلَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ كَمَا جَازَ لِآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزْوِيجُ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ. اهـ. «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ بِنِكَاحِ أُسَامَةَ وَهُوَ مَوْلًى لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهِيَ هَالَةُ كَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ، وَهُوَ مَوْلًى لِلصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: " أَنَّ الْمِقْدَادَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَتْ قُرَشِيَّةً " وَالْمِقْدَادُ لَيْسَ بِقُرَشِيٍّ، وَفِيهِمَا أَيْضًا: " أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ زَوَّجَ سَالِمًا مَوْلَاهُ لِابْنَةِ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ". فَإِنْ قِيلَ: مَوَالِي قُرَيْشٍ أَكْفَاءٌ لَهُمْ. أُجِيب بِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْمَنْعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ بِرِضَاهَا مَا إذَا كَانَتْ مُجْبَرَةً وَاسْتُؤْذِنَتْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَسَكَتَتْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّشِيدَةُ وَالسَّفِيهَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ، فَإِذَا رَضِيَتْ السَّفِيهَةُ بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا هُوَ الْمَالُ خَاصَّةً فَلَا يَظْهَرُ لِسَفَهِهَا أَثَرٌ هُنَا، وَاسْتَثْنَى شَارِحُ التَّعْجِيزِ كَفَاءَةَ الْإِسْلَامِ فَلَا تَسْقُطُ بِالرِّضَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] [الْبَقَرَةُ] وَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ الْفَاسِقِ بِرِضَاهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَخَافُ مِنْ فَاحِشَةٍ أَوْ رِيبَةٍ، وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَوِينَ مِنْ زِيَادَةِ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَبْعَدَ لَا يَكُونُ وَلِيًّا مَعَ الْأَقْرَبِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ) غَيْرَ كُفْءٍ (بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ) ؛ إذْ لَا حَقَّ لَهُ الْآنَ فِي التَّزْوِيجِ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ وَلِيٌّ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ إلَّا أَنَّ الْأَقْرَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَبْعُدْ، وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْمُسْتَوِينَ لِيَخْرُجَ الْأَبْعَدُ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَبْعَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ لَكِنَّهُ يَلْحَقُهُ عَارٌ لِنَسَبِهِ فَلِمَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَنْتَشِرُ كَثِيرًا فَيَشُقُّ اعْتِبَارُ رِضَاهُمْ، وَلَا ضَابِطَ يُوقَفُ عِنْدَهُ، فَالْوَجْهُ قَصْرُهُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ (وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ) أَيْ الْمُسْتَوِينَ (بِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكُفْءِ (بِرِضَاهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 271 دُونَ رِضَاهُمْ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ، وَلَهُمْ الْفَسْخُ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَفِي الْأَظْهَرِ بَاطِلٌ، وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ، وَلِلصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ، وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ: سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ   [مغني المحتاج] دُونَ رِضَاهُمْ) أَيْ بَاقِي الْمُسْتَوِينَ (لَمْ يَصِحَّ) التَّزْوِيجُ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْكَفَاءَةِ فَاعْتُبِرَ رِضَاهُمْ كَرِضَا الْمَرْأَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَهَا بِمَنْ بِهِ جَبٌّ أَوْ عُنَّةٌ بِرِضَاهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الْبَاقِينَ بِذَلِكَ، وَمَا لَوْ رَضُوا بِتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ خَالَفَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَا الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِرِضَاهُمْ بِهِ أَوَّلًا وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَفِي مَعْنَى الْمُخْتَلِعِ الْفَاسِخُ وَالْمُطَلِّقُ رَجْعِيًّا إذَا أَعَادَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُطَلِّقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَفِي قَوْلٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (يَصِحُّ وَلَهُمْ الْفَسْخُ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَقْتَضِي الْخِيَارَ لَا الْبُطْلَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا (وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ) أَوْ الْجَدِّ (بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ) وَقَوْلُهُ (بِغَيْرِ رِضَاهَا) قَيْدٌ فِي الْبَالِغَةِ (فَفِي الْأَظْهَرِ) التَّزْوِيجُ الْمَذْكُورُ (بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْغِبْطَةِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِغَيْرِ الْغِبْطَةِ فَوَلِيُّ الْبُضْعِ أَوْلَى (وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ، وَلِلْبَالِغَةِ الْخِيَارُ) فِي الْحَالِ (وَلِلصَّغِيرَةِ) أَيْضًا (إذَا بَلَغَتْ) كَمَا مَرَّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَزْوِيجِ غَيْرِ الْمُجْبِرِ إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا (وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا) خَاصًّا (أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ) أَوْ نَائِبُهُ (بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ) تَزْوِيجُهُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ حَظٌّ فِي الْكَفَاءَةِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَالْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ شَاهِدٌ لَهُ وَلَا وَجْهٌ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِذَلِكَ خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ السَّابِقُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَهَا أُسَامَةَ بَلْ أَشَارَ عَلَيْهَا بِهِ وَلَا يَدْرِي مَنْ زَوَّجَهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ بِرِضَاهَا، وَلَوْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَلَكِنْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ لِغَيْبَتِهِ أَوْ عَضْلِهِ أَوْ إحْرَامِهِ فَلَا تُزَوَّجُ إلَّا مِنْ كُفْءٍ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ حَاضِرًا وَفِيهِ مَانِعٌ مِنْ فِسْقٍ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ بَعْدَهُ إلَّا السُّلْطَانُ فَزَوَّجَ السُّلْطَانُ مِنْ غَيْرِ كُفْءٌ بِرِضَاهَا فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ. وَلَمَّا اعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ فِي النِّكَاحِ، وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزَةُ لُغَةً: التَّسَاوِي وَالتَّعَادُلُ، وَشَرْعًا أَمْرٌ يُوجِبُ عَدَمُهُ عَارًا شَرَعَ فِي بَيَانِهَا، فَقَالَ: (وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ) أَيْ الصِّفَاتُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهَا لِيُعْتَبَرَ مِثْلُهَا فِي الزَّوْجِ خَمْسَةٌ: أَوَّلُهَا (سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ) فِي النِّكَاحِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ، فَمَنْ بِهِ بَعْضُهَا كَجُنُونٍ أَوْ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسَّلِيمَةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُ صُحْبَةَ مَنْ بِهِ بَعْضُهَا وَيَخْتَلُّ بِهَا مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَ بِهَا عَيْبٌ أَيْضًا فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 272 وَحُرِّيَّةٌ، فَالرَّقِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ، وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَنَسَبٌ، فَالْعَجَمِيُّ لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ، وَلَا غَيْرُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيَّةً، وَلَا غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ لَهُمَا،   [مغني المحتاج] كَفَاءَةَ اخْتَلَفَ الْعَيْبَانِ كَرَتْقَاءَ وَمَجْبُوبٍ أَوْ اتَّفَقَا كَأَبْرَصَ وَبَرْصَاءَ وَإِنْ كَانَ مَا بِهَا أَكْثَرُ وَأَفْحَشُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُهُ مِنْ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْعُنَّةَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهَا فِي الْكَفَاءَةِ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَإِطْلَاقُ الْجُمْهُورِ يُوَافِقُهُ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوُجِّهَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُبْنَى عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّحَقُّقِ، وَمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ لَا الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ، وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ الْعُيُوبَ الْمُنْفَرِدَةَ كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهُ الصُّورَةِ، وَقَالَ: هِيَ تَمْنَعُ الْكَفَاءَةَ عِنْدِي، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَهَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالتَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ خَاصَّةً دُونَ آبَائِهِمَا فَابْنُ الْأَبْرَصِ كُفْءٌ لِمَنْ أَبُوهَا سَلِيمٌ. ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْإِشْرَافِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ كُفْئًا لَهَا لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ (وَ) ثَانِيهَا (حُرِّيَّةٌ فَالرَّقِيقُ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ مُكَاتَبًا (لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ) وَلَوْ عَتِيقَةً لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِهِ وَتَتَضَرَّرُ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ، وَلِهَذَا خُيِّرَتْ بَرِيرَةُ لَمَّا عَتَقَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا وَكَانَ عَبْدًا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ الرَّقِيقُ كُفْئًا لِمُبَعَّضَةٍ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الذَّخَائِرِ، وَهَلْ الْمُبَعَّضُ كُفْءٌ لَهَا؟ . قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنْ اسْتَوَيَا أَوْ زَادَتْ حُرِّيَّتُهُ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا (وَالْعَتِيقُ) كُفْءٌ لِعَتِيقَةٍ وَ (لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ) لِنَقْصِهِ عَنْهَا، وَلَيْسَ مَنْ مَسَّ الرِّقُّ أَحَدَ آبَائِهِ أَوْ أَبًا أَقْرَبَ كُفْئًا لِخِلَافِهِ، وَالرِّقُّ فِي الْأُمَّهَاتِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّأْثِيرِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْعَتِيقِ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ لَا يُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ عُرْفٌ وَلَا دَلِيلٌ فَيَبْقَى التَّوَقُّفُ فِيهِ، وَقَدْ رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يَكُونَ مَنْ مَسَّهُ الرِّقُّ أَوْ مَسَّ أَحَدَ آبَائِهِ أَمِيرًا كَبِيرًا أَوْ مَلِكًا كَبِيرًا وَالْمَرْأَةُ دُونَهُ بِكَثِيرٍ بِحَيْثُ تَفْتَخِرُ بِهِ وَهِيَ حُرَّةُ الْأَصْلِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَ) ثَالِثُهَا (نَسَبٌ) بِأَنْ تُنْسَبَ الْمَرْأَةُ إلَى مَنْ تَشْرُفُ بِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْ يُنْسَبُ الزَّوْجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْتَخِرُ بِأَنْسَابِهَا أَتَمَّ الِافْتِخَارِ وَالِاعْتِبَارُ فِي النَّسَبِ بِالْآبَاءِ (فَالْعَجَمِيُّ) أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَرَبِيَّةً (لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ) أَبًا وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا أَعْجَمِيَّةً، لِأَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى الْعَرَبَ عَلَى غَيْرِهِمْ (وَلَا) أَيْ وَلَيْسَ (غَيْرُ قُرَشِيِّ) مِنْ الْعَرَبِ مُكَافِئًا (قُرَشِيَّةً) لِخَبَرِ: «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بَلَاغًا (وَلَا) أَيْ وَلَيْسَ (غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ) كُفْئًا (لَهُمَا) كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَنَوْفَلٍ وَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ لِهَاشِمٍ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ الْعَرَبِ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ» . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 273 وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَعِفَّةٌ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُطَّلِبِيَّ كُفْءٌ لِلْهَاشِمِيَّةِ وَعَكْسُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «نَحْنُ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ شَرِيفَةً. أَمَّا الشَّرِيفَةُ فَلَا يُكَافِئُهَا إلَّا شَرِيفٌ، وَالشَّرَفُ مُخْتَصٌّ بِأَوْلَادِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعَنْ أَبَوَيْهِمَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ ظَهِيرَةَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْحُرَّةِ، فَلَوْ نَكَحَ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ أَمَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِمَالِكِ أُمِّهَا فَلَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ رَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ غَيْرَ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ. وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمُقْتَضَى اعْتِبَارِ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ، فَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ بِأَنَّهُمْ أَكْفَاءُ، وَالْبَغْدَادِيُّونَ يَقُولُونَ بِالتَّفَاضُلِ فَتَفْضُلُ مُضَرُ عَلَى رَبِيعَةَ، وَعَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا هُوَ الْأَوْجَهُ؛ إذْ أَقَلُّ مَرَاتِبِ غَيْرِ قُرَيْشٍ مِنْ الْعَرَبِ أَنْ يَكُونُوا كَمَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَالْعَجَمِ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْعَرَبِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْحَضَرِ فَمَنْ ضَبَطَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ فَكَالْعَرَبِ وَإِلَّا فَكَالْعَجَمِ (وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ) الشَّرَفِ (النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ) قِيَاسًا عَلَيْهِمْ، فَالْفُرْسُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ» وَبَنُو إسْرَائِيلَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِبْطِ لِسَلَفِهِمْ وَكَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّانِي: لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَنُونَ بِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَلَا يُدَوِّنُونَهَا بِخِلَافِ الْعَرَبِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ نَقْلًا وَمَعْنًى وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَالِاعْتِبَارُ بِالْأَبِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا أَثَرَ لِلْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً، وَلَا يُكَافِئُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَجْدَادِهِ الْأَقْرَبِينَ أَقْدَمَ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا أَبٌ أَوْ أَكْثَرَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ كُفْئًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ آبَاءٍ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يَكُونُ كُفْئًا لِبَنَاتِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا زَلَلٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كُفْئًا لَهُنَّ، وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْآبَاءِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ غَيْرِ الشَّرِيفِ أَفْضَلَ مِنْ ابْنِ الشَّرِيفِ، وَلَيْسَ كُفْئًا لَهُ (وَ) رَابِعُهَا (عِفَّةٌ) وَهِيَ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَالْكَفُّ عَمَّا لَا يَحِلُّ (فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ) لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] [السَّجْدَةَ] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] [النُّورُ] الْآيَةَ، هَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأُولَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، وَالثَّانِيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَالْمُبْتَدِعُ مَعَ السُّنِّيَّةِ كَالْفَاسِقِ مَعَ الْعَفِيفَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 274 وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ، لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ، وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالِمٍ وَقَاضٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أُمُورًا: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْوَصْفِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْكَافِرُ الْفَاسِقُ فِي دِينِهِ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ فِي دِينِهَا وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ. ثَانِيهَا: أَنَّ الْفَاسِقَ كُفْءٌ لِلْفَاسِقَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدَ زِيَادَةِ الْفِسْقِ وَاخْتِلَافِ نَوْعِهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا فِي الْعُيُوبِ. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفِسْقَ بِالْقَتْلِ وَالسُّكْرِ لَيْسَ فِي تَعَدِّي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّفْرَةِ كَالْعُقُوقِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. ثَالِثُهَا: أَنَّ غَيْرَ الْفَاسِقِ كُفْءٌ لَهَا سَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْمَسْتُورُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ. رَابِعُهَا: أَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَفَافَ يُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَيْنِ لَا فِي آبَائِهِمَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (وَ) خَامِسُهَا (حِرْفَةٌ) وَهِيَ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي فَائِقِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ: صِنَاعَةٌ يُرْتَزَقُ مِنْهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَرِفُ إلَيْهَا (فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ) بِالْهَمْزَةِ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَضَبَطَهَا الْإِمَامُ بِمَا دَلَّتْ مُلَابَسَتُهَا عَلَى انْحِطَاطِ الْمُرُوءَةِ وَسُقُوطِ النَّفْسِ كَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ (لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ) وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: 71] [النَّحْلُ] أَيْ فِي سَبَبِهِ فَبَعْضُهُمْ يَصِلُ إلَيْهِ بِعِزٍّ وَرَاحَةٍ، وَبَعْضُهُمْ بِذُلٍّ وَمَشَقَّةٍ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] [الشُّعَرَاء] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانُوا حَاكَةً وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ (فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ الْحَمَّامِ) وَنَحْوُهُمْ كَحَائِكٍ (لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْفَاءٌ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ) بِنْتَ (بَزَّازٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كُفْءٌ لِلْآخَرِ وَلَمْ أَرَ أَيْضًا مَنْ ذَكَرَهُ (وَلَا هُمَا) أَيْ التَّاجِرُ وَالْبَزَّازُ (بِنْتَ عَالِمٍ وَ) بِنْتَ (قَاضٍ) نَظَرًا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ مَنْ أَبُوهَا بَزَّازٌ أَوْ عَطَّارٌ لَا يُكَافِئُهَا مَنْ أَبُوهُ حَجَّامٌ أَوْ بَيْطَارٌ أَوْ دَبَّاغٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِذَا نَظَرْت إلَى حِرْفَةِ الْأَبِ فَقِيَاسُهُ النَّظَرُ إلَى حِرْفَةِ الْأُمِّ أَيْضًا، فَإِنَّ ابْنَ الْمُغَنِّيَةِ أَوْ الْحَمَّامِيَّةِ وَنَحْوِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْئًا لِمَنْ لَيْسَتْ أُمُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الْعُرْفِ وَعَارٌ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ النَّظَرِ إلَى الْأُمِّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ تُرَاعَى الْعَادَةُ فِي الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ، فَإِنَّ الزِّرَاعَةَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ أَوْلَى مِنْ التِّجَارَةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالْعَكْسِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَحْوَهُ أَيْضًا، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَخْذُ بِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى اعْتِبَارِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبْرَةُ بِالْعَالِمِ الصَّالِحِ أَوْ الْمَسْتُورِ دُونَ الْفَاسِقِ. وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ أَهْلًا فَعَالِمٌ وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ وَغَالِبٌ فِي الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا نَجِدُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَفِي النَّظَرِ إلَيْهِ نَظَرٌ. اهـ. بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتَوَقَّفَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَإِذَا شُكَّ فِي الشَّرَفِ وَالدَّنَاءَةِ أَوْ الشَّرِيفِ وَالْأَشْرَفِ، أَوْ الدَّنِيءِ وَالْأَدْنَى، فَالْمَرْجِعُ عَادَةُ الْبَلَدِ، وَالْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ وَالْفِسْقُ فِي الْآبَاءِ. قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 275 وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ،   [مغني المحتاج] الشَّيْخَانِ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَالُ مَنْ كَانَ أَبُوهُ صَاحِبَ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ أَوْ مَشْهُورًا بِالْفِسْقِ مَعَ مَنْ أَبُوهَا عَدْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ مَعَ مَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْحَقُّ أَنْ يُجْعَلَ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْآبَاءِ دِينًا وَسِيرَةً وَحِرْفَةً مِنْ خَيْرِ النَّسَبِ. فَإِنَّ تَفَاخُرَ الْآبَاءِ هِيَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا أَمْرُ النَّسَبِ، وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْهَرَوِيُّ فِي أَشْرَافِهِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمَا ذَكَرَ كَوَلَدِ الْأَبْرَصِ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَلَدِ الْأَبْرَصِ أَيْضًا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعَدُّ الرَّعْيُ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ صِفَةَ مَدْحٍ لِغَيْرِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ فَقْدَ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُعْجِزَةٌ فَتَكُونُ صِفَةَ مَدْحٍ فِي حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَتْنِ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ جَزْمًا. وَأَشَارَ لِمَا فِيهِ الْخِلَافُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ) فِي خِصَالِ الْكَفَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ظِلٌّ زَائِلٌ، وَحَالٌ حَائِلٌ، وَمَالٌ مَائِلٌ، وَلَا يَفْتَخِرُ بِهِ أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ وَالْبَصَائِرِ. وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُنْفِقْ عَلَى الْوَلَدِ وَتَتَضَرَّرُ هِيَ بِنَفَقَتِهِ عَلَيْهَا نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ» . وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَنَقْلًا وَبَسَطَ ذَلِكَ، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ زَوَّجَ الْوَلِيُّ بِالْإِجْبَارِ مُعْسِرًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْيَسَارِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ لِأَنَّهُ بَخَسَهَا حَقَّهَا فَهُوَ كَتَزْوِيجِهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا الْجَمَالُ وَالْبَلَدُ وَلَا السَّلَامَةُ مِنْ عَيْبٍ آخَرَ مُنَفِّرٍ كَالْعَمَى وَالْقَطْعِ وَتَشَوُّهُ الصُّورَةِ، وَإِنْ اعْتَبَرَهَا الرُّويَانِيُّ، وَصَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَوْنَ الْجَاهِلِ كُفْئًا لِلْعَالِمَةِ، وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَرَدَّ عَلَى تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْمُصَنِّفُ يَرَى اعْتِبَارَ الْعِلْمِ فِي الْأَبِ فَاعْتِبَارُهُ فِي نَفْسِ الْمَرْأَةِ أَوْلَى. اهـ. وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ ابْنُ الْمُقْرِي مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ رَوْضِهِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ الْبُخْلُ وَالْكَرَمُ وَالطُّولُ وَالْقِصَرُ مُعْتَبَرًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيمَا إذَا أَفْرَطَ الْقِصَرُ فِي الرَّجُلِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ تُعَيَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ. اهـ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: شَرَفُ النَّسَبِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ: إحْدَاهَا: الِانْتِهَاءُ إلَى شَجَرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُعَادِلَهُ شَيْءٌ. الثَّانِيَةِ: الِانْتِمَاءُ إلَى الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -، وَبِهِمْ رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى حِفْظَ الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. وَالثَّالِثَةُ: الِانْتِمَاءُ إلَى أَهْلِ الصَّلَاحِ الْمَشْهُورِ وَالتَّقْوَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] [الْكَهْفُ] قَالَا: وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْتِسَابِ إلَى عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَالظَّلَمَةِ الْمُسْتَوْلِينَ عَلَى الرِّقَابِ، وَإِنْ تَفَاخَرَ النَّاسُ بِهِمْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَلَامُ النَّقَلَةِ لَا يُسَاعِدُهُمَا عَلَيْهِ فِي عُظَمَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَيْفُ لَا يُعْتَبَرُ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِمْرَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا أَنْ تَكُونَ كَالْحِرْفَةِ، وَذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ لَا يُكَافِئُ النَّفِيسَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 276 وَأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً، وَكَذَا مَعِيبَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَجُوزُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ فِي الْأَصَحِّ. فَصْلٌ لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ صَغِيرٌ   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ هَلْ هُوَ كُفْءٌ لِلرَّشِيدَةِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ غَالِبًا بِالْحَجْرِ عَلَى الزَّوْجِ، فِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ ... فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ (لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ) أَيْ لَا تُجْبَرُ نَقِيصَةٌ بِفَضِيلَةٍ فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ عَجَمِيَّةٌ بِرَقِيقٍ عَرَبِيٍّ، وَلَا سَلِيمَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ دَنِيئَةٌ بِمَعِيبٍ نَسِيبٍ، وَلَا حُرَّةٌ فَاسِقَةٌ بِعَبْدٍ عَفِيفٍ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْأَبِ (تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً) لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْعَنَتِ الْمُعْتَبَرِ فِي نِكَاحِهَا بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِهَا بِشَرْطِهِ (وَكَذَا مَعِيبَةً) بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَالْبَرْصَاءِ لَا يُزَوِّجُهُ بِهَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْغِبْطَةِ، وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ فِي تَزْوِيجِهِ الرَّتْقَاءَ وَالْقَرْنَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالًا فِي بُضْعٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ مَجْبُوبًا، وَإِنْ زُوِّجَ الْمَجْنُونُ، أَوْ الصَّغِيرُ عَجُوزًا، أَوْ عَمْيَاءَ، أَوْ قُطَعَاءَ، أَوْ الصَّغِيرَةُ بِهَرِمٍ، أَوْ أَعْمَى أَوْ أَقْطَعَ فَوَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوِّجُهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ بَلْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْكَفَاءَةِ تَصْحِيحُ الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهَا إنَّمَا يُزَوِّجُهَا بِالْإِجْبَارِ مِنْ الْكُفْءِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ كُفْءٌ فَالْمَأْخَذُ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا مُخْتَلِفٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي شُرُوطِ الْإِجْبَارِ (وَيَجُوزُ) لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الصَّغِيرَ (مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَاقِي الْخِصَالِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ كَنَسَبٍ وَحِرْفَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعَيَّرُ بِافْتِرَاشِ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ، نَعَمْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَدْ صَرَّحَا بِهِ أَوَّلَ الْخِيَارِ حَيْثُ قَالَا: وَلَوْ زُوِّجَ الصَّغِيرُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ وَصَحَّحْنَاهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا بَلَغَ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ غِبْطَةٌ. [فَصْلٌ تَزْوِيج الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ] فَصْلٌ فِي تَزْوِيجِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (لَا يُزَوَّجُ) عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ (مَجْنُونٌ) وَلَا مُخْتَلٌّ وَهُوَ مَنْ فِي عَقْلِهِ خَلَلٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا مُبَرْسَمٌ (صَغِيرٌ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَدْرِي كَيْفَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَاجَتُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 277 وَكَذَا كَبِيرٌ إلَّا لِحَاجَةٍ فَوَاحِدَةً، وَلَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ وَسَوَاءٌ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَجَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَكَذَا) لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ وَمُخْتَلٌّ مُبَرْسَمٌ (كَبِيرٌ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلَهُ (إلَّا لِحَاجَةٍ) لِلنِّكَاحِ حَاصِلَةٍ حَالًا كَأَنْ تَظْهَرَ رَغْبَتُهُ فِي النِّسَاءِ بِدَوَرَانِهِ حَوْلَهُنَّ وَتَعَلُّقِهِ بِهِنَّ أَوْ مَآلًا كَتَوَقُّعِ شِفَائِهِ بِاسْتِفْرَاغِ مَائِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ بِذَلِكَ أَوْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَتَعَهَّدُهُ وَلَا يَجِدُ فِي مَحَارِمِهِ مَنْ يَحْصُلَ بِهِ ذَلِكَ، وَتَكُونُ مُؤْنَةُ النِّكَاحِ أَخَفَّ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ، وَتَقَدَّمَ اسْتِشْكَالُ الرَّافِعِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ (فَوَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ يُزَوِّجُهُ الْأَبُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ السُّلْطَانُ دُونَ سَائِرِ الْعَصَبَاتِ كَوِلَايَةِ الْمَالِ وَاحِدَةً، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ فَوَاحِدَةٌ يَتَزَوَّجُهَا تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُعَضِّدُهُ نَصُّ الْأُمِّ، لَكِنْ فِي الشَّامِلِ فِي الْوَصَايَا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ وَالسَّفِيهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمَا. قَالَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ فِي الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الْمَالِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ زِيدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ، كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السَّفِيهِ، وَقَدْ لَا تَكْفِي الْوَاحِدَةُ أَيْضًا لِلْخِدْمَةِ فَيُزَادُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، هَذَا إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا، فَإِنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ جُنَّ بُنِيَ عَلَى عَوْدِ الْوِلَايَةِ إلَى الْأَبِ إنْ قُلْنَا: تَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ زَوَّجَهُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا لَمْ يُزَوَّجْ حَتَّى يُفِيقَ وَيَأْذَنَ، وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، فَلَوْ جُنَّ قَبْلَهُ بَطَلَ إذْنُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُرَاجَعَةُ الْأَقْرَبِ فِي تَزْوِيجِ السُّلْطَانِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْمَجْنُونَةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ مَعَ مَزِيدِ بَيَانٍ (وَلَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ لَا وَصِيٍّ وَقَاضٍ (تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ) غَيْرِ مَمْسُوحٍ (أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) وَلَوْ أَرْبَعًا إنْ رَآهُ الْوَلِيُّ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ بِالْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ. أَمَّا الصَّغِيرُ الْمَمْسُوحُ فَفِي تَزْوِيجِهِ الْخِلَافُ فِي الصَّغِيرِ الْمَجْنُونِ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ (وَيُزَوِّجُ الْمَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ) لِأَنَّهُ لَا يُرْجَى لَهَا حَالَةٌ تُسْتَأْذَنُ فِيهَا وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِجْبَارِ فِي الْجُمْلَةِ (إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ) فِي تَزْوِيجِهَا (وَلَا تُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ) قَطْعًا لِإِفَادَتِهَا الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (وَسَوَاءٌ) فِي جَوَازِ التَّزْوِيجِ (صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ) جُنَّتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا مَرَّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ مُحْتَاجَةٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لِلْمَجْنُونَةِ (أَبٌ أَوْ جَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا) ؛ إذْ لَا إجْبَارَ لِغَيْرِهِمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا فِي الْحَالِ (فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ كَمَا يَلِي مِنْ مَالِهَا لَكِنْ بِمُرَاجَعَةِ أَقَارِبِهَا نَدْبًا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِمَصْلَحَتِهَا، وَمِنْ هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: يُرَاجِعُ الْجَمِيعَ حَتَّى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 278 لِلْحَاجَةِ، لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَعَيَّنَ امْرَأَةً لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا، وَيَنْكِحْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ   [مغني المحتاج] الْأَخَ وَالْعَمَّ لِلْأُمِّ وَالْخَالَ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْمُرَاجَعَةُ. قَالَ: وَعَلَيْهِ يُرَاجِعُ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَوْ لَمْ يَكُنْ جُنُونٌ، وَالثَّانِي: يُزَوِّجُهَا الْقَرِيبُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ إذْنِهَا وَتُزَوَّجُ (لِلْحَاجَةِ) لِلنِّكَاحِ بِظُهُورِ عَلَامَةِ شَهْوَتِهَا أَوْ تَوَقُّعِ شِفَائِهَا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا يَقَعُ إجْبَارًا، وَغَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَمْلِكُ الْإِجْبَارَ، وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ لِلْحَاجَةِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ الضَّرُورَةِ (لَا لِمَصْلَحَةٍ) كَتَوَفُّرِ الْمُؤَنِ فَلَا يُزَوِّجُهَا لِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: نَعَمْ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِذَا أَفَاقَتْ الْمَجْنُونَةُ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا لَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَهَا كَالْحُكْمِ لَهَا وَعَلَيْهَا (وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ) حِسًّا (بِسَفَهٍ) بِأَنْ بَذَّرَ فِي مَالِهِ، أَوْ حُكْمًا كَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَهُوَ السَّفِيهُ الْمُهْمَلُ (لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ) لِئَلَّا يَفْنَى مَالُهُ فِي مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْوَلِيِّ كَمَا قَالَ (بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَالِهِ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِذْنِ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُهُ بِالْإِذْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَهَلْ كَانَ نِكَاحُهُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْحَجْرِ حِفْظُ مَالِهِ دُونَ نِكَاحِهِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ إزَالَةُ مِلْكِهِ فِي الْأَمْوَالِ بِإِذْنٍ وَلَا بِغَيْرِ إذْنٍ بِالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ، وَيَصِحُّ مِنْهُ إزَالَةُ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ. أَمَّا مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ حَاكِمٍ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُسَمَّى أَيْضًا سَفِيهًا مُهْمَلًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ظُهُورُ الْأَمَارَةِ لَا قَوْلُهُ أَنَا مُحْتَاجٌ (أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ) بِإِذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ وَالْإِذْنِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَوَّجُ لِحَاجَةِ النِّكَاحِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ تُعِفَّهُ زِيدَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْفَافُ كَمَا مَرَّ فِي الْمَجْنُونِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ إنْ بَلَغَ سَفِيهًا، وَالْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبَهُ إنْ بَلَغَ رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ السَّفَهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَة الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلِي التَّزْوِيجَ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ، لَكِنْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصَايَا بِأَنَّهُ يَلِي التَّزْوِيجَ بَعْدَ الْجَدِّ قَبْلَ الْحَاكِمِ، وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ ثَمَّ، وَصَحَّحَ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ. قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافِ نَصٍّ بَلْ نَصُّهُ عَلَى أَنَّهُ يُزَوِّجُهُ مَحْمُولٌ عَلَى وَصِيٍّ فُوِّضَ إلَيْهِ التَّزْوِيجُ (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ الْوَلِيُّ (وَعَيَّنَ امْرَأَةً) بِشَخْصِهَا أَوْ نَوْعِهَا كَتَزَوَّجْ فُلَانَةَ أَوْ مِنْ بَنِي فُلَانٍ (لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا) لِأَنَّ الْإِذْنَ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَلَا يَنْكِحُ غَيْرَهَا وَإِنْ سَاوَتْهَا فِي الْمَهْرِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَحِقَهُ مَغَارِمُ فِيهَا. أَمَّا لَوْ كَانَتْ خَيْرًا مِنْ الْمُعَيَّنَةِ نَسَبًا وَجَمَالًا وَدِينًا وَدُونَهَا مَهْرًا وَنَفَقَةً، فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ عَيَّنَ مَهْرًا فَنَكَحَ بِدُونِهِ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ) ل (يَنْكِحُهَا) أَيْ الْمُعَيَّنَةَ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا (أَوْ أَقَلَّ) لِأَنَّهُ حَصَلَ لِنَفْسِهِ خَيْرًا (فَإِنْ زَادَ) عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (فَالْمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ) لِأَنَّ خَلَلَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ. وَالثَّانِي: وَهُوَ مُخْرَجٌ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِلْمُخَالَفَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 279 بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ الْمُسَمَّى، وَلَوْ قَالَ انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مَنْ تَلِيقُ بِهِ،   [مغني المحتاج] (بِمَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ بِقَدْرِهِ (مِنْ الْمُسَمَّى) الْمُعَيَّنِ مِمَّا عَيَّنَهُ الْوَلِيُّ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَمْهِرْ مِنْ هَذَا فَأَمْهَرَ مِنْهُ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَيَلْغُو الزَّائِدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ سَفِيهٍ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ: أَيْ فِي الذِّمَّةِ. اهـ. وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ الطِّفْلُ بِفَوْقِ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ فَقَصَرَ الْإِلْغَاءُ عَلَى الزَّائِدِ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ (وَلَوْ قَالَ) لَهُ الْوَلِيُّ (انْكِحْ بِأَلْفٍ) فَقَطْ (وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً) وَلَا قَبِيلَةً (نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى إذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ مَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ مَمْنُوعَةٌ، فَإِذَا نَكَحَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَغَا الزَّائِدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ وَتَبَرُّعُهُ لَا يَصِحُّ، فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي رَشِيدَةٍ رَضِيَتْ بِالْمُسَمَّى دُونَ غَيْرِهَا، وَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ بَطَلَ إنْ كَانَ الْأَلْفُ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إذْ لَا إذْنَ فِي الزَّائِدِ وَالرَّدُّ لِلْقَدْرِ يَضُرُّ بِهَا، وَالْأَصَحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ نَكَحَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ نُظِرَتْ إنْ كَانَ الْأَلْفُ مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ صَحَّ بِالْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِلَّا فَبِالْمُسَمَّى (وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ) بِأَنْ قَالَ: انْكِحْ وَلَمْ يُعَيِّنْ امْرَأَةً وَلَا قَدْرًا (فَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ (صِحَّتُهُ) كَمَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَهْرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقَبِيلَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَنْكِحَ شَرِيفَةً فَيَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ، وَدَفَعَ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ (مَنْ تَلِيقُ بِهِ) فَلَوْ نَكَحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَالَهُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهَلْ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ يَسْتَغْرِقُ مَهْرُهَا مَالَهُ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي أَوَائِلِ الصَّدَاقِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْمَجْنُونِ لِاسْتِوَائِهِ مَعَ السَّفِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُزَوَّجُ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِدُونِ الشَّرِيفَةِ. وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْعَاقِلُ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُزَوَّجُ الْمَصْلَحَةَ وَلِهَذَا يُزَوَّجُ ثَلَاثًا وَأَرْبَعًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ، فَحَيْثُ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِهِ الشَّرِيفَةَ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِذَلِكَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ، وَهِيَ مَا إذَا عَيَّنَ امْرَأَةً فَقَطْ، أَوْ مَهْرًا فَقَطْ، أَوْ أَطْلَقَ، وَأَهْمَلَ. رَابِعًا وَهُوَ مَا إذَا عَيَّنَ الْمَرْأَةَ وَقَدَّرَ الْمَهْرَ بِأَنْ قَالَ: انْكِحْ فُلَانَةَ بِأَلْفٍ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْهُ بَطَلَ الْإِذْنُ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: الْقِيَاسُ صِحَّتُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ قَبِلَ لَهُ الْوَلِيُّ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَر مِنْهُ صَحَّ الْإِذْنُ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَكَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَكْثَر مِنْهُ أَيْضًا بَطَلَ النِّكَاحُ أَوْ نَكَحَ بِالْأَلْفِ صَحَّ بِهِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ صَحَّ بِالْأَلْفِ وَسَقَطَتْ الزِّيَادَةُ، أَوْ بِمَا دُونَهُ صَحَّ النِّكَاحُ بِهِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: انْكِحْ مَنْ شِئْت بِمَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْحَجْرِ بِالْكُلِّيَّةِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 280 فَإِنْ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَقْبَلُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ. وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلَا إذْنٍ فَبَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ،   [مغني المحتاج] وَإِنْ أَذِنَ لِلسَّفِيهِ فِي النِّكَاحِ لَمْ يُفِدْهُ ذَلِكَ جَوَازَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ الْحَجْرَ إلَّا عَنْ مُبَاشَرَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ بِالنِّكَاحِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَلِيُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْإِنْشَاءِ، وَيُفَارِقُ صِحَّةَ إقْرَارِ الْمَرْأَةِ بِأَنَّ إقْرَارَهُ يَفُوتُ مَالًا، وَإِقْرَارَهَا يُحَصِّلَهُ، وَإِذَا كَانَ كَثِيرَ الطَّلَاقِ شَرَى جَارِيَةً لِأَنَّهُ أَصْلَحُ لَهُ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ فَإِنْ تَبَرَّمَ بِهَا أُبْدِلَتْ، وَإِكْثَارُ الطَّلَاقِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهُنَّ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي، أَوْ ثِنْتَيْنِ فَيُطَلِّقُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَفَهِمَ الرُّويَانِيُّ أَنَّ تَعَدُّدَ الزَّوْجَةِ لَيْسَ مُرَادًا، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُطَلِّقُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَالثَّانِي: وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَالْأَوْجَهُ مِنْ وَجْهَيْهِ الْأَوَّلُ فَيَكْتَفِي بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَلَوْ مِنْ زَوْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْرِي ابْتِدَاءً، وَيَنْبَغِي كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا فِي الْإِعْفَافِ وَيَتَعَيَّنُ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (فَإِنْ قَبِلَ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ (وَلِيُّهُ) أَيْ النِّكَاحَ (اُشْتُرِطَ إذْنُهُ) أَيْ السَّفِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَعَلَى الْوَلِيِّ رِعَايَتُهَا، فَإِذَا عَرَفَ حَاجَتَهُ زَوَّجَهُ كَمَا يَكْسُوهُ وَيُطْعِمُهُ (وَ) إنَّمَا (يَقْبَلُ) لَهُ الْوَلِيُّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ تَلِيقُ بِهِ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ) عَلَيْهِ (صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) وَتَسْقُطُ الزِّيَادَةُ لِتَبَرُّعِهِ بِهَا (وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ. (وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ وَلِيِّهِ، أَوْ الْحَاكِمِ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْوَلِيِّ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ (فَبَاطِلٌ) كَمَا لَوْ عَضَلَهُ الْوَلِيُّ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ السُّلْطَانِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى خَوْفِ الْعَنَتِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ فِي الْمَفَازَةِ لَا تَجِدُ وَلِيًّا (فَإِنْ) قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ، وَ (وَطِئَ) فِيهِ رَشِيدَةً (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) أَمَّا الْحَدُّ فَبِلَا خِلَافٍ لِلشُّبْهَةِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَحِقَهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَعَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ؛ لِأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَى بُضْعِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهَا بِحَالِهِ لِتَمْكِينِهَا نَفْسَهَا مَعَ تَقَدُّمِ إذْنِهَا لِتَفْرِيطِهَا بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِ الْمَهْرِ إذَا وَطِئَهَا مُخْتَارَةً كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، فَلَوْ وَطِئَهَا نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمُكْرَهَةِ، وَخَرَجَ بِرَشِيدَةٍ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ أَوْ صِبًا أَوْ جُنُونٍ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِتَمْكِينِهَا، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِنْ مِثْلِهِ وَأَتْلَفَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ، وَمِثْلُهَا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ سَفِيهٌ لِآخَرَ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ لَهُ شَيْءٌ كَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنِّي لَمْ أَرَ هَذَا التَّقْيِيدَ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ، وَأَحْسَبُهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبُضْعَ مَحَلُّ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ، فَكَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 281 وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ. وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ، وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي كَسْبِهِ، لَا فِيمَا مَعَهُ. وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ، وَبِإِذْنِهِ صَحِيحٌ، وَلَهُ إطْلَاقُ الْإِذْنِ، وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ، وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ فِيهِ   [مغني المحتاج] إذْنُهَا فِي إتْلَافِهِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُزَوَّجَةُ بِالْإِجْبَارِ كَالسَّفِيهَةِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ قِبَلِهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ، وَالتَّمْكِينُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا مَمْنُوعٌ؛ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّمْكِينُ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ) يَلْزَمُهُ (مَهْرُ مِثْلٍ) لِئَلَّا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقُوبَةٍ (وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ) لِأَنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ الْخُلُوُّ الْمَذْكُورُ. (وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ يَصِحُّ نِكَاحُهُ) لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَذِمَّتِهِ، وَهَذَا وَإِنْ قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْفَلَسِ، لَكِنَّهُ قَصَدَ هُنَا بَيَانَ مُؤَنِهِ فَقَالَ: (وَمُؤَنُ النِّكَاحِ) الْمُتَجَدِّدِ عَلَى الْحَجْرِ مِنْ مَهْرٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِهِمَا (فِي كَسْبِهِ) بَعْدَ الْحَجْرِ وَبَعْدَ النِّكَاحِ (لَا فِيمَا مَعَهُ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ فَفِي ذِمَّتِهِ إلَى فَكِّ الْحَجْرِ، أَمَّا النِّكَاحُ السَّابِقُ عَلَى الْحَجْرِ فَمُؤَنُهُ فِيمَا مَعَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِالْكَسْبِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَاسْتَوْلَدَهَا فَهِيَ كَالزَّوْجَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الْحَجْرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا (بَاطِلٌ) لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْن الْمُبَعَّضِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ وَغَيْرِهِمْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّ مَمْلُوكٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ فِي الْأُمِّ: وَلَا أَعْلَمُ مِنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ وَلَا حَكَى لِي عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِلَافًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ. اهـ. وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لَا أَعْلَمُ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ نِكَاحَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفُ بَاطِلٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَطِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالسَّفِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بَلْ يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الْأَذْرَعِيُّ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَأْذَنَ سَيِّدَهُ فَمَنَعَهُ فَرَفَعَهُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى إجْبَارَ السَّيِّدِ فَأَمَرَهُ بِهِ فَامْتَنَعَ فَأَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ زَوَّجَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَضَلَ الْوَلِيُّ (وَبِإِذْنِهِ) أَيْ السَّيِّدِ إنْ كَانَ مُعْتَبَرَ الْإِذْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ (صَحِيحٌ) وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ امْرَأَةً أَوْ كَافِرًا كَمَا مَرَّ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (إطْلَاقُ الْإِذْنِ) لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ جَزْمًا وَيُنْكِحُ الْحُرَّةَ وَالْأَمَةَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِ الْعَبْدِ وَلَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهَا (وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ) مُعَيَّنَةٍ (أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ) لِأَنَّ مَا يَصِحُّ مُطْلَقًا يَصِحُّ مُقَيَّدًا (وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أَذِنَ) لَهُ (فِيهِ) مُرَاعَاةً لَهُ، فَإِنْ عَدَلَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ، وَإِنْ قَدَّرَ لَهُ السَّيِّدُ مَهْرًا فَزَادَ عَلَيْهِ أَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ تَعْيِينِ الْمَهْرِ، فَالزَّائِدُ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِهِ إذَا عَتَقَ، فَإِنْ صَرَّحَ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْكِحَ بِأَزْيَدَ مِمَّا عَيَّنَهُ قَالَ الْإِمَامُ: فَالرَّأْيُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ كَمَا فِي السَّفِيهِ، وَإِنْ نَقَصَ عَمَّا عَيَّنَهُ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَازَ، وَلَوْ نَكَحَ صَحِيحًا ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَنْكِحْ ثَانِيًا إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 282 وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ،   [مغني المحتاج] نَكَحَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْإِذْنِ، وَلَوْ نَكَحَ بِالْمُسَمَّى مِنْ مَهْرِهَا دُونَهُ صَحَّ بِهِ وَرُجُوعُ السَّيِّدِ فِي الْإِذْنِ كَرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ) غَيْرِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُبَعَّضِ وَلَوْ صَغِيرًا وَخَالَفَهُ فِي الدِّينِ (عَلَى النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَفْعَ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُ رَفْعَهُ. وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَلْزَمُهُ ذِمَّةُ الْعَبْدِ مَالًا فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَالْكِتَابَةِ. وَالثَّانِي: لَهُ إجْبَارُهُ كَالْأَمَةِ. وَقِيلَ: يُجْبَرُ الصَّغِيرُ قَطْعًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَلِمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلِاقْتِضَاءِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ التَّحْلِيلِ وَالرَّضَاعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلِمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ إلَخْ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ فَلَا يُجْبِرُهَا قَطْعًا (وَلَا عَكْسِهِ) بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ أَيْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْبَالِغِ إجْبَارُ سَيِّدِهِ عَلَى النِّكَاحِ إذَا طَلَبَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ وَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُشَوِّشُ عَلَيْهِ مَقَاصِدَ الْمِلْكِ وَفَوَائِدَهُ كَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ. وَالثَّانِي: يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يُوقِعُهُ فِي الْفُجُورِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُجْبَرُ قَطْعًا، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ هَلْ لِسَيِّدَيْهِ إجْبَارُهُ وَعَلَيْهِمَا إجَابَتُهُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَوْ أَجَابَهُ أَحَدُهُمَا إلَى النِّكَاحِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا إجَابَةَ لَهُ (وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ) غَيْرِ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَرِدُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْعَبْدَ فَيُزَوِّجُهَا بِرَقِيقٍ وَدَنِيءِ النَّسَبِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهَا قُرَشِيًّا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا لَا نَسَبَ لَهَا لَا بِمَعِيبٍ كَأَجْذَمَ وَأَبْرَصَ وَمَجْنُونٍ، فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهَا مِنْهُ وَإِنْ كَرِهَتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمَيْنِ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْ الْبَيْعِ الِاسْتِمْتَاعَ غَالِبًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَيَلْزَمُهَا التَّمْكِينُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَوْ أَجْبَرَهَا السَّيِّدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ، وَقَوْلُهُ (بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) تَعْمِيمٌ فِي صِفَةِ الْأَمَةِ مِنْ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَصِغَرٍ وَكِبَرٍ وَعَقْلٍ وَجُنُونٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ فَلَا يُجْبِرُهُمَا وَلَا أَمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ الْمَرْهُونَةِ بَعْدَ لُزُومِ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَيُلْحِقُ بِهَا الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهَا مَالًا بِلَا إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ إنْ كَانَ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَكَانَ اخْتِيَارًا لِلْفِدَاءِ. وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْقِرَاضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَلَهُ تَزْوِيجُ أَمَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلَّا فَيُزَوِّجُهَا بِإِذْنِ الْعَبْدِ وَالْغُرَمَاءِ، فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا أَوْ إذْنِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ لِتَضَرُّرِهِمَا بِهِ، فَلَوْ وَطِئَ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ فَإِنْ قِيلَ: قَالُوا فِي مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ إنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَهْرِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَمَةِ الْمَأْذُونَةِ، وَهَذَا فِي أَمَتِهَا وَالْوَلَدُ حُرٌّ إنْ أَحْبَلَهَا، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إنْ كَانَ مُعْسِرًا بَلْ تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا، وَكَذَا حُكْمُ الْأَمَةِ الْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ عَنْ مَدْيُونٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ فِي الْحَالِ وَجَبَ قِيمَةُ وَلَدِ أَمَةِ الْعَبْدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 283 فَإِنْ طَلَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا، وَقِيلَ إنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، وَإِذَا زَوَّجَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ وَفَاسِقٌ وَمُكَاتَبٌ، وَلَا يُزَوِّجُ   [مغني المحتاج] الْمَأْذُونِ دُونَ قِيمَةِ وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَرَبِّ الدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِالتَّرِكَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمَةَ الْمَوْرُوثَةَ كَأَمَةِ الْمَأْذُونِ، وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِزَوَائِدِ التَّرِكَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِعْتَاقُ أَمَةِ الْمَدْيُونِ وَالْمَوْرُوثَةِ كَإِعْتَاقِ الْجَانِي (فَإِنْ طَلَبَتْ) مِنْ السَّيِّدِ التَّزْوِيجَ (لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا) وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيصِ الْقِيمَةِ وَتَفْوِيتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا عَلَيْهِ (وَقِيلَ: إنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ) تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، أَوْ كَانَتْ بَالِغَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ تَائِقَةً خَائِفَةً الزِّنَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَزِمَهُ) إذْ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ قَضَاءُ شَهْوَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إعْفَافِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ التَّحْرِيمُ لِعَارِضٍ كَأَنْ مُلِكَ لِامْرَأَةٍ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي إجْبَارِهَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا (وَإِذَا زَوَّجَهَا) أَيْ السَّيِّدُ أَمَتَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّصَرُّفَ فِيمَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ، وَنَقْلُهُ إلَى الْغَيْرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ كَاسْتِيفَاءِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ وَنَقْلُهَا بِالْإِجَارَةِ. وَالثَّانِي: بِالْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةَ الْحَظِّ، وَلِهَذَا لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ مَعِيبٍ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ لَا يَتَأَتَّى فِي تَزْوِيجِ الْعَبْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إلَّا إذَا قُلْنَا لِلسَّيِّدِ إجْبَارُهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ) بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، إذْ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا أَصْلًا، بَلْ وَلَا سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ فِيمَا سِوَى إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا وَكِتَابَتِهَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فِي الْكَافِرَةِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ فِي الْوِلَايَةِ آكَدُ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْكَافِرَاتِ بِالْجِهَةِ الْعَامَّةِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْكِتَابِيَّةِ، فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْكَافِرَةِ فَشَمَلَ الْمُرْتَدَّةَ وَلَا تُزَوَّجُ بِحَالٍ وَالْوَثَنِيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَفِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمَتُّعَ بِهَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، وَجَزَمَ بِهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، لِأَنَّ لَهُ بَيْعَهَا وَإِجَارَتَهَا وَعَدَمُ جَوَازِ التَّمَتُّعِ بِهَا الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْبَغَوِيّ جَزْمَهُ بِالْمَنْعِ فِي غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا فِي أَمَتِهِ الْمَحْرَمِ كَأُخْتِهِ (وَ) يُزَوِّجُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا (فَاسِقٌ) أَمَتَهُ (وَمُكَاتَبٌ) كِتَابَةً صَحِيحَةً يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْمِلْكِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِضَعْفِ مِلْكِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُزَوِّج وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَنْ ذَكَرْت؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَلِي الْكَافِرَةَ، وَالْفِسْقَ يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَالرِّقَّ يَمْنَعُهَا كَمَا مَرَّ، وَإِذَا مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَمَةً. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لَا يُزَوِّجُهَا وَلَا تُزَوَّجُ بِإِذْنِهِ، وَهَذَا فَرَّعَهُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّهُ بِالْمِلْكِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمُبَعَّضِ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (وَلَا يُزَوِّجُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 284 وَلِيٌّ عَبْدًا صَبِيًّا وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ. بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ   [مغني المحتاج] وَلِيٌّ عَبْدًا) مَحْجُورًا عَلَيْهِ مِنْ (صَبِيٍّ) وَصَبِيَّةٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ لِمَا فِيهِ مِنْ انْقِطَاعِ أَكْسَابِهِ وَفَوَائِدِهِ عَنْهُمْ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ وَلَا يُجْبِرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ إجْبَارِهِ مَنْعُ تَزْوِيجِهِ بِرِضَاهُ وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ. اهـ. وَمَعَ هَذَا لَوْ عَبَّرَ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّرْته لَكَانَ أَوْلَى (وَيُزَوِّجُ) وَلِيُّ الصَّبِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ (أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ) إذَا ظَهَرَتْ الْغِبْطَةُ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اكْتِسَابًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. وَالثَّانِي: لَا يُزَوِّجُهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا، وَقَدْ تَحْبَلُ فَتَهْلِكُ، وَأَمَةُ غَيْرِ الصَّبِيِّ مِمَّنْ ذُكِرَ مَعَهُ كَأَمَتِهِ، لَكِنْ لَا تُزَوَّجُ أَمَةُ السَّفِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ حَاجَتُهُ إلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ مَمْنُوعٌ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَالسُّلْطَانُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي أَمَةِ مَنْ بِهِ سَفَهٌ أَوْ جُنُونٌ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكِهِ، وَنِكَاحَهُ بِخِلَافِ أَمَةِ الصَّغِيرِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا يُزَوِّجُهَا وَإِنْ وَلِيَ مَالَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ كَافِرًا وَأَمَتُهُ مُسْلِمَةً لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ تَزْوِيجُهَا، وَيُزَوِّجُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا أَمَةَ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي مَالَ مَالِكِهَا وَنِكَاحَهَا، بِخِلَافِ أَمَةِ الثَّيِّبِ الْعَاقِلَةِ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي نِكَاحَ مَالِكِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَلِي النِّكَاحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ. خَاتِمَةٌ: أَمَةُ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهَا يُزَوِّجُهَا وَلِيُّ السَّيِّدَةِ تَبَعًا لِوِلَايَتِهِ عَلَى سَيِّدَتِهَا بِإِذْنِ السَّيِّدَةِ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهَا الْمَالِكَةُ لَهَا نُطْقًا وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِي فِي تَزْوِيجِ أَمَتِهَا، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَبُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ صَحَّ لِلْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهَا ظَاهِرًا فَلَا يُمْنَعُ الْعَقْدُ بِالِاحْتِمَالِ، وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ وَخَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَيَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَيْهِ يُمْنَعُ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ، لَكِنْ إذَا مَاتَ وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَرَقَّ بَعْضُهَا بِأَنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ بَانَ فَسَادُ النِّكَاحِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا السَّيِّدُ بِمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ كَانَ هُوَ الْوَلِيَّ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ تَخْرُجْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ خُرُوجِهَا فِي الْأُولَى مَالِكٌ مَا لَمْ يَعْتِقْ وَنَائِبُ وَلِيٍّ مَا عَتَقَ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَالِكُ ذَاكَ وَوَلِيُّ هَذَا. [بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ] ِ التَّحْرِيمُ يُطْلَقُ فِي الْعَقْدِ بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّبْوِيبِ، وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْمَخْطُوبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْغَيْرِ، وَمُرَادُهُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ ذِكْرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 285 تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتْك أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ فَهِيَ أُمُّك، وَالْبَنَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا فَبِنْتُك.   [مغني المحتاج] مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَمَا عَبَّرَ بِهَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهِيَ قِسْمَانِ: مُؤَبَّدٌ، وَغَيْرُ مُؤَبَّدٍ، وَمِنْ الْأَوَّلِ - وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ - اخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ نِكَاحُ جِنِّيَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْعِمَادُ بْنُ يُونُسَ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْقَمُولِيِّ. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] [الْأَعْرَاف] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] [النِّسَاء] . وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا مَرْفُوعًا: «نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْجِنِّ» وَالْمُؤَبَّدُ غَيْرُ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ، وَرَضَاعٌ، وَمُصَاهَرَةٌ، وَلِضَابِطِ الْمُحَرَّمَاتِ بِالنَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ ضَابِطَانِ: الْأَوَّلُ: تَحْرُمُ نِسَاءُ الْقَرَابَةِ إلَّا مَنْ دَخَلَتْ تَحْتَ وَلَدِ الْعُمُومَةِ أَوْ وَلَدِ الْخُؤُولَةِ. وَالثَّانِي: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولَهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، فَالْأُصُولُ: الْأُمَّهَاتُ، وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ، وَفُصُولُ أَوَّلِ الْأُصُولِ الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ. وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ: الْعَمَّاتُ، وَالْخَالَاتُ. وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، وَالْأَوَّلُ لِتِلْمِيذِهِ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَرْجَحُ لِإِيجَازِهِ وَنَصِّهِ عَلَى الْإِنَاثِ، بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِمَجِيئِهِ عَلَى نَمَطِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب: 50] [الْأَحْزَاب] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَاهُنَّ مِنْ الْأَقَارِبِ مَمْنُوعٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَيَحْرُمُ بِهَا سَبْعٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَقَالَ: (تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمٍّ، وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلُ أُمٍّ فَقَدْ تَسَمَّحَ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الشَّارِحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ وَقَعَ لَهُ عِبَارَتَانِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ، وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يُقَالُ فِيهِمَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ، وَالثَّانِي أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِمْ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ. وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ، وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي الْبَاقِي (وَ) ضَابِطُ الْأُمِّ هُوَ (كُلُّ مَنْ وَلَدَتْك) فَهِيَ أُمُّك حَقِيقَةً (أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، كَأُمِّ الْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ وَأُمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ (فَهِيَ أُمُّك) مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت قُلْت كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْهَا نَسَبُك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأُمَّهَاتِ بِالنَّسَبِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْرُمُ النِّكَاحُ بِالْأُمُومَةِ لَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَذَلِكَ فِي زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ فِي الْأُمَّهَاتِ وَفِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ الْآتِيَةِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاء] الْآيَةَ (وَ) الثَّانِي (الْبَنَاتُ) جَمْعُ بِنْتٍ (وَ) ضَابِطُهَا هُوَ (كُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا) فَبِنْتُك حَقِيقَةً (أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ ابْنٍ وَإِنْ نَزَلَ، وَبِنْتِ بِنْتٍ وَإِنْ نَزَلَتْ (فَبِنْتُك) مَجَازًا، وَإِنْ شِئْت الجزء: 4 ¦ الصفحة: 286 قُلْت: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَدُهَا مِنْ زِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] قُلْت: كُلُّ أُنْثَى يَنْتَهِي إلَيْكَ نَسَبُهَا بِالْوِلَادَةِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْمَخْلُوقَةُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا بِنْتُ الزَّانِي فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ دُفِعَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِقَوْلِهِ (قُلْت: وَالْمَخْلُوقَةُ مِنْ) مَاءِ (زِنَاهُ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا مُطَاوِعَةً أَمْ لَا، سَوَاءٌ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ أَمْ لَا (تَحِلُّ لَهُ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهُ؛ إذْ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزِّنَا بِدَلِيلِ انْتِفَاءِ سَائِرِ أَحْكَامِ النَّسَبِ مِنْ إرْثٍ وَغَيْرِهِ عَنْهَا، فَلَا تَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ كَمَا يَقُولُ بِهِ الْخَصْمُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْإِرْثِ بِإِجْمَاعٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّهَا مِنْ مَائِهِ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ نَبِيٌّ، كَأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا. وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَقِيلَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ بِلَبَنِ الزَّانِي صَغِيرَةً فَكَبِنْتِهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ) وَعَلَى سَائِرِ مَحَارِمِهَا (وَلَدُهَا مِنْ زِنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِابْنَ كَالْعُضْوِ مِنْهَا وَانْفَصَلَ مِنْهَا إنْسَانًا وَلَا كَذَلِكَ النُّطْفَةُ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْهَا الْبِنْتُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 287 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى نَافِيهَا وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَفِي عَنْهُ قَطْعًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهَا بِهِ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَلِأَنَّهَا رَبِيبَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَتَتَعَدَّى حُرْمَتُهَا إلَى سَائِرِ مَحَارِمِهِ، وَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ لَهَا، وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ لَهَا، وَالْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهَا، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ لَهَا وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخِي لَا كَمَا يَقْتَضِي كَلَامُ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الرَّوْضَةِ السَّقِيمَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَلْ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا وَجَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا أَوْ لَا، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ الْمَحْرَمِيَّةُ كَمَا فِي الْمُلَاعَنَةِ، وَأُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا، وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي ثُبُوتُ الْمَحْرَمِيَّةِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ حُرْمَةُ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا احْتِيَاطًا، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهَا لِلشَّكِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ وَلَدُ إنْسَانٍ بِلَقِيطَةٍ أَوْ مَجْهُولَةِ نَسَبٍ فَادَّعَى أَبُوهُ بُنُوَّةَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِقْرَارِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْوَلَدُ وَالزَّوْجَةُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا أَوْ بَعْدَهُ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْأَبِ ثَبَتَ نَسَبُهَا وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ. قَالَ الْمُزَنِيّ: وَفِيهِ وَحْشَةٌ. قَالَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَطَأُ أُخْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا هَذَا، وَقِيسَ بِهِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَجْهُولِ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهُ أَبُوهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ الزَّوْجَةُ، وَإِنْ أَقَامَ الْأَبُ بَيِّنَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ثَبَتَ النَّسَبُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحُكْمُ الْمَهْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَصَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ فَقَطْ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ لِحَقِّ الزَّوْجِ، لَكِنْ لَوْ أَبَانَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّ إذْنَهَا شَرْطٌ وَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِالتَّحْرِيمِ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَلْزَمُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَهُ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا تُنْكِرُهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَنِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ بَعْدَهُ فَكُلُّهُ. وَحُكْمُهَا فِي قَبْضِهِ كَمَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ وَقَعَ الِاسْتِلْحَاقُ قَبْلَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 288 وَالْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ، وَكُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ فَعَمَّتُك، أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك فَخَالَتُك. وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا، وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ مَنْ وَلَدَكَ أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك أَوْ ذَا لَبَنِهَا فَأُمُّ رَضَاعٍ، وَقِسْ الْبَاقِي وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك وَنَافِلَتَك،   [مغني المحتاج] التَّزْوِيجِ لَمْ يَجُزْ لِلِابْنِ نِكَاحُهَا (وَ) الثَّالِثُ (الْأَخَوَاتُ) جَمْعُ أُخْتٍ. وَضَابِطُهَا كُلُّ مَنْ وَلَدَهَا أَبَوَاك أَوْ أَحَدُهُمَا فَأُخْتُك (وَ) الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ (بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَ) بَنَاتُ (الْأَخَوَاتِ) مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلْنَ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ عَنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ تَأَسِّيًا بِالْقُرْآنِ (وَ) السَّادِسُ (الْعَمَّاتُ) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، سَوَاءٌ كُنَّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَمْ لَا (وَ) السَّابِعُ (الْخَالَاتُ) كَذَلِكَ (وَ) أَشَارَ لِضَابِطِ الْعَمَّةِ بِقَوْلِهِ: (كُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ) بِلَا وَاسِطَةٍ فَعَمَّتُك حَقِيقَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَعَمَّةِ أَبِيكَ (فَعَمَّتُك) مَجَازًا، وَقَدْ تَكُونُ الْعَمَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُخْتِ أَبِي الْأُمِّ، وَأَشَارَ لِضَابِطِ الْخَالَةِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) أَيْ وَكُلُّ مَنْ هِيَ (أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك) بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَالَتُك حَقِيقَةً، أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَخَالَةِ أُمِّك (فَخَالَتُك) مَجَازًا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُخْتِ أُمِّ الْأَبِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي، وَهُوَ الرَّضَاعُ، فَقَالَ (وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا) لِلْآيَةِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ: " مِنْ النَّسَبِ " وَفِي أُخْرَى: «حَرِّمُوا مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (وَ) ضَابِطُ أُمِّكَ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ (كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك) أَوْ صَاحِبَ اللَّبَنِ (أَوْ) أَرْضَعَتْ (مَنْ وَلَدَكَ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ) وَلَدَتْ (ذَا) أَيْ صَاحِبَ (لَبَنِهَا) وَهُوَ الْفَحْلُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَأُمُّ رَضَاعٍ) فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (وَقِسْ) عَلَى ذَلِكَ (الْبَاقِي) مِنْ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَةِ بِالرَّضَاعِ مِمَّا ذُكِرَ، فَضَابِطُ بِنْتِ الرَّضَاعِ: هُوَ كُلُّ امْرَأَةٍ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِك أَوْ لَبَنِ مَنْ وَلَدْتَهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ وَلَدْتَهَا بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَكَذَا بَنَاتُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَضَابِطُ أُخْتِ الرَّضَاعِ: هُوَ كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهَا أُمُّك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَبِيك أَوْ وَلَدَتْهَا مُرْضِعَتُك أَوْ وَلَدُك الْفَحْلُ. وَضَابِطُ عَمَّةِ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُخْتٍ لِلْفَحْلِ أَوْ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَ الْفَحْلَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَضَابِطُ خَالَةِ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُخْتٍ لِلْمُرْضِعَةِ أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْ الْمُرْضِعَةَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ. وَضَابِطُ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتِ الْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ هُوَ كُلُّ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ أَوْلَادِ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ، وَكَذَا كُلُّ أُنْثَى أَرْضَعَتْهَا أُخْتُك أَوْ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِ أَخِيك وَبَنَاتِهَا وَبَنَاتِ أَوْلَادِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك) أَوْ أُخْتَك، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ النَّسَبِ حَرُمَتْ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أُمٌّ أَوْ مَوْطُوءَةُ أَبٍ (وَ) لَا مَنْ أَرْضَعَتْ (نَافِلَتَك) وَهُوَ وَلَدُ وَلَدِك، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ نَسَبٍ حَرُمَتْ عَلَيْك لِأَنَّهَا بِنْتُك أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 289 وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَبِنْتُهَا وَلَا أُخْتُ أَخِيك: مِنْ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ وَهِيَ أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ وَعَكْسُهُ، وَتَحْرُمُ زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ أَوْ وَلَدَكَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ   [مغني المحتاج] مَوْطُوءَةُ ابْنِك (وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَ) لَا (بِنْتُهَا) أَيْ بِنْتُ الْمُرْضِعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أُمَّ نَسَبٍ كَانَتْ مَوْطُوءَتَك فَتَحْرُمُ أُمُّهَا عَلَيْك وَبِنْتُهَا، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ وَلَا يَحْرُمْنَ فِي الرَّضَاعِ، فَاسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَاعِدَةِ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الضَّابِطِ، وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَثْنِهَا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَلَا اُسْتُثْنِيَتْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْأَخِ لَمْ تَحْرُمْ لِكَوْنِهَا أُمَّ أَخٍ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ لِكَوْنِهَا أُمًّا أَوْ حَلِيلَةَ أَبٍ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِيهِنَّ. اهـ. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَحْوَهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِقَوَاعِدِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ، وَلَا يُغَادِرُ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَأْوِيلٌ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى تَتِمَّةٍ بِتَصَرُّفٍ قَائِسٍ. قَالَ: وَهَذَا مُسْتَمِرٌّ لَا قُصُورَ فِيهِ وَلَا اسْتِثْنَاءَ مِنْهُ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّوَرَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ: أَرْبَعٌ هُنَّ فِي الرَّضَاعِ حَلَالٌ ... وَإِذَا مَا نَسَبْتَهُنَّ حَرَامُ جَدَّةُ ابْنٍ وَأُخْتُهُ ثُمَّ أُمٌّ ... لِأَخِيهِ وَحَافِدٌ وَالسَّلَامُ وَزَادَ الْجُرْجَانِيِّ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: أُمُّ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَأُمُّ الْخَالِ وَالْخَالَةِ، وَأَخُو الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ، وَصُورَةُ الْأَخِيرَةِ فِي امْرَأَةٍ لَهَا ابْنٌ ثُمَّ إنَّ ابْنَهَا ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَهَا ابْنٌ، فَذَلِكَ الِابْنُ أَخُو ابْنِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهَذَا الَّذِي هُوَ أَخٌ لِابْنِهَا (وَلَا) يَحْرُمُ عَلَيْك (أُخْتُ أَخِيكَ) وَقَوْلُهُ (مِنْ نَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأُخْتٍ لَا بِأَخٍ (وَهِيَ) فِي النَّسَبِ (أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ) أَيْ الْأَخِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَكَ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَك مِنْ الْأُمِّ، وَصُورَتُهُ فِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَك امْرَأَةٌ وَتُرْضِعَ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْكَ فَلِأَخِيك نِكَاحُهَا (وَعَكْسُهُ) فِي النَّسَبِ أُخْتُ أَخِيك لِأُمِّك لِأَبِيهِ، بِأَنْ كَانَ لِأَبِي أَخِيك بِنْتٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّك فَيَجُوزُ لَكَ نِكَاحُهَا، وَفِي الرَّضَاعِ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةٌ أَخَاكَ وَتُرْضِعَ مَعَهُ صَغِيرَةً أَجْنَبِيَّةً مِنْكَ فَيَجُوزُ لَكَ نِكَاحُهَا. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْعَكْسُ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُصَاهَرَةُ، فَقَالَ: (وَتَحْرُمُ) عَلَيْك (زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُك بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاء] (أَوْ) زَوْجَةُ مَنْ (وَلَدَكَ) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَبًا أَوْ جَدًّا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُك بِهَا لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] [النِّسَاء] . قَالَ فِي الْأُمِّ: يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ عِلْمِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ (مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ) هُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا مَعًا. أَمَّا النَّسَبُ فَلِلْآيَةِ. وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَلِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 290 وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك مِنْهُمَا وَكَذَا بَنَاتُهَا إنْ دَخَلْتَ بِهَا، وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكٍ حَرُمَ عَلَيْهِ   [مغني المحتاج] {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاء] فَكَيْفَ حُرِّمَتْ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَنْطُوقٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا مَنْطُوقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ فِي الْآيَةِ حِينَئِذٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ إخْرَاجُ حَلِيلَةِ الْمُتَبَنِّي فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ زَوْجَةُ مَنْ تَبَنَّاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنٍ لَهُ حَقِيقَةً (وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك) بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا (مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِهَا أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاء] (وَكَذَا بَنَاتُهَا) بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (إنْ دَخَلْتَ بِهَا) فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاء] وَذِكْرُ الْحُجُورِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أُعِيدَ الْوَصْفُ إلَى الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُعَدْ إلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] [النِّسَاء] مَعَ أَنَّ الصِّفَاتِ عَقِبَ الْجُمَلِ تَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ نِسَائِكُمْ الثَّانِي مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَنِسَائِكُمْ الْأَوَّلَ مَجْرُورٌ بِالْمُضَافِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ لَمْ يَجُزْ الْإِتْبَاعُ وَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَعْمُولَ الْجَرُّ وَهُوَ أَحَدٌ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرَ فِي الدُّخُولِ أَنْ يَقَعَ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَوَطِئَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ تَحْرُمْ بِنْتُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَعْتَبِرُوا الدُّخُولَ فِي تَحْرِيمِ أُصُولِ الْبِنْتِ وَاعْتَبَرُوا فِي تَحْرِيمِهَا الدُّخُولَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِمُكَالَمَةِ أُمِّهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لِتَرْتِيبِ أُمُورِهِ فَحُرِّمَتْ بِالْعَقْدِ لِيَسْهُلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بِنْتِهَا، وَتَقْيِيدُ التَّحْرِيمِ بِالدُّخُولِ يُفْهِمُ تَحْرِيمَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ بِشَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِلُّ الْمَنْكُوحَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ حَرُمَ بِالْوَطْءِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ كَالرَّبِيبَةِ، وَمَنْ حَرُمَ بِالْعَقْدِ وَهِيَ الثَّلَاثُ الْأُوَلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، نَعَمْ لَوْ وُطِئَ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ حَرُمَ بِالْوَطْءِ فِيهِ لَا بِالْعَقْدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ بِاسْتِدْخَالِ أُمِّهَا مَاءَ الزَّوْجِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ إذْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْجَزْمُ بِأَنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَاءِ يُثْبِتُ الْمُصَاهَرَةَ إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا بِأَنْ كَانَ مَاءَ زَوْجِهَا وَمُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ الرَّبِيبَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا حِلُّ الْبِنْتِ الْمَنْفِيَّةِ بِاللِّعَانِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِالْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّهَا بِنْتُ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا بِنْتًا لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا، لِأَنَّهَا لَا تَنْتَفِي عَنْهُ قَطْعًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ تَحْرِيمِ بِنْتِ زَوْجِ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ أَوْ أُمِّهِ، وَعَدَمُ تَحْرِيمِ أُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ، أَوْ الِابْنِ أَوْ بِنْتِهَا، أَوْ زَوْجَةِ الرَّبِيبِ، أَوْ الرَّابِّ لِخُرُوجِهِنَّ عَنْ الْمَذْكُورَاتِ (وَ) كُلُّ (مَنْ وَطِئَ) فِي الْحَيَاةِ وَهُوَ وَاضِحٌ (امْرَأَةً بِمِلْكٍ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ أَمْ لَا (حَرُمَ عَلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 291 أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ، قِيلَ أَوْ لَا حَقِّهَا، الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةً بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ   [مغني المحتاج] أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ) (هِيَ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ) تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ عَقْدِ النِّكَاحِ (وَكَذَا الْمَوْطُوءَةُ) الْحَيَّةُ (بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ) كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ وَطِئَ بِفَاسِدِ شِرَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْوَطْءِ النَّسَبُ، وَيُوجِبُ الْعِدَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ أَمْ لَا (قِيلَ أَوْ حَقِّهَا) بِأَنْ ظَنَّتْهُ كَمَا ظَنَّ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ. وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقِيَامِ الشُّبْهَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَمَّا الْمَيِّتَةُ فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّضَاعِ، وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِوَطْئِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعُضْوِ زَائِدًا. قَالَهُ أَبُو الْفُتُوحِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُشْعِرُ تَشْبِيهُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ التَّحْرِيمُ فَقَطْ فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ النَّظَرُ إلَى أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتِهَا، وَلَا الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بِهِمَا، وَلَا مَسُّهُمَا كَالْمَوْطُوءَةِ بَلْ أَوْلَى، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَ بِهَا ثَبَتَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ وَمَا صَحَّحَهُ مِنْ عَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي حَقِّهَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ لَا الْمَهْرِ وَتَحْقِيقُ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شُبْهَةَ الْوَاطِئِ فَقَطْ تُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَالنَّسَبِ وَالْعِدَّةِ لَا الْمَهْرَ وَشُبْهَةُ الْمَوْطُوءَةِ فَقَطْ تُوجِبُ الْمَهْرَ فَقَطْ لَا الْمُصَاهَرَةَ وَالْعِدَّةَ وَالنَّسَبَ، وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي حَقِّهِ صُورَتَانِ: الشُّبْهَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ مَعًا، وَفِي حَقِّ الزَّوْجِ فَقَطْ، وَخَرَجَ عَنْهُ صُورَتَانِ شُبْهَتُهَا فَقَطْ وَعَدَمُ شُبْهَتِهِ (لَا الْمَزْنِيُّ بِهَا) فَلَا يَثْبُتُ بِزِنَاهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَلِلزَّانِي نِكَاحُ أُمِّ مَنْ زَنَى بِهَا وَبِنْتِهَا وَلِابْنِهِ وَأَبِيهِ نِكَاحُهَا هِيَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِالزِّنَا كَالنَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ زِنَا الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْمُصَاهَرَةُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّ الصَّادِرَ مِنْ الْمَجْنُونِ صُورَةُ زِنًا لَا زِنًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إثْمٌ وَلَا حَدٌّ، وَلَوْ لَاطَ شَخْصٌ بِغُلَامٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْفَاعِلِ أُمُّ الْغُلَامِ وَبِنْتُهُ (وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ) كَلَمْسٍ وَقُبْلَةٍ (بِشَهْوَةٍ) فِي زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ، لَكِنْ بِشُبْهَةٍ كَمَا لَوْ مَسَّ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ (كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَذَا لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَالْوَطْءِ بِجَامِعِ التَّلَذُّذِ بِالْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمَحْرَمِ فَكَانَ كَالْوَطْءِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الشَّهْوَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَمَّا اللَّمْسُ بِغَيْرِهَا فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَمْسُ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِمَا لَهُ مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِهِ أَيْ فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ بِخِلَافِ لَمْسِ الزَّوْجَةِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَتَثْبُتُ الْعِدَّةُ وَالْمُصَاهَرَةُ وَالنَّسَبُ فَقَطْ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زَوْجٍ، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَيِّدٌ بِشُبْهَةٍ دُونَ الْإِحْصَانِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَقْرِيرُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُهُ لِلْمُفَوَّضَةِ وَالْغُسْلُ وَالْمَهْرُ فِي صُورَةِ الشُّبْهَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ بِذَلِكَ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا تَبَعًا لِأَصْلِهِ عَدَمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 292 وَلَوْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ نَكَحَ مِنْهُنَّ، لَا بِمَحْصُورَاتٍ،   [مغني المحتاج] ثُبُوتِهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِجَزْمِهِمَا بِثُبُوتِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ. قَالَ: وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمِ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ الزَّوْجِ وُجُودُ الزَّوْجِيَّةِ حَالَ الْإِنْزَالِ وَالِاسْتِدْخَالِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَاءِ الْأَجْنَبِيِّ قِيَامُ الشُّبْهَةِ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا فِيهِمَا، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُهُ بِاسْتِدْخَالِ مَاءِ زِنَا الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ، وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ يَثْبُتُ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَزْنِي بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ فِي زَوْجَتِهِ بِظَنِّهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ زِنًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا (وَلَوْ اخْتَلَطَتْ) امْرَأَةٌ (مَحْرَمٌ) لِشَخْصٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِلِعَانٍ أَوْ نَفْيٍ أَوْ تَوَثُّنٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ (بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ) غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ (نَكَحَ مِنْهُنَّ) جَوَازًا بِاجْتِهَادٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ مَنَعْنَاهُ لَتَضَرَّرَ بِالسَّفَرِ، وَرُبَّمَا انْحَسَمَ عَلَيْهِ بَابُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لَمْ يُؤْمَنْ مُسَافَرَتُهَا إلَيْهَا وَهَذَا كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ صَيْدُ مَمْلُوكٍ بِصُيُودٍ مُبَاحَةٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ لَا يَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ نَكَحَ مِنْهُنَّ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْجَمِيعَ، وَبِهِ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ، وَهَلْ يَنْكِحُ إلَى أَنْ تَبْقَى وَاحِدَةٌ أَوْ إلَى أَنْ يَبْقَى عَدَدٌ مَحْصُورٌ؟ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ. وَقَالَ: الْأَقْيَسُ عِنْدِي الثَّانِي. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَوَانِي مِنْ تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ بِمَظْنُونِ الطَّهَارَةِ وَحِلِّ تَنَاوُلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مُتَيَقِّنِهَا أَيْ فِي مَحْصُورٍ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَقَوْلُهُ: مَحْرَمُ الدَّائِرِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِالضَّمِّ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَإِنْ مَنْ حَرُمَتْ بِالْجَمْعِ أَوْ بِالْعِدَّةِ كَذَلِكَ (لَا بِمَحْصُورَاتٍ) فَإِنَّهُ لَا يَنْكِحُ مِنْهُنَّ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ بِاجْتِنَابِهِنَّ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى، فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ لِمَنْعِنَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ مِنْ الشُّرُوطِ كَمَا سَبَقَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا حَلَالٌ وَيَشْكُلُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ، وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْمَفْقُودِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الصُّورَةِ الْأُولَى بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الزَّوْجِ هَلْ هُوَ مَالِكٌ أَوْ لَا وَهُوَ لَا يَضُرُّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالِكٌ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَخٌ خُنْثَى أُخْتَهُ وَتَبَيَّنَتْ ذُكُورَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا مَرَّ، وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَرَى ذَلِكَ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ صَحَّ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَرَادَ الْوَطْءَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَيْضًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمَحْصُورُ مَا سَهُلَ عَلَى الْآحَادِ عَدُّهُ دُونَ الْوُلَاةِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: غَيْرُ الْمَحْصُورِ كُلُّ عَدَدٍ لَوْ اجْتَمَعَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ لَعَسُرَ عَلَى النَّاظِرِ عَدُّهُ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ كَأَلْفٍ وَمَا سَهُلَ كَالْعِشْرِينَ فَمَحْصُورٌ. قَالَ: وَمَا بَيْنَهُمَا يَلْحَقُ بِأَحَدِهِمَا بِالظَّنِّ وَمَا شَكَّ فِيهِ اسْتَفْتَى فِيهِ الْقَلْبَ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ عِنْدَ الشَّكِّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَخَرَجَ بِمَحْرَمٍ مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ. فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُطْلَقًا وَلَوْ بِاجْتِهَادٍ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يُبَاحُ بِالْعَقْدِ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 293 وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبَّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ كَوَطْءِ زَوْجَةَ ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ.   [مغني المحتاج] بِالِاجْتِهَادِ (وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبِّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ) أَيْ مَنَعَ دَوَامَهُ (كَوَطْءِ) الْوَاضِحِ (زَوْجَةِ ابْنِهِ) بِنُونٍ أَوْ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِخَطِّهِ حَيْثُ كَتَبَ كَلِمَةَ مَعًا عَلَى ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِنْتِهَا (بِشُبْهَةٍ) فَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا، كَمَا يُمْنَعُ انْعِقَادَهُ ابْتِدَاءً سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مَحْرَمًا لِلْوَاطِئِ قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَبِنْتِ أَخِيهِ أَمْ لَا، قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُعْتَبَرُ بِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِالشِّقِّ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِطُرُوئِهِ عَلَى النِّكَاحِ عَمَّا إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ أَبَدًا، وَلَا يَنْقَطِعُ عَلَى الِابْنِ مِلْكُهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَبِ إحْبَالٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَحْرِيمِهَا؛ لِأَنَّ مُجَرَّدِ الْحِلِّ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِمُتَقَوَّمٍ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ الْمَالِيَّةُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، أَمَّا الْخُنْثَى فَلَا يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ النِّكَاحُ. . فَرْعٌ: لَوْ عَقَدَ شَخْصٌ عَلَى امْرَأَةٍ وَابْنُهُ عَلَى بِنْتِهَا وَزُفَّتَا إلَيْهِمَا بِأَنْ زُفَّتْ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِ زَوْجِهَا فَوَطِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى غَلَطًا انْفَسَخَ النِّكَاحَانِ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الْأَبِ مَوْطُوءَةُ ابْنِهِ وَأُمُّ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ، وَزَوْجَةَ الِابْنِ مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ وَبِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ بِالشُّبْهَةِ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا لِمَوْطُوءَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَعَلَى السَّابِقِ مِنْهُمَا بِالْوَطْءِ لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَفَعَ نِكَاحَهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَلْ يَلْزَمُ الثَّانِيَ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِزَوْجَتِهِ أَوْ لَا؟ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: لَا، إذْ لَا صُنْعَ لَهُ. وَثَانِيهَا: نَعَمْ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهَا. وَثَالِثُهَا: وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْجَهُ يَجِبُ لِصَغِيرَةٍ لَا تَعْقِلُ وَمُكْرَهَةٍ وَنَائِمَةٍ؛ لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا فَكَانَ كَمَا لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا، وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى عَلَى الزَّوْجِ، وَيُرْجَعُ عَلَى السَّابِقِ بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ نِكَاحَهَا لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا بِمَا غَرِمَ كَمَا فِي الرَّضَاعِ، وَلَا يَجِبُ لِعَاقِلَةٍ مُطَاوَعَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَوْ غَلَطًا كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ حُرَّةٌ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ وَطِئَا مَعًا فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِزَوْجَتِهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ كَمَا قَالَ شَيْخِي تَرْجِيحُهُ بِنِصْفِ مَا كَانَ يَرْجِعُ بِهِ لَوْ انْفَرَدَ، وَيُهْدَرُ نِصْفُهُ لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ بِفِعْلِهِمَا كَنَظِيرِهِ فِي الِاصْطِدَامِ، وَلَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا مَعِيَّةٌ وَجَبَ لِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحَانِ، وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلِزَوْجَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ. وَلَوْ نَكَحَ الشَّخْصُ جَاهِلًا امْرَأَةً وَبِنْتَهَا مُرَتِّبًا فَالنِّكَاحُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَنِكَاحُ الْأُولَى بِحَالِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَا أَثَرَ لَهُ أَوْ جَاهِلًا بِهِ بَطَلَ نِكَاحُ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنْتُهَا، وَلَزِمَهُ لِلْأُولَى نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا لِمَا مَرَّ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ مَهْرُ مِثْلٍ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا إنْ كَانَتْ هِيَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِنْتَ فَلَا تَحْرُمُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا رَبِيبَةُ امْرَأَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بِنْتُ مَوْطُوءَتِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهُ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَقَدْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 294 وَيَحْرُمُ جَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنْ جَمَعَ بِعَقْدٍ بَطَلَ، أَوْ مُرَتَّبًا فَالثَّانِي وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ، لَا مِلْكُهُمَا   [مغني المحتاج] بَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ (وَيَحْرُمُ) ابْتِدَاءً وَدَوَامًا (جَمْعُ) امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ رَضَاعٌ لَوْ فَرَضَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا كَجَمْعِ (الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ) وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] [النِّسَاء] ، وَلِخَبَرِ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا لَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِيَّةِ الرَّحِمِ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَإِنَّ الطَّبْعَ يَتَغَيَّرُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «إنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَّعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ) خَالَفَ وَ (جَمَعَ) بَيْنَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَأُخْتَيْنِ (بِعَقْدٍ بَطَلَ) نِكَاحُهُمَا إذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى (أَوْ مُرَتَّبًا فَ) الْأَوَّلُ صَحِيحٌ. وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِهِ، هَذَا إذَا عَلِمَ عَيْنَ السَّابِقِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَطَلَا، وَإِنْ عَلِمَ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا فِي نِكَاحِ الْوَلِيَّيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ، فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ، وَخَرَجَ بِالرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ الْجَمْعُ بِالْمُصَاهَرَةِ فَجَمْعُ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ بِنْتِهِ مِنْ أُخْرَى لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَصَلَتْ بِفَرْضِ أُمِّ الزَّوْجِ ذَكَرًا فِي الْأُولَى وَبِفَرْضِ بِنْتِهِ ذَكَرًا فِي الثَّانِيَةِ لَكِنْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ وَلَا رَضَاعٌ بَلْ مُصَاهَرَةٌ، وَلَيْسَ فِيهَا رَحِمٌ يُحْذَرُ قَطْعُهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ قَيْدِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعِ بِأَنْ يُقَالَ: يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ أَيَّتُهُمَا قُدِّرَتْ ذَكَرًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ أُمَّ الزَّوْجِ وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَيْهَا زَوْجَةُ الِابْنِ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَكِنَّ زَوْجَةَ الِابْنِ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى بَلْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً عَنْهُ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى هَذَا السَّيِّدَةُ وَأَمَتُهَا لِصِدْقِ الضَّابِطِ بِهِمَا مَعَ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعَبْدٍ، وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً بِشُرُوطِهِ ثُمَّ نَكَحَ حُرَّةً عَلَيْهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ مِنْ التَّحْرِيمِ التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ الْمُقْتَضِي لِمَنْعِ النِّكَاحِ فَتَخْرُجُ هَذِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا قَدْ يَزُولُ، وَبِأَنَّ السَّيِّدَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَلَّ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ بِالْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتِ الرَّجُلِ وَرَبِيبَتِهِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَرَبِيبَةِ زَوْجِهَا مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَبَيْنَ أُخْتِ الرَّجُلِ مِنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ مِنْ أَبِيهِ إذْ لَا تَحْرُمُ الْمُنَاكَحَةُ بِتَقْدِيرِ ذُكُورَةِ إحْدَاهُمَا، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِرَاشَ قَدْ انْقَطَعَ (وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ) جَمْعُهُمَا أَيْضًا (فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ) أَوْ مِلْكٍ وَنِكَاحٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ، لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ الْعَقْدُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى (لَا مِلْكُهُمَا) أَيْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمِلْكِ كَشِرَاءِ أُخْتَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 295 فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً حَرُمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى كَبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا رَهْنٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا أَوْ عَكَسَ حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ دُونَهَا. وَلِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ. وَلِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ،   [مغني المحتاج] وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْوَطْءِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَنَحْوَهَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ (فَإِنْ وَطِئَ) طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا (وَاحِدَةً) مِنْهُمَا وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ جَاهِلَةً (حَرُمَتْ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى) بِمُحَرِّمٍ (كَبَيْعٍ) وَعِتْقٍ لِكُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا (أَوْ نِكَاحٍ) أَيْ تَزْوِيجِهَا (أَوْ كِتَابَةٍ) صَحِيحَةٍ لِئَلَّا يَحْصُلَ الْجَمْعُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، فَإِنْ وَطِئَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُولَى أَثِمَ وَلَمْ تَحْرُمْ الْأُولَى إذْ الْحَرَامُ لَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَ الْأُولَى حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الثَّانِيَةَ لِئَلَّا يَجْمَعَ الْمَاءَ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ (لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ) وَرِدَّةٍ فَإِنَّهَا لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْتِحْقَاقَ (وَكَذَا رَهْنٌ) مَقْبُوضٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْوَطْءَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَالثَّانِي: يَكْفِي الرَّهْنُ كَالتَّزْوِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ لَمْ تَحِلَّ الثَّانِيَةُ جَزْمًا، فَلَوْ عَادَ الْحِلُّ بِرَدِّ الْمَبِيعَةِ وَطَلَاقِ الْمَنْكُوحَةِ وَعَجْزِ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ الثَّانِيَةَ بَعْدُ فَلَهُ الْآنَ وَطْءُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا لَمْ يَطَأْ الْعَائِدَ حَتَّى تَحْرُمَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْأُولَى تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَاحَةً عَلَى انْفِرَادِهَا، فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَجُوسِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا كَمَحْرَمٍ فَوَطِئَهَا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى. نَعَمْ لَوْ مَلَكَ أُمًّا وَبِنْتَهَا فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا حَرُمَتْ الْأُخْرَى مُؤَبَّدًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَ الْمَوْطُوءَةَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: فَحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا لَا تَحِلُّ لَهُ الْأُخْرَى، وَحَيْثُ لَا فَوَجْهَانِ: وَقَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالْحِلِّ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ مَلَكَ شَخْصٌ أَمَةً وَخُنْثَى أَخَوَيْنِ فَوَطِئَهُ جَازَ لَهُ عَقِبَهُ وَطْءُ الْأَمَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ فَادَّعَيَا أَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً بِالرَّضَاعِ، فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتَمِدَهُمَا، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ الْأَمَةُ أَنَّ سَيِّدَهَا أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ بَعْدَ التَّمْكِينِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي الرَّضَاعِ، وَقِيَاسُ الزَّوْجَةِ فِي دَعْوَاهَا ذَلِكَ أَنَّهَا تُقْبَلُ (وَلَوْ مَلَكَهَا) أَيْ الْأَمَةَ وَطِئَهَا أَمْ لَا (ثُمَّ نَكَحَ) مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَأَنْ نَكَحَ (أُخْتَهَا) الْحُرَّةَ أَوْ عَمَّتَهَا أَوْ خَالَتَهَا (أَوْ عَكَسَ) أَيْ نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ مَلَكَ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا كَأَنْ مَلَكَ أُخْتَهَا (حَلَّتْ الْمَنْكُوحَةُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (دُونَهَا) أَيْ الْمَمْلُوكَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً؛ لِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا يُجَامِعُ النِّكَاحُ حِلَّهَا لِغَيْرِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ بَلْ يَدْفَعُهُ. (وَ) يَحِلُّ (لِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ) فَقَطْ لِأَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ نَقَلَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فِيهِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَلِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْفَضَائِلِ فَلَمْ يَلْحَقْ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْحُرِّ كَمَا لَمْ يَلْحَقْ الْحُرُّ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا. (وَ) يَحِلُّ (لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] [النِّسَاء] ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 296 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نُسْوَةٍ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحُوهُ، وَإِذَا امْتَنَعَ فِي الدَّوَامِ فَفِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى. فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 297 فَإِنْ نَكَحَ خَمْسًا مَعًا بَطَلْنَ أَوْ   [مغني المحتاج] تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ، وَفِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَجُوزُ غَيْرُ وَاحِدَةٍ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ، وَرَاعَتْ شَرِيعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَصْلَحَةَ النَّوْعَيْنِ، وَقَدْ تَتَعَيَّنُ الْوَاحِدَةُ لِلْحُرِّ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ نِكَاحٍ تَوَقَّفَ عَلَى الْحَاجَةِ كَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ وَالْحُرِّ النَّاكِحِ الْأَمَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْخَوَارِجِ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تِسْعٍ: مَثْنَى بِاثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ بِثَلَاثٍ، وَرُبَاع بِأَرْبَعٍ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ تِسْعٌ، وَبَعْضٌ مِنْهُمْ تَدُلُّ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ: مَثْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ مَا ذُكِرَ، وَهَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ (فَإِنْ نَكَحَ) الْحُرُّ (خَمْسًا) مَثَلًا (مَعًا) أَيْ بِعَقْدٍ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَوْ الْعَبْدُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ (بَطَلْنَ) إذْ لَيْسَ إبْطَالُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَبَطَلَ الْجَمِيعُ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ أَوْ فِي سِتٍّ لِلْحُرِّ وَأَرْبَعٍ لِلرَّقِيقِ أُخْتَانِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنَّمَا بَطَلَ فِيهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَتَا فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ كَانَتَا فِي سَبْعٍ لِلْحُرِّ أَوْ خَمْسٍ لِلْعَبْدِ بَطَلَ الْجَمِيعُ، وَفِي مَعْنَى الْأُخْتَيْنِ مَا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ كَمُحَرَّمَةٍ وَمُلَاعَنَةٍ وَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ (أَوْ) نَكَحَهُنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 298 مُرَتَّبًا فَالْخَامِسَةُ. وَتَحِلُّ الْأُخْتُ، وَالْخَامِسَةُ فِي عِدَّةِ بَائِنٍ لَا رَجْعِيَّةٍ. وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا أَوْ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ، وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا حَشَفَتُهُ أَوْ قَدْرُهَا، بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ،   [مغني المحتاج] (مُرَتَّبًا، فَالْخَامِسَةُ) لِلْحُرِّ، وَالثَّالِثَةُ: لِلْعَبْدِ بَطَلَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ حَصَلَ بِهَا. . فَرْعٌ: لَوْ عَقَدَ عَلَى سِتٍّ عَلَى ثَلَاثٍ مَعًا وَثِنْتَيْنِ مَعًا وَوَاحِدَةٍ وَجَهِلَ السَّابِقَ مِنْ الْعُقُودِ فَنِكَاحُ الْوَاحِدَةِ صَحِيحٌ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا أُولَى أَوْ ثَالِثَةً أَوْ رَابِعَةً، فَإِنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْعَقْدَيْنِ كَانَ ثَانِيهُمَا بَاطِلًا فَيَصِحُّ نِكَاحُهَا. قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَنِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عَقْدَيْ الْفَرِيقَيْنِ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْآخَرِ فَيَبْطُلُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَغَلَّطَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، فَقَالَ: أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ، وَهُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ، فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُ الْخَمْسِ، وَيُؤَاخَذُ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهِنَّ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِأَجْلِهِ وَيُسْأَلُ عَنْ الْبَيَانِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: هُوَ قِيَاسُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ عَقْدَانِ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بَطَلَ الْعَقْدَانِ، وَهُنَا قَدْ أَشْكَلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ ثَمَّ وَاحِدَةٌ، وَالزَّوْجُ مُتَعَدِّدٌ وَلَمْ يُعْهَدْ جَوَازُهُ أَصْلًا بَلْ مَمْنُوعٌ مِنْهُ، وَهُنَا بِالْعَكْسِ وَقَدْ عُهِدَ جَوَازُهُ، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي ذَلِكَ (وَتَحِلُّ الْأُخْتُ) وَنَحْوُهَا كَالْعَمَّةِ (وَ) الزَّائِدَةُ (الْخَامِسَةُ) أَوْ غَيْرُهَا (فِي عِدَّةِ بَائِنٍ) لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ (لَا رَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَفِي مَعْنَاهَا الْمُتَخَلِّفَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُرْتَدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهِمَا مَا بَقِيَتْ الْعِدَّةُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَأَنْكَرَتْ وَأَمْكَنَ انْقِضَاؤُهَا فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا لِزَعْمِهِ انْقِضَاءَهَا، وَلَا يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ نَفَقَتِهَا وَلَوْ وَطِئَهَا حُدَّ لِمَا ذُكِرَ أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ لِذَلِكَ. (وَإِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ ثَلَاثًا) سَوَاءٌ أَوْقَعَهُنَّ مَعًا أَمْ لَا، مُعَلَّقًا كَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا (أَوْ الْعَبْدُ) أَوْ الْمُبَعَّضُ (طَلْقَتَيْنِ) كَذَلِكَ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ) زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ مَجْنُونًا (وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا) لَا فِي غَيْرِهِ كَدُبُرِهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحْصِينُ (حَشَفَتُهُ) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَأَنْ لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنَّهُ يَكْفِي تَغْيِيبُهَا كَمَا يَكْفِي فِي تَحْصِينِهَا (أَوْ قَدْرُهَا) مِنْ فَاقِدِهَا، سَوَاءٌ أَوْلَجَ هُوَ أَمْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ أَوْلَجَ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْقُبُلِ مِنْ زِيَادَتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمُعْتَبَرُ الْحَشَفَةُ الَّتِي كَانَتْ لِهَذَا الْعُضْوِ الْمَخْصُوصِ (بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ) لِلْآلَةِ وَإِنْ ضَعُفَ الِانْتِشَارُ وَاسْتَعَانَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ أُصْبُعِهَا لِيَحْصُلَ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ الْآتِي فِي الْخَبَرِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَنْتَشِرْ لِشَلَلٍ أَوْ عُنَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَالْمُعْتَبَرُ الِانْتِشَارُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ، حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ السَّلِيمُ ذَكَرَهُ بِأُصْبُعِهِ بِلَا انْتِشَارٍ لَمْ يَحِلَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 299 وَصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ لَا طِفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِنَّ، وَلَوْ نَكَحَ بِشَرْطِ إذَا وَطِئَ طَلَّقَ أَوْ بَانَتْ أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَطَلَ،   [مغني المحتاج] كَالطِّفْلِ، فَمَا قِيلَ: إنَّ الِانْتِشَارَ بِالْفِعْلِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا (وَ) لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ (صِحَّةِ النِّكَاحِ) فَلَا يُحَلَّلُ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا مِلْكِ الْيَمِينِ وَلَا وَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ الْحِلَّ بِالنِّكَاحِ، وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ لَا يَحْنَثُ بِمَا ذَكَرَ (وَكَوْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ، لَا طِفْلًا) لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يَتَأَتَّى مِنْهُ وَهُوَ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْإِجْبَارِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ (عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِنَّ) وَفِي وَجْهِ قَوْلٍ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِخِلَافِهِ أَنَّهُ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِلَا انْتِشَارٍ لِشَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحُصُولِ صُورَةِ الْوَطْءِ وَأَحْكَامِهِ، وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَيَكْفِي الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَتَنَاوَلُهُ، وَفِي وَجْهٍ نَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاعُ يُحَلِّلُ، وَإِنَّمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ تَنْفِيرًا مِنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] [الْبَقَرَة] أَيْ الثَّالِثَةَ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] [الْبَقَرَةَ] مَعَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَالْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ: اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالْوَطْءِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْوَطْءُ نَفْسُهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْعَسَلِ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ، وَقِيسَ بِالْحُرِّ غَيْرُهُ بِجَامِعِ اسْتِيفَاءِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لَا طِفْلًا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ ذَلِكَ، بَلْ وَطْؤُهَا مُحَلِّلٌ وَإِنْ كَانَتْ طِفْلَةً لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ فِي الذَّخَائِرِ بِالْمَنْعِ كَالطِّفْلِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَوَّبَهُ، وَالْمَعْنَى يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ التَّنْفِيرُ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْبُوبَةِ حَشَفَةِ الطِّفْلِ، وَيَكْفِي وَطْءُ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ وَخَصِيٍّ وَلَوْ كَانَ صَائِمًا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ صَائِمَةً أَوْ مُظَاهَرًا مِنْهَا أَوْ مُعْتَدَّةً مِنْ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ فِي نِكَاحِ الْمُحَلَّلِ أَوْ مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ زَوْجٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَلَا يَكْفِي جِمَاعُ رَجْعِيَّةٍ وَإِنْ رَاجَعَهَا، وَلَا مُعْتَدَّةٍ لِرِدَّةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فِي الْعِدَّةِ، وَتُتَصَوَّرُ الْعِدَّةُ بِلَا وَطْءٍ بِأَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ اسْتَدْخَلَتْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ ثُمَّ وَطِئَهَا، فَهَذَا الْوَطْءُ لَا يُحَلِّلُ لِوُجُودِهِ فِي حَالِ ضَعْفِ النِّكَاحِ. وَيُشْتَرَطُ فِي تَحْلِيلِ الْبِكْرِ الِافْتِضَاضُ كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ. وَحَكَى عَنْ النَّصِّ وَإِنْ أَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ، وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ لِمُسْلِمٍ بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ فِي نِكَاحٍ نُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ تَرَافُعِهِمْ إلَيْنَا (وَلَوْ نَكَحَ) الزَّوْجُ الثَّانِي (بِشَرْطِ) أَنَّهُ (إذَا وَطِئَ طَلَّقَ) هَا قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ بَانَتْ) مِنْهُ (أَوْ فَلَا نِكَاحَ) بَيْنَهُمَا وَشَرَطَ ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ (بَطَلَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ التَّأْقِيتَ، فَإِنْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ خُرُوجًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 300 وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ. فَصْلٌ لَا يَنْكِحُ مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا بَطَلَ نِكَاحُهُ، وَلَا تَنْكِحُ مَنْ تَمْلِكُهُ أَوْ بَعْضَهُ.   [مغني المحتاج] مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ أُبْطِلَ إذَا أُضْمِرَ كُرِهَ، وَمِثْلُهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِلَا شَرْطٍ وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا وَطِئَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُحَلِّلَهَا لِلْأَوَّلِ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ الْفُرْقَةَ بَلْ شَرَطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. فَإِنْ نَكَحَهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ لَا يَطَأَهَا إلَّا نَهَارًا أَوْ إلَّا مَرَّةً مَثَلًا بَطَلَ النِّكَاحُ أَيْ لَمْ يَصِحَّ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ جِهَتِهَا لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَ الْعَقْدِ، فَإِنْ وَقَعَ الشَّرْطُ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ، وَالتَّمَكُّنُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُهُ، وَلِلرَّافِعِيِّ هُنَا إشْكَالٌ ذَكَرْتُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ (وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ) إنْ شَرَطَهُ لَا يَبْطُلُ، وَلَكِنْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُسَمَّى، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَلِلتَّنَاقُضِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ وَأَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ فَكَشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَإِنْ أَرَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. تَتِمَّةٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي التَّحْلِيلِ بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِنْ أَكْذَبَهَا الثَّانِي مِنْ وَطْئِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى فَرْجِهَا، وَالْوَطْءُ مِمَّا يَعْسُرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. نَعَمْ إنْ حَلَفَ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَطَأْ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا أَيْضًا بِيَمِينِهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلِلْأَوَّلِ تَزْوِيجُهَا وَإِنْ ظَنَّ كَذِبَهَا، لَكِنْ يُكْرَهُ. فَإِنْ قَالَ: هِيَ كَاذِبَةٌ مُنِعَ مِنْ تَزْوِيجِهَا إلَّا إنْ قَالَ بَعْدَهُ تَبَيَّنَ لِي صِدْقُهَا، وَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ بِإِزَالَةِ مَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا قَبْلَ التَّحْلِيلِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ مِنْ الرِّقِّ] ِّ (لَا يَنْكِحُ) الرَّجُلُ (مَنْ يَمْلِكُهَا) كُلَّهَا (أَوْ بَعْضَهَا) وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً لِتَنَاقُضِ أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ، إذْ الْمِلْكُ لَا يُوجِبُ الْقَسَمَ وَلَا يَقْتَضِي الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَ التَّنَاقُضِ يَثْبُتُ الْأَقْوَى وَيَسْقُطُ الْأَضْعَفُ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ أَقْوَى (وَ) عَلَى هَذَا (لَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا) مِلْكًا تَامًّا (بَطَلَ نِكَاحُهُ) أَيْ انْفَسَخَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ الرَّقَبَةَ وَالْمَنْفَعَةَ، وَالنِّكَاحُ لَا يَمْلِكُ بِهِ إلَّا ضَرْبًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ (وَلَا تَنْكِحُ) الْمَرْأَةُ (مَنْ تَمْلِكُهُ) كُلَّهُ (أَوْ بَعْضَهُ) لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 301 وَلَا الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ: أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ تَصْلُحُ،   [مغني المحتاج] أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ بَعْضَهُ مِلْكًا تَامًّا انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِالسَّفَرِ إلَى الشَّرْقِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا وَهُوَ يُطَالِبُهَا بِالسَّفَرِ مَعَهُ إلَى الْغَرْبِ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَإِذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ بِحَقِّ النِّكَاحِ بَعَثَتْهُ فِي أَشْغَالِهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ رَفَعَ الْأَقْوَى الْأَضْعَفَ كَمَا تَقَدَّمَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ تَامًّا، بِأَنْ ابْتَاعَهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ فَسَخَ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ابْتَاعَتْهُ كَذَلِكَ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ بِالتَّامِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ لِتَخْرُجَ هَذِهِ الصُّورَةُ. (وَلَا) يَنْكِحُ (الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ) أَرْبَعَةٍ: ثَلَاثَةٌ فِي النَّاكِحِ، وَوَاحِدٌ فِي الْأَمَةِ، وَهُوَ يَعُمُّ الْحُرَّ وَغَيْرَهُ، وَيَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ (أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) وَلَوْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْآيَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، ثُمَّ وَصَفَ الْحُرَّةَ بِكَوْنِهَا (تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ) بِهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَلِأَنَّ وُجُودَهَا أَعْظَمُ مِنْ اسْتِطَاعَةِ طَوْلِهَا، وَاسْتِطَاعَةُ الطَّوْلِ وَعَدَمُ خَشْيَةِ الْعَنَتِ مَانِعَانِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَهَذَا الشَّرْطُ مَعَ شَرْطِ خَوْفِ الزِّنَا مُتَّحِدَانِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ أَمِنَ مِنْ الْعَنَتِ، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْنُ مِنْ الْعَنَتِ بِلَا وُجُودِ حُرَّةٍ مَانِعًا فَلَأَنْ يَكُونَ مَعَ وُجُودِهَا أَوْلَى، فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: (قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالِحَةٍ) لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَأَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ رَتْقَاءَ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ فِي خَبَرِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى حُرَّةٍ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ تَنْبِيهٌ: جَعَلَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَحْوَطَ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ أَصَحُّ، وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحٍ، لَكِنْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْجَوَازُ أَكْثَرُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَتَصْحِيحُ الْكِتَابِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ عَجِيبٌ. وَقَالَ الْغَزِّيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُحَرَّرَ إنَّمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: الْأَحْوَطَ إلَى تَرْجِيحِهِ، وَكَيْفَ يَقْتَصِرُ فِي كِتَابٍ الْتَزَمَ فِيهِ التَّنْصِيصَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُعْظَمُ عَلَى ضَعِيفٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مُقَابِلِهِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحُرَّةِ أَيْضًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُرَّةَ وَالرَّقِيقَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْكُوحَةِ لَشَمَلَهَا. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَتَيْنِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَمَةَ غَيْرِهِ أَمَةُ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْإِعْفَافِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهُ مُعْسِرًا. وَأَمَّا أَمَةُ مُكَاتَبِهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا مُطْلَقًا، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهَا، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ: الْعَبْدُ وَلَوْ مُبَعَّضًا، فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي (وَ) ثَانِي الشُّرُوطِ (أَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً (تَصْلُحُ) لِلِاسْتِمْتَاعِ لِفَقْدِهَا أَوْ فَقْدِ صَدَاقِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ بِنِكَاحِهِ لِقُصُورِ نَسَبِهِ وَنَحْوِهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 302 قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَائِبَةٍ حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ، وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ فِي الْأُولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: جُعِلَ الْعَجْزُ عَنْ الْحُرَّةِ دُونَ صَدَاقِهَا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يَجِدْ خَلِيَّةً مِنْ زَوْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ إذَا لَمْ تَرْضَ الْحُرَّةُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا مَا لَوْ وَجَدَ أَمَةً وَحُرَّةً وَكَانَ صَدَاقُ الْأَمَةِ الَّتِي لَا يَرْضَى سَيِّدُهَا إلَّا بِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِ الْحُرَّةِ الْمَوْجُودَةِ وَلَمْ تَرْضَ الْحُرَّةُ أَيْضًا إلَّا بِمَا طَلَبَ سَيِّدُ الْأَمَةِ، فَمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَنْكِحَ بِصَدَاقِهَا حُرَّةً وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْحُرَّةِ، وَجُمْلَةُ: " تَصْلُحُ " صِفَةُ حُرَّةٍ أَيْ تَصْلُحُ تِلْكَ الْحُرَّةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ (قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ) لَهُ كَصَغِيرَةٍ، وَأَحَالَ فِي الْمُحَرَّرِ الْخِلَافَ هُنَا عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ، لَكِنْ صَحَّحَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا اشْتِرَاطَ صَلَاحِيَّتِهَا (فَلَوْ قَدَرَ عَلَى) حُرَّةٍ (غَائِبَةٍ) عَنْ بَلَدِهِ (حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا) وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَشَقَّةَ بِأَنْ يُنْسَبَ مُتَحَمِّلُهَا فِي طَلَبِ الزَّوْجَةِ إلَى الْإِسْرَافِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ (أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ) أَيْ قَصْدِ الْحُرَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ وَوُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ، وَيَجِبُ السَّفَرُ لِلْحُرَّةِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا أَمْكَنَ انْتِقَالُهَا مَعَهُ إلَى وَطَنِهِ وَإِلَّا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْمُقَامَ مَعَهَا هُنَاكَ مِنْ التَّغَرُّبِ، وَالرُّخَصُ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّضْيِيقَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِبَيْعِ مَسْكَنِهِ أَوْ خَادِمِهِ حَلَّتْ الْأَمَةُ فِي الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَمَةٌ غَيْرُ مُبَاحَةٍ، فَإِنْ وَفَّتْ قِيمَتُهَا بِمَهْرِ حُرَّةٍ أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ يَتَسَرَّى بِهَا لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ وَإِلَّا فَيَنْكِحُهَا، وَحُمِلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْخِدْمَةِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَلَا يَمْنَعُ مَالُهُ الْغَائِبُ نِكَاحَهُ الْأَمَةَ كَمَا لَا يُمْنَعُ ابْنُ السَّبِيلِ الزَّكَاةَ (وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً) تَرْضَى (بِمُؤَجَّلٍ) وَلَمْ يَجِدْ الْمَهْرَ وَهُوَ يَتَوَقَّعُ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَحَلِّ (أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ) وَهُوَ وَاجِدُهُ (فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ) وَاحِدَةٍ (فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) لِأَنَّ ذِمَّتَهُ تَصِيرُ مَشْغُولَةً فِي الْحَالِ، وَقَدْ لَا يَصْدُقُ رَجَاؤُهُ عِنْدَ تَوَجُّهِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ شَيْئًا بِنَسِيئَةٍ، وَهُوَ قَدْرُ مَهْرِهَا، أَوْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، أَوْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ، أَوْ مَنْ يَهَبُ لَهُ مَالًا أَوْ أَمَةً. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّيَمُّمِ وُجُوبَ شِرَاءِ الْمَاءِ بِمُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ يَمْتَدُّ إلَى وُصُولِهِ بَلَدَ مَالِهِ، وَرِضَاهَا بِالْمُؤَجَّلِ أَوْلَى مِنْ رِضَا رَبِّ الْمَاءِ بِتَأْجِيلِ ثَمَنِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تُمْهَرُ غَالِبًا بِالْمَهْرِ الْحَالِّ بِخِلَافِ رَبِّ الدَّيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الزَّوْجَةِ كُلْفَةً أُخْرَى وَهِيَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَإِنَّهُمَا يَجِبَانِ بِمُجَرَّدِ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْمَاءِ (دُونَ) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ. وَالثَّانِي: لَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ قَلِيلَةً لِجَرَيَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 303 وَأَنْ يَخَافَ زِنًا، فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرٍّ فَلَا خَوْفَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِسْلَامُهَا وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ   [مغني المحتاج] الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْمُهُورِ، وَلَوْ رَضِيَتْ حُرَّةٌ بِلَا مَهْرٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ لِوُجُوبِ مَهْرِهَا بِالْوَطْءِ، وَلِأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْفَرْضِ فِي الْحَالِ، فَتَشْتَغِلُ ذِمَّتُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مُوسِرٌ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ وَلَدِهِ لِوُجُوبِ إعْفَافِهِ عَلَيْهِ (وَ) ثَالِثُ الشُّرُوطِ (أَنْ يَخَافَ زِنًا) بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ وَتَضْعُفَ تَقْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ الزِّنَا أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ لَا عَلَى نُدُورٍ، فَمَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ وَلَهُ تَقْوَى أَوْ مُرُوءَةٌ أَوْ حَيَاءٌ يَسْتَقْبِحُ مَعَهُ الزِّنَا، أَوْ قَوِيَتْ شَهْوَتُهُ وَتَقْوَاهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الزِّنَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِقَّ وَلَدَهُ لِقَضَاءِ وَطَرٍ أَوْ كَسْرِ شَهْوَةٍ. وَأَصْلُ الْعَنَتِ الْمَشَقَّةُ، سُمِّيَ بِهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبُهَا بِالْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ فِي الْأُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] [النِّسَاء] وَالطَّوْلُ السَّعَةُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَبِالْعَنَتِ عُمُومُهُ لَا خُصُوصُهُ حَتَّى لَوْ خَافَ الْعَنَتَ مِنْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا لِقُوَّةِ مَيْلِهِ إلَيْهَا وَحُبِّهِ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَهْيِيجٌ مِنْ الْبَطَالَةِ وَإِطَالَةِ الْفِكْرِ، وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ اُبْتُلِيَ بِهِ وَسَلَاهُ تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الرُّويَانِيُّ: وَاجِدًا لِلطَّوْلِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ نِكَاحِهَا عِنْدَ فَقْدِ الطَّوْلِ فَيُفَوِّتُ اعْتِبَارَ عُمُومِ الْعَنَتِ، مَعَ أَنَّ وُجُودَ الطَّوْلِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِهَا، وَهَذَا الشَّرْطُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَجْبُوبَ ذَكَرُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الزِّنَا وَإِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَهُ وَلِلْخَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الْمُؤَثِّمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي جَوَازُهُ لِلْمَمْسُوحِ مُطْلَقًا؛ لِانْتِفَاءِ مَحْذُورِ رِقِّ الْوَلَدِ، وَلَوْ وَجَدَتْ الْأَمَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا، وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ وَادَّعَى الزَّوْجُ حُدُوثَ الْجَبِّ بَعْدَ النِّكَاحِ، وَأَمْكَنَ حُكِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهَا بُطْلَانُ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُهُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مُنْدَمِلًا وَقَدْ عُقِدَ النِّكَاحُ أَمْسِ حُكِمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ (فَلَوْ أَمْكَنَهُ) أَيْ مَنْ خَافَ زِنًا (تَسَرٍّ) بِأَمَةٍ صَالِحَةٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِأَنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَكَانَ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَالِ لَا يَكْفِي لِلتَّزَوُّجِ بَلْ لِلتَّسَرِّي (فَلَا خَوْفَ) حِينَئِذٍ مِنْ الزِّنَا قَطْعًا فَلَا يَنْكِحُ الْأَمَةَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَمْنِهِ الْعَنَتَ مَعَ وُجُودِهَا فَلَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى إرْقَاقِ وَلَدِهِ. وَالثَّانِي: تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الْحُرَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُحَرَّرِ لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لَا فِي الْخَوْفِ لِلْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ (وَ) رَابِعُ الشُّرُوطِ (إسْلَامُهَا) أَيْ الْأَمَةِ الَّتِي يَنْكِحُهَا الْحُرُّ، فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] [النِّسَاءَ] وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نُقْصَانٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَّرَ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ وَهُمَا الْكُفْرُ وَالرِّقُّ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ لِاجْتِمَاعِ نَقْصَيْ الْكَافِرِ وَعَدَمِ الْكِتَابِ. تَنْبِيهٌ: سُكُوتُهُ عَنْ اعْتِبَارِ إسْلَامِ سَيِّدِهَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْكُوحَةِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إرْقَاقِ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ (وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 304 أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي الْمَشْهُورِ، وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ كَرَقِيقَةٍ. وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ، وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ بَطَلَتْ الْأَمَةُ، لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدِّينِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا لَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَرِّحْ الشَّيْخَانِ فِي الْحُرِّ الْكِتَابِيِّ بِاشْتِرَاطِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَفَقْدِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَاَلَّذِي فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ اشْتِرَاطُهُمَا كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِثْلَهُ إلَّا فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنِكَاحُ الْحُرِّ الْمَجُوسِيِّ أَوْ الْوَثَنِيِّ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْوَثَنِيَّةَ كَنِكَاحِ الْكِتَابِيِّ الْكِتَابِيَّةَ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا طَلَبُوا مِنْ قَاضِينَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ (لَا) أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ (لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ) فَلَا تَحِلُّ لَهُ (فِي الْمَشْهُورِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نِكَاحِهَا كُفْرُهَا فَسَاوَى الْحُرَّ كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ. وَالثَّانِي: لَهُ نِكَاحُهَا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّقِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ أَنْ لَا تَكُونَ مَوْقُوفَةً عَلَى النَّاكِحِ وَلَا مُوصًى لَهُ بِخِدْمَتِهَا (وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ) وَبَاقِيهَا حُرٌّ حُكْمُهُ (كَرَقِيقَةٍ) كُلِّهَا فَلَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ مَحْذُورٌ. تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى مُبَعَّضَةٍ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ إرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَهْوَنُ مِنْ إرْقَاقِ كُلِّهِ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْمَنْعِ اُقْتُصِرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ تَخْفِيفَ الرِّقِّ مَطْلُوبٌ، وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضَةِ يَنْعَقِدُ مُبَعَّضًا وَهُوَ الرَّاجِحُ أَيْضًا. أَمَّا إذَا قُلْنَا يَنْعَقِدُ حُرًّا كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ امْتَنَعَ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَطْعًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَوْلَادِ أَمَتِهِ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ لِرِقِّ أَوْلَادِهَا. نَعَمْ الْمَمْسُوحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي، وَكَذَا مَنْ أَوْصَى لَهُ بِأَوْلَادِهَا فَإِنَّهُمْ يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ. وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ كَالرَّقِيقِ فَيَنْكِحُ الْأَمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحُرَّةِ، كَمَا أَنَّ الْمُبَعَّضَةَ كَالْأَمَةِ كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى فَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةِ: يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَالَ (وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ) أَيْ شُرُوطِ نِكَاحِ الْأَمَةِ (ثُمَّ أَيْسَرَ) وَلَمْ يَنْكِحْ (أَوْ نَكَحَ حُرَّةً) بَعْدَ يَسَارِهِ (لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ) أَيْ نِكَاحُهَا لِقُوَّةِ الدَّوَامِ وَلِهَذَا الْإِحْرَامِ الْعِدَّةُ وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ دُونَ دَوَامِهِ (وَلَوْ جَمَعَ مَنْ) أَيْ شَخْصٌ (لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ) بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ نِكَاحِهَا السَّابِقَةُ (حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ) كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ قَالَ لَهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَأَمَتِي قَبِلْت نِكَاحَهُمَا (بَطَلَتْ الْأَمَةُ) أَيْ نِكَاحُهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ نِكَاحِهَا فَقْدُ الْحُرَّةِ (لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ) مِنْ قَوْلِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِعَقْدٍ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ وَزَوَّجْتُك أَمَتِي بِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْبِنْتَ ثُمَّ الْأَمَةَ، أَوْ قَبِلَ الْبِنْتَ فَقَطْ صَحَّتْ الْبِنْتُ جَزْمًا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَلَوْ قُدِّمَتْ الْأَمَةُ فِي تَفْصِيلِهَا إيجَابًا وَقَبُولًا صَحَّ نِكَاحُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 305 فَصْلٌ يَحْرُمُ   [مغني المحتاج] الْبِنْتِ، وَكَذَا الْأَمَةُ فِيمَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا إنْ قَبِلَ الْحُرَّةَ بَعْدَ صِحَّةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَلَوْ فَصَّلَ الْوَلِيُّ الْإِيجَابَ وَجَمَعَ الزَّوْجُ الْقَبُولَ أَوْ عَكْسَهُ فَكَتَفْصِيلِهَا فِي الْأَصَحِّ. أَمَّا لَوْ جَمَعَهُمَا مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِعَقْدٍ كَأَنْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْجِيلِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْأَمَةِ قَطْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَارِنُ الْحُرَّةَ كَمَا لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا. وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَفِيهَا طَرِيقَانِ: أَرْجَحُهُمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَكَانَتَا كَالْأُخْتَيْنِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْأُخْتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا أَقْوَى، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ، وَغَيْرَهُ فِيمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، فَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ لِذَلِكَ، وَأَيْضًا مَنْ تَحِلُّ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ حُرٍّ صَحَّ نِكَاحُهُمَا وَإِلَّا فَكَالْحُرَّةِ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يُرَدُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ فِي عَقْدٍ بَيْنَ أُخْتَيْنِ إحْدَاهُمَا حُرَّةٌ وَالْأُخْرَى أَمَةٌ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْحُرَّةِ دُونَ الْأَمَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مُسْلِمَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا صَحَّ فِي الْمُسْلِمَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَمَحْرَمٍ، أَوْ خَلِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ بَطَلَ نِكَاحُهُمَا قَطْعًا كَالْأُخْتَيْنِ. تَتِمَّةٌ: وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا تَبَعًا لَهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْحُرُّ عَرَبِيًّا، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ شُبْهَةٍ لَا تَقْتَضِي حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ أَوْ مِنْ زِنًا، وَلَوْ تَزَوَّجَ بِأُمِّ وَلَدِ الْغَيْرِ فَوَلَدُهُ مِنْهَا كَالْأُمِّ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ وَلَدَ الْمُسْتَوْلَدَةِ يَكُونُ حُرًّا فَيَكُونُ حُرًّا كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلسَّيِّدِ. [فَصْلٌ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ] فَصْلٌ فِي نِكَاحِ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ مِنْ الْكَافِرَاتِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، وَهُنَّ ثَلَاثُ فِرَقٍ: الْأُولَى: مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَابِدَةِ شَمْسٍ أَوْ صُورَةٍ كَصَنَمٍ، وَكَذَا الْمُعْتَقِدَةُ لِمَذْهَبِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ مُعْتَقِدُهُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ لَهَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَمَجُوسِيَّةٍ. الثَّالِثَةُ: مَنْ لَهَا كِتَابٌ مُحَقَّقٌ كَيَهُودِيَّةٍ وَنَصْرَانِيَّةٍ، وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفِرْقَةِ الْأُولَى فَقَالَ: (يَحْرُمُ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 306 نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ.   [مغني المحتاج] عَلَى الْمُسْلِمِ (نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا) أَصْلًا (كَوَثَنِيَّةٍ) وَهِيَ عَابِدَةُ الْوَثَنِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عَابِدَةُ الصَّنَمِ إذَا قُلْنَا بِتَرَادُفِهِمَا، وَقِيلَ: الصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا، وَالْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ، أَوْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُصَوَّرِ وَغَيْرِ الْمُصَوَّرِ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ صَنَمٍ وَثَنٌ وَلَا عَكْسَ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ. أَمَّا الْحُكْمُ فَلَا يَخْتَلِفُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ: (وَمَجُوسِيَّةٍ) وَهِيَ عَابِدَةُ النَّارِ إذْ لَا كِتَابَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 307 وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ   [مغني المحتاج] بِأَيْدِي قَوْمِهَا الْآنَ وَلَمْ نَتَيَقَّنْهُ مِنْ قَبْلُ فَتَحْتَاطُ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ وَمَجُوسِيَّةٌ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا لَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى وَثَنِيَّةٍ حَتَّى يَقْتَضِيَ أَنَّهُ لَا كِتَابَ لَهَا أَصْلًا فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ: (وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ) أَيْ نِكَاحُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] [النِّسَاءَ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 308 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَيْ حِلٌّ لَكُمْ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] [الْبَقَرَةَ] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 309 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] نَعَمْ يُسْتَثْنَى نِكَاحُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ؛ لِأَنَّهَا تُكْرَهُ صُحْبَتَهُ، وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 310 لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] [الْأَحْزَابَ] وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُشْرِكَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضَعَ مَاءَهُ فِي رَحِمِ كَافِرَةٍ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّسَرِّي بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا حِلُّ التَّسَرِّي لَهُ بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَاسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَطَأُ صَفِيَّةَ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ» . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: تَسَرَّى بِرَيْحَانَةَ وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّكَاحِ أَصَالَةُ التَّوَالُدِ فَاحْتِيطَ لَهُ، وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمِلْكِ فِيهِمَا. وَفِي تَحْرِيمِ الْوَثَنِيَّةِ عَلَى الْكِتَابِيِّ وَجْهَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّحْرِيمُ وَهَلْ تَحْرُمُ الْوَثَنِيَّةُ عَلَى الْوَثَنِيِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي إنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا حِلَّ وَلَا حُرْمَةَ. وَلَا فَرْقَ فِي حِلِّ الْكِتَابِيَّةِ لِلْمُسْلِمِ بَيْنَ الْحَرْبِيَّةِ وَالذِّمِّيَّةِ (لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ) لَيْسَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ قَهْرِنَا وَقَدْ تُسْتَرَقُّ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَلَا تُصَدَّقُ فِي أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ مُسْلِمٍ وَلِمَا فِي الْمَيْلِ إلَيْهَا مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَكَذَا) تُكْرَهُ (ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِمَا مَرَّ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، لَكِنَّ الْحَرْبِيَّةَ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِنْهَا، وَالثَّانِي: لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ إهَانَةٌ وَالْكَافِرَةُ جَدِيرَةٌ بِذَلِكَ، هَذَا إذَا وَجَدَ مُسْلِمَةً، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 311 وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا إنْ عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي قَبْلَ نَسْخِهِ.   [مغني المحتاج] الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ بِاسْتِحْبَابِ نِكَاحِهَا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَفَّالُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي إبَاحَةِ الْكِتَابِيَّةِ مَا يُرْجَى مِنْ مَيْلِهَا إلَى دِينِ زَوْجِهَا فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ الْمَيْلُ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَإِيثَارِهِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَلِهَذَا حَرُمَتْ الْمُسْلِمَةُ عَلَى الْمُشْرِكِ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُ الْمُسْلِمَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالتَّسَرِّي هُنَاكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ (وَالْكِتَابِيَّةُ: يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] [الْأَعْرَافَ] وَالْأُولَى: اُشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْ يَهُودِ بْنِ يَعْقُوبَ. وَالثَّانِيَةُ: مِنْ نَاصِرَةَ قَرْيَةٍ بِالشَّامِ كَانَ مَبْدَأُ دِينِ النَّصَارَى مِنْهَا (لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ، وَهُوَ كِتَابُ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَغَيْرِهِ) كَصُحُفِ شِيثٍ وَإِدْرِيسَ وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فَلَا تَحِلُّ لِمُسْلِمٍ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِالْجِزْيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ وَيُتْلَى، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إلَيْهِمْ مَعَانِيهَا. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ لَا أَحْكَامٌ وَشَرَائِعُ، وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ بَيْنَ الْكِتَابِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ فِيهَا نَقْصًا وَاحِدًا وَهُوَ كُفْرُهَا وَغَيْرُهَا فِيهَا نُقْصَانُ الْكُفْرِ وَفَسَادُ الدِّينِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهُوَ يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ كَانَتْ مِنْ الرُّومِ وَنَحْوِهِ. فَائِدَةٌ: إسْرَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ عَبْدٌ وَإِيَّلُ اسْمُ اللَّهِ (فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا) لِلْمُسْلِمِ (إنْ عَلِمَ دُخُولَ قَوْمِهَا) أَيْ آبَائِهَا أَيْ أَوَّلِهِمْ أَيْ أَوَّلِ مَنْ تَدَيَّنَ مِنْهُمْ (فِي ذَلِكَ الدِّينِ) أَيْ دِينِ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ) لِتَمَسُّكِهِمْ بِذَلِكَ الدِّينِ حِينَ كَانَ حَقًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا كَمَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ قَطْعًا، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِفَقْدِ النَّسَبِ (وَقِيلَ يَكْفِي) دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ (قَبْلَ نَسْخِهِ) وَلَوْ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - تَزَوَّجُوا مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إنْ دَخَلُوا فِيهِ بَعْدَ التَّحْرِيفِ، فَإِنْ تَمَسَّكُوا بِغَيْرِ الْمُحَرَّفِ فَكَمَا قَبْلَ التَّحْرِيفِ فَتَحِلُّ فِي الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ التَّحْرِيمُ إذَا شَكَّ هَلْ دَخَلُوا قَبْلَ التَّحْرِيفِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَا تَحْرُمُ ذَبَائِحُهُمْ وَلَكِنْ يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، أَمَّا مَنْ دَخَلَ أَوَّلُ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَحِلُّ، وَكَذَا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً عَمَّا إذَا كَانَتْ إسْرَائِيلِيَّةً نِسْبَةً إلَى إسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ لَا يَعْلَمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ بَعْثَةٍ تَنْسَخُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَذَلِكَ بِأَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 312 وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَكَذَا جَنَابَةٌ، وَتَرْكِ أَكْلِ خِنْزِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] عَلِمَ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَوْ شَكَّ، وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ فِيهِ بَعْدَ تَحْرِيفِهِ أَوْ بَعْدَ بَعْثَةٍ لَا تَنْسَخُهُ كَبَعْثَةِ مَنْ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى فَإِنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِشَرَفِ نَسَبِهَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْيَهُودِ وَإِلَى النَّصَارَى فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَأَنَّ آبَاءَهُمْ دَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَبْدِيلِهِ أَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَقَبْلَ النَّسْخِ أَيْ وَاجْتَنَبُوا الْمُبَدَّلَ. قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: إنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ الْقَبُولِ. قَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِالتَّشَوُّفِ إلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ، فَإِنَّهُ يُحْتَاطُ لَهَا قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْيَوْمَ اهـ. وَاعْتَمَدَ الْفَرْقَ الْأَذْرَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَنِكَاحُ الذِّمِّيَّاتِ فِي وَقْتِنَا مُمْتَنِعٌ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَيَشْهَدَانِ بِصِحَّةِ مَا يُوَافِقُ دَعْوَاهُمْ، أَمَّا بَعْدَ النَّسْخِ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تُفَارِقُ فِيهِ الْإِسْرَائِيلِيَّة غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِسُقُوطِ فَضِيلَةِ النَّسَبِ بِالنَّسْخِ، وَأَمَّا مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَلْ نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى أَوْ خَصَّصَتْهَا، وَالنَّاسِخُ شَرِيعَتُنَا، وَفِيهِ خِلَافٌ، قِيلَ: خَصَّصَتْهَا؛ لِأَنَّ عِيسَى مُقَرِّرٌ شَرِيعَةَ التَّوْرَاةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ كُلَّ شَرِيعَةٍ نَسَخَتْ الَّتِي قَبْلَهَا كَشَرِيعَةِ عِيسَى نَسَخَتْ شَرِيعَةَ مُوسَى، وَشَرِيعَتِنَا نَسَخَتْ سَائِرَ الشَّرَائِعِ اهـ. وَحُكْمُ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِيمَنْ ذُكِرَ حُكْمُ النِّكَاحِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي وَطْءِ السَّبَايَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا عَسُرَ فِيمَا يَظْهَرُ. (وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ) وَغَيْرِهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الزَّوْجِيَّةِ بِخِلَافِ التَّوَارُثِ كَمَا مَرَّ وَبِخِلَافِ الْقَذْفِ، فَإِنَّ فِي قَذْفِهَا التَّعْزِيرَ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُ دَفْعُهَا بِاللِّعَانِ، وَفِي أَنَّهُ يُكْرَهُ نِكَاحُهَا (وَتُجْبَرُ) الزَّوْجَةُ الْمُمْتَنِعَةُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً وَكَذَا الْأَمَةُ (عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) أَيْ لِلْحَلِيلِ إجْبَارُهَا عَلَى ذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ لِتَوَقُّفِ حِلِّ الْوَطْءِ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ الْحِلَّ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ، لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِاسْتِمْتَاعِ لَا أَصْلُهُ عَلَى عَقِيدَتِهِ فَهُوَ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَسْتَبِيحُ بِهَذَا الْغُسْلِ الْوَطْءَ وَإِنْ لَمْ تَتَوَضَّأْ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمُسْلِمَةِ الْمَجْنُونَةِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَكَذَا جَنَابَةٌ) أَيْ تُجْبَرُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى غُسْلِهَا مِنْ الْجَنَابَةِ (وَ) عَلَى (تَرْكِ أَكْلِ) لَحْمِ (خِنْزِيرٍ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ كَمَالُ التَّمَتُّعِ عَلَى زَوَالِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا تُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: لَا إجْبَارَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالذِّمِّيَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ تُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَطْعًا وَهُوَ مَا جَارَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيَّ وَقَيَّدَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بِمَا إذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فِي بَالِغَةٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 313 وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا. وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةُ   [مغني المحتاج] قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَحْضُرْ صَلَاةً فَفِي إجْبَارِهَا الْقَوْلَانِ، وَالْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ حَقَّ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِمْتَاعِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَوْجَهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إجْبَارِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَى مَنْعِ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ حِلَّهُ كَالنَّصْرَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ تَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَالْيَهُودِيَّةِ مَنَعَهَا مِنْهُ قَطْعًا (وَ) الْكِتَابِيَّةُ (تُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا كَمَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالتَّنْجِيسِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِعُضْوٍ نَجِسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ يُتَوَلَّدُ مِنْهُ تَنْجِيسٌ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَفِي قَدْرِ مَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْغَسْلِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا: سَبْعًا كَوُلُوغِهِ. وَالثَّانِي: مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ اهـ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَعْضَاءِ قَدْ يُخْرِجُ الثَّوْبَ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ مَا كَانَ نَجِسًا قَطْعًا، وَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ لُبْسِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ دِبَاغِهِ، وَلُبْسِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَلَهُ إجْبَارُهَا أَيْضًا عَلَى التَّنْظِيفِ بِالِاسْتِحْدَادِ وَقَلْمِ الْأَظَافِرِ وَإِزَالَةِ شَعْرِ الْإِبِطِ وَالْأَوْسَاخِ إذَا تَفَاحَشَ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَتِهِ كَبَصَلٍ وَثُومٍ، وَمِنْ أَكْلِ مَا يُخَافُ مِنْهُ حُدُوثُ الْمَرَضِ، وَلَهُ مَنْعُ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ شُرْبِ مَا يُسْكِرُ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ كَمَا يَمْنَعَ الْمُسْلِمَةَ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ إذَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسسْكِرُ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ وَكَالزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ السَّيِّدُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْوَثَنِيَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَفَادَهَا الْأَمَانَ مِنْ الْقَتْلِ. (وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ) أَوْ مَجُوسِيٍّ (وَكِتَابِيَّةٍ) جَزْمًا؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَهُوَ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ (وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ (فِي الْأَظْهَرِ) تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي: تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا تُنْسَبُ لِلْأَبِ، وَهَذَا فِي صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ، فَإِنْ بَلَغَتْ عَاقِلَةً ثُمَّ تَبِعَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا لَحِقَتْ بِهِ فَيَحِلُّ نِكَاحُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ فِيهَا شُعْبَةٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّا غَلَّبْنَا التَّحْرِيمَ مَا دَامَتْ تَابِعَةً لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاسْتَقَلَّتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ قَوِيَتْ تِلْكَ الشُّعْبَةُ، وَقِيلَ لَا تَلْحَقُ بِهِ فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا كَالْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ مَجُوسِيِّينَ، وَتَأَوَّلَ قَائِلُهُ النَّصَّ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا فَبَلَغَتْ وَاخْتَارَتْ دِينَ أَحَدِهِمَا، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَتَأْوِيلُ النَّصِّ بِمَا ذُكِرَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَوَّرَهَا فِي الْأُمِّ بِأَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا نَصْرَانِيٌّ وَالْآخَرَ مَجُوسِيٌّ اهـ. فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ هُنَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ لِمَا عُرِفَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَرَجَّحُوهُ (وَإِنْ خَالَفَتْ السَّامِرَةُ) وَهِيَ طَائِفَةٌ تُعَدُّ مِنْ الْيَهُودِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنِسْبَتِهَا إلَى أَصْلِهَا السَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 314 الْيَهُودَ وَالصَّابِئُونَ   [مغني المحتاج] (الْيَهُودَ، وَالصَّابِئُونَ) ، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى سُمِّيَتْ بِذَلِكَ. قِيلَ: لِنِسْبَتِهَا إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيلَ: لِخُرُوجِهَا مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ يُسَمُّونَ الصَّحَابَةَ صَابِئَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 315 النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِينِهِمْ حَرُمْنَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُقَرَّ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] لِخُرُوجِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ (النَّصَارَى فِي أَصْلِ) أَيْ أُصُولِ (دِينِهِمْ حَرُمْنَ) لِكُفْرِهِمْ بِكِتَابِهِمْ وَإِنْ وَافَقُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ عَلِمْنَا بِهِ، وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ (فَلَا) يَحْرُمْنَ لِأَنَّهُمْ مُبْتَدِعَةٌ كَمَا فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَإِطْلَاقُ الصَّابِئَةِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ هُوَ الْمُرَادُ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَوْمٍ أَقْدَمَ مِنْ النَّصَارَى كَانُوا فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ: إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَيَقُولُونَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُدَبِّرَةُ فَيُضِيفُونَ الْآثَارَ إلَيْهَا وَيَنْفُونَ الصَّانِعَ الْمُخْتَارَ، وَوُجِدُوا فِي زَمَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَأَفْتَيَا بِقَتْلِهِمْ لَمَّا اسْتَفْتَى الْقَاهِرُ الْفُقَهَاءَ فِيهِمْ، فَبَذَلُوا لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَتَرَكَهُمْ، فَالْبَلَاءُ قَدِيمٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا شَكَكْنَا أَيُخَالِفُونَهُمْ فِي الْأُصُولِ أَمْ الْفُرُوعِ؟ وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ لَا يُنَاكَحُونَ. (وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ (لَمْ يُقَرَّ) بِالْجِزْيَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] الجزء: 4 ¦ الصفحة: 316 فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ تَوَثَّنَ لَمْ يُقَرَّ، وَفِيمَا يُقْبَلُ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ. وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ، وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ   [مغني المحتاج] وَقَدْ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلًا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِهِ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ. وَالثَّانِي: يُقَرُّ لِتَسَاوِيهِمَا فِي التَّقْرِيرِ بِالْجِزْيَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ الْحَقِّ، وَلَيْسَ كَالْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الدِّينَ الْحَقَّ، وَصَرَّحَ بِتَرْجِيحِ هَذَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلَهُ: (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً) نَصْرَانِيَّةً تَهَوَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ (لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تُقَرُّ كَالْمُسْلِمَةِ (فَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (فَكَرِدَّةِ) أَيْ فَتَهَوُّدُهَا أَوْ تَنَصُّرُهَا كَرِدَّةِ (مُسْلِمَةٍ) تَحْتَهُ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ رِدَّتِهَا قَرِيبًا (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ) لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِمَا مَرَّ (وَفِي قَوْلٍ) يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ (أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ) لِأَنَّهُ كَانَ مُقَرًّا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِأَحَدِهِمَا إذْ الْبَاطِلُ لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ عَيْنًا، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ وَعَادَ إلَى دِينِهِ الْأَوَّلِ تُرِكَ، فَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الثَّانِي أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَأْمَنٌ كَمَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ حَرْبِيٌّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِ قَتَلْنَاهُ فَإِنْ قِيلَ: مَنْ فَعَلَ مَا يَنْتَقِضُ بِهِ عَهْدُهُ مِنْ قِتَالٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَبْلُغْ الْمَأْمَنَ بَلْ يُقْتَلُ فَهَلَّا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِتَعَدِّي ضَرَرِ مَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ بِمَا ذُكِرَ إلَيْنَا بِخِلَافِ الْمُنْتَقِلِ ضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، أَمَّا لَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَنَا وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ لِمَصْلَحَةِ قَبُولِهَا (وَلَوْ تَوَثَّنَ) يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ (لَمْ يُقَرَّ) بِالْجِزْيَةِ قَطْعًا لِمَا مَرَّ (وَفِيمَا يُقْبَلُ) مِنْهُ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا الْإِسْلَامُ فَقَطْ. وَالثَّانِي هُوَ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَحْتَ مُسْلِمٍ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ فِيمَا يَأْتِي (وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ) بِالْجِزْيَةِ (وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ) فِي حَقِّهِ (كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ) فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ حَالُهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِانْتِقَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُهُ بِذَلِكَ. (وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ) لَا لِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ لَا تُقَرُّ وَلَا لِكَافِرٍ أَصْلِيٍّ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ وَلَا لِمُرْتَدٍّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النِّكَاحِ الدَّوَامُ، وَالْمُرْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ (وَلَوْ ارْتَدَّ زَوْجَانِ) مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ) حَيْثُ لَا عِدَّةَ بِاسْتِدْخَالِ مَنِيِّ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ (تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ تَأَكُّدِهِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ الدُّخُولِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 317 وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنْ الرِّدَّةِ، وُقِفَتْ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ،   [مغني المحتاج] بِمَا ذُكِرَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا (فَالْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا تَتَبَيَّنُ (مِنْ) حِينِ (الرِّدَّةِ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا. مَعْنَاهُ (وُقِفَتْ) تِلْكَ الْفُرْقَةُ، وَحِينَئِذٍ (فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ) بَيْنَهُمَا لِتَأَكُّدِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 318 وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي التَّوَقُّفِ وَلَا حَدَّ. بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ دِينٍ بَعْدَ الْمَسِيسِ، فَلَا يُوجِبُ الْفَسْخَ فِي الْحَالِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ (وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي) مُدَّةِ (التَّوَقُّفِ) لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ فَيَتَبَيَّنُ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ، وَحُصُولُ الْوَطْءِ فِي الْبَيْنُونَةِ (وَ) لَكِنْ لَوْ وَطِئَ (لَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَهِيَ بَقَاءُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْهُ، وَهُمَا عِدَّتَانِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ رَجْعِيًّا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلٍ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ فَالنَّصُّ هُنَا السُّقُوطُ، وَفِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا وَطِئَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ شَعَثَ الرِّدَّةِ زَالَ بِالْإِسْلَامِ، وَرَجَعَ النِّكَاحُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ لِنُقْصَانِ عَدَدِ الطَّلَاقِ. تَتِمَّةٌ: إذَا طَلَّقَهَا فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا، وَلَا أَرْبَعًا سِوَاهَا فِي زَمَنِ التَّوَقُّفِ، وَلَا أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً لِاحْتِمَالِ إسْلَامِهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ أَوْ خَالَعَهَا جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَدْ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ، وَإِلَّا فَبِالطَّلَاقِ أَوْ الْخُلْعِ. خَاتِمَةٌ: فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، أَنَّهُ إذَا كَانَ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَذِمِّيَّةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَقَالَ لِلْمُسْلِمَةِ ارْتَدَدْت. وَقَالَ لِلذِّمِّيَّةِ أَسْلَمْت فَأَنْكَرَتَا ارْتَفَعَ نِكَاحُهُمَا بِزَعْمِهِ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْمُسْلِمَةَ ارْتَدَّتْ وَحَرُمَتْ، وَأَنَّ الذِّمِّيَّةَ أَسْلَمَتْ وَأَنْكَرَتْ، فَصَارَتْ مُرْتَدَّةً بِإِنْكَارِهَا وَحَرُمَتْ، أَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فَيُوقَفُ النِّكَاحُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. [بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ] ِ وَهُوَ الْكَافِرُ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْكِتَابِيَّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1] [الْبَيِّنَةَ] وَلِذَا قَالَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 319 أَسْلَمَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ دَامَ نِكَاحُهُ أَوْ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ دَامَ نِكَاحُهُ، وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنْ إسْلَامِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَأَصَرَّ فَكَعَكْسِهِ.   [مغني المحتاج] الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ الْمُشْرِكَ وَالْكِتَابِيَّ كَمَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا فِي الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إنْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ اخْتَلَفَ مَدْلُولُهُمَا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا تَنَاوَلَ الْآخَرَ اهـ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُطْلَقُ عَلَى الْكِتَابِيِّ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ يَعْبُدُ مَنْ لَمْ يَبْعَثْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَمِنْ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (أَسْلَمَ) كَافِرٌ (كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ) كَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ (وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ) حُرَّةٌ أَوْ ثِنْتَانِ فِي عَبْدٍ أَوْ أَرْبَعٌ فِي حُرٍّ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ (دَامَ نِكَاحُهُ) بِالْإِجْمَاعِ لِجَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ لِمَنْ ذُكِرَ (أَوْ) أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ (وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ) أَوْ كِتَابِيَّةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ الَّتِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ نِكَاحُهَا (فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا، وَاسْتَدْخَلَ مَنِيَّ مُحْتَرَمٍ (تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَبِينُ بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ دُخُولٍ بِهَا، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا مَرَّ (وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ) وَلَوْ تَبَعًا (دَامَ نِكَاحُهُ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أَنَّ امْرَأَةً أَسْلَمَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَزَوَّجَتْ فَجَاءَ زَوْجُهَا. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي كُنْتُ أَسْلَمْتُ وَعَلِمْت بِإِسْلَامِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ زَوْجِهَا وَرَدَّهَا إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ» (وَإِلَّا) بِأَنْ أَصَرَّتْ إلَى انْقِضَائِهَا (فَالْفُرْقَةُ) بَيْنَهُمَا حَاصِلَةٌ (مِنْ) حِينِ (إسْلَامِهِ) أَمَّا الْأَمَةُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا (وَلَوْ أَسْلَمَتْ) زَوْجَتُهُ (وَأَصَرَّ) الزَّوْجُ عَلَى كُفْرِهِ (فَكَعَكْسِهِ) هُوَ مَا لَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ هِيَ، وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُهُ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ قَبْلَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَهَا بِنَحْوِ شَهْرٍ، وَاسْتَقَرُّوا عَلَى النِّكَاحِ، قَالَ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 320 وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا دَامَ النِّكَاحُ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ. (وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا) عَلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (دَامَ النِّكَاحُ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 321 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ دِينُهُمَا فِي الْكُفْرِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 322 وَالْمَعِيَّةُ بِآخِرِ اللَّفْظِ.   [مغني المحتاج] (وَالْمَعِيَّةُ) فِي الْإِسْلَامِ (بِآخِرِ اللَّفْظِ) الَّذِي يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا بِأَنْ يَقْتَرِنَ آخِرُ كَلِمَةٍ مِنْ إسْلَامِهِ بِآخِرِ كَلِمَةٍ مِنْ إسْلَامِهَا سَوَاءٌ أَوْقَعَ أَوَّلَ حَرْفٍ مِنْ لَفْظِهِمَا مَعًا أَمْ لَا، وَإِسْلَامُ أَبَوَيْ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ أَوْ الْمَجْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الزَّوْجَةُ الْبَالِغَةُ وَأَبُو زَوْجِهَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ مَعًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُ، كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ لِتَرَتُّبِ إسْلَامِهِ عَلَى إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَدْ سَبَقَتْهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ عَقِبَ إسْلَامِ الْأَبِ وَلَمْ يَدْخُلْ الصَّغِيرُ أَوْ الْمَجْنُونُ بِهَا بَطَلَ النِّكَاحُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ يَحْصُلُ حُكْمًا، وَإِسْلَامَهَا يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ، وَالْحُكْمِيُّ يَكُونُ سَابِقًا لِلْقَوْلِيِّ فَلَا يَتَحَقَّقُ إسْلَامُهُمَا مَعًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ قَالَهُ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي وَالْخُوَارِزْمِيّ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي ذَلِكَ هُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 323 وَحَيْثُ أَدَمْنَا لَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الْآنَ،   [مغني المحتاج] الْفِقْهُ. (وَحَيْثُ أَدَمْنَا) أَيْ حَكَمْنَا بِدَوَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا (لَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ الْوَاقِعِ فِي الْكُفْرِ (لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ) وَاعْتَقَدُوا صِحَّتَهُ (وَكَانَتْ) تِلْكَ الزَّوْجَةُ (بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الْآنَ) لَوْ ابْتَدَأَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا تُعْتَبَرُ حَالَ نِكَاحِ الْكَافِرِ فَلْتُعْتَبَرْ حَالَ الِالْتِزَامِ بِالْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعَقْدُ عَنْ شُرُوطِهِ فِي الْحَالَيْنِ مَعًا، وَيَكْفِي الْحِلُّ فِي بَعْضِ الْمَذَاهِبِ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 324 وَإِنْ بَقِيَ الْمُفْسِدُ فَلَا نِكَاحَ فَيُقَرُّ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ، وَفِي عِدَّةٍ هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، وَمُؤَقَّتٍ، إنْ اعْتَقَدُوهُ مُؤَبَّدًا، وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الْإِسْلَامَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيِّ، فَإِنْ اعْتَقَدُوا فَسَادَهُ وَانْقِطَاعَهُ فَلَا تَقْرِيرَ بَلْ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ، وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالِاسْتِمْرَارِ مَعَ اقْتِرَانِ الْمُفْسِدِ بِالْعَقْدِ تَخْفِيفًا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ (وَإِنْ بَقِيَ الْمُفْسِدُ) الْمَذْكُورُ عِنْدَ الْإِسْلَامِ بِحَيْثُ تَكُونُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ الْآنَ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَوْ زَالَ عِنْدَهُ وَاعْتَقَدُوا فَسَادَهُ كَمَا مَرَّ (فَلَا نِكَاحَ) يَدُومُ بَيْنَهُمَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا فِي رَضَاعٍ أَوْ جِمَاعٍ رَافِعَيْنِ لِلنِّكَاحِ. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُفْسِدِ الزَّائِلِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: (فَيُقَرُّ) تَخْفِيفًا (فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَ) لَا (شُهُودٍ) وَبِلَا إذْنِ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ، وَالْوَلِيُّ غَيْرُ أَبٍ أَوْ جَدٍّ، إذْ لَا مُفْسِدَ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، وَنِكَاحُهَا الْآنَ جَائِزٌ (وَ) يُقَرُّ أَيْضًا فِي نِكَاحٍ وَقَعَ (فِي عِدَّةٍ) لِلْغَيْرِ وَلَوْ بِشُبْهَةٍ، وَ (هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا، وَخَرَجَ بِالْمُنْقَضِيَةِ مَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ لِبَقَاءِ الْمُفْسِدِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ رَاجَعَهَا فِي الْقُرْءِ الرَّابِعِ وَاعْتَقَدُوهُ صَحِيحًا أُقِرَّ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ (وَ) عَلَى نِكَاحٍ (مُؤَقَّتٍ إنْ اعْتَقَدُوهُ مُؤَبَّدًا) وَيَكُونُ ذِكْرُ الْوَقْتِ لَغْوًا، وَهَذَا كَاعْتِقَادِنَا مُؤَقَّتَ الطَّلَاقِ مُؤَبَّدًا. أَمَّا إذَا اعْتَقَدُوهُ مُؤَقَّتًا فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ حَمْلًا عَلَى اعْتِقَادِهِمْ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَأْبِيدَهُ، وَسَوَاءٌ أَسْلَمَا قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْمُدَّةِ يَعْتَقِدُونَهُ مُؤَقَّتًا، وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ، وَبَعْدَهَا لَا نِكَاحَ فِي اعْتِقَادِهِمْ، وَلَوْ غَصَبَ كَافِرٌ غَيْرُ ذِمِّيٍّ امْرَأَةً كَافِرَةً غَيْرَ ذِمِّيَّةٍ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ غَصْبَهَا نِكَاحًا أُقِرَّ إقَامَةً لِلْفِعْلِ مَقَامَ الْقَوْلِ، وَإِنْ غَصَبَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً وَاِتَّخَذَهَا زَوْجَةً فَإِنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ وَإِنْ اعْتَقَدُوهُ نِكَاحًا؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَوَطَّنْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْحَرْبِيِّ، إذْ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ حِينَئِذٍ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً أَوْ الذِّمِّيُّ حَرْبِيَّةً وَاعْتَقَدُوهُ نِكَاحًا أَنَّهُ يُقَرُّ فِي الثَّانِيَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ دُونَ الْأُولَى، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَدْفَعَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا عَكْسَ، وَكَالْغَصْبِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُطَاوَعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ (وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الْإِسْلَامَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ) بَعْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ وَقَعَتْ فِي دَوَامِ النِّكَاحِ كَأَنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ فَوُطِئَتْ زَوْجَتُهُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ زَمَنَ التَّوَقُّفِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الشُّبْهَةِ لَا تَقْطَعُ نِكَاحَ الْمُسْلِمِ، فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ. أَمَّا الشُّبْهَةُ الْمُقَارِنَةُ لِلْعَقْدِ كَأَنْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا فَلَا يُقَرُّ النِّكَاحُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ قَائِمٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الرَّقْمِ أَنَّهُ يُقَرُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَمْنَعُ الدَّوَامَ مَعَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ عِدَّةِ النِّكَاحِ. قَالَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْفَرْقِ، وَأَطْلَقُوا اعْتِبَارَ التَّقْرِيرِ بِالِابْتِدَاءِ اهـ. أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ وَالنِّكَاحِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 325 لَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ. وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ مُحْرِمٌ أُقِرَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَأَسْلَمُوا تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ فَاسِدٌ، وَقِيلَ إنْ أَسْلَمَ وَقُرِّرَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] تُتَصَوَّرُ الشُّبْهَةُ بَيْنَ الْإِسْلَامِيِّينَ فَإِنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ إذَا أَسْلَمَ شَرَعَتْ الزَّوْجَةُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ. وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى عِدَّةِ الشُّبْهَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ حَمْلٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعِدَدِ، فَإِسْلَامُ الْآخَرِ يَكُونُ فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ لَا فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِكَوْنِهَا عِدَّةَ نِكَاحٍ لِجَوَازِ أَنْ يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَاضِيَ مِنْهَا لَيْسَ عِدَّةَ نِكَاحٍ بَلْ عِدَّةَ شُبْهَةٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا كَانَ وَطْءُ الشُّبْهَةِ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ النِّكَاحَ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ (لَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. (وَلَوْ أَسْلَمَ) الزَّوْجُ (ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ) فِي الْعِدَّةِ (وَهُوَ مُحْرِمٌ) أَوْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَحْرَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ (أُقِرَّ) النِّكَاحُ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ طُرُوَّ الْإِحْرَامِ لَا يُؤَثِّرُ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ فَهَذَا أَوْلَى، وَفِي قَوْلٍ قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ: لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ، وَخَرَجَ بِهَذَا التَّصْوِيرِ مَا لَوْ أَسْلَمَا مَعًا ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يُقَرُّ جَزْمًا، وَلَوْ قَارَنَ إحْرَامُهُ إسْلَامَهَا هَلْ يُقَرُّ جَزْمًا أَوْ عَلَى الْخِلَافِ؟ قَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي. (وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً) صَالِحَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ (وَأَمَةً) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (وَأَسْلَمُوا) أَيْ الزَّوْجُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ مَعًا (تَعَيَّنَتْ الْحُرَّةُ) لِلنِّكَاحِ (وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مَعَ وُجُودِ حُرَّةٍ تَحْتَهُ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي: لَا تَنْدَفِعُ الْأَمَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ كَاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ لَا كَابْتِدَائِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْحُرَّةُ صَالِحَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ فَكَالْعَدِمِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ الْحُرَّةُ فَقَطْ مَعَ الزَّوْجِ تَعَيَّنَتْ أَيْضًا وَانْدَفَعَتْ الْأَمَةُ. (وَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] [الْقَصَصَ] {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4] [الْمَسَدَ] ، وَلِحَدِيثِ غَيْلَانَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ نِسْوَةٍ فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِمْسَاكِ، وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ شَرَائِطِ النِّكَاحِ، فَلَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ شَرَائِطِ أَنْكِحَتِهِمْ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا لَمْ نُبْطِلْهُ قَطْعًا، وَلَوْ أَسْلَمُوا أَقْرَرْنَاهُ (وَقِيلَ فَاسِدٌ) لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِمْ الشُّرُوطَ، لَكِنْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ لَوْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا رِعَايَةً لِلْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ، وَنُقِرُّهُمْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ رُخْصَةً وَخَشْيَةً مِنْ التَّنْفِيرِ (وَقِيلَ) مَوْقُوفٌ (إنْ أَسْلَمَ وَقُرِّرَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّرْ تَبَيَّنَّا فَسَادَهُ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي تَعْبِيرِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالصِّحَّةِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَنِعِمَّا هِيَ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِيهَا أَنَّهَا إنْ وَقَعَتْ عَلَى حُكْمٍ وَفْقَ الشَّرْعِ فَصَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَمَحْكُومٌ لَهَا بِالصِّحَّةِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْإِسْلَامِ رُخْصَةً، وَعَفْوًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا أَرَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، بَلْ يُقْطَعُ بِصِحَّتِهِ لِوُجُودِ شُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 326 فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَحِلَّ بِمُحَلِّلٍ. وَمَنْ قُرِّرَتْ فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلٍ،   [مغني المحتاج] وَحُكْمُ اللَّهِ وَاحِدٌ اهـ. وَالصَّوَابُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِالْعُقُودِ الَّتِي يُحْكَمُ بِفَسَادِ مِثْلِهَا فِي الْإِسْلَامِ لَا فِي كُلِّ عُقُودِهِمْ، فَلَوْ عَقَدُوا عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَوْلَهُ (فَعَلَى الصَّحِيحِ) مِنْهُ، وَهُوَ صِحَّةُ أَنْكِحَتِهِمْ (لَوْ طَلَّقَ) الْكَافِرُ زَوْجَتَهُ (ثَلَاثًا) فِي الْكُفْرِ (ثُمَّ أَسْلَمَا) مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ (لَمْ تَحِلَّ) لَهُ الْآنَ (إلَّا بِمُحَلِّلٍ) سَوَاءٌ اعْتَقَدُوا وُقُوعَ الطَّلَاقِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَعْتَبِرُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ. أَمَّا إذَا تَحَلَّلَتْ فِي الْكُفْرِ فَيَكْفِي فِي الْحِلِّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الشِّرْكِ ثَلَاثًا ثُمَّ نَكَحَهَا فِي الشِّرْكِ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى قَوْلِ الْفَسَادِ وَالْوَقْفِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ فَقَدْ أَطَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْكَلَامَ فِيهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُلِّ عَقْدٍ يُقِرُّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْكَافِرُ أُخْتَيْنِ أَوْ حُرَّةً وَأَمَةً ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ يَنْكِحْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ، وَإِنْ أَسْلَمُوا مَعًا أَوْ سَبَقَ إسْلَامُهُ أَوْ إسْلَامُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لَمْ يَنْكِحْ مُخْتَارَةَ الْأُخْتَيْنِ وَلَا الْحُرَّةَ إلَّا بِمُحَلِّلٍ. (وَمَنْ قُرِّرَتْ) عَلَى النِّكَاحِ (فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ) هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالتَّفْرِيعِ السَّابِقِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كَمَا تَثْبُتُ الصِّحَّةُ لِلنِّكَاحِ تَثْبُتُ لِلْمُسَمَّى، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ الصِّحَّةِ وَالْوَقْفِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْفَسَادِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمُسَمَّى بَلْ مَهْرُ الْمِثْلِ (وَأَمَّا) الْمُسَمَّى (الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ (فَإِنْ قَبَضَتْهُ) أَوْ قَبَضَهُ وَلِيُّهَا وَهِيَ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا (قَبْلَ الْإِسْلَامِ) وَلَوْ بِإِجْبَارِ قَاضِيهمْ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَلَا شَيْءَ لَهَا) لِخَبَرِ: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَلِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بَيْنَهُمَا وَانْقِطَاعِ الْمُطَالَبَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ جَرَيَانُ هَذَا فِي كُلِّ فَاسِدٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ لَوْ أَصْدَقَهَا حُرًّا مُسْلِمًا أَسَرُوهُ وَاسْتَرَقُّوهُ ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهَا وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لَحِقَ الْمُسْلِمَ، وَفِي نَحْوِ الْخَمْرِ لَحِقَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَيْضًا لِأَنَّا نُقِرُّهُمْ حَالَ الْكُفْرِ عَلَى نَحْوِ الْخَمْرِ دُونَ أَسْرِ الْمُسْلِمِ، وَأُلْحِقَ بِالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ عَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ، بَلْ يُلْحَقُ بِهِ سَائِرُ مَا يَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ الْمَعْصُومِ، وَهَلْ إذَا بَاعَ الْكَافِرُ الْخَمْرَ يَمْلِكُ ثَمَنَهُ حَتَّى إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَدَفَعَ لَهُ ثَمَنَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُهُ أَمْ لَا؟ أَجَابَ بِالْأَوَّلِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ الثَّانِيَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَصْلًا أَوْ قَبَضَتْهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا أَمْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (فَمَهْرُ مِثْلٍ) لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ إلَّا بِالْمَهْرِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْرِ فِي الْإِسْلَامِ مُمْتَنِعَةٌ فَرَجَعَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ الْمُسْلِمُ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 327 وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ. وَمَنْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ، وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلٍ أَوْ قَبْلَهُ وَصُحِّحَ، فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا،   [مغني المحتاج] خَمْرٍ (وَإِنْ قَبَضَتْ) قَبْلَ الْإِسْلَامِ (بَعْضَهُ) أَيْ الْمُسَمَّى الْفَاسِدَ مِنْ خَمْرٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ أَسْلَمَا (فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) لَا مَا بَقِيَ مِنْ الْمُسَمَّى لِتَعَذُّرِهِ بِالْإِسْلَامِ إلْحَاقًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فِي الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ كَيْفِيَّةَ التَّقْسِيطِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ، فَقَالَ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَقْسِيطِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مِثْلِيٌّ لَوْ فُرِضَ مَالًا: الْكَيْلُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الزِّقُّ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا زِقَّيْ خَمْرٍ فَقَبَضَتْ أَحَدَهُمَا اُعْتُبِرَ فِي التَّقْسِيطِ الْكَيْلُ لَا الْوَزْنُ وَلَا الْعَدَدُ وَلَا الْقِيمَةُ. نَعَمْ إنْ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ قِيمَةً لِزِيَادَةِ وَصْفٍ فِيهِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْكِلَابِ وَنَحْوِهَا الْقِيمَةُ بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ لَهَا قِيمَةً لَا الْعَدَدُ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا كَلْبٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لَا الْقِيمَةُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ، فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا جِنْسَيْنِ فَأَكْثَرَ كَزِقَّيْ خَمْرٍ وَكَلْبَيْنِ وَسَلَّمَ لَهَا الْبَعْضَ فِي الْكُفْرِ، فَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْقِيمَةُ بِتَقْدِيرِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ فِي الْجَمِيعِ كَتَقْدِيرِ الْحُرِّ عَبْدًا فِي الْحُكُومَةِ، لَكِنْ لَوْ تَعَدَّدَ الْجِنْسُ وَكَانَ مِثْلِيًّا كَزِقِّ خَمْرٍ وَزِقِّ بَوْلٍ وَقَبَضَتْ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السُّوَاءِ، فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ الْكَيْلِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَلَوْ نَكَحَ الْكَافِرُ عَلَى صُورَةِ التَّفْوِيضِ وَاعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ لِمَفُوضَتِهِ بِحَالٍ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا بَعْدَ 4 الْإِسْلَامِ فَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْأَهَا بِلَا مَهْرٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا فِي بَابِ الصَّدَاقِ: إنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً تَفْوِيضًا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا لَهَا بِالْمَهْرِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الْحَرْبِيِّينَ وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ بِحَالٍ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فِيهِمَا. (وَمَنْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ زَوْجِهَا (بَعْدَ دُخُولٍ) بِهَا بِأَنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ (فَلَهَا الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ. قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ نَكَحَ أُمًّا وَبِنْتَهَا ثُمَّ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَقَطْ فَإِنَّ الْبِنْتَ تَحْرُمُ أَبَدًا، وَكَذَا الْأُمُّ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالُوا: وَلِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَهَذِهِ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى اهـ. وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا، فَإِذًا لَا اسْتِثْنَاءَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ، أَوْ كَانَ زَوْجُهَا قَدْ سَمَّى لَهَا فَاسِدًا (فَمَهْرُ مِثْلٍ) لَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْوَطْءِ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ (أَوْ) لَمْ تَنْدَفِعْ بَعْدَ دُخُولٍ بَلْ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ (قَبْلَهُ) أَيْ الدُّخُولِ (وَصُحِّحَ) أَيْ وَفَرَّعْنَا عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ (فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا) عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهَا، وَقِيلَ قَوْلَانِ. ثَانِيهِمَا لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّخَلُّفُ مِنْهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 328 وَبِإِسْلَامِهِ فَنِصْفُ مُسَمًّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ وَجَبَ الْحُكْمُ، أَوْ ذِمِّيَّانِ وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُهُ بِالصِّحَّةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ لَا مَهْرَ لَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، إذْ الْمَهْرُ لَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِالدُّخُولِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ قَيْدًا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى طَرْحُهُ لِيُفْهَمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ، وَيَنْتَفِيَ إيهَامُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَلَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: (أَوْ) أَيْ انْدَفَعَ (بِإِسْلَامِهِ) أَيْ وَصُحِّحَ نِكَاحُهُمْ (فَنِصْفُ مُسَمًّى) يَجِبُ لَهَا (إنْ كَانَ صَحِيحًا) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا كَخَمْرٍ (فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ) عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ فِي التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَجَبَتْ مُتْعَةٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يُصَحَّحْ نِكَاحُهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهَا لِمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ التَّقْيِيدَ بِالصِّحَّةِ هُنَا فَسَبَقَ قَلَمُهُ إلَى مَا فِي قَلْبِهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَحْرَمَ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهَا وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ يَمِيلُ إلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِيمَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي الْمَجُوسِيِّ إذَا مَاتَ وَتَحْتَهُ مَحْرَمٌ لَمْ نُوَرِّثْهَا، وَجَرَى عَلَى الثَّانِي الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهَا وَغَيْرُهُمْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ اهـ. قِيلَ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ لَا مَهْرَ لَهُنَّ إذَا انْدَفَعَ نِكَاحُهُنَّ بِاخْتِيَارِ أَرْبَعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَالَ شَيْخِي: وَهَذَا أَحَدُ النُّصُوصِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ. (وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا) فِي نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ (ذِمِّيٌّ) أَوْ مُعَاهَدٌ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ (وَمُسْلِمٌ وَجَبَ الْحُكْمُ) بَيْنَهُمَا أَيْ الْمُسْلِمِ وَمَنْ ذُكِرَ بِشَرْعِنَا قَطْعًا، طَالِبًا كَانَ الْمُسْلِمُ أَوْ مَطْلُوبًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ رَفْعُ الظُّلْمِ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ إلَى حَاكِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا تَرْكُهُمَا مُتَنَازِعَيْنِ فَرَدَدْنَا مَنْ مَعَ الْمُسْلِمِ إلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُوَ وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُهُ بِالتَّرَافُعِ اعْتِبَارَ رِضَا الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَلَكِنَّ عَامَّةَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى اعْتِبَارِ رِضَا وَاحِدٍ إذَا اسْتَعْدَى عَلَى خَصْمِهِ (أَوْ) تَرَافَعَ إلَيْنَا (ذِمِّيَّانِ) وَاتَّفَقَتْ مِلَّتُهُمَا كَنَصْرَانِيَّيْنِ وَلَمْ نَشْتَرِطْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمَا الْتِزَامَ أَحْكَامِنَا (وَجَبَ) عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُ الظُّلْمِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ؛ لَا يَجِبُ بَلْ يَتَخَيَّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِالْأُولَى، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ الْأُولَى عَلَى الذِّمِّيِّينَ وَالثَّانِيَةَ عَلَى الْمُعَاهَدِينَ فَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ، وَلِهَذَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالذِّمِّيِّينَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَاهَدِينَ لَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَنَا وَلَمْ نَلْتَزِمْ دَفْعَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ، وَالذِّمِّيُّ وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّينَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 329 وَنُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ. فَصْلٌ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ   [مغني المحتاج] وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عَلَى أَحَدِهِمَا شَيْءٌ اسْتَوْفَيْنَاهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ، فَلَوْ أَقَرَّهُ ذِمِّيٌّ بِزِنًا أَوْ سَرِقَةِ مَالٍ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ حَدَّدْنَاهُ. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، أَوْ شُرِطَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهُمَا الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ بَيْنَهُمَا جَزْمًا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَرْضَى مِلَّةَ الْآخَرِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَعَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْحُكْمَ وَجَبَ الْإِعْدَاءُ وَالْحُضُورُ وَإِلَّا فَلَا يَجِبَانِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُمْ لَا يُحَدُّونَ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَيُفْهَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الْحُكْمُ بَيْنَ حَرْبِيَّيْنِ وَلَا بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَمُعَاهَدٍ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ عُقِدَتْ الذِّمَّةُ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ كَالْمُعَاهَدِينَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ فَكَذَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ضَابِطٍ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ صُوَرِهِ بِقَوْلِهِ (وَنُقِرُّهُمْ) فِي كُلِّ مَا تَرَافَعُوا فِيهِ إلَيْنَا (عَلَى مَا نُقِرُّ) هُمْ عَلَيْهِ (لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ) وَنُوجِبُ النَّفَقَةَ فِي نِكَاحِ مَنْ قَرَّرْنَاهُ، فَلَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا قَرَّرْنَا النِّكَاحَ وَحَكَمْنَا بِالنَّفَقَةِ، وَإِنْ نَكَحَ الْمَجُوسِيُّ مَحْرَمًا لَهُ وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا لَمْ نَعْتَرِضْ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَرَفُوا مِنْ حَالِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ الْمَحَارِمَ وَلَمْ يَعْتَرِضُوهُمْ، فَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْنَا فِي النَّفَقَةِ أَبْطَلْنَا نِكَاحَهُمَا وَلَا نَفَقَةَ؛ لِأَنَّهُمَا بِالتَّرَافُعِ أَظْهَرَا مَا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَظْهَرَ الذِّمِّيُّ الْخَمْرَ، وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا كَافِرٌ تَحْتَهُ أُخْتَانِ وَطَلَبُوا فَرْضَ النَّفَقَةِ أَعْرَضْنَا عَنْهُمْ مَا لَوْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ رَضُوا بِهِ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ بِأَنْ نَأْمُرَهُ بِاخْتِيَارِ إحْدَاهُمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي نِكَاحِ الْمَحْرَمِ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِنَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا فِي الْأُخْتَيْنِ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْرَمَ أَشَدُّ حُرْمَةً؛ لِأَنَّ مَنْعَ نِكَاحِهَا لِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي الْأُخْتَيْنِ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَيُزَوِّجُ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ بِشُهُودٍ مِنْهُمْ ذِمِّيًّا بِكِتَابِيَّةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا خَاصٌّ بِالْتِمَاسِهِمْ ذَلِكَ. [فَصْلٌ فِي حُكْمُ زَوْجَاتِ الْكَافِرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ] ِ الزَّائِدَاتِ عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ، لَوْ (أَسْلَمَ) الْكَافِرُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ (وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ) مِنْ الزَّوْجَاتِ الْحَرَائِرِ (وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ) عَلَى أَيِّ دِينٍ يَكُنَّ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ) تَخَلَّفْنَ وَهُنَّ مَدْخُولٌ بِهِنَّ وَكُنَّ غَيْرَ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَهُ (فِي الْعِدَّةِ) وَهِيَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَسْلَمْنَ أَوَّلًا ثُمَّ أَسْلَمَ هُوَ فِي الْعِدَّةِ (أَوْ) لَمْ يُسْلِمْنَ أَصْلًا بَلْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 330 كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ، وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ، وَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ.   [مغني المحتاج] (كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ) يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِنَّ (لَزِمَهُ) حَالَ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلِاخْتِيَارِ وَلَوْ سَكْرَانَ (اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ) مِنْهُنَّ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِنَّ وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَةِ الْإِرْثِ، وَيَرِثُ مِنْ الْمَيِّتَاتِ الْمُخْتَارَاتِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ (وَيَنْدَفِعُ) بَعْدَ اخْتِيَارِ الْأَرْبَعِ نِكَاحُ (مَنْ زَادَ) لِأَنَّ «غَيْلَانَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَسَوَاءٌ نَكَحَهُنَّ مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا، اخْتَارَ الْأَوَائِلَ أَوْ الْأَوَاخِرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَحَمْلُ الْخَصْمِ لَهُ عَلَى الْأَوَائِلِ بَعِيدٌ يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: «أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فَارِقْ وَاحِدَةً وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا، فَعَمِدْتُ إلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي عَاقِرٌ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَفَارَقْتُهَا» وَحَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ أَبْعَدُ لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ اللَّفْظِ، فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ. فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَسْلَمَ سِتَّةٌ مِنْ ثَقِيفٍ كُلٌّ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَامِرٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو، وَعُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِلُزُومِ اخْتِيَارِ أَرْبَعٍ يُوهِمُ إيجَابَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ أَصْلَ الِاخْتِيَارِ وَاجِبٌ لِئَلَّا يَسْتَدِيمَ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ. وَأَمَّا إمْسَاكُ أَرْبَعٍ فَجَائِزٌ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ ابْنُ شُهْبَةَ وَابْنُ قَاسِمٍ وَالدِّمْيَاطِيُّ، وَقَدْ سَلِمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَا اخْتَارَ أَرْبَعًا، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ اللُّزُومُ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّ دَفْعَ الْمُفَارَقَاتِ مِنْ حِينِ الِاخْتِيَارِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعِدَّةُ وَهُوَ انْدِفَاعُ بَيْنُونَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ. أَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ ثِنْتَيْنِ كَيْفَ شَاءَ حُرَّتَيْنِ أَوْ لَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ النِّكَاحَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ أَسْلَمَ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ فَلَا اخْتِيَارَ لَهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، وَلَا لِلْوَلِيِّ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَيُنْتَظَرُ كَمَالُهُ لِيَخْتَارَ، وَنَفَقَتُهُنَّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ لِحَبْسِهِنَّ لِأَجْلِهِ، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْكُفْرِ زَوْجَيْنِ وَأَسْلَمُوا فَإِنْ نَكَحَتْهُمَا مَعًا أَبْطَلْنَا النِّكَاحَ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَوْ مُرَتَّبًا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، فَإِنْ مَاتَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ الثَّانِي وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّزْوِيجَ بِزَوْجَيْنِ قَرَّرْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَسْلَمَا دُونَهَا أَوْ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً (وَإِنْ أَسْلَمَ) مِنْهُنَّ (مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ) بَعْدَهُ (فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ) أَوْ أَقَلُّ (تَعَيَّنَ) لِلنِّكَاحِ وَانْدَفَعَ نِكَاحُ مَنْ زَادَ لِتَأَخُّرِ إسْلَامِهِنَّ عَنْ إسْلَامِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَنْ الْعِدَّةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 331 وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ أَوْ أَسْلَمَتَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ، أَوْ بِالْبِنْتِ تَعَيَّنَتْ، أَوْ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا أَبَدًا، وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ. أَوْ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ أُقِرَّ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَإِنْ تَخَلَّفَتْ   [مغني المحتاج] ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَاقِيَاتُ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ مِنْ وَقْتِ إسْلَامِ الزَّوْجِ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْ الْأُولَيَاتِ أَوْ الْأَخِيرَاتِ كَيْفَ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ الْأُولَيَاتُ أَوْ بَعْضُهُنَّ جَازَ لَهُ اخْتِيَارُ الْمَيِّتَاتِ وَيَرِثُ مِنْهُنَّ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَرْبَعٌ مِنْ ثَمَانٍ بَعْدَ دُخُولٍ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، أَوْ مُتْنَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَسْلَمَتْ الْبَاقِيَاتُ فِي عِدَّتِهِنَّ تَعَيَّنَتْ الْأَخِيرَاتُ. (وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا) نَكَحَهُمَا مَعًا أَمْ لَا وَهُمَا (كِتَابِيَّتَانِ أَوْ) غَيْرُ كِتَابِيَّتَيْنِ وَ (أَسْلَمَتَا) مَعَ الزَّوْجِ كَانَ لِلْمُسْلِمَةِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ دَخَلَ بِهَا حَرُمَتَا أَبَدًا) سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِصِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ وَطْءَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِشُبْهَةٍ يُحَرِّمُ الْأُخْرَى فَبِنِكَاحٍ أَوْلَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مُسَمَّاهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ. الْحَالُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ (بِوَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (تَعَيَّنَتْ الْبِنْتُ) وَانْدَفَعَتْ الْأُمُّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَاسْتَحَقَّتْ الْأُمُّ نِصْفَ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ لِانْدِفَاعِ نِكَاحِهَا بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ (وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ. الْحَالُ الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) دَخَلَ (بِالْبِنْتِ) فَقَطْ (تَعَيَّنَتْ) وَحَرُمَتْ الْأُمُّ أَبَدًا، وَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى. الْحَالُ الرَّابِعُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) دَخَلَ (بِالْأُمِّ) فَقَطْ (حَرُمَتَا أَبَدًا) أَمَّا الْبِنْتُ فَلِلدُّخُولِ بِالْأُمِّ. وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِلْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَلِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُسَمَّى فَاسِدًا وَإِلَّا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَاعْتَذَرَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّ كِلَاهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَكَحَ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَيَجِبُ لِلْأُمِّ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ (وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ) وَتَنْدَفِعُ الْبِنْتُ بِوَطْءِ الْأُمِّ بِنَاءً عَلَى فَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ. الْحَالُ الْخَامِسُ: لَوْ شَكَّ هَلْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لَا؟ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّ الْوَرَعَ تَحْرِيمُهُمَا. الْحَالُ السَّادِسُ: لَوْ شَكَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَطَلَ نِكَاحُهُمَا لِتَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إحْدَاهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَا بُدَّ عِنْدَ ابْتِدَائِهِ مِنْ تَيَقُّنِ حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أُخْتٍ اخْتَارَ وَاحِدَةً. ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ مَا إذَا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَقَالَ (أَوْ) أَسْلَمَ (وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ) أَسْلَمَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ) أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ (أُقِرَّ) النِّكَاحُ (إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ) حِينَئِذٍ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ حُرٍّ أَوْ حُرًّا مُعْسِرًا خَائِفًا الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ أُقِرَّ عَلَى نِكَاحِهَا (وَإِنْ تَخَلَّفَتْ) عَنْ إسْلَامِهِ أَوْ هُوَ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 332 قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ، أَوْ إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَمَةً إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ، وَإِلَّا انْدَفَعْنَ. أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا.   [مغني المحتاج] إسْلَامِهَا (قَبْلَ دُخُولٍ) أَوْ بَعْدَ دُخُولٍ وَلَمْ يَجْمَعْهُمَا إسْلَامٌ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تَحِلَّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ (تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ) كِتَابِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا (أَوْ) أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ (إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ) (مَعَهُ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ بَعْدَ إسْلَامِهِنَّ (أَوْ) هُنَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ) الْحُرُّ مِنْهُنَّ (أَمَةً) وَاحِدَةً فَقَطْ (إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ ابْتِدَاءً نِكَاحُ الْأَمَةِ، فَجَازَ لَهُ اخْتِيَارُهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ (انْدَفَعْنَ) جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُهَا كَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ. فَائِدَةٌ: الْمُفْسِدُ لِلنِّكَاحِ عِنْدَ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاسْتَمَرَّ كَالْعِدَّةِ كَفَى فِي بُطْلَانِ النِّكَاحِ اقْتِرَانُهُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ طَارِئًا كَالْيَسَارِ وَأَمْنِ الْعَنَتِ فِي الْأَمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهِ بِإِسْلَامِهِمَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى ثَلَاثِ إمَاءٍ فَأَسْلَمَتْ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ الثَّالِثَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ خَائِفُ الْعَنَتِ انْدَفَعَتْ الْوُسْطَى، وَيُخَيَّرُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي انْدِفَاعِ النِّكَاحِ إذَا اقْتَرَنَ بِإِسْلَامِهِمَا جَمِيعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَكَحَهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْآخَرُ لَمْ يَدُمْ النِّكَاحُ لِمَا مَرَّ. وَلَوْ أَسْلَمَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ عَلَى أَمَةٍ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ أَيْسَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ) أَسْلَمَ حُرٌّ وَتَحْتَهُ (حُرَّةٌ) تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا (وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ) أَيْ الْحُرَّةُ وَالْإِمَاءُ (مَعَهُ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (أَوْ) كُنَّ مَدْخُولًا بِهِنَّ وَأَسْلَمْنَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ) أَيْ الْحُرَّةُ لِلنِّكَاحِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إسْلَامُهَا عَنْ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِ الْإِمَاءِ (وَانْدَفَعْنَ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ أَمَةً مَعَ وُجُودِ حُرَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ لَهُ اخْتِيَارَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ (وَإِنْ أَصَرَّتْ) تِلْكَ الْحُرَّةُ عَلَى الْكُفْرِ وَلَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً يَحِلُّ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا (فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً) إنْ كَانَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ حُرَّةً لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا بَانَتْ بِإِسْلَامِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ أَمَةٍ فِي تَخَلُّفِ الْحُرَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَارَ أَمَةً وَأَصَرَّتْ الْحُرَّةُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ مَاتَتْ وَجَبَ تَحْدِيدُ الِاخْتِيَارِ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ (وَلَوْ أَسْلَمَتْ) أَيْ الْحُرَّةُ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ (وَعَتَقْنَ) أَيْ الْإِمَاءُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ (ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ) أَصْلِيَّاتٍ حُكْمُهُنَّ، وَحِينَئِذٍ (فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا) مِنْهُنَّ وَلَوْ دُونَ الْحُرَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 333 وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ،   [مغني المحتاج] لِالْتِحَاقِهِنَّ بِالْحَرَائِرِ الْأَصْلِيَّاتِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ، بَلْ الضَّابِطُ الشَّامِلُ لَهَا وَلِغَيْرِهَا أَنْ يَطْرَأَ الْعِتْقُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِنَّ وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِصُورَةِ الْمَتْنِ وَبِمَا إذَا أَسْلَمْنَ ثُمَّ عَتَقْنَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ. أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُنَّ عَنْ إسْلَامِهِنَّ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ أَوْ عَكْسُهُ ثُمَّ عَتَقْنَ اسْتَمَرَّ حُكْمُ الْإِمَاءِ عَلَيْهِنَّ، فَتَتَعَيَّنُ الْحُرَّةُ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا اخْتَارَ أَمَةً مِنْ الْإِمَاءِ بِشَرْطِهِ. فَرْعٌ: لَوْ أَسْلَمَ مِنْ إمَاءٍ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ عَتَقَتْ الْبَاقِيَاتُ ثُمَّ أَسْلَمْنَ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِنَّ عَلَى إسْلَامِهِنَّ، وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ الْأُولَى لِرِقِّهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِمَا، فَتَنْدَفِعُ بِالْمُعْتَقَاتِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ، وَمُقَارَنَةُ الْعِتْقِ لِإِسْلَامِهِنَّ كَتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَرْبَعِ إمَاءٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ثِنْتَانِ، فَعَتَقَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ الْأُخْرَيَانِ انْدَفَعَتَا دُونَ الرَّقِيقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَخْتَارُهَا أَوْ صَاحِبَتَهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ، وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ الْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ سَهْوٌ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: الْأَرْجَحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ الْمُتَخَلِّفَتَيْنِ لِاقْتِرَانِ حُرِّيَّةِ إحْدَى الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ بِإِسْلَامِهِمَا، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْرِيرُ عَلَيْهِمَا، وَلَا نَقُولُ بِانْدِفَاعِهِمَا بِمُجَرَّدِ عِتْقِ تِلْكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتِقَا ثُمَّ يُسْلِمَا، وَإِنَّمَا تَنْدَفِعَانِ إذَا أَسْلَمَتَا عَلَى الرِّقِّ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. أَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ فَلَهُ اخْتِيَارُ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ، إذْ الْأَمَةُ فِي حَقِّهِ كَالْحُرَّةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّهِ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْحُرِّ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ إسْلَامِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِنَّ أَوَّلًا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ إسْلَامِهِنَّ فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ. وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ فَلَيْسَ لِزَوْجَتِهِ الْكَافِرَةِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِرِقِّهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَحْدُثْ فِيهَا عِتْقٌ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ أَسْلَمَتْ أَوْ لَمْ تُسْلِمْ إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ أَنْ تُسْلِمَ وَأَنْ لَا تُسْلِمَ غَلَطٌ لِاقْتِضَاءِ جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ الْقِيَاسِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ. وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ وُجُوبَ الِاخْتِيَارِ وَكَانَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ شَرَعَ فِي أَلْفَاظِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: كَحَبَسْتُكِ أَوْ نِكَاحُكِ أَوْ عَقْدُكِ أَوْ حَبَسْتُكِ عَلَى النِّكَاحِ لِمَجِيءِ الِاخْتِيَارِ وَالْإِمْسَاكِ فِي الْحَدِيثِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ صَرِيحٌ، لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: اخْتَرْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلنِّكَاحِ كِنَايَةً اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهَا ثَبَّتُّكِ، وَمُقْتَضَى هَذَا صِحَّةُ الِاخْتِيَارِ بِالْكِنَايَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ مَنَعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 334 وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ، لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ. وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ انْدَفَعَ مَنْ زَادَ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ   [مغني المحتاج] وَالرُّويَانِيُّ، وَقَالَ: إنَّهُ كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَنْبَغِي إذَا جُعِلَ كَاسْتِدَامَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْكِنَايَةِ، وَلَوْ أَسْلَمَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ ثَمَانٍ فَفَسَخَ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ كَقَوْلِهِ: فَسَخْت نِكَاحَهُنَّ، وَلَمْ يُرِدْ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ اسْتَقَرَّ نِكَاحُ الْبَاقِيَاتِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّف عَنْ أَلْفَاظِ الْفَسْخِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ، كَفَسَخْتُ نِكَاحَهَا أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَزَلْتُهُ، وَبِالْكِنَايَةِ: كَصَرَفْتُهَا، وَإِنْ أَرَادَ بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ) لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِهِ الْمَنْكُوحَةَ، وَسَوَاءٌ الْمُعَلَّقُ وَالْمُنَجَّزُ فَإِنْ طَلَّقَ أَرْبَعًا حَرُمَ الْجَمِيعُ، أَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْبَاقِيَاتُ فَلِانْدِفَاعِهِنَّ بِالشَّرْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ. نَعَمْ لَفْظُ الْفِرَاقِ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ هُنَا فَسْخٌ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الطَّلَاقِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْفِرَاقِ صَرِيحٌ فِي الْفَسْخِ أَيْضًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَفِي الطَّلَاقِ وَيَتَعَيَّنُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَرِينَةِ، وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أُرِيدُكُنَّ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ لِلْبَاقِيَاتِ لَا أُرِيدُكُنَّ (لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ) فَلَيْسَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاخْتِيَارٍ لِلنِّكَاحِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الظِّهَارَ وَصْفٌ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْإِيلَاءَ حَلِفٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ، وَهُمَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَلْيَقُ، وَالثَّانِي هُمَا تَعْيِينٌ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اخْتَارَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ آلَى لِلنِّكَاحِ صَحَّ الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ، وَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَيَصِيرُ فِي الظِّهَارِ عَائِدًا إنْ لَمْ يُفَارِقْهَا فِي الْحَالِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ " الْأَصَحِّ " رَاجِعٌ إلَى الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ فِي الْغُنْيَةِ رَاجِعًا إلَيْهِمَا وَإِلَى الطَّلَاقِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إمَّا كَابْتِدَاءِ النِّكَاحِ أَوْ كَاسْتِدَامَتِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ كَالرَّجْعَةِ، وَلِلْمَوْطُوءَةِ الْمُسَمَّى الصَّحِيحُ أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا إنْ اخْتَارَ غَيْرَهَا (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ) اسْتِقْلَالِيٍّ (وَلَا) تَعْلِيقُ (فَسْخٍ) لَمْ يَنُبْهُ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَقَدْ اخْتَرْت نِكَاحَك أَوْ فَسَخْتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا تَعْيِينٌ، وَلَا تَعْيِينَ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَخَرَجَ بِاسْتِقْلَالِيٍّ تَعْلِيقُ الِاخْتِيَارِ الضِّمْنِيِّ كَمَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلُقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَحَصَلَ الِاخْتِيَارُ لَهَا ضِمْنًا، فَإِنْ نَوَى بِالْفَسْخِ الطَّلَاقَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَيَحْصُلُ الِاخْتِيَارُ بِهِ ضِمْنًا وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقِلِّ. (وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ) أَوْ أَكْثَرَ مِنْ نِسْوَةٍ أَسْلَمَ عَنْهُنَّ صَحَّ وَ (انْدَفَعَ مَنْ زَادَ) عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينًا تَامًّا (وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ) التَّامُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا فِي دُونِ الْخَمْسِ لِحَبْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ وَلِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُنَّ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةٌ أَوْ مُفَارَقَةٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهُ، بَلْ يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا، لَكِنْ يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَمِلَ بِخَطِّهِ فَاصِلَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 335 وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ، فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ فِي النِّكَاحِ حُبِسَ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ، وَذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ،   [مغني المحتاج] قَبْلَهُ، وَفِي قَوْلِهِ: (وَ) عَلَيْهِ (نَفَقَتُهُنَّ) أَيْ الْخَمْسِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ أَيْضًا. وَالثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُ نَفَقَتِهِنَّ (حَتَّى يَخْتَارَ) مِنْ الْخَمْسِ أَرْبَعًا. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: فَأَقَلُّ أَيْ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ بِحُكْمِ النِّكَاحِ (فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ حُبِسَ) لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ وَاجِبٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، فَإِنْ سَأَلَ الِانْتِظَارَ فِي الِاخْتِيَارِ لِيَتَفَكَّرَ فِي الْأَحَظِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَمْهَلَهُ الْحَاكِمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُ. وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِإِمْهَالِهِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ التَّرَوِّي شَرْعًا. أَمَّا النَّفَقَةُ فَلَا يُمْهَلُ بِهَا لِتَضَرُّرِهِنَّ بِتَرْكِهَا، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْحَبْسِ وَلَمْ يُفِدْهُ عُزِّرَ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ وَامْتَنَعَ وَأَصَرَّ وَلَمْ يَنْجَحْ فِيهِ الْحَبْسُ وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَضُمَّ إلَى الْحَبْسِ التَّعْزِيرَ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا حَتَّى يَخْتَارَ بِشَرْطِ تَخَلُّلِ مُدَّةٍ يَبْرَأُ فِيهَا عَنْ أَلَمِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَا يُفْضِيَ ذَلِكَ إلَى هَلَاكِهِ، وَلَوْ اخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ ثُمَّ قَالَ رَجَعْتُ عَمَّا اخْتَرْت لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يَخْتَارُ الْحَاكِمُ عَنْ الْمُمْتَنِعِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ طَلَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ وَلَا يَدْرِي الْقَاضِي إلَى أَيَّتِهِنَّ أَمْيَلُ، وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ لُزُومِ الِاخْتِيَارِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: الْأَصْحَابُ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ غَيْلَانَ حَامِلِينَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَاَلَّذِي أَفْهَمُهُ مِنْهُ إنْ أَمْسَكَ لِلْإِبَاحَةِ وَفَارَقَ لِلْوُجُوبِ لِحَقِّهِنَّ فِي رَفْعِ الْحَبْسِ عَنْهُنَّ، وَلِرَفْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّ الْحَرَامَ الْوَاجِبَ ضِدُّهُ وَالسُّكُوتُ مَعَ الْكَفِّ عَنْ الْكُلِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إلَّا إذَا طَلَبْنَ إزَالَةَ الْحَبْسِ فَيَجِبُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَوْلُهُ أَمْسِكْ أَرْبَعًا لِلْإِبَاحَةِ لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبَ، وَقَوْلُهُ: إنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ لَا مَحْذُورَ فِيهِ مَوْضِعُ تَوَقُّفٍ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مَعَ الْكَفِّ يَلْزَمُ مِنْهُ إمْسَاكُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فِي الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَحْذُورٌ اهـ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ. (فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ الِاخْتِيَارِ (اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ) أَيْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ بِوَضْعِهِ تَنْقَضِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْفِرَاقِ (وَ) اعْتَدَّتْ (ذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ) احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الزَّوْجِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُنَّ (وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ) الَّذِي بَقِيَ مِنْ (الْأَقْرَاءِ وَ) مِنْ (أَرْبَعَةٍ) مِنْ أَشْهُرٍ (وَعَشْرٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، أَوْ مُفَارَقَةً فِي الْحَيَاةِ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ لِتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ بِيَقِينٍ، فَفِي ذَاتِ الْأَقْرَاءِ إنْ مَضَتْ الْأَقْرَاءُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَكْمَلَتْهَا وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْمَوْتِ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَالْعَشْرُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَقْرَاءِ أَتَمَّتْ الْأَقْرَاءَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 336 وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ. فَصْلٌ أَسْلَمَا مَعًا اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ   [مغني المحتاج] وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ إسْلَامِهِمَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا، وَإِلَّا فَمِنْ حِينِ إسْلَامِ السَّابِقِ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَمْرٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا حُسِبَتْ الْأَقْرَاءُ مِنْ حِينِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ لُزُومُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ عَلَى مَعْنَى مُقَابَلَةِ الْمَجْمُوعِ بِالْمَجْمُوعِ، إذْ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ مِمَّنْ يَتَبَاعَدُ حَيْضُهَا حَتَّى مَضَى بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ قُرْءَانِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَمَضَى حَقُّ الْقُرْءِ الْآخَرِ فِي شَهْرَيْنِ مَثَلًا فَلَا نَقُولُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا حِينَئِذٍ، وَإِنَّ الْأَكْثَرَ الْأَقْرَاءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْمُوعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأَقْرَاءِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَلِذَلِكَ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ) مُسْلِمَاتٍ مِنْ رُبُعٍ أَوْ ثُمُنٍ عَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِنَّ زَوْجَاتٍ وَقَدْ جَهِلْنَا عَيْنَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُقِرُّ نِكَاحَ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَيُزِيلُ نِكَاحَ الْبَوَاقِي فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ (حَتَّى يَصْطَلِحْنَ) فَيُقَسَّمُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُنَّ مِنْ تَفَاضُلٍ أَوْ تَسَاوٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهِنَّ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُصَالِحَ عَنْهَا عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ كَالثُّمُنِ إذَا كُنَّ ثَمَانِيَةً، أَوْ السُّدُسِ إذَا كُنَّ سِتَّةً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْحَظِّ، وَقَبْلَ الِاصْطِلَاحِ يُعْطَيْنَ الْيَقِينَ، فَفِي ثَمَانٍ طَلَبَ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُعْطَيْنَ، فَإِنْ طَلَبَ خَمْسٌ دُفِعَ لَهُنَّ رُبُعُ الْمَوْقُوفِ، أَوْ سِتٌّ فَنِصْفُهُ، أَوْ سَبْعٌ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلَهُنَّ قِسْمَةُ مَا أَخَذْنَهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَا أَخَذْنَهُ تَمَامُ حَقِّهِنَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِنَّ أَنْ يَبْرَئْنَ عَنْ الْبَاقِي، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ فِيهِنَّ مَنْ تَسْتَحِقُّ الْمَدْفُوعَ فَكَيْفَ يُكَلَّفْنَ بِدَفْعِ الْحَقِّ إلَيْهِنَّ إسْقَاطَ حَقٍّ آخَرَ إنْ كَانَ. أَمَّا الزَّوْجَاتُ الْكَافِرَاتُ فَلَا يُوقَفُ لَهُنَّ شَيْءٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إرْثُ الْمُسْلِمَاتِ، كَمَا إذَا أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ كِتَابِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مِنْهُنَّ أَرْبَعٌ، أَوْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعُ كِتَابِيَّاتٍ وَأَرْبَعُ وَثَنِيَّاتٍ وَأَسْلَمَ مَعَهُ الْوَثَنِيَّاتُ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَلَا يُوقَفُ لِلزَّوْجَاتِ شَيْءٌ، بَلْ تُقَسَّمُ كُلُّ التَّرِكَةِ بَيْنَ بَاقِي الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوْجَاتِ الْإِرْثَ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُنَّ الْكِتَابِيَّاتُ وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَكِتَابِيَّةٌ فَقَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَمَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ. [فَصْلٌ مُؤَنُ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ] فَصْلٌ فِي حُكْمِ مُؤَنِ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْلَمَتْ، أَوْ ارْتَدَّتْ مَعَ زَوْجِهَا، أَوْ تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، إذَا (أَسْلَمَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (مَعًا) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (اسْتَمَرَّتْ النَّفَقَةُ) وَغَيْرُهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ لِدَوَامِ النِّكَاحِ وَالتَّمْكِينِ (وَلَوْ أَسْلَمَ) هُوَ (وَأَصَرَّتْ) وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 337 حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الْجَدِيدِ. وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوَّلًا فَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَصَرَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنْ ارْتَدَّتْ فَلَا نَفَقَةَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ ارْتَدَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ.   [مغني المحتاج] كَأَصْلِهَا (حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا) نَفَقَةَ لَهَا وَلَا شَيْءَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُؤَنِ لِإِسَاءَتِهَا بِتَخَلُّفِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ كَنَاشِزَةٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَجَّ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فَرْضٌ مُضَيَّقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ. أَمَّا الْكِتَابِيَّةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ قَطْعًا إذَا كَانَ يَحِلُّ لَهُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ) شَيْئًا (فِي الْجَدِيدِ) لِمَا مَرَّ، وَالْقَدِيمُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْآخَرِ أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً وَهِيَ لَمْ تُحْدِثْ شَيْئًا وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي بَدَّلَ الدِّينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّخَلُّفِ لِعُذْرٍ أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي إذَا تَخَلَّفَتْ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ عَقِبَ زَوَالِ الْمَانِعِ أَنْ تَسْتَحِقَّ، وَتَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ اهـ. وَرُدَّ هَذَا الْبَحْثُ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ بِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ التَّمْكِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نُشُوزٌ وَلَا تَقْصِيرٌ مِنْ الزَّوْجَةِ كَمَا تَسْقُطُ بِحَبْسِهَا ظُلْمًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَبْقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ الزَّوْجُ: أَسْلَمْتُ أَوَّلًا فَلَا نَفَقَةَ لَك، وَقَالَتْ: بَلْ أَسْلَمْتُ أَوَّلًا فَلِي النَّفَقَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً فَهُوَ يَدَّعِي مُسْقِطًا، فَأَشْبَهَ مَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النُّشُوزَ وَهِيَ تُنْكِرُهُ (وَلَوْ أَسْلَمَتْ) هِيَ (أَوَّلًا فَأَسْلَمَ) هُوَ (فِي الْعِدَّةِ) فَلَهَا نَفَقَةُ مُدَّةِ تَخَلُّفِهِ (أَوْ أَصَرَّ) إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا أَدَّتْ فَرْضًا مُضَيَّقًا عَلَيْهَا فَلَا يَمْنَعُ النَّفَقَةَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا أَحْسَنَتْ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَقْرِيرِ النِّكَاحِ بِأَنْ يُسْلِمَ فَجُعِلَتْ كَالرَّجْعِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا عَدَمُ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ فِيمَا لَوْ تَخَلَّفَ إسْلَامُهُ لِعُذْرٍ مِنْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَدَامَ بِهِ الْمَانِعُ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَهُوَ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَعْلِيلُهُمْ بِذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. وَالثَّانِي: لَا تَسْتَحِقُّ فِيهِمَا، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَلَى دِينِهِ، وَهِيَ الَّتِي أَحْدَثَتْ الْمَانِعَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ أَطَاعَتْ بِهِ كَالْحَجِّ، وَرَدَّتْ بِأَنَّ الْحَجَّ مُوَسِّعٌ وَالْإِسْلَامَ مُضَيِّقٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا بَائِنٌ حَائِلٌ وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا سَبَقَتْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ حَيْثُ يَسْقُطُ مَهْرُهَا مَعَ إحْسَانِهَا بِأَنَّ الْمَهْرَ عِوَضُ الْعَقْدِ فَسَقَطَ بِتَفْوِيتِ الْعَاقِدِ مُعَوِّضَهُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَأَكْلِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ مُضْطَرًّا وَالنَّفَقَةَ لِلتَّمْكِينِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ لِلتَّعَدِّي وَلَا تَعَدِّيَ هُنَا. (وَإِنْ ارْتَدَّتْ) زَوْجَةٌ وَحْدَهَا (فَلَا نَفَقَةَ) لَهَا زَمَنَ الرِّدَّةِ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّهَا كَالنَّاشِزَةِ بِالرِّدَّةِ، بَلْ أَوْلَى وَتَسْتَحِقُّ مِنْ وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِدَّةِ (وَإِنْ ارْتَدَّ) الزَّوْجُ وَحْدَهُ (فَلَهَا) عَلَيْهِ (نَفَقَةُ الْعِدَّةِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِمَا مَرَّ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي تَشْطِيرِ الْمَهْرِ بِرِدَّتِهِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ، وَلَوْ ارْتَدَّتْ فَغَابَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ غَائِبٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 338 بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا   [مغني المحتاج] اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ مِنْ حِينِ إسْلَامِهَا. فَإِنْ قِيلَ: الرِّدَّةُ أَوْلَى مِنْ النُّشُوزِ كَمَا مَرَّ، وَهِيَ لَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ حَتَّى يَصِلَ الْخَبْرُ إلَيْهِ وَيَمْضِي زَمَانٌ لَوْ سَافَرَ إلَيْهَا لَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِالرِّدَّةِ زَالَ بِالْإِسْلَامِ وَسُقُوطَهَا بِالنُّشُوزِ لِلْمَنْعِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْخُرُوجِ مِنْ قَبْضَتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَزُولُ مَعَ الْغَيْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ بِالْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَادَّعَتْ سَبْقَ الزَّوْجِ بِهِ لِيَثْبُتَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَعَكَسَ هُوَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ نِصْفِ الْمَهْرِ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ سَبْقَهَا فَقَالَتْ: لَا أَعْرِفُ السَّابِقَ مِنَّا لَمْ نُطَالِبْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ، فَإِنْ ادَّعَتْ بَعْدَ قَوْلِهَا ذَلِكَ عِلْمَهَا بِسَبْقِ إسْلَامِهِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَأَخَذَتْ النِّصْفَ وَإِنْ جُعِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ بِاعْتِرَافِهِمَا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَعَاقُبِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا يُطَالَبُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ إنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهَا، وَلَا يَسْتَرِدُّهُ هُوَ مِنْهَا إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ لِاحْتِمَالِ سَبْقِهِ فَيُقَرُّ النِّصْفُ فِي يَدِهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَالُ، وَلَوْ أَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا حِينَ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ يَوْمَ كَذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَاسْتَمَرَّ النِّكَاحُ أَوْ أَنَّهُمَا أَسْلَمَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا يَوْمَ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ يَتَنَاوَلُ حَالَ تَمَامِهِ وَهِيَ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمَعِيَّةُ لِلطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ تَتَنَاوَلُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا مُقَارِنًا لِطُلُوعِ أَوَّلِ الْقُرْصِ أَوْ غُرُوبِهِ، وَإِسْلَامُ الْآخَرِ مُقَارِنًا لِطُلُوعِ آخِرِهِ أَوْ غُرُوبِهِ. [بَابُ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ] بَابُ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ (وَالْإِعْفَافِ وَنِكَاحِ الْعَبْدِ) وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا. وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ، وَعَدَّهَا فِي الرَّوْضَةِ أَرْبَعَةً، فَجَعَلَ الْعُنَّةَ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا، وَالْأَوْجَهُ دُخُولُهَا فِي الْعُيُوبِ. وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَكَالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ، وَكَأَنْ يَجِدَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ رَقِيقًا أَوْ يَجِدَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ إلَّا بِالْإِفْضَاءِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ. الْأَوَّلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْعُيُوبِ، وَتَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ، وَقِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ، وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَقَالَ إذَا (وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا) وَإِنْ تَقَطَّعَ أَوْ كَانَ قَابِلًا لِلْعِلَاجِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْجُنُونُ زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ، وَاسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي مِنْ الْمُتَقَطِّعِ الْخَفِيفَ الَّذِي يَطْرَأُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 339 أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، أَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ. أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَوْ مَجْنُونًا ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ.   [مغني المحتاج] فِي بَعْضِ الزَّمَانِ. أَمَّا الْإِغْمَاءُ بِالْمَرَضِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ كَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا تَحْصُلُ مِنْهُ الْإِفَاقَةُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَمَّا الْمَأْيُوسُ مِنْ زَوَالِهِ فَكَالْجُنُونِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا إنْ بَقِيَ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ الْمَرَضِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْجُنُونِ، وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْخَبَلَ بِالْجُنُونِ، وَالْإِصْرَاعُ نَوْعٌ مِنْ الْجُنُونِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (أَوْ) وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ (جُذَامًا) وَهُوَ عِلَّةٌ يَحْمَرُّ مِنْهَا الْعُضْوُ ثُمَّ يَسْوَدُّ ثُمَّ يَتَقَطَّعُ وَيَتَنَاثَرُ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ عُضْوٍ لَكِنَّهُ فِي الْوَجْهِ أَغْلَبُ (أَوْ بَرَصًا) وَهُوَ بَيَاضٌ شَدِيدٌ يُبَقِّعُ الْجِلْدَ وَيُذْهِبُ دَمَوِيَّتَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ. هَذَا إذَا كَانَا مُسْتَحْكِمَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ أَوَائِلِ الْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُوَيْنِيُّ قَالَ: وَالِاسْتِحْكَامُ فِي الْجُذَامِ يَكُونُ بِالتَّقَطُّعِ وَتَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيهِ وَجَوَّزَ الِاكْتِفَاءَ بِاسْوِدَادِهِ، وَحَكَمَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْجُنُونِ الِاسْتِحْكَامَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْجُنُونَ يُفْضِي إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى الزَّوْجِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَسْخُ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهَا إنْ عَلِمَتْ بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ التَّنَقِّي مِنْ الْعُيُوبِ شَرْطٌ فِي الْكَفَاءَةِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إذَا عُدِمَ التَّكَافُؤُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ قِسْمٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا إذَا أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ سَلِيمٌ فَإِذَا هُوَ مَعِيبٌ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ، فَقَالَ (أَوْ وَجَدَهَا) الزَّوْجُ (رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ) بِأَنْ انْسَدَّ مَحَلُّ الْجِمَاعِ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَحْمٍ وَبِالثَّانِي بِعَظْمٍ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ بِلَحْمٍ وَعَلَيْهِ فَالرَّتَقُ وَالْقَرَنُ وَاحِدٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ إجْبَارُ الرَّتْقَاءِ عَلَى شَقِّ الْمَوْضِعِ وَإِنْ شَقَّتْهُ وَأَمْكَنَ الْوَطْءُ فَلَا خِيَارَ، وَلَا تُمَكَّنُ الْأَمَةُ مِنْ الشَّقِّ قَطْعًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجِ، فَقَالَ: (أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ خَاصَّةً، قِيلَ: سُمِّيَ عِنِّينًا لِلِينِ ذَكَرِهِ وَانْعِطَافِهِ. مَأْخُوذٌ مِنْ عِنَانِ الدَّابَّةِ لِلِينِهِ (أَوْ مَجْبُوبًا) وَهُوَ مَقْطُوعُ جَمِيعِ الذَّكَرِ أَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ. أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهُ مَا يُولِجُ قَدْرَهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَجَوَابُ إذَا الْمُقَدَّرَةِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ قَوْلُهُ (ثَبَتَ) لِوَاجِدِ الْعَيْبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ (الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ) كَمَا تَقَرَّرَ. لَكِنْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا سَيَأْتِي، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَهِيَ الْمُشْتَرِكَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَفِي الصَّحِيحِ: «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ» قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: وَأَمَّا الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ فَإِنَّهُ: أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْدِي الزَّوْجَ وَيُعْدِي الْوَلَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ مِمَّا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ وَالتَّجَارِبِ أَنَّهُ يُعْدِي كَثِيرًا، وَهُوَ مَانِعٌ لِلْجِمَاعِ لَا تَكَادُ نَفْسُ أَحَدٍ أَنْ تَطِيبَ أَنْ يُجَامِعَ مَنْ هُوَ بِهِ، وَالْوَلَدُ قَلَّ مَا يَسْلَمُ مِنْهُ، فَإِنْ سَلِمَ أَدْرَكَ نَسْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 340 وَقِيلَ إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ فَلَا. وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] كَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُعْدِي وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ لَا عَدْوَى؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُعْدِي بِفِعْلِ اللَّهِ لَا بِنَفْسِهِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ رَدًّا لِمَا يَعْتَقِدُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نِسْبَةِ الْفِعْلِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مُخَالَطَةَ الصَّحِيحِ لِمَنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ سَبَبٌ لِحُدُوثِ ذَلِكَ الدَّاءِ، وَلِأَنَّ مُعْظَمَ النِّكَاحِ هُوَ الْوَطْءُ، وَالْقَرَنُ وَالرَّتَقُ مَانِعَانِ مِنْهُ فَيَتَعَذَّرُ مَقْصُودُهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَمَا لَوْ عُلِمَ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَصَحُّ لَا خِيَارَ فِيهِمَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَجَدَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا خِيَارَ لَهُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ لَوْ عَلِمَتْ بِعُنَّتِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ تَحْصُلُ فِي حَقِّ امْرَأَةٍ دُونَ أُخْرَى وَفِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجَةِ بِالْعُنَّةِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى جِمَاعِ غَيْرِهَا. وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ مِثْلَ مَا بِهِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ لَا (وَقِيلَ: إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ) مِنْ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ قَدْرًا وَفُحْشًا (فَلَا) خِيَارَ لَهُ لِتَسَاوِيهِمَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعَافُ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَعَافُ مِنْ نَفْسِهِ. أَمَّا الْمَجْنُونَانِ جُنُونًا مُطْبِقًا فَيَتَعَذَّرُ الْخِيَارُ لَهُمَا لِانْتِفَاءِ الْخِيَارِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِثْلَ عَيْبِهِ احْتِرَازٌ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ أَوْ أَفْحَشَ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ قَطْعًا. نَعَمْ إنْ كَانَ مَجْبُوبًا بِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ رَتْقَاءُ، فَطَرِيقَانِ: قِيلَ: كَالْجِنْسِ، وَقِيلَ: لَا خِيَارَ قَطْعًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ هَلْ هُوَ عَيْبٌ كَبَيَاضٍ هَلْ هُوَ بَرَصٌ أَوْ لَا؟ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ جُمْلَةَ الْعُيُوبِ سَبْعَةٌ، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ خَمْسَةٌ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْعُيُوبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيمَا عَدَاهَا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَلَا خِيَارَ بِالْبَخَرِ، وَالصُّنَانِ، وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ، وَالْعَمَى، وَالزَّمَانَةِ، وَالْبَلَهِ، وَالْخِصَاءِ، وَالْإِفْضَاءِ، وَلَا بِكَوْنِهِ يَتَغَوَّطُ عِنْدَ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ لِفَوَاتِ الْمَالِيَّةِ (وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا) بِأَنْ زَالَ إشْكَالُهُ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ (فَلَا) خِيَارَ لَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) سَوَاءٌ أَوْضَحَ بِعَلَامَةٍ قَطْعِيَّةٍ أَمْ ظَنِّيَّةٍ أَوْ بِإِخْبَارِهِ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ ثُقْبَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ زَائِدَةٍ لَا يُفَوِّتُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ لِنُفْرَةِ الطَّبْعِ عَنْهُ. أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ. وَلَوْ وَجَدَهَا مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ نَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا عَنْ الْعَمَلِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ إنْ جَهِلَ، وَلَا يَسْقُطُ بِرِضَا الْمُسْتَأْجِرِ بِالِاسْتِمْتَاعِ نَهَارًا، وَيَلْحَقُ بِالْمَرْأَةِ الرَّتْقَاءِ ضَيِّقَةُ الْمَنْفَذِ إنْ كَانَ يَحْصُلُ إفْضَاؤُهَا بِالْوَطْءِ مِنْ كُلِّ وَاطِئٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَعَلَى هَذَا يُقَاسُ بِالْعِنِّينِ كَبِيرُ الْآلَةِ بِحَيْثُ لَا تَسَعُ حَشَفَتَهُ امْرَأَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَأَغْرَبَ الْخَفَّافُ فَعَدَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 341 وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ تَخَيَّرَتْ إلَّا عُنَّةً بَعْدَ دُخُولٍ، أَوْ بِهَا تَخَيَّرَ فِي الْجَدِيدِ. وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ بِحَادِثٍ، وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنِ جُنُونٍ، وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فِي عُيُوبِ الرَّجُلِ كَوْنَهُ مُشْعِرَ الْإِحْلِيلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِهِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ خَشِنَةَ الْمَدْخَلِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى الْمُدْخِلُ. (وَلَوْ حَدَثَ بِهِ) أَيْ الزَّوْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ (عَيْبٌ) كَأَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ (تَخَيَّرَتْ) قَبْلَ الدُّخُولِ جَزْمًا، وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهَا كَالْمُقَارِنِ مَعَ أَنَّهُ لَا خَلَاصَ لَهَا إلَّا بِالْفَسْخِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ الْإِطْلَاقُ مَا لَوْ جَبَّتْ ذَكَرَ زَوْجِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا عَيَّبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّهَا بِالْجَبِّ لَا تَصِيرُ قَابِضَةً لِحَقِّهَا، فَهِيَ كَالْمُسْتَأْجِرِ إذَا عَيَّبَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ، وَالْمُشْتَرِي بِالتَّعْيِيبِ قَابِضٌ لِحَقِّهِ (إلَّا عُنَّةً) حَدَثَتْ (بَعْدَ دُخُولٍ) لِحُصُولِ مَقْصُودِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَهْرِ وَثُبُوتِ الْحَضَانَةِ، وَقَدْ عَرَفَتْ قُدْرَتَهُ عَلَى الْوَطْءِ وَوَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْجَبُّ كَذَلِكَ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَبَّ حَصَلَ بِهِ الْيَأْسُ بِخِلَافِ الْعُنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَطْءُ حَقٌّ لِلزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ دَائِمًا لَا خِيَارَ لَهَا وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ بَعْضَهُنَّ وَيَتْرُكَ بَعْضَهُنَّ، فَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا حَقًّا فِي ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا دَامَتْ مُتَرَجِّيَةً لِلْوَطْءِ فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزَّوْجِ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا أَيِسَتْ مِنْهُ أَثْبَتُوا لَهَا الْخِيَارَ لِتَضَرُّرِهَا (أَوْ) حَدَثَ (بِهَا) عَيْبٌ (تَخَيَّرَ) الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ (فِي الْجَدِيدِ) كَمَا لَوْ حَدَثَ بِهِ، وَالْقَدِيمُ لَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخَلَاصِ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِهَا، وَرُدَّ بِتَضَرُّرِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ كُلِّهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَبْعُدُ عَلَى الْجَدِيدِ أَنْ يَكُونَ حُدُوثُ الرَّتَقِ وَالْقَرَنِ بَعْدَ الْوَطْءِ كَحُدُوثِ الْجَبِّ فِي الْخِلَافِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي النَّفَقَاتِ. فَرْعٌ: لَوْ حَدَثَ بِهِ جَبٌّ فَرَضِيَتْ ثُمَّ حَدَثَ بِهَا رَتَقٌ أَوْ قَرَنٌ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَمْ لَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوْجَهُ ثُبُوتُهُ. (وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ) بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَيِّدٍ (بِحَادِثٍ) مِنْ الْعَيْبِ بِالزَّوْجِ، إذْ لَا عَارَ عَلَيْهِ فِي الْعُرْفِ بِخِلَافِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِهَذَا لَوْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَرَضِيَتْ بِهِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ ابْتِدَاءً مِنْ نِكَاحِ الرَّقِيقِ (وَكَذَا بِمُقَارِنِ جَبٍّ وَعُنَّةٍ) لِلْعَقْدِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالضَّرَرِ وَلَا عَارَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعُنَّةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَكَيْفَ صُورَتُهَا؟ . أُجِيبَ بِتَصْوِيرِهِ بِمَا إذَا تَزَوَّجَهَا وَعَرَفَ الْوَلِيُّ عُنَّتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَأَرَادَ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ قَدْ يُعَنُّ فِي نِكَاحٍ دُونَ نِكَاحٍ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاسْتِمْرَارُ (وَيَتَخَيَّرُ) الْوَلِيُّ (بِمُقَارِنِ جُنُونٍ) لِلزَّوْجِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ لِتُعَيِّرَهُ بِذَلِكَ (وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ) مُقَارِنَانِ يَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِلْعَارِ وَخَوْفِ الْعَدْوَى لِلنَّسْلِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 342 وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْفَسْخُ قَبْلَ دُخُولٍ يُسْقِطُ الْمَهْرَ وَبَعْدَهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ، وَالْمُسَمَّى إنْ حَدَثَ بَعْدَ وَطْءٍ.   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِاخْتِصَاصِ الضَّرَرِ بِالْمَرْأَةِ، فَإِذَا فَسَخَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِعَيْبٍ ظَنَّهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ بَطَلَ الْفَسْخُ. (وَالْخِيَارُ) فِي الْفَسْخِ بِهَذِهِ الْعُيُوبِ إذَا ثَبَتَ يَكُونُ (عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى بِكَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ وَالرَّفْعَ إلَى الْحَاكِمِ يَكُونَانِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ضَرْبَ الْمُدَّةِ فِي الْعُنَّةِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمُبَادَرَةِ إلَى الْفَسْخِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَيْبِ وَلَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْفَوْرِ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَنَّهُ يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: عَلِمْتُ بِعَيْبِ صَاحِبِي وَجَهِلْت الْخِيَارَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا (وَالْفَسْخُ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا بِعَيْبٍ فِيهَا أَوْ فِيهِ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ أَوْ حَادِثٍ (قَبْلَ دُخُولٍ يَسْقُطُ الْمَهْرَ) وَلَا مُتْعَةَ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِهِ فَهِيَ الْفَاسِخَةُ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بِهَا فَسَبَبُ الْفَسْخِ مَعْنًى وُجِدَ فِيهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ (وَ) الْفَسْخُ (بَعْدَهُ) أَيْ الدُّخُولِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَهُ (الْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ) النِّكَاحُ (بِمُقَارِنٍ) لِلْعَقْدِ (أَوْ) فُسِخَ (بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ) إنْ كَانَ بِالْمَوْطُوءَةِ وَجَهِلَتْهُ هِيَ إنْ كَانَ بِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَمْتَعَ بِمَعِيبَةٍ، وَهُوَ إنَّمَا بَذَلَ الْمُسَمَّى عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ، فَكَأَنَّ الْعَقْدَ جَرَى فِي الْأَوَّلِ بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَيُجْعَلُ اقْتِرَانُهُ بِالْوَطْءِ الْمُقَارِنِ لِلْمَهْرِ فِي الثَّانِي كَالِاقْتِرَانِ بِالْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا جَرَى بِلَا تَسْمِيَةٍ، وَلِأَنَّ قَضِيَّةَ الْفَسْخِ رُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى عَيْنِ حَقِّهِ أَوْ إلَى بَدَلٍ إنْ تَلِفَ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ إلَى عَيْنِ حَقِّهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى وَالزَّوْجَةُ إلَى بَدَلِ حَقِّهَا وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَوَاتِ حَقِّهَا بِالدُّخُولِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ صَيَّرَ التَّسْمِيَةَ كَالْعَدَمِ سَقَطَ مَا قِيلَ: الْفَسْخُ إنْ رَفَعَ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ فَالْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ حِينِهِ فَالْمُسَمَّى كَذَلِكَ. وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عَمَّا قِيلَ بِأَنَّ الَّذِي يَخْتَارُهُ هُنَا وَفِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ حِينِ حُدُوثِ سَبَبِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْعَقْدِ وَلَا مِنْ حِينِ الْفَسْخِ، وَعَلَيْهِ يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّفْصِيلُ، وَالنِّكَاحُ وَالْإِجَارَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِمَا الْمَنَافِعُ، وَهِيَ لَا تُقْبَضُ حَقِيقَةً إلَّا بِالِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِ مُقَرَّرٌ. وَأَمَّا الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَالْإِعْسَارِ، فَمِنْ حِينِهِ قَطْعًا، وَكَذَا الْخُلْعُ اهـ. وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ (الْمُسَمَّى إنْ حَدَثَ) الْعَيْبُ (بَعْدَ وَطْءٍ) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِ الْخِيَارِ فَلَا يُغَيَّرُ. وَالثَّانِي هُوَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ يَجِبُ الْمُسَمَّى مُطْلَقًا لِتَقَرُّرِهِ بِالدُّخُولِ. وَالثَّالِثُ مَهْرُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ فِي الْمُقَارِنِ: إنْ فَسَخَ بِعَيْبِهَا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنْ فَسَخَتْ بِعَيْبِهِ فَالْمُسَمَّى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَطْءَ مَضْمُونٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَابِلٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هُوَ يَجِبُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرٌ لِمِثْلٍ. فَإِنْ قِيلَ فِي رَدِّ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ بِعَيْبٍ وَطْؤُهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ وَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ فِي النِّكَاحِ فَوَجَبَ بَذْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْوَطْءُ فِي الْمَبِيعِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي الْبَيْعِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 343 وَلَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ بَعْدَ وَطْءٍ فَالْمُسَمَّى. وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الْجَدِيدِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُيُوبِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ، وَكَذَا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] وَإِنَّمَا الْعَقْدُ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَالْوَطْءُ مَنْفَعَةُ مِلْكِهِ فَلَمْ يُقَابِلْهُ عِوَضٌ. فَرْعٌ: لَوْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ لِلْوَطْءِ كَانَ كَالْفَسْخِ بِحَادِثٍ قَبْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى. فَرْعٌ: لَا نَفَقَةَ لِلْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْعِدَّةِ إنْ كَانَتْ حَائِلًا أَوْ حَامِلًا لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِالْفَسْخِ، وَلَهَا السُّكْنَى لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ. (وَلَوْ انْفَسَخَ) النِّكَاحُ (بِرِدَّةٍ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا (بَعْدَ وَطْءٍ) بِأَنْ لَمْ يَجْمَعْهَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ (فَالْمُسَمَّى) هُوَ الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَرَّرَ الْمُسَمَّى قَبْلَ وُجُودِهَا، وَالرِّدَّةُ لَا تُسْنَدُ إلَى مَا تَقَدَّمَ. (وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ) الْفَاسِخُ (بَعْدَ الْفَسْخِ بِالْمَهْرِ) الَّذِي غَرِمَهُ (عَلَى مَنْ غَرَّهُ) مِنْ وَلِيٍّ أَوْ زَوْجَةٍ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ (فِي الْجَدِيدِ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَدِيمُ يَرْجِعُ بِهِ لِلتَّدْلِيسِ عَلَيْهِ بِإِخْفَاءِ الْعَيْبِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. أَمَّا الْعَيْبُ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ إذَا فُسِخَ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التَّدْلِيسِ، وَصَوَّرَ فِي التَّتِمَّةِ التَّغْرِيرَ مِنْهَا بِأَنْ تَسْكُتَ عَنْ عَيْبِهَا وَتُظْهِرَ لِلْوَلِيِّ مَعْرِفَةَ الْخَاطِبِ بِهِ، وَصَوَّرَهُ أَبُو الْفَرَجِ، الزازي بِأَنْ تَعْقِدَ بِنَفْسِهَا وَيَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَكُلٌّ صَحِيحٌ، وَلَوْ أَجَازَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَارِّ جَزْمًا. (وَيُشْتَرَطُ فِي) الْفَسْخِ بِعَيْبٍ (الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ) جَزْمًا لِيَفْعَلَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا (وَكَذَا سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الْعُيُوبِ) السَّابِقَةِ يُشْتَرَطُ فِي الْفَسْخِ بِكُلٍّ مِنْهَا الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ، وَالثَّانِي: لَا، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالْفَسْخِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِالْفَسْخِ مِمَّا يَجُوزُ الْفَسْخُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الزَّوْجِ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ (أَوْ بَيِّنَةٍ) تُقَامُ عِنْدَ الْحَاكِمِ (عَلَى إقْرَارِهِ) وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهَا بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُطَّلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَيْهَا، يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ دَعْوَى امْرَأَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ الْعُنَّةَ عَلَيْهِمَا لَا تُسْمَعُ لِسُقُوطِ قَوْلِهِمَا (وَكَذَا) تَثْبُتُ الْعُنَّةُ (بِيَمِينِهَا) الْمَرْدُودَةِ (بَعْدَ) إنْكَارِهِ الْعُنَّةَ، وَ (نُكُولِهِ) عَنْ الْيَمِينِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الْحَلِفُ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ وَالْمُمَارَسَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهُ نَوَى الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَةِ إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِهَا، إذْ لَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ مِنْ ذَلِكَ مَا تَعْرِفُهُ هِيَ. وَالثَّانِي: لَا يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهَا وَيُقْضَى بِنُكُولِهِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالتَّعْنِينِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْعُنَّةَ فِي اللُّغَةِ هِيَ الْحَظِيرَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 344 وَإِذَا ثَبَتَتْ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً، بِطَلَبِهَا، فَإِذَا تَمَّتْ رَفَعَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ وَطِئْتُ حَلَفَ،   [مغني المحتاج] الْمُعَدَّةُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ. قَالَ: وَمَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعُنَّةُ، وَيُرِيدُونَ بِهِ التَّعْنِينَ فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي مُثَلَّثَتِهِ: الْعُنَّةُ بِالضَّمِّ: الْعَجْزُ عَنْ الْجِمَاعِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ عِنِّينَةٌ (وَإِذَا ثَبَتَتْ) عُنَّةُ الزَّوْجِ (ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً) كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اتِّبَاعِ قَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَاعِدَةِ الْبَابِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ مُضِيُّ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الْجِمَاعِ قَدْ يَكُونُ لِعَارِضِ حَرَارَةٍ فَتَزُولُ فِي الشِّتَاءِ، أَوْ بُرُودَةٍ فَتَزُولُ فِي الصَّيْفِ، أَوْ يُبُوسَةٍ فَتَزُولُ فِي الرَّبِيعِ، أَوْ رُطُوبَةٍ فَتَزُولُ فِي الْخَرِيفِ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَا إصَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّهُ عَجْزٌ خُلُقِيٌّ. تَنْبِيهٌ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي، لَا مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْعُنَّةِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا، بِخِلَافِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ لِلنَّصِّ. وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ بِالْأَهِلَّةِ، فَإِنْ كَانَ ابْتِدَاؤُهَا فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ كَمُلَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثَ عَشَرَ ثَلَاثِينَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فِي ضَرْبِ السَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مَارَسْتُ نَفْسِي وَأَنَا عِنِّينٌ فَلَا تَضْرِبُوا لِي مُدَّةً أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ، فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَالرَّضَاعَ، فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي كَوْنِ الْمُدَّةِ سَنَةً، وَإِنَّمَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ (بِطَلَبِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَيَكْفِي قَوْلُهَا: أَنَا طَالِبَةٌ حَقِّي بِمُوجَبِ الشَّرْعِ وَإِنْ جَهِلَتْ بِتَفْصِيلِ الْحُكْمِ، فَإِنْ سَكَتَتْ لَمْ تُضْرَبْ. نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ سُكُوتَهَا لِجَهْلٍ أَوْ دَهْشَةٍ أَوْ غَفْلَةٍ فَلَا بَأْسَ بِتَنْبِيهِهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: بِطَلَبِهَا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَنُوبَ عَنْهَا فِي ذَلِكَ عَاقِلَةً كَانَتْ أَوْ مَجْنُونَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ دَعْوَى الْعُنَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْخِصَالِ، وَلَا لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ نِكَاحِهَا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِنِّينَ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ ادَّعَتْ عَنْهُ مُقَارَنَةً لِلْعَقْدِ، وَإِلَّا فَتُسْمَعُ لِانْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ (فَإِذَا تَمَّتْ) تِلْكَ السَّنَةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلزَّوْجِ وَلَمْ يَطَأْ عَلَى مَا يَأْتِي وَلَمْ تَعْتَزِلْهُ فِيهَا (رَفَعَتْهُ) ثَانِيًا (إلَيْهِ) أَيْ الْقَاضِي، فَلَا تَفْسَخُ بِلَا رَفْعٍ، إذْ مَدَارُ الْبَابِ عَلَى الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ فَيُحْتَاجُ إلَى نَظَرِ الْقَاضِي وَاجْتِهَادِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ، بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الرَّفْعَ ثَانِيًا بَعْدَ السَّنَةِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (فَإِنْ قَالَ: وَطِئْتُ حَلَفَ) بَعْدَ طَلَبِهَا أَنَّهُ وَطِئَ كَمَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ لِعُسْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةِ الْجِمَاعِ وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ وَدَوَامُ النِّكَاحِ، هَذَا فِي الثَّيِّبِ. أَمَّا الْبِكْرُ إذَا شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَكَارَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِلظَّاهِرِ، وَهَلْ تَحْلِفُ أَوْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ رَجَحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَعَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهَا لَا تَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ الزَّوْجُ يَمِينَهَا، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِيَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 345 فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ أَوْ أَقَرَّ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ، وَقِيلَ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي أَوْ فَسْخِهِ،   [مغني المحتاج] فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ عَوْدَ الْبَكَارَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ شَهَادَتِهِنَّ: أَصَبْتهَا وَلَمْ أُبَالِغْ فَعَادَتْ بَكَارَتُهَا وَطَلَبَ يَمِينَهَا حَلَفَتْ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِصَابَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ النَّافِي أَخْذًا بِالْأَصْلِ. الْمَوْضِعُ الثَّانِي الْمُولِي، وَهُوَ كَالْعِنِّينِ فِي أَكْثَرِ مَا ذُكِرَ، وَإِذَا طَلَّقَ عِنِّينٌ أَوْ مُولٍ قَبْلَ الْوَطْءِ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ حَلَفَا عَلَى الْوَطْءِ فَلَيْسَ لَهُمَا رَجْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ بِيَمِينِهَا فِي إنْكَارِهَا الْوَطْءَ لِدَفْعِ رَجْعَتِهَا وَإِنْ صُدِّقَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْعُنَّةِ، وَالثَّانِي لِدَفْعِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْدِيقِ الشَّخْصِ لِلدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ تَصْدِيقُهُ لِإِثْبَاتِ حَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إذْ الْيَمِينُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ، وَنَظَرُوا ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: إذَا صَدَّقْنَا الْوَدِيعَ فِي تَلَفِ الْوَدِيعَةِ ثُمَّ ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةٌ وَغَرَّمَهُ مُسْتَحِقُّهَا بَدَلَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُودِعِ إنْ حَلَفَ الْمُودِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ فَيَمِينُ الْوَدِيعِ دَافِعَةٌ عَنْهُ الْغُرْمَ غَيْرُ مُثْبِتَةٍ لَهُ الرُّجُوعَ. الثَّانِيَةُ: دَارٌ فِي يَدِ اثْنَيْنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا جَمِيعَهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هِيَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ، فَإِذَا بَاعَ مُدَّعِي الْكُلِّ نَصِيبَهُ مِنْ ثَالِثٍ لَيْسَ لِلْآخَرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ رَفَعَتْ الْأَخْذَ مِنْهُ فَلَا تَكُونُ مُثْبِتَةً لَهُ حَقًّا. الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: مُطَلَّقَةٌ ادَّعَتْ الْوَطْءَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِتَسْتَوْفِيَ الْمَهْرَ وَأَنْكَرَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِزَمَانٍ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا إنْ لَمْ يَنْفِهِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِهَا بِالْوَلَدِ، كَذَا نَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِمَا مَسَائِلَ: الْأُولَى: إذَا ادَّعَتْ الْبَكَارَةَ الْمَشْرُوطَةَ وَأَنَّهَا زَالَتْ بِوَطْئِهِ فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِدَفْعِ الْفَسْخِ. الثَّانِيَةُ: إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا أَنَّ الْمُحَلِّلِ وَطِئَهَا وَفَارَقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَأَنْكَرَ الْمُحَلِّلُ الْوَطْءَ، فَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لَا لِتَغْرِيمِ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبَيِّنَةُ الْوَطْءِ مُتَعَذِّرَةٌ. الثَّالِثَةُ: إذَا قَالَ لَهَا وَهِيَ طَاهِرٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ ادَّعَى وَطْأَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ لِيَدْفَعَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَتْهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ. الرَّابِعَةُ: إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ ثُمَّ اخْتَلَفَا كَذَلِكَ فَهُوَ فِي الْمُصَدَّقِ لِمَا ذُكِرَ، وَبِهِ أَجَابَ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: الظَّاهِرُ الْوُقُوعُ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (حَلَفَتْ) هِيَ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا (فَإِنْ حَلَفَتْ) عَلَى ذَلِكَ (أَوْ أَقَرَّ) هُوَ بِذَلِكَ (اسْتَقَلَّتْ) هِيَ (بِالْفَسْخِ) كَمَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ مَنْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا، لَكِنْ إنَّمَا تَفْسَخُ بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي لَهَا: ثَبَتَتْ الْعُنَّةُ أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَاخْتَارِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. نَعَمْ قَوْلُهُ فَاخْتَارِي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ بَادَرَتْ وَفَسَخَتْ قَبْلَهُ نَفَذَ فَسْخُهَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَذْفُ الرَّافِعِيِّ لَهُ مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَقِيلَ: يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي) لَهَا بِالْفَسْخِ (أَوْ) إلَى (فَسْخِهِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَيَتَعَاطَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَأْذَنُ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَا هَذَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 346 وَلَوْ اعْتَزَلَتْهُ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ لَمْ تُحْسَبْ، وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا بِهِ بَطَلَ حَقُّهَا، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ نَكَحَ وَشُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا،   [مغني المحتاج] الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ خِيَارَ الْعُنَّةِ خُصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَخِيَارُهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَضَرْبُ الْقَاضِي الْمُدَّةَ وَالثُّبُوتَ بَعْدَهَا إنَّمَا شُرِعَا لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلْفَسْخِ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ السَّبَبُ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ الْفَوْرِيَّةِ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّ خِيَارَهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهَذَا لَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِإِعْسَارِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ (وَلَوْ اعْتَزَلَتْهُ) كَأَنْ اُسْتُحِيضَتْ (أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي الْمُدَّةِ) كُلِّهَا (لَمْ تُحْسَبْ) هَذِهِ السَّنَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَطْءِ حِينَئِذٍ يُضَافُ إلَيْهَا وَتَسْتَأْنِفُ سَنَةً أُخْرَى وَلَوْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ قَالَ الشَّيْخَانِ: فَالْقِيَاسُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ أُخْرَى، أَوْ تَنْتَظِرُ مُضِيَّ مِثْلِ ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِئْنَافُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَصْلَ إنَّمَا يَأْتِي فِي سَنَةٍ أُخْرَى. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ انْعِزَالُهَا عَنْهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْفَصْلِ مِنْ قَابِلٍ بِخِلَافِ الِاسْتِئْنَافِ، وَلَا يَمْنَعُ حُسْبَانُ الْمُدَّةِ حَيْضَهَا إذْ لَا تَخْلُو السَّنَةُ عَنْهُ غَالِبًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِهَا أَنَّ حَبْسَهُ وَمَرَضَهُ لَا يَمْنَعُ حُسْبَانَ الْمُدَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَسَفَرُهَا كَحَبْسِهَا وَنِفَاسُهَا كَحَيْضِهَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَسَفَرُهُ كَحَبْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى امْتِنَاعَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَضْرِبُ الْقَاضِي مُدَّةً أُخْرَى وَيُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ ثِقَاتٍ وَيَعْتَمِدُ قَوْلَهُمْ (وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا) أَيْ انْقِضَاءِ جَمِيعِ الْمُدَّةِ (بِهِ) أَيْ بِالْمُقَامِ مَعَ الزَّوْجِ (بَطَلَ حَقُّهَا) مِنْ الْفَسْخِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُيُوبِ. فَإِنْ قِيلَ: الْإِيلَاءُ وَالْإِعْسَارُ بِالنَّفَقَةِ وَالْإِجَارَةِ إذَا تَهَدَّمَتْ الدَّارُ لَهَا الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَتْ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ضَرَرَ هَذِهِ الْأُمُورِ يَتَجَدَّدُ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ وَاحِدٌ إذَا تَحَقَّقَ لَا تُتَوَقَّعُ إزَالَتُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَعْدَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ خَرَجَ بِهَا مَا إذَا رَضِيَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ قَبْلَ ضَرْبِهَا فَإِنَّ حَقَّهَا لَا يَبْطُلُ، وَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِ حَقِّهَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَالْعَفْوِ عَنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ أَنْ رَضِيَتْ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَهُ وَبِوَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَعُدْ حَقَّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَانَتْ وَجُدِّدَ نِكَاحُهَا فَإِنَّ طَلَبَهَا لَمْ يَسْقُطْ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ غَيْرُ ذَلِكَ النِّكَاحِ (وَكَذَا) يَبْطُلُ حَقُّهَا (لَوْ أَجَّلَتْهُ) بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ مُدَّةً أُخْرَى كَشَهْرٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالتَّأْجِيلُ مُفَوِّتٌ لَهُ. وَالثَّانِي: لَا يَبْطُلُ لِإِحْسَانِهَا بِالتَّأْجِيلِ وَلَا يَلْزَمُهَا، فَلَهَا الْفَسْخُ مَتَى شَاءَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي وَهُوَ قِسْمَانِ: خُلْفُ شَرْطٍ، وَخُلْفُ ظَنٍّ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (وَلَوْ نَكَحَ) امْرَأَةً (وَشُرِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (فِيهَا) فِي الْعَقْدِ (إسْلَامٌ أَوْ) شُرِطَ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ (نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا) مِمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 347 فَأُخْلِفَ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ، ثُمَّ إنْ بَانَ خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ فَلَا خِيَارَ، وَإِنْ بَانَ دُونَهُ فَلَهَا الْخِيَارُ، وَكَذَا لَهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] لَا يَمْنَعُ عَدَمُهُ صِحَّةَ النِّكَاحِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَبَكَارَةٍ وَشَبَابٍ، أَوْ النَّقْصِ كَضِدِّ ذَلِكَ أَوَّلًا وَلَا كَطُولٍ وَبَيَاضٍ وَسُمْرَةٍ (فَأُخْلِفَ) - بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ - الْمَشْرُوطُ (فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ) لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ مَعَ تَأَثُّرِهِ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَالنِّكَاحُ أَوْلَى. وَالثَّانِي يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَعْتَمِدُ الصِّفَاتِ فَتَبَدُّلُهَا كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شُرِطَتْ حُرِّيَّتُهُ فَبَانَ عَبْدًا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا لِعَدَمِ الْإِذْنِ، وَفِيمَا إذَا شَرَطَ حُرِّيَّتَهَا فَبَانَتْ أَمَةً إذَا نُكِحَتْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَكَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا، وَفِيمَا إذَا شُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ فَأَخْلَفَ أَنْ يَظْهَرَ كَوْنُهَا كِتَابِيَّةً يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ إنْ وُجِدَتْ شَرَائِطُ الصِّحَّةِ لِفَهْمِ ذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ فِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُتَصَوَّرُ فِي الْكِتَابِيَّةِ. أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ الشَّرْطُ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ فِي الْخِيَارِ (ثُمَّ) عَلَى الصِّحَّةِ (إنْ بَانَ) الْمَوْصُوفُ بِالشَّرْطِ (خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ) فِيهِ كَشَرْطِ كَوْنِهَا كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً أَوْ ثَيِّبًا فَبَانَتْ مُسْلِمَةً فِي الْأُولَى، أَوْ حُرَّةً فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ بِكْرًا فِي الثَّالِثَةِ، أَوْ فِي الزَّوْجِ أَنَّهُ عَبْدٌ فَبَانَ حُرًّا (فَلَا خِيَارَ) فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِمَّا شُرِطَ (وَإِنْ بَانَ دُونَهُ) أَيْ الْمَشْرُوطِ كَأَنْ شُرِطَ فِيهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ فَبَانَتْ أَمَةً، وَهُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا، وَقَدْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي نِكَاحِهَا أَوْ فِيهِ أَنَّهُ حُرٌّ فَبَانَ عَبْدًا وَالزَّوْجَةُ حُرَّةً وَقَدْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي النِّكَاحِ (فَلَهَا الْخِيَارُ) لِلْخُلْفِ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلِأَوْلِيَائِهَا الْخِيَارُ إنْ كَانَ الْخُلْفُ فِي النَّسَبِ لِفَوَاتِ الْكَفَاءَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهَا فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَّحَهُ فِي خُلْفِ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجِ، وَمِثْلُهُ خُلْفُ شَرْطِ نَسَبِ الزَّوْجَةِ، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَضِيَّةِ مَا فِي الْكَبِيرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا سَاوَاهَا فِي النَّسَبِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمَشْرُوطِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَجَعَلَ الْعِفَّةَ كَالنَّسَبِ: أَيْ وَالْحُرِّيَّةُ كَذَلِكَ (وَكَذَا لَهُ) الْخِيَارُ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَزِدْ نَسَبُهَا عَلَى نَسَبِهِ وَلَمْ يُسَاوِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَانِبِهِ لِلْغَرَرِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَإِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ كَعَيْبِ النِّكَاحِ. وَالثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَبْدًا أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ لِتَكَافُئِهِمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ فِي الثَّانِيَةِ أَمَةً ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِلتَّغْرِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ لَا خِيَارَ كَنَظِيرِهِ فِي شَرْطِ حُرِّيَّتِهَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 348 وَلَوْ ظَنَّهَا مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ وَحِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا. قُلْتُ: وَلَوْ بَانَ مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا فَلَهَا الْخِيَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَتَى فُسِخَ بِخُلْفٍ فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ، وَالْمُؤَثِّرُ تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ،   [مغني المحتاج] الْمُرَجَّحُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِسَيِّدِهَا دُونَهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَى نِكَاحِ عَبْدٍ لَا مَعِيبٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ خُلْفُ الظَّنِّ الَّذِي لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ إلَّا فِيمَا يُسْتَثْنَى، فَقَالَ (وَلَوْ ظَنَّهَا) بِلَا شَرْطٍ (مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً) فِي الْأُولَى بِشَرْطِهِ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ظَنِّ ذَلِكَ (أَوْ أَمَةً) فِي الثَّانِيَةِ (وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ) لَهُ فِيهِمَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الظَّنَّ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ أَوْ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ ظَنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ كَاتِبًا فَلَمْ يَكُنْ، وَالثَّانِي لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ ظَاهِرَ الدَّارِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، فَإِذَا خَالَفَ ذَلِكَ ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَلَوْ ظَنَّ حُرِّيَّتَهَا فَخَرَجَتْ مُبَعَّضَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا أَمَةً كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَلَوْ أَذِنَتْ) لِوَلِيِّهَا (فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا) لَهَا (فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ وَحِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا) وَلَا لِوَلِيِّهَا؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهَا وَمِنْهُ حَيْثُ لَمْ يَبْحَثَا وَلَمْ يَشْرُطَا (قُلْتُ: وَلَوْ بَانَ) الزَّوْجُ (مَعِيبًا أَوْ) بَانَ (عَبْدًا) وَهِيَ حُرَّةٌ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي النِّكَاحِ (فَلَهَا الْخِيَارُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمُوَافَقَةِ مَا ظَنَّتْهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعَيْبِ لِلْغَالِبِ فِي النَّاسِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ تَرْكَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَإِنَّ الْأُولَى مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا مَرَّ فِي الْعُيُوبِ، وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِمَا: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْحُرِّيَّةَ وَلَا غَيْرَهَا، فَقَالَتْ: ظَنَنْتُك حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَقِيلَ: لَهَا الْخِيَارُ، وَنَقَلَ الْبُلْقِينِيُّ النَّصَّ، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهَا قَصَّرَتْ بِتَرْكِ الْبَحْثِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ كَالْغَزَالِيِّ. (وَمَتَى فُسِخَ) النِّكَاحُ (بِخُلْفِ) الشَّرْطِ (فَحُكْمُ الْمَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ) أَيْ الْفَسْخِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ وَلَا مُتْعَةَ أَوْ بَعْدَهُ فَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْفَسْخُ مَعَ الدُّخُولِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَارِّ فِي الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ يُوهِمُ أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ وَالسُّكْنَى فِي الْعِدَّةِ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هِيَ كَذَلِكَ (وَ) التَّغْرِيرُ (الْمُؤَثِّرُ) فِي الْفَسْخِ بِخُلْفِ الشَّرْطِ (تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ) بِوُقُوعِهِ فِي صُلْبِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْبِكْرَ أَوْ هَذِهِ الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْحُرَّةَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَارَنَهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ أَوْ سَبْقِ الْعَقْدِ. أَمَّا الْمُؤَثِّرُ فِي الرُّجُوعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ فَيَكْفِي فِيهِ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْعَقْدِ مُطْلَقًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ عَلَى قَصْدِ التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 349 وَلَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَصَحَّحْنَاهُ فَالْوَلَدُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُرٌّ، وَعَلَى الْمَغْرُورِ، قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَارِّ، وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا بَلْ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا،   [مغني المحتاج] الْإِمَامِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَعْتَبِرَ الِاتِّصَالَ بِالْعَقْدِ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الضَّمَانِ أَوْسَعُ بَابًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اتِّحَادَ التَّغْرِيرَيْنِ، فَجَعَلَ الْمُتَّصِلَ بِالْعَقْدِ قَبْلَهُ كَالْمَذْكُورِ فِيهِ فِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْفَسْخِ فَاحْذَرْهُ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ مَعَ أَنَّهُ شَيْخُهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ إظْهَارُ الْحَقِّ (وَلَوْ غُرَّ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ (بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ) نَكَحَهَا وَشَرَطَ لَهُ الْعَقْدُ حُرِّيَّتَهَا (وَصَحَّحْنَاهُ) أَيْ نِكَاحَ الْمَغْرُورِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَظْهَرُ وَحَصَلَ مِنْهُ وَلَدٌ (فَالْوَلَدُ) الْحَاصِلُ (قَبْلَ الْعِلْمِ) بِأَنَّهَا أَمَةٌ (حُرٌّ) أَيْ يَنْعَقِدُ حُرًّا سَوَاءٌ فَسَخَ الْعَقْدَ أَمْ أَجَازَهُ حَيْثُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُ؛ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَوَلَدُ الْحُرَّةِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا حُرًّا، فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ (وَعَلَى الْمَغْرُورِ قِيمَتُهُ) يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ تَقْوِيمِهِ، وَهِيَ فِي ذِمَّةِ الْحُرِّ، وَكَذَا الْعَبْدُ فِي الْأَصَحِّ يُتْبَعُ بِهَا إذَا عَتَقَ، وَقِيلَ فِي كَسْبِهِ، وَقِيلَ فِي رَقَبَتِهِ (لِسَيِّدِهَا) لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ رِقَّهُ التَّابِعَ لِرِقِّهَا بِظَنِّهِ حُرِّيَّتَهَا. نَعَمْ إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا لِسَيِّدِهَا لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى رَقِيقِهِ دَيْنٌ (وَيَرْجِعُ) الْمَغْرُورُ (بِهَا) أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ (عَلَى الْغَارِّ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُوقِعُ لَهُ فِي غَرَامَتِهَا وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُغَرِّمَهَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَلَكِنْ إنَّمَا يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ كَالضَّامِنِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ وَصَحَّحْنَاهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذُكِرَ إنْ أَبْطَلْنَاهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَكَذَا إذَا بَطَلَ لِكَوْنِ الزَّوْجِ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِشُبْهَةِ التَّغْرِيرِ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ الْعِلْمِ الْحَادِثِ بَعْدَهُ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَرَبِيًّا فَهُوَ رَقِيقٌ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْمَهْرِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمَغْرُورُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهُ، وَالْمَهْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْرُورِ بِوَطْئِهِ إنْ كَانَ مَهْرَ مِثْلٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ الْمُسَمَّى فَبِكَسْبِهِ (وَالتَّغْرِيرُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا) لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَتَقَتْ (بَلْ) يُتَصَوَّرُ (مِنْ وَكِيلِهِ) فِي تَزْوِيجِهَا كَأَنْ يَقُولَ وَكِيلُهُ: زَوَّجْتُكَ هَذِهِ الْحُرَّةَ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ مِنْ وَلِيِّ السَّيِّدِ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَالْفَوَاتُ فِي ذَلِكَ بِخُلْفِ الشَّرْطِ تَارَةً وَالظَّنِّ أُخْرَى (أَوْ مِنْهَا) وَالْفَوَاتُ فِيهِ بِخُلْفِ الظَّنِّ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: مَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَنْعِ التَّصَوُّرِ مِنْ سَيِّدِهَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ صُوَرًا: مِنْهَا مَا لَوْ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا الْمُعْسِرُ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ زَوَّجَ السَّفِيهُ أَوْ الْمُفْلِسُ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي الْأُولَى أَوْ الْغُرَمَاءِ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ السَّيِّدِ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا حُرَّةً (فَإِنْ كَانَ) التَّغْرِيرُ (مِنْهَا) فَقَطْ (تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا) فَتُطَالِبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا وَلَا بِكَسْبِهَا، نَعَمْ إنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَلَهُ مُطَالَبَتُهَا فِي الْحَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا الشَّافِعِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 350 وَلَوْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ،   [مغني المحتاج] فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ كَجِنَايَتِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَكِيلِ فَقَطْ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَيْضًا وَيُطَالَبُ بِهِ حَالًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَمِنْ الْوَكِيلِ بِأَنْ ذَكَرَاهُ مَعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْغُرْمِ، فَإِنْ غَرَّتْ الْوَكِيلَ بِالْحُرِّيَّةِ فَذَكَرَهَا الزَّوْجُ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ ثُمَّ الْوَكِيلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَرَتْهُ لِلْوَكِيلِ ثُمَّ ذَكَرَتْهُ لِلزَّوْجِ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا وَلَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ الْوَكِيلُ لِلزَّوْجِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا شَافَهَتْ الزَّوْجَ خَرَجَ الْوَكِيلُ مِنْ الْوَسَطِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّيِّدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِتَغْرِيرِ مَنْ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا انْفَصَلَ الْوَلَدُ فِي صُورَةِ التَّغْرِيرِ حَيًّا (وَ) أَمَّا (لَوْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيْتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ فَفِيهِ - لِانْعِقَادِهِ حُرًّا - غُرَّةٌ لِوَارِثِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ سَيِّدَ الْأَمَةِ أَوْ الْمَغْرُورَ، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا تَعَلَّقَتْ الْغُرَّةُ بِرَقَبَتِهِ، وَيَضْمَنُهُ الْمَغْرُورُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَضْمَنُ بِهِ الْجَنِينَ الرَّقِيقَ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إلَّا مَا يَضْمَنُ بِهِ الرَّقِيقَ. وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ مِنْ الْغُرَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ الْأَبِ الْحُرِّ غَيْرِ الْجَانِي إلَّا أُمُّ الْأُمِّ الْحُرَّةُ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي الْغُرَّةِ فِي آخِرِ بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ لِلْخِيَارِ وَهُوَ الْعِتْقُ. فَقَالَ (وَمَنْ عَتَقَتْ) كُلُّهَا وَلَوْ كَافِرَةً وَمُكَاتَبَةً (تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ) تَحْتَ (مَنْ فِيهِ رِقٌّ) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ) وَعَدَمِهِ لِأَنَّهَا تُعَيَّرُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «عِتْقُ بَرِيرَةَ تَحْتَ زَوْجِهَا مُغِيثٍ، وَكَانَ عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْمُبَعَّضُ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: تَحْتَ رَقِيقٍ مَا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا إذَا عَتَقَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَسَيَأْتِي بَاقِي الْمُحْتَرَزَاتِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا أَوْ مَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا الْفَسْخَ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ سَقَطَ خِيَارُهَا لِزَوَالِ الضَّرَرِ، وَلَوْ فَسَخَتْ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ رِقِّهِ فَبَانَ خِلَافُهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ عَتَقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَكَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بِمَهْرِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ فَسَخَتْ لَسَقَطَ الْمَهْرُ فَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ الْوَفَاءِ بِعِتْقِهَا فَلَا تَعْتِقُ كُلُّهَا فَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي هَذَا الْفَسْخِ لِحَاكِمٍ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ سَيِّدَهَا أَعْتَقَهَا فَأَنْكَرَ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا خِيَارٌ، وَإِنْ صَدَّقَهَا ثَبَتَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ خِيَارَ الْعِتْقِ (عَلَى الْفَوْرِ) كَمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ. وَالثَّانِي: يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ حِينِ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ فَتَتَرَوَّى فِيهَا، وَقِيلَ: تَبْقَى مَا لَمْ يَمَسَّهَا مُخْتَارَةً أَوْ تُصَرِّحُ بِإِسْقَاطِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالسُّبْكِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُكَلَّفَةِ. أَمَّا غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى تَكْلِيفِهَا جَزْمًا وَلَا يَخْتَارُ الْوَلِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 351 فَإِنْ قَالَتْ جَهِلْت الْعِتْقَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ: بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا، وَكَذَا إنْ قَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ، وَبَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ وَجَبَ الْمُسَمَّى، أَوْ قَبْلَهُ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ الْمُسَمَّى،   [مغني المحتاج] شَيْئًا، وَفِي غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا ثُمَّ عَتَقَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّ لَهَا الْفَسْخَ فِي الْحَالِ وَلَهَا التَّأْخِيرُ، وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فَقَدْ لَا يُرَاجِعُهَا فَتَبِينُ بِالطَّلَاقِ (فَإِنْ قَالَتْ: جَهِلْت الْعِتْقَ) بَعْدَ تَأْخِيرِهَا الْفَسْخَ وَهِيَ مُرِيدَةٌ لَهُ (صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ) دَعْوَى جَهْلِهَا ذَلِكَ (بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَائِبًا) وَقْتَ الْعِتْقِ أَوْ كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى عَنْ الْبَلَدِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهَا، وَظَاهِرُ الْحَالِ يُصَدِّقُهَا، فَإِنْ كَذَّبَهَا ظَاهِرُ الْحَالِ كَأَنْ كَانَتْ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالرَّوْضَةِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ لَمْ يُكَذِّبْهَا ظَاهِرُ الْحَالِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَذَكَرَ الْمُحَرَّرُ حُكْمَ الطَّرَفَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَّا فَالْمُصَدَّقُ الزَّوْجُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَحَدَهُمَا وَاكْتَفَى بِمَفْهُومِهِ عَنْ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي الِاخْتِصَارِ (وَكَذَا) تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا (إنْ قَالَتْ جَهِلْت الْخِيَارَ بِهِ) أَيْ الْعِتْقِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى غَالِبِ النَّاسِ، وَالثَّانِي يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُبْطِلُ خِيَارَهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِيمَنْ يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا وَكَذِبُهَا. أَمَّا مَنْ عُلِمَ صِدْقُهَا كَالْعَجَمِيَّةِ فَقَوْلُهَا مَقْبُولٌ قَطْعًا أَوْ عُلِمَ كَذِبُهَا بِأَنْ كَانَتْ تُخَالِطُ الْفُقَهَاءَ وَتَعْرِفُ مِنْهُمْ ذَلِكَ فَقَوْلُهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ قَطْعًا، وَلَوْ عَلِمَتْ أَصْلَ الْخِيَارِ وَادَّعَتْ الْجَهْلَ بِفَوْرِيَّتِهِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَوْ لَا؟ . قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ، وَالْوَجْهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ تَصْدِيقِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَدِيمَةَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ عَرَفَ الْخِيَارَ عَلِمَ فَوْرِيَّتَهُ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَبُولُهَا فِي ذَلِكَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا أَشْكَلَ عَلَى الْعُلَمَاءِ، فَعَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَوْلَى (فَإِنْ فَسَخَتْ) مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ النِّكَاحَ (قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ) وَلَا مُتْعَةَ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلسَّيِّدِ لِأَنَّ الْفَسْخَ مِنْ جِهَتِهَا، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهَا مَنْعُهَا مِنْ الْفَسْخِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلِمَا يَلْحَقُهَا مِنْ الضَّرَرِ مَعَ الْبَقَاءِ أَوْ فَسَخَتْ (بَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ) أَيْ الْوَطْءِ السَّابِقِ عِتْقَهَا (وَجَبَ الْمُسَمَّى) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْوَطْءِ (أَوْ) بِعِتْقٍ (قَبْلَهُ) بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ بِعِتْقِهَا إلَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْ وَطْئِهَا (فَمَهْرُ مِثْلٍ) لِاسْتِنَادِ الْفَسْخِ إلَى وَقْتِ وُجُوبِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ السَّابِقُ لِلْوَطْءِ فَصَارَ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ (وَقِيلَ) يَجِبُ (الْمُسَمَّى) لِتَقَرُّرِهِ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ، فَإِنْ عَتَقَتْ مَعَ الْوَطْءِ أَوْ فَسَخَتْ مَعَهُ بِعِتْقٍ قَبْلَهُ، فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: مَهْرُهَا لِسَيِّدِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَمَّى أَمْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَسَخَتْ أَوْ اخْتَارَتْ الْمُقَامَ مَعَهُ، وَجَرَى فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً بِأَنْ زَوَّجَهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 352 وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ. فَصْلٌ يَلْزَمُ الْوَلَدَ إعْفَافُ الْأَبِ وَالْأَجْدَادِ عَلَى الْمَشْهُورِ: بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَهْرَ حُرَّةٍ،   [مغني المحتاج] سَيِّدُهَا كَذَلِكَ نُظِرَتْ، فَإِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِيهِمَا فَالْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمُفَوِّضَةِ يَجِبُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْفَرْضِ لَا بِالْعَقْدِ، وَإِنْ وَطِئَهَا أَوْ فَرَضَ لَهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْوَطْءِ أَوْ الْفَرْضِ قَبْلَ عِتْقِهَا وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَالْوَطْءِ وَالْفَرْضِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي بَاقِي الْمُحْتَرَزَاتِ، فَقَالَ (وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ) أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهَا بِصِفَةٍ أَوْ دُبِّرَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ. وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِكَمَالِ الرِّقِّ وَصُورَةُ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنْ يُعْتِقَ حِصَّةً فِي أَمَةٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَإِلَّا عَتَقَ جَمِيعُهَا (أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ) لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّرُ بِاسْتِفْرَاشِ النَّاقِصَةِ، وَيُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَلِلزَّوْجِ وَطْءُ الْعَتِيقَةِ مَا لَمْ يَفْسَخْ، وَكَذَا زَوْجُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ الْعَتِيقَتَيْنِ مَا لَمْ يَفْسَخَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. [فَصْلٌ فِي الْإِعْفَافِ] ِ وَمَنْ يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهِ (وَعَلَيْهِ لَزْمُ الْوَلَدَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى إذَا كَانَ حُرًّا مُوسِرًا وَلَوْ كَافِرًا (إعْفَافُ الْأَبِ) الْحُرِّ الْمُعْسِرِ وَلَوْ كَافِرًا مَعْصُومًا (وَ) إعْفَافُ (الْأَجْدَادِ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ إذَا كَانُوا بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ وُجُوهِ حَاجَاتِهِمْ الْمُهِمَّةِ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَلِئَلَّا يُعَرِّضَهُمْ لِلزِّنَا الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ. وَلَيْسَ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَلِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ لِإِبْقَاءِ الْأَصْلِ فَوَاتُ نَفْسِ الْفَرْعِ كَمَا فِي الْقُعُودِ، فَفَوَاتُ مَالِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مُخْرَجٌ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْأَصْلَ إعْفَافُ الْفَرْعِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا إعْفَافُ الْأَبِ، وَلَا مُوسِرًا إعْفَافُ غَيْرِ أَصْلٍ وَلَا أَصْلٍ غَيْرِ ذَكَرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنَّ الْغُرْمَ فِي إعْفَافِ الذَّكَرِ عَلَيْهِ فَيَحْمِلُهُ الْفَرْعُ، وَالْحَقُّ فِي تَزْوِيجِ الْأُنْثَى لَهَا لَا عَلَيْهَا. وَلَا غَيْرِ مَعْصُومٍ وَلَا مُوسِرًا بِمَا يَعِفُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ جَدَّانِ لَزِمَهُ إعْفَافُهُمَا إنْ اتَّسَعَ مَالُ الْفَرْعِ وَإِلَّا فَأَبٌ الْأَبِ أَوْلَى، وَإِنْ بَعُدَ لِلْعُصُوبَةِ كَأَبِي أَبِي أَبٍ مَعَ أَبِي أُمٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عُصُوبَةٌ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا كَأَبِي أُمِّ الْأَبِ وَأَبِي أَبِي أُمٍّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ بِدُونِ رَفْعٍ إلَى حَاكِمٍ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْفَرْعُ وَكَانَ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ كَانَ الْإِعْفَافُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَيْهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ، أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا كَانَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِرْثِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْإِعْفَافُ (بِأَنْ يُعْطِيَهُ) أَيْ الْأَصْلَ (مَهْرَ حُرَّةٍ) تُعِفُّهُ، وَلَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 353 أَوْ يَقُولَ انْكِحْ وَأُعْطِيَكَ الْمَهْرَ، أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ وَيُمْهِرَ أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً أَوْ ثَمَنَهَا ثُمَّ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا. وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي وَلَا رَفِيعَةٍ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى مَهْرٍ فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ.   [مغني المحتاج] كِتَابِيَّةً (أَوْ يَقُولَ) لَهُ (انْكِحْ وَ) أَنَا (أُعْطِيَكَ الْمَهْرَ) أَيْ مَهْرَ مِثْلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ أَزْيَدُ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَحَ الْأَبُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ كَانَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ (أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ) حُرَّةً (وَيُمْهِرَ) هَا (أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً) تَحِلُّ لَهُ (أَوْ ثَمَنَهَا) لِأَنَّ غَرَضَ الْإِعْفَافِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَلِلِابْنِ أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ الْمَهْرَ أَوْ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهُ وَلَا يُمَلِّكُهُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ أَوْ مَعِيبَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُعِفُّهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ طَعَامًا فَاسِدًا لَا يَنْسَاغُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ بِمَالِ فَرْعِهِ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ الْفَرْعُ إلَّا عَلَى مَهْرِ أَمَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرْعِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفُ. أَمَّا غَيْرُهُ فَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ لَا يَبْذُلَ إلَّا أَقَلَّ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَهُ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَيْسَرَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَنْ مَلَّكَهُ فَرْعُهُ الْجَارِيَةَ أَوْ ثَمَنَهَا أَوْ الْمَهْرَ لَمْ يَسْتَرِدَّ الْفَرْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ ذَلِكَ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَنَفَقَةٍ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَمْ يَأْكُلْهَا حَتَّى أَيْسَرَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: إنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُمَلِّكْهَا لَهُ مَنْ لَزِمَتْهُ (ثُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْوَلَدِ (مُؤْنَتُهُمَا) بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ بِخَطِّهِ أَيْ الْأَبِ، وَمَنْ أَعَفَّهُ بِهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُؤْنَتُهَا أَيْ مُؤْنَةُ الَّتِي أَعَفَّهُ بِهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْأَبِ تُؤْخَذُ مِنْ بَابِهَا أَيْ وَأَمَّا مُؤْنَتُهَا فَلِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ الْإِعْفَافِ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إعْفَافِ الْأَبِ وُجُوبُ نَفَقَتِهِ لِإِمْكَانِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّفَقَةِ دُونَ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ مُؤْنَةَ الْأَصْلِ لَازِمَةٌ لِلْفَرْعِ وَإِنْ لَمْ يُعِفَّهُ اهـ. وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ إفْرَادَ الضَّمِيرِ لَكِنْ وَقَعَ لَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ تَثْنِيَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْنَةِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَاسْتَثْنَى الْبَغَوِيّ أُدْمَهَا وَنَفَقَةَ الْخَادِمِ قَالَ: لِأَنَّ فَقْدَهُمَا لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقِيَاسُ قَوْلِنَا أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ بِمَا لَزِمَ الْأَبَ وُجُوبُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَلْزَمَانِ الْأَبَ مَعَ إعْسَارِهِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَ الْأَصْلِ مَنْ لَا تُعِفُّهُ كَعَجُوزٍ وَصَغِيرَةٍ لَزِمَ الْفَرْعَ إعْفَافُهُ، فَلَوْ أَعَفَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا نَفَقَتَانِ، وَقَدْ قَالُوا فِي بَابِ النَّفَقَةِ: لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُوَزِّعُهَا الْأَبُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ لِلْجَدِيدَةِ لِئَلَّا تَفْسَخَ بِنَقْصِ مَا يَخُصُّهَا عَنْ الْمُدِّ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ. (وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي) وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ دَفْعُ الْحَاجَةِ، وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَا) تَعْيِينُ نِكَاحِ (رَفِيعَةٍ) بِجَمَالٍ أَوْ نَحْوِهِ كَشَرَفٍ لِلنِّكَاحِ أَوْ الشِّرَاءِ، بَلْ التَّعْيِينُ فِي ذَلِكَ لِلْوَلَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُجْحِفُ بِالْوَلَدِ وَالْغَرَضُ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ أَنْ يُطْعِمَهُ الْأَطْعِمَةَ الْفَاخِرَةَ (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الْأَبُ وَالْوَلَدُ (عَلَى مَهْرٍ) أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ (فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 354 وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ إذَا مَاتَتْ أَوْ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ أَوْ فَسَخَهُ بِعَيْبٍ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَ بِعُذْرٍ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنَّمَا يَجِبُ إعْفَافُ فَاقِدِ مَهْرٍ مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ   [مغني المحتاج] إعْفَافِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَلَدِ. (وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ) لِلْإِعْفَافِ (إذَا مَاتَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْأَمَةُ (أَوْ انْفَسَخَ) النِّكَاحُ (بِرِدَّةٍ) أَيْ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمَوْتِ أَمَّا الْفَسْخُ بِرِدَّتِهِ فَهُوَ كَطَلَاقِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَكَرِدَّتِهِ رِدَّتُهُمَا مَعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ فَسَخَهُ) أَيْ الزَّوْجُ النِّكَاحَ (بِعَيْبٍ) فِي الزَّوْجَةِ لِمَا مَرَّ، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ فَسْخُهَا بِعَيْبِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ فُسِخَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَعُمَّ فَسْخَ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَالرِّدَّةِ الْفَسْخُ بِرَضَاعٍ كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَأَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الَّتِي أُعِفَّ بِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ (وَكَذَا إنْ طَلَّقَ) أَوْ أَعْتَقَ (بِعُذْرٍ) كَشِقَاقٍ أَوْ رِيبَةٍ يَجِبُ التَّجْدِيدُ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْمَوْتِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، فَإِنَّ الْأَبَ قَصَدَ قَطْعَ النِّكَاحِ. أَمَّا إذَا طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَلَا يَجِبُ التَّجْدِيدُ فَإِنَّهُ الْمُفَوِّتُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعْتِقُ لِلْعُذْرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا وَاسْتِبْدَالُهَا بِغَيْرِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ بِأُمِّ الْوَلَدِ. أَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي إعْتَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْإِطْلَاقَ، وَحَيْثُ وَجَبَ التَّجْدِيدُ فَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّجْدِيدُ إلَّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مِطْلَاقًا، فَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا لَمْ يَجِبْ لَهُ التَّجْدِيدُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ إتْلَافُ النَّفَقَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ السَّفِيهِ تَعْرِيفُهُ، بَلْ يُسَرِّيهِ جَارِيَةً، وَيَسْأَلُ الْقَاضِيَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِي الْإِعْتَاقِ قَالَهُ الْقَمُولِيُّ. (وَإِنَّمَا يَجِبُ) عَلَى الْوَلَدِ (إعْفَافُ) الْأَصْلِ بِشَرْطَيْنِ. الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَاقِدِ مَهْرٍ) أَوْ ثَمَنِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِالْكَسْبِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ إعْفَافُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ قَالَ فِي الْكَبِيرِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي النَّفَقَةِ: أَيْ فَلَا يُكَلَّفُ الْكَسْبَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ فِيهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَمَا هُنَا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ عَلَى الْأَصْلِ الْكَسْبُ لَهَا بِخِلَافِ الْمَهْرِ أَوْ ثَمَنِ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ الْبِنْيَةَ لَا تَقُومُ بِدُونِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حُرَّةٍ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا أَوْ عَلَى شِرَاءِ أَمَةٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا لَمْ يَجِبْ إعْفَافُهُ، وَلَوْ نَكَحَ فِي يَسَارِهِ بِمَهْرٍ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَامْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ حَتَّى تَقْبِضَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ دَفْعُهُ لِحُصُولِ الْإِعْفَافِ بِذَلِكَ، وَالصَّرْفُ لِلْمَوْجُودَةِ أَوْلَى مِنْ السَّعْيِ فِي أُخْرَى. قَالَ: وَعَلَيْهِ لَوْ نَكَحَ فِي إعْسَارِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ وَلَدَهُ بِالْإِعْفَافِ، ثُمَّ طَالَبَهُ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ وَلَدَهُ الْقِيَامُ بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا جَهِلَتْ الْإِعْسَارَ وَأَرَادَتْ الْفَسْخَ اهـ. وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْرَ مَهْرِ مِثْلِ مَنْ يَلِيقُ بِهِ. الشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ) بِأَنْ تَتُوقَ نَفْسُهُ إلَى الْوَطْءِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ زِنًا أَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَنْ لَا تُعِفُّهُ كَصَغِيرَةٍ وَعَجُوزٍ شَوْهَاءَ، وَيَحْرُمُ طَلَبُ مَنْ لَمْ تُصَدَّقْ شَهْوَتُهُ بِأَنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ التَّعَزُّبُ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ احْتَاجَ لِلنِّكَاحِ لَا لِلتَّمَتُّعِ بَلْ لِلْخِدْمَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَجَبَ إعْفَافُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 355 وَيُصَدَّقُ إذَا ظَهَرَتْ الْحَاجَةُ بِلَا يَمِينٍ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ أَمَةِ وَلَدِهِ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَهْرٍ لَا حَدٍّ، فَإِنْ أَحْبَلَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ،   [مغني المحتاج] صَحِيحٌ إذَا تَعَيَّنَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، لَكِنْ لَا يُسَمَّى إعْفَافًا، وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لِنَحْوِ عُنَّةٍ كَجَبٍّ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلَدَ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُصَدَّقُ) الْأَصْلُ (إذَا ظَهَرَتْ) مِنْهُ (الْحَاجَةُ) لِلنِّكَاحِ (بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ ظَاهِرُ الْحَالِ يُكَذِّبُهُ كَذِي فَالِجٍ شَدِيدٍ أَوْ اسْتِرْخَاءٍ، فَيُحْتَمَلُ حِينَئِذٍ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا يُجَابَ أَوْ يُحَلَّفَ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا (وَطْءُ أَمَةِ وَلَدِهِ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] [الْمُؤْمِنُونَ] وَلَيْسَتْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَدُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ ابْنُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَهْرٍ) أَيْ مَهْرِ مِثْلٍ لِلْوَلَدِ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَطْءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمَةُ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ أَمْ لَا، مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ أَمْ لَا وَلَوْ بِطَوْعِهَا لِلشُّبْهَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ فَيَجِبُ بِهِ الْمَهْرُ كَوَطْءِ أَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ بِشُبْهَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْهُ فِي الْحَالِ وَإِلَّا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى يَسَارِهِ، وَيَجِبُ أَيْضًا أَرْشُ بَكَارَتِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (لَا) وُجُوبُ (حَدٍّ) لِمَا لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ مِنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ، فَفِي خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ لِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَلِشُبْهَةِ الْإِعْفَافِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا فَعَلَهُ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ قَدْ يُفْهِمُ وُجُوبَ التَّعْزِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي ارْتِكَابِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْوَلَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ خَفِيَ فَلَا حَدَّ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ إنْ لَمْ تَكُنْ الْأَمَةُ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَسْتَمِرُّ مِلْكُ الِابْنِ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَبِ إحْبَالٌ، وَلَا يَغْرَمُ الْأَبُ لَهُ بِتَحْرِيمِهِ لَهَا عَلَيْهِ بِوَطْئِهِ قِيمَتَهَا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا وَطِئَ الشَّخْصُ زَوْجَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ بِشُبْهَةٍ يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَالِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ فِي الْأَمَةِ بَاقِيَةٌ، وَالْفَائِتُ عَلَى الْوَلَدِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الْحِلِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَخَرَجَتْ أُخْتَهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّدِّ، وَالْحِلُّ الْفَائِتُ فِي الزَّوْجِيَّةِ هُوَ الْمَقْصُودُ فَيُقَوَّمُ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أُخْتَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَهَا، وَعَلَى مَا ذُكِرَ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَةَ أَخِيهِ فَوَطِئَهَا أَبُوهُمَا لَزِمَهُ مَهْرَانِ: مَهْرٌ لِمَالِكِهَا، وَمَهْرٌ لِزَوْجِهَا (فَإِنْ أَحْبَلَ) الْأَبُ الْحُرُّ الْكُلِّ بِوَطْئِهِ أَمَةَ وَلَدِهِ (فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ) لِلشُّبْهَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 356 فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَصِيرُ، وَأَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا مَعَ مَهْرٍ، لَا قِيمَةَ وَلَدٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ رَقِيقًا أَوْ مُبَعَّضًا، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُكَاتَبًا فَكَذَلِكَ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضِ رَقِيقٌ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الرَّاجِحُ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرِّيَّتِهِ فِي ذِمَّةِ مَنْ ذُكِرَ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي انْعِقَادِهِ حُرًّا، وَيُطَالَبُ الْمُبَعَّضُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ أَكْرَهَهَا الرَّقِيقُ عَلَى الْوَطْءِ فَفِي رَقَبَتِهِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ أَمَةُ الِابْنِ (مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ) لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ، فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً لِلِابْنِ فَهَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَرَجَّحَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَقَطَعَ الْهَرَوِيُّ بِالثَّانِي (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَصِيرُ) مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ الْحُرِّ الْكُلِّ وَلَوْ مُعْسِرًا لِشُبْهَةِ الْإِعْفَافِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَوْطُوءَةً لِلِابْنِ، أَوْ مُدَبَّرَةً، أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهَا بِصِفَةٍ، أَوْ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهَا أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْوَلَدِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، أَوْ مُوَافِقًا لِلْأَبِ فِي دِينِهِ أَوْ لَا، وَإِذَا أَوْلَدَ أَمَةَ وَلَدِهِ الْمُزَوَّجَةَ نَفَذَ إيلَادُهُ كَإِيلَادِ السَّيِّدِ لَهَا وَحَرُمَتْ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْحَمْلِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ حُرَّ الْكُلِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ، وَالْمُكَاتَبَ إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فَأَمَةُ وَلَدِهِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ قَالَ شَيْخُنَا فَكَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ الْكِتَابِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي أَمَةِ وَلَدِهِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ. وَأَمَّا أَمَتُهُ فَمِلْكُهُ تَامٌّ عَلَيْهَا (وَ) إذَا صَارَتْ أَمَةُ الْوَلَدِ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ فَالْأَظْهَرُ (أَنَّ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ (قِيمَتَهَا) لِلِابْنِ (مَعَ مَهْرٍ) لِأَنَّهُمَا وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَالْمَهْرُ لِلْإِيلَاجِ، وَالْقِيمَةُ لِلِاسْتِيلَادِ. تَنْبِيهٌ: قِيمَتُهَا لَازِمَةٌ لَهُ سَوَاءٌ أَنْزَلَ قَبْلَ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَمْ بَعْدَهُ لِمَا ذُكِرَ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَمَحَلُّ وُجُوبِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ إذَا تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ، فَإِنْ حَصَلَ مَعَ تَغْيِيبِهَا فَقَدْ اقْتَرَنَ مُوجِبُ الْمَهْرِ بِالْعُلُوقِ فَيُنَزَّلُ الْمَهْرُ مَنْزِلَةَ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لَا تَلْزَمُ الْأَبَ كَمَا قَالَ (لَا قِيمَةَ وَلَدٍ) فَلَيْسَتْ عَلَى الْأَبِ (فِي الْأَصَحِّ) إنْ انْفَصَلَ الْوَلَدُ حَيًّا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ قِيمَتَهَا وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا، وَقَدْ انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهَا قُبَيْلَ الْعُلُوقِ فَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ إلَّا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ. وَالثَّانِي: تَجِبُ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ بَعْدَ الْعُلُوقِ. أَمَّا إذَا انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيِّتًا فَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ جَزْمًا، نَعَمْ إنْ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الْمَغْرُورِ. تَنْبِيهٌ: وَطْءُ الِابْنِ جَارِيَةَ الْأَبِ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 357 وَيَحْرُمُ نِكَاحُهَا، فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ وَالِدِهِ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ، فَإِنْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلْأَبِ، أَوْ زَوْجَتَهُ الرَّقِيقَةَ انْعَقَدَ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ حُدَّ لِانْتِفَاءِ شُبْهَتَيْ الْإِعْفَافِ وَالْمِلْكِ، وَلَيْسَ كَالسَّرِقَةِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ بِهَا لِشُبْهَةِ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إنْ أُكْرِهَتْ وَإِلَّا فَلَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا مَهْرَ لِبَغِيٍّ» وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَكْرَهَ أَمَتَهُ عَلَى الزِّنَا اُسْتُحِقَّ الْمَهْرُ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ رَقِيقٍ نَسِيبٍ عَتَقَ عَلَى الْجَدِّ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الِابْنَ قِيمَتُهُ لِانْعِقَادِهِ رَقِيقًا. (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْأَبِ الْحُرِّ الْكُلِّ (نِكَاحُهَا) أَيْ أَمَةِ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا كَأَمَتِهِ لِمَا لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ مِنْ شُبْهَةِ الْإِعْفَافِ وَالنَّفَقَةِ. أَمَّا غَيْرُ الْحُرِّ الْكُلِّ فَلَهُ نِكَاحُهَا، إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إعْفَافُهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ الرَّضَاعِ لِمَا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ لِلْوَلَدِ الْحُرِّ الْكُلِّ نِكَاحُ جَارِيَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ جَزْمًا إذَا وُجِدَ فِيهِ شُرُوطُ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ. (فَلَوْ مَلَكَ) الْوَلَدُ (زَوْجَةَ وَالِدِهِ) الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ (الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ) الَّتِي اشْتَرَاهَا الِابْنُ بَعْدَ نِكَاحِ أَبِيهِ لَهَا بِشَرْطِهِ حِينَ الْمِلْكِ كَأَنْ أَيْسَرَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِيَسْرَةِ وَلَدِهِ (لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الثَّابِتِ الدَّوَامُ، وَلِلدَّوَامِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِلِابْتِدَاءِ كَمَا مَرَّ أَنَّ الْيَسَارَ الطَّارِئَ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ لَا يَرْفَعُهُ. وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مِلْكِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ: لَوْ أَحْبَلَ الْأَبُ الْأَمَةَ بَعْدَ مِلْكِ وَلَدِهِ لَهَا هَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا مَرَّ أَوْ لَا تَصِيرُ؟ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْوَطْءِ النِّكَاحُ الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ لِكَوْنِ الْوَالِدِ رَقِيقًا، أَوْ لِكَوْنِ الْوَلَدِ مُعْسِرًا لَا يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ فَطَرَيَانُ مِلْكِ الْوَلَدِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ قَطْعًا إذْ لَمْ يَطْرَأْ مَا يُنَافِي النِّكَاحَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ قَطْعًا (نِكَاحُ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِمَا لَهُ فِي رَقَبَتِهِ وَمَا لَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ، وَلِهَذَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِإِيلَادِهِ (فَإِنْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ مَلَكَهَا سَيِّدُهُ لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يَلْحَقُهُ بِمِلْكِ الْوَلَدِ زَوْجَةُ أَبِيهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ السَّيِّدِ بِمَالِ الْمُكَاتَبِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَبِ بِمَالِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ مِلْكُ السَّيِّدِ عَلَى رَأْيٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ أَصْلَ سَيِّدِهِ أَوْ فَرْعَهُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْزِلُوهُ مَنْزِلَةَ مِلْكِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْقَرَابَةِ، وَالْمِلْكُ وَالنِّكَاحُ لَا يَجْتَمِعَانِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 358 فَصْلٌ السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَا يَضْمَنُ مَهْرًا وَنَفَقَةً فِي الْجَدِيدِ، وَهُمَا فِي كَسْبِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ الْمُعْتَادِ وَالنَّادِرِ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي تِجَارَةٍ فَفِيمَا بِيَدِهِ مِنْ رِبْحٍ   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي نِكَاحُ الرَّقِيقِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ] ٍ (السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَا يَضْمَنُ) لَهُ (مَهْرًا وَ) لَا (نَفَقَةً فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُمَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَلَوْ ضَمِنَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ فِي الْمَهْرِ الْمَعْلُومِ، وَلَا يَصِحُّ فِي النَّفَقَةِ، وَالْقَدِيمُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَقْتَضِي الِالْتِزَامَ. فَرْعٌ: لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَإِنْ أَتَى الْعَبْدُ مِنْهَا بِأَوْلَادٍ فَإِنْ أَعْتَقَهَا السَّيِّدُ وَأَوْلَادَهَا فَنَفَقَتُهَا فِي كَسْبِ الْعَبْدِ وَنَفَقَةُ أَوْلَادِهَا عَلَيْهَا، فَإِنْ أَعْسَرَتْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ دُونَهَا فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْعَبْدِ كَحُرٍّ تَزَوَّجَ أَمَةً، وَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَتَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ، فَهُوَ نَفْيٌ لِكَوْنِ الْإِذْنِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلَةٌ لِهَذَا، وَمُحْتَمِلَةٌ أَيْضًا لِكَوْنِ الْإِذْنِ سَبَبًا لِنَفْيِ الضَّمَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] [الْقَصَصُ] وَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ (وَهُمَا) أَيْ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ (فِي كَسْبِهِ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِشَيْءٍ أَمْرٌ بِلَوَازِمِهِ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ أَقْرَبُ شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (بَعْدَ النِّكَاحِ) وَبَعْدَ وُجُوبِ دَفْعِهِمَا وَهُوَ فِي مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بِوَطْءٍ أَوْ قَرْضٍ صَحِيحٍ وَفِي مَهْرِ غَيْرِهَا الْمُؤَجَّلِ بِالْحُلُولِ وَالْحَالِّ بِالنِّكَاحِ وَفِي غَيْرِ الْمَهْرِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مُؤَنِ النِّكَاحِ بِالتَّمْكِينِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَسْبِ بَيْنَ (الْمُعْتَادِ) كَاحْتِطَابٍ وَاصْطِيَادٍ وَمَا حَصَلَ بِحِرْفَةٍ (وَالنَّادِرُ) ، كَالْحَاصِلِ بِلُقَطَةٍ أَوْ هِبَةٍ. أَمَّا الْكَسْبُ قَبْلَ وُجُوبِ الدَّفْعِ فَيَخْتَصُّ بِهِ السَّيِّدُ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اعْتَبَرُوا فِي الضَّمَانِ الْكَسْبَ الْحَاصِلَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَهُوَ الضَّمَانُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الضَّمَانَ ثَمَّ ثَابِتٌ حَالَةَ الْإِذْنِ بِخِلَافِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ لَا يَتَعَلَّقَانِ مَعَ الْكَسْبِ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ التَّعَلُّقُ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُصْرَفُ كَسْبُهُ كُلَّ يَوْمٍ لِلنَّفَقَةِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلْمَهْرِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِلسَّيِّدِ، وَلَا يُدَّخَرُ شَيْءٌ لِلنَّفَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (فَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (مَأْذُونًا لَهُ فِي تِجَارَةٍ فَفِيمَا بِيَدِهِ) أَيْضًا (مِنْ رِبْحٍ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ كَسْبِهِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 359 وَكَذَا رَأْسُ مَالٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا وَلَا مَأْذُونًا لَهُ فَفِي ذِمَّتِهِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَهُ الْمُسَافَرَةُ بِهِ وَيَفُوتُ الِاسْتِمْتَاعُ، وَإِذَا لَمْ يُسَافِرْ لَزِمَهُ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ.   [مغني المحتاج] وَسَوَاءٌ الْحَاصِلُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْكَسْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّبْحَ يَدُهُ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَيْهِ تَبَعًا لِرَأْسِ الْمَالِ، فَكَانَ كَرَأْسِ الْمَالِ، وَسَيَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ، وَلَا كَذَلِكَ الْكَسْبُ الْحَاصِلُ قَبْلَ النِّكَاحِ (وَكَذَا رَأْسُ مَالٍ) بِيَدِهِ يَجِبَانِ فِيهِ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَكَانَ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَسَائِرِ أَمْوَالِ السَّيِّدِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ مُكْتَسَبًا فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِكَسْبِهِ أَيْضًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِأَنْ لَا يَفِيَ مَالُ التِّجَارَةِ وَرِبْحُهُ بِهِمَا فَيُكَمَّلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِذَلِكَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اقْتَصَرَ الْعَبْدُ عَلَى مَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهِ فَقَطْ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْعَبْدُ (مُكْتَسِبًا) إمَّا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لِكَوْنِهِ مُحْتَرِفًا مَحْرُومًا (وَلَا) كَانَ (مَأْذُونًا لَهُ) فِي التِّجَارَةِ (فَفِي) أَيْ فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ يَجِبَانِ فِي (ذِمَّتِهِ) فَقَطْ يُطَالَبُ بِهِمَا بَعْدَ عِتْقِهِ إنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ فَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ كَبَدَلِ الْقَرْضِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، إذْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْفَصْلِ (وَفِي قَوْلٍ) هُمَا (عَلَى السَّيِّدِ) لِأَنَّ الْإِذْنَ لِمَنْ هَذَا حَالُهُ الْتِزَامٌ لِلْمُؤَنِ، وَفِي قَوْلٍ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَتِهِ إلْحَاقًا لَهُمَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ مُكْتَسِبًا حَالَ الْعَقْدِ ثُمَّ طَرَأَ مَا يَمْنَعُهُ، وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ. (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (الْمُسَافَرَةُ بِهِ) أَيْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَفَّلْ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَنَفَقَتِهَا مَعَ الْمَهْرِ (وَيَفُوتُ) عَلَيْهِ (الِاسْتِمْتَاعُ) لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ، فَقُدِّمَ حَقُّهُ كَمَا لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِأَمَتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُهُ: بِيَفُوتُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَصْحِبُ زَوْجَتَهُ مَعَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ: وَإِنْ فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِيَفُوتُ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَفَرِهِ مَعَ السَّيِّدِ تَفْوِيتُ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ لِلْعَبْدِ صُحْبَةَ زَوْجَتِهِ سَفَرًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكِرَاءُ فِي كَسْبِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعَلَيْهِ تَخْلِيَتُهُ حِينَئِذٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ كَالْحَضَرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِمُتَعَيَّنٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَوْقَاتُ الِاسْتِرَاحَةِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ السَّفَرِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مَعَهُ أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَمَنَعَهَا السَّيِّدُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهَا الزَّوْجُ بِالْخُرُوجِ فَالنَّفَقَةُ بِحَالِهَا (وَإِذَا لَمْ يُسَافِرْ) السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ (لَزِمَهُ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ) بِزَوْجَتِهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِرَاحَةِ، إذْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَقَيَّدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ لُزُومَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الزَّوْجَةُ بِمَنْزِلِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَخْلِيَتُهُ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ يَخْدِمُ سَيِّدَهُ نَهَارًا فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ يَلِجُ كُلَّ وَقْتٍ عَلَى زَوْجَتِهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ يَسْتَخْدِمُهُ فِي زَرْعِهِ أَوْ سُوقِهِ أَوْ رَعْيِهِ أَوْ نَحْوِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 360 وَيَسْتَخْدِمُهُ نَهَارًا إنْ تَكَفَّلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَإِلَّا فَيُخْلِيهِ لِكَسْبِهِمَا وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ بِلَا تَكَفُّلٍ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ وَكُلِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ. وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَوَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَفِي قَوْلٍ   [مغني المحتاج] ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي مَنْزِلِ السَّيِّدِ أَوْ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ مَحَلُّ التَّخْلِيَةِ حَتَّى يَجِبَ مِنْ الْغُرُوبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخِدْمَةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمَةِ. (وَيَسْتَخْدِمُهُ) السَّيِّدُ (نَهَارًا إنْ تَكَفَّلَ) وَهُوَ مُوسِرٌ (الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ) أَيْ الْتَزَمَهُمَا لَا حَقِيقَةَ ضَمَانِ الدَّيْنِ (وَإِلَّا فَيُخْلِيهِ لِكَسْبِهِمَا) لِأَنَّهُ أَحَالَ حُقُوقَ النِّكَاحِ عَلَى كَسْبِهِ، فَإِذَا فَوَّتَهُ طُولِبَ بِهَا مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ. تَنْبِيهٌ: خَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ اسْتِخْدَامُ السَّيِّدِ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ كَالْحَارِسِ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ لَيْلًا وَسَلَّمَهُ لِلِاسْتِمْتَاعِ نَهَارًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْقَسَمِ، أَمَّا تَكَفُّلُ الْمُعْسِرِ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْتِزَامَهُ لَا يُفِيدُ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّهَا (وَإِنْ اسْتَخْدَمَهُ) السَّيِّدُ نَهَارًا أَوْ حَبَسَهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ (بِلَا تَكَفُّلٍ) لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ) لِتِلْكَ الْمُدَّةِ (وَ) مِنْ (كُلِّ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ) لِتِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا فِي فِدَاءِ الْجَانِي بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلِأَنَّ أُجْرَتَهُ إنْ زَادَتْ كَانَ لَهُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْمَامُ النَّفَقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا اسْتَخْدَمَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ حَبَسَهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَقَطْ، فَهَلَّا كَانَ السَّيِّدُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ وَالسَّيِّدُ سَبَقَ مِنْهُ الْإِذْنُ الْمُقْتَضِي لِالْتِزَامِ مَا وَجَبَ فِي الْكَسْبِ، وَخَرَجَ بِ " نَهَارًا " الْمُقَيَّدِ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَخْدَمَهُ لَيْلًا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي اسْتِمْتَاعِهِ لَيْلًا لَا بَدَلَ لَهُ، فَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ زَمَنَ نَهَارِهِ دُونَ لَيْلِهِ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ) أَيْ السَّيِّدَ (الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ) ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَسَبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا يَفِي بِالْجَمِيعِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي عَبْدٍ كَسُوبٍ. أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْكَسْبِ جُمْلَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ السَّفَرَ بِهِ وَاسْتِخْدَامَهُ حَضَرًا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ شَيْءٍ اهـ. وَهَذَا بَحْثٌ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ اسْتِخْدَامَهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ إلَخْ. (وَلَوْ نَكَحَ) الْعَبْدُ (فَاسِدًا) لِعَدَمِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ (وَوَطِئَ) فِي هَذَا النِّكَاحِ زَوْجَتَهُ (فَمَهْرُ مِثْلٍ) يَجِبُ عَلَيْهِ (فِي ذِمَّتِهِ) فَقَطْ لِلُزُومِهِ بِرِضَا مُسْتَحَقِّهِ كَالْقَرْضِ الَّذِي أَتْلَفَهُ. نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ فَسَدَ الْمَهْرُ دُونَ النِّكَاحِ تَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ لِوُجُودِ إذْنِ سَيِّدِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمَهْرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَسْبِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَمِنْ الْمُعَيَّنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّكَاحِ وَأَطْلَقَ فَنَكَحَ فَاسِدًا، فَإِنَّ الْمَهْرَ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ فَقَطْ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ أَوْ مُخَرَّجٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 361 فِي رَقَبَتِهِ. وَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا،   [مغني المحتاج] تَجِبُ (فِي رَقَبَتِهِ) كَغَيْرِ الْوَطْءِ مِنْ الْإِتْلَافِ وَلَا حَدَّ إنْ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ لِلشُّبْهَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَبِيرَةٍ عَاقِلَةٍ حُرَّةٍ مَكَّنَتْهُ بِرِضَاهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً طِفْلَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّعَلُّقُ بِرَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ مَحْضَةٌ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْمَهْرُ عَلَى السَّفِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَسَلَّمَهَا سَيِّدُهَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَوَطِئَ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً عَلَى الزِّنَا أَوْ بِذِمَّتِهِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ. فُرُوعٌ: لَوْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ فَادَّعَتْ الزَّوْجَةُ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ مُسْتَحَقٌّ لِي بِمَهْرِي وَنَفَقَتِي سُمِعَتْ دَعْوَاهَا، وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَخْلِيَتُهُ لِيَكْتَسِبَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ زَوْجَتَهُ لِسَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ، وَلَوْ اشْتَرَتْ الْمُبَعَّضَةُ أَوْ الْمُبَعَّضُ زَوْجَهُ بِخَالِصِ مِلْكِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي الْأُولَى وَجُزْءٍ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ حِينَئِذٍ، وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْؤُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. (وَإِذَا زَوَّجَ) السَّيِّدُ (أَمَتَهُ) غَيْرَ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ (اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا) أَيْ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مِنْ أَمَتِهِ مَنْفَعَتَيْنِ: مَنْفَعَةَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَمَنْفَعَةَ الِاسْتِخْدَامِ، وَقَدْ نَقَلَ الْأُولَى لِلزَّوْجِ فَتَبْقَى لَهُ الْأُخْرَى يَسْتَوْفِيهَا فِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِ خَلْوَتِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهَا وَلَا بِتَحْرِيمِ نَظَرِهِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَتْ مُحْتَرِفَةً وَقَالَ الزَّوْجُ: تَحْتَرِفُ لِلسَّيِّدِ عِنْدِي لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْحِرْفَةِ وَاسْتِخْدَامِهَا. أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ أَمْرَهَا. وَأَمَّا الْمُبَعَّضَةُ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مُهَايَأَةٌ فَهِيَ فِي نَوْبَتِهَا كَالْحُرَّةِ، وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهَا كَالْقِنَّةِ، وَإِلَّا فَكَالْقِنَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَكْسُ الْأَمَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ سَيِّدَهَا تَسْلِيمُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ نَهَارًا وَلَيْلًا إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الْخِدْمَةِ عَادَةً لِيَسْتَوْفِيَ مَنْفَعَتَهَا الْأُخْرَى، وَالْمُسْتَأْجَرَة لِلْإِرْضَاعِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ تَسْلِيمَهَا نَهَارًا بَدَلًا عَنْ اللَّيْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا؛ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حِرْفَةُ الزَّوْجِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ: يَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي؛ لِأَنَّ نَهَارَهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ، فَامْتِنَاعُهُ عِنَادٌ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يُسَلِّمَهَا مِنْ الْغُرُوبِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ: أَنَّهُ بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ هُنَا يُسَلِّمُهَا إذَا فَرَغَتْ مِنْ الْخِدْمَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ؛ وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ مَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 362 وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ حِينَئِذٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَخْلَى فِي دَارِهِ بَيْتًا وَقَالَ لِلزَّوْجِ تَخْلُو بِهَا فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِهَا وَلِلزَّوْجِ صُحْبَتُهَا. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَتَلَهَا أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولٍ سَقَطَ مَهْرُهَا، وَأَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ قَتَلَ الْأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَتْ فَلَا، كَمَا لَوْ هَلَكَتَا بَعْدَ دُخُولٍ.   [مغني المحتاج] أَطْلَقَ (وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ حِينَئِذٍ) أَيْ وَقْتَ تَسْلِيمِهَا لَيْلًا فَقَطْ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ التَّمْكِينِ التَّامِّ؛ وَالثَّانِي: تَجِبُ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ، وَالثَّالِثُ: يَجِبُ شَطْرُهَا تَوْزِيعًا لَهَا عَلَى الزَّمَانِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ لَوْ سَامَحَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا أَنَّهُ يَجِبُ جَمِيعُ النَّفَقَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ بِتَسْلِيمِهَا لَيْلًا فَقَطْ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الَّذِي يُتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْوَطْءِ قَدْ حَصَلَ (وَلَوْ أَخْلَى) سَيِّدُهَا (فِي دَارِهِ بَيْتًا) لَهَا (وَقَالَ لِلزَّوْجِ: تَخْلُو بِهَا فِيهِ) وَلَا أُخْرِجُهَا مِنْ دَارِي (لَمْ يَلْزَمْهُ) إجَابَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ دُخُولِهَا؛ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَالثَّانِي: يُجَابُ السَّيِّدُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ مِنْ إدَامَةِ يَدِ السَّيِّدِ وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ (وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِهَا) حَيْثُ لَا يَخْلُو بِهَا وَإِنْ مَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَيُقَدَّمُ حَقُّهُ: نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مُكْتَرَاةً أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ مُكَاتَبَةً كِتَابَةً صَحِيحَةً لَمْ يَجُزْ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إلَّا بِرِضَا الْمُكْتَرِي وَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْجَانِيَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهَا مَالٌ كَالْمَرْهُونَةِ، كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ السَّيِّدُ الْفِدَاءَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مُنْفَرِدًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْلُولَةِ الْقَوِيَّةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَيِّدِهَا (وَلِلزَّوْجِ صُحْبَتُهَا) لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا فِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَصُحْبَتِهَا وَلَا إلْزَامُهُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا لَمْ يُلْزِمْهُ نَفَقَتَهَا جَزْمًا، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ اسْتَقَرَّ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا سَلَّمَهُ ظَانًّا وُجُوبَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَبَرَّعَ بِهِ لَمْ يَسْتَرِدَّ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ. (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَتَلَهَا) أَيْ أَمَتَهُ وَلَوْ خَطَأً أَوْ زَوَّجَهَا لِوَلَدِهِ، ثُمَّ قَتَلَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ (أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا) هُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ أَوْ ارْتَدَّتْ أَوْ قَتَلَتْ زَوْجَهَا (قَبْلَ دُخُولٍ سَقَطَ مَهْرُهَا) الْوَاجِبُ لَهَا عَلَى النَّصِّ لِتَفْوِيتِهِ مَحِلَّهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، وَتَفْوِيتُهَا كَتَفْوِيتِهِ (وَ) الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ (أَنَّ الْحُرَّةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا) أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ دُخُولٍ لَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا (أَوْ قَتَلَ الْأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَتْ) قَبْلَ دُخُولٍ (فَلَا) يَسْقُطُ مَهْرُهَا، وَقَاسَ الْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (كَمَا لَوْ هَلَكَتَا) أَيْ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ (بَعْدَ دُخُولٍ) ، فَإِنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ جَزْمًا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا مَجْزُومًا بِهِ فِي الْغَالِبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 363 وَلَوْ بَاعَ مُزَوَّجَةً فَالْمَهْرُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ دُخُولٍ فَنِصْفُهُ لَهُ. وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ.   [مغني المحتاج] قَتْلِ الْحُرَّةِ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهَا عَكْسَ الْمَنْصُوصِ السَّابِقِ فِي قَتْلِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحُرَّةَ كَالْمُسَلَّمَةِ إلَى الزَّوْجِ بِالْعَقْدِ، إذْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَأَيْضًا الْحُرَّةُ إذَا قَتَلَتْ نَفْسَهَا غَنِمَ زَوْجُهَا مِنْ مِيرَاثِهَا، فَجَازَ أَنْ يَغْرَمَ مَهْرَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَأَيْضًا الْغَرَضُ مِنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ الْأُلْفَةُ وَالْمُوَاصَلَةُ دُونَ الْوَطْءِ وَقَدْ وُجِدَا بِالْعَقْدِ، وَالْغَرَضُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْوَطْءُ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ خَوْفُ الْعَنَتِ، وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: أَشْهَرُهُمَا فِي كُلٍّ قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ: أَرْجَحُهُمَا الْمَنْصُوصُ فِيهِمَا. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْمَنْصُوصِ فِيهِمَا، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ قَتْلَ الْأَمَةِ نَفْسَهَا لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُسْتَحِقَّةَ لَهُ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ قَتْلَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ مَوْتَهَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ كَفَوَاتِ مَبِيعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ بِالْمِلْكِ، وَلَوْ قَتَلَ الْحُرَّةَ الزَّوْجُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَسْقُطُ قَطْعًا. فَرْعٌ: لَوْ قَتَلَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ هَلْ يَسْتَقِرُّ مَهْرُهَا أَوْ يَسْقُطُ؟ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ السُّقُوطُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَتَوْجِيهُهُ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ قَتْلِ الْأَمَةِ وَمِنْ فَسْخِ الْحُرَّةِ بِعَيْبِ زَوْجِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ مَوْتَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُقَرِّرُ الْمَهْرَ كَمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ قَتْلُ الْأَمَةِ. (وَلَوْ بَاعَ) السَّيِّدُ أَمَةً لَهُ (مُزَوَّجَةً) قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ (فَالْمَهْرُ) الْمُسَمَّى أَوْ بَدَلُهُ إنْ كَانَ فَاسِدًا بَعْدَ الْوَطْءِ (لِلْبَائِعِ) لِوُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ الْوَاقِعِ فِي مِلْكِهِ. أَمَّا إذَا وَجَبَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ لَهُ بِأَنْ كَانَ النِّكَاحُ تَفْوِيضًا أَوْ فَاسِدًا وَوَقَعَ الْوَطْءُ فِيهِمَا أَوْ الْقَرْضُ أَوْ الْمَوْتُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْمُتْعَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْفِرَاقِ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُوبِهَا فِي مِلْكِهِ (فَإِنْ طَلُقَتْ) غَيْرُ الْمُفَوَّضَةِ بَعْدَ بَيْعِهَا (قَبْلَ دُخُولٍ) بِهَا (فَنِصْفُهُ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ لِمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِمَّا قَبْلَهَا. (وَلَوْ زَوَّجَ) سَيِّدٌ (أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ) وَلَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا وَلَا مُبَعَّضًا (لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ) وَلَا نِصْفُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَهُ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَلْ وَجَبَ الْمَهْرُ ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّف الثَّانِي، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ بِهَا وَفَوَّضَ بُضْعَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا بَعْدَمَا أَعْتَقَهُ، فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فَلَا شَيْءَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالْوَطْءِ وَهُوَ حُرٌّ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مَهْرَهَا مِنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي يَأْخُذُهُ مِنْ الْمَهْرِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يُطَالِبُهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَبْدَهُ وَهَلْ هَذَا الشِّرَاءُ أَسْقَطَ الْمَهْرَ أَوْ مَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمَهْرِ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ بَاعَهُ هَلْ يُطَالِبُ أَوْ لَا، أَمَّا الْمُكَاتَبُ فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بِقِسْطِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 364 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِعَبْدِهِ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَاللُّغَةُ الْفُصْحَى زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ بَاءٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ. خَاتِمَةٌ: قَدْ يَخْلُو النِّكَاحُ عَنْ الْمَهْرِ أَيْضًا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا السَّفِيهُ إذَا نَكَحَ فَاسِدًا وَوَطِئَ، وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ الْمُفَوَّضَةُ فِي الْكُفْرِ وَاعْتَقَدُوا أَنْ لَا مَهْرَ ثُمَّ أَسْلَمُوا، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ الْعَبْدُ سَيِّدَتَهُ أَوْ أَمَةَ سَيِّدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَطَاوَعَتْهُ، وَقِيَاسُهُ يَأْتِي فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْهَا إذَا وُطِئَتْ حَرْبِيَّةٌ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بُضْعَهَا كَمَا لَا يَضْمَنُ مَالَهَا، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ مُرْتَدَّةً بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ عَلَى الرِّدَّةِ وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ غَيْرَ الْمُكَاتَبَةِ أَوْ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ الْوَطْأَةِ الْأُولَى، إذْ هِيَ الْمُقَابَلَةُ بِالْمَهْرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ مَيِّتَةً بِشُبْهَةٍ، وَمِنْهَا إذَا اسْتَرَقَّ الْكَافِرُ حُرًّا مُسْلِمًا وَجَعَلَهُ صَدَاقًا لِامْرَأَتِهِ وَأَقْبَضَهَا إيَّاهُ ثُمَّ أَسْلَمَا عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ أَمَةً هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا بِمُسَمًّى فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَا مَهْرٍ إنْ لَمْ يَجْرِ دُخُولٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ يَثْبُتُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا يُرَقَّ بِهِ بَعْضُهَا لِعَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ، فَإِثْبَاتُهُ يُؤَدِّي إلَى إسْقَاطِهِ فَيَسْقُطُ، أَمَّا إذَا دَخَلَ بِهَا فَيُنْظَرُ فَإِنْ عَفَتْ عَنْ الْمَهْرِ سَقَطَ وَإِنْ لَمْ تَعْفُ عَنْهُ بَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْبَعْضِ وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ النِّكَاحِ وَاسْتَحَقَّتْ مِنْ الْمَهْرِ بِقِسْطِ مَا عَتَقَ مِنْهَا وَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ، فَيُقَالُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً وَمَهْرُهَا خَمْسِينَ عَتَقَ مِنْهَا شَيْءٌ وَبِالْمَهْرِ لَهَا نِصْفُ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ إلَّا شَيْئًا وَنِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلَانِ شَيْئَيْنِ، وَهُمَا مَثَلًا مَا فَاتَ بِالْعِتْقِ فَبَعْدَ الْجَبْرِ ثَلَاثُمِائَةٍ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ وَنِصْفَ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ شَيْئًا، وَسُدُسَ شَيْءٍ تَبْسُطُهَا أَسْدَاسًا وَتَقْلِبُ الِاسْمَ، فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ وَالْمِائَةُ سَبْعَةٌ، فَالشَّيْءُ سِتَّةُ أَسْبَاعِ الْأَمَةِ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 365 كِتَابُ الصَّدَاقِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الصَّدَاقِ] ِ هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا: مَا وَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ تَفْوِيتِ بُضْعٍ قَهْرًا كَرَضَاعٍ وَرُجُوعِ شُهُودٍ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهِ بِصِدْقِ رَغْبَةِ بَاذِلِهِ فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي إيجَابِ الْمَهْرِ، وَيُجْمَعُ جَمْعَ قِلَّةٍ عَلَى أَصْدِقَةٍ، وَجَمْعَ كَثْرَةٍ عَلَى صُدُقٍ، وَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَسْمَاءٍ مَجْمُوعَةٍ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 366 يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ. وَمَا صَحَّ مَبِيعًا   [مغني المحتاج] صَدَاقٌ وَمَهْرٌ نِحْلَةٌ وَفَرِيضَةٌ ... حِبَاءٌ وَأَجْرٌ ثُمَّ عُقْرٌ عَلَائِقُ " الطَّوِيلُ " وَزَادَ بَعْضُهُمْ الطَّوْلَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: مَهْرٌ صَدَاقٌ نِحْلَةٌ فَرِيضَةٌ ... طَوْلٌ حِبَاءٌ عُقْرُ أَجْرٍ عَلَائِقُ " الْكَامِلُ " لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: 25] [النِّسَاءُ] وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَاشِرًا وَهُوَ النِّكَاحُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 33] [النِّسَاءُ] وَقِيلَ الصَّدَاقُ مَا وَجَبَ بِتَسْمِيَةٍ فِي الْعَقْدِ، وَالْمَهْرُ مَا وَجَبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] [النِّسَاءُ] أَيْ عَطِيَّةً مِنْ اللَّهِ مُبْتَدَأَةً، وَالْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْأَزْوَاجُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقِيلَ: الْأَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْخُذُونَهُ وَيُسَمُّونَهُ نِحْلَةً؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَمْتِعُ بِالزَّوْجِ كَاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَكَأَنَّهَا تَأْخُذُ الصَّدَاقَ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ، وقَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 25] [النِّسَاءُ] «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُرِيدِ التَّزْوِيجِ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخَلِّ نِكَاحًا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْخُصُومَةِ، وَلِئَلَّا يُشْبِهَ نِكَاحَ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَنَّ السَّيِّدَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ الْمَهْرِ وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَسُنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَهْرُ عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ كَأَصْدِقَةِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجَاتِهِ، وَأَمَّا إصْدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَرْبَعَمِائَةٍ دِينَارٍ فَكَانَ مِنْ النَّجَاشِيِّ إكْرَامًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ) بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهَا أَيْ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو مِنْ الْمَهْرِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مُسْتَثْنَاةٍ قَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تَخْلُو مِنْهُ التَّسْمِيَةُ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَقَدْ تَجِبُ التَّسْمِيَةُ لِعَارِضٍ فِي صُوَرٍ: الْأُولَى: إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ أَوْ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِ جَائِزِ التَّصَرُّفِ. الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَتْ جَائِزَةَ التَّصَرُّفِ وَأَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَمْ تُفَوِّضْ فَزَوَّجَهَا هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ. الثَّالِثَةُ: إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الزَّوْجَةِ وَفِيمَا عَدَاهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ تَسْمِيَتُهُ بِمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ. (وَ) لَا تَتَقَدَّرُ صِحَّةُ الصَّدَاقِ بِشَيْءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] [النِّسَاءُ] فَلَمْ يُقَدِّرْهُ، «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» بَلْ ضَابِطُهُ كُلُّ (مَا صَحَّ) كَوْنُهُ (مَبِيعًا) عِوَضًا أَوْ مُعَوَّضًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 367 صَحَّ صَدَاقًا. وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ، وَفِي قَوْلٍ ضَمَانَ يَدٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ،   [مغني المحتاج] كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا مَا لَمْ يَنْتَهِ فِي الْقِلَّةِ إلَى حَدٍّ لَا يُتَمَوَّلُ (صَحَّ) كَوْنُهُ (صَدَاقًا) وَمَالًا فَلَا، فَإِنْ عُقِدَ بِمَا لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا يُقَابَلُ بِمُتَمَوَّلٍ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَرَجَعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَمَثَّلَ لَهُ الصَّيْمَرِيُّ بِالنَّوَاةِ وَالْحَصَاةِ وَقِشْرَةِ الْبَصَلَةِ وَقُمْعِ الْبَاذِنْجَانَةِ. فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَثْنَى مِنْ الضَّابِطِ مَا لَوْ جَعَلَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ صَدَاقًا لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ، وَمَا لَوْ جَعَلَ أُمَّ الْوَلَدِ صَدَاقًا عَنْ الْوَلَدِ، وَمَا لَوْ جَعَلَ أَحَدَ أَبَوَيْ الصَّغِيرَةِ صَدَاقًا لَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا صَدَاقًا بَلْ يَبْطُلُ النِّكَاحُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ قَارَنَهُ مَا يُضَادُّهُ، وَفِي الْبَاقِي يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. أُجِيبَ بِصِحَّةِ جَعْلِهَا صَدَاقًا فِي الْجُمْلَةِ، وَالْغَرَضُ بَيَانُ مَا يَصِحُّ إصْدَاقُهُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِيهَا لِعَارِضٍ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا مَا لَوْ أَصْدَقَهَا دَيْنًا لَهُ عَلَى غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى النَّصِّ مَعَ صِحَّةِ بَيْعِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ بَيْعَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، أَمَّا مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ مِنْ صِحَّتِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ كَوْنُهُ صَدَاقًا، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا مَا لَوْ جَعَلَ ثَوْبًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ صَدَاقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِهِ، وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَإِنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ السَّتْرُ بِهِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا جَعْلُهُ صَدَاقًا وَإِلَّا صَحَّ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا الْجَوَاهِرُ وَالْقِسِيُّ، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ قَالَ: لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا كَمَا لَا يَجُوزُ جَعْلُهَا صَدَاقًا، وَهَذَا مَرْدُودٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِي الذِّمَّةِ وَلَا إصْدَاقُهَا، وَيَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِصْدَاقُهَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَالضَّابِطُ مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ عَكْسِ الضَّابِطِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا مَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَى عَبْدِهَا مِنْ قِصَاصٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. (وَإِذَا أَصْدَقَهَا عَيْنًا) يُمْكِنُ تَقْوِيمُهَا كَعَبْدٍ مَوْصُوفٍ (فَتَلِفَتْ) تِلْكَ الْعَيْنُ (فِي يَدِهِ) قَبْلَ الْقَبْضِ (ضَمِنَهَا) وَإِنْ عَرَضَهَا عَلَيْهَا وَامْتَنَعَتْ مِنْ قَبْضِهَا (ضَمَانَ عَقْدٍ) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْمَبِيعَ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَفِي قَوْلٍ ضَمَانَ يَدٍ) كَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَامِ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالتَّلَفِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَقْوِيمُ عَيْنِ الصَّدَاقِ فَهُوَ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ قَطْعًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ أَنَّ الْفَاسِدَ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، قَالَا فَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ، وَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا فَرَضَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْخِلَافَ فِي الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانَيْ الْعَقْدِ وَالْيَدِ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَضْمَنُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَعَلَى الثَّانِي بِالْبَدَلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ. فَقَالَ (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُمْتَنِعَةِ ثَمَّ (قَبْلَ قَبْضِهِ) كَالْمَبِيعِ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ، وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْإِقَالَةُ فَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ ذَكَرَهَا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 368 وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ. وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ فَقَابِضَةٌ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ فَسَخَتْ الصَّدَاقَ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلٍ وَإِلَّا غَرَّمَتْ الْمُتْلِفَ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ، فَكَتَلَفِهِ وَقِيلَ كَأَجْنَبِيٍّ، وَلَوْ أَصْدَقَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ فِيهِ لَا فِي الْبَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَهَا الْخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَإِلَّا فَحِصَّةُ التَّالِفِ مِنْهُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ لَشَمِلَ مَا قَدَّرْته، وَمَعَ هَذَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ دَيْنًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِانْفِسَاخِ عَقْدِ الصَّدَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ رَقِيقًا لَزِمَهُ تَجْهِيزُهُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخُ فَيَتْلَفُ عَلَى مِلْكِهَا فَيَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَيُعْتَبَرُ أَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ الْإِصْدَاقِ إلَّا التَّلَفَ لِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ طَالَبَتْهُ بِالتَّسْلِيمِ فَامْتَنَعَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى ضَمَانِ الْيَدِ كَمَا صَحَّحَاهُ، وَقِيلَ: يَنْتَقِلُ وَنَسَبَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَى نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ. (وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَةُ (فَقَابِضَةٌ) لِحَقِّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ إذَا كَانَتْ أَهْلًا؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ حَقَّهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّ قَبْضَهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا فَقَتَلَهُ الْمُشْتَرِي لِصِيَالِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) يَضْمَنُ الْإِتْلَافَ (تَخَيَّرَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِبْقَائِهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ فَسَخَتْ الصَّدَاقَ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلٍ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَبَدَلَ الصَّدَاقِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ عَلَى الثَّانِي وَيَأْخُذُ الزَّوْجُ الْغُرْمَ مِنْ الْمُتْلِفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَفْسَخْهُ (غَرَّمَتْ الْمُتْلِفَ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَهَا تَغْرِيمُهُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَتَخَيَّرُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَنُوزِعَ الْمُصَنِّفُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ طَرِيقَيْنِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ قَوْلَانِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْأَجْنَبِيُّ بِالْإِتْلَافِ كَحَرْبِيٍّ أَوْ مُسْتَحِقِّ قِصَاصٍ عَلَى الرَّقِيقِ الَّذِي جُعِلَ صَدَاقًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَإِتْلَافِ الْإِمَامِ لَهُ لِحِرَابَةٍ فَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ فَكَتَلَفِهِ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَقِيلَ كَأَجْنَبِيٍّ) أَيْ كَإِتْلَافِهِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُمَا (وَلَوْ أَصْدَقَ) هَا (عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِإِتْلَافِ الزَّوْجِ (قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ) عَقْدُ الصَّدَاقِ (فِيهِ) عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (لَا فِي الْبَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ) مِنْ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الْمُتَقَدِّمِ قُبَيْلَ بَابِ الْخِيَارِ (وَلَهَا الْخِيَارُ) فِيهِ لِعَدَمِ سَلَامَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (فَإِنْ فَسَخَتْ) عَقْدَ الصَّدَاقِ (فَمَهْرُ مِثْلٍ) لَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ أَجَازَتْ (فَحِصَّةُ التَّالِفِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مَعَ الْبَاقِي، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخُ عَقْدَا الصَّدَاقِ وَالْخِيَارِ، فَإِنْ فَسَخَتْ رَجَعَتْ لِقِيمَةِ الْعَبْدَيْنِ، وَإِنْ أَجَازَتْ فِي الْبَاقِي رَجَعَتْ لِقِيمَةِ التَّالِفِ، أَمَّا إذَا أَتْلَفَتْهُ الزَّوْجَةُ فَقَابِضَةٌ لِقِسْطِهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَتَتَخَيَّرُ، فَإِنْ فَسَخَتْ طَالَبَتْ الزَّوْجَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ أَجَازَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 369 وَلَوْ تَغَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهِ تَخَيَّرَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَالْمَنَافِعُ الْفَائِتَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ طَلَبَتْ التَّسْلِيمَ فَامْتَنَعَ ضَمِنَ ضَمَانَ الْعَقْدِ، وَكَذَا الَّتِي اسْتَوْفَاهَا بِرُكُوبٍ وَنَحْوِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَالَّ   [مغني المحتاج] طَالَبَتْ الْأَجْنَبِيَّ بِالْبَدَلِ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ. (وَلَوْ تَغَيَّبَ) الصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ فِي يَدِ الزَّوْجِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَعَمَى الْعَبْدِ أَوْ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ كَقَطْعِ يَدِهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ تَخَيَّرَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِبْقَائِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَمَانِ الْعَقْدِ، وَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَقُولُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ (فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ وَإِلَّا) بِأَنْ أَجَازَتْ (فَلَا شَيْءَ لَهَا) غَيْرَ الْمَعِيبِ كَالْمُشْتَرِي يَرْضَى بِالْعَيْبِ مُخْتَصٍّ بِضَمَانِ الْعَقْدِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَهَا - إنْ فَسَخَتْ - بَذْلُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا أَرْشُ الْعَيْبِ، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَهَا الْأَرْشُ أَيْضًا فِيمَا إذَا عَيَّبَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَهَا مُطَالَبَتُهُ (وَالْمَنَافِعُ الْفَائِتَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ طَلَبَتْ) مِنْهُ الزَّوْجَةُ (التَّسْلِيمَ) لِلصَّدَاقِ (فَامْتَنَعَ) مِنْهُ (ضَمِنَ) عَلَى قَوْلٍ (ضَمَانَ الْعَقْدِ) كَمَا لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِ، فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَالصَّوَابُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّسْلِيمِ التَّضْمِينُ - مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ فَيَضْمَنُهَا مِنْ وَقْتِ الِامْتِنَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَحَيْثُ لَا امْتِنَاعَ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَكَذَا) الْمَنَافِعُ (الَّتِي اسْتَوْفَاهَا) الزَّوْجُ (بِرُكُوبِ) الدَّابَّةِ أَصْدَقَهَا (وَنَحْوِهِ) كَلُبْسِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتِخْدَامِ رَقِيقٍ أَصْدَقَهُ لَا يَضْمَنُهَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَالْآفَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جِنَايَتَهُ كَجِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِنَاءً عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ، وَإِنْ زَادَ الصَّدَاقُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً فَهِيَ مِلْكٌ لِلزَّوْجَةِ. (وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ (لِتَقْبِضَ الْمَهْرَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَالَّ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ الْفَرْضِ الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي دَفْعًا لِضَرَرِ فَوَاتِ الْبُضْعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْمُؤْمِنُ مِنْ دُيُونِهِ صَدَاقُ زَوْجَتِهِ» «وَقَالَ: مَنْ ظَلَمَ زَوْجَتَهُ فِي صَدَاقِهَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ» . تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْمُفَوَّضَةَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْمَسِيسِ، وَلَيْسَ مُرَادًا لِمَا سَيَأْتِي وَفَرَضَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ فِي الْمَالِكَةِ لِأَمْرِهَا. وَأَمَّا غَيْرُهَا لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ فَحَبْسُهَا لِوَلِيِّهَا، فَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّرْكِ فَعَلَهُ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَحَبْسُهَا لِسَيِّدِهَا أَوْ وَلِيِّهِ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ كِتَابَةً صَحِيحَةً، وَأَمَّا هِيَ فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ فِي مَنْعِ سَيِّدِهَا خِلَافٌ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَبَرُّعَاتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ أَبَى السَّيِّدُ قَطْعًا اهـ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ. وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ لَا حَبْسَ فِيهَا: الْأُولَى: إذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ وَأَوْصَى لَهَا بِصَدَاقِهَا فَلَيْسَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 370 لَا الْمُؤَجَّلَ، فَلَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا حَبْسَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ كُلٌّ لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلِّمَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبَرُ هُوَ وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ، وَالْأَظْهَرُ يُجْبَرَانِ فَيُؤْمَرُ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلٍ، وَتُؤْمَرُ بِالتَّمْكِينِ فَإِذَا سَلَّمَتْ أَعْطَاهَا الْعَدْلُ الْمَهْرَ.   [مغني المحتاج] لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا بِالْوَصِيَّةِ لَا بِالنِّكَاحِ. الثَّانِيَةُ: أُمُّ الْوَلَدِ إذَا زَوَّجَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ مَاتَ وَعَتَقَتْ وَصَارَ الصَّدَاقُ لِلْوَارِثِ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَلَا لَهَا؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَيْسَ لَهَا. الثَّالِثَةُ: الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ إذَا بَاعَهَا السَّيِّدُ أَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لِصَدَاقِهَا فَالْمَهْرُ لَهُ وَلَا حَبْسَ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ (لَا الْمُؤَجَّلَ) فَلَا تَحْبِسُ نَفْسَهَا بِسَبَبِهِ لِرِضَاهَا بِالتَّأْجِيلِ (فَلَوْ حَلَّ) الْأَجَلُ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) لِنَفْسِهَا لِلزَّوْجِ (فَلَا حَبْسَ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُوبِ تَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا قَبْلَ الْحُلُولِ، فَلَا يَرْتَفِعُ لِحُلُولِ الْحَقِّ، وَهَذَا مَا حَكَاهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالثَّانِي: لَهَا الْحَبْسُ كَمَا لَوْ كَانَ حَالًّا ابْتِدَاءً، وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ غَلَطٌ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هُنَا، وَفِي الْبَيْعِ اعْتِمَادًا عَلَى نَصٍّ نَقَلَهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ رَاجَعْت كَلَامَ الْمُزَنِيِّ فَوَجَدْته مِنْ تَفَقُّهِهِ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. (وَلَوْ) تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ كَأَنْ (قَالَ كُلٌّ) مِنْهُمَا لِلْآخَرِ (لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلِّمَ) أَيْ قَالَ الزَّوْجُ لَا أُسَلِّمُ الْمَهْرَ حَتَّى تُسَلِّمِي نَفْسَك، وَقَالَتْ هِيَ: لَا أُسَلِّمُهَا حَتَّى تُسَلِّمَ إلَيَّ الْمَهْرَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبَرُ هُوَ عَلَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ اسْتِرْدَادَهُ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الْبُضْعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلِاسْتِمْتَاعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَا كَمَرِيضَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِهَذَا الْقَوْلِ، بَلْ هُوَ مُعْتَبَرٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ حَتَّى لَوْ بَذَلَتْ نَفْسَهَا وَبِهَا مَانِعٌ مِنْ إحْرَامٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْبَرْ صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ (وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَحِينَئِذٍ (فَمَنْ) بَادَرَ وَ (سَلَّمَ) مِنْهُمَا (أُجْبِرَ صَاحِبُهُ) عَلَى التَّسْلِيمِ (وَالْأَظْهَرُ يُجْبَرَانِ فَيُؤْمَرُ) الزَّوْجُ (بِوَضْعِهِ) أَيْ الْمَهْرِ (عِنْدَ عَدْلٍ وَتُؤْمَرُ) الزَّوْجَةُ (بِالتَّمْكِينِ، فَإِذَا سَلَّمَتْ) نَفْسًا (أَعْطَاهَا الْعَدْلُ الْمَهْرَ) لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: فَلَوْ هَمَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَتْ الْمَهْرَ فَامْتَنَعَتْ فَالْوَجْهُ اسْتِرْدَادُهُ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ لَا يَجِيءُ قَوْلٌ بِإِجْبَارِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ لِفَوَاتِ الْبُضْعِ عَلَيْهَا بِالتَّسْلِيمِ. وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الْمُرَجَّحَ بِالْوَضْعِ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَائِبًا عَنْ الزَّوْجَةِ فَالْمُجْبَرُ الزَّوْجُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَائِبَهَا فَقَدْ أُجْبِرَتْ أَوَّلًا، وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا مَرَّ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ إلَيْهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ التَّمْكِينِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ قَبْضِهِ. وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُمَا، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ، وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُهُ، وَلَا مَحْظُورَ فِي إجْبَارِهِ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ إجْبَارِهَا، وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا أَوْلَى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 371 وَلَوْ بَادَرَتْ فَمَكَّنَتْ طَالَبَتْهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ امْتَنَعَتْ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَإِنْ وَطِئَ فَلَا. وَلَوْ بَادَرَ فَسَلَّمَ فَلْتُمَكِّنْ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ بِلَا عُذْرٍ اسْتَرَدَّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يُجْبَرُ. وَلَوْ اُسْتُمْهِلَتْ لِتَنَظُّفٍ وَنَحْوِهِ أُمْهِلَتْ مَا يَرَاهُ قَاضٍ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا لِيَنْقَطِعَ حَيْضٌ.   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا بِقَوْلِهَا: إذَا سَلَّمَ الْمَهْرَ مَكَّنْت. لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُمَكِّنَةٌ. (وَلَوْ بَادَرَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ (فَمَكَّنَتْ) أَيْ الزَّوْجَ (طَالَبَتْهُ) بِالْمَهْرِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ لِأَنَّهَا بَذَلَتْ مَا فِي وُسْعِهَا، وَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَسْتَقِلَّ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ كَنَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ (فَإِنْ لَمْ يَطَأْ امْتَنَعَتْ) أَيْ جَازَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَمْكِينِهِ (حَتَّى يُسَلِّمَ) الْمَهْرَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي النِّكَاحِ بِالْوَطْءِ دُونَ التَّسْلِيمِ (وَإِنْ وَطِئَهَا) بِتَمْكِينِهَا مِنْهُ مُخْتَارَةً مُكَلَّفَةً وَلَوْ فِي الدُّبُرِ (فَلَا) كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ الْبَائِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ لِيَحْبِسَهُ. أَمَّا إذَا وُطِئَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِتَسْلِيمِهَا. نَعَمْ لَوْ سَلَّمَ الْوَلِيُّ الْمَجْنُونَةَ أَوْ الصَّغِيرَةَ لِمَصْلَحَةٍ فَيَنْبَغِي كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهَا وَإِنْ كَمُلَتْ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ الشُّفْعَةَ لِمَصْلَحَةٍ لَيْسَ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَهَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، بَلْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا لِسَفَهٍ لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا وَرَأَى الْوَلِيُّ خِلَافَهُ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ وُطِئَتْ. (وَلَوْ بَادَرَ) الزَّوْجُ (فَسَلَّمَ) الْمَهْرَ (فَلْتُمَكِّنْ) زَوْجَهَا وُجُوبًا إذَا طَلَبَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ (فَإِنْ امْتَنَعَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَمْكِينِ زَوْجِهَا (بِلَا عُذْرٍ) مِنْهَا (اسْتَرَدَّ) الْمَهْرَ مِنْهَا (إنْ قُلْنَا) بِالْمَرْجُوحِ (أَنَّهُ يُجْبَرُ) عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ أَوَّلًا لَمْ يَسْتَرِدَّ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْمُبَادَرَةِ، فَكَانَ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. تَنْبِيهٌ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مَنْزِلُ الزَّوْجِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ، فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْ بَلَدِ الْعَقْدِ فَزَائِدُ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِغَزَّةَ امْرَأَةً بِالشَّامِ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِغَزَّةَ اعْتِبَارًا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، فَإِنْ طَلَبَهَا إلَى مِصْرَ فَنَفَقَتُهَا مِنْ الشَّامِ إلَى غَزَّةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ مِنْ غَزَّةَ إلَى مِصْرَ عَلَيْهِ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الطَّرِيقِ مِنْ الشَّامِ إلَى غَزَّةَ أَمْ لَا؟ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: نَعَمْ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِأَمْرِهِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَزَّةَ. قَالَ: وَهَذَا أَقْيَسُ. وَأَمَّا مِنْ غَزَّةَ إلَى مِصْرَ فَعَلَيْهِ. وَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ تَسْلِيمَهَا فَادَّعَى الْوَلِيُّ مَوْتَهَا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ حَتَّى لَا يُسَلِّمَهُ الْمَهْرَ، وَيُكَلَّفُ الْوَلِيُّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ بِمَوْتِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ. (وَلَوْ اُسْتُمْهِلَتْ) هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا (لِتَنَظُّفٍ وَنَحْوِهِ) كَإِزَالَةِ وَسَخٍ وَشَعْرِ عَانَةٍ وَشَعْرِ إبْطٍ (أُمْهِلَتْ) وُجُوبًا عَلَى الْأَظْهَرِ وَلَوْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ، وَقِيلَ قَطْعًا (مَا يَرَاهُ قَاضٍ) كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ طَاهِرًا أَمْ حَائِضًا أَمْ نُفَسَاءَ (وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ يَحْصُلُ فِيهَا، وَلِأَنَّهَا أَقَلُّ الْكَثِيرِ وَأَكْثَرُ الْقَلِيلِ (لَا لِيَنْقَطِعَ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ فَلَا تُمْهَلُ لِذَلِكَ) ، بَلْ تُسَلَّمُ لِلزَّوْجِ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ لِأَنَّهَا مَحِلٌّ لِلِاسْتِمْتَاعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 372 وَلَا تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ حَتَّى يَزُولَ مَانِعُ وَطْءٍ. وَيَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ بِوَطْءٍ، وَإِنْ حَرُمَ كَحَائِضٍ.   [مغني المحتاج] فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ نَوْعٌ مِنْهُ كَالْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: إلَّا إذَا عَلِمَتْ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَغْشَاهَا فِي الْحَيْضِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ مُضَاجَعَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ لَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْإِمْهَالِ لِلتَّنْظِيفِ وَنَحْوِهِ أُمْهِلَتْ كَمَا قَالَ فِي التَّتِمَّةِ. (وَلَا تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ) لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ (وَلَا مَرِيضَةٌ) وَلَا مَنْ بِهَا هُزَالٌ تَتَضَرَّرُ بِالْوَطْءِ مَعَهُ (حَتَّى يَزُولَ مَانِعُ وَطْءٍ) لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ فَرْطُ الشَّهْوَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَتَتَضَرَّرُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: سَلِّمُوهَا لِي وَلَا أَطَؤُهَا حَتَّى تَحْتَمِلَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُتَوَلِّي وَإِنْ كَانَ ثِقَةً إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ هَيَجَانِ الشَّهْوَةِ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُجَابُ الثِّقَةُ فِي الْمَرِيضَةِ دُونَ الصَّغِيرَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّسْلِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الصَّغِيرَةِ وَمِثْلُهَا الْمَرِيضَةُ، وَيَحْرُمُ وَطْءُ مَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ هُزَالٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِتَضَرُّرِهَا بِهِ، وَتُمْهَلُ حَتَّى تُطِيقَ، فَلَوْ سُلِّمَتْ لَهُ صَغِيرَةً لَا تُوطَأُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسَلُّمُهَا؛ لِأَنَّهُ نَكَحَ لِلِاسْتِمْتَاعِ لَا لِلْحَضَانَةِ، وَإِذَا تَسَلَّمَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ كَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ سَلَّمَهُ عَالِمًا بِحَالِهَا أَوْ جَاهِلًا فَفِي اسْتِرْدَادِهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الِاسْتِرْدَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَوْ سُلِّمَتْ إلَيْهِ الْمَرِيضَةُ أَوْ النَّحِيفَةُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِامْتِنَاعُ، كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهِ إذَا مَرِضَتْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، فَإِنْ خَافَتْ النَّحِيفَةُ الْإِفْضَاءَ لَوْ وُطِئَتْ لِعَبَالَةِ الزَّوْجِ لَمْ يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ فَيَتَمَتَّعُ بِغَيْرِهِ أَوْ يُطَلِّقُ وَلَا فَسْخَ لَهُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ الرَّتَقِ أَوْ الْقَرَنِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ مُطْلَقًا، وَالنَّحَافَةُ لَا تَمْنَعُ وَطْءَ نَحِيفٍ مِثْلِهَا، وَلَيْسَتْ بِعَيْبٍ أَيْضًا. نَعَمْ إنْ أَفْضَاهَا كُلُّ أَحَدٍ فَلَهُ الْفَسْخُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالرَّتَقِ، وَمَنْ أَفْضَى امْرَأَةً بِوَطْءٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ حَتَّى تَبْرَأَ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْبُرْءَ وَأَنْكَرَتْ أَوْ قَالَ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ عُرِضَتْ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ فِيهِمَا، أَوْ رَجُلَيْنِ مَحْرَمَيْنِ لِلصَّغِيرَةِ، أَوْ مَمْسُوحَيْنِ، وَلَوْ ادَّعَتْ النَّحِيفَةُ بَقَاءَ أَلَمٍ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهَا. (وَيَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ) عَلَى الزَّوْجِ (بِوَطْءٍ) وَلَوْ فِي الدُّبُرِ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا سَوَاءٌ أَوَجَبَ بِنِكَاحٍ أَوْ فَرْضٍ كَمَا فِي الْمُفَوَّضَةِ (وَإِنْ حُرِّمَ) الْوَطْءُ (كَحَائِضٍ) لِاسْتِيفَاءِ مُقَابِلِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا بُدَّ فِي الِاسْتِقْرَارِ مَعَ الْوَطْءِ مِنْ قَبْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الصَّدَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ كَالْمَبِيعِ، فَكَمَا قَالُوا: إنَّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ قَدْ قُبِضَ فَكَذَلِكَ الصَّدَاقُ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ هُنَا الْأَمْنُ مِنْ سُقُوطِ كُلِّ الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ بِالتَّشْطِيرِ، وَفِي الْبَيْعِ الْأَمْنُ مِنْ الِانْفِسَاخِ، وَالْمَبِيعُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَالصَّدَاقُ الْمُعَيَّنُ إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ، بَلْ يَجِبُ بَدَلُ الْبُضْعِ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى ضَمَانِ الْعَقْدِ وَبَدَلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 373 وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لَا بِخَلْوَةٍ فِي الْجَدِيدِ. فَصْلٌ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَغْصُوبٍ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ،   [مغني المحتاج] الْعَيْنِ عَلَى ضَمَانِ الْيَدِ فَافْتَرَقَ الْبَابَانِ وَشَمِلَ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى وَمَهْرَ الْمِثْلِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِتَقْرِيرِ الْمُسَمَّى بِالْوَطْءِ أَنْ لَا يَحْصُلَ انْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَطْءِ، فَلَوْ فُسِخَ بِعَيْبٍ سَابِقٍ عَلَى الْوَطْءِ سَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. فَرْعٌ: قَدْ يَسْقُطُ الْمَهْرُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ: كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالصَّدَاقُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ ابْتِدَاءً، لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْهُ. (وَ) يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ أَيْضًا (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) قَبْلَ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ وَإِنَّمَا هُوَ نِهَايَةٌ لَهُ، وَنِهَايَةُ الْعَقْدِ كَاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ الْإِجَارَةِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَمَةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ قَتَلَهَا سَيِّدُهَا، أَوْ قَتَلَتْ الْأَمَةُ أَوْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَهْرُ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ وَالْمَوْتِ غَيْرُهُمَا فَلَا يَسْتَقِرُّ بِمُبَاشَرَةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا بِاسْتِدْخَالِ مَنِيٍّ، وَلَا بِإِزَالَةِ بَكَارَةٍ بِغَيْرِ آلَةِ الْجِمَاعِ، وَ (لَا بِخَلْوَةٍ فِي الْجَدِيدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِّ الْجِمَاعُ، وَكَمَا لَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ حَدٍّ وَغُسْلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَالْقَدِيمُ يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ حِسِّيٌّ كَرَتَقٍ، وَلَا شَرْعِيٍّ كَحَيْضٍ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَظِنَّةُ الْوَطْءِ. فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ. . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ زُرَارَةَ لَمْ يُدْرِكْ الْخُلَفَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. أَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ فَلَا يَسْتَقِرُّ بِهَا قَطْعًا. فَرْعٌ: لَوْ أَعْتَقَ مَرِيضٌ أَمَتَهُ الَّتِي لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ الْعِتْقَ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ، قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، وَبَيَّنْت وَجْهَهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. [فَصْلٌ الصَّدَاقُ الْفَاسِدُ] فَصْلٌ فِي الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، لَوْ (نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَغْصُوبٍ) سَوَاءٌ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يَصِفْهُ كَأَصْدَقْتُك هَذَا أَوْ لَمْ يُشِرْ وَوَصَفَهُ بِمَا ذُكِرَ أَوْ بِغَيْرِهِ كَعَصِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ مَمْلُوكٍ لَهُ (وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ) فِي الْأَظْهَرِ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَفَسَادِ التَّسْمِيَةِ بِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مَالًا فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 374 وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ أَوْ بِمَمْلُوكٍ وَمَغْصُوبٍ بَطَلَ فِيهِ، وَصَحَّ فِي الْمَمْلُوكِ فِي الْأَظْهَرِ وَتَتَخَيَّرُ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُمَا، وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا مَعَ الْمَمْلُوكِ حِصَّةُ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا، وَفِي قَوْلٍ تَقْنَعُ بِهِ. وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك ثَوْبَهَا بِهَذَا الْعَبْدِ صَحَّ النِّكَاحُ وَكَذَا الْمَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ عَلَى الثَّوْبِ وَمَهْرِ مِثْلٍ.   [مغني المحتاج] وَمِلْكًا لِلزَّوْجِ فِي الثَّالِثِ (وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ مَا ذُكِرَ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْخَمْرُ عَصِيرًا، لَكِنْ يَجِبُ مِثْلُهُ، وَالْحُرُّ رَقِيقًا، وَالْمَغْصُوبُ مَمْلُوكًا، لَكِنَّ الْمَغْصُوبَ الْمِثْلِيَّ يَجِبُ مِثْلُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَدَلِ كَانَ أَوْلَى، لَكِنَّهُ تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَنْكَرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ التَّعْبِيرَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّرِ. أَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ الْوَصْفِ كَأَصْدَقْتُك هَذَا الْحُرَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي أَنْكِحَتِنَا. أَمَّا أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ فَكُلُّ مَا اعْتَقَدُوا صِحَّةَ إصْدَاقِهِ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ وَتَصْوِيرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِالْخَمْرِ وَالْحُرِّ يَقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا يُقْصَدُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُقْصَدْ كَالدَّمِ وَالْحَشَرَاتِ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِيهِ، بَلْ تَكُونُ كَالْمُفَوَّضَةِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا عَلَى ذَلِكَ يَقَعُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِحَالٍ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ، لَكِنْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَفُرِّقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ الْوَطْءُ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْمَهْرِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْفُرْقَةُ، وَهِيَ تَحْصُلُ غَالِبًا بِدُونِ عِوَضٍ (أَوْ) نَكَحَهَا (بِمَمْلُوكٍ وَمَغْصُوبٍ) مَثَلًا (بَطَلَ فِيهِ، وَصَحَّ فِي الْمَمْلُوكِ فِي الْأَظْهَرِ) هُمَا قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَسَبَقَ فِي الْبَيْعِ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا (وَتَتَخَيَّرُ) الزَّوْجَةُ إذَا كَانَتْ جَاهِلَةً بَيْنَ فَسْخِ الصَّدَاقِ وَإِجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى بِتَمَامِهِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا (فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ) يَجِبُ لَهَا (وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُمَا) هُمَا الْقَوْلَانِ الْمَارَّانِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " بَدَلُهُمَا " لِمَا مَرَّ (وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا مَعَ الْمَمْلُوكِ حِصَّةُ الْمَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) لَهَا (بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا) عَمَلًا بِالتَّوْزِيعِ، فَلَوْ كَانَتْ مَثَلًا مِائَةً بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَخَذَتْ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلٍ عَنْ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ (وَفِي قَوْلٍ تَقْنَعُ بِهِ) أَيْ الْمَمْلُوكِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مَعَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُجِيزُ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا. (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ (زَوَّجْتُك بِنْتِي) فُلَانَةَ (وَبِعْتُك ثَوْبَهَا) هَذَا مَثَلًا وَهُوَ وَلِيُّ مَالِهَا، أَوْ أَذِنْت لَهُ (بِهَذَا الْعَبْدِ صَحَّ النِّكَاحُ) جَزْمًا، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ (وَكَذَا الْمَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي الْأَظْهَرِ) هُمَا الْقَوْلَانِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْعَبْدِ ثَمَنٌ وَبَعْضَهُ صَدَاقٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي آخِرِ بَابِ الْمَنَاهِي فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ. . أُجِيبَ بِأَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ إفَادَةُ تَصْوِيرِ جَمْعِ الصَّفْقَةِ بَيْعًا وَنِكَاحًا (وَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ) الْمَذْكُورُ أَيْ قِيمَتُهُ (عَلَى) قِيمَةِ (الثَّوْبِ وَمَهْرِ مِثْلٍ) فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مِائَةً مَثَلًا وَقِيمَةُ الثَّوْبِ كَذَلِكَ فَنِصْفُ الْعَبْدِ صَدَاقٌ وَنِصْفُهُ ثَمَنُ الثَّوْبِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 375 وَلَوْ نَكَحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا فَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الصَّدَاقِ وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ. وَلَوْ شَرَطَ خِيَارًا فِي النِّكَاحِ بَطَلَ النِّكَاحُ، أَوْ فِي الْمَهْرِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ لَا الْمَهْرِ، وَسَائِرُ الشُّرُوطِ إنْ وَافَقَ مُقْتَضَى النِّكَاحِ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ لَغَا، وَصَحَّ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ. وَإِنْ خَالَفَ وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ   [مغني المحتاج] رُبُعُ الْعَبْدِ، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّوْزِيعِ كَوْنُ حِصَّةِ النِّكَاحِ مَهْرَ مِثْلٍ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ جَزْمًا، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ بُطْلَانُهُمَا وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: ثَوْبُهَا إلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ مِلْكِ الصَّدَاقِ وَمَا مَعَهُ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك ثَوْبِي هَذَا بِهَذَا الْعَبْدِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَلَا الصَّدَاقُ كَبَيْعِ عَبِيدٍ جَمْعٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْأُمِّ: لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي وَمَلَّكْتُك هَذِهِ الْمِائَةَ مِنْ مَالِهَا بِهَاتَيْنِ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَك، فَالْبَيْعُ وَالصَّدَاقُ بَاطِلَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ دَنَانِيرَ صَحَّا، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ صَدَاقٍ وَصَرْفِهِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ. (وَلَوْ نَكَحَ) امْرَأَةً (بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا) أَلْفًا (أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا فَالْمَذْهَبُ فَسَادُ الصَّدَاقِ) فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ بَعْضَ مَا الْتَزَمَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ (وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ) فِيهِمَا لِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فَسَادُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى لِلْأَبِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا قُرِئَ يُعْطِيَهُ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ أَيْ يُعْطِي الزَّوْجُ أَبَاهَا أَلْفًا. فَإِنْ قُرِئَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ أَيْ تُعْطِي الْمَرْأَةُ أَبَاهَا أَلْفًا فَهُوَ وَعْدُ هِبَةٍ مِنْهَا لِأَبِيهَا. (وَلَوْ شَرَطَ) أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (خِيَارًا فِي النِّكَاحِ بَطَلَ النِّكَاحُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنَاهُ عَلَى اللُّزُومِ فَشَرْطُ مَا يُخَالِفُ قَضِيَّتَهُ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عَيْبٍ مُثْبِتٍ لِلْخِيَارِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (أَوْ) شَرَطَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ خِيَارًا (فِي الْمَهْرِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ) لِأَنَّ فَسَادَ الصَّدَاقِ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ (لَا الْمَهْرِ) فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَظْهَرِ بَلْ يَفْسُدُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَتَمَحَّضُ عِوَضًا، بَلْ فِيهِ مَعْنَى النِّحْلَةِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ الْخِيَارُ، وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِالْخِيَارِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْمَهْرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ كَالْبَيْعِ فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ. وَالثَّالِثُ: يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِفَسَادِ الْمَهْرِ أَيْضًا (وَسَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الشُّرُوطِ) الْوَاقِعَةِ فِي النِّكَاحِ (إنْ وَافَقَ) الشَّرْطُ فِيهَا (مُقْتَضَى) عَقْدِ (النِّكَاحِ) كَشَرْطِ النَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ (أَوْ) لَمْ يُوَافِقْ مُقْتَضَى النِّكَاحِ وَلَكِنَّهُ (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ) كَشَرْطِ أَنْ لَا تَأْكُلَ إلَّا كَذَا (لَغَا) هَذَا الشَّرْطُ أَيْ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ (وَصَحَّ النِّكَاحُ وَالْمَهْرُ) كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ. (وَإِنْ خَالَفَ) الشَّرْطُ مُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ (وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ) وَهُوَ الْوَطْءُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 376 كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَفَسَدَ الشَّرْطُ، وَالْمَهْرُ. وَإِنْ أَخَلَّ كَأَنْ لَا يَطَأَ أَوْ يُطَلِّقَ بَطَلَ النِّكَاحُ. وَلَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الْمَهْرِ، وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ.   [مغني المحتاج] (كَشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ) أَنْ (لَا نَفَقَةَ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ) لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ (وَفَسَدَ الشَّرْطُ) سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ عَلَيْهَا كَالْمِثَالِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» (وَ) فَسَدَ (الْمَهْرُ) أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إنْ كَانَ لَهَا فَلَمْ تَرْضَ بِالْمُسَمَّى وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ بِبَدَلِ الْمُسَمَّى إلَّا عِنْدَ سَلَامَةِ مَا شَرَطَهُ، وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهَا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ. (وَإِنْ أَخَلَّ) الشَّرْطُ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ الْأَصْلِيِّ (كَأَنْ) شَرَطَ أَنْ (لَا يَطَأَهَا) الزَّوْجُ أَصْلًا، وَأَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً مَثَلًا فِي السَّنَةِ أَوْ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا لَيْلًا فَقَطْ أَوْ إلَّا نَهَارًا فَقَطْ (أَوْ) أَنْ (يُطَلِّقَ) هَا وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ (بَطَلَ النِّكَاحُ) لِأَنَّهُ يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ، وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُطَلِّقَ مُكَرَّرَةً فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّحْلِيلِ، وَلَوْ شَرَطَ هُوَ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا أَوْ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ أَوْ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ بَطَلَ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الصِّحَّةَ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ. تَنْبِيهٌ: مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الْوَطْءِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَصْحِيحُ التَّنْبِيهِ فِيمَا إذَا شَرَطَهُ الزَّوْجُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ وَالتَّمْكِينُ عَلَيْهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا شَرْطًا، فَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَتِمَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ سَاعَدَهُ فَالزَّوْجُ بِالْمُسَاعَدَةِ تَارِكٌ لِحَقِّهِ فَهَلَّا كَانَتْ مُسَاعَدَتُهُ كَشَرْطِهِ وَهِيَ بِالْمُسَاعَدَةِ مَانِعَةٌ حَقَّهُ فَهَلَّا كَانَتْ مُسَاعَدَتُهَا كَشَرْطِهَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّا إذَا جَعَلْنَاهُ كَالِابْتِدَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَدْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَمَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ، وَرَجَحَ جَانِبُ الْمُبْتَدِئِ لِقُوَّةِ الِابْتِدَاءِ وَبِنَاءِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ، وَأُحِيلَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فَقَطْ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْبُطْلَانِ بِتَرْكِ الْوَطْءِ الْمَأْنُوسِ مِنْ احْتِمَالِهَا الْجِمَاعُ، فَإِنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضِيَّتِهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْتَمِلْهُ فِي الْحَالِ فَشَرَطَ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَى الِاحْتِمَالِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ قَطْعًا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلْيُنْظَرْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَحَرَّمْنَا وَطْأَهَا وَشَرَطَتْ تَرْكَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الشِّفَاءَ مُتَوَقَّعٌ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُزْمِنَةَ إذَا طَالَتْ دَامَتْ اهـ وَهَذَا أَظْهَرُ. (وَلَوْ نَكَحَ) شَخْصٌ (نِسْوَةً) أَوْ امْرَأَتَيْنِ مَعًا (بِمَهْرٍ) كَأَنْ زَوَّجَهُ بِهِنَّ جَدُّهُنَّ أَوْ مُعْتِقُهُنَّ أَوْ وَكِيلٌ عَنْ أَوْلِيَائِهِنَّ أَوْ اخْتَلَعْنَ عَلَى عِوَضٍ وَاحِدٍ (فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ الْمَهْرِ) وَالْعِوَضُ لِلْجَهْلِ بِمَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي الْحَالِ (وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيُوَزَّعُ عَلَى مُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ أَمَّا النِّكَاحُ وَالْبَيْنُونَةُ فَيَصِحَّانِ بِلَا خِلَافٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 377 وَلَوْ نَكَحَ لِطِفْلٍ بِفَوْقِ مَهْرِ مِثْلٍ أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ الْمُسَمَّى، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ تَوَافَقُوا عَلَى مَهْرٍ كَانَ سِرًّا وَأَعْلَنُوا زِيَادَةً فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ أَمَتَيْهِ مِنْ عَبْدٍ بِمَهْرٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ فِي نِكَاحِ أَمَتَيْنِ لِلسَّيِّدِ وَهُوَ مُتَّحِدٌ. (وَلَوْ نَكَحَ) الْوَلِيُّ (لِطِفْلٍ) أَوْ مَجْنُونٍ (بِفَوْقِ مَهْرِ مِثْلٍ) مِنْ مَالِ الطِّفْلِ أَوْ الْمَجْنُونِ (أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا) بِمُوَحَّدَةٍ أَوَّلَهُ فَنُونٍ سَاكِنَةٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِخَطِّهِ (لَا) بِنْتًا (رَشِيدَةً) كَالْمَجْنُونَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالسَّفِيهَةِ (أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ) فِي النَّقْصِ عَنْ مَهْرٍ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِلَا إذْنٍ مِنْهَا لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبِكْرِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ فِي إنْكَاحِهَا إلَى إذْنٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَنْ يُحْتَاجُ إلَى إذْنِهَا فِي النِّكَاحِ (فَسَدَ) كُلُّ (الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْوَلِيَّ مَأْمُورٌ بِالْحَظِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ، إذْ الزِّيَادَةُ فِي الْأُولَى وَالنَّقْصُ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافُ الْمَصْلَحَةِ (وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ مِثْلٍ) كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ، وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِفَسَادِ الْمَهْرِ بِمَا ذُكِرَ، وَمَحَلُّ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَوْ نَكَحَ شَرِيفَةً يَسْتَغْرِقُ مَهْرُ مِثْلِهَا مَا لَهُ فَقِيَاسُ مَا صَحَّحُوهُ فِي السَّفِيهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْمَصْلَحَةِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَا بِهِ هُنَا مِنْ فَسَادِ الْمُسَمَّى جَمِيعِهِ لَا يُنَافِي مَا رَجَّحْنَاهُ فِي نِكَاحِ السَّفِيهِ مِنْ فَسَادِ الزَّائِدِ مِنْهُ دُونَ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ فَقُصِرَ الْفَسَادُ عَلَى الزَّائِدِ، وَالْوَلِيُّ مُتَصَرِّفٌ عَلَى غَيْرِهِ فَفَسَدَ جَمِيعُهُ، أَمَّا إذَا عَقَدَ الْوَلِيُّ لِمُوَلِّيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْمُسَمَّى عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَجْعُولَ صَدَاقًا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِلِابْنِ حَتَّى يَفُوتَ عَلَيْهِ، وَالتَّبَرُّعُ بِهِ إنَّمَا حَصَلَ فِي ضِمْنِ تَبَرُّعِ الْأَبِ، فَلَوْ أَلْغَى فَاتَ عَلَى الِابْنِ وَلَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلٍ فِي مَالِهِ وَهَذَا مَا قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا رَجَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ فَسَادِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِ الِابْنِ، ثُمَّ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالزَّائِدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ، وَلَا يَصِيرُ الْأَبُ بِالْعَقْدِ لِمُوَلِّيهِ ضَامِنًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَإِنْ قِيلَ تَرْكِيبُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ أَنْ " لَا " إذَا دَخَلَتْ عَلَى مُفْرَدٍ وَهُوَ صِفَةٌ لِسَابِقٍ وَجَبَ تَكْرَارُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة: 68] [الْبَقَرَةُ] وقَوْله تَعَالَى: {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] [النُّورُ] . أُجِيبَ بِأَنَّ لَا هُنَا اسْمٌ بِمَعْنَى غَيْرِ ظَهَرَ إعْرَابُهَا فِيمَا بَعْدَهَا لِكَوْنِهَا عَلَى صُورَةِ الْحَرْفِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (وَلَوْ تَوَافَقُوا) أَيْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ إذَا كَانَتْ بَالِغَةً، وَقَدْ لَا يُحْتَاجُ إلَى مُوَافَقَتِهَا، أَوْ تَكُونُ غَيْرَ مُكَلَّفَةٍ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْوَلِيَّ وَالزَّوْجَ (عَلَى مَهْرٍ) كَمِائَةٍ (كَانَ سِرًّا) وَهُوَ لُغَةً مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ شَخْصٌ وَاحِدٌ (وَأَعْلَنُوا زِيَادَةً) كَمِائَتَيْنِ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ) اعْتِبَارًا بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ بِالْأَقَلِّ أَمْ بِالْأَكْثَرِ، وَعَلَى هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ حَمَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ مَهْرُ السِّرِّ، وَفِي آخَرَ عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 378 وَلَوْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ، فَلَوْ أَطْلَقَتْ فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ. قُلْت: الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَصْلٌ   [مغني المحتاج] أَنَّهُ مَهْرُ الْعَلَانِيَةِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَحْكِي قَوْلَيْنِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَيْضًا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ فِي كُلٍّ مِنْهَا خِلَافٌ: الْأُولَى: الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ؟ وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْإِبْهَامَ فِي الشُّرُوطِ هَلْ يُؤَثِّرُ فِيهَا؟ وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الشَّرْطَ قَبْلَ الْعَقْدِ هَلْ يَلْحَقُهُ وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَلْفِ بِأَلْفَيْنِ، فَإِنْ عَبَّرُوا بِهِمَا عَنْهَا وَعَقَدُوا بِهِمَا لَزِمَا لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِمَا أَوْ عَقَدُوا بِهِمَا عَلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ إلَّا أَلْفٌ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الشَّرْطِ. (وَلَوْ قَالَتْ) رَشِيدَةٌ (لِوَلِيِّهَا) غَيْرِ الْمُجْبِرِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ (زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ) لِلْمُخَالَفَةِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَأَفْهَمَ الْبُطْلَانُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ سَكَتَ عَنْ الْمَهْرِ سَوَاءٌ أَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَمْ بِوَكِيلِهِ (فَلَوْ أَطْلَقَتْ) بِأَنْ سَكَتَتْ عَنْ الْمَهْرِ (فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ نَقَصَ عَنْهُ (وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ) إذْ لَيْسَتْ الْمُخَالَفَةُ صَرِيحَةً (قُلْت: الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ) الْمَذْكُورَتَيْنِ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلصَّدَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً وَسَمَّى دُونَ تَسْمِيَتِهَا، وَلَكِنَّهُ كَانَ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي التَّدْرِيبِ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُضَيِّعَ الزَّائِدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَوْ طُرِدَ فِي الرَّشِيدَةِ لَمْ يَبْعُدْ اهـ. لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الرُّجُوعِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ. تَنْبِيهٌ: جَرَتْ عَادَةُ الْأَوْلِيَاءِ بِتَزْوِيجِ الصِّغَارِ بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّحَّةُ عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ لِتَحْصِيلِ كُفْءٍ، وَلَكِنْ لَا يُسَلِّمُهَا حَتَّى يَأْخُذَ عَلَى الصَّدَاقِ رَهْنًا كَيْ لَا تَفُوتَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ بِلَا مُقَابِلٍ فِي الْحَالِ، وَلَوْ زَوَّجَهَا بِعَرْضٍ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: إنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُجْبِرًا وَهِيَ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ صَحَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَهْرَ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبِرٍ وَغَيْرَ حَاكِمٍ، أَوْ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ وَرَأَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْعَرْضِ وَقِيمَتُهُ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ ذَلِكَ. [فَصْلٌ فِي التَّفْوِيضِ] ِ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ، وَهُوَ جَعْلُ الْأَمْرِ إلَى غَيْرِهِ، وَيُقَالُ الْإِهْمَالُ، وَمِنْهُ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ فَوْضَى، وَهُوَ قِسْمَانِ: تَفْوِيضُ مَهْرٍ، كَقَوْلِهَا لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي بِمَا شِئْت أَوْ شَاءَ فُلَانٌ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 379 قَالَتْ رَشِيدَةٌ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ. وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ، وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ. وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ.   [مغني المحتاج] وَتَفْوِيضُ بُضْعٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَسُمِّيَتْ الْمَرْأَةُ مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ لِتَفْوِيضِهَا أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ بِلَا مَهْرٍ أَوْ لِأَنَّهَا أَهْمَلَتْ الْمَهْرَ، وَمُفَوَّضَةً بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ فَوَّضَ أَمْرَهَا إلَى الزَّوْجِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ. إذَا (قَالَتْ رَشِيدَةٌ) بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ لِوَلِيِّهَا (زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ) هَا الْوَلِيُّ (وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ) عَنْهُ (فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّفْوِيضِ شَرْعًا: إخْلَاءُ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ وَقَدْ وُجِدَ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي وَسَكَتَتْ عَنْ الْمَهْرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ. وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُعْقَدُ بِالْمَهْرِ غَالِبًا فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ الْإِذْنِ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ تَفْوِيضٌ وَإِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ نَصًّا قَاطِعًا اهـ. وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى، وَالنَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ قَاطِعًا، بَلْ مُحْتَمَلٌ جِدًّا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ نَفْيَ الْمَهْرِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فِي الْحَالِ، وَلَا عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا غَيْرِهِ يَكُونُ تَفْوِيضًا صَحِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إيرَادُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ. وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمُطْلَقَةِ التَّصَرُّفِ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَوْ سَفِهَتْ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا كَانَتْ كَرَشِيدَةٍ فِي التَّصَرُّفِ. فَرْعٌ: لَوْ زَوَّجَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَقَدْ أَذِنَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مَهْرٍ صَحَّ الْمُسَمَّى، أَوْ زَوَّجَهَا بِدُونِهَا أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَهُوَ تَفْوِيضٌ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ عَجِيبٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. ، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُعْطِيَ زَوْجَهَا أَلْفًا وَقَدْ أَذِنَتْ بِذَلِكَ فَمُفَوِّضَةٌ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ نَازَعَ الزَّرْكَشِيُّ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ) غَيْرِ مُكَاتَبَةٍ (زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ) فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَهْرِ فَأَشْبَهَ الرَّشِيدَةَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ لَا يَكُونُ تَفْوِيضًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيضٌ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ فِي الْعَقْدِ يُشْعِرُ بِرِضَاهُ بِدُونِهِ، بِخِلَافِ إذْنِ الْمَرْأَةِ لِلْوَلِيِّ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَالشَّرْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ لَهَا بِالْمَصْلَحَةِ. أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَحُكْمُهَا مَعَ السَّيِّدِ فِي التَّفْوِيضِ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ) لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ. نَعَمْ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوَلِيُّ مِنْ السَّفِيهَةِ الْإِذْنَ فِي تَزْوِيجِهَا. (وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ) وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ لِلْمُفَوَّضَةِ (شَيْءٌ) أَيْ مَهْرٌ (بِنَفْسِ الْعَقْدِ) إذْ لَوْ وَجَبَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 380 فَإِنْ وَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ. وَيُعْتَبَرُ بِحَالِ الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ مَهْرًا، وَحَبْسُ نَفْسِهَا لِيَفْرِضَ، وَكَذَا لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] لِتَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى الصَّحِيحِ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الْمُتْعَةُ، وَالثَّانِي يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ بِهِ لِمَا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِمَهْرٍ كَمَا قَدَّرَتْهُ بَدَلَ شَيْءٍ كَانَ أَوْلَى، إذْ الْعَقْدُ أَوْجَبَ شَيْئًا وَهُوَ مِلْكُهَا الْمُطَالَبَةَ بِأَنْ يَفْرِضَ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي. أَمَّا التَّفْوِيضُ الْفَاسِدُ فَفِيهِ مَهْرُ مِثْلٍ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ (فَإِنْ وَطِئَ) الْمُفَوَّضَةَ (فَمَهْرُ مِثْلٍ) يَجِبُ لَهَا وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ فِي وَطْئِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا مَهْرَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ بَاعَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَلَا مَهْرَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ وَطْئًا بِلَا مَهْرٍ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَكَحَ فِي الْكُفْرِ مُفَوَّضَةً ثُمَّ أَسْلَمَا وَلَوْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِمُفَوَّضَةٍ بِحَالٍ فَلَا تَسْتَحِقُّ مَهْرًا بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ اسْتِحْقَاقُ وَطْءٍ بِلَا مَهْرٍ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ. فَإِنْ قِيلَ: يُخَالِفُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِحُكْمِنَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِذَا أَوْجَبْنَاهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُسْلِمَا مَعَ اعْتِقَادِهِمَا عَدَمَهُ، فَكَيْفَ لَا نُوجِبُهُ إذَا أَسْلَمَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ فِي الْحَرْبِيِّينَ وَمَا هُنَا فِي الذِّمِّيِّينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ لِالْتِزَامِ الذِّمِّيِّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ. (وَيُعْتَبَرُ) مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ (بِحَالِ الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ بِالْوَطْءِ، وَالثَّانِي: بِحَالِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ. وَالْأَوَّلُ: رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي سِرَايَةِ الْعِتْقِ عَنْ اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُعْتَبِرِينَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَكْثَرُ مَهْرِ مِثْلٍ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ بِالْعَقْدِ فِي ضَمَانِهِ وَاقْتَرَنَ بِهِ الْإِتْلَافُ فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ. فَإِنْ قِيلَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَنَاقُضٌ فِي النَّقْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَبِرِينَ هُنَا غَيْرُ الْأَكْثَرِينَ هُنَاكَ (وَلَهَا) عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ (قَبْلَ الْوَطْءِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ) لَهَا (مَهْرًا) لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِأَنَّا إذَا قُلْنَا: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فَمَا مَعْنَى التَّفْوِيضِ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ فَكَيْفَ تَطْلُبُ مَا لَا يَجِبُ لَهَا؟ ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يُلْحِقَ مَا وُضِعَ عَلَى الْإِشْكَالِ بِمَا هُوَ بَيِّنٌ طَلَبَ مُسْتَحِيلًا، وَالْمُطَّلِعُ عَلَى الْحَقَائِقِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. . وَأُجِيبَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا مُلِّكَتْ أَنْ تُطَالِبَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَ) لَهَا أَيْضًا (حَبْسُ نَفْسِهَا) عَنْ الزَّوْجِ (لِيَفْرِضَ) لَهَا مَهْرًا لِمَا مَرَّ (وَكَذَا) . لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا (لِتَسْلِيمِ الْمَفْرُوضِ) الْحَالِّ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا سَامَحَتْ بِالْمَهْرِ فَكَيْفَ تُضَايَقُ بِتَقْدِيمِهِ؟ . أَمَّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 381 وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ الزَّوْجُ. لَا عِلْمُهُمَا بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجُوزُ فَرْضٌ مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ. وَفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ لَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْفَرْضِ أَوْ تَنَازَعَا فِيهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَقْدَ الْبَلَدِ حَالًّا. قُلْت: وَيُفْرَضُ مَهْرُ مِثْلٍ   [مغني المحتاج] الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ (وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ الزَّوْجُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا. فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا فَرَضَ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا فَرَضَ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا حَالًّا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَذَلَهُ لَهَا وَصَدَّقَتْهُ عَلَى أَنَّهُ مَهْرُ مِثْلِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَنُّتٌ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي مَوَاضِعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ اسْتَحَقَّتْ شَطْرَهُ. وَ (لَا) يُشْتَرَطُ (عِلْمُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ تَرَاضَيَا عَلَى مَهْرٍ (بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا، وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقَدْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً وَمَا يُفْرَضُ بَدَلٌ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ. أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَيَجُوزُ فَرْضٌ مُؤَجَّلٌ) بِالتَّرَاضِي (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمُسَمَّى ابْتِدَاءً، وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ ابْتِدَاءً وَلَا مَدْخَلَ لِلتَّأْجِيلِ فِيهِ فَكَذَا بَدَلُهُ. (وَ) يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي فَرْضُ مَهْرٍ (فَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ (إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ) أَيْ الْمَهْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَعَرْضٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَيَجُوزُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَرْتَفِعُ وَتَنْخَفِضُ فَلَا تَتَحَقَّقُ الزِّيَادَةُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ تَعْبِيرُهُ بِفَوْقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. (وَلَوْ امْتَنَعَ) الزَّوْجُ (مِنْ الْفَرْضِ) لَهَا (أَوْ تَنَازَعَا فِيهِ) أَيْ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ أَيْ كَمْ يَفْرِضُ (فَرَضَ الْقَاضِي) لِأَنَّ مَنْصِبَهُ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ (نَقْدَ الْبَلَدِ حَالًّا) كَمَا فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَا مُؤَجَّلًا، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ الْإِلْزَامُ بِمَالٍ حَالٍّ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَلَهَا إذَا فَرَضَهُ حَالًّا تَأْخِيرُ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَائِهَا أَنْ يُنْكَحْنَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَبَعْضُهُ حَالٌّ لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْحَاكِمُ بَلْ يَفْرِضُ حَالًّا وَيُنْقِصُ لِلتَّأْجِيلِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِالْأَجَلِ، وَعَنْ الصَّيْمَرِيِّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ فِي نَاحِيَةٍ بِفَرْضِ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فَرَضَ لَهَا ذَلِكَ اهـ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَفْرِضُ نَقْدًا وَيُنْقِصُ لِذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِالْعَرْضِ (قُلْت: وَيُفْرَضُ مَهْرُ مِثْلٍ) بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لِأَنَّهُ قِيمَةُ الْبُضْعِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. نَعَمْ تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ أَوْ النَّقْصُ الْيَسِيرُ الْوَاقِعُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 382 وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْفَرْضُ الصَّحِيحُ كَمُسَمًّى فَيَتَشَطَّرُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ، وَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا شَطْرَ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُمَا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] مَنْصِبَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ شَاءَا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَا مَا شَاءَا، وَاخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازَ (وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِهِ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) حَتَّى لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقِصَ عَنْهُ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ الْيَسِيرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ مَا يَفْرِضُهُ عَلَى رِضَاهُمَا لِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْهُ. (وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ كَمَا يُؤَدِّي الصَّدَاقَ عَنْ الزَّوْجِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا فَيَجُوزُ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ. فُرُوعٌ: لَا يَصِحُّ إبْرَاءُ الْمُفَوَّضَةِ عَنْ مَهْرِهَا وَلَا إسْقَاطُ فَرْضِهَا قَبْلَ الْفَرْضِ وَالْوَطْءِ فِيهِمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَكَإِسْقَاطِهِ زَوْجَةَ الْمَوْلَى حَقَّهَا مِنْ مُطَالَبَةِ زَوْجِهَا، وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ إبْرَاءٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَبَعْدَهُ إبْرَاءٌ عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَوْ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَأَبْرَأَتْ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهِيَ تَعْرِفُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَتَيَقَّنَتْ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ فَأَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ أَلْفَيْنِ نَفَذَ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ، وَهِيَ أَنْ يُبْرِئَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ مِنْ قَدْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ. (وَالْفَرْضُ) أَيْ الْمَفْرُوضُ (الصَّحِيحُ كَمُسَمًّى) فِي الْعَقْدِ (فَيَتَشَطَّرَ بِطَلَاقٍ) بَعْدَ عَقْدٍ وَ (قَبْلَ وَطْءٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْفَرْضُ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مِنْ الْحَاكِمِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] [الْبَقَرَةُ] أَمَّا الْمَفْرُوضُ الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ فَلَا يَتَشَطَّرُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَ إخْلَاءِ الْعَقْدِ عَنْ الْفَرْضِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ فَاسِدِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ لِعَدَمِ إخْلَاءِ الْعَقْدِ مِنْ الْعِوَضِ (وَلَوْ طَلَّقَ) الزَّوْجُ (قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا شَطْرَ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، وَلَهَا الْمُتْعَةُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (قَبْلَهُمَا) أَيْ الْفَرْضِ وَالْوَطْءِ (لَمْ يَجِبْ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ) كَالطَّلَاقِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ كَالْوَطْءِ فِي تَقْرِيرِ الْمُسَمَّى، فَكَذَا فِي إيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي التَّفْوِيضِ «وَلِأَنَّ بِرْوَعَ بِنْتَ وَاشِقٍ نُكِحَتْ بِلَا مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا، فَقَضَى لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَبِالْمِيرَاثِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَلَّقَ فِي الْأُمِّ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ شَيْخِهِ: مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحَافِظِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ حَضَرْت الشَّافِعِيَّ لَقُمْت عَلَى رُءُوسِ أَصْحَابِهِ وَقُلْت: قَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَقُلْ بِهِ اهـ. وَقَدْ قَالَ بِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ فِي غَيْرِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 383 فَصْلٌ مَهْرُ الْمِثْلِ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا، وَرُكْنُهُ الْأَعْظَمُ نَسَبٌ، فَيُرَاعَى أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ إلَى مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ   [مغني المحتاج] الْحَدِيثِ عِنْدَهُ إذْ ذَاكَ. [فَصْلٌ فِي مَهْرُ الْمِثْلِ] تَنْبِيهٌ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ بِأَكْثَرِ مَهْرِ مِثْلٍ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْوَطْءِ، فَهَلْ هُنَا كَذَلِكَ، أَوْ يُعْتَبَرُ بِحَالِ الْعَقْدِ أَوْ الْمَوْتِ؟ أَوْجُهٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ: أَوْجَهُهَا أَوَّلُهَا لِأَنَّ الْبُضْعَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْعَقْدِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ كَالْوَطْءِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي اعْتِبَارُ الثَّانِي. وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الصَّدَاقِ الْفَاسِدِ وَفِي التَّفْوِيضِ احْتَاجَ إلَى بَيَانِهِ بِمَا يَضْبِطُهُ فَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ. فَصْلٌ أَيْ فِي ضَابِطِ ذَلِكَ (مَهْرُ الْمِثْلِ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا) عَادَةً (وَرُكْنُهُ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ (الْأَعْظَمُ نَسَبٌ) فِي النَّسِيبَةِ لِوُقُوعِ التَّفَاخُرِ بِهِ كَالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَالْمُصَنِّفِ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِالنَّسَبِ مُطْلَقًا، وَمَنَعَ الْقَفَّالُ وَالْعَبَّادِيُّ اعْتِبَارَ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ (فَيُرَاعَى) فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبُ مَهْرُ مِثْلِهَا (أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ) مِنْ نِسَاءِ الْعَصَبَةِ (إلَى مَنْ تُنْسَبُ) هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ (إلَيْهِ) كَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لَا الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ. أَمَّا غَيْرُ النَّسِيبَةِ فَيُعْتَبَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 384 وَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ، فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ أَوْ لَمْ يُنْكَحْنَ أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ فَأَرْحَامٌ كَجَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ، وَيُعْتَبَرُ سِنٌّ وَعَقْلٌ وَيَسَارٌ وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ وَمَا اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ،   [مغني المحتاج] مَهْرُهَا بِالْأَوْصَافِ الْآتِيَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. تَنْبِيهٌ: ضَمِيرُ إلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى مَنْ الثَّانِيَةِ، وَيُرَاعَى فِي نِسَاءِ الْعَصَبَاتِ قُرْبُ الدَّرَجَةِ، وَكَوْنُهُنَّ عَلَى صِفَتِهَا (وَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ) لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ (ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ لِأَنَّ الْمُدْلِيَ بِجِهَتَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُدْلِي بِجِهَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ بَنَاتِ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ وَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَكَذَا بَنَاتُ أَوْلَادِ الْعَمِّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعَمَّةَ تُقَدَّمُ عَلَى بِنْتِ بِنْتِ الْأَخِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ تَرْتِيبُ جِهَةِ الْعُمُومَةِ عَلَى جِهَةِ الْأُخُوَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ كَانَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ بِبَلَدَيْنِ هِيَ فِي أَحَدِهِمَا اُعْتُبِرَ نِسَاءُ بَلَدِهَا، فَإِنْ كُنَّ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا فَالِاعْتِبَارُ بِهِنَّ أَوْلَى مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ فِي الْبَلَدِ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ نُوزِعَا فِيهِ (فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ) مِنْ الْأَصْلِ، أَمَّا لَوْ مُتْنَ اُعْتُبِرْنَ كَالْحَيَاةِ (أَوْ لَمْ يُنْكَحْنَ) أَصْلًا (أَوْ) نُكِحْنَ لَكِنْ (جُهِلَ مَهْرُهُنَّ فَأَرْحَامٌ) لَهَا يُعْتَبَرُ مَهْرُهَا بِهِنَّ تُقَدَّمُ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى مِنْ الْجِهَاتِ، وَكَذَا مِنْ الْجِهَةِ الْوَاحِدَةِ (كَجَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ) لِأَنَّهُنَّ أَوْلَى مِنْ الْأَجَانِبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأُمَّ لَا تُعْتَبَرُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُقَدَّمُ مِنْ نِسَاءِ الْأَرْحَامِ الْأُمُّ ثُمَّ الْجَدَّاتُ ثُمَّ الْخَالَاتُ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخَوَاتِ، ثُمَّ بَنَاتُ الْأَخْوَالِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ: لَوْ اجْتَمَعَتْ أُمُّ أَبٍ وَأُمُّ أُمٍّ فَأَوْجُهٌ. ثَالِثُهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَصَبَاتِهَا مَنْ هِيَ فِي صِفَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي كُنَّ كَالْعَدَمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: فَيُنْتَقَلُ إلَى مَنْ بَعْدَهُنَّ، فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْأَرْحَامِ، أَوْ لَمْ يُنْكَحْنَ أَصْلًا أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ اُعْتُبِرَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، لَكِنْ تُقَدَّمُ أَجْنَبِيَّاتُ بَلَدِهَا، ثُمَّ أَقْرَبُ بَلَدٍ إلَيْهَا، وَتُعْتَبَرُ الْعَرَبِيَّةُ بِعَرَبِيَّةٍ مِثْلِهَا، وَالْبَلَدِيَّةُ بِبَلَدِيَّةٍ مِثْلِهَا، وَالْقَرَوِيَّةُ بِقَرَوِيَّةٍ مِثْلِهَا، وَالْأَمَةُ بِأَمَةٍ مِثْلِهَا فِي خِسَّةِ السَّيِّدِ وَشَرَفِهِ، وَالْعَتِيقَةُ بِعَتِيقَةٍ مِثْلِهَا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ هُنَا قَرَابَاتُ الْأُمِّ لَا ذَوُو الْأَرْحَامِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْأُمِّ لَسْنَ مِنْ الْمَذْكُورِينَ فِي الْفَرَائِضِ قَطْعًا (وَيُعْتَبَرُ) مَعَ مَا تَقَدَّمَ (سِنٌّ) وَعِفَّةٌ (وَعَقْلٌ) وَجَمَالٌ (وَيَسَارٌ) وَفَصَاحَةٌ (وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ) وَهِيَ مَصْدَرٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ (وَمَا اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ) كَالْعِلْمِ وَالشَّرَفِ؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْجَمَالُ، وَكَذَا الْمَالُ فِي الْكَفَاءَةِ، لِأَنَّ مَدَارَهَا عَلَى دَفْعِ الْعَارِ، وَمَدَارَ الْمَهْرِ عَلَى الرَّغَبَاتِ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَيُعْتَبَرُ مَهْرُ نِسْوَةٍ شَارَكَتْهُنَّ الْمَطْلُوبُ مَهْرُهَا فِي شَيْءٍ ذُكِرَ. قَالَ الْفَارِقِيُّ: بَعْدَ ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ أَيْضًا مِنْ يَسَارٍ وَعِلْمٍ وَعِفَّةٍ وَنَحْوِهَا. قَالَ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِسَاءِ الْعَصَبَةِ بِصِفَتِهَا وَزَوَّجَهَا مِثْلَ زَوْجِهَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصِّفَاتِ اُعْتُبِرَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 385 فَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضْلٍ أَوْ نَقْصٍ زِيدَ أَوْ نُقِصَ لَائِقٌ فِي الْحَالِ، وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ لَمْ تَجِبْ مُوَافَقَتُهَا، وَلَوْ خَفَضْنَ لِلْعَشِيرَةِ فَقَطْ اُعْتُبِرَ. وَفِي وَطْءِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ يَوْمَ الْوَطْءِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ فَمَهْرٌ فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ. قُلْت: وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَهْرٌ، فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا   [مغني المحتاج] (فَإِنْ اخْتَصَّتْ) أَيْ انْفَرَدَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ (بِفَضْلٍ) أَيْ صِفَةِ كَمَالٍ مِمَّا ذُكِرَ (أَوْ نَقْصٍ) عَنْهُ (زِيدَ) فِي مَهْرِهَا فِي صُورَةِ الْفَضْلِ (أَوْ نُقِصَ) مِنْهُ فِي صُورَةِ النَّقْصِ (لَائِقٌ بِالْحَالِ) أَيْ حَالِ الْمَرْأَةِ الْمَطْلُوبِ مَهْرُهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ، فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ مَنُوطٌ بِهِ فَيُقَدِّرُهُ بِاجْتِهَادِهِ صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا لَمْ يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَحَصَلَ تَنَازُعٌ (وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُنَّ (لَمْ تَجِبْ) عَلَى الْبَاقِيَاتِ (مُوَافَقَتُهَا) اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْمُسَامَحَةُ لِنَقْصِ نَسَبٍ يُفَتِّرُ الرَّغْبَةَ اُعْتُبِرَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهَذَا قَدْ يُعْلَمُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ (وَلَوْ خَفَضْنَ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْمَهْرِ (لِلْعَشِيرَةِ) أَيْ الْأَقَارِبِ (فَقَطْ) أَوْ الشَّرِيفِ أَوَالْعَالِمُ أَوْ الشَّابِّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (اُعْتُبِرَ) ذَلِكَ فِي الْمَطْلُوبِ مَهْرُهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ ذُكِرَ دُونَ غَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَكْسُهُ لَشَمِلَ مُسَامَحَةَ غَيْرِ الْعَشِيرَةِ دُونَ الْعَشِيرَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ: وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْقَبِيلَةِ الدَّنِيئَةِ، وَلَوْ كَانَتْ النِّسَاءُ الْمُعْتَبَرَاتُ يُنْكَحْنَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِصَدَاقٍ بَعْضُهُ مُؤَجَّلٌ وَبَعْضُهُ حَالٌّ لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْحَاكِمُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ يُنْقِصُ مَا يَلِيقُ بِالْأَجَلِ. (وَ) يَجِبُ (فِي وَطْءِ نِكَاحٍ) أَوْ شِرَاءٍ (فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ (يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (الْوَطْءِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعَقْدِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِفَسَادِهِ (فَإِنْ تَكَرَّرَ) وَطْءٌ فِيمَا ذُكِرَ (فَمَهْرٌ) وَاحِدٌ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ، وَالشُّبْهَةُ شَامِلَةٌ لِلْكُلِّ فَأَشْبَهَتْ النِّكَاحَ، وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ (فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ) الَّتِي لِلْمَوْطُوءَةِ حَالَ وَطْئِهَا كَأَنْ يَطَأَهَا سَمِينَةً وَهَزِيلَةً فَيَجِبُ مَهْرُ تِلْكَ الْحَالَةِ الْعُلْيَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْوَطْأَةُ الْوَاقِعَةُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَوَجَبَ ذَلِكَ الْمَهْرُ، فَالْوَطَآتُ الْبَاقِيَةُ إذَا لَمْ تُوجِبْ زِيَادَةً لَا تُوجِبْ نَقْصًا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: أَنْ يَحْصُلَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ قَضَاءُ الْوَطَرِ مَعَ تَعَدُّدِ الْأَزْمِنَةِ، فَلَوْ كَانَ يَنْزِعُ وَيَعُودُ وَالْأَفْعَالُ مُتَوَاصِلَةٌ وَلَمْ يَقْضِ الْوَطَرَ إلَّا آخِرًا فَهُوَ وِقَاعٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ. أَمَّا إذَا لَمْ تَتَوَاصَلْ الْأَفْعَالُ فَتَعَدُّدُ الْوَطَآتِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ وَطَرَهُ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ) كَأَنْ ظَنَّ الْمَوْطُوءَةَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ (فَمَهْرٌ) وَاحِدٌ فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ لِشُمُولِ الشُّبْهَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ وَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ إلَخْ لَاسْتَغْنَى عَنْ تَقْيِيدِ كَلَامِهِ بِأَعْلَى الْأَحْوَالِ، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّحَادَ بِمَا إذَا لَمْ يَغْرَمْ الْمَهْرَ، فَإِنْ غَرِمَ ثُمَّ وَطِئَ لَزِمَهُ مَهْرٌ آخَرُ (فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 386 تَعَدَّدَ الْمَهْرُ. وَلَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً عَلَى زِنًا تَكَرَّرَ الْمَهْرُ. وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْأَبِ وَالشَّرِيكِ وَسَيِّدٍ مُكَاتَبَةً فَمَهْرٌ، وَقِيلَ مُهُورٌ، وَقِيلَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَمَهْرٌ، وَإِلَّا فَمُهُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] أَيْ الشُّبْهَةِ كَأَنْ وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَمَتَهُ (تَعَدَّدَ الْمَهْرُ) لِتَعَدُّدِ الْوَطَآتِ؛ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الشُّبْهَةِ كَالْأَنْكِحَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَدَّدَتْ الشُّبْهَةُ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فَوَطِئَهَا فَبَانَ الْحَالُ ثُمَّ ظَنَّهَا كَذَلِكَ فَوَطِئَهَا تَعَدَّدَ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْجِنْسَ وَاحِدٌ، فَلَوْ عَبَّرَ بِتَعَدُّدِ الشُّبْهَةِ دُونَ الْجِنْسِ لِيَشْمَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ كَانَ أَوْلَى. (وَ) لَوْ فُقِدَتْ الشُّبْهَةُ كَمَا (لَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ) وَطِئَ (مُكْرَهَةً عَلَى زِنًا تَكَرَّرَ الْمَهْرُ) فَيَجِبُ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ الْمُلْحَقَةِ بِالنِّكَاحِ وَالْوُجُوبُ هُنَا بِإِتْلَافٍ وَقَدْ تَعَدَّدَ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَغْصُوبَةِ بِكَوْنِهَا مُكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ، لِأَنَّ الْمُطَاوَعَةَ لَا مَهْرَ لَهَا لِأَنَّهَا بَغِيٌّ، وَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ عَطْفِ الْمُكْرَهَةِ عَلَيْهَا. نَعَمْ إنْ طَاوَعَتْهُ، وَلَكِنْ اخْتَصَّتْ الشُّبْهَةُ بِهَا دُونَهُ فَهُنَا يَظْهَرُ التَّعَدُّدُ فِي حَقِّهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مَحْضٌ مِنْ جِهَتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ مِنْهُ، وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ الْجَهْلِ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْمَهْرُ، فَإِنْ وَطِئَ مَرَّةً عَالِمًا وَمَرَّةً جَاهِلًا فَمَهْرَانِ. (وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْأَبِ) جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَلَمْ يَحْصُلُ بِالْأَوَّلِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إحْبَالٌ أَيْ وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ أَوْ تَكَرَّرَ (وَ) طْءُ (الشَّرِيكِ) الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَوْ تَكَرَّرَ (وَ) طْءُ (سَيِّدٍ مُكَاتَبَةً) لَهُ وَلَمْ يُحْبِلْهَا (فَمَهْرٌ) وَاحِدٌ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّ شُبْهَتَيْ الْإِعْفَافِ وَالْمِلْكِ يَعُمَّانِ الْوَطَآتِ (وَقِيلَ) يَجِبُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (مُهُورٌ) بِعَدَدِ الْوَطَآتِ (وَقِيلَ) وَهُوَ رَأْيُ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ (إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَمَهْرٌ) فَقَطْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَّحِدْ (فَمُهُورٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْقِطَاعِ كُلِّ مَجْلِسٍ عَنْ الْآخَرِ. أَمَّا إذَا أَحْبَلَ الْأَبُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ فَلَا يَتَعَدَّدُ الْمَهْرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَحْبَلَهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ فَتَكَرُّرُ الْوَطْءِ إنَّمَا وَقَعَ فِي مِلْكِهِ. بَلْ إذَا أَنْزَلَ قَبْلَ دُخُولِ الْحَشَفَةِ فِي الْوَطْءِ الْأَوَّلِ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَةَ تَخَيَّرَتْ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالتَّعْجِيزِ، وَتَصِيرُ حِينَئِذٍ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَهْرَ فَوَطِئَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً خُيِّرَتْ، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْمَهْرَ وَجَبَ مَهْرٌ آخَرُ، وَكَذَا سَائِرُ الْوَطَآتِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، حَكَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ هِيَ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ اتَّحَدَ الْمَهْرُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْوَطَآتِ رُوعِيَ أَعْلَى أَحْوَالِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 387 فَصْلٌ الْفُرْقَةُ قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ الْمَهْرَ. وَمَا لَا كَطَلَاقٍ وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ أَوْ أُمِّهَا يُشَطِّرُهُ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ] َ، وَمَا يَشْطُرُهُ، وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا (الْفُرْقَةُ) فِي الْحَيَاةِ (قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا) هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفُرْقَةِ أَيْ الْفُرْقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَإِسْلَامِهَا بِنَفْسِهَا، أَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ كَإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْمُتْعَةِ أَوْ فَسْخِهَا بِعَيْبِهِ، أَوْ بِعِتْقِهَا تَحْتَ رَقِيقٍ، أَوْ رِدَّتِهَا، أَوْ إرْضَاعِهَا زَوْجَةً لَهُ صَغِيرٌ (أَوْ) لَا مِنْ جِهَتِهَا بَلْ (بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ الْمَهْرَ) الْمُسَمَّى ابْتِدَاءً وَالْمَفْرُوضَ الصَّحِيحَ وَمَهْرَ الْمِثْلِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِخَةَ، فَهِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْفُرْقَةِ فَكَأَنَّهَا أَتْلَفَتْ الْمُعَوِّضَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَقَطَ الْعِوَضُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ الْمَبِيعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْفَاسِخَ بِعَيْبِهَا فَكَأَنَّهَا هِيَ الْفَاسِخَةُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي إذَا كَانَ إسْلَامُهَا تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا أَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِإِفْسَادِهِ نِكَاحَ غَيْرِهِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ إذَا أَفْسَدَتْ بِرَضَاعِهَا النِّكَاحَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لَنُفِّرَ عَنْ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُرْضِعَةِ، وَأَيْضًا الْمُرْضِعَةُ قَدْ تَأْخُذُ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا فَيَنْجَبِرُ مَا تَغْرَمُهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَسْخَهُ بِعَيْبِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ وَالْحَادِثِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمُقَارِنِ وَجَعَلَ الْحَادِثَ كَالطَّلَاقِ. (وَمَا لَا) أَيْ وَاَلَّتِي لَا يَكُونُ مِنْهَا وَلَا بِسَبَبِهَا (كَطَلَاقٍ) وَخُلْعٍ وَلَوْ بِاخْتِيَارِهَا كَأَنْ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَفَعَلَتْ (وَإِسْلَامِهِ) وَلَوْ تَبَعًا (وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ) لَهَا (أَوْ) إرْضَاعِ (أُمِّهَا) لَهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ (يُشَطِّرُهُ) أَيْ يُنَصِّفُ الْمَهْرَ. أَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَلِآيَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] [الْبَقَرَةُ] . وَأَمَّا الْبَاقِي فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: كَطَلَاقٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَدْخُلُ فِيهِ الْبَائِنُ وَالرَّجْعِيُّ اهـ. وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ: الرَّجْعِيُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأُجِيبَ بِتَصَوُّرِ الرَّجْعَةِ بِاسْتِدْخَالِهَا الْمَنِيَّ. الثَّانِي: فِي تَعْبِيرِهِ بِالْإِرْضَاعِ دُونَ الرَّضَاعِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْفِعْلِ، فَلَوْ دَبَّتْ زَوْجَتُهُ الصَّغِيرَةُ وَارْتَضَعَتْ أُمَّهُ لَمْ تَسْتَحِقَّ الشَّطْرَ لِانْفِسَاخِهِ بِفِعْلِهَا. الثَّالِثُ: ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِثَالًا لَا قَيْدًا، فَلَوْ أَرْضَعَتْ ابْنَتُهُ زَوْجَةً لَهُ صَغِيرَةً أَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ زَوْجَةٍ زَوْجًا صَغِيرًا لَهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. الرَّابِعُ: سَكَتَ عَمَّا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا، هَلْ هُوَ كَرِدَّتِهَا فَلَا يُشَطِّرُهُ أَوْ كَرِدَّتِهِ فَيُشَطِّرُهُ؟ وَجْهَانِ: صَحَّحَ الْأَوَّلَ الرُّويَانِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَ الثَّانِيَ الْمُتَوَلِّي وَالْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ أَوْجَهُ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُتْعَةِ: وَلَوْ ارْتَدَّا مَعًا فَفِي وُجُوبِهَا وَجْهَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 388 ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّجُوعِ، وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ،   [مغني المحتاج] كَالْوَجْهَيْنِ فِي التَّشْطِيرِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ. فَهِمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ التَّصْحِيحَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِلْمُتْعَةِ فَقَطْ، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْقَمُولِيُّ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ جَعَلْتُمْ عَيْبَهَا كَفَسْخِهَا لِكَوْنِهِ سَبَبَ الْفَسْخِ وَلَمْ تَجْعَلُوا عَيْبَهُ كَفَسْخِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ بَذَلَ الْعِوَضَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً فَالْفَسْخُ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ إذْ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ حَقُّهُ وَالزَّوْجَةُ لَمْ تَبْذُلْ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعِ الزَّوْجِ وَالْعِوَضُ الَّذِي مَلَكَتْهُ سَلِيمٌ، فَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا فَسْخَ لَهَا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ لَهَا الْفَسْخَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِذَا اخْتَارَتْهُ لَزِمَهَا رَدُّ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ وَشِرَاؤُهَا زَوْجَهَا يُسْقِطُ جَمِيعَ الْمَهْرِ. قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ: لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَمْ يَقْبِضْهُ وَالسَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى رَقِيقِهِ مَالٌ. أَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَقَبَضَتْهُ وَأَدَّاهُ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِهِ، أَوْ أَدَّاهُ عَنْهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى سَيِّدِهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا تُشَطَّرُ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ لَا تَشْطِيرَ لَغَا الشَّرْطُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ وَنَفَى الْوَلَاءَ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْحَيَاةِ الْفُرْقَةُ بِالْمَوْتِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَوْتَ مُقَرِّرٌ لِلْمَهْرِ. وَمِنْ صُوَرِ الْمَوْتِ مَا لَوْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَجَرًا، فَإِنْ مُسِخَ أَحَدُهُمَا حَيَوَانًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَفِي التَّدْرِيبِ أَنَّهُ يَحْصُلُ الْفُرْقَةُ، وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ لِلزَّوْجِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ تَمَلُّكِهِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَيَبْقَى لِلزَّوْجَةِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ تَنْزِيلُ مَسْخِهِ حَيَوَانًا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: فَيَبْقَى لِلزَّوْجَةِ، الْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ تَحْتَ يَدِ الْحَاكِمِ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَيُعْطَى لِوَارِثِهِ أَوْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ كَمَا كَانَ فَيُعْطَى لَهُ. قَالَ: وَإِنْ مُسِخَتْ الزَّوْجَةُ حَيَوَانًا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ جِهَتِهَا وَعَادَ كُلُّ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَشْطِيرَ، إذْ لَا مَهْرَ، وَلَا يَرُدُّ قَتْلُ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا أَوْ الزَّوْجِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ارْتِفَاعُ النِّكَاحِ مَعَ بَقَائِهِمَا. نَعَمْ يُرَدُّ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ مَالِكِهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْمَهْرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا بِسَبَبِهَا كَمَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ زَوْجَةَ أَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ فَوَطِئَهَا مَالِكُهَا أَوْ رَضَعَتْ الْمَالِكَةُ أَمَتَهَا الْمُزَوَّجَةَ الرَّقِيقَ. (ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (خِيَارَ الرُّجُوعِ) فِي النِّصْفِ إنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهِ وَتَمَلَّكَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ كَالشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ سِوَى الْإِرْثِ، وَهَذَا الْخِيَارُ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَهُ كَخِيَارِ الْوَاهِبِ (وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ) أَيْ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْمُعَيَّنِ إلَى الزَّوْجِ (بِنَفْسِ الطَّلَاقِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ هَذَا إنْ دَفَعَهُ الزَّوْجُ أَوْ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ عَنْهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ سَفِيهٌ وَإِلَّا فَيَعُودُ إلَى الْمُؤَدِّي وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّهُ يَعُودُ لِلزَّوْجِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الَّذِي أَوْرَدَهُ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَغَيْرُ الطَّلَاقِ مِنْ الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كَالطَّلَاقِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا سَلَّمَ الْعَبْدُ الصَّدَاقَ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ أَدَّاهُ السَّيِّدُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ النِّصْفَ يَعُودُ إلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ طَلَّقَ فَالْعَائِدُ لِلْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى، وَلِلْعَتِيقِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فَعَلَى الصَّحِيحِ يَسْقُطُ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ بِالِاخْتِيَارِ، وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ وَالْمُؤَدَّى بَاقٍ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 389 فَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ فَلَهُ. وَإِنْ طَلَّقَ وَالْمَهْرُ تَالِفٌ فَنِصْفُ بَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا، فَإِنْ قَنِعَ بِهِ وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا، وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلَا خِيَارٍ، فَإِنْ عَابَ بِجِنَايَةٍ وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْأَرْشِ. وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ،   [مغني المحتاج] نِصْفِهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فِي الصَّدَاقِ نَقْصٌ وَلَا زِيَادَةٌ (فَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ) أَيْ الطَّلَاقِ أَوْ مَا ذُكِرَ مَعَهُ (فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ كُلُّ الزِّيَادَةِ إذَا عَادَ إلَيْهِ كُلُّ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفُهَا إذَا عَادَ إلَيْهِ النِّصْفُ لِحُدُوثِهَا فِي مِلْكِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَّصِلَةً أَمْ مُنْفَصِلَةً، فَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ الْفِرَاقِ وَلَوْ بِلَا عُدْوَانٍ وَكَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ فَلَهُ كُلُّ الْأَرْشِ أَوْ نِصْفُهُ، فَإِنْ ادَّعَتْ حُدُوثَ النَّقْصِ قَبْلَ الطَّلَاقِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَأَشَارَ إلَى تَغْيِيرِهِ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ. (وَإِنْ) فَارَقَ لَا بِسَبَبِهَا كَأَنْ (طَلَّقَ وَالْمَهْرُ تَالِفٌ) بَعْدَ قَبْضِهِ (فَنِصْفُ بَدَلِهِ) لَهُ (مِنْ مِثْلٍ) فِي الْمِثْلِيِّ (أَوْ قِيمَةٍ) فِي الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَأَخَذَ نِصْفَهُ، فَإِذَا فَاتَ رَجَعَ بِنِصْفِ بَدَلِهِ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ تَسَاهُلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ قِيمَةُ النِّصْفِ، وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ نَبَّهَ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ قَدْ عَبَّرُوا بِكُلٍّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ، وَهَذَا مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُؤَدَّاهُمَا عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ بِأَنْ يُرَادَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ نِصْفُ قِيمَةِ كُلٍّ مِنْ النِّصْفَيْنِ مُنْفَرِدًا لَا مُنْضَمًّا إلَى الْآخَرِ فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ النِّصْفِ، أَوْ بِأَنْ يُرَادَ بِقِيمَةِ النِّصْفِ قِيمَتُهُ مُنْضَمًّا لَا مُنْفَرِدًا فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا رِعَايَةً لِلزَّوْجِ كَمَا رُوعِيَتْ الزَّوْجَةُ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا فِيمَا يَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ بَاقِيًا بِحَالِهِ فَلَيْسَ لَهَا إبْدَالُهُ وَإِنْ أَدَّاهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ إلَّا بِرِضَاهُ. (وَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا) قَبْلَ الْفِرَاقِ (فَإِنْ قَنِعَ) الزَّوْجُ (بِهِ) أَيْ النِّصْفِ مَعِيبًا، فَلَا أَرْشَ لَهُ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا) وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَمِثْلُ نِصْفِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرِّضَا بِالْمَعِيبِ فَلَهُ الْعُدُولُ إلَى بَدَلِهِ (وَإِنْ تَعَيَّبَ) بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (قَبْلَ قَبْضِهَا) لَهُ وَقَنِعَتْ بِهِ (فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلَا) أَرْشٍ وَلَا (خِيَارٍ) لِأَنَّهُ حَالَةَ نَقْصِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ (فَإِنْ عَابَ) بِأَنْ صَارَ ذَا عَيْبٍ (بِجِنَايَةٍ) مِنْ أَجْنَبِيٍّ تَضْمَنُ جِنَايَتَهُ (وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا) أَوْ عَفَّتْ عَنْ أَخْذِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي هِبَةِ الصَّدَاقِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْأَرْشِ) مَعَ نِصْفِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْفَائِتِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأَرْشِ كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لَا يَضْمَنُ، فَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ مِمَّا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي إتْلَافِ جَمِيعِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَلِفَ الْبَعْضُ فِي يَدِهَا كَأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَخَذَتْ نِصْفَ الْمَوْجُودِ وَنِصْفَ بَدَلِ الْمَفْقُودِ. (وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ) حَدَثَتْ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ كَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ وَأُجْرَةٍ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا، وَالطَّلَاقُ إنَّمَا يَقْطَعُ مِلْكَهَا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ، وَسَوَاءٌ أَحَدَثَتْ فِي يَدِهِ أَمْ يَدِهَا، وَيَخْتَصُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 390 وَلَهَا خِيَارٌ فِي مُتَّصِلَةٍ، فَإِنْ شَحَّتْ فَنِصْفُ قِيمَةٍ بِلَا زِيَادَةٍ، وَإِنْ سَمَحَتْ لَزِمَهُ الْقَبُولُ. وَإِنْ زَادَ وَنَقَصَ كَكِبَرِ عَبْدٍ وَطُولِ نَخْلَةٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ مَعَ بَرَصٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا بِنِصْفِ الْعَيْنِ، وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَةٍ، وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ نَقْصٌ،   [مغني المحتاج] الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الْأَصْلِ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَلَدَ أَمَةٍ لَمْ يُمَيِّزْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ، بَلْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْأَمَةِ لِحُرْمَةِ التَّفْرِيقِ، فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا أَخَذَ نِصْفَهَا، فَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالْوِلَادَةِ فِي يَدِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ، أَوْ فِي يَدِهِ أَخَذَ نِصْفَهَا نَاقِصًا، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ حَمْلًا عِنْدَ الْإِصْدَاقِ رَجَعَ فِي نِصْفِهِ إنْ رَضِيَتْ مَعَ نِصْفِ الْأُمِّ، وَإِلَّا فَقِيمَةُ نِصْفِهِ يَوْمَ الِانْفِصَالِ مَعَ قِيمَةِ نِصْفِهَا (وَلَهَا خِيَارٌ فِي) زِيَادَةٍ (مُتَّصِلَةٍ) كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ حِرْفَةٍ، وَلَيْسَ خِيَارُهَا فَوْرًا، بَلْ إنْ طَلَبَهُ الزَّوْجُ كُلِّفَتْ فَوْرًا اخْتِيَارَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ شَحَّتْ) فِيهَا (فَنِصْفُ قِيمَةٍ) لِلْمَهْرِ بِأَنْ يُقَوَّمَ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَيُعْطَى الزَّوْجُ نِصْفَهُ (بِلَا زِيَادَةٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ دُونَهَا، فَجُعِلَ الْمَفْرُوضُ كَالْهَالِكِ (وَإِنْ سَمَحَتْ) بِهَا (لَزِمَهُ الْقَبُولُ) لِلزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ بَدَلِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَعَ زِيَادَةٍ لَا تَتَمَيَّزُ وَلَا تُفْرَدُ بِالتَّصَرُّفِ، بَلْ هِيَ تَابِعَةٌ، فَلَا تَعْظُمُ فِيهَا الْمِنَّةُ. تَنْبِيهٌ: الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ إلَّا هُنَا، وَفَرَّقُوا بِفُرُوقٍ. مِنْهَا أَنَّ الزَّوْجَ مُتَّهَمٌ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَمِنْهَا، وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ هَذَا الْعَوْدَ ابْتِدَاءُ تَمَلُّكٍ لَا فَسْخٌ، بِخِلَافِ الْعَوْدِ فِي غَيْرِ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُ فَسْخٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ حِينِهِ، فَإِنْ رَفَعَ مِنْ أَصْلِهِ فَكَأَنْ لَا عَقْدَ، أَوْ مِنْ حِينِهِ فَالْفَسْخُ شَبِيهٌ بِالْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ تَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ، فَكَذَا فِي الْفَسْخِ، وَلِكَوْنِ الْعَوْدِ هُنَا ابْتِدَاءَ تَمْلِيكٍ لَا فَسْخًا. لَوْ أَمْهَرَ الْعَبْدُ مِنْ كَسْبِهِ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ طَلَّقَ عَادَ الشَّطْرُ إلَيْهِ، لَا إلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَسْخِ لَعَادَ إلَى الَّذِي خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِي الصَّدَاقِ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الزَّوْجِ بِزِيَادَتِهِ، وَإِطْلَاقُهُمْ يُنَافِيهِ. (وَإِنْ زَادَ) الْمَهْرُ (وَنَقَصَ) إمَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ (كَكِبَرِ عَبْدٍ) بِحَيْثُ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ (وَطُولِ نَخْلَةٍ) بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى هَرَمِهَا وَقِلَّةِ ثَمَرِهَا، فَالنَّقْصُ فِي الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْغَوَائِلَ وَيَقْبَلُ التَّأْدِيبَ وَالرِّيَاضَةَ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الشَّدَائِدِ وَالْأَسْفَارِ وَأَحْفَظُ لِمَا يُسْتَحْفَظُ، وَالنَّقْصُ فِي النَّخْلَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ ثَمَرَتَهَا تَقِلُّ، فَإِنْ لَمْ تَقِلَّ فَطُولُهَا زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ، وَالزِّيَادَةُ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْحَطَبِ (وَ) إمَّا بِسَبَبَيْنِ نَحْوِ (تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) مَقْصُودَةٍ فِي الْعَبْدِ (مَعَ) عَيْبٍ نَحْوِ (بَرَصٍ) وَعَوَرٍ (فَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ الزَّوْجَانِ عَلَى الرُّجُوعِ (بِنِصْفِ الْعَيْنِ) فَذَاكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَةٍ) لِلْعَيْنِ خَالِيَةٍ عَنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ وَلَا تُجْبَرُ هِيَ عَلَى دَفْعِ نِصْفِ الْعَيْنِ لِلزِّيَادَةِ وَلَا هُوَ عَلَى قَبُولِهِ لِلنَّقْصِ (وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ نَقْصٌ) مَحْضٌ لِأَنَّهَا تَسْتَوْفِي قُوَّةَ الْأَرْضِ غَالِبًا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى رَدِّ نِصْفِ الْعَيْنِ وَتَرْكِ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ فَذَاكَ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ بِلَا أُجْرَةٍ؛ لِأَنَّهَا زَرَعَتْ مِلْكَهَا الْخَالِصَ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 391 وَحَرْثُهَا زِيَادَةٌ، وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ. وَقِيلَ: الْبَهِيمَةُ زِيَادَةٌ، وَإِطْلَاعُ نَخْلٍ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ، فَإِنْ قَطَفَتْ تَعَيَّنَ نِصْفُ النَّخْلِ، وَلَوْ رَضِيَ بِنِصْفِ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جِدَادِهِ أُجْبِرَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِيرُ النَّخْلُ فِي يَدِهَا،   [مغني المحتاج] الْأَرْضِ بِلَا زِرَاعَةٍ (وَحَرْثُهَا) إذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلزِّرَاعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (زِيَادَةٌ) لِأَنَّهُ هَيَّأَهَا لِلزَّرْعِ الْمُعَدَّةِ لَهُ، أَمَّا الْمُعَدَّةُ لِلْبِنَاءِ فَحَرْثُهَا نَقْصٌ لِأَنَّهُ يُشَعِّثُهَا، فَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِالنَّاقِصَةِ أُجْبِرَتْ عَلَى تَسْلِيمِهَا لَهُ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الْمُحَرَّرِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَطْلَقَ لِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ الزَّرْعِ فَأَشْعَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ (وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ) لِتَوَقُّعِ الْوَلَدِ (وَنَقْصٌ) لِلضَّعْفِ حَالًا وَخَوْفِ الْمَوْتِ مَآلًا وَلِرَدَاءَةِ لَحْمِ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ، وَلِهَذَا رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي أُضْحِيَّةٍ (وَقِيلَ الْبَهِيمَةُ) أَيْ حَمْلُهَا (زِيَادَةٌ) مَحْضَةٌ لِانْتِفَاءِ خَطَرِ الْوِلَادَةِ فِيهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الْإِمَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا حَائِلًا فَحَمَلَتْ فِي يَدِهِ وَوَلَدَتْ فِي يَدِهَا وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِالْوِلَادَةِ، فَهَلْ النَّقْصُ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ فِي يَدِهِ أَوْ مِنْ ضَمَانِهَا وَلَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ عِنْدَهَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا يَخْفَى نَظَائِرُهَا أَيْ كَقَتْلِ الْمَبِيعِ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ عَلَى قَبْضِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ (وَإِطْلَاعُ نَخْلٍ) أَيْ لَمْ يُؤَبَّرْ بَعْدَ الْإِصْدَاقِ (زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ) أَيْ كَالْمُتَّصِلَةِ فَتَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ الرُّجُوعِ الْقَهْرِيِّ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهَا، فَإِنْ رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِأَخْذِ الزَّوْجِ نِصْفَ النَّخْلِ مَعَ الطَّلْعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالسَّمْنِ فِي الْبَهِيمَةِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ) أَيْ النَّخْلِ الْمُصْدَقِ (ثَمَرٌ) حَدَثَ طَلْعُهُ بَعْدَ الْإِصْدَاقِ (مُؤَبَّرٌ) بِأَنْ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ (لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ) أَيْ قَطْعُهُ لِيَرْجِعَ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهَا فَتَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهُ إلَى الْجِدَادِ، وَلَوْ طَلَّقَ بَعْدَ وَقْتِ جِدَادِ الثَّمَرَةِ لَزِمَهَا قَطْعُهُ لِيَأْخُذَ نِصْفَ الشَّجَرِ، وَكَذَا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ أَخْضَرَ كَالْحِصْرِمِ كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُهُمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ (فَإِنْ قَطَفَتْ) أَوْ قَالَتْ لَهُ: ارْجِعْ وَأَنَا أَقْطَعُهُ عَنْ النَّخْلِ (تَعَيَّنَ نِصْفُ النَّخْلِ) إنْ لَمْ يَحْصُلُ نَقْصٌ بِقَطْعِهِ كَكَسْرِ غُصْنٍ وَلَمْ يَمْتَدَّ زَمَنُ قَطْعِهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَوْ رَضِيَ) الزَّوْجُ (بِنِصْفِ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جِدَادِهِ أُجْبِرَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِيرُ النَّخْلُ) بَعْدَ إجْبَارِهَا (فِي يَدِهَا) كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ. وَالثَّانِي: لَا تُجْبَرُ، وَرَجَّحَهُ جَمْعٌ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُهَا السَّقْيَ إنْ أَرَادَتْهُ لِتَنْمِيَةِ الثَّمَرَةِ عِنْدَ إضْرَارِهِ بِالشَّجَرِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَبَضَ النِّصْفَ شَائِعًا بِحَيْثُ بَرِئَتْ مِنْ ضَمَانِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَنَا أَرْضَى بِنِصْفِ النَّخْلِ وَأُؤَخِّرُ الرُّجُوعَ إلَى بَعْدِ الْجِدَادِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ، وَإِنْ أَبْرَأَهَا عَنْ الضَّمَانِ، بِأَنْ قَالَ أَرْجِعُ وَيَكُونُ نَصِيبِي وَدِيعَةً عِنْدَك، وَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ ضَمَانٍ لِأَنَّ نَصِيبَهُ يَكُونُ مَضْمُونًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 392 وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَالْقِيمَةُ. وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ أَوْ لَهَا لَمْ يَمْلِكْ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو الِاخْتِيَارِ. وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةٍ اُعْتُبِرَ الْأَقَلُّ مِنْ يَوْمَيْ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ.   [مغني المحتاج] عَلَيْهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالْإِبْرَاءِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ ضَمَانِ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا بَاطِلٌ (وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَخْذِ الزَّوْجِ نِصْفَ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جَدَادِهِ (فَلَهُ الِامْتِنَاعُ) مِنْهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ (وَ) لَهُ (الْقِيمَةُ) أَيْ طَلَبُهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ مُعَجَّلًا فَلَا يُؤَخَّرُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَالتَّأْخِيرُ بِالتَّرَاضِي جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ فَلَوْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ عَمَّا رَضِيَ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ لَا يُلْزَمُ، وَلَوْ وَهَبَتْهُ نِصْفَ الثِّمَارِ لِيَشْتَرِكَا فِي الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. فَرْعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا نَخْلَةً مَعَ ثَمَرَتِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَزِدْ الصَّدَاقُ رَجَعَ فِي نِصْفِ الْجَمِيعِ، وَإِنْ قُطِعَتْ الثَّمَرَةُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَدَاقٌ، وَيَرْجِعُ أَيْضًا فِي نِصْفِ الْكُلِّ مَنْ أَصْدَقَ نَخْلَةً مُطْلِعَةً وَطَلَّقَ وَهِيَ مُطْلِعَةٌ، فَإِنْ أُبِّرَتْ ثُمَّ طَلَّقَ رَجَعَ فِي نِصْفِ الشَّجَرَةِ، وَكَذَا فِي نِصْفِ الثَّمَرَةِ إنْ رَضِيَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ زَادَتْ، وَإِلَّا أَخَذَ نِصْفَ الشَّجَرَةِ مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الطَّلْعِ. تَنْبِيهٌ: تَنَاثُرُ نَوْرِ الشَّجَرِ وَظُهُورُ مَا يَبْرُزُ بِلَا نَوْرٍ كَالتَّأْبِيرِ. (وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ) بِسَبَبِ نَقْصِ الصَّدَاقِ (أَوْ لَهَا) بِسَبَبِ زِيَادَتِهِ، أَوْ لَهُمَا بِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ (لَمْ يَمْلِكْ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو) أَيْ صَاحِبُ (الِاخْتِيَارِ) إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ لَهُمَا اُعْتُبِرَ تَوَافُقُهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا الِاخْتِيَارَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، لَكِنْ إذَا طَلَبَهُ الزَّوْجُ كُلِّفَتْ الزَّوْجَةُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا، وَلَا يُعَيِّنُ الزَّوْجُ فِي طَلَبِهِ عَيْنًا وَلَا قِيمَةً؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُنَاقِضُ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إلَيْهَا بَلْ يُطَالِبُهَا بِحَقِّهِ عِنْدَهَا. فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِاخْتِيَارِ لَمْ تُحْبَسْ وَنُزِعَتْ مِنْهَا الْعَيْنُ، فَإِنْ أَصَرَّتْ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الْوَاجِبِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِيعَ الْجَمِيعُ وَتُعْطَى الزَّائِدَ، وَإِنْ اسْتَوَى نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ أُعْطِيَ نِصْفَ الْعَيْنِ، وَمَتَى اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ فِي الْعَيْنِ اسْتَقَلَّ بِهِ. (وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةِ) الْمَهْرِ فِي الْمُتَقَوِّمِ لِهَلَاكِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ (اُعْتُبِرَ الْأَقَلُّ مِنْ) قِيمَةِ الْمَهْرِ (يَوْمَيْ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ) لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِصْدَاقِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهَا لَا تَعَلُّقَ لِلزَّوْجِ بِهَا فَلَا تَضْمَنُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا رُجُوعَ بِهِ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَتْنِ كَالرَّوْضَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحَالَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ اعْتِبَارُ الْأَقَلِّ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَمِنْ تَعْبِيرِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إلَى يَوْمِ الْقَبْضِ وَنُقِلَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الْوَاجِبَ قِيمَةُ يَوْمِ الْقَبْضِ، وَزَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ النَّصَّ مَفْرُوضٌ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ الْحَاصِلَيْنِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالتَّلَفِ، وَالْكَلَامُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 393 وَلَوْ أَصْدَقَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ، فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ.   [مغني المحتاج] إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَلِفَ الصَّدَاقُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا فَإِنَّهَا تَضْمَنُهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَلِفَ تَحْتَ يَدٍ ضَامِنَةٍ كَالْبَيْعِ التَّالِفِ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا حُلِيًّا فَكَسَرَتْهُ أَوْ انْكَسَرَ وَأَعَادَتْهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهَا لِزِيَادَتِهِ بِالصَّنْعَةِ عِنْدَهَا، وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا نَحْوَ جَارِيَةٍ هَزَلَتْ ثُمَّ سَمِنَتْ عِنْدَهَا كَعَبْدٍ نَسِيَ صَنْعَةً ثُمَّ تَعَلَّمَهَا عِنْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَعَمِيَ عِنْدَهَا، ثُمَّ أَبْصَرَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي يَدِهَا ثُمَّ زَالَ الْعَيْبُ ثُمَّ فَارَقَهَا، فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الزَّوْجَةُ بِرُجُوعِ الزَّوْجِ فِي الْحُلِيِّ الْمُعَادِ رَجَعَ بِنِصْفِ وَزْنِهِ تِبْرًا وَنِصْفِ قِيمَةِ صَنْعَتِهِ، وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فِيمَا لَوْ أَتْلَفَ حُلِيًّا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ بَابِ الْغَصْبِ بِأَنَّ هُنَاكَ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَكَلَّفْنَاهُ رَدَّ مِثْلِهِ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَالْمَرْأَةُ إنَّمَا كَسَرَتْ مِلْكَ نَفْسِهَا فَتَدْفَعُ نِصْفَ قِيمَةِ الْحُلِيِّ بِهَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَكَسَرَتْهُ وَأَعَادَتْهُ أَوْ لَمْ تُعِدْهُ لَمْ يَرْجِعْ مَعَ نِصْفِهِ بِالْأُجْرَةِ، إذْ لَا أُجْرَةَ لِصَنْعَتِهِ، وَلَوْ نَسِيَتْ الْمَغْصُوبَةُ الْغِنَاءَ عِنْدَ الْغَاصِبِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ صَحَّ شِرَاؤُهَا بِزِيَادَةٍ لِلْغِنَاءِ عَلَى قِيمَتِهَا بِلَا غِنَاءٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غِنَاءٍ يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ. (وَ) اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ كَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَخِيَاطَةٍ وَخِدْمَةٍ وَبِنَاءٍ يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهُ ثَمَنًا فَعَلَى هَذَا (لَوْ أَصْدَقَ) هَا (تَعْلِيمَ قُرْآنٍ) لَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي تَعْلِيمِهِ كُلْفَةٌ - لَا كَثَمَّ - نَظَرٌ أَوْ تَعْلِيمُ حَدِيثٍ أَوْ خَطٍّ أَوْ شِعْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى تَعْلِيمِهِ (وَطَلَّقَ) أَوْ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَرِدَّتِهِ وَحْدَهُ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّعْلِيمِ بَعْدَ دُخُولٍ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ اخْتِلَاؤُهُ بِهَا. وَالثَّانِي: لَا يَتَعَذَّرُ بَلْ يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي غَيْرِ خَلْوَةٍ إنْ أَمْكَنَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّا لَا نَأْمَنُ الْوُقُوعَ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ سَمَاعُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَضَاعَ وَلِلتَّعْلِيمِ بَدَلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ. اهـ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَجْنَبِيَّةُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهَا لِلتَّعْلِيمِ وَهَذِهِ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، فَهَلَّا جَازَ تَعْلِيمُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَدْ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ، وَحَصَلَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ وُدٍّ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فَامْتَنَعَ التَّعْلِيمُ لِقُرْبِ الْفِتْنَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيمِ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ هُوَ التَّعْلِيمُ الْوَاجِبُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَمَا هُنَا مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَرَجَّحَ هَذَا السُّبْكِيُّ، وَقِيلَ: التَّعْلِيمُ الَّذِي يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ خَاصٌّ بِالْأَمْرَدِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعَذُّرِ مَا يَشْمَلُ التَّعَسُّرَ وَإِلَّا فَالتَّعْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بِحَضْرَةِ مَنْ تَزُولُ مَعَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 394 وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ بَعْدَ وَطْءٍ، وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ. وَلَوْ طَلَّقَ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ فَنِصْفُ بَدَلِهِ.   [مغني المحتاج] الْخَلْوَةُ مُمْكِنٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّعْلِيمُ فِي مَجْلِسٍ كَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَعَذُّرَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ بَقَاءُ التَّعَذُّرِ، أَمَّا مَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ كَتَعْلِيمِ لَحْظَةٍ أَوْ كَلِمَةٍ كَثُمَّ نُظِرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَخَرَجَ بِتَعْلِيمِهَا بِنَفْسِهِ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا التَّعْلِيمَ فِي ذِمَّتِهِ وَفَارَقَ قَبْلَهُ فَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ بَلْ يَسْتَأْجِرُ مَحْرَمًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ نَحْوَهُمَا يُعَلِّمُهَا الْكُلَّ إنْ فَارَقَ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَالنِّصْفَ إنْ فَارَقَ قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ الزَّوْجُ التَّعْلِيمَ لِمَا شَرَطَ تَعْلِيمَهُ لَمْ يَصِحَّ إصْدَاقُهُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَتَعَلَّمَ ثُمَّ يُعَلِّمَهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهِ وَالْأَعْيَانُ لَا تُؤَجَّلُ، وَلَوْ أَرَادَتْ تَعْلِيمَ غَيْرِهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الْإِجَابَةُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْحِفْظِ وَالْفَهْمِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ صَحَّ إنْ تَوَقَّعَ إسْلَامَهَا، وَإِلَّا فَلَا كَتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَهَا أَوْ لِمُسْلِمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، إذْ لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهِمَا لِتَبْدِيلِهَا، وَلَوْ أَصْدَقَهَا التَّوْرَاةَ أَوْ الْإِنْجِيلَ وَهُمَا كَافِرَانِ فَأَسْلَمَا أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَلَا شَيْءَ لَهَا سِوَاهُ، أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ تَعْلِيمَ فِقْهٍ أَوْ شِعْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ أَوْ أَصْدَقَهَا رَدَّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ صَحَّ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ عَبْدِهَا أَوْ وَلَدِهَا أَوْ خِتَانَهُ صَحَّ إنْ وَجَبَ عَلَيْهَا لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الْفَاتِحَةِ صَحَّ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّعْلِيمُ، وَلَوْ أَصْدَقَ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ هِيَ أَوْ غَيْرَهَا أَدَاءُ شَهَادَةٍ لَمْ يَصِحَّ، فَإِنْ كَانَ فِي تَعْلِيمِهَا كُلْفَةٌ أَوْ مَحَلُّ الْقَاضِي الْمُؤَدِّي عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ بَعِيدًا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رُكُوبٍ، فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَيَجِبُ) عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّعْلِيمِ (مَهْرُ مِثْلٍ) عَلَى الزَّوْجِ إنْ طَلَّقَ (بَعْدَ وَطْءٍ وَنِصْفُهُ) إنْ طَلَّقَ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَطْءِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَلَوْ عَلَّمَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَدْ اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا وَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ إلَى نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِ التَّعْلِيمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمُصْدَقِ وَعِلْمُ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ بِالْمَشْرُوطِ تَعْلِيمُهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَكَّلَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَنْ يَعْلَمُهُ، وَلَا يَكْفِي التَّقْدِيرُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ فِي أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْحَرْفِ الَّذِي يُعَلِّمُهُ لَهَا كَقِرَاءَةِ نَافِعٍ فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ حَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهَا مَا شَاءَ، فَإِنْ عَيَّنَ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ حَرْفًا تَعَيَّنَ فَإِنْ خَالَفَ وَعَلَّمَهَا حَرْفًا غَيْرَهُ فَمُتَطَوِّعٌ بِهِ فَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُ الْحَرْفِ الْمُعَيَّنِ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرَهُ شَهْرًا صَحَّ لَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فِي شَهْرٍ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. (وَلَوْ طَلَّقَ) قَبْلَ وَطْءٍ وَبَعْدَ قَبْضِ الصَّدَاقِ (وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ) بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ كَهِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ (فَنِصْفُ بَدَلِهِ) مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ لَهُ نَقْضُ تَصَرُّفِهَا كَالشَّفِيعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَقَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 395 فَإِنْ كَانَ زَالَ وَعَادَ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ   [مغني المحتاج] الشَّفِيعِ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي، فَلِذَلِكَ تَسَلَّطَ عَلَى نَقْضِهِ وَالزَّوْجُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا حَدَثَ حَقُّهُ بِالطَّلَاقِ بَلْ حَقُّهُ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْوَالِدِ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَالِدِ الرُّجُوعَ مَوْجُودٌ عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَلَدِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ فَتَعَذُّرُهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الزَّوْجَةِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَحْصُلُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ قَهْرًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لِلْغَيْرِ كَرَهْنٍ مَقْبُوضٍ فَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ، وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ رَجَعَ الزَّوْجُ إلَى نِصْفِ الْبَدَلِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَهُ نِصْفُ الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْإِجَارَةُ أَوْ التَّزْوِيجُ مِنْهَا لِلصَّدَاقِ فَعَيْبٌ يُنْقِصُ الْقِيمَةَ بِذَلِكَ فَيَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ رُجُوعِهِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ وَرُجُوعِهِ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِنْ صَبَرَ الزَّوْجُ فِي صُورَةِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ، بِأَنْ قَالَ مَعَ اخْتِيَارِ رُجُوعِهِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فِي صُورَتِهِ: أَنَا أَصْبِرُ إلَى انْفِكَاكِ الرَّهْنِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ لِمَا عَلَيْهَا مِنْ خَطَرِ الضَّمَانِ حَتَّى يَقْبِضَ هُوَ الْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْمُزَوَّجَ وَتُسَلَّمُ الْعَيْنُ الْمُصْدَقَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ لَهَا لِتَبْرَأَ الزَّوْجَةُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَيْسَ لَهَا حِينَئِذٍ الِامْتِنَاعُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَلَوْ وَصَّتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الْمُصْدَقِ رَجَعَ الزَّوْجُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَيْسَتْ بِحَقٍّ لَازِمٍ، وَلَوْ دَبَّرَتْهُ أَوْ عَلَّقَتْ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ رَجَعَ إنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً لِمَا ذُكِرَ وَيَبْقَى النِّصْفُ الْآخَرُ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، لَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ مَعَ قُدْرَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَفَاءِ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، وَالرُّجُوعُ يُفَوِّتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ فِيهِ لَا يُفَوِّتُ حَقَّ الزَّوْجِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِنْ قِيلَ التَّدْبِيرُ لَا يَمْنَعُ فَسْخَ الْبَائِعِ، وَلَا رُجُوعَ الْأَصْلِ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ لِفَرْعِهِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّمَنَ عِوَضٌ مَحْضٌ وَمَنْعُ الرُّجُوعِ فِي الْوَاهِبِ يُفَوِّتُ الْحَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فِيهِمَا. فَرْعٌ: لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالصَّدَاقُ صَيْدٌ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَنْشَأُ لِاجْتِلَابِ الْمِلْكِ فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ الصَّيْدَ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِهِ وَيَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ إمْسَاكِ الصَّيْدِ. (فَإِنْ كَانَ) الْمَهْرُ (زَالَ) عَنْ مِلْكِهَا (وَعَادَ) إلَى مِلْكِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (تَعَلَّقَ) حَقُّ الزَّوْجِ (بِالْعَيْنِ) الْعَائِدَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَدَلٍ فَعَيْنُ مَالِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْعَيْنِ مُسْتَفَادٌ مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الصَّدَاقِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مِنْ فُرُوعِ قَاعِدَةِ الزَّائِلِ الْعَائِدِ هَلْ هُوَ كَاَلَّذِي لَمْ يَزُلْ أَوْ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةُ التَّرْجِيحِ، مِنْهَا لَوْ زَالَ مِلْكُ الْوَلَدِ عَمَّا وَهَبَهُ لَهُ أَصْلُهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَرْجِعْ الْأَصْلُ فِي الْأَصَحِّ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ حَقَّ الْأَصْلِ انْقَطَعَ بِزَوَالِ مِلْكِ الْوَلَدِ فَلَمْ يَعُدْ وَحَقُّ الزَّوْجِ لَمْ يَنْقَطِعْ بِدَلِيلِ رُجُوعِهِ فِي الْبَدَلِ فَعَادَ بِالرُّجُوعِ. (وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ) بِلَفْظِ الْهِبَةِ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ وَالْمَهْرُ عَيْنٌ (ثُمَّ طَلَّقَ) أَوْ فَارَقَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 396 نِصْفَ بَدَلِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَتْهُ النِّصْفَ فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ، وَفِي قَوْلٍ النِّصْفُ الْبَاقِي وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِ الْبَاقِي وَرُبُعِ بَدَلِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ عَلَى الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] نِصْفَ بَدَلِهِ) مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَ الْمَهْرَ قَبْلَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الطَّلَاقِ. وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّهَا عَجَّلَتْ لَهُ مَا يُسْتَحَقُّ بِالطَّلَاقِ فَأَشْبَهَ تَعْجِيلَ الدَّيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَنَعَ الْأَوَّلَ كَوْنُهُ تَعْجِيلًا لِحَقِّهِ، فَإِنَّهَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالتَّعْجِيلِ لَمْ يَصِحَّ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ لَمْ تَهَبْهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، بَلْ بَاعَتْهُ لَهُ مُحَابَاةً فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ، وَمَا لَوْ وَهَبَهُ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ الْهِبَةَ بَاطِلَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُوهِمُ خِلَافَهُ، وَسَيَأْتِي هِبَةُ الدَّيْنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ بَدَلَ نِصْفِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْدُ كَانَ أَوْلَى (وَعَلَى هَذَا) الْأَظْهَرُ (لَوْ وَهَبَتْهُ النِّصْفَ) مِنْ الْمَهْرِ (فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي) وَهُوَ الرُّبُعُ (وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ) لِأَنَّ الْهِبَةَ وَرَدَتْ عَلَى مُطْلَقِ النِّصْفِ فَيَشِيعُ الرَّاجِعُ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ وَمَا أَبْقَتْهُ وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ الْإِشَاعَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ رُبُعِ كُلِّهِ كَمَا مَرَّ (وَفِي قَوْلٍ) لَهُ (النِّصْفُ الْبَاقِي) لِأَنَّهُ بِالنِّصْفِ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ وَجَدَهُ فَيَأْخُذُهُ وَتَنْحَصِرُ هِبَتُهَا فِي نَصِيبِهَا، وَهَذَا يُسَمَّى قَوْلَ الْحَصْرِ، فَرُجُوعُ الزَّوْجِ بِالنِّصْفِ لَا خِلَافَ فِيهِ، بَلْ الْخِلَافُ فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِ الْبَاقِي وَرُبُعِ بَدَلِ كُلِّهِ) لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ بِنِصْفِ الْبَاقِي وَبَدَلِ نِصْفِ الْآخَرِ تَبْعِيضًا لِلتَّشْطِيرِ عَلَى الزَّوْجِ فَخُيِّرَ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ نِصْفَ بَدَلِ كُلِّهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَيْضًا إسْقَاطَ أَلِفِ أَوْ، لِأَنَّ بَيْنَ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَلَكِنَّ إثْبَاتَهَا يَقَعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ لَا عَنْ قَصْدٍ (وَلَوْ كَانَ) الْمَهْرُ (دَيْنًا) لَهَا عَلَى زَوْجِهَا (فَأَبْرَأَتْهُ) مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ (لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا) بِشَيْءٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مَالًا وَلَمْ تَتَحَصَّلْ. عَلَى شَيْءٍ بِخِلَافِهَا فِي هِبَةِ الْعَيْنِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ قَوْلَيْ الْهِبَةِ، وَلَوْ قَبَضَتْ الدَّيْنَ ثُمَّ وَهَبَتْهُ لَهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَهِبَةِ الْعَيْنِ. (وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ) لِمُوَلِّيَتِهِ (عَلَى الْجَدِيدِ) كَسَائِرِ دُيُونِهَا وَالْقَدِيمُ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَحَمْلُهُ الْجَدِيدَ عَلَى الزَّوْجِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ رَفْعِهِ بِالْفُرْقَةِ فَيَعْفُو عَنْ حَقِّهِ لِيُسَلِّمَ لَهَا كُلَّ الْمَهْرِ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَلِيِّ بَعْدَ الْعَقْدِ عُقْدَةٌ. تَنْبِيهٌ: لِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا لِمَكَانِ شَفَقَتِهِمَا. وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَنْ تَكُونَ بِكْرًا صَغِيرَةً عَاقِلَةً. وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّلَاقِ. وَأَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ لَمْ يُقْبَضْ. تَتِمَّةٌ: لَوْ خَالَعَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ اسْتَحَقَّهُ وَلَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى الصَّدَاقِ كُلِّهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 397 فَصْلٌ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ إنْ لَمْ يَجِبْ شَطْرُ مَهْرٍ وَكَذَا لِمَوْطُوءَةٍ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] صَحَّ فِي نَصِيبِهَا دُونَ نَصِيبِهِ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ التَّشْطِيرَ، فَإِذَا فَسَخَ عِوَضَ الْخُلْعِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَنِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى النِّصْفِ الْبَاقِي لَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ صَارَ كُلُّ الصَّدَاقِ لَهُ، نِصْفُهُ بِعِوَضِ الْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالتَّشْطِيرِ، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّصْفَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبَاقِي لَهَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ صَارَ كُلُّ الصَّدَاقِ لَهُ، نِصْفُهُ بِعِوَضِ الْخُلْعِ وَنِصْفُهُ بِالتَّشْطِيرِ، وَإِنْ أَطْلَقَ النِّصْفَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْبَاقِي وَلَا بِغَيْرِهِ وَقَعَ الْعِوَضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَلَهَا عَلَيْهِ رُبُعُ الْمُسَمَّى، وَلَهُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِحُكْمِ التَّشْطِيرِ وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ بِحُكْمِ مَا فَسَدَ مِنْ الْخُلْعِ، وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ لَا تَبِعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمَهْرِ صَحَّ وَجَعَلْنَاهُ عَلَى مَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ. [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْمُتْعَةِ] ِ، وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا مُشْتَقَّةً مِنْ الْمَتَاعِ، وَهُوَ مَا يُسْتَمْتَعُ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَالٌ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعُهُ لِامْرَأَتِهِ الْمُفَارِقَةِ فِي الْحَيَاةِ بِطَلَاقٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِشُرُوطٍ تَأْتِي، وَيَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَغَيْرُهُ، وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرَّةُ وَغَيْرُهَا وَالْمُسْلِمَةُ وَالذِّمِّيَّةُ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: يَجِبُ (لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ) عَلَى الْجَدِيدِ (إنْ لَمْ يَجِبْ) لَهَا (شَطْرُ مَهْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُفَوَّضَةً وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا شَيْءٌ وَادَّعَى الْإِمَامُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] [الْبَقَرَةُ] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَةَ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا شَيْءٌ فَتَجِبُ لَهَا مُتْعَةٌ لِلْإِيحَاشِ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ لَهَا الشَّطْرُ. أَمَّا إذَا فُرِضَ لَهَا فِي التَّفْوِيضِ شَيْءٌ فَلَا مُتْعَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا فَيَكْفِي شَطْرُ مَهْرِهَا لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الِاسْتِيحَاشِ وَالِابْتِذَالِ، وَعَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] [الْبَقَرَةُ] وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يَخْتَصَّ بِهَا الْمُحْسِنُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِمُطَلَّقَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَشْمَلَ الْمُلَاعِنَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ فَلَا شَطْرَ وَلَا مُتْعَةَ (وَكَذَا) يَجِبُ (لِمَوْطُوءَةٍ) مُتْعَةٌ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدُ سَوَاءٌ أَفَوَّضَ طَلَاقَهَا إلَيْهَا فَطَلُقَتْ أَوْ عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَفَعَلَتْ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] [الْبَقَرَةُ] وَخُصُوصِ قَوْله تَعَالَى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: 28] [الْأَحْزَابُ] وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ أَيْ فَتَعَالَيْنَ أُسَرِّحْكُنَّ وَأُمَتِّعْكُنَّ وَكُلُّهُنَّ مَدْخُولَاتٌ بِهِنَّ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ: لَا مُتْعَةَ لَهَا لِاسْتِحْقَاقِهَا الْمَهْرَ وَفِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ الْمُتْعَةِ، وَلِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَسْتَحِقَّهَا مَعَ الشَّطْرِ فَمَعَ الْكُلِّ أَوْلَى. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَخَلَا الطَّلَاقُ عَنْ الْجَبْرِ، بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ لَهَا النِّصْفُ فَإِنَّ بُضْعَهَا سُلِّمَ لَهَا فَكَانَ الشَّطْرُ جَابِرًا لِلْإِيحَاشِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 398 وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا كَطَلَاقٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ تَنَازَعَا قَدَّرَهُ الْقَاضِي بِنَظَرِهِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا، وَقِيلَ، وَقِيلَ حَالَهَا، وَقِيلَ أَقَلَّ مَالٍ.   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ وُجُوبَ الْمُتْعَةِ مِمَّا يَغْفُلُ النِّسَاءُ عَنْ الْعِلْمِ بِهَا فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُنَّ وَإِشَاعَةُ حُكْمِهَا لِيَعْرِفْنَ ذَلِكَ (وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِسْلَامِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ كَإِرْضَاعِ أُمِّ الزَّوْجِ أَوْ بِنْتِ زَوْجَتِهِ وَوَطْءِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَهَا بِشُبْهَةٍ حُكْمُهَا (كَطَلَاقٍ) فِي إيجَابِ الْمُتْعَةِ وَعَدَمِهِ أَيْ إذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهَا الشَّطْرُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الْمُتْعَةِ لِلزَّوْجَةِ الصَّغِيرَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْضَاعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُتْعَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالتَّفْوِيضِ أَوْ الدُّخُولِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَحِيلٌ فِيمَنْ هُوَ فِي سِنِّ الْإِرْضَاعِ. أَمَّا الدُّخُولُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا التَّفْوِيضُ فَإِنَّهَا لَوْ زُوِّجَتْ وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. أُجِيبَ بِتَصَوُّرِ ذَلِكَ فِي أَمَةٍ صَغِيرَةٍ زَوَّجَهَا سَيِّدُهَا بِالتَّفْوِيضِ لِعَبْدٍ فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يَنْكِحُ أَمَةً صَغِيرَةً، وَفِيمَا إذَا زَوَّجَ الْكَافِرُ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ كَافِرًا مُفَوَّضَةً وَكَانَ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا مَهْرَ لِلْمُفَوَّضَةِ وَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ بِنْتُهُ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَإِنَّا نَقْضِي بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَلُزُومِ الْمُتْعَةِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبِهَا كَرِدَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا وَلَوْ تَبَعًا أَوْ فَسْخِهِ بِعَيْبِهَا فَلَا مُتْعَةَ لَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ، وَوُجُوبُهُ آكَدُ مِنْ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ ارْتَدَّا مَعًا لَا مُتْعَةَ وَيَجِبُ الشَّطْرُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مِلْكَهَا لِلصَّدَاقِ سَابِقٌ عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُتْعَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ سُبِيَا مَعًا، وَلَوْ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ لَمْ تَسْتَحِقَّ مُتْعَةً وَإِنْ اسْتَدْعَى الزَّوْجُ شِرَاءَهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفُرْقَةِ فَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا لَأَوْجَبْنَاهَا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ تَجِبْ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ لِلْبَائِعِ، وَتَجِبُ الْمُتْعَةُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَفِي كَسْبِ الْعَبْدِ كَالْمَهْرِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَنْقُصَ) الْمُتْعَةُ (عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا) أَوْ مَا قِيمَتُهُ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَهَذَا أَدْنَى الْمُسْتَحَبِّ، وَأَعْلَاهُ خَادِمٌ، وَأَوْسَطُهُ ثَوْبٌ اهـ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَبْلُغَ نِصْفَ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي: فَإِنْ بَلَغَتْهُ أَوْ جَاوَزَتْهُ جَازَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَا يَزِيدُ وُجُوبًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَمْ يَذْكُرُوهُ اهـ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا فَرَضَهُ الْحَاكِمُ، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ نَظَائِرُ، مِنْهَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ عُضْوٍ مُقَدَّرَةٍ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَبْلُغَ بِالتَّعْزِيرِ الْحَدَّ وَغَيْرُ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهَا الزَّوْجَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا كَلَامُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: الْأَوْجَهُ خِلَافُ كَلَامِهِ، بَلْ مُقْتَضَى النَّظَائِرِ أَنْ لَا يَصِلَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ. (فَإِنْ تَنَازَعَا) فِي قَدْرِهَا (قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِنَظَرِهِ) أَيْ اجْتِهَادِهِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ (مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا) مِنْ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَنَسَبِهَا وَصِفَاتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] [الْبَقَرَةُ] {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] [الْبَقَرَةُ] (وَقِيلَ) يَعْتَبِرُ () فَقَطْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَكَالنَّفَقَةِ (وَقِيلَ حَالَهَا) فَقَطْ لِأَنَّهَا كَالْبَدَلِ عَنْ الْمَهْرِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ (وَقِيلَ) لَا يُقَدِّرُهَا بِشَيْءٍ، بَلْ الْوَاجِبُ (أَقَلُّ مَالٍ) مُتَمَوَّلٍ كَمَا يَجُوزُ جَعْلُهُ صَدَاقًا، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَهْرَ بِالتَّرَاضِي، وَعَلَى تَقْدِيرِهِ يَجِبُ مَا يُقَرِّرُهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 399 فَصْلٌ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ أَوْ صِفَتِهِ تَحَالَفَا، وَيَتَحَالَفُ وَارِثَاهُمَا أَوْ وَارِثُ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ ثُمَّ يُفْسَخُ الْمَهْرُ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوْ ادَّعَتْ تَسْمِيَةً فَأَنْكَرَهَا تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي التَّحَالُفُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْمَهْرِ الْمُسَمَّى] ، إذَا (اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ بَعْدَهُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ زَوَالِهَا (فِي قَدْرِ مَهْرٍ) مُسَمًّى وَكَانَ مَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ أَقَلَّ كَقَوْلِهِ: عُقِدَ بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ: بَلْ بِأَلْفَيْنِ (أَوْ) فِي (صِفَتِهِ) الشَّامِلَةِ لِجِنْسِهِ وَالْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ وَقَدْرِ الْأَجَلِ، كَأَنْ قَالَتْ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: بَلْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَتْ بِأَلْفٍ صَحِيحَةٍ، فَقَالَ: بَلْ مُكَسَّرَةٍ أَوْ بِحَالٍّ فَقَالَ بَلْ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِمُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ فَقَالَ بَلْ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا (تَحَالَفَا) قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ وَمَنْ يُبْدَأُ بِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ يُبْدَأُ هُنَا بِالزَّوْجِ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بَعْدَ التَّحَالُفِ بِبَقَاءِ الْبُضْعِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ وَنَحْوِهِ فَاخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَلَا تَحَالُفَ، وَيُصَدَّقُ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا زَادَ (وَيَتَحَالَفُ) عِنْدَ الِاخْتِلَافِ السَّابِقِ أَيْضًا (وَارِثَاهُمَا أَوْ وَارِثُ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (وَالْآخَرُ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ كَتَحَالُفِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ يَحْلِفَانِ عَلَى الْبَتِّ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْوَارِثُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي الْإِثْبَاتِ، وَنَفْيُ الْعِلْمِ فِي النَّفْيِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَيَقُولُ وَارِثُ الزَّوْجِ وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّ مُوَرِّثِي نَكَحَهَا بِأَلْفٍ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَيَقُولُ وَارِثُ الزَّوْجَةِ: وَاَللَّهِ لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ نَكَحَ مُوَرِّثَتِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ (ثُمَّ) بَعْدَ التَّحَالُفِ الْمَذْكُورِ (يُفْسَخُ الْمَهْرُ) الْمُسَمَّى لِمَصِيرِهِ بِالتَّحَالُفِ مَجْهُولًا، وَلَا يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ كَالْبَيْعِ، وَأَشَارَ إلَى فَائِدَةِ التَّحَالُفِ بِقَوْلِهِ (وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا تَحَالَفَا وَجَبَ رَدُّ الْبُضْعِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ فَيَجِبُ بَدَلُهُ كَالْمَبِيعِ التَّالِفِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ يَفْسَخُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ يَفْسَخُ الْبَيْعَ بَعْدَ التَّحَالُفِ، وَفِي أَنَّهُ هَلْ يُفْسَخُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ. أَمَّا إذَا كَانَ مُدَّعَى الزَّوْجِ الْأَكْثَرَ فَلَا تَحَالُفَ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ لَهَا بِمَا تَدَّعِيهِ وَزِيَادَةٍ وَيَبْقَى الزَّائِدُ فِي يَدِهِ. (وَلَوْ ادَّعَتْ تَسْمِيَةً) لِقَدْرٍ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (فَأَنْكَرَ) ذِكْرَ (هَا) لَهَا بِأَنْ قَالَ: لَمْ تَقَعْ تَسْمِيَةٌ وَلَمْ يَدَّعِ تَفْوِيضًا يُفْسِدُ النِّكَاحَ (تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْوَاجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهِيَ تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَوْ ادَّعَى تَسْمِيَةً لِقَدْرٍ أَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَأَنْكَرَتْ ذِكْرَهَا تَحَالَفَا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ كَانَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 400 وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ فَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَالْأَصَحُّ تَكْلِيفُهُ الْبَيَانَ، فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ تَحَالَفَا، وَإِنْ أَصَرَّ مُنْكِرًا حَلَفَتْ وَقَضَى لَهَا. وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوَمَجْنُونَةٍ تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ تَحَالَفَا أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَمَّا إذَا ادَّعَى التَّفْوِيضَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ مِنْ جَانِبٍ وَعَدَمُ التَّفْوِيضِ مِنْ جَانِبٍ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ مُدَّعَى الْآخَرِ تَمَسُّكًا بِالْأَصْلِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّفْوِيضَ وَالْآخَرُ السُّكُوتَ عَنْ الْمَهْرِ صُدِّقَ الْآخَرُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّفْوِيضِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِوُقُوعِهِ مِنْ غَيْرِ جَائِزَةِ التَّصَرُّفِ فَلَا تَحَالُفَ. (وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ) لِعَدَمِ تَسْمِيَةٍ صَحِيحَةٍ (فَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ الْمَهْرَ) بِأَنْ نَفَاهُ فِي الْعَقْدِ (أَوْ سَكَتَ) عَنْهُ وَلَمْ يَدَّعِ تَفْوِيضًا (فَالْأَصَحُّ) عَدَمُ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَ (تَكْلِيفُهُ الْبَيَانَ) لِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِي الْمَهْرَ (فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ) عَلَيْهِ (تَحَالَفَا) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحَالُفٌ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ أَصَرَّ) الزَّوْجُ (مُنْكِرًا حَلَفَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَهْرَ مِثْلِهَا (وَقُضِيَ لَهَا) بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ بَيَانَ مَهْرٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَهْرًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. وَالثَّالِثُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبَةٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي التَّصْوِيرِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تِلْكَ فِي إنْكَارِ التَّسْمِيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَهْرِ الْمِثْلِ بِأَنْ ادَّعَتْ زَائِدًا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيَتَحَالَفَانِ. وَأَمَّا هَذِهِ فَالزَّوْجُ فِيهَا مُنْكِرٌ الْمَهْرَ أَصْلًا، وَلَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالنِّكَاحِ، فَلِذَلِكَ كُلِّفَ الْبَيَانَ لِمَهْرِ مِثْلٍ، فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا أَنْقَصَ مِمَّا ذَكَرَتْ تَحَالَفَا، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْإِنْكَارِ حَلَفَتْ وَقُضِيَ لَهَا. (وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوَمَجْنُونَةٍ تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الْعَاقِدُ، وَلَهُ وِلَايَةُ قَبْضِ الْمَهْرِ، فَكَانَ اخْتِلَافُهُ مَعَ الزَّوْجِ كَاخْتِلَافِ الْبَالِغَةِ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي النِّكَاحِ وَالْمَهْرِ فَلَا يَبْعُدُ تَحْلِيفُهُ، وَفَائِدَةُ التَّحَالُفِ أَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَلُ الزَّوْجُ فَيُحَلَّفُ الْوَلِيُّ فَيَثْبُتُ مُدَّعَاهُ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ تَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ تَحَالُفٍ. وَالثَّانِي: لَا تَحَالُفَ؛ لِأَنَّا لَوْ حَلَّفْنَا الْوَلِيَّ لَأَثْبَتْنَا بِيَمِينِهِ حَقَّ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَحْذُورٌ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَلِّيَتِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ حَلِفَهُ هُنَاكَ مُطْلَقًا عَلَى اسْتِحْقَاقِ مُوَلِّيهِ فَهُوَ حَلِفٌ لِلْغَيْرِ فَلَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَهُنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ هَكَذَا فَهُوَ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَالْمَهْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَالَفَانِ إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْمَجْنُونَةِ الزِّيَادَةَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَاعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ دُونَ مَهْرِ الْمِثْلِ فَلَا تَحَالُفَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِدُونِهِ وَإِنْ نَقَّصَ الْوَلِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَحَالَفَا كَمَا لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَسْمِيَةً فَاسِدَةً، فَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِقَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَكْثَرَ فَلَا تَحَالُفَ؛ لِئَلَّا يَرْجِعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 401 وَلَوْ قَالَتْ نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَيَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لَزِمَهُ أَلْفَانِ، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَطَأْ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَسَقَطَ الشَّطْرُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ الثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظٍ لَا عَقْدًا لَمْ يُقْبَلْ.   [مغني المحتاج] الْوَاجِبُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَيُرْجَعَ فِيهِ إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهِ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ رَجَاءَ أَنْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ الْوَلِيُّ وَيُثْبِتُ مُدَّعَاهُ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ وَذَكَرَ الزَّوْجُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَتَحَالَفَا بَلْ يُؤْخَذُ بِمَا قَالَهُ الزَّوْجُ، وَلَوْ نَكَلَ الْوَلِيُّ اُنْتُظِرَ بُلُوغُ الصَّبِيَّةِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فَلَعَلَّهَا تَحْلِفُ، وَتَحْلِفُ صَغِيرَةٌ بَلَغَتْ عَاقِلَةً قَبْلَ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ فَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ، وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي اخْتِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ وَفِي اخْتِلَافِ وَلِيَّيْ الزَّوْجَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ، وَلَا يَحْلِفُ مُجْبِرُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بَلْ هِيَ الَّتِي تَحْلِفُ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْعَقْدِ الْمَالِيِّ كَالْبَيْعِ فَيَحْلِفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا الْعَاقِدَانِ بِخِلَافِ الْمُوَكِّلَيْنِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَكَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا يَحْلِفُ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ فِيمَا لَمْ يُنْشِئْهُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ يَمِينَ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِنْشَائِهِ بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُقْضَ بِنُكُولِهِ بَلْ يُتَوَقَّفْ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ أَوْ الصَّبِيَّةُ وَيَحْلِفَ، وَكَالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ. (وَلَوْ قَالَتْ) فِي دَعْوَاهَا عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا (نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا) كَالسَّبْتِ (بِأَلْفٍ وَيَوْمَ كَذَا) كَالْخَمِيسِ (بِأَلْفٍ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ (لَزِمَهُ أَلْفَانِ) لِإِمْكَانِ صِحَّةِ الْعَقْدَيْنِ بِأَنْ يَتَخَلَّلَهُمَا خُلْعٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَرُّضِ لَهُ وَلَا لِلْوَطْءِ فِي الدَّعْوَى. أَمَّا عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِتَخَلُّلِ الْفُرْقَةِ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلْوَطْءِ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى فِي كُلِّ عَقْدٍ يَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يَثْبُتَ إسْقَاطُهُ (فَإِنْ قَالَ) الزَّوْجُ (لَمْ أَطَأْ فِيهِمَا) أَيْ الْعَقْدَيْنِ (أَوْ فِي أَحَدِهِمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ (وَسَقَطَ الشَّطْرُ) مِنْ الْأَلْفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ فَائِدَةُ تَصْدِيقِهِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْوَطْءِ فِي الثَّانِي أَنْ يَدَّعِيَ الطَّلَاقَ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ دَعْوَى عَدَمِ الْوَطْءِ لَا يُسْقِطُ الشَّطْرَ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا يُسْقِطُهُ فِي الْأَوَّلِ (وَإِنْ قَالَ كَانَ الثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظٍ) لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ (لَا عَقْدًا) ثَانِيًا (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ لِإِمْكَانِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَعْطَاهَا مَالًا، فَقَالَتْ: أَعْطَيْته هَدِيَّةً وَقَالَ: بَلْ صَدَاقًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعْطَى مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ مِلْكِهِ، وَلَوْ أَعْطَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَقَالَ: أَعْطَيْتُك إيَّاهُ بِعِوَضٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ الْمُنْكِرُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ مِلْكِهِ كَمَا مَرَّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَقِلٌّ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَبِقَصْدِهِ وَبِأَنَّهُ يُرِيدُ إبْرَاءَ الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِيهِمَا. ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إلَى وَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وَسَفِيهَةٍ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 402 فَصْلٌ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ   [مغني المحتاج] لَا وَلِيِّ رَشِيدَةٍ وَلَوْ بِكْرٍ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا ادَّعَى إذْنَهَا نُطْقًا فَتُسْمَعُ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ الصَّرِيحِ لَهُ فِي الْقَبْضِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَنْكُوحَةِ صُدِّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيمَا نَفَاهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي عَقْدَيْنِ، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ: تَزَوَّجْتُكُمَا بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: بَلْ أَنَا فَقَطْ بِأَلْفٍ تَحَالَفَا؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمُتَّفَقُ عَلَى نِكَاحِهَا وَأَمَّا الْأُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِ النِّكَاحِ. ، وَلَوْ قَالَتْ حُرَّةٌ لِمَنْ يَمْلِكُ أَبَوَيْهَا وَنَكَحَهَا بِأَحَدِهِمَا مُعَيِّنًا أَصْدَقَتْنِي أُمِّي فَقَالَ: بَلْ أَبَاك تَحَالَفَا وَفُسِخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ إلَّا إنْ نَكَلَا أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا يَجِبُ لَهَا مَهْرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ الرَّدِّ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا وَعَتَقَ الْأَبُ دُونَ الْأُمِّ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: هُوَ لَهَا، وَهِيَ مُنْكِرَةٌ، وَلَا تَعْتِقُ الْأُمُّ إلَّا إنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ. وَلَوْ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَالِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَمْلِكُ قَبْلَ الدُّخُولِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفَهُ فَقَطْ أَوْ بَعْدَهُ حُدَّ، وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ مِلْكِ الْجَارِيَةِ بِالدُّخُولِ إلَّا مِنْ قَرِيبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ مِمَّنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ. [فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ] ِ وَاشْتِقَاقِهَا كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مِنْ الْوَلْمِ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ، وَمِنْهُ: أَوْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اجْتَمَعَ عَقْلُهُ وَخُلُقُهُ، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورِ حَادِثٍ مِنْ عُرْسٍ وَإِمْلَاكٍ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ، وَفِي غَيْرِهِ بِقَيْدٍ، فَيُقَالُ: وَلِيمَةُ خِتَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهِيَ لِدَعْوَةِ الْأَمْلَاكِ، وَهُوَ الْعَقْدُ: وَلِيمَةٌ وَمِلَاكٌ وَشَنْدَخِيٌّ، وَلِلْخِتَانِ إعْذَارٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِعْجَامِ الدَّالِ، وَلِلْوِلَادَةِ عَقِيقَةٌ، وَلِلسَّلَامَةِ مِنْ الطَّلْقِ خُرْسٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَتُقَالُ بِصَادٍ، وَلِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ نَقِيعَةٌ مِنْ النَّقْعِ، وَهُوَ الْغُبَارُ، وَهِيَ طَعَامٌ يُصْنَعُ لَهُ، سَوَاءٌ أَصَنَعَهُ الْقَادِمُ أَمْ صَنَعَهُ غَيْرُهُ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَلِلْبِنَاءِ وَكِيرَةٌ: مِنْ الْوَكْرِ، وَهُوَ الْمَأْوَى، وَلِلْمُصِيبَةِ وَضِيمَةٌ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيلَ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْوَلَائِمِ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ السُّرُورِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مِنْهَا، وَيُوَجَّهُ كَلَامُهُمْ بِأَنَّ اعْتِبَارَ السُّرُورِ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِبِ، وَلِحِفْظِ الْقُرْآنِ حِذَاقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَبِلَا سَبَبٍ مَأْدُبَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، وَالْكُلُّ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِحْبَابَ وَلِيمَةِ الْخِتَانِ مَحَلُّهُ فِي خِتَانِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يُخْفَى وَيُسْتَحْيَا مِنْ إظْهَارِهِ، وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُهُ لِلنِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً أَيْ وَهَذَا أَوْجَهُ قَالَ: وَأَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ الْوَلِيمَةِ لِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ. أَمَّا مَنْ غَابَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا يَسِيرَةً إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ فَكَالْحَاضِرِ وَآكَدُهَا (وَلِيمَةُ الْعُرْسِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 403 سُنَّةٌ. وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ وَاجِبَةٌ. وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ،   [مغني المحتاج] ضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا فَإِنَّهَا (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِثُبُوتِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا، وَفِي الْبُخَارِيِّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ الَّذِي يُعْمَلُ فِي حَالِ الْعَقْدِ مِنْ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الْوَلَائِمِ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ: وَلِلضِّيَافَةِ أَسْمَاءٌ ثَمَانِيَةٌ ... وَلِيمَةُ الْعُرْسِ ثُمَّ الْخُرْسُ لِلْوَلَدِ كَذَا الْعَقِيقَةُ لِلْمَوْلُودِ سَابِعَهُ ... ثُمَّ الْوَكِيرَةُ لِلْبُنْيَانِ إنْ تَجِدْ ثُمَّ النَّقِيعَةُ عِنْدَ الْعَوْدِ مِنْ سَفَرٍ ... وَفِي الْخِتَانِ هُوَ الْإِعْذَارُ فَاجْتَهِدْ وَضِيمَةٌ لِمُصَابٍ ثُمَّ مَأْدُبَةٌ ... مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ جَاءَتْكَ بِالْعَدَدِ وَالشَّنْدَخِيُّ لِأَمْلَاكٍ فَقَدْ كَمُلَتْ ... تِسْعًا وَقُلْ لِلَّذِي يَدْرِيهِ فَاعْتَمِدْ وَقَوْلُهُ: قُلْ لِلَّذِي يَدْرِيه أَيْ الشَّنْدَخِيِّ، وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ عَاشِرًا وَهُوَ الْحِذَاقُ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِاسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ لِلتَّسَرِّي، وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ قَالُوا: إنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْوَلِيمَةِ بِالزَّوْجَةِ وَنَدْبِهَا لِلتَّسَرِّي، إذْ لَوْ اُخْتُصَّتْ بِالزَّوْجَةِ لَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي كَوْنِهَا زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُولِمْ عَلَى نِسَائِهِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ» فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ (وَفِي قَوْلٍ) كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ (أَوْ وَجْهٍ) كَمَا فِي غَيْرِهِ (وَاجِبَةٌ) عَيْنًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّابِقِ، وَالْأَوَّلُ حَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَسَائِرِ الْوَلَائِمِ، وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالشَّاةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَوَجَبَتْ، وَهِيَ لَا تَجِبُ إجْمَاعًا لَا عَيْنًا وَلَا كِفَايَةً. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَكَحَ أَرْبَعًا هَلْ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ أَوْ يَكْفِيه، أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَالْعُقُودِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا) أَيْ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ (فَرْضُ عَيْنٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ؛ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 404 وَقِيلَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ سُنَّةٌ. وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً لَمْ تَجِبْ فِي الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ،   [مغني المحتاج] لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ (وَقِيلَ) الْإِجَابَةُ إلَيْهَا فَرْضُ (كِفَايَةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ النِّكَاحِ وَالتَّمْيِيزُ عَنْ السِّفَاحِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحُصُولِ الْبَعْضِ (وَقِيلَ: سُنَّةٌ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ فَلَمْ يَجِبْ كَغَيْرِهِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَجِبُ قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَتَابَعَاهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ إلَيْهَا عَدَمُ الْإِجَابَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَائِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: يَطَّرِدُ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، فَفِي مُسْلِمٍ: «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» وَفِي أَبِي دَاوُد: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» وَقَضِيَّتُهُمَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ، وَبِهِ أَجَابَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَإِنَّمَا تَجِبُ) الْإِجَابَةُ (أَوْ تُسَنُّ) كَمَا مَرَّ (بِشَرْطِ) أَيْ بِشُرُوطٍ مِنْهَا (أَنْ لَا يَخُصَّ) بِالدَّعْوَةِ (الْأَغْنِيَاءَ) لِغِنَاهُمْ لِخَبَرِ: " شَرُّ الطَّعَامِ " بَلْ يَعُمُّ عَشِيرَتَهُ، أَوْ جِيرَانَهُ، أَوْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ النَّاسِ لِتَعَذُّرِهِ، بَلْ لَوْ كَثُرَتْ عَشِيرَتُهُ أَوْ نَحْوُهَا، أَوْ خَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ، أَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُهَا، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عُمُومِ الدَّعْوَةِ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّخْصِيصِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَوْ لِغَيْرِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ لَوْ خَصَّصَ بِذَلِكَ الْفُقَرَاءَ كَانَ أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ طَعَامُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ وَفَسَادِ تَصَرُّفِهِ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ كَاسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ إجَابَتُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا أَيْضًا، فَلَوْ دَعَا مُسْلِمٌ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَ) مِنْهَا (أَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ أَوْ أَكْثَرَ (لَمْ تَجِبْ) إجَابَتُهُ (فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي) قَطْعًا بَلْ تُسَنُّ فِيهِ (وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ) وَفِيمَا بَعْدَهُ، فَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْوَلِيمَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَفِي الثَّالِثِ - أَيْ وَفِيمَا بَعْدَهُ - رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» نَعَمْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابُ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَتِهِمْ، أَوْ صِغَرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 405 وَأَنْ لَا يُحْضِرَهُ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ وَلَا مُنْكَرٌ،   [مغني المحتاج] مَنْزِلِهِ، أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دَعَا النَّاسَ إلَيْهَا أَفْوَاجًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ أَوْلَمَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا تُطْلَبُ إجَابَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَالِهِ لَا بِإِتْلَافِهِ. نَعَمْ إنْ اتَّخَذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْحُضُورِ (وَ) مِنْهَا (أَنْ لَا يُحْضِرَهُ) أَيْ يَدْعُوَهُ (لِخَوْفٍ) مِنْهُ لَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ (أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ) أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ، بَلْ لِلتَّوَدُّدِ وَالتَّقَرُّبِ، وَكَذَا لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، لَا إنْ نَادَى فِي النَّاسِ، كَأَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اُدْعُ مَنْ شِئْت، أَوْ افْتَحْ الْبَابَ وَقَالَ لِيَحْضُرْ مَنْ أَرَادَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ حِينَئِذٍ لَا يُورِثُ وَحْشَةً. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ إلَى الدَّاعِي وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ وَإِلَّا زَالَ الْوُجُوبُ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ، فَلَوْ دَعَاهُ اثْنَانِ أَجَابَ السَّابِقَ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا ثُمَّ دَارًا. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوَهُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ حَرَامٌ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَتُبَاحُ الْإِجَابَةُ، وَلَا تَجِبُ إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي زَمَانِنَا اهـ. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةً وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ لَهَا وَلَا لِلْمَدْعُوِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ حُرًّا، فَلَوْ دَعَا عَبْدًا لَزِمَهُ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حُضُورُهُ بِكَسْبِهِ، فَإِنْ ضَرَّ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَوَجْهَانِ: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَالْمَحْجُورُ فِي إبَاحَةِ الدَّعْوَةِ كَالرَّشِيدِ، وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا كُلُّ ذِي وِلَايَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي ظَالِمًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ شِرِّيرًا أَوْ مُتَكَلَّفًا طَلَبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ، قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْعُوِّ حَقٌّ كَأَدَاءِ شَهَادَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ (وَ) مِنْهَا (أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ) أَيْ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ (مَنْ يَتَأَذَّى) الْمَدْعُوُّ (بِهِ، أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ) كَالْأَرَاذِلِ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأَذِّي فِي الْأَوَّلِ وَالْغَضَاضَةِ فِي الثَّانِي، وَلَا أَثَرَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاعِي، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْوَلِيمَةِ عَدُوٌّ لَهُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الظَّاهِرَةَ عُذْرٌ (وَ) مِنْهَا أَنْ (لَا) يُوجَدَ ثَمَّ (مُنْكَرٌ) كَخَمْرٍ، أَوْ مَلَاهٍ مُحَرَّمَةٍ، لِحَدِيثِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 406 فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ. وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ حَرِيرٍ وَصُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ دَاعِيَةٌ إلَى بِدْعَةٍ وَلَا يَقْدِرُ الْمَدْعُوُّ عَلَى رَدِّهِ، وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُضْحِكُ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ آنِيَةُ نَقْدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (فَإِنْ كَانَ) الْمُنْكَرُ (يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ) حَتْمًا إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِحُضُورِهِ حَرُمَ الْحُضُورُ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى حَضَرَ نَهَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا وَجَبَ الْخُرُوجُ إلَّا إنْ خَافَ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ وَخَافَ وَقَعَدَ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْمَعُ لِمَا يَحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ وَالْأَكْلِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي جِوَارِ بَيْتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ حَرُمَ الْحُضُورُ عَلَى مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ قَالَهُ الشَّارِحُ نَاقِلًا لَهُ نَقْلَ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قُلْتُهَا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ، فَقُلْت لَهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَالَهَا الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فَسَكَتَ، وَيُؤَيَّدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. (وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ) أَيْ فِرَاشُ (حَرِيرٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ افْتِرَاشِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ فِي كِتَابِ السِّيَرِ: لَا يُنْكَرُ إلَّا الْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا لَمْ يُخَالِفْ سُنَّةً صَحِيحَةً، وَالسُّنَّةُ قَدْ صَحَّتْ بِالنَّهْيِ عَنْ الِافْتِرَاشِ، فَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافٍ يُصَادِمُ النَّصَّ، وَلِهَذَا حَدَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَارِبَ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ الْفُرْجَةَ عَلَى الزِّينَةِ حَرَامٌ أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ لِلرِّجَالِ، فَأَمَّا دَعْوَةُ النِّسَاءِ خَاصَّةً فَيَنْبَنِي عَلَى افْتِرَاشِهِنَّ لِلْحَرِيرِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَهُنَّ فَلَا فَرْقَ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالِافْتِرَاشِ يُخْرِجُ سِتْرَ الْجِدَارِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَوْ حَذَفَ الْحَرِيرَ وَقَالَ كَالْغَزَالِيِّ: وَفَرْشُ غَيْرِ حَلَالٍ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ فَرْشَ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ، وَفَرْشَ جُلُودِ النُّمُورِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ الْمَصْدَرُ أَعْنِي الْفَرْشَ لَا الْفِرَاشَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَطْوِيًّا وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ (وَ) مِنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ (صُورَةُ حَيَوَانٍ) آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ مَعْهُودٍ كَفَرَسٍ أَمْ لَا كَآدَمِيٍّ بِجَنَاحَيْنِ مَرْفُوعَةٌ كَأَنْ كَانَتْ (عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ) مَنْصُوبَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَوْ سِتْرٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ مُعَلَّقٌ لِزِينَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ) عَلَى (ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مِنْ أَجْلِ النُّمْرُقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا التَّصَاوِيرُ، فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّا أَذْنَبْت. فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ هَذِهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 407 وَيَجُوزُ مَا عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطٍ وَمِخَدَّةٍ.   [مغني المحتاج] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ» وَلِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِالْأَصْنَامِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ دُخُولِ الْبَيْتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ عَدَمِ تَحْرِيمِهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَلْ دُخُولُ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ الْمَصْنُوعَةُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ وَجْهَانِ، وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَبِالْكَرَاهَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيّ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ اهـ. وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُمْ مَالُوا إلَى الْكَرَاهَةِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَلَكِنْ حَكَى فِي الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّخُولِ غَيْرُ الْحُضُورِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَكَصُوَرِ الْحَيَوَانِ فِي ذَلِكَ فُرُشُ الْحَرِيرِ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَخَرَجَ بِكَوْنِ الصُّورَةِ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ، إذَا كَانَتْ فِي الْمَمَرِّ، فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ الَّذِي عَلَى بَابِهِ صُوَرٌ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَبِالْوِسَادَةِ الْمَنْصُوبَةِ غَيْرُ الْمَنْصُوبَةِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ التَّجْوِيزُ فِي الْمِخَدَّةِ، وَالْوِسَادَةُ وَالْمِخَدَّةُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ، وَجُمِعَ بَيْنَ كَلَامِهِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَازِ فِي الْمِخَدَّةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي يُتَّكَأُ عَلَيْهَا، وَبِالْمَنْعِ فِي الْوِسَادَةِ الْكَبِيرَةِ الْمَنْصُوبَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَتَعْبِيرُ الْكِتَابِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنَايَةً بِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَثَوْبٌ مَلْبُوسٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُنْكَرًا فِي حَالِ كَوْنِهِ مَلْبُوسًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يُرَادُ لِلُّبْسِ، سَوَاءٌ كَانَ مَلْبُوسًا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَمْ مُعَلَّقًا أَمْ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِتَابِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ صُورَةِ الْحَيَوَانِ لُعَبُ الْبَنَاتِ فَلَا تَحْرُمُ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْعُلَمَاءِ: «وَلِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحِكْمَتُهُ تَدْرِيبُهُنَّ أَمْرَ التَّرْبِيَةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ، وَالْمَرْأَةُ إنْ دَعَتْ نِسَاءً فَكَمَا فِي الرِّجَالِ (وَيَجُوزُ مَا) أَيْ صُورَةُ حَيَوَانٍ كَائِنَةٌ (عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطٍ) يُوطَأُ (وَمِخَدَّةٍ) يُتَّكَأُ عَلَيْهَا وَآنِيَةٍ تُمْتَهَنُ الصُّوَرُ بِاسْتِعْمَالِهَا كَطَبَقٍ وَخِوَانٍ وَقَصْعَةٍ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُهَانُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرَتْ عَلَى صُفَّةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الْأَجْنِحَةِ فَأَمَرَ بِنَزْعِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ: «قَطَعْنَا مِنْهَا وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْتَفِقُ بِهِمَا» كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْقَطْعِ فِي مَوْضِعِ الصُّورَةِ فَزَالَتْ وَجُعِلَتْ وِسَادَةً اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 408 وَمَقْطُوعُ الرَّأْسِ وَصُورَةُ شَجَرٍ. وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ. وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ، فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ. وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ،   [مغني المحتاج] وَلِأَنَّ مَا يُوطَأُ وَيُطْرَحُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْمَنْقُوشَةُ عَلَى دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقُهَا بِالثَّوْبِ أَيْ غَيْرِ الْمَلْبُوسِ لِامْتِهَانِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَجْوِيزَ اسْتِعْمَالِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَإِنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ التَّصْوِيرِ عَلَى الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَتَعْبِيرُهُ أَوَّلًا بِالْوِسَادَةِ وَثَانِيًا بِالْمِخَدَّةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. (وَ) يَجُوزُ مُرْتَفِعٌ (مَقْطُوعُ الرَّأْسِ وَصُورَةُ شَجَرٍ) وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ كَشَمْسٍ وَقَمَرٍ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قَالَ لَهُ الْمُصَوِّرُ: لَا أَعْرِفُ صَنْعَةً غَيْرَهَا: " قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فَصَوِّرْ مِنْ الْأَشْجَارِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ ". (وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَسَوَاءٌ أَعَمِلَ لَهَا رَأْسًا أَمْ لَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا جَوَازُ التَّصْوِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ قَطْعِ رُءُوسِهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَصْوِيرٍ عَلَى الْحِيطَانِ أَوْ الْأَرْضِ أَوْ نَسْجِ الثِّيَابِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. (وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ، بِدَلِيلِ رِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيِّ: «فَإِنْ كَانَ صَائِمًا دَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ إذَا كَانَ مُفْطِرًا فَخَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ لِمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَنُّ لَهُ الْأَكْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَقَلُّهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لُقْمَةٌ (فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ) مِنْ الْمَدْعُوِّ (فَالْفِطْرُ) لَهُ (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِ الصَّوْمِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ لِجَبْرِ خَاطِرِ الدَّاعِي: «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمْسَكَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ وَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ. قَالَ لَهُ: يَتَكَلَّفُ لَك أَخُوك الْمُسْلِمُ، وَتَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟ أَفْطِرْ، ثُمَّ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالْإِمْسَاكُ أَفْضَلُ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَمَّا صَوْمُ الْفَرْضِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَلَوْ مُوَسَّعًا كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ. (وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ) مِنْ مَالِكِ الطَّعَامِ اكْتِفَاءً بِالْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا فِي الشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَاتِ فِي الطُّرُقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ لَفْظِ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَنْتَظِرُ حُضُورَ غَيْرِهِ فَلَا يَأْكُلْ إلَّا بِإِذْنٍ لَفْظًا أَوْ بِحُضُورِ الْغَيْرِ لِاقْتِضَاءِ الْقَرِينَةِ عَدَمَ الْأَكْلِ بِدُونِ ذَلِكَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 409 وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِالْأَكْلِ. وَلَهُ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَاهُ بِهِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَرَاذِلِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا بَيْنَ أَيْدِي الْأَمَاثِلِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِمْ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ. قَالَ: إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ بِلَفْظٍ وَلَا عُرْفٍ بَلْ الْعُرْفُ زَاجِرٌ عَنْهُ، وَأَنَّ الضَّيْفَ لَا يَأْكُلُ جَمِيعَ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ قَلِيلًا يَقْتَضِي الْعُرْفُ أَكْلَ جَمِيعِهِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ بِذَلِكَ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الشِّبَعِ أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ رِضَا مَالِكِهِ، وَإِنَّهُ لَوْ زَادَ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ اهـ. وَحَدُّ الشِّبَعِ أَنْ لَا يُعَدَّ جَائِعًا، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ الْحَلَالِ فَمَكْرُوهٌ، وَكَذَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إذَا عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ الضَّيْفُ يَأْكُلُ كَعَشَرَةٍ مَثَلًا وَمُضِيفُهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فِي الْمِقْدَارِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا فَأَكَلَ لُقَمًا كِبَارًا مُسْرِعًا حَتَّى يَأْكُلَ أَكْثَرَ الطَّعَامِ وَيَحْرِمَ أَصْحَابَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ التَّطَفُّلُ، وَهُوَ حُضُورُ الْوَلِيمَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا عَلِمَ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأُنْسِ وَالِانْبِسَاطِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِالدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ، أَمَّا الْعَامَّةُ كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ لِيَدْخُلَ مَنْ شَاءَ فَلَا تَطَفُّلَ، وَالتَّطْفِيلُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّطَفُّلِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى طُفَيْلٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ يَأْتِي الْوَلَائِمَ بِلَا دَعْوَةٍ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ طُفَيْلُ الْأَعْرَاسِ (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ (إلَّا بِالْأَكْلِ) لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ عُرْفًا فَلَا يُطْعِمُ سَائِلًا وَلَا هِرَّةً إلَّا إنْ عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ، وَلِلضَّيْفِ تَلْقِيمُ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُفَاضِلَ الْمُضِيفُ طَعَامَهُمَا، فَلَيْسَ لِمَنْ خُصَّ بِنَوْعٍ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ، سَوَاءٌ أَخُصَّ بِالنَّوْعِ الْعَالِي أَمْ بِالسَّافِلِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِمَنْ خُصَّ بِالْعَالِي، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُكْرَهُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ الضِّيفَانِ فِي الطَّعَامِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ الْخَاطِرِ. تَنْبِيهٌ: يَمْلِكُ الْمُضِيفُ مَا الْتَقَمَهُ بِوَضْعِهِ فِي فَمِهِ عَلَى مَا اقْتَضَى كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ الْقَاضِي وَالْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِازْدِرَادِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: يَمْلِكَهُ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يَمْلِكُ الْأَخْذَ أَوْ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ؟ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يُعِيرُ الْمُسْتَعِيرُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ كَالْعَارِيَّةِ لَا أَنَّهُ مَلَكَ الْعَيْنَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ جَوَازَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ النَّازِلُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، إذَا شَرَطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَدَّمُوا لِلضَّيْفِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ. (وَلَهُ) أَيْ الضَّيْفِ (أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَاهُ) أَيْ الْمُضِيفِ (بِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الضِّيَافَةِ عَلَى طِيبِ النَّفْسِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ وَلَوْ بِالْقَرِينَةِ رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 410 وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرُهُ فِي الْإِمْلَاكِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ، وَتَرْكَهُ أَوْلَى.   [مغني المحتاج] وَبِمِقْدَارِ الْمَأْخُوذِ وَبِحَالِ الْمُضِيفِ وَبِالدَّعْوَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ التَّحْرِيمُ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَإِذَا عَلِمَ رِضَاهُ يَنْبَغِي لَهُ مُرَاعَاةُ النَّصَفَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا يَخُصَّهُ أَوْ يَرْضَوْنَ بِهِ عَنْ طَوْعٍ لَا عَنْ حَيَاءٍ. (وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ) وَهُوَ رَمْيُهُ مُفَرَّقًا (وَغَيْرُهُ) كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ (فِي الْإِمْلَاكِ) عَلَى الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ وَفِي الْخِتَانِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَلَا يُكْرَهُ) النَّثْرُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَكِنْ تَرْكُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى مَا يُشْبِهُ النُّهْبَةَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْهَا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِلدَّنَاءَةِ فِي الْتِقَاطِهِ بِالِانْتِهَابِ (وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ) لِأَنَّ مَالِكَهُ إنَّمَا طَرَحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ (وَ) لَكِنَّ (تَرْكَهُ أَوْلَى) كَالنَّثْرِ، هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا يُخَالِفُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى كَرَاهَةِ النَّثْرِ وَالِالْتِقَاطِ إنْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى. نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ النَّاثِرَ لَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدَحْ الِالْتِقَاطُ فِي مُرُوءَةِ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ أَوْلَى، وَيُكْرَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْهَوَاءِ بِإِزَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ الْتَقَطَهُ أَوْ بَسَطَ حِجْرَهُ لَهُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْ حِجْرَهُ لَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَصْدُ تَمَلُّكٍ وَلَا فِعْلٌ، لَكِنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَهُ غَيْرُهُ، وَفِيمَا إذَا دَخَلَ السَّمَكُ مَعَ الْمَاءِ حَوْضَهُ، وَفِيمَا إذَا وَقَعَ الثَّلْجُ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ، وَفِيمَا إذَا أَحْيَا مَا تَحَجَّرَهُ غَيْرُهُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُحْيِيَ يَمْلِكُ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَيْلُهُمْ إلَى الْمَنْعِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ غَيْرُ مَالِكٍ، فَلَيْسَ الْإِحْيَاءُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّوَرِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ النِّثَارِ أَنَّ مَنْ أَخَذَهُ لَا يَمْلِكُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّارِحُ، بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهَا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَبْوَابِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِيمَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَالصَّبِيُّ يَمْلِكُ مَا الْتَقَطَهُ وَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مَا الْتَقَطَهُ رَقِيقُهُ. خَاتِمَةٌ: فِي آدَابِ الْأَكْلِ: تُسَنُّ التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَوْ مِنْ جُنُبٍ وَحَائِضٍ لِلْأَمْرِ بِهَا فِي الْأَكْلِ وَيُقَاسُ بِهِ الشُّرْبُ، وَلَوْ سَمَّى مَعَ كُلِّ لُقْمَةٍ فَهُوَ حَسَنٌ، وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَأَكْمَلُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ تُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَوَّلَهُ أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي أَثْنَائِهِ أَتَى بِهَا فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَقَيَّأُ مَا أَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ، وَيُسَنُّ الْحَمْدُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ وَيَجْهَرُ بِهِمَا لِيُقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا، وَيُسَنُّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، لَكِنَّ الْمَالِكَ يَبْتَدِئُ بِهِ فِيمَا قَبْلَهُ وَيَتَأَخَّرُ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إلَى كَرَمِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ لِلِاتِّبَاعِ، وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ كَحِكَايَةِ الصَّالِحِينَ عَلَى الطَّعَامِ وَتَقْلِيلُ الْكَلَامِ أَوْلَى، وَيُسَنُّ لَعْقُ الْإِنَاءِ وَالْأَصَابِعِ، وَأَكْلُ سَاقِطٍ لَمْ يَتَنَجَّسْ، أَوْ تَنَجَّسَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ تَطْهِيرُهُ وَطَهُرَ، وَيُسَنُّ مُوَاكَلَةُ عَبِيدِهِ وَصِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَأَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ بَلْ يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَقُومُ الْمَالِكُ عَنْ الطَّعَامِ وَغَيْرُهُ يَأْكُلُ مَا دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً إلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 411 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْأَكْلِ وَمِثْلُهُ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ، وَأَنْ يُرَحِّبَ بِضَيْفِهِ وَيُكْرِمَهُ، وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى حُصُولِهِ ضَيْفًا عِنْدَهُ، وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا وَهُوَ الْجَالِسُ مُتَعَمِّدًا عَلَى وِطَاءٍ تَحْتَهُ كَقُعُودِ مَنْ يُرِيدُ الْإِكْثَارَ مِنْ الطَّعَامِ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ الْمَائِلُ إلَى جَنْبِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُضْطَجِعُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ وَمِنْ الْأَعْلَى وَالْوَسَطِ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِيذَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ نَحْوُ الْفَاكِهَةِ مِمَّا يُتَنَقَّلُ بِهِ فَيَأْخُذُ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ، وَيُكْرَهُ تَقْرِيبُ فَمِهِ مِنْ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَقَعُ مِنْ فَمِهِ إلَيْهِ شَيْءٌ وَذَمُّهُ، لَا قَوْلُهُ لَا أَشْتَهِيهِ أَوْ مَا اعْتَدْت أَكْلَهُ، وَيُكْرَهُ نَفْضُ يَدِهِ فِي الْقَصْعَةِ وَالشُّرْبُ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ، وَالْأَكْلُ بِالشِّمَالِ وَالتَّنَفُّسُ وَالنَّفْخُ فِي الْإِنَاءِ، وَالْبُزَاقُ وَالْمُخَاطُ حَالَ أَكْلِهِمْ، وَقَرْنُ تَمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا كَعِنَبَتَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ. وَيُسَنُّ لِلضَّيْفِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُضِيفِ كَأَنْ يَقُولَ: أَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَكُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَقُرَيْشٍ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَشْرَبَ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ بِالتَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِهَا وَبِالْحَمْدِ فِي أَوَاخِرِهَا، وَيَقُولُ فِي آخِرِ الْأَوَّلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَيَزِيدُ فِي الثَّانِي: رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي الثَّالِثِ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنْ يَنْظُرَ فِي الْكُوزِ قَبْلَ الشُّرْبِ، وَلَا يَتَجَشَّأُ فِيهِ بَلْ يُنَحِّيهِ عَنْ فَمِهِ بِالْحَمْدِ وَيَرُدَّهُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَالشُّرْبُ قَائِمًا خِلَافُ الْأَوْلَى. وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ يَلْتَقِطَ فُتَاتَ الطَّعَامِ، وَأَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِضَيْفِهِ وَلِغَيْرِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ: كُلْ، وَيُكَرِّرَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يَتَخَلَّلَ، وَلَا يَبْتَلِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَسْنَانِهِ بِالْخِلَالِ بَلْ يَرْمِيهِ، وَيَتَمَضْمَضُ بِخِلَافِ مَا يَجْمَعُهُ بِلِسَانِهِ مِنْ بَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَبْلَعُهُ، وَأَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ أَكْلِهِ اللَّحْمَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ الْخُبْزِ حَتَّى يَسُدَّ الْخَلَلَ، وَأَنْ لَا يَشُمَّ الطَّعَامَ، وَلَا يَأْكُلَهُ حَارًّا حَتَّى يَبْرُدَ. وَمِنْ آدَابِ الضَّيْفِ: أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَأَنْ لَا يَجْلِسَ فِي مُقَابَلَةِ حُجْرَةِ النِّسَاءِ وَسُتْرَتِهِنَّ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ. وَمِنْ آدَابِ الْمُضِيفِ: أَنْ يُشَيِّعَ الضَّيْفَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى بَابِ الدَّارِ، وَيَنْبَغِي لِلْآكِلِ أَنْ يُقَدِّمَ الْفَاكِهَةَ ثُمَّ اللَّحْمَ ثُمَّ الْحَلَاوَةَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْفَاكِهَةُ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَائِدَةِ بَقْلٌ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 412 كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ يَخْتَصُّ الْقَسْمُ بِزَوْجَاتٍ. وَمَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ لَزِمَهُ عِنْدَ مَنْ بَقِيَ.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ] كِتَابُ الْقَسْمِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالنَّصِيبُ، وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالسِّينِ: الْيَمِينُ (وَالنُّشُوزُ) هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّرْجَمَةِ وَعِشْرَةُ النِّسَاءِ، إذْ هُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ (يَخْتَصُّ الْقَسْمُ) أَيْ وُجُوبُهُ (بِزَوْجَاتٍ) أَيْ بِثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فَأَكْثَر وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ حَرَائِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا} [النساء: 3] أَيْ فِي الْقَسْمِ الْوَاجِبِ {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَأَشْعَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا دَخْلَ لِلْإِمَاءِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ فِيهِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ مَعَ زَوْجَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الْوُجُوبُ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي الْإِمَاءِ كَيْ لَا يَحْقِدَ بَعْضُ الْإِمَاءِ عَلَى بَعْضٍ. وَيُسَنُّ أَيْضًا عَدَمُ تَعْطِيلِهِنَّ. تَنْبِيهٌ: إدْخَالُ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ خِلَافُ الْكَثِيرِ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ، فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لِدَعْوَى بَعْضِهِمْ الْقَلْبَ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَلَا الرَّجْعِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِتَعَارُضِ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضَى. (وَ) الْمُرَادُ مِنْ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ اللَّيْلُ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ، بَلْ (مَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ) بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لَزِمَهُ) وَلَوْ عِنِّينًا وَمَجْبُوبًا وَمَرِيضًا الْمَبِيتُ (عِنْدَ مَنْ بَقِيَ) مِنْهُنَّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَوْ سَاقِطٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ وَيُطَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ فِي مَرَضِهِ حَتَّى رَضِينَ بِتَمْرِيضِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ وَالْمَرَضَ لَا يُسْقِطُ الْقَسْمَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] وَلَكِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْسِمُ تَكَرُّمًا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 413 وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ لَمْ يَأْثَمْ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ إذَا بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ عِنْدَ إرَادَتِهِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ الِابْتِدَاءُ بِوَاحِدَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ: بَاتَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ نَهَارًا يَجُوزُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ لِعَدَمِ الْبَيْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ بَاتَ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ بِاللَّيْلِ غَالِبًا، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاتَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى صَارَ، فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] . وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّشَاطِ وَالشَّهْوَةِ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا فِي سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى بَعْضِهِنَّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ. . وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ نِسَائِهِ بِالتَّبَرُّعِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ اسْتَوْحَشَ بِذَلِكَ، وَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ. (وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ) ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ نَوْبَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ) الَّتِي لَيْسَ تَحْتَهُ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهُنَّ وَلَا عِنْدَهَا (لَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا مَرَّ فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَسُكْنَى الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي دَاعِيَةٍ الطَّبْعِ مَا يُغْنِي عَنْ إيجَابِهِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ الطَّلَبُ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْإِثْمِ عَدَمُ الطَّلَبِ بِدَلِيلِ الْمَدْيُونِ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الدَّفْعِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ) مِنْ الْمَبِيتِ وَلَا الْوَاحِدَةَ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ أَوْ عِنْدَهَا وَيُحْصِنَهَا وَيُحْصِنَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفُجُورِ، وَأَوْلَى دَرَجَاتِ الْوَاحِدَةِ أَنْ لَا يُخَلِّيَهَا كُلَّ أَرْبَعِ لَيَالٍ عَنْ لَيْلَةٍ اعْتِبَارًا بِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ. قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَنَامَا فِي فِرَاشٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 414 وَتَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ، لَا نَاشِزَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكَنٍ دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَإِنْ انْفَرَدَ فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ   [مغني المحتاج] وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ فِي الِانْفِرَادِ، سِيَّمَا إذَا عَرَفَ حِرْصَهَا عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَقَالَ: (وَيَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ) وَقَرْنَاءُ (وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ) وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ وَمُحْرِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ لَا يَخَافُ مِنْهَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ بِهَا عُذْرٌ شَرْعِيٌّ أَوْ طَبِيعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأُنْسُ لَا الِاسْتِمْتَاعُ. أَمَّا الْمَجْنُونَةُ الَّتِي يَخَافُ مِنْهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَهِيَ مُسَلِّمَةٌ لَهُ فَلَا يَجِبُ لَهَا قَسْمٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِنَا: وَضَابِطُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا وَلَمْ تَكُنْ مُطَلَّقَةً لِتَخْرُجَ الرَّجْعِيَّةُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَرِيضَةِ الْقَسْمَ مَا لَوْ سَافَرَ بِنِسَائِهِ فَتَخَلَّفَتْ وَاحِدَةٌ لِمَرَضٍ فَلَا قَسْمَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَضَابِطُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا تَسْتَحِقُّهُ أَمَةٌ لَمْ تُسَلِّمْ لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَلَا الْمَحْبُوسَةُ، وَلَا الْمَغْصُوبَةُ، وَ (لَا نَاشِزَةٌ) بِخُرُوجِهَا عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا كَأَنْ خَرَجَتْ مِنْ مَسْكَنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ لَمْ تَفْتَحْ لَهُ الْبَابَ لِيَدْخُلَ، أَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا بِلَا عُذْرٍ لَهَا كَمَرَضٍ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ دَعَاهَا فَاشْتَغَلَتْ بِحَاجَتِهَا، أَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، وَفِي مَعْنَى النَّاشِزِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَنُشُوزُ الْمَجْنُونَةِ كَالْعَاقِلَةِ لَكِنَّهَا لَا تَأْثَمُ. وَضَابِطُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ: كُلُّ زَوْجٍ عَاقِلٍ وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ سَفِيهًا أَوْ مُرَاهِقًا، فَإِنْ جَارَ أَوْ تَقَطَّعَ وَلَمْ يَنْضَبِطْ فَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الطَّوَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، سَوَاءٌ أَمِنَ مِنْهُ الضَّرَرَ أَمْ لَا، إلَّا إنْ طُولِبَ بِقَضَاءِ قَسْمٍ وَقَعَ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْجِمَاعُ يَنْفَعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ مَالَ إلَيْهِ بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَدْعُوَهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَطُوفَ بِهِ عَلَى بَعْضِهِنَّ، وَيَدْعُوَ بَعْضَهُنَّ إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ بِحَسَبِ مَا يَرَى. وَإِذَا قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ فِي الْجُنُونِ وَأَفَاقَ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى اُنْتُظِرَتْ إفَاقَةُ الْأُخْرَى وَقَضَى فِيهَا إقَامَتَهُ عِنْدَ تِلْكَ فِي الْجُنُونِ، فَإِنْ ضَرَّهُ الْجِمَاعُ بِقَوْلِهِمْ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ تَقَطَّعَ الْجُنُونُ وَانْضَبَطَ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ قَسَمَ بِنَفْسِهِ أَيَّامَ الْإِفَاقَةِ وَيَلْغُو أَيَّامُ الْجُنُونِ كَأَيَّامِ الْغَيْبَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يُرَاعَى الْقَسْمُ فِي أَيَّامِ الْإِفَاقَةِ وَيُرَاعِيهِ الْوَلِيُّ فِي أَيَّامِ الْجُنُونِ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَوْبَةٌ مِنْ هَذِهِ وَنَوْبَةٌ مِنْ هَذِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَأَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْأُمِّ أَنَّ عَلَى الْمَحْبُوسِ الْقَسْمَ، وَأَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ إتْيَانِهِ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْهُ. وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ: إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْوِينَ مَعَهُ فِيهِ فَهُنَّ عَلَى حَقِّهِنَّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْلُحَ لِلسُّكْنَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُنَّ لِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الرِّجَالِ هُنَاكَ أَوْ مُنِعَ مِنْ النِّسَاءِ سَقَطَ الْقَسْمُ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ حَبَسَتْهُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ عَلَى حَقِّهَا فَلَيْسَ لِلْأُخْرَى أَنْ تَبِيتَ مَعَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِئَلَّا يَتَّخِذَ الْحَبْسَ مَسْكَنًا. (فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ) الزَّوْجُ عَنْ نِسَائِهِ (بِمَسْكَنٍ) لَهُ (دَارَ) وُجُوبًا (عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ) تَوْفِيَةً لِحَقِّ الْقَسْمِ (وَإِنْ انْفَرَدَ) بِمَسْكَنٍ (فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 415 إلَيْهِنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ وَدُعَاءِ بَعْضٍ، إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا. وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ وَيَدْعُوهُنَّ إلَيْهِ. وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا.   [مغني المحتاج] إلَيْهِنَّ) اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِيَانَةً لَهُنَّ عَنْ الْخُرُوجِ (وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ) إلَى مَسْكَنِهِ وَعَلَيْهِنَّ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُنَّ فَهِيَ نَاشِزَةٌ أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ عُذِرَتْ وَبَقِيَتْ عَلَى حَقِّهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ مَنَعَهَا مَرَضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرَضِ الْمَعْجُوزِ مَعَهُ عَنْ الرُّكُوبِ. وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ وَخَفَرٍ وَلَمْ تَعْتَدِ الْبُرُوزَ فَلَا تَلْزَمُهَا إجَابَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا فِي بَيْتِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الرُّويَانِيُّ. وَأَمَّا الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدَانِ وَنَحْوُهَا، فَإِنْ بَعَثَ لَهَا مَرْكُوبًا وَوِقَايَةً مِنْ الْمَطَرِ فَلَا عُذْرَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عُذْرًا، وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ) مِنْ نِسَائِهِ (وَدُعَاءِ بَعْضٍ) مِنْهُنَّ لِمَسْكَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَلِمَا فِي تَفْضِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ. وَالثَّانِي: لَا كَمَا لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ. وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُمْ الْأَقَلُّونَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافَرَةِ بِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقُرْعَةِ، وَهِيَ تَدْفَعُ الْوَحْشَةَ وَإِنْ أَقْرَعَ هُنَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ أَنْ يُحْمَلَ النَّصُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا) دُونَ الْأُخْرَى (أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا) لِكَوْنِهَا جَمِيلَةً مَثَلًا دُونَ غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا دَمِيمَةً أَوْ حَصَلَ تَرَاضٍ أَوْ قُرْعَةٌ كَمَا مَرَّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَيَلْزَمُ مَنْ دَعَاهَا الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَبَتْ بَطَلَ حَقُّهَا. (وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (وَيَدْعُوهُنَّ) أَيْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ (إلَيْهِ) لِأَنَّ إتْيَانَ بَيْتِ الضَّرَّةِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا يَلْزَمُهُنَّ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَجَبْنَ فَلِصَاحِبَةِ الْبَيْتِ الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مِلْكَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى فِيهِ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَاوُد. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالْإِقَامَةِ يَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ مَكَثَ أَيَّامًا لَا عَلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ رَضِينَ كُلُّهُنَّ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ قَالَ: إلَّا بِرِضَاهُنَّ كَالَّتِي بَعْدَهَا لَكَانَ أَوْلَى. (وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يَجْمَعَ) وَلَوْ لَيْلَةً وَاحِدَةً (بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ) فَأَكْثَر (فِي مَسْكَنٍ) أَيْ بَيْتٍ وَاحِدٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّبَاغُضِ (إلَّا بِرِضَاهُمَا) فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ الرِّضَا كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالْمَسْكَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي السَّفَرِ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِخَيْمَةٍ وَمَرَافِقٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِي إيجَابِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِالزَّوْجِ، وَضَرَرُ الزَّوْجَاتِ لَا يَتَأَبَّدُ فَيُحْتَمَلُ، وَإِذَا رَضِيَتَا بِالْبَيْتِ الْوَاحِدِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: كُرِهَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 416 وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا. وَالْأَصْلُ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ، فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ فَعَكْسُهُ. وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةٍ عَلَى أُخْرَى لَيْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ،   [مغني المحتاج] الْمُرُوءَةِ، وَظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى نَصِّهِ فِي الْأُمِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْعِشْرَةِ وَطَرْحِ الْحَيَاءِ اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَرَى عَوْرَةَ الْأُخْرَى، وَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ، وَلَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِالِامْتِنَاعِ قَالَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ قَوْلِهِمَا بِكَرَاهَةِ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: ضَرَّتَيْنِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ فَسَّرَ الضَّرَّةَ بِالزَّوْجَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُمَا كَالزَّوْجَتَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَا الزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ السُّرِّيَّةَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا؛ لِأَنَّ لَهُ جَمْعَ إمَائِهِ بِمَسْكَنٍ وَهِيَ أَمَةٌ، وَلَوْ اشْتَمَلَتْ دَارٌ عَلَى حُجُرَاتٍ مُفْرَدَةِ الْمَرَافِقِ جَازَ إسْكَانُ الضَّرَّاتِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَالْعُلْوُ وَالسُّفْلُ إنْ تَمَيَّزَتْ الْمَرَافِقُ مَسْكَنَانِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ زَمَانِ الْقَسْمِ وَقَدْرِهِ، فَقَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُقِيمِ (أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا) وَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ التَّوَارِيخُ الشَّرْعِيَّةُ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَشْهُرِ اللَّيَالِي، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ اللَّيْلِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْوَجْهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَبْقَى فِي حَانُوتِهِ إلَى هُدْوَةٍ مِنْ اللَّيْلِ. (وَالْأَصْلُ) فِي الْقَسْمِ مِنْ مُقِيمٍ مَعِيشَتُهُ نَهَارًا (اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ (وَالنَّهَارُ تَبَعٌ) لَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِشَارِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67] (فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ) وَوَقَّادِ حَمَّامٍ (فَعَكْسُهُ) فَيَكُونُ النَّهَارُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا وَاللَّيْلُ تَبَعٌ لَهُ لِسُكُونِهِ بِالنَّهَارِ وَمَعَاشِهِ بِاللَّيْلِ، فَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ تَارَةً بِالنَّهَارِ وَتَارَةً بِاللَّيْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْسِمَ لِوَاحِدَةٍ لَيْلَةً تَابِعَةً وَنَهَارًا مَتْبُوعًا وَلِأُخْرَى عَكْسُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَعِمَادُهُ وَقْتُ نُزُولِهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ وَالسُّكُونَ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْخَلْوَةُ إلَّا حَالَةَ السَّيْرِ كَأَنْ كَانَ بِمِحَفَّةٍ وَحَالَةُ النُّزُولِ يَكُونُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي نَحْوِ خَيْمَةٍ كَانَ عِمَادُ قَسْمِهِ حَالَةَ سَيْرِهِ دُونَ حَالَةِ نُزُولِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ. (وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ مَنْ لَيْلُهُ أَصْلٌ (دُخُولٌ) وَلَوْ لِحَاجَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَعِيَادَةٍ (فِي نَوْبَةٍ عَلَى) زَوْجَةٍ (أُخْرَى لَيْلًا) لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ ذَاتِ النَّوْبَةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْأَوَّلِ عَمَّنْ عِمَادُهُ النَّهَارُ فَإِنَّ لَهُ الدُّخُولَ لَيْلًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَوَّلُ نَهَارًا، وَلَوْ قَالَ وَمَا جَعَلْنَاهُ أَصْلًا لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَكَانَ أَشْمَلَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ) وَشِدَّةِ الطَّلْقِ، وَخَوْفِ النَّهْبِ وَالْحَرْقِ، وَقَدْ يَخْرُجُ مَا لَوْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 417 وَحِينَئِذٍ إنْ طَالَ مُكْثُهُ قَضَى وَإِلَّا فَلَا. وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ   [مغني المحتاج] الدُّخُولَ لِيَتَبَيَّنَ حَالَ الْمَرَضِ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةٍ (إنْ طَالَ مُكْثُهُ) عُرْفًا (قَضَى) مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا مِثْلَ مُكْثِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَمَثَّلَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا طُولَ الْمُكْثِ بِسَاعَةٍ طَوِيلَةٍ، وَنَقَلَا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَقْدِيرَهُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ كَمَا مَرَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ (فَلَا) يَقْضِي لِقِلَّتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَأْثَمُ انْتَهَى، وَلَا وَجْهَ لِتَأْثِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا تَعَدَّى بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ الْمُكْثَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْضِي إذَا دَخَلَ بِلَا ضَرُورَةٍ وَطَالَ مُكْثُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ قَضَى إنْ طَالَ مُكْثُهُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ يَعْصِي، وَلَوْ جَامَعَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا عَصَى، وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَكَانَ لِضَرُورَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَاللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ وَيُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ لَا إلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ لَا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَيَقْضِي الْمُدَّةَ دُونَ الْجِمَاعِ لَا إنْ قَصُرَتْ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ مَا إذَا بَقِيَتْ الْمَظْلُومَةُ فِي نِكَاحِهِ، فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومَةُ بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاءَ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لِلْبَاقِيَاتِ، فَلَوْ فَارَقَ الْمَظْلُومَةَ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ، ثُمَّ إنْ عَادَتْ بَعْدَ فِرَاقِ مَنْ ظَلَمَ بِهَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لَهَا، وَلَوْ أُخْرِجَ فِي اللَّيْلِ ظُلْمًا كُرْهًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: فِي الْحَاوِي. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَهُ قَضَاءُ الْفَائِتِ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَعْصِي بِطَلَاقِ مَنْ لَمْ تَسْتَوْفِ حَقَّهَا بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِدْعِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ الْعِصْيَانُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَعَادَهَا وَلَوْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَالْمُسْتَوْفِيَة مَعَهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ بَعْدَ طَلَاقٍ قَضَى الْمُعَادَةَ حَقَّهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَحْسِبُ مُبِينَتَهُ مَعَ الْمَظْلُومَةِ عَنْ الْقَضَاءِ قَبْلَ عَوْدِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِذَلِكَ. (وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ) أَوْ أَخْذِ (مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ) كَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ وَتَعْرِيفِ خَبَرٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطَّوَّفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ جَوَازُ الدُّخُولِ لِلضَّرُورَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَيَنْبَغِي) إذَا دَخَلَ نَهَارًا لِمَا ذُكِرَ (أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الْمُكْثِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَإِنْ طَالَ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِلنَّصِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ) أَيْ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 418 وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ. وَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي الْإِقَامَةِ نَهَارًا. وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ لَيْلَةٌ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ ثَلَاثًا، لَا زِيَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ بِالْحَاجَةِ، وَرَأَيْت بَعْضَ الشُّرَّاحِ ضَعَّفَ مَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَبَعْضَهُمْ ضَعَّفَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَقْضِي إذَا طَالَ كَمَا فِي اللَّيْلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لِحَاجَةٍ عَمَّا إذَا دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ، وَسَيَأْتِي (وَ) الصَّحِيحُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْوَطْءُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَأَنَّ مَنْ عِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ النَّهَارُ أَنَّ نَهَارَهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ (وَ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ) نَهَارًا (بِلَا سَبَبٍ) أَيْ يَقْضِي زَمَنَ الْإِقَامَةِ لِتَعَدِّيهِ، لَا أَنَّهُ يَقْضِي الِاسْتِمْتَاعَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَبَعٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا طَالَ الزَّمَنُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقَ. (وَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي) قَدْرِ (الْإِقَامَةِ نَهَارًا) لِتَبَعِيَّتِهِ لِلَّيْلِ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِشَارِ وَالتَّرَدُّدِ، وَقَدْ يَكْثُرُ فِي يَوْمٍ وَيَقِلُّ فِي آخَرَ، وَالضَّبْطُ فِيهِ عَسِرٌ بِخِلَافِ اللَّيْلِ، وَمَنْ عِمَادُ قَسْمَتِهِ النَّهَارُ فَبِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَرِيضَتَانِ وَلَا مُتَعَهِّدَ لَهُمَا يَقْسِمُ اللَّيَالِيَ عَلَيْهِمَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّمْرِيضِ لَا بِالْقُرْعَةِ وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ إنْ بَرِئَتَا، فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرِيضَةُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْسَبُ مِنْ نَوْبَتِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مُتَعَهِّدٌ فَلَا يَبِيتُ عِنْدَهَا إلَّا فِي نَوْبَتِهَا. (وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ) لِمُقِيمٍ عَمَلُهُ نَهَارًا (لَيْلَةٌ) لَيْلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْوِيشِ الْعَيْشِ وَعُسْرِ ضَبْطِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَلَا بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى، وَأَمَّا طَوَافُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُنَّ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَأَمَّا مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ كَالْحَارِسِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبْعِيضُهُ كَتَبْعِيضِ اللَّيْلَةِ مِمَّنْ يَقْسِمُ لَيْلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِسُهُولَةِ الضَّبْطِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ نَوْبَةً بِالْإِفْرَادِ اسْتَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِ لَيْلَةِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَفْظَةُ " أَقَلُّ " مَزِيدَةٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَقْرُبَ عَهْدُهُ بِهِنَّ (وَيَجُوزُ) لَيْلَتَيْنِ وَ (ثَلَاثًا) بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى لَيْلَةٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (لَا زِيَادَةَ) عَلَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: وَإِنْ تَفَرَّقْنَ فِي الْبِلَادِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُهَاجَرَةِ، وَلِإِيحَاشِ الْبَاقِيَاتِ بِطُولِ الْمُقَامِ عِنْدَ الضَّرَّةِ وَقَدْ يَمُوتُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَيَفُوتُ حَقُّهُنَّ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ إلَى سَبْعٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُدَّةَ تَرَبُّصِ الْمُولِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 419 وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ لِلِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ. وَلَا يُفَضِّلُ فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ،   [مغني المحتاج] الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ، أَمَّا إذَا رَضِينَ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ قَطْعًا. (وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ) عَلَى الزَّوْجِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (لِلِابْتِدَاءِ) بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُنَّ تَحَرُّزًا عَنْ التَّرْجِيحِ مَعَ اسْتِوَائِهِنَّ فِي الْحَقِّ فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا، فَإِذَا مَضَتْ نَوْبَتُهَا أَقْرَعَ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، ثُمَّ بَيْنَ الْأُخْرَيَيْنِ، فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ رَاعَى التَّرْتِيبَ وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْقُرْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَ بِلَا قُرْعَةٍ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ أَقْرَعَ لِلِابْتِدَاءِ، وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ، أَمَّا إذَا رَضِينَ بِتَقْدِيمِ وَاحِدَةٍ لَمْ يُمْتَنَعْ ذَلِكَ (وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَيَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ. (وَلَا يُفَضِّلُ) بَعْضَ نِسَائِهِ (فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضِيلَةٍ كَشَرَفٍ وَإِسْلَامٍ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ شُرِعَ لِلْعَدْلِ وَاجْتِنَابِ التَّفْضِيلِ الْمُفْضِي لِلْوَحْشَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ التَّفْضِيلِ مَسْأَلَتَيْنِ: أَشَارَ لِإِحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ) لِحَدِيثٍ فِيهِ مُرْسَلٍ، رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَضَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ: فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْقَسْمَ اسْتِمْتَاعٌ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا غَالِبًا عَلَى النِّصْفِ إذْ لَا تُسَلِّمُ لَهُ إلَّا لَيْلًا، وَخَالَفَ حَقَّ الزِّفَافِ، إذْ الْغَرَضُ فِيهِ زَوَالُ الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْأَمَةِ مَعَ الْحُرَّةِ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يَسْبِقَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِشُرُوطِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ رَقِيقًا أَوْ مُبَعَّضًا، وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ: وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْأَمَةِ جَدِيدَةً إلَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْأَمَةُ الْقَسْمَ إذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ بِأَنْ تَكُونَ مُسَلِّمَةً لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْحُرَّةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَحَقُّ الْقَسْمِ لَهَا لَا لِسَيِّدِهَا فَهِيَ الَّتِي تَمْلِكُ إسْقَاطَهُ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَظِّ فِي الْقَسْمِ لَهَا كَمَا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَهَا لَا لَهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ جَوَازَ لَيْلَتَيْنِ لَهَا إذَا كَانَ لِلْحُرَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الشَّرْطُ لَيْلَةً لَهَا وَلَيْلَتَيْنِ لِلْحُرَّةِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا النَّقْصُ عَنْهُ لِئَلَّا يُزَادَ الْقَسْمُ عَلَى ثَلَاثٍ أَوْ يَنْقُصَ عَنْ لَيْلَةٍ وَهُمَا مُمْتَنِعَانِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَطْرَأْ الْعِتْقُ، فَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ لَيْلَتَيْ الْحُرَّةِ وَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْحُرَّةِ فَالثَّانِيَةُ مِنْ لَيْلَتَيْهَا لِلْعَتِيقَةِ ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ لَهَا عَلَى لَيْلَةٍ، وَإِلَّا فَلَهُ تَوْفِيَةُ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا، وَإِقَامَةُ مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَتِيقَةِ، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَلَهُ إتْمَامُهَا وَيَبِيتُ مَعَ الْعَتِيقَةِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ خَرَجَ حِينَ الْعِتْقِ إلَى مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتِ صَدِيقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ إلَى الْعَتِيقَةِ لَمْ يَقْضِ مَا مَضَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ اللَّيْلَةِ حَقًّا لِلْحُرَّةِ فَيَجِبُ إذَا كَمَّلَ اللَّيْلَةَ أَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهَا فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ إذَا خَرَجَ فَوْرًا. . أُجِيبَ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّ نِصْفَيْ اللَّيْلَةِ كَالثَّلَاثَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 420 وَتَخْتَصُّ بِكْرٌ جَدِيدَةٌ عِنْدَ زِفَافٍ بِسَبْعٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَثَيِّبٌ بِثَلَاثٍ، وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ،   [مغني المحتاج] أَيَّامٍ، وَالسَّبْعَةِ فِي حَقِّ الزِّفَافِ لِلثَّيِّبِ، فَالثَّلَاثُ حَقٌّ لَهَا، وَإِذَا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا قَضَى الْجَمِيعَ كَمَا سَيَأْتِي، فَكَذَا إذَا أَقَامَ النِّصْفَ الثَّانِيَ قَضَاهُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ تَمَامَ اللَّيْلَةِ، كَمَا إذَا طَلَبَتْ الثَّيِّبُ السَّبْعَةَ وَإِلَّا فَيَقْضِي الزَّائِدَ فَقَطْ، وَعَنْ الشِّقِّ الثَّانِي بِأَنَّ الْعَتِيقَةَ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ لَهَا اسْتِحْقَاقٌ نَظِيرَ النِّصْفِ الْمَقْسُومِ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ، فَالْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمَا تَكُونُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا، فَإِذَا اشْتَرَى صَاحِبُ الثُّلُثِ السُّدُسَ مِنْ الْآخَرِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا مَضَى. وَإِنْ عَتَقَتْ فِي لَيْلَتِهَا قَبْلَ تَمَامِهَا زَادَهَا لَيْلَةً؛ لِالْتِحَاقِهَا بِالْحُرَّةِ قَبْلَ الْوَفَاءِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِعِتْقِهَا فِي يَوْمِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْأَمَةِ وَعَتَقَتْ فِي لَيْلَتِهَا فَكَالْحُرَّةِ فَيُتِمَّهَا، ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا، أَوْ عَتَقَتْ بَعْدَ تَمَامِهَا، أَوْفَى الْحُرَّةَ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ اسْتَوْفَتْ لَيْلَتَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا فَتَسْتَوْفِي الْحُرَّةُ بِإِزَائِهَا لَيْلَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ الْأَمَةُ بِعِتْقِهَا حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا أَدْوَارٌ وَهُوَ يَقْسِمُ لَهَا قَسْمَ الْإِمَاءِ قَضَى الزَّوْجُ لَهَا مَا مَضَى إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ الْقَضَاءِ وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ الْقَضَاءَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَتَخْتَصُّ) وُجُوبًا زَوْجَةٌ (بِكْرٌ جَدِيدَةٌ) أَيْ جَدَّدَهَا عَلَى مَنْ فِي عِصْمَتِهِ زَوْجَةٌ يَبِيتُ عِنْدَهَا وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَافِرَةً (عِنْدَ زِفَافٍ) وَهُوَ حَمْلُ الْعَرُوسِ لِزَوْجِهَا (بِسَبْعٍ) وَلَاءٍ (بِلَا قَضَاءٍ) لِلْبَاقِيَاتِ (وَ) تَخْتَصُّ وُجُوبًا زَوْجَةٌ (ثَيِّبٌ) وَهِيَ الَّتِي إذْنُهَا النُّطْقُ (بِثَلَاثٍ) وَلَاءٍ بِلَا قَضَاءٍ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «سَبْعٌ لِلْبِكْرِ وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ» وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ زَوَالُ الْحِشْمَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ، وَزِيدَ لِلْبِكْرِ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِ أَنَّ الثَّلَاثَ مُغْتَفَرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَالسَّبْعَ عَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ، فَإِنْ فَرَّقَ ذَلِكَ لَمْ تُحْسَبْ؛ لِأَنَّ الْحِشْمَةَ لَا تُزَالُ بِالْمُفَرَّقِ وَاسْتَأْنَفَ وَقَضَى الْمُفَرَّقَ لِلْأُخْرَيَاتِ، وَخَرَجَ بِجَدِيدَةٍ مَنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ تَوْفِيَةِ حَقِّ الزِّفَافِ، فَإِنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا زِفَافَ لَهَا، بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَبِخِلَافِ مُسْتَفْرَشَةٍ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا حَقُّ الزِّفَافِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَدِيدَةِ حَقُّ الزِّفَافِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا وَجَبَ لَهُمَا حَقُّ الزِّفَافِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْقَسْمَ وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا لِخَبَرِ أَنَسٍ، فَقَدْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ طُرُقًا فِيهَا الصَّرَاحَةُ بِمَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مُقَيَّدَةً بِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ، وَدَخَلَ فِي الثَّيِّبِ الْمَذْكُورَةُ مَنْ كَانَتْ ثُيُوبَتُهَا بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَخَرَجَ بِهَا مَنْ حَصَلَتْ ثُيُوبَتُهَا بِمَرَضٍ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا) أَيْ الثَّيِّبِ (بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ) لِلْبَاقِيَاتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 421 وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ. وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَاشِزَةٌ، وَبِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ يَقْضِي لَهَا، وَلِغَرَضِهَا لَا فِي الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] (وَ) بَيْنَ (سَبْعٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ مَعَ قَضَاءٍ لَهُنَّ: «كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حَيْثُ قَالَ لَهَا: إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ» أَيْ بِالْقَسْمِ الْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَلَّثْتُ عِنْدَهُنَّ كَمَا قَالَ: وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، رَوَاهُ مَالِكٌ، وَكَذَا مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَرْ السَّبْعَ بِأَنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، أَوْ اخْتَارَتْ دُونَ سَبْعٍ لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا، كَمَا أَنَّ الْبِكْرَ إذَا طَلَبَتْ عَشْرًا وَبَاتَ عِنْدَهَا مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا زَادَ لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ إذَا اخْتَارَتْ السَّبْعَ فَإِنَّهَا طَمِعَتْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا فَبَطَلَ حَقُّهَا، وَلَوْ زُفَّتْ لَهُ زَوْجَتَانِ مَعًا وَهُوَ مُكْرَهٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِلِابْتِدَاءِ لِحَقِّ الزِّفَافِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا قَدَّمَهَا بِجَمِيعِ السَّبْعِ أَوْ الثَّلَاثِ، فَإِنْ زُفَّتَا مُرَتَّبًا أَدَّى حَقَّ الْأُولَى أَوَّلًا، وَلَوْ زُفَّتْ جَدِيدَةٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ قَدْ وَفَّاهُمَا حَقَّهُمَا وَفَّى الْجَدِيدَةَ حَقَّهَا وَاسْتَأْنَفَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَسْمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ بَقِيَتْ لَيْلَةٌ لِإِحْدَاهُمَا بَدَأَ بِالْجَدِيدَةِ ثُمَّ وَفَّى الْقَدِيمَةَ لَيْلَتَهَا، ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَاتَهَا عِنْدَ الْقَدِيمَةِ كَأَنَّهَا بَيْنَ الْقَدِيمَتَيْنِ، فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَدِيمَتَيْنِ نِصْفُ لَيْلَةٍ فَيَكُونُ لِلْجَدِيدَةِ مَا ذُكِرَ، وَيَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَقْسِمُ لَيْلَتَيْنِ فَتَزَوَّجَ جَدِيدَةً فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةِ إحْدَاهُمَا فَهَلْ يَقْطَعُ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا وَيَقْسِمُ لِلْجَدِيدَةِ أَوْ يُكْمِلُ اللَّيْلَةَ؟ وَجْهَانِ فِي حِلْيَةِ الشَّاشِيِّ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ الزِّفَافِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ مُدَّةَ الزِّفَافِ إلَّا لَيْلًا فَيَتَخَلَّفُ وُجُوبًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا لَيَالِي الْقَسْمِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ لِذَلِكَ وَعَدَمِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ فِي لَيْلَةِ الْجَمْعِ أَوْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا، فَإِنْ خَصَّ لَيْلَةَ بَعْضِهِنَّ بِالْخُرُوجِ أَثِمَ. (وَمَنْ سَافَرَتْ) مِنْهُنَّ (وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ) لِحَاجَتِهَا أَوْ حَاجَتِهِ (فَنَاشِزَةٌ) فَلَا قَسْمَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: إذَا خَرِبَتْ الْبَلَدُ وَارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ فَلَا تَكُونُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ نَاشِزَةً كَخُرُوجِهَا مِنْ الْبَيْتِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ. الثَّانِيَةُ: إذَا سَافَرَ السَّيِّدُ بِالْأَمَةِ بَعْدَ أَنْ بَاتَ الزَّوْجُ عِنْدَ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ، وَعَلَى الزَّوْجِ قَضَاءُ مَا فَاتَ عِنْدَ التَّمَكُّنِ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. أَمَّا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ كَمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، لَكِنَّهَا تَعْصِي. نَعَمْ إنْ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا سَقَطَ حَقُّهَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ: وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ (وَ) مَنْ سَافَرَتْ (بِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ) كَأَنْ أَرْسَلَهَا فِي حَاجَتِهِ (يَقْضِي لَهَا) مَا فَاتَهَا لِلْإِذْنِ وَغَرَضِهِ فَهِيَ كَمَنْ عِنْدَهُ وَفِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ نَفْسُهُ عَنْهَا بِإِرْسَالِهَا (وَ) بِإِذْنِهِ (لِغَرَضِهَا) كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَتِجَارَةٍ (لَا) يَقْضِي لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي قَبْضَتِهِ، وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ رَفْعُ الْإِثْمِ، وَالْقَدِيمُ يَقْضِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 422 وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ حَرُمَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ، وَفِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ وَكَذَا الْقَصِيرَةُ فِي الْأَصَحِّ يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ، وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ سَفَرِهِ. فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا   [مغني المحتاج] لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَلَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَحَاجَةِ نَفْسِهَا اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ وَإِلَّا فَيَلْحَقُ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا مَعًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ السُّقُوطِ وَامْتِنَاعُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ نُشُوزٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْذُورَةً بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ. (وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ) وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ) دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ بَلْ يَنْقُلُهُنَّ أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ، وَإِنْ سَافَرَ بِبَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ، وَلَوْ نَقَلَ بَعْضَهُنَّ بِنَفْسِهِ وَبَعْضَهُنَّ بِوَكِيلِهِ قَضَى لِمَنْ مَعَهُنَّ الْوَكِيلُ فِي الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنْ أَقْرَعَ وَإِلَّا وَجَبَ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكُلَّ جَازَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، بَلْ يَنْقُلُهُنَّ أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ أَطْمَاعِهِنَّ مِنْ الْوِقَاعِ فَأَشْبَهَ الْإِيلَاءَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الدُّخُولِ إلَيْهِنَّ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُنَّ (وَفِي سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ) الْمُبِيحَةِ لِلْقَصْرِ (وَكَذَا الْقَصِيرَةُ) الْمُبَاحَةُ (فِي الْأَصَحِّ يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (بِقُرْعَةٍ) عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ أَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهَا أَوْ يَوْمِ غَيْرِهَا» ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَا تَدْخُلُ نَوْبَتُهَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ، بَلْ إذَا رَجَعَ وَفَّى لَهَا نَوْبَتَهَا. قَالَ: وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهَا وَلَهُ تَرْكُهَا: وَالثَّانِي: لَا يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ فِي التَّقْصِيرِ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى؛ لِأَنَّهُ كَالْإِقَامَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقِيمِ تَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ عَصَى وَقَضَى، فَإِنْ رَضِينَ بِوَاحِدَةٍ جَازَ بِلَا قُرْعَةٍ وَسَقَطَ، وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَفَرِهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا بَعْدَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَيْ يَصِلْ إلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبَعْضَ الْوَاحِدَةَ فَأَكْثَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا إذَا زَنَى وَغَرَّبَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِ زَوْجَتِهِ مَعَهُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ عَنْ الْبَغَوِيِّ (وَ) إذَا سَافَرَ بِالْقُرْعَةِ (لَا يَقْضِي) لِلزَّوْجَاتِ الْمُتَخَلِّفَاتِ (مُدَّةَ سَفَرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْحَبَةَ وَإِنْ فَازَتْ بِصُحْبَتِهِ فَقَدْ لَحِقَهَا مِنْ تَعِبِ السَّفَرِ وَمَشَقَّتِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَخَلِّفَةُ وَإِنْ فَاتَهَا حَظُّهَا مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ تَرَفَّهَتْ بِالدَّعَةِ وَالْإِقَامَةِ، فَتَقَابَلَ الْأَمْرَانِ فَاسْتَوَيَا، وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ الْمُبَاحِ غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ فِيهِ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، فَإِنْ فَعَلَ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ وَبِالزَّوْجَاتِ الْإِمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ. (فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ) بِكَسْرِ الصَّادِ (وَصَارَ مُقِيمًا) بِأَنْ نَوَى إقَامَةً مُؤَثِّرَةً أَوَّلَ سَفَرِهِ، أَوْ عِنْدَ وُصُولِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 423 قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ، لَا الرُّجُوعِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا، وَقِيلَ يُوَالِيهِمَا، أَوْ لَهُنَّ سَوَّى   [مغني المحتاج] مَقْصِدَهُ، أَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ (قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ، هَذَا إنْ سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ. أَمَّا إذَا اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي (لَا) مُدَّةَ (الرُّجُوعِ) بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا فَلَا يَقْضِيهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَا يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ. وَالثَّانِي يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ جَدِيدٌ بِلَا قُرْعَةٍ. أَمَّا إذَا رَجَعَ مِنْ الْمَقْصِدِ قَبْلَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي جَزْمًا لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ السَّفَرِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَصْرِ، فَلَوْ أَقَامَ فِي مَقْصِدِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَزَادَ عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ قَضَى الزَّائِدَ، فَلَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ فَلَا يَقْضِي إلَى أَنْ تَمْضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ اسْتَصْحَبَ وَاحِدَةً بِقُرْعَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَكَتَبَ لِلْبَاقِيَاتِ يَسْتَحْضِرُهُنَّ قَضَى الْمُدَّةَ مِنْ حِينِ كِتَابَتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنْ اسْتَصْحَبَهَا بِلَا قُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَوْ لَمْ يَبِتْ مَعَهَا مَا لَمْ يَخْلُفْهَا فِي بَلَدٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ خَلَفَهَا لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ. (وَمَنْ وَهَبَتْ) مِنْهُنَّ (حَقَّهَا) مِنْ الْقَسْمِ لِغَيْرِهَا (لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا) بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا (فَإِنْ رَضِيَ) بِالْهِبَةِ (وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ) مِنْهُنَّ (بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا) كُلُّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ وَإِنْ كَرِهَتْ «كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهَا بَلْ يَكْفِي رِضَا الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاهِبَةِ، إذْ لَيْسَ لَنَا هِبَةٌ يَقْبَلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ إلَّا هَذِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لَيْلَتَيْهِمَا أَنْ يَقْسِمَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ (وَقِيلَ) فِي الْمُنْفَصِلَتَيْنِ (يُوَالِيهِمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ عَلَى وَقْتِهَا وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى وَقْتِهَا وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، وَالْمِقْدَارُ لَا يَخْتَلِفُ، وَعُورِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ بِينَ اللَّيْلَتَيْنِ، وَبِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَالْمُوَالَاةُ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا جَازَ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَتْ فَأَخَّرَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ إلَيْهَا بِرِضَاهَا تَمَسُّكًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَمَحَلُّ بَيَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَبِتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ إلَّا لَيْلَتَهَا (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُنَّ) كُلِّهِنَّ أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ مُطْلَقًا (سَوَّى) بَيْنَهُنَّ فِيهِ جَزْمًا، فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ أَوْ الْمُسْقِطَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 424 أَوْ لَهُ فَلَهُ التَّخْصِيصُ، وَقِيلَ يُسَوِّي. فَصْلٌ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا وَعَظَهَا بِلَا هَجْرٍ،   [مغني المحتاج] كَالْمَعْدُومَةِ وَيَقْسِمُ لِلْبَاقِيَاتِ (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُ) فَقَطْ (فَلَهُ التَّخْصِيصُ) لِوَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ بِنَوْبَةِ الْوَاهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْحَقَّ لَهُ فَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، وَيَأْتِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ مَا سَبَقَ (وَقِيلَ: يُسَوِّي) بَيْنَهُنَّ وَلَا يُخَصِّصُ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يُورِثُ الْوَحْشَةَ وَالْحِقْدَ فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ كَالْمَعْدُومَةِ، وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ وَلِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَوْ لَهُ وَلِلْجَمِيعِ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ سَأَلْت شَيْخِي عَنْهَا فَأَجَابَ بِأَنَّ حَقَّهَا يُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ كَمَا لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ عَيْنًا لِجَمَاعَةٍ وَالتَّقَدُّمُ بِالْقُرْعَةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبَةِ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَقِّهَا عِوَضًا لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ الضَّرَائِرِ، فَإِنْ أَخَذَتْ لَزِمَهَا رَدُّهُ وَاسْتَحَقَّتْ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ هَذَا الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ عِنْدَهَا لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَلَكَتْهَا عَلَيْهِ. وَقَدْ اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ أَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ فِيهِ جَائِزٌ وَأَخْذُهُ حَلَالٌ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَنْزُولِ لَهُ، بَلْ يَبْقَى الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ، فَإِذَا رَجَعَتْ خَرَجَ فَوْرًا، وَلَا يَرْجِعُ فِي الْمَاضِي قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ، فَإِنْ بَاتَ الزَّوْجُ فِي نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ غَيْرِهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَهَبَتْ حَقَّهَا وَأَنْكَرَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. [فَصْلٌ فِي حُكْمُ الشِّقَاقِ بِالتَّعَدِّي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ] ِ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ أَوْ مِنْهُمَا، وَقَدْ بَدَأَ بِمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهَا بِقَوْلِهِ: فَلَوْ (ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا) فِعْلًا كَأَنْ يَجِدَ مِنْهَا إعْرَاضًا وَعُبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ أَوْ قَوْلًا كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ بِلِينٍ (وَعَظَهَا) نَدْبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: اتَّقِ اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْكِ وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ (بِلَا هَجْرٍ) وَلَا ضَرْبٍ، وَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ، فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبَ عَمَّا وَقَعَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَحَسَنٌ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» . وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ» الجزء: 4 ¦ الصفحة: 425 فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعَظَ وَهَجَرَ فِي الْمَضْجَعِ، وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ.   [مغني المحتاج] وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبَرَّهَا وَيَسْتَمِيلَ قَلْبَهَا بِشَيْءٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «الْمَرْأَةُ ضِلَعٌ أَعْوَجُ إنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ فِيهَا» . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا فَوَّتَ حَقًّا لَهَا مِنْ قَسْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ مَعَهَا حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ (فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ) مِنْهَا (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ) ذَلِكَ مِنْهَا (وَعَظَ) هَا (وَهَجَرَ) هَا (فِي الْمَضْجَعِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ فِي الْهَجْرِ أَثَرًا ظَاهِرًا فِي تَأْدِيبِ النِّسَاءِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَهْجُرَ فِرَاشَهَا فَلَا يُضَاجِعُهَا فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ الْوَطْءِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا هُجْرًا أَيْ إغْلَاظًا فِي الْقَوْلِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَرْبِطَهَا بِالْهِجَارِ، وَهُوَ حَبْلٌ يُرْبَطُ فِيهِ الْبَعِيرُ الشَّارِدُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْهَجْرِ فِي الْمَضْجَعِ عَنْ الْهِجْرَانِ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَجُوزُ الْهَجْرُ بِهِ لَا لِلزَّوْجَةِ وَلَا لِغَيْرِهَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَجُوزُ فِيهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: «فَمَنْ هَجَرَهُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ» وَحَمَلَ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ التَّحْرِيمَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِهَجْرِهَا رَدَّهَا لِحَظِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ رَدَّهَا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَإِصْلَاحَ دِينِهَا فَلَا تَحْرِيمَ، قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُمْ، إذْ النُّشُوزُ حِينَئِذٍ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ اهـ. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجُوزُ هَجْرُ الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ وَنَحْوِهِمَا، وَمَنْ رَجَا بِهَجْرِهِ صَلَاحَ دِينِ الْهَاجِرِ أَوْ الْمَهْجُورِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ هَجْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ، وَأَوَّلُ أَسْمَائِهِمْ حُرُوفُ مَكَّةَ، وَنَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ، وَكَذَا هِجْرَانُ السَّلَفِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ) فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَأَكَّدْ بِالتَّكَرُّرِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا لَوْ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَتَقْدِيرُهُ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] فَإِنْ نَشَزْنَ {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] ، وَالْخَوْفُ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ: وَالْمُرَادُ وَاهْجُرُوهُنَّ إنْ نَشَزْنَ، وَاضْرِبُوهُنَّ إنْ أَصْرَرْنَ عَلَى النُّشُوزِ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ) وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَقَيَّدَ الضَّرْبَ فِيهَا بِعَدَمِ التَّكْرَارِ كَانَ أَوْلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 426 فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا بِلَا سَبَبِ نَهَاهُ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يَجُوزُ الضَّرْبُ إنْ أَفَادَ ضَرْبُهَا فِي ظَنِّهِ وَإِلَّا فَلَا يَضْرِبْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَأْتِي بِضَرْبٍ مُبَرِّحٍ، وَلَا عَلَى الْوَجْهِ وَالْمَهَالِكِ، وَعَبَّرَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِيَنْبَغِي وَهُوَ ضَرْبُ التَّعْزِيرِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ مَزِيدُ بَيَانٍ، وَالْأَوْلَى لَهُ الْعَفْوُ عَنْ الضَّرْبِ، وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى الضَّرْبِ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ لَا عَلَى النَّسْخِ، إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ، فَالْأَوْلَى لَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّ ضَرْبَهُ لِلتَّأْدِيبِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مَصْلَحَةٌ لِنَفْسِهِ، وَالنُّشُوزُ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لَا إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْحَقِّ مِنْهُ، وَلَا إلَى اكْتِسَابِهَا النَّفَقَةَ إذَا أَعْسَرَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَا إلَى اسْتِفْتَاءٍ إذَا لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا فَقِيهًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ لَهَا وَكَمَنْعِهَا الزَّوْجَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَوْ غَيْرَ الْجِمَاعِ لَا مَنْعِهَا لَهُ مِنْهُ تَدَلُّلًا وَلَا الشَّتْمُ لَهُ وَلَا الْإِيذَاءُ لَهُ بِاللِّسَانِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ وَتَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ عَلَيْهِ وَيَتَوَلَّى تَأْدِيبَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَرْفَعُهَا إلَى قَاضٍ لِيُؤَدِّبَهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَعَارًا وَتَنْكِيدًا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا بَعْدُ وَتَوْحِيشًا لِلْقُلُوبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَتَمَتْ أَجْنَبِيًّا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي، وَلَوْ ضَرَبَهَا وَادَّعَى أَنَّهُ بِسَبَبِ نُشُوزٍ وَادَّعَتْ عَدَمَهُ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ فِي الطَّلَبِ. قَالَ: وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي ظَنِّي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ وَلِيًّا فِي ذَلِكَ، وَالْوَلِيُّ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: لَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَضْرِبُ الْمُسْتَحِقُّ مَنْ مَنَعَهُ حَقَّهُ غَيْرَ هَذَا، وَالرَّقِيقُ يَمْتَنِعُ مِنْ حَقِّ سَيِّدِهِ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ عِيَادَةِ أَبَوَيْهَا وَمِنْ شُهُودِ جِنَازَتِهِمَا وَجِنَازَةِ وَلَدِهَا، وَالْأَوْلَى خِلَافُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا) لَهُ (كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ) إذَا طَلَبَتْهُ لِعَجْزِهَا عَنْهُ بِخِلَافِ نُشُوزِهَا فَإِنَّ لَهُ إجْبَارَهَا عَلَى إيفَاءِ حَقِّهِ لِقُدْرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مُكَلَّفًا أَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أُلْزِمَ وَلِيَّهُ تَوْفِيَتَهُ بِشَرْطِهِ (فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا) بِضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ) عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُعَزِّرُهُ (فَإِنْ عَادَ) إلَيْهِ وَطَلَبَتْ تَعْزِيرَهُ مِنْ الْقَاضِي (عَزَّرَهُ) بِمَا يَلِيقُ بِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا. فَائِدَةٌ: الْخُلُقُ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا: السَّجِيَّةُ وَالطَّبْعُ، وَلَهُمَا أَوْصَافٌ حَسَنَةٌ وَأَوْصَافٌ قَبِيحَةٌ. وَقَدْ رُوِيَ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» ، وَقَالَ الْقَائِلُ: بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كُنْ مُتَخَلِّقًا ... لِيَفُوحَ مِسْكُ ثَنَائِكَ الْعَطِرُ الشَّذِي وَانْفَعْ صَدِيقَك إنْ أَرَدْت صَدَاقَةً ... وَادْفَعْ عَدُوَّك بِاَلَّتِي فَإِذَا الَّذِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 427 وَإِنْ قَالَ كُلٌّ: إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ بِثِقَةٍ يُخْبِرُهُمَا وَمَنَعَ الظَّالِمَ، فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا،   [مغني المحتاج] أَيْ بَقِيَّةُ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَزِّرْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ إذَا طَلَبَتْهُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إسَاءَةَ الْخُلُقِ تَكْثُرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهَا يُورِثُ وَحْشَةً بَيْنَهُمَا فَيَقْتَصِرُ أَوَّلًا عَلَى النَّهْيِ لَعَلَّ الْحَالَ يَلْتَئِمُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ وَأَسْكَنَهُ بِجَنْبِ ثِقَةٍ يَمْنَعُ الزَّوْجَ مِنْ التَّعَدِّي عَلَيْهَا، وَهَلْ يُحَالُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: يُحَالُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَعُودَ إلَى الْعَدْلِ، وَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ فِي الْعَدْلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهَا وَشَهَادَةُ الْقَرَائِنِ اهـ. وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ: إنْ ظَنَّ الْحَاكِمُ تَعَدِّيَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَحَقَّقَهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَخَافَ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا لِكَوْنِهِ جَسُورًا حَالَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ عَدَلَ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمَا وَاقْتَصَرَ عَلَى التَّعْزِيرِ لَرُبَّمَا بَلَغَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا يُسْتَدْرَكُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيْلُولَةَ أَرَادَ الْحَالَ الْأَوَّلَ. وَمَنْ ذَكَرَهَا كَالْغَزَالِيِّ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَنْقِيحِهِ أَرَادَ الثَّانِيَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ وَالْإِسْكَانِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَدَّى عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ وَيُعْرِضُ عَنْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تَسْتَعْطِفَهُ بِمَا يُحِبُّ كَأَنْ تَسْتَرْضِيَهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا كَمَا تَرَكَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ، فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ كَمَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إذَا كَرِهَتْ صُحْبَتَهُ لِمَا ذُكِرَ أَنْ يَسْتَعْطِفَهَا بِمَا تُحِبُّ مِنْ زِيَادَةِ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعَدِّي مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ كُلٌّ) مِنْ الزَّوْجَيْنِ (إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ) عَلَيْهِ، وَأَشْكَلَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا (تَعَرَّفَ الْقَاضِي الْحَالَ) الْوَاقِعَ بَيْنَهُمَا (بِثِقَةٍ) وَاحِدٍ (يَخْبُرُهُمَا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ أَوَّلَهُ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَيَكُونُ الثِّقَةُ جَارًا لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ أَسْكَنَهُمَا فِي جَنْبِ ثِقَةٍ يَتَعَرَّفُ حَالَهُمَا ثُمَّ يُنْهِي إلَيْهِ مَا يَعْرِفُهُ، وَاكْتَفَى هُنَا بِثِقَةٍ وَاحِدٍ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ الرِّوَايَةِ لِمَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْعُسْرِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ بَلْ يَكْفِي عَدْلُ الرِّوَايَةِ. وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ مَنْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ (وَ) إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُمَا (مَنَعَ الظَّالِمَ) مِنْهُمَا مِنْ عَوْدِهِ لِظُلْمِهِ، وَطَرِيقُهُ فِي الزَّوْجِ مَا سَلَفَ، وَفِي الزَّوْجَةِ بِالزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ كَغَيْرِهَا (فَإِنْ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ الْخِلَافُ وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّقِّ، وَهُوَ النَّاحِيَةُ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ صَارَ فِي نَاحِيَةٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ دَامَ بَيْنَهُمَا التَّسَابُّ وَالتَّضَارُبُ وَفَحُشَ ذَلِكَ (بَعَثَ) الْقَاضِي (حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمَا بَعْدَ اخْتِلَاءِ حَكَمِهِ بِهِ وَحَكَمِهَا بِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَلَا يُخْفِي حَكَمٌ عَنْ حَكَمٍ شَيْئًا إذَا اجْتَمَعَا وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا أَوْ يُفَرِّقَا بِطَلْقَةٍ إنْ عَسُرَ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَا يَأْتِي لِآيَةِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] وَالْخِطَابُ فِيهَا لِلْحُكَّامِ، وَقِيلَ: لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْبَعْثُ وَاجِبٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمُهِمَّاتِ الِاسْتِحْبَابَ لِنَقْلِ الْبَحْرِ لَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِهِمَا فَمُسْتَحَبٌّ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ إجْمَاعًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 428 وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا، وَفِي قَوْلٍ مُوَلَّيَانِ مِنْ الْحَاكِمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلُ حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّلُ حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ.   [مغني المحتاج] الْحَاكِمِ وَلَا فِي الْوَكِيلِ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِحَكَمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يَتَّهِمُهُ وَلَا يُفْشِي إلَيْهِ سِرَّهُ (وَهُمَا وَكِيلَانِ) فِي الْأَظْهَرِ (لَهُمَا) أَيْ عَنْهُمَا (وَفِي قَوْلٍ) هُمَا حَاكِمَانِ (مُوَلَّيَانِ مِنْ الْحَاكِمِ) وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَالْوَكِيلُ مَأْذُونٌ لَيْسَ بِحَكَمٍ، وَوُجِّهَ الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفِرَاقِ، وَالْبُضْعُ حَقُّ الزَّوْجِ، وَالْمَالُ حَقُّ الزَّوْجَةِ، وَهُمَا رَشِيدَانِ، فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهِمَا؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ إلَّا فِي الْمَوْلَى، وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ: التَّكْلِيفُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالِاهْتِدَاءُ إلَى الْمَقْصُودِ بِمَا بَعَثَا لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الذُّكُورَةُ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ فِيهِمَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمَا وَكِيلَانِ لِتَعَلُّقِ وَكَالَتِهِمَا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ كَمَا فِي أَمِينِهِ (فَيُوَكِّلُ) الزَّوْجُ إنْ شَاءَ (حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّلُ) الزَّوْجَةُ إنْ شَاءَتْ (حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ) لِلْخُلْعِ (وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ) أَيْ الْعِوَضِ كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ، وَيُفَرِّقُ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا إنْ رَأَيَاهُ صَوَابًا، وَإِنْ L 26369 اخْتَلَفَ رَأْيُهُمَا بَعَثَ الْقَاضِي اثْنَيْنِ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْبَعْثِ لَمْ يَجُزْ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ، وَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ نُفِّذَ أَمْرُهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ الْوُكَلَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ بِبَعْثِ الْحَكَمَيْنِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ أَدَّبَ الْقَاضِي الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَاسْتَوْفَى لِلْمَظْلُومِ حَقَّهُ وَيَعْمَلُ بِشَهَادَةِ الْحَكَمَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُشْتَرَطُ فِي الْحَكَمَيْنِ الذُّكُورَةُ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ لَا الِاجْتِهَادُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجَيْنِ بِبَعْثِهِمَا وَيَحْكُمَانِ بِمَا يَرَيَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ. خَاتِمَةٌ: يُعْتَبَرُ. رُشْدُ الزَّوْجَةِ لِيَتَأَتَّى بَذْلُهَا الْعِوَضَ لَا رُشْدُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ خُلْعُ السَّفِيهِ فَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ لِوَكِيلِهِ: خُذْ مَالِي مِنْهَا ثُمَّ طَلِّقْهَا أَوْ طَلِّقْهَا عَلَى أَنْ تَأْخُذَ مَالِي مِنْهَا اُشْتُرِطَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: خُذْ مَالِي مِنْهَا وَطَلِّقْهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ، فَإِنْ قَالَ: طَلِّقْهَا ثُمَّ خُذْ مَالِي مِنْهَا جَازَ تَقْدِيمُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَالتَّوْكِيلِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِيمَا ذُكِرَ التَّوْكِيلُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَأَنْ قَالَتْ: خُذْ مَالِي مِنْهُ ثُمَّ اخْتَلِعْنِي. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 429 كِتَابُ الْخُلْعِ هُوَ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْخُلْعِ] ِ بِضَمِّ الْخَاءِ مِنْ الْخَلْعِ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ النَّزْعُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسُ الْآخَرِ. قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] [الْبَقَرَةُ] فَكَأَنَّهُ بِمُفَارَقَةِ الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ، وَ (هُوَ) فِي الشَّرْعِ (فُرْقَةٌ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (بِعِوَضٍ) مَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ (بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ) كَقَوْلِهِ: طَلَّقْتُك، أَوْ خَالَعْتُكِ عَلَى كَذَا فَتَقْبَلُ، وَسَيَأْتِي صِحَّتُهُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِلَفْظِ طَلَاقٍ لَفْظٌ مِنْ أَلْفَاظِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً وَلَفْظُ الْخُلْعِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي، وَصَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ وَخَرَجَ بِمَقْصُودِ الْخُلْعِ بِدَمٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ، وَدَخَلَ بِرَاجِعٍ لِجِهَةِ الزَّوْجِ وُقُوعُ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ وَلِسَيِّدِهِ، وَمَا لَوْ خَالَعَتْ بِمَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ قَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ مَالِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَصِحُّ رَجْعِيًّا. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: 4] النِّسَاءُ وَالْأَمْرُ بِهِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ لَهُ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الِانْتِفَاعَ بِالْبُضْعِ بِعِوَضٍ جَازَ أَنْ يُزِيلَ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِعِوَضٍ كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، فَالنِّكَاحُ كَالشِّرَاءِ وَالْخُلْعُ كَالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْمَرْأَةِ غَالِبًا، وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مَطْلُوبُ الشَّرْعِ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 430 شَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَلَوْ خَالَعَ   [مغني المحتاج] «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» . قَالَ فِي التَّنْبِيهِ إلَّا فِي حَالَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ يَخَافَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ أَيْ مَا افْتَرَضَهُ فِي النِّكَاحِ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] الْآيَةَ. وَذِكْرُ الْخَوْفِ فِي الْآيَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُ الْخُلْعِ فِي حَالَةِ التَّشَاجُرِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ حَالَةَ الْخَوْفِ وَهِيَ مُضْطَرَّةٌ إلَى بَذْلِ الْمَالِ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِقَالَةِ فِي الْبَيْعِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَيْ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَيَخْلَعُهَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْأَمْرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَلَا يَحْنَثُ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالْفِعْلَةِ الْأُولَى، إذْ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْفِعْلَةَ الْأُولَى وَقَدْ حَصَلَتْ، فَإِنْ خَالَعَهَا وَلَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِنْثِ، فَإِذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ سَبَقَ هَذَا النِّكَاحَ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُصُولُ الْخَلَاصِ بِالْخُلْعِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَى فِعْلِهِ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: دَخَلْت عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فَقَالَ لِي: اسْتَفْتَيْتُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَخَالَعَ فِي الشَّهْرِ فَأَفْتَيْتُ بِتَخَلُّصِهِ مِنْ الْحِنْثِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ خَطَأٌ وَوَافَقَنِي الْبَكْرِيُّ عَلَى التَّخَلُّصِ فَبَيَّنْت لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: ثُمَّ سَأَلْت الْبَاجِيَّ وَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَوَافَقَهُ، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَخْرُجِي فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَالَعَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ وَلَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَمْضِ اللَّيْلُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ تُفَّاحَتَانِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلِأَمَتِهِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتْ تُفَّاحَةُ الطَّلَاقِ وَتُفَّاحَةُ الْعِتْقِ، فَذَكَرَ طَرِيقَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي الْخَلَاصِ، ثُمَّ قَالَ: فَلَوْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَبَاعَ الْأَمَةَ ثُمَّ جَدَّدَ النِّكَاحَ وَاشْتَرَى الْأَمَةَ خَلَصَ، وَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْبَاجِيُّ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ فَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ صُوَرًا أُخْرَى، وَلَا يُكْرَهُ الْخُلْعُ فِيهَا فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ. وَأَرْكَانُ الْخُلْعِ خَمْسَةٌ: مُلْتَزِمٌ لِعِوَضٍ، وَبُضْعٌ، وَعِوَضٌ، وَصِيغَةٌ، وَزَوْجٌ، وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (شَرْطُهُ) أَيْ رُكْنُهُ (زَوْجٌ يَصِحُّ) أَيْ يَنْفُذُ (طَلَاقُهُ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَالزَّوْجُ رُكْنٌ لَا شَرْطٌ، وَكَوْنُهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ شَرْطٌ فِي الزَّوْجِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ كَطَلَاقِهِمْ (فَلَوْ خَالَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 431 عَبْدٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ صَحَّ، وَوَجَبَ دَفْعُ الْعِوَضِ إلَى مَوْلَاهُ وَوَلِيُّهُ. وَشَرْطُ قَابِلِهِ إطْلَاقُ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ، فَإِنْ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنِ مَالِهِ بَانَتْ،   [مغني المحتاج] عَبْدٌ) وَلَوْ مُدَبَّرًا (أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ صَحَّ) بِإِذْنٍ وَدُونَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُطَلِّقَ مَجَّانًا فَبِعِوَضٍ أَوْلَى (وَوَجَبَ دَفْعُ الْعِوَضِ) عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا (إلَى مَوْلَاهُ) أَيْ الْعَبْدِ وَيَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ قَهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ لِاسْتِقْلَالِهِ، وَالْمُبَعَّضُ إنْ خَالَعَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَقَبَضَ فِي نَوْبَتِهِ صَحَّ، وَأَمَّا فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ فَلَا يَقْبِضُ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً قَبَضَ مَا يَخُصُّ حُرِّيَّتَهُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي بِلَا تَرْجِيحٍ يَقْبِضُ أَيْضًا مَا خَالَعَ بِهِ (وَوَلِيُّهُ) أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ سَلَّمَتْ الْعِوَضَ إلَى السَّفِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَهُوَ دَيْنٌ لَمْ تَبْرَأْ وَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ، نَعَمْ إنْ بَادَرَ الْوَلِيُّ فَأَخَذَهُ مِنْهُ بَرِئَتْ: كَمَا فِي الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ رُشْدِهِ، وَهَلْ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَوْجَهُهُمَا لَا، أَوْ وَهُوَ عَيْنٌ وَعَلِمَ الْوَلِيُّ أَخَذَهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَلِفَتْ فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْوَلِيُّ فَتَلِفَتْ فَهِيَ مُفَرِّطَةٌ فَتَضْمَنُ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا قِيمَةَ الْعَيْنِ وَالتَّسْلِيمُ إلَى الْعَبْدِ كَالسَّفِيهِ، لَكِنَّ الْمُخْتَلِعَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِمَا تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ بِخِلَافِ السَّفِيهِ لَا يُطَالَبُ أَصْلًا كَمَا مَرَّ، أَمَّا قَبْضُهَا بِإِذْنٍ فَيَصِحُّ وَلَوْ عَلَّقَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: إنْ دَفَعْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ لَا إلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا مَرَّ مَلَكَهُ قَبْلَ الدَّفْعِ، وَفِي هَذِهِ إنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَعَلَى وَلِيِّهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ حَتَّى تَلِفَ فَلَا غُرْمَ فِيهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ دَفَعَتْهُ إلَى وَلِيِّهِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ خُلْعَ الْمُفْلِسِ لِتَقَدُّمِهِ فِي بَابِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْمُلْتَزِمُ فَقَالَ (وَشَرْطُ قَابِلِهِ) أَيْ الْخُلْعِ أَوْ مُلْتَمِسِهِ لِيَصِحَّ خُلْعُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (إطْلَاقُ تَصَرُّفِهِ فِي الْمَالِ) بِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِثُبُوتِ الْمَالِ، أَمَّا الطَّلَاقُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي قَابِلِهِ ذَلِكَ بَلْ صِحَّةُ عِبَارَتِهِ فَقَطْ. وَلِلْحَجْرِ أَسْبَابٌ خَمْسَةٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً: الرِّقُّ، وَالسَّفَهُ، وَالْمَرَضُ، وَأَسْقَطَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مَعَهُمَا لَغْوٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُخْتَلِعَةُ مُمَيِّزَةً كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْقَبُولِ فَلَا عِبْرَةَ بِعِبَارَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ وَجَعَلَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُمَيِّزَةَ كَالسَّفِيهَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الْأَوَّلِ: فَقَالَ (فَإِنْ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ) لَهَا مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ (بِدَيْنٍ) فِي ذِمَّتِهَا (أَوْ عَيْنِ مَالِهِ) أَيْ السَّيِّدِ أَوْ عَيْنِ مَالِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَخَمْرٍ (بَانَتْ) فِي الْجَمِيعِ لِوُقُوعِهِ بِعِوَضٍ فَاسِدٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا نَجَّزَ الطَّلَاقَ، فَإِنْ قَيَّدَهُ بِتَمْلِيكِ تِلْكَ الْعَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ: كَمَا قَالَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 432 وَلِلزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهَا مَهْرُ مِثْلٍ فِي صُورَةِ الْعَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهَا، وَفِي صُورَةِ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى، وَفِي قَوْلٍ مَهْرُ مِثْلٍ، وَإِنْ أَذِنَ وَعَيَّنَ عَيْنًا لَهُ أَوْ قَدَّرَ دَيْنًا فَامْتَثَلَتْ تُعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَبِكَسْبِهَا فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ اقْتَضَى مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ كَسْبِهَا. وَإِنْ خَالَعَ سَفِيهَةً   [مغني المحتاج] الْمَاوَرْدِيُّ (وَلِلزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهَا) إذَا بَانَتْ (مَهْرُ مِثْلٍ فِي صُورَةِ الْعَيْنِ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ (وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهَا) إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، وَإِلَّا فَمِثْلُهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَدَلِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ لَكَانَ أَعَمَّ (وَفِي صُورَةِ الدَّيْنِ الْمُسَمَّى) كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا كَمَا يَصِحُّ الْتِزَامُ الرَّقِيقِ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ (وَفِي قَوْلٍ مَهْرُ مِثْلٍ) وَرَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ: كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَوَطِئَ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنَّهُ يَتْبَعُهَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ الْآنَ قَطْعًا، وَتَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ فَلَا تَضُرُّ جَهَالَةُ وَقْتِهِ، وَلَوْ خَالَعَتْ الْأَمَةُ بِمَالٍ وَشَرَطَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا فَسَدَ وَرَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْعِتْقِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهَذَا عَجِيبٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُوَافِقُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَيُفْسِدُهُ (وَإِنْ أَذِنَ) السَّيِّدُ لَهَا فِي الِاخْتِلَاعِ وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً كَمَا هُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ (وَعَيَّنَ) لَهَا مِنْ مَالِهِ (عَيْنًا لَهُ) لَهَا تَخْتَلِعُ بِهَا (أَوْ قَدَّرَ) لَهَا (دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهَا كَالدِّينَارِ (فَامْتَثَلَتْ) تَعَلَّقَ الزَّوْجُ (بِالْعَيْنِ) فِي صُورَتِهَا (وَبِكَسْبِهَا فِي) صُورَةِ (الدَّيْنِ) وَبِمَا فِي يَدِهَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ مَأْذُونَةً كَمَهْرِ الْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُكْتَسِبَةً وَلَا مَأْذُونَةً فَفِي ذِمَّتِهَا تُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهَا وَيَسَارِهَا وَلَا يَكُونُ السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي الْخُلْعِ بِالدَّيْنِ ضَامِنًا لَهُ كَمَهْرِ النِّكَاحِ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِيهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ) السَّيِّدُ (الْإِذْنَ) لِأَمَتِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ عَيْنًا وَلَا دَيْنًا (اقْتَضَى مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْ كَسْبِهَا) وَمِمَّا بِيَدِهَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ مَأْذُونَةً كَمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فَامْتَثَلَتْ عَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَالزِّيَادَةُ تُطَالَبُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تُخَالِعَ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ بِرَقَبَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، إذْ لَوْ صَحَّ لَقَارَنَتْ الْفُرْقَةُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ، وَمِلْكُ الْمَنْكُوحَةِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ مَمْلُوكَةٌ لِأَبِيهِ بِمَوْتِهِ فَمَاتَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ لَهَا حَالَةَ مَوْتِ أَبِيهِ يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، فَلَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً طَلُقَتْ لِعِتْقِهَا بِمَوْتِ الْأَبِ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْقِنَّةِ. أَمَّا الْمُبَعَّضَةُ، فَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى مَا مَلَكَتْهُ فَهِيَ كَالْحُرَّةِ، أَوْ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَتْ كَالْأَمَةِ، وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى الْأَمْرَيْنِ صَارَتْ الصَّفْقَةُ جَامِعَةً لِأَمْرَيْنِ حُكْمُهُمَا عَلَى مَا يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْقِنَّةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فِيهَا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ هُنَا، وَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ، وَالْمَنْصُوصَ أَنَّ خُلْعَهَا بِإِذْنٍ كَهُوَ بِلَا إذْنٍ لَا يُطَابِقُ مَا فِي الرَّافِعِيِّ، بَلْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ غَلَطٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّانِي، فَقَالَ (وَإِنْ خَالَعَ) بَعْدَ الدُّخُولِ (سَفِيهَةً) أَيْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِسَفَهٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ كَأَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 433 أَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا. فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ. وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ الْمَرِيضَةِ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ. وَرَجْعِيَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ، لَا بَائِنٍ.   [مغني المحتاج] قَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ (أَوْ قَالَ طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا) وَلَغَا ذِكْرُ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا صَرْفُ مَالِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِبَعْدِ الدُّخُولِ مَا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا وَلَا مَالَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ: وَهُوَ وَاضِحٌ، وَبِمَحْجُورٍ عَلَيْهَا مَا إذَا سَفِهَتْ بَعْدَ رُشْدِهَا وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهَا عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ فِي الْحَالِ أَبْرَأْتُك لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْهُ وَاعْتَمَدَهُ، وَإِنْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، إذْ لَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِبْرَاءُ لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلِلْبُلْقِينِيِّ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِالْإِعْطَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ سَلَخَ الْإِعْطَاءَ عَنْ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ التَّمْلِيكُ إلَى مَعْنَى الْإِقْبَاضِ فَتَطْلُقُ رَجْعِيًّا (فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ) هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَقْتَضِي الْقَبُولَ فَأَشْبَهَتْ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ عَلَى صِفَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهَا، وَلَوْ قَالَ لِرَشِيدَةٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهَا بِسَفَهٍ خَالَعْتُكُمَا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُمَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ مِنْهُمَا، فَإِنْ قَبِلَتَا بَانَتْ الرَّشِيدَةُ لِصِحَّةِ الْتِزَامِهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِلْجَهْلِ بِمَا يَلْزَمُهَا مِنْ الْمُسَمَّى وَطَلُقَتْ السَّفِيهَةُ رَجْعِيًّا لِمَا مَرَّ،. ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبَبِ الثَّالِثِ، فَقَالَ (وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ الْمَرِيضَةِ) أَيْ الَّتِي مَرِضَتْ (مَرَضَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ لَهَا صَرْفَ مَالِهَا فِي أَغْرَاضِهَا وَمَلَاذِّهَا بِخِلَافِ السَّفِيهَةِ كَمَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَنْكِحَ أَبْكَارًا بِمُهُورِ أَمْثَالِهِنَّ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (وَلَا يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا) قَدْرٌ (زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ) بِخِلَافِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَأَقَلِّ مِنْهُ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا هُوَ بِالزَّائِدِ فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ لِخُرُوجِهِ بِالْخُلْعِ عَنْ الْإِرْثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ كَابْنِ عَمٍّ أَوْ مُعْتَقٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَعَلُوا خُلْعَ الْمُكَاتَبِ تَبَرُّعًا وَإِنْ كَانَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ فَهَلَّا كَانَ الْمَرِيضُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ أَتَمُّ، وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، وَيَصِحُّ خُلْعُ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يَبْقَى لِلْوَارِثِ لَوْ لَمْ يُخَالِعْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْبُضْعُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَمْلِكَهُ الزَّوْجُ فَقَالَ (وَ) يَصِحُّ اخْتِلَاعُ (رَجْعِيَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِافْتِدَاءِ لِجَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ، وَيُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا لَوْ عَاشَرَ الرَّجْعِيَّةَ مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ وَانْقَضَتْ الْأَقْرَاءُ أَوْ الْأَشْهُرُ وَقُلْنَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَلَا يُرَاجِعُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ خُلْعُهَا لِأَنَّهَا بَائِنٌ إلَّا فِي الطَّلَاقِ (لَا بَائِنٍ) بِخُلْعٍ أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 434 وَيَصِحُّ عِوَضُهُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً، وَلَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ أَوْ خَمْرٍ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ بِبَدَلِ الْخَمْرِ.   [مغني المحتاج] غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ خُلْعُهَا إذْ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا حَتَّى يُزِيلَهُ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ. قَالَ: وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَطَالِقٌ ثَانِيَةً، وَطَالِقٌ ثَالِثَةً، فَإِنْ أَرَادَ بِالْعِوَضِ الْأُولَى وَقَعَتْ دُونَ الْأَخِيرَتَيْنِ، أَوْ الثَّانِيَةَ وَقَعَتْ الْأُولَتَانِ دُونَ الثَّالِثَةِ. أَوْ الثَّالِثَةَ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ، وَالْخُلْعُ فِي الرِّدَّةِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَفِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَوْقُوفٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْعِوَضُ فَقَالَ (وَيَصِحُّ عِوَضُهُ) أَيْ الْخُلْعِ (قَلِيلًا وَكَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، فَجَازَ بِمَا ذُكِرَ كَالصَّدَاقِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمَنْفَعَةَ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا الْخُلْعُ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ سُكْنَاهَا، فَفِي الْبَحْرِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مِنْ الْمَسْكَنِ حَرَامٌ، فَلَهَا السُّكْنَى وَعَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. ثَانِيَتُهُمَا: الْخُلْعُ عَلَى تَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ فِي الصَّدَاقِ حَيْثُ قَالُوا بِالتَّعَذُّرِ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شُرُوطُ الثَّمَنِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَمَوَّلًا مَعْلُومًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ فَعَلَى هَذَا (لَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ) كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ (أَوْ خَمْرٍ) مَعْلُومَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُتَمَلَّكُ (بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ فَسَادِ الْعِوَضِ (وَفِي قَوْلٍ بِبَدَلِ الْخَمْرِ) وَهُوَ قَدْرُهَا مِنْ الْعَصِيرِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي إصْدَاقِهَا. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِالتَّمْثِيلِ بِالْخَمْرِ إلَى النَّجَسِ الْمَقْصُودِ فَخَرَجَ مَا لَا يُقْصَدُ كَالدَّمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا، فَإِنَّ الدَّمَ قَدْ يُقْصَدُ لِأَغْرَاضٍ، وَرَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا أَغْرَاضٌ تَافِهَةٌ فَهِيَ كَالْعَدَمِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ خُلْعَ الْكُفَّارِ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَالٍ صَحِيحٌ كَمَا فِي أَنْكِحَتِهِمْ، فَإِنْ وَقَعَ إسْلَامٌ بَعْدَ قَبْضِهِ كُلِّهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، أَوْ قَبْلَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهِ فَالْقِسْطُ، وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى عَيْنٍ فَتَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً أَوْ مُعَيَّنَةً فَرَدَّهَا، أَوْ فَاتَتْ مِنْهَا صِفَةٌ مَشْرُوطَةٌ فَرَدَّهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْعِوَضُ فِي يَدِهَا كَالْمَهْرِ فِي يَدِهِ فِي أَنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ، وَقِيلَ: ضَمَانَ يَدٍ، وَمَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ بِالْمَجْهُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْلِيقٌ، أَوْ عُلِّقَ بِإِعْطَاءِ مَجْهُولٍ يُمْكِنُ إعْطَاؤُهُ مَعَ الْجَهَالَةِ. أَمَّا إذَا قَالَ: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك، أَوْ مِنْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَهِيَ جَاهِلَةٌ بِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَمْ يَصِحَّ فَلَمْ يُوجَدْ مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يُوَافِقُهُ، وَفِي كَلَامِ الْقَفَّالِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُخَالِفُهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ: لَوْ قَالَ: إنْ أَبْرَأْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَبْرَأَتْهُ جَاهِلَةً بِهِ لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ إنْ أَبْرَأْتِنِي، وَمَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الصَّدَاقِ، أَوْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا مَا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ زَكَاةٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ وَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ قَدْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ الْفُقَرَاءُ، فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 435 وَلَهُمَا التَّوْكِيلُ، فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ، فَإِنْ نَقَصَ فِيهِمَا   [مغني المحتاج] مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَلَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَالَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي قَدْرِهَا، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. فَائِدَةٌ: الْإِبْرَاءُ مِنْ جِهَةِ الْمُبْرِئِ تَمْلِيكٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُبْرَإِ إسْقَاطٌ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، هَذَا إذَا لَمْ يَئُلْ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى مُعَاوَضَةٍ كَمَا هُنَا وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: أَمَّا فِي الْخُلْعِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ الزَّوْجِ بِمِقْدَارِ مَا أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ. قَالَ: وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُبْرَأِ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْبَيْنُونَةِ بِالْخَمْرِ مَا لَوْ خَالَعَ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجَةِ مِنْ أَبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ عَلَى هَذَا الْخَمْرِ، أَوْ الْمَغْصُوبِ، أَوْ عَبْدِهَا هَذَا، أَوْ عَلَى صَدَاقِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِنِيَابَةٍ وَلَا اسْتِقْلَالٍ، بَلْ أَطْلَقَ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ تَقَعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ رَجْعِيًّا وَلَا مَهْرَ سِوَاهَا. فَرْعٌ: لَوْ خَالَعَهَا بِمَا فِي كَفِّهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ، فَفِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْوَسِيطِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا، وَعَنْ غَيْرِهِ وُقُوعُهُ بَائِنًا. ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ فِيمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَالِ. وَالثَّانِي: فِيمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ فِي كَفِّهَا شَيْئًا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمَعْرُوفُ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وُقُوعُهُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَصَوَّبَهُ فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَاهُ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ مِنْ تَرْجِيحِ أَنَّهَا تَبِينُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا لَوْ خَالَعَهَا بِبَقِيَّةِ مَهْرِهَا وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَوَجَّهَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ الْجَوْجَرِيُّ بِأَنَّ " مَا " فِي " بِمَا " فِي كَفِّهَا نَكِرَةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى شَيْءٍ وَإِسْنَادُهُ إلَى كَفِّهَا يُشْبِهُ إسْنَادَ الْإِقْرَارِ بِشَيْءٍ يَرْفَعُهُ فَيَلْغُو. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُشْكِلُ بِوُقُوعِهِ رَجْعِيًّا فِي خُلْعٍ بِدَمٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ لَا يُقْصَدُ كَمَا مَرَّ فَذِكْرُهُ صَارِفٌ لِلَّفْظِ عَنْ الْعِوَضِ بِخِلَافِ خُلْعِهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا شَيْء فِيهِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالسُّكُوتِ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْنُونَةَ وَوُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ فَسَدَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ مَعْلُومٍ نَشَأَ فَاسِدُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَهَالَةِ فَيَصِحُّ فِي الصَّحِيحِ، وَيَجِبُ فِي الْفَاسِدِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ. (وَ) يَجُوزُ (لَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (التَّوْكِيلُ) فِي الْخُلْعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ الْوَكِيلِ (فَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (لِوَكِيلِهِ: خَالِعْهَا بِمِائَةٍ) مِنْ دَرَاهِمَ مَثَلًا مَعْلُومَةٍ (لَمْ يَنْقُصْ) وَكِيلُهُ (مِنْهَا) لِأَنَّهُ دُونَ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَأَفْهَمَ جَوَازَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا قَطْعًا كَمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمِائَةٍ وَثَوْبٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِيمَا إذَا زَادَ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْهُ مِنْ زَيْدٍ بِكَذَا فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُحَابَاتَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلْعَ إنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا عِنْدَ الشِّقَاقِ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْعُدُ قَصْدُ الْمُحَابَاةِ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْإِذْنَ لِوَكِيلِهِ كَخُلْعِهَا بِمَالٍ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ (لَمْ يَنْقُصْ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ) لِأَنَّهُ الْمَرَدُّ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ نَقَصَ فِيهِمَا) بِأَنْ خَالَعَ بِدُونِ الْمِائَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 436 لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي قَوْلٍ يَقَعُ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا اخْتَلِعْ بِأَلْفٍ فَامْتَثَلَ نَفَذَ، وَإِنْ زَادَ فَقَالَ اخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهَا بِوَكَالَتِهَا بَانَتْ، وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ الْأَكْثَرُ مِنْهُ وَمِمَّا سَمَّتْهُ، وَإِنْ. أَضَافَ الْوَكِيلُ الْخُلْعَ إلَى نَفْسِهِ فَخُلْعُ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ.   [مغني المحتاج] فِي الْأُولَى وَبِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِيَةِ نَقْصًا فَاحِشًا وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا (لَمْ تَطْلُقْ) لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا لَا يَنْفُذْ بَيْعُهُ فِي مِثْلِ هَذَا (وَفِي قَوْلِهِ يَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِمَهْرِ مِثْلٍ) لِفَسَادِ الْمُسَمَّى بِنَقْصِهِ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمُرَادِ، وَرَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، بِخِلَافِ الْأُولَى لِلْمُخَالَفَةِ فِيهَا لِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: يَلْتَحِقُ بِنُقْصَانِهِ عَنْ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ مَا لَوْ خَالَعَ بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ (وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا: اخْتَلِعْ بِأَلْفٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا (فَامْتَثَلَ نَفَذَ) لِوُقُوعِهِ كَمَا أَمَرَتْهُ، كَذَا إنْ اخْتَلَعَ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَفِي تَسْلِيمِ الْوَكِيلِ الْأَلْفَ بِغَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعُ (إنْ زَادَ) وَكِيلُهَا عَلَى مَا سَمَّتْهُ لَهُ (فَقَالَ: اخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ) مَثَلًا (مِنْ مَالِهَا بِوَكَالَتِهَا بَانَتْ) عَلَى النَّصِّ (وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ مِثْلٍ) لِفَسَادِ الْمُسَمَّى بِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ زَائِدًا عَلَى مَا سَمَّتْ لِلْوَكِيلِ أَمْ نَاقِصًا (وَفِي قَوْلٍ:) يَلْزَمُهَا (الْأَكْثَرُ مِنْهُ) أَيْ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَمِمَّا سَمَّتْهُ) لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ فَسَادِ الْمُسَمَّى، فَإِنْ كَانَ الَّذِي سَمَّتْهُ أَكْثَرَ فَقَدْ رَضِيَتْ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَالصَّوَابُ فِيهِ مَا جَوَّزَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِمَّا سَمَّتْهُ هِيَ، وَمِنْ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَمِمَّا سَمَّاهُ الْوَكِيلُ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَا لَمْ يَزِدْ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مُسَمَّى الْوَكِيلِ، فَإِنْ زَادَ وَجَبَ مَا سَمَّاهُ لَاسْتَقَامَ، فَلَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفَيْنِ وَسَمَّتْ أَلْفًا فَسَمَّى الْوَكِيلُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ لَزِمَهَا عَلَى قَضِيَّةِ مَا فِي الْكِتَابِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَلْفَانِ، وَعَلَى مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَلَا يُطَالِبُ وَكِيلُهَا بِمَا لَزِمَهَا إلَّا إنْ ضَمِنَ كَأَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، فَيُطَالِبُ بِمَا سُمِّيَ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ) لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِوَكَالَتِهَا بَلْ. (أَضَافَ الْوَكِيلُ الْخُلْعَ إلَى نَفْسِهِ فَخُلْعُ أَجْنَبِيٍّ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْمَالُ عَلَيْهِ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ إعْرَاضٌ عَنْ التَّوْكِيلِ وَاسْتِبْدَادٌ بِالْخُلْعِ مَعَ الزَّوْجِ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْوَكِيلُ الْخُلْعَ بِأَنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ وَلَا إلَيْهَا وَقَدْ نَوَاهَا (فَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ) لِالْتِزَامِهَا إيَّاهُ (وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ) لِأَنَّهَا لَمْ تَرْضَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَمَّتْهُ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَلْفٌ، لَكِنْ يُطَالِبُ بِمَا سَمَّاهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِعَقْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِمَا سَمَّتْهُ إذَا غَرَّمَهُ، وَلِلزَّوْجِ مُطَالَبَتُهَا بِمَا لَزِمَهَا. وَالثَّانِي: عَلَيْهَا أَكْثَرُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 437 وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ ذِمِّيًّا. وَعَبْدًا وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي قَبْضِ الْعِوَضِ. وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ امْرَأَةً بِخُلْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا. وَلَوْ وَكَّلَا   [مغني المحتاج] الْأَمْرَيْنِ مِمَّا سَمَّتْهُ وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مُسَمَّى الْوَكِيلِ كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ التَّكْمِلَةُ إنْ نَقَصَ عَنْهُ، وَلَوْ أَضَافَ الْوَكِيلُ مَا سَمَّتْهُ إلَيْهَا وَالزِّيَادَةَ إلَى نَفْسِهِ ثَبَتَ الْمَالُ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَطْلَقَتْ التَّوْكِيلَ بِالِاخْتِلَاعِ فَكَأَنَّهَا قَدَّرَتْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَلَا يَزِيدُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ وَعَلَيْهِ مَا زَادَ، كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ خَالَعَ وَكِيلُهَا الزَّوْجَ بِنَحْوِ خَمْرٍ كَخِنْزِيرٍ وَلَوْ بِإِذْنِهَا فِيهِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِعِوَضٍ مَقْصُودٍ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ، وَإِنْ خَالَعَ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِنَحْوِ خَمْرٍ وَكَانَ قَدْ وَكَّلَهُ بِذَلِكَ نَفَذَ أَيْضًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِمَا مَرَّ. نَعَمْ إنْ خَالَفَ وَكِيلُهُ فَأَبْدَلَ خَمْرًا وَكَّلَهُ بِالْخُلْعِ بِهَا بِخِنْزِيرٍ لَغَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ. (وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ فِي الْخُلْعِ وَلَوْ مِنْ مُسْلِمَةٍ (ذِمِّيًّا) أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْكَافِرِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخَالِعُ الْمُسْلِمَةَ أَوْ يُطَلِّقُهَا وَلَوْ كَانَ وَثَنِيًّا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَتَخَلَّفَ وَخَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ حُكِمَ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ. (وَ) يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ (عَبْدًا) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ (وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَلِيُّ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ هُنَا عُهْدَةٌ (وَلَا يَجُوزُ) بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) بِسَفَهٍ (فِي قَبْضِ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ، فَإِنْ وَكَّلَهُ وَقَبَضَ كَانَ الزَّوْجُ مُضَيِّعًا لِمَالِهِ، وَيَبْرَأُ الْمُخَالِعُ بِالدَّفْعِ، قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَحَمَلَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى عِوَضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا تَلِفَ كَانَ عَلَى الْمُلْتَزِمِ وَبَقِيَ حَقُّ الزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ امْتِنَاعَ تَوْكِيلِ الزَّوْجَةِ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَجُوزُ تَوْكِيلُهَا الْكَافِرَ وَالْعَبْدَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهَا فَهِيَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ فِي الْوَكَالَةِ طُولِبَ بِالْمَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِذَا غَرَّمَهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ إذَا قَصَدَ الرُّجُوعَ، وَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِي الْوَكَالَةِ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِكَسْبِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا أَدَّى مِنْ ذَلِكَ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَنْهَا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ إلَّا إذَا أَضَافَ الْمَالَ إلَيْهَا فَتَبِينُ وَيَلْزَمُهَا، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَاخْتِلَاعِ السَّفِيهَةِ. (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (امْرَأَةً بِخُلْعٍ) أَيْ فِي خُلْعِ (زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا) لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تُطَلِّقَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِيمَا إذَا فَوَّضَ طَلَاقَ نَفْسِهَا إلَيْهَا وَهُوَ تَوْكِيلٌ أَوْ تَمْلِيكٌ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا فَهُوَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَمَنْ صَحَّ أَنْ يَمْلِكَ شَيْئًا صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِلُّ بِالطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ تَوْكِيلَ الزَّوْجَةِ امْرَأَةً فِي خُلْعِهَا صَحِيحٌ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعٍ، ثُمَّ وَكَّلَ امْرَأَةً فِي طَلَاقِ بَعْضِهِنَّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِتَضَمُّنِهِ الِاخْتِيَارَ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهَا لِلِاخْتِيَارِ فِي النِّكَاحِ، فَكَذَا اخْتِيَارُ الْفِرَاقِ. (وَلَوْ وَكَّلَا) أَيْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 438 رَجُلًا تَوَلَّى طَرَفًا، وَقِيلَ الطَّرَفَيْنِ. فَصْلٌ الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ، وَفِي قَوْلٍ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَفْظُ الْفَسْخِ كِنَايَةٌ. وَالْمُفَادَاةُ كَخُلْعٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ صَرِيحٌ،   [مغني المحتاج] الزَّوْجَانِ مَعًا (رَجُلًا) فِي الْخُلْعِ (تَوَلَّى طَرَفًا) مِنْهُ أَيْ أَيُّهُمَا شَاءَ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ يَتَوَلَّاهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ وَكِيلُهُ، وَلَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ (وَقِيلَ) يَتَوَلَّى (الطَّرَفَيْنِ) لِأَنَّ الْخُلْعَ يَكْفِي فِيهِ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ ذَلِكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ خُلْعًا ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَتَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِ " فَصْلٌ " فَقَالَ:. [فَصْلٌ فِي الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَتَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ (الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ) يُنْقِصُ الْعَدَدَ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهُ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] الْآيَةَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَسْخًا لِمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ إذْ الْفَسْخُ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ الْبَدَلِ كَمَا أَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِ الثَّمَنِ (وَفِي قَوْلٍ: فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا) وَيَجُوزُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ بَعْدَ تَكَرُّرِهِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِمُعَاوَضَةٍ فَتَكُونُ فَسْخًا كَشِرَاءِ زَوْجَتِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْسُوبٌ إلَى الْقَدِيمِ، وَفِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ شَيْءٌ، لَا فُرْقَةُ طَلَاقٍ وَلَا فَسْخٌ، وَخَرَجَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا قَطْعًا، وَكَذَا إنْ قَصَدَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ الطَّلَاقَ، أَوْ اقْتَرَنَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ كَخَالَعْتُكِ عَلَى طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ. قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَإِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ عَدَدًا إنْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ، أَوْ فَسْخًا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ (لَفْظُ الْفَسْخِ) كَفَسَخْتُ نِكَاحَك بِكَذَا فَقَبِلَتْ (كِنَايَةٌ) فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ عُرْفًا فِيهِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ بِلَا نِيَّةٍ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ لَفْظَ الْفَسْخِ كِنَايَةٌ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ، إذْ اللَّفْظُ لَا يُكَنَّى بِهِ عَنْ لَفْظٍ آخَرَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْفُرْقَةِ بِعِوَضٍ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا طَلَاقٌ. (وَالْمُفَادَاةُ) كَفَادَيْتُكَ بِكَذَا حُكْمُهَا (كَخُلْعٍ) فِي صَرَاحَتِهِ الْآتِيَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُرُودِ لَفْظَةِ الْمُفَادَاةِ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَالثَّانِي: أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ (وَلَفْظُ الْخُلْعِ صَرِيحٌ) فِي الطَّلَاقِ فَلَا يُحْتَاجُ مَعَهُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ لِإِرَادَةِ الْفِرَاقِ فَكَانَ كَالتَّكَرُّرِ فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالنَّشَائِيُّ، وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 439 وَفِي قَوْلٍ كِنَايَةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِالْعَجَمِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا فَقَالَتْ اشْتَرَيْت فَكِنَايَةُ خُلْعٍ، وَإِذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ خَالَعْتُكِ بِكَذَا، وَقُلْنَا: الْخُلْعُ طَلَاقٌ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ   [مغني المحتاج] فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ مَالٌ أَمْ لَا (وَفِي قَوْلٍ) هُوَ (كِنَايَةٌ) فِيهِ يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الطَّلَاقِ حَطًّا لَهُ عَنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ الْمُتَكَرِّرِ فِي الْقُرْآنِ وَلِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ، وَلِأَنَّ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَلْفَاظٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُذْكَرَ مَعَهُ مَالٌ أَمْ لَا، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخُلْعَ وَالْمُفَادَاةُ إنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا الْمَالُ فَهُمَا صَرِيحَانِ فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِالْبَيْنُونَةِ وَإِلَّا فَكِنَايَتَانِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ صَرَاحَةُ الْخُلْعِ (لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ) مَعَ زَوْجَتِهِ بِنِيَّةِ الْتِمَاسِ قَبُولِهَا وَلَمْ يَنْفِ الْعِوَضَ كَأَنْ قَالَ: خَالَعْتُكِ أَوْ فَادَيْتُكِ وَنَوَى الْتِمَاسَ قَبُولِهَا فَقَبِلَتْ بَانَتْ، وَ (وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَصَحِّ) لَاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِجَرَيَانِ ذَلِكَ بِعِوَضٍ فَيُرْجَعُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ كَالْخُلْعِ بِمَجْهُولٍ، فَإِنْ جَرَى مَعَ أَجْنَبِيٍّ طَلُقَتْ مَجَّانًا كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ الْعِوَضُ فَاسِدٌ، وَلَوْ نَفَى الْعِوَضَ فَقَالَ: خَالَعْتُكِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَإِنْ قَبِلَتْ وَنَوَى الْتِمَاسَ قَبُولِهَا فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ قَبِلَتْ وَلَمْ يُضْمِرْ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ جَزْمًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ مِنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ النَّقِيبِ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ صَرِيحٌ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ، فَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ مَعَ وُجُودِ مُصَحِّحٍ لَهُ وَهُوَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِهِ اهـ. وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ إذَا أَمْكَنَ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ لَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا، إذْ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي قَيَّدْت بِهَا كَلَامَهُ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ عَلَى قَوْلَيْ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ (بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا وَسَيَأْتِي مُعْظَمُهَا فِي بَابِهِ (مَعَ النِّيَّةِ) لِلطَّلَاقِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعًا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ (وَ) يَصِحُّ الْخُلْعُ أَيْضًا بِالتَّرْجَمَةِ عَنْهُ (بِالْعَجَمِيَّةِ) وَغَيْرِهَا مِنْ اللُّغَاتِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى. (وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ (بِعْتُك نَفْسَكِ بِكَذَا) كَأَلْفٍ (فَقَالَتْ) فَوْرًا (اشْتَرَيْت) أَوْ نَحْوَهُ كَقَبِلْتُ (فَكِنَايَةُ خُلْعٍ) سَوَاءٌ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا أَمْ فَسْخًا بِخِلَافِ مَا لَمْ يَذْكُرْ كَذَا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ نَفَاذُهُ فِي مَوْضُوعِهِ، إذْ مَوْضُوعُهُ الْمَحَلُّ الْمُخَاطَبُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك طَلَاقَك بِكَذَا أَوْ قَالَتْ: بِعْتُك ثَوْبِي مَثَلًا بِطَلَاقِي كَانَ كِنَايَةً أَيْضًا، ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخُلْعُ مِنْ شَوَائِبِ الْعُقُودِ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا بَدَأَ) الزَّوْجُ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى ابْتَدَأَ (بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ خَالَعْتُكِ بِكَذَا) كَأَلْفٍ فَقَبِلَتْ (وَقُلْنَا الْخُلْعَ) فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (طَلَاقٌ) وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ (فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ) لِأَخْذِهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 440 فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا بِلَفْظٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ. فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَوُجُوبُ أَلْفٍ. وَإِنْ بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي فَتَعْلِيقٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ،   [مغني المحتاج] عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ (فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ) لِتَوَقُّفِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ عَلَى قَبُولِ الْمَالِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا: الْخُلْعُ فَسْخٌ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، إذْ لَا مَدْخَلَ لِلتَّعْلِيقِ فِيهَا بَلْ هُوَ كَابْتِدَاءِ الْبَيْعِ (وَ) عَلَى الْمُعَاوَضَةِ (لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْمُعَاوَضَاتِ. (وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا) أَيْ الْمُخْتَلِعَةِ النَّاطِقَةِ (بِلَفْظٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ) بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ زَمَنٍ طَوِيلٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، فَتَقُولُ قَبِلْت أَوْ اخْتَلَعْتُ أَوْ نَحْوَهُ، فَلَا يَصِحُّ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تُعْطِيَهُ الْقَدْرَ، أَمَّا الْخَرْسَاءُ فَتَكْفِي إشَارَتُهَا الْمُفْهِمَةُ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَبُولِ عَلَى وَفْقِ الْإِيجَابِ (فَلَوْ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسُهُ) كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفَيْنِ فَقَبِلَتْ بِأَلْفٍ (أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ أَلْفَيْنِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِأَنَّ الْقَبُولَ جَوَابُ الْإِيجَابِ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِي الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ جَوَابًا، وَالْإِعْطَاءُ لَيْسَ جَوَابًا وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ، فَإِذَا أَتَتْ بِأَلْفَيْنِ فَقَدْ أَتَتْ بِأَلْفٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِالزِّيَادَةِ، قَالَهُ الْإِمَامُ (وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ، فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَ) الْأَصَحُّ أَيْضًا (وُجُوبُ أَلْفٍ) لِأَنَّ الزَّوْجَ مُسْتَقِلٌّ بِالطَّلَاقِ وَالزَّوْجَةُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قَبُولُهَا بِسَبَبِ الْمَالِ، فَإِذَا قَبِلَتْ الْمَالَ اُعْتُبِرَ فِي الطَّلَاقِ جَانِبُ الزَّوْجِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُشْتَرِي الْمِلْكُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَالطَّلَاقُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمَرْأَةِ. وَالثَّانِي: يَقَعُ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ نَظَرًا إلَى قَبُولِهَا وَالثَّالِثُ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِاخْتِلَافِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. (وَإِنْ بَدَأَ) الزَّوْجُ (بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ) فِي الْإِثْبَاتِ (كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا) بِزِيَادَةِ مَا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ أَيْ حِينَ أَوْ زَمَانَ أَوْ وَقْتَ (أَعْطَيْتِنِي) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَتَعْلِيقٌ) مَحْضٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ أَلْفَاظِ التَّعْلِيقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّفَةِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَحِينَئِذٍ (فَلَا رُجُوعَ لَهُ) قَبْلَ الْإِعْطَاءِ كَالتَّعْلِيقِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ (الْقَبُولُ لَفْظًا) لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِيه (وَلَا الْإِعْطَاءُ) فَوْرًا (فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ، وَهُوَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَا يَرْتَبِطُ بِهِ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ دُونَ مَكَانِ الْعَقْدِ، فَمَتَى وُجِدَ الْإِعْطَاءُ طَلُقَتْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الزَّمَانِ وَعُمُومِهِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ قَيَّدَ فِي هَذِهِ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان تَعَيَّنَ وَخَرَجَ بِالْإِثْبَاتِ مَا إذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ بِمَتَى وَنَحْوِهَا فِي النَّفْيِ، كَقَوْلِهِ: مَتَى لَمْ تُعْطِنِي كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ لِلْفَوْرِ؛ لِأَنَّ مَتَى وَنَحْوَهَا فِي النَّفْيِ تَقْتَضِي الْفَوْرَ، وَبِالزَّوْجِ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 441 وَإِنْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي فَكَذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ. وَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ طَلَاقٍ فَأَجَابَ فَمُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ، وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ،   [مغني المحتاج] مَتَى طَلَّقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ، اُخْتُصَّ الْجَوَابُ بِمَجْلِسِ التَّوَاجُبِ، وَفَرَّقَ الْغَزَالِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى جَانِبِهِ التَّعْلِيقُ وَعَلَى جَانِبِهَا الْمُعَاوَضَةُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَكَذَلِكَ) أَيْ فَتَعْلِيقٌ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيقِ كَمَتَى، وَخَرَجَ بِإِنْ الْمَكْسُورَةِ الْمَفْتُوحَةُ، فَإِنَّ بِهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ بَائِنًا لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إذْ لِأَنَّهَا لِمَاضِي الزَّمَانِ، وَلَكِنَّ قِيَاسَ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، الْفَرْقُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ (لَكِنْ يُشْتَرَطُ) فِي التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ (إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ) فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ الْعِوَضِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَإِنَّمَا تُرِكَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فِي مَتَى وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ مَعَ كَوْنِ الْمُغَلَّبِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْفَوْرِ فِي الْحُرَّةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَالْمَشْرُوطُ غَيْرَ خَمْرٍ كَأَنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِعْطَاءِ إلَّا مِنْ كَسْبِهَا وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمَجْلِسِ غَالِبًا، فَإِنْ أَعْطَتْهُ أَلْفًا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ كَسْبِهَا وَمَالِ السَّيِّدِ طَلُقَتْ بَائِنًا لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَدَّ الزَّوْجُ الْأَلْفَ لِمَالِكِهَا، وَتَعَلَّقَ مَهْرُ الْمِثْلِ بِذِمَّتِهَا تُطَالَبُ بِهِ إذَا عَتَقَتْ، فَإِنْ قِيلَ: نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إذَا أَعْطَتْهُ ثَوْبًا لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الثَّوْبَ مُبْهَمٌ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ بِخِلَافِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهَا فِي الْجُمْلَةِ لِغَيْرِهَا فَقَوِيَ الْإِبْهَامُ فِي الْأَوَّلِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ إلْحَاقُ الْمُبَعَّضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِالْحُرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ خَمْرًا اُشْتُرِطَ الْإِعْطَاءُ فَوْرًا، وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ الْخَمْرَ؛ لِأَنَّ يَدَهَا وَيَدَ الْحُرَّةِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ تَشْتَمِلُ يَدُهَا عَلَيْهِ. (وَإِنْ بَدَأَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ (بِطَلَبِ طَلَاقٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيقِ، نَحْوُ إنْ أَوْ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَتِهِ كَطَلِّقْنِي عَلَى كَذَا (فَأَجَابَ) الزَّوْجُ قَوْلَهَا فَوْرًا (فَمُعَاوَضَةٌ) مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الْبُضْعَ بِمَا تَبْذُلُهُ مِنْ الْعِوَضِ (فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ) لِأَنَّهَا تَبْذُلُ الْمَالَ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ وَهُوَ الطَّلَاقُ، فَإِذَا أَتَى بِهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَحَصَلَ غَرَضُهَا كَالْعَامِلِ فِي الْجَعَالَةِ (فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ) لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْجَعَالَاتِ جَمِيعًا (وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ) فِي مَحَلِّ التَّوَاجُبِ فِي الصِّيغَةِ السَّابِقَةِ الْمُقْتَضِيَةِ فَوْرًا وَغَيْرِهَا كَالتَّعْلِيقِ بِمَتَى تَغْلِيبًا لِلْمُعَاوَضَةِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ طَلَّقَ مُتَرَاخِيًا كَانَ مُبْتَدِئًا لَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ رَجْعِيًّا. نَعَمْ لَوْ صَرَّحَتْ بِالتَّرَاخِي لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَنَقَلَ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: خَالَعْتُكَ بِكَذَا، فَقَالَ: قَبِلْت لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ إلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 442 وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةً بِثُلُثِهِ. وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ، فَإِنْ شَرَطَهَا فَرَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ، وَفِي قَوْلٍ بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ فَأَجَابَ إنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ، وَلَا مَالَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا طَلُقَتْ بِالْمَالِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ تَطَابُقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَعَ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ سَامَحَ بِبَعْضِ مَا طَلَبَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ (وَلَوْ طَلَبَتْ) مِنْ الزَّوْجِ (ثَلَاثًا) يَمْلِكُهَا عَلَيْهَا (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ (بِثُلُثِهِ) تَغْلِيبًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ رَدَدْت عَبِيدِي الثَّلَاثَ فَلَكَ أَلْفٌ فَرَدَّ وَاحِدًا اسْتَحَقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ اسْتَحَقَّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأَلْفِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا وَلَا نَوَاهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَهَا الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ بِثُلُثِهِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ، وَكَانَ يَعْلَمُ حُكْمَ التَّقْيِيدِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فِيهِ إيهَامُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُدَّ ذِكْرَ الْمَالِ يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ. (وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (بِعِوَضٍ) صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ جَعَلْنَا الْخُلْعَ طَلَاقًا أَمْ فَسْخًا (فَلَا رَجْعَةَ) لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَذَلَتْ الْمَالَ لِتَمْلِكَ بُضْعَهَا فَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ وِلَايَةَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ (فَإِنْ شَرَطَهَا عَلَيْهَا) كَخَالَعْتُكِ أَوْ طَلَّقْتُك بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك الرَّجْعَةَ (فَرَجْعِيٌّ) يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرَّجْعَةِ وَالْمَالِ مُتَنَافِيَانِ فَيَسْقُطَانِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ، وَقَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ، وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ رَجْعِيٍّ لِقَوْلِهِ (وَلَا مَالَ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِنَقْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ بِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ (وَفِي قَوْلٍ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (بَائِنٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ) لِأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ، وَكَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَنْصُوصٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ مَخْرَجٌ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ خَالَعَهَا بِعِوَضٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى شَاءَ رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيهِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الرَّجْعَةِ هُنَا، وَمَتَى سَقَطَتْ لَا تَعُودُ. (وَلَوْ قَالَتْ) لَهُ (طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ) عَقِبَ هَذَا الْقَوْلِ (فَأَجَابَ) قَوْلَهَا فَوْرًا نُظِرَتْ (إنْ كَانَ) الِارْتِدَادُ (قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ) عَلَى الرِّدَّةِ (حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ وَلَا مَالَ) وَلَا طَلَاقَ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِالرِّدَّةِ فِي الْحَالَتَيْنِ (وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ بَانَ صِحَّةُ الْخُلْعِ، وَ (طَلُقَتْ بِالْمَالِ) الْمُسَمَّى وَقْتَ جَوَابِهِ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْخُلْعِ، وَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ تَرَاخَتْ الرِّدَّةُ أَوْ الْجَوَابُ اخْتَلَفَتْ الصِّيغَةُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 443 وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَصْلٌ: قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْك أَوْ وَلِي عَلَيْك كَذَا، وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ وَقَعَتْ الرِّدَّةُ مَعَ الْجَوَابِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ بَيْنُونَتُهَا بِالرِّدَّةِ، وَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ كَلَامًا فِي ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ: إذَا أَجَابَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ مَعَهَا طَلُقَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ بَعْدَ سُؤَالِهَا فَحُكْمُهُ كَرِدَّتِهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا (وَلَا يَضُرُّ) فِي الْخُلْعِ (تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ) عُرْفًا (بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ) فِيهِ. قَالَ الشَّارِحُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الِارْتِدَادِ اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ هُنَاكَ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَيَضُرُّ لِإِشْعَارِهِ بِالْإِعْرَاضِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ كَوْنِ الْكَثِيرِ مُضِرًّا إذَا صَدَرَ مِنْ الْمُخَاطَبِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ الْجَوَابُ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي النِّكَاحِ اقْتَضَى إيرَادَ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. ثُمَّ حُكِيَ عَنْ الْبَغَوِيِّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا، وَاعْتَمَدَ هَذَا شَيْخِي، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِتَمْثِيلِ الشَّارِحِ لِلْيَسِيرِ بِالِارْتِدَادِ فَإِنَّهُ مِنْ جَانِبِ الْمُتَكَلِّمِ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَثِيرًا ضَرَّ. [فَصْلٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُلْزِمَةِ لِلْعِوَضِ] ِ إذَا (قَالَ) لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ (طَالِقٌ) أَوْ طَلَّقْتُك (وَعَلَيْك) كَذَا (أَوْ وَلِي عَلَيْك كَذَا) كَأَلْفٍ (وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا) لِلطَّلَاقِ (بِمَالٍ وَقَعَ) عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ) عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا وَلَا شَرْطًا بَلْ ذَكَرَ جُمْلَةً مَعْطُوفَةً عَلَى الطَّلَاقِ، فَلَا يُتَأَثَّرُ بِهَا وَتَلْغُو فِي نَفْسِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهَا: طَلِّقْنِي وَعَلَيَّ أَوْ لَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ فَأَجَابَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْتِزَامُ الْمَالِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ مِنْهَا عَلَى الِالْتِزَامِ وَالزَّوْجُ يَنْفَرِدُ بِالطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ إذَا لَمْ يَشِعْ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ فِي طَلَبِ الْعِوَضِ وَإِلْزَامِهِ، فَإِنْ شَاعَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا، حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. فَإِنْ قِيلَ: نَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ قُدِّمَ اللُّغَوِيُّ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ اللُّزُومِ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا إذَا اُشْتُهِرَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُ لَفْظٍ فِي إرَادَةِ شَيْءٍ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَدْلُولٌ لُغَوِيٌّ، وَالْكَلَامُ هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ مَدْلُولَانِ لُغَوِيٌّ وَعُرْفِيٌّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ مَا إذَا سَبَقَ، فَإِنَّ الصِّيغَةَ تَكُونُ مُقْتَضِيَةً لِلِالْتِزَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا طَلَبَتْهُ مُعَيَّنًا أَمْ لَا، كَقَوْلِهَا: طَلِّقْنِي بِمَالٍ وَسَيَأْتِي. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُقُوعِ مَا ذَكَرَهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 444 فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُك بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ فَكَهُوَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ سَبَقَ بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ. وَإِنْ قَالَ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ   [مغني المحتاج] رَجْعِيًّا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت) بِهِ (مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُكِ بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ) الزَّوْجَةُ (فَكَهُوَ) أَيْ فَكَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك. . إلَخْ (فِي الْأَصَحِّ) فَتَبِينُ مِنْهُ بِذَلِكَ الْمُسَمَّى إنْ قَبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي اقْتِضَاءِ الْعِوَضِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ إذْ لَا أَثَرَ لِلتَّوَافُقِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ، فَكَأَنْ لَا إرَادَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ قَطْعًا إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ قَبِلَتْ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ فَلَا حَلِفَ وَكَأَنْ لَا إرَادَةَ وَحَيْثُ انْتَفَتْ الْإِرَادَةُ يَقَعُ الطَّلَاقُ ظَاهِرًا. أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ السُّبْكِيُّ: يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَا حَلِفَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَكَهُوَ فِيهِ جَرُّ الضَّمِيرِ بِالْكَافِ، وَهُوَ شَاذٌّ (وَإِنْ سَبَقَ) طَلَبُهَا لِلطَّلَاقِ بِمَالٍ مُعَيَّنٍ، كَطَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَوْ لِي أَوْ وَلِي عَلَيْك أَلْفٌ (بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ) لِتَوَافُقِهِمَا عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: وَعَلَيْك أَلْفٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَكَّدًا لَا يَكُونُ مَانِعًا. أَمَّا إذَا سَبَقَ طَلَبُهَا بِمَالٍ مُبْهَمٍ، كَطَلِّقْنِي بِمَالٍ، فَإِنْ عَيَّنَهُ فِي جَوَابِهِ كَأَنْ قَالَ: طَلَّقْتُك عَلَى أَلْفٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ، فَإِنْ قَبِلَتْ بَانَتْ بِالْأَلْفِ وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ، وَإِنْ أَبْهَمَ الْجَوَابَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُك بِمَالٍ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى طَلَّقْتُك بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ طَلَبُهَا إذَا قَصَدَ جَوَابَهَا. فَإِنْ قَالَ: قَصَدْت ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ. قَالَ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ التَّفْسِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ جَوَابًا (وَإِنْ) شَرَطَ شَرْطًا إلْزَامِيًّا كَأَنْ (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ) أَوْ طَلَّقْتُك (عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا) كَأَلْفٍ (فَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّوَابِ الْمُعْتَمَدِ (أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ) فَوْرًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، بِأَنْ تَقُولَ: قَبِلْت، وَكَذَا ضَمِنْت كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ (بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ) لِأَنَّ عَلَى لِلشَّرْطِ، فَجُعِلَ كَوْنُهُ عَلَيْهَا شَرْطًا، فَإِذَا ضَمِنَتْهُ طَلُقَتْ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ: يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ فِي الطَّلَاقِ يَلْغُو إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَضَايَاهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لَكِ عَلَيَّ كَذَا، فَإِذًا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَذْهَبِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ مُحَقَّقٌ؛ لِأَنَّ الْغَزَالِيَّ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَكَأَنَّهُ غَرَّهُ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ: وَالظَّاهِرُ لَمْ يُرِدْ نَقْلَ خِلَافٍ بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَوَاضِعَ اهـ. أَمَّا الشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَلَا خِلَافَ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِعْطَاءِ. (وَإِنْ قَالَ: إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 445 فَضَمِنَتْ فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ. وَإِنْ قَالَ مَتَى ضَمِنْت فَمَتَى ضَمِنَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ أَوْ عَكْسَهُ بَانَتْ بِأَلْفٍ، فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا، وَإِذَا عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلُقَتْ، وَالْأَصَحُّ   [مغني المحتاج] (فَضَمِنَتْ) أَيْ الْتَزَمَتْ لَهُ الْأَلْفَ (فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِلْزَامِ إيجَابًا وَقَبُولًا، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ أَوْ قَالَتْ رَضِيتُ أَوْ شِئْتُ أَوْ قَبِلْت بَدَلَ ضَمِنْت؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا غَيْرُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الضَّمَانُ الْمُحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ فَذَاكَ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ، وَلَا الِالْتِزَامُ الْمُبْتَدَأُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنَّذْرِ، بَلْ الْمُرَادُ الْتِزَامٌ بِقَبُولٍ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَكْفِي مُرَادِفُ الضَّمَانِ كَالِالْتِزَامِ أَوْ لَا؟ الْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَفِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْقَدْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَى ضَمَانَةٍ لِلزَّوْجِ عَلَى غَيْرِهِ وَقَالَتْ: ضَمِنْت لَك وَقَعَ رَجْعِيًّا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَإِنْ قَالَ: مَتَى ضَمِنْت) لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ يُشْتَرَطُ فَوْرٌ (فَمَتَى ضَمِنَتْ) أَيْ وَقْتَ (طَلُقَتْ) لِأَنَّ مَتَى لِلتَّرَاخِي كَمَا سَبَقَ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ إنْ وَمَتَى. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الضَّمَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا (وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ) مَثَلًا (طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي طَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ لِاشْتِرَاطِ التَّوَافُقِ فِي صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ، ثُمَّ الْمَزِيدُ يَلْغُو ضَمَانُهُ، وَإِذَا قَبَضَ الزَّائِدَ فَهُوَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَقَصَتْ أَوْ زَادَتْ فِي التَّعْلِيقِ بِالْإِعْطَاءِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا (وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ) فَوْرًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِالْفَاءِ (طَلُقَتْ وَضَمِنَتْ أَوْ) قَالَتْ (عَكْسَهُ) أَيْ ضَمِنَتْ وَطَلُقَتْ (بَانَتْ) فِي الصُّورَتَيْنِ (بِأَلْفٍ) وَإِنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الْمَالِ عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا شَرْطٌ فِي الْآخَرِ يُعْتَبَرُ اتِّصَالُهُ بِهِ، فَهُمَا قَبُولٌ وَاحِدٌ فَاسْتَوَى تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا وَتَأْخِيرُهُ (فَإِنْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا) بِأَنْ ضَمِنَتْ وَلَمْ تَطْلُقْ أَوْ عَكْسُهُ (فَلَا) تَبِينُ فِيهِمَا وَلَا مَالَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا التَّطْلِيقَ وَجَعَلَ لَهُ شَرْطًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّطْلِيقِ وَالشَّرْطِ (وَإِذَا عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ) فَوْرًا (بَيْنَ يَدَيْهِ) بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ (طَلَقَتْ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عُرْفًا، وَلِهَذَا يُقَالُ: أَعْطَيْت فَلَمْ يَأْخُذْ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ؛ لِأَنَّ تَمْكِينَهَا إيَّاهُ مِنْ الْأَخْذِ إعْطَاءٌ مِنْهَا، وَهُوَ بِالِامْتِنَاعِ مُفَوِّتٌ لِحَقِّهِ، فَإِنْ قَالَتْ: لَمْ أَقْصِدْ الدَّفْعَ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِحَبْسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنْ يُعْتَبَرَ عِلْمُهُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ (وَالْأَصَحُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 446 دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتِنِي فَقِيلَ كَالْإِعْطَاءِ، وَالْأَصَحُّ كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ مَجْلِسٌ. قُلْت: وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا، وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ فَأَعْطَتْهُ لَا بِالصِّفَةِ لَمْ تَطْلُقْ أَوْ بِهَا   [مغني المحتاج] دُخُولُهُ) أَيْ الْمُعْطَى (فِي مِلْكِهِ) قَهْرًا وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ مَجَّانًا مَعَ قَصْدِ الْعِوَضِ وَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَتُهُ بَعْضَهَا فَيَمْلِكُ الْآخَرُ الْعِوَضَ عَنْهُ وَيَقَعُ بِإِعْطَاءِ وَكِيلِهِمَا إنْ أَمَرَتْهُ بِالْإِعْطَاءِ وَأَعْطَى بِحُضُورِهِمَا وَيَمْلِكُهُ تَنْزِيلًا لِحُضُورِهَا مَعَ إعْطَاءِ وَكِيلِهِمَا مَنْزِلَةَ إعْطَائِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ فِي غَيْبَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْطِهِ حَقِيقَةً وَلَا تَنْزِيلًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ عَنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عِوَضًا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ مَثَلًا فَتَقَاصَّا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ وَكَالْإِعْطَاءِ الْإِيتَاءُ وَالْمَجِيءُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ أَقْبَضْتِنِي) كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَقِيلَ) حُكْمُهُ (كَالْإِعْطَاءِ) فِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ وَمِلْكِ الْمَقْبُوضِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (كَسَائِرِ) صُوَرِ (التَّعْلِيقِ) الَّتِي لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ فَيَكُونُ صِفَةً مَحْضَةً بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ: أَعْطَاهُ فُهِمَ مِنْهُ التَّمْلِيكُ وَإِذَا قِيلَ أَقْبَضَهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَقْبُوضَ، وَخَصَّهُ الْمُتَوَلِّي بِمَا إذَا لَمْ تَسْبِقْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ، فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: كَقَوْلِهِ: إنْ أَقْبَضْتِنِي كَذَا لِأَقْضِيَ بِهِ دَيْنِي أَوْ لِأَصْرِفَهُ فِي حَوَائِجِي فَتَمْلِيكٌ كَالْإِعْطَاءِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ) فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِهِ (مَجْلِسٌ) أَيْ إقْبَاضٌ فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ (قُلْت: وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيًّا) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ (وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ) وَهِيَ الْإِقْبَاضُ (أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا) فَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَبْضًا، وَهَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي صِيغَةِ: فَإِنْ قَبَضْت مِنْكَ لَا فِي إنْ أَقْبَضْتِنِي، وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إنَّمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي صِيغَةِ إنْ قَبَضْت مِنْك فَذَكَرَهُ فِي إنْ أَقْبَضْتِنِي. قَالَ السُّبْكِيُّ: سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْبَاضَ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْغَى شَرْعًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْخَنَثِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَحِينَئِذٍ فَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ سَهْوٌ حَصَلَ مِنْ انْتِقَالِهِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ قَبَضْت إلَى قَوْلِهِ إنْ أَقْبَضْتِنِي اهـ. وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ: فَذِكْرُ الْأَصْلِ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْبَاضِ سَبْقُ قَلَمٍ اهـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوْجَهُ مِمَّا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ قَالَ الشَّارِحُ: إنَّ الْقَبْضَ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِقْبَاضِ (وَلَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِإِعْطَاءِ) نَحْوِ (عَبْدٍ) كَثَوْبٍ (وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ) وَهِيَ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةِ السَّلَمِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا (فَأَعْطَتْهُ) عَبْدًا (لَا بِالصِّفَةِ) الَّتِي وَصَفَهَا (لَمْ تَطْلُقْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ) أَعْطَتْهُ عَبْدًا (بِهَا) طَلُقَتْ بِهِ فِي الْأُولَى وَمَهْرُ مِثْلٍ فِي الثَّانِيَةِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ فِيهَا بِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ صِفَةِ السَّلَمِ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا فِي الْأُولَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 447 مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا. وَلَوْ قَالَ عَبْدًا طَلُقَتْ بِعَبْدٍ إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ فَلَهُ أَلْفٌ، وَقِيلَ ثُلُثُهُ،   [مغني المحتاج] (مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ) لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ، فَإِذَا اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ تَخَيَّرَ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ (وَ) لَهُ (مَهْرُ مِثْلٍ) لِفَسَادِ الْعِوَضِ (وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا) الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ مَضْمُونٌ ضَمَانَ عَقْدٍ أَوْ ضَمَانَ يَدٍ، وَمَرَّ أَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِعَبْدٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ سَلِيمٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْمُعْطَى بِخِلَافِ غَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُك عَلَى عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا فَقَبِلَتْ وَأَعْطَتْهُ عَبْدًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ مَعِيبًا لَهُ رَدُّهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِعَبْدٍ سَلِيمٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ بِالْقَبُولِ عَلَى عَبْدٍ فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ مَعَ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَكَانَ الزَّوْجُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا رَدَّ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى السَّفِيهِ وَعَلَى الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا فَالرَّدُّ لِلسَّيِّدِ، أَيْ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ. (وَلَوْ قَالَ) فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِعْطَاءِ إنْ أَعْطَيْتِنِي (عَبْدًا) وَلَمْ يَصِفْهُ (طَلُقَتْ بِعَبْدٍ) أَيْ بِكُلِّ عَبْدٍ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، سَلِيمًا أَوْ مَعِيبًا، وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِإِعْطَاءِ خُنْثَى وَأَمَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ الْعَبْدَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: طَلُقَتْ بِكُلِّ عَبْدٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ (إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ) فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ عَامٍّ، وَلَوْ قَالَ: إلَّا عَبْدًا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمَرْهُونَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَالثَّانِي: تَطْلُقُ بِمَنْ ذُكِرَ كَالْمَمْلُوكِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ الْمُعْطَى وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي الْمَغْصُوبِ مَا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهَا وَهُوَ مَغْصُوبٌ فَأَعْطَتْهُ لِلزَّوْجِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ بَحَثَ الْمَاوَرْدِيُّ الْوُقُوعَ. نَعَمْ لَوْ خَرَجَ بِالدَّفْعِ عَنْ الْمَغْصُوبِ فَلَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَلَهُ) فِي غَيْرِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ (مَهْرُ مِثْلٍ) بَدَلَ الْمُعْطَى لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ عِوَضًا. فَإِنْ قِيلَ تَصْوِيرُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِإِعْطَاءِ الْعَبْدِ فِيهَا مُحْتَمِلٌ لِلتَّمْلِيكِ وَالْإِقْبَاضِ، فَإِنْ أُرِيدَ التَّمْلِيكُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ، وَإِنْ أُرِيدَ الْإِقْبَاضُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَمَانَةٌ، وَهُوَ وَجْهٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ لَكِنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ مِلْكُهُ لِجَهْلِهِ رَجَعَ فِيهِ إلَى بَدَلِهِ، وَحَيْثُمَا ثَبَتَ الْبَدَلُ ثَبَتَ بَائِنًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ، فَقَالَ (وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ) الَّتِي يَمْلِكُهَا (فَلَهُ أَلْفٌ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ عَلِمَتْ الْحَالَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِهَا مَقْصُودُ الثَّلَاثِ، وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى (وَقِيلَ) لَهُ (ثُلُثُهُ) أَيْ الْأَلْفِ تَوْزِيعًا لِلْمُسَمَّى عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 448 وَقِيلَ إنْ عَلِمَتْ الْحَالَ فَأَلْفٌ وَإِلَّا فَثُلُثُهُ. وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِأَلْفٍ، وَقِيلَ لَا تَقَعُ،   [مغني المحتاج] الْعَدَدِ، وَهَذَا مِنْ تَخْرِيجِ الْمُزَنِيِّ (وَقِيلَ: إنْ عَلِمَتْ الْحَالَ) وَهُوَ مِلْكُهُ لِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ (فَأَلْفٌ) لِأَنَّ الْمُرَادَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَمِّلْ لِي الثَّلَاثَ (وَإِلَّا) بِأَنْ جَهِلَتْ الْحَالَ (فَثُلُثُهُ) وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ حَمْلًا لِلْأَوَّلِ عَلَى حَالَةِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِي عَلَى حَالَةِ الْجَهْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ إحْدَاهُنَّ بِأَلْفٍ وَنَوَى بِهِ الطَّلْقَةَ الْأُولَى أَيْ الْبَاقِيَةَ لَزِمَهَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى حَصَلَ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِمُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ وَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا، أَيْ غَيْرَ مَا يَمْلِكُهَا وَقَعَتْ الْأُولَى، أَيْ الَّتِي يَمْلِكُهَا مَجَّانًا، فَإِنْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ وَثِنْتَانِ يَقَعَانِ عَلَيَّ إذَا تَزَوَّجْتَنِي بَعْدَ زَوْجٍ أَوْ يَكُونَانِ فِي ذِمَّتِك تُنْجِزْهُمَا حِينَئِذٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ وَلَغَا كَلَامُهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ وَإِثْبَاتَهُ فِي الذِّمَّةِ بَاطِلَانِ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِي الْعِوَضِ لِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ أَجَازَتْ فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ عَمَلًا بِالتَّقْسِيطِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ فَسَخَتْ فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا صُورَةٌ تُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى وَلَا تَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى غَيْرَ هَذِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي نِصْفَ طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ أَوْ طَلِّقْ بَعْضِي كَيَدِي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ تَكْمِيلًا لِلْبَعْضِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ صِيغَةِ الْمُعَاوَضَةِ، وَيَقَعُ أَيْضًا طَلْقَةٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إذَا ابْتَدَأَهَا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفُ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفُك مَثَلًا طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ، أَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ يَدَهَا مَثَلًا لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِ إمْكَانِ التَّقْسِيطِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ طَلَّقَ فِيهَا نِصْفَهَا وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى لِإِمْكَانِ التَّقْسِيطِ، كَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا، وَلَوْ طَلَبَتْ عَشْرًا بِأَلْفٍ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا طَلْقَةً اسْتَحَقَّهُ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ بِبَعْضِهَا تَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا إلَّا ثِنْتَيْنِ اسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَهُ، وَبِالثِّنْتَيْنِ الْجَمِيعَ، أَوْ الثَّلَاثَ اسْتَحَقَّ بِوَاحِدَةٍ عُشْرَهُ، وَبِثِنْتَيْنِ خُمُسَهُ، وَبِثَلَاثَةٍ جَمِيعَهُ، وَبِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَإِنْ وَقَعَ بِذَلِكَ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أُوقِعَ لَا بِمَا وَقَعَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ فَقَدْ اعْتَبَرْتُمْ مَا وَقَعَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ أَفَادَهَا الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى. وَلَوْ قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّلَاثَ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا لَمْ تَقَعْ الْوَاحِدَةُ لِعَدَمِ التَّوَافُقِ وَوَقَعَ الثِّنْتَانِ مَجَّانًا لِاسْتِقْلَالِهِ بِالطَّلَاقِ مَجَّانًا، وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَقَعَتْ الْأُولَى فَقَطْ بِثُلُثِهِ لِمُوَافَقَتِهِ مَا اقْتَضَاهُ طَلَبُهَا مِنْ التَّوْزِيعِ دُونَ مَا عَدَاهَا لِبَيْنُونَتِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ مَجَّانًا وَوَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَقَعَ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا فَالثِّنْتَانِ دُونَ الثَّالِثَةِ لِلْبَيْنُونَةِ (وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ) طَلْقَةً (بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ (وَقِيلَ: بِأَلْفٍ) لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك فَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ وَلَغَا قَوْلُهُ بِمِائَةٍ (وَقِيلَ: لَا تَقَعُ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلُهُ بِخَطِّهِ لِلْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ كَمَا لَوْ خَالَفَتْهُ فِي قَبُولِهَا. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 449 وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ بِالْمُسَمَّى. وَإِنْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَدَخَلْت طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ بِالْمُسَمَّى، وَفِي وَجْهٍ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمُحَرَّرِ مَسْأَلَةً، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَلَوْ أَعَادَ ذِكْرَ الْأَلْفِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَكَذَا عَلَى الْأَظْهَرِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَكَأَنَّ ذَلِكَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُحَرَّرِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَحَكَى عَنْ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ (وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ) أَوْ وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ إنْ طَلَّقْتَنِي غَدًا فَلَكَ عَلَيَّ، أَوْ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَنِي غَدًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ) فَسَدَ الْخُلْعُ (بَانَتْ) لِأَنَّهُ إنْ طَلَّقَ فِي الْغَدِ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهَا، وَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَهُ فَقَدْ حَصَّلَهُ مَعَ زِيَادَةٍ، وَلَكِنْ (بِمَهْرِ مِثْلٍ) لَا بِالْمُسَمَّى، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْخُلْعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُلْعَ دَخَلَهُ شَرْطُ تَأْخِيرِ الطَّلَاقِ وَهُوَ فَاسِدٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيُسْقَطُ مِنْ الْعِوَضِ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَجْهُولًا، وَالْمَجْهُولُ يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (وَقِيلَ فِي قَوْلٍ) مِنْ طَرِيقِ حَاكِيهِ لِقَوْلَيْنِ بَانَتْ (بِالْمُسَمَّى) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَسَادِ الْخُلْعِ وَلُزُومَ الْمُسَمَّى مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّتِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَانَتْ بِمِثْلِ الْمُسَمَّى كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ قَصَدَ بِطَلَاقِهِ فِي الْغَدِ ابْتِدَاءَ الطَّلَاقِ وَقَعَ رَجْعِيًّا، فَإِنْ اتَّهَمَتْهُ حَلَفَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْغَدِ وَقَعَ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ قَوْلَهَا فَكَانَ مُبْتَدِئًا، فَإِنْ ذَكَرَ مَالًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ. (وَإِنْ) قَالَتْ طَلِّقْنِي شَهْرًا فَفَعَلَ وَقَعَ مُؤَبَّدًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُؤَقَّتُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِالتَّأْقِيتِ أَوْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ كَأَنْ (قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ) فَوْرًا (وَدَخَلَتْ) بَعْدَ قَبُولِهَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ (طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ الْقَبُولِ. وَالثَّانِي: لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيَمْتَنِعُ مَعَهُ ثُبُوتُ الْمَالِ فَيَنْتَفِي الطَّلَاقُ الْمَرْبُوطُ بِهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ (بِالْمُسَمَّى) كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى الطَّلَاقِ، بَلْ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْوَاضَ الْمُطْلَقَةَ يَلْزَمُهَا تَسْلِيمُهَا فِي الْحَالِ وَالْمُعَوَّضُ تَأَخَّرَ لِوُقُوعِهِ فِي التَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ الْمُنَجَّزِ مِنْ خُلْعٍ وَغَيْرِهِ يَجِبُ فِيهِ تَقَارُنُ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمِلْكِ (وَ) طَلُقَتْ (فِي وَجْهٍ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ الْمِثْلِ) لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَيُؤَثِّرُ فَسَادُ الْعِوَضِ دُونِ الطَّلَاقِ لِقَبُولِهِ التَّعْلِيقَ وَإِذَا فَسَدَ الْعِوَضُ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُحَرَّرَ فِي التَّرَدُّدِ فِي أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ أَنَّهُ وَجْهٌ حَيْثُ قَالَا: وَجْهَانِ، وَيُقَالُ: قَوْلَانِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْخُلْعِ بِالْمُسَمَّى مَا لَوْ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مِائَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ فِي غَالِبِ الظَّنِّ فَتَطْلُقُ إذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 450 وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ كَرِهَتْ الزَّوْجَةُ وَهُوَ كَاخْتِلَاعِهَا لَفْظًا وَحُكْمًا. وَلِوَكِيلِهَا أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهَا فَتَتَخَيَّرُ هِيَ،   [مغني المحتاج] أَعْطَتْهُ وَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلٍ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ وَلِيًّا لَهَا أَمْ غَيْرَهُ فَقَالَ (وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ) مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِلَفْظِ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ (وَإِنْ كَرِهَتْ الزَّوْجَةُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا يَسْتَقِلُّ بِهِ الزَّوْجُ، وَالْأَجْنَبِيُّ مُسْتَقِلٌّ بِالِالْتِزَامِ، وَلَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَالْتِزَامُهُ فِدَاءً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْخُلْعَ فِدَاءً فَجَازَ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ، وَكَمَا يُبْذَلُ الْمَالُ فِي عِتْقِ عَبْدٍ لِسَيِّدِهِ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الرِّقِّ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ غَرَضٌ دِينِيٌّ بِأَنْ يَرَاهُمَا لَا يُقِيمَانِ حُدُودَ اللَّهِ، أَوْ يَجْتَمِعَانِ عَلَى مُحَرَّمٍ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا يُنْقِذُهُمَا مِنْ ذَلِكَ فَيَفْعَلُ طَلَبًا لِثَوَابٍ، أَوْ دُنْيَوِيٍّ لِغَرَضٍ مُبَاحٍ (وَهُوَ) أَيْ اخْتِلَاعُ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الزَّوْجِ (كَاخْتِلَاعِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (لَفْظًا) أَيْ فِي أَلْفَاظِ الِالْتِزَامِ (وَحُكْمًا) فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَجْنَبِيِّ ابْتِدَاءُ مُعَاوَضَةٍ فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ، فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْأَجْنَبِيِّ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِك فَقَبِلَ، أَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلزَّوْجِ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَلْفٍ فِي ذِمَّتِي فَأَجَابَهُ بَانَتْ بِالْمُسَمَّى، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِ الْأَجْنَبِيِّ نَظَرًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَوَقَعَ لِلشَّارِحِ أَنَّهُ قَالَ: نَظَرًا لِشَوْبِ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ إجَابَةِ الزَّوْجِ نَظَرًا لِشَوْبِ الْجَعَالَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ " وَحُكْمًا " صُوَرٌ: إحْدَاهَا مَا لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَخَالَعَ الْأَجْنَبِيُّ عَنْهُمَا بِأَلْفٍ مَثَلًا مِنْ مَالِهِ صَحَّ بِأَلْفٍ قَطْعًا وَإِنْ لَمْ يَفْصِلْ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ تَجِبُ لِلزَّوْجِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَتَيْنِ إذَا اخْتَلَعَتَا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُفْصَلَ مَا يَلْتَزِمُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. الثَّانِيَةُ لَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرِيضَةُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْمَهْرُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْأَجْنَبِيِّ الْجَمِيعُ مِنْ الثُّلُثِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ: طَلِّقْهَا عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ، أَوْ عَلَى هَذَا الْخَمْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَطَلَّقَ وَقَعَ رَجْعِيًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا الْتَمَسَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ يَقَعُ لِلْمَرْأَةِ فَيَلْزَمُهَا بَدَلُهُ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. الرَّابِعَةُ: لَوْ سَأَلَتْ الْخُلْعَ بِمَالٍ فِي الْحَيْضِ فَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. فَائِدَةٌ: أَخَذَ السُّبْكِيُّ مِنْ صِحَّةِ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ بَذْلِ مَالٍ لِمَنْ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ يَسْتَنْزِلُهُ عَنْهَا لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ الْعِوَضِ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْهَا، وَيَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَرَّرْته؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَثُرَ مِنْهُمْ الْوُقُوعُ فِي ذَلِكَ. (وَلِوَكِيلِهَا) فِي الِاخْتِلَاعِ (أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالنِّيَّةِ فَيَكُونَ خُلْعَ أَجْنَبِيٍّ وَالْمَالُ عَلَيْهِ: كَمَا لَوْ لَمْ تُوَكِّلْهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِالْوَكَالَةِ أَوْ نَوَاهَا فَلَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ لَهُ وَإِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ وُقُوعَ الْخُلْعِ لَهُ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهَا (وَلِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهَا) فِي الِاخْتِلَاعِ عَنْهُ (فَتَتَخَيَّرُ هِيَ) بَيْنَ اخْتِلَاعِهَا لِنَفْسِهَا وَبَيْنَ اخْتِلَاعِهَا لَهُ بِأَنْ تُصَرِّحَ أَوْ تَنْوِيَ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَطْلَقَتْ وَقَعَ لَهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ عَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 451 وَلَوْ اخْتَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِبًا لَمْ تَطْلُقْ وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ، فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِاسْتِقْلَالٍ فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ. فَصْلٌ ادَّعَتْ خُلْعًا فَأَنْكَرَهُ   [مغني المحتاج] الْغَزَالِيِّ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ صَرَّحَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ الزَّوْجَةُ بِالْوَكَالَةِ فَالْمُطَالَبُ بِالْعِوَضِ الْمُوَكَّلَ وَإِلَّا فَالْمُطَالِبُ الْمُبَاشِرُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَيْثُ نَوَى الْخُلْعَ لَهُ، أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأُولَى كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضِ (وَلَوْ اخْتَلَعَ رَجُلٌ) أَجْنَبِيٌّ مَثَلًا (وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ حَالَةَ كَوْنِهِ (كَاذِبًا) فِيهَا (لَمْ تَطْلُقْ) لِارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِلُزُومِ الْمَالِ عَلَيْهَا وَهِيَ لَمْ تَلْتَزِمْهُ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَعْتَرِفْ الزَّوْجُ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا أَوْ ادَّعَاهَا بَانَتْ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ (وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ) فِيمَا ذُكِرَ (فَيَخْتَلِعُ) لَهَا (بِمَالِهِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً (فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ) كَاذِبًا (أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَكِيلٍ وَلَا وَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، إذْ الْوِلَايَةُ لَا تُثْبِتُ لَهُ التَّبَرُّعَ فِي مَالِهَا. وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مَالَهَا الْعَامَّ كَالْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَخْتَلِعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ قَبْلَ الْخُلْعِ اهـ. وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الْخُلْعَ بِمَالِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ (أَوْ) صَرَّحَ (بِاسْتِقْلَالٍ) كَاخْتَلَعْت لِنَفْسِي أَوْ عَنْ نَفْسِي (فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَاصِبٌ لِمَالِهَا بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأَظْهَرِ لِفَسَادِ الْعِوَضِ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَأَنْ قَالَ: طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا، أَوْ عَلَى هَذَا الْمَغْصُوبِ، أَوْ الْخَمْرِ مُقْتَصَرًا عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي مَالِهَا بِمَا ذُكِرَ كَمَا فِي السَّفِيهِ، فَلَوْ أَشَارَ الْأَبُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ إلَى عَبْدِهَا وَقَالَ: طَلِّقْهَا بِهَذَا الْعَبْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ مَالِهَا وَلَا أَنَّهُ مَغْصُوبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ عَبْدُهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي غَيْرِ الصَّدَاقِ. أَمَّا لَوْ اخْتَلَعَ الْأَبُ بِصَدَاقِهَا كَأَنْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِهَا فَفَعَلَ وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْإِبْرَاءُ وَلَمْ يَلْتَزِمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَلَوْ الْتَزَمَ مَعَ ذَلِكَ دَرْكَ بَرَاءَةِ الزَّوْجِ كَأَنْ قَالَ: وَضَمِنْت بَرَاءَتَك مِنْ الصَّدَاقِ، أَوْ قَالَ: هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ طَلِّقْهَا عَلَى عَبْدِهَا وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ بَانَتْ وَلَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ الْمَالِ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ كَخُلْعِهَا بِمَغْصُوبٍ، فَإِنْ كَانَ جَوَابُ الزَّوْجِ بَعْدَ ضَمَانِ الدَّرْكِ إنْ بَرِئَتْ مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا لَمْ تُوجَدْ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ الْمَرْأَةُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا، وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ صَدَاقٌ لَمْ يَسْقُطْ بِالْخُلْعِ، وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ إذَا اتَّفَقَا جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً. [فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْخُلْعِ أَوْ عِوَضِهِ] . فَصْلٌ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْخُلْعِ أَوْ عِوَضِهِ إذَا (ادَّعَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ (خُلْعًا فَأَنْكَرَهُ) الزَّوْجُ وَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 452 صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ مَجَّانًا بَانَتْ وَلَا عِوَضَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ عِوَضِهِ، أَوْ قَدْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ وَنَوَيَا نَوْعًا لَزِمَ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْنَا دَنَانِيرَ فَقَالَتْ بَلْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا تَحَالَفَا عَلَى الْأَوَّلِ،   [مغني المحتاج] بَيِّنَةَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ وَعَدَمُ الْخُلْعِ، فَإِنْ أَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَإِذَا ثَبَتَ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ إلَّا أَنْ يَعُودَ وَيَعْتَرِفَ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِقَّهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا) كَأَلْفٍ (فَقَالَتْ) بَلْ طَلَّقْتَنِي (مَجَّانًا) أَوْ لَمْ تُطَلِّقْنِي (بَانَتْ) بِقَوْلِهِ (وَلَا عِوَضَ) عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ إنْ حَلَفَتْ عَلَى نَفْيِهِ، أَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَلِإِقْرَارِهِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْعِوَضِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا، فَإِنْ أَقَامَ بِالْعِوَضِ بَيِّنَةً، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ حَلَفَ مَعَهُ، أَوْ عَادَتْ وَاعْتَرَفَتْ بَعْدَ يَمِينِهَا بِمَا ادَّعَاهُ لَزِمَهَا الْعِوَضُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بَانَتْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ وَلَا كِسْوَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ عَلَيْهِ ذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا، وَلَوْ مَاتَ هُوَ فِي عِدَّتِهَا وَرِثَتْ هِيَ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ الْمَالَ مِمَّا يَتِمُّ الْخُلْعُ بِدُونِ قَبْضِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى تَعْجِيلِ شَيْءٍ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ إلَّا بِقَبْضِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَ: سَأَلْت الطَّلَاقَ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَتْ السُّؤَالَ أَوْ ادَّعَتْ طُولَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا فِي نَفْيِ الْعِوَضِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهَا وَعَدَمُ الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِيهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ عِوَضِهِ) أَدَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، أَوْ صِفَتِهِ كَصِحَاحٍ أَوْ مُكَسَّرَةٍ (أَوْ) فِي (قَدْرِهِ) كَأَلْفٍ فَقَالَتْ بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ، أَوْ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْخُلْعُ كَقَوْلِهَا: سَأَلْتُك ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ بِأَلْفٍ، فَقَالَ: بَلْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (تَحَالَفَا) كَمَا فِي الْبَيْعِ (وَوَجَبَ) لِبَيْنُونَتِهَا بِفَسْخِ الْعِوَضِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ الْحَاكِمِ (مَهْرُ مِثْلٍ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ وَكَيْفِيَّةُ الْيَمِينِ وَمَنْ يَبْدَأُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَاسْتَوَيَا تَارِيخًا سَقَطَتَا، فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا قُدِّمَتْ السَّابِقَةُ (وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ) مَثَلًا وَفِي الْبَلَدِ نَوْعَانِ مَثَلًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا غَالِبَ فِيهِمَا (وَنَوَيَا نَوْعًا) مِنْهُمَا (لَزِمَ) الْمَنْوِيُّ إلْحَاقًا لَهُ بِالْمَلْفُوظِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْخُلْعِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الْبَيْعِ، وَلِهَذَا يُمْلَكُ الْعِوَضُ فِيهِ بِالْإِعْطَاءِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَقِيلَ) : يَفْسُدُ الْمَنْوِيُّ وَيَلْزَمُ (مَهْرُ مِثْلٍ) بِالْجَهَالَةِ فِي اللَّفْظِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَنْوِيَا شَيْئًا فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَلَزِمَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَوْ) اخْتَلَفَتْ نِيَّتَاهُمَا بِأَنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا جِنْسًا وَتَصَادَقَا فَلَا فُرْقَةَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَكَاذَبَا كَأَنْ (قَالَ: أَرَدْنَا) بِالْأَلْفِ الَّتِي أَطْلَقْنَاهَا (دَنَانِيرَ فَقَالَتْ: بَلْ) أَرَدْنَا (دَرَاهِمَ) فِضَّةٍ (أَوْ فُلُوسًا تَحَالَفَا عَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ لُزُومُ الْمَنْوِيِّ كَالْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِ الْعِوَضِ وَبَانَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 453 وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا تَحَالُفٍ فِي الثَّانِي. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] بِمَهْرِ مِثْلٍ بَعْدَ الْفَسْخِ (وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا تَحَالُفٍ فِي الثَّانِي) وَهُوَ لُزُومُ مَهْرِ مِثْلٍ لِمَا مَرَّ فِيهِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِي أَوْ وَلَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَطَلَّقَهَا بَانَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ الْتِزَامٍ، أَوْ إنْ طَلَّقْتَنِي فَأَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلَّقَهَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يُعَلَّقُ، وَطَلَاقُ الزَّوْجِ طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحِيحٍ فِي الِالْتِزَامِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: طَلَّقَ طَمَعًا فِي شَيْءٍ وَرَغِبَتْ هِيَ فِي الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ فَيَكُونُ فَاسِدًا كَالْخَمْرِ أَيْ فَيَقَعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهَا: إنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ، فَإِنْ كَانَ ذَاكَ تَعْلِيقًا لِلْإِبْرَاءِ فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلتَّمْلِيكِ، وَجَزَمَ بِهَذَا ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ: التَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ صِحَّةَ تَعْلِيقِ الْإِبْرَاءِ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ ظَنَّ صِحَّتَهُ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ اهـ. وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، وَاعْتَمَدَ السُّبْكِيُّ الثَّانِيَ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: قَدْ أَبْرَأْتُك لَمْ يَكُنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك أَوْ دَيْنِك، وَإِنْ أَرَادَ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْمَهْرِ صَحَّ إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِمِقْدَارِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ جَاهِلَةً؛ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ عَنْ مَجْهُولٍ، وَإِذَا كَانَتْ عَالِمَةً بِهِ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، كَمَا قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ أَوْ بَائِنًا كَمَا هُوَ أَحَدُ جَوَابَيْ الْقَاضِي؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْهَا الْبَرَاءَةَ عَلَى الطَّلَاقِ، فَقَالَتْ: أَبْرَأَك اللَّهُ تَعْنِي بِذَلِكَ أَبْرَأْتُك، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت الْإِيقَاعَ بِشَرْطِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ قُبِلَ مِنْهُ ظَاهِرًا، فَلَوْ تَبَيَّنَ جَهْلُهَا بِمَا أَبْرَأَتْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَائِدَةٌ: ضَابِطُ مَسَائِلِ الْخُلْعِ: أَنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بِالْمُسَمَّى، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ رَجْعِيًّا، وَمِنْهَا مَا لَا يَقَعُ أَصْلًا، فَاَلَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بِالْمُسَمَّى أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ صَحِيحَةً وَالْعِوَضُ صَحِيحًا، وَاَلَّذِي يَقَعُ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ هُوَ الَّذِي تَكُونُ الصِّيغَةُ فِيهِ صَحِيحَةً وَالْفَسَادُ فِي الْعِوَضِ، وَاَلَّذِي يَقَعُ فِيهِ رَجْعِيًّا هُوَ الَّذِي يَكُونُ الْفَسَادُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الصِّيغَةِ وَيَكُونُ الطَّلَاقُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ مُنَجَّزًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ، وَاَلَّذِي لَا يَقَعُ أَصْلًا هُوَ الَّذِي يَكُونُ الطَّلَاقُ فِيهِ مُعَلَّقًا وَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . الجزء: 4 ¦ الصفحة: 454 كِتَابُ الطَّلَاقِ يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكْلِيفُ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الطَّلَاقِ] ِ هُوَ لُغَةً حَلُّ الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقُ، وَمِنْهُ نَاقَةٌ طَالِقٌ أَيْ مُرْسَلَةٌ بِلَا قَيْدٍ، وَشَرْعًا حَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، وَعَرَّفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ بِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ بِلَا سَبَبٍ فَيَقْطَعُ النِّكَاحَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْكِتَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] . وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالسُّنَّةُ: «كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْحَلَالِ أَبْغَضَ إلَى اللَّهِ مِنْ الطَّلَاقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: مُطَلِّقٌ وَصِيغَةٌ وَمَحَلٌّ وَوِلَايَةٌ وَقَصْدٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُطَلِّقُ. فَقَالَ (يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ مِنْ الْمُطَلِّقِ مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا (التَّكْلِيفُ) أَيْ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَيَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ وَالْمَرِيضِ، أَيْ وَلَوْ كَانَ هَازِلًا، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَائِمٍ لَا تَنْجِيزًا وَلَا تَعْلِيقًا، وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ لِفَسَادِ عِبَارَتِهِ، وَلِخَبَرِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» نَعَمْ لَوْ تَوَلَّدَ جُنُونٌ مِنْ سُكْرٍ تَعَدَّى فِيهِ نَفَذَ طَلَاقُهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 455 إلَّا السَّكْرَانَ. وَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَبِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ،   [مغني المحتاج] فِي جُنُونِهِ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ بِغَيْرِ سُكْرٍ تَعَدَّى فِيهِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بِمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ فِي حَالِ التَّكْلِيفِ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ. فَإِنْ قِيلَ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ غَيْرِهِ إلَّا فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْمَوْلَى يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، ثَانِيهِمَا: الِاخْتِيَارُ لِيُخْرِجَ الْمُكْرَهَ بِغَيْرِ حَقٍّ. أُجِيبَ عَنْ إهْمَالِهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلْعِ وَعَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ أَهْمَلَهُ لِذِكْرِهِ حُكْمَ الْمُكْرَهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةً عَلَى الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ (إلَّا السَّكْرَانَ) الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ كَأَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ دَوَاءً مُجَنِّنًا بِلَا حَاجَةٍ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ السُّكْرُ طَافِحًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَسْقُطُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِعِصْيَانِهِ بِإِزَالَةِ عَقْلِهِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، قَالَ: وَلَكِنَّ مُرَادَ أَهْلِ الْأُصُولِ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ حَالَ السُّكْرِ، وَمُرَادُنَا هُنَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِقَضَاءِ الْعِبَادَاتِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ. وَأَجَابَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] . الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ فِي تَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ فِي أَوَائِلِ السُّكْرِ وَهُوَ الْمُنْتَشِئُ لِبَقَاءِ عَقْلِهِ، وَلِذَا يَصِحُّ مِنْهُ سَائِرُ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ مِمَّا لَهُ وَعَلَيْهِ مَعًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، أَوْ مُنْفَرِدَيْنِ كَالْإِسْلَامِ وَالطَّلَاقِ، وَيَصِحُّ طَلَاقُهُ بِالْكِنَايَةِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَشَمِلَ ذَلِكَ الْكَافِرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ حُرْمَةَ شُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَخَرَجَ بِالْمُتَعَدِّي غَيْرُهُ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ أَوْ شَرِبَ دَوَاءً مُجَنِّنًا لِحَاجَةٍ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَالرُّجُوعُ فِي مَعْرِفَةِ السَّكْرَانِ إلَى الْعُرْفِ، وَقِيلَ: أَدْنَى السُّكْرِ أَنْ يَخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ، وَيَنْكَشِفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهُ أَدْنَى. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَلَا يَحْتَاجُ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ لِأَنَّهُ إمَّا صَاحٍ وَإِمَّا سَكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ، وَحُكْمُهُ وَحُكْمُ الصَّاحِي سَوَاءٌ، بَلْ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ السُّكْرِ فِي غَيْرِ الْمُتَعَدِّي بِهِ، وَفِيمَا إذَا قَالَ: إنْ سَكِرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ اهـ. أَيْ فَيُحَدُّ حِينَئِذٍ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَمَا طَلَّقَ: إنَّمَا شَرِبْت الْخَمْرَ مُكْرَهًا - وَثَمَّ قَرِينَةٌ - أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتُهُ مُسْكِرٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، نَعَمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ يُسْتَفْسَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَمَّا إذَا شَرِبَ أَوْ أَكَلَ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ لِحَاجَةٍ كَالتَّدَاوِي فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَالْوَجِيزِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ فَقَالَ (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (بِصَرِيحِهِ) وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ الطَّلَاقِ (بِلَا نِيَّةٍ) لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَلَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يُقْبَلْ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ (وَ) يَقَعُ أَيْضًا (بِكِنَايَةٍ) وَهِيَ مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ لَكِنْ (بِنِيَّةٍ) لِإِيقَاعِهِ. فَإِنْ قِيلَ: سَيَأْتِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَصْدُ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ، وَلَا يَكْفِي قَصْدُ حُرُوفِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهُ، فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 456 فَصَرِيحُهُ الطَّلَاقُ وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ عَلَى الْمَشْهُورِ كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَيَا طَالِقُ، لَا أَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] مِنْهُمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْعَجَمِيُّ إذَا لُقِّنَ كَلِمَةَ الطَّلَاقِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ فِي الْكِنَايَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِيقَاعَ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِمَنْ عَرَفَ مَعْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِلَا نِيَّةٍ أَيْ بِلَا نِيَّةِ الْإِيقَاعِ، أَمَّا قَصْدُ التَّلَفُّظِ بِهِ فَيُشْتَرَطُ. نَعَمْ الْمُكْرَهُ إنْ نَوَى مَعَ الصَّرِيحِ الْوُقُوعَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ بِنِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا بِتَحْرِيكِ لِسَانِهِ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مَعَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَلَامٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَتَى بِكِنَايَةٍ مِنْ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ وَضَمَّ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ كَأَنْتِ بَائِنٌ بَيْنُونَةً مُحَرَّمَةً لَا تَحِلِّي لِي أَبَدًا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا كِنَايَةً، وَاسْتُشْكِلَ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْت بِكَذَا كَانَ كِنَايَةً، فَلَوْ أَضَافَ إلَيْهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ، فَالْأَصَحُّ صَرَاحَتُهُ (فَصَرِيحُهُ) جَزْمًا (الطَّلَاقُ) أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي لِاشْتِهَارِهِ فِيهِ لُغَةً وَعُرْفًا (وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا (عَلَى الْمَشْهُورِ) فِيهِمَا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَاهُ وَالثَّانِي، أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَهِرَا اشْتِهَارَ الطَّلَاقِ وَيُسْتَعْمَلَانِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: جُمْلَةُ قَوْلِهِ وَكَذَا. . إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى الطَّلَاقِ لَا عَلَى صَرِيحِهِ وَإِلَّا يَلْزَمْ حَصْرُ صَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّ مِنْ صَرِيحِهِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ ذُكِرَ الْمَالُ وَكَذَا الْمُفَادَاةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّرِيحِ وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً عِنْدَنَا، وَكُلُّ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ كِنَايَةً أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْكِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّا نَعْتَبِرُ عُقُودَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ، فَكَذَا طَلَاقُهُمْ، وَأَمْثِلَةُ الْمُشْتَقُّ مِنْ الطَّلَاقِ (كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ) بِالتَّشْدِيدِ وَيَا مُطَلَّقَةُ (وَيَا طَالِقُ) إنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهَا ذَلِكَ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ حُذِفَ الْمَفْعُولُ كَأَنْ قَالَ: طَلَّقْت، أَوْ الْمُبْتَدَأَ وَحَرْفَ النِّدَاءِ كَأَنْ قَالَ: طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي الْأُولَى (لَا أَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ) فَلَيْسَا بِصَرِيحَيْنِ (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ كِنَايَتَانِ: لِأَنَّ الْمَصَادِرَ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَعْيَانِ تَوَسُّعًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا صَرِيحَانِ كَقَوْلِهِ: يَا طَالِقُ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ فَارَقْتُك وَسَرَّحْتُكِ فَهُمَا صَرِيحَانِ، وَكَذَا أَنْتِ مُفَارَقَةٌ وَمُسَرَّحَةٌ، وَيَا مُفَارَقَةُ، وَيَا مُسَرَّحَةُ، وَأَنْتِ فِرَاقٌ، وَالْفِرَاقُ وَسَرَاحٌ وَالسَّرَاحُ كِنَايَاتٌ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالطَّلَاقِ إطْلَاقَهَا مِنْ وِثَاقٍ أَوْ بِالْفِرَاقِ مُفَارَقَةَ الْمَنْزِلِ، أَوْ فِرَاقًا بِالْقَلْبِ، أَوْ بِالسَّرَاحِ تَسْرِيحًا إلَى مَنْزِلِ أَهْلِهَا أَوْ أَرَدْت غَيْرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَسَبَقَ لِسَانِي إلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ عُرْفًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 457 وَتَرْجَمَةُ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَطْلَقْتُك وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ كِنَايَةٌ، وَلَوْ اشْتَهَرَ لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالِ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا ادَّعَاهُ، فَإِنْ كَانَتْ قَرِينَةٌ؛ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَحُلُّهَا مِنْ وِثَاقٍ قُبِلَ ظَاهِرًا لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَ كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ مِنْ الْعَمَلِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ إلَى كَذَا كَانَ كِنَايَةً إنْ قَصَدَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَلِفِ وَإِلَّا فَصَرِيحٌ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَنْ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ مِنْ ذِرَاعِهِ أَوْ فَرَسِهِ أَوْ رَأْسِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ أَتَى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ بَدَلَ الطَّاءِ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ تَالِقٌ كَانَ كِنَايَةً كَمَا أَفَادَهُ شَيْخِي. قَالَ: سَوَاءٌ كَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَلَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ: بَانَتْ مِنِّي امْرَأَتِي أَوْ حَرُمَتْ عَلَيَّ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ. (وَتَرْجَمَةُ) لَفْظِ (الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِشُهْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِهَا شُهْرَةَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صَرَاحَةٍ نَحْوُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ اُشْتُهِرَ فِيهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كِنَايَةٌ اقْتِصَارًا فِي الصَّرِيحِ عَلَى الْعَرَبِيِّ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ جُمْلَةِ الشَّرْعِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الطَّلَاقِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْفِرَاقِ وَالسَّرَاحِ كِنَايَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ: كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي صَرَاحَتِهِمَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَضُعِّفَا بِالتَّرْجَمَةِ. فَإِنْ قِيلَ: تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ التَّرْجَمَةَ بِالْعَجَمِيَّةِ قَاصِرٌ فَإِنَّ غَيْرَ الْعَجَمِيَّةِ مِنْ اللُّغَاتِ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِسَائِرِ اللُّغَاتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ. (وَ) كُلٌّ مِنْ (أَطْلَقْتُك وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ) بِسُكُونِ الطَّاءِ (كِنَايَةٌ) لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كِنَايَةٌ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ صَرَاحَتِهِ إثْبَاتُ كِنَايَتِهِ (وَلَوْ اشْتَهَرَ) عُرْفًا (لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالْحَلَالٍ) بِضَمِّ اللَّامِ عَلَيَّ حَرَامٌ (أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ) أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكَذَا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ الْحَرَامُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) عِنْدَ مَنْ اشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ: كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْمَرَاوِزَةِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحُصُولِ التَّفَاهُمِ عِنْدَهُمْ (قُلْت: الْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ (أَنَّهُ كِنَايَةٌ) مُطْلَقًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ وُرُودِ الْقُرْآنِ بِهِ وَتَكَرُّرِهِ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ الْمَذْكُورُ كَذَلِكَ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ عِنْدَهُمْ فَكِنَايَةٌ فِي حَقِّهِمْ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ أَلْقَيْت عَلَيْكِ طَلْقَةً صَرِيحٌ، وَفِي قَوْلِهِ لَهَا: وَضَعْتُ عَلَيْكِ طَلْقَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 458 وَكِنَايَتُهُ كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ بَرِيَّةٌ بَتَّةً بَتْلَةٌ بَائِنٌ اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك الْحَقِي بِأَهْلِك، حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، لَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ، اُعْزُبِي اُغْرُبِي دَعِينِي   [مغني المحتاج] أَوْ لَكِ طَلْقَةً وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْأُولَى قِيَاسًا عَلَى أَلْقَيْت عَلَيْك طَلْقَةً كِنَايَةً فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَى الصَّرَاحَةِ وَقَوْلُهُ لَهَا: لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْءٌ وَبَيْعُهُ لَهَا بِصِيغَةِ الْبَيْعِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِهِ، أَوْ أَبْرَأْتُك أَوْ عَفَوْت عَنْك، أَوْ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك، أَوْ بَرِئْت إلَيْكِ مِنْ طَلَاقِك كِنَايَةً، مَعْنَاهُ فِي الْأَخِيرَةِ بَرِئْت مِنْك بِوَاسِطَةِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْك، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا: بَرِئْت مِنْ طَلَاقِك فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا يَبْعُدُ إيقَاعُهُ بِهِ، وَقَوْلُهُ: الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ صَرِيحٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فَرْضٌ عَلَيَّ؛ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُزَنِيِّ: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَهُوَ كِنَايَةٌ. وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: إنَّهُ صَرِيحٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الزَّمَنِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَى التَّطْلِيقِ، فَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرْ فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَوْلُهُ لَهَا: طَلَّقَك اللَّهُ، وَلِغَرِيمِهِ أَبْرَأَك اللَّهُ، وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ: أَعْتَقَك اللَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْعِتْقِ، إذْ لَا يُطَلِّقُ اللَّهُ وَلَا يُبْرِئُ، وَلَا يُعْتِقُ إلَّا وَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ، وَالْغَرِيمُ بَرِيءٌ، وَالْأَمَةُ مُعْتَقَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَاعَك اللَّهُ وَأَقَالَك اللَّهُ كِنَايَةٌ، فَهَلَّا كَانَ مَا ذَكَرَ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الصِّيَغَ هُنَا قَوِيَّةٌ لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ صِيغَتَيْ الْبَيْعِ وَالْإِقَالَةِ، وَقَوْلُهُ لَهَا: طَلَاقُكِ عَلَيَّ أَوْ لَسْت زَوْجَتِي كِنَايَةٌ، وَفَارَقَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا عَلَيَّ الطَّلَاقُ عَلَى قَوْلِ الصَّيْمَرِيِّ بِاحْتِمَالِهِ طَلَاقُك فَرْضٌ عَلَيَّ مَعَ عَدَمِ اشْتِهَارِهِ بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ. (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ) أَيْ خَالِيَةٌ مِنِّي، وَكَذَا يُقَدَّرُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِيمَا بَعْدَهُ (بَرِيَّةٌ) بِهَمْزٍ وَتَرْكِهِ بِخَطِّهِ، وَحَيْثُ قُلْت بِخَطِّهِ، الْمُرَادُ الْمُصَنِّفُ: أَيْ مُنْفَصِلَةً (بَتَّةً) بِمُثَنَّاةٍ قَبْلَ آخِرِهِ أَيْ مَقْطُوعَةَ الْوَصْلَةِ. مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَتِّ، وَهُوَ الْقَطْعُ. تَنْبِيهٌ: تَنْكِيرُ الْبَتَّةِ جَوَّزَهُ الْفَرَّاءُ، وَالْأَصَحُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُعَرَّفًا بِاللَّامِ (بَتْلَةٌ) أَيْ مَتْرُوكَةُ النِّكَاحِ، وَمِنْهُ: نَهَى عَنْ التَّبَتُّلِ (بَائِنٌ) مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْفِرَاقُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بَائِنٌ هُوَ اللُّغَةُ الْفُصْحَى، وَالْقَلِيلُ بَائِنَةٌ (اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا (الْحَقِي بِأَهْلِك) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَجَعَلَهُ الْمُطَرِّزِيُّ خَطَأً أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا أَهْلٌ أَمْ لَا (حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) أَيْ خَلَّيْت سَبِيلَك كَمَا يُخْلَى الْبَعِيرُ فِي الصَّحْرَاءِ وَزِمَامُهُ عَلَى غَارِبِهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الظَّهْرِ وَارْتَفَعَ مِنْ الْعُنُقِ لِيَرْعَى كَيْفَ شَاءَ (لَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ) مِنْ النَّدْهِ، وَهُوَ الزَّجْرُ أَيْ لَا أَهْتَمُّ بِشَأْنِكِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَالسَّرْبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِبِلُ وَمَا يَرْعَى مِنْ الْمَالِ، أَمَّا بِكَسْرِ السِّينِ فَالْجَمَاعَةُ مِنْ الظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ السِّينِ هُنَا (اُعْزُبِي) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ تَبَاعَدِي عَنِّي (اُغْرُبِي) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ صِيرِي غَرِيبَةً بِلَا زَوْجٍ (دَعِينِي) أَيْ اُتْرُكِينِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 459 وَدِّعِينِي وَنَحْوِهَا، وَالْإِعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ. وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ.   [مغني المحتاج] لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَدِّعِينِي) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَكْسُورَةِ مِنْ الْوَدَاعِ، فَوَاوُهُ أَصْلِيَّةٌ لَا عَاطِفَةٌ أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك (وَنَحْوُهَا) كَقَوْلِهِ: لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَذُوقِي أَيْ مَرَارَةَ الْفِرَاقِ، وَتَزَوَّدِي أَيْ اسْتَعِدِّي لِلُّحُوقِ بِأَهْلِك، وَتَقَنَّعِي وَاسْتَتِرِي، أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك فَأَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَلَا تَحِلُّ لِي رُؤْيَتُك، وَتَجَرَّعِي أَيْ كَأْسَ الْفِرَاقِ، وَابْعَدِي لِأَنَّك أَجْنَبِيَّةٌ مِنِّي، وَاذْهَبِي أَيْ إلَى أَهْلِك لِأَنِّي طَلَّقْتُك لَا اذْهَبِي إلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ بِمَجْمُوعِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إلَى بَيْتِ أَبَوَيَّ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ. فَإِنْ نَوَاهُ بِقَوْلِهِ: اذْهَبِي وَقَعَ، إذْ ضَابِطُ الْكِنَايَةِ كُلُّ لَفْظٍ لَهُ إشْعَارٌ قَرِيبٌ بِالْفِرَاقِ وَلَمْ يَشِعْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا كَسَافِرِي، وَاخْرُجِي، وَيَا بِنْتِي إنْ أَمْكَنَ كَوْنَهَا بِنْتَه، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا قَالَهُ لِأَمَتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَتَزَوَّجِي وَانْكِحِي أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَأَحْلَلْتُك أَيْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَفَتَحْت عَلَيْك الطَّلَاقَ أَيْ أَوْقَعْتُهُ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَسُوقُ إلَيْك الْخَيْرَ أَيْ بِالطَّلَاقِ، وَبَارَكَ اللَّهُ لَكِ أَيْ فِي الْفِرَاقِ لَا إنْ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَارَكَ اللَّهُ لِي فِيك، وَهُوَ يُشْعِرُ بِرَغْبَتِهِ فِيهَا، وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لِلنَّاسِ أَوْ لِلْأَزْوَاجِ أَوْ لِلْأَجَانِبِ، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، أَنْتِ وَشَأْنَكِ، وَسَلَامٌ عَلَيْكِ قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ عِنْدَ الْفِرَاقِ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَلَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ (وَالْإِعْتَاقُ) صَرِيحُهُ وَكِنَايَتُهُ (كِنَايَةُ طَلَاقٍ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ، فَقَوْلُهُ لِزَوْجَتِهِ: أَعْتَقْتُك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا (وَعَكْسُهُ) أَيْ صَرِيحُ الطَّلَاقِ، وَكِنَايَتُهُ كِنَايَةُ إعْتَاقٍ لِمَا مَرَّ، فَقَوْلُهُ لِرَقِيقِهِ: طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ خَلِيٌّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إنْ نَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ: اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمَك لَغْوٌ لَا يَعْتِقُ بِهِ وَإِنْ نَوَاهُ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ، وَمِثْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا الْخُنْثَى وَكِنَايَةٌ فِي الْأَمَةِ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ: أَنَا مِنْك حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْت نَفْسِي لَغْوٌ لَا يَعْتِقُ بِهِ وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَشْمَلُ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الرِّقِّ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمَمْلُوكِ. (وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ) وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي إفَادَةِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضُوعِهِ مُمْكِنٌ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى الطَّلَاقَ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الظِّهَارَ لَمْ يَقَعْ مَا نَوَاهُ بَلْ يَقَعُ مُقْتَضَى الصَّرِيحِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلَ. مِنْهَا مَا لَوْ قَالَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَحِقِّ: أَرَدْت بِقَوْلِي أَحَلْتُك الْوَكَالَةَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: بَلْ أَرَدْت الْحَوَالَةَ صُدِّقَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْت فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَكِنَايَةٌ فِي الْوَقْفِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: فَسَخْت نِكَاحَك وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْفَسْخِ بِعَيْبِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ مَعَ أَنَّ الْفَسْخَ صَرِيحٌ فِي رَفْعِ نِكَاحِ الْمَعِيبَةِ بِحَيْثُ تَبِينُ بِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ فَقَدْ وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، فَقَالَ لِإِحْدَاهُنَّ فَارَقْتُك فَإِنَّهُ فَسْخٌ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ صَرِيحًا فِي الطَّلَاقِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 460 وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا حَصَلَ، أَوْ نَوَاهُمَا، تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ، وَقِيلَ طَلَاقٌ، وَقِيلَ ظِهَارٌ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَمْ تَحْرُمْ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَالثَّانِي لَغْوٌ وَإِنْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ فَكَالزَّوْجَةِ.   [مغني المحتاج] أُمِّي، فَالْمَجْمُوعُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ كَانَ ظِهَارًا. (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ رَأْسُك أَوْ فَرْجُك أَوْ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك وَنَوَى) بِذَلِكَ (طَلَاقًا) رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَإِنْ تَعَدَّدَ (أَوْ) نَوَى بِهِ (ظِهَارًا) أَيْ أَنَّهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ (حَصَلَ) مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، فَجَازَ أَنْ يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَرَامِ (أَوْ نَوَاهُمَا) أَيْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ مَعًا، وَكَذَا مُتَعَاقِبَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ اللَّفْظِ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فِي أَوَّلِهِ وَالْآخَرَ فِي آخِرِهِ (تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ) مِنْهُمَا، وَلَا يَثْبُتَانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ وَالظِّهَارَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ (وَقِيلَ) الْوَاقِعُ (طَلَاقٌ) لِأَنَّهُ أَقْوَى لِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ (وَقِيلَ: ظِهَارٌ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءَ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَزِيدَانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ (أَوْ) نَوَى بِذَلِكَ (تَحْرِيمَ عَيْنِهَا) أَوْ فَرْجِهَا أَوْ وَطْئِهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْ رَأْسِهَا (لَمْ تَحْرُمْ) عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. قَالَ: إنِّي جَعَلْت امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا، فَقَالَ: كَذَبْتَ لَيْسَتْ عَلَيْك بِحَرَامٍ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الْآيَةَ (وَ) لَكِنْ (عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) أَيْ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَى الْوَطْءِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتِهِ أَخْذًا مِنْ «قِصَّةِ مَارِيَةَ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ» نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَفَّارَةً كَكَفَّارَةِ أَيْمَانِكُمْ (وَكَذَا) لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَالِ أَيْ مِثْلُهَا كَمَا مَرَّ (إنْ لَمْ تَكُنْ) لَهُ (نِيَّةٌ) فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ مَا مَرَّ (وَالثَّانِي) أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ (لَغْوٌ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْيَمِينَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ (وَإِنْ قَالَهُ) أَيْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا مَرَّ (لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ أَوْ طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا لَغَا، إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْأَمَةِ (أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا مَرَّ، وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ (أَوْ لَا نِيَّةَ) لَهُ (فَكَالزَّوْجَةِ) فِيمَا مَرَّ، فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قَطْعًا فِي الْأُولَى، وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ غَيْرَ حَلَالٍ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِصِدْقِهِ فِي وَصْفِهَا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ لِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا، كَالْمُرْتَدَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَة وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي زَوْجَةٍ أَحْرَمَتْ أَوْ اعْتَدَّتْ بِشُبْهَةٍ أَوْجَهُهُمَا لَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي أَمَتِهِ الْمُعْتَدَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْقَاضِي فِي الْمُعْتَدَّةِ عَنْ شُبْهَةٍ وَالْمَجُوسِيَّةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 461 وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الطَّعَامُ أَوْ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ. وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ، وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ. وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ لَغْوٌ،   [مغني المحتاج] وَالْمُرْتَدَّةِ، وَلَا كَفَّارَةَ بِذَلِكَ فِي رَجْعِيَّةٍ لِصِدْقِهِ فِي وَصْفِهَا وَتَجِبُ فِي حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَصَائِمَةٍ وَنَحْوِهَا كَمُصَلِّيَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَوَارِضُ سَرِيعَةُ الزَّوَالِ. (وَلَوْ) حَرَّمَ الشَّخْصُ غَيْرَ الْأَبْضَاعِ كَأَنْ (قَالَ: هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الطَّعَامُ أَوْ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ) لَا كَفَّارَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَبْضَاعِ لِاخْتِصَاصِهَا بِالِاحْتِيَاطِ وَلِشِدَّةِ قَبُولِهَا التَّحْرِيمَ بِدَلِيلِ تَأْثِيرِ الظِّهَارِ فِيهَا دُونَ الْأَمْوَالِ، وَكَالْأَمْوَالِ قَوْلُ الشَّخْصِ لِآخَرَ لَيْسَ بِزَوْجَةٍ وَلَا أَمَةٍ لَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. تَنْبِيهَاتٌ: لَوْ حَرَّمَ كُلُّ مَا يَمْلِكُ وَلَهُ نِسَاءٌ وَإِمَاءٌ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ جَمَاعَةً وَكَلَّمَهُمْ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَمَا نَقَلَهُ فِي الظِّهَارِ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ تَعَدُّدِهَا ضَعِيفٌ، وَلَوْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ وَنَوَى التَّأْكِيدَ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى، وَبَحَثَهُ شَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ كَفَاهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَتْ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُولَى وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُهَا خِلَافَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَرَامَ لَمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَالطَّلَاقُ إذَا نَوَى بِهِ الِاسْتِئْنَافَ يَتَعَدَّدُ؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الْخَمْرِ، أَوْ الْخِنْزِيرِ، أَوْ الدَّمِ فَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ فِيمَا مَرَّ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِهِ الِاسْتِقْذَارَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا تُلْحَقُ الْكِنَايَةُ بِالصَّرِيحِ مُوَاطَأَةً كَالتَّوَاطُؤِ عَلَى جَعْلِ قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَطَلَّقْتُك، بَلْ تَكُونُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ، وَلَا سُؤَالُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ، وَلَا قَرِينَةَ مِنْ غَضَبٍ وَنَحْوِهِ (وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ قَارَنَتْ أَوَّلَهُ وَعَزَبَتْ قَبْلَ آخِرِهِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ (وَقِيلَ: يَكْفِي) اقْتِرَانُهَا (بِأَوَّلِهِ) فَقَطْ وَيَنْسَحِبُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ. وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَ فِي الْكَبِيرِ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِبَعْضِ اللَّفْظِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا. تَنْبِيهٌ: اللَّفْظُ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِهِ هُوَ لَفْظُ الْكِنَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ، وَمَثَّلَ لَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ بِقَرْنِهَا بِأَنْتِ مِنْ أَنْتِ بَائِنٌ مَثَلًا، وَصَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِنَايَاتِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الِاكْتِفَاءُ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ أَنْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْكِنَايَةِ فَهُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا الْمَقْصُودَ لَا يَتَأَدَّى بِدُونِهِ. (وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ) وَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ (بِطَلَاقٍ) كَأَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اذْهَبِي (لَغْوٌ) لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْعِبَارَةِ إلَى الْإِشَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ الطَّلَاقَ، وَإِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 462 وَقِيلَ كِنَايَةٌ، وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ، فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِ فَطِنُونَ فَكِنَايَةٌ. لَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ طَلَاقًا، وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَغْوٌ، وَإِنْ نَوَاهُ فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ. فَإِنْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ   [مغني المحتاج] قَصَدَهُ بِهَا فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا (وَقِيلَ) : هِيَ (كِنَايَةٌ) لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ إشَارَةً لِمَحَلِّ الطَّلَاقِ كَقَوْلِ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ: امْرَأَتِي طَالِقٌ مُشِيرًا لِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ: أَرَدْت الْأُخْرَى فَإِنَّهُ يُقْبَلُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ آخِرَ الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ قُبَيْلَ الْبَابِ السَّادِسِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَإِشَارَتِهِ بِأَمَانٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُلْتَحَقُ بِعِبَارَتِهِ فَلَيْسَتْ لَغْوًا، وَمِمَّا لَمْ يُلْحِقُوهُ بِالْعِبَارَةِ إشَارَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِشَارَتُهُ إلَى مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ وَلَا يَحْنَثُ (وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ (فِي الْعُقُودِ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَفِي الْأَقَارِيرِ وَالدَّعَاوَى (وَ) فِي (الْحُلُولِ) كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَاسْتَثْنَى فِي الدَّقَائِقِ شَهَادَتَهُ وَإِشَارَتَهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِهَا فِي الْحَلِفِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ (فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ) مَثَلًا (بِهَا) أَيْ الْإِشَارَةِ (كُلُّ أَحَدٍ) مِنْ فَطِنٍ وَغَيْرِهِ (فَصَرِيحَةٌ) إشَارَتُهُ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ كَأَنْ قِيلَ لَهُ: كَمْ طَلَّقْت زَوْجَتَك؟ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ (وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِ) أَيْ بِفَهْمِ طَلَاقِهِ بِإِشَارَتِهِ (فَطِنُونَ) بِكَسْرِ الطَّاءِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا: أَيْ أَهْلُ الْفِطْنَةِ وَالذَّكَاءِ ضِدُّ الْغَبِيِّ (فَكِنَايَةٌ) يَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: تَفْسِيرُ الْأَخْرَسِ صَرِيحُ إشَارَتِهِ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَتَفْسِيرِ اللَّفْظِ الشَّائِعِ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ. (لَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ) عَلَى مَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْخَطُّ كَرِقٍّ وَثَوْبٍ وَحَجَرٍ وَخَشَبٍ لَا عَلَى نَحْوِ مَاءٍ كَهَوَاءٍ (طَلَاقًا) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يُغْتَفَرُ إلَى قَبُولٍ كَالْإِعْتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، كَأَنْ كَتَبَ زَوْجَتِي أَوْ كُلُّ زَوْجَةٍ لِي طَالِقٌ، أَوْ عَبْدِي حُرٌّ (وَلَمْ يَنْوِهِ) أَيْ الطَّلَاقَ أَوْ نَحْوَهُ (فَلَغْوٌ) لَا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ (وَإِنْ نَوَاهُ) وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ (فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ) لِأَنَّ الْكِنَايَةَ طَرِيقٌ فِي إفْهَامِ الْمُرَادِ وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْخِطَابَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ كَاللَّفْظِ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْقَوْلِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ كَالْإِشَارَةِ مِنْ نَاطِقٍ، فَإِنْ قَرَأَ مَا كَتَبَهُ حَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَصَرِيحٌ، فَإِنْ قَالَ: قَرَأْته حَاكِيًا مَا كَتَبْته بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ هَذَا إذَا لَمْ تُقَارِنْ الْكُتُبُ النِّيَّةَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَتَبَ الْأَخْرَسُ أَنَّ زَوْجَتَهُ طَالِقٌ كَانَ كِنَايَةً عَلَى الصَّحِيحِ فَيَقَعُ إنْ نَوَى وَإِنْ لَمْ يُشِرْ مَعَهَا. أَمَّا إذَا رَسَمَ صُورَةَ الْكِتَابَةِ عَلَى مَاءٍ أَوْ فِي هَوَاءٍ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (فَإِنْ كَتَبَ) شَخْصٌ فِي كِتَابٍ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَوَى وَعَلَّقَ الطَّلَاقَ بِبُلُوغِ الْكِتَابِ كَقَوْلِهِ (إذَا بَلَغَك كِتَابِي) أَوْ وَصَلَ إلَيْكَ أَوْ أَتَاكَ (فَأَنْتِ طَالِقٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 463 فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ. وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي وَهِيَ قَارِئَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِئَ عَلَيْهَا فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، طَلُقَتْ.   [مغني المحتاج] فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ) لَهَا مَكْتُوبًا كُلَّهُ مُرَاعَاةً لِلشَّرْطِ، فَإِنْ انْمَحَى كُلُّهُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَمْ تَطْلُقْ، كَمَا لَوْ ضَاعَ وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ بَعْدَ الْمَحْوِ وَأَمْكَنَ قِرَاءَتُهُ طَلُقَتْ، وَلَوْ ذَهَبَ سَوَابِقُهُ وَلَوَاحِقُهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَبَقِيَتْ مَقَاصِدُهُ وَقَعَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَهَبَ مَوْضِعُ الطَّلَاقِ أَوْ انْمَحَقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهَا جَمِيعُ الْكِتَابِ، وَلَا مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَتَبَ عَمَّا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ، كَمَا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ وَنَوَى الزَّوْجُ كَمَا جَزَمَا بِهِ خِلَافًا لِلصَّيْمَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُمْلِيَ عَلَى غَيْرِهِ وَبِقَوْلِهِ طَالِقٌ عَمَّا لَوْ كَتَبَ كِنَايَةً مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، كَمَا لَوْ كَتَبَ زَوْجَتِي بَائِنٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ كِنَايَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِكِنَايَةٍ، إذْ لَا يَكُونُ لِلْكِنَايَةِ كِنَايَةٌ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. فَرْعٌ: لَوْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك نِصْفُ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَغَهَا كُلُّهُ طَلُقَتْ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ ادَّعَتْ وُصُولَ كِتَابِهِ بِالطَّلَاقِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ خَطُّهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا بِرُؤْيَةِ الشَّاهِدِ بِكِتَابِهِ وَحَفِظَهُ عِنْدَهُ لِوَقْتِ الشَّهَادَةِ. (وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ بِهِ إذْ الْقِرَاءَةُ تُعْطِي ذَلِكَ، لَكِنْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ طَالَعَتْهُ وَفَهِمَتْ مَا فِيهِ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ. الثَّانِي: اشْتِرَاطُ قِرَاءَةِ جَمِيعِهِ، وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِقِرَاءَةِ الْمَقَاصِدِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَحُكْمُ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْكِتَابِ كَوُصُولِ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ حُكْمُهُ (وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا) تَطْلُقُ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ قِرَاءَتِهَا مَعَ الْإِمْكَانِ. وَالثَّانِي تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اطِّلَاعُهَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكَلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا إذَا كَتَبَ لِلْقَاضِي مَنْ وَلَّاهُ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ وَهُوَ قَارِئٌ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ. فَهَلَّا سَوَّى بَيْنَهُمَا كَمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ عَادَةَ الْحُكَّامِ قِرَاءَةُ الْكُتُبِ عَلَيْهِمْ، وَالْمَقْصُودُ إعْلَامُهُ بِالْحَالِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَإِنَّمَا يُتَحَقَّقُ وُقُوعُهُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً) أَيْ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ ذَلِكَ (فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْقَارِئَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ حَالَهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقْ عَلَى الْأَقْرَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَتَرِدُ هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ ثُمَّ عَلَّقَ بِوُصُولِ الطَّلَاقِ وَوَصَلَ إلَيْهَا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 464 فَصْلٌ لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا، وَهُوَ تَمْلِيكٌ، فِي الْجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ. وَإِنْ قَالَ طَلِّقِي بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ، وَقِيلَ قَوْلٌ تَوْكِيلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ] (فَصْلٌ) فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا «بِأَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمَقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] إلَخْ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِيَارِهِنَّ الْفُرْقَةَ أَثَرٌ لَمْ يَكُنْ لِتَخْيِيرِهِنَّ مَعْنَى. فَإِنْ قِيلَ: لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بِدَلِيلِ: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: 28] . أُجِيبَ بِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبَّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا) الْمُنَجَّزِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً كَطَلِّقِي أَوْ أَبِينِي نَفْسَك (إلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إذَا جَاءَ الْغَدُ أَوْ زَيْدٌ فَطَلِّقِي نَفْسَك، وَلَا التَّفْوِيضُ لِصَغِيرَةٍ، أَوْ حُكْمُ مَجْنُونَةٍ كَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ (تَمْلِيكٌ) لِلطَّلَاقِ أَيْ يُعْطَى حُكْمَ التَّمْلِيكِ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِغَرَضِهَا كَغَيْرِهِ مِنْ التَّمْلِيكَاتِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ مَلَّكْتُك طَلَاقَك (فَيُشْتَرَطُ) عَلَيْهِ (لِوُقُوعِهِ) تَكْلِيفَهُ وَتَكْلِيفَهَا وَ (تَطْلِيقُهَا عَلَى الْفَوْرِ) لِأَنَّ التَّطْلِيقَ هُنَا جَوَابٌ لِلتَّمْلِيكِ فَكَانَ كَقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ فَوْرٌ، فَإِنْ أَخَّرَتْ بِقَدْرِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ كَثِيرٌ بَيْنَ تَفْوِيضِهِ وَتَطْلِيقِهَا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ، فَلَوْ قَالَتْ: كَيْفَ أُطَلِّقُ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ وَقَعَ، وَالْفَصْلُ بِذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِقِصَرِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ مُكَلَّفَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لِفَسَادِ الْعِبَارَةِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِ نَفْسِك لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَكَذَا إنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى أَوْ مَتَى مَا شِئْت لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ، وَإِنْ اقْتَضَى التَّمْلِيكُ اشْتِرَاطَهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِمَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ سُومِحَ فِي تَمْلِيكِهِ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَوَجَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ. (وَإِنْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) فَوْرًا وَهِيَ جَائِزَةُ التَّصَرُّفِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا أَلْفٌ) وَيَكُونُ تَمْلِيكُهَا بِعِوَضٍ كَالْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ عِوَضٌ فَهُوَ كَالْهِبَةِ (وَفِي قَوْلٍ) نُسِبَ لِلْقَدِيمِ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا (تَوْكِيلٌ) كَمَا لَوْ فَوَّضَ طَلَاقَهَا لِأَجْنَبِيٍّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لَهَا فِيهِ غَرَضًا وَلَهُ بِهَا اتِّصَالًا، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ (فَلَا يُشْتَرَطُ) فِي تَطْلِيقِهَا (فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 465 وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلَافُ الْوَكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ. وَلَوْ قَالَ أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ. وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي   [مغني المحتاج] شَائِبَةِ التَّمْلِيكِ (وَ) عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ (فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا) لَفْظًا (خِلَافُ الْوَكِيلِ) الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِهِ، وَالْمُرَجَّحُ مِنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَفْظًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ: فَفِي اشْتِرَاطٍ لِأَفْهَمَ التَّفْرِيعَ عَلَى مَا قَبْلَهُ (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ) التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ (لَهُ الرُّجُوعُ) عَنْ التَّفْوِيضِ بِرُجُوعِهِ أَمْ لَا. (وَلَوْ) عَلَّقَ التَّفْوِيضَ كَأَنْ (قَالَ) لَهَا (إذَا جَاءَ رَمَضَانُ) مَثَلًا (فَطَلِّقِي) نَفْسَك (لَغَا عَلَى) قَوْلِ (التَّمْلِيكِ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُك هَذَا الْعَبْدَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَجَازَ عَلَى قَوْلِ التَّوْكِيلِ كَمَا فِي تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: فَلْيَتَأَمَّلْ الْجَمْعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَصْلَ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ مُسْتَنِدًا إلَى الْإِذْنِ فِيهَا فَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صُوَرِ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ (وَ) أَمَّا بِالْكِنَايَةِ فَهُوَ كَمَا (لَوْ قَالَ) لَهَا: (أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَى) أَيْ الزَّوْجُ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِأَبِينِي وَنَوَتْ هِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهَا بِأَبَنْتُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ النِّيَّةِ كَالصَّرِيحِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَلَا) يَقَعُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ هُوَ فَلَا تَفْوِيضَ وَإِنْ لَمْ تَنْوِ هِيَ فَلَا تَطْلِيقَ، إذْ الطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَحْدَهُ (وَلَوْ) صَرَّحَ فَكَنَّتْ أَوْ عَكْسُهُ كَأَنْ (قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك (فَقَالَتْ أَبَنْت وَنَوَتْ، أَوْ) قَالَ (أَبِينِي) نَفْسَك (وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهَا أُمِرَتْ بِالطَّلَاقِ وَقَدْ فَعَلَتْهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ لَفْظِهِمَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّخَالُفَ فِي الْكِنَايَةِ أَوْ الصَّرِيحِ كَاخْتَارِي نَفْسَك، فَقَالَتْ: أَبَنْتهَا، أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك، فَقَالَتْ: سَرَّحْتُهَا لَا يَضُرُّ مِنْ بَابِ أَوْلَى، نَعَمْ إنْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ بِكِنَايَتِهِ أَوْ بِالتَّسْرِيحِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعَدَلَتْ عَنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِمُخَالَفَتِهَا صَرِيحَ كَلَامِهِ. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ بِطَلِّقِي نَفْسَك، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَبِينِي نَفْسَك، وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ نَفْسَك وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ نَفْسِك مِنْهُمَا وَزِدْتُهُمَا فِي الشَّرْحِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَتْ نَفْسَهَا، إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِالْفِرَاقِ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ. وَثَانِيهِمَا: يَقَعُ إذَا نَوَتْ نَفْسَهَا وَبِهِ قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (طَلِّقِي) نَفْسَك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 466 وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسَهُ فَوَاحِدَةٌ.   [مغني المحتاج] (وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ: طَلَّقْت وَنَوَتْهُنَّ) وَقَدْ عَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا: كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ (فَثَلَاثٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ، وَقَدْ نَوَيَاهُ (وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ فِي الْعَدَدِ وَالثَّانِي ثَلَاثٌ حَمْلًا عَلَى مَنْوِيِّهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَإِلَّا صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى هُوَ ثَلَاثًا وَلَمْ تَنْوِ هِيَ عَدَدًا، وَبِمَا إذَا لَمْ يَنْوِيَا أَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْبَيْعِ، لَكِنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ تَقَعُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ بِلَا خِلَافٍ. (وَلَوْ قَالَ) : طَلِّقِي نَفْسَك (ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ) أَيْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا (أَوْ عَكْسَهُ) كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَثَلَّثَتْ أَيْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا (فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ فِي الصُّورَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ مَا أَوْقَعَتْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا وَاحِدَةٌ وَالزَّائِدُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَقَعُ مَا تَمْلِكُهُ. تَنْبِيهَاتٌ: لَهَا فِي الْأُولَى بَعْدَ أَنْ وَحَّدَتْ وَرَاجَعَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا أَنْ تَزِيدَ الثِّنْتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ عَلَى الْوَاحِدَةِ الَّتِي أَوْقَعَتْهَا فَوْرًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُطَلِّقَ الثَّلَاثَ دُفْعَةً وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً، وَلَا يَقْدَحُ تَخَلُّلُ الرَّجْعَةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ: طَلَّقْت وَقَعَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا جَوَابٌ لِكَلَامِهِ فَهُوَ كَالْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ هُوَ بِالثَّلَاثِ وَنَوَاهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْوِيَّ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ عَوْدِهِ فِي الْجَوَابِ، إذْ التَّخَاطُبِ بِاللَّفْظِ لَا بِالنِّيَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَبَثًا وَنَوَتْ فَصَادَفَتْ التَّفْوِيضَ لَهَا وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا. وَلَوْ فَوَّضَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ إلَى اثْنَيْنِ وَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا طَلْقَةً، وَالْآخَرُ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ كَمَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهَا، وَإِنْ جَعَلَ طَلَاقَهَا بِيَدِ اللَّهِ وَيَدِ زَيْدٍ لَغَا إنْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ فَلَيْسَ لِزَيْدٍ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا بِيَدِ اللَّهِ فَلَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ كَمَا لَوْ قَصَدَ الشَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْعَطْفِ. وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت كُلَّ أَمْرٍ لِي عَلَيْك بِيَدِك كَانَ كِنَايَةً فِي التَّفْوِيضِ إلَيْهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَنْوِهَا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَشِيئَةَ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْعَدَدِ، فَقَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ لَغَا لِصَيْرُورَةِ الْمَشِيئَةِ شَرْطًا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ، وَالْمَعْنَى طَلِّقِي إنْ اخْتَرْتِ الثَّلَاثَ، فَإِذَا اخْتَارَتْ غَيْرَهُنَّ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَهَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى تَفْوِيضِ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى فَوَّضْت إلَيْكِ أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا، فَإِنْ شِئْت فَافْعَلِي مَا فَوَّضْت إلَيْكِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَلَا نُفُوذَ مَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الطَّلَاقِ أَيْضًا، فَقَالَ: إنْ شِئْت طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً كَانَ كَمَا لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ الْعَدَدِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 467 فَصْلٌ مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاقٌ لَغَا، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانٌ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ لَغَا، وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ. وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي الْقَصْدُ فِي الطَّلَاقِ] (فَصْلٌ) فِي اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي الطَّلَاقِ، وَهَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْقَصْدُ، إذَا (مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ) أَوْ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ (طَلَاقٌ لَغَا) وَإِنْ قَالَ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَجَزْتُهُ أَوْ أَوْقَعْتُهُ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَذَكَرَ مِنْهَا النَّائِمَ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَلِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ هَذَا بِاشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ أَوَّلَ الْبَابِ، لَوْ تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْت حِينَئِذٍ صَبِيًّا أَوْ نَائِمًا وَأَمْكَنَ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ: كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، وَإِنْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي تَصْدِيقِ النَّائِمِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ) لِحُرُوفِ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ (لَغَا) مَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ، وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ حَاكِيًا كَلَامَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْفَقِيهُ إذَا تَكَرَّرَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي دَرْسِهِ وَتَصْوِيرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ قَصْدٌ مَعَ قَوْلِهِ سَبَقَ، وَلَوْ قَالَ: لَا بِقَصْدٍ كَانَ أَعَمَّ (وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا) فِي دَعْوَاهُ سَبْقَ لِسَانِهِ بِالطَّلَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْغَالِبَ أَنَّ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ إلَّا وَيَقْصِدُهُ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) كَأَنْ دَعَاهَا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ إلَى فِرَاشِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ الْآنَ طَاهِرَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ، فَقَالَ أَنْتِ الْيَوْمَ طَالِقَةٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ فِي دَعْوَاهُ السَّبْقَ فَلَهَا قَبُولُ قَوْلِهِ، وَكَذَا لِلشُّهُودِ أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا، وَذَكَرَ أَوَاخِر الطَّلَاقِ، أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ لَفْظَ رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ، وَكَانَ مَا هُنَا فِيمَا إذَا ظَنُّوا وَمَا هُنَاكَ فِيمَا إذَا تَحَقَّقُوا كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُهُ. قَالَ شَيْخُنَا وَمَعَ ذَلِكَ فِيمَا هُنَا نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ) لَهَا (يَا طَالِقُ) بِضَمِّ الْقَافِ بِخَطِّهِ (وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ) جَزْمًا لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ مَعْنَاهُ، وَكَوْنُهَا اسْمَهَا كَذَلِكَ قَرِينَةٌ تُسَوِّغُ تَصْدِيقَهُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ قَصْدُ نِدَائِهَا بِاسْمِهَا وَإِلَّا فَنِدَاؤُهَا مَقْصُودٌ، وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 468 فِي الْأَصَحِّ؛ وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَالَ أَرَدْت النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الْحَرْفُ صُدِّقَ. وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ أَنْكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وَقَعَ.   [مغني المحتاج] بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَكَانَ اسْمُهَا ذَلِكَ عِنْدَ النِّدَاءِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) حَمْلًا عَلَى النِّدَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الطَّلَاقَ وَاللَّفْظُ هُنَا مُشْتَرَكٌ وَالْأَصْلُ دَوَامُ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا كَانَ اسْمُهَا ذَلِكَ ثُمَّ غُيِّرَ إلَى غَيْرِهِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِهِ بَعْدَ التَّغْيِيرِ طَلُقَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعِتْقِ فِي نِدَاءِ عَبْدِهِ الْمُسَمَّى بِحُرٍّ يَا حُرُّ (وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا) أَوْ طَالِعًا أَوْ نَحْوَهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُقَارِبُ حُرُوفَ طَالِقٍ (فَقَالَ) لَهَا: (يَا طَالِقُ، وَقَالَ: أَرَدْت النِّدَاءَ) لَهَا بِاسْمِهَا (فَالْتَفَّ) بِلِسَانِي (الْحَرْفُ صُدِّقَ) ظَاهِرًا لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ. (وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ) لَهَا (هَازِلًا) وَهُوَ قَصْدُ اللَّفْظِ دُونَ مَعْنَاهُ (أَوْ لَاعِبًا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِقَوْلِهَا لَهُ فِي مَعْرِضِ دَلَالٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ اسْتِهْزَاءٍ طَلِّقْنِي فَيَقُولُ لَهَا لَاعِبًا أَوْ مُسْتَهْزِئًا طَلَّقْتُك (أَوْ) خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ (وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً) وَيُصَدَّقُ ذَلِكَ بِصُوَرٍ. إمَّا (بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ) أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ (أَوْ) بِأَنْ (أَنْكَحَهَا) لَهُ (وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ) بِالنِّكَاحِ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ. أَمَّا فِي الْأُولَيَيْنِ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَعَدَمِ رِضَاهُ بِوُقُوعِهِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ لِخَطَأِ ظَنِّهِ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ» . قَالَ الْبَغَوِيّ: وَخَصَّ فِي الْحَدِيثِ الثَّلَاثَ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ الْفَرْجِ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ تَنْعَقِدُ بِالْهَزْلِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي مَحَلِّهِ وَظَنُّ غَيْرِ الْوَاقِعِ لَا يَدْفَعُهُ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْمُصَنِّفِ اللَّعِبَ عَلَى الْهَزْلِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، وَكَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقْتَضِي تَرَادُفَهُمَا، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ: الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ مِنْ وَادِي الِاضْطِرَابِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ عَلَى سَبِيلِ اللَّعِبِ وَالْهَزْلِ، وَهِيَ تَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا، وَاَلَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ أَنَّ الْهَزْلَ يَخْتَصُّ بِالْكَلَامِ وَاللَّعِبَ أَعَمُّ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْوُقُوعَ أَنَّهُ يَقَعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي مَسْأَلَةِ الظَّنِّ بَاطِنًا وَهُوَ، الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ إنَّ الْمَذْهَبَ الْوُقُوعُ بَاطِنًا، وَلَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ زَوْجَةً فَقَالَ: زَوْجَتِي طَالِقٌ طَلُقَتْ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَأَقَرَّاهُ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي، فَقَالَ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الرِّسْتَاقِ فَذَهَبَتْ إلَى الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَك زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: إنْ كَانَ لِي زَوْجَةٌ فِي الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَانَتْ هِيَ فِي الْبَلَدِ، فَعَلَى قَوْلَيْ حِنْثِ النَّاسِي. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَأَكْثَرُ مَا يُلْمَحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 469 وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ، وَقِيلَ إنْ نَوَى مَعْنَاهَا وَقَعَ. وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ،   [مغني المحتاج] صُورَةُ التَّعْلِيقِ. وَلَوْ كَانَ وَاعِظًا مَثَلًا وَطَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ. طَلَّقْتُكُمْ وَفِيهِمْ امْرَأَتُهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَنْعٍ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الطَّلَاقِ، إذْ مَعْنَاهُ الْفُرْقَةُ وَقَدْ نَوَاهَا، وَبِأَنَّ دَلِيلَ الدُّخُولِ هُنَا مَوْجُودٌ وَهُوَ مُشَافَهَةُ الْحَاضِرِينَ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِأَنَّ زَوْجَتَهُ فِيهِمْ لَا يَمْنَعُ الْإِيقَاعَ كَمَنْ خَاطَبَهَا يَظُنُّهَا غَيْرَهَا. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ شَرْعًا: قَطْعُ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقْصِدْهُ الْوَاعِظُ، بِخِلَافِ مَنْ خَاطَبَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا غَيْرَهَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ الْقَصْدِ لِلتَّغْلِيبِ وَلَا قَصْدَ. (وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ (بِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِالْعَرَبِيَّةِ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ (وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ) سَوَاءٌ أَلْقَنَهُ أَوْ لَا (لَمْ يَقَعْ) لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ، وَقَيَّدَهُ الْمُتَوَلِّي بِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا لِأَهْلِ اللِّسَانِ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا، وَيُدَيَّنُ وَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ (وَقِيلَ إنْ نَوَى) الْعَجَمِيُّ بِهِ (مَعْنَاهَا) أَيْ الْعَرَبِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِهَا (وَقَعَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ لِمَعْنَاهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ؛ وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ وَقَصَدَ بِهِ قَطْعَ النِّكَاحِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِكَلِمَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا. (وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ) بِغَيْرِ حَقٍّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِخَبَرِ: «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ إكْرَاهٍ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَغَا كَالرِّدَّةِ. نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا مُكْرَهًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَحَّ الْإِسْلَامُ، وَصُوِّرَ الطَّلَاقُ بِحَقٍّ جَمْعٌ بِإِكْرَاهِ الْقَاضِي الْمُولِيَ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الثَّلَاثِ فَتَلَفَّظَ بِهَا لَغَا الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَيَنْعَزِلُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُولِي لَا يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ عَيْنًا بَلْ بِهِ أَوْ بِالْفَيْئَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ يَمْنَعُ الْوُقُوعَ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ فَأَتَى بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْمُولِي كَمَا لَوْ آلَى وَهُوَ غَائِبٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَوَكَّلَتْ بِالْمُطَالَبَةِ فَرَفَعَهُ وَكِيلُهَا إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الزَّوْجُ وَطَالَبَهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ فِي الْحَالِ وَبِالْمَسِيرِ إلَيْهَا أَوْ بِحَمْلِهَا إلَيْهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 470 فَإِنْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ، فَوَحَّدَ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ أَوْ بِالْعُكُوسِ وَقَعَ، وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ، وَيَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا،   [مغني المحتاج] أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَضَى مُدَّةُ إمْكَانِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَسِيرُ إلَيْهَا الْآنَ لَمْ يُمَكَّنْ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى الطَّلَاقِ عَيْنًا هَكَذَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي تَفْرِيعًا عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُكْرِهُ الْمُولِيَ عَلَى الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يُطَلِّقُ عَلَى الْمُولِي الْمُمْتَنِعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا إكْرَاهَ أَصْلًا حَتَّى يَحْتَرِزَ عَنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُكْرَهِ مَا لَوْ أَكْرَهَ شَخْصًا عَلَى طَلَاقِ زَوْجَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ إذْنٌ وَزِيَادَةٌ، وَلَا يُسْتَثْنَى مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ فَنَوَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مُكْرَهًا. وَلَوْ أَكْرَهَ غَيْرُ الزَّوْجِ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَغَا أَوْ الزَّوْجُ وَقَعَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِذْنِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِحَقٍّ فَإِكْرَاهُ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ بِالْجِزْيَةِ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فَإِنْ ظَهَرَتْ) مِنْ مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ (قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ) مِنْهُ لِلطَّلَاقِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (أُكْرِهَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (عَلَى ثَلَاثٍ فَوَحَّدَ) أَيْ طَلَّقَ وَاحِدَةً (أَوْ) عَلَى طَلَاقٍ (صَرِيحٍ أَوْ) عَلَى (تَعْلِيقٍ) لَهُ (فَكَنَّى) وَنَوَى (أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى) أَنْ يَقُولَ: (طَلَّقْتُ) زَوْجَتِي (فَسَرَّحَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَالَ سَرَّحْتُهَا (أَوْ) وَقَعَ الْإِكْرَاهُ (بِالْعُكُوسِ) لِهَذِهِ الصُّوَرِ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَاحِدَةٍ فَثَلَّثَ أَوْ كِنَايَةٍ فَصَرَّحَ أَوْ تَنْجِيزٍ فَعَلَّقَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَقُولَ: سَرَّحْت، فَقَالَ: طَلَّقْتُ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ فِي الْجَمِيع؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا أَتَى بِهِ (وَشَرْطُ) حُصُولِ (الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ) الْمُكْرَهَ بِفَتْحِهَا تَهْدِيدًا عَاجِلًا ظُلْمًا (بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (عَنْ دَفْعِهِ) أَيْ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا (بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ) كَاسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِهِ (وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ) مِنْ فِعْلِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ (حَقَّقَهُ) أَيْ فِعْلَ مَا خَوَّفَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالظَّنِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَخَرَجَ بِعَاجِلًا مَا لَوْ قَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ غَدًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَبِظُلْمٍ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ لِلْجَانِي: طَلِّقْهَا وَإِلَّا اقْتَصَصْت مِنْكَ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا (وَيَحْصُلُ) الْإِكْرَاهُ (بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ) بِ (حَبْسٍ) طَوِيلٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّامِلِ عَنْ النَّصِّ (أَوْ إتْلَافِ مَالٍ) وَقَوْلُهُ (وَنَحْوِهَا) مِنْ زِيَادَتِهِ: أَيْ مِمَّا يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ لِأَجْلِهِ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَسْبَابِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهَا، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي سَبَبٍ دُونَ آخَرَ، فَالْإِكْرَاهُ بِإِتْلَافِ مَالٍ لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَمَّلُهُ، وَلَا يُطَلِّقُ بِخِلَافِ الْمَالِ الَّذِي يَضِيقُ عَلَيْهِ، وَالْحَبْسُ فِي الْوَجِيهِ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 471 وَقِيلَ يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، وَقِيلَ قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ. وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَقَعَ. وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ   [مغني المحتاج] وَالضَّرْبُ الْيَسِيرُ فِي أَهْلِ الْمُرُوآتِ إكْرَاهٌ، وَالتَّهْدِيدُ بِقَتْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا أَوْ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ إكْرَاهٌ بِخِلَافِ ابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ) فِي الْإِكْرَاهِ (قَتْلٌ) لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَدُومُ مَعَهُ النَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِيهِ (قَتْلٌ) لِنَفْسِهِ (أَوْ قَطْعٌ) لِطَرَفِهِ (أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ) لِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِطَلِّقْ زَوْجَتَك وَإِلَّا قَتَلْتُ نَفْسِي أَوْ كَفَرْتُ أَوْ أَبْطَلْتُ صَوْمِي أَوْ صَلَاتِي. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ الْوُقُوعِ إذَا قَالَهُ مَنْ لَوْ هَدَّدَ بِقَتْلِهِ كَانَ مُكْرَهًا كَالْوَلَدِ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. (وَلَا تُشْتَرَطُ) فِي عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ (التَّوْرِيَةُ) وَهِيَ مِنْ وَرَى أَيْ جَعَلَ الْبَيَانَ وَرَاءَهُ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (يَنْوِيَ) بِقَوْلِهِ: طَلَّقْت زَيْنَبَ مَثَلًا (غَيْرَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ أَوْ يَنْوِي بِالطَّلَاقِ حَلَّ الْوِثَاقِ، أَوْ يَقُولُ عَقِيبَ اللَّفْظِ؛ إنْ شَاءَ سِرًّا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، أَوْ قَالَ فِي نَفْسِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ تَلَفُّظُهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى سِرًّا بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ الْمُكْرَهُ لَا أَنَّهُ نَوَاهُ، أَوْ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّلَفُّظِ بِالتَّعْلِيقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُكْرَهِ. أَمَّا هُوَ فَيَكْفِي بِقَلْبِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ. وَضَابِطُ التَّوْرِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَقُبِلَ وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَلِهَذَا لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: كَأَنْ بِالْكَافِ كَمَا حُوِّلَتْ بِهِ عِبَارَتُهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَثِيرًا، وَفِيهِ تَسَاهُلٌ (وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّوْرِيَةَ (بِلَا عُذْرٍ) لَهُ (وَقَعَ) لِإِشْعَارِهِ بِالِاخْتِيَارِ، فَإِنْ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ كَدَهْشَةٍ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لَهُ اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيَك حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّك لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ بِذَلِكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ مِنْهُمْ لَهُ عَلَى الْحَلِفِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِهِمْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ، وَلَوْ أَكْرَهَ ظَالِمٌ شَخْصًا أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ مَالِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ مَحَلِّهِ فَلَمْ يُخْلِهِ حَتَّى يَحْلِفَ لَهُ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِهِ كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الطَّلَاقِ بَلْ خُيِّرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَالَةِ، وَلَوْ قَالَ: طَلَّقْت مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ وَهُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ ادَّعَى الصِّبَا بَعْدَ طَلَاقِهِ وَأَمْكَنَ صَدَّقَهُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَزَمُوا فِي الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ لَا يُشْبِهُ هَذَا فَإِنَّ الزَّوْجَ تَلَفَّظَ ثَمَّ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ، ثُمَّ ادَّعَى صَرْفَهُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَالْمُدَّعَى هُنَا طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِحَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الطَّلَاقُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ. (وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابِ) خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ دَوَاءٍ) بِنَبِيذٍ أَوْ غَيْرِهِ (نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ) قَوْلًا وَفِعْلًا (وَ) نَفَذَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 472 وَعَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي قَوْلٍ لَا، وَقِيلَ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ رُبْعُك أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك طَالِقٌ وَقَعَ، وَكَذَا دَمُك عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] أَيْضًا تَصَرُّفُهُ (عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا) كَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَقَطْعٍ وَقَتْلٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ، أَمَّا السَّكْرَانُ فَاحْتَجَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» قَالَ: وَالسَّكْرَانُ لَيْسَ فِي مَعْنَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، فَالْقَلَمُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ الْمُفْتِينَ، وَأَمَّا الْمُتَدَاوِي فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (وَفِي قَوْلٍ: لَا) يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ تَصَرُّفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فَهْمٌ صَحِيحٍ (وَقِيلَ) يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ (عَلَيْهِ) كَالطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ أَثِمَ عَمَّا إذَا لَمْ يَأْثَمْ: كَمَا إذَا أُوجِرَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ بِقَصْدِ التَّدَاوِي، فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ، ثُمَّ نَشَأَ عَنْ سُكْرِهِ جُنُونُهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَالسَّكْرَانِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَوْقَعَ السَّكْرَانُ الطَّلَاقَ، ثُمَّ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْجَهْلَ بِإِسْكَارِ مَا شَرِبَهُ وَرَامَ عَدَمَ الْوُقُوعِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ، فَإِنْ ذَكَرَ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَحَلُّ أَيْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك فَذَاكَ وَاضِحٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ جِسْمُكِ أَوْ جَسَدُكِ أَوْ رُوحُكِ أَوْ شَخْصُك أَوْ جُثَّتُكِ أَوْ ذَاتُكِ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقَ جُزْءًا مِنْهَا كَقَوْلِهِ يَدُك أَوْ رِجْلُك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهَا الْمُتَّصِلَةِ بِهَا أَوْ (رُبْعُك أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُك) سَوَاءٌ أَكَانَ مَعْلُومًا كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَوْ مُبْهَمًا كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ زَائِدًا، ظَاهِرًا كَمَا مَرَّ أَوْ بَاطِنًا، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ كَبِدُكِ) أَوْ كَانَ الْجُزْءُ مِمَّا يَنْفَصِلُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ، وَمَثَّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك طَالِقٌ وَقَعَ) الطَّلَاقُ جَزْمًا وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ طَلَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْغَى وَتَبْعِيضُهُ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إزَالَةُ مِلْكٍ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، وَنُظِرَ فِي الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مَحْبُوبٌ وَالطَّلَاقَ مَبْغُوضٌ، وَبِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْبَلُ التَّجْزِئَةِ فَصَحَّتْ إضَافَتُهُ لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ (وَكَذَا دَمُك) طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ بِهِ قِوَامَ الْبَدَنِ كَالرُّوحِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ كَفَضْلَةٍ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ (لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ) وَبَوْلٍ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةً اتِّصَالَ خِلْقَةٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا (وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ) لَا يَقَعُ بِهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُمَا دَمًا فَقَدْ تَهَيَّآ لِلْخُرُوجِ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْبَوْلِ، وَالثَّانِي الْوُقُوعُ كَالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَكَالْفَضَلَاتِ الْأَخْلَاطُ كَالْبَلْغَمِ وَلَا بِالْجَنِينِ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَلَا بِالْعُضْوِ الْمُلْتَحِمِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 473 وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ يَمِينُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْفَصْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَطْعِهِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقِصَاصِ بِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَدَمُ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَلَا بِالْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَرَكَةِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْمَلَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهَا، وَالشَّحْمُ وَالسَّمْنُ جُزْءَانِ مِنْ الْبَدَنِ، فَيَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الطَّلَاقُ وَإِنْ نُوزِعَ فِي الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ: اسْمُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الذَّاتَ، فَإِنْ أَرَادَهَا بِهِ طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ نَفْسُك بِإِسْكَانِ الْفَاءِ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْآدَمِيِّ، أَمَّا بِفَتْحِ الْفَاءِ فَلَا لِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ مِنْ الْهَوَاءِ يَدْخُلُ الرِّئَةَ وَيَخْرُجُ مِنْهَا لَا جُزْءٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا صِفَةٌ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: حَيَاتُك طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ أَرَادَ بِهَا الرُّوحَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَعْنَى فَلَا كَسَائِرِ الْمَعَانِي، وَإِنْ أَطْلَقَ فَهُوَ كَالْأَوَّلِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَنْبِيهٌ: الطَّلَاقُ فِيمَا مَرَّ يَقَعُ عَلَى الْجُزْءِ، ثُمَّ يَسْرِي إلَى بَاقِي الْبَدَنِ، كَمَا فِي الْعِتْقِ، فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَمِينُك طَالِقٌ فَقَطَعَتْ، ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَنْ خَاطَبَهَا بِذَلِكَ وَلَا يَمِينَ لَهَا كَمَا قَالَ (وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ) مَثَلًا (يَمِينُك) وَذَكَرَهُ عَلَى إرَادَةِ الْعُضْوِ، وَلَوْ أَنَّثَ قَالَ: يُمْنَاك (طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِفِقْدَانِ الَّذِي يَسْرِي مِنْهُ الطَّلَاقُ إلَى الْبَاقِي كَمَا فِي الْعِتْقِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: لِحْيَتُك أَوْ ذَكَرُك طَالِقٌ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ وَقَعَ، أَوْ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ فَلَا، وَصَوَّرَ الرُّويَانِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا فَقَدَتْ يَمِينَهَا مِنْ الْكَتِفِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْمَقْطُوعَةِ مِنْ الْكَفِّ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ: حَفْصَةُ طَالِقٌ، وَرَأْسُ عَمْرَةَ بِرَفْعِ رَأْسٍ طَلُقَتَا، أَوْ بِجَرِّهِ لَمْ تَطْلُقْ عَمْرَةُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا غَيْرُهُ فَتَطْلُقُ عَمْرَةُ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: يَدُك أُمُّ وَلَدٍ أَوْ لِلْمُلْتَقِطِ يَدُك ابْنِي لَمْ يَثْبُتْ بِهِ اسْتِيلَادٌ وَلَا نَسَبٌ لِعَدَمِ السِّرَايَةِ فِيهِمَا. (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا) أَيْ إيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا (طَلُقَتْ) لِأَنَّ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ جِهَتِهَا، حَيْثُ لَا يَنْكِحُ مَعَهَا أُخْتَهَا وَلَا أَرْبَعًا وَيَلْزَمُهُ صَوْنُهَا وَمُؤْنَتُهَا فَيَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَيْهِ لِحَلِّ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذَا الْحَجْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُقَيَّدَةٌ وَالزَّوْجُ كَالْقَيْدِ عَلَيْهَا وَالْحَلُّ يُضَافُ إلَى الْقَيْدِ كَمَا يُضَافُ إلَى الْمُقَيَّدِ، فَيُقَالُ: حُلَّ فُلَانٌ الْمُقَيَّدُ وَحُلَّ الْقَيْدُ عَنْهُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا) تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ خَرَجَ عَنْ الصَّرَاحَةِ بِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَشُرِطَ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي الْكِنَايَةِ مِنْ قَصْدِ الْإِيقَاعِ (وَكَذَا) لَا تَطْلُقُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ (إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَحَلَّ الطَّلَاقِ الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ وَاللَّفْظُ مُضَافٌ إلَيْهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ صَارِفَةٍ تَجْعَلُ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ إضَافَةً إلَيْهَا، وَالثَّانِي تَطْلُقُ لِوُجُودِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الْمَحَلِّ نُطْقًا أَوْ نِيَّةً. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: الْأُولَى أَنْ لَا يَنْوِيَ إيقَاعَهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 474 وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ اُشْتُرِطَ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَفِي الْإِضَافَةِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك فَلَغْوٌ، وَقِيلَ إنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَقَعَ. فَصْلٌ خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ وَتَعْلِيقُهُ بِنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ.   [مغني المحتاج] يَنْوِيَ تَطْلِيقَ نَفْسِهِ، لَكِنْ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى بِالصَّحِيحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَقِيلَ: بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَالتَّقْيِيدِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْك وَقَعَ أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَمْ يَقَعْ، وَكَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِانْتِظَامِ هَذَا الْعَمَلِ بِدُونِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ؛ وَلِهَذَا حَذَفَهَا الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ. قَالَ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَصَدَ طَلَاقَهَا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَاتٌ وَقَصَدَ طَلَاقَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَعَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَيُعَيِّنُ (وَلَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك بَائِنٌ) أَوْ نَحْوَهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ (اُشْتُرِطَ نِيَّةُ) أَصْلِ (الطَّلَاقِ) قَطْعًا كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (وَفِي) نِيَّةِ (الْإِضَافَةِ) إلَيْهَا (الْوَجْهَانِ) فِي قَوْلِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَصَحُّهُمَا اشْتِرَاطُهَا، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ مُضَافًا إلَيْهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إذًا شُرِطَتْ فِي الصَّرِيحِ، وَهُوَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَفِي الْكِنَايَةِ وَهُوَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْلَى، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا ذَكَرَهَا تَمْيِيزًا بَيْنَ الْكِنَايَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ وَهِيَ اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ. (وَلَوْ قَالَ: اسْتَبْرِئِي رَحِمِي مِنْك) أَوْ أَنَا مُعْتَدٌّ مِنْك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَاسْتَبْرِئِي الرَّحِمَ الَّتِي كَانَتْ لِي (فَلَغْوٌ) وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ فِي نَفْسِهِ، وَالْكِنَايَةُ شَرْطُهَا احْتِمَالُ اللَّفْظِ الْمُرَادِ (وَقِيلَ: إنْ) نَوَى بِهَذَا اللَّفْظِ (طَلَاقَهَا وَقَعَ) وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَيْهِ اسْتَبْرِئِي الرَّحِمَ الَّتِي كَانَتْ لِي وَبِهِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِنْكِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: طَلِّقْ امْرَأَتِي، فَقَالَ لَهُ طَلَّقْتُك وَنَوَى وُقُوعَهُ عَلَيْهِ لَمْ تَطْلُقْ، كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ، بِالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ. [فَصْلٌ فِي الْوِلَايَةُ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ] (فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْوِلَايَةِ عَلَى مَحَلِّ الطَّلَاقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ، وَهَذَا هُوَ الرُّكْنُ الْخَامِسِ فَخَرَجَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ كَمَا قَالَ (خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ (وَتَعْلِيقُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ (بِنِكَاحٍ) كَإِنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ (وَغَيْرِهِ) أَيْ النِّكَاحِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (لَغْوٌ) أَيْ فَلَا تَطْلُقُ عَلَى زَوْجِهَا، أَمَّا الْمُنَجَّزُ فَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَلِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَائِلِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَلَاقَ إلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 475 وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ: إنْ عَتَقْت أَوْ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَيَلْحَقُ رَجْعِيَّةً لَا مُخْتَلِعَةً، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ فَبَانَتْ ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ إنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ.   [مغني المحتاج] طَالِقٌ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ فَفَسَخَهُ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: انْفَسَخَتْ الْيَمِينُ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: لَيْسَ ذَلِكَ بِفَسْخٍ بَلْ هُوَ حُكْمٌ بِإِبْطَالِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ الصَّحِيحَةَ لَا تَنْفَسِخُ. تَنْبِيهٌ: تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ كَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ (وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ) طَلْقَةً (ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ: إنْ عَتَقْت أَوْ إنْ دَخَلْت) الدَّارَ مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ) الْعَبْدُ (أَوْ دَخَلَتْ) زَوْجَتُهُ الدَّارَ (بَعْدَ عِتْقِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلثَّالِثَةِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَصْلَ النِّكَاحِ، وَهُوَ يُفِيدُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ، وَقَدْ وُجِدَتْ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَنْجِيزَهَا فَلَا يَمْلِكُ تَعْلِيقَهَا، وَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ الْحَائِلِ: إنْ وَلَدْت فَوَلَدُك حُرٌّ. (وَيَلْحَقُ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، يُرِيدُ بِذَلِكَ لُحُوقَ الطَّلَاقِ، وَصِحَّةَ الظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْمِيرَاثِ (لَا مُخْتَلِعَةً) فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (بِدُخُولِ) الدَّارِ مَثَلًا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُمْكِنُ حُصُولُهُ فِي الْبَيْنُونَةِ (فَبَانَتْ) بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ: إمَّا بِعِوَضٍ أَوْ بِالثَّلَاثِ (ثُمَّ نَكَحَهَا) أَيْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا (ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ) بِذَلِكَ طَلَاقٌ (إنْ) كَانَتْ (دَخَلَتْ فِي) حَالِ (الْبَيْنُونَةِ) جَزْمًا لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ فِيهَا (وَكَذَا) لَا يَقَعُ (إنْ لَمْ تَدْخُلْ) فِي الْبَيْنُونَةِ بَلْ دَخَلَتْ فِي النِّكَاحِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ الَّذِي عَلَّقَ فِيهِ، وَالثَّانِي: يَقَعُ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي حَالَتَيْ التَّعْلِيقِ وَالصِّفَةِ، وَتَخَلُّلُ الْبَيْنُونَةِ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ الْإِيقَاعِ وَلَا وَقْتَ الْوُقُوعِ (وَفِي) قَوْلٍ (ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ) لِأَنَّ الْعَائِدَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلْقَاتِ مِنْ الْأَوَّلِ فَتَعُودُ بِصِفَتِهَا، وَهِيَ التَّعْلِيقُ بِالْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَتْ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا عَلَّقَ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْعَائِدُ طَلْقَاتٌ جَدِيدَةٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حُصُولُ الصِّفَةِ فِي الْبَيْنُونَةِ كَأَنْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَبَانَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ قَطْعًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ هُنَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالدُّخُولِ الْمُطْلَقِ. أَمَّا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا تَدْخُلُ الدَّارَ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَبَعْدَ تَمَكُّنِهَا مِنْ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ تَدْخُلْ فَنَقَلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالتَّخَلُّصِ، وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ ثُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 476 وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ ثَلَّثَ عَادَتْ بِثَلَاثٍ. وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ، وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ. وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ   [مغني المحتاج] تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ خَطَأٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: فَبَحَثْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَا أَجْنَحُ إلَى التَّخَلُّصِ وَهُوَ لَا يَلْوِي عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا تَعَرَّضْتُ لَهُ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا. وَهُوَ التَّخَلُّصُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ. (وَلَوْ طَلَّقَ) الزَّوْجُ الْحُرُّ (دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ) مَنْ طَلَّقَهَا (أَوْ جَدَّدَ) نِكَاحَهَا (وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ) وَإِصَابَةٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ (عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ) أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَ زَوْجٍ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الزَّوْجِ فَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ: تَعُودُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَمَا دُونَهَا، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا إصَابَةٌ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْإِبَاحَةِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ كَوَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الْمُطَلَّقَةَ، وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: مِنْهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ مُخَالِفٌ (وَإِنْ ثَلَّثَ) الطَّلَاقَ بِأَنْ طَلَّقَهَا أَثْلَاثًا وَجَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ دَخَلَ بِهَا وَفَارَقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ (عَادَتْ بِثَلَاثٍ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الثَّانِي أَفَادَ حِلَّ النِّكَاحِ لِلْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَثَبَتَ نِكَاحٌ مُسْتَفْتِحٌ بِأَحْكَامِهِ. (وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ) وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ» . وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ، وَإِنَّمَا لَمْ تُعْتَبَرْ حُرِّيَّةُ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ، وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ» وَقَدْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ ثَالِثَةً كَذِمِّيٍّ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ أَرَادَ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا تَحِلُّ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَمْلِكُ عَلَيْهَا الثَّالِثَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالطَّلْقَتَيْنِ. وَطَرَيَانُ الرِّقِّ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ السَّابِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّهَا تَعُودُ لَهُ بِطَلْقَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ رُقَّ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ، وَمَنْ عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَةٍ بَقِيَ لَهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ عَدَدِ الْعَبِيدِ أَوْ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ لِاسْتِيفَائِهِ عَدَدَ الْعَبِيدِ فِي الرِّقِّ. وَلَوْ أَشْكَلَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ هَلْ وَقَعَ الطَّلْقَتَانِ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ وَوُقُوعَ الطَّلَاقِ مَعْلُومَانِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الرِّقِّ حِينَ أَوْقَعَهُمَا، فَإِنْ ادَّعَى تَقَدُّمَ الْعِتْقِ عَلَيْهِمَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى يَوْمِ الْعِتْقِ أَوْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتٍ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِوَقْتِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى يَوْمِ الطَّلَاقِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَادَّعَى الْعِتْقَ قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ الرِّقِّ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ) وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] . فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ، فَقَالَ: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ رِقٌّ لِزَوْجَةٍ لِمَا مَرَّ. وَاعْتَبَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالنِّسَاءِ كَالْعِدَّةِ. (وَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) أَيْ الْمُطَلِّقِ كَمَا يَقَعُ فِي صِحَّتِهِ (وَيَتَوَارَثَانِ) أَيْ الزَّوْجُ الْمَرِيضُ وَزَوْجَتُهُ (فِي عِدَّةِ) طَلَاقٍ (رَجْعِيٍّ) بِالْإِجْمَاعِ لِبَقَاءِ آثَارِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 477 لَا بَائِنٍ، وَفِي الْقَدِيمِ تَرِثُهُ. فَصْلٌ قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ الْمَنْوِيُّ.   [مغني المحتاج] الزَّوْجِيَّةِ فِي الرَّجْعَةِ بِلُحُوقِ الطَّلَاقِ لَهَا وَالْإِيلَاءِ مِنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (لَا) فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ (بَائِنٍ) لِانْقِطَاعِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ (وَفِي الْقَدِيمِ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ فَيَكُونُ جَدِيدًا (تَرِثُهُ) وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ تَطْلِيقَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا يَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ فَيُعَاقَبُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ. تَنْبِيهٌ: لِلْقَدِيمِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا: كَوْنُ الزَّوْجَةِ وَارِثَةً، فَلَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا. ثَانِيهَا: عَدَمُ اخْتِيَارِهَا، فَلَوْ اخْتَلَعَتْ أَوْ سَأَلَتْ فَلَا. ثَالِثُهَا: كَوْنُ الْبَيْنُونَةِ فِي مَرَضِ مَخُوفٍ وَنَحْوِهِ وَمَاتَ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ بَرِئَ مِنْهُ فَلَا. رَابِعُهَا: كَوْنُهَا بِطَلَاقٍ لَا بِلِعَانٍ وَفَسْخٍ. خَامِسُهَا: كَوْنُهُ مُنْشَأً لِيُخْرِجَ مَا إذَا أَقَرَّ بِهِ. سَادِسُهَا: كَوْنُهُ مُنَجَّزًا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَلَهَا حُكْمُ بَقِيَّةِ الْبَوَائِنِ إلَّا إنْ قَصَدَ بِطَلَاقِهَا فِرَارَهُ مِنْ الْإِرْثِ فَيَجْرِي فِي تَحْرِيمِهِ خِلَافُ تَحْرِيمِ بَيْعِ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تَرِثُهُ دُونَ يَتَوَارَثَانِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ لَا يَرِثُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. [فَصْلٌ فِي تَعَدُّدُ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ] (فَصْلٌ) فِي تَعَدُّدِ الطَّلَاقِ بِنِيَّةِ الْعَدَدِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَوْ (قَالَ) شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً (طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الصَّرِيحِ وَإِنْ لَمْ يُخَاطِبْهَا كَقَوْلِهِ: هَذِهِ طَالِقٌ (وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ) سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَفْسِيرِهِ بِهِ وَمَا احْتَمَلَ إذَا نَوَاهُ وَقَعَ كَالطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَتِهَا لِجَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْ تَكْفِي مُقَارَنَتُهُ لِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (وَكَذَا الْكِنَايَةُ) كَأَنْتِ بَائِنٌ إذَا نَوَى فِيهَا عَدَدًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ (وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةً) لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ يُنَاقِضُ الْمَنْوِيَّ وَاللَّفْظُ أَقْوَى فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ الَّذِي رُجِّحَ، وَالرَّفْعُ وَالْجَرُّ وَالسُّكُونُ كَالنَّصْبِ فِي هَذَا وَفِيمَا سَيَأْتِي، وَتَقْدِيرُ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، وَالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجَرِّ عَلَى أَنْتِ ذَاتُ وَاحِدَةٍ، فَحَذَفَ الْجَارَّ وَأَبْقَى الْمَجْرُورَ بِحَالٍ كَمَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: كَيْفَ أَصْبَحْت. قَالَ خَيْرٍ: أَيْ بِخَيْرٍ، أَوْ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ لَحَنَ، وَاللَّحْنُ لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ عِنْدَنَا وَالسُّكُونُ عَلَى الْوَقْفِ (وَقِيلَ) يَقَعُ (الْمَنْوِيُّ) لَا الْمَلْفُوظُ عَمَلًا بِالنِّيَّةِ، وَمَعْنَى أَنْتِ وَاحِدَةٌ: أَيْ أَنَّك تَتَوَحَّدِينَ مِنِّي بِالْعَدَدِ الَّذِي أَوْقَعْتُهُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ وَحَذَفَ طَالِقٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 478 قُلْت: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ.   [مغني المحتاج] وَغَيْرُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ وَاحِدَةٌ أَيْضًا اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ وَبَيْنَ أَنْتِ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ وَحَذْفِ طَالِقٍ كَمَا سَيَأْتِي (قُلْت: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ) بِالرَّفْعِ (وَنَوَى عَدَدًا فَالْمَنْوِيُّ) حَمْلًا لِلتَّوَحُّدِ عَلَى التَّفَرُّدِ عَنْ الزَّوْجِ بِالْعَدَدِ الْمَنْوِيِّ لِقُرْبِهِ مِنْ اللَّفْظِ (وَقِيلَ) يَقَعُ (وَاحِدَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ لَفْظَ الْوِحْدَةِ نَصٌّ لَا يَحْتَمِلُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بِالرَّفْعِ. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ الْمَنْوِيِّ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: يَظْهَرُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ مَا نَوَى أَوْ لَا يَقَعُ إلَّا ثِنْتَانِ؟ وَالرَّاجِحُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَوَى الثَّلَاثَ بِأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ ثِنْتَيْنِ فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَ مَا وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ بَائِنٌ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى اللَّفْظِ أَوْ إلَى النِّيَّةِ؟ وَجْهَانِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْجَزْمُ بِالثَّلَاثِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ إذَا اخْتَلَفَتْ مَعَ اللَّفْظِ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمَا. (وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ) أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا أَوْ أَخَذَ شَخْصٌ عَلَى فِيهِ (قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِخُرُوجِهَا عَنْ مَحَلِّ الطَّلَاقِ قَبْلَ تَمَامِهِ (أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ) شُرُوعِهِ فِي قَوْلِهِ (ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلثَّلَاثِ حِينَ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَدْ تَمَّ مَعَهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ فِي حَيَاتِهَا، أَوْ قَبْلَ إسْلَامِهَا، أَوْ قَبْلَ رِدَّتِهَا، أَوْ قَبْلَ إمْسَاكٍ فِيهِ (وَقِيلَ:) يَقَعُ (وَاحِدَةٌ) وَيُلْغَى قَوْلُهُ ثَلَاثًا لِوُقُوعِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا (وَقِيلَ: لَا شَيْءَ) يَقَعُ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ نَقَلَا تَصْحِيحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، ثُمَّ قَالَا: وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْبُوشَنْجِيُّ: الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَقَصَدَ أَنْ يُحَقِّقَهُ بِاللَّفْظِ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ اهـ. وَصَحَّحَ هَذَا فِي الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالِ وَغَيْرِهِمَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَوْتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِثَالٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَمَّا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى عَزْمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فَمَاتَتْ، فَقَالَ: ثَلَاثًا. قَالَ الْإِمَامُ: لَا شَكَّ أَنَّ الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ بَلْ يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَيْفَ سَبِيلُهُ، فَقِيلَ: قَوْلُهُ: ثَلَاثًا مَنْصُوبٌ بِالتَّفْسِيرِ وَالتَّمْيِيزِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا جَهْلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ طَالِقٌ طَلَاقًا ثَلَاثًا، كَقَوْلِهِ: ضَرَبْت زَيْدًا شَدِيدًا، يَعْنِي ضَرْبًا شَدِيدًا. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إنْ لَمْ، وَقَالَ قَصَدْت الشَّرْطَ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا إلَّا إنْ مُنِعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 479 وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ،   [مغني المحتاج] الْإِتْمَامَ كَأَنْ وَضَعَ غَيْرُهُ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ وَحَلَفَ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا لِلْقَرِينَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ، أَوْ كَأَلْفٍ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بِوَزْنِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فِي الثَّلَاثِ فَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ يَمْنَعُ لُحُوقَ الْعَدَدِ، وَذِكْرَ الْوَزْنِ فِي الثَّالِثَةِ مُلْغًى؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوزَنُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت كَمِائَةِ طَالِقٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَتَّى يُتِمَّ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْمَلَهَا وَلَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْوَاعًا مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْنَاسًا مِنْهُ أَوْ أَصْنَافًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ. فَإِنْ قِيلَ الْجَوَابُ مُنَزَّلٌ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْبَغِي وُقُوعُ الثَّلَاثِ كَمَا لَوْ قَالُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا، فَقَالَتْ بِلَا نِيَّةٍ: طَلَّقْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّائِلَ فِي تِلْكَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ، بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ قَالَ: جَعَلْتهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلَ الْجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ الطَّلَاقِ أَوْ أَكْبَرَهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، أَوْ أَطْوَلَهُ أَوْ أَعْرَضَهُ أَوْ أَشَدَّهُ أَوْ نَحْوَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِعَدَدِ التُّرَابِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ لَا جَمْعٍ، أَوْ بِعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ؛ لِأَنَّهُ نَجَّزَ الطَّلَاقَ وَرَبَطَ عَدَدَهُ بِشَيْءٍ شَكَكْنَا فِيهِ فَنُوقِعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ وَنُلْغِي الْعَدَدَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ أَوْ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ بِالْمُثَلَّثَةِ أَوْ كُلَّهُ، أَوْ يَا مِائَةُ طَالِقٍ، أَوْ أَنْت مِائَةُ طَالِقٍ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِظُهُورِ ذَلِكَ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَقَلَّ مِنْ طَلْقَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ وَقَعَ طَلْقَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي وَصَوَّبَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ، فَقَالَ (وَإِنْ) أَتَى بِثَلَاثِ جُمَلٍ تَكَرَّرَ فِيهَا لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ كَأَنْ (قَالَ) لِمَدْخُولٍ بِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ) سَوَاءٌ أَقَصَدَ التَّأْكِيدَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لَكِنْ إذَا قَالَ: قَصَدْت التَّأْكِيدَ فَإِنَّهُ يُدَيَّنُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْخَبَرِ فَقَطْ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ فَكَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي قَوْلٍ يَقَعُ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الْمُكَرَّرَ بَلْ نَصَبَهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، لَكِنْ إذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلْقَتَانِ، وَالتَّقْدِيرُ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْفَصْلِ أَنْ يَسْكُتَ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الِاتِّصَالِ لَا كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّهُ كَلَامُ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ. أَمَّا الْمُعَلَّقِ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا إنْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ، فَإِنْ نَوَاهُ تَعَدَّدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاسْتِئْنَافَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ، فَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهُ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تُشْبِهُ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ فَتَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَقَدْ مَرَّتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 480 وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا فَوَاحِدَةٌ أَوْ اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ فَثِنْتَانِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ،   [مغني المحتاج] الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ فَصْلٌ (فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا) أَيْ قَصَدْنَا تَأْكِيدَ الْأُولَى بِالْأَخِيرَتَيْنِ (فَوَاحِدَةٌ) أَيْ تَقَعُ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ فِي كَلَامِهِمْ مَعْهُودٌ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ. تَنْبِيهٌ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ اشْتِرَاطَ نِيَّةِ التَّأْكِيدِ مِنْ أَوَّلِ التَّأْسِيسِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي نِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ (أَوْ) قَصَدَ (اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ وَتَأْكِيدٌ بِالنِّيَّةِ (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا يَقَعُ ثَلَاثٌ (فِي الْأَظْهَرِ) عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَلِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْلَى مِنْهُ عَلَى التَّأْكِيدِ وَالثَّانِي لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ مُحْتَمَلٌ فَيُؤْخَذُ بِالْيَقِينِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّفْصِيلُ يَأْتِي فِي تَكْرِيرِ الْكِنَايَاتِ كَقَوْلِهِ: اعْتَدِّي، اعْتَدِّي، اعْتَدِّي، كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ، لَوْ كَانَتْ الْأَلْفَاظُ مُخْتَلِفَةً وَنَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ بِكُلِّ لَفْظَةٍ طَلْقَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ أَلْفَاظُ الصَّرِيحِ كَأَنْتَ مُطَلَّقَةٌ، أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَقَعُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ قَطْعًا، حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْإِطْلَاقِ مَا لَوْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَتَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ التَّأْكِيدَ بِثَلَاثٍ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ إرَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالرَّابِعَةِ. وَقَالَ فِي التَّوْشِيحِ: أَنَّهُ الَّذِي يُتَّجَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ الْعَرَبَ لَا تُؤَكِّدُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْحُكْمُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي صُورَةِ تَكْرِيرِهِ ثَلَاثًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَيَّلَ أَنَّ الرَّابِعَةَ تَقَعُ بِهَا طَلْقَةٌ لِفَرَاغِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ التَّأْكِيدُ بِمَا يَقَعُ لَوْلَا قَصْدُ التَّأْكِيدِ فَلَأَنْ يُؤَكِّدَ بِمَا لَا يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِ التَّأْكِيدِ أَوْلَى اهـ. وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّهُ يُقْبَلُ التَّأْكِيدُ مُطْلَقًا كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدًا) لِلْأُولَى (وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ اسْتِئْنَافًا وَبِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدًا لِلثَّانِيَةِ (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ بِقَصْدِهِ، وَلَيْسَ هَذَا عَكْسُ صُورَةِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي قَوْلِهِ (أَوْ) قَصَدَ (بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى) وَبِالثَّانِيَةِ الِاسْتِئْنَافَ (فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ) لِتَخَلُّلِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدِ وَالْمُؤَكِّدِ. وَالثَّانِي: طَلْقَتَانِ وَيُغْتَفَرُ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مَا لَوْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا، أَوْ بِالثَّالِثَةِ الِاسْتِئْنَافَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا، وَالْأَظْهَرُ وُقُوعُ ثَلَاثٍ فِيهِمَا. (وَإِنْ) كَرَّرَ الْخَبَرَ بِعَطْفٍ كَأَنْ (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ) بِالْوَاوِ كَمَا مُثِّلَ أَوْ الْفَاءِ أَوْ ثُمَّ (صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ) لِتَسَاوِيهِمَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 481 لَا الْأَوَّلِ بِالثَّانِي، وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوءَةٍ، فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَثِنْتَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ، وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ،   [مغني المحتاج] الصِّيغَةِ (لَا) تَأْكِيدِ (الْأَوَّلِ بِالثَّانِي) لِاخْتِصَاصِ الثَّانِي بِحَرْفِ الْعَطْفِ وَمُوجِبُهُ التَّغَايُرِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيه نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَفِيهَا قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ (وَهَذِهِ الصُّوَرُ) السَّابِقَةُ كُلُّهَا (فِي) زَوْجَةٍ (مَوْطُوءَةٍ) غَيْرِ مُخَالَعَةٍ (فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَلَا يَقَعُ مَا بَعْدَهَا (وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا (إنْ دَخَلْت الدَّارَ) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ (فَدَخَلَتْ) هَا (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالدُّخُولِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَقَعَانِ مَعًا، وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً كَالْمُنَجَّزِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَطَفَ بِثُمَّ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَمْ يَقَعْ بِالدُّخُولِ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الشَّرْطَ أَمْ أَخَّرَهُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ طَلْقَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ طَلْقَةً لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ، بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، فَدَخَلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ التَّلَفُّظُ بِالثَّلَاثِ فَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَائِهَا. فَإِنْ قِيلَ: فِي الْإِقْرَارِ لَا يَدْخُلُ الطَّرَفُ الْأَخِيرُ، فَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ فَأَدْخَلْنَا الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِيفَاؤُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ الْمُقِرِّ بِهَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ بِمَعْنَى مِنْ بِقَرِينَةِ إلَى كَمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهَا الصَّادِقَةُ بِالْبَيْنِيَّةِ بِجَعْلِ الثَّلَاثِ بِمَعْنَى الثَّالِثَةِ. (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ) طَلْقَةٍ (أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ) أُخْرَى (فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ لِقَبُولِ الْمَحَلِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ مَعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقِيلَ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَيُبْنَى عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ) يَقَعُ عَلَيْهَا ثِنْتَانِ (فِي الْأَصَحِّ) عَلَى قَوْلِ الْمَعِيَّةِ، وَعَلَى التَّرْتِيبِ وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِهَا. (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَلْقَةً (بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ (فِي مَوْطُوءَةٍ) إذْ مُقْتَضَاهُ إيقَاعُ إحْدَاهُمَا فِي الْحَالِ وَتَعْقُبُهَا الْأُخْرَى فَيَقَعَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 482 وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ فَطَلْقَتَانِ أَوْ الظَّرْفَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ، أَوْ حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ   [مغني المحتاج] كَذَلِكَ (وَطَلْقَةٌ) فَقَطْ (فِي غَيْرِهَا) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَلَمْ تُصَادِفْ الثَّانِيَةَ نِكَاحًا (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ) طَلْقَةً (قَبْلَهَا طَلْقَةٌ) أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ، أَوْ تَحْتَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَهَا طَلْقَةٌ (فَكَذَا) يَقَعُ ثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَيَقَعُ بِهِ أَوَّلًا الْمُضَمَّنَةُ ثُمَّ الْمُنَجَّزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ بَعْدَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَ طَلْقَةٍ، أَوْ تَحْتَهَا طَلْقَةٌ. وَبِالْعَكْسِ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ، أَوْ فَوْقَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ تَحْتَ طَلْقَةٍ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَبْلَهَا طَلْقَةٌ مَمْلُوكَةٌ أَوْ ثَابِتَةٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ، نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَأَقَرَّاهُ فَلْيُقَيِّدْ بِهِ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ، وَوَقَعَ فِي تَحْتَ وَفَوْقَ خِلَافٌ هَلْ هُمَا كَمَعَ نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَعَلَيْهِ مَشَى شُرَّاحُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ، أَوْ هُمَا كَبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا طَلْقَةٌ طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ تُوَزَّعُ قَبْلُ وَبَعْدُ ثُمَّ يَكْمُلُ النِّصْفَانِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَمْ تَطْلُقْ، كَذَا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي، وَحَكَاهُ فِي التَّهْذِيبِ عَنْ الْمُهَذَّبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ) بِفِي طَلْقَةٍ مَعْنَى (مَعَ) طَلْقَةٍ (فَطَلْقَتَانِ) لِأَنَّ فِي تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38] ؟ (أَوْ) أَرَادَ (الظَّرْفَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ) لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا بِأَنْ (أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ) فِي الْجَمِيعِ إذَا اقْتَضَى الظَّرْفُ وَالْحِسَابُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُحَقِّقُ فِي الْإِطْلَاقِ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ) وَلَمْ يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ (فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) مِمَّا ذَكَرَ مِنْ إرَادَةِ الْمَعِيَّةِ أَوْ الظَّرْفِ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ عَدَمِ إرَادَةِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ. تَنْبِيهٌ: لَفْظَةُ نِصْفُ الثَّانِيَةُ مَكْتُوبَةٌ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَهُوَ صَوَابٌ كَمَا ذَكَرْت فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ إذْ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ بِدُونِهَا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ قَصْدِ الْمَعِيَّةِ طَلْقَتَانِ وَعَلَى إثْبَاتِهَا لَوْ أَرَادَ نِصْفًا مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ فَطَلْقَتَانِ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ قَالَ: طَلْقَةً فِي نِصْفِ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَعِيَّةَ فَثِنْتَانِ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ) بِفِي طَلْقَتَيْنِ (مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ) لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ (أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ، وَمَسْأَلَةُ قَصْدِ الظَّرْفِ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ مَعَ ذِكْرِ الْوَجِيزِ لَهَا (أَوْ) قَصَدَ (حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ) لِأَنَّهُمَا مُوجِبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ (وَإِنْ جَهِلَهُ) أَيْ الْحِسَابَ (وَقَصَدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 483 مَعْنَاهُ فَطَلْقَةٌ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ، وَفِي قَوْلٍ ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا. وَلَوْ قَالَ بَعْضَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ.   [مغني المحتاج] مَعْنَاهُ) عِنْدَ أَهْلِهِ (فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ (وَقِيلَ) الْوَاقِعُ (ثِنْتَانِ) لِأَنَّهُ مُوجِبُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ كَمَا مَرَّ وَقَدْ قَصَدَهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ (وَإِنْ) أَطْلَقَ بِأَنْ (لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ) فِي الْأَظْهَرِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْحِسَابَ أَمْ جَهِلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحِسَابَ وَالظَّرْفَ فَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ طَلْقَةٌ، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَفِي قَوْلِ) الْوَاقِعِ (ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا) حَمْلًا عَلَيْهِ. (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (بَعْضَ طَلْقَةٍ) أَوْ عَيَّنَ الْبَعْضَ كَرُبْعِ طَلْقَةٍ (فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ، فَإِيقَاعُ بَعْضِهِ كَإِيقَاعِ كُلِّهِ لِقُوَّتِهِ، وَقَدْ حَكَى فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ، وَهَلْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، أَوْ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ أَوْقَعْنَا ثَلَاثًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الْإِيقَاعِ لَا فِي الرَّفْعِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا طَلْقَةً وَنِصْفًا فَقِيلَ يُسْتَحَقُّ ثُلُثَيْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ طَلْقَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ. وَقِيلَ: نِصْفُ الْأَلْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ نِصْفَ الثَّلَاثِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّاجِحَ السِّرَايَةُ (أَوْ) قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ، وَكَذَا كُلُّ تَجْزِئَةٍ لَا تَزِيدُ أَجْزَاؤُهَا عَلَى طَلْقَةٍ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ) فَيَقَعَ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِقَصْدِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ) : أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ) يَقَعُ بِهِ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ نِصْفُهُمَا، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ فَلَا نُوقِعُ مَا زَادَ بِالشَّكِّ. وَالثَّانِي يَقَعُ طَلْقَتَانِ نَظَرًا إلَى نِصْفِ كُلِّ طَلْقَةٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُرِدْ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، وَإِلَّا وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ قَطْعًا (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ) يَقَعُ بِهِ (طَلْقَتَانِ) فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِزِيَادَةِ النِّصْفِ الثَّالِثِ عَلَى الطَّلْقَةِ فَتُحْسَبُ مِنْ أُخْرَى. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِتَكْرِيرِ لَفْظِ طَلْقَةٍ مَعَ الْعَطْفِ. وَقِيلَ: لَا يَقَعُ فِيهِمَا إلَّا طَلْقَةٌ إلْغَاءً لِلزِّيَادَةِ فِي الْأُولَى، وَنَظَرًا فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُضَافَيْنِ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَزِدْ الْمُكَرَّرُ عَلَى أَجْزَاءِ طَلْقَتَيْنِ كَخَمْسَةِ أَثْلَاثٍ أَوْ سَبْعَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ، فَإِنْ زَادَ كَسَبْعَةِ أَثْلَاثِ أَوْ تِسْعَةِ أَرْبَاعِ طَلْقَةٍ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُقُوعِ طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتِ طَالِقٌ (نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ) تَقَعُ فِي الْأَصَحِّ لِانْتِفَاءِ تَكَرُّرِ لَفْظِ طَلْقَةٍ وَلَمْ يَزِدْ مَجْمُوعُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ عَلَى طَلْقَةٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ ثُلُثَ طَلْقَةٍ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ لِانْتِفَاءِ الْعَطْفِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 484 وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ، فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ، فَإِنْ نَوَى طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَلَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي أَجْزَاءِ الطَّلْقَةِ أَنَّهُ إنْ كَرَّرَ لَفْظَ طَلْقَةٍ مَعَ الْعَاطِفِ وَلَمْ تَزِدْ الْأَجْزَاءُ عَلَى طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ طَلْقَةً، وَإِنْ أَسْقَطَ لَفْظَ طَلْقَةٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ رُبْعَ وَسُدُسَ طَلْقَةٍ، أَوْ أَسْقَطَ الْعَاطِفَ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثَ طَلْقَةٍ رُبْعَ طَلْقَةٍ كَانَ الْكُلُّ طَلْقَةً، فَإِنْ زَادَتْ الْأَجْزَاءُ كَنِصْفِ وَثُلُثِ وَرُبْعِ طَلْقَةٍ كَمُلَ الزَّائِدُ مِنْ طَلْقَةٍ أُخْرَى وَوَقَعَ بِهِ طَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ وَنِصْفَهَا وَنِصْفَهَا فَثَلَاثٌ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثَّانِي فَطَلْقَتَانِ. (وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ) مِنْهُنَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وُزِّعَ عَلَيْهِنَّ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ أَوْ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَتَكْمُلُ (فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُنَّ (فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ ثَلَاثٌ) عَمَلًا بِقَصْدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ لِبُعْدِهِ عَنْ الْفَهْمِ، وَلَوْ قَالَ: خَمْسًا أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا فَطَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّوْزِيعَ، وَلَوْ قَالَ: تِسْعًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا (فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ) مُبْهَمًا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوْ مُعَيَّنًا كَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ (لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي شَرِكَتَهُنَّ وَلَكِنْ يُدَيَّنُ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ بَيْنِكُنَّ لِمَا أَرَادَهُ، بِخِلَافِ عَلَيْكُنَّ فَلَا يُقْبَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَعْضَهُنَّ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ فَضَّلَ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بَيْنَهُنَّ " ثَلَاثًا " ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إيقَاعَ طَلْقَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ وَقِسْمَةَ الْأُخْرَى عَلَى الْبَاقِيَاتِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ، وَهُوَ وَجْهٌ وَحَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْقَبُولُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْقَعَ بَيْنَ أَرْبَعٍ أَرْبَعَةً وَقَالَ: أَرَدْت عَلَى ثِنْتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَيَيْنِ لَحِقَ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَتَانِ طَلْقَتَانِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ وَلَحِقَ الْأُخْرَيَيْنِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الطَّلَاقُ فِي بَعْضِهِنَّ، وَلَوْ قَالَ: أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ سُدُسَ طَلْقَةٍ وَرُبْعَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ ثَلَاثًا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ تَغَايُرَ الْأَجْزَاءِ وَعَطْفَهَا يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ جُزْءٍ بَيْنَهُنَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً وَطَلْقَةً وَطَلْقَةً، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا رَجَّحَهُ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يُشْعِرُ بِقِسْمَةِ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ. (وَلَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ إحْدَى زَوْجَاتِهِ (ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا) أَوْ جَعَلْتُك شَرِيكَتَهَا (أَوْ أَنْتِ) مِثْلُهَا، أَوْ (كَهِيَ، فَإِنْ نَوَى) بِذَلِكَ طَلَاقَهَا الْمُنَجَّزَ (طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا) تَطْلُقُ لِاحْتِمَالِ قَصَدْتُ أَنَّ الْأُولَى لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الْأُخْرَى لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إذَا دَخَلَتْ الْأُولَى طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ قَبْلُ وَطَلُقَتَا بِدُخُولِهَا، أَوْ أَرَدْت تَعْلِيقَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 485 وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ فَصْلٌ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ، وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ.   [مغني المحتاج] طَلَاقِ الثَّانِيَةِ بِدُخُولِهَا نَفْسِهَا كَمَا فِي الْأُولَى قُبِلَ وَتَعَلَّقَ طَلَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِدُخُولِ نَفْسِهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ (وَكَذَا لَوْ) طَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ، وَ (قَالَ) رَجُلٌ (آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ) كَقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُك مَعَ مُطَلَّقَةِ هَذَا الرَّجُلِ أَوْ جَعَلْتُك شَرِيكَتَهَا، فَإِنْ نَوَى طَلَاقَهَا طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَشْرَكَهَا مَعَ ثَلَاثٍ طَلَّقَهُنَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَنَوَى وَأَرَادَ أَنَّهَا شَرِيكَةُ كُلٍّ مِنْهُنَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، أَوْ أَنَّهَا مِثْلُ إحْدَاهُنَّ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً وَلَا عَدَدًا لِأَنَّ جَعْلَهَا كَإِحْدَاهُنَّ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَأَظْهَرُ مِنْ تَقْدِيرِ تَوْزِيعِ كُلِّ طَلْقَةٍ، وَإِنْ أَشْرَكَهَا مَعَ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ثَلَاثًا وَنَوَى الشَّرِكَةَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا فِي ثَلَاثٍ فَيَخُصُّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَتَكْمُلُ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا مَعَهَا فِي كُلِّ طَلْقَةٍ. أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَيَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَلَوْ أَوْقَعَ بَيْنَ ثَلَاثٍ طَلْقَةً ثُمَّ أَشْرَكَ الرَّابِعَةَ مَعَهُنَّ وَقَعَ عَلَى الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ طَلْقَةٌ، وَعَلَى الرَّابِعَةِ طَلْقَتَانِ، إذْ يَخُصُّهَا بِالشَّرِكَةِ طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ الثَّلَاثِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ: أَشْرَكْتُك مَعَهَا ثُمَّ لِلثَّالِثَةِ أَشْرَكْتُك مَعَ الثَّانِيَةِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةُ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الْأُولَى طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ، وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا إذَا عَلِمَ طَلَاقَ الَّتِي شُورِكَتْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي مِثْلَ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ طَلَّقَ زَيْدٌ وَنَوَى عَدَدَ طَلَاقِ زَيْدٍ، فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَمُرَادُهُ الْعَدَدُ لَا أَصْلُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. [فَصْلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ] (فَصْلٌ) فِي الِاسْتِثْنَاءِ (يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ) لِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَالْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، وَالثَّانِي الْمُنْقَطِعُ كَعِنْدِي ثَوْبٌ إلَّا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ مَجَازٌ. ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَرْفَعُ الْعَدَدَ لَا أَصْلَ الطَّلَاقِ كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَضَرْبٌ يَرْفَعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَهَذَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً شَرْعِيًّا، لِاشْتِهَارِهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ. قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَسُمِّيَتْ كَلِمَةُ الْمَشِيئَةِ اسْتِثْنَاءً لِصَرْفِهَا الْكَلَامَ عَنْ الْجَزَاءِ وَالثُّبُوتِ حَالًا مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ مُبْتَدِئًا بِشُرُوطِهِ، فَقَالَ: (بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ) أَيْ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ كَلَامًا وَاحِدًا (وَلَا يَضُرُّ) فِي الِاتِّصَالِ (سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ) أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ يَسِيرًا، وَالِاتِّصَالُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 486 قُلْت: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، أَوْ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ   [مغني المحتاج] هُنَا أَبْلَغُ مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، إذْ يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ اثْنَيْنِ مَا لَا يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ وَاحِدٍ (قُلْت: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ) فَلَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ (قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ يَنْوِيَهُ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا أَوْ مَا بَيْنَهُمَا (فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يَكْفِي بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَالثَّانِي يَكْفِي بَعْدَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَفَى لَزِمَ عَلَيْهِ رَفْعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا التَّلَفُّظُ بِالِاسْتِثْنَاءِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ عِنْدَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَهُ بِقَلْبِهِ وَلَا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ ظَاهِرًا قَطْعًا وَلَا يُدَيَّنُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَيُشْتَرَطُ) أَيْضًا (عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ) الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَالْمُسْتَغْرَقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ، فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقَتْ ثَلَاثًا. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرِدُ عَلَى بُطْلَانِ الْمُسْتَغْرَقِ صِحَّةُ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَشِيئَةُ جَمِيعَ مَا أَوْقَعَهُ الْحَالِفُ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَغْرَقِ لِأَنَّ هَذَا خَرَجَ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَصِحُّ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ إلَّا وَاحِدَةٌ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَا يُجْمَعُ الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَلَا فِي الْمُسْتَثْنَى لِإِثْبَاتِهِ وَلَا فِيهِمَا كَذَلِكَ. (وَ) عَلَى هَذَا (لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ) تَقَعُ وَيَلْغُو مَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ، وَهُوَ وَاحِدَةٌ الْمَعْطُوفَةُ عَلَى ثِنْتَيْنِ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَمْعِ الْعَدَدِ الْمَعْطُوفِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ (وَقِيلَ) : يَقَعُ (ثَلَاثٌ) بِنَاءً عَلَى جَمْعِ الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُسْتَغْرَقًا فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ) تَقَعُ وَيَلْغُو اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِغْرَاقِهِ (وَقِيلَ ثِنْتَانِ) بِنَاءً عَلَى جَمْعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّلَاثِ. تَنْبِيهٌ: تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى، وَبِالْمِثَالِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَسَكَتَ عَنْ عَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعًا كَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً فَيَقَعُ ثِنْتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ قَالَ: وَمَا فَرَّقَ لَا يَجْمَعُ كَانَ أَعَمَّ لِشُمُولِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِجَوَازِ الْجَمْعِ هُنَا، إذْ لَا اسْتِغْرَاقَ، هَذَا إنْ اتَّفَقَتْ حُرُوفُ الْعَطْفِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً بَلْ وَاحِدَةٌ لَا وَاحِدَةٌ وَقَعَ ثَلَاثٌ جَزْمًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فَلَا يُجْمَعُ، وَإِنْ قِيلَ بِالْجَمْعِ فِي غَيْرِ هَذِهِ لِتَغَايُرِ الْأَلْفَاظِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ اسْتَثْنَى ثَلَاثَةً مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً الجزء: 4 ¦ الصفحة: 487 وَهُوَ مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ، فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ، أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ طَلْقَةٌ، أَوْ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ أَوْ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدَةِ مِمَّا قَبْلَهَا (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ (مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ) أَيْ مِنْ إثْبَاتٍ نَفْيٌ (فَلَوْ قَالَ) : أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى الثَّانِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدَةً (أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ) لِمَا ذُكِرَ (وَقِيلَ: ثَلَاثٌ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ مُسْتَغْرَقٌ فَيَلْغُو. وَالثَّانِي: مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ فَيَلْغُو أَيْضًا (وَقِيلَ: طَلْقَةٌ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ فَيَعُودُ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ، إذْ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً؛ وَثَلَاثٌ إلَّا وَاحِدَةً ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَقَعَ طَلْقَةٌ إلْغَاءً لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي فَقَطْ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، وَقِيلَ: ثِنْتَانِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ، إذْ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ تَقَعَانِ إلَّا وَاحِدَةً لَا تَقَعُ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَاقِعَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَلْفُوظِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: مِنْ الْمَمْلُوكِ؛ وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ) يَقَعَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَلْفُوظِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ فَيُتَّبَعُ فِيهِ مُوجِبُ اللَّفْظِ (وَقِيلَ ثَلَاثٌ) بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَغْوٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي اسْتِثْنَاءِ طَلْقَةٍ فَأَكْثَرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى اسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ) تَقَعُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ طَلْقَةٍ بَقِيَ بَعْضُهَا، وَمَتَى بَقِيَ كَمُلَتْ. وَالثَّانِي: يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيُجْعَلُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّكْمِيلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي طَرَفِ الْإِيقَاعِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. تَنْبِيهٌ: صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِثْنَاءَ بِنِصْفِ طَلْقَةٍ يَخْرُجُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفًا فَإِنَّهُ يُرَاجَعُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت نِصْفَهَا فَثِنْتَانِ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى نِصْفِ الْجَمِيعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا. قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ: الْقِيَاسُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ اهـ. وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلْقَتَانِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ طَلْقَةً وَنِصْفًا فَبَقِيَ نِصْفُ طَلْقَةٍ فَتُكَمَّلُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِمَّا أَوْقَعَ لَا مِمَّا وَقَعَ، وَأَيْضًا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ كَمَا مَرَّ، فَقَوْلُهُ: طَلْقَةً وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْأَخْيَرِ، وَهُوَ النِّصْفُ فَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فَيَلْغُو وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ. (فُرُوعٌ) لَوْ قَالَ: أَنْتِ بَائِنٌ إلَّا بَائِنًا أَوْ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ بَائِنٌ الثَّلَاثَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 488 وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ وَعِتْقٍ   [مغني المحتاج] اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ الثَّلَاثَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَقَلَّهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَ ثَلَاثٌ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الطَّلَاقِ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَتَبْقَى طَلْقَتَانِ وَالْبَعْضُ الْبَاقِي فَيَكْمُلُ، لَكِنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ أَقَلَّهُ طَلْقَةٌ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا أَوْ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ فِيهَا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لَا إيقَاعٌ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ هَلْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَتَطْلُقَ، وَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ شَدَّدَ الْوَاوَ وَهُوَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا طَلُقَتْ طَلْقَةً لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ رَفْعَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَقَوْلُنَا بِالْكُلِّيَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهُ رَفَعَهُ، فِي الْحَالِ لَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ: أَرْبَعُكُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةُ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً طُلِّقْنَ جَمِيعًا، وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لَيْسَتْ صِيغَةَ عُمُومٍ، وَإِنَّمَا هِيَ اسْمٌ خَاصٌّ فَقَوْلُهُ إلَّا فُلَانَةَ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ عَنْهَا بَعْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْكِ. فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَعْدَادِ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَصِحُّ مِنْهَا وَإِنْ صَرَّحَ بِاسْمِ الْعَدَدِ كَقَوْلِهِ: هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَكِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى مِنْ الْإِخْبَارِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَرْبَعَتُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِي هَذِهِ وَقَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا تَنَاقُضَ بِخِلَافِ الْأُولَى، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمُسْتَثْنَى وَتَأَخُّرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) طَلَاقَك (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ) طَلَاقَك (وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ) بِالْمَشِيئَةِ فِي الْأَوَّلِ وَبِعَدَمِهَا فِي الثَّانِي قَبْلَ فَرَاغِ الطَّلَاقِ (لَمْ يَقَعْ) أَيْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ عَدَمِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيقَ بِأَنْ سَبَقَتْ إلَى لِسَانِهِ لِتَعَوُّدِهِ بِهَا كَمَا هُوَ الْأَدَبُ أَوْ قَصَدَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ قَصَدَ بِهَا التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ لَا وَقَعَ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ مُنْتَظِمٌ وَأَنَّهُ يَقَعُ مَعَهُ الطَّلَاقُ وَقَدْ لَا يَقَعُ كَمَا تَقَرَّرَ، وَكَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ فِي اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَاقْتِرَانِ الْقَصْدِ (وَكَذَا يَمْنَعُ) التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَادَ نِيَّةِ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ وَ (انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ) كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ فَالْمُعَلَّقُ أَوْلَى (وَ) انْعِقَادَ (عِتْقٍ) مُنَجَّزٍ أَوْ مُعَلَّقٍ كَأَنْتِ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 489 وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَكُلِّ تَصَرُّفٍ. وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] انْعِقَادَ (يَمِينٍ) كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَ) انْعِقَادَ (نَذْرٍ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَ) انْعِقَادَ (كُلٍّ تَصَرُّفٍ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا حَقُّهُ الْجَزْمُ كَبَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَإِجَارَةٍ. تَنْبِيهٌ: تَقْدِيمُ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِهِ كَتَأْخِيرِهِ عَنْهَا، كَقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ فَتَحَ هَمْزَةَ إنْ أَوْ أَبْدَلَهَا بِإِذْ، أَوْ مَا: كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَوْ إذْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ فِي الثَّالِثِ، وَسَوَاءٌ فِي الْأَوَّلِ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا. (وَلَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ (وَقَعَ) طَلْقَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِصُورَةِ النِّدَاءِ الْمُشْعِرِ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ حَالَتَهُ، وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَتَوَقُّعِ الْحُصُولِ كَمَا يُقَالُ لِلْقَرِيبِ مِنْ الْوُصُولِ أَنْتَ وَاصِلٌ، وَلِلْمَرِيضِ الْمُتَوَقَّعُ شِفَاؤُهُ قَرِيبًا أَنْتَ صَحِيحٌ فَيَنْتَظِمُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مِثْلِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الطَّلَاقِ خَاصَّةً، وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ: يَا زَانِيَةُ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ يَا طَالِقُ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَا زَانِيَةُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْمُخَاطَبَةِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا حَفْصَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَاصِدًا التَّوْكِيدِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) طَلَاقَك (فَلَا) يَقَعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ تَطْلِيقِك فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهَا، وَالثَّانِي: يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ وَجَعَلَ الْمُخَلِّصَ عَنْهُ الْمَشِيئَةَ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الْخَلَاصُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِاخْتِصَاصِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ بِالْأَخِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرَقِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ لِعَوْدِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْجَمِيعِ لِحَذْفِ الْعَاطِفِ، وَلَوْ قَالَ: حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَنْوِ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ طَلُقَتْ حَفْصَةُ دُونَ عَمْرَةَ لِمَا مَرَّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ خَرَسَ فَأَشَارَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ بَيَانِ الْمَشِيئَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِشَارَةِ وَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْبَيَانِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَخْرَسَ، ثُمَّ نَطَقَ كَانَتْ مَشِيئَتُهُ بِالنُّطْقِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَطْلُقْ، إذْ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ حُصُولَهَا، وَكَذَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ، وَلَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَيَاةِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ قُبَيْلَ جُنُونٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَشِيئَةِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ وَشَكَّ فِي مَشِيئَتِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِلشَّكِّ فِي الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ الْيَوْمَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 490 فَصْلٌ شَكَّ فِي طَلَاقٍ فَلَا، أَوْ فِي عَدَدٍ فَالْأَقَلُّ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ. وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ، فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ،   [مغني المحتاج] وَلَمْ يَشَأْ فِيهِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ هُنَا كَالْعُمْرِ فِيمَا مَرَّ. [فَصْلٌ فِي الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ] (فَصْلٌ) فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَكٌّ فِي أَصْلِهِ، وَشَكٌّ فِي عَدَدِهِ، وَشَكٌّ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا كَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً ثُمَّ نَسِيَهَا، إذَا (شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ بِرُجْحَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي) وُقُوعِ (طَلَاقٍ) مِنْهُ أَوْ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا، كَقَوْلِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَشَكَّ هَلْ كَانَ غُرَابًا أَوْ لَا (فَلَا) نَحْكُمُ بِوُقُوعِهِ. قَالَ الْمَحَامِلِيُّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ (أَوْ) لَمْ يَشُكَّ فِي طَلَاقٍ بَلْ تَحَقَّقَ وُقُوعَهُ، وَلَكِنْ شَكَّ (فِي عَدَدٍ) مِنْهُ، هَلْ طَلَّقَ طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ؟ (فَالْأَقَلُّ) يَأْخُذُ بِهِ (وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ) فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِالْأَسْوَأِ لِخَبَرِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَفِي الْأُولَى يُرَاجِعُ إنْ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِلَّا فَيُجَدِّدُ نِكَاحَهَا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ، وَإِلَّا فَلْيُنَجِّزْ طَلَاقَهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَنْكِحْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ شَيْئًا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا اهـ. وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْقَعَهُ وَلَوْ طَلْقَةً، نَعَمْ فَائِدَةُ إيقَاعِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَتَطْلِيقِهِ إيَّاهَا عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِيَقِينٍ. (وَلَوْ) عَلَّقَ اثْنَانِ بِنَقِيضِينَ كَأَنْ (قَالَ: إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ) الْحَالُ فِي الطَّائِرِ (لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ) لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَيْرُ غُرَابٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ فَتَعْلِيقُ الْآخَرِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ. تَنْبِيهٌ: مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِهِ ابْنِ مَالِكٍ فِي اتِّصَالِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ خَبَرَ كَانَ، وَلَكِنَّ جُمْهُورَ النُّحَاةِ عَلَى الِانْفِصَالِ (فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا) لَا بِعَيْنِهَا لِوُجُودِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، إذْ لَيْسَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةٌ (وَلَزِمَهُ) مَعَ الِاعْتِزَالِ عَنْهُمَا إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحَةِ بِغَيْرِهَا (الْبَحْثُ) عَنْ الطَّائِرِ (وَالْبَيَانُ) لِزَوْجَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وَاتَّضَحَ لَهُ حَالُ الطَّائِرِ لِيَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ دُونَ غَيْرِهَا، فَإِنْ طَارَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَلْزَمْهُ بَحْثٌ وَلَا بَيَانٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَفِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 491 وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَهِلَهَا وُقِفَ حَتَّى يَذَّكَّرَ، وَلَا يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إنْ صَدَّقَتَاهُ فِي الْجَهْلِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ قَصَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ،   [مغني المحتاج] الْبَيَانِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ (وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا) كَأَنْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ وَحْدَهَا، أَوْ نَوَاهَا بِقَوْلِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ (ثُمَّ جَهِلَهَا) بَعْدَ ذَلِكَ بِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ (وُقِفَ) وُجُوبًا أَمْرُهُ عَنْهُمَا مِنْ قُرْبَانٍ وَغَيْرِهِ (حَتَّى يَذَّكَّرَ) بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ، أَيْ يَتَذَكَّرَ الْمُطَلَّقَةَ بِأَنْ يَعْرِفَهَا، وَالْجَهْلُ الْمُقَارِنُ لِلطَّلَاقِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي ظُلْمَةٍ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ ثُمَّ بِالْوَاوِ كَانَ أَعَمَّ (وَلَا يُطَالَبُ) الزَّوْجُ (بِبَيَانٍ) لِلْمُطَلَّقَةِ (إنْ صَدَّقَتَاهُ) أَيْ الزَّوْجَتَانِ (فِي الْجَهْلِ) بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَإِنْ كَذَّبَتَاهُ وَبَادَرَتْ وَاحِدَةٌ وَقَالَتْ: أَنَا الْمُطَلَّقَةُ لَمْ يَقْنَعْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: نَسِيت أَوْ لَا أَدْرِي، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُحْتَمِلًا بَلْ يُطَالَبُ بِيَمِينٍ جَازِمَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَقَضَى بِطَلَاقِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ الَّتِي عَنَاهَا بِالطَّلَاقِ، وَسَأَلَتْ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ تَقُلْ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُطَلَّقَةَ، فَالْوَجْهُ قَبُولُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَتَحْلِيفُهُ عَلَى ذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِزَوْجَتِهِ (وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ: قَصَدْتُ) بِالطَّلَاقِ (الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ) قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِهَذِهِ وَلِهَذِهِ، فَإِذَا قَالَ: عَيَّنْتُهَا صَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَالثَّانِي: لَا يُقْبَلُ وَتَطْلُقُ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الطَّلَاقِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْقَصْدِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ قَصَدْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِيمَا إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ طَلَاقٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا صِدْقًا وَاحِدًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ، أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ وَلِعَبْدٍ آخَرَ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ عِتْقَ الْآخَرِ اهـ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلِأَجْنَبِيَّةٍ عَمَّا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَلِرَجُلٍ أَوْ دَابَّةٍ. وَقَالَ: أَرَدْت الرَّجُلَ أَوْ الدَّابَّةَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَأَمَتُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَفَاسِدَةُ النِّكَاحِ مَعَ صَحِيحَتِهِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الزَّوْجَةِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ فَعَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْبَاقِيَةِ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهَا. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ: ابْنَتُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُهِمَّاتِ. (وَلَوْ) كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ وَ (قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ) وَلَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 492 وَقَالَ قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَإِحْدَاهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ، وَتُعْزَلَانِ عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ، وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا، وَنَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ.   [مغني المحتاج] يَرْفَعْ فِي نَسَبِهَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ (وَقَالَ) لَمْ أَقْصِدْ زَوْجَتِي بَلْ (قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً) اسْمُهَا زَيْنَبُ (فَلَا) يُقْبَلُ ظَاهِرًا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ قَبْلَهَا وَاسْمُهَا زَيْنَبُ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ. وَقَالَ أَرَدْتُهَا. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ: إحْدَاكُمَا يَتَنَاوَلُهُمَا تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ وَلَا وَصْفٌ لَهَا وَلَا إشَارَةٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُنَا صَرَّحَ بِاسْمِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُخْرَى نِكَاحًا فَاسِدًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا اسْمُهَا زَيْنَبُ وَقَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْت فَاسِدَةَ النِّكَاحِ قُبِلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ نِكَاحِهَا وَإِلَّا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ (وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً) مِنْهُمَا (طَلُقَتْ) لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى وَاحِدَةٍ انْصَرَفَ وَصَارَ اللَّفْظُ كَالنَّصِّ فِي التَّعْيِينِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ مُعَيَّنَةً بَلْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا أَوْ قَصَدَهُمَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (فَإِحْدَاهُمَا) أَيْ زَوْجَتَيْهِ تَطْلُقُ، وَلَا يَدْرِي الْآنَ مَنْ هِيَ (وَيَلْزَمُهُ) بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجَتَيْنِ: كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ (الْبَيَانُ) لِلْمُطَلَّقَةِ (فِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى) وَهِيَ قَصْدُ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ (وَالتَّعْيِينُ) فَوْرًا (فِي) الْحَالَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ قَصْدُ وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ لِتُعْلَمَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْفِرَاقِ (وَتُعْزَلَانِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِخَطِّهِ فَالضَّمِيرِ لِزَوْجَتَيْهِ، وَيَسْتَمِرُّ انْعِزَالُهُمَا (عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ) فِي الْحَالَةِ الْأُولَى (أَوْ التَّعْيِينِ) فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لِاخْتِلَاطِ الْمَحْظُورِ بِالْمُبَاحِ (وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا) أَيْ الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ لِرَفْعِهِ حَبْسَهُ عَمَّنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا، فَلَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَعُزِّرَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْهَلَ لَمْ يُمْهَلْ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يُمْهَلُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ وَلَمْ يَدَّعِ نِسْيَانًا، إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِمْهَالِ حِينَئِذٍ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا أَبْهَمَ أَوْ عَيَّنَ وَادَّعَى أَنَّهُ نَسِيَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ بَيَانٌ وَلَا تَعْيِينٌ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَزِمَهُ فِي الْحَالِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ وَانْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَمَّا إذَا لَمْ تَطْلُبْ الزَّوْجَتَانِ وَلَا إحْدَاهُمَا فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الِانْعِزَالُ وَقَدْ أَوْجَبْنَاهُ (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (نَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ) إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ لِحَبْسِهِمَا عِنْدَهُ حَبْسَ الزَّوْجَاتِ، وَسَوَاءٌ أَقَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ أَمْ لَا كَأَنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ وَلَا يَرُدُّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْمُطَلَّقَةِ إذَا بَيَّنَ أَوْ عَيَّنَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرَ فَإِنَّهَا نَفَقَةٌ لِبَائِنٍ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 493 وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ، فَعِنْدَ التَّعْيِينِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بَيَانًا وَلَا تَعْيِينًا، وَقِيلَ تَعْيِينٌ، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ: هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ، أَوْ أَرَدْت هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي الْحَالِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ الرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَمْ أَفْهَمْ مَا أَرَادَ بِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ. (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ) فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمُبَيَّنَةِ (بِاللَّفْظِ) جَزْمًا، وَفِي الْمُبْهَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ وَنَجَّزَهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَّا أَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّبْيِينِ أَوْ التَّعْيِينِ، لَكِنْ عِدَّةُ الْمُعَيَّنِ مِنْ اللَّفْظِ، وَالْمُبْهَمِ مِنْ التَّعْيِينِ لِتَعْيِينِ الْمَحَلِّ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَخَّرَ الْعِدَّةُ عَنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ كَمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ وَتُحْسَبُ مِنْ التَّفْرِيقِ (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُعَيِّنْ) الْمُبْهَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثُمَّ عَيَّنَهَا (فَعِنْدَ التَّعْيِينِ) يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَبْلَهُ لَوَقَعَ لَا فِي مَحَلٍّ، وَالطَّلَاقُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا إلَى التَّعْيِينِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْلَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُمَا (وَالْوَطْءُ) لِإِحْدَاهُمَا (لَيْسَ بَيَانًا) فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْأُخْرَى (وَلَا تَعْيِينًا) فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطَأَ الْمُطَلَّقَةَ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَدَارَكُ بِهِ وَلِذَلِكَ لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ (وَقِيلَ) الْوَطْءُ (تَعْيِينٌ) لِلطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ، فَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَزِمَهُ الْحَدُّ لِاعْتِرَافِهِ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَهَا الْمَهْرُ لِجَهْلِهَا بِأَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لَا حَدَّ بِوَطْئِهِ لَهَا وَإِنْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ قَبْلُ، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَنَّهُ نَوَاهَا وَنَكَلَ حَلَفَتْ وَلَزِمَهُ لَهُمَا الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ بِظَاهِرِ الْيَمِينِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ لِلطَّلَاقِ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا لِمَا مَرَّ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ وَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ كَمَا فِي الْأُولَى لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ لِلْمَوْطُوءَةِ (وَلَوْ قَالَ) فِيمَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ بَيَانُ مُطَلَّقَةٍ مُعَيَّنَةٍ نَوَاهَا (مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْإِرَادَةِ السَّابِقَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، أَوْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ، أَوْ لَمْ أُطَلِّقْ هَذِهِ، فَبَيَانٌ أَنَّ غَيْرَهَا الْمُطَلَّقَةُ (أَوْ) قَالَ مُشِيرًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا (أَرَدْت هَذِهِ وَهَذِهِ) أَوْ هَذِهِ هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ مَعَ هَذِهِ (أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا) ظَاهِرًا لِإِقْرَارِهِ بِهِ بِمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِطَلَاقِ الْأُولَى ثُمَّ رَجَعَ وَأَقَرَّ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْمُطَلَّقَةُ مَنْ نَوَاهَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ: فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا لَا يُطَلَّقَانِ، إذْ لَا وَجْهَ لِحَمْلِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. تَنْبِيهٌ: تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَبَلْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاطِفِ لِلْجَمْعِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 494 وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ وَتَعْيِينٍ بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ لِبَيَانِ الْإِرْثِ، وَلَوْ مَاتَ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لَا تَعْيِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ مُنِعَ مِنْهُمَا   [مغني المحتاج] أَوْ لِلْإِضْرَابِ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأُولَى، فَإِنْ أَتَى بِثُمَّ أَوْ الْفَاءِ كَهَذِهِ ثُمَّ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَهَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِ الْأُولَى فَقَطْ لِفَصْلِ الثَّانِيَةِ بِالتَّرْتِيبِ فَلَمْ يَبْقَى لَهَا شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ، أَوْ قَالَ: هَذِهِ بَعْدَهَا هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، فَالْمُشَارِ إلَيْهَا أَوَّلًا، أَوْ هَذِهِ بَعْدَ هَذِهِ، فَالْمُشَارُ إلَيْهَا ثَانِيًا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ. أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَتَطْلُقُ الْمَنْوِيَّةُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَبَيَانٌ. أَمَّا الطَّلَاقُ الْمُبْهَمُ فَالْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْأُولَى، سَوَاءٌ أَعَطَفَ بِالْوَاوِ أَمْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ اخْتِيَارٍ وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ فَيَلْغُو ذِكْرُ اخْتِيَارِ غَيْرِهَا (وَلَوْ مَاتَتَا) أَيْ الزَّوْجَتَانِ (أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ) لِلْمُعَيَّنَةِ (وَتَعْيِينٍ) لِلْمُبْهَمَةِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ (بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ بِالْبَيَانِ جَزْمًا، وَالتَّعْيِينُ عَلَى الْمَذْهَبِ (لِبَيَانِ) حَالِ (الْإِرْثِ) لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إرْثُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ فَيُوقَفُ مِنْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ الْمَيِّتَةِ نَصِيبُ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الْإِرْثِ، فَإِذَا بَيَّنَ أَوْ عَيَّنَ لَمْ يَرِثْ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ وَيَرِثُ مِنْ الْأُخْرَى، ثُمَّ إنْ نَوَى مُعَيَّنَةً فَبَيَّنَ فِي وَاحِدَةٍ فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَلَمْ يَرِثْ مِنْهَا كَمَا لَا يَرِثُ مِنْ الْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ مَيِّتَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، وَإِنْ حَلَفَ طَالَبُوهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا طَالَبُوهُ بِنِصْفِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِمْ الْمَذْكُورِ يُنْكِرُونَ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يُطَالِبُونَهُ بِكُلِّهِ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمُبْهَمِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَرَثَةُ الْمُطَلَّقَةِ فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ وَقَدْ أَقَرُّوا لَهُ بِإِرْثٍ لَا يَدَّعِيه وَادَّعَوْا عَلَيْهِ مَهْرًا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا (وَلَوْ مَاتَ) الْمُطَلِّقُ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ (فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ، لَا) قَبُولُ (تَعْيِينِهِ) لِأَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ وَقَدْ يَقِفُ عَلَى مُرَادِ مُوَرِّثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالتَّعْيِينُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَلَمْ يَخْلُفْهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ. وَالثَّانِي: يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا كَمَا يَخْلُفُهُ فِي حُقُوقٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ. وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تُورَثُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ مَاتَتَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ وَالْأُخْرَى بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، أَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فُلَانَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ مَاتَ قَبْلَ الزَّوْجَتَيْنِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتَا قَبْلَهُ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُمَا فَبَيَّنَ الْوَارِثُ وَاحِدَةً فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ مُوَرِّثَتَهُمْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْإِبْهَامِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ) هَذَا الطَّائِرُ (غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْهُ (فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ) حَالُ الطَّائِرِ وَصَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ (مُنِعَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ بِالْعَبْدِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 495 إلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ قَرَعَ عَتَقَ، أَوْ قَرَعَتْ لَمْ تَطْلُقْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرِقُّ. فَصْلٌ الطَّلَاقُ: سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ،   [مغني المحتاج] لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَأَشْبَهَ طَلَاقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ (إلَى الْبَيَانِ) لِتَوَقُّعِهِ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ حَيْثُ لَا كَسْبَ لَهُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِطَلَاقِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَذَاكَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَادَّعَى الْعِتْقَ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْعَبْدُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ وَالطَّلَاقِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعِتْقِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يَمِينَ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ حَلَفَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَحُكِمَ بِطَلَاقِهَا وَالْعِتْقِ (فَإِنْ مَاتَ) قَبْلَ بَيَانِهِ (لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِلتُّهْمَةِ فِي إخْبَارِهِ بِالْحِنْثِ فِي الطَّلَاقِ لِيَرِقَّ الْعَبْدُ وَيَسْقُطَ إرْثُ الزَّوْجَةِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَا الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ السَّرَخْسِيُّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْوَارِثُ: حَنِثَ فِي الزَّوْجَةِ، فَإِنْ عَكَسَ قُبِلَ قَطْعًا لِإِضْرَارِهِ بِنَفْسِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ: قَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَيْسَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ مُتَعَيَّنًا فَإِنَّ الْقُرْعَةَ دَاخِلَةٌ وَلِلْعَبْدِ بِهَا حَقٌّ فِي الْعِتْقِ وَلِلْمَيِّتِ حَقٌّ فِي رِقِّهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُوَفَّى مِنْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ (بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ) فَلَعَلَّ الْقُرْعَةَ تَخْرُجُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ (فَإِنْ قَرَعَ) الْعَبْدُ بِأَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ (عَتَقَ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ إذْ هُوَ فَائِدَةُ، وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ إلَّا إذَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فِيهَا وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ (أَوْ قَرَعَتْ) أَيْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهَا (لَمْ تَطْلُقْ) إذْ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِهَا فِيهِ، وَلَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يَتْرُكَ الْمِيرَاثَ لِلْوَرَثَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (لَا يَرِقُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ بِخَطِّهِ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى عَلَى إبْهَامِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيمَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي: يَرِقُّ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تَعْمَلُ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ، فَكَمَا يَعْتِقُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ يَرِقُّ إذَا خَرَجَتْ عَلَى عَدِيلِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي عَدِيلِهِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ. [فَصْلٌ فِي الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ وَغَيْرُهُ] (فَصْلٌ) فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ اصْطِلَاحَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَضْبَطُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ (الطَّلَاقُ: سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ) وَثَانِيهِمَا، وَهُوَ أَشْهَرُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَلَا وَلَا، فَإِنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَاَلَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا مِنْهُ وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 496 وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: طَلَاقٌ فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ، وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَسَّمَ جَمْعٌ الطَّلَاقَ إلَى وَاجِبٍ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى وَطَلَاقِ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ إذَا رَأَيَاهُ، وَمَنْدُوبٍ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ حَالُهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَسَيِّئَةِ الْخُلُقِ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَمَكْرُوهٍ كَمُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ بِطَلَاقِ مَنْ لَا يَهْوَاهَا وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمَؤُونَتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ بِهَا، وَحَرَامٍ كَطَلَاقِ الْبِدْعِيِّ كَمَا قَالَ (وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ) لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَهُوَ ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا (طَلَاقٌ) مِنْ شَخْصٍ (فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ) أَيْ مَوْطُوءَةٍ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَمِثْلُهَا مَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَهَذِهِ الْغَايَةُ إنَّمَا تَأْتِي عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ، هُوَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَأْنِفُ. أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَطْوِيلَ عَلَيْهَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبَكْرِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَحُرْمَةُ هَذَا لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ، وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُحْسَبُ مِنْهَا، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ لِشُمُولِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمِ لَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا وَإِنْ خَالَفَا ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا وَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى طَهُرَتْ فَيَكُونُ بِدْعِيًّا، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ أَوْ فِي آخِرِ حَيْضِكِ فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ: صُوَرٌ: مِنْهَا الْحَامِلُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَقَالَ لَهَا سَيِّدُهَا: إنْ طَلَّقَك الزَّوْجُ الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ الطَّلَاقَ لِأَجْلِ الْعِتْقِ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَحْرُمْ، فَإِنَّ دَوَامَ الرِّقِّ أَضُرُّ بِهَا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَقَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمُوتُ فَيَدُومُ أَسْرُهَا بِالرِّقِّ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ. وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِبِدْعِيٍّ. وَمِنْهَا طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ، وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمَوْلَى إذَا طُولِبَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ طَلْقَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثَانِيَةً، وَالْمُرَادُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الْمُنَجَّزُ، فَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ دَارٍ مَثَلًا فَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ، لَكِنْ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي حَالِ الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ، لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَيْضِ كَإِنْشَائِهِ الطَّلَاقَ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ (وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ) زَوْجَتُهُ طَلَاقَهَا فِي حَيْضِهَا (لَمْ يَحْرُمْ) لِرِضَاهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَنْكَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِهَا فَأَتَتْ بِهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ مُخْتَارَةً. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا، أَيْ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 497 وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ لَا أَجْنَبِيٍّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَطَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] ظَاهِرٌ (وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ) أَيْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَلِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ. وَلَيْسَ هَذَا بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ كَمَا مَرَّ (لَا أَجْنَبِيٍّ) فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ وُجْدَانَ حَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهٌ مُحَقَّقٌ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ الْإِمَامَ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إنَّمَا بَذَلَ لِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَذِنَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَخْتَلِعَهَا يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ بِمَالِهَا فَكَاخْتِلَاعِهَا وَإِلَّا فَهُوَ كَاخْتِلَاعِهِ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ) أَوْ فِي (آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ) لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ، وَالثَّانِي: بِدْعِيٌّ لِمُصَادَفَتِهِ الْحَيْضَ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (مَعَ) أَوْ فِي (آخِرِ طُهْرٍ) عَيَّنَهُ (لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِدَّةَ، وَالثَّانِي: سُنِّيٌّ لِمُصَادَفَتِهِ الطُّهْرَ. (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي لِلْبِدْعِيِّ (طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ) فِي قُبُلٍ، وَكَذَا فِي دُبُرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّ اسْتِدْخَالَهَا مَاءَهُ أَيْ الْمُحْتَرَمَ كَالْوَطْءِ وَنَائِبُ فَاعِلِ وَطِئَ قَوْلُهُ (مَنْ قَدْ تَحْبَلُ) لِعَدَمِ صِغَرِهَا وَيَأْسِهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ) مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنْدَمُ لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ، وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِمَنْ قَدْ تَحْبَلُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ فَإِنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِمَا كَمَا مَرَّ، وَبِلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ مَا لَوْ ظَهَرَ وَسَيَذْكُرُهُ، وَاسْتِدْخَالُهَا مَاءَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْحَمْلِ مِنْهُ، وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ضَرْبٍ ثَالِثٍ لِلْبِدْعِيِّ مَذْكُورٍ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَقَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا، وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا نَظَرَ إنْ لَمْ تَحِضْ فَبِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ، أَوْ فِي الْحَيْضِ فَبِدْعِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَاهِرًا فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ (فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا بِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ تُشْعِرُ بِالْبَرَاءَةِ، وَدَفَعَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْبَقِيَّةُ مِمَّا دَفَعَتْهُ الطَّبِيعَةُ أَوَّلًا وَهَيَّأَتْهُ لِلْخُرُوجِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فِي الطُّهْرِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِفَاءِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 498 وَيَحِلُّ خُلْعُهَا، وَطَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ، حَمْلُهَا. وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ طُهْرٍ. وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ أَوْ لِلسُّنَّةِ فَحِينَ تَطْهُرُ،   [مغني المحتاج] التَّعْقِيبِ (وَ) الْمَوْطُوءَةُ فِي الطُّهْرِ (يَحِلُّ خُلْعُهَا) كَالْحَائِضِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ (وَ) يَحِلُّ (طَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا) وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ؛ لِأَنَّ بِأَخْذِ الْعِوَضِ وَظُهُورِ الْحَمْلِ يَنْعَدِمُ احْتِمَالُ النَّدَمِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ طَلَاقُ الْبِدْعِيِّ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْبِدْعِيِّ وَالسُّنِّيِّ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ فَهُوَ طَلَاقُ مَدْخُولٍ بِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ، وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَذَلِكَ لِاسْتِعْقَابِهَا الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ. (وَمَنْ طَلَّقَ) طَلَاقًا (بِدْعِيًّا) وَلَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ (سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ) مَا لَمْ يَدْخُلْ الطُّهْرُ. الثَّانِي: إنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ. أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ فَإِلَى آخِرِ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ (ثُمَّ) بَعْدَ الرَّجْعَةِ (إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ) تَمَامِ (طُهْرٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا» أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إنْ أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ الرَّجْعَةِ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَبَاهُ أَنْ يَأْمُرَهُ، وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ» كَذَا قَالُوهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَلْيُرَاجِعْهَا لِأَجْلِ أَمْرِكَ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِ الْوَالِدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ تَرْكَ الرَّجْعَةِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهَا وَلِدَفْعِ الْإِيذَاءِ اهـ. وَرُدَّ الِاسْتِنَادُ إلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِيهِ، وَإِذَا رَاجَعَ فَهَلْ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ؟ حَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْأَثِمَ يَرْتَفِعُ وَاسْتَظْهَرَهُ، وَإِذَا رَاجَعَ وَالْبِدْعَةُ لِحَيْضٍ، فَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ الرَّجْعَةِ مُجَرَّدَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ لِطُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَبْنِ حَمْلُهَا وَوَطِئَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِطَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ الطُّهْرِ أَوْ رَاجَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَطَأَهَا سُنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي؛ لِئَلَّا تَكُونَ الرَّجْعَةُ لِلطَّلَاقِ، وَهَذَا فِيمَنْ طَلَّقَ غَيْرَ مَنْ لَمْ تَسْتَوْفِ دَوْرَهَا مِنْ الْقَسْمِ، بِخِلَافِ مَنْ طَلَّقَ هَذِهِ لِلُزُومِ الرَّجْعَةِ لَهُ لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا، كَذَا قِيلَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَجِبُ. (وَلَوْ قَالَ: لِحَائِضٍ) مَمْسُوسَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ (أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ) وَإِنْ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ لِاتِّصَافِ طَلَاقِهَا بِهِ (أَوْ) قَالَ لِحَائِضٍ لَمْ يَطَأْهَا فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ أَنْتِ طَالِقٌ (لِلسُّنَّةِ فَحِينَ) أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ (تَطْهُرُ) مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ بِأَنْ تَشْرَعَ فِي الطُّهْرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاغْتِسَالِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَهُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 499 أَوْ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ مُسَّتْ فِيهِ فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ إنْ مُسَّتْ فِيهِ، وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَالسُّنَّةِ، أَوْ طَلْقَةً قَبِيحَةٍ أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَالْبِدْعَةِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ مِنْ الِانْقِطَاعِ مِنْ شُرُوعِهَا فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقِ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَاسْتَدَامَ إلَى انْقِطَاعِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِاقْتِرَانِ الطُّهْرِ بِالْجِمَاعِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْتَدِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي دَوَامِ زَوْجِيَّتِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ فِيهِ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ بَلْ يَتَأَخَّرُ وُقُوعُهُ إلَى طُهْرٍ تَشْرَعُ فِيهِ فِي عِدَّتِهِ (أَوْ) قَالَ (لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ) بِوَطْءٍ مِنْهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا (أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِنْ مُسَّتْ) بِوَطْءٍ مِنْهُ (فِيهِ) وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا (فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ) يَقَعُ الطَّلَاقُ لِشُرُوعِهَا حِينَئِذٍ فِي حَالِ السُّنَّةِ (أَوْ) قَالَ لِمَنْ فِي طُهْرٍ: أَنْتِ طَالِقٌ (لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (إنْ مُسَّتْ فِيهِ) أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُمَسَّ فِي هَذَا الطُّهْرِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا (فَحِينَ تَحِيضُ) يَقَعُ الطَّلَاقُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِظُهُورِ أَوَّلِ الدَّمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ أَنَّ طَلَاقَهَا لَمْ يَقَعْ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِصِدْقِ الصِّفَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا حَالَتَا سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ، فَلَوْ قَالَ لِصَغِيرَةٍ مَمْسُوسَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ غَيْرِ مَمْسُوسَةٍ وَقَعَ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَغَا الْوَصْفُ، وَاللَّامُ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّأْقِيتِ لِعَدَمِ تَعَاقُبِ الْحَالَيْنِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ لِرِضَا زَيْدٍ. (وَلَوْ) وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ مَدْحٍ كَأَنْ (قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ) أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَكْمَلَهُ (أَوْ أَجْمَلَهُ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فَكَالسُّنَّةِ) أَيْ فَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ، أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، أَوْ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ حِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهَا أَحْسَنُ لِسُوءِ خُلُقِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ السُّنَّةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ (أَوْ) وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ ذَمٍّ كَأَنْتِ طَالِقٌ (طَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ) أَوْ أَسْمَجَهُ أَوْ أَفْضَحَهُ أَوْ أَفْظَعَهُ أَوْ أَشَرَّهُ (أَوْ أَفْحَشَهُ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فَكَالْبِدْعَةِ) أَيْ فَكَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ أَوْ فِي طُهْرٍ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ، وَلَوْ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقَ السُّنَّةِ لِقُبْحِهِ فِي حَقِّهَا لِحُسْنِ خُلُقِهَا، وَكَانَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ دِينَ وَلَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا لَوْ قَالَ لِذَاتِ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا، أَوْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا. وَقَالَ: أَرَدْتُ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ صَرِيحًا، وَإِذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 500 أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً وَقَعَ فِي الْحَالِ.   [مغني المحتاج] تَنَافَيَا لَغَتْ النِّيَّةُ وَعُمِلَ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلَوْ خَاطَبَ بِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَيْسَ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَالْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو ذِكْرُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. تَنْبِيهٌ: اللَّامُ فِيمَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّوْقِيتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ مِمَّنْ لَهَا سُنَّةٌ بِدْعَةٌ، وَفِيمَا لَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّعْلِيلِ كَطَلَّقْتُكِ بِرِضَا زَيْدٍ أَوْ لِقُدُومِهِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ حَامِلٌ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ، وَإِنْ نَوَى بِهَا التَّعْلِيقَ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ، وَلَوْ قَالَ فِي الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِوَقْتِ الْبِدْعَةِ أَوْ لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَنَوَى التَّعْلِيقَ قُبِلَ لِتَصْرِيحِهِ بِالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِرِضَا زَيْدٍ أَوْ بِقُدُومِهِ تَعْلِيقٌ كَقَوْلِهِ إنْ رَضِيَ أَوْ قَدِمَ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْت طَالِقٌ لَا لِسُنَّةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلْبِدْعَةِ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلْقَةَ سُنَّةٍ كَقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ بِدْعَةَ الطَّلَاقِ، أَوْ طَلْقَةً بِدْعِيَّةً كَقَوْلِهِ لِلْبِدْعَةِ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ طَلَاقُهَا بِدْعِيٌّ إنْ كُنْت فِي حَالِ سُنَّةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ وَلَا تَعْلِيقَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي حَالِ الْبِدْعَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا الْآنَ أَوْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا الْآنَ وَقَعَ فِي الْحَالِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْوَقْتِ وَيَلْغُو اللَّفْظُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْتِ طَاهِرٌ، فَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ طَاهِرٌ طَلُقَتْ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ: لَا فِي الْحَالِ وَلَا إذَا طَهُرَتْ (أَوْ) جَمَعَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ صِفَتَيْ مَدْحٍ وَذَمٍّ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ) طَلْقَةً (حَسَنَةً قَبِيحَةً) وَهِيَ ذَاتُ أَقْرَاءٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ) وَيَلْغُو ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ لِتَضَادِّهِمَا، فَإِنْ فَسَّرَ كُلَّ صِفَةٍ بِمَعْنَى فِي قَوْلِ سُنِّيَّةٍ بِدْعِيَّةٍ أَوْ حَسَنَةٍ قَبِيحَةٍ، فَقَالَ: أَرَدْت حَسَنَةً مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَقَبِيحَةً مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَبْلُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ وُقُوعِ الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ فَائِدَةِ تَأَخُّرِ الْوُقُوعِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ كَالصَّغِيرَةِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ وَصَفَهَا كُلَّهَا بِالسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ وَطَلْقَةً ثَالِثَةً فِي الْحَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَقْتَضِي التَّشْطِيرَ، ثُمَّ يَسْرِي، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي الْحَالِ وَطَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ الثَّانِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ أَرَادَ إيقَاعَ بَعْضِ كُلِّ طَلْقَةٍ فِي الْحَالِ وَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ التَّكْمِيلِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَسَكَتَ وَهِيَ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ النِّصْفِ، وَإِنَّمَا حُمِلَ فِيمَا مَرَّ عَلَى التَّشْطِيرِ لِإِضَافَةِ الْبَعْضَيْنِ إلَى الْحَالَيْنِ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 501 وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ.   [مغني المحتاج] فِي الْحَالِ أَخْذًا بِالتَّشْطِيرِ وَالتَّكْمِيلِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ: طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ وَطَلْقَةً لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ طَلْقَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَقَعَ الطَّلْقَتَانِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَصْفٌ لِلطَّلْقَتَيْنِ فِي الظَّاهِرِ فَيَلْغُو لِلتَّنَافِي، وَيَبْقَى الطَّلْقَتَانِ وَقَوْلُهُ لَهَا طَلَّقْتُك طَلَاقًا كَالثَّلْجِ أَوْ كَالنَّارِ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنْ قَصَدَ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبَيَاضِ وَبِالنَّارِ فِي الْإِضَاءَةِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ أَوْ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبُرُودَةِ وَبِالنَّارِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْإِحْرَاقِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ. (وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ) «لِأَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَبِينُ بِاللِّعَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَهُ هُوَ وَمَنْ حَضَرَهُ، «وَلِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ شَكَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثَلَاثًا وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَفْتَى بِهِ آخَرُونَ اهـ. وَكَمَا لَا يَحْرُمُ جَمْعُهَا لَا يُكْرَهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ فِي الْقَرْءِ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَفِي شَهْرٍ لِذَاتِ الْأَشْهُرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ أَوْ التَّجْدِيدِ إنْ نَدِمَ فَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُفَرِّقْ الطَّلْقَاتِ عَلَى الْأَيَّامِ وَيُفَرِّقْ عَلَى الْحَامِلِ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَيُرَاجِعْ، وَأُخْرَى بَعْدَ النِّفَاسِ، وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ، وَقِيلَ: يُطَلِّقُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ طَلْقَةً. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عِنْدَ جَمْعِهِنَّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَئِمَّةُ، وَحَكَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ لَا يَعْبَأُ بِهِ فَأَفْتَى بِهِ وَاقْتَدَى بِهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا مَا كَانُوا فِيهِ عَلَى أَنَاةٍ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ» وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ. أُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعْتَادَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَصَارَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَنَفَّذَهُ عَلَيْهِمْ " فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ اخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ لَا عَنْ تَغَيُّرِ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنَاهُ كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الَّذِي يُوقِعُونَهُ الْآنَ دَفْعَةً إنَّمَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُوقِعُونَهُ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَاعْتَمَدَ هَذَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ النَّجَّارِيُّ الْحَنَفِيُّ. وَقَالَ: إنَّ النَّصِّ مُشِيرٌ إلَى هَذَا مِنْ لَفْظِ الِاسْتِعْجَالِ يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ لِلنَّاسِ أَنَاةٌ، أَيْ مُهْلَةٌ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يُوقِعُونَ إلَّا وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَاسْتَعْجَلَ النَّاسُ وَصَارُوا يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِلَّا إذَا كَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَهَكَذَا فِي الزَّمَنِ الثَّانِي قَبْلَ التَّنْفِيذِ فَمَا الَّذِي اسْتَعْجَلُوهُ. الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 502 وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ، وَيُدَيَّنُ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ.   [مغني المحتاج] عَلَى مَنْ فَرَّقَ اللَّفْظَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، فَكَانُوا أَوَّلًا يَصْدُقُونَ فِي إرَادَةِ التَّأْكِيدِ لِقِلَّةِ الْخِيَانَةِ فِيهِمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَأَى تَغَيُّرَ الْأَحْوَالِ لَمْ يَقْبَلْ إرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَأَمْضَاهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ أَحْسَنُ مَحَامِلِ الْحَدِيثِ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَقَدْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ حَلِفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَلِفٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَابْتَدَعَ بَعْضُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا، فَقَالَ: إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ مُنْذُ بُعِثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَانِنَا هَذَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاللَّامُ فِي الطَّلْقَاتِ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ، وَهِيَ الثَّلَاثُ، فَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: عُزِّرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَأْثَمُ اهـ. وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مُلْغَاةٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِالتَّلَفُّظِ بِهَا شَيْءٌ. (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَفَسَّرَ) الثَّلَاثَ فِي الصُّورَتَيْنِ (بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ) ظَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ، وَيَقْتَضِي لَفْظُهُ تَنْجِيزَهُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِيَةِ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرَةً، وَحِينَ تَطْهُرُ إنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَلَا سُنَّةَ فِي التَّفْرِيقِ (إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ) لِلثَّلَاثِ دَفْعَةً كَالْمَالِكِيِّ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ ارْتِكَابَ مَحْظُورٍ فِي مُعْتَقَدِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَتَبِعَهُ الْمُحَرَّرُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ (وَالْأَصَحُّ) عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ (أَنَّهُ يُدَيَّنُ) فِيمَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ اللَّفْظُ بِمَا يَدَّعِيه لَانْتَظَمَ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْبَاطِنِ إنْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ يُرَاجِعَهَا، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَهَا تَمْكِينُهُ إنْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ، فَإِنْ ظَنَّتْ كَذِبَهُ لَمْ تُمَكِّنْهُ. وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَهُ الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ، وَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهَا الطَّرَفَانِ كُرِهَ لَهَا تَمْكِينُهُ، وَإِذَا صَدَّقَتْهُ وَرَآهُمَا الْحَاكِمُ مُجْتَمِعَيْنِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَالتَّدَيُّنُ لُغَةً أَنْ يَكِلَهُ إلَى دِينِهِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ: هُوَ أَنْ لَا تَطْلُقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ صَادِقًا إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَوَاهُ غَيْرَ أَنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْمُرَادَ، وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ (وَيُدَيَّنُ) أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. (مَنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ: أَرَدْت إنْ دَخَلْت) الدَّارَ (أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ) طَلَاقَك؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَانْتَظَمَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُدَيَّنُ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 503 وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُنَّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا لِقَرِينَةٍ بِأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ تَزَوَّجْت فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ. فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ أَوَّلِهِ وَقَعَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ   [مغني المحتاج] قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ جُمْلَةً فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالدُّخُولِ وَبِمَشِيئَةِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يُخَصِّصُهُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ فَأَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ، وَشَبَّهُوهُ بِالْفَسْخِ لَمَّا كَانَ رَافِعًا لِلْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِاللَّفْظِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ كَمَا يَجُوزُ بِاللَّفْظِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يَنْفَعُهُ قَصْدُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَاطِنًا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلِمَةِ فَلَا حُكْمَ لَهَا، فَإِنْ أَحْدَثَهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ فَوَجْهَانِ كَمَا فِي نِيَّةِ الْكِتَابَةِ وَحْدَهَا نَقَلَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَمَرَّ فِي الْكِنَايَةِ أَنَّهُ يَكْفِي. (وَلَوْ) أَتَى الزَّوْجُ بِلَفْظٍ عَامٍّ وَأَرَادَ بَعْضَ أَفْرَادِهِ كَأَنْ (قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ، أَوْ) قَالَ (كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ: أَرَدْت بَعْضَهُنَّ) بِالنِّيَّةِ كَفُلَانَةَ وَفُلَانَةُ دُونَ فُلَانَةَ (فَالصَّحِيحُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (ظَاهِرًا) لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ مُتَنَاوَلٌ لِجَمِيعِهِنَّ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ ظَرْفٍ مُقْتَضَاهُ بِالنِّيَّةِ (إلَّا لِقَرِينَةٍ) تُشْعِرُ بِإِرَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (خَاصَمَتْهُ) زَوْجَتُهُ (وَقَالَتْ) لَهُ (تَزَوَّجْت) عَلَيَّ (فَقَالَ) لَهَا مُنْكِرًا لِذَلِكَ (كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ) أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ (وَقَالَ: أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ) لِي فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ. وَالثَّانِي يُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَامِّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ شَائِعٌ. وَالثَّالِثُ: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَحِينَئِذٍ فَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا الْتَزَمَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَصْحِيحِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَحْسُنُ تَعْبِيرُهُ بِالصَّحِيحِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: إنَّهُ يُدَيَّنُ فِيهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ: طَالِقًا مِنْ وِثَاقِي، إنْ كَانَ حَلَّهَا مِنْهُ قَبْلُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ بَعْضَهُنَّ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَهُ غَيْرُ الْمُخَاصَمَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا طَلُقَتْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا عَمْرَةَ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ النِّسَاءُ طَوَالِقُ إلَّا عَمْرَةَ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يُضِفْ النِّسَاءَ لِنَفْسِهِ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ] (فَصْلٌ) فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَوْقَاتِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ) أَوْ رَأْسِهِ (أَوْ أَوَّلِهِ) أَوْ دُخُولِهِ أَوْ مَجِيئِهِ أَوْ ابْتِدَائِهِ أَوْ اسْتِقْبَالِهِ أَوْ أَوَّلِ آخِرِ أَوَّلِهِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (بِأَوَّلِ جُزْءٍ) مِنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 504 مِنْهُ، أَوْ فِي نَهَارِهِ أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ، أَوْ آخِرِهِ فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ.   [مغني المحتاج] اللَّيْلَةِ الْأُولَى (مِنْهُ) أَيْ مَعَهُ لِتَحَقُّقِ الِاسْمِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَوَجْهُهُ فِي شَهْرِ كَذَا أَنَّ الْمَعْنَى إذَا جَاءَ شَهْرُ كَذَا وَمَجِيئُهُ يَتَحَقَّقُ بِمَجِيءِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي دُخُولِهِ بِبَلَدِ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ عَلَّقَ بِبَلَدِهِ وَانْتَقَلَ إلَى أُخْرَى وَرَأَى فِيهَا الْهِلَالَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ فِي تِلْكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَأَى الْهِلَالَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِهَا لِأَنَّهُ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ (فِي نَهَارِهِ) أَيْ شَهْرِ كَذَا (أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ شَهْرِ كَذَا (فَبِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ) مِنْهُ تَطْلُقُ إذْ الْفَجْرُ أَوَّلُ النَّهَارِ وَأَوَّلُ الْيَوْمِ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، فَإِنْ أَرَادَ وَسَطَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ، وَقَدْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ أَرَادَ مِنْ الْأَيَّامِ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غُرَّتَهُ دِينَ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ فِيهِمَا. وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ غُرَرٌ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِغُرَّتِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ النِّصْفَ مَثَلًا لَمْ يُدَيَّنْ؛ لِأَنَّ غُرَّةَ الشَّهْرِ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَرَأْسَهُ لَا تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا وَهُوَ فِيهِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالَ وَهُوَ فِيهِ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَتَطْلُقُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ الْقَابِلِ، إذْ التَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ (أَوْ) أَنْتِ طَالِقٌ فِي (آخِرِهِ) أَيْ شَهْرِ كَذَا أَوْ سَلَخَهُ (فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ) تَطْلُقُ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ) تَطْلُقُ (بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ) مِنْهُ إذْ كُلُّهُ آخِرُ الشَّهْرِ فَيَقَعُ بِأَوَّلِهِ، وَرُدَّ بِسَبْقِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَهْمِ. فُرُوعٌ: لَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ أَيْضًا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ آخِرَهُ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ وَأَوَّلَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ فَآخِرُ أَوَّلِهِ الْغُرُوبُ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ شَيْخُنَا: الْأَوْجَهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ قَبْلَ زَوَالِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ إنَّمَا هُوَ آخِرُ الْيَوْمِ لَا آخِرُ أَوَّلِهِ، وَإِنْ عَلَّقَ بِأَوَّلِ آخِرِهِ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آخِرِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِآخِرِ أَوَّلِهِ طَلُقَتْ بِآخِرِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُ لِأَنَّهُ آخِرُ أَوَّلِهِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِآخِرِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُهُ بِالْحَقِيقَةِ. وَلَوْ عَلَّقَ بِانْتِصَافِ الشَّهْرِ طَلُقَتْ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرُ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ نِصْفِهِ الْأَوَّلِ طَلُقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ الثَّامِنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ نِصْفِهِ سَبْعُ لَيَالٍ وَنِصْفٌ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَاللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ فَيُقَابِلُ نِصْفَ لَيْلَةٍ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَتُجْعَلُ ثَمَانِ لَيَالٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا وَسَبْعُ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ نِصْفًا، وَلَوْ عَلَّقَ بِنِصْفِ يَوْمٍ كَذَا طَلُقَتْ عِنْدَ زَوَالِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ يُحْسَبُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ شَرْعًا وَنِصْفُهُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ طَلُقَتْ بِالْغُرُوبِ إنْ عَلَّقَ نَهَارًا وَإِلَّا فَبِالْفَجْرِ، إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَجُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ، إذْ لَا فَاصِلَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَقْيَسُ أَنْ يَقَعَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 505 وَلَوْ قَالَ لَيْلًا إذَا مَضَى يَوْمٌ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ، أَوْ نَهَارًا فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ أَوْ الْيَوْمُ، فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَإِلَّا لَغَا، وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ.   [مغني المحتاج] الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا فِي زَمَنٍ (وَلَوْ قَالَ لَيْلًا) أَيْ فِيهِ (إذَا مَضَى يَوْمٌ) بِالتَّنْكِيرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ) تَطْلُقُ إذْ يَتَحَقَّقُ بِهِ مُضِيُّ الْيَوْمِ (أَوْ) قَالَهُ (نَهَارًا) أَيْ فِيهِ (فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ) تَطْلُقُ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ حَقِيقَةٌ فِي جَمِيعِهِ مُتَوَاصِلًا كَانَ أَوْ مُتَفَرِّقًا، فَإِنْ فُرِضَ انْطِبَاقُ التَّعْلِيقِ عَلَى أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَعَ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، إذَا تَمَّ التَّعْلِيقُ وَاسْتَعْقَبَهُ أَوَّلُ النَّهَارِ، أَمَّا لَوْ ابْتَدَأَهُ النَّهَارُ فَقَدْ مَضَى جُزْءٌ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَا يَقَعُ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ. (أَوْ) قَالَ إذَا مَضَى (الْيَوْمُ) بِالتَّعْرِيفِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ) تَطْلُقُ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُ الْبَاقِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ فَاللَّامُ الْعَهْدِ فَانْصَرَفَ إلَى الْيَوْمِ الْحَاضِرِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَهُ لَيْلًا (لَغَا) أَيْ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، إذْ لَا نَهَارَ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْهُودِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الْجِنْسِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الدُّنْيَا فَكَانَتْ صِفَةً مُسْتَحِيلَةً. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَقُولَ: إذَا مَضَى الْيَوْمُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِرَفْعِ الْيَوْمِ، أَمَّا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ بِالنَّصْبِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ النَّهَارَ أَوْ الشَّهْرَ أَوْ السَّنَةَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ، وَسَمَّى الزَّمَانَ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ (وَبِهِ) أَيْ الْيَوْمِ (يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ) وَالشَّهْرُ وَالسَّنَةُ. فَإِذَا قَالَ: لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ إذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَمِنْ لَيْلَةِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَوْ يَوْمِهِ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ التَّعْلِيقُ مِنْ لَيْلَتِهِ أَوْ يَوْمِهِ؛ فَإِنْ عَلَّقَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ كَفَى بَعْدَهُ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّلَمِ، وَإِذَا قَالَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ مَعَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّالِثَ عَشَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَإِذَا أَرَادَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ فَقَدْ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَإِنْ قَالَ: إذَا مَضَى الشَّهْرُ أَوْ قَالَ: السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ تِلْكَ السَّنَةِ وَالْمُعْتَبَرُ السَّنَةُ الْعَرَبِيَّةُ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت غَيْرَهَا أَوْ أَرَدْت بِالسَّنَةِ مُعَرَّفَةً سَنَةً كَامِلَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ظَاهِرًا لِتُهْمَةِ التَّأْخِيرِ، وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، نَعَمْ لَوْ كَانَ بِبِلَادِ الرُّومِ أَوْ الْفُرْسِ فَيَنْبَغِي قَبُولُ قَوْلِهِ. قَالَ: وَلَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ شُهُورٍ أَوْ الشُّهُورِ فَبِمُضِيِّ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْقَاضِي، وَبِمُضِيِّ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عِنْدَ الْجِيلِيِّ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْجِيلِيِّ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِمُضِيِّ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوْ السَّاعَاتِ فَبِمُضِيِّ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً؛ لِأَنَّهَا جُمْلَةُ سَاعَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اهـ. وَكَلَامُ الْجِيلِيِّ أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ التَّعْلِيقِ هَلْ تَمَّ الْعَدَدُ أَوْ لَا عَمِلَ بِالْيَقِينِ وَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ، حَالَ التَّرَدُّدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مُضِيِّ الْعَدَدِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمُسْتَحِيلٍ عُرْفًا كَصُعُودِ السَّمَاءِ وَالطَّيَرَانِ وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى إذَا أَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُرَادَ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49] أَوْ عَقْلًا كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى عَلَى الجزء: 4 ¦ الصفحة: 506 أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ لَغْوٌ أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ، وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت فِي نِكَاحٍ آخَرَ، فَإِنْ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ شَرْعًا كَنَسْخِ رَمَضَانَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْ الطَّلَاقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ، وَالْيَمِينُ فِيمَا ذُكِرَ مُنْعَقِدَةٌ حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا الْمُعَلَّقُ عَلَى الْحَلِفِ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالُوا فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ انْعِقَادِهَا ثَمَّ لَيْسَ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسْتَحِيلِ، بَلْ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَهُوَ مَيِّتٌ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِمُسْتَحِيلٍ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْبِرِّ يَهْتِكُ حُرْمَةَ الِاسْمِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ. (أَوْ) قَالَ (أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ) أَوْ الشَّهْرَ الْمَاضِي أَوْ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ (وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ) عَلَى الصَّحِيحِ وَلَغَا قَصْدُ الِاسْتِنَادِ إلَى أَمْسِ لِاسْتِحَالَتِهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَصَدَ إيقَاعَهُ أَمْسِ، أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ شَيْئًا أَوْ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ خَرَسٍ وَلَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةٌ، لَكِنْ فِي صُورَةِ قَصْدِ إيقَاعِهِ أَمْسِ يَقَعُ فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ (وَقِيلَ: لَغْوٌ) لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ طَلَاقًا مُسْتَنِدًا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِنَادُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ (أَوْ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إنْشَاءَ طَلَاقٍ لَا حَالًّا وَلَا مَاضِيًا بَلْ (قَصَدَ) الْإِخْبَارَ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ (أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ) فِي هَذَا النِّكَاحِ (وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ) مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْإِضَافَةِ إلَى أَمْسِ وَتُحْسَبُ عِدَّتُهَا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ إنْ صَدَّقَتْهُ وَإِلَّا بِأَنْ كَذَّبَتْهُ، أَوْ قَالَتْ: لَا عِلْمَ لِي كَمَا فِي الْكَافِي حِينَ الْإِقْرَارِ (أَوْ) قَصَدَ بِمَا (قَالَ: طَلَّقْت) هَذِهِ (فِي نِكَاحٍ آخَرَ) غَيْرِ نِكَاحِي هَذَا وَبَانَتْ مِنِّي ثُمَّ جَدَّدْت نِكَاحَهَا أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجٌ آخَرُ فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ (فَإِنْ عُرِفَ) نِكَاحٌ سَابِقٌ وَطَلَاقٌ فِيهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي إرَادَةِ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ، نَعَمْ إنْ صَدَّقَتْهُ فِيهَا فَلَا يَمِينَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا ذِكْرٌ (فَلَا) يُصَدَّقُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِبُعْدِ دَعْوَاهُ. تَنْبِيهٌ: نُقِلَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْإِمَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِيمَا قَالَهُ بِاحْتِمَالِهِ، وَاقْتَصَرَ فِي الْكَبِيرِ عَلَى بَحْثِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ إلَيْهِ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَا فِي الْكِتَابِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّوَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: طَلُقَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إرَادَةٌ، وَلَوْ قَالَ نَهَارًا: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَمْسِ، أَوْ أَمْسِ غَدٍ بِالْإِضَافَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ غَدَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 507 وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ: مَنْ   [مغني المحتاج] أَمْسِ، وَأَمْسِ غَدٍ هُوَ الْيَوْمُ، فَإِنْ قَالَهُ لَيْلًا وَقَعَ غَدًا فِي الْأُولَى وَحَالًا فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ غَدًا أَوْ غَدًا أَمْسِ بِغَيْرِ إضَافَةٍ لَغَا ذِكْرُ أَمْسِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْغَدِ وَبِأَمْسِ، وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوعُ فِيهِمَا وَلَا الْوُقُوعُ فِي أَمْسِ فَيَتَعَيَّنُ الْوُقُوعُ فِي الْغَدِ لِإِمْكَانِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا وَقَعَ طَلْقَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْيَوْمَ طَالِقٌ غَدًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ نِصْفَهَا الْيَوْمَ وَنِصْفَهَا الْآخَرَ غَدًا وَقَعَ أَيْضًا طَلْقَةً فَقَطْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَا أَخَّرَهُ تَعَجَّلَ، فَإِنْ أَرَادَ نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ غَدًا وَقَعَ طَلْقَتَانِ إلَّا أَنْ تَبِينَ بِالْأُولَى، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا الْيَوْمَ طَلُقَتْ طَلْقَةً غَدًا فَقَطْ، وَلَا تَطْلُقُ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَلَّقَ بِالْغَدِ، وَذِكْرُهُ الْيَوْمَ بَعْدَهُ لِتَعْجِيلِ الطَّلَاقِ بِالْمُعَلَّقِ وَهُوَ لَا يَتَعَجَّلُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَفِي النَّهَارِ وَقَعَ فِي كُلٍّ طَلْقَتَانِ فِي الْأُولَى فِي الْيَوْمَيْنِ وَطَلْقَتَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً بِاللَّيْلِ وَأُخْرَى بِالنَّهَارِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الظَّرْفِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ الدَّلِيلُ بِوَاضِحٍ فَقَدْ يَتَّحِدُ الْمَظْرُوفُ وَيَخْتَلِفُ الظَّرْفُ اهـ. وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي كُلٍّ طَلْقَةٌ فَقَطْ لِعَدَمِ إعَادَةِ الْعَامِلِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا طَلُقَتْ فِي الْغَدِ فَقَطْ لِمَا ذُكِرَ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى طَلْقَةً تَقَعُ فِي يَوْمٍ لَا فِي تَالِيهِ وَهَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَفَاضِلَةٍ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ الْغَدُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ السَّاعَةَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِوُجُودِهَا فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ مَضَى الْوَقْتُ الَّذِي جَعَلَهُ مَحَلًّا لِلْإِيقَاعِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ فِي حَيَاتِي طَلُقَتْ فِي الْحَالِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَإِنْ ضَمَّ الْقَافَ وَفَتَحَ الْبَاءَ مِنْ قُبَلَ، أَوْ قَالَ قُبَيْلَ بِالتَّصْغِيرِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مَا ذُكِرَ مِنْ فَتْحِ بَاءِ قُبَلَ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ قَبْلِ مَوْتِي طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَبْلِ مَوْتِهِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَا بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا بَعْدَهُ الشَّهْرُ طَلُقَتْ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ فَقُبَيْلَ فَجْرِ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ كَانَ تَامًّا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَوْمَ بِلَيْلَتِهِ فَقُبَيْلَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ إنْ كَانَ تَامًّا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَمَا قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَأَرَادَ بِمَا قَبْلَهُ الشَّهْرَ طَلُقَتْ بِمُسْتَهَلِّ ذِي الْقَعْدَةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْيَوْمَ بِاللَّيْلَةِ بَعْدَهُ فَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ اللَّيْلَةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ أَوَّلِ شَوَّالٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِالطَّلَاقِ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ طَلُقَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ أَنَّهَا تَطْلُقُ أَوَّلَ آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ أَوْ بِأَفْضَلَ الْأَيَّامِ طَلُقَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ بِأَفْضَلِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ طَلُقَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوْ بِأَفْضَلِ الشُّهُورِ طَلُقَتْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَانُ» . ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا. فَقَالَ (وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ) وَذَكَرَ مِنْهَا سَبْعَةً وَهِيَ (مَنْ) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 508 كَمَنْ دَخَلَتْ، وَإِنْ وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا وَكُلَّمَا وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت، وَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا إنْ عُلِّقَ بِإِثْبَاتٍ فِي غَيْرِ خُلْعٍ إلَّا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَلَا تَكْرَارًا إلَّا كُلَّمَا، وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ عَلَّقَ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ،   [مغني المحتاج] بِفَتْحِ الْمِيمِ (كَمَنْ دَخَلَتْ) مِنْ نِسَائِي الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ (وَإِنْ) وَهِيَ أُمُّ الْبَابِ وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَإِذَا وَمَتَى وَمَتَى مَا) بِزِيَادَةِ مَا (وَكُلَّمَا) دَخَلَتْ الدَّارَ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَائِي فَهِيَ طَالِقٌ (وَأَيُّ كَأَيِّ وَقْتٍ دَخَلْت) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَيُضَافُ لِهَذِهِ السَّبْعَةَ عَشَرَ أَدَوَاتٌ أُخْرَى، وَهِيَ إذْمَا عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ وَمَهْمَا وَهِيَ بِمَعْنَى مَا وَمَا الشَّرْطِيَّةُ وَإِذْمَا وَأَيَّامَا كَلِمَةً وَأَيَّانَ وَهِيَ كَمَتَى فِي تَعْمِيمِ الْأَزْمَانِ، وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا لِتَعْمِيمِ الْأَمْكِنَةِ، وَكَيْفَمَا لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْأَحْوَالِ. تَنْبِيهٌ: فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَكُونُ بِلَا فِي بَلَدٍ عَمَّ الْعُرْفُ فِيهَا كَقَوْلِ أَهْلِ بَغْدَاد: أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ، وَيَكُونُ التَّعْلِيقُ أَيْضًا بَلْو كَأَنْتِ طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَ) هَذِهِ الْأَدَوَاتُ (لَا يَقْتَضِينَ) بِالْوَضْعِ (فَوْرًا) فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَا تَرَاخِيًا (إنْ عُلِّقَ بِإِثْبَاتٍ) أَيْ بِمُثْبَتٍ كَالدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ (فِي غَيْرِ خُلْعٍ) أَمَّا فِيهِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْفَوْرِيَّةَ فِي بَعْضِ صِيَغِهِ كَإِنْ وَإِذَا: كَإِنْ ضَمِنْت، أَوْ إذَا ضَمِنْت لِي مَالًا فَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُلْعِ، بِخِلَافِ مَتَى وَمَتَى مَا وَأَيْ فَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا، وَلَيْسَ اقْتِضَاءُ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الصِّيغَةِ بَلْ إنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْإِيجَابِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ اقْتِضَاءِ الْأَدَوَاتِ الْفَوْرِيَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إلَّا) فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ نَحْوُ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ) أَوْ إذَا (شِئْت) فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْفَوْرُ فِي الْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ مَتَى شِئْت، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَّقَ بِإِثْبَاتٍ عَمَّا إذَا عَلَّقَ بِنَفْيٍ وَسَيَذْكُرُهُ (وَ) الْأَدَوَاتُ الْمَذْكُورَةُ (لَا) تَقْتَضِي أَيْضًا بِالْوَضْعِ (تَكْرَارًا) فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بَلْ إذَا وُجِدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي غَيْرِ نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُهَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ إنْ تَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهَا وَكَذَا أَسْمَاءُ الشُّرُوطِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ قَيَّدَ بِالْأَبَدِ كَقَوْلِهِ: خَرَجْت أَبَدَ الْآبِدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَقَالَ: لَمْ يَلْزَمْهُ التَّكْرَارُ أَيْضًا، بَلْ مَعْنَاهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ (إلَّا) فِي (كُلَّمَا) فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِهَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَسَيَأْتِي التَّعْلِيقُ بِالنَّفْيِ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى قَاعِدَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ جَزْمًا كَالتَّنْجِيزِ وَإِيقَاعٌ فِي الْأَصَحِّ (وَ) ذَلِكَ كَمَا (لَوْ قَالَ) . لِمَدْخُولٍ بِهَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ، وَلَوْ ذُكِرَ التَّقْيِيدُ هُنَا لِيُفْهَمَ مِنْهُ التَّقْيِيدُ فِي الْآتِي لَكَانَ أَوْلَى (إذَا طَلَّقْتُك) أَوْ أَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقِي، أَوْ وَقَعَ مِنْ بَابِ أَوْلَى (فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ) بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ (طَلَّقَ) أَيْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا بِنَفْسِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مَجَّانًا بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ مَعَ نِيَّةٍ. (أَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِصِفَةٍ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ) وَاحِدَةٌ بِتَطْلِيقِهَا مُنَجِّزًا أَوْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 509 أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي فَطَلَّقَ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ وَفِي غَيْرِهَا، طَلْقَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ إنْ طَلَّقْت وَاحِدَةً فَعَبْدٌ حُرٌّ، وَإِنْ ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ، وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَإِنْ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةً،   [مغني المحتاج] التَّعْلِيقِ بِصِفَةٍ وُجِدَتْ وَأُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهَا تَصِيرُ مُطَلَّقَةً بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ لِاحْتِمَالِ مَا قَالَهُ، فَإِنْ وَكَّلَ فِي طَلَاقِهَا فَطَلَّقَ وَكِيلُهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِطَلْقَةِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا هُوَ، وَإِنْ خَالَعَهَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: مَلَّكْتُك طَلَاقَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَهَلْ هُوَ كَطَلَاقِ الْوَكِيلِ فَلَا يَقَعُ إلَّا طَلْقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ كَطَلَاقِ نَفْسِهِ فَيَقَعُ الطَّلْقَةُ الْمُعَلَّقَةُ أَيْضًا، رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الثَّانِي. وَاسْتُشْكِلَ بِالتَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَهْلِيَّتُهُ لِمَا وُكِّلَ فِيهِ فَكَانَ مُسْتَقِلًّا، وَالْمَرْأَةُ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهَا فَكَانَ الْمُفَوِّضُ هُوَ الْمُطَلِّقَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ عَلَّقَ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا أَوَّلًا بِصِفَةٍ ثُمَّ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الصِّفَةِ وُقُوعٌ لَا تَطْلِيقٌ وَلَا إيقَاعٌ، وَالتَّعْلِيقُ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ وَإِيقَاعٌ. أَمَّا مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ فَلَيْسَ بِتَطْلِيقٍ وَلَا إيقَاعٍ وَلَا وُقُوعٍ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّعْلِيقِ بِالْوُقُوعِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ وُقُوعٌ لَا إيقَاعٌ كَمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ (أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ) عَلَيْك (طَلَاقِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَطَلَّقَ) بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ طَلْقَةً (فَثَلَاثٌ) تَقَعُ (فِي مَمْسُوسَةٍ) وَمُسْتَدْخِلَةٍ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ حِينَ وُجُودِ الصِّفَةِ لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ وَاحِدَةٌ بِالتَّنْجِيزِ وَثِنْتَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِكُلَّمَا وَاحِدَةٌ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَأُخْرَى بِوُقُوعِ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ (طَلْقَةٌ) لِأَنَّهَا تَبِينُ بِالْمُنَجَّزَةِ فَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ بَعْدَهَا. تَنْبِيهٌ: خَرَجَ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا وَقَعَ مَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَلَّقَ فَثِنْتَانِ فَقَطْ، الْمُنَجَّزَةُ، وَأُخْرَى بِحُصُولِ التَّعْلِيقِ الْمُعَلَّقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالْوُقُوعِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ لِلزَّوْجِ وَالثَّانِيَ لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ حُكْمًا ثَابِتًا بِالشَّرْعِ. (وَلَوْ) عَلَّقَ بِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَأَنْ (قَالَ) مَنْ لَهُ عَبِيدٌ (وَتَحْتَهُ) نِسْوَةٌ (أَرْبَعٌ: إنْ) أَوْ مَتَى أَوْ مَهْمَا أَوْ إذَا (طَلَّقْت وَاحِدَةً) مِنْهُنَّ (فَعَبْدٌ) مِنْهُمْ (حُرٌّ، وَإِنْ) طَلَّقْت (ثِنْتَيْنِ) مِنْهُنَّ (فَعَبْدَانِ) مِنْهُمْ حُرَّانِ (وَإِنْ) طَلَّقْت (ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ (فَثَلَاثَةٌ) مِنْهُمْ أَحْرَارٌ (وَإِنْ) طَلَّقْت (أَرْبَعًا) مِنْهُنَّ (فَأَرْبَعَةٌ) مِنْهُمْ أَحْرَارٌ (فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةٌ) مِنْهُمْ مُبْهَمَةٌ وَعَلَيْهِ تَعْيِينُهُمْ؛ لِأَنَّهُ بِطَلَاقِ الْأُولَى يَعْتِقُ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ، وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ، وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ عَشَرَةٌ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ تَقْرِيرُهُ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَنَّهُ قَيْدٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ عَطَفَ الزَّوْجُ بِثُمَّ لَمْ يَضُمَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 510 وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي وَقَعَ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الدُّخُولِ،   [مغني المحتاج] الْأَوَّلَ لِلثَّانِي لِلْفَصْلِ بِثُمَّ فَلَا يَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ بَعْدَ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَلَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَرْبَعًا، وَيَعْتِقُ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ اثْنَانِ، فَمَجْمُوعِ الْعُتَقَاءِ ثَلَاثَةٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ. ثُمَّ قَالَ: وَيُتَّجَهُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ كَثُمَّ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا قَالَهُ فِيهِمَا يَأْتِي فِي طَلَاقِهِنَّ مُرَتَّبًا، فَلَوْ طَلَّقَهُنَّ مَعًا عَتَقَ عَبْدٌ وَاحِدٌ (وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا) كَقَوْلِ مَنْ لَهُ عَبِيدٌ وَتَحْتَهُ نِسْوَةٌ: كُلَّمَا طَلَّقْت وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِي الْأَرْبَعِ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ التَّعْلِيقَاتِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ طَلَّقَ النِّسْوَةَ الْأَرْبَعَ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا (فَخَمْسَةَ عَشَرَ) عَبْدًا يَعْتِقُونَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ، وَالْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا عُدَّ مَرَّةً بِاعْتِبَارٍ لَا يُعَدُّ أُخْرَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، فَمَا عُدَّ فِي يَمِينِ الثَّانِيَةِ ثَانِيَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا أُخْرَى ثَانِيَةً، وَمَا عُدَّ فِي يَمِينِ الثَّالِثَةِ ثَالِثَةً لَا يُعَدُّ بَعْدَهَا ثَالِثَةً فَيَعْتِقُ وَاحِدٌ بِطَلَاقِ الْأُولَى وَثَلَاثَةٌ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ وَطَلَاقُ ثِنْتَيْنِ، وَأَرْبَعَةٌ بِطَلَاقِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ، وَطَلَاقُ ثَلَاثٍ وَسَبْعَةٍ بِطَلَاقِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ طَلَاقُ وَاحِدَةٍ، وَطَلَاقُ اثْنَتَيْنِ غَيْرِ الْأُولَيَيْنِ، وَطَلَاقُ أَرْبَعَةٍ فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ شِئْت قُلْت: إنَّمَا عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ آحَادٍ وَاثْنَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً. وَالثَّانِي يُعْتِقُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ الثَّالِثَةِ وَرَاءَ الصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صِفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ طَلَاقُ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى فَيَعْتِقُ عَبْدَانِ آخَرَانِ. وَالثَّالِثُ: يَعْتِقُ عِشْرُونَ؛ سَبْعَةَ عَشَرَ لِمَا ذُكِرَ وَثَلَاثَةٌ لِأَنَّ فِي طَلَاقِ الرَّابِعَةِ صِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، وَهِيَ طَلَاقُ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْأُولَى. وَالرَّابِعُ يَعْتِقُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَسَوَاءٌ أَتَى بِكُلَّمَا فِي التَّعْلِيقَاتِ كُلِّهَا أَمْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، أَمْ فِي الْأُولَيَيْنِ، إذْ لَا تَكْرَارَ فِي الْأَخِيرَيْنِ، وَإِنَّمَا صَوَّرَهَا الْأَصْحَابُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْكُلِّ لِيَتَأَتَّى مَجِيءُ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا الَّتِي مِنْهَا أَنَّهُ يَعْتِقُ عِشْرُونَ. لَكِنْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، لَوْ أَتَى بِهَا فِي الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَخِيرَيْنِ عَتَقَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، أَوْ فِي الثَّانِي وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَخِيرَيْنِ فَاثْنَا عَشَرَ. تَنْبِيهٌ: تَعْيِينُ الْعَبِيدِ الْمَحْكُومِ بِعِتْقِهِمْ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَطْلَقُوا ذَلِكَ وَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ مَا يُعْتِقُ بِالْوَاحِدَةِ وَبِالثِّنْتَيْنِ وَبِالثَّلَاثِ وَبِالْأَرْبَعِ فَإِنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَكْسَابِ إذَا طَلَّقَ مُرَتِّبًا لَا سِيَّمَا مَعَ التَّبَاعُدِ وَكَأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: كُلَّمَا صَلَّيْت رَكْعَةً فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَهَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ فَصَلَّى عَشْرًا عَتَقَ سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ عَبْدًا، وَإِنْ عَلَّقَ بِإِنْ وَنَحْوِهَا فَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ، وَجَمِيعُ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ بِالنَّفْيِ مُقْتَضِيَةٌ لِلْفَوْرِ إلَّا فِي كَلِمَةِ إنْ فَلِلتَّرَاخِي كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ. (وَلَوْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِنَفْيِ فِعْلٍ) كَدُخُولٍ، أَوْ نَفْيِ تَطْلِيقٍ، أَوْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ الدُّخُولِ) لِلدَّارِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمُوتَ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 511 أَوْ بِغَيْرِهَا فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ   [مغني المحتاج] أَحَدُهُمَا، أَوْ يُجَنَّ الزَّوْجُ جُنُونًا مُتَّصِلَا بِمَوْتِهِ فَيَقَعَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ الْجُنُونِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ بِمُجَرَّدِ جُنُونِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِفَاقَةِ وَالتَّطْلِيقِ بَعْدَهَا، وَكَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْخَرَسِ الَّذِي لَا كِنَايَةَ لِصَاحِبِهِ وَلَا إشَارَةَ مُفْهِمَةٌ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالتَّعْبِيرُ بِقُبَيْلَ غَيْرُ مُحَرَّرٍ، وَالصَّوَابُ وُقُوعُهُ إذَا بَقِيَ مَا لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، فَإِنْ فَسَخَ النِّكَاحَ أَوْ انْفَسَخَ أَوْ طَلَّقَهَا وَكِيلُهُ وَمَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ أَوْ الرَّجْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْ تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ رَجْعِيًّا، إذْ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالِانْفِسَاخِ إنْ لَمْ يُجَدَّدْ وَعَدَمِ عَوْدِ الْحِنْثِ إنْ جُدِّدَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فَتَعَيَّنَ وُقُوعُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَقَعْ قُبَيْلَ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَمْنَعُ الِانْفِسَاخَ فَيَقَعُ الدَّوْرُ، إذْ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ الِانْفِسَاخُ فَلَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، أَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ غَيْرِ التَّطْلِيقِ كَالضَّرْبِ فَضَرَبَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْبِرَّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِوُجُودِ الصِّفَةِ حَالَ الْبَيْنُونَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ضَرْبَ الْمَجْنُونِ فِي تَحَقُّقِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَضَرْبِ الْعَاقِلِ، وَالضَّرْبُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ حِينَئِذٍ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَإِنْ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّهُ يَقَعُ قُبَيْلَ الْبَيْنُونَةِ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِغَيْرِهَا) أَيْ إنْ كَإِذَا (فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ) الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ التَّعْلِيقِ وَلَمْ يَفْعَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي صُورَتَيْ إنْ وَإِذَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ إنْ حَرْفُ شَرْطٍ لَا إشْعَارَ لَهَا بِالزَّمَانِ، وَإِذَا ظَرْفُ زَمَانٍ كَمَتَى فِي التَّنَاوُلِ لِلْأَوْقَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ: مَتَى أَلْقَاك صَحَّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ نَحْوَهُمَا، وَلَا يَصِحُّ إنْ شِئْت، فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ إنْ فَاتَنِي تَطْلِيقُك وَفَوَاتُهُ بِالْيَأْسِ، وَقَوْلُهُ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك مَعْنَاهُ أَيْ وَقْتٌ فَاتَنِي فِيهِ التَّطْلِيقُ وَفَوَاتُهُ بِمُضِيِّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ التَّطْلِيقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَوْلَانِ بِتَخْرِيجِ قَوْلٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْأُخْرَى. أَمَّا غَيْرُ إنْ وَإِذَا مِنْ الْأَدَوَاتِ كَمَتَى وَمَتَى مَا فَلِلْفَوْرِ قَطْعًا كَمَا يُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِإِذَا مَعْنَى إنْ قُبِلَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ، وَإِنْ أَرَادَ بِإِنْ مَعْنَى إذَا قُبِلَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِغَيْرِ إنْ وَقْتًا مُعَيَّنًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا دِينَ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ إنَّهُ إذَا أَرَادَ بِإِذَا مَعْنَى إنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ثُمَّ أَرَادَ بِلَفْظِ مَعْنَى لَفْظَ آخَرَ بَيْنَهُمَا اجْتِمَاعٌ فِي الشَّرْطِيَّةِ بِخِلَافِهِ هُنَا. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ لِحُصُولِ الْيَأْسِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ قَالَ: إنْ تَرَكْت طَلَاقَك أَوْ إنْ سَكَتُّ عَنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْحَالِ طَلُقَتْ لِوُجُودِ، الصِّفَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَاهُمَا، فَقَالَ: إنْ لَمْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 512 وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ. قُلْت: إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] أَتْرُكْ طَلَاقَك أَوْ إنْ لَمْ أَسْكُتْ عَنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ طَلَّقَ فَوْرًا وَاحِدَةً ثُمَّ سَكَتَ انْحَلَّتْ يَمِينُ التَّرْكِ فَلَا يَقَعُ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ طَلَاقَهَا، وَلَا تَنْحَلُّ يَمِينُ السُّكُوتِ فَتَقَعُ أُخْرَى لِسُكُوتِهِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ عَلَّقَ فِي الْأُولَى عَلَى التَّرْكِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى السُّكُوتِ وَقَدْ وُجِدَ، إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ سَكَتَ عَنْ طَلَاقِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ أَوَّلًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: تَرَكَ طَلَاقَهَا إذَا لَمْ يَتْرُكْهُ أَوَّلًا، وَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ بِصِيغَةِ كُلَّمَا فَمَضَى قَدْرُ مَا يَسَعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ بِلَا تَطْلِيقٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالْأُولَى، وَإِلَّا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَحِينَ أَوْ حَيْثُ أَوْ مَهْمَا أَوْ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك كَقَوْلِهِ: إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فِيمَا مَرَّ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت) الدَّارَ (أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي) بِفَتْحِ هَمْزَةِ (أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ) دَخَلَتْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَفْتُوحَةَ لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَأَنْ دَخَلْت، وَحَذْفُ اللَّامِ مَعَ أَنْ كَثِيرٌ، قَالَ تَعَالَى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لِلتَّعْلِيلِ فِي غَيْرِ التَّوْقِيتِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَلَا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ 78 دَخَلَتْ السُّنَّةُ أَوْ الْبِدْعَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ لَأَنْ جَاءَتْ، وَاللَّامُ فِي مِثْلِهِ لِلتَّوْقِيتِ: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ، وَهَذَا مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ سَكَتُوا عَنْهُ اهـ. . وَمَا قَالَهُ فِي لَأَنْ جَاءَتْ مَمْنُوعٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَئِنْ سَلِمَ فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا ذَلِكَ فِي إنْ جَاءَتْ. فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَيْسَ فِي قُوَّةِ الْمَلْفُوظِ مُطْلَقًا (قُلْت: إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تُوجَدَ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لَهُ، وَهُوَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَدَوَاتِ، وَالثَّانِي يَقَعُ حَالًا؛ لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَا يُغَيَّرُ بِلَا قَصْدٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إذْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ إذْ وَإِذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ إنْ وَأَنْ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الشِّيرَازِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ، أَوْ إذْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ فِي الثَّالِثِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ وَبَيْنَ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ فِيهِمَا كَمَا قِيلَ بِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ حَمْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى التَّعْلِيقِ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ أَصْلًا، بِخِلَافِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَيْضًا الْمَشِيئَةُ لَا يُغَلَّبُ فِيهَا التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ تَنْصَرِفُ لِلتَّعْلِيلِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُغَلَّبُ فِيهِ التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ نَحْوِيٌّ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ طَلَّقْتُك بِالْفَتْحِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَتَيْنِ: إحْدَاهَا بِإِقْرَارِهِ وَالْأُخْرَى بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنِّي طَلَّقْتُك، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَتَطْلُقُ حِينَئِذٍ طَلْقَتَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، هَذَا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالطَّلْقَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَإِلَّا فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 513 فَصْلٌ عَلَّقَ بِحَمْلٍ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ، وَإِلَّا فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بِهِ فَلَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ.   [مغني المحتاج] كَأَصْلِهَا هُنَا فِي اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَإِنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَأَخَّرَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا فَلَا تَطْلُقُ فِي هَذَا الْمِثَالِ حَتَّى يَتَقَدَّمَ شُرْبُهَا عَلَى أَكْلِهَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَيْدٌ فِي الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِتَقَدُّمِهِ عَدَمُ تَأْخِيرِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ التَّدْبِيرِ. [فَصْلٌ فِي تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْحَمْلِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِمَا] ، إذَا (عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِحَمْلٍ) كَقَوْلِهِ: إنْ كُنْتِ حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَإِنْ كَانَ) بِهَا (حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ) الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِظُهُورِ الْحَمْلِ أَنْ تَدَّعِيَهُ الزَّوْجَةُ وَيُصَدِّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يَشْهَدَ بِهِ رَجُلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ لَا بِقَوْلِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدْنَ بِوِلَادَةِ امْرَأَةٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ بِقَوْلِهِنَّ: نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ لَمْ يَقَعْ حَالًا وَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ (فَإِنْ وَلَدَتْ) وَلَدًا كَامِلًا (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ) حِينِ (التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ) حِينَئِذٍ لِوُجُودِ الْحَمْلِ حِينَ التَّعْلِيقِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ كَامِلًا لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا أَلْقَتْ لِدُونِهَا عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً يُمْكِنُ حُدُوثُهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (أَوْ) وَلَدَتْ (لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ) مِنْ التَّعْلِيقِ (أَوْ بَيْنَهُمَا) أَيْ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْأَرْبَعِ سِنِينَ (وَوُطِئَتْ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ (وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ) أَيْ الْحَمْلِ (بِهِ) أَيْ الْوَطْءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ (فَلَا) يَقَعُ بِالتَّعْلِيقِ طَلَاقٌ لِلْعِلْمِ بِعَدَمِ وُجُودِهِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلِجَوَازِ حُدُوثِهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْوَطْءِ اسْتِصْحَابُ أَصْلِ دَوَامِ النِّكَاحِ. وَلَا فَرْقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَطَأَ أَمْ لَا، وَالتَّمَتُّعُ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فِيهِمَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ، وَلَكِنْ يُسَنُّ لَهُ اجْتِنَابُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا احْتِيَاطًا، فَلَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَانَتْ حَامِلًا كَانَ شُبْهَةً، وَالِاسْتِبْرَاءُ هُنَا كَمَا فِي الْأَمَةِ، فَيَكُونُ بِحَيْضَةٍ أَوْ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ: التَّعْلِيقُ كَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ حَالِهَا فِي الْحَمْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُوطَأْ أَصْلًا بَعْدَ التَّعْلِيقِ أَوْ وُطِئَتْ بَعْدَهُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًا وَلَمْ يُمْكِنْ حُدُوثُ حَمْلٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَضْعِ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ) لِتَبَيُّنِ الْحَمْلِ ظَاهِرًا، وَلِهَذَا حُكِمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالثَّانِي: لَا يَقَعُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْحَمْلِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِاسْتِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ وَلَكِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: يَقَعُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْتِ حَامِلًا أَوْ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ مِمَّنْ تَحْبَلُ حَرُمَ وَطْؤُهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 514 وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَقَعَ ثَلَاثٌ. أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك ذَكَرًا فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَوْ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ   [مغني المحتاج] قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ فِي النِّسَاءِ الْحِيَالُ، وَالْفَرَاغُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فَتَحْسِبُ الْحَيْضَةَ أَوْ الشَّهْرَ مِنْ الْعِدَّةِ الَّتِي وَجَبَتْ بِالطَّلَاقِ فَتُتِمُّهَا، وَلَا يُحْسَبُ مِنْهَا الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى مُوجِبِهَا، فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَوْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ لَمْ تَطْلُقْ إنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ وَلَمْ تُوطَأْ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا كَانَتْ، حَامِلًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ، لَا إنْ وُطِئَتْ وَطْئًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حِيَالُهَا حِينَئِذٍ وَحُدُوثُ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا إنْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ مِنْ التَّعْلِيقِ لِتَحَقُّقِ الْحِيَالِ عِنْدَهُ، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُ لَزِمَهُ الْمَهْرُ لَا الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ تَحْبَلُ، كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ أَحْبَلْتك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالتَّعْلِيقُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْحَمْلِ، فَلَوْ كَانَتْ، حَامِلًا لَمْ تَطْلُقْ بَلْ يَتَوَقَّفْ طَلَاقُهَا عَلَى حَمْلٍ حَادِثٍ، فَإِنْ وَضَعَتْ أَوْ كَانَتْ، حَائِلًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْوَطْءِ، وَكُلَّمَا وَطِئَ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا. فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَلْ يُسَنُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَهَذَا فِيمَا بَعْدَهُ. (وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت حَامِلًا بِذَكَرٍ) أَوْ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ (فَطَلْقَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَقَعَ ثَلَاثٌ) لِتَحَقُّقِ الصِّفَتَيْنِ وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ وَتُوقَفُ الثَّانِيَةُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْوِلَادَةِ وَيَكُونُ الْوُقُوعُ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى وَخُنْثَى فَطَلْقَتَانِ وَتُوقَفُ الثَّالِثَةُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُ الْخُنْثَى وَتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ اللَّفْظِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ الْحَمْلُ حِينَ الْحَلِفِ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ كَوْنِ الْحَمْلِ إذْ ذَاكَ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَإِنْ تُخُيِّلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي قَوْلِهِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] : فَالْيَمِينُ لَا يَنْزِلُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ حِينِ وُقُوعِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ وَبِالتَّخْطِيطِ ظَهَرَ ذَلِكَ اهـ. وَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ تَعْلِيقَيْنِ. (أَوْ) قَالَ (إنْ كَانَ حَمْلُك) أَوْ مَا فِي بَطْنِك (ذَكَرًا فَطَلْقَةً) أَيْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً (أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ كَوْنُ جَمِيعِ الْحَمْلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَكَذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى فَيَقَعُ بِالذَّكَرِ طَلْقَةٌ وَبِالْأُنْثَى طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ كَانَ حَمْلُك أَوْ مَا فِي بَطْنِك مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَذَكَرًا وُقِفَ الْحُكْمُ فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَوَاحِدَةً أَوْ أُنْثَى لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ خُنْثَى وَأُنْثَى وُقِفَ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ بَانَ الْخُنْثَى أُنْثَى فَطَلْقَتَانِ أَوْ ذَكَرًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ (أَوْ) قَالَ. (إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) طَلُقَتْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 515 فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي. وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا، وَكَذَا الْأُولَى إنْ   [مغني المحتاج] بِانْفِصَالِ مَا تَمَّ تَصْوِيرُهُ وَلَوْ مَيِّتًا وَسَقْطًا، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتِمَّ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ لَمْ يُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ لَمْ تُوجَدْ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالْوِلَادَةِ (فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ) مِنْهُمَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي) إنْ لَحِقَ الزَّوْجُ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ حَمْلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ وَضْعِهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمْ مِنْ حَمْلٍ آخَرَ بِأَنْ وَطِئَهَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْأَوَّلِ وَأَتَتْ بِالثَّانِي لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ، وَخَرَجَ بِمُرَتَّبًا مَا لَوْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا فَإِنَّهَا وَإِنْ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مِنْ وَضْعِهِمَا. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَطَلْقَةٌ أَوْ أُنْثَى فَثِنْتَانِ فَوَلَدَتْهُمَا مَعًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ فَوَاحِدَةً، أَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَثَلَاثٌ أَوْ خُنْثَى فَوَاحِدَةً، فَإِنْ اتَّضَحَ حُكِمَ بِمُقْتَضَاهُ. (وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَلَدْت) وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ) مُرَتَّبًا (وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ) لِاقْتِضَاءِ كُلَّمَا التَّكْرَارَ (وَانْقَضَتْ) عِدَّتُهَا (بِالثَّالِثِ) لِتَبَيُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ (وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ، إذْ بِهِ يَتِمُّ انْفِصَالُ الْحَمْلِ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَلَا يُقَارِنُهُ طَلَاقٌ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ مَوْتِي لَمْ يَقَعْ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِهَاءِ النِّكَاحِ أَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَلَّقَ لَمْ يَقَعْ أُخْرَى لِمُصَادَفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ، وَالثَّانِي: يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَالِثَةٌ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِالْأَقْرَاءِ. أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُمْ مَعًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى وَلَدًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، فَإِنْ وَلَدَتْ أَرْبَعًا مُرَتَّبًا وَقَعَ ثَلَاثٌ بِوِلَادَةِ ثَلَاثٍ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالرَّابِعِ، أَوْ وَلَدَتْ اثْنَيْنِ وَقَعَ طَلْقَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالثَّانِي وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَانِيَةً لِمَا مَرَّ. (وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ) حَوَامِلَ مِنْهُ (كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْكُنَّ أَوْ أَيَّتُكُنَّ وَلَدَتْ (فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ) أَيْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَ صَوَاحِبَ فَيَقَعُ بِوِلَادَتِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَةٌ، وَلَا يَقَعُ بِهَا نَفْسِهَا شَيْءٌ وَعِدَّتُهُنَّ جَمِيعًا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَصَوَاحِبُ جَمْعُ صَاحِبَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعُ ضَارِبَةٍ. تَنْبِيهٌ: تَصْوِيرُهُ بِكُلَّمَا تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَالرَّوْضَةَ، وَهُوَ يُوهِمُ اشْتِرَاطَ أَدَاةِ التَّكْرَارِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ بِإِنْ كَذَلِكَ، فَلَوْ مَثَّلَ بِهَا كَانَ أَحْسَنَ، وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا الثَّانِي دَافِعٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ طَلَاقِ الْمَجْمُوعِ ثَلَاثًا (أَوْ) وَلَدْنَ (مُرَتَّبًا) بِحَيْثُ لَا تَنْقَضِي عِدَّةُ وَاحِدَةٍ بِأَقْرَائِهَا قَبْلَ وِلَادَةِ الْأُخْرَى (طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا) بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْ صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا وَانْقَضَتْ بِوِلَادَتِهَا (وَكَذَا الْأُولَى) تَطْلُقُ أَيْضًا ثَلَاثًا بِوِلَادَةِ كُلٍّ مِنْ صَوَاحِبِهَا الثَّلَاثِ طَلْقَةً (إنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 516 بَقِيَتْ عِدَّتُهَا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا، وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى، وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقِيلَ طَلْقَةً، وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ،   [مغني المحتاج] بَقِيَتْ عِدَّتُهَا) عِنْدَ وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرَ وَلَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً لِلطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، بَلْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا (وَ) طَلُقَتْ (الثَّانِيَةُ طَلْقَةً) بِوِلَادَةِ الْأُولَى (وَ) طَلُقَتْ (الثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ) بِوِلَادَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا) فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا طَلَاقٌ بِوِلَادَةِ مَنْ بَعْدَهُمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ وَضْعُ ثَانِي تَوْأَمَيْهِمَا إلَى وِلَادَةِ الرَّابِعَةِ وَلَا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا (وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى) أَصْلًا (وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً) بِوِلَادَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُنَّ صَوَاحِبُهَا عِنْدَ وِلَادَتِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الزَّوْجِيَّةِ حِينَئِذٍ، وَبِطَلَاقِهِنَّ انْقَضَتْ الصُّحْبَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ، فَلَا تُؤَثِّرُ وِلَادَتُهُنَّ فِي حَقِّ الْأُولَى وَلَا وِلَادَةُ بَعْضِهِنَّ فِي حَقِّ بَعْضٍ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَنْفِي الصُّحْبَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ نِسَائِهِ دَخَلَتْ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِ (وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ) وَلَدَتْ (ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (ثَلَاثًا ثَلَاثًا) طَلْقَةً بِوِلَادَةِ مَنْ وَلَدَتْ مَعَهَا وَطَلْقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُخْرَيَيْنِ وَعِدَّتُهُمَا بِالْأَقْرَاءِ (وَقِيلَ) طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا (طَلْقَةً) فَقَطْ بِوِلَادَةِ رَفِيقَتِهَا وَانْتَفَتْ الصُّحْبَةُ مِنْ حِينَئِذٍ (وَالْأُخْرَيَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ: أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ) بِوِلَادَةِ كُلِّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ طَلْقَةً وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى شَيْءٌ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثٌ مَعًا ثُمَّ الرَّابِعَةُ طَلُقَتْ كُلٌّ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ الْبَاقِيَاتِ طَلْقَةً فَقَطْ وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مُرَتَّبًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مُرَتَّبًا طَلُقَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ وَالرَّابِعَةُ ثَلَاثًا وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ وَاحِدَةٌ طَلُقَ كُلٌّ مِنْ الْأُولَى وَالرَّابِعَةِ ثَلَاثًا وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ طَلْقَةً وَتَبِينُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مُحَصَّلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ ثَمَانِ صُوَرٍ، وَضَابِطُهَا أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ هُوَ الْقَاعِدَةُ إلَّا مَنْ وَضَعَتْ عَقِبَ وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَتَطْلُقُ طَلْقَةً فَقَطْ أَوْ عَقِبَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ فَقَالَ (وَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِأَوَّلِ حَيْضِ مُقْبِلٍ، فَلَوْ عَلَّقَ فِي حَالِ حَيْضِهَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، أَوْ قَالَ: إنْ حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبِتَمَامِ حَيْضَةٍ مُقْبِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَضِيَّةُ اللَّفْظِ، وَ (تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا) سَوَاءٌ وَافَقَ عَادَتَهَا أَمْ لَا (إذَا عَلَّقَهُ) أَيْ طَلَاقَهَا (بِهِ) أَيْ الْحَيْضِ وَقَالَتْ: حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ مِنْهُ، وَكَذَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 517 لَا فِي وِلَادَتِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا. وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَمْ يَقَعْ،   [مغني المحتاج] الْحُكْمُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهَا كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا حَلَفَتْ لِلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ النِّكَاحِ، أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فَلَا تَحْلِيفَ (لَا فِي وِلَادَتِهَا) إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهَا كَإِنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَقَالَ: هَذَا الْوَلَدُ مُسْتَعَارٌ مَثَلًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ أَيْ يَتَعَسَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ شُوهِدَ الدَّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الشَّهَادَاتِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْجَزْمُ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحَيْضِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي إنَّهُ لَا تَعَارُضَ، لِأَنَّ مَا هُنَا ثُبُوتُ حَيْضٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ بِالْحَيْضِ، وَمَا هُنَاكَ ثُبُوتُ حَيْضٍ بِشَهَادَةِ نِسْوَةٍ فَلَا تَعَارُضَ. وَالثَّانِي وَعَلَيْهِ جَمْعٌ: تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي رَحِمِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ فِي الْعِدَّةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] . تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، أَمَّا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ فَلَا تُصَدَّقُ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، بَلْ يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ أَوْ شَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ (وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ الْحَيْضِ (فِي تَعْلِيقِ) طَلَاقِ (غَيْرِهَا) عَلَى حَيْضِهَا كَإِنْ حِضْت فَضَرَّتُك طَالِقٌ، فَقَالَتْ: حِضْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَصْدِيقِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِذَا حَلَفَتْ لَزِمَ الْحُكْمُ لِلْإِنْسَانِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. تَنْبِيهٌ: اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِلَا يَمِينٍ وَيَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَقَالَ: شِئْت فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِإِمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَيْضِ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، وَهَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بِالْحَيْضِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَيْضًا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مُمْكِنٌ، فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّفْظُ كَمَا سَيَأْتِي، فَهَذَا الْفَرْقُ مَمْنُوعٌ، وَالْإِشْكَالُ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ لَهُ أَوْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَقَوْلُهُ: قَدْ وَقَعَتْ مِنِّي الْمَشِيئَةُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الزَّوْجُ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ. (وَلَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَ كُلٍّ مِنْ زَوْجَتَيْهِ بِحَيْضِهِمَا مَعًا كَأَنْ (قَالَ) لَهُمَا (إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ) أَيْ الْحَيْضَ وَصَدَّقَهُمَا الزَّوْجُ فِيهِ طَلُقَتَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا بِاعْتِرَافِهِ (وَ) إنْ (كَذَّبَهُمَا) فِيمَا زَعَمَتَاهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَقَعْ) طَلَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَيْضِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ أَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِحَيْضِهَا وَقَعَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَشَهِدَ بِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 518 وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ فَقَطْ. وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا   [مغني المحتاج] النِّسْوَةُ لَا يَقَعُ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ الْحَيْضُ، وَإِذَا ثَبَتَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ، إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْوِلَادَةِ إذَا ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ وَلَمْ يَقَعْ (وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً) مِنْهُمَا فَقَطْ (طَلُقَتْ) أَيْ الْمُكَذَّبَةُ (فَقَطْ) إنْ حَلَفَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ لِثُبُوتِ حَيْضِهَا بِيَمِينِهَا وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ، وَلَا تَطْلُقُ الْمُصَدَّقَةُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُ ضَرَّتِهَا إلَّا بِيَمِينِهَا، وَالْيَمِينُ لَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَالِفِ كَمَا مَرَّ، وَتَطْلُقُ الْمُكَذِّبَةُ فَقَطْ بِلَا يَمِينٍ فِي قَوْلِهِ لَهُمَا: مَنْ حَاضَتْ مِنْكُمَا فَصَاحِبَتُهَا طَالِقٌ وَادَّعَيَاهُ وَصَدَّقَ إحْدَاهُمَا وَكَذَّبَ الْأُخْرَى لِثُبُوتِ حَيْضِ الْمُصَدَّقَةِ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُهُ زَعَمَتَاهُ بِالْفَاءِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمَا لَوْ قَالَتَا فَوْرًا حِضْنَا يُقْبَلَانِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَيْضٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي زَمَنًا، وَيُشْعِرُ أَيْضًا بِاسْتِعْمَالِ الزَّعْمِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، وَالْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَوْ أُقِيمَ عَلَى خِلَافِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] . فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ: إنْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَقِيلَ: لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا طَلَاقٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَحِيضَا حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إذَا حَاضَتَا طَلُقَتَا بِحَيْضِهِمَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ نَشَأَتْ مِنْ قَوْلِهِ: حَيْضَةً فَتُلْغَى وَيَبْقَى التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ حَيْضِهِمَا فَتَطْلُقَانِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ قَالَ: إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. أَمَّا إذَا قَالَ: وَلَدًا وَاحِدًا أَوْ حَيْضَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مُحَالٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ نَصٌّ فِي الْوِحْدَةِ، بِخِلَافِ الْحَيْضَةِ وَالْوَلَدِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْجِنْسَ. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ حَاضَتْ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَقُلْنَ: حِضْنَ، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ جَعَلَ حَيْضَ كُلٍّ مِنْهُنَّ صِفَةً لِطَلَاقِ الْبَوَاقِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثُ صَوَاحِبَ وَقَدْ حِضْنَ، وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ صَاحِبَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا، وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ طَلْقَةً؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَاحِبَةً وَوَاحِدَةً ثَبَتَ حَيْضُهَا، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً فَقَطْ طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ لَهَا ثَلَاثُ صَوَاحِبَ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ وَطَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُصَدَّقَاتِ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صَاحِبَتَيْنِ ثَبَتَ حَيْضُهُمَا،. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقُلْنَ حِضْنَ، فَإِنْ صَدَّقَهُنَّ طَلُقْنَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ لَمْ يُطَلَّقْنَ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً وَحَلَفَتْ طَلُقَتْ طَلْقَةً دُونَ الْبَاقِيَاتِ، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالسُّرَيْجِيَّةِ، وَهِيَ الدَّرْوِيَّةُ الْمَنْسُوبَةُ لِابْنِ سُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ. (وَلَوْ قَالَ: إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى) أَوْ نَحْوُهُ (طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا) طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ كَمَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 519 وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ.   [مغني المحتاج] قَالَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ (وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ) وَلَا يَقَعُ مَعَهُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَمْلُوكِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِهِ، فَوُقُوعُهُ مُحَالٌ بِخِلَافِ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ، إذْ قَدْ يَتَخَلَّفُ الْجَزَاءُ عَنْ الشَّرْطِ بِأَسْبَابٍ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ سَالِمٍ بِعِتْقِ غَانِمٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلَا يَفِي ثُلُثُ مَالِهِ إلَّا بِأَحَدِهِمَا لَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عِتْقُ غَانِمٍ، وَشِبْهُ هَذَا مِمَّا لَوْ أَقَرَّ أَخٌ بِابْنِ الْمَيِّتِ ثَبَتَ النَّسَبُ دُونَ الْإِرْثِ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ مُمْتَنِعٌ، وَوُقُوعُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَالْمُنَجَّزُ أَوْلَى بِأَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُعَلَّقَ يَفْتَقِرُ إلَى الْمُنَجَّزِ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَهَذَا الْوَجْهُ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: إنَّهُ أَوْلَى، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَ: مَنْ نَقَلَ عَنْهُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَهَمَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ أَكْثَرِ النَّقَلَةِ (وَقِيلَ) وَقَعَ (ثَلَاثٌ) وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ تَقَعُ الطَّلْقَةُ الْمُنَجَّزَةُ وَطَلْقَتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ حَصَلَ شَرْطُ وُقُوعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ فَيَقَعُ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَمَامُ الثَّلَاثِ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَدْخُولًا بِهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ طَلْقَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالثَّانِي: يَقَعُ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَتَى تَلَفَّظْت بِأَنَّك طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، وَزَيَّفَهُ الْإِمَامُ، وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا (وَقِيلَ: لَا شَيْءَ) يَقَعُ لَا الْمُنَجَّزُ وَلَا الْمُعَلَّقُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَوَقَعَ قَبْلَهُ بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ رِوَايَةِ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ عَنْ النَّصِّ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ إلَى جُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُعْظَمِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا نَقَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَنْ كِتَابِ الْغُنْيَةِ لَهُ، وَبِهِ اُشْتُهِرَتْ الْمَسْأَلَةُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَرَأَيْتُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْوَدَائِعِ، لَكِنْ فِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لَهُ أَنْ يَقَعَ الْمُنَجَّزُ، وَهَذَانِ النَّقْلَانِ سَبَبُ اضْطِرَابِهِمْ فِي النَّقْلِ عَنْهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِعَدَمِ وُقُوعِ شَيْءٍ الْمُزَنِيّ وَابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمْ، وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ، وَنَصَرَهُ السُّبْكِيُّ أَوَّلًا، وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَنَصَرَ الْقَائِلَ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّنْقِيحِ: إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، خُصُوصًا الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ شَيْخَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْقَفَّالَ شَيْخَ الْمَرَاوِزَةِ كَانَ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَكَيْفَ يَسُوغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ اهـ. وَلَمَّا اخْتَارَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الْوَجْهَ قَالَ: لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَعَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيِّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 520 وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت بِعَيْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا. وَلَوْ عَلَّقَهُ، بِمَشِيئَتِهَا   [مغني المحتاج] الْجَوَازُ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَدِدْت لَوْ مُحِيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: إذَا قُلْنَا بِانْحِسَامِ الطَّلَاقِ وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ فَلَهُ طُرُقٌ: مِنْهَا أَنَّهُ يُوَكِّلُ فِي طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا. وَمِنْهَا أَنْ يُضِيفَ الطَّلَاقَ لِبَعْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَ بَعْضَهَا، وَمَحَلُّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِالتَّطْلِيقِ، فَإِنْ كَانَ بِالْوُقُوعِ كَأَنْ قَالَ: مَتَى وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي لَمْ يَقَعْ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَطَرِيقُهُ حِينَئِذٍ الْمُفَارَقَةُ بِالْفَسْخِ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ. (وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت) نِكَاحِي (بِعَيْبِك) مَثَلًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ كُلِّ مَا ذُكِرَ (ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ) مِنْ الظِّهَارِ أَوْ غَيْرِهِ (فَفِي صِحَّتِهِ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَمَا بَعْدَهُ (الْخِلَافُ) فَعَلَى الْأَوَّلِ الرَّاجِحِ يَصِحُّ وَيَلْغُو تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَلْغُوَانِ جَمِيعًا، وَلَا يَأْتِي الثَّانِي هُنَا. (وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك) وَطْئًا (مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ) وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ (ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ (قَطْعًا) إذْ لَوْ طَلُقَتْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ مُبَاحًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ الْخِلَافُ هُنَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ إذَا انْسَدَّ بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ يَأْتِي الطَّلَاقُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُنَا لَمْ يَنْسَدَّ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا وَقَعَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا نَفَذَتْ الرَّجْعَةُ وَلَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ لِلدَّوْرِ. ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ وَإِنْ بَدَأْتُكَ بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا لَمْ تَطْلُقْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُبْتَدِئًا بِقَوْلِهَا إنْ بَدَأْتُكَ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ إذَا كَلَّمَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ كَوْنِهَا مُبْتَدِئَةً بِكَلَامِهِ، فَلَوْ كَلَّمَتْهُ أَوَّلًا عَتَقَ الْعَبْدُ لِأَنَّهَا ابْتَدَأَتْ كَلَامَهُ، وَكَذَا لَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ وَلَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لَوْ قَالَ: كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ بَدَأْتُكِ بِالسَّلَامِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَسَلَّمَا مَعًا لِعَدَمِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُزُومِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ حِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ دَخَلَا مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ، فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا فَلَمْ تَحْصُلُ صِفَةُ طَلَاقِهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلَهُ فِي الطَّرَفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ الدُّخُولِ بِالصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرَتِهَا (وَلَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ (بِمَشِيئَتِهَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 521 خِطَابًا اُشْتُرِطَتْ عَلَى فَوْرٍ، أَوْ غَيْبَةً، أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ شِئْت كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ، وَقِيلَ يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ   [مغني المحتاج] خِطَابًا) أَيْ وَهُوَ مُخَاطِبٌ لَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَوْ إذَا شِئْت، أَوْ أَنْ أَوْ إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ (اُشْتُرِطَتْ) مَشِيئَتُهَا لَفْظًا (عَلَى فَوْرٍ) لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ لِتَمْلِيكِهَا الطَّلَاقَ كَطَلِّقِي نَفْسَك كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّهَا اسْتِبَانَةٌ لِرَغْبَتِهَا فَكَانَ جَوَابُهَا عَلَى الْفَوْرِ كَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَوْرِ مَجْلِسُ التَّوَاجُبِ كَمَا قَالَاهُ هُنَا وَفِي الْخُلْعِ، وَقِيلَ: إذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، لِأَنَّ حَرِيمَ الْعَقْدِ يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَقِيلَ: أَيُّ وَقْتٍ شَاءَتْ طَلُقَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِوَقْتٍ: كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ نَحْوِ مَتَى كَأَيِّ وَقْتٍ. أَمَّا فِيهِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا (غَيْبَةً) كَزَوْجَتِي طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ وَلَوْ حَضَرَتْ وَسَمِعَتْهُ (أَوْ) عَلَّقَهُ (بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ) خِطَابًا كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ (فَلَا) يُشْتَرَطُ فَوْرٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِبُعْدِ التَّمْلِيكِ فِي الْأُولَى لِانْتِفَائِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ نَظَرًا إلَى تَضَمُّنِ التَّمْلِيكِ فِي الْأُولَى وَإِلَى الْخِطَابِ فِي الثَّانِيَةِ. أَمَّا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ غَيْبَةً كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْفَوْرُ جَزْمًا، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا وَبِمَشِيئَةِ زَيْدٍ كَذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْفَوْرُ فِي مَشِيئَتِهَا فَقَطْ دُونَ زَيْدٍ إعْطَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ لَوْ انْفَرَدَ (وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (شِئْت كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَفْظُ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ وَنَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بَاطِنًا) لِانْتِفَاءِ الْمَشِيئَةِ فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَنَقَلَا فِي أَوَائِلِ الْإِقْرَارِ مَا يُوهِمُ تَرْجِيحَهُ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَيْضًا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَا فِي الْبَاطِنِ لِخَفَائِهِ لَا يُقْصَدُ التَّعْلِيقُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا شِئْت إنْ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ شَاءَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ ذُكِرَ وَلَمْ تُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ تَعْلِيقُهَا، وَالْمَشِيئَةُ خَبَرٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْإِرَادَةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى اعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ أَهْلًا لِلْمَشِيئَةِ بِقَوْلِهِ. (وَلَا يَقَعُ) طَلَاقٌ عُلِّقَ (بِمَشِيئَةِ) كُلٍّ مِنْ (صَبِيَّةٍ وَصَبِيٍّ) وَإِنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَشِيئَتِهَا فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِصَغِيرَةٍ طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ لَمْ يَقَعْ، فَكَذَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا (وَقِيلَ يَقَعُ) الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ (بِ) مَشِيئَةِ (مُمَيِّزٍ) لِأَنَّ مَشِيئَتَهُ مُعْتَبَرَةٌ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَتَقْيِيدُهُ بِمُمَيِّزٍ مِنْ زَوَائِدِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ جَزْمًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَذَا لَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ مَجْنُونٍ عُلِّقَ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَلَوْ بَالِغًا جَزْمًا؛ لِأَنَّا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فَلَا بُدَّ مِنْ صُدُورِهِ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُهُ مُعْرِبًا عَنْ مَشِيئَتِهِ. نَعَمْ إنْ قَالَ لَهُ أَوْ لِصَغِيرٍ: إنْ قُلْت شِئْت فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَقَالَ: شِئْت طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 522 وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً لَمْ تَطْلُقْ، وَقِيلَ تَقَعُ طَلْقَةً، وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ وَعَلِمَ بِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ أَخْرَسَ فَأَشَارَ إشَارَةً مُفْهِمَةً وَقَعَ، أَوْ نَاطِقٍ فَخَرِسَ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ شَاءَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَةٍ حَالَ سُكْرِهِ الَّذِي أَثِمَ بِهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِهِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ نَاقِصٍ بِصِبًا أَوْ جُنُونٍ فَشَاءَ فَوْرًا بَعْدَ كَمَالِهِ لَمْ يَقَعْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَطْلُقْ إذْ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَلَمْ نَعْلَمْ حُصُولَهَا، وَالتَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ (وَلَا رُجُوعَ لَهُ) أَيْ شَخْصٌ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ (قَبْلَ الْمَشِيئَةِ) مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا فَفِيهِ شَائِبَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى صِفَةٍ فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ. (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ) مَثَلًا (طَلْقَةً فَشَاءَ) زَيْدٌ (طَلْقَةً) أَوْ أَكْثَرَ (لَمْ تَطْلُقْ) شَيْئًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَهَا فَلَا تَطْلُقِينَ أَصْلًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَدْخُلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَدَخَلَ (وَقِيلَ تَقَعُ طَلْقَةً) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشَاءَ طَلْقَةً فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: يَقَعُ طَلْقَتَانِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ عَدَمَ وَاحِدٍ فَيَقَعَ الْبَاقِي، وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الثَّانِيَ أَوْ الثَّالِثَ قُبِلَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَشَأْ شَيْئًا وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ ثَلَاثًا فَشَاءَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ شَاءَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ وَاحِدَةً، وَلَوْ مَاتَ زَيْدٌ وَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهِ أَوْ جُنَّ لَمْ تَطْلُقْ (وَلَوْ عَلَّقَ) زَوْجٌ طَلَاقًا (بِفِعْلِهِ) كَدُخُولِ الدَّارِ (فَفَعَلَ) الْمُعَلَّقَ بِهِ (نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ) ذَاكِرًا لَهُ (مُكْرَهًا) عَلَى الْفِعْلِ أَوْ طَائِعًا جَاهِلًا (لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ) لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أَيْ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِذَلِكَ، وَمُقْتَضَاهُ رَفْعُ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ كُلَّ حُكْمٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَلِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، فَكَذَا الْمُكْرَهُ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالطَّلَاقِ وَإِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَقَعُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فِي النِّسْيَانِ، وَالثَّانِي: تَطْلُقُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَلَيْسَ النِّسْيَانُ وَنَحْوُهُ دَافِعًا لِلْوُقُوعِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا حَنِثَ بِفِعْلِهِ سَهْوًا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْسَى فَنَسِيَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْسَ بَلْ نُسِّيَ (أَوْ) عَلَّقَ الطَّلَاقَ (بِفِعْلِ غَيْرِهِ) وَقَدْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ، وَهُوَ (مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ) أَيْ يَشُقُّ عَلَيْهِ حِنْثُهُ، فَلَا يُخَالِفُهُ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ فَيَحْرِصُ عَلَى إبْرَارِ قَسَمِهِ وَلَوْ حَيَاءً لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خَشْيَةَ الْعُقُوبَةِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ (وَعَلِمَ) غَيْرُهُ (بِهِ) أَيْ بِتَعْلِيقِهِ (فَكَذَلِكَ) لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَظْهَرِ إذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 523 فَيَقَعُ قَطْعًا. فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ هَكَذَا طَلُقَتْ فِي أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ   [مغني المحتاج] يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ، أَوْ كَانَ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِ (قَطْعًا) وَإِنْ اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نِسْيَانٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ تَعْلِيقِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَنْعٍ أَوْ حَثٍّ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَتْنِ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ فِيمَا إذَا قَصَدَ فِيمَنْ يُبَالِي بِهِ إعْلَامَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ لِلْجُمْهُورِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ. أَمَّا إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَقَعَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ نَاسِيًا لَهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّ زَيْدًا لَيْسَ فِي الدَّارِ وَكَانَ فِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ عَلِمَ وَنَسِيَ، فَإِنْ حَلَفَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ فِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ عِلْمُهُ: أَيْ لَمْ يَعْلَمْ خِلَافَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ أَطْلَقَ فَفِي الْحِنْثِ قَوْلَانِ: رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ الْحِنْثَ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ، إذْ لَا حَثَّ وَلَا مَنْعَ بَلْ تَحْقِيقٌ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَثَبَّتَ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَرَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْحِنْثِ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيمَا إذَا قَصَدَ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعَدَمَ الْحِنْثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا أَوْجَهُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِدُخُولِ بَهِيمَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَطِفْلٍ فَدَخَلَتْ مُخْتَارَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ، بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَتْ مُكْرَهَةً لَمْ يَقَعْ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُعَلَّقُ التَّعْلِيقَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ أَوْ مِمَّنْ يُبَالِي بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ إعْلَامَهُ وَدَخَلَ مُكْرَهًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِعْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ مُكْرَهًا. وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِهِ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّهَا حِينَ الْإِكْرَاهِ لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا، وَحُكْمُ الْيَمِينِ فِيمَا ذُكِرَ كَالطَّلَاقِ، وَلَا يَنْحَلُّ بِفِعْلِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ. [فَصْلٌ فِي الْإِشَارَةُ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ] (فَصْلٌ) فِي الْإِشَارَةِ لِلطَّلَاقِ بِالْأَصَابِعِ وَفِي غَيْرِهَا، إذَا (قَالَ) لِزَوْجَتِهِ: (أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ) وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا (لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ) لَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِلَفْظٍ أَوْ نِيَّةٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِالْإِشَارَةِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ وُقُوعُ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ (فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ الْإِشَارَةِ (هَكَذَا طَلُقَتْ فِي) إشَارَةِ أُصْبُعٍ طَلْقَةً، وَفِي إشَارَةِ (أُصْبُعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ، الجزء: 4 ¦ الصفحة: 524 وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ الْمَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ عَبْدٌ إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ بِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَتَجْدِيدُ قَبْلَ زَوْجٍ.   [مغني المحتاج] وَفِي) إشَارَةِ (ثَلَاثٍ) مِنْ الْأَصَابِعِ (ثَلَاثًا) وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ فِي الْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ النِّيَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْكَرِيمَةِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَرَادَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ الْإِشَارَةِ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ مُفْهِمَةً لِلطَّلْقَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ كَالنَّظَرِ لِلْأَصَابِعِ أَوْ تَحْرِيكِهَا أَوْ تَرْدِيدُهَا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْتَادُ الْإِنْسَانُ الْإِشَارَةَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَظْهَرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْعَدَدِ إلَّا بِقَرِينَةٍ. قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت وَاحِدَةً لَمْ يُقْبَلْ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِطَلَاقٍ (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ) بِالثَّلَاثِ الْأُصْبُعَيْنِ (الْمَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَلَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْإِشَارَةِ بِهِمَا، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَحَدَهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ صَرِيحَةٌ فِي الْعَدَدِ كَمَا مَرَّ فَلَا يُقْبَلُ خِلَافُهَا، وَلَوْ عَكَسَ فَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ، وَقَالَ: أَرَدْت بِالْإِشَارَةِ الثَّلَاثَ الْمَقْبُوضَةَ صُدِّقَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَتْ، الْإِشَارَةُ بِيَدِ مَجْمُوعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا وَقَعَ وَاحِدَةً كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ الثَّلَاثُ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت بِهَا الْأُصْبُعَ دُونَ الزَّوْجَةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا قَطْعًا وَلَمْ يُدَنْ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ أَشَارَ بِفُرُوعٍ مِنْ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ. (وَ) هُوَ مَا (لَوْ قَالَ عَبْدٌ) لِزَوْجَتِهِ (إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ) لَهُ (سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ) أَنَا (فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ) كُلُّهُ (بِهِ) أَيْ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ) عَلَيْهِ الْحُرْمَةَ الْكُبْرَى (بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ) فِي عِدَّتِهَا (وَتَجْدِيدُ) النِّكَاحِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (قَبْلَ زَوْجٍ) آخَرَ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلْقَتَيْنِ وَعِتْقَ الْعَبْدِ مُعَلَّقَانِ مَعًا بِالْمَوْتِ فَوَقَعَا مَعًا، وَالْعِتْقُ كَمَا لَا يَتَقَدَّمُ الطَّلَاقَ لَمْ يَتَأَخَّرْ، فَإِذَا وَقَعَا مَعًا غُلِّبَ جَانِبُ الْحُرِّيَّةِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهَا فَكَانَ الْعِتْقُ مُقَدَّمًا، وَالثَّانِي تَحْرُمُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَتَقَدَّمْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَخَرَجَ بِعِتْقِ جَمِيعِهِ مَا لَوْ عَتَقَ بَعْضُهُ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالطَّلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُبَعَّضَ كَالْقِنِّ فِي عَدَدِ الطَّلْقَاتِ. تَنْبِيهٌ: لَا تَخْتَصُّ الْمَسْأَلَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ بَلْ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي كُلِّ صُوَرِهِ تَعَلَّقَ عِتْقُ الْعَبْدِ بِهِ، وَوُقُوعُ طَلْقَتَيْنِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ: كَمَا لَوْ قَالَ الْعَبْدُ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ السَّيِّدُ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ عَتَقَ وَطَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَلَا تُحَرَّمُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 525 وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقْ الْمُنَادَاةُ وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ وَالْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، فَإِذَا قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إنْ خَرَجْت   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ قَطْعًا لِأَنَّ الْعِتْقَ سَبَقَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ عَلَّقَ السَّيِّدُ عِتْقَهُ بِمَوْتِهِ وَعَلَّقَ الْعَبْدُ الطَّلْقَتَيْنِ بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ، وَاشْتُرِطَ الْمُحَلِّلُ قَطْعًا لِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ عَلَى الْعِتْقِ، وَلَوْ عَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُدَبَّرَةٍ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَهُوَ وَارِثُهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَلَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ كَانَتْ، مُكَاتَبَةً أَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهَا بِمَوْتِهِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فَلَا يُصَادِفُ الطَّلَاقُ مَحِلًّا، أَمَّا الْمُدَبَّرَةُ فَتَطْلُقُ إنْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَوْ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ الْعِتْقَ. (وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ) مَثَلًا كَحَفْصَةَ (فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى) كَعَمْرَةَ (فَقَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْمُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقْ الْمُنَادَاةُ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُخَاطَبْ بِالطَّلَاقِ وَظَنُّ خِطَابِهَا لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ عَلَيْهَا (وَتَطْلُقُ الْمُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِخِطَابِهَا بِالطَّلَاقِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِانْتِفَاءِ قَصْدِهَا، وَخَرَجَ بِيَظُنُّهَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُجِيبَةَ غَيْرُ الْمُنَادَاةِ، فَإِنْ قَصَدَ طَلَاقَهَا طَلُقَتْ فَقَطْ أَوْ الْمُنَادَاةُ وَحْدَهَا حُكِمَ بِطَلَاقِهَا، أَمَّا الْمُنَادَاةُ فَظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَأَمَّا الْمُخَاطَبَةُ فَظَاهِرًا وَيَدِينُ. (وَلَوْ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا بِغَيْرِ كُلَّمَا (بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ) كَإِنْ أَكَلْت رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَعَلَّقَ) ثَانِيًا: (بِنِصْفٍ) مِنْ رُمَّانَةٍ كَإِنْ أَكَلْت نِصْفَهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ) لِوُجُودِ الصِّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا أَكَلَتْ نِصْفَ رُمَّانَةٍ وَأَكَلَتْ رُمَّانَةً لَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ النَّكِرَةَ الْمُعَادَةَ غَيْرُ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِكُلَّمَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا أَكَلَتْ رُمَّانَةً مَرَّةً وَنِصْفَ رُمَّانَةٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ فَأَكَلَتْ نِصْفَيْ رُمَّانَتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَا لَوْ أَكَلَتْ أَلْفَ حَبَّةٍ مَثَلًا مِنْ أَلْفِ رُمَّانَةٍ، وَإِنْ زَادَ ذَلِكَ عَلَى عَدَدِ رُمَّانَةٍ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ رُمَّانَةً. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت نِصْفَهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَكَلْت رُبْعَهُ، فَأَكَلَتْ الرَّغِيفَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت رَجُلًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ كَلَّمْت فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ زَيْدًا وَكَانَ فَقِيهًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ زَوَالِ شَمْسِ الْيَوْمِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَصَلَّاهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَقَعَ الطَّلَاقُ. (وَالْحَلِفُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا لُغَةً: الْقَسَمُ وَهُوَ (بِالطَّلَاقِ) أَوْ غَيْرِهِ (مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ) عَلَى فِعْلٍ (أَوْ مَنْعٍ) مِنْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ) ذَكَرَهُ الْحَالِفُ أَوْ غَيْرُهُ لِيُصَدَّقَ الْحَالِفُ فِيهِ (فَإِذَا قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ) أَوْ إذَا (حَلَفْت بِطَلَاقٍ) مِنْك (فَأَنْتِ طَالِقٌ) هَذَا مِثَالٌ لِلتَّعْلِيقِ عَلَى الْحَلِفِ (ثُمَّ قَالَ) بَعْدَ هَذَا (إنْ لَمْ تَخْرُجِي) فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا مِثَالٌ لِحَثِّهَا عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ (أَوْ إنْ خَرَجْت) الجزء: 4 ¦ الصفحة: 526 أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ، وَيَقَعُ الْآخَرُ إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ. وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجَّاجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا فَقَالَ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَاضِيًا وَرَاجَعْت صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ فَصَرِيحٌ وَقِيلَ كِنَايَةٌ.   [مغني المحتاج] فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا مِثَالٌ لِمَنْعِهَا مِنْ الْفِعْلِ (أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ) وَهَذَا مِثَالٌ لِتَحْقِيقِ الْخَبَرِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ) فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ حَالًا لِأَنَّ مَا قَالَهُ حَلِفٌ بِأَقْسَامِهِ السَّابِقَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (وَيَقَعُ الْآخَرُ) مَآلًا (إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ) وَبَقِيَتْ الْعِدَّةُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنْ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ بِالْحَلِفِ. (وَلَوْ قَالَ) بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالْحَلِفِ (إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الْحُجَّاجُ) أَوْ نَحْوُهُ كَأَنْ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ بِالْحَلِفِ) إذْ لَا حَثَّ فِيهِ وَلَا مَنْعَ وَلَا تَحْقِيقَ خَبَرٍ بَلْ هُوَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا وُجِدَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْحُجَّاجِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ لَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ وَهَلْ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْأَكْثَرِ أَوْ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ أَوْ إلَى جَمِيعِ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ احْتِمَالَانِ اهـ. وَأَظْهَرُهُمَا الثَّانِي. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَصَدَ مَنْعَهُ وَهُوَ مِمَّنْ يُبَالِي بِحَلِفِهِ فَحَلَفَ، وَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِفِعْلِ مَنْ لَا يُبَالِي بِحَلِفِهِ كَالسُّلْطَانِ فَتَعْلِيقٌ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ فَأَنْكَرَهُ وَادَّعَتْهُ، فَقَالَ إنْ طَلَعَتْ: فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَلَفَ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَتْ: لَمْ تَطْلُعْ، فَقَالَ: إنْ لَمْ تَطْلُعْ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ التَّحْقِيقُ فَهُوَ حَلِفٌ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَعَادَهُ أَرْبَعًا وَقَعَ بِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الْأُولَى، وَبِالثَّانِيَةِ طَلْقَةٌ بِحُكْمِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةِ، وَبِالرَّابِعَةِ طَلْقَةٌ بِحُكْمِ الثَّالِثِ وَتَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ. (وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتهَا) أَيْ زَوْجَتَك (فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا كَأَجَلْ وَجَيْرٍ (فَإِقْرَارٌ) صَرِيحٌ (بِهِ) أَيْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ نَعَمْ طَلَّقْتُهَا، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا (فَإِنْ قَالَ أَرَدْت) طَلَاقًا (مَاضِيًا وَرَاجَعْت) بَعْدَهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَرَاجَعْت عَمَّا إذَا قَالَ أَبَنْتهَا وَجَدَّدْت النِّكَاحَ فَإِنَّ حُكْمَهُ كَمَا مَرَّ، فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَفُسِّرَ بِذَلِكَ (وَإِنْ قِيلَ) لَهُ (ذَلِكَ) الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَطَلَّقْت زَوْجَتَك (الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَهَا مِمَّا يُرَادِفُهَا (فَصَرِيحٌ) فِي الْإِيقَاعِ حَالًا؛ لِأَنَّ نَعَمْ وَنَحْوَهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَلَّقْتُهَا الْمُرَادِ لِذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ (وَقِيلَ) هُوَ (كِنَايَةٌ) يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ نَعَمْ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَوَّلُ مُشْكِلٌ لِحَصْرِهِمْ صَرَائِحَ الطَّلَاقِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَبِقَوْلِهِمْ إنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَصِيرُ صَرِيحًا بِالْتِمَاسِ طَلَاقٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 527 فَصْلٌ عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ لَمْ يَقَعْ.   [مغني المحتاج] السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ طَلَّقْتُهَا، وَلِهَذَا كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ هَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نَعَمْ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ طَلَّقْت فَهُوَ صَرِيحٌ قَطْعًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى طَلَّقْت فَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ نَعَمْ تَتَعَيَّنُ لِلْجَوَابِ، وَقَوْلُهُ طَلَّقْت مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً طَلَّقْت، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقِيلَ كَنَعَمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ: كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ جَهِلَ حَالَ السُّؤَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ، كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ فَعَلْت كَذَا فَأَنْكَرَ، فَقَالَ: إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُك طَالِقٌ، فَقَالَ: نَعَمْ وَكَانَ قَدْ فَعَلَهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ: كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَجَعَلَهُ الْبَغَوِيّ اسْتِدْعَاءَ طَلَاقٍ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْت امْرَأَتَك مُسْتَدْعِيًا مِنْهُ طَلَاقَهَا فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَلَوْ قِيلَ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَامْرَأَتُك طَالِقٌ، فَقَالَ: نَعَمْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَك زَوْجَةٌ، فَقَالَ: لَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَفَقُّهًا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَأَنَّ لَهَا تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَهَا، وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْفُونِيُّ وَالْحِجَازِيُّ فِي اخْتِصَارِهِمَا كَلَامَ الرَّوْضَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَطَلَّقْت ثَلَاثًا، فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ فَلَيْسَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ لِاحْتِمَالِ جَرَيَانِ تَعْلِيقٍ أَوْ وَعْدٍ أَوْ مُخَاصَمَةٍ تَئُولُ إلَيْهِ، فَلَوْ فُسِّرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَا أَنْتِ لِي بِشَيْءٍ كَانَ لَغْوًا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ غَيْرَهُ طَلُقَتْ. [فَصْلٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ] (فَصْلٌ) فِي أَنْوَاعٍ مِنْ التَّعْلِيقِ، إذَا (عَلَّقَ) طَلَاقَ زَوْجَتِهِ (بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ) عَيَّنَ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْ لَا كَإِنْ أَكَلْت هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبَقِيَ) مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَكْلِهَا لَهُ (لُبَابَةٌ) مِنْ الرَّغِيفِ تَقَعُ مَوْقِعًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (أَوْ حَبَّةٌ) مِنْ الرُّمَّانَةِ (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ الرَّغِيفَ أَوْ الرُّمَّانَةَ وَإِنْ تَسَامَحَ أَهْلُ الْعُرْفِ فِي إطْلَاقِ أَكْلِ الرَّغِيفِ أَوْ الرُّمَّانَةِ فِي ذَلِكَ، أَمَّا اللُّبَابَةُ الَّتِي لَا تَقَعُ مَوْقِعًا كَفُتَاتِ الْخُبْزِ الَّذِي يُدَقُّ مُدْرَكُهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي بِرٍّ وَلَا حِنْثٍ، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِكِسْرَةٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الرُّمَّانَةِ فِيمَا إذَا بَقِيَ بَعْضُ حَبَّةٍ وَفِي التَّمْرَةِ الْمُعَلَّقِ بِأَكْمَلِهَا إذَا بَقِيَ قَمَعَهَا أَوْ شَيْءٌ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَرْكِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَكَلْت أَكْثَرَ مِنْ رَغِيفٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَنِثَ بِأَكْلِهَا رَغِيفًا وَأَدَمًا، أَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت الْيَوْمَ إلَّا رَغِيفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكَلَتْ رَغِيفًا وَفَاكِهَةً حَنِثَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَبِسْت قَمِيصَيْنِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِلُبْسِهِمَا وَلَوْ مُتَوَالِيَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ مَثَلًا، إنْ بِتّ عِنْدَك الجزء: 4 ¦ الصفحة: 528 وَلَوْ أَكَلَا تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضٍ وَرَمْيِ بَعْضٍ لَمْ يَقَعْ.   [مغني المحتاج] فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَاتَ عِنْدَهَا بَقِيَّةَ اللَّيْلِ حَنِثَ لِلْقَرِينَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى الْمَبِيتُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ نِمْت عَلَى ثَوْبٍ لَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَوَسَّدَ مِخَدَّتَهَا مَثَلًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ وَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَتَلْت زَيْدًا غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَهُ الْيَوْمَ وَمَاتَ مِنْهُ غَدًا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُفَوِّتُ لِلرُّوحِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ كَانَ عِنْدَك نَارٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ حَنِثَ بِوُجُودِ السِّرَاجِ عِنْدَهَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ جُعْت يَوْمًا فِي بَيْتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاعَتْ يَوْمًا بِصَوْمٍ لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاعَتْ يَوْمًا بِلَا صَوْمٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُك أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ كَانَتْ، زِنْجِيَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] : نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِالْحُسْنِ الْجَمَالَ وَكَانَتْ قَبِيحَةَ الشَّكْلِ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَصَدْتُك بِالْجِمَاعِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ هِيَ فَجَامَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ قَصَدْت جِمَاعَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَصَدَتْهُ فَجَامَعَهَا حَنِثَ (وَلَوْ أَكَلَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (تَمْرًا) مَثَلًا (وَخَلَطَا نَوَاهُمَا، فَقَالَ) الزَّوْجُ لَهَا فَوْرًا أَمْ لَا (إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاكِ) أَيْ نَوَى مَا أَكَلْته عَنْ نَوَى مَا أَكَلْته (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا) بِحَيْثُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ أُخْرَى (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَمَيَّزُ نَوَى أَحَدِهِمَا (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا) لِنَوَاهَا عَنْ نَوَاهُ فَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا فَعَلَتْ بَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُلَقَّنِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ عَادَةً لِتَعَذُّرِهِ، وَفِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِنَوَايَ أَوْ إنْ لَمْ تُشِيرِي إلَى نَوَايَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالطَّرِيقُ فِي الْخَلَاصِ أَنْ تَعُدَّ النَّوَى عَلَيْهِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَتَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ هَذِهِ نَوَاتُكَ (وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ) مَثَلًا (فَعَلَّقَ) طَلَاقَهَا (بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا) كَقَوْلِهِ: إنْ بَلَعْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَمَيْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ أَمْسَكْتهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَبَادَرَتْ مَعَ) أَيْ عَقِبَ (فَرَاغِهِ) مِنْ التَّعْلِيقِ (بِأَكْلِ بَعْضٍ) مِنْهَا (وَرَمْيِ بَعْضٍ) مِنْهَا (لَمْ يَقَعْ) طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْبَعْضِ وَرَمْيَ الْبَعْضِ مُغَايِرٌ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِاشْتِرَاطِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الشَّرْطُ الْمُبَادَرَةُ بِأَحَدِهِمَا، وَأَشَارَ بِثُمَّ إلَى اشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ يَمِينِ الْإِمْسَاكِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَوَسَّطَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ حَنِثَ، وَلَا حَاجَةَ لِثُمَّ فِي يَمِينِ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَمِينِ الِابْتِلَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ الْحِنْثِ الْمُبَادَرَةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُبَادِرْ كَانَتْ، مُمْسِكَةً فَيَحْصُلُ الْحِنْثُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ الْحِنْثَ بِأَكْلِ جَمِيعِهَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِلَاعَ أَكْلٌ، قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَهُوَ وَاضِحٌ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ إذَا ذَكَرَ التَّمْرَةَ فِي يَمِينِهِ. فَإِنَّ الْأَكْلَ فِيهِ مَضْغٌ يُزِيلُ اسْمَ التَّمْرَةِ فَلَمْ تَبْلُغْ تَمْرَةً، وَأَمَّا عَكْسُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ أَكَلْت فَابْتَلَعَتْ، فَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 529 وَلَوْ اتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ سَرَقْت مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا فَالْخَلَاصُ أَنْ تَذْكُرَ عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ، وَالصُّورَتَانِ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا.   [مغني المحتاج] لِأَصْلِهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْأَكْلِ فَابْتَلَعَتْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: ابْتَلَعَ وَلَمْ يَأْكُلْ، وَوَقَعَ لَهُ كَأَصْلِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَكْسُ هَذَا. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ أَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ، وَالْبَلْعُ لَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْبَلْعُ فِيهِ يُسَمَّى أَكْلًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ. (وَلَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهِيَ عَلَى سُلَّمٍ بِالصُّعُودِ وَبِالنُّزُولِ ثُمَّ بِالْمُكْثِ فَوَثَبَتْ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَى سُلَّمٍ آخَرَ، أَوْ اضْطَجَعَ السُّلَّمُ وَهِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَتَقُومُ مِنْ مَوْضِعِهَا أَوْ حُمِلَتْ وَصَعَدَ بِهَا الْحَامِلُ أَوْ نَزَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَوْرًا فِي الْجَمِيعِ لَمْ تَطْلُقْ، أَمَّا لَوْ حُمِلَتْ بِأَمْرِهَا فَيَحْنَثُ، نَعَمْ إنْ حَمَلَهَا بِلَا صُعُودٍ وَنُزُولٍ بِأَنْ يَكُونَ وَاقِفًا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا أَثَرَ لِأَمْرِهَا. وَإِنْ (اتَّهَمَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ (بِسَرِقَةٍ، فَقَالَ) لَهَا (إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي) فِي أَمْرِ هَذِهِ السَّرِقَةِ (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ) لَهُ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، (سَرَقْت) وَالْآخَرُ (مَا سَرَقْت لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. (وَلَوْ قَالَ) لَهَا: (إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي) صَادِقَةً (بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا) فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَالْخَلَاصُ) مِنْ الْيَمِينِ (أَنْ تَذْكُرَ) لَهُ (عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا) أَيْ الرُّمَّانَةَ (لَا تَنْقُصُ عَنْهُ) كَمِائَةٍ (ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا) فَتَقُولَ مِائَةٌ وَوَاحِدٌ وَاثْنَانِ وَهَكَذَا (حَتَّى تَبْلُغَ مَا) أَيْ عَدَدًا لِلرُّمَّانَةِ (يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ) أَيْ انْتَهَتْ إلَيْهِ مِنْ عَدَدِ حَبِّهَا فَتَكُونُ مُخْبِرَةً بِعَدَدِهَا (وَالصُّورَتَانِ) هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا (فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا) فَإِنْ قَصَدَهُ لَمْ تَخْلُصْ مِنْ الْيَمِينِ بِمَا ذَكَرَتْهُ. فَإِنْ قِيلَ: الشِّقُّ الْأَوَّلُ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ الْخَبَرَ يَعُمُّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالسَّارَّ وَغَيْرَهُ، فَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ مَنْ أَخْبَرَتْنِي مِنْكُنَّ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ طَلُقَتْ. أُجِيبَ بِأَنَّ لِلرُّمَّانَةِ وَنَحْوِهَا عَدَدًا خَاصًّا وَقَدْ عَلَّقَ بِهِ، فَإِذَا أَخْبَرَتْهُ بِعَدَدِ حَبِّهَا كَاذِبَةً لَمْ تُخْبِرْ بِهِ بِخِلَافِ قُدُومِ زَيْدٍ فَيَصْدُقُ بِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ، وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْخَبَرِ الْأَوَّلِ السَّارِّ الصَّادِقِ قَبْلَ الشُّعُورِ، فَإِذَا قَالَ لِنِسَائِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي مِنْكُنَّ بِكَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ ثَانِيًا بَعْدَ إخْبَارِ غَيْرِهَا أَوْ كَانَ غَيْرَ سَارٍّ بِأَنْ كَانَ بِسُوءٍ أَوْ وَهِيَ كَاذِبَةٌ أَوْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ، نَعَمْ مَحَلُّ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَارًّا إذَا أَطْلَقَ، كَقَوْلِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِخَبَرٍ أَوْ أَمْرٍ عَنْ زَيْدٍ، فَإِنْ قَيَّدَ كَقَوْلِهِ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهِيَ طَالِقٌ اكْتَفَى بِصِدْقِ الْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تَعُدِّي جَوْزَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِنْثِ بِأَنْ تَفْعَلَ مَا ذَكَرَ آنِفًا، وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ الْوَاحِدِ وَتَزِيدَ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَى الْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَبْدَأْ بِالْوَاحِدِ لَهُ تَعُدَّ جَوْزَهَا. فُرُوعٌ: لَوْ سَقَطَ حَجَرٌ مِنْ عُلُوٍّ، فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي السَّاعَةَ مَنْ رَمَاهُ فَأَنْتِ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 530 وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ: مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ: أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَثَالِثَةٌ إحْدَى عَشْرَةَ: أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ.   [مغني المحتاج] طَالِقٌ وَلَمْ يُرِدْ تَعْيِينًا، فَقَالَتْ: مَخْلُوقٌ لَا آدَمِيٌّ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِالْإِخْبَارِ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ الْحِنْثِ بِقَوْلِهَا رَمَاهُ آدَمِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَمَاهُ كَلْبٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِنْثِ وُجِدَ وَشَكَكْنَا فِي الْمَانِعِ، وَشُبِّهَ بِمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ، فَمَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ تُعْرَفْ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أَقُلْ كَمَا تَقُولِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ لَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ أَنْتِ قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَهِيَ فِي مَاءٍ جَارٍ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَبِاللُّبْثِ بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ خَرَجْت مِنْهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ لَبِثْتِ فِيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ خَرَجَتْ أَوْ لَبِثَتْ لِأَنَّهُ بِجَرَيَانِهِ يُفَارِقُهَا، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، فَخَلَاصُهُ مِنْ الْحِنْثِ أَنْ تُحْمَلَ مِنْهُ فَوْرًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ أَرَقْت مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ شَرِبْته أَنْتِ أَوْ غَيْرُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ إنْ تَرَكْته فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَلَّتْ بِهِ خِرْقَةً وَضَعَتْهَا فِيهِ أَوْ بَلَّتْهَا بِبَعْضِهِ أَوْ شَرِبَتْ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا بَعْضَهُ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَالَفْت أَمْرِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَفَتْ نَهْيَهُ كَأَنْ قَالَ لَهَا: لَا تَقُومِي فَقَامَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ دُونَ أَمْرِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ بِسَبَبِ الْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَالَفْت نَهْيِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَفَتْ أَمْرَهُ، كَأَنْ قَالَ: قُومِي فَرَقَدَتْ طَلُقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهَذَا فَاسِدٌ، إذْ لَيْسَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ فِيمَا يَخْتَارُهُ، وَإِنْ كَانَ: أَيْ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ. فَالْيَمِينُ لَا تُبْنَى عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: زَنَيْت فَأَنْكَرَتْ، فَقَالَ: إنْ كُنْت زَنَيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ حَالًا بِإِقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَلَوْ قِيلَ لِزَانٍ: زَنَيْت، فَقَالَ: مَنْ زَنَى فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ قَصَدَ ذَمَّ الزَّانِي لَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ. (وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ) مِنْ زَوْجَاتِهِ (مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي) مِنْكُنَّ (بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) فَهِيَ طَالِقٌ (فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ فَرَائِضِهَا (سَبْعَ عَشْرَةَ) رَكْعَةً بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ (وَ) قَالَتْ (أُخْرَى) أَيْ ثَانِيَةً مِنْهُنَّ (خَمْسَ عَشْرَةَ: أَيْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، وَ) قَالَتْ (ثَالِثَةٌ) مِنْهُنَّ (إحْدَى عَشْرَةَ: أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ) عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلَاقٌ لِصِدْقِ الْكُلِّ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ عَيْنًا فَالْحَلِفُ عَلَى مَا أَرَادَهُ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: لِزَوْجَتِهِ: إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَذِنَ لَهَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَوْ كَانَتْ، مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً فَخَرَجَتْ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ إنْ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْتِ مَرَّةً بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت لَابِسَةً ثَوْبَ حَرِيرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ ثَوْبِ حَرِيرٍ ثُمَّ خَرَجَتْ لَابِسَةً ثَوْبَ حَرِيرٍ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقِ أَنَّ خُرُوجَهَا بِلَا ثَوْبِ حَرِيرٍ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 531 وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ.   [مغني المحتاج] لَمْ تَنْحَلَّ بِهِ الْيَمِينُ لِعَدَمِ الصِّفَةِ فَحَنِثَ فِي الثَّانِي بِخِلَافِ هَذِهِ، وَلَوْ أَذِنَ ثُمَّ رَجَعَ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْمَنْعِ لَمْ يَحْنَثْ لِحُصُولِ الْإِذْنِ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَيُّ مَرَّةٍ خَرَجَتْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَا مَرَّ، وَخَلَاصُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَذِنْت لَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَتَى شِئْت أَوْ كُلَّمَا شِئْت، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ ثُمَّ عَدَلَتْ لِغَيْرِهِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ إلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ عَدَلَتْ إلَيْهِ، وَلَوْ خَرَجَتْ لَهُمَا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا: أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ. وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَيْمَانِ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِهِ، وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ الْخُرُوجُ لِمَقْصُودٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْحَمَّامِ، وَهَذَا الْحَمَّامُ مَقْصُودٌ بِالْخُرُوجِ، وَقَدْ حَاوَلَ شَيْخُنَا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ بِحَلِفِهِ الْخُرُوجَ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَقَطْ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِحَلِفِهِ شَيْئًا فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى الْخُرُوجِ لَهُمَا أَنَّهُ خُرُوجُ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لَهُمَا خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْحَمَّامِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّنَاقُضِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا مَعَ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَا لَكِنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا بِخُطُوَاتٍ، أَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهَا إلَّا بِمُوجِبٍ فَشَتَمَتْهُ فَضَرَبَهَا بِسَوْطٍ مَثَلًا لَمْ تَطْلُقْ لِلْعُرْفِ فِي الْأُولَى، وَلِضَرْبِهِ لَهَا بِمُوجِبٍ فِي الثَّانِيَةِ، إذْ الْمُرَادُ فِيهَا بِالْمُوجِبِ مَا تَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ عَلَيْهِ تَأْدِيبًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالٍ زَيْدٍ فَأَضَافَهُ أَوْ نَثَرَ مَأْكُولًا فَالْتَقَطَهُ أَوْ خَلَطَا زَادَيْهِمَا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ الطَّعَامَ قُبَيْلِ الِازْدِرَادِ، وَالْمُلْتَقِطُ يَمْلِكُ الْمَلْقُوطَ بِالْأَخْذِ، فَالْخَلْطُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ مَا 6 دَامَ فِيهَا فَانْتَقَلَ مِنْهَا وَعَادَ إلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا الْحَالِفُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ بِالِانْتِقَالِ مِنْهَا؛ نَعَمْ إنْ أَرَادَ كَوْنَهُ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَخْرُجِي اللَّيْلَةَ مِنْ دَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَالَعَهَا بِنَفْسِهَا أَوْ أَجْنَبِيٍّ فِي اللَّيْلِ وَإِنْ تَمَكَّنَتْ قَبْلَهُ مِنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا أَوْ لَمْ يُجَدِّدْهُ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ لَمْ تَطْلُقْ؛ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَمْضِ اللَّيْلُ كُلُّهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ وَقَالَ: تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ خَطَأٌ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: إنَّ الصَّوَابَ مَا أَفْتَى بِهِ أَوَّلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ. (وَلَوْ قَالَ) لَهَا (أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ) إلَى (زَمَانٍ) أَيْ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِلَى فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى بَعْدَ (أَوْ بَعْدَ حِينٍ) أَوْ زَمَانٍ (طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ. قَالَ تَعَالَى: {حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] : قِيلَ: أَرَادَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: الجزء: 4 ¦ الصفحة: 532 وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ تَنَاوَلَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا،   [مغني المحتاج] سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ، وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهُ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى حِينٍ لَمْ يَحْنَثْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ، وَلَأَقْضِيَنَّ وَعْدٌ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْعَصْرُ وَالدَّهْرُ، وَهُوَ الزَّمَنُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْوَقْتُ وَالْآنُ، وَالْحِقَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ كَالزَّمَانِ وَالْحِينِ فِيمَا مَرَّ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ. أَمَّا الْحُقُبُ بِضَمِّ الْقَافِ فَهُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا صُمْت زَمَانًا حَنِثَ بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا صُمْت، وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ أَزْمِنَةً كَفَاهُ صَوْمُ يَوْمٍ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى أَزْمِنَةٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ الْأَيَّامَ كَفَاهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ كَانَ يُعَذِّبُ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَوْ اتَّهَمَتْهُ زَوْجَتُهُ بِاللِّوَاطِ فَحَلَفَ لَا يَأْتِي حَرَامًا حَنِثَ بِكُلِّ مُحَرَّمٍ، وَلَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَا تَخْرُجِينَ مِنْ الصُّفَّةِ أَيْضًا لَغَا الْأَخِيرُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ وَلَا عَطْفَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْبَحْرِ، أَوْ فِي مَكَّةَ، أَوْ فِي الظِّلِّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْتَظَرُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ. (وَلَوْ عَلَّقَ) الطَّلَاقَ (بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ) مَثَلًا كَإِنْ رَأَيْته فَأَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ لَمْسِهِ وَقَذْفِهِ) كَإِنْ لَمَسْته أَوْ قَذَفْته فَأَنْتِ طَالِقٌ (تَنَاوَلَهُ) التَّعْلِيقُ (حَيًّا وَمَيِّتًا) فَيَحْنَثُ بِرُؤْيَةِ الْمَيِّتِ، وَمَسِّ بَشَرَتِهِ، لِصِدْقِ الِاسْمِ فِي الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْحَيِّ، وَلِهَذَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ مَاسِّهِ، وَخَرَجَ بِالْبَشَرَةِ مَسُّهُ بِحَائِلٍ، وَمَسُّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَسِنِّهِ، وَيَكْفِي فِي الرُّؤْيَةِ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَلَوْ غَيْرِ وَجْهِهِ، وَلَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى أَوْ وَهُوَ سَكْرَانُ، وَلَوْ كَانَ الْمَرْئِيُّ فِي مَاءٍ صَافٍ وَزُجَاجٍ وَشَفَّافٍ لَا خَيَالَ فِيهِمَا طَلُقَتْ لِوُجُوبِ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُتَّزِرٌ بِثَوْبٍ، أَوْ مَاءٍ كَدِرٍ، أَوْ زُجَاجٍ كَثِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ بِرُؤْيَتِهَا خَيَالَهُ فِي الْمِرْآةِ. نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا وَجْهَهَا فَرَأَتْهُ فِي الْمِرْآةِ طَلُقَتْ إذْ لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَتُهُ إلَّا كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهِ وَجْهَهُ، وَيُعْتَبَرُ مَعَ مَا ذُكِرَ صِدْقُ رُؤْيَةِ كُلِّهِ عُرْفًا، فَقَدْ قَالَ الْمُتَوَلِّي بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ: أَمَّا لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ مِنْ كُوَّةٍ فَرَأَتْ ذَلِكَ الْعُضْوَ مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ، عَمْيَاءَ وَأُيِسَ مِنْ بُرْئِهَا عَادَةً كَمَنْ تَرَاكَمَ عَلَى عَيْنَيْهَا الْبَيَاضُ [. .] أَوْ عَارِيًّا، أَوْ وُلِدَتْ عَمْيَاءَ فَتَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَتِهَا الْهِلَالَ حُمِلَ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا لَهُ، أَوْ بِتَمَامِ الْعَدَدِ فَتَطْلُقُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» بِخِلَافِ رُؤْيَةِ زَيْدٍ مَثَلًا، فَقَدْ يَكُونُ الْغَرَضُ زَجْرُهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ، أَوْ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مُؤَاخَذَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت بِالرُّؤْيَةِ الْمُعَايَنَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِرُؤْيَةِ عَمْيَاءَ فَلَا الجزء: 4 ¦ الصفحة: 533 بِخِلَافِ ضَرْبِهِ.   [مغني المحتاج] يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ لَكِنْ يُدَيَّنُ، فَإِذَا قَبِلْنَا التَّفْسِيرَ بِالْمُعَايَنَةِ وَمَضَى ثَلَاثُ لَيَالٍ وَلَمْ تَرَ فِيهَا الْهِلَالَ مِنْ أَوَّلِ شَهْرٍ تَسْتَقْبِلُهُ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَعْدَهَا هِلَالًا (بِخِلَافِ ضَرْبِهِ) إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ، كَإِنْ ضَرَبْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَتْهُ وَهُوَ مَيِّتٌ لِانْتِفَاءِ الْأَلَمِ، أَوْ هُوَ حَيٌّ طَلُقَتْ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ أَوْ وَكْزٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إنْ آلَمَ الْمَضْرُوبَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ مَعَ حَائِلٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُؤْلِمْهُ، أَوْ عَضَّهُ، أَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا فِي الْأَيْمَانِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَيُقَالُ فِي الْعُرْفِ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ. فُرُوعٌ: لَوْ عَلَّقَ بِتَكْلِيمِهَا زَيْدًا فَكَلَّمَتْهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ سُكْرًا يَسْمَعُ مَعَهُ وَيَتَكَلَّمُ، وَكَذَا إنْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ سَكْرَى لَا السُّكْرُ الطَّافِحُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ مِمَّنْ يُكَلِّمُ غَيْرَهُ وَيَتَكَلَّمُ هُوَ عَادَةً، فَإِنْ كَلَّمَتْهُ فِي نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، أَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ، أَوْ كَلَّمَتْهُ بِهَمْسٍ، وَهُوَ خَفْضُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْمُخَاطَبُ، أَوْ نَادَتْهُ مِنْ مَكَان لَا يَسْمَعُ مِنْهُ، فَإِنْ فَهِمَهُ بِقَرِينَةٍ، أَوْ حَمَلَتْهُ رِيحٌ إلَيْهِ وَسَمِعَ لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى كَلَامًا عَادَةً، وَإِنْ كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَكِنَّهُ لَا يَسْمَعُ لِذُهُولٍ مِنْهُ، أَوْ لِشُغْلٍ، أَوْ لَغَطٍ، وَلَوْ كَانَ لَا يُفِيدُ مَعَهُ الْإِصْغَاءُ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ، وَعَدَمُ السَّمَاعِ لِعَارِضٍ، وَإِنْ كَانَ أَصَمَّ فَكَلَّمَتْهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمٍ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ لَسَمِعَ فَقِيلَ: يَقَعُ؛ لِأَنَّهَا كَلَّمَتْهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَإِنْ تَعَذَّرَ السَّمَاعُ لِأَمْرٍ بِهِ فَأَشْبَهَ شُغْلَ قَلْبِهِ، وَصَحَّحَ هَذَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي ثَمَّ عَنْ النَّصِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَتَعَيَّنُ الْفَتْوَى بِهِ، وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ عَادَةً فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْهَمْسِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ. وَالثَّانِي: عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ مَعَ رَفْعِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت نَائِمًا أَوْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ مَثَلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت مَيِّتًا أَوْ حِمَارًا، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ حَائِطًا مَثَلًا وَهُوَ يَسْمَعُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُكَلِّمْهُ. وَالثَّانِي: تَطْلُقُ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ دُونَ الْحَائِطِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ أَبَاهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهَا أَوْ زَوْجَهَا طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، فَإِنْ قَالَ قَصَدْت مَنْعَهَا مِنْ مُكَالَمَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ قُبِلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِتَكْلِيمِ أَحَدِهِمَا، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ، فَلَا يَقَعُ بِتَكْلِيمِ الْآخَرِ شَيْءٌ، أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِكَلَامِهِمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ إنْ كَلَّمَتْ زَيْدًا ثُمَّ عَمْرًا أَوْ زَيْدًا فَعَمْرًا اُشْتُرِطَ تَكْلِيمُ زَيْدٍ أَوَّلًا وَتَكْلِيمُ عَمْرٍو بَعْدَهُ مُتَرَاخِيًا فِي الْأُولَى وَعَقِبَ كَلَامِ زَيْدٍ فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: الْأَصْحَابُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَمِيلُونَ فِي التَّعْلِيقِ إلَى تَقْدِيمِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ كَمَا مَرَّ فِي إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَايَ مِنْ نَوَاك، فَإِنَّ مَعْنَاهُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 534 وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ فَقَالَ إنْ كُنْت كَذَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ، أَوْ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْأَصَحِّ، وَالسَّفَهُ مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، وَالْخَسِيسُ. قِيلَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا.   [مغني المحتاج] الْوَضْعِيَّ التَّفْرِيقُ، وَمَعْنَاهُ الْعُرْفِيَّ التَّعْيِينُ، هَذَا إنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ، فَإِنْ اطَّرَدَ عُمِلَ بِهِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ، وَعَلَى النَّاظِرِ التَّأَمُّلُ وَالِاجْتِهَادُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ بَلْ يَأْتِي عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِي فِي الْخَسِيسِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُشْبِهُ. . إلَخْ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَوْصَافٍ تَجْرِي فِي مُخَاصَمَةِ الزَّوْجَيْنِ وَيُعَلَّقُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ فَقَالَ: (وَلَوْ خَاطَبَتْهُ) زَوْجَتُهُ (بِمَكْرُوهٍ) مِنْ الْقَوْلِ (كَيَا سَفِيهُ يَا خَسِيسُ، فَقَالَ) لَهَا (إنْ كُنْت كَذَاك) أَيْ سَفِيهًا أَوْ خَسِيسًا (فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ) بِذَلِكَ (مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ) أَيْ إغَاظَتَهَا بِالطَّلَاقِ كَمَا أَغَاظَتْهُ بِالشَّتْمِ الْمَكْرُوهِ، وَالْمَعْنَى إنْ كُنْت كَذَلِكَ فِي زَعْمِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ (طَلُقَتْ) حَالًا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ) أَوْ خِسَّةٌ (أَوْ) أَرَادَ (التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ) كَمَا هُوَ سَبِيلُ التَّعْلِيقَاتِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً لَمْ تَطْلُقْ (وَكَذَا) تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ (إنْ) أَطْلَقَ بِأَنْ (لَمْ يَقْصِدْ) شَيْئًا (فِي الْأَصَحِّ) نَظَرًا لِوَضْعِ اللَّفْظِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ عَدَمِهَا. وَالثَّانِي: لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَةُ حَمْلًا عَلَى الْمُكَافَأَةِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يُرَاعِي الْوَضْعَ أَوْ الْعُرْفَ (وَالسَّفَهُ) الْمُعَلَّقُ بِهِ كَمَا هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ (مُنَافِي إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ) فَهُوَ صِفَةٌ لَا يَكُونُ الشَّخْصُ مَعَهَا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْعُرْفُ فِي زَمَنِنَا جَارٍ بِأَنَّهُ ذُو اللِّسَانِ الْفَاحِشِ الْمُوَاجِهُ بِمَا يَسْتَحِي مِنْهُ غَالِبُ النَّاسِ، فَالْوَجْهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ السَّفَهَ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَدُلُّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ بِأَنْ خَاطَبَهَا بِمَا فِيهِ فُحْشٌ مِنْ الْقَوْلِ فَخَاطَبَتْهُ بِذَلِكَ مُشِيرَةً إلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ اهـ. وَالْمُتَّجِهُ أَنَّ السَّفِيهَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَا إلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَّا إنْ ادَّعَاهُ وَكَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ. وَأَمَّا الْعَاصِي فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا قَالَهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ (وَالْخَسِيسُ. قِيلَ) أَيْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ (مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ) أَيْ تَرَكَ دِينَهُ لِاشْتِغَالِهِ بِدُنْيَاهُ. قَالَ: وَأَخَسُّ الْأَخِسَّاءِ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا مِنْ نَفْسِهِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ (وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ) فِي مَعْنَى الْخَسِيسِ (هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا) بِمَا يَلِيقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ يَتَعَاطَاهُ تَوَاضُعًا، وَالْقَوَّادُ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمْعًا حَرَامًا وَإِنْ كُنَّ غَيْرَ أَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَكَذَا مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْدِ، وَالْقَرْطَبَانُ مَنْ يَسْكُتُ عَلَى الزَّانِي بِامْرَأَتِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَحَارِمُهُ وَنَحْوَهُنَّ، وَالدَّيُّوثُ بِالْمُثَلَّثَةِ مَنْ لَا يَمْنَعُ الدَّاخِلَ عَلَى زَوْجَتِهِ مِنْ الدُّخُولِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَارِمَهُ وَإِمَاءَهُ كَزَوْجَتِهِ لِلْعُرْفِ. وَقَلِيلُ الْحَمِيَّةِ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَارِمِهِ وَنَحْوِهِنَّ، وَالْقَلَّاشُ الذَّوَّاقُ لِلطَّعَامِ كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ، وَالْبَخِيلُ الجزء: 4 ¦ الصفحة: 535 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] مَانِعُ الزَّكَاةِ وَمَنْ لَا يُقْرِي الضَّيْفَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا بَخِيلٌ، وَمَنْ قِيلَ لَهُ يَا زَوْجَ الْقَحْبَةِ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ، زَوْجَتِي كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ طَلُقَتْ إنْ قَصَدَ التَّخَلُّصَ مِنْ عَارِهَا، كَمَا لَوْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ. وَالْقَحْبَةُ هِيَ الْبَغِيُّ، والجهودوري مَنْ قَامَ بِهِ الذِّلَّةُ أَوْ الْخَسَاسَةُ، وَقِيلَ: مَنْ قَامَ بِهِ صُفْرَةُ الْوَجْهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِهِ الْمُسْلِمُ لَمْ تَطْلُقْ، لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا، فَإِنْ قَصَدَ الْمُكَافَأَةَ بِهَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَالْكَوْسَجُ مَنْ قَلَّ شَعْرُ وَجْهِهِ وَعُدِمَ شَعْرُ عَارِضَيْهِ، وَالْأَحْمَقُ مَنْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ، وَقِيلَ: مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِعَقْلِهِ، وَقِيلَ: مَنْ يَعْمَلُ مَا يَضُرُّهُ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ، وَالْغَوْغَاءُ مَنْ يُخَالِطُ الْأَرَاذِلَ وَيُخَاصِمُ النَّاسَ بِلَا حَاجَةٍ، وَالسِّفْلَةُ مَنْ يَعْتَادُ دَنِيءَ الْأَفْعَالِ لَا نَادِرًا، فَإِذَا وَصَفَتْ زَوْجَهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْت كَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ قَصَدَ مُكَافَأَتَهَا طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ وُجُودُ الصِّفَةِ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: كَمْ تُحَرِّكُ لِحْيَتَك فَقَدْ رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت رَأَيْت مِثْلَهَا كَثِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ كِنَايَةٌ عَنْ الرُّجُولِيَّةِ وَالْفُتُوَّةِ وَنَحْوَهَا، وَإِنْ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى الْمُكَافَأَةِ طَلُقَتْ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَتْ وُجُودُ الصِّفَةِ وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: أَنَا أَسْتَنْكِفُ مِنْك، فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَسْتَنْكِفُ مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ فَظَاهِرُهُ الْمُكَافَأَةُ فَتَطْلُقُ حَالًا إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ: أَنْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ظَاهِرًا، فَإِنْ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَالَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا الْكَافِرِ فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ظَاهِرًا، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ عَدَمُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمُكَافَأَةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ إنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ إنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَإِنْ أَذْنَبَ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ وُقُوعُهُ، وَلَوْ حَلَفَ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ إمَامَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَحْنَثْ تَشْبِيهًا بِمَسْأَلَةِ الْغُرَابِ، وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَدْ يَعْلَمُ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْآخَرُ، وَلَوْ حَلَفَ سُنِّيٌّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ عَلِيٍّ، وَعَكَسَ الرَّافِضِيُّ حَنِثَ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ حَلَفَ السُّنِّيُّ أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَلَفَ الْمُعْتَزِلِيُّ أَنَّهُمَا مِنْ الْعَبْدِ حَنِثَ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُمَا مِنْ اللَّهِ، وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَنْبَلِيِّ يَقُولُ: إنْ لَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَلَى الْعَرْشِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَعَكَسَ الْأَشْعَرِيُّ. فَقَالَ: إنْ أَرَادَ الْحَنْبَلِيُّ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ. خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَبْرَأْتنِي مِنْ دَيْنِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ دَيْنِكِ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ فَعَلْت مَعْصِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَرْكٌ وَلَيْسَ بِفِعْلٍ، وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ، فَقَالَ: إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْلَى مِنْ زَوْجَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِمَيْلِ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الزَّوْجَةُ فَلَا تَكُونُ أَحْلَى مِنْ نَفْسِهَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يُخَاطِبُ غَيْرَهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْت أَمَتِي بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ فَاسْتَأْذَنَهَا فَقَالَتْ لَهُ: طَأْهَا فِي عَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ إذْنًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا إنْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الْوَطْءِ كَانَ إذْنًا وَقَوْلُهَا فِي الجزء: 4 ¦ الصفحة: 536 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عَيْنِهَا يَكُونُ تَوَسُّعَا لَهُ فِي الْإِذْنِ لَا تَخَصُّصًا، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الْبَيْتَ وَوَجَدْت فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِك وَلَمْ أَكْسِرْهُ عَلَى رَأْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَ فِي الْبَيْتِ هَاوُنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِلِاسْتِحَالَةِ، وَقِيلَ تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِلْيَأْسِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ غَسَلْت ثَوْبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَغَسَلَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ غَمَسَتْهُ هِيَ فِي الْمَاءِ تَنْظِيفًا لَهُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْغَسْلُ بِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ كَالْأُشْنَانِ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ قَبَّلْت ضَرَّتَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَبَّلَهَا مَيِّتَةً لَمْ تَطْلُقْ بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ بِتَقْبِيلِ أُمِّهِ، فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بِتَقْبِيلِهَا مَيِّتَةً إذْ قُبْلَةُ الزَّوْجَةِ قُبْلَةُ شَهْوَةٍ وَلَا شَهْوَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْأُمُّ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ قُبْلَتَهَا قُبْلَةُ شَفَقَةٍ وَكَرَامَةٍ، أَكْرَمَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجَمِيعَ أَهْلِنَا وَمَشَايِخِنَا وَأَصْحَابِنَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 537 كِتَابُ الرَّجْعَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الرَّجْعَةِ] (كِتَابُ الرَّجْعَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ، وَهِيَ لُغَةً: الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ. قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أَيْ فِي الْعِدَّةِ، {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] أَيْ رَجْعَةً: كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وقَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ مُفَسَّرَانِ بِالرَّجْعَةِ، «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ وَإِنَّهَا زَوْجَتُك فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» كَمَا مَرَّ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: مُرْتَجِعٌ وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ، فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ سَبَبٌ لَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: وَ (شَرْطُ الْمُرْتَجِعِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 النِّكَاحُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ. وَتَحْصُلُ بِرَاجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ صَرِيحَانِ، وَأَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ كِنَايَتَانِ،   [مغني المحتاج] أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا غَيْرَ مُرْتَدٍّ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَإِنْشَاءِ النِّكَاحِ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ فِي الرِّدَّةِ وَالصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ كَمَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: الِاحْتِرَازُ عَنْ الصَّبِيِّ فِيهِ تَجَوُّزٌ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ طَلَاقِهِ حَتَّى يُقَالَ: لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ، وَتَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْمُحْرِمُ فَإِنَّهُ تَصِحُّ رَجْعَتُهُ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ، وَإِنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ، وَلِهَذَا لَوْ طَلَّقَ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةُ الْأَمَةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ لَهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِنِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَصِحُّ مُرَاجَعَةُ الْعَبْدِ وَالسَّفِيهِ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ احْتَاجَا فِي النِّكَاحِ إلَيْهِ إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ عَتَقَتْ الرَّجْعِيَّةُ تَحْتَ عَبْدٍ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا (وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ لِلْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَجْهٍ بَلْ هُوَ بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ جَزَمَ بِهِ الْجِيلِيُّ. أُجِيبَ بِاحْتِمَالِ وُقُوفِ الْمُصَنِّفِ عَلَى نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الصِّيغَةُ وَفِي انْقِسَامِهَا إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ فَقَالَ: (وَتَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ مِنْ نَاطِقٍ (بِرَاجَعْتُك وَرَجَعْتُك وَارْتَجَعْتُك) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرِيحَةٌ لِشُيُوعِهَا وَوُرُودِ الْأَخْبَارِ بِهَا، وَيَلْحَقُ بِهَا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ لَفْظِهَا: كَقَوْلِهِ: أَنْتِ مُرَاجَعَةٌ أَوْ مُرْتَجَعَةٌ أَوْ مُسْتَرْجَعَةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِمَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ، سَوَاءٌ أَعَرِفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَضَافَ إلَيْهِ أَوْ إلَى نِكَاحِهِ كَقَوْلِهِ: إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي أَمْ لَا، لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ رَاجَعْت أَوْ ارْتَجَعْت أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ ذَلِكَ إلَى مُظْهَرٍ كَرَاجَعْتُ فُلَانَةَ أَوْ مُضْمَرٍ كَرَاجَعْتُكِ أَوْ مُشَارٍ إلَيْهِ كَرَاجَعْتُ هَذِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ) كَرَدَدْتُك أَوْ أَمْسَكْتُك، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ مَسَكْتُك (صَرِيحَانِ) فِي الرَّجْعَةِ أَيْضًا لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أَيْ فِي الْعِدَّةِ {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: 228] أَيْ رَجْعَةً: كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَالثَّانِي أَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ) فِي قَوْلِ الْمُرْتَجِعِ تَزَوَّجْتُك أَوْ نَكَحْتُك (كِنَايَتَانِ) وَإِنْ جُوِّزَ الْعَقْدُ عَلَى صُورَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِمَا فِي الرَّجْعَةِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ لَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالثَّانِي: هُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 وَلْيَقُلْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا،   [مغني المحتاج] صَرِيحَانِ؛ لِأَنَّهُمَا صَالِحَانِ لِلِابْتِدَاءِ فَلَأَنْ يَصْلُحَا لِلتَّدَارُكِ أَوْلَى (وَلْيَقُلْ) أَيْ الْمُرْتَجِعُ (رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي) حَتَّى يَكُونَ صَرِيحًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ ضِدُّ الْقَبُولِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّدُّ إلَى الْأَبَوَيْنِ بِسَبَبِ الْفِرَاقِ فَلَزِمَ تَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَقِيَّةِ (وَالْجَدِيدُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) فِي الرَّجْعَةِ (الْإِشْهَادُ) بِهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ السَّابِقِ، وَلِذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَى الْوَلِيِّ وَرِضَا الْمَرْأَةِ وَالْقَدِيمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَا لِكَوْنِهَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، بَلْ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] أَيْ عَلَى الْإِمْسَاكِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الرَّجْعَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] لِلْأَمْنِ مِنْ الْجُحُودِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ لِإِثْبَاتِ الْفِرَاشِ وَهُوَ ثَابِتٌ هُنَا، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ اُسْتُحِبَّ الْإِشْهَادُ عِنْدَ إقْرَارِهَا بِالرَّجْعَةِ خَوْفَ جُحُودِهَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِهَا فِي الْعِدَّةِ مَقْبُولٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ وَعَلَى الْجَدِيدِ (فَتَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (بِكِنَايَةٍ) وَلِهَذَا أَتَى بِفَاءِ التَّفْرِيعِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ، لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِي حُكْمِ الِابْتِدَاءِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الْكِتَابَةُ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ كَالْكِنَايَةِ أَوْ لَا؟ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِاللَّفْظِ مِنْ الْقَادِرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ يَصِحُّ بِالصَّرِيحِ وَبِالْكِنَايَةِ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَصِحُّ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ أَوْ فَظُنُونٌ فَقَطْ فَكِنَايَةٌ، وَبِالْكِتَابَةِ بِالْفَوْقِيَّةِ لِعَجْزِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الزَّوْجَةِ وَلَا رِضَا وَلِيِّهَا وَلَا سَيِّدِهَا إذَا كَانَتْ، أَمَةً، وَيُسَنُّ إعْلَامُ سَيِّدِهَا (وَ) لَا تَسْقُطُ الرَّجْعَةُ بِالْإِسْقَاطِ (وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا) وَلَا تَأْقِيتًا كَالنِّكَاحِ، فَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك إنْ شِئْت لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلَا يَضُرُّ رَاجَعْتُك إنْ شِئْت أَوْ أَنْ شِئْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ لَا تَعْلِيقٌ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَسْتَفْسِرَ الْجَاهِلُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ: رَاجَعْتُك شَهْرًا أَوْ زَمَنًا لَمْ يَصِحَّ لِمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ: مَتَى رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ لِمَنْ فِي نِكَاحِهِ: مَتَى طَلَّقْتُك وَرَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَرَاجَعَهَا صَحَّ الِارْتِجَاعُ وَطَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك لِلضَّرْبِ أَوْ لِلْإِكْرَامِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ إنْ قَصَدَهُمَا أَوْ أَطْلَقَ، لَا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ دُونَ الرَّجْعَةِ فَيَضُرُّ فَيَسْأَلُ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتَبَيَّنُ مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السُّؤَالِ حَصَلَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طَلُقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا، بَاقِيَةٌ فِي الْعِدَّةِ، مَحِلٍّ لِحِلٍّ، لَا مُرْتَدَّةٍ   [مغني المحتاج] الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ (وَلَا تَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ بِإِنْكَارِ الزَّوْجِ طَلَاقَهَا لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا، وَلَا (بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ) وَمُقَدَّمَاتِهِ، وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الرَّجْعَةَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَحْصُلُ بِهِ النِّكَاحُ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُوجِبُ الْعِدَّةَ فَكَيْفَ يَقْطَعُهَا نَعَمْ وَطْءُ الْكَافِرِ وَمُقَدَّمَاتُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ رَجْعَةً وَأَسْلَمُوا وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا فَنُقِرُّهُمْ كَمَا نُقِرُّهُمْ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ بَلْ أَوْلَى، وَقَدْ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْكِتَابَةُ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِنَايَاتِ كَمَا مَرَّ وَهِيَ فِعْلٌ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ فَقَالَ (وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ) لِأَنَّ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِهَا، وَالرَّجْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الْعِدَّةِ قَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] أَيْ فِي التَّرَبُّصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: يَتَرَبَّصْنَ تَنْبِيهٌ: شَمَلَ إطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الْقُبُلِ وَكَذَا فِي الدُّبُرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ وَتَثْبُتُ بِهِ الرَّجْعَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ مُثْبِتَاتِ الْخِيَارِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُنَّةِ، وَإِنْ صَحَّحَ فِيهَا فِي بَابِ مَوَانِعِ النِّكَاحِ عَدَمَ ثُبُوتِهَا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَتَخْرُجُ الْخَلْوَةُ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ بِهَا (طَلُقَتْ) فَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا لَا رَجْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَهَا بِالطَّلَاقِ فَاخْتَصَّتْ بِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ (بِلَا عِوَضٍ) لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ بِهِ قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا (لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى فَإِنَّهُ لَا سَلْطَنَةَ لَهُ عَلَيْهَا (بَاقِيَةٌ فِي الْعِدَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] لَوْ كَانَ حَقُّ الرَّجْعَةِ بَاقِيًا لِمَا كَانَ يُبَاحُ لَهُنَّ النِّكَاحُ تَنْبِيهٌ: يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا خَالَطَ الرَّجْعِيَّةَ مُخَالَطَةَ الْأَزْوَاجِ بِلَا وَطْءٍ فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي وَلَا رَجْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ وَيَدْخُلُ فِيهَا الْبَقِيَّةُ وَلَا يُرَاجِعُ إلَّا فِي الْبَقِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَحَمَلَتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ فِي عِدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ، وَسَيَأْتِي فِي هَذِهِ خِلَافٌ فِي الْعِدَدِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ بَاقِيَةٌ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا لَشَمَلَ هَذِهِ الصُّوَرَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْبَقَاءُ فِي كَلَامِهِ عَلَى بَقَاءِ أَصْلِ الْعِدَّةِ (مَحِلٍّ لِحِلٍّ) أَيْ قَابِلَةٍ لِلْحِلِّ لِلْمُرَاجِعِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ الْكَافِرَةُ وَاسْتَمَرَّ زَوْجُهَا وَرَاجَعَهَا فِي كُفْرِهِ لَمْ يَصِحَّ (لَا مُرْتَدَّةٍ) فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الْحِلُّ وَالرِّدَّةُ تُنَافِيهِ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ أَوْ ارْتَدَّا مَعًا، وَضَابِطُ ذَلِكَ انْتِقَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى دِينٍ يَمْنَعُ دَوَامَ النِّكَاحِ تَنْبِيهٌ: لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَجْعَةُ الْمُحْرِمَةِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ عَدَمِ إفَادَةِ رَجْعَتِهَا حِلَّ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَبُولُ نَوْعٍ مِنْ الْحِلِّ، وَقَدْ أَفَادَتْ حِلَّ الْخَلْوَةِ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْمُرْتَجَعَةِ كَوْنُهَا مُعَيَّنَةً، فَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَأُبْهِمَ ثُمَّ رَاجَعَ أَوْ طَلَّقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ رَاجَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، إذْ لَيْسَتْ الرَّجْعَةُ فِي احْتِمَالِ الْإِبْهَامِ كَالطَّلَاقِ لِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْإِبْهَامِ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ وَنُسِيَتْ لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَيْءٍ وَشَكَّ فِي حُصُولِهِ فَرَاجَعَ ثُمَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 وَإِذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ لِمُدَّةِ إمْكَانِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، أَوْ سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَمِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ   [مغني المحتاج] عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَاصِلًا فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعِيَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ الْكَمَالُ سَلَّارٍ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ أَنَّهَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ (وَإِذَا ادَّعَتْ) الْمُعْتَدَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ (انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ) كَأَنْ تَكُونَ آيِسَةً (وَأَنْكَرَ) زَوْجُهَا ذَلِكَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِرُجُوعِ ذَلِكَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ طَلَاقِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ فَكَذَا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَنْ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَتِهِ، وَلَوْ انْعَكَسَتْ الصُّورَةُ فَإِنْ ادَّعَى الِانْقِضَاءَ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا؛ لِأَنَّهَا غَلَّظَتْ عَلَى نَفْسِهَا كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فِي الْمُدَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الزَّوْجُ فَلَا تَسْتَحِقُّهَا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْكَافِي، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَلَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِمَا (أَوْ) لَمْ تَدَّعِ انْقِضَاءَ أَشْهُرٍ بَلْ ادَّعَتْ (وَضْعَ حَمْلٍ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ كَامِلٍ أَوْ نَاقِصٍ وَلَوْ مُضْغَةً (لِمُدَّةِ إمْكَانِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا (وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ) مِنْهَا فِي وَضْعِ الْحَمْلِ الْمَذْكُور فِيمَا يَرْجِعُ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَطْ، لِأَنَّ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٌ عَلَى مَا فِي أَرْحَامِهِنَّ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِلَادَةِ قَدْ تَعْسُرُ أَوْ تَتَعَذَّرُ، وَالثَّانِي: لَا وَتُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا مُدَّعِيَةٌ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقَوَابِلَ يَشْهَدْنَ بِالْوِلَادَةِ، أَمَّا النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ كَمَا فِي الْأَمَةِ تَدَّعِي وَضْعَ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهَا فَلَا يَثْبُتُ الْوَضْعُ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ فِي النَّسَبِ، وَبِأَنَّ الْأَمَةَ تَدَّعِي بِالْوِلَادَةِ زَوَالَ مِلْكٍ مُتَيَقَّنٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ انْفِصَالِ كُلِّ الْحَمْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَرَاجَعَهَا صَحَّتْ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مُدَّةُ إمْكَانٍ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا سَيَأْتِي، وَبِقَوْلِهِ: وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ عَنْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهَا الْمُصَنِّفُ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي دَعْوَى الْوَضْعِ، وَكَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَأَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الِاخْتِلَافُ مَعَهَا كَمَا مَرَّ كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ لَمْ تَحِضْ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا تَحْبَلُ كَذَا قَالَهُ هُنَا، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعِدَدِ مَا يُفْهَمُ إمْكَانُ الْحَبْلِ فِيهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى الْغَالِبِ وَأَمَّا مُدَّةُ الْإِمْكَانِ فَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ) أَيْ أَقَلَّ مُدَّةٍ تُمْكِنُ فِيهَا وِلَادَتُهُ (سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ) إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ (النِّكَاحِ) كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْإِمْكَانِ، وَاعْتُبِرَتْ السِّتَّةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وَقَالَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] وَاللَّحْظَتَانِ: لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ، وَلَحْظَةٌ لِلْوِلَادَةِ (أَوْ) وِلَادَةُ (سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَمِائَةٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِهِ مِائَةٌ (وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ (أَوْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ فَثَمَانُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ، فَإِنْ كَانَتْ، حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلَحْظَةٌ،   [مغني المحتاج] لَمْ تَدَّعِ الْمُعْتَدَّةُ وَضْعَ حَمْلٍ بَلْ ادَّعَتْ إلْقَاءَ (مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ) وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ بِأَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ (فَثَمَانُونَ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِهِ ثَمَانُونَ (يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ، وَدَلِيلُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً يَكُونُ عَلَقَةً ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ» وَاسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ بِخَبَرٍ انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ، وَهُوَ: «إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا» الْحَدِيثُ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا مِنْ التَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ بِالْمُتَوَسِّطِ أَوْ الْمُؤَخَّرِ أَوَّلًا، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرْتِيبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا وَمِنْهَا أَنْ يُحْمَلَ التَّصْوِيرُ فِي الثَّانِي عَلَى غَيْرِ التَّامِّ، وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى التَّامِّ وَمِنْهَا أَنْ يُحْمَلَ الثَّانِي عَلَى التَّصْوِيرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فَاءُ فَصَوَّرَهَا إذْ التَّقْدِيرُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ فَصَوَّرَهَا: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: 5] فَإِنْ ادَّعَتْ الْوَضْعَ أَيْ فِي أَيِّ قِسْمٍ لِأَقَلَّ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ لَمْ تُصَدَّقْ وَكَانَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا فَائِدَةٌ: لَا وَلَدَ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ وَضْعُهُ وَحَمْلُهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَهَاهُ لَكَانَ لَكِنَّهُ لَمْ يَشْتَهِهِ (أَوْ) ادَّعَتْ الْمُعْتَدَّةُ (انْقِضَاءَ) مُدَّةِ (أَقْرَاءٍ) نُظِرَ فِيهَا (فَإِنْ كَانَتْ، حُرَّةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ (فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ) لِانْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا (اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ لَحْظَةٌ مِنْ الطُّهْرِ وَهِيَ قُرْءٌ ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَذَلِكَ قُرْءٌ ثَانٍ، ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِكَ قُرْءٌ ثَالِثٌ ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الْحَيْضَةِ، وَهَذِهِ الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بَلْ لِاسْتِيقَانِ انْقِضَائِهَا فَلَا تَصْلُحُ لِرَجْعَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ أَثَرِ نِكَاحِ الْمُطَلِّقِ كَإِرْثٍ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ، أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ لِلطَّعْنِ، فَإِنَّ الطُّهْرَ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ لَيْسَ بِقُرْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَوِشٍ بِدَمَيْنِ، وَلَا تُعْتَبَرُ لَحْظَةٌ أُخْرَى لِاحْتِمَالِ طَلَاقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الطُّهْرِ (أَوْ) طَلُقَتْ حُرَّةٌ (فِي حَيْضٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ أَوْ مُبْتَدَأَةٌ (فَسَبْعَةٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا سَبْعَةٌ (وَأَرْبَعُونَ) يَوْمًا (وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ كَأَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَطْعَنُ فِي الْحَيْضِ، وَفِي لَحْظَةِ الطَّعْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 أَوْ أَمَةً وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَلَحْظَةٌ وَتُصَدَّقُ إنْ لَمْ تُخَالِفْ عَادَةً دَائِرَةٌ، وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَطِئَ رَجْعِيَّتَهُ وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ   [مغني المحتاج] الْمُطَلَّقَةِ فِي الطُّهْرِ، وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى تَقْدِيرِ لَحْظَةٍ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ اللَّحْظَةَ هُنَاكَ تُحْسَبُ قُرْءًا (أَوْ) كَانَتْ، (أَمَةً) وَلَوْ مُبَعَّضَةً (وَطَلُقَتْ فِي طُهْرٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ (فَسِتَّةٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا سِتَّةُ (عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَطْلُقَ وَقَدْ بَقِيَ لَحْظَةٌ مِنْ الطُّهْرِ فَتُحْسَبَ قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضَ بَعْدَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَطْعَنَ فِي الدَّمِ لَحْظَةٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا تَمَامُ الطُّهْرِ، أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانِ فِيهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاحْتِوَاشِ وَهُوَ الرَّاجِحُ (أَوْ) طَلُقَتْ أَمَةٌ وَلَوْ مُبَعَّضَةً (فِي حَيْضٍ) وَهِيَ مُعْتَادَةٌ أَوْ مُبْتَدَأَةٌ (فَأَحَدٌ) أَيْ فَأَقَلُّ إمْكَانِ انْقِضَاءِ أَقْرَائِهَا أَحَدٌ (وَثَلَاثُونَ) يَوْمًا (وَلَحْظَةٌ) وَذَلِكَ كَأَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيْضِهَا ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضِ، وَالطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي الذَّاكِرَةِ، فَلَوْ لَمْ تَذْكُرْ هَلْ كَانَ طَلَاقُهَا فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَخَذْت بِالْأَقَلِّ وَهُوَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ، وَقَالَ شَيْخُهُ الصَّيْمَرِيُّ: أَخَذْت بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ عِدَّتِهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الِاحْتِيَاطُ وَالصَّوَابُ (وَتُصَدَّقُ) الْمَرْأَةُ حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا فِي دَعْوَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِأَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ (إنْ لَمْ تُخَالِفْ) فِيمَا ادَّعَتْهُ (عَادَةً) لَهَا (دَائِرَةٌ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِي طُهْرٍ وَحَيْضٍ أَوْ كَانَتْ مُسْتَقِيمَةً فِيهِمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ أَصْلًا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَصُدِّقَتْ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَلَفَتْ، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَثَبَتَ لَهُ الرَّجْعَةُ، (وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ) بِأَنْ كَانَتْ، عَادَتُهَا الدَّائِرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَادَّعَتْ مُخَالَفَتَهَا لِمَا دُونَهَا مَعَ الْإِمْكَانِ فَتُصَدَّقُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ تَتَغَيَّرُ، فَإِنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ حَلَفَتْ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لَا تُصَدَّقُ لِلتُّهْمَةِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَلَوْ مَضَى زَمَنُ الْعَادَةِ فَادَّعَتْ زَائِدًا عَلَيْهَا، فَنَقَلَا فِي أَوَاخِرِ الْعُدَّةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَصْدِيقُهَا وَجْهًا وَاحِدًا، وَعَلَى الزَّوْجِ السُّكْنَى، ثُمَّ أَبْدَيَا فِيهِ احْتِمَالًا؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَقْنَاهَا لَرُبَّمَا تَتَمَادَى فِي دَعْوَاهَا إلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَفِيهِ إجْحَافٌ بِالزَّوْجِ (وَلَوْ وَطِئَ) الزَّوْجُ (رَجْعِيَّتَهُ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ بِخَطِّهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَاسْتَأْنَفَتْ الْأَقْرَاءَ) أَوْ الْأَشْهُرَ (مِنْ وَقْتِ) فَرَاغِهِ مِنْ (الْوَطْءِ) كَمَا نَقَلَاهُ فِي بَابِ تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ ابْتِدَاءِ الْوَطْءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ (رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ) مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ وَقَعَ الْوَطْءُ بَعْدَ قُرْأَيْنِ ثَبَتَ الرَّجْعَةُ فِي قُرْءٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ قُرْءٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ، وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ، وَكَذَا إنْ رَاجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَيَصِحُّ إيلَاءٌ وَظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَلِعَانٌ وَيَتَوَارَثَانِ   [مغني المحتاج] قُرْأَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تَخْتَصُّ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُرَاجِعُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا بِالْوَطْءِ، وَلَوْ قَالَ: وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ لَكَانَ أَعَمَّ يَشْمَلُ مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ تَنْبِيهٌ: لَوْ أَحْبَلَهَا بِالْوَطْءِ رَاجَعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ لِوُقُوعِ عِدَّةِ الْوَطْءِ عَنْ الْجِهَتَيْنِ كَالْبَاقِي مِنْ الْأَقْرَاءِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَتَبَعَّضُ وَعِدَّةُ الْحَمْلِ لَا تَتَبَعَّضُ، وَإِنْ وَلَدَتْ فَلَا رَجْعَةَ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الزَّوْجَاتِ فِي أَشْيَاءَ وَتُخَالِفُهُنَّ فِي أَشْيَاءَ وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا) وَبِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى بِالنَّظَرِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهَا مُفَارَقَةٌ كَالْبَائِنِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ خِلَافَهُ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يُبِيحُ الِاسْتِمْتَاعَ فَيُحَرِّمُهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ، وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بِتَسْمِيَتِهِ بَعْلًا، وَأَنَّهُ يُطْلَقُ مَنْقُوضٌ بِالْمُظَاهِرِ وَزَوْجُ الْحَائِضِ (فَإِنْ وَطِئَ) الرَّجْعِيَّةَ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَتِهِ (وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ) إذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ عِنْدَهُ بِخِلَافِ مُعْتَقِدِ حِلِّهِ وَالْجَاهِلُ بِتَحْرِيمِهِ لِعُذْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَرْأَةُ، وَكَالْوَطْءِ فِي التَّعْزِيرِ سَائِرُ التَّمَتُّعَاتِ (وَيَجِبُ) بِوَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ (مَهْرُ مِثْلٍ) جَزْمًا (إنْ لَمْ يُرَاجِعْ) لِأَنَّهَا فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ كَالْمُتَخَلِّفَةِ فِي الْكُفْرِ فَكَذَا فِي الْمَهْرِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَمْ نَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَوَطْءِ الْأَبِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُكَاتَبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ (وَكَذَا) يَجِبُ الْمَهْرُ (إنْ رَاجَعَ) بَعْدَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ وَاسْتُشْكِلَ إيجَابُ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ مَهْرَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَهْرَ الثَّانِي بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ لَا بِالْعَقْدِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يَجِبُ فِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ نَفْيِهِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَهْرٌ، وَخَرَجَ قَوْلٌ فِي وُجُوبِهِ مِنْ النَّصِّ فِي وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ، وَالرَّاجِحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَثَرَ الرِّدَّةِ يَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَثَرُ الطَّلَاقِ لَا يَرْتَفِعُ بِالرَّجْعَةِ، وَالْحِلُّ بَعْدَهَا كَالْمُسْتَفَادِ بِعَقْدٍ آخَرَ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَيَصِحُّ) مِنْ الرَّجْعِيَّةِ (إيلَاءٌ وَظِهَارٌ) إنْ حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بَعْدَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِمَا (وَطَلَاقٌ) وَلَوْ بِخُلْعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُرْسَلٍ كَزَوْجَاتِي طَوَالِقَ فَتَدْخُلُ الرَّجْعِيَّةُ فِيهِنَّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلِعَانٍ) لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا بِمِلْكِ الرَّجْعَةِ (وَ) الزَّوْجُ وَالرَّجْعِيَّةُ (يَتَوَارَثَانِ) فَيَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرُ، وَتَقَدَّمَ مَسْأَلَتَا التَّوَارُثِ وَالطَّلَاقِ فِي الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ خِطَابِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِهِ، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا تَتْمِيمًا لِأَحْكَامِ الرَّجْعِيَّةِ وَإِشَارَةً إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي خَمْسِ آيَاتٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 وَإِذَا ادَّعَى وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ رَجْعَةً فِيهَا فَأَنْكَرَتْ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَتْ بَلْ السَّبْتِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتْ: انْقَضَتْ الْخَمِيسَ، وَقَالَ السَّبْتَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى، فَإِنْ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَوْ ادَّعَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءٍ فَقَالَتْ بَعْدَهُ صُدِّقَ   [مغني المحتاج] مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ آيَاتِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ، وَسَكَتَ هُنَا عَنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا لِذِكْرِهِ لَهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ تَنْبِيهٌ: الرَّجْعِيَّةُ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِحَسَبِ ظُهُورِ دَلِيلٍ لِأَحَدِهِمَا تَارَةً وَلِلْآخَرِ أُخْرَى، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنَظِيرُهُ الْقَوْلَانِ فِي أَنَّ النَّذْرَ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزِهِ وَفِي أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الرَّجْعَةِ، فَقَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى) عَلَى رَجْعِيَّةٍ (وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ) هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (رَجْعَةً فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ وَلَمْ تَنْكِحْ غَيْرَهُ (فَأَنْكَرَتْ) نُظِرَتْ (فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ) لِعِدَّتِهَا (كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ) هُوَ (رَاجَعْت يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَقَالَتْ) هِيَ (بَلْ السَّبْتِ) رَاجَعْتنِي فِيهِ (صُدِّقَتْ) عَلَى الصَّحِيحِ (بِيَمِينِهَا) أَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ رَاجَعَ يَوْمَ الْخَمِيسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّجْعَةِ إلَى يَوْمِ السَّبْتِ تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى عِدَّةٍ يَنْقَضِي مِثْلُهَا بِأَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ أَوْ حَمْلٍ وَلَمْ يَرِدْ الِاتِّفَاقُ فِي حَقِيقَةِ الِانْقِضَاءِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّجْعَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَانِعٌ مِنْ إرَادَةِ حَقِيقَةِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ) لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ، بَلْ (عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَتْ) هِيَ (انْقَضَتْ الْخَمِيسَ، وَقَالَ) هُوَ: بَلْ انْقَضَتْ (السَّبْتَ صُدِّقَ) فِي الْأَصَحِّ (بِيَمِينِهِ) أَنَّهَا مَا انْقَضَتْ الْخَمِيسَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا قَبْلَهُ، وَقِيلَ: هِيَ الْمُصَدَّقَةُ، وَقِيلَ: الْمُصَدَّقُ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى، فَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا سَقَطَ هَذَا الْوَجْهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ) عَلَى وَقْتِ رَجْعَةٍ أَوْ انْقِضَاءِ عِدَّةٍ (فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى) لَاسْتِقْرَارِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ السَّابِقِ، ثُمَّ بَيَّنَ السَّبْقَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ ادَّعَتْ) أَيْ سَبَقَتْ وَادَّعَتْ (الِانْقِضَاءَ) لِعِدَّتِهَا (ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً) لَهَا (قَبْلَهُ) أَيْ الِانْقِضَاءِ (صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا) أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ قَبْلَ الرَّجْعَةِ وَسَقَطَ دَعْوَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الِانْقِضَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي الرَّجْعَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهَا بِالْأَصْلِ (أَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ سَبَقَ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا (قَبْلَ انْقِضَاءٍ) لِعِدَّتِهَا (فَقَالَتْ) بَلْ رَاجَعْتنِي (بَعْدَهُ) أَيْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الرَّجْعَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الِانْقِضَاءِ وَاعْتَضَدَ دَعْوَاهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 قُلْت فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا صُدِّقَتْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ إطْلَاقِ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَقَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ جَمْعٍ بِمَا إذَا تَرَاخَى كَلَامُهَا عَنْهُ، فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ، وَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ وَاعْتَمَدَهُ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِيمَا إذَا سَبَقَهَا الزَّوْجُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَرَاخَ كَلَامُهَا عَنْ كَلَامِهِ، فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذُكِرَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي الْعِدَدِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ فِيمَا إذَا وَلَدَتْ وَطَلَّقَهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا، فَقَالَ: وَلَدْت قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلِي الرَّجْعَةُ، وَقَالَتْ: بَعْدَهُ نُظِرَ إنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الْوِلَادَةِ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الطَّلَاقِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ بَلْ قَالَ: كَانَتْ، الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَادَّعَتْ الْعَكْسَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّ مُدْرَكَ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ. أُجِيبَ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ بَلْ عُمِلَ بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُصَدَّقُ فِي أَحَدِهِمَا غَيْرَهُ فِي الْآخَرِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُمَا هُنَا اتَّفَقَا عَلَى انْحِلَالِ الْعِصْمَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَثَمَّ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَتَقَوَّى فِيهِ جَانِبُ الزَّوْجِ، وَهَلْ الْمُرَادُ سَبْقُ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ: نَعَمْ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ: يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (قُلْت) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا) كَأَنْ قَالَ: رَاجَعْتُك، فَقَالَتْ فِي زَمَنِ هَذَا الْقَوْلِ انْقَضَتْ عِدَّتِي (صُدِّقَتْ) بِيَمِينِهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الِانْقِضَاءَ غَالِبًا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا، فَإِنْ اعْتَرَفَا بِتَرْتِيبِهِمَا وَأُشْكِلَ السَّابِقُ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ وَوِلَايَةُ الرَّجْعَةِ وَالْوَرَعِ تَرْكُهَا أَمَّا إذَا نَكَحَتْ غَيْرَهُ وَادَّعَى مُطَلِّقُهَا تَقَدُّمَ الرَّجْعَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَيْهَا، وَهَلْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهَا فِي حِيَالِهِ وَفِرَاشِهِ أَوْ لَا لِمَا مَرَّ فِيمَا إذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مِنْ اثْنَيْنِ، فَادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ سَبْقَ نِكَاحِهِ فَإِنَّ دَعْوَاهُ لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ، الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَأُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلْأَوَّلِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ، وَعَلَى هَذَا تَارَةً يَبْدَأُ بِالدَّعْوَى عَلَيْهَا وَتَارَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمُدَّعَاهُ انْتَزَعَهَا، سَوَاءٌ بَدَأَ بِهَا أَمْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ وَبَدَأَ بِهَا فِي الدَّعْوَى فَأَنْكَرَتْ فَلَهُ تَحْلِيفُهَا، فَإِنْ حَلَفَتْ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا عَلَى الثَّانِي مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا، فَإِنْ زَالَ حَقُّهُ بِنَحْوِ مَوْتٍ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ، وَقَبْلَ زَوَالِ حَقِّ الثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهَا لِلْأَوَّلِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلْحَيْلُولَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ، فِي حِيَالِ رَجُلٍ فَادَّعَى زَوْجِيَّتَهَا آخَرُ فَأَقَرَّتْ لَهُ بِهِ، وَقَالَتْ: كُنْت طَلَّقْتنِي فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا لَهُ وَتَنْزِعُ لَهُ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَالْفَرْقُ اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْأُولَى عَلَى الطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ نَعَمْ إنْ أَقَرَّتْ أَوَّلًا بِالنِّكَاحِ لِلثَّانِي أَوْ أَذِنَتْ فِيهِ لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ نَكَحَتْ رَجُلًا بِإِذْنِهَا ثُمَّ أَقَرَّتْ بِرَضَاعِ مَحْرَمٍ بَيْنَهُمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا، وَإِنْ بَدَأَ بِالزَّوْجِ فِي الدَّعْوَى فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ انْقَضَتْ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 وَمَتَى ادَّعَاهَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ صُدِّقَ، وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا وَصُدِّقَتْ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ قَبْلَ اعْتِرَافِهَا وَإِذَا طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْت فَلِي رَجْعَةٌ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَ بِيَمِينٍ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ   [مغني المحتاج] لَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْأَوَّلُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ بَطَلَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَوَّلُ حِينَئِذٍ إلَّا بِإِقْرَارِهَا لَهُ أَوْ حَلِفِهِ بَعْدَ نُكُولِهَا، وَلَهَا عَلَى الثَّانِي بِالْوَطْءِ مَهْرُ الْمِثْلِ إنْ اسْتَحَقَّهَا الْأَوَّلُ، وَإِلَّا فَالْمُسَمَّى إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَنِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ (وَمَتَى ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ) بِاتِّفَاقِهِمَا وَأَنْكَرَتْ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَائِهَا، وَهَلْ دَعْوَاهُ إنْشَاءٌ لِلرَّجْعَةِ أَوْ إقْرَارٌ بِهَا؟ وَجْهَانِ، رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الْأَوَّلَ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِي وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (وَصُدِّقَتْ) كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ اعْتَرَفَتْ) بِهَا (قَبْلَ اعْتِرَافِهَا) لِأَنَّهَا جَحَدَتْ حَقًّا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقُّ الزَّوْجِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعِ مَحْرَمٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آخَرَ ثُمَّ رَجَعَتْ وَكَذَّبَتْ نَفْسَهَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهَا، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا رُجُوعٌ عَنْ إثْبَاتٍ، وَالْإِثْبَاتُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ، فَفِي الرُّجُوعِ عَنْهُ تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ نَفْيٍ وَالنَّفْيُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عِلْمٍ نَعَمْ لَوْ قَالَ: مَا أَتْلَفَ فُلَانٌ مَالِي ثُمَّ رَجَعَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَا أَتْلَفَهُ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ عَلَى نَفْسِهِ بِبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَوْ أَنْكَرَتْ غَيْرُ الْمُجْبَرَةِ الْإِذْنَ فِي النِّكَاحِ وَكَانَ إنْكَارُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ، أَذِنَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا مَعَ أَنَّهُ نَفْيٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا كَانَ كَالْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانِ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ فِعْلِهِ عَلَى الْبَتِّ كَالْإِثْبَاتِ وَجُدِّدَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ بِدُونِ تَجْدِيدٍ (وَإِذَا طَلَّقَ) الزَّوْجُ (دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْت) زَوْجَتِي قَبْلَ الطَّلَاقِ (فَلِي) عَلَيْهَا (رَجْعَةٌ وَأَنْكَرَتْ) وَطْأَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ (صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ) أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا ادَّعَى الْعِنِّينُ أَوْ الْمَوْلَى الْوَطْءَ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي ذَلِكَ تَدَّعِي مَا يُثْبِتُ لَهَا حَقَّ الْفَسْخِ، وَالْأَصْلُ صِحَّةُ النِّكَاحِ وَسَلَامَتُهُ، وَهُنَا الطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي مَا يُثْبِتُ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَإِنْ حَلَفَتْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ حَالًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهَا أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا (وَهُوَ) بِدَعْوَاهُ وَطْأَهَا (مُقِرٌّ لَهَا بِالْمَهْرِ) وَهِيَ لَا تَدَّعِي إلَّا نِصْفَهُ (فَإِنْ) كَانَتْ، (قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ (وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِنِصْفٍ) فَقَطْ عَمَلًا بِإِنْكَارِهَا، وَإِذَا كَانَتْ، أَخَذَتْ النِّصْفَ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِوَطْئِهِ هَلْ تَأْخُذُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ الزَّوْجِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْإِقْرَارِ الثَّانِي تَنْبِيهٌ: تَرَكَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّصْدِيقِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ: لَوْ كَانَتْ، الزَّوْجَةُ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا أَمَةً وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجْعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا بِيَمِينِهَا حَيْثُ صُدِّقَتْ الْحُرَّةُ بِيَمِينِهَا، لَا قَوْلَ سَيِّدِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي مُطَلَّقَتِي بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَرَاجَعْتهَا مُكَذِّبًا لَهَا أَوْ لَا مُصَدِّقًا وَلَا مُكَذِّبًا لَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَتْ بِالْكَذِبِ بِأَنْ قَالَتْ: مَا كَانَتْ، انْقَضَتْ، فَالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهَا، وَلَوْ سَأَلَ الرَّجْعِيَّةَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَزِمَهَا إخْبَارُهُ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَفِي سُؤَالِ الْأَجْنَبِيِّ قَوْلَانِ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اللُّزُومِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 14 كِتَابُ الْإِيلَاءِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْإِيلَاءِ] (كِتَابُ الْإِيلَاءِ) هُوَ لُغَةً: الْحَلِفُ قَالَ الشَّاعِرُ: وَأَكْذَبُ مَا يَكُونُ أَبُو الْمُثَنَّى ... إذَا آلَى يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، وَخَصَّهُ بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْآيَةَ، وَإِنَّمَا عَدَّى فِيهَا بِمِنْ، وَهُوَ إنَّمَا يُعَدَّى بِعَلَى؛ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى الْبُعْدِ كَأَنَّهُ قَالَ: يُؤْلُونَ مُبْعِدِينَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ، وَهُوَ حَرَامٌ لِلْإِيذَاءِ، وَلَيْسَ مِنْهُ إيلَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا وَأَرْكَانُهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَرْبَعَةٌ: حَالِفٌ وَمُدَّةٌ وَمَحْلُوفٌ بِهِ، وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ، زَادَ فِي الْأَنْوَارِ: وَصِيغَةٌ وَزَوْجَةٌ وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ) خَرَجَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ وَالْأَجْنَبِيُّ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَصِحُّ مِنْ عَجَمِيٍّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَمِنْ عَرَبِيٍّ بِالْعَجَمِيَّةِ إنْ عُرِفَ الْمَعْنَى كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 15 يَصِحُّ طَلَاقُهُ لِيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ   [مغني المحتاج] وَقَوْلُهُ (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُكْرَهُ، وَدَخَلَ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْخَصِيُّ وَالسَّكْرَانُ الْمُتَعَدَّى بِسُكْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ قَالَ: إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَفَرَّعْنَا عَلَى انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ زَوْجٌ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيلَاؤُهُ، وَقَوْلُهُ (لِيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا) أَيْ وَأَطْلَقَ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْئِهَا فِي الدُّبُرِ أَوْ الْحَيْضِ أَوْ، النِّفَاسِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ لَا تَضَرُّرَ بِذَلِكَ وَلَا تَطْمَعُ فِي الْوَطْءِ فِيمَا ذَكَرَ؛ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ شَرْعًا فَأَكَّدَ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ بِالْحَلِفِ، فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك إلَّا فِي الدُّبُرِ فَمُولٍ، أَوْ إلَّا فِي الْحَيْضِ، أَوْ النِّفَاسِ، أَوْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُولٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَلَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الرَّاجِحُ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَبِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثُمَّ تُطَالِبُ بَعْدَهَا بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ فَاءَ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ لِزَوَالِ الْمُضَارَّةِ بِهِ وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ رَاجَعَ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكُونُ مُولِيًا وَبِهِ جَزَمَ السَّرَخْسِيُّ فِي صُورَتَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِيهَا حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ فَاسْتِثْنَاؤُهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِيلَاءِ وَقَوْلُهُ (مُطْلَقًا) نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِمُدَّةٍ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ أَبَدًا وَقَوْلِهِ (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمُدَّةُ، خَرَجَ بِهِ الْأَرْبَعَةُ فَمَا دُونَهَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَأَلَ: كَمْ تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ؟ فَقِيلَ: شَهْرَيْنِ، وَفِي الثَّالِثُ يَقِلُّ الصَّبْرُ، وَفِي الرَّابِعِ يَنْفُذُ الصَّبْرُ " أَيْ فَإِذَا نَفَذَ صَبْرُهَا طَالَبَتْ، فَلَا بُدَّ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي زِيَادَةُ " لَحْظَةَ لَا تَسَعُ الْمُطَالَبَةُ "، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَفِي كَلَامِ الرُّويَانِيِّ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا إلَّا بِالْحَلِفِ عَلَى فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِزَمَانٍ يَتَأَتَّى فِيهِ الْمُطَالَبَةُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى إثْمِ الْإِيذَاءِ، وَكَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى إثْمِ الْإِيلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ إثْمَ الْإِيلَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الرَّوْضَةِ تَنْبِيهٌ: لَيْسَ هَذَا الْحَدُّ بِجَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولَهُ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا لِحُصُولِ الْيَأْسِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُطْلِقْ وَلَمْ يَذْكُرْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا مَانِعَ أَيْضًا لِشُمُولِهِ الْعَاجِزِ عَنْ الْوَطْءِ بِنَحْوِ جَبٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 16 وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا أَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا، وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ، فَإِنْ نَكَحَهَا فَلَا إيلَاءَ وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ لَمْ يَصِحَّ   [مغني المحتاج] يَتَحَقَّقُ مِنْهُ قَصْدُ الْإِيذَاءِ بِالِامْتِنَاعِ، فَلَوْ قَالَ: يَصِحُّ طَلَاقُهُ مَعَ إمْكَانِ وَطْئِهِ لَكَانَ أَوْلَى ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمَحْلُوفُ بِهِ فَقَالَ: (وَالْجَدِيدُ) وَوَصَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَظْهَرِ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِيلَاءَ (لَا يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ) تَعَالَى (بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ) أَيْ الْوَطْءِ (طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا) كَإِنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ أَوْ ضَرَّتُك طَالِقٌ أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ (أَوْ) نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَأَنْ (قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا) لِأَنَّ مَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ بِالْوَطْءِ يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَيَتَحَقَّقُ الْإِضْرَارُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حَلِفًا فَتَنَاوَلَتْهُ الْآيَةُ، لِأَنَّ الْإِيلَاءَ هُوَ الْحَلِفُ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَلِفِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ غَيْرَ قُرْبَةٍ كَمَا سَبَقَ فِي تَعْلِيقِ الْإِيلَاءِ بِالطَّلَاقِ أَوْ قُرْبَةٍ كَهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ، وَكَلَامُهُ هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَلِفِ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي سَنَةً مَثَلًا أَنَّهُ إيلَاءٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَلِفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَاكِمِينَ بِأَنَّ الْإِيلَاءَ طَلَاقٌ، وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] الْآيَةَ، وَالْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ يَمِينُ لَجَاجٍ، وَالْيَمِينُ بِصَوْمِ شَهْرِ الْوَطْءِ إيلَاءٌ كَإِنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الشَّهْرِ الَّذِي أَطَأُ فِيهِ، فَإِذَا وَطِئَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ مُقْتَضَى الْيَمِينِ وَيَجْزِيهِ صَوْمُ بَقِيَتْهُ وَيَقْضِي يَوْمَ الْوَطْءِ، وَلَيْسَ الْيَمِينُ بِصَوْمِ هَذَا الشَّهْرِ إيلَاءٌ، وَلَا بِصَوْمِ هَذِهِ السَّنَةِ إلَّا إنْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ حَلَفَ زَوْجٌ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ) أَيْ تَرْكِ الْوَطْءِ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ، وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ (فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ) أَيْ خَالِصَةٌ مِنْ شَائِبَةِ حُكْمِ الْإِيلَاءِ (فَإِنْ نَكَحَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ بَعْدَ الْحَلِفِ (فَلَا إيلَاءَ) بِحَلِفِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَحُكْمُ السَّيِّدِ كَمَا تَقَدَّمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، فَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ وَلَوْ حَلَفَ غَيْرُ الزَّوْجِ لَشَمِلَ ذَلِكَ ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الزَّوْجَةِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ) وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا فِي خِيَارِ النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِيلَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ قَصْدُ الْإِيذَاءِ وَالْإِضْرَارِ لِامْتِنَاعِ الْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَمْثِيلُهُ بِالْمَانِعِ الْحِسِّيِّ صِحَّةَ الْإِيلَاءِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمُضْنَاةُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ لَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ إلَّا بَعْدَ احْتِمَالِهِمَا الْوَطْءَ ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ كَوْنِ الزَّوْجِ يُمْكِنُ وَطْؤُهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ) أَيْ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ كُلِّهِ، وَكَذَا إنْ بَقِيَ مِنْهُ دُونَ الْحَشَفَةِ (لَمْ يَصِحَّ) إيلَاؤُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 17 عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ حُكْمُهُ   [مغني المحتاج] (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمَا مَرَّ، وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِمَا لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَمَجْمُوعُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ أَصَحُّهَا قَوْلَانِ، وَالثَّانِيَةُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَالثَّالِثَةُ: الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ أَمَّا مَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فَيَصِحُّ إيلَاؤُهُ لِإِمْكَانِ وَطْئِهِ، وَالْأَشَلُّ، كَالْمَجْبُوبِ أَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ لِمَرَضٍ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: وَمِنْهُ الْعِنِّينُ، فَيَصِحُّ إيلَاؤُهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ مَرْجُوٌّ تَنْبِيهٌ: صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الْوَطْءِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِيلَاءِ، فَلَوْ طَرَأَ بَعْدَهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَارِضٌ وَكَانَ قَدْ قَصَدَ الْإِيلَاءَ (وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَ) سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا أَمْ قَالَ (هَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ فَائِدَةِ الْإِيلَاءِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمُوجِبِهِ فِي ذَلِكَ إذْ بَعْدَ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا تُمْكِنُ الْمُطَالَبَةُ بِمُوجِبِ الْيَمِينِ الْأُولَى لِانْحِلَالِهَا، وَلَا بِمُوجِبِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْمُهْلَةِ مِنْ وَقْتِ انْعِقَادِهَا وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الثَّانِيَةِ يُقَالُ فِيهِ كَذَلِكَ وَهَكَذَا الْآخَرُ حَلَفَهُ وَالثَّانِي: هُوَ مُولٍ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْثَمُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، لَكِنَّ إثْمَ الْإِيذَاءِ إثْمُ الْإِيلَاءِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَكَأَنَّهُ دُونَ إثْمِ الْمُولِي، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا دَفْعَ لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ: فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا أَعَادَ حَرْفَ الْقَسَمِ، فَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَلَا أَطَؤُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَانَ مُولِيًا قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ: لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَيْضًا أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ إذَا وَصَلَ الْيَمِينَ بِالْيَمِينِ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ لَمَّا مَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ أَعَادَ الْيَمِينَ وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَا يَكُونُ مُولِيًا قَطْعًا؛ وَقَوْلُهُ: وَهَكَذَا لَيْسَ بِقَيْدٍ لِإِجْرَاءِ الْخِلَافِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْته؛ فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: مِرَارًا، وَلَوْ قَالَ: وَإِنْ قَالَهُ مِرَارًا كَانَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ نَصَّ عَلَى الصُّورَتَيْنِ (وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً) بِالنُّونِ (فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حُكْمُهُ) فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ بِمُوجِبِ الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ فَاءَ انْحَلَّتْ، فَإِنْ أَخَّرَتْ حَتَّى مَضَى الْخَامِسُ دَخَلَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ الثَّانِي فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْهَا بِمُوجِبِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ تُطَالِبْ فِي الْإِيلَاءِ الْأَوَّلِ حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ الْخَامِسُ مِنْهُ فَلَا مُطَالَبَةَ بِهِ سَوَاءٌ أَتَرَكَتْ حَقَّهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ لِانْحِلَالِهِ، كَمَا لَوْ أَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةَ فِي الثَّانِي حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ سَنَةً مُوَافِقٌ لِلشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 18 وَلَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ فِي الْأَرْبَعَةِ كَنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُولٍ، وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْأَصَحِّ وَلَفْظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَمِنْ صَرِيحِهِ تَغْيِيبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ،   [مغني المحتاج] كَانَ الْأَوْلَى مُوَافَقَةَ أَصْلِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَقْرَأَ الْمَتْنَ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقَ فَيُوَافِقُ أَصْلَهُ، لَكِنَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ بِالنُّونِ، وَلَوْ أَتَى بِالْيَمِينَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ مَضَتْ تَدَاخَلَتَا وَانْحَلَّتَا بِوَطْءٍ وَاحِدٍ (وَلَوْ قَيَّدَ) الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ (بِمُسْتَبْعَدِ الْحُصُولِ) فِي الِاعْتِقَادَاتِ (فِي الْأَرْبَعَةِ) أَشْهُرٍ (كَنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا (فَمُولٍ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَأْخِيرُ ذَلِكَ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ عُلِّقَ بِمُحَقَّقِ الْمَنْعِ كَصُعُودِ السَّمَاءِ كَانَ مُولِيًا، وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَحِلُّ التَّعْلِيقِ بِنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِهِ وَكَانَ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِاعْتِبَارِ الْأَيَّامِ الْمَعْهُودَةِ فَمُولٍ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ بَيْنَ خُرُوجِهِ، وَنُزُولِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِهِ كَسَنَةٍ، وَالثَّانِي كَشَهْرٍ، وَالثَّالِثُ كَجُمُعَةٍ، وَالْبَاقِي كَالْأَيَّامِ الْمَعْهُودَةِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِي صَلَاةِ يَوْمٍ فَقَالَ: «لَا، اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَوَاقِيتِ (وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ) أَيْ الْمُقَيَّدِ بِهِ (قَبْلَهَا) أَيْ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ كَقَوْلِهِ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ الْأَمْطَارِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَطَرُ (فَلَا) يَكُونُ مُولِيًا وَإِنَّمَا هُوَ عَقْدُ يَمِينٍ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ مُحَقَّقَ الْحُصُولِ كَذُبُولِ الْبَقْلِ وَجَفَافِ الثَّوْبِ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِيلَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْأَصَحِّ) فِي حُصُولِ الْمُسْتَبْعَدِ قَبْلَ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا فِي الْحَالِ، فَلَوْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا لَا يَكُونُ مُولِيًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَصْدُ الْمُضَارَّةِ أَوَّلًا، وَأَحْكَامُ الْإِيلَاءِ مَنُوطَةٌ بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ، وَلِهَذَا لَوْ امْتَنَعَ بِلَا يَمِينٍ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَلَوْ قُيِّدَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَانَ مُولِيًا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا بِمَوْتِ أَجْنَبِيٍّ خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّنْبِيهِ، وَلَوْ قُيِّدَ بِقُدُومِ زَيْدٍ وَالْمَسَافَةُ بَعِيدَةٌ وَقَالَ: ظَنَنْت قُرْبَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُك وَقَالَ: أَرَدْت شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَرْكُ الْجِمَاعِ لَا غَيْرُ فَقَالَ: (وَلَفْظُهُ) أَيْ الدَّالُّ عَلَيْهِ قِسْمَانِ (صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَمِنْ صَرِيحِهِ) مَهْجُوُّ ال ن ي ك، وَ (تَغْيِيبُ) أَيْ إدْخَالُ (ذَكَرٍ) أَوْ حَشَفَتِهِ (بِفَرْجٍ) أَيْ فِيهِ (وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ) وَإِصَابَةٌ (وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ) وَهِيَ إزَالَةُ قِصَّتِهَا بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بَكَارَتِهَا: كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُغَيِّبُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 19 وَالْجَدِيدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغَشْيَانًا وَقِرْبَانًا وَنَحْوِهَا كِنَايَاتٌ   [مغني المحتاج] أَوْ لَا أُدْخِلُ، أَوْ لَا أُولِجُ ذَكَرِي أَوْ حَشَفَتِي فِي فَرْجِك، أَوْ لَا أَطَؤُكِ، أَوْ لَا أُجَامِعُك، أَوْ لَا أَصَبْتُكِ أَوْ لَا أَفْتَضُّك بِالْقَافِ أَوْ بِالْفَاءِ وَهِيَ بِكْرٌ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَقْيِيدَ هَذِهِ بِمَنْ لَمْ تَكُنْ غَوْرَاءَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ، وَهِيَ الَّتِي بَكَارَتُهَا فِي صَدْرِ فَرْجِهَا وَعَلِمَ حَالَهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِإِمْكَانِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ بِغَيْرِ افْتِضَاضٍ وَحَقُّهَا إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ قَالَ: إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَيْئَةُ فِي حَقِّ الْبِكْرِ تُخَالِفُهَا فِي حَقِّ الثَّيِّبِ كَمَا يُفْهِمُهُ إيرَادُ الْقَاضِي وَالنَّصُّ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَدِينُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ أَنْ ذَكَرَ مُحْتَمَلًا وَلَمْ يَقُلْ بِذَكَرِي أَوْ بِحَشَفَتِي كَأَنْ يُرِيدَ بِالْوَطْءِ الْوَطْءَ بِالْقَدَمِ، وَبِالْجِمَاعِ الِاجْتِمَاعَ، وَبِالْأَخِيرَيْنِ الْإِصَابَةُ وَالِافْتِضَاضَ بِغَيْرِ الذَّكَرِ تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى تَغْيِيبِ الذَّكَرِ وَغَيَّبَهَا فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ مَعَ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُغَيِّبُ كُلَّ الذَّكَرِ أَوْ لَا يَسْتَوْفِي الْإِيلَاجَ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِخِلَافِ لَا أُغَيِّبُ كُلَّ الْحَشَفَةِ (وَالْجَدِيدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغَشْيَانًا وَقِرْبَانًا) بِكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا (وَنَحْوُهَا) كَإِفْضَاءٍ وَمَسٍّ وَدُخُولٍ كَوَاللَّهِ لَا أُفْضِي إلَيْكِ أَوْ لَا أَمَسُّك أَوْ لَا أَدْخُلُ بِك (كِنَايَاتٌ) تَفْتَقِرُ لِنِيَّةِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَقَائِقَ غَيْرَ الْوَطْءِ وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِيهِ اشْتِهَارَ الْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا صَرَائِحُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ إلَّا جِمَاعَ سُوءٍ، وَأَرَادَ الْجِمَاعَ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ بِدُونِ الْحَشَفَةِ كَانَ مُولِيًا، وَإِنْ أَرَادَ الْجِمَاعَ الضَّعِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا؛ لِأَنَّ ضَعِيفَ الْجِمَاعِ كَقَوِيِّهِ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا إذَا لَمْ يُرِدْ شَيْئًا عَدَمُ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مُولِيًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ عَنْك وَأَرَادَ تَرْكَ الْغُسْلِ دُونَ الْجِمَاعِ أَوْ ذَكَرَ أَمْرًا مُحْتَمَلًا كَأَنْ لَا يَمْكُثَ بَعْدَ الْوَطْءِ حَتَّى يُنْزِلَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَطْءَ بِلَا إنْزَالٍ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، أَوْ أَرَادَ أَنِّي أُجَامِعُهَا بَعْدَ جِمَاعِ غَيْرِهَا لِيَكُونَ الْغُسْلُ عَنْ الْأُولَى لِحُصُولِ الْجَنَابَةِ بِهَا قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُ فَرْجَك أَوْ لَا أُجَامِعُ نِصْفَك الْأَسْفَلَ كَانَ مُولِيًا بِخِلَافِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ كَلَا أُجَامِعُ يَدَك أَوْ رِجْلَك أَوْ نِصْفَك الْأَعْلَى، أَوْ بَعْضَك أَوْ نِصْفَك لَمْ يَكُنْ مُولِيًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْبَعْضِ الْفَرْجَ، وَبِالنِّصْفِ النِّصْفَ الْأَسْفَلَ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَبْعُدَنَّ، أَوْ لَأَغِيبَنَّ عَنْك، أَوْ لَأَغِيظَنَّكِ أَوْ لَأَسُوأَنَّكِ كَانَ كِنَايَةً فِي الْجِمَاعِ وَالْمُدَّةُ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَطْلُبَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِك أَوْ لَأَسُوأَنَّكِ فِيهِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْجِمَاعِ كِنَايَةً فِي الْمُدَّةِ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ رَأْسَانَا عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفِ كَانَ كِنَايَةً، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْجِمَاعِ اجْتِمَاعُ رَأْسَيْهِمَا عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ (وَلَوْ قَالَ) عَلَى الْجَدِيدِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَأَغْفَلَهُ الْمُصَنِّفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 20 وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ زَالَ الْإِيلَاءُ، وَلَوْ قَالَ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ فَمُولٍ، وَإِلَّا فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِنًا، وَيُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يُظَاهِرَ، أَوْ إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَمُولٍ،   [مغني المحتاج] لِوُضُوحِهِ مِنْ أَنَّ الْحَلِفَ لَا يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ (إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ) بِمَوْتٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (زَالَ الْإِيلَاءُ) لِعَدَمِ تَرَتُّبِ شَيْءٍ عَلَى وَطْئِهِ حِينَئِذٍ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ الْإِيلَاءُ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمَا فِيهِ قَوْلًا عَوْدِ الْحِنْثِ، وَلَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ قَالَ: فَأَمَتِي حُرَّةٌ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَزُلْ الْإِيلَاءُ (وَلَوْ قَالَ) عَلَى الْجَدِيدِ إنْ وَطِئْتُك (فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ) قَدْ (ظَاهَرَ) وَعَادَ قَبْلَ ذَلِكَ (فَمُولٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَعَتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِعَيْنِهِ، وَتَعْجِيلُ الْعِتْقِ زِيَادَةٌ الْتَزَمَهَا بِالْوَطْءِ وَذَلِكَ مُشِقٌّ فَصَارَ كَالْتِزَامِ أَصْلِ الْعِتْقِ، ثُمَّ إذَا وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ ظِهَارِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهَرَ قَبْلَ ذَلِكَ (فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِنًا) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا عَدَمُ الظِّهَارِ فَلِكَذِبِهِ فِي كَوْنِهِ مُظَاهِرًا، وَأَمَّا عَدَمُ الْإِيلَاءِ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَ عَلَى الْوَطْءِ عِتْقًا عَنْ الظِّهَارِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا ظِهَارَ فَلَا عِتْقَ إذَا لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْعِتْقُ (وَ) لَكِنْ (يُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا) لِإِقْرَارِهِ بِالظِّهَارِ، فَإِذَا وَطِئَ عَتَقَ الْعَبْدُ عَنْ الظِّهَارِ (وَلَوْ قَالَ) عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا: إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ (عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْت فَلَيْسَ بِمُولٍ) فِي الْحَالِ، بَلْ (حَتَّى يُظَاهِرَ) فَإِذَا ظَاهَرَ صَارَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُعْتَقُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الظِّهَارِ لِتَعَلُّقِ الْعِتْقِ بِالظِّهَارِ مَعَ الْوَطْءِ فَلَا يَنَالُهُ مَحْذُورٌ، فَإِذَا ظَاهَرَ صَارَ مُولِيًا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ لَوْ وَطِئَ، فَإِنْ وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا عَتَقَ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الظِّهَارِ لِتَقَدُّمِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ وَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ الظِّهَارِ بِلَفْظٍ يُوجَدُ بَعْدَهُ تَنْبِيهٌ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إذَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ بِغَيْرِ عَطْفِ، فَإِنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا اُعْتُبِرَ فِي حُصُولِ الْمُعَلَّقِ وُجُودُ الشَّرْطِ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَوَّرُوا هُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الثَّانِي تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ إذَا تَقَدَّمَ الْوَطْءُ أَوْ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ تَعَلَّقَ بِالثَّانِي عَتَقَ، اهـ. فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ قَالَ: مَا أَرَدْت شَيْئًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا إيلَاءَ مُطْلَقًا وَكَتَقَدُّمِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِيمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُقَارَنَتُهُ لَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ (أَوْ) قَالَ عَلَى الْجَدِيدِ (إنْ وَطِئْتُك فَضَرَّتُك طَالِقٌ فَمُولٍ) مِنْ الْمُخَاطَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مِنْ طَلَاقِ الضَّرَّةِ عِنْدَ الْوَطْءِ، نَعَمْ لَوْ عَبَّرَ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ كَقَوْلِهِ: إنْ وَطِئْتُك فَعَلَيَّ طَلَاقُ ضَرَّتِك أَوْ طَلَاقُك لَا يَكُونُ مُولِيًا: قَالَهُ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْكَلَامِ عَلَى انْعِقَادِ الْإِيلَاءِ بِغَيْرِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 21 فَإِنْ وَطِئَ طَلُقَتْ الضَّرَّةُ وَزَالَ الْإِيلَاءُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ، فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُ إلَى سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ   [مغني المحتاج] مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ شَيْءٌ (فَإِنْ وَطِئَ) الْمُخَاطَبَةَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا (طَلُقَتْ الضَّرَّةُ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا (وَزَالَ) أَيْ انْحَلَّ (الْإِيلَاءُ) إذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِوَطْئِهَا بَعْدَ ذَلِكَ (فُرُوعٌ) لَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا وَعَلَيْهِ النَّزْعُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ وَالنَّزْعُ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَرْكٌ لِلْوَطْءِ وَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ النَّزْعِ عَيْنًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَالْوَاجِبُ النَّزْعُ أَوْ الرَّجْعَةُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ اسْتَدَامَ الْوَطْءُ وَلَوْ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ ابْتِدَاءً وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ وَطْأَهُ وَقَعَ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ نَزَعَ ثُمَّ أَوْلَجَ فَإِنْ كَانَ تَعْلِيقُ الْوَطْءِ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ نُظِرَ، فَإِنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ فَوَطْءُ شُبْهَةٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ عَلِمَاهُ فَزِنًا، وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ دُونَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا أَوْ هِيَ دُونَهُ وَقَدَرَتْ عَلَى الدَّفْعِ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا مَهْرَ لَهَا (وَالْأَظْهَرُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِوَطْءِ الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ جَمَاعَةً فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْءِ ثَلَاثٍ بِلَا شَيْءٍ يَلْحَقُهُ (فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا) مِنْهُنَّ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ أَوْ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ (فَمُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ) لِتَعَلُّقِ الْحِنْثِ بِوَطْئِهَا (فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ) أَيْ انْحَلَّ. (الْإِيلَاءُ) لِتَعَذُّرِ الْحِنْثِ بِوَطْءِ مَنْ بَقِيَ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَصَوُّرِ الْإِيلَاجِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَطْءِ يَقَعُ مُطْلَقُهُ عَلَى مَا فِي الْحَيَاةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَطْءٍ مَا لَوْ مَاتَتْ بَعْدَ وَطْئِهَا وَقَبْلَ وَطْءِ الْأُخْرَيَاتِ فَلَا يَزُولُ الْإِيلَاءُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الْأَرْبَعِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ يَقْرَبُ مِنْ الْحِنْثِ الْمَحْذُورِ وَالْقَرِيبُ مِنْ الْمَحْذُورِ مَحْذُورٌ (وَلَوْ قَالَ) لِأَرْبَعٍ وَاَللَّهِ (لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ) حَالًا (مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ بِمُفْرَدِهَا كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا بِالْإِيلَاءِ، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلِكُلٍّ مُطَالَبَتُهُ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ وَاحِدَةٍ لَا يَرْتَفِعُ الْإِيلَاءُ فِي حَقِّ الْبَاقِيَاتِ، وَهُوَ وَجْهٌ رَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ انْحِلَالُ الْيَمِينِ وَزَوَالُ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ وَاحِدَةً وَقَدْ وَطِئَ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ تَخْصِيصَ كُلٍّ مِنْهُنَّ بِالْإِيلَاءِ، فَالْوَجْهُ عَدَمُ الِانْحِلَالِ وَإِلَّا فَلْيَكُنْ كَقَوْلِهِ: لَا أُجَامِعُكُنَّ، فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِوَطْءِ الْجَمِيعِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَلِفَ الْوَاحِدَ عَلَى مُتَعَدِّدٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْحِنْثِ بِأَيِّ وَاحِدٍ وَقَعَ لَا تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَتَبَعَّضُ فِيهَا الْحِنْثُ، وَمَتَى حَصَلَ فِيهَا حِنْثٌ حَصَلَ الِانْحِلَالُ، وَبَقِيَ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ: لَا أُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ، فَإِنْ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَمُولٍ مِنْهُنَّ أَوْ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُعَيَّنَةٍ فَمُولٍ مِنْهَا فَقَطْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي إرَادَتِهَا، وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً كَانَ مُولِيًا مِنْ إحْدَاهُنَّ وَيُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ، فَإِنْ عَيَّنَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ وَلَمْ يَنْوِ تَعْمِيمًا وَلَا تَخْصِيصًا حُمِلَ عَلَى التَّعْمِيمِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَوْ قَالَ) : وَاَللَّهِ لَا (أُجَامِعُكِ) سَنَةً أَوْ (إلَى سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً) أَوْ يَوْمًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْحَالِ فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْوَطْءِ بِمَا ذَكَرَ شَيْءٌ لِاسْتِثْنَائِهِ (فَإِنْ وَطِئَ وَ) قَدْ (بَقِيَ مِنْهَا) أَيْ السَّنَةِ (أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ) مِنْ حِينَئِذٍ لِحُصُولِ الْحِنْثِ بِالْوَطْءِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ بَقِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا فَلَيْسَ بِمُولٍ بَلْ حَالِفٌ فَقَطْ وَالثَّانِي: هُوَ مُولٍ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ مَرَّةً يَقْرَبُ مِنْ الْحِنْثِ، وَعَلَى هَذَا يُطَالَبُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْأَةَ الْوَاحِدَةَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَتُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا إنْ بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ سَنَةٌ وَلَمْ يَطَأْ انْحِلَالَ الْإِيلَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 22 فَصْلٌ يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ الْإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ،   [مغني المحتاج] كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً، أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ: السَّنَةُ بِالتَّعْرِيفِ اقْتَضَى الْحَاضِرَةَ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ وَطْئِهِ الْعَدَدَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ كَانَ مُولِيًا وَإِلَّا فَلَا فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك إنْ شِئْت وَأَرَادَ إنْ شِئْت الْجِمَاعَ أَوْ الْإِيلَاءَ فَقَالَتْ فِي الْحَالِ: شِئْت صَارَ مُولِيًا لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ أَخَّرَتْ فَلَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخِطَابَ يَسْتَدْعِي جَوَابَهَا فَوْرًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: مَتَى شِئْت أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَإِنْ أَرَادَ إنْ شِئْت أَنْ لَا أُجَامِعَك فَلَا إيلَاءَ إذْ مَعْنَاهُ لَا أُجَامِعُك إلَّا بِرِضَاك، وَهِيَ إذَا رَضِيَتْ فَوَطِئَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ الْمَشِيئَةَ حَمْلًا عَلَى مَشِيئَةِ عَدَمِ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك إلَّا أَنْ تَشَائِي أَوْ مَا لَمْ تَشَائِي وَأَرَادَ التَّعْلِيقَ لِلْإِيلَاءِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءَ عَنْهُ فَمُولٍ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ وَعَلَّقَ رَفْعَ الْيَمِينِ بِالْمَشِيئَةِ، فَإِنْ شَاءَتْ الْإِصَابَةَ فَوْرًا انْحَلَّ الْإِيلَاءُ، وَإِلَّا فَلَا يَنْحَلُّ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَصَبْتُك حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ، فَإِنْ شَاءَتْ الْإِصَابَةَ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَإِنْ لَمْ يَشَأْهَا صَارَ مُولِيًا بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِلْيَأْسِ مِنْهَا لَا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ مِنْ الْمَشِيئَةِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ لِشَهْرٍ وَمَضَى شَهْرٌ صَارَ مُولِيًا، إذْ لَوْ جَامَعَهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ لَمْ يَحْصُلْ الْعِتْقُ لِتَعَذُّرِ تَقَدُّمِهِ عَلَى اللَّفْظِ وَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ بِذَلِكَ الْوَطْءِ، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَدْ بَاعَ الْعَبْدَ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ انْحَلَّ الْإِيلَاءُ لِعَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ بِالْوَطْءِ حِينَئِذٍ لِتَقَدُّمِ الْبَيْعِ عَلَى وَقْتِ الْعِتْقِ أَوْ مُقَارَنَتِهِ لَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ بِدُونِ شَهْرٍ مِنْ الْبَيْعِ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ قَبْلَ الْوَطْءِ بِشَهْرٍ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ بَيْعِهِ، وَفِي مَعْنَى بَيْعِهِ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ مِنْ مَوْتٍ وَهِبَةٍ وَغَيْرِهِمَا [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ] (فَصْلٌ) فِي أَحْكَامِ الْإِيلَاءِ مَنْ ضَرَبَ مُدَّةً وَغَيْرُهُ (يُمْهَلُ) الْمُولِي وُجُوبًا (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) سَوَاءٌ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّة شُرِعَتْ لِأَمْرٍ جِبِلِّيٍّ وَهُوَ قِلَّةُ الصَّبْرِ عَنْ الزَّوْجِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِبِلَّةِ وَالطَّبْعُ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْعُنَّةَ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَهَذِهِ الْمُدَّةُ حَقُّ الزَّوْجِ كَالْأَجَلِ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ حَقُّ الْمَدِينِ، وَابْتِدَاؤُهَا (مِنْ) حِينِ (الْإِيلَاءِ) فِي غَيْرِ مَا يَأْتِي لَا مِنْ وَقْتِ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مُولٍ مِنْ وَقْتِ الْحَلِفِ، وَ (بِلَا قَاضٍ) لِثُبُوتِهِ بِالْآيَةِ السَّابِقَةِ، بِخِلَافِ مُدَّةِ الْعِنِّينِ لِأَنَّهَا مُجْتَهَدٌ فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 23 وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنْ الرَّجْعَةِ وَلَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ فِي الْمُدَّةِ انْقَطَعَتْ، فَإِذَا أَسْلَمَ اُسْتُؤْنِفَتْ وَمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ لَمْ يَمْنَعْ الْمُدَّةَ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ، أَوْ فِيهَا وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مَنَعَ، وَإِنْ حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ قَطَعَهَا فَإِذَا زَالَ اُسْتُؤْنِفَتْ، وَقِيلَ تُبْنَى، أَوْ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَ وَطْئِي بِشَهْرٍ فَإِنَّ الْمُدَّةَ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْإِيلَاءِ بَلْ إنْ مَضَى شَهْرٌ وَلَمْ يَطَأْ ضُرِبَتْ وَطُولِبَ فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ مِنْ الْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لَأَنْ لَوْ وَطِئَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يُعْتَقْ (وَ) ابْتِدَاؤُهَا (فِي رَجْعِيَّةٍ) آلَى مِنْهَا (مِنْ) حِينِ (الرَّجْعَةِ) لَا مِنْ حِينِ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ شُرِعَتْ لِلْمُهْلَةِ فِي وَقْتٍ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ، وَفِي الْعِدَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَنْقَطِعُ لِجَرَيَانِهَا إلَى الْبَيْنُونَةِ، فَإِذَا رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ حُسِبَتْ الْمُدَّةُ مِنْ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّ الْإِضْرَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ الْمُتَوَالِي فِي نِكَاحٍ سَلِيمٍ، وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ (وَلَوْ ارْتَدَّ) الزَّوْجَانِ أَوْ (أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ) وَبَعْدَ الْمُدَّةِ لَغَتْ، أَوْ (فِي الْمُدَّةِ) أَيْ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ (انْقَطَعَتْ) فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الرِّدَّةِ مِنْهَا لِاخْتِلَالِ النِّكَاحِ بِهَا (فَإِذَا أَسْلَمَ) الْمُرْتَدُّ فِي الصُّورَتَيْنِ (اُسْتُؤْنِفَتْ) أَيْ الْمُدَّةُ لِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا مَنُوطٌ بِتَوَالِي الضَّرَرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ تُوجَدْ تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الِاسْتِئْنَافِ إذَا كَانَتْ، الْيَمِينُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ مُطْلَقًا، أَوْ كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْيَمِينِ مَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِئْنَافِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ دُخُولٍ أَيْ أَوْ اسْتِدْخَالِ مَنِيِّ الزَّوْجِ الْمُحْتَرَمِ عَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْقَطِعُ لَا مَحَالَةَ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ الْعِدَّةَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَبِالرِّدَّةِ فِي مَنْعِ الِاحْتِسَابِ وَوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ انْقِضَائِهَا (وَ) كُلُّ (مَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لَمْ يَمْنَعْ الْمُدَّةَ) أَيْ لَا يَقْطَعُ مُدَّةَ الْإِيلَاءِ (كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ) وَاعْتِكَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ) وَحَبْسٍ وَنَحْوِهِ فَيُحْسَبُ زَمَنُ كُلٍّ مِنْهَا مِنْ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ أَقَارَنَهَا أَمْ حَدَثَ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ وَالْمَانِعُ مِنْهُ، وَلِهَذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِيلَاءِ وَقَصْدُهُ الْمُضَارَّةِ تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ وَالْحِسِّيِّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ عَنْ الرِّدَّةِ وَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَقَدْ سَبَقَا (أَوْ) أَيْ وَإِنْ وُجِدَ مَانِعُ الْوَطْءِ (فِيهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ) يُمْنَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْوَطْءَ (مَنَعَ) ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا زَالَ اُسْتُؤْنِفَتْ (وَإِنْ حَدَثَ) مَانِعٌ لِوَطْءٍ (فِي) أَثْنَاءِ (الْمُدَّةِ) كَنُشُوزِهَا فِيهَا (قَطَعَهَا) لِامْتِنَاعِ الْوَطْءِ مَعَهُ (فَإِذَا زَالَ) الْحَادِثُ (اُسْتُؤْنِفَتْ) الْمُدَّةُ، إذْ الْمُطَالَبَةُ مَشْرُوطَةٌ بِالْإِضْرَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةً وَلَمْ تُوجَدْ (وَقِيلَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 24 شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا، وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ. وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ،   [مغني المحتاج] تُبْنَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى مَا مَضَى وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ (أَوْ) وُجِدَ مَانِعُ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ، وَهُوَ (شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ جَزْمًا، وَلَا صَوْمُ النَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَقْطَعُهَا ذَلِكَ لَوْ حَدَثَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَخْلُو عَنْهُ الشَّهْرُ غَالِبًا، فَلَوْ مَنَعَ لَامْتَنَعَ ضَرْبُ الْمُدَّةِ غَالِبًا، وَأَمَّا صَوْمُ النَّفْلِ فَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ وَطْئِهَا وَتَحْلِيلِهَا مِنْهُ تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْحَيْضِ أَنَّ النِّفَاسَ يَمْنَعُ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَلَكِنْ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ كَالْحَيْضِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمُشَارَكَتِهِ لِلْحَيْضِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَهُ وَجْهٌ (وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ صَوْمُهُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَرَمَضَانَ وَقَضَائِهِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ فِيهِ مِنْ الْوَطْءِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِتَمَكُّنِهِ لَيْلًا تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فَوْرِيًّا أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَرَاخِيَ كَصَوْمِ النَّفْلِ وَالِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَالْإِحْرَامِ وَلَوْ بِنَفْلٍ كَصَوْمِ الْفَرْضِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِتَخْصِيصِ الْجُرْجَانِيِّ الْإِحْرَامَ بِالْفَرْضِ (فَإِنْ وَطِئَ) الْمُولِي (فِي الْمُدَّةِ) انْحَلَّ الْإِيلَاءُ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُطَالَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَطَأْ فِيهَا (فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ) بَعْدَهَا (بِأَنْ يَفِيءَ) بِرُجُوعِهِ لِلْوَطْءِ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْإِيلَاءِ (أَوْ يُطَلِّقَ) إنْ لَمْ يَفِئْ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَسُمِّيَ الْوَطْءُ فَيْئَةً مِنْ فَاءَ إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ ثُمَّ رَجَعَ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَرَدُّدُ الطَّلَبِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي مَوْضِعٍ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِظَاهِرِ النَّصِّ أَنَّهَا تُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفِئْ طَالَبَتْهُ بِالطَّلَاقِ وَهَذَا أَوْجَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ (وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا) بِسُكُوتِهَا عَنْ مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ أَوْ بِإِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ عَنْهُ (فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ) مَا لَمْ تَنْتَهِ مُدَّةِ الْيَمِينِ (بَعْدَهُ) أَيْ التَّرْكِ لِتَجَدُّدِ الضَّرَرِ كَالرِّضَا بِإِعْسَارِهِ بِالنَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الرِّضَا بِالْعُنَّةِ أَوْ الْعَيْبِ، فَإِنَّ ضَرَرَهُمَا فِي حُكْمِ خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَالرِّضَا بِالْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ اخْتِصَاصُ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ بِالزَّوْجَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ حَقُّهَا، وَيُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمُرَاهِقَةِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونَةِ، وَلَا يُطَالَبُ وَلِيُّهَا بِذَلِكَ بَلْ يُنْدَبُ تَخْوِيفُ الزَّوْجِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ) وَهِيَ الرُّجُوعُ لِلْوَطْءِ (بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ) فَقَطْ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا، وَقَوْلُهُ (بِقُبُلٍ) مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، فَلَا يَكْفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 25 وَلَا مُطَالَبَةَ إنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَانِعٌ طَبِيعِيٌّ كَمَرَضٍ طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا قَدَرْت فِئْت: أَوْ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ،   [مغني المحتاج] تَغْيِيبُ مَا دُونَهَا بِهِ وَلَا تَغْيِيبُهَا بِدُبُرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُرْمَةِ الثَّانِي لَا يَحْصُلُ الْغَرَضُ، نَعَمْ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِي إيلَائِهِ بِالْقُبُلِ وَلَا نَوَاهُ بَلْ أَطْلَقَ انْحَلَّ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، لَا بُدَّ فِي الْبِكْرِ مِنْ زَوَالِ بَكَارَتِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ، غَوْرَاءَ فَرْعٌ: لَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْحَشَفَةَ أَوْ أَدْخَلَهَا هُوَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَمْ تَجِبْ كَفَّارَةٌ، وَلَمْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ وَإِنْ حَصَلَتْ الْفَيْئَةُ وَارْتَفَعَ الْإِيلَاءُ، أَمَّا عَدَمُ الْحِنْثِ وَعَدَمُ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فَلِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِدْخَالِ وَاخْتِلَالُهُ فِيمَا عَدَاهَا وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَلِعَدَمِ الْحِنْثِ وَأَمَّا ارْتِفَاعُ الْإِيلَاءِ فَلِوُصُولِهَا إلَى حَقِّهَا وَانْدِفَاعِ ضَرَرِهَا كَمَا لَوْ رَدَّ الْمَجْنُونُ الْوَدِيعَةَ إلَى صَاحِبِهَا، وَلِأَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ كَالْعَاقِلِ فِي تَقْرِيرِ الْمَهْرِ وَالتَّحْلِيلِ وَتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ مِنْهُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ عَنْ الْحَيْضِ لِلْمُسْلِمِ دُونَ الْعِبَادَةِ، إذْ لَيْسَ لَهَا نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَتُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ثُمَّ رَاجَعَ تُضْرَبُ الْمُدَّةُ ثَانِيًا، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمُدَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا عَامِدًا عَاقِلًا مُخْتَارًا حَنِثَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ (وَلَا مُطَالَبَةَ) لِلزَّوْجِ بِالْفَيْئَةِ لَا قَوْلًا وَلَا فِعْلًا (إنْ كَانَ بِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (مَانِعُ وَطْءٍ) وَهُوَ شَرْعِيٌّ أَوْ حِسِّيٌّ (كَحَيْضٍ) وَنِفَاسٍ وَإِحْرَامٍ (وَمَرَضٍ) لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مُتَعَذِّرٌ مِنْ جِهَتِهَا، فَكَيْفَ تَطْلُبُهُ أَوْ تَطْلُبُ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَلِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ تَكُونُ بِالْمُسْتَحَقِّ، وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا يَمْنَعُ الْمُدَّةَ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ: طَلَاقُ الْمُولِي فِي الْحَيْضِ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ يُشْكَلُ عَلَى قَوْلِهِمْ هُنَا: إنَّهُ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ. أُجِيبَ بِحَمْلِ الْمَذْكُور هُنَا عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْمُطَالَبَةُ زَمَنَ النَّقَاءِ مِنْ الْحَيْضِ وَلَمْ يَفِئْ مَعَ تَمَكُّنِهِ حَتَّى طَرَأَ الْحَيْضُ فَإِنَّهُ لَا تَبْعُدُ مُطَالَبَتُهُ بِالطَّلَاقِ حِينَئِذٍ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ الزَّوْجِ (مَانِعٌ) مِنْ الْوَطْءِ وَهُوَ (طَبِيعِيٌّ كَمَرَضٍ) يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ يَخَافُ مِنْهُ زِيَادَةُ الْعِلَّةِ أَوْ بُطْءُ الْبُرْءِ (طُولِبَ) الزَّوْجُ بِالْفَيْئَةِ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالطَّلَاقِ إنْ لَمْ يَفِئْ (بِأَنْ يَقُولَ: إذَا قَدَرْت فِئْت) أَوْ طَلَّقْت لِأَنَّ بِهِ يَنْدَفِعُ الْأَذَى الَّذِي حَصَلَ، بِاللِّسَانِ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُ عُذْرِهِ كَجَبٍّ طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: لَوْ قَدَرْت فِئْت، وَلَا يَأْتِي بِإِذَا، وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ عَلَى ذَلِكَ: وَنَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنِّي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدُ وَالِاسْتِحْبَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْوَعْدِ (أَوْ) كَانَ فِي الزَّوْجِ مَانِعٌ (شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ) وَظِهَارٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَصَوْمِ وَاجِبٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ، وَلَا يُطَالَبُ بِالْفَيْئَةِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالطَّلَاقِ بِخُصُوصِهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ: إنْ فِئْت عَصَيْت وَأَفْسَدْت عِبَادَتَك، وَإِنْ طَلَّقْت ذَهَبَتْ زَوْجَتُك، وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 26 فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ، وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةً،   [مغني المحتاج] لَمْ تُطَلِّقْ طَلَّقْنَا عَلَيْك كَمَنْ غَصَبَ دَجَاجَةً وَلُؤْلُؤَةً فَابْتَلَعَتْهَا، يُقَالُ لَهُ: إنْ ذَبَحْتهَا غَرِمْتهَا وَإِلَّا غَرِمْت اللُّؤْلُؤَةَ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ زَالَ الضَّرَرُ بَعْدَ فَيْئَةِ اللِّسَانِ طُولِبَ بِالْوَطْءِ تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا امْتَنَعَ امْتِنَاعًا كُلِّيًّا، فَإِنْ اسْتَمْهَلَ فِي الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ، أَوْ كَانَ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامِهِ عَنْ قُرْبٍ أَمْهَلْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ فِي صُورَةِ الظِّهَارِ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أُكَفِّرَ لَمْ يُمْهَلْ إنْ كَانَ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَقِيلَ: يُمْهَلُ يَوْمًا وَنِصْفَ يَوْمٍ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ (فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ) فِي الْقُبُلِ وَكَذَا فِي الدُّبُرِ إذَا لَمْ يُقَيِّدْ إيلَاءَهُ بِهِ وَلَا بِالْقُبُلِ (سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ) لِحُصُولِ مَقْصُودِهَا وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ تَصْرِيحِهِ بِالْعِصْيَانِ امْتِنَاعُ الزَّوْجَةِ مِنْ تَمْكِينِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ إلَّا كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ، فَالْأَظْهَرُ) الْجَدِيدُ (أَنَّ الْقَاضِيَ) إذَا رَفَعَتْهُ إلَيْهِ (يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً) نِيَابَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى دَوَامِ إضْرَارِهَا وَلَا إجْبَارِهِ عَلَى الْفَيْئَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِجْبَارِ، وَالطَّلَاقُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَنَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ كَمَا يُزَوِّجُ عَنْ الْعَاضِلِ وَيَسْتَوْفِي الْحَقَّ مِنْ الْمُمَاطِلِ، فَيَقُولُ: أَوْقَعْت عَلَى فُلَانَةَ عَنْ فُلَانٍ طَلْقَةً كَمَا حُكِيَ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَوْ حَكَمْت عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ بِطَلْقَةٍ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ فُلَانٍ لَمْ يَقَعْ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّيْخَانِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: طَلْقَةً أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ تَقَعْ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالرَّجْعَةِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَتْ، قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مُسْتَكْمَلَةً لِعَدَدِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ آلَى مِنْ إحْدَاهُمَا وَأَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ طَلَّقَ الْقَاضِي مُبْهَمًا ثُمَّ يُبَيِّنُ الزَّوْجُ إنْ عَيَّنَ، وَيُعَيِّنُ إنْ أَبْهَمَ وَالثَّانِي الْقَدِيمُ لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْآيَةِ يُضَافُ إلَيْهِ بَلْ يُفْرِدُهُ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ لِحَدِيثِ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُ لِيَثْبُتَ امْتِنَاعُهُ كَالْعَضْلِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلطَّلَاقِ عَلَيْهِ حُضُورُهُ عِنْدَهُ، وَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُ الْقَاضِي فِي مُدَّةِ إمْهَالِهِ الْآتِي بَيَانُهَا، وَلَا بَعْدَ وَطْئِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَإِنْ طَلَّقَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقَانِ، وَإِنْ طَلَّقَ الْقَاضِي مَعَ الْفَيْئَةِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ، وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ بَعْدَ طَلَاقِ الْقَاضِي إنْ كَانَ طَلَاقُ الْقَاضِي رَجْعِيًّا، وَصُورَةُ الدَّعْوَى أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِالْإِيلَاءِ وَأَنَّ مُدَّتَهُ قَدْ انْقَضَتْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَيُطْلَبُ مِنْهُ دَفْعُ الضَّرَرِ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَا مَرَّ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ) إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ (لَا يُمْهَلُ) أَيَّامًا (ثَلَاثَةً) لِيَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ فِيهَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا أَمْهَلَهُ اللَّهُ، وَالْحَقُّ إذَا حَلَّ لَا يُؤَجَّلُ ثَانِيًا، وَالثَّانِي: يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِقُرْبِهَا وَقَدْ يَنْشَطُ فِيهَا لِلْوَطْءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 27 وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَطْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَجَوَازُ إمْهَالِهِ دُونَ ثَلَاثٍ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ إذَا اُسْتُمْهِلَ لِشُغْلٍ أُمْهِلَ بِقَدْرِ مَا يَتَهَيَّأُ لِذَلِكَ الشُّغْلِ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أُمْهِلَ حَتَّى يُفْطِرَ أَوْ جَائِعًا فَحَتَّى يَشْبَعَ أَوْ ثَقِيلًا مِنْ الشِّبَعِ فَحَتَّى يَخِفَّ أَوْ عَلَيْهِ النُّعَاسُ فَحَتَّى يَزُولَ، قَالَا: وَالِاسْتِعْدَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ بِقَدْرِ يَوْمٍ فَمَا دُونَهُ، وَلَوْ رَاجَعَ الْمُولِي بَعْدَ تَطْلِيقِ الْقَاضِي وَقَدْ بَقِيَ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ ضُرِبَتْ مُدَّةٌ أُخْرَى، وَلَوْ بَانَتْ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَعُدْ الْإِيلَاءُ فَلَا تُطَالِبُ (وَ) الْأَظْهَرُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (أَنَّهُ إذَا وَطِئَ) فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ (بَعْدَ مُطَالَبَةٍ) لَهُ بِالْفَيْئَةِ (لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) إنْ كَانَتْ، يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ لِحِنْثِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] أَيْ يَغْفِرُ الْحِنْثَ بِأَنْ لَا يُؤَاخَذَ بِكَفَّارَتِهِ لِدَفْعِهِ ضَرَرَ الزَّوْجَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ إنَّمَا يَنْصَرِفَانِ إلَى مَا يُعْصَى بِهِ، وَالْفَيْئَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، وَإِذَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ فَبِالْوَطْءِ قَبْلَهَا أَوْلَى أَمَّا إذَا كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ نُظِرَ إنْ حَلَفَ بِالْتِزَامِ مَا يَلْزَمُ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبَةٍ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ، أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ النَّذْرِ أَوْ بِتَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَقَعَ بِوُجُودِ الصِّفَةِ خَاتِمَةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ بِأَنْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ اعْتَرَفَتْ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَهُ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ الطَّلَبِ عَمَلًا بِاعْتِرَافِهَا، وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهَا عَنْهُ لِاعْتِرَافِهَا بِوُصُولِ حَقِّهَا إلَيْهَا، وَلَوْ كَرَّرَ يَمِينَ الْإِيلَاءِ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَر وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْأُولَى التَّأْكِيدَ لَهَا، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ وَطَالَ الْفَصْلُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ التَّنْجِيزَ إنْشَاءٌ وَإِيقَاعٌ، وَالْإِيلَاءُ وَالتَّعْلِيقُ مُتَعَلِّقَانِ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَالتَّأْكِيدُ بِهِمَا أَلْيَقُ أَوْ أَرَادَ الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَتْ الْأَيْمَانُ، وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُرِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا فَوَاحِدَةً إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ حَمْلًا عَلَى التَّأْكِيدِ وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ لِبُعْدِ التَّأْكِيدِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ، وَنَظِيرُهُمَا جَارٍ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا سَنَةً وَيَمِينًا سَنَتَيْنِ مَثَلًا، وَعِنْدَ الْحُكْمِ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ يَكْفِيهِ لِانْحِلَالِهَا وَطْءٌ وَاحِدٌ، وَيَتَخَلَّصُ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَيَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 28 كِتَابُ الظِّهَارِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الظِّهَارِ] ِ هُوَ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ الظَّهْرِ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَخَصُّوا الظَّهْرَ دُونَ الْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الرُّكُوبِ، وَالْمَرْأَةُ مَرْكُوبُ الزَّوْجِ، وَقِيلَ: مِنْ الْعُلُوِّ قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] أَيْ يَعْلُوهُ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقِيلَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَيُقَالُ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا كَرِهَ أَحَدُهُمْ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ فَتَبْقَى لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً تَنْكِحُ غَيْرَهُ، فَغَيَّرَ الشَّارِعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَحَقِيقَتُهُ: تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ غَيْرِ الْبَائِنِ بِأُنْثَى لَمْ تَكُنْ حِلًّا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَسُمِّيَ هَذَا الْمَعْنَى ظِهَارًا لِتَشْبِيهِ الزَّوْجَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ «قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَاشْتَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا: حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: اُنْظُرْ فِي أَمْرِي فَإِنْي لَا أَصْبِرُ عَنْهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حَرُمْت عَلَيْهِ وَكَرَّرَتْ، وَهُوَ يَقُولُ: حَرُمْت عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَيِسَتْ اشْتَكَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] » الْآيَاتِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ. وَرُوِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 29 يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَخَصِيًّا، وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ،   [مغني المحتاج] «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مُرِيهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً، فَقَالَتْ أَيُّ رَقَبَةٍ، وَاَللَّهِ لَا يَجِدُ رَقَبَةً وَمَا لَهُ خَادِمٌ غَيْرِي فَقَالَ: مُرِيهِ فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَقَالَتْ: مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، إنَّهُ يَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ كَذَا كَذَا مَرَّةً، فَقَالَ مُرِيهِ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَقَالَتْ: أَنَّى لَهُ ذَلِكَ» فَائِدَةٌ: سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ تُشَابِهُهَا فِي ذَلِكَ، وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ عَدَدًا، وَعُشْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: مُظَاهِرٌ، وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا، وَصِيغَةٌ، وَمُشَبَّهٌ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا، فَقَالَ: (يَصِحُّ) الظِّهَارُ (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) فَلَا تَصِحُّ مُظَاهَرَةُ السَّيِّدِ مِنْ أَمَتِهِ وَلَوْ كَانَتْ، أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ حُكْمَهُ بِالنِّسَاءِ، وَمُطْلَقُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الزَّوْجَاتِ (مُكَلَّفٍ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ نَعَمْ لَوْ عَلَّقَ الْمُكَلَّفُ الظِّهَارَ عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ حَصَلَ الظِّهَارُ قَطْعًا، قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ، وَسَيَأْتِي ظِهَارُ السَّكْرَانِ، فَلَوْ قَالَ: شَرَطَهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ كَمَا قَالَ فِي الْإِيلَاءِ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِدُخُولِ ظِهَارِ السَّكْرَانِ (وَلَوْ) هُوَ (ذِمِّيٌّ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِيمَا سَبَقَ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ شَرَطَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا لَنَا أَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ فَيَصِحُّ مِنْهُ كَالطَّلَاقِ، وَالْكَفَّارَةُ فِيهَا شَائِبَةُ الْغَرَامَةِ، وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَأَنْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ، أَوْ يَقُولَ الْمُسْلِمُ: أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي وَالْحَرْبِيُّ كَالذِّمِّيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ لَشَمِلَهُ تَنْبِيهٌ: كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ الْمُصَنِّفُ مَا بَعْدَ لَوْ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَّرْته، وَلَكِنْ الْكَثِيرُ نَصْبُهُ عَلَى حَذْفِ كَانَ وَاسْمِهَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَلَوْ خَاتَمًا " وَلَوْ هُوَ (خَصِيٌّ) وَمَجْبُوبٌ وَمَمْسُوحٌ وَعِنِّينٌ كَالطَّلَاقِ، زَادَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَعَبْدٍ لِأَجْلِ خِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ وَنَحْنُ نَقُولُ: هُوَ عَاجِزٌ فَيَعْدِلُ عَنْهُ إلَى الصَّوْمِ (وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ) وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ صِحَّةُ طَلَاقِهِ فَظِهَارُهُ كَذَلِكَ وَالرُّكْنُ الثَّانِي: الْمُظَاهَرُ مِنْهَا، وَهِيَ زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ، وَالْمَرِيضَةُ، وَالرَّتْقَاءُ، وَالْقَرْنَاءُ، وَالْكَافِرَةُ، وَالرَّجْعِيَّةُ، وَتَخْرُجُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَلَوْ مُخْتَلِعَةً وَالْأَمَةُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَصِحَّ ثُمَّ شَرَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 30 وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُ: جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُك أَوْ نَفْسُك كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ، وَكَذَا كَعَيْنِهَا إنْ قَصَدَ ظِهَارًا، وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ: رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] فِي الرُّكْنِ الثَّالِثُ، وَهُوَ الصِّيغَةُ، فَقَالَ: (وَصَرِيحُهُ) أَيْ الظِّهَارِ (أَنْ يَقُولَ) الزَّوْجُ (لِزَوْجَتِهِ) الْمَذْكُورَةِ (أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي) أَوْ لَدَيَّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (كَظَهْرِ أُمِّي) فِي تَحْرِيمِ رُكُوبِ ظَهْرِهَا، وَأَصْلُهُ: إتْيَانُك عَلَيَّ كَرُكُوبِ ظَهْرِ أُمِّي بِحَذْفِ الْمُضَافِ، وَهُوَ إتْيَانٌ، فَانْقَلَبَ الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ الْمَجْرُورُ ضَمِيرًا مَرْفُوعًا مُنْفَصِلًا (وَكَذَا) قَوْلُهُ (أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي) بِحَذْفِ الصِّلَةِ (صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَا يَضُرُّ حَذْفُهَا كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: مِنِّي وَالثَّانِي: أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْتِ عَلَى غَيْرِي كَظَهْرِ أُمِّهِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَجَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ قَبُولَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ بَاطِنًا تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْأُمِّ: أُمُّ الْمَحْرَمِيَّةِ، فَلَوْ شَبَّهَ زَوْجَتَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لَغْوًا (وَقَوْلُهُ) لَهَا (جِسْمُك أَوْ بَدَنُك) أَوْ جُمْلَتُك (أَوْ نَفْسُك) أَوْ ذَاتُكِ (كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا) أَوْ ذَاتِهَا (صَرِيحٌ) لِتَضَمُّنِهِ الظَّهْرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الصِّلَةَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالصِّلَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَوْ قَالَ قَوْلَهُ إلَخْ كَالتَّشْبِيهِ بِالظَّهْرِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ (وَالْأَظْهَرُ) الْجَدِيدُ (أَنَّ قَوْلَهُ) لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ (كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا) وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي لَا تُذْكَرُ فِي مَعْرَضِ الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ، مِمَّا سِوَى الظَّهْرِ (ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ عُضْوٌ يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِهِ فَكَانَ كَالظَّهْرِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (وَكَذَا) قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ (كَعَيْنِهَا) أَوْ رَأْسِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْكَرَامَةَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ كَأُمِّي أَوْ رُوحِهَا أَوْ وَجْهِهَا ظِهَارٌ (إنْ قَصَدَ ظِهَارًا) أَيْ نَوَى أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ (وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا) يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكَرَامَةِ وَالْإِعْزَازِ (وَكَذَا) لَا يَكُونُ ظِهَارًا (إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ) وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَشْبَهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِالْأَرْجَحِ حَمْلًا عَلَى الْكَرَامَةِ لِاحْتِمَالِهَا وَالثَّانِي: يُحْمَلُ عَلَى الظِّهَارِ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي التَّشْبِيهِ بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْأُمِّ (وَقَوْلُهُ) لَهَا (رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ يَدُك) أَوْ رِجْلُك أَوْ بَدَنُك أَوْ جِلْدُك أَوْ شَعْرُك أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُمَثِّلَ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ، كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ وَالثَّانِي: لَيْسَ بِظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صُورَةِ الظِّهَارِ الْمَعْهُودَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْجَدِيدِ، لَا بِالْأَظْهَرِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 31 وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ ظِهَارٌ، وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَحْرَمٍ لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا، لَا مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ، وَلَوْ شَبَّهَ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَأَبٍ وَمُلَاعَنَةٍ فَلَغْوٌ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ: إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا،   [مغني المحتاج] وَإِنْ اشْتَمَلَ تَعْبِيرُهُ عَلَى النَّوْعِ الْمُسَمَّى فِي الْبَدِيعِ بِالْجِنَاسِ اللَّفْظِيِّ تَنْبِيهٌ: تَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الْأَمْثِلَةَ بِالْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْأُمِّ قَدْ يُفْهِمُ إخْرَاجَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الرَّوْنَقِ وَاللُّبَابِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا مِثْلُ الظَّاهِرَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ الْبَعْضَ (وَالتَّشْبِيهُ بِالْجَدَّةِ) مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَإِنْ بَعُدَتْ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ جَدَّتِي (ظِهَارٌ) لِأَنَّهَا تُسَمَّى أُمًّا وَلَهَا وِلَادَةٌ، وَتُشَارِكُ الْأُمَّ فِي الْعِتْقِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ (وَالْمَذْهَبُ طَرْدُهُ) أَيْ التَّشْبِيهِ الْمُقْتَضِي لِلظِّهَارِ (فِي كُلِّ مَحْرَمٍ) نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا، (لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا) عَلَى الْمُظَاهِرِ بِأَنْ لَمْ تَزَلْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمُرْضِعَةِ أُمِّهِ أَوْ أَبِيهِ لِمُسَاوَاتِهِنَّ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْأُمِّ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ جَرَيَانُ الطُّرُقِ فِي كُلِّ الْمَحَارِمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ فِي مَحْرَمِ النَّسَبِ قَوْلَانِ، وَفِي مَحْرَمِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ (لَا مُرْضِعَةٍ) لِلْمُظَاهِرِ (وَزَوْجَةِ ابْنٍ) لَهُ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا حَلَالًا لَهُ فِي وَقْتٍ فَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ وَأَمَّا بِنْتُ مُرْضِعَتِهِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ ارْتِضَاعِهِ فَهِيَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ قَبْلَهُ، وَكَالْمَوْلُودَةِ بَعْدَهُ الْمُوَلَّدَةُ مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ التَّاءَ مِنْ مُرْضِعَةٍ كَمَا مَرَّ لَهُ فِي الصَّوْمِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إلَخْ كَانَ أَوْلَى (وَلَوْ شَبَّهَ) زَوْجَتَهُ (بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَأَبٍ) لِلْمُظَاهِرِ (وَمُلَاعَنَةٍ) لَهُ (فَلَغْوٌ) هَذَا التَّشْبِيهُ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى لَا يُشْبِهْنَ الْأُمَّ فِي التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ، وَالْأَبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ كَالِابْنِ وَالْغُلَامُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاسْتِمْتَاعِ وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ لِمَا ذُكِرَ، وَالْمُلَاعَنَةُ وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُهَا مُؤَبَّدًا لَيْسَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَالْوَصْلَةِ، وَكَذَا لَوْ شَبَّهَهَا بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مُرْتَدَّةٍ تَنْبِيهٌ: تَعْدِيَةُ الْمُصَنِّفِ شَبَّهَ بِالْبَاءِ جَائِزٌ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ، وَمَنَعَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وَجَعَلَهُ لَحْنًا وَقَالَ: الْمَسْمُوعُ تَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ حُكْمُ تَنْجِيزِ الظِّهَارِ وَأَمَّا حُكْمُ تَعْلِيقِهِ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ كَالطَّلَاقِ وَالْكَفَّارَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَتَعْلِيقُ الظِّهَارِ (كَقَوْلِهِ:) إذَا جَاءَ زَيْدٌ أَوْ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ صَارَ مُظَاهِرًا لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ (إنْ ظَاهَرْت مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) وَهُمَا فِي عِصْمَتِهِ (فَظَاهَرَ) مِنْ الْأُخْرَى (صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا) عَمَلًا بِمُوجِبِ التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ، وَلَوْ عَلَّقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 32 وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٌ فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ، فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا صَارَ مُظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَغْوٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ أَوْ هُمَا أَوْ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ وَلَا ظِهَارَ، أَوْ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي   [مغني المحتاج] الظِّهَارَ بِدُخُولِهَا الدَّارَ فَدَخَلَتْ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ نَاسٍ فَمُظَاهَرٌ مِنْهَا كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِهَا، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْجُنُونُ وَالنِّسْيَانُ فِي فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا عَوْدَ مِنْهُ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ جُنُونِهِ، أَوْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ نِسْيَانِهِ ثُمَّ يُمْسِكُ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا زَمَنًا يُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُطَلِّقْ (وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ) فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَقَوْلُهُ (وَفُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٌ) لَيْسَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُظَاهِرِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ الْوَقْعِ (فَخَاطَبَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ) لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ شَرْعًا (إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ) أَيْ إنْ تَلَفَّظْت بِالظِّهَارِ مِنْهَا فَيَصِيرُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (فَلَوْ نَكَحَهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةَ (وَظَاهَرَ مِنْهَا) بَعْدَ نِكَاحِهَا (صَارَ مُظَاهِرًا) مِنْ زَوْجَتِهِ الْأُولَى لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ) : إنْ ظَاهَرْت (مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ) فَزَوْجَتِي عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَكَذَلِكَ) أَيْ فَإِنْ خَاطَبَهَا بِظِهَارٍ قَبْلَ نِكَاحِهَا لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ أَوْ بَعْدَ نِكَاحِهَا صَارَ مُظَاهِرًا (وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا) مِنْهَا (وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ) مِنْهَا بَعْدَ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَجْنَبِيَّةٍ حِينَ الظِّهَارِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وَرَدَّ هَذَا بِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلِاشْتِرَاطِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ النُّحَاةِ: إنَّ الصِّفَةَ فِي الْمَعْرِفَةِ لِلتَّوْضِيحِ، نَحْوَ زَيْدٍ الْعَالِمِ، وَفِي النَّكِرَةِ لِلتَّخْصِيصِ نَحْوَ مَرَرْت بِرَجُلٍ فَاضِلٍ (وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ) فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَلَغْوٌ) أَيْ لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْمُظَاهِرِ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ، وَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: إنْ بِعْت الْخَمْرَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَتَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ: وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مَا لَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ أَجْنَبِيَّةٍ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ مَا عَلَّقَ بِهِ ظِهَارُهَا مِنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ حَالَةَ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً، فَلَوْ أَرَادَ اللَّفْظَ بِظِهَارِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ) بِمَجْمُوعِ كَلَامِهِ هَذَا شَيْئًا (أَوْ نَوَى) بِهِ (الطَّلَاقَ) فَقَطْ (أَوْ الظِّهَارَ) فَقَطْ (أَوْ) نَوَى بِهِ (هُمَا) مَعًا (أَوْ) نَوَى (الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالطَّلَاقُ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ) فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الْخَمْسِ (وَلَا ظِهَارَ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ الظِّهَارِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ فَلِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ لَفْظِهِ مَعَ عَدَمِ نِيَّتِهِ وَأَمَّا فِي الْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ بِلَفْظِهِ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الظِّهَارِ وَعَكْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَأَشَارَ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) نَوَى (الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَ) نَوَى (الظِّهَارَ بِالْبَاقِي) وَهُوَ كَظَهْرِ أُمِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 33 طَلُقَتْ وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ فَصْلٌ عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ،   [مغني المحتاج] (طَلُقَتْ) قَطْعًا (وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ) ، لِأَنَّ الظِّهَارَ يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَقَدْ أَتَى بِهِ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ إمَّا عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَإِ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي كَمَا قَدَّرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، أَوْ عَلَى تَعَدُّدِ الْخَبَرِ، أَيْ بِجَعْلِ " طَالِقٌ وَظَهْرِ أُمِّي " خَبَرَيْنِ عَنْ أَنْتِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " طَلَاقَ رَجْعَةٍ " عَنْ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ لَا ظِهَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ عَكَسَ مَا فِي الْمَتْنِ وَأَرَادَ الظِّهَارَ بِأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَالطَّلَاقُ بِأَنْتِ طَالِقٌ حَصَلَا، وَلَا عَوْدَ لِأَنَّهُ عَقَّبَ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ رَاجَعَ كَانَ عَائِدًا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ أَطْلَقَ فَمُظَاهِرٌ، وَلَا طَلَاقَ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي عَكْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَهُمَا بِجَمِيعِ اللَّفْظَيْنِ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ، وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَحَدَهُمَا، أَوْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَالظِّهَارُ بِطَالِقٍ تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَوَى بِمَجْمُوعِهِ الظِّهَارَ فَمُظَاهِرٌ، لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مَعَ النِّيَّةِ، فَمَعَ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ أَوْلَى، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَطَلَاقٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ الْحَرَامِ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ كَصَرِيحِهِ، وَلَوْ أَرَادَهُمَا بِمَجْمُوعِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَيَثْبُتُ مَا اخْتَارَهُ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعَا جَمِيعًا لِتَعَذُّرِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ، وَبِالْآخَرِ الظِّهَارَ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ حَصَلَا لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الظِّهَارَ، وَبِالْآخَرِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ، إذْ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِصَرَاحَتِهِ فِي الظِّهَارِ، وَإِنْ طَلَّقَ وَقَعَ الظِّهَارُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَرَامِ ظِهَارٌ مَعَ النِّيَّةِ، فَمَعَ اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلِعَدَمِ صَرِيحِ لَفْظِهِ وَنِيَّتِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّحْرِيمِ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا مُقْتَضَاهُ، وَلَا ظِهَارَ إلَّا إنْ نَوَاهُ بِكَظَهْرِ أُمِّي، وَلَوْ أَخَّرَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ عَنْ لَفْظِ الظِّهَارِ، فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرَامٌ فَمُظَاهِرٌ لِصَرِيحِ لَفْظِ الظِّهَارِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: حَرَامٌ تَأْكِيدًا، سَوَاءٌ أَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا فَيَدْخُلُ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الصُّغْرَى فِي مُقْتَضَى الظِّهَارِ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ الْعُظْمَى أَمْ أَطْلَقَ، فَإِنْ نَوَى بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ الطَّلَاقَ وَقَعَا وَلَا عَوْدَ لِتَعْقِيبِهِ الظِّهَارَ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ مِثْلُ أُمِّي أَوْ كَرُوحِهَا أَوْ عَيْنِهَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحَ ظِهَارٍ [فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ] (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الظِّهَارِ) : مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ وَتَحْرِيمِ تَمَتُّعٍ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا، تَجِبُ (عَلَى الْمُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ) فِي ظِهَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ الْعَوْدِ، وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 34 وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانَ فُرْقَةٍ، فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ فُرْقَةٌ، بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ فَلَا عَوْدَ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ لَاعَنَهَا فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] بِالظِّهَارِ، وَالْعَوْدُ شَرْطٌ، أَوْ بِالْعَوْدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ؟ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، لَكِنَّهُ جَزَمَ فِي بَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَحَكَاهُ فِي الْحَجِّ عَنْ الْقَفَّالِ، وَعِبَارَةُ الْقَفَّالِ: كُلُّ كَفَّارَةٍ سَبَبُهَا مَعْصِيَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ يُدْفَعُ هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْعَوْدُ أَوْ مَجْمُوعُهَا عَلَى الْخِلَافِ، وَالْعَوْدُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، حَكَاهُ فِي التَّوْشِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا قُلْنَا: السَّبَبُ الْعَوْدُ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا إذَا قُلْنَاهُمَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ حَرَامٌ، وَالْعَوْدُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَرَامٌ وَحَلَالٌ فَيَغْلِبُ الْحَرَامُ وَقَالَ: فِي الْمَطْلَبِ: ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَطَأْ أَمَّا بَعْدَ الْوَطْءِ فَهَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ اهـ. وَقَضَيْته تَرْجِيحُ الْفَوْرِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَوْدُ فِي الظِّهَارِ (أَنْ يُمْسِكَهَا) الْمُظَاهِرُ (بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ) لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا بِالْأُمِّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا زَوْجَةً فَإِذَا مَسَكَهَا زَوْجَةً فَقَدْ عَادَ فِيمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ، يُقَالُ: قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا ثُمَّ عَادَ لَهُ وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَادَ فِي هِبَتِهِ تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ وَفِي غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ إنَّمَا يَصِيرُ عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لَا بِالْإِمْسَاكِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْعَوْدُ فِي الرَّجْعِيَّةِ، إنَّمَا هُوَ بِالرَّجْعَةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْدٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بَدَلَ التَّأْكِيدِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ مَثَلًا فَلَمْ تَقْبَلْ، فَقَالَ عَقِبَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا عِوَضٍ فَلَيْسَ بِعَائِدٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ: يَا زَيْنَبُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْعَوْدِ بِمَا ذُكِرَ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهَا (فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ) أَيْ الظِّهَارِ (فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا (أَوْ فَسْخٌ) لِلنِّكَاحِ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِانْفِسَاخٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمِلْكِهَا لَهُ (أَوْ) فُرْقَةٍ بِسَبَبِ (طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ) الزَّوْجُ عَقِبَ ظِهَارِهِ (فَلَا عَوْدَ) وَلَا كَفَّارَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْفِرَاقِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَفَوَاتِ الْإِمْسَاكِ فِي الْأُولَى وَانْتِفَائِهِ فِي غَيْرِهَا (وَكَذَا لَوْ) ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ ثُمَّ (مَلَكَهَا) بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ لَاعَنَهَا) مُتَّصِلًا ذَلِكَ بِالظِّهَارِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهَا فِي النِّكَاحِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَبْدَلَ حِلًّا بِحِلٍّ أَقْوَى مِنْهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ الْأَصَحِّ اشْتِغَالُهُ بِمَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْكَلِمَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِرَاقِ بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ عَقِبَ الظِّهَارِ: أَنْتِ يَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 35 بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَاجَعَ أَوْ ارْتَدَّ، مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ، لَا بِالْإِسْلَامِ، بَلْ بَعْدَهُ، وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ وَيَحْرُمُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَطْءٌ، وَكَذَا لَمْسٌ وَنَحْوُهُ بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ قُلْت: الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] الْفُلَانِيِّ طَالِقٌ، وَأَطَالَ فِي ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ وَالنَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ تَخَلُّلُ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِأَسْبَابِهِ، كَالسَّوْمِ وَتَقْدِيرِ الثَّمَنِ كَانَ عَائِدًا فِي الْأَصَحِّ تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَيَّدْت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ مَلَكَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ بِإِرْثٍ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَائِدًا قَطْعًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِهَا فَقَبِلَهَا مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا، وَإِلَّا فَيَصِيرُ عَائِدًا إنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَصِيَّةَ تَمَلُّكٌ بِالْقَبُولِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ مُتَّصِلًا فَعَائِدٌ جَزْمًا فِيمَا ظَهَرَ، إذْ لَا تَمَلُّكَ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِرْ عَائِدًا فِي اللِّعَانِ عَلَى الْأَصَحِّ (بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ) وَالْمُرَافَعَةُ لِلْقَاضِي (ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ عَنْ الظِّهَارِ مِنْ زِيَادَةِ التَّطْوِيلِ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ مَا ذَكَرَ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْفِرَاقِ تَنْبِيهٌ: الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ اللِّعَانِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَلَكَهَا فِي الْأَصَحِّ أَوْ لَاعَنَهَا عَلَى النَّصِّ كَانَ مُوَافِقًا لِاصْطِلَاحِهِ (وَلَوْ رَاجَعَ) مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ، هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ سَابِقًا: لَمْ يُرَاجِعْ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ ارْتَدَّ) بَعْدَ دُخُولٍ (مُتَّصِلًا) هُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ارْتَدَّ لَا مِنْ فَاعِلِ رَاجَعَ (ثُمَّ أَسْلَمَ) بَعْدَ رِدَّتِهِ فِي الْعِدَّةِ (فَالْمَذْهَبُ) بَعْدَ الْجَزْمِ بِعَوْدِ الظِّهَارِ وَحُكْمِهِ (أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ) وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ بَلْ طَلَّقَهَا (لَا بِالْإِسْلَامِ، بَلْ) هُوَ عَائِدٌ (بَعْدَهُ) إنْ مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفُرْقَةَ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَقِيلَ فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَالصَّحِيحُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وَمَقْصُودَ الْإِسْلَامِ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ (وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ) لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَاسْتِقْرَارهَا بِالْإِمْسَاكِ كَالدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (وَيَحْرُمُ) فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ) بِعِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَطْءٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَفِي الصَّوْمِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] وَيُقَدَّرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ ظَاهَرَ: «لَا تَقْرَبَهَا حَتَّى تُكَفِّرَ» كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ مَعَ طُولِ زَمَنِهِ فَمَنْعُهُ حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْإِطْعَامِ أَوْلَى لِقِصَرِ زَمَنِهِ (وَكَذَا) يَحْرُمُ عَلَيْهِ (لَمْسٌ وَنَحْوُهُ) كَالْقُبْلَةِ (بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَدْعُو إلَى الْوَطْءِ وَيُفْضِي إلَيْهِ، وَحَمْلًا لِلْمَسِّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْجِمَاعَ وَغَيْرَهُ (قُلْت: الْأَظْهَرُ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا مَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 36 وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ مُؤَقَّتًا، وَفِي قَوْلٍ مُؤَبَّدًا، وَفِي قَوْلٍ لَغْوٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّ عَوْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ بَلْ بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الْحَشَفَةِ   [مغني المحتاج] فِي الشَّرْحَيْنِ تَرْجِيحُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لَا يَحِلُّ بِالنِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ، حَمْلًا لِلْمَسِّ فِي الْآيَةِ عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ فِي الْحَيْضِ، وَالْأَصَحُّ مِنْهُ التَّحْرِيمُ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي هُنَا، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَرْجِيحَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَنْ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ فِي الصَّغِيرِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ قَطْعًا، وَتَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمُبَاشَرَةِ الْبَشَرَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ فَقَدْ شَرَعَ فِي صِحَّتِهِ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ) كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرًا ظِهَارًا (مُؤَقَّتًا) فِي الْأَظْهَرِ عَمَلًا بِالتَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ فَصَحَّ كَالظِّهَارِ الْمُعَلَّقِ (وَفِي قَوْلٍ) يَصِحُّ ظِهَارًا (مُؤَبَّدًا) وَيَلْغُو تَأْقِيتُهُ تَغْلِيبًا لِشَبَهِهِ بِالطَّلَاقِ (وَفِي قَوْلٍ) الْمُؤَقَّتُ (لَغْوٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَبِّدْ التَّحْرِيمَ، فَأَشْبَهَ مَا شَبَّهَهَا بِامْرَأَةٍ لَا تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْكَفَّارَةِ دُونَ الْإِثْمِ بَلْ يَأْثَمُ بِلَا خِلَافٍ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ صِحَّتُهُ مُؤَقَّتًا (الْأَصَحُّ) بِالرَّفْعِ (أَنَّ عَوْدَهُ) فِيهِ (لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ) لِزَوْجَةٍ ظَاهَرَ مِنْهَا مُؤَقَّتًا (بَلْ) يَحْصُلُ (بِوَطْءٍ فِي الْمُدَّةِ) لِأَنَّ الْحِلَّ مُنْتَظَرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَالْإِمْسَاكُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ أَوْ لِلْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا وَطِئَ فَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِمْسَاكُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ كَالْعَوْدِ فِي الظِّهَارِ الْمُطْلَقِ إلْحَاقًا لِأَحَدِ نَوْعَيْ الظِّهَارِ بِالْآخَرِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَطْءَ نَفْسَهُ عَوْدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ يَتَبَيَّنُ بِهِ الْعَوْدُ بِالْإِمْسَاكِ عَقِبَ الظِّهَارِ (وَ) عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ، بَلْ (يَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الْحَشَفَةِ) لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَاسْتِمْرَارِ الْوَطْءِ وَطْءٌ تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ فِيهَا وَوَطِئَ بَعْدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ وَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى انْقَضَتْ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ لِارْتِفَاعِ الظِّهَارِ وَبَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الظِّهَارَ الْمُؤَقَّتَ يُخَالِفُ الْمُطْلَقَ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا: أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ بِالْوَطْءِ ثَانِيهَا: أَنَّ الْوَطْءَ الْأَوَّلَ حَلَالٌ ثَالِثُهَا: أَنَّ التَّحْرِيمَ بَعْدَ الْوَطْأَةِ الْأُولَى يَمْتَدُّ إلَى التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَرَّمَ الْمَسِيسَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، فَمَنْ قَالَ: أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 37 وَلَوْ قَالَ: لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ، فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَفِي الْقَدِيمِ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَعَائِدٌ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَوْ كَرَّرَ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ، أَوْ اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ التَّعَدُّدُ،   [مغني المحتاج] انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَقَدْ زَادَ شَرْطًا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ صَارَ مُظَاهِرًا مُولِيًا لِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْوَطْءِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِذَا وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ يَمِينِ الْإِيلَاءِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إذْ لَا يَمِينَ، وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ مَعَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبَا التَّعْلِيقَةِ وَالْأَنْوَارِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْيَمِينِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَلَوْ قَيَّدَ الظِّهَارَ بِمَكَانٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ بِزَمَانٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا: يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا فِي ذَلِكَ الظِّهَارِ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمَتَى وَطِئَهَا فِيهِ حَرُمَ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا حَتَّى يُكَفِّرَ اهـ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَمَا قَالَ إنَّهُ الْقِيَاسُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا بِدُخُولِهَا الدَّارَ أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ، أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهُوَ كَالظِّهَارِ الْمُطْلَقِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَوْ وَقَّتَ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا كَأَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ شَهْرًا وَنَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا، أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَلَوْ قَالَ: لِأَرْبَعٍ:) جَمَعَهُنَّ فِي ظِهَارٍ وَاحِدٍ (أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ) لِوُجُودِ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ (فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ) زَمَنًا يَسَعُ طَلَاقَهُنَّ فَعَائِدٌ مِنْهُنَّ وَحِينَئِذٍ (فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ) تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ لِوُجُودِ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْعَوْدُ فِي بَعْضِهِنَّ بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِعَدَدِ مَنْ عَادَ فِيهِ مِنْهُنَّ (وَفِي الْقَدِيمِ) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ) وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ أَمْسَكَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ لِاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ أَمَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ قَطْعًا لِتَعَدُّدِ الْكَلِمَةِ (وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ) أَيْ الْأَرْبَعِ (بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ) أَوْ غَيْرِ مُتَوَالِيَةٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى (فَعَائِدٌ) مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ (مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُتَوَالِيَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الْمُتَوَالِيَةِ فَلِعَوْدِهِ فِي الْأُولَى بِظِهَارِ الثَّانِيَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِظِهَارِ الثَّالِثَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِظِهَارِ الرَّابِعَةِ، فَإِنْ فَارَقَ الرَّابِعَةَ عَقِبَ ظِهَارِهَا فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَإِلَّا فَأَرْبَعٌ (وَلَوْ كَرَّرَ) لَفْظَ الظِّهَارِ (فِي امْرَأَةٍ) وَاحِدَةٍ تَكْرِيرًا (مُتَّصِلًا وَقَصَدَ) بِهِ (تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ التَّأْكِيدَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ كَالطَّلَاقِ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إنْ أَمْسَكَهَا عَقِبَ الْمَرَّاتِ، وَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلًا مَا لَوْ فَصَلَ وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ تَغْلِيبًا لِلطَّلَاقِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ تَغْلِيبًا لِشُبْهَةِ الْيَمِينِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَفَّرَ فَالثَّانِي ظِهَارٌ جَدِيدٌ قَطْعًا لِانْقِضَاءِ حُكْمِ الْأَوَّلِ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ (أَوْ) قَصَدَ بِتَكْرِيرِ الظِّهَارِ فِي امْرَأَةٍ (اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ) الْجَدِيدُ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ (التَّعَدُّدُ) لِلظِّهَارِ بِعَدَدِ الْمُسْتَأْنَفِ كَالطَّلَاقِ وَالثَّانِي: لَا يَتَعَدَّدُ كَتَكَرُّرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 38 وَأَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي الْأَوَّلِ   [مغني المحتاج] الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ مَرَّاتٍ (وَ) الْأَظْهَرُ عَلَى التَّعَدُّدِ (أَنَّهُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي) الظِّهَارِ (الْأَوَّلِ) لِلْإِمْسَاكِ زَمَنَهَا وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ بِهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْجِنْسِ لَا يُجْعَلُ عَائِدًا تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَنْوِ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ الِاتِّحَادُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْصُورٌ وَالزَّوْجُ يَمْلِكُهُ فَإِذَا كَرَّرَ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاءُ الْمَمْلُوكِ بِخِلَافِ الظِّهَارِ، وَلَوْ قَصَدَ بِالْبَعْضِ تَأْكِيدًا، وَبِالْبَعْضِ اسْتِئْنَافًا أُعْطِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَرَّرَ هَذَا اللَّفْظَ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَإِنْ فَرَّقَهُ فِي مَجَالِسَ، وَإِنْ كَرَّرَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَاتُ، سَوَاءٌ أَفَرَّقَهُ أَمْ لَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا بِعَوْدٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ الدُّخُولِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَتَعَدَّدْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَاسْتَشْكَلَ الْبُلْقِينِيُّ التَّعَدُّدَ فِي الِاسْتِئْنَافِ بِمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ مِرَارًا بِقَصْدِ الِاسْتِئْنَافِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمُهَذَّبِ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غُمُوضٌ اهـ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ فِي الظِّهَارِ شِبْهُ الطَّلَاقِ خَاتِمَةٌ: لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَتَمَكَّنَ مِنْ التَّزَوُّجِ تَوَقَّفَ الظِّهَارُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ لِيَحْصُلَ الْيَأْسُ مِنْهُ، لَكِنْ لَا عَوْدَ لِوُقُوعِ الظِّهَارِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَحْصُلُ إمْسَاكٌ، فَإِنْ قَالَ: إذَا لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُظَاهِرًا بِإِمْكَانَ التَّزَوُّجِ عَقِبَ التَّعْلِيقِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إنْ وَإِذَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك وَكَفَّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يُجْزِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، وَلَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِصِفَةٍ وَكَفَّرَ قَبْلَ وُجُودِهَا، أَوْ عَلَّقَ عِتْقَ كَفَّارَتِهِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ لَمْ يُجْزِهِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ مَلَكَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهِ صَحَّ، وَلَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ فَقَالَ لِسَيِّدِهَا وَلَوْ قَبْلَ الْعَوْدِ أَعْتِقْهَا عَنْ ظِهَارِي أَوْ إيلَائِي فَفَعَلَ عَتَقَتْ عَنْهُ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهَا عَنْهُ يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَهَا لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 39 كِتَابُ الْكَفَّارَةِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْكَفَّارَةِ] ِ أَيْ جِنْسُهَا، لَا كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ، وَهُوَ السِّتْرُ لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ، وَهَلْ الْكَفَّارَاتُ بِسَبَبٍ حَرَامٍ زَوَاجِرُ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ، أَوْ جَوَابِرُ لِلْخَلَلِ الْوَاقِعِ، وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَافْتَتَحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا الْكِتَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] وَصَدَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ خِصَالَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَطْ مُبْتَدِئًا بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا فَقَالَ (يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا) بِأَنْ يَنْوِيَ الْعِتْقَ أَوْ الصَّوْمَ أَوْ الْإِطْعَامَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ تَطْهِيرًا كَالزَّكَاةِ، وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، فَلَا يَكْفِي الْإِعْتَاقُ أَوْ الصَّوْمُ أَوْ الْكِسْوَةُ أَوْ الْإِطْعَامُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ، نَعَمْ لَوْ نَوَى الْوَاجِبَ بِالظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ كَفَى، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ سَبٍّ نَذْرٍ أَوْ قَتْلٍ أَجْزَأَهُ نِيَّةُ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ بَلْ صَوَّبَهُ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ صَحَّحَ هُنَا تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ اقْتِرَانُهَا بِذَلِكَ، وَإِذَا قَدَّمَهَا فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبُ قَرْنِهَا بِعَزْلِ الْمَالِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي أَوَاخِرَ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ (لَا تَعْيِينُهَا) بِأَنْ تُقَيِّدَ بِظِهَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ تَعْيِينُ الْمَالِ الْمُزَكَّى بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ أَصْلِهَا، فَلَوْ أَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَظِهَارٍ أَجْزَأَهُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَنْ إحْدَاهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ تَعْيِينُهَا فِي النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُعْظَمِ خِصَالِهَا بَارِعَةٌ إلَى الْغَرَامَاتِ فَاكْتَفَى فِيهَا بِأَصْلِ النِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ خَطَأٌ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا لَوْ أَخْطَأَ فِي تَعْيِينِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْطَأَ فِي الْحَدَثِ حَيْثُ يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِارْتِفَاعِهِ يَرْتَفِعُ غَيْرُهُ، وَهُنَا لَمْ يُكَفِّرْ عَمَّا عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ: الذِّمِّيُّ الْمُظَاهِرُ كَالْمُسْلِمِ يُكَفِّرُ بَعْدَ عَوْدِهِ بِالْعِتْقِ وَالطَّعَامِ، وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 40 وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ   [مغني المحتاج] كَفَّارَتِهِ بِأَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ الْكَافِرُ أَوْ يَرِثَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَك الْمُسْلِمَ عَنْ كَفَّارَتِي فَيُجِيبُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَالصَّوْمُ مِنْهُ لَا يَصِحُّ، وَلَا يُطْعِمُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الصَّوْمِ فَيَتْرُكُ الْوَطْءَ، أَوْ يُسْلِمُ وَيَصُومُ ثُمَّ يَطَأُ وَيَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ لِلتَّمْيِيزِ لَا لِلتَّقَرُّبِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ: كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلَوْ دَفَعَ مَالًا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا بِنِيَّةِ الْوَفَاءِ كَانَ هِبَةً قَالَ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَكَالذِّمِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ مُرْتَدٌّ بَعْدَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَتُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ فَيَطَأُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَفَّرَ فِي الرِّدَّةِ وَتَنْقَسِمُ الْكَفَّارَةُ إلَى نَوْعَيْنِ: مُخَيَّرَةٌ فِي أَوَّلِهَا، وَمُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِهَا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَمُرَتَّبَةٌ وَهِيَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالظِّهَارِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي خِصَالِهِ فَقَالَ (وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَسَلِمَ مِنْ إيهَامِ تَفْسِيرِ الْخِصَالِ بِالْعِتْقِ الْمَوْصُوفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَصْلَةَ الثَّانِيَةَ وَلَا الثَّالِثَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعِتْقَ وَأَحْكَامَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ صَامَ، وَذَكَرَ حُكْمَ الصَّوْمِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ، وَلَوْ قَالَ خِصَالُهَا مُرَتَّبَةٌ: أَحَدُهَا (عِتْقُ رَقَبَةٍ) لَكَانَ أَحْسَنَ، وَلِلرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (مُؤْمِنَةٍ) وَلَوْ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي فَلَا يُجْزِئُ كَافِرٌ قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وَأُلْحِقَ بِهَا غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهَا، أَوْ حَمْلًا لِمُطْلَقِ آيَةِ الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ كَحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِكَافِرٍ فَكَذَا الْكَفَّارَةُ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ الْإِيمَانُ فِي بَاقِي الْكَفَّارَاتِ أَيْضًا الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ تَكُونَ سَالِمَةً (بِلَا عَيْبٍ) فِيهَا (يُخِلُّ) بِأَنْ يَضُرَّ (بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ) إضْرَارًا بَيِّنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ حَالِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ تَنْبِيهٌ: إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّمِنَ يُمْكِنُهُ الِاكْتِسَابُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لَكِنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَمَلِ كَانَ أَخْصَرَ، وَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْكَسْبُ مِنْ عَطْفِ أَعَمَّ عَلَى أَخَصَّ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمُلَاحَظَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَيْبِ هُنَا بِمَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ نَظِيرُ مُلَاحَظَتِهِ فِي عَيْبِ الْأُضْحِيَّةِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهَا، وَفِي عَيْبِ النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ، وَفِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ فَاعْتُبِرَ فِي كُلِّ بَابٍ مَا يَلِيقُ بِهِ ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا اعْتَبَرَهُ فِي وَصْفِ الرَّقَبَةِ مِنْ إجْزَاءٍ وَمَنْعٍ وَالثَّانِي مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: لَا زَمِنٌ، وَالْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ (فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ) وَلَوْ ابْنُ يَوْمٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كِبَرُهُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَفَارَقَ فِي الْغُرَّةِ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا الصَّغِيرُ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلِأَنَّ غُرَّةَ الشَّيْءِ خِيَارُهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ مُكَلَّفًا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 41 أَقْرَعُ أَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ وَأَخْشَمُ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا قُلْت: أَوْ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ، وَمَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجَنِينَ وَلَوْ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ كَمَا قَالَ الْقَفَّالُ (وَ) يُجْزِئُ (أَقْرَعُ) وَهُوَ مَنْ لَا نَبَاتَ بِرَأْسِهِ (أَعْرَجُ) بِحَذْفِ الْعَاطِفِ (يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ) بِأَنْ يَكُونَ عَرَجُهُ غَيْرَ شَدِيدٍ، وَلَوْ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ الْمَشْيَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى (وَ) يُجْزِئُ (أَعْوَرُ) لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ بَصَرَ عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، فَإِنْ أَضْعَفَهَا وَأَضَرَّ الْعَمَلَ إضْرَارًا بَيِّنًا لَمْ يَجُزْ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَعْمَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَبْصَرَ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ فِي الْعَمَى، وَعُرُوضُ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ بِخِلَافِ الْمَرَضِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُشْكَلُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ؛ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقَ لَا يَزُولُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْعَمَى الْأَصْلِيُّ وَالثَّانِي فِي الطَّارِئِ (وَ) يُجْزِئُ (أَصَمُّ) وَهُوَ فَاقِدُ السَّمْعِ (وَ) يُجْزِئُ (أَخْرَسُ) قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ: وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُهُمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّمَمِ وَالْخَرَسِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ يُورِثُ زِيَادَةَ الضَّرَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَ) يُجْزِئُ (أَخْشَمُ) بِخَاءٍ وَشِينٍ مُعْجَمَتَيْنِ فَاقِدُ الشَّمِّ (وَفَاقِدُ أَنْفِهِ، وَ) فَاقِدُ (أُذُنَيْهِ، وَ) فَاقِدُ (أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) كُلِّهَا؛ لِأَنَّ فَقْدَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ بِخِلَافِ فَاقِدِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ، وَيُجْزِئُ فَاقِدُ الْأَسْنَانِ وَالْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْأَبْرَصُ وَالْمَجْذُومُ وَضَعِيفُ الْبَطْشِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ صَنْعَةً وَالْأَحْمَقُ، وَهُوَ مَنْ يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِقُبْحِهِ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالْفَاسِقُ (لَا زَمِنٌ) وَنَحِيفٌ لَا عَمَلَ فِيهِ (وَ) لَا (فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِ ثَانِيهِمَا وَكَسْرِهِ (مِنْ يَدٍ) وَأَفْهَمَ أَنَّ فَقْدَ أَحَدِهِمَا أَوْ فَقْدَهُمَا مِنْ يَدَيْنِ لَا يَضُرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ) فَاقِدُ (أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا) كَإِبْهَامٍ وَسَبَّابَةٍ وَوُسْطَى؛ لِأَنَّ فَقْدَهُمَا مُضِرٌّ تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ فَقْدَ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ لَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا يَضُرُّ فَقْدُهُمَا جُمْلَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَفَقْدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ أُصْبُعٍ كَفَقْدِ تِلْكَ الْأُصْبُعِ (قُلْت: أَوْ) فَاقِدُ (أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ) فَيَضُرُّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِتَعَطُّلِ مَنْفَعَتِهَا إذًا فَأَشْبَهَ قَطْعَهَا تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فَاقِدُ يَدٍ وَأَشَلُّهَا مِثْلُهُ وَلَا فَاقِدُ أَصَابِعِهَا، وَلَا فَاقِدُ أُصْبُعٍ مِنْ إبْهَامٍ، أَوْ سَبَّابَةٍ أَوْ وُسْطَى وَأَنَّهُ يُجْزِئُ فَاقِدُ خِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ الْأُخْرَى وَفَاقِدُ أُنْمُلَةٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ، فَلَوْ فُقِدَتْ أَنَامِلُهُ الْعُلْيَا مِنْ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ أَجْزَأَ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ (وَلَا) يُجْزِئُ (هَرِمٌ عَاجِزٌ) عَنْ الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ (وَ) لَا (مَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ) لِعَدَمِ حُصُولِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 42 وَمَرِيضٌ لَا يُرْجَى، فَإِنْ بَرَأَ بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ، وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ كَفَّارَةً لَمْ يَجُزْ وَلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ   [مغني المحتاج] الْمَقْصُودِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ هُوَ فِي أَكْثَرِهَا عَاقِلٌ فَيُجْزِئُ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ فِي الشِّقَّيْنِ، وَمَنْ اسْتَوَى زَمَنُ جُنُونِهِ وَزَمَنُ إفَاقَتِهِ يُجْزِئُ، نَعَمْ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ الْكَثِيرَةِ ضَعْفٌ يَمْنَعُ الْعَمَلَ زَمَنًا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ زَمَنِ الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ ضَرٌّ تَنْبِيهٌ: فِي عِبَارَتِهِ إسْنَادُ الْجُنُونِ إلَى الزَّمَنِ، وَالْأَصْلُ: وَلَا مَنْ هُوَ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَجْنُونٌ، فَيَكُونُ مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ كَنَهَارِهِ صَائِمٌ (وَ) لَا (مَرِيضٌ لَا يُرْجَى) بُرْءُ عِلَّتِهِ كَصَاحِبِ السُّلِّ فَإِنَّهُ كَالزَّمِنِ بِخِلَافِ مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إعْتَاقِهِ لِوُجُودِ الرَّجَاءِ عِنْدَ الْإِعْتَاقِ، وَمَوْتُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَرَضٍ آخَرَ (فَإِنْ بَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَنْ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بَعْدَ إعَاقَتِهِ (بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ) لِخَطَإِ الظَّنِّ وَالثَّانِي: لَا، لِاخْتِلَالِ النِّيَّةِ وَقْتَ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِ الْمَعْضُوبِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَعْضُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ) يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا (بِنِيَّةِ) عِتْقِهِ عَنْ (كَفَّارَةٍ) لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْكَفَّارَةِ تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: تَمَلُّكُ قَرِيبٍ لَكَانَ أَشْمَلَ فَإِنَّ هِبَتَهُ وَإِرْثَهُ وَقَبُولَ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَذَلِكَ (وَلَا) عِتْقَ (أُمِّ وَلَدٍ) لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِجِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ (وَ) لَا عِتْقَ (ذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ) لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ بِدَلِيلِ اسْتِتْبَاعِ الْكَسْبِ فَيُمْنَعُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهَا، نَعَمْ إنْ وُجِدَ التَّعْجِيزُ جَازَ عَلَى النَّصِّ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي التَّنْقِيحِ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فَقَدْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى فِي بَابِ الْكِتَابَةِ الْإِجْزَاءَ فِي الْفَاسِدَةِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ النَّصِّ تَنْبِيهٌ: جَرَّ الْمُصَنِّفُ أُمَّ الْوَلَدِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى إضَافَةِ عِتْقِ الْمُقَدَّرِ كَمَا قَدَّرْته فِيهِمَا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا فَاعِلَيْنِ لِيُجْزِئَ بِلَا تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُمَا عَلَى " شِرَاءُ " لِعَدَمِ صِحَّةِ شِرَائِهِمَا لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْعِتْقَ بِالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ كَمَا مَرَّ (وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ) وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ كَقَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ (وَمُعَلَّقٌ) عِتْقُهُ (بِصِفَةٍ) غَيْرِ التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِمَا تَامٌّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ، هَذَا إذَا نَجَّزَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ عَلَّقَهُ بِمَا يُوجَدُ قَبْلَ الصِّفَةِ الْأُولَى وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ) بِهَا (كَفَّارَةً) عِنْدَ حُصُولِهَا (لَمْ يَجُزْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ ثَانِيًا إنْ دَخَلْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي فَيُعْتَقُ الْمُعَلَّقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ دُخُولِهَا، وَلَا يُجْزِئُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ التَّنْجِيزُ (وَ) حِينَئِذٍ (لَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 43 الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا وَنِصْفُ ذَا، وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا   [مغني المحتاج] الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ) عَلَى الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي فَدَخَلَهَا عَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّعْلِيقِ السَّابِقِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ حَالَ التَّعْلِيقِ، فَلَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً، إذَا عَجَزْت عَنْ النُّجُومِ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي أَوْ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمْت فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، أَوْ قَالَ: إنْ خَرَجَ الْجَنِينُ سَلِيمًا فَهُوَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ الْمُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ ثُمَّ كَاتَبَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ أَجْزَأَهُ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمُعَلَّقِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَيُجْزِئُ مَرْهُونٌ وَجَانٍ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُمَا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا، وَيُجْزِئُ آبِقٌ وَمَغْصُوبٌ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْ غَاصِبِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَنَافِعِ نَفْسِهِ هَذَا إنْ عُلِمَ حَيَاتُهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ لِكَمَالِ رِقِّهِمَا، سَوَاءٌ أَعَلِمَا عِتْقَ أَنْفُسِهِمَا أَمْ لَا، لِأَنَّ عِلْمَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فَكَذَا فِي الْإِجْزَاءِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَيَاتُهُمَا لَمْ يَجُزْ إعْتَاقُهُمَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَيَقَّنٌ وَالْمُسْقِطَ مَشْكُوكٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ تَجِبُ لِلِاحْتِيَاطِ، وَتُجْزِئُ حَامِلٌ وَإِنْ اسْتَثْنَى حَمْلَهَا وَيَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي صُورَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ الِاسْتِثْنَاءُ نُفُوذَ الْعِتْقِ لَمْ يَمْنَعْ سُقُوطَ الْفَرْضِ، وَلَا يُجْزِئُ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ وَلَا مُسْتَأْجَرٌ لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْكَسْبِ لِنَفْسِهِمَا وَلِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنَافِعِهِمَا، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالصَّغِيرُ وَيُجْزِئُ مَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِخِلَافِ مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ لِلْقَتْلِ يُقْتَلُ غَالِبًا، فَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ كَانَ كَمَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْمُتَحَتَّمُ قَتْلُهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ الْقَتْلُ عَنْهُ وَقَدْ تَرْجِعُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَضُرُّ فِي الْعِتْقِ هُنَا التَّشْقِيصُ (وَ) حِينَئِذٍ يُجْزِئُ (إعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ) اتَّفَقَ جِنْسُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ (عَنْ كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ ذَا) الْعَبْدِ (وَنِصْفُ ذَا) الْعَبْدِ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَتَيْنِ مِنْ الرِّقِّ، وَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ مُبَعَّضًا عَلَى مَا نَوَاهُ ثُمَّ يَسْرِي أَوْ يَقَعُ كُلُّ عَبْدٍ عَنْ كَفَّارَةٍ؟ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ الْأَوَّلِ وَنَسَبَهُ فِي الشَّامِلِ لِلْجُمْهُورِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ ظَهَرَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا أَوْ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا فَعَلَى التَّبْعِيضِ لَمْ يَجُزْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ كَفَّارَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي: يَبْرَأُ مِنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَبْقَى عَلَيْهِ أُخْرَى تَنْبِيهٌ: لَوْ سَكَتَ الْمُكَفِّرُ عَنْ التَّشْقِيصِ بِأَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَتَقَعُ كُلُّ رَقَبَةٍ عَنْ كَفَّارَةٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ (وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ) لَهُ مِنْ عَبْدَيْنِ (عَنْ كَفَّارَةٍ) عَلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إفَادَةُ الِاسْتِقْلَالِ وَالثَّانِي، الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا لَا يُجْزِئُ شِقْصَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الثَّالِثُ: الْإِجْزَاءُ مُطْلَقًا تَنْزِيلًا لِلْأَشْقَاصِ مَنْزِلَةَ الْأَشْخَاصِ، وَخَرَجَ بِالْمُعْسِرِ الْمُوسِرُ فَيَجْزِيهِ ذَلِكَ بِلَا قَيْدٍ لِسَرَيَانِهِ إلَى بَاقِيهِمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 44 وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ، فَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ نَفَذَ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ حُرًّا لَمْ يُجْزِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ الْإِجْزَاءُ لِخُلُوصِ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُوسِرٌ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنْ نَوَى مَعَ عِتْقِ نَصِيبِهِ صَرْفَ عِتْقِ نَصِيبِ شَرِيكٍ أَيْضًا إلَيْهَا أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَيَنْصَرِفُ نَصِيبُهُ فَقَطْ إلَيْهَا فَيُكْمِلُ مَا يُوَفِّي رَقَبَةً الشَّرْطُ الرَّابِعُ خُلُوُّ الرَّقَبَةِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَ) عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ (بِعِوَضٍ) يَأْخُذُهُ (لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ (عَنْ كَفَّارَةٍ) لِعَدَمِ تَجَرُّدِهِ لَهَا تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ الْعِوَضَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْلِ الْعِوَضِ عَلَى الْعَبْدِ كَأَعْتَقْتُك عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ أَلْفًا، أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَأَعْتَقْت عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَ، أَوْ يَقُولُ لَهُ الْأَجْنَبِيُّ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِك وَعَلَيَّ كَذَا فَيُعْتِقُهُ فَوْرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ عَلَى الْمُلْتَمِسِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَيَقَعُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ عَنْ الْبَاذِلِ وَلَا هُوَ اسْتَدْعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِعِوَضٍ بَيَّنَ حُكْمَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ اسْتِطْرَادًا، فَقَالَ (وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ) فَيَكُونُ مِنْ الْمَالِكِ بِهِ مُعَاوَضَةً فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَمِنْ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةً فِيهَا شَوْبُ جَعَالَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ وَالْجَوَابُ عَنْ الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى الْفَوْرِ، فَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْمَالِكِ تَنْبِيهٌ: قَدْ عَقَدَ فِي الْمُحَرَّرِ لِهَذَا فَصْلًا وَقَالَ: إنَّهُ دَخِيلٌ فِي الْبَابِ، وَلِهَذَا قُلْت تَبَعًا لِلشَّارِحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِطْرَادًا (فَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِسَيِّدِ مُسْتَوْلَدَةٍ (أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ) مَثَلًا (فَأَعْتَقَ) فَوْرًا (نَفَذَ) إعْتَاقُهُ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُلْتَمِسَ (الْعِوَضُ) الْمَذْكُورُ لَاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ افْتِدَاءً مِنْ الْمُسْتَدْعِي نَازِلًا مَنْزِلَةَ اخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَأَعْتَقَ إلَى أَنَّ عِتْقَهَا مُتَّصِلَ فَإِنْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ فَصْلٍ طَوِيلٍ وَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَدْعِي، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَك عَنِّي عَلَى أَلْفٍ فَقَالَ: أَعْتَقْتهَا عَنْك فَإِنَّهَا تُعْتَقُ عَنْ الْمَالِكِ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ: عَنْك لِأَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْ زَوْجَتَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَطَلَّقَ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ فِي الطَّلَاقِ انْتِقَالُ شَيْءٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فَقَدْ يُتَخَيَّلُ جَوَازُ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِسَيِّدِ عَبْدٍ (أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا) كَأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ: عَنْك وَلَا عَنِّي بَلْ أَطْلَقَ (فَأَعْتَقَ) فَوْرًا نَفَذَ قَطْعًا وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ (فِي الْأَصَحِّ) لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ فَيَكُونُ افْتِدَاءً كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ إذْ لَا افْتِدَاءَ فِي ذَلِكَ؛ لِإِمْكَانِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 45 وَإِنْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ عَلَى كَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْعِوَضِ مَالًا، فَلَوْ قَالَ: عَلَى خَمْرٍ أَوْ عَلَى مَغْصُوبٍ مَثَلًا نَفَذَ وَلَزِمَ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ بَعْدَ عِتْقِهِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ بَلْ يَرْجِعُ الْمُسْتَدْعِي الْعِتْقَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ ثُمَّ إنْ كَانَ عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ (وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا) كَأَلْفٍ أَوْ زَقِّ خَمْرٍ (فَفَعَلَ) فَوْرًا وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الطَّالِبِ (عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ) لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فِي السِّرَايَةِ فَلَأَنْ يَقَعَ عَنْهُ بِرِضَا الْمَالِكِ وَإِعْتَاقِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ عَلَى الطَّالِبِ كَفَّارَةٌ وَنَوَاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ) الْمُسَمَّى إنْ كَانَ مَالًا عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَالٍ كَالْخُلْعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ مَجَّانًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عِوَضًا وَلَا نَفَاهُ بِأَنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنْ كَفَّارَتِي وَسَكَتَ عَنْ الْعِوَضِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اقْضِ دَيْنِي، وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي وَلَا عِتْقَ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَإِيرَادُ الْجُمْهُورِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَأَنَّ ذَلِكَ هِبَةٌ مَقْبُوضَةٌ تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ فَفَعَلَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْجَوَابِ، فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَتَقَ عَنْ الْمَالِكِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَمَلَّكْنَاهُ إيَّاهُ وَجَعَلْنَا الْمَسْئُولَ نَائِبًا فِي الْإِعْتَاقِ وَالْمِلْكُ فِي مَسْأَلَتِنَا يُوجِبُ الْعِتْقَ، وَالتَّوْكِيلُ بَعْدَهُ بِالْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ وَيَصِيرُ دَوْرًا، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الطَّالِبَ (يَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَطْلُوبَ إعْتَاقُهُ (عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ) الْوَاقِعِ بَعْدَ الِاسْتِدْعَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْمِلْكِ (ثُمَّ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) لِتَأَخُّرِ الْعِتْقِ عَنْ الْمِلْكِ فَيَقَعَانِ فِي زَمَنَيْنِ لَطِيفَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَالثَّانِي يَحْصُلُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مَعَ الْمَشْرُوطِ يَقَعَانِ مَعًا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّعْلِيقِ بِالتَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ صَحَّ وَلَزِمَ الْمُسَمَّى لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْبَيْعِ لِتَوَقُّفِ الْعِتْقِ عَلَى الْمِلْكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْنِيهِ وَأَعْتِقْهُ عَنِّي وَقَدْ أَجَابَهُ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَقَعَ عَنْ الْمُعْتِقِ دُونَ الْمُسْتَدْعِي تَنْبِيهٌ: الْعِتْقُ يَنْفُذُ بِالْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ مُسْتَأْجَرًا أَوْ مَغْصُوبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ ضِمْنِيٌّ فَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ عَنْ كَفَّارَتِي وَنَوَاهَا بِقَلْبِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَجْلِسِ وَالْكِسْوَةُ مِثْلُ الْإِطْعَامِ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ (وَ) أَشَارَ لِضَابِطِ الْمُعْتِقِ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ كُلُّ (مَنْ مَلَكَ عَبْدًا) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْأَمَةِ (أَوْ) مَلَكَ (ثَمَنَهُ) مِنْ نَقْدٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 46 فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَلَا يَجِبُ بَيْعُ ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] أَوْ عَرْضٍ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا (فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ شَرْعًا (نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا) وَإِخْدَامًا (لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ) وَهَذَا جَوَابُ الشَّرْطِ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَمْلِكْ مَا ذَكَرَ، قَالَ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [المجادلة: 4] الْآيَةَ أَمَّا مَنْ مَلَكَ عَبْدًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَرَضٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ ضَخَامَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ خِدْمَتِهِ نَفْسَهُ، أَوْ مَنْصِبٌ يَأْبَى أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ، بِخِلَافِ مَنْ هُوَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَيَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِصَرْفِ الْعَبْدِ إلَى الْكَفَّارَةِ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَإِنَّمَا يَفُوتُهُ نَوْعُ رَفَاهِيَةٍ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ السَّفِيهَ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُمْ هُنَا يَشْمَلُهُ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ ذَكَرَ فِي الْحَجْرِ أَنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حَتَّى إذَا حَلَفَ وَحَنِثَ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْعُمْرِ الْغَالِبِ وَأَنْ يُقَدَّرَ سَنَةً، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِي، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي عَلَى قِيَاسِ مَا صَنَعَ فِي الزَّكَاةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْحَجِّ وَفِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنَّ كُتُبَ الْفَقِيهِ لَا تُبَاعُ فِي الْحَجِّ وَلَا تَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ وَفِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّ خَيْلَ الْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ تَبْقَى لَهُ يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا بَلْ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الْمُكَفِّرِ (بَيْعُ ضَيْعَةٍ) وَهِيَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ: الْعَقَارُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (وَ) لَا بَيْعُ (رَأْسِ مَالٍ) لِلتِّجَارَةِ بِحَيْثُ (لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا) مِنْ غَلَّةِ الضَّيْعَةِ وَرِبْحِ مَالَ التِّجَارَةِ (عَنْ كِفَايَتِهِ) لِمُمَوِّنِهِ لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ بَلْ يَعْدِلُ الْمُكَفِّرُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلصَّوْمِ، فَإِنْ فَضَلَ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ بَاعَهُمَا قَطْعًا (وَلَا) بَيْعَ (مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ) لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَنَفَاسَتِهِمَا بِأَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمَسْكَنِ مَسْكَنًا يَكْفِيهِ وَعَبْدًا يُعْتِقُهُ، وَبِثَمَنِ الْعَبْدِ عَبْدًا يَخْدُمُهُ وَآخَرَ يُعْتِقُهُ وَالثَّانِي: يَجِبُ بَيْعُهُمَا لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مُفَارِقَةِ الْمَأْلُوفِ فِي ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَلِفَهُمَا لَوْ لَمْ يَأْلَفْهُمَا فَيَجِبُ الْبَيْعُ وَالْإِعْتَاقُ قَطْعًا تَنْبِيهٌ كَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْخَادِمِ بَدَلَ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْأَمَةَ كَذَلِكَ لَا سِيَّمَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِلْوَطْءِ وَفِي الِاسْتِذْكَارِ: لَوْ كَانَ لَهُ أَمَةٌ لِلْوَطْءِ وَخَادِمٌ إنْ أَمْكَنَ أَنْ تَخْدُمَهُ الْأَمَةُ أَعْتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَبْدِ الْجِنْسُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ هُنَا كَذَلِكَ وَيَجِبُ بَيْعُ فَاضِلِ دَارِهِ الْوَاسِعَةِ إنْ أَمْكَنَ بَيْعُهُ مَعَ سُكْنَى الْبَاقِي، إذْ لَا ضَرَرَ وَلَا عُسْرَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَأْلُوفَةُ وَغَيْرُهَا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرِينَ لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا، وَبَيْعُ ثَوْبٍ نَفِيسٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُكَفِّرِ، إذَا حَصَلَ بِهِ غَرَضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 47 وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] اللُّبْسِ وَغَرَضُ التَّكْفِيرِ إلَّا إذَا كَانَ مَأْلُوفًا كَمَا مَرَّ فِي الْعَبْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ بَعْضِهِ لِعُسْرِ مُفَارِقَةِ الْمَأْلُوفِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَفِي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ بَيْعُ الْمَأْلُوفِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ خَادِمٌ وَلَا مَسْكَنٌ أَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا كَمَا مَرَّ وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ، وَلَوْ تَيَسَّرَ جَمْعُ الزِّيَادَةِ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ مَا قَارَبَهَا، فَإِنْ اجْتَمَعَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ صِيَامِهِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا) يَجِبُ (شِرَاءٌ بِغَبْنٍ) وَإِنْ قَلَّ كَمَاءِ الطَّهَارَةِ كَأَنْ وَجَدَ عَبْدًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ، بَلْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ مَنْ يُعْتِقُهُ، وَكَذَا لَوْ غَابَ مَالُهُ يَصْبِرُ إلَى حُضُورِهِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَكَانَ التَّكْفِيرُ عَنْ ظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَأُخِذَتْ الرَّقَبَةُ مِنْ تَرِكَتِهِ، بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْضَى عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقَبَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمِنَّةِ، بَلْ يُسَنُّ (وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ) الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْإِعْتَاقُ (بِوَقْتِ الْأَدَاءِ) لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، فَاعْتُبِرَ حَالُ أَدَائِهَا كَالصَّوْمِ، وَالتَّيَمُّمِ، وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي: بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَهَا، وَجَرَى عَلَى هَذَا صَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَنَبَّهْت عَلَى ضَعْفِهِ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثُ بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ وَقْتَيْ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ تَنْبِيهٌ: مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرِّ، أَمَّا الْعَبْدُ الْمَظَاهِرُ فَلَا يَتَأَتَّى تَكْفِيرُهُ بِعِتْقٍ وَلَا إطْعَامٍ بَلْ يَصُومُ، وَلِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُظَاهِرُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا (عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِلْآيَةِ، فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ تَرَقَّى إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا تَنْبِيهٌ: لَوْ مَلَكَ رَقَبَةً فَقَتَلَهَا هَلْ لَهُ الصَّوْمُ؟ إنْ قُلْنَا: إنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ صَامَ كَمَا رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ شَرَعَ الْمُعْسِرُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْتَاقٌ، وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ (بِالْهِلَالِ) وَلَوْ نَقَصَا، وَيَكُونُ صَوْمُهُمَا (بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ) مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ جِهَةِ الْكَفَّارَةِ مِنْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ مَثَلًا كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَصَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَمَّا عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَجْزَأَهُ، وَاسْتَثْنَى فِي الْمَطْلَبِ مَا لَوْ صَامَ شَهْرًا عَنْ كَفَّارَةٍ، ثُمَّ آخَرَ عَنْ أُخْرَى، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُولَى، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُخْرَى فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ (وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الْأَصَحِّ) اكْتِفَاءً بِالتَّتَابُعِ الْفِعْلِيِّ، وَلِأَنَّ التَّتَابُعَ شَرْطٌ فِي الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ نِيَّتُهُ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِيَكُونَ مُتَعَرِّضًا لِخَاصَّةِ هَذَا الصَّوْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 48 فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ، وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا بِمَرَضٍ فِي الْجَدِيدِ، لَا بِحَيْضٍ وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكَفِّرِ الصَّوْمُ إلَّا بِتَحْقِيقِ جَوَازِهِ بِتَعَذُّرِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ الصَّوْمَ قَبْلَ طَلَبِ الرَّقَبَةِ ثُمَّ طَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ (فَإِنْ بَدَأَ) بِهَمْزَةٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِالصَّوْمِ (فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ) كَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ الْمُحَرَّمِ (حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ) وَهُوَ صَفَرُ (بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ) الشَّهْرَ (الْأَوَّلَ) وَهُوَ الْمُحَرَّمُ (مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا بِعَشَرَةٍ مِنْ رَبِيعٍ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْهِلَالِ فَاعْتُبِرَ بِالْعِدَّةِ (وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ) وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ كَمَا إذَا فَسَدَ صَوْمُهُ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، وَالنِّسْيَانُ لَا يُجْعَلُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ، وَهَلْ يَبْطُلُ مَا مَضَى أَوْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ: رَجَّحَ فِي الْأَنْوَارِ أَوَّلَهُمَا وَابْنُ الْمُقْرِي ثَانِيَهُمَا، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى الْإِفْسَادِ بِلَا عُذْرٍ وَالثَّانِي عَلَى الْإِفْسَادِ بِعُذْرٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ مِنْ صَوْمِ الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِي نِيَّتِهِ لَمْ يَضُرَّ إذْ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَوْمِ، وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا أَضْيَقُ مِنْ الصَّوْمِ تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ أَفْطَرَتْ الْحَامِلُ، أَوْ الْمُرْضِعُ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، أَوْ أَفْطَرَ لِفَرْطِ الْجُوعِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ يَفُوتُ وَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ (وَكَذَا) يَفُوتُ التَّتَابُعُ لِعُذْرٍ (بِمَرَضٍ) مُسَوِّغٍ لِلْفِطْرِ (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ وَقَدْ أَفْطَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَأَفْطَرَ، وَالْقَدِيمُ لَا يُقْطَعُ التَّتَابُعُ؛ لِأَنَّ التَّتَابُعَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ رَمَضَانَ، وَهُوَ يَسْقُطُ بِالْمَرَضِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ خَوْفَ الْمَرَضِ قَاطِعٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَ (لَا) يَزُولُ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ (بِحَيْضٍ) لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ وَلَا تَخْلُو عَنْهُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ فِي الشَّهْرِ غَالِبًا، وَالتَّأْخِيرُ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ فِيهِ خَطَرٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْتَدَّ الِانْقِطَاعَ شَهْرَيْنِ فَأَكْثَرُ، فَإِنْ اعْتَادَتْ ذَلِكَ فَشَرَعَتْ فِي الصَّوْمِ فِي وَقْتٍ يَتَخَلَّلُهُ الْحَيْضُ انْقَطَعَ كَمَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَكَذَا لَوْ ابْتَدَأَ الْمُكَفِّرُ الصَّوْمَ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ دُخُولَ مَا يَقْطَعُهُ عَنْ إتْيَانِهِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ تَنْبِيهٌ: النِّفَاسُ كَالْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: يَقْطَعُهُ لِنُدْرَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطُرُوِّ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ لَا ظِهَارٍ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، وَمِنْ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ ذِكْرَهُ الْحَيْضَ هُنَا وَكَلَامَهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مُطْلَقِ الْكَفَّارَةِ، وَأَيْضًا قَدْ يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَصُومَ عَنْ قَرِيبِهَا الْمَيِّتِ الْعَاجِزِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى الْقَدِيمِ الْمُخْتَارِ (وَكَذَا جُنُونٌ) لَا يَزُولُ بِهِ التَّتَابُعُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّوْمِ كَالْحَيْضِ وَيَأْتِي فِي الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ مَا سَبَقَ عَنْ الْمُتَوَلِّي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخَائِرِ، وَالْإِغْمَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ كَالْجُنُونِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 49 فَإِنْ عَجَزَ عَنْ صَوْمٍ بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ فَقِيرًا لَا كَافِرًا، وَلَا هَاشِمِيًّا، وَمُطَّلِبِيًّا سِتِّينَ مُدًّا،   [مغني المحتاج] وَقِيلَ: كَالْمَرَضِ، وَكَلَامُ التَّنْقِيحِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِنِيَّتِهِمَا بَطَلَ صَوْمُهُ وَيَأْثَمُ بِقَطْعِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ لِيَسْتَأْنِفَ، إذْ هُمَا كَصَوْمِ يَوْمٍ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ فِيهِمَا لَيْلًا عَصَى وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُظَاهِرُ (عَنْ صَوْمٍ) أَوْ وَلَاءٍ (بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (لَا يُرْجَى زَوَالُهُ) وَقَالَ الْأَقَلُّونَ كَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَرَضِ بِكَوْنِهِ يَدُومُ شَهْرَيْنِ إمَّا بِظَنِّ عَادَةٍ مُطَّرِدَةٍ فِي مِثْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَصَحَّحَ هَذَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا لَفُهِمَ مِنْهُ الْأَوَّلُ، وَأَطْلَقَ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الْمَرَضَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ رَجَاءِ زَوَالِهِ وَعَدَمِهِ تَنْبِيهٌ: عَطَفَ الْمَرَضَ عَلَى الْهَرَمِ مِنْ عَطْفِ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَإِنَّ الْمَرَضَ عَرَضٌ، وَالْهَرَمَ مَرَضٌ طَبِيعِيٌّ (أَوْ) لَمْ يَعْجِزْ، وَلَكِنْ (لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَدَخَلَ فِي الْمَشَقَّةِ شِدَّةُ الشَّبَقِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ، وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةُ الْوَطْءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِشَدَّةِ الشَّبَقِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ فِيهِ لَيْلًا بِخِلَافِهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِاسْتِمْرَارِ حُرْمَتِهِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (أَوْ خَافَ) مِنْ الصَّوْمِ (زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (أَوْ فَقِيرًا) لِأَنَّهُ أَشَدُّ حَالًا مِنْهُ، وَيَكْفِي الْبَعْضُ مَسَاكِينُ وَالْبَعْضُ فُقَرَاءُ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ، وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ فَقَدْ جَاءَ: «أَطْعَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَدَّةَ السُّدُسَ» أَيْ مَلَّكَهَا، فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةِ وَلَا التَّعْشِيَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ أَوْ يَكْفِي الدَّفْعُ؟ عِبَارَةُ الرَّوْضِ تَقْتَضِي اللَّفْظَ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّمْلِيكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَدَفْعِ الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْتَظَرْ زَوَالُ الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ لِلصَّوْمِ كَمَا يُنْتَظَرُ الْمَالُ الْغَائِبُ لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ غَابَ مَالُهُ: لَا يَجِدُ رَقَبَةً، وَيُقَالُ لِلْعَاجِزِ بِالْمَرَضِ: لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ، وَلِأَنَّ حُصُولَ الْمَالِ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ زَوَالِ الْمَرَضِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِسْكِينِ وَالْفَقِيرِ أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَحِينَئِذٍ (لَا) يَكْفِي تَمْلِيكُهُ (كَافِرًا) وَلَوْ ذِمِّيًّا (وَلَا هَاشِمِيًّا، وَ) لَا (مُطَّلِبِيًّا) وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ، وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ، وَلَا إلَى عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ نَعَمْ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَالسَّيِّدُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ جَازَ لِأَنَّهُ صُرِفَ لِسَيِّدِهِ، وَيُصْرَفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ (سِتِّينَ مُدًّا) لِكُلِّ وَاحِدٍ مُدٌّ كَأَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَيُمَلِّكُهَا لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 50 مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً   [مغني المحتاج] يُطْلِقُ، فَإِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ، فَلَوْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ بِتَمْلِيكِ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ وَآخَرَ مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ، فَلَوْ قَالَ: سِتِّينَ مُدًّا مُدًّا بِتَكْرِيرِ الْمُدِّ كَانَ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ: خُذُوهُ وَنَوَى فَأَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ، فَإِنْ تَفَاوَتُوا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مُدًّا وَاحِدًا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَهُ مَنْ أَخَذَ مُدًّا آخَرَ وَهَكَذَا وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ بِالسَّوِيَّةِ اُحْتُسِبَ لَهُ بِثَلَاثِينَ مُدًّا، فَيَصْرِفُ ثَلَاثِينَ أُخْرَى إلَى سِتِّينَ مِنْهُمْ وَيَسْتَرِدُّ مِنْ الْبَاقِينَ إنْ كَانَ ذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ، وَإِنْ صَرَفَ سِتِّينَ إلَى ثَلَاثِينَ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ كُلٌّ مِنْهُمْ عَنْ مُدٍّ لَزِمَهُ صَرْفُ ثَلَاثِينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ غَيْرِهِمْ وَيَسْتَرِدُّ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ صَرَفَ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ مُدَّيْنِ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ أَعْطَى رَجُلًا مُدًّا وَاشْتَرَاهُ مِنْهُ مَثَلًا وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى سِتِّينَ أَجْزَأَهُ وَكُرِهَ، وَلَوْ دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى الْإِمَامِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ جِنْسَ الْأَمْدَادِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحَبِّ الَّذِي (يَكُونُ فِطْرَةً) فَتَخْرُجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ، فَلَا يُجْزِئُ نَحْوَ الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ إخْرَاجِ الْأَقِطِ وَاللَّبَنِ لِتَجْوِيزِهِ إخْرَاجَهُمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَقِطِ وَأَمَّا اللَّبَنُ فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ مَنْعَ إجْزَائِهِ خَاتِمَةٌ: إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ بَقِيَتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ خَصْلَتَيْنِ كَأَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يَصُومَ شَهْرًا، وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ، فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لَهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا، وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا عَنْ إحْدَاهُمَا وَصَامَ عَنْ الْآخَرِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَطْعَمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 51 كِتَابُ اللِّعَانِ يَسْبِقُهُ قَذْفٌ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ اللِّعَانِ] (كِتَابُ اللِّعَانِ) هُوَ لُغَةً: الْمُبَاعَدَةُ، وَمِنْهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ، أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، وَشَرْعًا: كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لِعَانًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَإِطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ، وَاخْتِيرَ لَفْظُهُ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي اللِّعَانِ لِكَوْنِ اللَّعْنَةِ مُتَعَدِّيَةً فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْوَاقِعِ، وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ يَنْفَكُّ عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَاتِ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ، وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ، فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ اللِّعَانَ قَذْفٌ» كَمَا قَالَ (يَسْبِقُهُ قَذْفٌ) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً: الرَّمْيُ، وَشَرْعًا: الرَّمْيُ بِالزِّنَا عَلَى جِهَةِ التَّعْبِيرِ، أَوْ نَفْيِ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ اللِّعَانَ بَعْدَ الْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِدَفْعِ الْحَدِّ أَوْ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 52 وَصَرِيحُهُ الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ: زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ، وَالرَّمْيُ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ دُبُرٍ صَرِيحَانِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: قَذْفٌ أَوْ نَفْيُ وَلَدٍ كَانَ أَوْلَى وَأَشْمَلَ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ شَهِدَ بِزِنَاهَا أَرْبَعٌ فَإِنَّهُ يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْقَذْفَ بِالزِّنَا، وَيَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ ثَلَاثَةٌ: صَرِيحٌ، وَكِنَايَةٌ، وَتَعْرِيضٌ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَصَرِيحُهُ) أَيْ الْقَذْفِ مُطْلَقًا (الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ: زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا (أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ) لِتَكَرُّرِ ذَلِكَ وَشُهْرَتِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ، وَلَوْ كَسَرَ التَّاءَ فِي خِطَابِ الرَّجُلِ أَوْ فَتَحَهَا فِي خِطَابِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ بِالتَّذْكِيرِ لِلْمُؤَنَّثِ وَعَكْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ كَقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ: يَا زَانِيَةُ وَلِلْمَرْأَةِ: يَا زَانِي تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَدْ يُخْرِجُ الْخُنْثَى، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ أَنَّهُ إذَا خَاطَبَ خُنْثَى بِزَانِيَةٍ أَوْ زَانٍ يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا إنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى فَرْجَيْهِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِهِمَا كَانَ كِنَايَةً هَذَا إذَا قَالَ لِمَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهُ فِي مَعْرَضِ التَّعْبِيرِ، فَلَوْ قَالَ لِابْنَةِ سَنَةٍ مَثَلًا: زَنَيْت فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لِأَنَّ الْقَذْفَ مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ أَوْ الْكَذِبَ، وَهَذَا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ، وَلِهَذَا يُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا مَعَ تَمَامِ النِّصَابِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ، فَقَالَ: خَصْمِي يَعْلَمُ زِنَا شَاهِدِهِ فَحَلَّفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، وَمِثْلُهُ أَخْبَرَنِي بِأَنَّهُ زَانٍ أَوْ شَهِدَ بِجُرْحِهِ فَاسْتَفْسَرَهُ الْحَاكِمُ فَأَخْبَرَهُ بِزِنَاهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، أَوْ قَالَ لَهُ اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ اسْمُهَا زَانِيَةً فَنَادَاهَا بِهِ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا تَخْرُجُ بِقَوْلِنَا: عَلَى جِهَةِ التَّعْيِيرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْأَةِ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَهَا أَوْ يَظُنَّهَا زَوْجَتَهُ أَمْ لَا (وَالرَّمْيُ) لِشَخْصٍ (بِإِيلَاجِ) ذَكَرِهِ أَوْ (حَشَفَةٍ) مِنْهُ (فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ) أَيْ الْإِيلَاجِ (بِتَحْرِيمٍ) مُطْلَقًا (أَوْ) الرَّمْيُ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ أَوْ حَشَفَةٍ فِي (دُبُرٍ صَرِيحَانِ) وَهَذَا خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الْمُقَدَّرُ بِأَوْ التَّقْسِيمِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَوْ قَالَ: صَرِيحٌ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، وَمِنْ الصَّرِيحِ: اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مِنْ النُّونِ وَالْيَاءِ وَالْكَافِ الْمَوْصُوفُ بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ فِي الْإِيلَاجِ وُصِفَ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ الْوَصْفَ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْقُبُلِ دُونَ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ فِي الدُّبُرِ لَا يَكُونُ إلَّا حَرَامًا، فَإِنْ لَمْ يَصِفْ الْأَوَّلَ بِالتَّحْرِيمِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لِصِدْقِهِ بِالْحَلَالِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنْ قِيلَ: الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا وَلَيْسَ بِزِنًا كَوَطْءِ حَائِضٍ وَمُحَرَّمَةٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُضِيفَ إلَى وَصْفِهِ بِالتَّحْرِيمِ مَا يَقْتَضِي الزِّنَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِذَاتِهِ فَهُوَ صَرِيحٌ، فَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ وَاحْتُمِلَ الْحَالُ قُبِلَ مِنْهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ فِي دَعْوَى إرَادَةِ حِلِّ الْوِثَاقِ، وَسَوَاءٌ خُوطِبَ بِهِمَا ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى كَقَوْلِهِ لِلذَّكَرِ: أَوْلَجْت فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِك، وَلَهَا أَوْلَجَ فِي فَرْجِك الْمُحَرَّمِ أَوْ دُبُرِك، وَقَوْلُهُ: زَنَيْت فِي قُبُلِك صَرِيحٌ فِي الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يُزْنَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 53 وَزَنَأْت فِي الْجَبَلِ كِنَايَةٌ، وَكَذَا زَنَأْت فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ، وَزَنَيْت فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ، وَلَهَا يَا خَبِيثَةُ، وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ، وَلِقُرَشِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ   [مغني المحتاج] بِهِ لَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: وَطِئَك فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ اثْنَانِ مَعًا لَمْ يَكُنْ قَذْفًا لِاسْتِحَالَتِهِ فَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ فَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، فَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُبُلٍ وَلَا دُبُرٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُحَدُّ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ بِوَطْءِ وَاحِدٍ فِي الْقُبُلِ وَالْآخَرُ فِي الدُّبُرِ اهـ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ النِّسَاءَ (وَزَنَأْت) بِالْهَمْزِ (فِي الْجَبَلِ) أَوْ السُّلَّمِ أَوْ نَحْوِهِ (كِنَايَةٌ) لِأَنَّ الزِّنَا فِي الْجَبَلِ وَنَحْوِهِ هُوَ الصُّعُودِ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْجَبَلِ عَمَّا لَوْ قَالَ: زَنَأْت بِالْهَمْزَةِ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ، لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ كِنَايَةٌ (وَكَذَا زَنَأْت فَقَطْ) أَيْ بِالْهَمْزِ وَحَذْفُ الْجَبَلِ، كِنَايَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي الصُّعُودَ وَالثَّانِي: أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَالْيَاءُ قَدْ تُبْدَلُ هَمْزَةً وَالثَّالِثُ: إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَكِنَايَةٌ، وَإِلَّا فَصَرِيحٌ (وَزَنَيْت) بِالْيَاءِ (فِي الْجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ) لِلظُّهُورِ فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي الدَّارِ، وَذِكْرُ الْجَبَلِ يَصْلُحُ فِيهِ إرَادَةُ مَحِلِّهِ، فَلَا يَنْصَرِفُ الصَّرِيحُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الصُّعُودَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ إرَادَتِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ الْيَاءَ قَدْ تُقَامُ مَقَامَ الْهَمْزَةِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَالثَّالِثُ: إنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ فَصَرِيحٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ، وَلَوْ قَالَ: يَا زَانِيَةُ فِي الْجَبَلِ بِالْيَاءِ كَانَ كِنَايَةً كَمَا قَالَاهُ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ كَقَوْلِهِ زَنَيْت فِي الْجَبَلِ كَمَا مَرَّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لِمَا قَرَنَ قَوْلَهُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الصُّعُودِ بِالِاسْمِ الْمُنَادَى الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ خَرَجَ عَنْ الصَّرَاحَةِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ (وَقَوْلُهُ) لِرَجُلٍ (يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ) يَا خَبِيثُ (وَلَهَا) أَيْ لِامْرَأَةٍ يَا فَاجِرَةُ يَا فَاسِقَةُ (يَا خَبِيثَةُ وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ) أَيْ الظُّلْمَةَ أَوْ لَا تَرُدِّينَ يَدَ لَامِسٍ (وَلِقُرَشِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ) نِسْبَةً لِلْأَنْبَاطِ، وَهُمْ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ الْبَطَائِحَ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ أَيْ أَهْلِ الزِّرَاعَةِ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ الْمَاءَ أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْ الْأَرْضِ (وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ) أَوْ بِكْرًا أَوْ وَجَدْت مَعَك رَجُلًا (كِنَايَةٌ) فِي الْقَذْفِ هُوَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ كُلِّهَا لِاحْتِمَالِهَا الْقَذْفَ وَغَيْرَهُ، وَالْقَذْفُ فِي: " يَا نَبَطِيُّ " لِأُمِّ الْمُخَاطِبَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعَرَبِيِّ بَدَلَ الْقُرَشِيِّ لَكَانَ أَعَمَّ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لِزَوْجَتِهِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْأَجْنَبِيَّةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِالزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَصْوِيرُهُ فِيمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ، فَإِنْ عُلِمَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ قَطْعًا تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ: يَا لُوطِيُّ، فَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ، وَصَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ مَا مَرَّ: قَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، بَلْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا هَذَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِلَّا فَيَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا شَاعَ لَفْظٌ فِي الْعُرْفِ، كَقَوْلِهِ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَمَّا احْتِمَالُ كَوْنِهِ أَرَادَ أَنَّهُ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 54 فَإِنْ أَنْكَرَ إرَادَةَ قَذْفٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَقَوْلُهُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ، وَنَحْوِهِ تَعْرِيضٌ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ، وَقَوْلُهُ زَنَيْت بِكَ إقْرَارٌ بِزِنًا وَقَذْفٍ،   [مغني المحتاج] يَفْهَمُهُ الْعَوَامُّ، فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّ نُسَخَ التَّنْبِيهِ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي بَعْضِهَا يَا لَائِطُ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَائِطَ هِيَ الصَّحِيحَةُ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ: يَا بَغِيُّ، أَوْ لَهَا يَا قَحْبَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ قَالَ شَيْخُنَا: وَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَوَاخِرَ الطَّلَاقِ أَنَّ قَوْلَهُ: يَا قَحْبَةُ صَرِيحٌ اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَفْتَى أَيْضًا بِصَرَاحَةٍ: يَا مُخَنَّثُ لِلْعُرْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كِنَايَةٌ (فَإِنْ أَنْكَرَ) شَخْصٌ فِي الْكِنَايَةِ (إرَادَةَ قَذْفٍ) بِهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، ثُمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا خَرَجَ لَفْظُهُ مَخْرَجَ السَّبِّ وَالذَّمِّ وَإِلَّا فَلَا تَعْزِيرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَلَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ كَاذِبًا دَفْعًا لِلْحَدِّ وَتَحَرُّزًا مِنْ إتْمَامِ الْإِيذَاءِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الِاعْتِرَافُ بِالْقَذْفِ لِيُحَدَّ أَوْ يُعْفَى عَنْهُ كَالْقَاتِلِ لِغَيْرِهِ خُفْيَةً، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ وَاجِبٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنْ لَوْ كَانَ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ يُعْلَمُ زِنَاهُ يَقِينًا فَهَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِي التَّوْرِيَةِ عِنْدَ تَحْلِيفِ الْحَاكِمِ لَهُ لِيَدْرَأَ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَتَجُوزُ التَّوْرِيَةُ أَوْ لَا؟ الْأَقْرَبُ عِنْدِي جَوَازُهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الْمَعَرَّةِ عَنْ الْمَقُولِ لَهُ، بَلْ يَقْرَبُ إيجَابُ ذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُحَدُّ بِذَلِكَ، وَتَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَمَا تَحَمَّلَهُ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَصِيغَةُ الْحَلِفِ، أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَذْفَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: وَلَا يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا قَذَفَهُ، وَهَلْ وَجَبَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ مَعَ النِّيَّةِ أَوْ لَا يَجِبُ حَتَّى يَعْتَرِفَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِنَايَةِ الْقَذْفَ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ الْإِمَامُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوَّلُ (وَقَوْلُهُ) لِغَيْرِهِ فِي خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (يَا ابْنَ الْحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ وَنَحْوِهِ) كَلَيْسَتْ أُمِّي بِزَانِيَةٍ وَلَسْت ابْنَ خَبَّازٍ أَوْ إسْكَافٍ، وَمَا أَحْسَنَ اسْمُك فِي الْجِيرَانِ (تَعْرِيضٌ) بِغَيْرِهِ، وَ (لَيْسَ بِقَذْفٍ) لَهُ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ (وَإِنْ نَوَاهُ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظَ الْمَنْوِيَّ، وَهَهُنَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ وَنَوَى أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ إنْ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ لَمْ يَحْنَثْ، فَاللَّفْظُ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْقَذْفَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ غَيْرَهُ فَصَرِيحٌ، وَإِلَّا فَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ بِوَضْعِهِ فَكِنَايَةٌ وَإِلَّا فَتَعْرِيضٌ، وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ قَذْفًا، وَالنِّسْبَةُ إلَى غَيْرِ الزِّنَا مِنْ الْكِبَارِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ إيذَاءٌ، كَقَوْلِهِ لَهَا: زَنَيْت بِفُلَانَةَ أَوْ أَصَابَتْكِ فُلَانَةُ يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ لِلْإِيذَاءِ، لَا الْحَدِّ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ (وَقَوْلُهُ) لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ: عَلَوْت رَجُلًا حَتَّى دَخَلَ ذَكَرُهُ فِي فَرْجِك صَرِيحٌ، وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ (زَنَيْت بِكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ كَسْرِهَا (إقْرَارٌ بِزِنًا) عَلَى نَفْسِهِ (وَقَذْفٌ) لِلْمُخَاطَبِ أَمَّا كَوْنُهُ إقْرَارًا فَلِقَوْلِهِ: زَنَيْت، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَذْفًا فَلِقَوْلِهِ: بِكَ رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 55 وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْت بِك أَوْ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ وَكَانِيَةٌ فَلَوْ قَالَتْ زَنَيْت وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ وَقَاذِفَةٌ، وَقَوْلُهُ زَنَى   [مغني المحتاج] زَنَيْت مَعَ فُلَانٍ كَانَ قَذْفًا لَهَا دُونَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ اهـ. وَفَرَّقَ فِي الْوَسِيطِ بِأَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِيذَاءُ التَّامُّ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ مِنْهُ إلَى صُدُورِهِ عَنْ طَوَاعِيَةٍ وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ، وَلِهَذَا يُحَدُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا مَعَ احْتِمَالِ إرَادَةِ زِنَا الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ (وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا زَانِيَةُ) بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَجَبَ حَدَّانِ لَهَا وَلِأُمِّهَا، فَإِنْ طَلَبَتَا الْحَدَّ بُدِئَ بِحَدِّ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَحَدُّ الزَّوْجَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالزَّوْجُ مُمْكِنٌ مِنْ إسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ، بِخِلَافِ حَدِّ الْأُمِّ وَيُمْهَلُ لِلثَّانِي إلَى الْبُرْءِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ (فَقَالَتْ) لَهُ جَوَابًا (زَنَيْت بِكَ أَوْ أَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ) لَهَا فَيُحَدُّ لِإِتْيَانِهِ بِلَفْظِ الْقَذْفِ الصَّرِيحِ (وَكَانِيَةٌ) فِي قَذْفِهِ فَتُصَدَّقُ فِي إرَادَةِ عَدَمِ قَذْفِهِ بِيَمِينِهَا، لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ يَحْتَمِلُ نَفْيَ الزِّنَا أَيْ لَمْ أَفْعَلْ كَمَا لَمْ تَفْعَلْ، وَهَذَا مُسْتَعْمَلٌ عُرْفًا كَقَوْلِك لِمَنْ قَالَ تَغَدَّيْت تَغَدَّيْت مَعَك وَقَوْلُهَا الثَّانِي يَحْتَمِلُ إرَادَةَ مَا وَطِئَنِي غَيْرُك، فَإِنْ كُنْت زَانِيَةً فَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، لِأَنِّي مُمَكِّنَةٌ وَأَنْتَ فَاعِلٌ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُقِرَّةً بِالزِّنَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لِذَلِكَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهَا الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالزِّنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهَا إقْرَارٌ صَرِيحٌ بِالزِّنَا، وَكَانِيَةٌ اسْمِ فَاعِلٍ مِنْ كَنَيْت وَيَجُوزُ كَانُونَةٌ مِنْ كَنَوْتِ عَنْ كَذَا إذَا لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ (فَلَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِ الزَّوْجِ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ (زَنَيْت وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ) عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا بِقَوْلِهَا: زَنَيْت (وَقَاذِفَةٌ) لِزَوْجِهَا بِاللَّفْظِ الْآخَرِ صَرِيحًا فَتُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَالزِّنَا، وَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَإِنْ رَجَعَتْ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا ابْتِدَاءً: أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ كَانَ كِنَايَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ ثَبَتَ زِنَاهُ وَعَلِمَتْ بِثُبُوتِهِ فَيَكُونَ صَرِيحًا فَتَكُونَ قَاذِفَةً لَا إنْ جَهِلَتْ فَيَكُونَ كِنَايَةً فَتُصَدَّقَ بِيَمِينِهَا فِي جَهْلِهَا، فَإِذَا حَلَفَتْ عُزِّرَتْ وَلَمْ تُحَدَّ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً: أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ كَهَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ: يَا زَانِي فَقَالَ زَنَيْت بِكِ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفَةٌ لَهُ صَرِيحًا وَهُوَ كَانَ عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ إلَخْ، فَلَوْ قَالَ فِي جَوَابِهَا: زَنَيْت وَأَنْتِ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ مُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لَهَا عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لِأَجْنَبِيَّةٍ: يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ: زَنَيْت بِكَ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَهُوَ قَاذِفٌ وَهِيَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ قَاذِفَةٌ لَهُ مَعَ إقْرَارِهَا بِالزِّنَا، وَفِي الْجَوَابِ الثَّانِي كَزَانِيَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تُرِيدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَى الزِّنَا وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَيُقَاسَ بِمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ لِأَجْنَبِيٍّ: يَا زَانِي فَيَقُولُ: زَنَيْت بِكَ، أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ ابْتِدَاءً: فُلَانٌ زَانٍ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُ، أَوْ فِي النَّاسِ زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُمْ فَصَرِيحٌ لَا إنْ قَالَتْ النَّاسُ زُنَاةٌ، أَوْ أَهْلُ مِصْرَ مَثَلًا زُنَاةٌ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنْهُمْ فَلَيْسَ قَذْفًا لِتَحَقُّقِ كَذِبِهَا إلَّا إنْ نَوَتْ مَنْ زَنَى مِنْهُمْ فَيَكُونُ قَذْفًا (وَقَوْلُهُ) لِغَيْرِهِ (زَنَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 56 فَرْجُك أَوْ ذَكَرُك قَذْفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ يَدُك وَعَيْنُك، وَلِوَلَدِهِ لَسْت مِنِّي أَوْ لَسْت ابْنِي كِنَايَةٌ، وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ،   [مغني المحتاج] فَرْجُك أَوْ ذَكَرُك) أَوْ قُبُلُك أَوْ دُبُرُك بِفَتْحِ الْكَافِ أَوْ كَسْرِهَا فِيمَا ذَكَرَ (قَذْفٌ) لِأَنَّهُ آلَةُ ذَلِكَ الْعَمَلِ أَوْ مَحِلُّهُ تَنْبِيهٌ: قَدْ مَرَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ قَذْفًا صَرِيحًا فِي الْخُنْثَى إلَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ، وَقَدْ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَذْفِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا فَرْعٌ: لَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ فَلَا تَقَاصَّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ وَالصِّفَةُ وَمَوَاقِعُ السِّيَاطِ وَأَلَمُ الضَّرَبَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ) زَنَتْ (يَدُك) وَرِجْلُك (وَعَيْنُك، وَ) أَنَّ قَوْلَهُ (لِوَلَدِهِ) اللَّاحِقِ بِهِ ظَاهِرًا (لَسْت مِنِّي أَوْ لَسْت ابْنِي كِنَايَةٌ) فِي قَذْفِ أُمِّهِ، فَإِنْ قَصَدَ الْقَذْفَ كَانَ قَاذِفًا وَإِلَّا فَلَا أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ زِنَا هَذِهِ الْأَعْضَاءِ اللَّمْسُ وَالْمَشْيُ وَالنَّظَرُ كَمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ» فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيِّ إلَّا بِالْإِرَادَةِ، وَلِهَذَا لَوْ نَسَبَ ذَلِكَ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالزِّنَا قَطْعًا وَقِيلَ: إنَّهُ صَرِيحٌ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْجِ، وَلِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَى عُضْوٍ مِنْ الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأَبَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِهِ إلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ زَجْرًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّأْدِيبِ (وَ) أَنَّ قَوْلَهُ (لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ) فِي قَذْفِ أُمِّ الْمُخَاطَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْدِيبِ وَلَدِ غَيْرِهِ وَقِيلَ: إنَّهُ كِنَايَةٌ كَوَلَدِهِ (إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ) وَلَمْ يَسْتَلْحِقْهُ الْمُلَاعِنُ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي قَذْفِ أُمِّهِ لِجَوَازِ إرَادَةِ لَسْت ابْنَهُ شَرْعًا، أَوْ لَسْت تُشْبِهُهُ خَلْقًا أَوْ خُلُقًا، وَلَهَا تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ قَذْفَهَا، فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهَا حُدَّ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ فَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْقَذْفَ رُتِّبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِ النَّافِي لَهُ فَهُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ احْتِمَالًا مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ: لَمْ يَكُنْ ابْنُهُ حِينَ نَفَاهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَيُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ مَا أَرَادَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَذْفٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيَحُدُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَهُ مَا أَرَادَ، فَإِنْ ادَّعَى مُحْتَمَلًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا حَدَّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّا لَا نَحُدُّهُ هُنَاكَ حَتَّى نَسْأَلَهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ كِنَايَةٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَهُنَا ظَاهِرُ لَفْظِهِ الْقَذْفُ فَيُحَدُّ بِالظَّاهِرِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مُحْتَمَلًا ثُمَّ شَرَعَ فِي مُوجِبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ فَقَالَ (وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ) ثَمَانِينَ جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَدِّ وَشَرْطُهُ فِي بَابِهِ (وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ) وَهُوَ قَاذِفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالصَّبِيِّ وَالزَّانِي لِلْإِيذَاءِ تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ قَدْ تُوهِمُ تَعْزِيرَ مَنْ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا، فَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ وَيُعَزَّرُ قَاذِفُ غَيْرِهِ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 57 وَالْمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ، وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ بِلَا وَلِيٍّ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] أَوْلَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّعْزِيرِ آخِرَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ (وَالْمُحْصَنُ) الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ (مُكَلَّفٌ) وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى رَأْيِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اعْتِمَادًا عَلَى اسْتِثْنَائِهِ لَهُ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ (حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ) فَإِنْ لَمْ يَطَأُ أَصْلًا أَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الشَّرِيكِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ؛ لِأَنَّ أَضْدَادَ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَافِرَ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا؛ لِأَنَّ حَدَّهُ إهَانَةٌ لَهُ، وَالْحَدُّ بِقَذْفِهِ إكْرَامٌ لَهُ، وَاعْتُبِرَتْ الْعِفَّةُ، لِأَنَّ مَنْ زَنَى لَا يَتَعَيَّرُ بِهِ تَنْبِيهٌ: يُرَدُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ بِهِ حَصَانَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ وَيُتَصَوَّرُ الْحَدُّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ بِأَنْ يَقْذِفَ مُرْتَدًّا بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ، وَبِقَذْفِ الْمَجْنُونِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهِ، وَبِقَذْفِ الْعَبْدِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزِنًا يُضِيفُهُ إلَى حَالِ حُرِّيَّتِهِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الرِّقُّ، وَصُورَتُهُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ الْأَسِيرُ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ (وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ) الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِحْصَانِ (بِوَطْءِ) شَخْصٍ وَطْئًا حَرَامًا وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ كَوَطْءِ (مَحْرَمٍ) لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ كَأُخْتٍ (مَمْلُوكَةٍ) مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِدَلَالَتِهِ عَلَى قِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالزِّنَا بَلْ غُشْيَانُ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ مِنْ غُشْيَانِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَدِّ لِعَدَمِ الْتِحَاقِهِ بِالزِّنَا تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْمُرَتَّبِ بِالْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ اصْطِلَاحِهِ، وَ (لَا) تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءٍ حَرَامٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَوَطْءِ (زَوْجَتِهِ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ عَارِضٌ يَزُولُ (وَ) لَا بِوَطْءِ (أَمَةِ وَلَدِهِ) لِثُبُوتِ النَّسَبِ حَيْثُ حَصَلَ عَلُوقٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ، وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةَ الْوَلَدِ وَلَا مُسْتَوْلَدَتَهُ، وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (وَ) لَا بِوَطْءٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَوَطْءِ (مَنْكُوحَتِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ (بِلَا وَلِيٍّ) أَوْ بِلَا شُهُودٍ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ، وَمُقَابِلُهُ تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِمَا ذَكَرَ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ فِيهِ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِلَا وَلِيٍّ بَيْنَ مُعْتَقِدِ الْحِلِّ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ اخْتِصَاصُهُ بِمُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا تَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إحْرَامٍ، أَوْ صَوْمٍ، أَوْ اعْتِكَافٍ، وَلَا بِوَطْءِ مَمْلُوكَةٍ لَهُ مُرْتَدَّةٍ، أَوْ مُزَوَّجَةٍ، أَوْ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ مُكَاتَبَةٍ، وَلَا بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ، وَلَا بِزِنَا صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، وَلَا بِوَطْءِ جَاهِلِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا بِوَطْءِ مُكْرَهٍ، وَلَا بِوَطْءِ مَجُوسِيٍّ مُحَرَّمًا لَهُ كَأُمِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 58 وَلَوْ زِنَى مَقْذُوفٌ سَقَطَ الْحَدُّ، أَوْ ارْتَدَّ فَلَا وَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا، وَحَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ،   [مغني المحتاج] بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، وَلَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ (وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ) قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ (سَقَطَ الْحَدُّ) عَنْ قَاذِفِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا يُسْتَيْقَنُ بَلْ يُظَنُّ، وَظُهُورُ الزِّنَا يَخْدِشُهُ كَالشَّاهِدِ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ شَهِدَ بِشَيْءٍ ثُمَّ ظَهَرَ فِسْقُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ تَنْبِيهٌ: الْوَطْءُ الْمُسْقِطُ لِلْإِحْصَانِ كَطُرُوِّ الزِّنَا (أَوْ ارْتَدَّ، فَلَا) يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ قَاذِفِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّدَّةِ وَالزِّنَا أَنَّهُ يَكْتُمُ مَا أَمْكَنَ، فَإِذَا ظَهَرَ أَشْعَرَ بِسَبْقِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ لَا يَهْتِكُ السِّتْرَ أَوَّلَ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالرِّدَّةُ عَقِيدَةٌ وَالْعَقَائِدُ لَا تَخْفَى غَالِبًا فَإِظْهَارُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ الْإِخْفَاءِ، وَكَالرَّدَّةِ السَّرِقَةُ وَالْقَتْلُ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا قَذَفَ بِهِ (وَمَنْ زَنَى) حَالَ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ (مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ) بِأَنْ تَابَ وَصَلَحَ حَالُهُ (لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا) أَبَدًا وَلَوْ لَازَمَ الْعَدَالَةَ وَصَارَ مِنْ أَوْرَعِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَزْهَدِهِمْ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ سَوَاءٌ أَقَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا، أَمْ بِزِنًا بَعْدَهُ، أَمْ أَطْلَقَ، لِأَنَّ الْعِرْضَ إذَا انْخَرَمَ بِالزِّنَا لَمْ يَزُلْ خَلَلُهُ بِمَا يَطْرَأُ مِنْ الْعِفَّةِ فَإِنْ قِيلَ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي قَوْلِنَا حَالَ تَكْلِيفِهِ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ فَإِنَّهُمَا إذَا زَنَيَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُمَا بَعْدَ الْكَمَالِ لِمَا ذَكَرَ، وَخَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّ حَصَانَتِهَا لَا تَسْقُطُ بِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَعْدَ الْكَمَال؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ بِزِنًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ (وَحَدُّ الْقَذْفِ) وَتَعْزِيرُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا (يُورَثُ) كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَوْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ مُرْتَدًّا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَسْتَوْفِيهِ وَارِثُهُ لَوْلَا الرِّدَّةُ لِلتَّشَفِّي كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ قِصَاصِ الْأَطْرَافِ (وَيَسْقُطُ) إمَّا (بِعَفْوٍ) عَنْ جَمِيعِهِ كَغَيْرِهِ أَوْ بِأَنْ يَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ، فَلَوْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشُّفْعَةِ، وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ، فَقَالَ: إنَّهُ يَسْقُطُ بِعَفْوٍ أَيْضًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحَ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ جَوَازَ اسْتِيفَاءِ الْإِمَامِ لَهُ مَعَ الْعَفْوِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالسُّقُوطِ سُقُوطُ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَنْ التَّعْزِيرِ ثُمَّ عَادَ وَطَلَبَهُ لِإِيجَابٍ، وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ لِلْمَصْلَحَةِ، لَا لِكَوْنِهِ حَقَّ آدَمِيٍّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَاكَ فُرُوعٌ: لَوْ عَفَا وَارِثُ الْمَقْذُوفِ عَلَى مَالٍ سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِي وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اغْتَابَ شَخْصًا لَمْ يُؤَثِّرْ التَّحْلِيلُ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِزِنًا يَعْلَمُهُ الْمَقْذُوفُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ قَالَ: لَهُ طَلَبُهُ، وَلَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ، كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ حَدَّ الْقَذْفِ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ وَمِثْلُهُ التَّعْزِيرُ (يَرِثُهُ) أَيْ جَمِيعَهُ (كُلُّ) فَرْدٍ مِنْ (الْوَرَثَةِ) الْخَاصِّينَ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 59 وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ كُلُّهُ فَصْلٌ لَهُ قَذْفُ زَوْجَةٍ عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا كَشَيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ بِأَنْ رَآهُمَا فِي خَلْوَةٍ   [مغني المحتاج] سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ حَدٌّ وَإِلَّا لَتَعَدَّدَ الْحَدُّ بِتَعَدُّدِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَالثَّانِي يَرِثُهُ جَمِيعُهُمْ إلَّا الزَّوْجَيْنِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مَيِّتًا هَلْ لِأَحَدِهِمَا حَقٌّ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَوْ قَذَفَ مُوَرِّثَهُ شَخْصٌ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ، وَفِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ زِنَا مُوَرِّثِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا وَالتَّحْلِيفُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِمَّا وَرِثَهُ مِنْ الْحَدِّ (فَلِلْبَاقِينَ) مِنْهُمْ (كُلُّهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَلِأَنَّهُ عَارٌ، وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ هَذَا اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَإِنْ لَمْ يَعْفُ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَجَعَلَهُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الْحَاوِي مَا يَقْتَضِيهِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ جَمِيعُهُ كَمَا فِي الْقَوَدِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَوَدَ لَهُ بَدَلٌ يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِهِ وَالثَّالِثُ يَسْقُطُ نَصِيبُ الْعَافِي وَيَسْتَوْفِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّقْسِيطِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ فَائِدَةٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَظِيرَ لَهَا، فَإِنَّ أَخَوَاتِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ إمَّا أَنْ يَتَوَقَّفَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ كَالشُّفْعَةِ أَوْ يَسْقُطُ كَالْقِصَاصِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَاسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ عَصَبَتُهُ الْأَحْرَارُ أَوْ السُّلْطَانُ؟ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا [فَصْلٌ قَذْفُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ] (فَصْلٌ) فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ خَاصَّةً وَالْقَذْفُ فِيهَا كَهُوَ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِمُخَالَفَتِهِ غَيْرَهُ فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَذْفُ أَوْ يَجِبُ لِضَرُورَةِ نَفْيِ النَّسَبِ وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُ إسْقَاطَ الْحَدِّ عَنْهُ بِاللِّعَانِ وَالثَّالِثُ: يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْحَدُّ بِلِعَانِهِ إلَّا أَنْ تَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهَا بِلِعَانِهَا (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (قَذْفُ زَوْجَةٍ) لَهُ (عَلِمَ) أَيْ تَحَقَّقَ (زِنَاهَا) بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي (أَوْ ظَنَّهُ) أَيْ زِنَاهَا (ظَنًّا مُؤَكَّدًا) أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ (كَشَيَاعِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّهِ أَيْ ظُهُورِ (زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ) أَيْ مَصْحُوبًا بِهَا (بِأَنْ رَآهُمَا) أَيْ زَوْجَتَهُ وَزَيْدًا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً (فِي خَلْوَةٍ) مَثَلًا أَوْ رَآهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدَهَا، أَوْ هِيَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدَهُ، أَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِزِنَاهَا أَوْ أَخْبَرَتْهُ هِيَ بِزِنَاهَا وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا، أَوْ يُخْبِرُهُ عَنْ عِيَانٍ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهَا مِرَارًا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 60 وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَسْتَبْرِئْ بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ   [مغني المحتاج] مَحَلِّ رِيبَةٍ، أَوْ مَرَّةً تَحْتَ شِعَارٍ فِي هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مَعَ قَرِينَةٍ يُفْهِمُ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِفَاضَةِ فَقَطْ أَوْ الْقَرِينَةِ فَقَطْ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، أَمَّا الِاسْتِفَاضَةُ فَقَدْ يُشِيعُهَا عَدُوٌّ لَهَا أَوْ مَنْ طَمِعَ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِخَوْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَيُفْهِمُ إبَاحَةُ الْقَذْفِ لَهُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْفَاحِشَةِ وَإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ، هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا وَلَدَ يَنْفِيهِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ) يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ (وَعَلِمَ) أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُؤَكَّدًا (أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ) لِأَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ، وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَذْفِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: إنْ تَيَقَّنَ مَعَ ذَلِكَ زِنَاهَا قَذَفَهَا وَلَاعَنَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ؛ لِجَوَازِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَطَرِيقُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ غَيْرِي، وَأَطْلَقَ وُجُوبَ نَفْيِ الْوَلَدِ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَ يَلْحَقُهُ ظَاهِرًا، فَفِي قَوَاعِدِ ابْن عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا فَإِنْ أَتَتْ بِهِ خِفْيَةً بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْحُكْمِ لَمْ يَجِبْ نَفْيُهُ وَالْأَوْلَى بِهِ السِّتْرُ وَالْكَفُّ عَنْ الْقَذْفِ، وَالْحَمْلُ الْمُحَقَّقُ كَالْوَلَدِ، فَلَوْ ذَكَرَهُ لَعَلِمَ مِنْهُ الْوَلَدَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَا يَلْزَمُهُ فِي جَوَازِ النَّفْيِ وَالْقَذْفِ تَبَيُّنُ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لِلنَّفْيِ وَالْقَذْفِ مِنْ رُؤْيَةِ زِنًا وَاسْتِبْرَاءٍ وَنَحْوِهِمَا السَّبَبُ الْمُجَوِّزُ لَهُمَا (وَإِنَّمَا يَعْلَمُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ (إذَا لَمْ يَطَأْ) زَوْجَتَهُ أَصْلًا (أَوْ) وَطِئَهَا وَلَكِنْ (وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ) الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ (أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ) مِنْهَا الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ (فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْهُ (وَلَمْ تَسْتَبْرِئْ) بَعْدَهُ (بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ) لِلْوَلَدِ بِاللِّعَانِ رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا فِي نَفْسِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَنْبِيهٌ: جَعْلُ الْبَيِّنَةِ بَيْنَ السِّتَّةِ وَالْأَرْبَعِ كَمَا فَعَلْته تَبَعًا لِلشَّارِحِ أَوْلَى مِمَّنْ جَعَلَهَا تَبَعًا لِظَاهِرِ الْمَتْنِ بَيْنَ الدُّونِ وَالْفَوْقِ؛ لِأَنَّ الدُّونَ يَصْدُقُ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَهُوَ فَاسِدٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ السِّتَّةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَحْرُمُ نَفْيُهُ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْ (وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 61 الِاسْتِبْرَاءِ حَلَّ النَّفْيُ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا حَرُمَ النَّفْيُ، وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ   [مغني المحتاج] الِاسْتِبْرَاءِ) بِحَيْضَةٍ، وَلِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ مِنْ الزِّنَا (حَلَّ النَّفْيُ) بِاللِّعَانِ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَرَى الدَّمَ تَنْبِيهٌ: مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحِلِّ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَالشَّرْحَ الصَّغِيرَ، وَمُقَابِلَ الْأَصَحِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ قَطْعِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ إنْ رَأَى بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ قَرِينَةَ الزِّنَا الْمُبِيحَةَ لِلْقَذْفِ جَازَ النَّفْيُ، بَلْ وَجَبَ لِحُصُولِ الظَّنِّ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرَ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ النَّفْيُ، وَمَا صَحَّحَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَكَذَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَكَذَا فَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْعُدَّةِ وَآخَرُونَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي السِّتَّةِ الْأَشْهُرِ مِنْ حِينِ يَزْنِي الزَّانِي بِهَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا مُسْتَنِدُ اللِّعَانِ، فَإِذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ وَلِأَكْثَرَ مِنْ دُونِهَا مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ تَبَيُّنًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَلَا يَجُوزُ النَّفْيُ جَزْمًا رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ كَمَا زِدْته فِي كَلَامِهِ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّنَاقُضِ، وَهَلْ يُحْسَبُ ابْتِدَاءُ الْأَشْهُرِ مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ أَوْ مِنْ انْقِطَاعِهِ؟ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ طُرُوِّهِ؛ لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ اهـ. وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ظَاهِرٌ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ (وَلَوْ وَطِئَ) زَوْجَتَهُ فِي قُبُلِهَا (وَعَزَلَ) عَنْهَا بِأَنْ نَزَعَ وَقْتَ الْإِنْزَالِ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ (حَرُمَ) نَفْيُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَسْبِقُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُسَّ بِهِ، وَلَيْسَ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ وَجْهًا مُحَقَّقًا بَلْ احْتِمَالًا لِلْغَزَالِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَامَهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا، أَمَّا إذَا وَطِئَ فِي الدُّبُرِ أَوْ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنَّ لَهُ النَّفْيَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ رَجَّحَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ كَالْقُبُلِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَوْ عَلِمَ) الزَّوْجُ (زِنَاهَا وَاحْتُمِلَ) عَلَى السَّوَاءِ (كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا) بِأَنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ وَطْئِهِ (حَرُمَ النَّفْيُ) رِعَايَةً لِلْفِرَاشِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (وَكَذَا) يَحْرُمُ (الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ، وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ وَالثَّانِي: يَجُوزُ انْتِقَامًا لَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ، وَهَذَا مَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ الْقِيَاسُ فَأَثْبَتَهُ الشَّيْخَانِ وَجْهًا، وَرَدَّ الْقِيَاسَ بِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَضَرَّرُ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا وَإِثْبَاتِهِ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ، إذْ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ وَتُطْلَقُ فِيهِ الْأَلْسِنَةُ فَلَا يَحْتَمِلُ هَذَا الضَّرَرَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ تَتِمَّةٌ لَوْ أَتَتْ امْرَأَةٌ بِوَلَدٍ أَبْيَضَ وَأَبَوَاهُ أَسْوَدَانِ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُبَحْ لِأَبِيهِ بِذَلِكَ نَفْيُهُ وَلَوْ أَشْبَهَ مَنْ تُتَّهَمُ بِهِ أُمُّهُ أَوْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَرِينَةُ الزِّنَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 62 فَصْلٌ اللِّعَانُ قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا فَإِنْ غَابَتْ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَقَالَ وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ أَوْ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي   [مغني المحتاج] «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، قَالَ: هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ: عَسَى أَنْ تَكُونَ نَزَعَةَ عِرْقٍ قَالَ: فَلَعَلَّ هَذَا نَزْعَةُ عِرْقٍ» وَالْأَوْرَقُ جَمَلٌ أَبْيَضُ يُخَالِطُ بَيَاضَهُ سَوَادٌ [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةُ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ] (فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ وَشَرْطِهِ وَثَمَرَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ إلَخْ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ: (اللِّعَانُ قَوْلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لِمَنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ) أَيْ زَوْجَتَهُ (مِنْ الزِّنَا) إذَا كَانَتْ، حَاضِرَةً، أَمَّا اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فَلِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَكُرِّرَتْ الشَّهَادَةُ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مَقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٍ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ الْآتِيَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ تَسْمِيَةِ مَا رَمَاهَا بِهِ فَلِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ: هَذِهِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ زَوْجَتِي هَذِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي التَّتِمَّةِ وَتَعْلِيقُ الْبَنْدَنِيجِيِّ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا إلَى تَسْمِيَتِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ حَضَرَتْ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْإِشَارَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَكَلَامِ الْجُمْهُورِ (فَإِنْ غَابَتْ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا) عَنْ غَيْرِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ (وَالْخَامِسَةُ) مِنْ كَلِمَاتِ لِعَانِ الزَّوْجِ هِيَ (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا) لِلْآيَةِ، وَيُشِيرُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَيُمَيِّزُهَا فِي الْغِيبَةِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ تَنْبِيهٌ: إنَّمَا أَتَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِضَمِيرِ الْغِيبَةِ تَأَسِّيًا بِلَفْظِ الْآيَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقُولُهُ الْمُلَاعِنُ: عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَإِنْ كَانَ) ثَمَّ (وَلَدٌ يَنْفِيهِ) عَنْهُ (ذَكَرَهُ فِي) كُلٍّ مِنْ (الْكَلِمَاتِ) الْخَمْسِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ (فَقَالَ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ) إنْ كَانَ غَائِبًا (أَوْ هَذَا الْوَلَدَ) إنْ كَانَ حَاضِرًا (مِنْ زِنًا) وَ (لَيْسَ) هُوَ (مِنِّي) لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ، فَلَوْ أَغْفَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 63 وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ أَوْ ذُكِرَا   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: وَبِهِ أَجَابَ كَثِيرُونَ: لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ وَطْءَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ زِنًا، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَكْفِي كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ خَلْقًا وَخُلُقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ، كَقَوْلِهِ: مَنْ زِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ (وَتَقُولُ هِيَ) أَرْبَعُ مَرَّاتٍ بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجِ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَ) الْكَلِمَةُ (الْخَامِسَةُ) مِنْ لِعَانِهَا هِيَ (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ) الزَّوْجُ (مِنْ الصَّادِقِينَ فِيهِ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَتُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْحُضُورِ، وَتُمَيِّزُهُ فِي الْغِيبَةِ كَمَا فِي جَانِبِهَا فِي الشَّهَادَاتِ الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا تَأَسِّيًا بِالْآيَةِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ: فَتَقُولَ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كَانَ إلَخْ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ تَقُولَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ لِعَانِهَا شَرْطٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَشَرْت إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي بَعْدُ: وَاقْتَصَرَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ عَلَى قَوْلِهَا: فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِيمَا رَمَانِي بِهِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِمَا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ النَّصِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ قَوْلُهَا: مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِمَا نُقِلَ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ سُكُوتُهُ فِي لِعَانِهَا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ، وَلَوْ تَعَرَّضَتْ لَهُ لَمْ يَضُرَّ، وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذْفٌ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ أَثْبَتَتْ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ عَنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ الْكَلِمَاتِ، وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَى مَنْ رَمَى إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَخْ، وَلَا يُلَاعِنُ الْمَرْأَةَ فِي الْأَوَّلِ، إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى تُسْقِطَهُ بِلِعَانِهَا، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّعْنَ بِجَانِبِهِ وَالْغَضَبَ بِجَانِبِهَا؛ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَقْبَحُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ بِدَلِيلِ تَفَاوُتِ الْحَدَّيْنِ، وَغَضَبُ اللَّهِ أَغْلَظُ مِنْ لَعَنْته لِأَنَّ غَضَبَهُ إرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنْ الْعُصَاةِ وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ، وَاللَّعْنُ: الطَّرْدُ وَالْبُعْدُ فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ (وَلَوْ بُدِّلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ) كَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ إلَخْ، أَوْ لَفْظُ اللَّهِ بِالرَّحْمَنِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) لَفْظُ (غَضَبٍ بِلَعْنٍ) أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِبْعَادِ (وَعَكْسِهِ) بِأَنْ ذَكَرَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ وَالْمَرْأَةُ اللَّعْنَ (أَوْ ذُكِرَا) أَيْ اللَّعْنُ وَالْغَضَبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 64 قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ   [مغني المحتاج] (قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ ذَلِكَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى، وَالثَّالِثُ: لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْتَى بَدَلُ لَفْظِ الْغَضَبِ بِلَفْظِ اللَّعْنِ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ أَشَدُّ مِنْ اللَّعْنِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْعَكْسِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: عِبَارَةٌ مَقْلُوبَةٌ، وَصَوَابُهُ حَلَفَ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْرُوكِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ فَقَرِيبٌ فَإِنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فِي كُلِّ مَأْخُوذٍ وَمَتْرُوكٍ اهـ. وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ ذَلِكَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَيُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ اللِّعَانِ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَضُرُّ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ، وَ (أَمْرُ الْقَاضِي) بِهِ أَوْ نَائِبِهِ كَالْيَمِينِ فِي سَائِرِ الْخُصُومَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَى اللِّعَانِ حُكْمُ الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَهِيَ لَا تُؤَدَّى إلَّا عِنْدَهُ (وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ) فِي الْجَانِبَيْنِ فَيَقُولُ لَهُ: قُلْ: كَذَا وَكَذَا، وَلَهَا قُولِي: كَذَا وَكَذَا، وَالْمُحَكَّمُ حَيْثُ لَا وَلَدَ كَالْحَاكِمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ أَوْ يُلَقَّنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَشْمَلُ الْمُحَكَّمَ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ حَيْثُ لَا وَلَدَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيُرْضَى بِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي النَّسَبِ، فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا فِي حَقِّهِ، وَالسَّيِّدُ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ كَالْحَاكِمِ لَا الْمُحَكَّمِ كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ تَنْبِيهٌ عَطْفُهُ التَّلْقِينَ عَلَى الْأَمْرِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَمْرُ هُوَ التَّلْقِينُ: وَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَمْرِ، وَيُحْتَمَلُ التَّغَايُرُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ قَوْلَ الْقَاضِي: قُلْ، وَبِالتَّلْقِينِ: أَشْهَدُ إلَخْ (وَ) يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا تَمَامُ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ (أَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ) لِأَنَّ لِعَانَهَا لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِلِعَانِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى لِعَانِهَا قَبْلَهُ، فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالْفُرْقَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسِ أَوْ بِابْتِدَاءِ لِعَانِهَا نُقِضَ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ لِعَانِهِ وَلِعَانِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي يَوْمٍ وَهِيَ فِي يَوْمٍ آخِرِ (وَ) يَقْذِفُ وَ (يُلَاعِنُ أَخْرَسُ) خِلْقَةً (بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ قَبْلَ الْأَلِفِ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّهِ كَالنُّطْقِ مِنْ النَّاطِقِ، وَلَيْسَ كَالشَّهَادَةِ مِنْهُ لِضَرُورَتِهِ إلَيْهِ دُونَهَا؛ لِأَنَّ النَّاطِقِينَ يَقُومُونَ بِهَا وَلِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي اللِّعَانِ مَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ قَذْفُهُ وَلَا لِعَانُهُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ لِبُعْدِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ، أَمَّا إذَا عَرَضَ لَهُ الْخَرَسُ، فَإِنْ رَجَى نُطْقَهُ فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اُنْتُظِرَ نُطْقُهُ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ نُطْقُهُ أَوْ رُجِيَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ كَالْخَرَسِ الْخِلْقِيِّ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ الِاكْتِفَاءَ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَتَصْرِيحِ الشَّامِلِ فَإِذَا لَاعَنَ بِالْإِشَارَةِ أَشَارَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ بِكَلِمَةِ اللَّعْنِ، وَإِنْ لَاعَنَ بِالْكِتَابَةِ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 65 وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ، وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ وَمَكَانٌ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ، فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ،   [مغني المحتاج] أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ كَلِمَةَ اللَّعْنِ، وَلَكِنْ لَوْ كَتَبَ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ مَرَّةً وَأَشَارَ إلَيْهَا أَرْبَعًا جَازَ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ النَّصُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَوْ نَطَقَ لِسَانُ الْأَخْرَسِ مِنْ بَعْدِ قَذْفِهِ وَلِعَانِهِ بِالْإِشَارَةِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الْقَذْفَ بِإِشَارَتِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ أَثْبَتَتْ حَقًّا لِغَيْرِهِ، أَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ اللِّعَانَ بِهَا قُبِلَ مِنْهُ فِيمَا عَلَيْهِ لَا فِيمَا لَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ وَالنَّسَبُ، وَلَا تَرْتَفِعُ الْفُرْقَةُ وَالْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ، وَيُلَاعِنُ إنْ شَاءَ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ وَلِنَفْيِ الْوَلَدِ إنْ لَمْ يَفُتْ (وَيَصِحُّ) اللِّعَانُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْعَرَبِيَّةِ (بِالْعَجَمِيَّةِ) وَهِيَ مَا عَدَا الْعَرَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ أَوْ شَهَادَةٌ، وَهُمَا بِاللُّغَاتِ سَوَاءٌ، فَيُرَاعِي الْأَعْجَمِيُّ الْمُلَاعِنُ تَرْجَمَةَ الشَّهَادَةِ وَاللَّعْنِ وَالْغَضَبِ، ثُمَّ إنْ أَحْسَنَ الْقَاضِي الْعَجَمِيَّةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُحْضِرَ أَرْبَعَةً مِمَّنْ يُحْسِنُهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ مُتَرْجِمٍ، وَيَكْفِي اثْنَانِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ (وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَانُهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهَا الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، ثُمَّ شَرَعَ فِي تَغْلِيظِ اللِّعَانِ، وَهُوَ إمَّا بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (وَيُغَلَّظُ) لِعَانُ مُسْلِمٍ (بِزَمَانٍ، وَهُوَ بَعْدَ) صَلَاةِ (عَصْرِ) كُلِّ يَوْمٍ كَانَ إنْ كَانَ طَلَبُهُ حَثِيثًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ يَمِينًا كَاذِبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ حَثِيثٌ فَبَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ يَوْمِ (جُمُعَةٍ) أَوْلَى لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهَا مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ» وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَالَهُ هُنَا، وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِعَصْرِ الْجُمُعَةِ الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةَ كَشَهْرِ رَجَبٍ، وَرَمَضَانَ، وَيَوْمَيْ الْعِيدِ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ (وَمَكَانٌ، وَهُوَ أَشْرَفُ) مَوَاضِعِ (بَلَدِهِ) أَيْ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الزَّجْرِ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَشْرَفُ مَوَاضِعِ الْبَلَدِ، وَهِيَ أَحْسَنُ لِتُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ، وَلِهَذَا زِدْتهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ فَضْلُ الْأَشْرَفِيَّةِ بِقَوْلِهِ (فَبِمَكَّةَ) أَيْ فَاللِّعَانُ بِهَا يَكُونُ (بَيْنَ الرُّكْنِ) الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ (وَ) بَيْنَ (الْمَقَامِ) لِإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا بِالْحَطِيمِ فَإِنْ قِيلَ: لَا شَيْءَ فِي مَكَّةَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيْتِ فَكَانَ الْقِيَاسُ التَّحْلِيفَ فِيهِ وَلَكِنْ صِينَ عَنْهُ، فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحِجْرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ عُدُولَهُمْ عَنْهُ صِيَانَةٌ لِلْبَيْتِ أَيْضًا (وَ) اللِّعَانُ فِي (الْمَدِينَةِ) يَكُونُ (عِنْدَ الْمِنْبَرِ) مِمَّا يَلِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ جَوَامِعِ اللِّعَانِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحْلِفُ عِنْدَ هَذَا الْمِنْبَرِ عَبْدٌ وَلَا أَمَةٌ يَمِينًا آثِمَةً وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ رَطْبٍ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 66 وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ، وَحَائِضٌ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَذِمِّيٌّ فِي بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْبُوَيْطِيِّ، وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ: يَكُونُ اللِّعَانُ فِي الْمِنْبَرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (وَ) اللِّعَانُ فِي (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ (عِنْدَ الصَّخْرَةِ) لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَفِي ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهَا فِي الْجَنَّةِ تَنْبِيهٌ: التَّغْلِيظُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ بِهَا، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ إلَيْهَا أَيْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (وَ) اللِّعَانُ فِي (غَيْرِهَا) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ (عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ) لِأَنَّهُ الْمُعَظَّمُ مِنْهُ قَالَا: وَأَوْرَدَ الْمُتَوَلِّي فِي صُعُودِ الْمِنْبَرِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فِي صُعُودِ مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ صُعُودِهِ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي (وَ) تُلَاعِنُ امْرَأَةٌ (حَائِضٌ) أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُتَحَيِّرَةٌ مُسْلِمَةٌ (بِبَابِ الْمَسْجِدِ) الْجَامِعِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ، وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ فَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَهَذَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ تَعْجِيلَ اللِّعَانِ، فَلَوْ رَأَى تَأْخِيرَهُ إلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ وَغُسْلِهَا جَازَ نَقْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ، قَالَ وَهُوَ فِي الْجُنُبِ أَيْ الْمُسْلِمِ أَوْلَى أَمَّا الْكَافِرُ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِمَا يَأْتِي، فَإِنْ أُرِيدَ لِعَانُهُ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُكِّنَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْ نَحْوِ الْحَائِضِ (وَ) يُلَاعِنُ (ذِمِّيٌّ) وَلَوْ عَبَّرَ بِكِتَابِيٍّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمُسْتَأْمَنَ وَالْمُعَاهَدَ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا (فِي بِيعَةٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوَّلَهُ، وَهِيَ مَعْبَدُ النَّصَارَى (وَ) فِي (كَنِيسَةٍ) وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ، وَتُسَمَّى الْبِيعَةُ أَيْضًا كَنِيسَةً بَلْ هُوَ الْعُرْفُ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَالْمَسَاجِدِ عِنْدَنَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ جَوَازِ دُخُولِ الْحَاكِمِ إلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صُوَرٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ دُخُولُ بَيْتٍ فِيهِ صُوَرٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ يُعْلَمُ هَذَا مِمَّا سَيَأْتِي، وَيَقُولُ الْيَهُودِيُّ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَالنَّصْرَانِيُّ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِمُوسَى أَيْ وَلَا النَّصْرَانِيُّ بِعِيسَى كَمَا لَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بَلْ ذَلِكَ مَحْظُورٌ اهـ. أَيْ مَكْرُوهٌ (وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ) يَكُونُ اللِّعَانُ فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَالْمَقْصُودُ الزَّجْرُ عَنْ الْكَذِبِ فَيَحْضُرُهُ الْقَاضِي رِعَايَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 67 لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ، وَجَمْعٍ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ وَالتَّغْلِيظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا،   [مغني المحتاج] لِاعْتِقَادِهِمْ لِشُبْهَةِ الْكِتَابِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ وَشَرَفٌ فَيُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّةَ وَالْمَجُوسِيَّةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنْ قَالَتْ: أُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (لَا بَيْتَ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَاعْتِقَادُهُمْ فِيهِ غَيْرُ شَرْعِيٍّ، وَلِأَنَّ دُخُولَهُ فِي مَعْصِيَةٍ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، بِخِلَافِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ فَيُلَاعِنُ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدْخُلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ وَيَتَرَافَعُونَ إلَيْنَا، وَإِلَّا فَأَمْكِنَةُ الْأَصْنَامِ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْهَدْمِ أَمَّا تَغْلِيظُ الْكَافِرِ بِالزَّمَانِ فَيُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّنْ لَا يَنْتَحِلُ مِلَّةً كَالدَّهْرِيِّ بِفَتْحِ الدَّالِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَبِضَمِّهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَعَابِدِ الْوَثَنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَشْرَعُ فِي حَقِّهِ تَغْلِيظٌ بَلْ يُلَاعِنُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَظِّمُ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يُزْجَرُ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ عَلَا فِي كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقَسَمِ الثَّانِي مِنْ التَّغْلِيظَاتِ، فَقَالَ: (وَ) يُغَلَّظُ بِحُضُورِ (جَمْعٍ) مِنْ عُدُولٍ أَعْيَانِ بَلَدِ اللِّعَانِ وَصُلَحَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا عَنْ الْكَذِبِ، وَ (أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ) لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَحْضُرَ ذَلِكَ الْعَدَدُ إتْيَانَهُ بِاللِّعَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْحَاكِمِ، وَيَكْفِي السَّيِّدُ فِي رَقِيقِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْيَمِينِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى (وَالتَّغْلِيظَاتُ) بِمَا ذَكَرَ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَجَمْعٍ (سُنَّةٌ) فِي مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ (وَلَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَتَغْلِيظِ الْيَمِينِ بِتَعَدُّدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: إنَّهُ فَرْضٌ لِلِاتِّبَاعِ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَكَانِ طَرْدًا فِي الزَّمَانِ وَالْجَمْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالِاسْتِحْبَابِ فِيهِمَا، وَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِهِ فِي الْجَمْعِ دُونَ الزَّمَانِ (وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي) وَنَائِبِهِ وَمُحَكِّمٍ وَسَيِّدٍ (وَعْظُهُمَا) أَيْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ بِالتَّخْوِيفِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِلَالٍ «اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِمَا: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ، وَيَقُولُ لَهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا مَنْ تَابَ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 68 وَيُبَالِغُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ، وَشَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَهَا وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ وَلَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا صَحَّ   [مغني المحتاج] (وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ (يُبَالِغُ) الْقَاضِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِ فِي وَعْظِهِمَا نَدْبًا (عِنْدَ الْخَامِسَةِ) مِنْ لِعَانِهِمَا قَبْلَ شُرُوعِهِمَا فِيهَا فَيَقُولُ لِلزَّوْجِ: اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِك: عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلَّعْنِ إنْ كُنْت كَاذِبًا، وَلِلزَّوْجَةِ: اتَّقِ اللَّهَ فِي قَوْلِك: غَضَبَ اللَّهِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْغَضَبِ إنْ كُنْت كَاذِبَةً لَعَلَّهُمَا يَنْزَجِرَانِ وَيَتْرُكَانِ، وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَامْرَأَةً أَنْ تَضَعَ يَدَهَا عَلَى فِيهَا لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد، وَيَأْتِي الَّذِي يَضَعُ يَدَهُ مِنْ وَرَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ أَبَيَا إلَّا إتْمَامَ اللِّعَانِ تَرَكَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا وَلَقَّنَهُمَا الْخَامِسَةَ (وَ) يُسَنُّ لَهُمَا (أَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ) لِيَرَاهُمَا النَّاسُ وَيَشْتَهِرُ أَمْرُهُمَا، فَيَقُومُ الرَّجُلُ عِنْدَ لِعَانِهِ وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةٌ، ثُمَّ تَقُومُ عِنْدَ، لِعَانِهَا وَيَقْعُدُ الرَّجُلُ، فَقَوْلُهُ: قَائِمَيْنِ حَالٌ مِنْ مَجْمُوعِهِمَا، لَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ عَنْ قِيَامٍ كَانَ أَوْضَحَ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لَاعَنَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجُلُوسِ كَمَا فِي الْأُمِّ (وَ) الْمُلَاعِنُ (شَرْطُهُ زَوْجٌ) فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ أَجْنَبِيٍّ وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِ الزَّوْجِ مَخْرَجًا مِنْ الْقَذْفِ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، فَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] : فَأَوْجَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَدَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ الزَّوْجَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ خَصَّ الزَّوْجَ بِدَفْعِ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَةَ فَبَقِيَ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاجُ الزَّوْجِ لِلْقَذْفِ لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَصِحُّ لِعَانُ غَيْرِ الزَّوْجِ فِي صُورَتَيْنِ: الْبَائِنِ لِنَفْيِ الْوَلَدِ، وَلِإِسْقَاطِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ فِي النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةٍ كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا وَلَاعَنَ لِنَفْيِ السَّبَبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّوْجِ مَنْ لَهُ عَلَقَةُ النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْقِيحِ، وَقَوْلُهُ (يَصِحُّ طَلَاقُهُ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُخْتَارًا صَادِقٌ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَالرَّشِيدِ وَالسَّفِيهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَحْدُودِ وَالْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا وَغَيْرِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ مِنْهُمَا عَلَى الْقَذْفِ تَأْدِيبًا تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِي الْجُمْلَةِ يَرُدُّ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، وَفَرَّعْنَا عَلَى انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ زَوْجٌ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ لِعَانُهُ (وَلَوْ ارْتَدَّ) زَوْجٌ (بَعْدَ وَطْءٍ) مِنْهُ لِزَوْجَتِهِ أَوْ اسْتِدْخَالِهَا مَنِيَّهُ (فَقَذَفَهَا) (وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ) لِدَوَامِ النِّكَاحِ (وَلَوْ لَاعَنَ) حَالَ الرِّدَّةِ (ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (صَحَّ) لِعَانُهُ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 69 أَوْ أَصَرَّ صَادَفَ بَيْنُونَةً.   [مغني المحتاج] لِعَانَةً (بَيْنُونَةً) لِتَبَيُّنِ انْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ بِالرِّدَّةِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ وَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ صَحَّ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُضَافٍ إلَى حَالِ النِّكَاحِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ، وَإِلَّا تَبَيَّنَا فَسَادَهُ، وَلَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ فِي الْأَصَحِّ، هَذَا إنْ قَذَفَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ، فَإِنْ كَانَ قَذَفَهَا فِي حَالِ الْإِسْلَامِ صَحَّ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ قَذَفَ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَإِنَّ لَهُ الْمُلَاعَنَةَ فُرُوعٌ: لَوْ امْتَنَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ اللِّعَانِ ثُمَّ طَلَبَهُ مُكِّنَ مِنْهُ، وَلَوْ قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ لَاعَنَ لَهُنَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ لَا يَتَدَاخَلُ، وَيَكُونُ اللِّعَانُ عَلَى تَرْتِيبِ قَذْفِهِنَّ، فَلَوْ أَتَى بِلِعَانٍ وَاحِدٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ سَمَّاهَا أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بَلْ أَشَارَ إلَيْهِنَّ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ رَضِينَ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ رَضِيَ الْمُدَّعُونَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَاعَنَ لَهُنَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَدٌّ عَلَى الْجَدِيدِ، ثُمَّ إنْ رَضِينَ بِتَقْدِيمِ وَاحِدَةٍ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَشَاحَحْنَ فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِوَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ بَدَأَ الْحَاكِمُ بِلِعَانِ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَاتِ يَصِلْنَ إلَى حَقِّهِنَّ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: رَجَوْتُ أَنْ لَا يَأْثَمَ، وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ تَفْضِيلَ بَعْضِهِنَّ، وَلَا يَتَكَرَّرُ الْحَدُّ بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ، وَلَوْ صَرَّحَ فِيهِ بِزِنًا آخَرَ لِاتِّحَادِ الْمَقْذُوفِ، وَالْحَدُّ الْوَاحِدُ يُظْهِرُ الْكَذِبَ وَيَدْفَعُ الْعَارَ فَلَا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ تَصْدِيقُهُ، لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ لِعَانٌ وَاحِدٌ يَذْكُرُ فِيهِ الزَّانِيَاتِ كُلِّهَا، وَكَذَا الزُّنَاةُ إنْ سَمَّاهُمْ فِي الْقَذْفِ بِأَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْت بِهِ هَذِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ وَفُلَانَةَ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي لِعَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهِمْ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَهُمْ، لَا إسْقَاطُهُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا بِطَلَبِهَا طَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهِ بِالْحَدِّ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَلَهُ اللِّعَانُ، وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجِيَّةِ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِ الرَّجُلِ فَقَطْ، وَلَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ فَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَذْفِهِ كَانَ لَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا لَا تَبَعًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ، وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَجْنَبِيَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ بِزَيْدٍ فَعَلَى الْحَاكِمِ إعْلَامُ زَيْدٍ بِذَلِكَ لِيُطَالِبَ بِحَقِّهِ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لَهُ عِنْدَهُ بِمَالٍ لَا يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيُعْلِمُهُ لِيَسْتَوْفِيَ إنْ شَاءَ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَمَنْ قَذَفَ شَخْصًا فَحُدَّ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا عُزِّرَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهُ فَعَفَا عَنْهُ ثُمَّ قَذَفَهُ ثَانِيًا أَنْ يُعَزَّرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ بِمَثَابَةِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالزَّوْجَةُ كَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْقَذْفَانِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ حَدًّا وَاحِدًا، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا بِالْأَوَّلِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ، فَإِنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِهِ تَعَدَّدَ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ مُوجِبِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 70 وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ تَنْبِيهٌ: وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا.   [مغني المحتاج] الْقَذْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَقَامَ بِأَحَدِ الزِّنَاءَيْنِ بَيِّنَةً سَقَطَ الْحَدَّانِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا وَبَدَأَتْ بِطَلَبِ حَدِّ قَذْفِ الزِّنَا الْأَوَّلِ حُدَّ لَهُ ثُمَّ لِلثَّانِي إنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ حَدُّهُ، وَإِنْ بَدَأَتْ بِالثَّانِي فَلَاعَنَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَبَانَهَا بِلَا لِعَانٍ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ، فَإِنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْقَذْفِ عُزِّرَ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ يَتَعَدَّدُ، فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْ حَدَّ الْقَذْفِ الْأَوَّلِ حَتَّى قَذَفَهَا، فَإِنْ لَاعَنَ لِلْأَوَّلِ عُزِّرَ لِلثَّانِي لِلْإِيذَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ حُدَّ حَدَّيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقَذْفَيْنِ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ شَرَعَ فِي أُمُورٍ مِنْ ثَمَرَاتِ اللِّعَانِ، فَقَالَ: (وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ) أَيْ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ الزَّوْجَةُ أَوْ كَانَ كَاذِبًا (فُرْقَةٌ) وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ لَوْ كَانَتْ، أَمَةً وَاشْتَرَاهَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ: لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» (وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ) فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ عَوْدُ النِّكَاحِ وَلَا رَفْعُ تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهُ وَقَدْ بَطَلَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَوْدِهِمَا، بِخِلَافِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا حَدُّهَا أَيْ الزَّوْجَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لَمْ أَرَهُ مُصَرِّحًا بِهِ لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ سُقُوطَهُ فِي ضِمْنِ تَعْلِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ. نَفْسَهُ فِي الْمَتْنِ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهَا أَيْضًا كَمَا جَوَّزَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» (وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ) أَيْ حَدِّ قَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ إنْ كَانَتْ، مُحْصَنَةً وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي عَنْهُ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعُقُوبَةِ بَدَلَ الْحَدِّ لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ (وَ) يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ أَيْضًا (وُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا) مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كَافِرَةً إنْ لَمْ تُلَاعِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 71 وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ مُمْكِنٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ لَمْ يَلْحَقْهُ وَلَهُ نَفْيُهُ مَيِّتًا، وَالنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَدِيدِ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ،   [مغني المحتاج] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ وَيَتَشَطَّرُ بِهِ الصَّدَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَيَسْتَبِيحُ نِكَاحَ أَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَمَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا عَلَى لِعَانِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ فَرْعٌ: لَوْ قَذَفَ زَوْجٌ زَوْجَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَهِيَ ثَيِّبٌ ثُمَّ لَاعَنَا وَلَمْ تُلَاعِنْ هِيَ جُلِدَتْ ثُمَّ رُجِمَتْ (وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ) أَيْ فِيهِ حَيْثُ كَانَ وَلَدٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» (وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ) الْمُلَاعِنُ (إلَى نَفْيِ) نَسَبِ وَلَدٍ (مُمْكِنٍ) كَوْنَهُ (مِنْهُ) وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ بَيَانُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ (بِأَنْ وَلَدَتْهُ) الْمُلَاعِنَةُ (لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) فَأَقَلَّ (مِنْ الْعَقْدِ) لِانْتِفَاءِ زَمَنِ الْوَطْءِ وَالْوَضْعِ (أَوْ) أَكْثَرُ مِنْهُمَا بِقَدْرِهِمَا وَأَكْثَرُ لَكِنَّهُ (طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ) امْرَأَةً (وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ) وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمَا وَوَطْءٌ وَحَمْلُ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ (لَمْ يَلْحَقْهُ) الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى انْتِفَائِهِ إلَى لِعَانٍ. تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ تَامًّا، فَإِنْ لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ وَمِنْ صُوَرِ التَّعَذُّرِ أَيْضًا مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَمْسُوحًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ قَالَ: كَأَنْ وَلَدَتْهُ بِالْكَافِ كَانَ أَوْلَى، وَيُمْكِنُ إحْبَالُ الصَّبِيِّ لِتِسْعِ سِنِينَ، وَيُشْتَرَطُ كَمَالُ التَّاسِعَةِ ثُمَّ يُلَاعِنُ حَتَّى يَثْبُتَ بُلُوغُهُ، فَإِنْ ادَّعَى الِاحْتِلَامَ وَلَوْ عَقِبَ إنْكَارِهِ لَهُ صُدِّقَ، وَخَرَجَ بِالْمَمْسُوحِ مَجْبُوبُ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إحْبَالُهُمَا. (وَلَهُ نَفْيُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مَيِّتًا) لِأَنَّ نَسَبَهُ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بَلْ يُقَالُ: مَاتَ وَلَدُ فُلَانٍ وَهَذَا قَبْرُ وَلَدِ فُلَانٍ فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ نَفْيِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ إسْقَاطُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ وَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ النَّفْيِ جَازَ لَهُ اسْتِلْحَاقُهُ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَيَسْتَحِقُّ إرْثَهُ، وَلَا نَظَرَ إلَى تُهْمَتِهِ بِذَلِكَ، وَلَوْ اسْتَلْحَقَهُ ثُمَّ نَفَاهُ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ جَزْمًا (وَالنَّفْيُ) لِنَسَبِ وَلَدٍ يَكُونُ (عَلَى الْفَوْرِ فِي) الْأَظْهَرِ (الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ مُحَقَّقٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشُّفْعَةِ، وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالثَّانِي لَهُ النَّفْيُ مَتَى شَاءَ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ هُنَا كَمَا فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيَذْكُرَ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ أَوْ الْحَمْلَ الْمَوْجُودَ لَيْسَ مِنِّي مَعَ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ (وَيُعْذَرُ) الْمُلَاعِنُ فِي تَأْخِيرِ النَّفْيِ عَلَى قَوْلِ الْفَوْرِ (لِعُذْرٍ) كَأَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا فَأَخَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ أَوْ كَانَ جَائِعًا فَأَكَلَ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 72 وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ، وَمَنْ أَخَّرَ وَقَالَ جَهِلْت الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيهَا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: مُتِّعْت بِوَلَدِك، أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَدًا صَالِحًا فَقَالَ آمِينَ أَوْ نَعَمْ تَعَذَّرَ نَفْيُهُ، وَإِنْ قَالَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَوْ بَارَكَ عَلَيْك فَلَا وَلَهُ اللِّعَانُ مَعَ إمْكَانِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا،   [مغني المحتاج] عَارِيًّا فَلَبِسَ، فَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ خَائِفًا ضَيَاعَ مَالٍ أَرْسَلَ إلَى الْقَاضِي لِيَبْعَثَ إلَيْهِ نَائِبًا يُلَاعِنُ عِنْدَهُ أَوْ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى النَّفْيِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ حَقُّهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ أَشْهَدَ إنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بَطَلَ حَقُّهُ، وَلِلْغَائِبِ النَّفْيُ عِنْدَ الْقَاضِي إنْ وَجَدَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَهُ مَعَ وُجُودِهِ التَّأْخِيرُ إلَى الرُّجُوعِ إنْ بَادَرَ إلَيْهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مَعَ الْإِشْهَادِ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ مِنْ النَّفْيِ فِي الْأَصَحِّ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ (وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ لَاعَنَ عَنْ الْحَمْلِ» (وَ) لَهُ أَيْضًا (انْتِظَارُ وَضْعِهِ) لِيُلَاعِنَ عَلَى يَقِينٍ، فَإِنَّ الْمُتَوَهَّمَ حَمْلًا قَدْ يَكُونُ رِيحًا فَيَنْفُشُ بِخِلَافِ انْتِظَارِ وَضْعِهِ لِرَجَاءِ مَوْتِهِ، كَأَنْ قَالَ: عَلِمْته وَلَدًا وَأَخَّرْت رَجَاءَ وَضْعِهِ لِيَنْزِلَ مَيِّتًا فَأُكْفَى اللِّعَانَ، فَإِنَّ حَقَّهُ يَبْطُلُ مِنْ الْمَنْفِيِّ لِتَفْرِيطِهِ مَعَ عِلْمِهِ (وَمَنْ أَخَّرَ) نَفْيَ نَسَبِ وَلَدٍ (وَقَالَ: جَهِلْت الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا) وَلَمْ يَسْتَفِضْ وَيَنْتَشِرْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُوَافِقُهُ، فَإِنْ اسْتَفَاضَ وَانْتَشَرَ لَمْ يُصَدَّقْ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَأَقَرَّاهُ (وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ) بِالْوِلَادَةِ (فِيهَا) كَأَنْ كَانَا فِي مَحَلَّتَيْنِ وَأَمْكَنَ الْخَفَاءُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، بِخِلَافِ الظَّاهِرِ (وَلَوْ) قَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ مَنْ أَخْبَرَنِي بِالْوِلَادَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ مَنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ: كَصَبِيٍّ وَفَاسِقٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَ (قِيلَ لَهُ) تَهْنِئَةٌ بِوَلَدٍ (مُتِّعْت بِوَلَدِك أَوْ جَعَلَهُ اللَّهُ لَك وَلَدًا صَالِحًا، فَقَالَ) مُجِيبًا لِلْقَائِلِ: (آمِينَ أَوْ نَعَمْ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا، كَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك (تَعَذَّرَ) عَلَيْهِ (نَفْيُهُ) وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِهِ نَعَمْ إنْ عُرِفَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ وَادَّعَى حَمْلَ التَّهْنِئَةِ وَالتَّأْمِينِ أَوْ نَحْوَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ نَفْيُهُ إلَّا إنْ كَانَ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَالَ: نَفَعَك اللَّهُ بِهَذَا الْوَلَدِ فَقَالَ: آمِينَ أَوْ نَحْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ لِمَا مَرَّ (وَ) إنْ أَجَابَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ كَأَنْ (قَالَ) لِلْقَائِلِ (جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، أَوْ بَارَكَ) اللَّهُ (عَلَيْك فَلَا) يَتَعَذَّرُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ مُكَافَأَةَ الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ النَّفْيِ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ زَالَ بِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْقَاضِي، أَوْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ يُعْذَرُ فِيهَا بِالتَّأْخِيرِ لِنَحْوِ لَيْلٍ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حَالَةٍ ثَالِثَةٍ، وَهِيَ التَّصْرِيحُ بِمَا يُشْعِرُ بِإِنْكَارِ الْوَلَدِ كَأَعُوذُ بِاَللَّهِ وَنَحْوِهِ لِظُهُورِهِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ تَتِمَّةٌ لَوْ قَالَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْوَلَدِ: لَمْ أَعْلَمْ جَوَازَ اللِّعَانِ أَوْ فَوْرِيَّتِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ صُدِّقَ كَنَظِيرِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُتْعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَقِيهًا (لَهُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 73 وَلَهَا لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا فَصْلٌ لَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ وَإِنْ عَفَتْ عَنْ الْحَدِّ وَزَالَ النِّكَاحُ، وَلِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ وَإِنْ زَالَ النِّكَاحُ، وَلَا وَلَدَ، وَلِتَعْزِيرِهِ، لَا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ لِكَذِبٍ كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ،   [مغني المحتاج] أَيْ الزَّوْجِ (اللِّعَانُ مَعَ إمْكَانِيَّةِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعَذُّرَ الْبَيِّنَةِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] . أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ صَدَّ عَنْهُ، أَوْ أَنَّ الْآيَةَ مُؤَوَّلَةٌ بِأَنْ لَمْ يَرْغَبْ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَلْيَأْتِ بِاللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] (وَ) يَجُوزُ (لَهَا) اللِّعَانُ فِي مُقَابَلَةِ لِعَانِ زَوْجِهَا (لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا) الْمُتَوَجِّهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهَا غَيْرُ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: لَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ صَادِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَالَ: إذَا لَاعَنَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ كَاذِبًا فَلَا يَحِلُّ لَهَا النُّكُولُ عَلَى اللِّعَانِ كَيْ لَا يَكُونَ عَوْنًا عَلَى جَلْدِهَا أَوْ رَجْمِهَا وَفَضِيحَةِ أَهْلِهَا، وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ أَثْبَتَ الزَّوْجُ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ امْتَنَعَ لِعَانُهَا، لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَيِّنَةِ أَقْوَى مِنْ حُجَّةِ اللِّعَانِ [فَصْلٌ فِي الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ اللِّعَانِ] ِ وَهُوَ نَفْيُ النَّسَبِ كَمَا قَالَ (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ) وَلَوْ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ (وَإِنْ عَفَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ (عَنْ الْحَدِّ) أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا (وَ) إنْ (زَالَ النِّكَاحُ) بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، لِأَنَّ نَفْيَ النَّسَبِ آكَدُ مِنْ دَرْءِ الْحَدِّ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ لَهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (وَ) لَهُ اللِّعَانُ أَيْضًا (لِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ) عَنْهُ (وَإِنْ زَالَ النِّكَاحُ وَلَا وَلَدَ) هُنَاكَ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَكِنْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ وَهُوَ أَقْعَدُ الْوُجُوبُ دَفْعًا لِلْحَدِّ وَالْفِسْقِ عَنْهُ، وَهَلْ وَجَبَ الْحَدُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُلَاعِنِ ثُمَّ سَقَطَ بِاللِّعَانِ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا؟ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَ) لَهُ اللِّعَانُ أَيْضًا (لِتَعْزِيرِهِ) أَيْ دَفْعِ تَعْزِيرِ الْقَذْفِ الْوَاجِبِ عَلَى الْقَاذِفِ كَقَذْفِ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ وَصَغِيرَةٍ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيُسَمَّى هَذَا تَعْزِيرَ تَكْذِيبٍ أَيْضًا، وَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ (لَا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ لِكَذِبٍ) مَعْلُومٍ (كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ) أَيْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ لَا يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِهِ، وَإِنْ بَلَغَتْ وَطَالَبَتْهُ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ فَلَمْ يَلْحَقْ بِهَا عَارٌ، بَلْ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا عَلَى الْكَذِبِ حَتَّى لَا يَعُودَ لِلْإِيذَاءِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ: زَنَى بِكِ مَمْسُوحٌ أَوْ ابْنُ شَهْرٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 74 وَلَوْ عَفَتْ عَنْ الْحَدِّ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَا وَلَدَ أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ أَوْ جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ فَلَا لِعَانَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ إنْ كَانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ فَإِنْ أَضَافَ   [مغني المحتاج] مَثَلًا، أَوْ قَالَ لِرَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ زَنَيْتِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْإِيذَاءِ وَلَا يُلَاعِنُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا صَرَّحَ بِالْفَرْجِ، فَإِنْ أَطْلَقَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ عَنْ دَعْوَاهَا عَنْ إرَادَتِهِ، فَإِنَّ وَطْأَهَا فِي الدُّبُرِ مُمْكِنٌ فَيَلْحَقُ الْعَارُ بِهَا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى جَوَابِهِ حُكْمُهُ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَذَفَهَا زِنًا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهَا أَنَّهُ يُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ تَعْزِيرِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَلَا مَعْنَى لَهُ، وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ فِيهِ لِلسَّبَبِ وَالْإِيذَاءِ، فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ بِقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ (وَلَوْ) قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَ (عَفَتْ عَنْ الْحَدِّ) أَوْ التَّعْزِيرِ (أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ) عَلَيْهِ (وَلَا وَلَدَ) وَلَا حَمْلَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ يَنْفِيه (أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الْحَدِّ) أَوْ التَّعْزِيرِ وَلَمْ تَعْفُ (أَوْ) قَذَفَهَا وَ (جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ) أَوْ قَذَفَهَا مَجْنُونَةً بِزِنًا مُضَافٍ لِلْإِفَاقَةِ وَلَا وَلَدَ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ السُّكُوتِ وَمَا بَعْدَهَا وَإِنْ أَوْهَمَ تَوَسُّطُ قَوْلِهِ وَلَا وَلَدَ بَيْنَ الْمَعْطُوفَاتِ خِلَافَهُ (فَلَا لِعَانَ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلِانْتِفَاءِ طَلَبِهِ فِي الْبَاقِي وَالثَّانِي: لَهُ اللِّعَانُ فِي ذَلِكَ لِغَرَضِ الْفُرْقَةِ الْمُؤَبَّدَةِ، وَالِانْتِقَامِ مِنْهَا بِإِيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا وَيَسْتَوْفِي مِنْ الْمَجْنُونَةِ بَعْدَ إفَاقَتِهَا إنْ لَمْ تُلَاعِنْ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَإِنَّ لَهُ اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُفْهِمُ تَسَاوِيَ الْكُلِّ فِي عَدَمِ اللِّعَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مُطْلَقٌ، وَفِيمَا عَدَاهَا مُقَيَّدٌ بِالنَّفْيِ فِي الْحَالِ خَاصَّةً، فَلَوْ طَالَبَتْ مَنْ سَكَتَتْ أَوْ الْمَجْنُونَةُ بَعْدَ كَمَالِهَا لَاعَنَ (وَلَوْ أَبَانَهَا) بِثَلَاثٍ أَوْ دُونَهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِبَانَتْ لَشَمِلَ مَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّةُ رَجْعِيَّةٍ أَوْ حَصَلَ انْفِسَاخٌ (أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا) فَإِنْ قَذَفَهَا (بِزِنًا مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى مَا) أَيْ زَمَنٍ (بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ إنْ كَانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ) بِحُكْمِ النِّكَاحِ يُرِيدُ نَفْيَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّفْيِ كَمَا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ بِلِعَانِهِ وَيَجِبُ بِهِ عَلَى الْبَائِنِ عُقُوبَةُ الزِّنَا حَيْثُ كَانَ مُضَافًا لِحَالَةِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ، وَيَسْقُطُ عَنْهَا بِلِعَانِهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ لَا لِعَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ حِينَئِذٍ فَيُحَدُّ بِهِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ لِلْحَمْلِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُعْتَمَدُ لِئَلَّا يَمُوتَ الزَّوْجُ فَيَفُوتَ مَقْصُودُهُ بِإِلْزَامِهِ التَّأْخِيرَ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ فِي الْمَيِّتَةِ لَمْ يُلَاعِنْ قَطْعًا، فَإِنْ شُقَّ جَوْفُهَا وَأُخْرِجَ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ، وَلَا دُفِنَتْ بِهِ فَأَوْلَى بِالْمَنْعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَأَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مَسْأَلَةَ الْمَوْتِ (فَإِنْ أَضَافَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 75 إلَى مَا قَبْلَ نِكَاحِهِ فَلَا لِعَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ لَهُ إنْشَاءُ قَذْفٍ وَيُلَاعِنُ، وَلَا يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ   [مغني المحتاج] زِنَاهَا (إلَى مَا) أَيْ زَمَنٍ (قَبْلَ نِكَاحِهِ) أَوْ إلَى مَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ (فَلَا لِعَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ) إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْقَذْفِ فَيُحَدُّ بِهِ كَقَذْفِ الْأَجْنَبِيَّةِ (وَكَذَا إنْ كَانَ) وَلَدٌ، فَلَا لِعَانَ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَقْصِيرِهِ بِذِكْرِ التَّارِيخِ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُحَرَّرِ وَقَالَ: إنَّهُ أَقْوَى وَالثَّانِي: لَهُ اللِّعَانُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ، وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِلْأَكْثَرِينَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ الْوَلَدَ مِنْ ذَلِكَ الزِّنَا فَيَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ، إذْ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُطْلِقَ الْقَذْفَ، أَوْ يُضِيفَهُ إلَى النِّكَاحِ (لَكِنْ لَهُ إنْشَاءُ قَذْفٍ) مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى حَالَةِ النِّكَاحِ (وَيُلَاعِنُ) لِنَفْيِ النَّسَبِ لِلضَّرُورَةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِلِعَانِهِ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ لَمْ يُنْشِئْ قَذْفًا حُدَّ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَضَافَ الزِّنَا إلَى نِكَاحِهِ، وَتَتَأَبَّدُ الْحُرْمَةُ بَعْدَ اللِّعَانِ (وَلَا يَصِحُّ) جَزْمًا مِنْ الْمُلَاعِنِ (نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ) وَهُمَا اسْمُ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَمَجْمُوعُهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ وُلِدَا مَعًا أَمْ مُتَعَاقِبَيْنِ وَبَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْتَمِعَ فِي الرَّحِمِ وَلَدَانِ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَنِيِّ انْسَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ قَبُولُ مَنِيٍّ آخَرَ، وَمَجِيءُ الْوَلَدَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَثْرِ مَادَّةِ الزَّرْعِ، فَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا وَاسْتَلْحَقَ الْآخَرَ، أَوْ سَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ مَعَ إمْكَانِهِ لَحِقَاهُ، وَلَوْ نَفَاهُمَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَ أَحَدَهُمَا أَوْ نَفَى أَوَّلَهُمَا بِاللِّعَانِ ثُمَّ وَلَدَتْ الثَّانِيَ فَسَكَتَ عَنْ نَفْيِهِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَهُ لَحِقَهُ الْأَوَّلُ مَعَ الثَّانِي وَلَمْ يَعْكِسْ لِقُوَّةِ اللُّحُوقِ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ بَعْدَ النَّفْيِ، وَلَا كَذَلِكَ النَّفْيُ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِغَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ بَعْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ، وَلَا يَنْتَفِي عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا بِالنَّفْيِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ وَضْعَيْ الْوَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَهُمَا حَمْلَانِ فَيَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِهِمَا، وَمَا وَقَعَ فِي الْوَسِيطِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُمَا تَوْأَمَانِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْعُلُوقَ لَا يُقَارِنُ أَوَّلَ الْمُدَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ خَاتِمَةٌ: فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ لَا يَنْتَفِي وَلَدُ الْأَمَةِ بِاللِّعَانِ، بَلْ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ مِنْ خَوَاصِّ النِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْهَا ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ النِّكَاحِ فَقَطْ فَلَهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ كَمَا لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالطَّلَاقِ، أَوْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ الْمِلْكِ فَقَطْ فَلَا يَنْفِيهِ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ يُنْفَى عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَلَا يَنْفِيه بِاللِّعَانِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ نَفْيِهِ بِدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ بِوَطْئِهِ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِمَّا قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ قَذَفْتُك فِي النِّكَاحِ فَلِي اللِّعَانُ فَقَالَتْ: بَلْ قَبْلَهُ فَلَا لِعَانَ وَعَلَيْك الْحَدُّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَاذِفُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِوَقْتِ الْقَذْفِ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَقَالَ: قَذَفْتُك قَبْلَهَا فَقَالَتْ: بَلْ بَعْدَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 76 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] إلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلَ النِّكَاحِ فَتُصَدَّقَ يَمِينُهَا، وَلَوْ قَالَ: قَذَفْتُك وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فَقَالَتْ: بَلْ وَأَنَا بَالِغَةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ قَذَفَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ كَأَنْ كَانَ ابْنَ عِشْرِينَ سَنَةً وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِينَ، وَلَوْ قَالَ: قَذَفْتُك وَأَنَا نَائِمٌ فَأَنْكَرَتْ نَوْمَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِبُعْدِهِ، أَوْ وَأَنْتِ مَجْنُونَةٌ، أَوْ رَقِيقَةٌ، أَوْ كَافِرَةٌ وَادَّعَتْ خِلَافَ ذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عُهِدَ لَهَا ذَلِكَ مَا مَرَّ، وَإِلَّا فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ، أَوْ وَأَنَا صَبِيٌّ فَقَالَتْ: بَلْ وَأَنْتَ بَالِغٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، أَوْ وَأَنَا مَجْنُونٌ فَقَالَتْ: بَلْ وَأَنْتَ عَاقِلٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عُهِدَ لَهُ جُنُونٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْفِرَاشِ اسْتِلْحَاقُ مَوْلُودٍ عَلَى فِرَاشٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ نُفِيَ عَنْهُ بِاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِلْحَاقِ بَاقٍ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْفِرَاشُ كَوَلَدِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ كَانَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ لِأَنَّهُ لَوْ نَازَعَهُ فِيهِ قَبْلَ النَّفْيِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَلَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَتْبَعْهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَقُسِمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ فِي نَسَبِهِ وَإِسْلَامِهِ وَوَرِثَهُ وَانْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُلَاعِنُ مَنْ نَفَاهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ بِحَالَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَتَغَيَّرَانِ بِحُدُوثِ عِتْقٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ إسْلَامٍ فِي الْقَاذِفِ أَوْ الْمَقْذُوفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 77 كِتَابُ الْعِدَدِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْعِدَدِ] ِ جَمْعُ عِدَّةٍ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعِدَدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْعِدَدِ مِنْ الْأَقْرَاءِ أَوْ الْأَشْهُرِ غَالِبًا، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِمُدَّةٍ تَتَرَبَّصُ فِيهَا الْمَرْأَةُ لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا أَوْ لِلتَّعَبُّدِ أَوْ لِتَفَجُّعِهَا عَلَى زَوْجِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ وَشُرِعَتْ صِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ وَتَحْصِينًا لَهَا مِنْ الِاخْتِلَاطِ رِعَايَةً لِحَقِّ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالنَّاكِحِ الثَّانِي، وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا التَّعَبُّدُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي بِقَرْءٍ وَاحِدٍ مَعَ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ بِهِ (عِدَّةُ النِّكَاحِ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (مُتَعَلِّقٌ بِفُرْقَةِ حَيٍّ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ) بِعَيْبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْفَسْخُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ، وَخَرَجَ بِعِدَّةِ النِّكَاحِ الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ وَطْءُ الشُّبْهَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَفْهُومَ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ لَا يَرِدُ (وَإِنَّمَا تَجِبُ) الْعِدَّةُ إذَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ الْمَذْكُورَةُ (بَعْدَ وَطْءٍ) فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ أَوْ فِي شُبْهَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا أَمْ حَرَامًا كَوَطْءِ حَائِضٍ وَمُحَرَّمَةٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي قُبُلٍ جَزْمًا أَوْ دُبُرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَاقِلًا أَمْ لَا، مُخْتَارًا أَمْ لَا، لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً أَمْ لَا بَالِغًا أَمْ لَا بِخِلَافِ فُرْقَةِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} [الأحزاب: 49] وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْوَطْءَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ بِكُلِّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ وَإِنْ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ كَمَا لَوْ زَنَى مُرَاهِقٌ بِبَالِغَةٍ أَوْ مَجْنُونٌ بِعَاقِلَةٍ أَوْ مُكْرَهٌ بِطَائِعَةٍ تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ مِنْ وَطْءِ الصَّبِيِّ تَهَيُّؤُهُ لِلْوَطْءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّغِيرَةِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَتَعْتَدُّ بِوَطْءِ خَصِيٍّ لَا الْمُزَوَّجَةُ مِنْ مَقْطُوعِ الذَّكَرِ وَلَوْ دُونَ الْأُنْثَيَيْنِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ لَكِنْ إنْ بَانَتْ حَامِلًا لَحِقَهُ الْوَلَدُ لِإِمْكَانِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَمْسُوحًا وَاعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ وَإِنْ نَفَاهُ، بِخِلَافِ الْمَمْسُوحِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا زَائِدًا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ أَوْ أَشَلَّ فَلَا كَالْمُبَانِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأُولَى إذَا كَانَ الزَّائِدُ عَلَى سُنَنِ الْأَصْلِيِّ وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 78 أَوْ اسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ، لَا بِخَلْوَةٍ فِي الْجَدِيدِ، وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقْرَاءٍ ثَلَاثَةٌ وَالْقَرْءُ: الطُّهْرُ فَإِنْ طَلُقَتْ طَاهِرًا انْقَضَتْ بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ،   [مغني المحتاج] الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا (أَوْ) الْفُرْقَةُ بَعْدَ (اسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعُلُوقِ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ، وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ: الْمَنِيُّ إذَا ضَرَبَهُ الْهَوَاءُ لَا يَنْعَقِدُ مِنْهُ الْوَلَدُ غَايَتُهُ ظَنٌّ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْإِمْكَانَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَنِيُّ مُحْتَرَمًا حَالَ الْإِنْزَالِ وَحَالَ الْإِدْخَالِ، حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِالِاسْتِدْخَالِ أَنْ يُوجَدَ الْإِنْزَالُ وَالِاسْتِدْخَالُ مَعًا فِي الزَّوْجِيَّةِ، فَلَوْ أَنْزَلَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاسْتَدْخَلَتْهُ أَوْ أَنْزَلَ وَهِيَ زَوْجَةٌ ثُمَّ أَبَانَهَا وَاسْتَدْخَلَتْهُ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ زِنًا كَمَا قَالُوا، أَمَّا مَاؤُهُ مِنْ الزِّنَا فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِدْخَالِهِ (وَ) تَجِبُ الْعِدَّةُ بِمَا ذُكِرَ، وَ (إنْ تَيَقَّنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ) كَمَا فِي الصَّغِيرِ، وَلَوْ كَانَ التَّيَقُّنُ بِالتَّعْلِيقِ: كَقَوْلِهِ: مَتَى تَيَقَّنْتِ بَرَاءَةَ رَحِمِكِ مِنْ مَنِيٍّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ مَعَ مَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَلِأَنَّ الْإِنْزَالَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعُلُوقُ لَمَّا كَانَ خَفِيًّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، وَلِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ أَعْرَضَ الشَّارِعُ عَنْهُ، وَاكْتَفَى بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ أَوْ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ كَمَا اكْتَفَى فِي التَّرَخُّصِ بِالسَّفَرِ وَأَعْرَضَ عَنْ الْمَشَقَّةِ، وَ (لَا) تَجِبُ الْعِدَّةُ (بِخَلْوَةٍ) مُجَرَّدَةٍ عَنْ وَطْءٍ (فِي الْجَدِيدِ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَالْقَدِيمُ: تُقَامُ مَقَامَ الْوَطْءِ (وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقْرَاءٍ) بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ (ثَلَاثَةً) مِنْ أَقْرَاءٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَلَوْ ظَنَّهَا الْوَاطِئُ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الِاحْتِيَاطِ لَا فِي التَّخْفِيفِ، وَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا الرِّقُّ لِالْتِحَاقِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتِرْقَاقِهَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَالثَّانِي: تَرْجِعُ إلَى عِدَّةِ أَمَةٍ تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً حَتَّى حَاضَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهَا (وَالْقَرْءُ) ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَتْحِ بِخَطِّهِ لِكَوْنِهِ اللُّغَةَ الْمَشْهُورَةَ، وَهُوَ لُغَةً مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَمِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الْحَيْضِ مَا فِي خَبَرِ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ «تَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ (الطُّهْرُ) كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ: وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيُصْرَفُ الْإِذْنُ إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ، وَقَدْ قُرِئَ " فَطَلِّقُوهُنَّ لِقَبْلِ عِدَّتِهِنَّ " وَقَبْلَ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ، وَلِأَنَّ الْقَرْءَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَمْعِ، يُقَالُ: قَرَأْت كَذَا فِي كَذَا إذَا جَمَعْته فِيهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ بِالطُّهْرِ أَحَقَّ مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ اجْتِمَاعُ الدَّمِ فِي الرَّحِمِ، وَالْحَيْضَ خُرُوجُهُ مِنْهُ، وَمَا وَافَقَ الِاشْتِقَاقَ كَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ وَقُرُوءٍ وَأَقْرُؤٍ (فَإِنْ طَلُقَتْ طَاهِرًا) وَبَقِيَ مِنْ زَمَنِ طُهْرِهَا شَيْءٌ (انْقَضَتْ) عِدَّتُهَا (بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ) لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ وَإِنْ قَلَّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ قَرْءٍ قَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ زَمَنِ الطُّهْرِ شَيْءٌ كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 79 أَوْ حَائِضًا فَفِي رَابِعَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ الطَّعْنِ وَهَلْ يُحْسَبُ طُهْرُ مَنْ لَمْ تَحِضْ قَرْءًا؟ قَوْلَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَرْءَ، انْتِقَالٌ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ، أَمْ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ، بِأَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ إلَيْهَا وَمُتَحَيِّرَةٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ،   [مغني المحتاج] آخِرَ طُهْرِكِ فَإِنَّمَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ (أَوْ) طَلُقَتْ (حَائِضًا فَفِي) أَيْ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ (رَابِعَةٍ) وَمَا بَقِيَ مِنْ حَيْضِهَا لَا يُحْسَبُ قَرْءًا جَزْمًا لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَخِيرَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ كَمَالُهُ بِالشُّرُوعِ فِي الْحَيْضَةِ الَّتِي بَعْدَهُ وَهِيَ الرَّابِعَةُ (وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ الطَّعْنِ) فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْأُولَى وَفِي الرَّابِعَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ نَفْسِ الْعِدَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ الِانْقِضَاءُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ لِئَلَّا تَزِيدَ الْعِدَّةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، فَإِنْ انْقَطَعَ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَعُدْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَيَّنَ عَدَمُ انْقِضَائِهَا تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ النِّفَاسِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ هُنَا أَيْضًا فِي الْحَالِ الثَّانِي فِي اجْتِمَاعِ عِدَّتَيْنِ (وَهَلْ يُحْسَبُ طُهْرُ مَنْ) طَلُقَتْ وَ (لَمْ تَحِضْ) أَصْلًا ثُمَّ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَشْهُرِ (قَرْءًا) أَوْ لَا (قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى) مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ (أَنَّ الْقَرْءَ: انْتِقَالٌ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ (أَمْ) هُوَ (طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ أَيْ مُكْتَنَفٍ (بِدَمَيْنِ) أَيْ دَمَيْ حَيْضٍ أَوْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ أَوْ دَمَيْ نِفَاسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَتُحْسَبُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ (وَالثَّانِي) مِنْ الْبِنَاءَيْنِ (أَظْهَرُ) فَكَذَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ عَدَمُ احْتِسَابِ مَا ذُكِرَ قَرْءًا تَنْبِيهٌ: قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ: الْقَرْءُ هُوَ الطُّهْرُ الْمُحْتَوَشُ الطُّهْرَ بِتَمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تُحْسَبُ قَرْءًا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ هَلْ يُعْتَبَرُ مِنْ الطُّهْرِ الْمُحْتَوَشِ شَيْءٌ أَمْ يَكْفِي الِانْتِقَالُ؟ (وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ) غَيْرِ مُتَحَيِّرَةٍ (بِأَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ) هِيَ (إلَيْهَا) مِنْ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْأَقَلِّ كَمَا عُرِفَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ (وَ) عِدَّةُ (مُتَحَيِّرَةٍ) لَمْ تَحْفَظْ قَدْرَ دَوْرِهَا وَلَوْ مُتَقَطِّعَةَ الدَّمِ مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا (بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحَالِ) لِاشْتِمَالِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَيُخَالِفُ الِاحْتِيَاطَ فِي الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا لَا تَعْظُمُ، وَلِأَنَّهَا مُرْتَابَةٌ فَدَخَلَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُدَّ قَرْءًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى طُهْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِهِلَالَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ لَمْ تُحْسَبْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنْ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنَّمَا حُسِبَ كُلُّ شَهْرٍ فِي حَقِّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 80 وَقِيلَ بَعْدَ الْيَأْسِ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ بِقُرْأَيْنِ، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ كَمَّلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بَيْنُونَةٍ فَأَمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَحُرَّةٍ لَمْ تَحِضْ   [مغني المحتاج] قَرْءًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ حَيْثُ يُكْمِلَانِ الْمُنْكَسِرَ كَمَا سَيَأْتِي، أَمَّا إذَا حَفِظَتْ الْأَدْوَارَ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَلَّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَكَذَا لَوْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ أَدْوَارِهَا وَلَكِنْ قَالَتْ: أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلًا بِالْأَكْثَرِ وَتَجْعَلُ السَّنَةَ دَوْرَهَا، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي بَابِ الْحَيْضِ (وَقِيلَ) تَعْتَدُّ الْمُتَحَيِّرَةُ بِمَا ذُكِرَ (بَعْدَ الْيَأْسِ) لِأَنَّهَا قَبْلَهُ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ، وَسَيَأْتِي وَقْتُ سَنِّهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِهَا أَمَّا الرَّجْعَةُ وَحَقُّ السُّكْنَى فَإِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ قَطْعًا (وَ) عِدَّةُ غَيْرِ حُرَّةٍ مِنْ (أُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ) وَمُدَبَّرَةٍ (وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ) وَهِيَ ذَاتُ أَقْرَاءٍ (بِقُرْأَيْنِ) بِفَتْحِ الْقَافِ سَوَاءٌ أَطَلُقَتْ أَمْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا كَمَّلَتْ الْقَرْءَ الثَّانِيَ لِتَعَذُّرِ تَبْعِيضِهِ كَمَا فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ، إذْ لَا يَظْهَرُ نِصْفُهُ إلَّا بِظُهُورِ كُلِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِظَارِ إلَى أَنْ يَعُودَ الدَّمُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ كَامِلَةِ الرِّقِّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَطَلُقَتْ أَمْ وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَمْ فِي شُبْهَةٍ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً لِغَيْرِهِ ظَنَّهَا أَمَتَهُ اعْتَدَّتْ بِقَرْءٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا مَمْلُوكَةٌ، وَالشُّبْهَةُ شُبْهَةُ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ اعْتَدَّتْ بِقُرْأَيْنِ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ، وَلِأَنَّ أَصْلَ الظَّنِّ يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ الْعِدَّةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ خُصُوصُهُ فِي خُصُوصِهَا، وَإِنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَمَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَحُكْمُهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَحَيِّرَةٍ بِقُرْأَيْنِ مِنْ أَقْرَائِهَا الْمَرْدُودَةِ إلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً، فَإِنْ طَلُقَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ فَبِشَهْرَيْنِ، أَوْ وَقَدْ بَقِيَ أَكْثَرُهُ فَبِبَاقِيهِ وَالثَّانِي أَوْ دُونَ أَكْثَرِهِ فَبِشَهْرَيْنِ بَعْدَ تِلْكَ الْبَقِيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ (وَإِنْ عَتَقَتْ) أَمَةٌ (فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ (كَمَّلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهَا عَتَقَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالثَّانِي: تُتِمُّ عِدَّةَ أَمَةٍ نَظَرًا لِوَقْتِ الْوُجُوبِ (أَوْ) عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ (بَيْنُونَةٍ فَأَمَةٍ) أَيْ تُكَمِّلُ عِدَّةَ أَمَةٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ لِقَطْعِ الْمِيرَاثِ وَسُقُوطِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا عَتَقَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالثَّانِي: تُتِمُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ اعْتِبَارًا بِوُجُودِ الْعِدَّةِ الْكَامِلَةِ قَبْلَ تَمَامِ النَّاقِصَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي عِدَّةٍ عَمَّا لَوْ عَتَقَتْ مَعَ الطَّلَاقِ بِأَنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا وَحُرِّيَّتَهَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَبِقَوْلِهِ " رَجْعَةٍ " عَمَّا لَوْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ فَإِنَّهَا تُكَمِّلُ عِدَّةَ الْإِمَاءِ (وَ) عِدَّةُ (حُرَّةٍ لَمْ تَحِضْ) أَصْلًا لِصِغَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 81 أَوْ يَئِسَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَبَعْدَهُ هِلَالَانِ وَتُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ، فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ، وَأَمَةٍ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، وَفِي قَوْلٍ شَهْرَانِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثَةٌ، وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعِلَّةٍ كَرَضَاعٍ وَمَرَضٍ تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَيْأَسَ فَبِالْأَشْهُرِ، أَوْ لَا لِعِلَّةٍ فَكَذَا فِي الْجَدِيدِ، وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ،   [مغني المحتاج] وَلَدَتْ وَرَأَتْ نِفَاسًا (أَوْ يَئِسَتْ) مِنْ الْحَيْضِ (بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) بِالْأَهِلَّةِ إنْ انْطَبَقَ الطَّلَاقُ عَلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ بِتَعْلِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] أَيْ فَعِدَّتُهُنَّ كَذَلِكَ فَحَذَفَ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) لَمْ يَنْطَبِقْ عَلَى أَوَّلِ شَهْرٍ بِأَنْ (طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ) وَلَوْ فِي أَثْنَاءِ أَوَّلِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْهُ (فَبَعْدَهُ هِلَالَانِ وَتُكَمِّلُ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا مِنْ شَهْرٍ رَابِعٍ، وَلَوْ نَقَصَ الْمُنْكَسِرُ عَنْ ثَلَاثِينَ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَنْ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْهُرِ تَنْكَسِرُ وَتَعْتَدُّ بِتِسْعِينَ يَوْمًا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ (فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا) أَيْ أَثْنَاءَ الْأَشْهُرِ (وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ) بِالْإِجْمَاعِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ تَيَمُّمِهِ، وَلَا يُحْسَبُ مَا مَضَى مِنْ الطُّهْرِ قَرْءًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْبِنَاءِ الْمَارِّ، وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَمَّا إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا حِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا عِنْدَ اعْتِدَادِهَا بِالْأَشْهُرِ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ (وَ) عِدَّةُ (أَمَةٍ) وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبَةً لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ (بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَنْقُصُ بِالرِّقِّ مِنْ الْأَعْدَادِ النَّصِيفُ وَالشَّهْرُ قَابِلٌ لَهُ بِخِلَافِ الْأَقْرَاءِ (وَفِي قَوْلٍ) عِدَّتُهَا (شَهْرَانِ) لِأَنَّهُمَا بَدَلٌ عَنْ الْقُرْأَيْنِ (وَ) فِي (قَوْلٍ) عِدَّتُهَا أَشْهُرٌ (ثَلَاثَةٌ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] وَلِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الرَّحِمِ إلَّا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، إذْ الْوَلَدُ يُخْلَقُ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ الْحَمْلُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ الْأَمَةُ لِلْحَيْضِ فَكَانْتِقَالِ الْحُرَّةِ فِيمَا مَرَّ (وَمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا) أَيْ دَمُ حَيْضِهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لِعِلَّةٍ) تُعْرَفُ (كَرَضَاعٍ وَمَرَضٍ تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ) فَتَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ (أَوْ تَيْأَسَ) أَيْ تَصِلَ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَأَقْصَاهُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً فَتَعْتَدُّ حِينَئِذٍ (بِالْأَشْهُرِ) وَلَا يُبَالِي بِطُولِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الْمُرْضِعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (أَوْ لَا) بِأَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لَا (لِعِلَّةٍ) تُعْرَفُ (فَكَذَا) تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ فَتَعْتَدَّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ تَيْأَسَ بِالْأَشْهُرِ (فِي الْجَدِيدِ) كَمَا لَوْ انْقَطَعَ لِعِلَّةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ إلَّا لِلَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَرْجُو عَوْدَ الدَّمِ فَأَشْبَهَتْ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَارِضٍ مَعْرُوفٍ (وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ) غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ (تِسْعَةَ أَشْهُرٍ) لِتَعْرِفَ فَرَاغَ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ، أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْكُثُ فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ عَابَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَقَالَ: كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 82 وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الْأَشْهُرِ وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ، أَوْ بَعْدَهَا فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا إنْ نُكِحَتْ فَلَا شَيْءَ وَإِلَّا فَالْأَقْرَاءُ، وَالْمُعْتَبَرُ يَأْسُ عَشِيرَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ: كُلُّ النِّسَاءِ قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] يَقْضِي بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ وَالْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ؟ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ الْقَدِيمِ: تَتَرَبَّصُ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ (أَرْبَعَ سِنِينَ) لِتَعْلَمَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ بِيَقِينٍ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ عَلَى الْقَدِيمِ: إنَّهَا تَتَرَبَّصُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَحَاصِلُ الْقَدِيمِ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ مُدَّةَ الْحَمْلِ، لَكِنْ غَالِبَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ (ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ) عَلَى كُلٍّ مِنْ أَقْوَالِ الْقَدِيمِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ (فَعَلَى الْجَدِيدِ) وَهُوَ التَّرَبُّصُ لِسِنِّ الْيَأْسِ (لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الْأَشْهُرِ وَجَبَتْ الْأَقْرَاءُ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ، وَيُحْسَبُ مَا مَضَى قَرْءًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ (أَوْ بَعْدَهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ (فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا إنْ نُكِحَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ (فَلَا شَيْءَ) يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَقْرَاءِ، وَصَحَّ النِّكَاحُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ بِهَا وَلِلشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَرَى الْمَاءَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صَلَاةٍ يَسْقُطُ قَضَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُنْكَحْ مِنْ غَيْرِهِ (فَالْأَقْرَاءُ) وَاجِبَةٌ فِي عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهَا لَيْسَتْ آيِسَةً وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ زَوْجٍ آخَرَ وَالثَّانِي: تَنْتَقِلُ إلَى الْأَقْرَاءِ مُطْلَقًا لِمَا ذُكِرَ وَالثَّالِثُ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا، كَمَا لَوْ حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ الْأَشْهُرِ، وَمَا ذُكِرَ عَلَى الْجَدِيدِ بَعْدَ الْيَأْسِ يَأْتِي مِثْلُهُ عَلَى الْقَدِيمِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ، غَيْرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ وُجُوهٌ، وَلَوْ حَاضَتْ الْآيِسَةُ الْمُنْتَقِلَةُ إلَى الْحَيْضِ قَرْءًا أَوْ قُرْأَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا اسْتَأْنَفَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، بِخِلَافِ ذَاتِ أَقْرَاءٍ أَيِسَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ فَصْلٍ " لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ " خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِئْنَافِ، وَعَلَيْهِ يُطْلَبُ الْفَرْقُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا كَانَ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى الْأَقْرَاءِ وَلَمْ تُتِمَّ رَجَعَتْ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَشْهُرُ فَكَانَتْ عِدَّتُهَا بِهَا فَلَا تُكَمِّلُ عَلَى الْأَقْرَاءِ، بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ الْمُنْتَقِلَةِ مِنْ حَيْضٍ إلَى أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ (وَالْمُعْتَبَرُ) فِي الْيَأْسِ عَلَى الْجَدِيدِ (يَأْسُ عَشِيرَتِهَا) أَيْ أَقَارِبِهَا مِنْ الْأَبَوَيْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِتَقَارُبِهِنَّ طَبْعًا وَخُلُقًا، وَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَيْهَا فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا اعْتَبَرُوا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ نِسَاءَ الْعَصَبَاتِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَهْرِ وَنَقْصَهُ لِنَفَاسَةِ النَّسَبِ وَخَسَاسَتِهِ، وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْآبَاءِ وَالنَّسَبِ إلَيْهِمْ، فَكَذَلِكَ اُعْتُبِرَ بِالْعَصَبَاتِ وَهُنَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالْجِبِلَّةِ فَاعْتُبِرَ الْجَانِبَانِ (وَفِي قَوْلٍ) يَأْسُ (كُلِّ النِّسَاءِ) لِلِاحْتِيَاطِ وَطَلَبًا لِلْيَقِينِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنَا خَبَرُهُ، لَا طَوْفِ نِسَاءِ الْعَالَمِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَعَلَيْهِ هَلْ الْمُرَادُ نِسَاءُ زَمَانِهَا أَوْ النِّسَاءُ مُطْلَقًا؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إيرَادُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٍ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ، وَكَلَامُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي الثَّانِيَ انْتَهَى، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي سِنِّ الْيَأْسِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 83 فَصْلٌ عِدَّةُ الْحَامِلِ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِ نِسْبَتِهِ إلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ وَانْفِصَالِ كُلِّهِ   [مغني المحتاج] أَشْهَرُهَا مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَقِيلَ سِتُّونَ، وَقِيلَ خَمْسُونَ، وَقِيلَ سَبْعُونَ، وَقِيلَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ، وَقِيلَ تِسْعُونَ، وَقِيلَ: غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ لَا تَحِيضُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ، وَلَا تَحِيضُ بَعْدَ السِّتِّينَ إلَّا قُرَشِيَّةٌ، وَلَوْ رَأَتْ امْرَأَةٌ الدَّمَ بَعْدَ سِنِّ الْيَأْسِ صَارَ أَعْلَى الْيَأْسِ آخِرَ مَا رَأَتْهُ فِيهِ، وَيَعْتَبِرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِهَا غَيْرُهَا فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَالُوهُ فِي سِنِّ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ دَمٍ قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ كُلًّا ثَبَتَ بِالِاسْتِقْرَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ فِي السِّنِّ اسْتِقْرَاءٌ تَامٌّ لِتَيَسُّرِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى خِلَافِهِ، بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلِهَذَا كَثُرَ الْخِلَافُ فِيهِ [فَصْلٌ الْعِدَّة بِوَضْعِ الْحَمْلِ] (فَصْلٌ) فِي الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ (عِدَّةُ الْحَامِلِ) مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ عَنْ فِرَاقِ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ (بِوَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَهُوَ مُخَصِّصٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوَضْعِ (بِشَرْطِ) إمْكَانِ (نِسْبَتِهِ إلَى ذِي) أَيْ صَاحِبِ (الْعِدَّةِ) زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ) لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي إمْكَانَ كَوْنِهِ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهِ، كَمَا إذَا مَاتَ صَبِيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ، أَوْ مَمْسُوحٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا تَعْتَدُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَتَتْ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ بِوَلَدٍ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَأَنْ وَضَعَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ لِأَكْثَرَ وَكَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَسَافَةٌ لَا تُقْطَعُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْفُرْقَةِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ بِوَضْعِهِ، لَكِنْ لَوْ ادَّعَتْ فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا، أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا، أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَأَمْكَنَ، فَهُوَ إنْ انْتَفَى عَنْهُ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهُ تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ نِكَاحُ وَوَطْءُ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالْحَمْلُ الْمَجْهُولُ قَالَ الرُّويَانِيُّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا، وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ، وَجُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ كَالزِّنَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ مِنْ شُبْهَةٍ تَجَنُّبًا عَنْ تَحَمُّلِ الْإِثْمِ، وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (وَ) بِشَرْطِ (انْفِصَالِ كُلِّهِ) أَيْ الْحَمْلِ فَلَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَنِينِ لِعَدَمِ تَمَامِ انْفِصَالِهِ وَلِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وُجُوبَ الْغُرَّةِ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحَقُّقُ وُجُودِهِ، وَوُجُوبُ الْقَوَدِ إذَا حَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ إذَا مَاتَ بَعْدَ صِيَاحِهِ، وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ ضَعْفُ مَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ تَثْبُتُ وَتَعْتِقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 84 حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ وَمَتَى تَخَلَّلَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ وَتَنْقَضِي بِمَيِّتٍ لَا عَلَقَةٍ، وَبِمُضْغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صُورَةٌ وَقُلْنَ: هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ انْقَضَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] بِانْفِصَالِ بَعْضِهِ فَإِنْ قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ وَضَعْت إلَّا عِنْدَ انْفِصَالِ كُلِّهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَضْعَ يَصْدُقُ بِالْكُلِّ وَالْبَعْضِ، ثُمَّ غَيَّا الْمُصَنِّفُ انْفِصَالَ كُلِّ الْحَمْلِ بِقَوْلِهِ (حَتَّى) انْفِصَالِ (ثَانِيَ تَوْأَمَيْنِ) تَثْنِيَةُ تَوْأَمٍ، وَهُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ فِي حَمْلٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ بَعْدَهُ قَبْلَ وَضْعِ الْبَاقِي لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، ثُمَّ بَيْنَ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا تَقْطَعُ الْوَلَدَ الثَّانِيَ عَنْ كَوْنِهِ تَوْأَمًا بِقَوْلِهِ (وَمَتَى تَخَلَّلَ) بَيْنَ وَضْعِهِمَا (دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ) أَيْ يُسَمَّيَانِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ، فَالثَّانِي حَمْلٌ آخَرُ فَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهُ حَمْلًا آخَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وَطْءٍ بَعْدَ وَضْعِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَضْعِ الْأَوَّلِ سَقَطَ مِنْهَا مَا يَسَعُ الْوَطْءَ فَيَكُونُ الْبَاقِي دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُ ذَلِكَ بِاسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ حَالَ وَضْعِ الْأَوَّلِ، وَتَقْيِيدُهُمْ بِالْوَطْءِ فِي قَوْلِهِمْ: تُعْتَبَرُ لَحْظَةٌ لِلْوَطْءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ الْوَطْءُ أَوْ اسْتِدْخَالُ الْمَنِيِّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ هُنَا، بَلْ قَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ الْوَطْءُ حَالَةَ الْوَضْعِ (وَتَنْقَضِي) الْعِدَّةُ (بِمَيِّتٍ) أَيْ بِوَضْعِ وَلَدٍ مَيِّتٍ كَالْحَيِّ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فَائِدَةٌ: وَقَعَ فِي الْإِفْتَاءِ أَنَّ الْوَلَدَ لَوْ مَاتَ فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ وَتَعَذَّرَ نُزُولُهُ هَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْأَشْهُرِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَوْ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا دَامَ فِي بَطْنِهَا؟ اخْتَلَفَتْ الْعَصْرِيُّونَ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ الثَّالِثُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] (لَا) بِوَضْعِ (عَلَقَةٍ) وَهِيَ مَنِيٌّ يَسْتَحِيلُ فِي الرَّحِمِ فَيَصِيرُ دَمًا غَلِيظًا، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِهَا لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى حَمْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ دَمٌ (وَ) تَنْقَضِي (بِمُضْغَةٍ) وَهِيَ الْعَلَقَةُ الْمُسْتَحِيلَةُ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ كَقَدْرِ مَا يُمْضَغُ (فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ) عَلَى غَيْرِ الْقَوَابِلِ (أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ) لِظُهُورِهَا عِنْدَهُنَّ كَمَا لَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً عِنْدَ غَيْرِهِنَّ أَيْضًا بِظُهُورِ يَدٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفُرٍ أَوْ غَيْرِهَا بِصَبِّ مَاءٍ حُلْوٍ أَوْ غَسْلِهِ فَظَهَرَتْ الصُّورَةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَبِمُضْغَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ كَمَا تَقَرَّرَ، لَا عَلَى الْمَنْفِيِّ، وَلِهَذَا أَعَادَ الْبَاءَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْمُضْغَةِ (صُورَةٌ) لَا ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ (وَ) لَكِنْ (قُلْنَ: هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ) وَلَوْ بَقِيَتْ لَتُصُوِّرَتْ (انْقَضَتْ) أَيْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِهَا (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ النُّصُوصِ، فَإِنَّهُ نَصَّ هُنَا عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهَا، وَعَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِيهَا الْغُرَّةُ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِيلَادُ، فَقِيلَ: قَوْلَانِ فِي الْجَمِيعِ، وَقِيلَ: بِتَقَرُّرِ النَّصَّيْنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَتْ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 85 وَلَوْ ظَهَرَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ حَمْلٌ لِلزَّوْجِ اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ، وَلَوْ ارْتَابَتْ فِيهَا لَمْ تَنْكِحْ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ، أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ نِكَاحٍ اسْتَمَرَّ إلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحٍ فَلْتَصْبِرْ لِتَزُولَ الرِّيبَةُ، فَإِنْ نَكَحَتْ   [مغني المحتاج] فِي الْغُرَّةِ، وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ إنَّمَا ثَبَتَتْ تَبَعًا لِلْوَلَدِ، وَهَذَا لَا يُسَمَّى وَلَدًا، وَلَوْ شَكَّتْ الْقَوَابِلُ فِي أَنَّهَا أَصْلُ آدَمِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ بِوَضْعِهَا قَطْعًا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ بِيَمِينِهَا فِي أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، سَوَاءٌ أَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِيهَا، وَلِأَنَّهَا تُصَدَّقُ فِي أَصْلِ السِّقْطِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ (وَلَوْ ظَهَرَ فِي) أَثْنَاءِ (عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ) أَثْنَاءِ عِدَّةِ (أَشْهُرٍ) أَوْ بَعْدَهُمَا كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (حَمْلٌ لِلزَّوْجِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " حَمْلٌ " لَا بِ " ظَهَرَ " (اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ) وَلَغَا مَا مَضَى مِنْ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ قَطْعًا بِخِلَافِهِمَا (وَلَوْ ارْتَابَتْ) أَيْ شَكَّتْ (فِيهَا) أَيْ الْعِدَّةِ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا الْحَمْلُ بِأَمَارَاتٍ، وَإِنَّمَا ارْتَابَتْ مِنْهُ بِثِقَلٍ وَحَرَكَةٍ تَجِدُهُمَا (لَمْ تَنْكِحْ) آخَرَ بَعْدَ تَمَامِهَا (حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ) بِمُرُورِ زَمَنٍ مَثَلًا تَزْعُمُ النِّسَاءُ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِيهِ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَإِنْ نَكَحَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْقِضَائِهَا فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الْبُطْلَانُ ظَاهِرًا، فَإِنْ بَانَ عَدَمُ الْحَمْلِ فَالْقِيَاسُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا. أُجِيبَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْأَبْضَاعِ، وَلِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ خُنْثَى ثُمَّ اتَّضَحَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ وَلِيًّا أَوْ شَاهِدًا كَمَا مَرَّ (أَوْ) ارْتَابَتْ (بَعْدَهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (وَبَعْدَ نِكَاحٍ) لِآخَرَ (اسْتَمَرَّ) نِكَاحُهَا لِحُكْمِنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا وَتَعَلُّقِ حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي (إلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ) وَقْتِ (عَقْدِهِ) فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهِ لِتَحَقُّقِ كَوْنِهَا حَامِلًا يَوْمَ الْعَقْدِ وَالْوَلَدُ لِلْأَوَّلِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي، وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لِلثَّانِي نَاجِزٌ فَهُوَ أَقْوَى، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ قَدْ صَحَّ ظَاهِرًا، فَلَوْ أَلْحَقْنَا الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ لَبَطَلَ النِّكَاحُ لِوُقُوعِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَالِهِ بِالِاحْتِمَالِ تَنْبِيهٌ: وَطْءُ الشُّبْهَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالنِّكَاحِ الثَّانِي، فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ لَحِقَ بِالْوَاطِئِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ عَنْهُ ظَاهِرًا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَوْ) ارْتَابَتْ (بَعْدَهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (قَبْلَ نِكَاحٍ) بِآخَرَ (فَلْتَصْبِرْ) عَنْ النِّكَاحِ (لِتَزُولَ الرِّيبَةُ) لِلِاحْتِيَاطِ وَفِي الْخَبَرِ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُوَيْنِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، فَالْأُولَى وَهِيَ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِهَا، وَفِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ وَيُكْرَهُ نِكَاحُ الْمُرْتَابَةِ (فَإِنْ نَكَحَتْ) آخَرَ قَبْلَ زَوَالِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 86 فَالْمَذْهَبُ عَدَمُ إبْطَالِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيه أَبْطَلْنَاهُ، وَلَوْ أَبَانَهَا فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ لَحِقَهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا.   [مغني المحتاج] (فَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (عَدَمُ إبْطَالِهِ) أَيْ النِّكَاحِ (فِي الْحَالِ) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا فَلَا نُبْطِلُهُ بِالشَّكِّ، بَلْ يُوقَفُ (فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيهِ) أَيْ الْبُطْلَانِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ (أَبْطَلْنَاهُ) أَيْ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَوَقْفِ الْعَقْدِ فِي الْقَدِيمِ فَإِنَّ ذَاكَ وَقْفٌ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهَهُنَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ لِمَعْنًى يَظْهَرُ فِي ثَانِي الْحَالِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي إبْطَالِهِ قَوْلَانِ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْتِفَاءِ الْمَانِعِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ عُلِمَ انْتِفَاؤُهُ، لَمْ نُبْطِلْهُ، وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِالثَّانِي. تَنْبِيهٌ: هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالنِّكَاحِ، بَلْ لَوْ رَاجَعَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ زَوَالِ الرِّيبَةِ وُقِفَتْ الرَّجْعَةُ، فَإِنْ بَانَ حَمْلٌ بَقِيَتْ الرَّجْعَةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ نُصَّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ، وَإِنْ جَرَى فِي النِّكَاحِ قَوْلَانِ (وَلَوْ أَبَانَهَا) بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْفِ حَمْلَهَا ثُمَّ اعْتَدَّتْ (فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ) فَأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بِغَيْرِهِ (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَرْبَعُ سِنِينَ، دَلِيلُهُ الِاسْتِقْرَاءُ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَارَتُنَا امْرَأَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ امْرَأَةُ صِدْقٍ وَزَوْجُهَا رَجُلُ صِدْقٍ حَمَلَتْ ثَلَاثَةَ أَبْطُنٍ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَحْمِلُ كُلَّ بَطْنٍ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقِيلَ: إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَفِي صِحَّتِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ مَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا مُشْكِلٌ مَعَ كَثْرَةِ الْفَسَادِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلَ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) وَلَدَتْ (لِأَكْثَرَ) مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ (فَلَا) يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ اللِّعَانِ. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَرَّرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُدَّةِ فِي هَذِهِ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ، لَا مِنْ الْإِبَانَةِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ حَيْثُ قَالَا: فِيمَا أَطْلَقُوهُ تَسَاهُلٌ، وَالْقَوِيمُ مَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ التَّمِيمِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَيْهِمْ بِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لِتَقَدُّمِ الْعُلُوقِ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْإِبَانَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ فِيهِ تَسَاهُلٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَقَعُ مَعَ الْإِنْزَالِ بِالتَّنْجِيزِ اتِّفَاقًا أَوْ بِالتَّعْلِيقِ، فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَصِحُّ مَا قَالُوهُ دُونَ مَا ذَكَرُوهُ، فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ لِمَا قَالُوهُ مَحْمَلًا صَحِيحًا وَكَذَا لِمَا قَالَهُ، وَهُوَ مَا عَدَا مَا فَرَضْنَاهُ فَلْيُنَزَّلْ كُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ الْمُطْلَقَتَيْنِ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِأَنَّهُ قَوِيمٌ أَيْ أَوْضَحُ مِمَّا قَالُوهُ، وَإِلَّا فَمَا قَالُوهُ صَحِيحٌ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ: لَيْسَ مُرَادُهُمْ بِالْأَرْبَعِ فِيهَا الْأَرْبَعَ مَعَ زَمَنِ وَطْءِ الْوَضْعِ الَّتِي هِيَ مُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، بَلْ مُرَادُهُمْ الْأَرْبَعُ بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 87 وَلَوْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا حُسِبَتْ الْمُدَّةُ مِنْ الطَّلَاقِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ انْصِرَامِ الْعِدَّةِ وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْ، وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةٍ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا فَوَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْأَوَّلِ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي   [مغني المحتاج] الْمَذْكُورَةُ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا يُورَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِهَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالطَّلَاقِ اهـ وَكُلٌّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ حَسَنٌ (وَلَوْ طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ (رَجْعِيًّا) فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَالْحُكْمُ كَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنْ وَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ لَحِقَهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا كَالْبَائِنِ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُ الْبَائِنَ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَ (حُسِبَتْ الْمُدَّةُ) وَهِيَ السِّنِينَ الْأَرْبَعُ (مِنْ الطَّلَاقِ) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ كَالْبَائِنِ فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فَكَذَا فِي أَمْرِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ نَتِيجَتُهُ (وَ) حُسِبَتْ (فِي قَوْلٍ مِنْ انْصِرَامِ) أَيْ فَرَاغِ (الْعِدَّةِ) لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالْمَنْكُوحَةِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ مِنْ لُحُوقِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالْإِرْثِ فَكَذَا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِدُونِ مَا تَقَرَّرَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْمُرَادِ، وَمُرَادُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَحَيْثُ حُكِمَ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ فَالْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةٌ إلَى الْوَضْعِ حَتَّى يَثْبُتَ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا إنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، وَعَلَيْهِ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ (وَلَوْ نَكَحَتْ) زَوْجًا آخَرَ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْعِدَّةِ) نِكَاحًا صَحِيحًا (فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ النِّكَاحِ الثَّانِي (فَكَأَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْ) أَصْلًا، وَحُكْمُ هَذَا الْوَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ إنْ وَضَعَتْهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ كَمَا مَرَّ لَحِقَ الْأَوَّلَ، أَوْ لِأَكْثَرَ لَمْ يَلْحَقْهُ، وَحَيْثُ لَحِقَهُ فَنِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلٌ لِجَرَيَانِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَلْحَقْهُ كَأَنْ كَانَ مَنْفِيًّا عَنْهُمَا وَقَدْ بَانَ أَنَّ الثَّانِيَ نَكَحَهَا حَامِلًا فَهَلْ يُحْكَمُ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ لَا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ زِنًا أَوْ أَنَّ الشُّبْهَةَ مِنْهُ؟ وَقَدْ جَرَى النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الصِّحَّةِ، الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الثَّانِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَمْلِ الْمَجْهُولِ بَلْ هُوَ حَمْلٌ مَجْهُولٌ فَيَأْتِي فِيهِ الْجَمْعُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ) وَضْعُهُ (لِسِتَّةٍ) مِنْ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا (فَالْوَلَدُ) وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ مَنْسُوبٌ (لِلثَّانِي) فَيَلْحَقُهُ لِأَنَّ فِرَاشَهُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ أَقْوَى لِصِحَّةِ نِكَاحِهِ ظَاهِرًا، وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهُ لِلْأَوَّلِ لَأَبْطَلْنَا مَا صَحَّ بِالِاحْتِمَالِ (وَلَوْ نَكَحَتْ) أَيْ الثَّانِيَ (فِي الْعِدَّةِ) الَّتِي لِلْأَوَّلِ (فَاسِدًا) بِأَنْ ظَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوْ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهَا بِأَنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَوَطِئَهَا (فَوَلَدَتْ) بَعْدَ ذَلِكَ (لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْأَوَّلِ) دُونَ الثَّانِي بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ الثَّانِي وَلِأَرْبَعِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِمَّا مَرَّ (لَحِقَهُ) أَيْ لَحِقَ الْوَلَدُ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ (وَانْقَضَتْ) عِدَّتُهُ (بِوَضْعِهِ ثُمَّ تَعْتَدُّ) ثَانِيًا (لِلثَّانِي) لِأَنَّ وَطْأَهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ، أَمَّا إذَا عَلِمَ بِفَسَادِهَا وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ زَانٍ تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ: وَلَوْ نَكَحَتْ فَاسِدًا كَأَنْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 88 أَوْ بَلْ إمْكَانٌ مِنْ الثَّانِي لَحِقَهُ أَوْ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى قَائِفٍ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا فَكَالْإِمْكَانِ مِنْهُ فَقَطْ فَصْلٌ لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ بِأَنْ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنْ الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ،   [مغني المحتاج] فِي الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا فَاسِدًا، وَقَدْ يَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ إذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ صَحِيحًا كَانَ مَحْكُومًا بِصِحَّتِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (أَوْ) وَلَدَتْ الْمَنْكُوحَةُ فِي الْعِدَّةِ (لِلْإِمْكَانِ مِنْ) الزَّوْجِ (الثَّانِي) دُونَ الْأَوَّلِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ الثَّانِي وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ إمْكَانِ الْعُلُوقِ قُبَيْلَ الْفِرَاقِ (لَحِقَهُ) أَيْ الثَّانِي لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ بَائِنًا، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَقَوْلَانِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ فِرَاشِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِهِ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ (أَوْ) وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ (مِنْهُمَا) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِدُونِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ (عُرِضَ) الْوَلَدُ حِينَئِذٍ (عَلَى الْقَائِفِ) وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الدَّعْوَى: مُسْلِمٌ عَدْلٌ مُجَرِّبٌ، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ حِينَئِذٍ (فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا) الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي (فَكَالْإِمْكَانِ) أَيْ حُكْمُهُ كَالْإِمْكَانِ (مِنْهُ فَقَطْ) وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: أَلْحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا عَمَّا إذَا أَلْحَقَهُ بِهِمَا أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا أَوْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ فَيُنْظَرُ بُلُوغُهُ وَانْتِسَابُهُ بِنَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مِنْ الْأَقْسَامِ عَدَمُ إمْكَانِ الْوَلَدِ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي وَلِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا تَتِمَّةٌ: لَوْ وَطِئَ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ بِشُبْهَةٍ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا قَائِفَ أَوْ هُنَاكَ قَائِفٌ وَتَعَذَّرَ إلْحَاقُهُ انْقَضَتْ بِوَضْعِهِ عِدَّةُ أَحَدِهِمَا وَبَقِيَ عَلَيْهَا الْأَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَمِنْ بَقِيَّةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْأَشْهُرِ، فَإِنْ مَضَتْ الْأُولَى قَبْلَ تَمَامِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهَا تَمَامُهَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ الْأَوَّلِ [فَصْلٌ فِي تَدَاخُل عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ] (فَصْلٌ) فِي تَدَاخُلِ عِدَّتَيْ الْمَرْأَةِ، إذَا (لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ) وَلَمْ يَخْتَلِفَا لِكَوْنِهِمَا (مِنْ جِنْسٍ) وَاحِدٍ (بِأَنْ طَلَّقَ) مَثَلًا (ثُمَّ وَطِئَ) وَلَمْ تَحْبَلْ (فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا) فِيمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا كَأَنْ نَسِيَ طَلَاقَهَا أَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأُخْرَى (أَوْ) وَطِئَ جَاهِلًا أَوْ (عَالِمًا) لَكِنْ (فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا) أَيْ الْعِدَّتَانِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ، فَإِنَّ وَطْءَ الْعَالِمِ بِهَا وَطْءُ زِنًا لَا حُرْمَةَ لَهُ، ثُمَّ أَشَارَ لِتَفْسِيرِ التَّدَاخُلِ بِقَوْلِهِ (فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً) بِأَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ (مِنْ) فَرَاغِ (الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 89 فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالْأُخْرَى أَقْرَاءً تَدَاخَلَتَا فِي الْأَصَحِّ، فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ، وَيُرَاجِعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا، أَوْ لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ، أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ فَلَا تَدَاخُلَ فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتُهُ   [مغني المحتاج] لِأَنَّ مَقْصُودَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ وَاحِدٌ فَلَا مَعْنَى لِلتَّعَدُّدِ، وَتَكُونُ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ وَاقِعَةً عَنْ الْجِهَتَيْنِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ دُونَ مَا بَعْدَهَا (فَإِنْ) لَمْ تَتَّفِقْ الْعِدَّتَانِ بِأَنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ (كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا) وُجِدَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ بِوَطْءٍ بَعْدَهُ (وَ) كَانَتْ (الْأُخْرَى أَقْرَاءً) بِأَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ الْوَضْعِ أَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْأَقْرَاءِ فَأَحْبَلَهَا (تَدَاخَلَتَا) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَتَا كَالْمُتَجَانِسَتَيْنِ (فَتَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ) وَهُوَ وَاقِعٌ عَنْ الْجِهَتَيْنِ، سَوَاءٌ أَرَأَتْ الدَّمَ مَعَ الْحَمْلِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ تُتِمَّ الْأَقْرَاءَ قَبْلَ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ إنَّمَا تَعْتَدُّ بِهَا إذَا كَانَتْ مَظِنَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ انْتَفَى هُنَا لِلْعِلْمِ بِاشْتِغَالِ الرَّحِمِ، وَمَا قَيَّدَ بِهِ الْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ أَوْ رَأَتْهُ وَتَمَّتْ الْأَقْرَاءُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَإِلَّا فَتَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ بِالْأَقْرَاءِ مَنَعَهُ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: وَكَأَنَّهُمْ اغْتَرُّوا بِظَاهِرِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلَيْ التَّدَاخُلِ وَعَدَمِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبَا الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَتَعْلِيلُهُ فِي الْكَبِيرِ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ الْحَمْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ التَّدَاخُلِ لَيْسَ إلَّا لِرِعَايَةِ صُورَةِ الْعِدَّتَيْنِ تَعَبُّدًا وَقَدْ حَصَلَتْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ (وَيُرَاجِعُ) الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَضْعِ، وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَإِنْ لَزِمَهَا عِدَّةٌ أُخْرَى وَالثَّانِي: لَا يَتَدَاخَلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَمَا لَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ ثَيِّبًا (وَقِيلَ: إنْ) كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَ (كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الْوَطْءِ) فِي أَثْنَاءِ الْأَقْرَاءِ (فَلَا) يُرَاجِعُ قَبْلَ وَضْعِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ قَدْ سَقَطَتْ بِالْوَطْءِ (أَوْ) لَزِمَهَا عِدَّتَانِ (لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ، أَوْ) فِي عِدَّةِ وَطْءِ (شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) وَالْوَاطِئُ غَيْرُ صَاحِبِ الْعِدَّةِ (أَوْ) وُطِئَتْ فِي (نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطَلُقَتْ) بَعْدَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (فَلَا تَدَاخُلَ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَلِتَعَدُّدِ الْمُسْتَحِقِّ، كَمَا فِي الدِّيَتَيْنِ (فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتُهُ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ سَبَبُهُ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْحَمْلِ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُطَلِّقِ ثُمَّ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْحَمْلِ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلشُّبْهَةِ بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ النِّفَاسِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ الْوَضْعِ إلَّا وَقْتَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَأَقَرَّاهُ فَلَا يُرَاجِعُهَا فِيهِ لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ عَنْ عِدَّتِهِ بِكَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَتَمَّتْ بَقِيَّةَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ اسْتَأْنَفَتْهَا بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَهُ رَجْعَتُهَا فِي تِلْكَ الْبَقِيَّةِ بَعْدَ الْوَضْعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 90 وَإِلَّا فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ الْأُخْرَى، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ فَإِذَا رَاجَعَ انْقَضَتْ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا، وَإِنْ سَبَقَتْ الشُّبْهَةُ قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَقِيلَ الشُّبْهَةِ   [مغني المحتاج] وَلَوْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ كَالْحَيْضِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ: كَذَا عَلَّلَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَفِي كَوْنِ مُدَّةِ النِّفَاسِ وَالْحَمْلِ مِنْ جُمْلَةِ الْعِدَّةِ تَجَوُّزٌ، وَهَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ الْوَضْعِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، وَأَصَحُّهُمَا كَمَا صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْآنَ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ فَهِيَ رَجْعَةٌ حُكْمًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ التَّوَارُثُ قَطْعًا، وَهَلْ لَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؟ وَجْهَانِ أَيْضًا أَصَحُّهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَنْعُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ التَّجْدِيدَ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ وَالرَّجْعَةَ شَبِيهَةٌ بِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ، وَإِذَا رَاجَعَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَلَيْسَ لَهُ التَّمَتُّعُ بِهَا حَتَّى تَضَعَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَنْبِيهٌ: لَوْ اشْتَبَهَ الْحَمْلُ فَلَمْ يُدْرَ أَمِنْ الزَّوْجِ هُوَ أَمْ مِنْ الشُّبْهَةِ جُدِّدَ النِّكَاحُ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ وَبَعْدَهُ بِأَنْ يُجَدِّدَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً قَبْلَ الْوَضْعِ وَمَرَّةً بَعْدَهُ لِيُصَادِفَ التَّجْدِيدُ عِدَّتَهُ يَقِينًا، فَلَا يَكْفِي تَجْدِيدُهُ مَرَّةً لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي عِدَّةِ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَانَ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي عِدَّتِهِ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ، وَلِلْحَامِلِ الْمُشْتَبَهِ حَمْلُهَا نَفَقَةُ مُدَّةِ الْحَمْلِ عَلَى زَوْجِهَا إنْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ الْوَلَدَ بِهِ مَا لَمْ تَصِرْ فِرَاشًا لِغَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا لِنُشُوزِهَا، وَلَيْسَ لَهَا مُطَالَبَتُهُ قَبْلَ اللُّحُوقِ، إذْ النَّفَقَةُ لَا تَلْزَمُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِهِ الْقَائِفُ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَا لِلرَّجْعِيَّةِ مُدَّةَ كَوْنِهَا فِرَاشًا لِلْوَاطِئِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ (فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ) وَطْأَهَا بِشُبْهَةٍ (أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ) لِتَقَدُّمِهَا وَقُوَّتِهَا لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى عَقْدٍ جَائِزٍ وَسَبَبٍ مُسَوِّغٍ (ثُمَّ اسْتَأْنَفَتْ) عَقِبَ فَرَاغِهَا مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْعِدَّةَ (الْأُخْرَى) وَهِيَ عِدَّةُ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ (الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَتَجْدِيدُ النِّكَاحِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهَا فِي عِدَّةِ طَلَاقِهِ، وَيَأْتِي فِي وَقْتِ الْوَطْءِ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيِّ (فَإِذَا رَاجَعَ) فِيهَا أَوْ جَدَّدَ (انْقَضَتْ) عِدَّتُهُ (وَشَرَعَتْ) حِينَئِذٍ (فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَ) مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا (لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا) الزَّوْجُ بِوَطْءٍ جَزْمًا، وَبِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّةُ الشُّبْهَةِ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِوَطْئِهِ كَالزِّنَا (حَتَّى تَقْضِيَهَا، وَإِنْ سَبَقَتْ الشُّبْهَةُ) طَلَاقَهَا بِأَنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَلُقَتْ (قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ) فِي الْأَصَحِّ لِقُوَّتِهَا كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ) قُدِّمَتْ عِدَّةُ (الشُّبْهَةِ) لِسَبْقِهَا ثُمَّ تَعْتَدُّ عَنْ الطَّلَاقِ تَتِمَّةٌ: لَوْ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ شُبْهَةٍ وَلَا حَمْلَ قُدِّمَتْ الْأُولَى لِتَقَدُّمِهَا، وَلَوْ نَكَحَ شَخْصٌ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا ثُمَّ وَطِئَهَا شَخْصٌ آخَرُ بِشُبْهَةٍ قَبْلَ وَطْئِهِ أَوْ بَعْدَهُ، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قُدِّمَتْ عِدَّةُ الْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ لِتَوَقُّفِ عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى التَّفْرِيقِ بِخِلَافِ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ، وَلَيْسَ لِلْفَاسِدِ قُوَّةُ الصَّحِيحِ حَتَّى يُرَجَّحَ بِهَا، وَلَوْ نَكَحَتْ فَاسِدًا بَعْدَ مُضِيِّ قُرْأَيْنِ وَلَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 91 فَصْلٌ عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ   [مغني المحتاج] يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا إلَى مُضِيِّ سِنِّ الْيَأْسِ أَتَمَّتْ الْعِدَّةَ الْأُولَى بِشَهْرٍ بَدَلًا عَنْ الْقَرْءِ الْبَاقِي، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ الْمَوْعُودُ بِهِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلْفَاسِدِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَمْلٌ فَعِدَّةُ صَاحِبِهِ مُقَدَّمَةٌ مُطْلَقًا تَقَدَّمَ الْحَمْلُ أَوْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهُ لَا تَقْبَلُ التَّأْخِيرَ كَمَا مَرَّ، وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْوَاطِئَيْنِ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ فِي عِدَّتِهِ دُونَ عِدَّةِ الْآخَرِ وَلَوْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً مُعْتَدَّةً مِنْ حَرْبِيٍّ آخَرَ وَوَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَهُ أَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ كَفَاهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ وَقْتِ وَطْئِهِ لِضَعْفِ حُقُوقِهِمْ وَعَدَمِ احْتِرَامِ مَائِهِمْ فَيُرَاعَى أَصْلُ الْعِدَّةِ، وَيُجْعَلُ جَمِيعُهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ جَمْعٌ وَرَجَّحَهُ آخَرُونَ وَرَجَّحَ آخَرُونَ خِلَافَهُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَسْقُطُ بَقِيَّةِ الْعِدَّةِ الْأُولَى فَلَا رَجْعَةَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَسْلَمَ، وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا فِيهَا لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ تَكْفِهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتَعْتَدُّ لِلثَّانِي بَعْدَ الْوَضْعِ، وَإِنْ حَمَلَتْ مِنْ الثَّانِي كَفَاهَا وَضْعُ الْحَمْلِ وَتَسْقُطُ بَقِيَّةُ الْأُولَى، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الثَّانِي مَعَهَا وَلَمْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا بَعْدَ دُخُولِهِمَا بِأَمَانٍ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ وَاسْتَأْنَفَتْ عِدَّةً لِلثَّانِي، لِأَنَّ الْعِدَّةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ هُنَا أَقْوَى حَتَّى تَسْقُطَ بَقِيَّةُ الْأُولَى أَوْ تَدْخُلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ مَعَهَا أَوْ دُونَهَا [فَصْلٌ مُعَاشَرَة الْمُطَلَّقِ الْمُعْتَدَّةِ] (فَصْلٌ) فِي مُعَاشَرَةِ الْمُطَلِّقِ الْمُعْتَدَّةَ، إذَا (عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ) بِخَلْوَةٍ وَلَوْ بِدُخُولِ دَارٍ هِيَ فِيهَا وَنَوْمٍ وَلَوْ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ وَأَكْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (بِلَا وَطْءٍ) لَهَا (فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ، فَأَوْجُهٌ أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ) عِدَّتُهَا بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَتَهَا مُحَرَّمَةٌ بِلَا شُبْهَةٍ فَأَشْبَهَتْ الْمَزْنِيَّ بِهَا فَلَا أَثَرَ لِلْمُخَالَطَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً (فَلَا) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ وَهُوَ بِالْمُخَالَطَةِ مُسْتَفْرِشٌ فَلَا يُحْسَبُ زَمَنُ الِافْتِرَاشِ مِنْ الْعِدَّةِ كَمَا لَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ فِي الْعِدَّةِ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْحَالِ لَا يُحْسَبُ زَمَنُ افْتِرَاشِهِ مِنْ الْعِدَّةِ، وَلَا يَضُرُّ دُخُولُ دَارٍ هِيَ فِيهَا بِلَا خَلْوَةٍ وَالثَّانِي: لَا تَنْقَضِي مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا بِالْمُعَاشَرَةِ كَالزَّوْجَةِ وَالثَّالِثُ: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لَا تُوجِبُ عِدَّةً تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِنَفْيِ الْوَطْءِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِالْوَطْءِ (وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ) وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ بِهَا الْعِدَّةُ احْتِيَاطًا، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 92 قُلْت: وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ انْقَضَتْ وَاَللَّه أَعْلَمُ وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ مِنْ حِينِ وَطِئَ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ تَبْنِي إنْ لَمْ يَطَأْ،   [مغني المحتاج] فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْمُعْتَبِرِينَ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ: وَقَدْ صَارَ فُقَهَاءُ الْعَصْرِ وَقُضَاتُهُ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا يُفْتَى وَيُحْكَمُ إلَّا بِهِ، فَاعْتَمِدْ مَا حَقَّقْتُهُ لَك تَرْشُدْ إنْ شَاءَ اللَّهُ اهـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: وَيَلْحَقُهَا) حَيْثُ حُكِمَ بِعَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمَا ذُكِرَ (الطَّلَاقُ) أَيْ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً فَقَطْ (إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ أَيْ فَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا صَحَّحَ مِنْ مَنْعِ الرَّجْعَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا وَطْءٍ مَا إذَا وَطِئَ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَمْ يَمْنَعْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ زِنًا لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا امْتَنَعَ الْمُضِيُّ فِي الْعِدَّةِ مَا دَامَ يَطَؤُهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ عَنْ الْحَمْلِ، فَإِنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَا تَمْنَعُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِهِ بِحَالٍ (وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ) بِلَا وَطْءٍ (انْقَضَتْ) عِدَّتُهَا مَعَ مُعَاشَرَتِهِ لَهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَإِنْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِلَا شُبْهَةٍ فَهُوَ زَانٍ، أَوْ بِهَا فَهُوَ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ عَاشَرَهَا بِشُبْهَةٍ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَ الِاحْتِسَابَ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا فِي زَمَنِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ خَارِجَةٌ عَنْ الْعِدَّةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ وَعَاشَرَهَا سَيِّدُهَا، فَإِنَّ فِيهِ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ حَتَّى لَا تَنْقَضِيَ فِي الرَّجْعِيَّةِ فَرْعٌ: لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ظَانًّا انْقِضَاءَهَا وَتَحَلُّلَهَا بِزَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ كَالرَّجْعِيَّةِ (وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ) لِنِكَاحِهَا (وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ) عِدَّتُهَا بِالْوَطْءِ لِحُصُولِ الْفِرَاشِ بِهِ، وَتَنْقَطِعُ الْعِدَّةُ (مِنْ حِينِ وَطِئَ) لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَلَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا إلَّا بِالْوَطْءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَأْ، فَإِنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَطِعُ وَإِنْ عَاشَرَهَا لِانْتِفَاءِ الْفِرَاشِ (وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ) لِإِعْرَاضِهَا عَنْ الْأَوَّلِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ تَنْبِيهٌ: تَرَدُّدُهُ فِي الْخِلَافِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحَيْنِ كَوْنَهُ وَجْهًا وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ لِذِكْرِهَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ سَابِقًا، وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا ذُكِرَتْ هُنَا لِبَيَانِ وَقْتِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَهُنَاكَ لِتَصْوِيرِ عِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ (وَلَوْ رَاجَعَ) فِي الْعِدَّةِ (حَائِلًا) وَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا أَمْ لَا (ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ) عِدَّةً فِي الْجَدِيدِ لِعَوْدِهَا بِالرَّجْعَةِ إلَى النِّكَاحِ الَّذِي وُطِئَتْ فِيهِ (وَفِي الْقَدِيمِ) لَا تَسْتَأْنِفُ بَلْ (تَبْنِي) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِدَّتِهَا قَبْلَ الرَّجْعَةِ (إنْ لَمْ يَطَأْ) هَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ كَمَا لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 93 أَوْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا عِدَّةَ وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةَ   [مغني المحتاج] أَنْ يَمَسَّهَا، وَاحْتَرَزَ بِ " رَاجَعَ " عَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً قَبْلَ مُرَاجَعَتِهَا، فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا طَلَاقَانِ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا وَطْءٌ وَلَا رَجْعَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ مَعًا. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ فِي حِكَايَةِ الْبِنَاءِ قَوْلًا قَدِيمًا لِلرَّوْضَةِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ (أَوْ) رَاجَعَ فِي الْعِدَّةِ (حَامِلًا) ثُمَّ طَلَّقَهَا (فَبِالْوَضْعِ) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَطِئَهَا بَعْدَ رَجْعَتِهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ إلَى الْوَضْعِ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِدَّةً مُسْتَقِلَّةً (فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ) هَا (بَعْدَ الْوَضْعِ) أَوْ قَبْلَهُ (فَلَا عِدَّةَ) عَلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْوَضْعِ وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِبُعْدِ الْوَضْعِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ حَذْفَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته (وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً) لَهُ (ثُمَّ نَكَحَهَا) فِي أَثْنَاءِ عِدَّتِهِ (ثُمَّ) مَاتَ أَوْ (وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ) أَوْ خَالَعَ ثَانِيًا (اسْتَأْنَفَتْ) عِدَّةً لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ (وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ) مِنْ عِدَّتِهَا السَّابِقَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّهُمَا لِوَاحِدٍ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ صِحَّةَ نِكَاحِ الْمُخْتَلِعَةِ فِي عِدَّتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّ النِّكَاحَ يَقْطَعُ الْعِدَّةَ الْأُولَى وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَطِئَ عَمَّا لَوْ طَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا تَبْنِي عَلَى الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَلَا عِدَّةَ لِهَذَا الطَّلَاقِ وَعَلَيْهِ فِيهِ نِصْفُ الْمَهْرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ فِي نِكَاحٍ جَدِيدٍ طَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ الْوَطْءِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عِدَّةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الرَّجْعِيَّةِ، وَاعْتُرِضَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةُ " بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عِدَّةٌ بَعْدَ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْفَارِقِيُّ بِهَذَا عَلَى عِبَارَةِ الْمُهَذَّبِ تَتِمَّةٌ: لَوْ أَحْبَلَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا هَلْ تَنْقَضِي عِدَّةُ الشُّبْهَةِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْأُولَى وَعِدَّةِ الطَّلَاقِ فِي الثَّانِيَةِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا انْقَطَعَتْ الْعِدَّةُ فِي الْحَالِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَحَلَّتْ لَهُ وَتَبْقَى بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ مِلْكُهُ، فَحِينَئِذٍ تَقْضِيهَا حَتَّى لَوْ بَاعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ بَقِيَّةُ الْعِدَّةِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ [فَصْلٌ فِي عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْحَائِلِ لِوَفَاةِ] ثُمَّ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِلضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيْ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِفُرْقَةِ مَيِّتٍ وَيَذْكُرُ مَعَهُ الْمَفْقُودَ وَالْإِحْدَادَ بِفَصْلٍ فَقَالَ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 94 فَصْلٌ عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَأَمَةٍ نِصْفُهَا وَإِنْ مَاتَ عَنْ رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى وَفَاةٍ أَوْ بَائِنٍ فَلَا،   [مغني المحتاج] (فَصْلٌ) (عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ) أَوْ حَامِلٍ بِحَمْلٍ لَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ (لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ) أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ زَوْجَةَ صَبِيٍّ أَوْ مَمْسُوحٍ (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] إلَى {وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ مِنْ الْحَرَائِرِ لِمَا سَيَأْتِي، وَعَلَى الْحَائِلَاتِ بِقَرِينَةِ الْآيَةِ الْآتِيَةِ، وَكَالْحَائِلَاتِ الْحَامِلَةُ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى مُتَقَدِّمَةٌ وَهَذِهِ مُتَأَخِّرَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ فِي التِّلَاوَةِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ، وَتُعْتَبَرُ الْأَشْهُرُ بِالْأَهِلَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَيُكَمَّلُ الْمُنْكَسِرُ بِالْعَدَدِ كَنَظَائِرِهِ، فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهَا الْأَهِلَّةُ كَالْمَحْبُوسَةِ اعْتَدَّتْ بِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا الْوَطْءُ كَمَا فِي عِدَّةِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ فُرْقَةَ الْوَفَاةِ لَا إسَاءَةَ فِيهَا مِنْ الزَّوْجِ فَأُمِرَتْ بِالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ وَإِظْهَارِ الْحُزْنِ بِفِرَاقِهِ، وَلِهَذَا وَجَبَ الْإِحْدَادُ كَمَا سَيَأْتِي، وَلِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ الدُّخُولَ وَلَا مُنَازِعَ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْأَعْظَمَ حِفْظُ حَقِّ الزَّوْجِ دُونَ مَعْرِفَةِ الْبَرَاءَةِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَتْ بِالْأَشْهُرِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَالَ: بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ وَالْأَصَمَّ قَالَا: تَعْتَدُّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرِ لَيَالٍ وَتِسْعَةِ أَيَّامٍ قَالَا: لِأَنَّ الْعَشْرَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ صِيغَةَ التَّأْنِيثِ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً، فَيَقُولُونَ: سِرْنَا عَشْرًا، وَيُرِيدُونَ بِهِ اللَّيَالِيَ وَالْأَيَّامَ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مَعَ فَجْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ آخِرُ الشَّهْرِ لَا تَكْفِي مَعَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْهِلَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي، وَيُحْمَلُ الْعَشْرُ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ جَازَ إثْبَاتُ التَّاءِ وَحَذْفُهَا (وَ) عِدَّةُ (أَمَةٍ) أَوْ حَامِلٍ بِمَنْ لَا يَلْحَقُ صَاحِبَ الْعِدَّةِ (نِصْفُهَا) أَيْ الْمَدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرَّةِ، وَهُوَ مُمْكِنُ الْقِسْمَةِ كَمَا فِي الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ، وَيَأْتِي فِي الِانْكِسَارِ وَالْخَفَاءِ مَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ الْمُبَعَّضَةِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهَا كَالْقِنَّةِ، وَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ مَعَ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ كَحُرَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَإِنْ مَاتَ عَنْ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى) عِدَّةِ (وَفَاةٍ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، فَتَلْغُو أَحْكَامُ الرَّجْعَةِ، وَسَقَطَتْ بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ مِنْ إحْدَادٍ وَغَيْرِهِ (أَوْ) مَاتَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ (بَائِنٍ) (فَلَا) تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 95 وَحَامِلٍ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ عَنْ حَامِلٍ فَبِالْأَشْهُرِ، وَكَذَا مَمْسُوحٌ إذْ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَلْحَقُ مَجْبُوبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ بِهِ، وَكَذَا مَسْلُولٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ   [مغني المحتاج] وَفَاةٍ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتُكَمِّلُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَلَا تُحِدُّ، وَلَهَا النَّفَقَةُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَذَكَرَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا هُنَا وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ لَا يَلْزَمَانِ أُمَّ الْوَلَدِ وَفَاسِدَةَ النِّكَاحِ وَالْمَوْطُوءَةَ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا الْبَائِنَ بِمَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَإِنْ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَقُلْنَا: لَا تَرِثُ احْتِيَاطًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَ) عِدَّةُ وَفَاةِ (حَامِلٍ بِوَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ (بِشَرْطِهِ السَّابِقِ) وَهُوَ انْفِصَالُ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ، وَإِمْكَانُ نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ وَقَدْ وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ: قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ: لَا يَأْتِي هُنَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ: وَلَوْ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ كَالْبَائِنِ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ (فَلَوْ) (مَاتَ صَبِيٌّ) لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ (عَنْ حَامِلٍ) (فَبِالْأَشْهُرِ) تَعْتَدُّ لَا بِالْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ عَنْهُ يَقِينًا لِعَدَمِ إنْزَالِهِ (وَكَذَا) لَوْ مَاتَ (مَمْسُوحٌ) وَهُوَ الْمَقْطُوعُ جَمِيعُ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ عَنْ حَامِلٍ فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ لَا بِالْوَضْعِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (إذْ لَا يَلْحَقُهُ) وَلَدٌ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ لَا يُنْزِلُ، فَإِنَّ الْأُنْثَيَيْنِ مَحَلُّ الْمَنِيِّ الَّذِي يَتَدَفَّقُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ وَلَمْ يُعْهَدْ لِمِثْلِهِ وِلَادَةٌ، وَقِيلَ: يَلْحَقُهُ، وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْقَاضِيَانِ الْحُسَيْنُ وَأَبُو الطَّيِّبِ؛ لِأَنَّ مَعْدِنَ الْمَاءِ الصُّلْبِ، وَهُوَ يَنْفُذُ مِنْ ثُقْبِهِ إلَى الظَّاهِرِ وَهُمَا بَاقِيَانِ حُكِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ حَرْبَوَيْهِ قُلِّدَ قَضَاءَ مِصْرَ وَقَضَى بِهِ، فَحَمَلَهُ الْمَمْسُوحُ عَلَى كَتِفِهِ وَطَافَ بِهِ الْأَسْوَاقَ، وَقَالَ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْقَاضِي يُلْحِقُ أَوْلَادَ الزِّنَا بِالْخُدَّامِ (وَيَلْحَقُ) الْوَلَدُ (مَجْبُوبًا) قُطِعَ جَمِيعُ ذَكَرِهِ، وَ (بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ) لِوَفَاتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ زَوْجَتُهُ الْحَامِلُ (بِهِ) أَيْ الْوَضْعِ كَالْفَحْلِ لِبَقَاءِ أَوْعِيَةِ الْمَنِيِّ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ الْمُحِيلَةِ لِلدَّمِ، وَالذَّكَرُ آلَةٌ تُوصِلُ الْمَاءَ إلَى الرَّحِمِ بِالْإِيلَاجِ، وَقَدْ يَصِلُ بِلَا إيلَاجٍ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: إنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ لَا تَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ مَنْ جُبَّ ذَكَرُهُ وَبَقِيَ أُنْثَيَاهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ دُخُولٌ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلٌ (وَكَذَا مَسْلُولٌ) خُصْيَتَاهُ وَ (بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ) يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فَتَنْقَضِي بِوَضْعِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ آلَةَ الْجِمَاعِ بَاقِيَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 96 وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِينٍ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ، وَكَذَا إنْ وَطِئَ وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ، وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ فَإِنْ كَانَ بَائِنًا اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الْمَوْتِ، وَالْأَقْرَاءُ مِنْ الطَّلَاقِ وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ،   [مغني المحتاج] يُبَالِغُ فِي الْإِيلَاجِ فَيَلْتَذُّ وَيُنْزِلُ مَاءً رَقِيقًا، وَقِيلَ: يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا: يُولَدُ لِمِثْلِهِ لَحِقَهُ وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ) مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً كَقَوْلِهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَنَوَى مُعَيَّنَةً أَمْ لَا (وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ) لِلْمُعَيَّنَةِ (أَوْ تَعْيِينٍ) لِلْمُبْهَمَةِ (فَإِنْ كَانَ) قَبْلَ مَوْتِهِ (لَمْ يَطَأْ) وَاحِدَةً مِنْهُمَا (اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالطَّلَاقِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُفَارَقَةً بِالْمَوْتِ (وَكَذَا إنْ وَطِئَ) كُلًّا مِنْهُمَا (وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ) فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ (أَوْ) هُمَا ذَوَاتَا (أَقْرَاءٍ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ) هُوَ قَيْدٌ فِي الْأَقْرَاءِ فَتَعْتَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا عِدَّةَ وَفَاةٍ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمَا إلَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ، وَكَذَا ذَاتُ الْأَقْرَاءِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ لَا يَخْلُو عَنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ أَيْضًا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَيْضًا، وَلَا يُلْتَفَتُ لِبَيَانِ الْوَارِثِ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ خِلَافَهُ (فَإِنْ كَانَ) الطَّلَاقُ (بَائِنًا) فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ (اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهَا بِعِدَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ تَأْتِيَ بِذَلِكَ لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ كَمَنْ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مِنْ صَلَاتَيْنِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا (وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنْ الْمَوْتِ) تُحْسَبُ جَزْمًا (وَالْأَقْرَاءُ) بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ تُحْسَبُ (مِنْ الطَّلَاقِ) عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَلَوْ مَضَى قَرْءٌ أَوْ قُرْءَانِ مِنْ الطَّلَاقِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فَعَلَيْهَا الْأَقْصَى مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَمِنْ قَرْءٍ أَوْ قُرْأَيْنِ مِنْ أَقْرَائِهَا لِبَيْنُونَةِ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ التَّعْيِينِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا يَئِسَ مِنْ التَّعْيِينِ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَتَقْتَصِرُ الْحَامِلُ مِنْهُمَا عَلَى الْوَضْعِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالتَّقْدِيرَيْنِ، فَإِنْ وَطِئَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ أَنْ تَعْتَدَّ بِأَكْثَرِ الْعِدَّتَيْنِ ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْمَفْقُودِ فَقَالَ (وَمَنْ غَابَ) عَنْ زَوْجَتِهِ أَوْ لَمْ يَغِبْ عَنْهَا، بَلْ فُقِدَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، أَوْ انْكَسَرَتْ بِهِ سَفِينَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ (لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ) لِغَيْرِهِ (حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ) أَوْ يَثْبُتَ بِمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ (أَوْ) يُتَيَقَّنَ (طَلَاقُهُ) عَلَى الْجَدِيدِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ اُبْتُلِيَتْ فَلْتَصْبِرْ وَلَا تَنْكِحْ حَتَّى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 97 وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَتَنْكِحُ، فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ قَاضٍ نُقِضَ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] يَأْتِيَهَا " يَعْنِي مَوْتَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ نَقُولُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ مَا ذُكِرَ بِعَدْلَيْنِ كَفَى وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشَّهَادَاتِ الِاكْتِفَاءُ فِي الْمَوْتِ بِالِاسْتِفَاضَةِ مَعَ عَدَمِ إفَادَتِهَا الْيَقِينَ، وَلَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً بِمَوْتِ زَوْجِهَا حَلَّ لَهَا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَدِيدِ هُنَا وَقَيَّدَاهُ فِي الْفَرَائِضِ بِمَا إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا قَالَا: فَإِنْ مَضَتْ فَمَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لَهَا التَّزْوِيجَ كَمَا يُقَسَّمُ مَالُهُ قَطْعًا، وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ) بِحَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تَتَرَبَّصُ زَوْجَةُ الْغَائِبِ الْمَذْكُورِ (أَرْبَعَ سِنِينَ) مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ (ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ) بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرِ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ (وَتَنْكِحُ) غَيْرَهُ لِقَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ الْخُرُوجَ مِنْ النِّكَاحِ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ هُنَا حَاصِلٌ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَرْبَعِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ قَاضٍ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي وَإِذَا ضَرَبَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَالِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ بِوَفَاتِهِ وَبِحُصُولِ الْفُرْقَةِ، وَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَفَسْخِهِ بِالْعُنَّةِ أَوْ بَاطِنًا فَقَطْ؟ وَجْهَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا - وَتَرَكَ بَيَاضًا وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا - قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ نُفُوذِهِ ظَاهِرًا فَقَطْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُسْتَوْلَدَة كَالزَّوْجَةِ، وَأَنَّ الزَّوْجَةَ الْمُنْقَطِعَةَ الْخَبَرُ كَالزَّوْجِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا (فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ) أَيْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ وُجُوبِ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَ سِنِينَ وَمِنْ الْحُكْمِ بِوَفَاتِهِ وَبِحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (قَاضٍ نُقِضَ) حُكْمُهُ (عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ) لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِوَفَاتِهِ فِي قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ قَطْعًا، وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فُرْقَةِ النِّكَاحِ قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ: رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: إنْ حَكَمَ بِهِ قَاضٍ نُقِضَ قَضَاؤُهُ إنْ بَانَ لَهُ أَنَّ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ، وَالثَّانِي: لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ نَفَذَ فِي الزَّوْجَةِ طَلَاقُ الْمَفْقُودِ وَظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الزَّوْجِ فِي زَوْجَتِهِ لِلْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ أَمْ بَعْدَهَا، وَيَسْقُطُ بِنِكَاحِهَا غَيْرَهُ نَفَقَتُهَا عَنْ الْمَفْقُودِ؛ لِأَنَّهَا نَاشِزَةٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَيَسْتَمِرُّ السُّقُوطُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَفْقُودُ عَوْدَهَا إلَى طَاعَتِهِ وَأَنَّهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتَدَّتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ إنَّمَا يَزُولُ حِينَئِذٍ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي، إذْ لَا زَوْجِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إلَّا فِيمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 98 وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ، لَا رَجْعِيَّةٍ،   [مغني المحتاج] أَنْفَقَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ (وَلَوْ نَكَحَتْ) زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ (بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَ) بَعْدَ (الْعِدَّةِ) وَقَبْلَ ثُبُوتِ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ (فَبَانَ) الزَّوْجُ (مَيِّتًا) وَقْتَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ (صَحَّ) نِكَاحُهَا (عَلَى الْجَدِيدِ) أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بِالصِّحَّةِ حَالَ الْعَقْدِ، وَقِيَاسُ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُرْتَابَةِ إذَا حَصَلَتْ الرِّيبَةُ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ نَكَحَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْرَاءِ مَعَ بَقَاءِ الرِّيبَةِ وَإِنْ بَانَ أَنَّ النِّكَاحَ صَادَفَ الْبَيْنُونَةَ، وَأَيْضًا فَقَدْ جَعَلُوا الشَّكَّ فِي حَالِ الْمَنْكُوحَةِ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا لَمَّا اسْتَنَدَ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ خَفَّ أَمْرُهُ أَمَّا إذَا بَانَ حَيًّا بَعْدَ أَنْ نَكَحَتْ فَالزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَاقٍ عَلَى زَوْجِيَّتِهِ، لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَدَّعِهِ الْمَفْقُودُ لَحِقَ بِالثَّانِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ لِتَحَقُّقِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الْمَفْقُودِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمَفْقُودِ لِذَلِكَ، فَإِنْ قَدِمَ الْمَفْقُودُ وَادَّعَاهُ لَمْ يُعْرَضْ عَلَى الْقَائِفِ حَتَّى يَدَّعِيَ وَطْئًا مُمْكِنًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الدَّعْوَى بِهِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ غَيْرَ اللِّبَإِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ إنْ وَجَدَ مُرْضِعَةً غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَإِذَا جَازَ لَهُ الْمَنْعُ وَمَنَعَهَا فَخَالَفَتْ وَأَرْضَعَتْهُ فِي مَنْزِلِ الْمَفْقُودِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ وَلَا وَقَعَ خَلَلٌ فِي التَّمْكِينِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا عَنْهُ وَإِلَّا سَقَطَتْ ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْإِحْدَادِ فَقَالَ (وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ) الْآتِي بَيَانُهُ (عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْأَئِمَّةُ قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى زَوْجٍ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ، وَظَاهِرُهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا الْجَوَازَ، لَكِنْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْوُجُوبَ، وَأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْوَاجِبَ مِنْ الْحَرَامِ اهـ. وَنُقِضَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ فِي الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِإِيمَانِ الْمَرْأَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِمَّنْ لَهَا أَمَانٌ يَلْزَمُهَا الْإِحْدَادُ، وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَائِلِ، وَأَمَّا الْحَامِلُ فَتُحِدُّ مُدَّةَ بَقَاءِ حَمْلِهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَعَلَى وَلِيِّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ مَنْعُهُمَا مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ غَيْرُهُمَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِشُمُولِهِ فَرْعًا حَسَنًا، وَهُوَ مَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِشُبْهَةٍ وَقُلْنَا: إنَّهَا تَعْتَدُّ عَنْهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ لِلْوَفَاةِ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يُومِئُ إلَيْهِ (لَا) زَوْجَةٍ مُعْتَدَّةٍ (رَجْعِيَّةٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَكْثَرِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ فِيهَا، وَيُسَنُّ لَهَا الْإِحْدَادُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إلَى رَجْعَتِهَا، وَضَعُفَ هَذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 99 وَيُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ، وَهُوَ تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وَإِنْ خَشُنَ، وَقِيلَ يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ، وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ، وَكَذَا إبْرَيْسَمٌ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] بِاحْتِمَالِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلْفَرَحِ بِفِرَاقِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَنْ تَرْجُو عَوْدَهُ (وَيُسْتَحَبُّ) الْإِحْدَادُ (لِبَائِنٍ) بِخُلْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لِئَلَّا تَدْعُوَ الزِّينَةُ إلَى الْفَسَادِ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَيْضًا (يَجِبُ) الْإِحْدَادُ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِجَامِعِ الِاعْتِدَادِ عَنْ نِكَاحٍ، وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّهَا إنْ فُورِقَتْ بِطَلَاقٍ فَهِيَ مَجْفُوَّةٌ بِهِ، أَوْ بِفَسْخٍ فَالْفَسْخُ مِنْهَا، أَوْ لِمَعْنًى فِيهَا فَلَا يَلِيقُ بِهَا فِيهِمَا إيجَابُ الْإِحْدَادِ، بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَخَرَجَ بِالزَّوْجَةِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ، وَبِنِكَاحٍ فَاسِدٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمَفْسُوخُ نِكَاحُهَا بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْإِحْدَادُ كَمَا مَرَّ (وَهُوَ) أَيْ الْإِحْدَادُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْ أَحَدَّ، وَيُقَالُ فِيهِ: الْحِدَادُ مِنْ حَدَّ: لُغَةً: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمُحِدَّةَ تَمْنَعُ نَفْسَهَا مِمَّا سَيَأْتِي، وَقِيلَ بِالْجِيمِ مِنْ جَدَّدْت الشَّيْءَ قَطَعْته، فَكَأَنَّهَا انْقَطَعَتْ عَنْ الزِّينَةِ، وَشَرْعًا (تَرْكُ لُبْسٍ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمَشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ» تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لِزِينَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَصْبُوغٍ أَيْ إنْ كَانَ الْمَصْبُوغُ مِمَّا يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ، وَكَذَا الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ الصَّافِيَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُعَصْفَرَ وَالْمُمَشَّقَةَ، وَهِيَ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقِ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمَغْرَةُ بِفَتْحِهَا، وَيُقَالُ: طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا، وَلَوْ أَرَادَ مُطْلَقَ الصِّبْغِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَائِدَةٌ، وَنَعَتَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ خَشُنَ) أَيْ الْمَصْبُوغُ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْجَوَازِ (وَقِيلَ: يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ) كَالْبُرُودِ لِخَبَرِ «لَا تَلْبَسْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ» وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ يُعْصَبُ غَزْلُهُ أَيْ يُجْمَعُ، ثُمَّ يُشَدُّ، ثُمَّ يُصْبَغُ مَعْصُوبًا، ثُمَّ يُنْسَجُ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِرِوَايَةِ " وَلَا ثَوْبَ عَصْبٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد مَكَانَ " إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ "، " إلَّا مَغْسُولًا " فَتَعَارَضَتْ الرِّوَايَاتُ، أَوْ يُؤَوَّلُ بِالصِّبْغِ الَّذِي لَا يَحْرُمُ كَالْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُصْبَغُ قَبْلَ النَّسْجِ أَحْسَنُ مِنْ الَّذِي يُصْبَغُ بَعْدَهُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُصْبَغُ قَبْلَ النَّسْجِ إلَّا الرَّفِيعُ (وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ) وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ الْخِلْقِيُّ وَكَانَ نَفِيسًا؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّوْبَ بِالْمَصْبُوغِ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الْمَصْبُوغِ مُبَاحٌ، وَلِأَنَّ نَفَاسَتَهَا مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ زِينَةٍ دَخَلَتْ عَلَيْهَا كَالْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُغَيِّرَ لَوْنَهَا بِسَوَادٍ وَنَحْوِهِ (وَكَذَا) يُبَاحُ لَهَا (إبْرَيْسَمٌ) أَيْ حَرِيرٌ لَمْ يُصْبَغْ (فِي الْأَصَحِّ) إذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ زِينَةٌ كَالْكَتَّانِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ لُبْسَهُ تَزْيِينٌ، وَلَهَا لُبْسُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 100 وَمَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ، وَيَحْرُمُ حُلِيُّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الْأَصَحِّ، وَطِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ   [مغني المحتاج] الْخَزِّ قَطْعًا لِاسْتِتَارِ الْإِبْرَيْسَمِ فِيهِ بِالصُّوفِ وَنَحْوِهِ (وَ) يُبَاحُ (مَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ) كَالْأَسْوَدِ، وَكَذَا الْأَزْرَقُ وَالْأَخْضَرُ الْمُشَبَّعَانِ الْمُكَدَّرَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُقْصَدُ لِلزِّينَةِ، بَلْ لِنَحْوِ حَمْلِ وَسَخٍ أَوْ مُصِيبَةٍ. تَنْبِيهٌ: حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَا صُبِغَ لِزِينَةٍ يَحْرُمُ، وَمَا صُبِغَ لَا لِزِينَةٍ كَالْأَسْوَدِ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ عَنْهُ، فَإِنْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ، فَإِنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ، أَوْ كَدِرًا أَوْ مُشَبَّعًا، أَوْ أَكْهَبَ بِأَنْ يَضْرِبَ إلَى الْغُبْرَةِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّعَ مِنْ الْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ، وَمِنْ الْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْكُحْلِيَّ، وَمِنْ الْأَكْهَبِ يُقَارِبُهُمَا (وَيَحْرُمُ) عَلَيْهَا الطِّرَازُ عَلَى الثَّوْبِ إنْ كَبُرَ وَأَمَّا إنْ صَغُرَ، فَإِنْ رُكِّبَ عَلَى الثَّوْبِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ نُسِجَ مَعَ الثَّوْبِ فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا (حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ كَبِيرًا كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارِ أَوْ صَغِيرًا كَالْخَاتَمِ وَالْقُرْطِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْحَلْيَ وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَخْتَضِبُ» وَالْحَلْيُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ جَمْعُهُ حُلِيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْمُفْرَدُ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي حُسْنِهَا كَمَا قِيلَ: وَمَا الْحَلْيُ إلَّا زِينَةٌ لِنَقِيصَةٍ ... يُتَمِّمُ مِنْ حُسْنٍ إذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا ... كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُزَوَّرَا تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ تَحْرِيمَ الْحَلْيِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ لَيْلٍ وَنَهَارٍ، وَاَلَّذِي فِي الشُّرُوحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُ لَيْلًا لِحَاجَةٍ كَالْإِحْرَازِ لَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ الْمَصْبُوغُ يَحْرُمُ لَيْلًا، فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ بِخِلَافِ الْحَلْيِ، وَأَمَّا لُبْسُهُ نَهَارًا فَحَرَامٌ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِإِحْرَازِهِ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالتَّقْيِيدُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُفْهِمُ جَوَازَ التَّحَلِّي بِغَيْرِهِمَا كَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إنْ تَعَوَّدَ قَوْمُهَا التَّحَلِّيَ بِهِمَا، أَوْ أَشْبَهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ أَوْ مُوِّهَا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا يَحْرُمَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالتَّمْوِيهُ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيْ مِمَّا يَحْرُمُ تَزَيُّنُهَا بِهِ كَالتَّمْوِيهِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِهِمَا اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ (وَكَذَا لُؤْلُؤٌ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا التَّزَيُّنُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الزِّينَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ قَالَ تَعَالَى: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] وَتَرَدَّدَ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ، فَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهَ لِلْأَصْحَابِ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (طِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 101 وَطَعَامٍ وَكُحْلٍ، وَاكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ، وَإِسْفِيذَاجٍ   [مغني المحتاج] «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَأَنْ نَكْتَحِلَ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ، وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا» (وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا اسْتِعْمَالُهَا الطِّيبَ (فِي طَعَامٍ وَكُحْلٍ) غَيْرِ مُحَرَّمٍ قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ، وَضَابِطُ الطِّيبِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهَا كُلُّ مَا حَرُمَ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، لَكِنْ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ الْكَائِنِ مَعَهَا حَالَ الشُّرُوعِ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى اسْتِعْمَالَهَا عِنْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ، وَكَذَا مِنْ النِّفَاسِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَلِيلًا مِنْ قِسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ، وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْبَخُورِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ فِي مُسْلِمٍ، وَلَوْ احْتَاجَتْ إلَى تَطَيُّبٍ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قِيَاسًا عَلَى الِاكْتِحَالِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا دَهْنُ شُعُورِ رَأْسِهَا وَلِحْيَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا لِحْيَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ بِخِلَافِ دَهْنِ سَائِرِ الْبَدَنِ وَ (اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ: حَجَرٌ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْكُحْلُ الْأَسْوَدُ، وَيُسَمَّى بِالْأَصْبَهَانِيِّ، وَإِنَّمَا حَرُمَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَارِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَزِينَةً لِلْعَيْنِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلسَّوْدَاءِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ الْكُحْلِ الْأَبْيَضِ كَالتُّوتْيَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ لَا زِينَةَ فِيهِ لَكِنَّهُ يُوهِمُ جَوَازَ الْأَصْفَرِ وَهُوَ الصَّبْغُ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى السَّوْدَاءِ وَكَذَا عَلَى الْبَيْضَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يُحَسِّنُ الْعَيْنَ (إلَّا) اكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ أَوْ صَبْرٍ (لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ) فَيَجُوزُ لَهَا لِلضَّرُورَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ حَادَّةٌ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ جَعَلَتْ عَلَى عَيْنِهَا صَبْرًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ؟ فَقَالَتْ هُوَ صَبْرٌ لَا طِيبَ فِيهِ، فَقَالَ: إنَّهُ يَشُبُّ الْوَجْهَ أَيْ يُوقِدُهُ وَيُحَسِّنُهُ فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا لَيْلًا وَامْسَحِيهِ نَهَارًا» وَحَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ لَيْلًا فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ لَيْلًا بَيَانًا لِلْجَوَازِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ قَالَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا» فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَوْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَحَقَّقْ الْخَوْفَ عَلَى عَيْنِهَا، أَوْ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِدُونِهِ، لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ زَادَهَا عَبْدُ الْحَقِّ «إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا، قَالَ: لَا وَإِنْ انْفَقَأَتْ» . وَأُجِيبَ عَنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ وَإِنْ انْفَقَأَتْ عَيْنُهَا فِي زَعْمِكِ لِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْفَقِئُ، وَإِذْ قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازَ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِهِ خَصَّهُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَعَمْ إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ نَهَارًا أَيْضًا جَازَ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْجَوَازَ عَلَى ذَلِكَ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (إسْفِيذَاجٌ) لِأَنَّهُ يُزَيَّنُ بِهِ الْوَجْهُ، وَهُوَ بِفَاءٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 102 وَدُمَامٍ، وَخِضَابِ حِنَّاءٍ، وَنَحْوِهِ، وَيَحِلُّ تَجْمِيلُ فِرَاشٍ وَأَثَاثٍ، وَتَنْظِيفٌ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ وَإِزَالَةِ وَسَخٍ قُلْت: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ تَرَكَتْ الْإِحْدَادَ عَصَتْ   [مغني المحتاج] رَصَاصٍ يُطْلَى بِهِ الْوَجْهُ لِيُبَيِّضَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ لَفْظٌ مُوَلَّدٌ (وَ) يَحْرُمُ عَلَيْهَا (دُمَامٌ) لِأَنَّهُ يُزَيَّنُ بِهِ الْوَجْهُ أَيْضًا، وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الدَّقَائِقِ، وَضَبَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّهِ بِالضَّمِّ فَقَطْ الْمُسَمَّى بِالْحُمْرَةِ الَّتِي يُوَرَّدُ بِهَا الْخَدُّ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا طَلْيُ الْوَجْهِ بِالصَّبْرِ؛ لِأَنَّهُ يُصَفِّرُ الْوَجْهَ فَهُوَ كَالْخِضَابِ (وَ) يَحْرُمُ (خِضَابُ حِنَّاءٍ) وَهُوَ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ، وَاحِدُهُ حِنَّاةٌ (وَنَحْوُهُ) أَيْ الْحِنَّاءِ كَزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ أَيْ الْخِضَابُ بِذَلِكَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ تَكُونُ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، لَا فِيمَا تَحْتَ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّبْرِ لَيْلًا لِخَفَائِهِ عَلَى الْأَبْصَارِ فَكَذَا مَا أَخْفَاهُ ثِيَابُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَالِيَةُ وَإِنْ ذَهَبَ رِيحُهَا كَالْخِضَابِ، وَيَحْرُمُ تَطْرِيفُ أَصَابِعِهَا وَتَصْفِيفُ شَعْرِ طُرَّتِهَا وَتَجْعِيدُ شَعْرِ صُدْغَيْهَا وَحَشْوُ حَاجِبَيْهَا بِالْكُحْلِ وَتَدْقِيقُهُ بِالْحَفِّ (وَيَحِلُّ) لَهَا (تَجْمِيلُ فِرَاشٍ) وَهُوَ مَا تَرْقُدُ أَوْ تَقْعُدُ عَلَيْهِ مِنْ نَطْعٍ وَمَرْتَبَةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا (وَ) تَجْمِيلُ (أَثَاثٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَبِمُثَلَّثَتَيْنِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْإِحْدَادَ فِي الْبَدَنِ لَا فِي الْفِرَاشِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْغِطَاءُ فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنَّهُ كَالثِّيَابِ لَيْلًا نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِالنَّهَارِ (وَ) يَحِلُّ لَهَا (تَنْظِيفُ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ) لِأَظْفَارٍ وَاسْتِحْدَادٍ وَنَتْفِ شَعْرِ إبِطٍ (وَإِزَالَةِ وَسَخٍ) وَلَوْ طَاهِرًا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ: أَيْ الدَّاعِيَةِ إلَى الْوَطْءِ فَلَا يُنَافِي اسْمَهَا عَلَى ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا إزَالَةُ الشَّعْرِ الْمُتَضَمِّنِ زِينَةً: كَأَخْذِ مَا حَوْلَ الْحَاجِبَيْنِ وَأَعْلَى الْجَبْهَةِ فَتُمْنَعُ مِنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، بَلْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ وَأَمَّا إزَالَةُ شَعْرِ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ يَنْبُتُ لَهَا فَتُسَنُّ إزَالَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمَرَّ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِابْنِ جَرِيرٍ فِي قَوْلِهِ بِالْحُرْمَةِ (قُلْت: وَيَحِلُّ) لَهَا (امْتِشَاطٌ) بِلَا تَرَجُّلٍ بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ لِلنَّصِّ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد، وَحُمِلَ حَدِيثُ " وَلَا تَمْشُطُ " عَلَى تَمْشُطُ بِطِيبٍ وَنَحْوِهِ (وَ) يَحِلُّ لَهَا (حَمَّامٌ) بِنَاءً عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ دُخُولِهَا لَهُ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ قَيَّدَ الْجَوَازَ بِقَيْدٍ حَسَنٍ مَحْذُوفٍ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) فِيهِ (خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ) فَإِنْ كَانَ لَمْ يَحِلَّ (وَلَوْ تَرَكَتْ) الْمُحِدَّةُ الْمُكَلَّفَةُ (الْإِحْدَادَ) الْوَاجِبَ عَلَيْهَا كُلَّ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضَهَا (عَصَتْ) إنْ عَلِمَتْ حُرْمَةَ التَّرْكِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي كَتَرْكِهَا الْوَاجِبَ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ فَيَعْصِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 103 وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ فَارَقَتْ الْمَسْكَنَ، وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً، وَلَهَا إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ،   [مغني المحتاج] وَلِيُّهَا إنْ لَمْ يَمْنَعْهَا (وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ) مَعَ الْعِصْيَانِ، وَهَذَا (كَمَا لَوْ فَارَقَتْ الْمُعْتَدَّةُ) الْمُحِدَّةُ أَوْ غَيْرُهَا بِلَا عُذْرٍ (الْمَسْكَنَ) الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا مُلَازَمَتُهُ بِلَا عُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهَا تَعْصِي وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي انْقِضَائِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ) أَيْ مَوْتُ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقُهُ (بَعْدَ الْمُدَّةِ) لِلْعِدَّةِ (كَانَتْ مُنْقَضِيَةً) وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا لِمَا مَرَّ (وَلَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ) مِنْ الْمَوْتَى (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَأَقَلَّ (وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ) عَلَيْهَا بِقَصْدِ الْإِحْدَادِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَوْ تَرَكَتْ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الشِّقَاقِ، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلِأَنَّ فِي تَعَاطِيهِ إظْهَارَ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَالْأَلْيَقُ بِهَا التَّقَنُّعُ بِجِلْبَابِ الصَّبْرِ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا لِحَبْسِهَا عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِدَّةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ قَدْ لَا تَسْتَطِيعُ فِيهَا الصَّبْرَ، وَلِذَلِكَ تُسَنُّ فِيهَا التَّعْزِيَةُ وَبَعْدَهَا تَنْكَسِرُ أَعْلَامُ الْحُزْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ الزَّوْجِ الْقَرِيبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي، فَلَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ الْإِحْدَادُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَصْلًا وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا قَالَ الْغَزِّيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّدِيقَ كَالْقَرِيبِ، وَكَذَا الْعَالِمُ وَالصَّالِحُ وَضَابِطُهُ مَنْ يَحْصُلُ بِمَوْتِهِ حُزْنٌ، فَكُلُّ مَنْ حَزِنَتْ بِمَوْتِهِ لَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ اهـ. ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَحَمْلُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا، وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ الْإِحْدَادُ عَلَى قَرِيبهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّ التَّحَزُّنَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ مَنَعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلنِّسَاءِ لِنَقْصِ عَقْلِهِنَّ الْمُقْتَضِي عَدَمَ الصَّبْرِ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَى النِّسَاءِ الْإِحْدَادَ دُونَ الرِّجَالِ [فَصْلٌ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ وَمُلَازَمَتِهَا مَسْكَنَ فِرَاقِهَا] (تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ) حَائِلٍ أَوْ حَامِلٍ (وَلَوْ بَائِنٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ، وَالْأَوْلَى نَصْبُهُ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَلَوْ هِيَ بَائِنٌ وَيَسْتَمِرُّ سُكْنَاهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] وقَوْله تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ وَأَضَافَهَا إلَيْهِنَّ لِلسُّكْنَى، إذْ لَوْ كَانَتْ إضَافَةُ مِلْكٍ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْمُطَلَّقَاتِ، وَلَوْ أُسْقِطَتْ مُؤْنَةُ الْمَسْكَنِ عَنْ الزَّوْجِ لَمْ تَسْقُطْ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَلَا يَصِحُّ إسْقَاطُ مَا لَمْ يَجِبْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 104 إلَّا نَاشِزَةً وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ وَفَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ عَنْ طَلَاقٍ أَنَّهُ لَا سُكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا لِأُمِّ وَلَدٍ إنْ أُعْتِقَتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْمُعْتَدَّةِ قَوْلَهُ (إلَّا نَاشِزَةً) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طَلَاقِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، أَمْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهَا لَا سُكْنَى لَهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ عَادَتْ إلَى الطَّاعَةِ عَادَ حَقُّ السُّكْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَتِهِ، وَإِلَّا صَغِيرَةً لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ حَالَةَ النِّكَاحِ، وَالْأَمَةُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا كَالْمُسْلِمَةِ لَيْلًا فَقَطْ أَوْ نَهَارًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي فَصْلِ نِكَاحِ الْعَبْدِ وَإِلَّا مَنْ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بِقَوْلِهَا بِأَنْ طَلُقَتْ ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالْإِصَابَةِ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَإِنْ قِيلَ: لَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَاءِ الصَّغِيرَةِ مِنْ ذَلِكَ، إذْ الْكَلَامُ فِي سُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ، وَالصَّغِيرَةُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِاسْتِدْخَالِهَا مَاءَ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بُعْدٌ (وَ) يَجِبُ السُّكْنَى أَيْضًا (لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ) «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُرَيْعَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ، بِنْتَ مَالِكٍ أُخْتَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَمَّا قُتِلَ زَوْجُهَا أَنْ تَمْكُثَ فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، فَاعْتَدَّتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي: لَا سُكْنَى لَهَا كَمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّكْنَى لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ الْوَفَاةِ، كَالْحَيَاةِ، وَالنَّفَقَةَ لِسَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ انْقَطَعَتْ، وَبِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا فَسَقَطَتْ إلَى الْمِيرَاثِ، وَالسُّكْنَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَسْقُطْ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ رَجْعِيًّا وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْهَا بِالطَّلَاقِ فَلَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ حَكَى الْجُرْجَانِيِّ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ يَأْتِي إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ (وَ) يَجِبُ أَيْضًا لِمُعْتَدَّةٍ (فَسْخٌ) بِعَيْبٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ أَوْ رَضَاعٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِفُرْقَةٍ فِي الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُطَلَّقَةَ تَحْصِينًا لِلْمَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُعْتَدَّةِ عَنْ وَفَاةٍ تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ اسْتِثْنَاءِ النَّاشِزَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَعِدَّةِ الْفَسْخِ مَعَ أَنَّ حُكْمَهَا كَالنَّاشِزَةِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي فِيمَنْ مَاتَ عَنْهَا نَاشِزًا، فَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ: إلَّا نَاشِزَةً إلَى هُنَا لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَشَمِلَ إطْلَاقَهُ الْمُلَاعَنَةَ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ قَطْعًا، وَحَيْثُ لَا تَجِبُ السُّكْنَى لِمُعْتَدَّةٍ فَلِلزَّوْجِ إسْكَانُهَا حِفْظًا لِمَائِهِ، وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ وَعَلَيْهَا الْإِجَابَةُ، وَحَيْثُ لَا تَرِكَةَ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَجِبْ إسْكَانُهَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالسُّكْنَى لَزِمَتْهَا الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي صَوْنِ مَاءِ مُوَرِّثِهِ، وَغَيْرُ الْوَارِثِ كَالْوَارِثِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي عَدَمُ اللُّزُومِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِوَفَاءِ دَيْنِ مَيِّتٍ أَوْ مُفْلِسٍ لَمْ يَلْزَمْ الدَّائِنَ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْوَارِثِ، وَبِأَنَّ اللُّزُومَ فِيهِ تَحَمُّلٌ مِنْهُ مَعَ كَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ لَا غَرَضَ لَهُ صَحِيحٌ فِي صَوْنِ مَاءِ الْمَيِّتِ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُلَازَمَةَ الْمُعْتَدَّةِ لِلْمَسْكَنِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا بَدَلَ لَهُ فَيَجِبُ فِيهِ الْقَبُولُ، وَإِلَّا فَيَلْزَمُ تَعْطِيلُهُ، وَبِأَنَّ حِفْظَ مَاءِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ بِخِلَافِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 105 وَتُسَكَّنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ قُلْت: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَكَذَا بَائِنٌ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا لَيْلًا إلَى دَارِ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا   [مغني المحتاج] أَدَاءِ الدَّيْنِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ التَّبَرُّعُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ سُنَّ لِلْإِمَامِ حَيْثُ لَا تَرِكَةَ إسْكَانُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ مُتَّهَمَةً بِرِيبَةٍ وَإِنْ لَمْ يُسْكِنْهَا أَحَدٌ سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ (وَ) إذَا وَجَبَتْ السُّكْنَى فَإِنَّمَا (تُسَكَّنُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ: أَيْ الْمُعْتَدَّةُ حَتْمًا (فِي مَسْكَنٍ) مُسْتَحَقٍّ لِلزَّوْجِ لَائِقٍ بِهَا (كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِلْآيَةِ وَحَدِيثِ فُرَيْعَةَ السَّابِقَيْنِ (وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ) مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ فِي الْعِدَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَقُّ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْقُطُ بِالتَّرَاضِي - بِالضَّادِ -، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1] تَنْبِيهٌ شَمِلَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ الرَّجْعِيَّةَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ، وَفِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسْكِنَهَا حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ أَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَيْسَتْ كَالزَّوْجَاتِ (قُلْت: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ) وَعِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَنِكَاحٍ فَاسِدٍ (وَكَذَا بَائِنٌ) وَمَفْسُوخٍ نِكَاحُهَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ يَقْضِيهَا حَاجَتَهَا لَهَا الْخُرُوجُ (فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ) وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ (وَ) بَيْعِ (غَزْلٍ وَنَحْوِهِ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ «وَلِقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلَاثًا، فَخَرَجَتْ تَجُدُّ نَخْلًا لَهَا، فَنَهَاهَا رَجُلٌ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ وَلَعَلَّكِ أَنْ تَتَصَدَّقِي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَنَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، وَالْجِدَادُ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا أَيْ غَالِبًا، أَمَّا مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ رَجْعِيَّةٍ أَوْ مُسْتَبْرَأَةٍ أَوْ بَائِنٍ أَوْ حَامِلٍ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ ضَرُورَةٍ كَالزَّوْجَةِ لِأَنَّهُنَّ مَكْفِيَّاتٌ بِنَفَقَةِ أَزْوَاجِهِنَّ (وَكَذَا) لَهَا الْخُرُوجُ لِذَلِكَ (لَيْلًا) إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا نَهَارًا وَكَذَا (إلَى دَارِ جَارَةٍ) لَهَا (لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا) لِلتَّأَنُّسِ لَكِنْ (بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا) لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أَنَّ رِجَالًا اُسْتُشْهِدُوا بِأُحُدٍ فَقَالَتْ نِسَاؤُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فِي بُيُوتِنَا فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا فَأَذِنَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ النَّوْمِ تَأْوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى بَيْتِهَا» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 106 وَتَنْتَقِلُ مِنْ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ، أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَحَلُّ ذَلِكَ: كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، إذَا أَمِنَتْ الْخُرُوجَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا مَنْ يُؤْنِسُهَا، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ، فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَوْ يَعْلَمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ " وَهَذَا فِي زَمَنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِضَابِطِ وَقْتِ الرُّجُوعِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ (وَتَنْتَقِلُ) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ الْمَسْكَنِ) الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ لِعُذْرٍ، وَذَلِكَ (لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ) عَلَى مَالِهَا أَوْ وَلَدِهَا (أَوْ) لِخَوْفٍ (عَلَى نَفْسِهَا) تَلَفًا أَوْ فَاحِشَةً لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ فِي مَكَان وَحْشٍ مُخِيفٍ فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» أَيْ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ (أَوْ تَأَذَّتْ بِالْجِيرَانِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ (أَوْ هَمَّ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَفَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] بِالْبَذَاءَةِ عَلَى الْأَحْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ كَانَتْ تَبْدُو عَلَى أَحْمَائِهَا فَنَقَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» وَوَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ وَعُدَّ مِنْ سَبْقِ الْقَلَمِ تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِانْتِقَالَ عِنْدَ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهَا تَسْكُنُ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: الَّذِي أَوْرَدَهُ الْجُمْهُورُ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْكَنِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الزَّوْجَ يُحَصِّنُهَا حَيْثُ رَضِيَ لَا حَيْثُ شَاءَتْ، وَتَقْيِيدُهُ الْأَذَى بِالشَّدِيدِ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ تَأَذَّتْ بِهِمْ قَلِيلًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَمِنْ الْجِيرَانِ الْأَحْمَاءُ وَهُمْ أَقَارِبُ الزَّوْجِ، نَعَمْ إنْ اشْتَدَّ أَذَاهَا بِهِمْ أَوْ عَكْسُهُ وَكَانَتْ الدَّارُ ضَيِّقَةً نَقَلَهُمْ الزَّوْجُ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْهُ لِاسْتِطَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَبَذَتْ عَلَيْهِمْ نَقَلُوا دُونَهَا لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِدَارِ أَبَوَيْهَا: كَذَا قَالَاهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَوْلَى نَقْلُهُمْ دُونَهَا وَهُوَ حَسَنٌ، وَخَرَجَ بِالْجِيرَانِ مَا لَوْ طَلُقَتْ بِبَيْتِ أَبَوَيْهَا وَتَأَذَّتْ بِهِمْ أَوْ هُمْ بِهَا فَلَا نَقْلَ؛ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ لَا تَطُولُ بَيْنَهُمْ، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْتِقَالُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ لَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ أَوْ يَمِينٌ فِي دَعْوَى وَهِيَ بَرْزَةٌ خَرَجَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً حُدَّتْ وَحُلِّفَتْ فِي مَسْكَنِهَا بِأَنْ يَحْضُرَ إلَيْهَا الْحَاكِمُ أَوْ يَبْعَثَ إلَيْهَا نَائِبَهُ، وَلَوْ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِدَارِ الْحَرْبِ هَاجَرَتْ مِنْهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ فَلَا تُهَاجِرُ حَتَّى تَعْتَدَّ، أَوْ زَنَتْ الْمُعْتَدَّةُ وَهِيَ بِكْرٌ غُرِّبَتْ، وَلَا يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَيُخَالِفُ هَذَا تَأْخِيرَ الْحَدِّ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ؛ لِأَنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْحَدِّ وَيُعِينَانِ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْعِدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْحَدِّ وَلَا تُعْذَرُ فِي الْخُرُوجِ لِتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَتَعْجِيلِ حَجَّةِ إسْلَامٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَغْرَاضِ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ الزِّيَادَاتِ دُونَ الْمُهِمَّاتِ (وَلَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ) فِي الْبَلَدِ (بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 107 قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَفِي الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَلَوْ أَذِنَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ، أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ وَالْمُضِيُّ، فَإِنْ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ   [مغني المحتاج] الْمُهِمَّاتِ (قَبْلَ وُصُولِهَا إلَى مَسْكَنٍ) فِي الْبَلَدِ (بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ) فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بِطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ مَوْتٍ (قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ) أَيْ الْمَسْكَنِ (اعْتَدَّتْ فِيهِ) لَا فِي الْأَوَّلِ (عَلَى النَّصِّ) فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْمُقَامِ فِيهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ تَعْتَدُّ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ وَقْتَ الْفِرَاقِ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ تَتَخَيَّرُ لِتَعَلُّقِهَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ بَعْدَ وُصُولِهَا فِيهِ فَتَعْتَدُّ فِيهِ جَزْمًا تَنْبِيهٌ الْعِبْرَةُ فِي النُّقْلَةِ بِبَدَنِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْقُلْ الْأَمْتِعَةَ وَالْخَدَمَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ عَادَتْ لِنَقْلِ مَتَاعِهَا أَوْ خَدَمِهَا فَطَلَّقَهَا فِيهِ اعْتَدَّتْ فِي الثَّانِي (أَوْ) كَانَ انْتِقَالُهَا مِنْ الْأَوَّلِ (بِغَيْرِ إذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَلَوْ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الْمُقَامِ فِيهِ (فَفِي الْأَوَّلِ) تَعْتَدُّ لِعِصْيَانِهَا بِذَلِكَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْوُصُولِ إلَيْهِ بِالْمُقَامِ فِيهِ كَانَ كَالنُّقْلَةِ بِإِذْنِهِ (وَكَذَا) تَعْتَدُّ أَيْضًا فِي الْأَوَّلِ وَ (لَوْ أَذِنَ) لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ (ثُمَّ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا الْعِدَّةُ (قَبْلَ الْخُرُوجِ) مِنْهُ وَإِنْ بَعَثَتْ أَمْتِعَتَهَا وَخَدَمَهَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمَنْزِلُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الْعِدَّةُ (وَلَوْ أَذِنَ) لَهَا (فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ) فِيمَا ذُكِرَ (أَوْ) أَذِنَ لَهَا (فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ) عُمْرَةٍ وَ (تِجَارَةٍ) أَوْ اسْتِحْلَالِ مَظْلَمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَرَدِّ آبِقٍ وَالسَّفَرِ لِحَاجَتِهَا (ثُمَّ وَجَبَتْ) عَلَيْهَا الْعِدَّةُ (فِي) أَثْنَاءِ (الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ) إلَى الْأَوَّلِ (وَالْمُضِيُّ) فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ فِي قَطْعِهَا عَنْ السَّفَرِ مَشَقَّةٌ، لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَتْ عَنْ الْبَلَدِ وَخَافَتْ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الرُّجُوعُ وَالْعَوْدُ إلَى الْمَنْزِلِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّاهُ، وَهِيَ فِي سَيْرِهَا مُعْتَدَّةٌ، وَخَرَجَ بِالطَّرِيقِ مَا لَوْ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ فَلَا تَخْرُجُ قَطْعًا، وَمَا لَوْ وَجَبَتْ فِيهِ وَلَمْ تُفَارِقْ عُمْرَانَ الْبُلْدَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْعَوْدُ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْرَعْ فِي السَّفَرِ (فَإِنْ) لَمْ تَرْجِعْ فِيمَا إذَا خُيِّرَتْ وَ (مَضَتْ) لِمَقْصَدِهَا أَوْ بَلَغَتْهُ (أَقَامَتْ) فِيهِ (لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَمَلًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَإِنْ زَادَتْ إقَامَتُهَا عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُ، وَأَفْهَمَ أَنَّ الْحَاجَةَ إذَا انْقَضَتْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا اسْتِكْمَالُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ اسْتِكْمَالَهَا (ثُمَّ يَجِبُ) عَلَيْهَا بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهَا (الرُّجُوعُ) فِي الْحَالِ (لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ) مِنْ الْعِدَّةِ (فِي الْمَسْكَنِ) الَّذِي فَارَقَتْهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَمْضِ اعْتَدَّتْ الْبَقِيَّةَ فِي مَسْكَنِهَا تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ، يُفْهِمُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَوَقَّعْ بُلُوغَ الْمَسْكَنِ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَلْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فِي الطَّرِيقِ أَنَّهَا لَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 108 وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ فَطَلَّقَ وَقَالَ مَا أَذِنْت فِي الْخُرُوجِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَتْ: نَقَلْتَنِي فَقَالَ بَلْ أَذِنْت لِحَاجَةٍ صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعْرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ   [مغني المحتاج] وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا وَعَوْدَهَا مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَتِهِ، أَمَّا إذَا سَافَرَتْ لِنُزْهَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ سَافَرَ بِهَا الزَّوْجُ لِحَاجَتِهِ فَلَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ ثُمَّ تَعُودُ، فَإِنْ قَدَّرَ لَهَا مُدَّةً فِي نُقْلَةٍ أَوْ سَفَرِ حَاجَةٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَاعْتِكَافٍ اسْتَوْفَتْهَا وَعَادَتْ لِتَمَامِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ انْقَضَتْ فِي الطَّرِيقِ كَمَا مَرَّ وَتَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ فِي الطَّرِيقِ وَعَدَمِ رُفْقَةٍ، وَلَوْ جَهِلَ أَمْرَ سَفَرِهَا بِأَنْ أَذِنَ لَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ حَاجَةً وَلَا نُزْهَةً وَلَا أَقِيمِي وَلَا ارْجِعِي حُمِلَ عَلَى سَفَرِ النُّقْلَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ فَرْعٌ لَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ بِإِذْنِ زَوْجِهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ، فَإِنْ خَافَتْ الْفَوَاتَ كَضِيقِ الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مُعْتَدَّةً لِتَقَدُّمِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ تَخَفْ الْفَوَاتَ لِسَعَةِ الْوَقْتِ جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَى ذَلِكَ لِمَا فِي تَعْيِينِ الصَّبْرِ مِنْ مَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ بِإِذْنٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ، سَوَاءٌ أَخَافَتْ الْفَوَاتَ أَمْ لَا لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ فِي الْأُولَى، وَلِعَدَمِهِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ أَتَمَّتْ عُمْرَتَهَا أَوْ حَجَّهَا إنْ بَقِيَ وَقْتُهُ، وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَلَزِمَهَا الْقَضَاءُ وَدَمُ الْفَوَاتِ (وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ) لَهَا بِالسُّكْنَى فِيهَا (فَطَلَّقَ وَقَالَ: مَا أَذِنْتُ) لَكِ (فِي الْخُرُوجِ) وَقَالَتْ: بَلْ أَذِنْتَ لِي (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ حَالًا إلَى الْمَأْلُوفَةِ، فَإِنْ وَافَقَهَا عَلَى الْإِذْنِ فِي الْخُرُوجِ لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ حَالًا وَاخْتِلَافُهَا فِي إذْنِهِ فِي الْخُرُوجِ لِغَيْرِ الْبَلْدَةِ الْمَأْلُوفَةِ كَالدَّارِ (وَلَوْ قَالَتْ) لَهُ: (نَقَلْتَنِي) أَيْ أَذِنْتَ لِي فِي النُّقْلَةِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَيَجِبُ عَلَيَّ الْعِدَّةُ فِيهِ (فَقَالَ) لَهَا: (بَلْ أَذِنْتُ) لَكِ فِي الْخُرُوجِ إلَيْهِ (لِحَاجَةٍ) عَيَّنَهَا فَارْجِعِي فَاعْتَدِّي فِي الْأَوَّلِ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ تَنْبِيهٌ لَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَارِثِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي الْمَنْزِلِ الثَّانِي يَشْهَدُ بِصِدْقِهَا، وَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا عَلَى جَانِبِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُرَجَّحُ عَلَى جَانِبِ الزَّوْجِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمَا وَالْوَارِثُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِمَا جَرَى مِنْ الْوَارِثِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ (وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ لِسُكَّانِ الْبَادِيَةِ، وَهُوَ مِنْ شَاذِّ النَّسَبِ كَمَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ (وَبَيْتُهَا مِنْ) نَحْوِ (شَعَرٍ) كَصُوفٍ (كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ) فِي لُزُومِ مُلَازَمَتِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَلَوْ ارْتَحَلَ فِي أَثْنَائِهَا كُلُّ الْحَيِّ ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ ارْتَحَلَ بَعْضُ الْحَيِّ نُظِرَ، إنْ كَانَ أَهْلُهَا مِمَّنْ لَمْ يَرْتَحِلْ وَفِي الْمُقِيمِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا الِارْتِحَالُ، وَإِنْ ارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَفِي الْبَاقِينَ قُوَّةٌ وَعَدَدٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تُقِيمَ وَبَيْنَ أَنْ تَرْحَلَ؛ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْأَهْلِ عُسْرَةٌ مُوحِشَةٌ، وَهَذَا مِمَّا تُخَالِفُ فِيهِ الْبَدَوِيَّةُ الْحَضَرِيَّةَ، فَإِنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 109 وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا تَعَيَّنَ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ، وَقِيلَ بَاطِلٌ،   [مغني المحتاج] أَهْلَهَا لَوْ ارْتَحَلُوا لَمْ تَرْتَحِلْ مَعَهُمْ مَعَ أَنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ، أَمَّا الرَّجْعِيَّةُ إذَا كَانَ مُطَلِّقُهَا فِي الْمُقِيمِينَ وَاخْتَارَ إقَامَتَهَا يُسْكِنُهَا مَتَى شَاءَ أَوْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا وَلَهَا إذَا ارْتَحَلَتْ مَعَهُمْ أَنْ تُقِيمَ دُونَهُمْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فِي الطَّرِيقِ لِتَعْتَدَّ فَإِنَّهُ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ هَرَبَ أَهْلُهَا خَوْفًا مِنْ عَدُوٍّ وَأَمِنَتْ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَهْرُبَ مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إذَا أَمِنُوا تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى إلْحَاقِ الْبَدَوِيَّةِ بِالْحَضَرِيَّةِ أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ بَيْتٍ فِي الْحِلَّةِ إلَى آخَرَ مِنْهَا فَخَرَجَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْآخَرِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْمُضِيُّ أَوْ الرُّجُوعُ؟ أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ تِلْكَ الْحِلَّةِ إلَى حِلَّةٍ أُخْرَى فَوُجِدَ سَبَبُ الْعِدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ بَيْنَ الْحِلَّتَيْنِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلٍ وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ حِلَّتِهَا، فَهَلْ تَمْضِي أَوْ تَرْجِعُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْحَضَرِيَّةِ؟ وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَوْ طَلَّقَهَا مَلَّاحُ سَفِينَةٍ أَوْ مَاتَ وَكَانَ مَسْكَنُهَا السَّفِينَةُ اعْتَدَّتْ فِيهَا إنْ انْفَرَدَتْ عَنْ الزَّوْجِ فِي الْأُولَى بِمَسْكَنٍ فِيهَا بِمُرَافَقَةٍ لِاتِّسَاعِهَا مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى بُيُوتٍ مُتَمَيِّزَةِ الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْبَيْتِ فِي الْخَانِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، فَإِنْ صَحِبَهَا مَحْرَمٌ لَهَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِتَسْيِيرِ السَّفِينَةِ خَرَجَ الزَّوْجُ مَعَهَا وَاعْتَدَّتْ هِيَ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا مَوْصُوفًا بِذَلِكَ خَرَجَتْ إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى إلَى الشَّطِّ وَاعْتَدَّتْ فِيهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْخُرُوجُ مِنْهُ تَسَتَّرَتْ وَتَنَحَّتْ عَنْهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ) مِلْكًا (لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا) بِأَنْ يَسْكُنَ مِثْلُهَا فِي مِثْلِهِ (تَعَيَّنَ) اسْتِدَامَتُهَا فِيهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ السَّابِقَةِ تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ قَدْ رَهَنَ الْمَسْكَنَ بِدَيْنٍ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ حَلَّ الدَّيْنُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ وَفَاؤُهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ وَتُنْقَلُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي بِإِقَامَتِهَا فِيهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: يَلِيقُ بِهَا ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْمَسْكَنِ بِحَالِهَا لَا بِحَالِ الزَّوْجِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ يُرَاعَى حَالُ الزَّوْجِيَّةِ حَالُ الزَّوْجِ يُخَالِفُهُ هُنَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا أَعْرِفُ التَّفْرِقَةَ لِغَيْرِهِ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا (إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ كَبَيْعِهِ، وَمَرَّ فِي الْإِجَارَةِ صِحَّةُ بَيْعِهِ فِي الْأَظْهَرِ فَبَيْعُ مَسْكَنِ الْمُعْتَدَّةِ كَذَلِكَ، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (وَقِيلَ) بَيْعُ مَسْكَنِهَا (بَاطِلٌ) أَيْ قَطْعًا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَالْمُعْتَدَّةَ لَا تَمْلِكُهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْمُطَلِّقَ بَاعَهُ وَاسْتَثْنَى مَنْفَعَتَهُ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَذَلِكَ بَاطِلٌ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْمُعْتَدَّةُ هِيَ الْمُشْتَرِيَةَ، فَإِنْ كَانَتْ صَحَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 110 أَوْ مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ نُقِلَتْ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، أَوْ لَهَا اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ النَّقْلُ   [مغني المحتاج] الْبَيْعُ لَهَا جَزْمًا، أَمَّا عِدَّةُ الْحَمْلِ وَالْأَقْرَاءِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فِيهَا لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ (أَوْ) كَانَ (مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا) الْعِدَّةُ (فِيهِ) لِأَنَّ السُّكْنَى ثَابِتَةٌ فِي الْمُسْتَعَارِ ثُبُوتَهَا فِي الْمَمْلُوكِ فَشَمِلَتْهَا الْآيَةُ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ نَقْلُهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ (فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ) فِيهِ (وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ) لِمِثْلِ مَسْكَنِهَا وَطَلَبَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِيجَارِ (نُقِلَتْ) إلَى أَقْرَبِ مَا يُوجَدُ تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ امْتَنَعَ النَّقْلُ وَلَزِمَ الزَّوْجَ بَذْلُهَا، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَسْكَنِ مَجَّانًا لِعَارِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ رُجُوعِهِ خُرُوجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ بِجُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ زَوَالِ اسْتِحْقَاقٍ بِانْقِضَاءِ إجَارَةٍ أَوْ مَوْتٍ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ الْإِعَارَةِ قَبْلَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْدُ وَعُلِمَ بِالْحَالِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ لِمَا فِي الرُّجُوعِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ كَمَا يَلْزَمُ الْعَارِيَّةُ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ اهـ. بَلْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ (وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ) وَلَمْ يَرْضَ مَالِكُهُ بِتَجْدِيدِ أُجْرَةِ مِثْلٍ تُنْقَلُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فَلَا تَنْتَقِلُ، وَفِي مَعْنَى الْمُسْتَأْجَرِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا مُدَّةً وَانْقَضَتْ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُعِيرُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ بَعْدَ أَنْ نُقِلَتْ نَظَرْتَ، إنْ كَانَ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ مُسْتَعَارًا رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ، أَوْ مُسْتَأْجَرًا لَمْ تُرَدَّ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَاهَا إلَى الْأَوَّلِ إضَاعَةَ مَالٍ أَمَّا إذَا رَضِيَا بِعَوْدِهَا بِعَارِيَّةٍ فَلَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ مِنْ الرُّجُوعِ لِجَوَازِ رُجُوعِ الْمُعِيرِ كَمَا مَرَّ (أَوْ) مِلْكًا (لَهَا اسْتَمَرَّتْ) فِيهِ جَوَازًا (وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ) مِنْ الْمُطَلِّقِ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ أَيْ أُجْرَةُ أَقَلِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ الْمَسْكَنِ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ فِيهِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ بِالْإِقَامَةِ فِيهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ جَازَ وَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ طَلَبَتْ الِانْتِقَالَ فَلَهَا ذَلِكَ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بَذْلُ مَسْكَنِهَا لَا بِإِجَارَةٍ وَلَا بِإِعَارَةٍ وَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ إلَّا بِطَلَبِهَا، فَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَالْأَصَحُّ الْقَطْعُ بِسُقُوطِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ وَقَدْ وُجِدَ فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ الطَّلَبِ، وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ تُمْلَكُ لَوْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمَسْكَنُ لَا تَمْلِكُهُ الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا تَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي وَقْتٍ وَقَدْ مَضَى، وَكَذَا لَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لَوْ سَكَنَتْ فِي مَنْزِلِهَا مَعَ الزَّوْجِ فِي الْعِصْمَةِ عَلَى النَّصِّ إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ الْعَارِيَ عَنْ ذِكْرِ الْعِوَضِ مُنَزَّلٌ عَلَى الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: أَيْ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (النَّقْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 111 إلَى لَائِقٍ بِهَا، أَوْ خَسِيسًا، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ، وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتِهَا وَلَا مُدَاخَلَتِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ أَوْ لَهُ أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ الْأُخْرَى فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ   [مغني المحتاج] إلَى) أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ مَسْكَنِ النِّكَاحِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (لَائِقٍ بِهَا) لِأَنَّ النَّفِيسَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ سَمَحَ بِهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ، وَهَلْ مُرَاعَاةُ الْأَقْرَبِ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ تَرَدُّدٌ؟ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْوُجُوبُ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَنَقْلِ الزَّكَاةِ إذَا عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْأَقْرَبُ، وَإِنْ رَضِيَ بِبَقَائِهَا فِيهِ لَزِمَهَا (أَوْ) كَانَ (خَسِيسًا) لَا يَلِيقُ بِهَا (فَلَهَا الِامْتِنَاعُ) مِنْ اسْتِمْرَارِهَا فِيهِ وَطَلَبُ النُّقْلَةِ إلَى لَائِقٍ بِهَا إذْ لَيْسَ هُوَ حَقَّهَا، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَمَحَتْ بِهِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْمَى (مُسَاكَنَتُهَا وَلَا مُدَاخَلَتُهَا) فِي الدَّارِ الَّتِي تَعْتَدُّ فِيهَا، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْخَلْوَةِ بِهَا وَهِيَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا بِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] أَيْ فِي الْمَسْكَنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَمْ رَجْعِيًّا (فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ) الْوَاسِعَةِ الَّتِي زَادَتْ عَلَى سُكْنَى مِثْلِهَا (مَحْرَمٌ لَهَا) وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (مُمَيِّزٌ) يَسْتَحْيِي مِنْهُ، وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مُرَاهِقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، أَوْ مُرَاهِقًا، أَوْ مُمَيِّزًا يُسْتَحْيَى مِنْهُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ الْمُرَاهَقَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ (ذَكَرٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْأُنْثَى كَأُخْتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ ثِقَةً، فَقَدْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْفِي حُضُورُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ الثِّقَةِ، فَالْمَحْرَمُ أَوْلَى (أَوْ) مَحْرَمٌ (لَهُ) مُمَيِّزٌ (أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى، أَوْ أَمَةٌ، أَوْ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ) مَا ذُكِرَ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِاحْتِمَالِ النَّظَرِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَكُونَا ثِقَتَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ لِمَا عِنْدَهَا مِنْ الْغَيْرَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، فَلَا يَكْفِي الْأَعْمَى، كَمَا لَا يَكْفِي فِي السَّفَرِ بِالْمَرْأَةِ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا تَنْبِيهٌ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِامْرَأَتَيْنِ أَجْنَبِيَّتَيْنِ ثِقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو بِالنِّسَاءِ إلَّا الْمَحْرَمُ - مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الثِّقَاتِ لِيُوَافِقَ الْمَذْكُورَ هُنَا فَإِنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَيَحْرُمُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خَلْوَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ بِامْرَأَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْيَاءَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِحْيَاءِ الرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ (وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ) وَهِيَ كُلُّ بِنَاءٍ مَحُوطٍ أَوْ نَحْوُهَا كَطَبَقَةٍ (فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (وَ) سَكَنَ (الْآخَرُ) الْحُجْرَةَ (الْأُخْرَى) مِنْ الدَّارِ (فَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمَرَافِقُ) لِلدَّارِ وَهِيَ مَا يُرْتَفَقُ بِهِ فِيهَا (كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ) وَمَصَبِّ مَاءٍ وَمَرْقَى سَطْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 112 اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَسُفْلٌ وَعُلُوٌّ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا   [مغني المحتاج] (اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ) حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ فِيمَا ذُكِرَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَتَّحِدْ الْمَرَافِقُ، بَلْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْ الْحُجْرَتَيْنِ بِمَرَافِقَ (فَلَا) يُشْتَرَطُ مَحْرَمٌ، وَيَجُوزُ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حِينَئِذٍ كَالدَّارَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ الْمَرَافِقُ خَارِجَ الْحُجْرَةِ فِي الدَّارِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَمْتَنِعُ مَعَ ذَلِكَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيَنْبَغِي) أَنْ يُشْتَرَطَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ (أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (مِنْ بَابٍ) وَسَدُّهُ أَوْلَى (وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْحُجْرَتَيْنِ بِحَيْثُ يَمُرُّ فِيهِ (عَلَى) الْحُجْرَةِ (الْأُخْرَى) مِنْ الدَّارِ كَمَا اشْتَرَطَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْخَلْوَةِ (وَسُفْلٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهُ (وَعُلُوٌّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ وَكَسْرُهُ، حُكْمُهُمَا (كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ) فِيمَا ذُكِرَ قَالَ فِي التَّجْرِيدِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَهَا الْعُلُوَّ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا خَاتِمَةٌ: يَكْتَرِي الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ مُطَلِّقٍ لَا مَسْكَنَ لَهُ مَسْكَنًا لِمُعْتَدَّتِهِ لِتَعْتَدَّ فِيهِ إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا الْحَاكِمُ أَنْ تَقْتَرِضَ عَلَى زَوْجِهَا أَوْ تَكْتَرِيَ الْمَسْكَنَ مِنْ مَالِهَا جَازَ وَتَرْجِعُ بِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْهُ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ نَظَرْتَ فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ أَوْ لَمْ تَقْدِرْ وَلَمْ تُشْهِدْ لَمْ تَرْجِعْ، وَإِنْ قَدَرَتْ وَأَشْهَدَتْ رَجَعَتْ، وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الْمُعْتَدَّةِ فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي فِي حَيَاتِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْعِدَّةُ عَنْهَا وَلَمْ تَرِثْ لِإِقْرَارِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا قَيَّدَهُ الْقَفَّالُ بِالرَّجْعِيَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ بَائِنًا سَقَطَتْ عِدَّتُهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا؟ فَادَّعَتْ أَنَّهُ كَانَ رَجْعِيًّا وَأَنَّهَا تَرِثُ فَالْأَشْبَهُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ [بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ] ِ بِالْمَدِّ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَصْلًا لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِبَابِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ، وَشَرْعًا تَرَبُّصُ الْأَمَةِ مُدَّةً بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ حُدُوثًا أَوْ زَوَالًا لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، أَوْ لِلتَّعَبُّدِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِغَيْرِ حُدُوثِ مِلْكٍ أَوْ زَوَالِهِ كَأَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ، عَلَى أَنَّ حُدُوثَ مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ الشَّرْطُ كَمَا سَيَأْتِي حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ بِهِ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَتَزْوِيجِ مَوْطُوءَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَخُصَّ هَذَا بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِأَقَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ وَتَعَدُّدٍ، وَخُصَّ التَّرَبُّصُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ بِاسْمِ الْعِدَّةِ اشْتِقَاقًا مِنْ الْعِدَدِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِهَا لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ غَالِبًا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ (يَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ لِحِلِّ تَمَتُّعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ (بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 113 مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ وَسَوَاءٌ بِكْرٌ، وَمَنْ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ   [مغني المحتاج] مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ (مِلْكُ) حُرٍّ جَمِيعَ (أَمَةٍ) لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَهُ كَمَا سَيَأْتِي (بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ) وَقَوْلُهُ (أَوْ سَبْيٍ) أَيْ قِسْمَةٍ عَنْهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ أَخَذَ جَارِيَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ يَحْرُمُ وَطْءُ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يَنْصِبَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ (أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ تَحَالُفٍ، أَوْ إقَالَةٍ) أَوْ قَبُولِ وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَفَسْخٍ بِفَلَسٍ، وَرُجُوعٍ فِي هِبَةٍ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: بِسَبَبَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا كَمَا مَرَّ بِقَرْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ هُنَا حُدُوثُ مِلْكٍ وَلَا زَوَالُهُ، وَمَرَّ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: مِلْكُ أَمَةٍ، يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مِلْكِ جَمِيعِهَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا فَإِنَّهَا لَا تُبَاحُ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِبَعْضِ أَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَأَشَارَ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِلْكِ الْقَهْرِيِّ وَالِاخْتِيَارِيِّ، وَخَرَجَ الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَطْءُ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا السَّيِّدُ (وَسَوَاءٌ بِكْرٌ، وَمَنْ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا) بِرَفْعِ الرَّاءِ بِخَطِّهِ: أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ صَغِيرَةٍ وَآيِسَةٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غَيْرَ الْمَسْبِيَّةِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ حُدُوثِ الْمِلْكِ، وَأَخَذَ الْإِطْلَاقَ فِي الْمَسْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا، وَأَلْحَقَ مَنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ أَيِسَتْ بِمَنْ تَحِيضُ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ غَالِبًا، وَهُوَ شَهْرٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَيَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا (فِي مُكَاتَبَةٍ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَسَخَتْهَا بِلَا تَعْجِيزٍ أَوْ (عُجِّزَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ الْمَكْسُورِ بِخَطِّهِ أَيْ بِتَعْجِيزِ السَّيِّدِ لَهَا عِنْدَ عَجْزِهَا عَنْ النُّجُومِ لِعَوْدِ مِلْكِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ زَوَالٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 114 وَكَذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ لَا مَنْ خَلَتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامٍ، وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ اُسْتُحِبَّ، وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَمَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ إذَا عُجِّزَا أَوْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَكَذَا) أَمَةٌ (مُرْتَدَّةٌ) عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ ثُمَّ إعَادَتِهِ، فَأَشْبَهَ تَعْجِيزَ الْمُكَاتَبَةِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّيِّدُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِزَوَالِ رِدَّةٍ لَعَمَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْعٌ: لَوْ زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَاعْتَدَّتْ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يَدْخُلْ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْعِدَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي جَارِيَةٍ وَقَبَضَهَا فَوَجَدَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَرَدَّهَا لَزِمَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي هَذِهِ زَالَ ثُمَّ عَادَ بِالرَّدِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَلِهَذَا حَذَفَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (لَا مَنْ) أَيْ أَمَةٌ (خَلَتْ مِنْ) مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَ (صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ) أَوْ يَتَوَقَّفُ وَأَذِنَ فِيهِ كَرَهْنٍ (وَإِحْرَامٍ) بَعْدَ حُرْمَتِهَا عَلَى سَيِّدِهَا بِذَلِكَ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَعْدَ حِلِّهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِذَلِكَ لَا تَحِلُّ بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةِ (وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْحِلِّ مِنْهُ كَالرِّدَّةِ، وَرُدَّ هَذَا بِمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ مُعْتَكِفَةً اعْتِكَافًا مَنْذُورًا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهَلْ يَكْفِي مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْعِبَادَاتِ الثَّلَاثِ أَمْ يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ؟ أُجِيبَ بِتَصَوُّرِهِ فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ (وَلَوْ اشْتَرَى) حُرٌّ (زَوْجَتَهُ) الْأَمَةَ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِيَتَمَيَّزَ وَلَدُ الْمِلْكِ مِنْ وَلَدِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا ثُمَّ يَعْتِقُ، فَلَا يَكُونُ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ (وَقِيلَ يَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِتَجَدُّدِ الْحِلِّ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَطَأُ بِالْمِلْكِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ وَقَدْ وَطِئَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ اعْتَدَّتْ مِنْهُ بِقُرْأَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ فَلَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَ عَقِبَ الشِّرَاءِ لَمْ يَلْزَمْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ مَمْلُوكَتُهُ، وَتَعْتَدُّ مِنْهُ بِقُرْأَيْنِ، أَمَّا لَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُبَعَّضُ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ، وَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا (وَلَوْ مَلَكَ) أَمَةً (مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ مَعَ عِلْمِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 115 لَمْ يَجِبْ، فَإِنْ زَالَا وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلِدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ   [مغني المحتاج] بِمَا ذُكِرَ أَوْ جَهْلِهِ وَأَجَازَ الْبَيْعَ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا حَالًا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ غَيْرِهِ (فَإِنْ زَالَا) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْعِدَّةُ بِأَنْ طَلُقَتْ الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الزَّوْجِ أَوْ الشُّبْهَةِ (وَجَبَ) حِينَئِذٍ الِاسْتِبْرَاءُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ اكْتِفَاءً بِالْعِدَّةِ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَيَطَؤُهَا فِي الْحَالِ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً مِنْهُ وَلَوْ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، وَكَأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوهُ هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ فُرُوعٌ: يُسَنُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهَا، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً شَرِيكَانِ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ أَرَادَا تَزْوِيجَهَا أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةَ رَجُلٍ كُلٌّ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ تَزْوِيجَهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ كَالْعِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْبَائِعِ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ خِلَافٍ فِيهِ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْقَائِلُ بِخِلَافِهِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْطَعُ إرْثَ الْمُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَبَاعَهَا نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا مِنْهُ لَحِقَهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْوَلَدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ إلَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ السَّبَبُ (الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ) بِمِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ (أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ) مُنَجَّزٍ (أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ) عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِزَوَالِ فِرَاشِهَا كَمَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ عَنْ نِكَاحٍ، وَاسْتِبْرَاؤُهَا بِقَرْءٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَخَرَجَ بِمَوْطُوءَةٍ مَنْ لَمْ تُوطَأْ فَلَا اسْتِبْرَاءَ بِعِتْقِهَا جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ لَمْ يُعْتِقْهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ، وَعَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا لِحُدُوثِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مِنْ السَّبَبِ الْأَوَّلِ تَنْبِيهٌ لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ زَوْجٍ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ التَّمَتُّعِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ، بِخِلَافِهَا فِي عِدَّةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ (وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلَدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا) سَيِّدُهَا (أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 116 مَاتَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ قُلْت: وَلَوْ اسْتَبْرَأَ أَمَةً مَوْطُوءَةً فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ، وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ   [مغني المحتاج] مَاتَ) عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ (وَجَبَ) عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا تَعْتَدُّ بِمَا مَضَى كَمَا لَا تَعْتَدُّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْرَاءِ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّانِي: لَا يَجِبُ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ (قُلْت) : كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ اسْتَبْرَأَ) السَّيِّدُ (أَمَةً مَوْطُوءَةً) غَيْرَ مُسْتَوْلَدَةٍ (فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ (وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ) عَقِبَ عِتْقِهَا (إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ فِرَاشَهَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْرَاءِ اتِّفَاقًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ (وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ) بِغَيْرِ اسْتِيلَادٍ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا الْمَالِكُ أَوْ مَلَكَهَا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا (وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَقْصُودَ التَّزْوِيجِ الْوَطْءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْحِلَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، نَعَمْ لَوْ زَوَّجَهَا مِمَّنْ وَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ كَمَا يَجُوزُ لِوَاطِئِ امْرَأَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لِوَاحِدٍ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْتَضِي الِاسْتِبْرَاءَ فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُهُ عَلَيْهِ كَتَزْوِيجِهَا لِغَيْرِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَهَا) سَيِّدُهَا (أَوْ مَاتَ) عَنْهَا (وَهِيَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (مُزَوَّجَةٌ) أَوْ مُعْتَدَّةٌ (فَلَا اسْتِبْرَاءَ) يَجِبُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ بَلْ لِلزَّوْجِ فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُمَا مَشْغُولَتَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ بِخِلَافِهِمَا فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ لِقُصُورِهَا عَنْ دَفْعِ الِاسْتِبْرَاءِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَالْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَصِيرَا بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ فَرْعٌ: لَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ الْمُزَوَّجَةِ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ مَاتَا مَعًا اعْتَدَّتْ كَالْحُرَّةِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ الْعِدَّةِ فِي الْأُولَى وَاحْتِيَاطًا لَهَا فِي الثَّانِيَةِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعُدْ إلَى فِرَاشِ السَّيِّدِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَوْتُ الزَّوْجِ مَوْتَ سَيِّدِهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا إنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِعَوْدِهَا فِرَاشًا لَهُ عَقِبَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ مَاتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَمَا دُونَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ - الَّذِي يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِسَبَبِهِ - زَوْجَةً إنْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوَّلًا، أَوْ مُعْتَدَّةً إنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فِي الْحَالَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ السَّيِّدِ أَوَّلًا فَتَكُونَ حُرَّةً عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 117 وَهُوَ بِقَرْءٍ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْجَدِيدِ وَذَاتُ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ، وَفِي قَوْلٍ بِثَلَاثَةٍ، وَحَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ بِوَضْعِهِ، وَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ قُلْت: يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِنًا فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] جُهِلَ قَدْرُهُ لَزِمَهَا الْأَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَمِنْ حَيْضَةٍ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ مَوْتِ الزَّوْجِ فَتَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فِرَاشًا لَهُ فَيَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَيُحْتَمَلُ تَقَدُّمُ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَتَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ حُرَّةً فَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ (وَهُوَ) أَيْ قَدْرُ الِاسْتِبْرَاءِ يَحْصُلُ لِذَاتِ أَقْرَاءٍ (بِقَرْءٍ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ) بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ (فِي الْجَدِيدِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، فَلَا يَكْفِي بَقِيَّةُ الْحَيْضَةِ الَّتِي وُجِدَ السَّبَبُ فِي أَثْنَائِهَا، وَتَنْتَظِرُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْكَامِلَةِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَفِي الْقَدِيمِ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ الطُّهْرُ كَمَا فِي الْعِدَّةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ تَتَكَرَّرُ فِيهَا الْأَقْرَاءُ كَمَا مَرَّ فَتُعْرَفُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهَا، وَهُنَا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُعْتَمَدُ الْحَيْضُ الدَّالُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَةِ كَمَا اُكْتُفِيَ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تَسْتَعْقِبُ الْحَيْضَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَهَذَا يَسْتَعْقِبُ الطُّهْرَ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ (وَذَاتُ أَشْهُرٍ) مِنْ صَغِيرَةٍ وَغَيْرِهَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا (بِشَهْرٍ) فَقَطْ فَإِنَّهُ كَقَرْءٍ فِي الْحُرَّةِ، فَكَذَا فِي الْأَمَةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا (بِثَلَاثَةٍ) مِنْ أَشْهُرٍ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الرَّحِمِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْمُتَحَيِّرَةُ تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ (وَ) أَمَةٌ (حَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي مُلِكَتْ بِالسَّبْيِ لَا بِالشِّرَاءِ (أَوْ) أَمَةٌ حَائِلٌ غَيْرُ مَسْبِيَّةٍ وَلَكِنْ (زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ) لَهَا بِعِتْقِهِ لَهَا أَوْ مَوْتِهِ يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا (بِوَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَإِنْ مُلِكَتْ) حَامِلٌ (بِشِرَاءٍ) أَوْ نَحْوِهِ وَهِيَ فِي نِكَاحٍ أَوْ عِدَّةٍ (فَقَدْ سَبَقَ) عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً (أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ) وَأَنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ زَوَالِهَا فِي الْأَظْهَرِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ هُنَا بِالْوَضْعِ، لِأَنَّهُ إمَّا غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَضْعِ (قُلْت: يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ) أَمَةٍ مِنْ (زِنًا فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ كَمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالتَّأْكِيدِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ فِيهَا دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُكْتَفَى بِوَضْعِ حَمْلِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى تَنْبِيهٌ يُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ فِي الْحَامِلِ مِنْ زِنًا؛ لِأَنَّ حَمْلَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ مِنْ الزِّنَا كَالْمُقَارِنِ؛ لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِالْحَيْضِ الْحَادِثِ لَا بِالْمُقَارِنِ، وَاكْتَفَوْا بِالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ فَبِالْحَادِثِ أَوْلَى، قَالَ: وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ أَشْهُرٍ وَحَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 118 وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ حُسِبَ إنْ مَلَكَ بِإِرْثٍ وَكَذَا شِرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ، لَا هِبَةٍ وَلَوْ اشْتَرَى مَجُوسِيَّةً فَحَاضَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَمْ يَكْفِ   [مغني المحتاج] فِي الْعُدَّةِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ كَلَامُهُ بِأَنَّ الْحَادِثَ كَالْمُقَارِنِ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ يَحْصُلُ بِشَهْرٍ مَعَ وُجُودِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِاسْتِمْرَارِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَتَّى تَضَعَ فِيهِ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ (وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ) عَلَى أَمَةٍ (بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ) (حُسِبَ) زَمَنُهُ (إنْ مَلَكَ) هَا (بِإِرْثٍ) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهِ مَقْبُوضٌ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ حِسًّا بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِهِ تَنْبِيهٌ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: مَحَلُّهُ أَنْ تَكُونَ مَقْبُوضَةً لِلْمُوَرِّثِ، أَمَّا لَوْ ابْتَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِاسْتِبْرَائِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْوَارِثُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَكَذَا شِرَاءٍ) مُلِكَتْ بِهِ الْأَمَةُ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ بَعْدَ لُزُومِهَا فَإِنَّهُ كَمِلْكِ الْأَمَةِ بِإِرْثٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالثَّانِي: لَا يُحْسَبُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، أَمَّا إذَا جَرَى الِاسْتِبْرَاءُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ لِضَعْفِ الْمِلْكِ، فَلَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمِلْكَ بِالتَّامِّ لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ: أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ الِاعْتِدَادُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلِّ هُنَاكَ ارْتِفَاعُ التَّحْرِيمِ الْمُسْتَنِدِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَانْقِطَاعُ سَلْطَنَةِ الْبَائِعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ، وَإِنْ بَقِيَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَنِدُ لِضَعْفِ الْمِلْكِ، وَانْقِطَاعُ التَّحْرِيمِ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْخِيَارِ (لَا هِبَةٍ) جَرَى الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ قَبْضِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا فَإِنْ قِيلَ: إنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ. أُجِيبَ بِدَفْعِ ذَلِكَ، إذْ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا غَيْرَ صَادِقٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقِيلَ: طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ تَنْبِيهٌ الْأَمَةُ الْمُوصَى بِهَا إذَا مَضَى زَمَنُ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَبَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ يُحْسَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ، وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَمَغِيبِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ لَا يَحْصُلُ كَمَا مَرَّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُوصَى بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ اسْتِبْرَاءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةُ وَطْءٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ اشْتَرَى) أَمَةً (مَجُوسِيَّةً) أَوْ نَحْوَهَا كَمُرْتَدَّةٍ (فَحَاضَتْ) أَوْ وُجِدَ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيِّ شَهْرٍ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ (ثُمَّ أَسْلَمَتْ) بَعْدَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 119 وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ إلَّا مَسْبِيَّةً فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْءٍ وَقِيلَ لَا وَإِذَا قَالَتْ: حِضْت صُدِّقَتْ، وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ فَقَالَ: أَخْبَرْتنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ   [مغني المحتاج] يَكْفِ) هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالثَّانِي يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ تَنْبِيهٌ يَلْتَحِقُ بِشِرَاءِ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا مَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ بِقَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ يَكْفِ مَا حَصَلَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يُعْتَدُّ بِاسْتِبْرَاءِ الْمَرْهُونَةِ فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ أَوْ لَا؟ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ، وَجَرَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الثَّانِي تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ أَوْجَهُ، إذَا تَعَلَّقَ الْغُرَمَاءُ بِمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ (وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ) قَبْلَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ بِوَطْءٍ لِمَا مَرَّ وَغَيْرُهُ كَقُبْلَةٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ حَلَّ مَا عَدَا الْوَطْءَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَقِيَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ إلَى الِاغْتِسَالِ (إلَّا) مُسْتَبْرَأَةً (مَسْبِيَّةً) وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (فَيَحِلُّ) لَهُ مِنْهَا (غَيْرُ وَطْءٍ) مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: " وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ مِنْ سَبْيِ جَلُولَاءَ فَنَظَرْتُ إلَيْهَا فَإِذَا عُنُقُهَا مِثْلُ إبْرِيقِ الْفِضَّةِ فَلَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ قَبَّلْتُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ " وَجَلُولَاءُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ مِنْ نَوَاحِي فَارِسَ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا جَلُولِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، فُتِحَتْ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ فَبَلَغَتْ غَنَائِمُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَفَارَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ غَيْرَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْلَدَةَ حَرْبِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا حَرُمَ وَطْؤُهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَاءِ حَرْبِيٍّ لَا لِحُرْمَةِ مَاءِ الْحَرْبِيِّ (وَقِيلَ: لَا) يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَسْبِيَّةِ أَيْضًا كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالْمُشْتَرَاةُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمَسْبِيَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَنَحْوِهِ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِمْتَاعِ الِاسْتِخْدَامُ فَلَا يَحْرُمُ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ تَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ بِهَا وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: وَلَا تُزَالُ يَدُ السَّيِّدِ عَنْ أَمَتِهِ الْمُسْتَبْرَأَةِ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ حَسْنَاءَ بَلْ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يُنْتَزَعْنَ مِنْ أَيْدِي أَصْحَابِهِنَّ، فَإِنْ وَطِئَهَا السَّيِّدُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ، فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْحَيْضِ بَقِيَ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ حَلَّتْ بِانْقِطَاعِهِ لِتَمَامِهِ قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا إنْ مَضَى قَبْلَ وَطْئِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَضَعَ كَمَا لَوْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحَيْضِ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ (وَإِذَا قَالَتْ) أَمَةٌ فِي زَمَنِ اسْتِبْرَائِهَا (حِضْتُ صُدِّقَتْ) بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا غَالِبًا، وَإِنَّمَا لَمْ تُحَلَّفْ لِأَنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَمْ يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ (وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ) الْوَطْءَ (فَقَالَ) لَهَا أَنْتِ (أَخْبَرْتِنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ) السَّيِّدُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 120 وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا إلَّا بِوَطْءٍ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] تَمَامِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُفَوَّضٌ إلَى أَمَانَتِهِ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا قَبْلَ غُسْلِهَا تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهَا تَحْلِيفَهُ قَالَ: وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ بَاطِنًا مِنْ تَمْكِينِهِ إنْ تَحَقَّقَتْ بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ أَبَحْنَاهَا لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَرْعَانِ: لَوْ ادَّعَى السَّيِّدُ حَيْضَهَا فَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَلَوْ وُرِثَتْ أَمَةٌ فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مُوَرِّثِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ (وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا) لِسَيِّدِهَا (إلَّا بِوَطْءٍ) لَا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ بِالْإِجْمَاعِ: كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَلَا بِالْخَلْوَةِ بِهَا وَلَا بِوَطْئِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ بِهَا حَتَّى إذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لَحِقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ التَّمَتُّعُ وَالْوَلَدُ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْخَلْوَةِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ التِّجَارَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ، فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْوَطْءِ وَيُعْلَمُ الْوَطْءُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُهُمَا فَصَحَّحَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ، وَصَحَّحَا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ اللُّحُوقَ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّحُوقِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: الْقَوْلُ بِاللُّحُوقِ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى الْأَمَةِ، وَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الْحُرَّةِ ثُمَّ أَشَارَ لِفَائِدَةِ كَوْنِ الْأَمَةِ فِرَاشًا بِقَوْلِهِ (فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزَمْعَةَ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَارِثِهِ بِالِاسْتِيلَادِ، وَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ أَيْ الزَّانِي الْحَجَرُ» : أَيْ الرَّجْمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا كَمَا مَرَّ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ (وَلَوْ أَقَرَّ) السَّيِّدُ (بِوَطْءٍ) لِأَمَتِهِ (وَنَفَى الْوَلَدَ) مِنْهَا (وَادَّعَى) بَعْدَ وَطْئِهَا (اسْتِبْرَاءً) مِنْهَا بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وَأَتَى الْوَلَدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ (لَمْ يَلْحَقْهُ) الْوَلَدُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ، وَفِي قَوْلٍ يَلْحَقُهُ تَخْرِيجًا مِنْ نَصِّهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَمَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ التَّسَرِّي إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَارَضَ الْوَطْءُ هُنَا الِاسْتِبْرَاءَ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اللُّحُوقُ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ مَعَ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ أَمَّا إذَا أَتَى الْوَلَدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَلْحَقُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَئِذٍ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ حِينَئِذٍ بِاللِّعَانِ قَالَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 121 فَإِنْ أَنْكَرَتْ الِاسْتِبْرَاءَ خُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَلَوْ ادَّعَتْ اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطْءِ، وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ قَالَ: وَطِئْتهَا وَعَزَلْت لَحِقَهُ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] اللِّعَانِ اهـ. وَنُسِبَ فِي ذَلِكَ لِلسَّهْوِ، فَإِنَّ السَّابِقَ هُنَاكَ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (فَإِنْ أَنْكَرَتْ) الْأَمَةُ (الِاسْتِبْرَاءَ حُلِّفَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ السَّيِّدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَكْفِي فِيهِ (أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ) وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي نَفْيِ وَلَدِ الْحُرَّةِ، وَهَلْ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ: اسْتَبْرَأْتُهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادَتِهَا هَذَا الْوَلَدَ، أَوْ يَقُولُ: وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ اسْتِبْرَائِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلٌّ مِنْهُمَا (وَقِيلَ: يَجِبُ) مَعَ حَلِفِهِ الْمَذْكُورِ (تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ) أَيْضًا لِيُثْبِتَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُ فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِتْقِ لَمْ يَلْحَقْهُ (وَلَوْ ادَّعَتْ) الْأَمَةُ (اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ) السَّيِّدُ (أَصْلَ الْوَطْءِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ) سَيِّدُهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْوَطْءِ وَكَانَ الْوَلَدُ مَنْفِيًّا عَنْهُ، وَإِنَّمَا حُلِّفَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّسَبِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْلِيفِ وَالثَّانِي: يُحَلَّفُ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ ثَبَتَ النَّسَبُ، فَإِذَا أَنْكَرَ حُلِّفَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: هُنَاكَ وَلَدٌ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ لَا يُحَلَّفُ جَزْمًا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّةَ دَعْوَى الْأَمَةِ الِاسْتِيلَادَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي، الْأَصَحِّ (وَلَوْ قَالَ) سَيِّدُ الْأَمَةِ (وَطِئْتُهَا وَعَزَلْتُ) وَقْتَ الْإِنْزَالِ مَائِي عَنْهَا (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَاءَ سَبَّاقٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ فَيَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ وَهُوَ لَا يُحِسُّ بِهِ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِنْزَالُ وَالثَّانِي: لَا يَلْحَقُهُ كَدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ خَاتِمَةٌ: لَوْ كَانَ السَّيِّدُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ بَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْهُ لِانْتِفَاءِ فِرَاشِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا مَرَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْحَقُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِالْيَمِينِ مَمْنُوعٌ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ النِّكَاحِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِانْتِفَاءِ لُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ بِأَنْ لَمْ يَدَّعِهِ، أَوْ ادَّعَاهُ وَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ، إذْ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا لَحِقَ السَّيِّدَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 122 كِتَابُ الرَّضَاعِ إنما يثبت   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الرَّضَاعِ] ِ هُوَ - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَإِثْبَاتُ التَّاءِ مَعَهُمَا - لُغَةً: اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَشَرْعًا: اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي مَعِدَةِ طِفْلٍ أَوْ دِمَاغِهِ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ الْآيَتَانِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّضَاعُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءًا لِلرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا فِي النَّسَبِ، وَتَقَدَّمَتْ الْحُرْمَةُ بِهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ وَحُكْمِ عُرُوضِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا سَيَأْتِي وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُرْضِعٌ، وَلَبَنٌ وَرَضِيعٌ وَبَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (إنَّمَا يَثْبُتُ) بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِهِ الْآتِيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ جَوَازَ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 123 بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَيَّةٍ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ،   [مغني المحتاج] وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ لَا بِالنِّسْبَةِ لِإِرْثٍ، وَنَفَقَةٍ، وَعِتْقٍ بِمِلْكٍ، وَسُقُوطِ قَوَدٍ وَرَدِّ شَهَادَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ (بِلَبَنِ امْرَأَةٍ) آدَمِيَّةٍ خَلِيَّةٍ أَوْ مُزَوَّجَةٍ (حَيَّةٍ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً حَالَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا (بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ) قَمَرِيَّةً تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا بِذَلِكَ، فَخَرَجَ بِاللَّبَنِ غَيْرُهُ كَأَنْ امْتَصَّ مِنْ الثَّدْيِ دَمًا أَوْ قَيْحًا، وَبِامْرَأَةٍ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا الرَّجُلُ فَلَا يَثْبُتُ بِلَبَنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلتَّغْذِيَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ، لَكِنْ يُكْرَهُ وَلِفَرْعِهِ نِكَاحُ مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ ثَانِيهَا: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْمَذْهَبُ تَوَقُّفُهُ إلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ فَلِلرَّضِيعِ نِكَاحُ أُمِّ الْخُنْثَى وَنَحْوِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ ثَالِثُهَا: الْبَهِيمَةُ، فَلَوْ ارْتَضَعَ صَغِيرَانِ مِنْ شَاةٍ مَثَلًا لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ، وَبِآدَمِيَّةٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا بَدَلَ الْمَرْأَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ الْجِنِّيَّةَ إنْ تُصُوِّرَ رَضَاعُهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَنَاكُحِهِمْ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تِلْوُ النَّسَبِ بِدَلِيلِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَاَللَّهُ قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَبِالْحَيَّةِ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَبَنِ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ، وَقِيلَ: يُحَرِّمُ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ هُوَ اللَّبَنُ، وَلَا يُقَالُ: مَاتَ اللَّبَنُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي ظَرْفٍ مَيِّتٍ، فَهُوَ كَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ حَيَّةٍ جُعِلَ فِي سِقَاءٍ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ، وَبِحَيَاةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 124 وَلَوْ حَلَبَتْ فَأُوجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ حَرَّمَ، وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعٍ حَرَّمَ إنْ غَلَبَ فَإِنْ غُلِبَ وَشَرِبَ الْكُلَّ قِيلَ أَوْ الْبَعْضَ حَرَّمَ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] مُسْتَقِرَّةٍ مَنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَيِّتَةِ، وَبَلَغَتْ إلَى آخِرِهِ مَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَبَنَهَا لَا يُحَرِّمُ، لِأَنَّهُ فَرْعُ الْحَمْلِ، وَالْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَكَذَا فَرْعُهُ بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَتْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا كَمَا مَرَّ، فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ، وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ كَمَا مَرَّ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الثُّيُوبَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، لِأَنَّ لَبَنَ الْبِكْرِ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ (وَلَوْ حَلَبَتْ) لَبَنَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (فَأُوجِرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ طِفْلٌ (بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ) لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ، كَذَا عَلَّلُوا بِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِحَلَالٍ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُرْضِعَهُ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَيَاةِ ثُمَّ تَحْلُبَ شَيْئًا فَيُوجَرَ بَعْدَ مَوْتِهَا، أَوْ تَحْلُبَ فِي خَمْسِ آنِيَةٍ ثُمَّ يُوجَرَ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي: لَا يُحَرِّمُ لِبُعْدِ إثْبَاتِ الْأُمُومَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: حَرَّمَ بِحَاءٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ مُخَالِفٌ لِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ اللَّبَنُ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ اسْمِهِ لَبَنًا فَقَالَ (وَلَوْ جُبِّنَ) أَوْ جُعِلَ مِنْهُ أَقِطٌ (أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ) أَوْ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ وَأُطْعِمَ الطِّفْلُ مِنْ ذَلِكَ (حَرَّمَ) لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ تَنْبِيهٌ عِبَارَتُهُ صَادِقَةٌ بِإِطْعَامِ الزُّبْدِ نَفْسِهِ وَبِاللَّبَنِ الَّذِي نُزِعَ زُبْدُهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَرِّمٌ (وَلَوْ خُلِطَ) اللَّبَنُ (بِمَائِعٍ) طَاهِرٍ كَمَاءٍ أَوْ نَجِسِ خَمْرٍ (حَرَّمَ إنْ غَلَبَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْمَائِعِ بِظُهُورِ أَحَدِ صِفَاتِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، إذْ الْمَغْلُوبُ كَالْمَعْدُومِ، وَسَوَاءٌ أَشَرِبَ الْكُلَّ أَمْ الْبَعْضَ (فَإِنْ غُلِبَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِأَنْ زَالَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ حِسًّا وَتَقْدِيرًا (وَشَرِبَ) الرَّضِيعُ (الْكُلَّ) حَرَّمَ (قِيلَ: أَوْ) شَرِبَ (الْبَعْضَ حَرَّمَ) أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ، وَلَيْسَ كَالنَّجَاسَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ، فَإِنَّهَا تُجْتَنَبُ لِلِاسْتِقْذَارِ وَهُوَ مُنْدَرِجٌ بِالْكَثْرَةِ، وَلَا كَالْخَمْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ، فَإِنَّ الْحَدَّ مَنُوطٌ بِالشِّدَّةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ وَالثَّانِي: لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُسْتَهْلَكُ كَالْمَعْدُومِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ شُرْبَ الْبَعْضِ لَا يُحَرِّمُ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ وُصُولِ اللَّبَنِ مِنْهُ إلَى الْجَوْفِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَأَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ حَرَّمَ جَزْمًا تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ قَدْرًا يُمْكِنُ أَنْ يُسْقَى مِنْهُ خَمْسٌ دَفْعًا لَوْ انْفَرَدَ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَقَرَّاهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا شَرِبَ مِنْ الْمُخْتَلِطِ خَمْسَ دَفَعَاتٍ أَوْ كَانَ حُلِبَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 125 وَيُحَرِّمُ إيجَارٌ وَكَذَا إسْعَاطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] خَمْسِ آنِيَةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ دَفْعَةً بَعْدَ أَنْ سُقِيَ اللَّبَنَ الصِّرْفَ أَرْبَعًا، فَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ اُعْتُبِرَ قَدْرُ اللَّبَنِ بِمَاءٍ لَهُ لَوْنٌ قَوِيٌّ يَسْتَوْلِي عَلَى الْخَلِيطِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ يَظْهَرُ فِي الْخَلِيطِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُفْهِمُ تَقْيِيدُهُ بِالْمَائِعِ أَنَّ خَلْطَهُ بِالْجَامِدِ لَا يُحَرِّمُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ يُحَرِّمُ، وَسَكَتَ عَنْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ، وَحُكْمُهُ يُؤْخَذُ مِنْ الثَّانِيَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَبَنُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُخْتَلِطُ يُثْبِتُ أُمُومَتَهُمَا، وَفِي الْمَغْلُوبِ مِنْ اللَّبَنَيْنِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فَيُثْبِتُ الْأُمُومَةَ الْغَالِبَةَ اللَّبَنُ، وَكَذَا لِمَغْلُوبَتِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، وَلَا يَضُرُّ فِي التَّحْرِيمِ غَلَبَةُ الرِّيقِ لِقَطْرَةِ اللَّبَنِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْفَمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالرُّطُوبَاتِ فِي الْمَعِدَةِ (وَيُحَرِّمُ) بِرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ (إيجَارٌ) وَهُوَ صَبُّ اللَّبَنِ فِي الْحَلْقِ لِحُصُولِ التَّغْذِيَةِ بِهِ كَالِارْتِضَاعِ تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ التَّحْرِيمُ بِمُجَاوَزَةِ اللَّبَنِ الْحَلْقَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَعِدَةَ كَمَا يُفْطِرُ بِمِثْلِهِ الصَّائِمُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ اعْتَبَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوُصُولَ إلَى الْمَعِدَةِ، وَجَرَيَا عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، فَلَوْ تقايأه قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لَمْ يُحَرِّمْ (وَكَذَا إسْعَاطٌ) وَهُوَ صَبُّ اللَّبَنِ فِي الْأَنْفِ لِيَصِلَ الدِّمَاغَ يُحَرِّمُ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِذَلِكَ، لِأَنَّ الدِّمَاغَ جَوْفٌ لَهُ كَالْمَعِدَةِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 126 لَا حُقْنَةٌ فِي الْأَظْهَرِ وَشَرْطُهُ: رَضِيعٌ حَيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ   [مغني المحتاج] وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ كَالْحُقْنَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (لَا حُقْنَةٌ) وَهِيَ مَا يَدْخُلُ فِي الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ مِنْ دَوَاءٍ فَلَا يُحَرِّمُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْتِفَاءِ التَّغَذِّي؛ لِأَنَّهَا لِإِسْهَالِ مَا انْعَقَدَ فِي الْمَعِدَةِ، وَالثَّانِي: تُحَرِّمُ كَمَا يَحْصُلُ بِهَا الْفِطْرُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْفِطْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى جَوْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعِدَةً وَلَا دِمَاغًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلِهَذَا لَمْ يُحَرِّمْ التَّقْطِيرُ فِي الْأُذُنِ أَوْ الْجِرَاحَةُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَعِدَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَلَا يُحَرِّمُ وُصُولُهُ إلَى جَوْفٍ أَوْ مَعِدَةٍ بِصَبِّهِ فِي الْعَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْمَسَامِّ ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الرَّضِيعُ، فَقَالَ (وَشَرْطُهُ) أَيْ رُكْنُهُ (رَضِيعٌ) وَلَهُ شُرُوطٌ شَرَعَ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ (حَيٌّ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَلَا أَثَرَ لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِ الْمَيِّتِ بِالِاتِّفَاقِ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّغْذِيَةِ وَنَبَاتِ اللَّحْمِ، وَكَذَا إذَا انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَشَرْطُهُ حَيَاةُ رَضِيعٍ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته (لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 127 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِالْأَهِلَّةِ، فَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ ثُمَّ عَدَّدَهُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ، فَإِنْ بَلَغَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ ارْتِضَاعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] جَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَفْهَمَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ، وَلِخَبَرِ «لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْضِعِيهِ أَيْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 128 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَهُوَ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ بِسَالِمٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ خَاصًّا بِسَالِمٍ كَمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 129 وخَمْسُ رَضَعَاتٍ،   [مغني المحتاج] يُؤَثِّرْ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَالْأَشْبَهُ تَرْجِيعُ التَّأْثِيرِ لِوُجُودِ الرَّضَاعِ حَقِيقَةً، وَهُوَ قِيَاسُ مَا صَحَّحَهُ فِيمَنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ فَحَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ مِنْ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، وَعَلَيْهِ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ ارْتَضَعَ مَمْنُوعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ارْتِكَابِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ، إذْ الْمَحْكِيُّ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ: ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ وَانْتِهَاؤُهُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْحَزِّ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ نَظَائِرِهَا عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهَا اسْتِصْحَابًا لِلضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ، إذْ الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا تَحْرِيمَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصُّ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَنَّهُ يُحَرِّمُ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرَّمَ (وَخَمْسُ رَضَعَاتٍ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 130 وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ   [مغني المحتاج] «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ» أَيْ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ أَوْ يَقْرَؤُهُنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِهِ وَقِيلَ: يَكْفِي رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ تُثْبِتُ كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذَا بِقَاعِدَتِهِ وَهِيَ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَجِدَ دَلِيلًا سِوَاهُ، وَالسُّنَّةُ نَاصَّةٌ عَلَى الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالْعَشَرَةِ مَنْسُوخٌ بِالْخَمْسِ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِالْخَمْسِ لَا بِمَا دُونَهَا، وَلَوْ وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِأَقَلَّ مِنْهَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْسُ نَاسِخًا وَصَارَ مَنْسُوخًا كَالْعَشْرِ، فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ قُرْآنًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنْ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، فَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ» وَإِنَّمَا قُدِّمَ مَفْهُومُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَاتِ الرَّضَعَاتِ بَلْ لَوْ أُوجِرَ مَرَّةً وَسُعِطَ وَارْتَضَعَ مَرَّةً وَأَكَلَ مِمَّا صُنِعَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسٍ أَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْإِدْرَاكِ خَمْسٌ تَنْبِيهٌ ضَادُ رَضَعَاتٍ مَفْتُوحَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ فَعْلَةً عَلَمًا كَانَتْ أَوْ مَصْدَرًا تُفْتَحُ عَيْنُهَا فِي الْجَمْعِ، نَحْوُ ظَبَيَاتٍ وَحَسَرَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةً سُكِّنَتْ عَيْنُهَا كَعَصْبَاتٍ (وَ) الْخَمْسُ رَضَعَاتٍ (ضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ) إذْ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 131 فَلَوْ قَطَعَ إعْرَاضًا تَعَدَّدَ،   [مغني المحتاج] كَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، فَمَا قُضِيَ بِكَوْنِهِ رَضْعَةً أَوْ رَضَعَاتٍ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا (فَلَوْ قَطَعَ) الرَّضِيعُ الِارْتِضَاعَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ (إعْرَاضًا) عَنْ الثَّدْيِ (تَعَدَّدَ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 132 أَوْ لِلَّهْوِ وَعَادَ فِي الْحَالِ   [مغني المحتاج] الصَّدْرِ حَكَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ طَارَتْ قَطْرَةٌ إلَى فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ بِرِيقِهِ وَعَبَرَتْهُ عُدَّ رَضْعَةً، وَمِثْلُهُ إسْعَاطُ قَطْرَةٍ، وَقَدْ ضَبَطُوا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ هَذَا رَضْعَةً، وَكَيْفَ هَذَا مَعَ وُرُودِ الْخَبَرِ «أَنَّ الرَّضَاعَ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَرَ الْعَظْمَ» اهـ. وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ: يُكْتَفَى فِيهِ بِثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِسُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ بِقِلَّةٍ وَلَا بِكَثْرَةٍ اعْتَبَرْنَا أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَمَا أَجَابَ بِهِ الْغَزِّيُّ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الرَّضْعَةِ لَا حَدَّ لَهُ، وَالضَّبْطُ إنَّمَا هُوَ لِكَثْرَتِهَا مَمْنُوعٌ تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ وَأَطَالَتْهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ رَضْعَةً، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَرَّةً فَقَطَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ الْأَكْلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَكَلَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ فِعْلُ الْمُرْضِعَةِ وَالرَّضِيعِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ أَوْ أَوْجَرَتْهُ لَبَنًا وَهُوَ نَائِمٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُعْتَدَّ بِقَطْعِهَا كَمَا يُعْتَدُّ بِقَطْعِهِ (أَوْ) قَطَعَهُ (لِلَّهْوِ) أَوْ نَحْوِهِ كَنَوْمَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ تَنَفُّسٍ أَوْ ازْدِرَادِ مَا جَمَعَهُ مِنْ اللَّبَنِ فِي فَمِهِ (وَعَادَ فِي الْحَالِ) فَلَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 133 أَوْ تَحَوَّلَ   [مغني المحتاج] تَعَدُّدَ بَلْ الْكُلُّ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ طَالَ لَهْوُهُ أَوْ نَوْمُهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّدْيُ، فِي فَمِهِ فَرَضْعَةٌ، وَإِلَّا فَرَضْعَتَانِ، فَتَقْيِيدُ الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةَ اللَّهْوِ بِبَقَاءِ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُطِلْ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّدْيُ فِي فَمِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَيُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ (أَوْ تَحَوَّلَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 134 مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ فَلَا.   [مغني المحتاج] الرَّضِيعُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَحْوِيلِ الْمُرْضِعَةِ فِي الْحَالِ (مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ) آخَرَ أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ عَادَتْ (فَلَا) تَتَعَدَّدُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ فِي الْحَالِ تَعَدَّدَ الْإِرْضَاعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 135 وَلَوْ حَلَبَ مِنْهَا دَفْعَةً وَأَوْجَرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ فَرَضْعَةٌ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ وَلَوْ شُكَّ هَلْ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ؟ فَلَا تَحْرِيمَ، وَفِي الثَّانِيَة قَوْلٌ، أَوْ وَجْهٌ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُرْضِعَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا إذَا تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ إلَى ثَدْيِ أُخْرَى فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الرَّضْعَةَ أَنْ يَتْرُكَ الثَّدْيَ وَلَا يَعُودَ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَقَدْ وُجِدَ فَائِدَةٌ: الثَّدْيُ بِفَتْحِ الثَّاءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالتَّذْكِيرُ أَشْهَرُ، وَيَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ خَصَّهُ بِهَا (وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا) لَبَنٌ (دَفْعَةً وَأُوجِرَهُ) أَيْ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ أَوْ دِمَاغِهِ بِإِيجَارٍ أَوْ إسْعَاطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (خَمْسًا) أَيْ خَمْسَ مَرَّاتٍ (أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسًا وَأُوجِرَ الرَّضِيعُ دَفْعَةً (فَرَضْعَةٌ) وَاحِدَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ اعْتِبَارًا فِي الْأُولَى بِحَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِحَالَةِ وُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ) فِيهِمَا تَنْزِيلًا فِي الْأُولَى لِلْإِنَاءِ مَنْزِلَةَ الثَّدْيِ، وَنَظَرًا فِي الثَّانِي إلَى حَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ أَمَّا لَوْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسَ دَفَعَاتٍ وَأُوجِرَهُ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ فَهُوَ خَمْسٌ قَطْعًا، وَإِنْ خُلِطَ ثُمَّ فُرِّقَ وَأُوجِرَهُ خَمْسَ دَفَعَاتٍ فَخَمْسٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالْمَحْلُوبِ دَفْعَةً تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مِنْهَا فَرَضَ الْخِلَافَ فِي الْوَاحِدَةِ، فَلَوْ حُلِبَ خَمْسُ نِسْوَةٍ فِي إنَاءٍ وَأُوجِرَهُ الطِّفْلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةٌ، وَإِنْ أُوجِرَهُ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: خَمْسٌ (وَ) لَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَتَيَقُّنِ كَوْنِ الرَّضِيعِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا (لَوْ شُكَّ) فِي رَضِيعٍ (هَلْ رَضَعَ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، أَوْ فِي دُخُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ، أَوْ فِي أَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، أَوْ فِي أَنَّهُ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا؟ (فَلَا تَحْرِيمَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ذُكِرَ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ (وَفِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ) بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَوْلَيْنِ، وَرَجَّحَ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ أَنَّهُ قَوْلٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 136 وَتَصِير الْمُرْضِعَةُ أُمَّهُ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأُولَى وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي مِنْ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ إلَى أُصُولِهِمَا وَفُرُوعِهِمَا وَحَوَاشِيهِمَا، وَمِنْ الرَّضِيعِ إلَى فُرُوعِهِ فَقَطْ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَنَقُولُ (تَصِيرُ الْمُرْضِعَةُ) بِذَلِكَ (أُمَّهُ) بِنَصِّ الْقُرْآنِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 137 وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ أَبَاهُ، وَتَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَى أَوْلَادِهِ،   [مغني المحتاج] (وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ) الْمُحْتَرَمُ وَهُوَ الْفَحْلُ (أَبَاهُ، وَتَسْرِي) أَيْ تَنْتَشِرُ (الْحُرْمَةُ) مِنْ الرَّضِيعِ (إلَى أَوْلَادِهِ) فَقَطْ كَمَا مَرَّ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ النَّسَبِ أَمْ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 138 وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلِدَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] أَوْلَادِهِ " عَنْ آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ، فَلَا تَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَيْهِمْ، فَلِأَبِيهِ وَأَخِيهِ نِكَاحُ الْمُرْضِعَةِ وَبَنَاتِهَا، وَلِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الطِّفْلِ وَأُخْتِهِ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ فِي الْمُعَايَاةِ: وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الْمُنْتَشِرَةُ مِنْهَا أَيْ الْمُرْضِعَةِ إلَيْهِ أَيْ الطِّفْلِ أَعَمَّ مِنْ الْحُرْمَةِ الْمُنْتَشِرَةِ مِنْهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِفِعْلِهَا أَيْ غَالِبًا، فَكَانَ التَّأْثِيرُ أَكَثَرَ، وَلَا صُنْعَ لِلطِّفْلِ فِيهِ: أَيْ غَالِبًا، فَكَانَ تَأْثِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ أَخَصَّ اهـ. وَلَمَّا كَانَ اللَّبَنُ لِلْفَحْلِ كَانَ كَالْأُمِّ تَنْبِيهٌ جَعَلَ الشَّارِحُ ضَمِيرَ أَوْلَادِهِ لِلْفَحْلِ وَالْأَوْلَى عَوْدُهُ لِلرَّضِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ، بَلْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: إنَّ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ سَهْوٌ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ فَقَدْ تُوجَدُ الْأُمُومَةُ دُونَ الْأُبُوَّةِ كَبِكْرٍ دَرَّ لَهَا لَبَنٌ أَوْ ثَيِّبٍ لَا زَوْجَ لَهَا، وَقَدْ تُوجَدُ الْأُبُوَّةُ دُونَ الْأُمُومَةِ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ (لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ) لَهُ (أَرْبَعُ نِسْوَةٍ) دَخَلَ بِهِنَّ (وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً) وَلَوْ مُتَوَالِيًا (صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لَبَنَ الْجَمِيعِ مِنْهُ (فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الطِّفْلِ (لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ) لَا لِكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتٍ لَهُ، وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ ابْنَهُ؛ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَابِعَةٌ لِلْأُمُومَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ (وَلَوْ كَانَ) لِلرَّجُلِ (بَدَلُ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ) فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً (فَلَا حُرْمَةَ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالطِّفْلِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْجُدُودَةَ لِلْأُمِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْخُؤُولَةَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَثْبُتَانِ بِتَوَسُّطِ الْأُمُومَةِ، وَلَا أُمُومَةَ هُنَا، وَالثَّانِي: تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ تَنْزِيلًا لِلْبَنَاتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ مَنْزِلَةَ الْوَاحِدَةِ أَيْ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَرْعٌ: لَوْ ارْتَضَعَتْ صَغِيرَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ مَوْطُوآتِهِ الْخَمْسِ رَضْعَةً وَاللَّبَنُ لِغَيْرِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَمْ تَثْبُتْ فَلَا تَكُونُ رَبِيبَةً، وَلَعَلَّ هَذِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 139 وَآبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ، وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتُهُ، وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَأَبُو اللَّبَنِ جَدُّهُ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ وَكَذَا الْبَاقِي، وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ نَزَلَ بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ لَا زِنًا، وَلَوْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ عَنْهُ وَلَوْ وَطِئْت مَنْكُوحَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ   [مغني المحتاج] مَقَالَةٌ لِابْنِ الْقَاصِّ (وَآبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى أُصُولِهَا، فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ أُنْثَى حُرِّمَ عَلَيْهِمْ نِكَاحُهَا (وَأُمَّهَاتُهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (جَدَّاتُهُ) لِمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ ذَكَرًا حُرِّمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ (وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى فُرُوعِهَا (وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى حَوَاشِيهَا فَيَحْرُمُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ (وَأَبُو ذِي) أَيْ صَاحِبِ (اللَّبَنِ جَدُّهُ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ) أَيْ الرَّضِيعِ (وَكَذَا الْبَاقِي) مِنْ أَقَارِبِ صَاحِبِ اللَّبَنِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَأُمُّهُ جَدَّتُهُ وَأَوْلَادُهُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهُ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ لِمَا مَرَّ، أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى أُصُولِ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَفُرُوعِهِ وَحَوَاشِيهِ (وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ) أَوْ سِقْطٌ (نَزَلَ) أَيْ دَرَّ اللَّبَنُ (بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ) كَمَا فِي الْوَلَدِ اتِّبَاعًا لِلرَّضَاعِ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ فِيهِ ثَابِتٌ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ: يُشْتَرَطُ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ فَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ ثَارَ لِلْمَرْأَةِ لَبَنٌ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَمْ تَحْبَلْ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهَا دُونَ الزَّوْجِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِيمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَقَالَ فِيمَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الْحَمْلِ: الْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهَا دُونَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ثَوَّرَ أَعْضَاءَهَا بِالْوَطْءِ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ كَالْوَلَدِ بِالنِّكَاحِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ: أَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ كَالزَّوْجَةِ (لَا) بِوَطْءِ (زِنًا) فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي نِكَاحُ صَغِيرَةٍ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ نِكَاحُهَا كَنِكَاحِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا (وَلَوْ نَفَاهُ) أَيْ نَفَى مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ الْوَلَدَ (بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ) النَّازِلُ بِهِ كَالنَّسَبِ (عَنْهُ) فَلَوْ ارْتَضَعَتْ بِهِ صَغِيرَةٌ حَلَّتْ لِلنَّافِي، وَلَوْ عَادَ وَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ بَعْدَ اللِّعَانِ لَحِقَهُ الرَّضِيعُ أَيْضًا (وَلَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ) أَيْ وَطِئَهَا وَاحِدٌ (بِشُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ) امْرَأَةً (بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ) وَلَدًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 140 فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِقَائِفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْجٍ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ انْقَطَعَ وَعَادَ فَإِنْ نَكَحَتْ آخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ وَقَبْلَهَا لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي، وَكَذَا إنْ دَخَلَ، وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا   [مغني المحتاج] (فَاللَّبَنُ) النَّازِلُ بِهِ (لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ) مِنْهُمَا: إمَّا (بِقَائِفٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا (أَوْ) لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِسَبَبٍ (غَيْرِهِ) بِأَنْ انْحَصَرَ الْإِمْكَانُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَانْتَسَبَ الْوَلَدُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ مِنْ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ، فَالرَّضِيعُ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ وَلَدُ رَضَاعٍ لِمَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الِانْتِسَابِ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ، أَوْ أَوْلَادٌ وَانْتَسَبَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا وَبَعْضُهُمْ لِذَاكَ دَامَ الْإِشْكَالُ، فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ الِانْتِسَابِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا إذَا انْتَسَبَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا وَبَعْضُهُمْ لِذَاكَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ انْتَسَبَ الرَّضِيعُ حِينَئِذٍ أَمَّا قَبْلَ انْقِرَاضِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِسَابُ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ أَوْ وَلَدِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الِانْتِسَابِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ لِضَرُورَةِ النَّسَبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ لَهُ وَعَلَيْهِ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الْإِشْكَالِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالرَّضَاعِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ، وَجَوَازُ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ كَمَا مَرَّ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ سَهْلٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ الرَّضِيعُ وَلَا يُعْرَضُ أَيْضًا عَلَى الْقَائِفِ، وَيُفَارِقُ وَلَدَ النَّسَبِ بِأَنَّ مُعْظَمَ اعْتِمَادِ الْقَائِفِ عَلَى الْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْأَخْلَاقِ، وَإِنَّمَا جَازَ انْتِسَابُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ إلَى مَنْ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ (وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ) صَاحِبِهِ مِنْ (زَوْجٍ) أَوْ غَيْرِهِ (مَاتَ أَوْ) زَوْجٍ (طَلَّقَ) وَلَهُ اللَّبَنُ (وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) كَعَشْرِ سِنِينَ وَلَهُ لَبَنٌ ارْتَضَعَ مِنْهُ جُمِعَ بِتَرْتِيبٍ (أَوْ انْقَطَعَ) اللَّبَنُ (وَعَادَ) إذْ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُحَالُ اللَّبَنُ عَلَيْهِ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْخَلِيَّةِ فَاسْتَمَرَّتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ (فَإِنْ نَكَحَتْ) بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقِ مَنْ ذُكِرَ زَوْجًا (آخَرَ) أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ (وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ) أَيْ لِلْآخَرِ أَوْ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَتْبَعُ الْوَلَدَ وَالْوَلَدُ لِلثَّانِي فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ (وَقَبْلَهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ يَكُونُ (لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُغَيِّرُهُ، وَسَوَاءٌ أَزَادَ عَلَى مَا كَانَ أَمْ لَا، انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ أَمْ لَا، وَيَرْجِعُ فِي أَوَّلِ مُدَّةٍ يَحْدُثُ فِيهَا لَبَنُ الْحَمْلِ لِلْقَوَابِلِ عَلَى النَّصِّ وَقِيلَ: إنَّ أَوَّلَ مُدَّتِهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَكَذَا إنْ دَخَلَ) وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي يَكُونُ اللَّبَنُ أَيْضًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ غِذَاءٌ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ فَيَتْبَعُ الْمُنْفَصِلَ (وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي) لِأَنَّ الْحَمْلَ نَاسِخٌ فَقَطَعَ حُكْمَ مَا قَبْلَهُ كَالْوِلَادَةِ (وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا) مَعًا لِأَنَّ احْتِمَالَ الْأَمْرَيْنِ يُوجِبُ تَسَاوِيَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 141 فَصْلٌ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ مَهْرِهَا، وَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَمَحَلُّهُ إذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ عَادَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ أَوْ انْقَطَعَ مُدَّةً يَسِيرَةً فَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُ أَنَّهُ لِلثَّانِي فَقَطْ بَلْ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَهُمَا، أَوْ لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَزِدْ، وَلَهُمَا إنْ زَادَ تَتِمَّةٌ: لَوْ حَمَلَتْ مُرْضِعَةٌ مُزَوَّجَةٌ مِنْ زِنًا فَاللَّبَنُ لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَضَعْ، فَإِذَا وَضَعَتْ كَانَ اللَّبَنُ لِلزِّنَا نَظِيرَ مَا لَوْ حَمَلَتْ بِغَيْرِ زِنًا وَلَوْ نَزَلَ لِبِكْرٍ لَبَنٌ وَتَزَوَّجَتْ وَحَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَاللَّبَنُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَلِدْ وَلَا أَبَ لِلرَّضِيعِ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ [فَصْلٌ فِي طَرَيَانُ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ] (فَصْلٌ) فِي طَرَيَانِ الرَّضَاعِ عَلَى النِّكَاحِ مَعَ الْغُرْمِ بِسَبَبِ قَطْعِهِ النِّكَاحَ، لَوْ كَانَ (تَحْتَهُ) زَوْجَةٌ (صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا) الْإِرْضَاعَ الْمُحَرِّمَ (أُمُّهُ) أَيْ الزَّوْجِ (أَوْ أُخْتُهُ) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى) لَهُ أَوْ غَيْرُهُنَّ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا كَزَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخَاهُ بِلَبَنِهِمْ (انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) مِنْ الصَّغِيرَةِ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتَهُ، أَوْ بِنْتَ أُخْتِهِ، أَوْ بِنْتَ زَوْجَتِهِ، أَوْ أُخْتَهُ أَيْضًا، أَوْ بِنْتَ ابْنِهِ، أَوْ بِنْتَ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ كَمَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ يَمْنَعُ اسْتِدَامَتَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ الِابْنَ إذَا وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَطُرُوِّ الرِّدَّةِ وَالْعِدَّةِ لِعَدَمِ إيجَابِهِمَا التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ أَمَّا إذَا كَانَ اللَّبَنُ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ فَلَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ تَصِيرَ رَبِيبَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ، وَلَيْسَتْ بِحَرَامٍ عَلَيْهِ، وَانْفَسَخَ نِكَاحُ زَوْجَتِهِ الْأُخْرَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُرْضِعَةَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ بِنْتِهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ (وَلِلصَّغِيرَةِ) عَلَى الزَّوْجِ (نِصْفُ مَهْرِهَا) الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ فِرَاقٌ حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بِسَبَبِهَا فَشَطَرَ الْمَهْرَ كَالطَّلَاقِ (وَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ) عَلَى النَّصِّ أَمَّا الْغُرْمُ فَلِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ سَوَاءٌ أَقَصَدَتْ بِإِرْضَاعِهَا فَسْخَ النِّكَاحِ أَمْ لَا، تَعَيَّنَ عَلَيْهَا لِخَوْفِ تَلَفِ الصَّغِيرَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ غَرَامَةَ الْمُتْلَفَاتِ لَا تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا النِّصْفُ فَلِأَنَّهُ الَّذِي يَغْرَمُهُ فَاعْتُبِرَ مَا يَجِبُ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَوْجَرَ الصَّغِيرَةَ أَجْنَبِيٌّ لَبَنَ أُمِّ الزَّوْجِ كَانَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَكْرَهَ أَجْنَبِيٌّ الْأُمَّ عَلَى إرْضَاعِهَا فَأَرْضَعَتْهَا فَالْغُرْمُ عَلَيْهَا طَرِيقًا وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِيُوَافِقَ قَاعِدَةَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِتْلَافِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، وَبِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا لِلْحَيْلُولَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْمُكْرِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ مَعَ دُخُولِ إتْلَافِهِ فِي الْقَاعِدَةِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا لِلْحَيْلُولَةِ يَرُدُّهُ مَا سَيَأْتِي عَنْ قُرْبٍ مِنْ الْفَرْقِ، بَيْنَ مَا هُنَا وَشُهُودِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 142 وَفِي قَوْلٍ كُلُّهُ وَلَوْ رَضَعَتْ مِنْ نَائِمَةٍ فَلَا غُرْمَ وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَتْ الصَّغِيرَةُ وَكَذَا الْكَبِيرَةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا   [مغني المحتاج] الطَّلَاقِ إذَا رَجَعُوا (وَفِي قَوْلٍ) مُخَرَّجٍ مِنْ رُجُوعِ شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمَهْرُ (كُلُّهُ) وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فُرْقَةَ الرَّضَاعِ حَقِيقَةٌ فَلَا تُوجِبُ إلَّا النِّصْفَ كَالْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ، وَفِي الشَّهَادَةِ النِّكَاحُ بَاقٍ بِزَعْمِ الزَّوْجِ وَالشُّهُودِ، وَلَكِنَّهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُضْعِ فَغَرِمُوا قِيمَتَهُ كَالْغَاصِبِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَغْصُوبِ تَنْبِيهٌ مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَحَلُّهُ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ لَهَا فِي الْإِرْضَاعِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَلَا غُرْمَ، وَإِكْرَاهُهُ لَهَا عَلَى الرَّضَاعِ إذْنٌ وَزِيَادَةٌ، وَمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ فِي الزَّوْجِ الْحُرِّ، فَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَرْضَعَتْ أُمُّهُ مَثَلًا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْغُرْمُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ لِلسَّيِّدِ كَعِوَضٍ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ لَمْ يَفُتْ إلَّا عَلَى الْعَبْدِ وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ الْبُضْعِ فَكَانَ لِلسَّيِّدِ كَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُرْضِعَةُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَتَهُ وَلَوْ مُدَبَّرَةً وَمُسْتَوْلَدَةً فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَةً رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْغُرْمِ مَا لَمْ تَعْجِزْ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَهْرِ الْكَبِيرَةِ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَإِلَّا فَلَا فَرْعٌ: لَوْ نَكَحَ عَبْدٌ أَمَةً صَغِيرَةً مُفَوَّضَةً بِتَفْوِيضِ سَيِّدِهَا فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ مَثَلًا فَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي كَسْبِهِ، وَلَا يُطَالِبُ سَيِّدُهُ الْمُرْضِعَةَ إلَّا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا صَوَّرُوا ذَلِكَ بِالْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحُرَّةِ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ (وَلَوْ) دَبَّتْ صَغِيرَةٌ وَ (رَضَعَتْ) خَمْسَ رَضَعَاتٍ (مِنْ) كَبِيرَةٍ (نَائِمَةٍ) أَوْ مُسْتَيْقِظَةٍ سَاكِتَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (فَلَا غُرْمَ) عَلَى مَنْ رَضَعَتْ مِنْهَا، لِأَنَّهَا لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا (وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ) لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ حَصَلَ بِفِعْلِهَا، وَذَلِكَ يُسْقِطُ الْمَهْرَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ فِي مَالِهَا بِنِسْبَةِ مَا غَرِمَ لِكَبِيرَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ عَلَيْهِ بُضْعَ الْكَبِيرَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي غُرْمِهِ الْمُتْلَفَاتِ بَيْنَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَتْ الرِّيحُ اللَّبَنَ مِنْ الْكَبِيرَةِ إلَى جَوْفِ الصَّغِيرَةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُمَا وَلَوْ دَبَّتْ الصَّغِيرَةُ فَارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّ الزَّوْجِ أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْضَعَتْهَا أُمُّ الزَّوْجِ الْخَامِسَةَ أَوْ عَكْسُهُ اخْتَصَّ التَّغْرِيمُ بِالْخَامِسَةِ (وَلَوْ كَانَ) (تَحْتَهُ) زَوْجَتَانِ (كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ) (انْفَسَخَتْ الصَّغِيرَةُ) أَيْ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُخْتًا لِلْكَبِيرَةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ (وَكَذَا الْكَبِيرَةُ) يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ وَالثَّانِي يَخْتَصُّ الِانْفِسَاخُ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِإِرْضَاعِهَا، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْجَدِيدِ وَالْأَوَّلُ لِلْقَدِيمِ (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ (لَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) عَلَى الِانْفِرَادِ، لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ وَالْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 143 وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَتَغْرِيمُهُ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ، وَلَوْ نَكَحَتْ مُطَلَّقَتُهُ صَغِيرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ حُرِّمَتْ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ السَّيِّدِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيِّدِ،   [مغني المحتاج] (وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ) عَلَى الزَّوْجِ (وَتَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ) عَلَى (مَا سَبَقَ) فِي إرْضَاعِ أُمِّ الزَّوْجِ وَنَحْوِهَا الصَّغِيرَةَ فَعَلَيْهِ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى الصَّحِيحِ أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ، وَلَهُ عَلَى أُمِّهَا الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: كُلُّهُ (وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً) حُكْمُهَا فِي غُرْمِ الزَّوْجِ مَهْرَهَا وَتَغْرِيمِهِ الْمُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ فِي الصَّغِيرَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ الْوَطْءِ، فَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَهُ عَلَى أُمِّهَا الْمُرْضِعَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَفِي قَوْلِهِ: كُلُّهُ (فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا لِبِنْتِهَا الْمَهْرُ بِكَمَالِهِ وَالثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يَتَقَدَّرُ لِلزَّوْجِ، فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بِالْمَسِيسِ مَا يُقَابِلُ الْمَهْرَ تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ بِأُمِّ الْكَبِيرَةِ عَمَّا لَوْ أَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ نَفْسُهَا الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةٌ فَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْأَئِمَّةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ نِكَاحُهَا عَنْ مَهْرٍ فَتَصِيرُ كَالْمَوْهُوبَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النُّبُوَّةِ (وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ) زَوْجَتِهِ (الْكَبِيرَةِ) زَوْجَتَهُ (الصَّغِيرَةَ) (حَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا) لِأَنَّهَا جَدَّةُ امْرَأَتِهِ (وَكَذَا الصَّغِيرَةُ) حَرُمَتْ أَبَدًا (إنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً) لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً لَمْ تَحْرُمْ الصَّغِيرَةُ؛ لِأَنَّ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ، وَفِي الْغُرْمِ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ مَا مَرَّ (وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ) زَوْجَةٌ (صَغِيرَةٌ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ) فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَا نَظَرَ إلَى حُصُولِ الْأُمُومَةِ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ إلْحَاقًا لِلطَّارِئِ بِالْمُقَارِنِ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ (وَلَوْ نَكَحَتْ مُطَلَّقَتُهُ) الْحُرَّةُ (صَغِيرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ حَرُمَتْ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا) أَمَّا الْمُطَلِّقُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ زَوْجَةَ ابْنِهِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّهُ أَوْ زَوْجَةَ أَبِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ أَمَةً لَمْ تَحْرُمْ عَلَى الْمُطَلِّقِ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ أَمَةً فَلَمْ تَصِرْ حَلِيلَةَ ابْنِهِ فَرْعٌ: لَوْ فَسَخَتْ كَبِيرَةٌ نِكَاحَ صَغِيرٍ بِعَيْبٍ فِيهِ مَثَلًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا فَارْتَضَعَ الصَّغِيرُ بِلَبَنِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا أَبَدًا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ صَارَ ابْنًا لِلْكَبِيرِ، فَهِيَ زَوْجَةُ ابْنِ الْكَبِيرِ وَزَوْجَةُ أَبِي الصَّغِيرِ، بَلْ أُمُّهُ إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْهَا (وَلَوْ زَوَّجَ) السَّيِّدُ (أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ السَّيِّدِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا أُمُّهُ وَمَوْطُوءَةُ أَبِيهِ (وَعَلَى السَّيِّدِ) كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةُ ابْنِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 144 وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الْأَمَةُ صَغِيرَةً تَحْتَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ حُرِّمَتَا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا انْفَسَخَتَا وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ، وَإِلَّا فَرَبِيبَةٌ وَلَوْ كَانَ كَبِيرَةٌ وَثَلَاثٌ صَغَائِرُ فَأَرْضَعَتْهُنَّ حَرُمَتْ أَبَدًا، وَكَذَا الصَّغَائِرُ إنْ أَرْضَعَتْهُنَّ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ، وَإِلَّا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهِنَّ الْخَامِسَةَ انْفَسَخْنَ، وَلَا يَحْرُمْنَ مُؤَبَّدًا، أَوْ مُرَتَّبًا لَمْ يَحْرُمْنَ، وَتَنْفَسِخُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُجْبِرُ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ عَلَى النِّكَاحِ، وَمَرَّ فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِ: لَبَنَ السَّيِّدِ، عَمَّا لَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ لِكَوْنِهَا أُمًّا لَهُ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَمْ يَصِرْ ابْنًا لَهُ فَلَمْ تَكُنْ هِيَ زَوْجَةَ الِابْنِ (وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الْأَمَةُ) زَوْجَةً (صَغِيرَةً تَحْتَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ) بِأَنْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ (حَرُمَتَا) أَيْ: الْمَوْطُوءَةُ وَالصَّغِيرَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ: السَّيِّدِ أَبَدًا لِصَيْرُورَةِ الْأَمَةِ أُمَّ زَوْجَتِهِ وَالصَّغِيرَةِ بِنْتَهُ إنْ رَضَعَتْ لَبَنَهُ، أَوْ بِنْتَ مَوْطُوءَتِهِ إنْ رَضَعَتْ لَبَنَ غَيْرِهِ (وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا) أَيْ: الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ (انْفَسَخَتَا) لِصَيْرُورَةِ الصَّغِيرَةِ بِنْتًا لِلْكَبِيرَةِ وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَذُكِرَتْ هُنَاكَ لِأَجْلِ الْغُرْمِ وَهُنَا لِتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ (وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا) لِأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ (وَكَذَا الصَّغِيرَةُ) حَرُمَتْ أَبَدًا (إنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ) ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِنْتَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِ غَيْرِهِ (فَرَبِيبَةٌ) لَهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا إنْ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْغُرْمِ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ مَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ أَمَةَ غَيْرِهِ تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِرَقَبَتِهَا، أَوْ أَمَتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا إنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَعَلَيْهَا الْغُرْمُ، فَإِنْ عَجَّزَهَا سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْغُرْمِ (وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَثَلَاثٌ صَغَائِرُ فَأَرْضَعَتْهُنَّ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ (حَرُمَتْ) أَيْ الْكَبِيرَةُ (أَبَدًا) لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَاتِهِ (وَكَذَا الصَّغَائِرُ إنْ أَرْضَعَتْهُنَّ بِلَبَنِهِ) لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ بَنَاتِهِ (أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِيَ) أَيْ الْكَبِيرَةُ (مَوْطُوءَةٌ) لَهُ لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ بَنَاتِ زَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ اللَّبَنُ لَهُ وَلَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً لَهُ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهِنَّ) الرَّضْعَةَ (الْخَامِسَةَ انْفَسَخْنَ) لِصَيْرُورَتِهِنَّ أَخَوَاتٍ وَلِاجْتِمَاعِهِنَّ مَعَ الْأُمِّ فِي النِّكَاحِ تَنْبِيهٌ فِي مَعْنَى إيجَارِهِنَّ الْخَامِسَةَ أَنْ تُلْقِمَ اثْنَتَيْنِ ثَدْيَيْهَا وَتُؤْجِرَ الثَّالِثَةَ لَبَنَهَا الْمَحْلُوبَ (وَلَا يَحْرُمْنَ) أَيْ الصَّغَائِرُ (مُؤَبَّدًا) لِانْتِفَاءِ الدُّخُولِ بِأُمِّهِنَّ فَلَهُ تَجْدِيدُ نِكَاحِ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِلَا جَمْعٍ فِي نِكَاحٍ (أَوْ) أَرْضَعَتْهُنَّ (مُرَتَّبًا لَمْ يَحْرُمْنَ) مُؤَبَّدًا لِمَا ذُكِرَ (وَتَنْفَسِخُ الْأُولَى) أَيْ نِكَاحُهَا بِإِرْضَاعِهَا مَعَ الْكَبِيرَةِ لِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَبِنْتِهَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ بِمُجَرَّدِ إرْضَاعِهَا إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ (وَالثَّالِثَةُ) أَيْ: وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ بِإِرْضَاعِهَا لِصَيْرُورَتِهَا أُخْتًا لِلثَّانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فِي نِكَاحِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 145 وَتَنْفَسِخُ الثَّانِيَةُ بِإِرْضَاعِ الثَّالِثَةِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَنْفَسِخُ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مُرَتَّبًا أَيَنْفَسِخَانِ أَمْ الثَّانِيَةَ؟ فَصْلٌ قَالَ: هِنْدٌ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ، أَوْ قَالَتْ هُوَ أَخِي حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا، وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ: بَيْنَنَا رَضَاعٌ، مُحَرِّمٌ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ   [مغني المحتاج] (وَتَنْفَسِخُ الثَّانِيَةُ بِإِرْضَاعِ الثَّالِثَةِ) لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا (وَفِي قَوْلٍ لَا يَنْفَسِخُ) نِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَلْ يَخْتَصُّ الِانْفِسَاخُ بِالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ إنَّمَا حَصَلَ بِهَا كَمَا لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أُخْتِهَا تَنْبِيهٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى مَا إذَا أَرْضَعَتْهُنَّ مُتَعَاقِبًا، وَبَقِيَ فِي التَّرْتِيبِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا تُرْضِعُ ثِنْتَيْنِ مَعًا ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَتَيْنِ مَعَ الْكَبِيرَةِ لِثُبُوتِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمَا، وَلِاجْتِمَاعِهِمَا مَعَ الْأُمِّ فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ لِانْفِرَادِهَا وَوُقُوعِ إرْضَاعِهَا بَعْدَ انْدِفَاعِ نِكَاحِ أُمِّهَا وَأُخْتَيْهَا، ثَانِيهِمَا إنْ تُرْضِعَ وَاحِدَةً أَوَّلًا ثُمَّ ثِنْتَيْنِ مَعًا فَيَنْفَسِخَ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ، أَمَّا الْأُولَى وَالْكَبِيرَةُ فَلِاجْتِمَاعِ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَلِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا (وَيَجْرِي) هَذَانِ (الْقَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ) زَوْجَتَانِ (صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مُرَتَّبًا أَيَنْفَسِخَانِ أَمْ الثَّانِيَةُ) يَخْتَصُّ الِانْفِسَاخُ بِهَا فَقَطْ، وَالْأَظْهَرُ مِنْهُمَا انْفِسَاخُهُمَا لِمَا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُرَتَّبًا مَا إذَا أَرْضَعَتْهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ مَعًا، وَلَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الْمُرْضِعَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ زَوْجَتِهِ [فَصْلٌ الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ] فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالرَّضَاعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُمَا، إذَا (قَالَ) رَجُلٌ (هِنْدٌ) بِالصَّرْفِ وَتَرْكِهِ (بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ أَوْ قَالَتْ) امْرَأَةٌ (هُوَ) أَيْ زَيْدٌ مَثَلًا (أَخِي) أَوْ ابْنِي بِرَضَاعٍ وَأَمْكَنَ (حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا) مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ قَالَ: فُلَانَةُ بِنْتِي وَهِيَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ فَهُوَ لَغْوٌ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ إنْ صُدِّقَا حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَإِلَّا فَظَاهِرًا فَقَطْ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ رِضَاهَا بِالنِّكَاحِ حَيْثُ شُرِطَ ثُمَّ رَجَعَتْ فَيُجَدَّدُ النِّكَاحُ (وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ: بَيْنَنَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ) بِشَرْطِهِ السَّابِقِ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) عَمَلًا بِقَوْلِهِمَا (وَسَقَطَ الْمُسَمَّى) إذَا أُضِيفَ الرَّضَاعُ إلَى مَا قَبْلَ الْوَطْءِ لِفَسَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا (وَوَجَبَ) لَهَا (مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ) هَا وَهِيَ مَعْذُورَةٌ بِنَوْمٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَطَأَ أَوْ وَطِئَ بِلَا عُذْرٍ لَهَا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، أَمَّا إذَا أُضِيفَ الْإِرْضَاعُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مُحَرِّمٌ عَمَّا لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 146 وَإِنْ ادَّعَى رَضَاعًا فَأَنْكَرَتْ انْفَسَخَ، وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ وَطِئَ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ إنْ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا وَمَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا   [مغني المحتاج] قَالَ: بَيْنَنَا رَضَاعٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ التَّحْرِيمُ عَلَى بَيَانِ الْعَدَدِ (وَإِنْ ادَّعَى) الزَّوْجُ (رَضَاعًا) مُحَرِّمًا (فَأَنْكَرَتْ) زَوْجَتُهُ ذَلِكَ (انْفَسَخَ) النِّكَاحُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي نُسِبَ الْإِرْضَاعُ إلَيْهَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَهَا الْمُسَمَّى) إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ (إنْ وَطِئَ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالدُّخُولِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ (فَنِصْفُهُ) لِوُرُودِ الْفُرْقَةِ مِنْهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهَا، وَلَهُ تَحْلِيفُهَا قَبْلَ دُخُولٍ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ نَكَلَتْ حُلِّفَ الزَّوْجُ وَلَزِمَهُ مَهْرُ مِثْلٍ فَقَطْ بَعْدُ أَوْ وَطْءٍ لَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُفَوَّضَةِ؛ أَمَّا فِيهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَلَا مَهْرَ لَهَا (وَإِنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ الزَّوْجَةُ الرَّضَاعَ (فَأَنْكَرَ) الزَّوْجُ ذَلِكَ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا) مِمَّنْ عَرَفَتْهُ بِعَيْنِهِ بِأَنْ عَيَّنَتْهُ فِي إذْنِهَا أَوْ عُيِّنَ لَهَا فَسَكَتَتْ حَيْثُ يَكْفِي سُكُوتُهَا لِتَضَمُّنِ رِضَاهَا بِهِ الْإِقْرَارَ بِحِلِّهَا لَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا نَقِيضُهُ، وَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ الرَّضَاعِ اسْتَمَرَّتْ الزَّوْجِيَّةُ ظَاهِرًا وَعَلَيْهَا مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْهُ مَا أَمْكَنَ إنْ كَانَتْ صَادِقَةً، وَهَلْ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ مَعَ إقْرَارِهَا بِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهَا؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِهَا وَالنَّفَقَةُ تَجِبُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَقَعَتْ فِي إفْتَاءٍ، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا طَلَبَ زَوْجَتَهُ مَحَلَّ طَاعَتِهِ فَامْتَنَعَتْ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَمَرَّ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي الْمَحَلِّ الَّذِي امْتَنَعَتْ فِيهِ هَلْ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ نَفَقَةً أَوْ لَا؟ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَبَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ زُوِّجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَأَنْ زَوَّجَهَا الْمُجْبِرُ لِجُنُونٍ أَوْ بَكَارَةٍ أَوْ أَذِنَتْ مُطْلَقًا وَلَمْ تُعَيِّنْ الزَّوْجَ (فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا) بِيَمِينِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِاحْتِمَالِ مَا تَدَّعِيهِ وَلَمْ يَسْبِقْ مِنْهَا مَا يُنَاقِضُهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَتْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ لِاسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ الْجَارِي عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ وَطْئِهَا مُخْتَارَةً، فَإِنْ مَكَّنَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا (وَ) لَهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ) هَا جَاهِلَةً بِالرَّضَاعِ، ثُمَّ عَلِمَتْ وَادَّعَتْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلَ الْمُسَمَّى أَمْ دُونَهُ، وَلَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ بِزَعْمِهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ دَفَعَهُ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ رَدِّهِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ لَهَا، فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى لَمْ تَطْلُبْ الزَّوْجَةُ الزِّيَادَةَ إنْ صَدَّقْنَا الزَّوْجَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً وَقَوْلُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ (فَلَا شَيْءَ لَهَا) وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ وَلِهَذَا حَذَفَهُ الْمُحَرَّرُ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا تَنْبِيهٌ دَعْوَى الزَّوْجَةِ الْمُصَاهَرَةَ كَقَوْلِهَا: كُنْت زَوْجَةَ أَبِيهِ كَدَعْوَى الرَّضَاعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 147 وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ، وَمُدَّعِيهِ عَلَى بَتٍّ، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَالْإِقْرَارُ بِهِ شَرْطُهُ رَجُلَانِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ إنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً، وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا، وَكَذَا إنْ ذَكَرَتْ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُهُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ وَطْءُ أَمَةٍ أَقَرَّتْ بِالْمُرَاضَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةَ نَسَبٍ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ يَمِينِ الرَّضَاعِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فَقَالَ (وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي يَمِينٍ (عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) لِأَنَّهُ يَنْفِي فِعْلَ الْغَيْرِ، وَلَا نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا فِي الِارْتِضَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا تَنْبِيهٌ هَذَا فِي الْيَمِينِ الْأَصْلِيَّةِ، أَمَّا إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَرُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ عَلَى الْبَتِّ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ فِي كَوْنِهِ يُحَلَّفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ (وَ) يُحَلَّفُ (مُدَّعِيهِ) أَيْ الْإِرْضَاعِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (عَلَى بَتٍّ) لِأَنَّهُ حُلِّفَ عَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَخَالَفَ فِي هَذَا الْقَفَّالُ أَيْضًا وَقَالَ: يُحَلَّفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ (وَيَثْبُتُ) الرَّضَاعُ (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ الْخُلَّصُ يُقْبَلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنَّوْعَانِ وَهَذَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ الْخُلَّصِ كَمَا قَالَ (وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ) لِاخْتِصَاصِ النِّسَاءِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ غَالِبًا كَالْوِلَادَةِ، وَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ إذْ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ بِمَثَابَةِ رَجُلٍ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ شَهَادَةِ الرِّجَالِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا النَّظَرَ إلَى الثَّدْيِ لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ لِفِسْقِهِمْ، وَرَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ النَّظَرِ صَغِيرَةٌ لَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَا لَمْ يُصِرَّ فَاعِلُ ذَلِكَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَصَرَّ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ تَغْلِبْ طَاعَتُهُ مَعَاصِيَهُ وَمَحَلُّ قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ إذَا كَانَ النِّزَاعُ فِي الِارْتِضَاعِ مِنْ الثَّدْيِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي الشُّرْبِ أَوْ الْإِيجَارِ مِنْ ظَرْفٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا اخْتِصَاصَ لَهُنَّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُقْبَلْنَ فِي أَنَّ لَبَنَ الْإِنَاءِ لَبَنُ فُلَانَةَ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى الْحَلْبِ غَالِبًا (وَالْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ الرَّضَاعِ (شَرْطُهُ رَجُلَانِ) وَلَا يَثْبُتُ بِغَيْرِهِمَا لِاطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَيْهِ غَالِبًا تَنْبِيهٌ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّهَا تَتْمِيمًا لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّضَاعُ (وَتُقْبَلُ) فِي الرَّضَاعِ (شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ) مَعَ غَيْرِهَا (إنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً) عَنْ رَضَاعِهَا (وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا) بَلْ شَهِدَتْ أَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ ضَرَرًا، وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَجَوَازِ الْخَلْوَةِ وَالْمُسَافَرَةِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُرَدُّ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ أَمَةً تُقْبَلُ وَإِنْ اسْتَفَادَ حِلَّ الْمُنَاكَحَةِ (وَكَذَا إنْ ذَكَرَتْهُ) أَيْ فِعْلَهَا (فَقَالَتْ أَرْضَعْتُهُ) مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 148 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ وَوُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ حُلَبِ وَإِيجَارٍ وَازْدِرَادٍ أَوْ قَرَائِنَ كَالْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَبُونٌ   [مغني المحتاج] مُتَّهَمَةٌ، وَالثَّانِي: لَا تُقْبَلُ لِذِكْرِهَا فِعْلَ نَفْسِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوِلَادَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ النَّفَقَةِ وَالْإِرْثِ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَغَيْرُهَا قَبْلُ فَلَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ، وَتُقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا شَهَادَةُ أُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا مَعَ غَيْرِهَا حِسْبَةً بِلَا تَقَدُّمِ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَبُوهَا وَابْنُهَا أَوْ ابْنَاهَا بِطَلَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا حِسْبَةً، أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الرَّضَاعَ وَشَهِدَ بِذَلِكَ أُمُّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُهَا أَوْ ابْنَاهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَحَّتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَوْ هِيَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَهَا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَهَادَةٌ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ الْمُشَاهَدَةُ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِأَنَّ الزَّوْجَ ارْتَضَعَ مِنْ أُمِّهَا أَوْ نَحْوِهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي) فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْضَاعِ أَنْ يُقَالَ (بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ) لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي شُرُوطِ التَّحْرِيمِ (بَلْ يَجِبُ) مَعَ ذَلِكَ (ذِكْرُ وَقْتٍ) وَقَعَ فِيهِ الْإِرْضَاعُ وَهُوَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِي الرَّضِيعِ وَبَعْدَ تِسْعِ سِنِينَ فِي الْمُرْضِعَةِ (وَ) ذِكْرُ (عَدَدٍ) وَهُوَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: مُتَفَرِّقَاتٍ، لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَجْهَلُ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ، أَوْ قَطْعَ الرَّضِيعِ لِلَهْوٍ وَتَنَفُّسٍ وَنَحْوِهِمَا وَعَوْدَهُ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ (وَ) كَذَا يَجِبُ ذِكْرُ (وُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ) فِي الْأَصَحِّ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ كَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْإِيلَاجِ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشَاهَدُ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِ (وَيُعْرَفُ ذَلِكَ) أَيْ وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ (بِمُشَاهَدَةِ) أَيْ مُعَايَنَةِ (حَلْبٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ بِخَطِّهِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَرَأَيْته أَيْضًا وَهُوَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بِسُكُونِ اللَّامِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ، وَقَيَّدَ فِي الْأُمِّ الْمُشَاهَدَةَ بِغَيْرِ حَائِلٍ، فَإِنْ رَآهُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ لَمْ يَكْفِ (وَإِيجَارٍ) لِلَّبَنِ فِي فَمِ الرَّضِيعِ (وَازْدِرَادٍ) مَعَ مُعَايَنَةِ ذَلِكَ (أَوْ قَرَائِنَ) دَالَّةٍ عَلَى وُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ (كَالْتِقَامِ) أَيْ كَمُشَاهَدَةِ الْتِقَامِ (ثَدْيٍ) بِلَا حَائِلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ (وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ) أَيْ الرَّضِيعِ (بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ) لِلَّبَنِ الَّذِي مَصَّهُ (بَعْدَ عِلْمِهِ) أَيْ الشَّاهِدِ (بِأَنَّهَا) أَيْ الْمُرْضِعَةَ (لَبُونٌ) أَيْ ذَاتُ لَبَنٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ الْقَرَائِنِ قَدْ تُفِيدُ الْيَقِينَ، وَبِتَقْدِيرِهِ أَنْ لَا تُفِيدَهُ فَتُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ، وَذَلِكَ تَسَلُّطٌ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللَّبَنِ، وَلَا يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ ذِكْرُ الْقَرَائِنِ بَلْ يَعْتَمِدُهَا وَيَجْزِمُ بِالشَّهَادَةِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي ثَدْيِهَا حَالَةَ الْإِرْضَاعِ أَوْ قَبْلَهُ لَبَنًا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَبُونٌ وَلَا يَكُونُ فِي ثَدْيِهَا حِينَئِذٍ لَبَنٌ كَأَنْ حَلَبَتْهُ أَوْ أَرْضَعَتْ غَيْرَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 149 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ: لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِالرَّضَاعِ وَمَاتَ قَبْلَ تَفْصِيلِ شَهَادَتِهِ تَوَقَّفَ الْقَاضِي وُجُوبًا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ هُوَ الْمُتَّجَهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَالْإِقْرَارُ بِالرَّضَاعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ مِنْ الْفَقِيهِ الْمَوْثُوقِ بِمَعْرِفَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، وَلَوْ شَهِدَتْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ بِالرَّضَاعِ اُسْتُحِبَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَيُكْرَهُ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْضِعَةَ شَيْئًا عِنْدَ الْفِصَالِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ أَوَانِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً اُسْتُحِبَّ لِلرَّضِيعِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنْ يُعْتِقَهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمًّا لَهُ، وَلَنْ يُجْزِئَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا بِإِعْتَاقِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ. [كِتَابُ النَّفَقَاتِ] 1 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 150 كِتَابُ النَّفَقَاتِ   [مغني المحتاج] كِتَابُ النَّفَقَاتِ جَمْعُ نَفَقَةٍ، مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْخَيْرِ، وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَاتِ دُونَ الْغَرَامَاتِ، وَجَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا؛ وَهِيَ قِسْمَانِ: نَفَقَةٌ تَجِبُ لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى نَفَقَةِ غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَنَفَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ. قَالَا: وَأَسْبَابُ وُجُوبِهَا ثَلَاثَةٌ: النِّكَاحُ وَالْقَرَابَةُ، وَالْمِلْكُ، فَالْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ يُوجِبَانِهَا لِلزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ عَلَى الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَلَا عَكْسَ، وَالثَّانِي: يُوجِبُهَا لِكُلٍّ مِنْ الْقَرِيبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ لِشَمُولِ الْبَعْضِيَّةِ، وَأَوْرَدَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْهَدْيَ وَالْأُضْحِيَّةَ الْمَنْذُورَيْنِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمَا عَلَى النَّاذِرِ وَالْمُهْدِي مَعَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَا لَوْ أَشْهَدَ صَاحِبُ حَقٍّ جَمَاعَةً عَلَى قَاضٍ بِشَيْءٍ وَخَرَجَ بِهِمْ لِلْبَادِيَةِ لِيُؤَدِّيَهَا عِنْدَ قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ فَامْتَنَعُوا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ حَيْثُ لَا شُهُودَ وَلَا قَاضٍ هُنَاكَ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَرَّطُوهُ لَكِنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَكِرَاءُ دَوَابِّهِمْ كَمَا هِيَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَنَصِيبُ الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَأَمَّا خَادِمُ الزَّوْجَةِ فَلَا يَرِدُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ عُلَقِ النِّكَاحِ. . وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فِي مُقَابَلَةِ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَهِيَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَخَبَرُ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَخَبَرُ: «مَا حَقُّ زَوْجَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: تُطْعِمُهَا إذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] وَلَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَانِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْعَبُ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَتِهَا، وَبَنُوهُمَا عَلَى سُنَّتِهِمَا، وَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ أَنْ يَضُرَّ الْمَرْأَةَ بِثَلَاثِ ضَرَائِرَ وَيُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا جَعَلَ لَهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ مُؤَكَّدَاتٍ: النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالْإِسْكَانَ وَهُوَ يَتَكَلَّفُهَا غَالِبًا، فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا ضِعْفُ مَا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ لِضَعْفِ عَقْلِهَا، وَالْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ بِالزَّوْجِيَّةِ سَبْعَةٌ: الطَّعَامُ، وَالْإِدَامُ، وَالْكِسْوَةُ، وَآلَةُ التَّنْظِيفِ، وَمَتَاعُ الْبَيْتِ، وَالسُّكْنَى، وَخَادِمٌ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ، وَرَتَّبَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ: الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ الطَّعَامُ، وَلَمَّا كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 151 عَلَى مُوسِرٍ لِزَوْجَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّا طَعَامٍ، وَمُعْسِرٍ مُدٌّ، وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَالْمُدُّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. قُلْت: الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلَّا فَمُوسِرٌ.   [مغني المحتاج] يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ حَالِ الزَّوْجِ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: يَجِبُ (عَلَى مُوسِرٍ) حُرٍّ (لِزَوْجَتِهِ) وَلَوْ أَمَةً وَكِتَابِيَّةً (كُلَّ يَوْمٍ) بِلَيْلَتِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ (مُدَّا طَعَامٍ، وَ) عَلَى (مُعْسِرٍ مُدٌّ، وَ) عَلَى (مُتَوَسِّطٍ) حُرٍّ (مُدٌّ وَنِصْفٌ) وَاحْتَجُّوا لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] ، وَاعْتَبَرَ الْأَصْحَابُ النَّفَقَةَ بِالْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ، وَأَكْثَرُ مَا وَجَبَ فِي الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ وَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى فِي الْحَجِّ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ لَهُ مُدٌّ فِي نَحْوِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُوسِرِ الْأَكْثَرَ وَهُوَ مُدَّانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْرُ الْمُوسِعِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ الْأَقَلُّ، وَهُوَ قَوْلَانِ الْمُدُّ الْوَاحِدُ يَكْتَفِي بِهِ الزَّهِيدُ وَيَتَقَنَّعُ بِهِ الرَّغِيبُ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُلْزِمَ الْمُدَّيْنِ لَضَرَّهُ، وَلَوْ اُكْتُفِيَ مِنْهُ بِمُدٍّ لَضَرَّهَا فَلَزِمَهُ مَدٌّ وَنِصْفٌ، وَقِيلَ، وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ: أَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِالْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لِظَاهِرِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي وَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِنَا تَقْدِيرَهُمْ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ بِالْأَمْدَادِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا أَعْرِفُ لِإِمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَلَفًا فِي التَّقْدِيرِ بِالْأَمْدَادِ، وَلَوْلَا الْأَدَبُ لَقُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهَا بِالْمَعْرُوفِ تَأَسِّيًا وَاتِّبَاعًا. وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْأَوَّلِ بِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ وَمَنْ هِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِالشِّبَعِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا بَطَلَتْ الْكِفَايَةُ حَسُنَ تَقْرِيبُهَا مِنْ الْكَفَّارَةِ (وَالْمُدُّ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ (مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ) بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ، فَقَالَ (قُلْت: الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ) دِرْهَمًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي زَكَاةِ الْبَنَاتِ مِنْ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ (وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ) وَقَدْ مَرَّ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ وَكَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ (مُعْسِرٌ) لَكِنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى الْكَسْبِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ عَنْ النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى نَفَقَةِ الْمُوسِرِ بِالْكَسْبِ لَا يَلْزَمُهُ كَسْبُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ فِي كَلَامِهِ قَلْبٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْمُعْسِرُ هُنَا مِسْكِينُ الزَّكَاةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ فَقِيرَهَا كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَمَنْ فَوْقَهُ) أَيْ الْمِسْكِينِ (إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ) إنْفَاقَ (مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ مِسْكِينًا (فَمُوسِرٌ) وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالرُّخْصِ وَالرَّخَاءِ وَقِلَّةِ الْعِيَالِ وَكَثْرَتِهِمْ،. وَلَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ يَسَارَ الزَّوْجِ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إذَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 152 وَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ قُلْت: فَإِنْ اخْتَلَفَ وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا حَبًّا، وَكَذَا طَحْنُهُ وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يُعْهَدْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ، فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَهُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَدِيعَةِ، أَمَّا مَنْ فِيهِ رِقٌّ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ فَمُعْسِرٌ لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَنَقْصِ حَالِ الْمُبَعَّضِ وَعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ قِيلَ إلْحَاقُ الْمُبَعَّضِ بِالْمُعْسِرِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْكَفَّارَةِ مِنْ أَنَّهُ يُكَلَّفُ كَفَّارَةَ الْمُوسِرِ، وَذَكَرُوا فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ نَحْوَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَوْ أَلْحَقُوهُ ثَمَّ بِالْمُعْسِرِ لَمَا صَرَفَ شَيْئًا لِلْمَسَاكِينِ وَلَا أَنْفَقَ شَيْئًا لِلْأَقَارِبِ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِ. (وَالْوَاجِبُ) فِي جِنْسِ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ (غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِهِمَا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ الْأَقِطُ وَاللَّحْمُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَعْتَادُونَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَقِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالْكَفَّارَةِ فَالتَّعْبِيرُ بِالْبَلَدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ قُوتُ بَلَدِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ اُعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ، وَإِنْ نَزَلَ عَلَيْهَا فِي بَلَدِهَا اُعْتُبِرَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهَا، وَإِنْ نَزَلَ بِبَلْدَةٍ وَلَمْ تَأْلَفَ خِلَافَ قُوتِ بَلَدِهَا قِيلَ لَهَا: هَذَا حَقُّكِ فَأَبْدِلِيهِ قُوتَ بَلَدِكِ إنْ شِئْتِ، وَلَوْ انْتَقَلَا عَنْ بَلَدِهِمَا لَزِمَهُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ مَا انْتَقَلَا إلَيْهِ دُونَ مَا انْتَقَلَا عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ أَعْلَى أَمْ أَدْنَى، فَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ بِبَلَدٍ أَوْ نَحْوِهَا اُعْتُبِرَ مَحَلُّهَا كَمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ) قُوتُ الْبَلَدِ وَلَا غَالِبَ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفَ الْغَالِبُ (وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ) أَيْ الزَّوْجِ لَا بِهَا، فَلَوْ كَانَ يَأْكُلُ فَوْقَ اللَّائِقِ تَكَلُّفًا لَمْ نُكَلِّفْهُ ذَلِكَ أَوْ دُونَهُ، بُخْلًا أَوْ زُهْدًا وَجَبَ اللَّائِقُ بِهِ (وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ) مِنْ تَوَسُّطٍ وَإِعْسَارٍ (طُلُوعَ الْفَجْرِ) فِي كُلِّ يَوْمٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ نَفَقَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهَا ذَلِكَ بِفَجْرِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ وَخَبْزِهِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَتْ تُمَكِّنُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ، أَمَّا الْمُمَكِّنَةُ بَعْدَهُ فَيُعْتَبَرُ الْحَالُ عَقِبَ تَمْكِينِهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ (تَمْلِيكُهَا) الطَّعَامَ (حَبًّا) سَلِيمًا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي النَّفْعِ مِنْ الْخُبْزِ وَالدَّقِيقِ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَتْ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالتَّمْلِيكِ اعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُسَلِّمَهُ بِقَصْدِ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى لَفْظٍ، وَيَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهَا، هَذَا إذَا كَانَتْ حُرَّةً. أَمَّا الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ فَالدَّافِعُ لِمَالِكِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُكَاتَبَةً، وَلَوْ قَالَ: وَعَلَيْهِ دَفْعُ الْحَبِّ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ (وَكَذَا) عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا (طَحْنُهُ) وَعَجْنُهُ (وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ ذَلِكَ بِبَدَلِ مَالٍ أَوْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ بَاعَتْهُ أَوْ أَكَلَتْهُ حَبًّا كَمَا فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَبَّ لَا يَتَنَاوَلُ فِي الْعَادَةِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ، وَتَكْلِيفُهَا لَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَ الْحَبُّ غَالِبَ قُوتِهِمْ، فَإِنْ غَلَبَ غَيْرُ الْحَبِّ كَتَمْرٍ وَلَحْمٍ وَأَقِطٍ فَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 153 وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الْحَبِّ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ، فَإِنْ اعْتَاضَتْ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] الْوَاجِبُ لَيْسَ غَيْرُ، لَكِنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ اللَّحْمِ وَمَا يُطْبَخُ بِهِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَالْكَفَّارَاتِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا فِي حَبْسِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْفِيَهَا مُؤْنَةَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا فَقَالَتْ: قَصَدْتَ التَّبَرُّعَ، وَقَالَ: بَلْ قَصَدْتُ أَنْ يَكُونَ عَنْ النَّفَقَةِ، قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا شَيْئًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْهَدِيَّةَ، وَقَالَ: بَلْ قَصَدْتُ الْمَهْرَ. (وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ (بَدَلَ الْحَبِّ) خُبْزًا أَوْ قِيمَةً وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ إعْطَاءَ ذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ (لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ) مِنْهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ، وَالِاعْتِيَاضُ شَرْطُهُ التَّرَاضِي (فَإِنْ اعْتَاضَتْ) عَمَّا وَجَبَ لَهَا نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُرُوضِ (جَازَ) اعْتِيَاضُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ طَعَامٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ لِمُعَيَّنٍ، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالتَّرَاضِي كَالْقَرْضِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَالْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَطَعَامُ الْكَفَّارَةِ لَا يَسْتَقِرُّ لِمُعَيَّنٍ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْ النَّفَقَةِ؛ وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَقْبَلَةً، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مَنْعُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ بِالنُّشُوزِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَالِيَةِ وَالْمَاضِيَةِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الِاعْتِيَاضِ مِنْ الزَّوْجِ. أَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، أَيْ: فِي النَّفَقَةِ الْحَالِيَةِ فَإِنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلسُّقُوطِ بِنَحْوِ نُشُوزٍ، أَمَّا الْمَاضِيَةُ فَيَصِحُّ فِيهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْكِسْوَةِ إنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الصَّدَاقِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَفِي بَابِ الصَّدَاقِ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الِاعْتِيَاضَ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَا إلَّا عَنْ قَبْضٍ لِئَلَّا يَصِيرَ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ رِبًا كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا) وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْجِنْسِ، فَلَا يَجُوزُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ، وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْحَبَّ وَالْإِصْلَاحَ، فَإِذَا أَخَذَتْ مَا ذُكِرَ فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا لَا عِوَضَهُ، وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: الْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ وَفْقًا وَمُسَامَحَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّا مَتَى جَعَلْنَاهُ اعْتِيَاضًا فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ، وَالْمُخْتَارُ جَعْلُهُ اسْتِيفَاءً، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. أَمَّا لَوْ أَخَذَتْ غَيْرَ الْجِنْسِ كَخُبْزِ الشَّعِيرِ عَنْ الْقَمْحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَخَذَتْ النَّقْدَ. تَنْبِيهٌ يَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ مَاءُ الشَّرَابِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249] فَيَجِبُ لَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ: وَيَجِبُ لَهَا آلَةُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَإِذَا وَجَبَ الظَّرْفُ وَجَبَ الْمَظْرُوفُ. وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَالظَّاهِرُ فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَيَكُونُ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ سَقَطَ اهـ. وَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 154 وَلَوْ أَكَلْت مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ   [مغني المحتاج] قَوْلِهِ: إمْتَاعًا نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: كُلُّ مَا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ تَمْلِيكٌ إلَّا الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ. (وَلَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَى الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا اعْتِيَاضٍ (سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ) قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ وَلَا إنْكَارٍ وَلَا خِلَافٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ امْرَأَةً طَالَبَتْ بِنَفَقَةٍ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ لَا يَسْقُطُ مَعَ عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِطْبَاقِهِمْ عَلَيْهِ لِأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَقَضَاهُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهِ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَتَطَوَّعَ بِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ التَّصْوِيرُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُشْعِرُ بِأَنَّهَا إذَا أَتْلَفَهُ أَوْ أَعْطَتْهُ غَيْرَهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَبِأَنَّهَا إذَا أَكَلَتْ مَعَهُ دُونَ الْكِفَايَةِ لَمْ تَسْقُطْ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْكُلِّ أَوْ بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادُ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَكَلَتْهُ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَتَنَازَعَا فِي قَدْرِهِ صُدِّقَتْ فِيهِ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبْضِهَا الزَّائِدَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا الطَّعَامَ أَوْ أَحْضَرَهُ وَأَكَلَتْهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَضَافَهَا رَجُلٌ فَأَكَلَتْ عِنْدَهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ إكْرَامَ الزَّوْجِ فَتَسْقُطَ (قُلْت: إلَّا أَنْ تَكُونَ) الزَّوْجَةُ (غَيْرَ رَشِيدَةٍ) كَصَغِيرَةٍ أَوْ سَفِيهَةٍ بَالِغَةٍ (وَلَمْ يَأْذَنْ) فِي أَكْلِهَا مَعَهُ (وَلِيُّهَا) فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا جَزْمًا بِأَكْلِهَا مَعَهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيَكُونُ الزَّوْجُ مُتَطَوِّعًا، وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِسُقُوطِهَا بِذَلِكَ. قَالَ: وَمَا قَيَّدَهُ النَّوَوِيُّ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ فِي الْأَمَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى النَّاسُ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْحُرَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ إذَا أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَبَرُ رِضَا السَّيِّدِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ بِذَلِكَ دُونَ رِضَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمَحْجُورَةِ. تَنْبِيهٌ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا طَرَأَ سَفَهُ الزَّوْجَةِ بَعْدَ رُشْدِهَا وَلَمْ يَعُدْ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ السُّقُوطُ بِالْأَكْلِ مَعَ الزَّوْجِ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا حَجْرُ الْحَاكِمِ، فَإِنْ قِيلَ: أَكْلُ الصَّغِيرِ قَبْضٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّ الزَّوْجَ كَالْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ وَإِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا وَعَلَى طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهَا وَأَذِنَ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا تَبْرَأُ عَلَى الْمَذْهَبِ، هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ الْحَظُّ لِلْغَيْرِ فِيهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَظُّ فِي أَخَذِ الْمُقَدَّرِ فَلَا، وَيَكُونُ وُجُودُ إذْنِهِ كَعَدَمِهِ لِبَخْسِ حَقِّهَا إلَّا إنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فَيَجُوزُ، فَقَدْ تُؤَدِّي الْمُضَايَقَةُ إلَى الْمُفَارَقَةِ. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأُدْمُ، فَقَالَ (وَيَجِبُ) لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْأُدْمُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 155 أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ، وَيَخْتَلِفُ بِالْفُضُولِ، وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ،   [مغني المحتاج] وَجِنْسُهُ (أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ) وَشَيْرَجٍ (وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ) وَخَلٍّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ تَكْلِيفُهَا الصَّبْرَ عَلَى الْخُبْزِ وَحْدَهُ، إذْ الطَّعَامُ غَالِبًا لَا يُسَاغُ إلَّا بِالْأُدْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ (وَيَخْتَلِفُ) قَدْرُ الْأُدْمِ (بِالْفُصُولِ) الْأَرْبَعَةِ فَيَجِبُ لَهَا فِي كُلِّ فَصْلٍ مَا يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُدْمِ، قَالَا: وَقَدْ تَغْلِبُ الْفَاكِهَةُ فِي أَوْقَاتِهَا فَتَجِبُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَجِبُ الرَّطْبُ فِي وَقْتِهِ وَالْيَابِسُ فِي وَقْتِهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَخْتَلِفَ الْأُدْمُ بِاخْتِلَافِ الْقُوتِ الْوَاجِبِ، فَمَنْ قُوتُهَا التَّمْرُ لَا يُفْرَضُ لَهَا التَّمْرُ أُدْمًا، وَلَا مَا لَا يُؤْكَلُ مَعَ التَّمْرِ عَادَةً كَالْخَلِّ وَمَنْ قُوتُهَا الْأَقِطُ لَا يُفْرَضُ لَهَا الْجُبْنُ وَلَا اللَّبَنُ أُدْمًا، وَقِسْ عَلَى هَذَا، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّمَا يَتَّضِحُ وُجُوبُ الْأُدْمِ حَيْثُ يَكُونُ الْقُوتُ الْوَاجِبُ مَا لَا يَنْسَاغُ عَادَةً إلَّا بِالْأُدْمِ كَالْخُبْزِ بِأَنْوَاعِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ لَحْمًا أَوْ لَبَنًا أَوْ أَقِطًا فَيُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إذَا جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالِاقْتِيَاتِ بِهِ وَحْدَهُ اهـ. وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَمَنْ قُوتُهَا التَّمْرُ، إلَخْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ وَحْدَهُ (وَيُقَدِّرُهُ) عِنْدَ تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ فِيهِ (قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ) إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ (وَيُفَاوِتُ) فِي قَدْرِهِ (بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ) فَيَنْظُرُ فِي جِنْسِ الْأُدْمِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُدُّ فَيَفْرِضُهُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَيُضَاعِفُهُ لِلْمُوسِرِ وَيُوَسِّطُهُ بَيْنَهُمَا لِلْمُتَوَسِّطِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ مَكِيلَةِ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ، أَيْ: أُوقِيَّةٍ فَتَقْرِيبٌ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ سَئِمَتْ مِنْ أُدْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إبْدَالُهُ، وَتُبْدِلُهُ هِيَ إنْ شَاءَتْ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً أَوْ مُمَيِّزَةً وَلَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَاللَّائِقُ بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَلْزَمَ الزَّوْجَ إبْدَالُهُ عِنْدَ إمْكَانِهِ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (لَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ) وَتَوَسُّطِهِ (وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ) فَإِنْ أَكَلُوا اللَّحْمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَلَهَا كَذَلِكَ، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِوَزْنٍ كَرِطْلٍ، بَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ تَقْدِيرُ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَّرَ عَنْ الْأُدْمِ وَاللَّحْمِ قَوْلَهُ: وَيُقَدِّرُهُ. . إلَخْ، لَرَجَعَ التَّقْدِيرُ إلَيْهِمَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ رِطْلِ لَحْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ الَّذِي حُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ، وَجَعَلَ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ عَلَى الْمُوسِرِ رِطْلَانِ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رِطْلٌ وَنِصْفٌ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّوْسِيعِ فِيهِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِهِ بِمِصْرَ مِنْ قِلَّةِ اللَّحْمِ فِيهَا، وَيُزَادُ بَعْدَهَا بِحَسَبِ عَادَةِ الْبَلَدِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ: الْأُدْمُ فِي اللَّحْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَيُحْتَمَلُ، أَيْ: وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُوسِرِ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْأُدْمُ أَيْضًا لِيَكُونَ أَحَدُهُمَا غَدَاءً وَالْآخَرُ عَشَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْأُدْمُ يَوْمَ إعْطَاءِ اللَّحْمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَادَتِهِ، وَتَجِبُ مُؤْنَةُ اللَّحْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 156 وَلَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ الْأُدْمُ. وَكِسْوَةٌ تَكْفِيهَا، فَيَجِبُ قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وَمِكْعَبٌ، وَيَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَجِنْسُهَا قُطْنٌ،   [مغني المحتاج] وَمَا يُطْبَخُ بِهِ (وَلَوْ كَانَتْ) عَادَتُهَا (تَأْكُلُ الْخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ) لَهَا (الْأُدْمُ) وَلَا نَظَرَ لِعَادَتِهَا لِأَنَّهُ حَقُّهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ جَمِيعَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْكِسْوَةُ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا (كِسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَضَمِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثٍ: وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ (تَكْفِيهَا) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَتَخْتَلِفُ كِفَايَتُهَا بِطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَسِمَنِهَا وَهُزَالِهَا، وَبِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا يَخْتَلِفُ عَدَدُ الْكِسْوَةِ بِاخْتِلَافِ يَسَارِ الزَّوْجِ وَإِعْسَارِهِ وَلَكِنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدَوِيَّةِ وَالْحَضَرِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِي الْحَاوِي: لَوْ نَكَحَ حَضَرِيٌّ بَدَوِيَّةً وَأَقَامَا فِي بَادِيَةٍ. أَوْ حَاضِرَةٍ وَجَبَ عُرْفُهَا، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ عَكْسُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اعْتَبَرْتُمْ الْكِفَايَةَ فِي الْكِسْوَةِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوهَا فِي الطَّعَامِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِفَايَةَ فِي الْكِسْوَةِ مُتَحَقِّقَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَكِفَايَةَ الطَّعَامِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوهَا لِلْجَهْلِ بِهَا (فَيَجِبُ) لَهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (قَمِيصٌ) وَهُوَ ثَوْبٌ مَخِيطٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَفِي ذَلِكَ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ الْخِيَاطَةِ عَلَى الزَّوْجِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا (وَسَرَاوِيلُ) وَهُوَ ثَوْبٌ مَخِيطٌ يَسْتُرُ أَسْفَلَ الْبَدَنِ وَيَصُونُ الْعَوْرَةَ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ مُؤَنَّثٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: مُذَكَّرٌ، وَهُوَ مُفْرَدٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِسَرَاوِيلَ إذْ لَا يَجِبُ الْجَمْعُ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سِرْوَالَةٍ، وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا اعْتَادَتْ لُبْسَهُ، فَإِنْ اعْتَادَتْ لُبْسَ مِئْزَرٍ أَوْ فُوطَةٍ وَجَبَ، وَمَحَلُّ وُجُوبِهِ فِي الشِّتَاءِ. أَمَّا فِي الصَّيْفِ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ خِلَافَهُ (وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ (وَمُكْعَبٌ) بِضَمِّ مِيمِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ كَمِقْوَدٍ، وَهُوَ مَدَاسُ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ نَعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ خِلَافَ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الْمُكْعَبِ وَالْمَدَاسِ وَالنَّعْلِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَجِبُ لَهَا الْقَبْقَابُ إنْ اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ جَرَتْ عَادَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْقُرَى أَنْ لَا يَلْبَسْنَ فِي أَرْجُلِهِنَّ شَيْئًا فِي الْبُيُوتِ لَمْ يَجِبْ لِأَرْجُلِهِنَّ شَيْءٌ (وَيَزِيدُ) الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى ذَلِكَ (فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً) مَحْشُوَّةً قُطْنًا أَوْ فَرْوَةً بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ فَجُبَّتَانِ، أَوْ فَرْوَتَانِ فَأَكْثَرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالشِّتَاءِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَغْنِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ بِالثِّيَابِ عَنْ الْوُقُودِ وَجَبَ لَهَا مِنْ الْحَطْبِ وَالْفَحْمِ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَأَقَرَّاهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمَنَاطُ الْعَادَةَ فَأَكْثَرُ الْبَوَادِي لَا يُوقِدُونَ إلَّا بِالْبَعْرِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَجِبُ لَهَا أَيْضًا تَوَابِعُ ذَلِكَ مِنْ كُوفِيَّةٍ لِلرَّأْسِ، وَتِكَّةٍ لِلِّبَاسِ وَزِرٍّ لِلْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَنَحْوِهَا (وَجِنْسُهَا) أَيْ الْكِسْوَةِ (قُطْنٌ) أَيْ ثَوْبٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 157 فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ بِكَتَّانٍ أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجِبُ مَا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَّةٍ أَوْ لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ، وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ فِي الشِّتَاءِ. وَآلَةُ تَنْظِيفٍ كَمُشْطٍ، وَدُهْنٍ،   [مغني المحتاج] يُتَّخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لِبَاسُ أَهْلِ الدِّينِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ تَرَفُّهٌ وَرُعُونَةٌ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِحَالِ الزَّوْجِ مِنْ يَسَارٍ وَإِعْسَارٍ وَتَوَسُّطٍ فَيَجِبُ لِامْرَأَةِ الْأَوَّلِ مِنْ لَيِّنِهِ، وَالثَّانِي مِنْ غَلِيظِهِ، وَالثَّالِثِ مِمَّا بَيْنَهُمَا، هَذَا إنْ اعْتَدْنَهُ (فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ، وَهَذَا يَقْتَضِي النَّظَرَ إلَى الزَّوْجِ دُونَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ اللُّزُومَ عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ الْمُرَادُ لِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ كِسْوَةِ مِثْلِهَا، وَعَلَّقَ الْمُصَنِّفُ بِجَرَتْ قَوْلَهُ (بِكَتَّانٍ) بِفَتْحِ كَافِهِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ) مَعَ وُجُوبِ التَّفَاوُتِ فِي مَرَاتِبِ ذَلِكَ الْجِنْسِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْقُطْنِ لِمَا مَرَّ، وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ فِي الصَّفَاقَةِ وَنَحْوِهَا. نَعَمْ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِلُبْسِ الثِّيَابِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي لَا تَسْتُرُ وَلَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِيهَا مِنْهَا، لَكِنْ مِنْ الصَّفِيقِ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الْجَوْدَةِ. (وَيَجِبُ) لَهَا (مَا) أَيْ فِرَاشٌ (تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَةٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْيَاءِ: شَيْءٌ مُضَرَّبٌ صَغِيرٌ، وَقِيلَ: بِسَاطٌ صَغِيرٌ، هَذَا لِزَوْجَةِ الْمُتَوَسِّطِ (أَوْ لِبْدٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الشِّتَاءِ (أَوْ حَصِيرٍ) فِي الصَّيْفِ، وَهَذَا لِزَوْجَةِ الْمُعْسِرِ. أَمَّا زَوْجَةُ الْمُوسِرِ فَيَجِبُ لَهَا نَطْعٌ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الطَّاءِ، وَفَتْحِهَا - فِي الصَّيْفِ، وَطِنْفِسَةٌ وَهِيَ - بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ - بِسَاطٌ صَغِيرٌ ثَخِينٌ لَهُ وَبَرَةٌ كَبِيرَةٌ، وَقِيلَ: كِسَاءٌ فِي الشِّتَاءِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَيُشْبِهُ أَنَّهُمَا بَعْدَ بَسْطِ زِلِّيَةٍ أَوْ حَصِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُبْسَطَانِ وَحْدَهُمَا، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ (وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ) غَيْرُ مَا تَفْرِشُهُ نَهَارًا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ بِهِ فَيَجِبُ لَهَا مِضْرَبَةٌ بِقُطْنٍ وَثِيرَةٌ بِالْمُثَلَّثَةِ، أَيْ: لَيِّنَةٌ أَوْ قَطِيفَةٌ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (مِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: الْوِسَادَةُ لِلْعُرْفِ (وَلِحَافٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ كِسَاءٌ (فِي الشِّتَاءِ) فِي بَلَدٍ بَارِدٍ، وَيَجِبُ لَهَا مِلْحَفَةٌ بَدَلَ اللِّحَافِ أَوْ الْكِسَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ حَتَّى قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: لَوْ كَانُوا لَا يَعْتَادُونَ فِي الصَّيْفِ لِنَوْمِهِمْ غِطَاءً غَيْرَ لِبَاسِهِمْ لَمْ يَجِبْ غَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ الْمُعْتَبَرُ فِي الْفِرَاشِ وَمَا بَعْدَهُ لِامْرَأَةِ الْمُوسِرِ مِنْ الْمُرْتَفِعِ وَالْمُعْسِرِ مِنْ النَّازِلِ وَالْمُتَوَسِّطِ بِمَا بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا يُجَدَّدُ وَقْتَ تَجْدِيدٍ عَادَةً،. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الرَّابِعِ: وَهُوَ آلَةُ التَّنْظِيفِ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (آلَةُ تَنْظِيفٍ) مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تُؤْذِيهَا، وَذَلِكَ (كَمُشْطٍ) وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَضَمِّهَا، اسْمٌ لِلْآلَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي تَرْجِيلِ الشَّعْرِ (وَدُهْنٍ) يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيلِ شَعَرِهَا وَكَذَا فِي بَدَنِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. أَمَّا دُهْنُ الْأَكْلِ فَتَقَدَّمَ فِي الْأُدْمِ، وَيُتَّبَعُ فِيهِ عُرْفُ بَلَدِهَا، حَتَّى لَوْ اعْتَدْنَ الْمُطَيَّبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 158 وَمَا تُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ، وَمَرْتَكٍ وَنَحْوِهِ لِدَفْعِ صُنَانٍ، لَا كُحْلٍ وَخِضَابٍ وَمَا تَزَيَّنُ بِهِ، وَدَوَاءِ مَرَضٍ، وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ. وَلَهَا طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ، فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] بِالْوَرْدِ أَوْ الْبَنَفْسَجِ وَجَبَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَوَقْتُهُ كُلُّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، وَالْأَوْلَى الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ وُجُوبِ الْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ، وَصَرَّحَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ بِوُجُوبِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَجِبُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ أَوْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَفِيهِ الْبَحْثُ الْمَارُّ. قَالَ الْقَفَّالُ: حَتَّى لَوْ كَانَتْ إذَا أَكَلَتْ احْتَاجَتْ إلَى الْخِلَالِ فَعَلَى الزَّوْجِ، وَسَكَتُوا عَنْ دُهْنِ السِّرَاجِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وُجُوبُهُ وَيُتَّبَعُ فِيهِ الْعُرْفُ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى أَهْلِ الْبَوَادِي شَيْءٌ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (مَا تَغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ) مِنْ سِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ، لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ، وَالرُّجُوعُ فِي قَدْرِهِ إلَى الْعَادَةِ (وَمَرْتَكٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مُعَرَّبٌ، وَتَشْدِيدُ كَافِهِ خَطَأٌ، أَصْلُهُ مِنْ الرَّصَاصِ يَقْطَعُ رَائِحَةَ الْإِبِطِ؛ لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْعَرَقَ وَإِنْ طُرِحَ فِي الْخَلِّ أَبْدَلَ حُمُوضَتَهُ حَلَاوَةً، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ (وَنَحْوِهِ) أَيْ الْمَرْتَكِ (لِدَفْعِ) أَيْ لِقَطْعِ رَائِحَةِ (صُنَانٍ) إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ، وَتُرَابٍ لِتَأَذِّيهِمَا بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَ (لَا) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (كُحْلٌ وَ) لَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (خِضَابٌ) وَلَا عِطْرٌ (وَ) لَا (مَا تَزَيَّنُ بِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ آلَاتِ الْحُلِيِّ لِزِيَادَةِ التَّلَذُّذِ وَكَمَالِ الِاسْتِعْمَالِ، وَذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، فَإِنْ هَيَّأَهُ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا قِيلَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ السَّلْتَاءَ وَالْمَرْهَاءَ» ، وَالْأُولَى هِيَ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ (وَ) لَا (دَوَاءُ مَرَضٍ وَ) لَا (أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ كَفَاصِدٍ وَخَاتِنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِحِفْظِ الْأَصْلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ كَعِمَارَةِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَخَالَفَ مُؤْنَةَ التَّنْظِيفِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى كَنْسِ الدَّارِ وَغَسْلِهَا. (وَ) يَجِبُ (لَهَا) عَلَيْهِ (طَعَامُ أَيَّامِ الْمَرَضِ وَأُدْمُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ، وَلَهَا صَرْفُهُ فِي الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ لَا تَسْتَحِقُّهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْكِسْوَةُ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالدُّهْنِ، وَالْمَرْتَكِ وَنَحْوِهِمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ) إنْ كَانَتْ عَادَتُهَا دُخُولَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِتَخْرُجَ مِنْ دَنَسٍ الْحَيْضِ الَّذِي يَكُونُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً غَالِبًا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ لِعَادَةِ مِثْلِهَا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ حَرًّا وَبَرْدًا. وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ لَهَا الْأُجْرَةُ إلَّا إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ وَعَسُرَ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَلَا تَجِبُ لَهَا أُجْرَتُهُ (وَ) الْأَصَحُّ أَيْضًا وُجُوبُ (ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ) مِنْ الزَّوْجِ (وَنِفَاسٍ) مِنْهُ وَوُضُوءٍ نَقَضَهُ هُوَ كَأَنْ لَمَسَهَا إنْ احْتَاجَتْ لِشِرَائِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِهِ. وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحَقٍّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 159 لَا حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَهَا وَآلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَبْخٍ كَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَنَحْوِهَا. وَمَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ حَصَلَ النَّقْضُ بِفِعْلِهِمَا فَقِيَاسُ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا وُجُوبُهُ عَلَيْهِ، وَكَالنِّفَاسِ فِيمَا ذُكِرَ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوِلَادَةِ بَدَلَ النِّفَاسِ لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْإِحْبَالُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ، فَلَوْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَحَبِلَتْ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الثَّانِي، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ نَقَضَ وُضُوءَ أَجْنَبِيَّةٍ ذَلِكَ، وَلَا عَلَيْهَا إذَا نَقَضَتْ وُضُوءَ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ بِفِعْلِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَ (لَا) يَجِبُ ثَمَنُ مَاءِ (حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا صُنْعَ مِنْهُ. وَالثَّانِي: يَجِبُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَيْضِ، وَفِي عَدَمِ إيجَابِهِ إجْحَافٌ بِهَا. تَنْبِيهٌ الْخِلَافُ فِي الِاحْتِلَامِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَمْ يَحْكِيَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، بَلْ قَطَعَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالصَّوَابُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ، فَقَدْ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لِحَاجَتِهَا قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَتْ أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ اهـ. وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ طَرْدُ الْخِلَالِ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَغْسِلُ بِهِ مَا تَنَجَّسَ مِنْ بَدَنِهَا أَوْ ثِيَابِهَا. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ الْخَامِسِ، وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا (آلَاتُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) بِضَمِّ الشِّينِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشَرْبٍ» (وَ) آلَاتُ (طَبْخٍ كَقِدْرٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ، مِثَالٌ لِآلَةِ الطَّبْخِ (وَقَصْعَةٍ) وَهِيَ بِفَتْحِهَا مِثَالٌ لِآلَةِ الْأَكْلِ (وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ) وَهُمَا مِثَالَانِ لِآلَةِ الشُّرْبِ (وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَا غِنَى عَنْهُ كَمِغْرَفَةٍ، وَمَا تَغْسِلُ فِيهِ ثِيَابَهَا؛ لِأَنَّ الْمَعِيشَةَ لَا تَتِمُّ بِدُونِ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. تَنْبِيهٌ سَكَتُوا عَنْ مَنَارَةِ السِّرَاجِ وَإِبْرِيقُ الْوُضُوءِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُهُ لِمَنْ اعْتَادَهُ حَتَّى لَا يَجِبَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَيَكْفِي كَوْنُ الْآلَاتِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَزَفٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، فَلَا تَجِبُ الْآلَةُ مِنْ النُّحَاسِ وَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً كَمَا رَجَّحَ ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي: لِأَنَّهُ رُعُونَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ لِلشَّرِيفَةِ الظُّرُوفُ النُّحَاسُ لِلْعَادَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقِيَاسُ الْبَابِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ فِي الْمَاعُونِ، وَأَنْ يُفَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنْ يُفَاوَتَ بَيْنَ مَرَاتِبِ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِ الزَّوْجَاتِ حَتَّى يَجِبَ لِبَدَوِيَّةٍ قَدَحٌ، وَقِطْعَةٌ مِنْ خَشْبٍ، وَقِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ، وَلِقَرَوِيَّةٍ جَرَّةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ خَزَفٍ، وَلِنِسَاءِ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ مَا يَعْتَدْنَهُ مِنْ خَزَفٍ عَالٍ، أَوْ مُتَوَسِّطٍ، أَوْ دَنِيءٍ، أَوْ مِنْ نُحَاسٍ كَطَسْتِ الثِّيَابِ، وَطَاسَةِ الْحَمَّامِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ السَّادِسِ، وَهُوَ السُّكْنَى فَقَالَ (وَ) يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ (مَسْكَنٌ) أَيْ تَهْيِئَتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ يَجِبُ لَهَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] ، فَالزَّوْجَةُ أَوْلَى، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكَنُ (يَلِيقُ بِهَا) عَادَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الِانْتِقَالَ مِنْهُ، فَرُوعِيَ فِيهِ جَانِبُهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 160 وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَهُ. وَعَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا إخْدَامُهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَعَبْدٌ،   [مغني المحتاج] وَالْكِسْوَةِ حَيْثُ رُوعِيَ فِيهِمَا حَالُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إبْدَالَهُمَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ يَسْكُنُ الْخَانَ أُسْكِنَتْ دَارًا أَوْ حُجْرَةً، وَيُنْظَرُ إلَى مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ سَعَةٍ أَوْ ضِيقٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] ، (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْمَسْكَنِ (كَوْنُهُ مِلْكَهُ) قَطْعًا، بَلْ يَجُوزُ إسْكَانُهَا فِي مَوْقُوفٍ وَمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَوْ سَكَنَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ فِي مَنْزِلِهَا مُدَّةً سَقَطَ فِيهَا حَقُّ السُّكْنَى، وَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا بِأُجْرَةِ سَكَنِهِ مَعَهَا إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ الْعَرِيَّ عَنْ ذِكْرِ عِوَضٍ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ اهـ. وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ الْعِدَدِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْوَاجِبِ السَّابِعِ وَهُوَ الْخَادِمُ فَقَالَ (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ لِمَنْ) أَيْ لِزَوْجَةٍ حُرَّةٍ (لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا) بِأَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُخْدَمُ فِي بَيْتِ أَبِيهَا مَثَلًا، لِكَوْنِهَا لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا فِي عَادَةِ الْبَلَدِ كَمَنْ يَخْدُمُهَا أَهْلُهَا، أَوْ تُخْدَمُ بِأَمَةٍ، أَوْ بِحُرَّةٍ، أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَا بِارْتِفَاعِهَا بِالِانْتِقَالِ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا (إخْدَامُهَا) لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ إمَّا (بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ) أَوْ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الْإِنَاثِ لِلْإِخْدَامِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَيَجُوزُ كَوْنُ الْخَادِمِ صَبِيًّا مُمَيِّزًا مُرَاهِقًا، أَوْ مَحْرَمًا، أَوْ مَمْلُوكًا لَهَا، أَوْ مَمْسُوحًا، وَلَا يَجُوزُ بِكَبِيرٍ وَلَا شَيْخٍ لِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَلَا بِذِمِّيَّةٍ لِمُسْلِمَةٍ، إذْ لَا تُؤْمَنُ عَدَاوَتُهَا الدِّينِيَّةُ، وَلِتَحْرِيمِ النَّظَرِ، وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ جَوَازِ عَكْسِهِ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِهْنَةِ، وَهَذَا فِي الْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ. أَمَّا الظَّاهِرَةُ كَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ مِنْ السُّوقِ فَيَتَوَلَّاهَا الرِّجَالُ وَغَيْرُهُمْ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِي تَعْيِينِ الْخَادِمِ الزَّوْجُ لَا الزَّوْجَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الِابْتِدَاءِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْدَمَهَا خَادِمًا وَأَلِفَتْهُ، أَوْ كَانَتْ حَمَلَتْ مَعَهَا خَادِمًا وَأَرَادَ إبْدَالَهُ فَلَا يَجُوزُ لِتَضَرُّرِهَا بِقَطْعِ الْمَأْلُوفِ إلَّا إنْ ظَهَرَتْ رِيبَةٌ أَوْ خِيَانَةٌ فَلَهُ الْإِبْدَالُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ خَادِمٍ، وَلَوْ أَرَادَتْ زِيَادَةَ خَادِمٍ آخَرَ مِنْ مَالِهَا كَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ وَمِنْ اسْتِخْدَامِهَا لَهُ، وَلَهُ إخْرَاجُ مَا عَدَا خَادِمِهَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَلَهُ مَنْعُ أَبَوَيْهَا مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَسَوَاءٌ فِي هَذَا) أَيْ وُجُوبِ الْإِخْدَامِ (مُوسِرٌ) وَمُتَوَسِّطٌ (وَمُعْسِرٌ) وَمُكَاتَبٌ (وَعَبْدٌ) كَسَائِرِ الْمُؤَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ " إخْدَامُهَا " أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ: أَنَا أَخْدُمُهَا بِنَفْسِي لِيَسْقُطَ عَنِّي مُؤْنَةُ الْخَادِمِ لَمْ يَلْزَمْهَا الرِّضَا بِهِ وَلَوْ فِيمَا لَا تَسْتَحِي مِنْهُ كَغَسْلِ ثَوْبٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ، وَطَبْخٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْهُ وَتُعَيَّرُ بِهِ، وَأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: أَنَا أَخْدُمُ نَفْسِي وَآخُذُ أُجْرَةَ الْخَادِمِ أَوْ مَا يَأْخُذُ مِنْ نَفَقَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 161 فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا أَوْ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بِمَنْ صَحِبَتْهَا لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا. وَجِنْسُ طَعَامِهَا جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ فِي الصَّحِيحِ، وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ وَلَهَا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا،   [مغني المحتاج] الرِّضَا بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا، وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى بِهِ لِابْتِذَالِهَا بِذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَكَاعْتِيَاضِهَا عَنْ النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا رِبَا، وَقَضِيَّتُهُ الْجَوَازُ يَوْمًا بِيَوْمٍ (فَإِنْ أَخْدَمَهَا) الزَّوْجُ (بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ أَخْدَمَهَا أَمَةً مُسْتَعَارَةً أَوْ حُرَّةً مُتَبَرِّعَةً بِالْخِدْمَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: سَقَطَ الْوُجُوبُ عَنْهُ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مَا إذَا رَضِيَتْ الزَّوْجَةُ بِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ فَلَهَا ذَلِكَ لِلْمِنَّةِ (أَوْ) أَخْدَمَهَا (بِأَمَتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ، أَوْ) أَخْدَمَهَا (بِمَنْ صَحِبَتْهَا) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا) وَفِطْرَتُهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمَصْحُوبَةُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجَةِ مَلَكَتْ نَفَقَتَهَا كَمَا تَمْلِكُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَيَجُوزُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ تَمْلِكَ نَفَقَةَ نَفْسِهَا كَمَا تَمْلِكُ الزَّوْجَةُ نَفَقَةَ نَفْسِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: تَمْلِكُهَا الزَّوْجَةُ لِتَدْفَعَهَا إلَيْهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيهَا وَتَكْفِيَهَا مِنْ مَالِهَا. فَائِدَةٌ: الْخَادِمُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِذَلِكَ يُذَكِّرُ الْمُصَنِّفُ الضَّمَائِرَ تَارَةً، وَيُؤَنِّثُهَا أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي كَلَامِهِ، وَيُقَالُ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ لِلْأُنْثَى خَادِمَةٌ. . تَنْبِيهٌ لُزُومُ نَفَقَةِ الْمَصْحُوبَةِ سَبَقَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا، وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ ثَانِيًا لِبَيَانِ جِنْسِ مَا تُعْطَاهُ، وَقَدْرِهِ كَمَا قَالَ (وَجِنْسُ طَعَامِهَا) أَيْ خَادِمِ الزَّوْجَةِ (جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ) وَقَدْ مَرَّ، إذْ مِنْ الْمَعْرُوفِ أَنْ لَا يَتَخَصَّصَ عَنْ خَادِمِهَا. تَنْبِيهٌ سَكَتَ عَنْ النَّوْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْعَلُ نَوْعُ الْمَخْدُومَةِ أَجْوَدَ لِلْعَادَةِ (وَهُوَ) أَيْ مِقْدَارُ طَعَامِ الْخَادِمِ (مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ) جَزْمًا، إذْ النَّفْسُ لَا تَقُومُ بِدُونِهِ غَالِبًا فَلِذَلِكَ سَارَتْ الْمَخْدُومَةُ فِيهِ (وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ) عَلَيْهِ مُدٌّ (فِي الصَّحِيحِ) قِيَاسًا عَلَى الْمُعْسِرِ، وَالثَّانِي، مُدٌّ وَثُلُثٌ كَالْمُوسِرِ، وَالثَّالِثُ مُدٌّ وَسُدُسٌ لِتَفَاوُتِ الْمَرَاتِبِ بَيْنَ الْخَادِمِ وَالْمَخْدُومَةِ (وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ) عَلَى النَّصِّ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا التَّقْرِيرَ، وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ: إنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمَةِ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ، وَالْمُدُّ وَالثُّلُثُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَهُوَ ثُلُثَا نَفَقَةِ الْمَخْدُومَةِ، وَوَجَّهُوا أَيْضًا التَّقْدِيرَ فِي الْمُوسِرِ بِمُدٍّ وَثُلُثٍ، وَفِي الْمُتَوَسِّطِ بِمُدٍّ بِأَنَّ لِلْخَادِمَةِ وَالْمَخْدُومَةِ فِي النَّفَقَةِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ يَسْتَوِيَانِ، فَفِي الْأُولَى يُزَادُ فِي الْمَفْضُولَةِ ثُلُثُ مَا يُزَادُ لِلْفَاضِلَةِ كَمَا أَنَّ لِلْأَبَوَيْنِ فِي الْإِرْثِ حَالَةَ كَمَالٍ وَحَالَةَ نَقْصٍ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ابْنٌ يَسْتَوِيَانِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ السُّدُسَ، وَفِي الْأُولَى إذَا انْفَرَدَا يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَيُزَادُ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يُزَادُ لِلْأَبِ، وَلِهَذَا أَلْحَقُوا الْمُتَوَسِّطَ بِالْمُعْسِرِ وَلَمْ يُلْحِقُوهُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ بِهِ (وَلَهَا) أَيْضًا (كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا) وَلَوْ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 162 وَكَذَا أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا آلَةُ تَنْظِيفٍ فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ. وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إنْ احْتَاجَتْ إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا، وَلَا إخْدَامَ لِرَقِيقَةٍ، وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ. وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ إمْتَاعٌ، وَمَا يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ تَمْلِيكٌ،   [مغني المحتاج] مُتَوَسِّطٍ وَمُعْسِرٍ مِنْ قَمِيصٍ وَمِقْنَعَةٍ وَخُفٍّ وَرِدَاءٍ لِلْخُرُوجِ صَيْفًا وَشِتَاءً، حُرًّا كَانَ الْخَادِمُ أَوْ رَقِيقًا اعْتَادَ كَشْفَ الرَّأْسِ أَمْ لَا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ فِي الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ، هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبُهُمَا لِلْمَخْدُومَةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ إلَى الْحَمَّامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورَاتِ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْخُفِّ وَالرِّدَاءِ لِلْخَادِمِ إنْ كَانَ أُنْثَى. أَمَّا الْخَادِمُ الذَّكَرُ فَلَا، لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ لِلْخَادِمِ سَرَاوِيلُ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ بِخِلَافِ الْمَخْدُومَةِ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ وَكَمَالِ السَّتْرِ، وَيَجِبُ لِلْخَادِمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى جُبَّةٌ لِلشِّتَاءِ أَوْ فَرْوَةٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، فَإِنْ اشْتَدَّ الْبَرْدُ زِيدَ لَهُ عَلَى الْجُبَّةِ أَوْ الْفَرْوَةِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَيَجِبُ لَهُ مَا يَفْرِشُهُ وَمَا يَتَغَطَّى بِهِ كَقِطْعَةِ لِبْدٍ وَكِسَاءٍ فِي الشِّتَاءِ وَبَارِيَّةٍ فِي الصَّيْفِ وَمِخَدَّةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دُونَ مَا يَجِبُ لِلْمَخْدُومَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا، وَيُفَاوِتُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ (وَكَذَا) لِلْخَادِمِ (أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْشَ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَجِنْسُهُ جِنْسُ أُدْمِ الْمَخْدُومَةِ، وَلَكِنَّ نَوْعَهُ دُونَ نَوْعِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُفَاوَتُ فِيهِ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ، وَيُكْتَفَى بِمَا فَضَلَ عَنْ الْمَخْدُومَةِ، وَلَا يَجِبُ اللَّحْمُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يُؤْخَذُ تَرْجِيحُهُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَ (لَا) يَجِبُ لِلْخَادِمِ (آلَةُ تَنْظِيفٍ) كَمُشْطٍ وَدُهْنٍ؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلتَّزْيِينِ، وَالْخَادِمُ لَا يَتَزَيَّنُ، بَلْ اللَّائِقُ بِحَالِهَا عَكْسُ ذَلِكَ لِئَلَّا تَمْتَدَّ إلَيْهَا الْعَيْنُ (فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ) عَلَيْهَا (وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ) أَيْ تُنَعَّمَ بِأَنْ يُعْطِيَهَا مَا يُزِيلُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: الْقَمْلُ مُفْرَدُهُ قَمْلَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ. وَقَالَ الْحَافِظُ: رُبَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَمِلُ الطِّبَاعِ وَإِنْ تَنَظَّفَ وَتَعَطَّرَ وَبَدَّلَ الثِّيَابَ كَمَا عَرَضَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. (وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ) لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَّخِذَ خَادِمًا وَتُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، فَ (إنْ احْتَاجَتْ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً (إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ) بِهَا (أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، فَأَشْبَهَتْ مَنْ لَا تَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ أَقْوَى مِمَّا نَقَصَ مِنْ الْمُرُوءَةِ وَإِنْ تَعَدَّدَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (وَلَا إخْدَامَ) حَالَ الصِّحَّةِ (لِرَقِيقَةٍ) أَيْ زَوْجَةٍ كُلًّا أَوْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنْ تَخْدُمَ نَفْسَهَا جَمِيلَةً كَانَتْ أَمْ لَا (وَفِي الْجَمِيلَةِ وَجْهٌ) يُوجِبُ إخْدَامَهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ. (وَيَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ) وَالْخَادِمِ (إمْتَاعٌ) لَا تَمْلِيكٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِلْكَهُ (وَ) يَجِبُ فِي (مَا يُسْتَهْلَكُ) لِعَدَمِ بَقَاءِ عَيْنِهِ (كَطَعَامٍ) وَأُدْمٍ وَدُهْنٍ وَلَحْمٍ وَزَيْتٍ (تَمْلِيكٌ) وَلَوْ بِلَا صِيغَةٍ فَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَتْ نِيَّتَهُ أَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 163 وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ فَلَوْ قَتَّرَتْ بِمَا يَضُرُّهَا مَنَعَهَا، وَمَا دَامَ نَفْعُهُ كَكِسْوَةٍ وَظُرُوفِ طَعَامٍ وَمُشْطٍ تَمْلِيكٌ، وَقِيلَ إمْتَاعٌ. وَتُعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِيهِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ، فَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ تُرَدَّ.   [مغني المحتاج] لَا كَالْكَفَّارَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ (وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ) الْحُرَّةُ بِمَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهَا. أَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهَا. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ بَدَلَ الْوَاوِ فَإِنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (فَلَوْ قَتَّرَتْ) بَعْدَ قَبْضِ نَفَقَتِهَا (بِمَا يَضُرُّهَا) أَيْ بِأَنْ ضَيَّقَتْ عَلَى نَفْسِهَا (مَنَعَهَا) زَوْجُهَا مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَضُرَّهَا وَلَكِنْ يُنَفِّرُهُ عَنْهَا لِحَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ (وَمَا دَامَ نَفْعُهُ) مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، (كَكِسْوَةٍ) وَفَرْشٍ (وَظُرُوفِ طَعَامٍ) وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَظُرُوفٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِيَتَنَاوَلَ ظُرُوفَ الْمَاءِ وَآلَةَ التَّنْظِيفِ (وَمِشْطٍ) بِالْجَرِّ، وَخَبَرُ مَا قَوْلُهُ (تَمْلِيكٌ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ كِسْوَةَ الْأَهْلِ أَصْلًا لِلْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ كَالطَّعَامِ، وَالطَّعَامُ تَمْلِيكٌ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا الْكِسْوَةُ فَوَجَبَ هُنَا مِثْلُهُ (وَقِيلَ) هُوَ (إمْتَاعٌ) كَالْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ بِجَامِعِ الِانْتِفَاعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُدْفَعُ إلَيْهَا وَالْمَسْكَنُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُسْكِنُهَا الزَّوْجُ مَعَهُ فَلَا تَسْقُطُ بِمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَعَارٍ بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ، فَلَوْ لَبِسَتْ الْمُسْتَعَارَ وَتَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ فَضَمَانُهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَعِيرُ وَهِيَ نَائِبَةٌ عَنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا فِي الْمُسْتَأْجَرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهَا ذَلِكَ عَنْ كِسْوَتِهَا اهـ. وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ. (وَتُعْطَى) الزَّوْجَةُ (الْكِسْوَةَ أَوَّلَ) فَصْلِ (شِتَاءٍ وَ) أَوَّلَ فَصْلِ (صَيْفٍ) لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، هَذَا إنْ وَافَقَ النِّكَاحُ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَإِلَّا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ هَذَا فِيمَا لَا يَبْقَى سَنَةً غَالِبًا. أَمَّا مَا يَبْقَى سَنَةً فَأَكْثَرَ كَالْفَرْشِ وَجُبَّةِ الْخَزِّ وَالْإِبْرَيْسَمِ فَيُجَدَّدُ فِي وَقْتِهِ عَلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَجْدِيدِهِ، وَعَلَيْهِ تَطْرِيفُهَا عَلَى الْعَادَةِ (فَإِنْ) أَعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ فَصْلٍ مَثَلًا ثُمَّ (تَلِفَتْ فِيهِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْفَصْلِ (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْهَا (لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ: إنَّهَا (تَمْلِيكٌ) ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهَا مَا عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِهَا، وَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا إمْتَاعٌ أَبْدَلَتْ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ لَيْسَ شَرْطًا لِعَدَمِ الْإِبْدَالِ فَإِنَّهُ مَعَ التَّقْصِيرِ أَوْلَى، وَلَكِنَّ شَرْطَ الْمَفْهُومِ قَوْلُهُ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ الْإِبْدَالَ إنْ قُلْنَا: إمْتَاعٌ كَمَا تَقَدَّمَ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّقْصِيرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْ الزَّوْجِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا كِسْوَةً سَخِيفَةً فَبَلِيَتْ لِسَخَافَتِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ إبْدَالُهَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ لِتَقْصِيرِهِ (فَإِنْ) مَاتَ أَوْ أَبَانَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ (مَاتَتْ فِيهِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ (لَمْ تُرَدَّ) عَلَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْيَوْمِ، فَإِنَّ كِسْوَةَ الْفَصْلِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ وَتُرَدُّ عَلَى الْإِمْتَاعِ، وَقِيلَ: تُرَدُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لِمُدَّةٍ لَمْ تَأْتِ كَنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 164 وَلَوْ لَمْ يَكْسُ مُدَّةً فَدَيْنٌ. فَصْلٌ الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ   [مغني المحتاج] وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَعْطَاهَا كِسْوَةَ سَنَةٍ أَوْ نَفَقَةَ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَمَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا أَوْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمَيْنِ اسْتَرَدَّ كِسْوَةَ الْفَصْلِ الثَّانِي، وَنَفَقَةُ الْيَوْمِ الثَّانِي كَالزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ الْكِسْوَةَ حَتَّى مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ أَوْ طَلُقَتْ فِيهِ اسْتَحَقَّتْ كِسْوَةَ كُلِّ الْفَصْلِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ تُسْتَحَقُّ بِأَوَّلِ الْفَصْلِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْقِسْطِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَمَّ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَقْطَعْهُ مَا طَرَأَ بَعْدَهُ، وَلَا كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكْسُ) الزَّوْجُ (مُدَّةً فَدَيْنٌ) عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، فَإِنْ قُلْنَا: إمْتَاعٌ، فَلَا. تَنْبِيهٌ الْوَاجِبُ فِي الْكِسْوَةِ الثِّيَابُ لَا قِيمَتِهَا وَعَلَيْهِ خِيَاطَتُهَا، وَلَهَا بَيْعُهَا لِأَنَّهَا مِلْكُهَا، وَلَوْ لَبِسَتْ دُونَهَا مَنَعَهَا لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي تَجَمُّلِهَا. [فَصْل فِي مُوجِبَاتِ النَّفَقَةِ] فَصْلٌ فِي مُوجِبِ النَّفَقَةِ وَمَوَانِعِهَا كَنُشُوزٍ أَوْ صِغَرٍ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ (الْجَدِيدُ أَنَّهَا) أَيْ النَّفَقَةَ وَتَوَابِعَهَا (تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ) التَّامِّ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ مَا مَلَكَ عَلَيْهَا فَتَسْتَحِقُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 165 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لَهَا، وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمًا بِيَوْمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَوْ حَصَلَ التَّمْكِينُ وَقْتَ الْغُرُوبِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْقِيَاسُ وُجُوبُهَا بِالْغُرُوبِ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُهَا بِالْقِسْطِ، فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُهَا لِذَلِكَ مِنْ حِينَئِذٍ، وَهَلْ التَّمْكِينُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَا لَوْ مَنَعَتْ نَفْسَهَا لِتَسْلِيمِ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ أَوْ الْحَالِّ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ مِنْ حِينَئِذٍ، أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَلَيْسَ لَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لَهُ وَإِنْ حَلَّ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: لِامْرَأَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 166 لَا الْعَقْدِ. فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ صُدِّقَ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ مُدَّةً فَلَا نَفَقَةَ فِيهَا، وَإِنْ عَرَضَتْ وَجَبَتْ مِنْ بُلُوغِ الْخَبَرِ، فَإِنْ غَابَ كَتَبَ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ فَيَجِيءَ أَوْ يُوَكِّلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ وُصُولِهِ فَرَضَهَا الْقَاضِي.   [مغني المحتاج] الْمُطَالَبَةُ بِنَفَقَةِ مُدَّةِ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ حَتَّى يَتْرُكَ لَهَا هَذَا الْمِقْدَارَ، أَيْ: إذَا لَمْ يَسْتَنِبْ مَنْ يَدْفَعُ لَهَا ذَلِكَ يَوْمًا بِيَوْمٍ. فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ السَّفَرُ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ غَرِيمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ مَحْبُوسَةٌ عِنْدَهُ وَتَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، وَخَرَجَ بِالتَّامِّ الْمُقَدَّرُ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا فِي زَمَنٍ أَوْ مَحَلٍّ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا. . تَنْبِيهٌ: لَوْ تَقَدَّمَ الْعَقْدَ مُوجِبُ النَّفَقَةِ كَالْحَامِلِ الْبَائِنِ إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا هَلْ تَحْتَاجُ لِلتَّمْكِينِ أَوْ لَا؟ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُوجِبَ سَقَطَ بِالْعَقْدِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ (لَا الْعَقْدِ) فَلَا تَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمَهْرَ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ مَالًا مَجْهُولًا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَدَخَلَ بِهَا بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَهَا لَسَاقَهُ إلَيْهَا، وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ، وَالْقَدِيمُ وَحُكِيَ جَدِيدًا أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِالتَّمْكِينِ، فَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ سَقَطَتْ. ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَوْلَهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ) أَيْ التَّمْكِينِ، فَقَالَتْ: مَكَّنْتُ فِي وَقْتِ كَذَا، وَأَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ عَلَى الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَعَلَى الْقَدِيمِ هِيَ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، فَإِنْ تَوَافَقَا عَلَى التَّمْكِينِ ثُمَّ ادَّعَى نُشُوزَهَا وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النُّشُوزِ، وَقِيلَ: هُوَ الْمُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَجَبَ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَهُ، وَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا قَوْلَهُ (فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ) زَوْجَتُهُ (مُدَّةً) مَعَ سُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِهَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ (فَلَا نَفَقَةَ) لَهَا (فِيهَا) عَلَى الْجَدِيدِ لِعَدَمِ التَّمْكِينِ، وَتَجِبُ عَلَى الْقَدِيمِ (وَ) عَلَى الْجَدِيدِ (إنْ عَرَضَتْ) عَلَيْهِ وَهِيَ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ مَعَ حُضُورِهِ فِي بَلَدِهَا كَأَنْ بَعَثَتْ إلَيْهِ تُخْبِرُهُ أَنِّي مُسَلِّمَةٌ نَفْسِي إلَيْكَ فَاخْتَرْ أَنْ آتِيَكَ حَيْثُ شِئْتَ أَوْ تَأْتِيَ إلَيَّ (وَجَبَتْ) نَفَقَتُهَا (مِنْ) حِينِ (بُلُوغِ الْخَبَرِ) لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ (فَإِنْ غَابَ) عَنْ بَلَدِهَا قَبْلَ عَرْضِهَا إلَيْهِ وَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ مُظْهِرَةً لَهُ التَّسْلِيمَ (كَتَبَ الْحَاكِمُ) الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ الْأَمْرَ (لِحَاكِمِ بَلَدِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لِيُعْلِمَهُ) الْحَالَ (فَيَجِيءَ) الزَّوْجُ لَهَا يَتَسَلَّمُهَا (أَوْ يُوَكِّلَ) مَنْ يَجِيءُ يَتَسَلَّمُهَا لَهُ أَوْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ، وَتَجِبُ النَّفَقَةُ مِنْ وَقْتِ التَّسْلِيمِ. تَنْبِيهٌ: مَجِيئُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ حِينَ عِلْمِهِ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَعَ إمْكَانِ الْمَجِيءِ أَوْ التَّوْكِيلِ (وَمَضَى زَمَنُ) إمْكَانِ (وُصُولِهِ) إلَيْهَا (فَرَضَهَا الْقَاضِي) فِي مَالِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 167 وَالْمُعْتَبَرُ فِي مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ. وَتَسْقُطُ بِنُشُوزٍ وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ بِلَا عُذْرٍ،   [مغني المحتاج] مِنْ حِينِ إمْكَانِ وُصُولِهِ كَالْمُسْتَلِمِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْهُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَلَا يَفْرِضُ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَقَيَّدُوا بِهِ كَلَامَ الْكِتَابِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ عُلِمَ مَكَانُ الزَّوْجِ، فَإِنْ جُهِلَ كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَى الْحُكَّامِ الَّذِينَ تَرِدُ عَلَيْهِمْ الْقَوَافِلُ مِنْ بَلَدِهِ عَادَةً لِيُنَادِيَ بِاسْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَعْطَاهَا الْقَاضِي نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ أَوْ طَلَاقِهِ، أَمَّا إذَا غَابَ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ تَسَلُّمِهَا، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تُقَرَّرُ عَلَيْهِ وَلَا تَسْقُطُ بِغَيْبَتِهِ. (وَالْمُعْتَبَرُ فِي) زَوْجَةٍ (مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ) لَهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَرْضِهِمَا، لَكِنْ لَوْ عَرَضَتْ الْمُرَاهِقَةُ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَتَسَلَّمَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، وَفِي عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ فَتَسَلَّمَهَا وَصَارَ بِهَا إلَى مَنْزِلِهِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَوْ تَسَلَّمَهَا وَلَمْ يَصِرْ بِهَا لَا تَسْتَحِقُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِذَلِكَ أَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَنِعْمَ مَا فَعَلَ، وَتَسَلُّمُ الزَّوْجِ وَالْمُرَاهِقِ زَوْجَتَهُ كَافٍ وَإِنْ كَرِهَ الْوَطْءَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَسَلَّمَ الْمُرَاهِقُ الْمَبِيعَ لَمْ يَكْفِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَاكَ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ أَنْ تَصِيرَ الْيَدُ لِلْمُشْتَرِي، وَهِيَ لِلْوَلِيِّ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِلْمُرَاهِقِ، لَا لَهُ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُعْصِرِ بَدَلَ الْمُرَاهِقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ: غُلَامٌ مُرَاهِقٌ وَجَارِيَةٌ مُعْصِرٌ، وَلَا يُقَالُ: مُرَاهِقَةٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذُّكُورِ. [فَصَلِّ فِي مَوَانِعُ النَّفَقَةِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ النَّفَقَةِ، فَقَالَ (وَتَسْقُطُ) نَفَقَةُ كُلِّ يَوْمٍ (بِنُشُوزٍ) أَيْ خُرُوجٍ عَنْ طَاعَةِ الزَّوْجِ بَعْدَ التَّمْكِينِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْجَدِيدِ وَقَبْلَهُ عَلَى الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّسْلِيمِ فَتَسْقُطُ بِالْمَنْعِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّقُوطِ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَإِلَّا فَالسُّقُوطُ حَقِيقَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ. تَنْبِيهٌ: نُشُوزُ غَيْرِ الْمُكَلَّفَةِ كَالْمُكَلَّفَةِ لِاسْتِوَاءِ الْفِعْلَيْنِ فِي التَّفْوِيتِ عَلَى الزَّوْجِ، وَسَوَاءٌ أَقَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى رَدِّهَا إلَى الطَّاعَةِ قَهْرًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهَا حَقَّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ سَقَطَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَلَوْ نَشَزَتْ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بَعْضَ أَحَدِهِمَا سَقَطَتْ نَفَقَةُ جَمِيعِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُسَلَّمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَلَا تُفَرَّقُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَقِيلَ: تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ مَا قَبْلَ النُّشُوزِ مِنْ زَمَنِ الطَّاعَةِ بِالْقِسْطِ، وَقَطَعَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ (وَ) تَسْقُطُ وَ (لَوْ) كَانَ نُشُوزُهَا (بِمَنْعِ لَمْسٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ (بِلَا عُذْرٍ) بِهَا إلْحَاقًا لِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ بِالْوَطْءِ، فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ كَمَنْعِ لَمْسِ مَنْ بِفَرْجِهَا قُرُوحٌ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ مَتَى لَمَسَهَا وَاقَعَهَا لَمْ يَكُنْ مَنْعُهَا نُشُوزًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ الْوَطْءِ وَمَنَعَتْ بَقِيَّةَ الِاسْتِمْتَاعَاتِ أَنَّهُ نُشُوزٌ، وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 168 وَعَبَالَةُ زَوْجٍ، أَوْ مَرَضٌ يَضُرُّ مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ، وَالْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إلَّا أَنْ يُشْرِفَ عَلَى انْهِدَامٍ. وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ أَوْ لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ وَلِحَاجَتِهَا يَسْقُطُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] الْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ، وَنَبَّهَ بِاللَّمْسِ عَلَى أَنَّ مَا فَوْقَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، لَكِنْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ مَنَعَتْهُ النَّظَرَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا أَوْ تَوْلِيَتِهِ يَكُونُ نُشُوزًا، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نُشُوزٌ (وَعَبَالَةُ زَوْجٍ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كِبَرُ آلَتِهِ بِحَيْثُ لَا تَحْتَمِلُهَا الزَّوْجَةُ (أَوْ مَرَضٌ) بِهَا (يَضُرُّ) هَا (مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ) فِي مَنْعِهَا مِنْ وَطْئِهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَعَ مَنْعِ الْوَطْءِ لِعُذْرِهَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ لِحُصُولِ التَّسْلِيمِ الْمُمْكِنِ، وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَتَثْبُتُ عَبَالَتُهُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يَسْقُطُ بِهَا حَقُّ الزَّوْجِ وَلَهُنَّ نَظَرُ ذَكَرِهِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ لِلشَّهَادَةِ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ الزِّفَافِ لِعَبَالَتِهِ، وَلَهَا ذَلِكَ بِالْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَقَّعُ الزَّوَالِ. فُرُوعٌ: لَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ عَادَةً كَمَرَضٍ وَرَتَقٍ وَقَرْنٍ وَضَنًى، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: مَرَضٌ مُدْنِفٌ، وَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجُنُونٍ، وَإِنْ قَارَنَتْ تَسْلِيمَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعْذَارٌ بَعْضُهَا يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَبَعْضُهَا دَائِمٌ وَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِيهَا وَقَدْ حَصَلَ التَّسْلِيمُ الْمُمْكِنُ، وَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ غَضِبَتْ بِخُرُوجِهَا عَنْ قَبْضَةِ الزَّوْجِ وَفَوَاتُ التَّمَتُّعِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِحَبْسِهَا وَلَوْ ظُلْمًا كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ، وَلَوْ حَبَسَهَا الزَّوْجُ بِدَيْنِهِ هَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قِبَلِهِ؟ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهَا إنْ مَنَعَتْهُ مِنْهُ عِنَادًا سَقَطَتْ، أَوْ لِإِعْسَارٍ فَلَا، وَلَا أَثَرَ لِزِنَاهَا، وَإِنْ حَبِلَتْ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا (وَالْخُرُوجُ) لِلزَّوْجَةِ (مِنْ بَيْتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ حَاضِرًا كَانَ أَوْ لَا (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (نُشُوزٌ) مِنْهَا سَوَاءٌ كَانَ لِعِبَادَةٍ كَحَجٍّ أَمْ لَا؟ يُسْقِطُ نَفَقَتَهَا لِمُخَالَفَتِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهَا (إلَّا أَنْ يُشْرِفَ) الْبَيْتُ (عَلَى انْهِدَامٍ) فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِعُذْرِهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ الِاسْتِثْنَاءُ حَصَرَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهَا تُعْذَرُ فِي صُوَرٍ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْهَا مَا إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهِ ظُلْمًا، وَمِنْهَا مَا إذَا خَرِبَتْ الْمَحَلَّةُ وَبَقِيَ الْبَيْتُ مُنْفَرِدًا وَخَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ حَقِّهَا مِنْهُ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَعَسَرَ بِالنَّفَقَةِ سَوَاءٌ أَرَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَمْ لَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ مِنْ حَوَائِجِهَا الَّتِي يَقْتَضِي الْعُرْفُ خُرُوجَ مِثْلِهَا لَهُ لِتَعُودَ عَنْ قُرْبٍ لِلْعُرْفِ فِي رِضَا مِثْلِهِ بِذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يُغْنِهَا الزَّوْجُ عَنْ خُرُوجِهَا لَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ خَرَجَتْ لِبَيْتِ أَبِيهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَوْ قَالَ: إلَّا لِعُذْرٍ لَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ. (وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ) وَلَوْ لِحَاجَتِهَا (أَوْ) وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ (لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ) نَفَقَتَهَا لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ فِي الْأُولَى، وَفِي غَرَضِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ الْمُسْقِطُ لِحَقِّهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 169 وَلَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ فَأَطَاعَتْ لَمْ تَجِبْ فِي الْأَصَحِّ وَطَرِيقُهَا أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تَسْقُطْ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى مَا لَوْ خَرَجَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا فَمُقْتَضَى الْمُرَجَّحِ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ خَرَجْت لِغَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مَا كَتَبْتُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي مِنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي السُّقُوطَ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا سَافَرَتْ الْحُرَّةُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا قَسَمَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَلَا قَسَمُهَا. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ أَخْذَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نَظِيرِهَا الْمُشَارِكِ لَهَا فِي الْمُدْرَكِ أَوْلَى مِنْ التَّمَسُّكِ بِظَاهِرِ لَفْظِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: يَنْبَغِي سُقُوطُهَا أَخْذًا مِمَّا رَجَّحُوهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ فِيمَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا قَبْلَ الْوَطْءِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ فَقُدِّمَ الْمَانِعُ اهـ. وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا قَالَ بَلْ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ مَا احْتَجَّ بِهِ لَا يُنَافِي عَدَمَ سُقُوطِ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْمُتْعَةِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِهَا خَالِيًا مِنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَالْأَصْلُ هُنَا بَعْدَ التَّمْكِينِ عَدَمُ سُقُوطِ النَّفَقَةِ حَتَّى يُوجَدَ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِهَا خَالِيًا مِنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُوجَدْ، إذْ الْمُقْتَضِي لِسُقُوطِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ خُرُوجِهَا لِغَرَضِهَا وَحْدَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ السُّقُوطِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا نَقَلَاهُ فِي الصَّدَاقِ عَنْ مُجَرَّدِ الْحَنَّاطِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِبَغْدَادَ امْرَأَةً بِالْكُوفَةِ، وَقُلْنَا: اعْتِبَارُ التَّسْلِيمِ بِمَوْضِعِ الْعَقْدِ فَتُسَلِّمُ نَفْسَهَا بِبَغْدَادَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ أَنْ تَصِلَ بَغْدَادَ مَعَ أَنَّ السَّفَرَ لِبَغْدَادَ لِحَاجَتِهِمَا. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: مَا إذَا سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهَا كَحَاجَةِ نَفْسِهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُ بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ. (وَلَوْ نَشَزَتْ) فِي حُضُورِ الزَّوْجِ بِأَنْ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَغَابَ) عَنْهَا (فَأَطَاعَتْ) بَعْدَ غَيْبَتِهِ بِرُجُوعِهَا إلَى بَيْتِهِ (لَمْ تَجِبْ) نَفَقَتُهَا زَمَنَ الطَّاعَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ التَّسْلِيمِ، وَالتَّسَلُّمِ إذْ لَا يَحْصُلَانِ مَعَ الْغَيْبَةِ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (طَرِيقُهَا) فِي عَوْدِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ لَهَا بَعْدَ طَاعَتِهَا فِي غَيْبَةِ زَوْجِهَا (أَنْ يَكْتُبَ الْحَاكِمُ) بَعْدَ رَفْعِهَا الْأَمْرَ إلَيْهِ (كَمَا سَبَقَ) فِي ابْتِدَاءِ التَّسْلِيمِ فَيَكْتُبُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ بِالْحَالِ، فَإِنْ عَادَ أَوْ وَكِيلُهُ وَاسْتَأْنَفَ تَسَلُّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ، وَإِنْ مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ الْعَوْدِ وَلَمْ يَعُدْ وَلَا بَعَثَ وَكِيلَهُ عَادَتْ النَّفَقَةُ أَيْضًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا كَانَ نُشُوزُهَا بِغَيْرِ الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا كَأَنْ ارْتَدَّتْ أَوْ خَالَفَتْهُ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ مِنْ الْمَنْزِلِ عَادَتْ النَّفَقَةُ بِعَوْدِهَا إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الطَّاعَةِ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ. (وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ) لَا عَلَى وَجْهِ النُّشُوزِ بَلْ (لِزِيَارَةٍ) لِأَقَارِبِهَا أَوْ جِيرَانِهَا (وَنَحْوِهَا) كَعِيَادَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ (لَمْ تَسْقُطْ) نَفَقَتُهَا إذْ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ نُشُوزًا عُرْفًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 170 وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِصَغِيرَةٍ وَأَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ عَلَى صَغِيرٍ. وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا، فَإِنْ مَلَكَ فَلَا حَتَّى تَخْرُجَ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا، أَوْ بِإِذْنٍ فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَقْيِيدُ الزِّيَارَةِ بِبَيْتِ أَبِيهَا، وَنَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْمَحَارِمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَشْمَلُ الْأَجَانِبَ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ خُرُوجُهَا إلَى بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ أَقَارِبِهَا أَوْ جِيرَانِهَا لِزِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ أَوْ تَعْزِيَةٍ، وَلِهَذَا تَبِعْته فِي حَلِّ الْمَتْنِ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَمَوِيِّ شَارِحِ التَّعْجِيزِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ لِمَوْتِ أَبِيهَا وَلَا شُهُودِ جِنَازَتِهِ وَأَقَرَّهُ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ) وَلَا تَوَابِعَهَا (لِصَغِيرَةٍ) لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لِتَعَذُّرِهِ لِمَعْنًى فِيهَا، وَالثَّانِي تَجِبُ كَالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَالْمَرِيضَةِ كَمَا مَرَّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْمَرَضَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَالرَّتَقَ وَالْقَرَنَ مَانِعٌ دَائِمٌ قَدْ رَضِيَ بِهِ وَيَشُقُّ مَعَهُ تَرْكُ النَّفَقَةِ مَعَ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ لَا يَفُوتُ كَمَا مَرَّ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، لَا الْبَالِغَةُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ (عَلَى) زَوْجٍ (صَغِيرٍ) لَا يُمْكِنُ مِنْهُ جِمَاعٌ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا أَوْ عَرَضَتْهَا عَلَى وَلِيِّهِ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى كَبِيرٍ فَهَرَبَ. (وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَوْ مُطْلَقًا (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ (نُشُوزٌ) مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ (إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا) مِمَّا أَحْرَمَتْ بِهِ وَهُوَ فِي إحْرَامِهَا بِفَرْضٍ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ نَفْسَهَا بِذَلِكَ، فَتَكُونُ نَاشِزَةً مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ سَوَاءٌ أَكَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا (فَإِنْ مَلَكَ) تَحْلِيلَهَا بِأَنْ كَانَ مَا أَحْرَمَتْ بِهِ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ (فَلَا) يَكُونُ إحْرَامُهَا حِينَئِذٍ نُشُوزًا فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّحْلِيلِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: بِحَجٍّ. أَوْ عُمْرَةٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ؛ لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ نُشُوزًا، وَالْمَذْكُورُ فِي بَابِهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِئْذَانِ، فَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ مَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَمَا لَا يُسْقِطُهَا، لَا بَيَانُ الْإِبَاحَةِ وَالتَّحْرِيمِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهَا الْمَأْذُونَ فِيهِ بِجِمَاعٍ فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ عَلَى الْفَوْرِ وَلَهَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ مَعَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَحَيْثُ قِيلَ بِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا فَتَسْتَمِرُّ (حَتَّى تَخْرُجَ) مِنْ بَيْتِهَا فَإِذَا خَرَجَتْ (فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا) فَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ مَعَهُ اُسْتُحِقَّتْ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَاشِزَةٌ كَمَا مَرَّ (أَوْ) أَحْرَمَتْ بِمَا ذُكِرَ (بِإِذْنٍ) مِنْ زَوْجِهَا (فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ) لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَدَفَعَ بِأَنَّ فَوَاتَهُ تَوَلَّدَ مِنْ إذْنِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَخْرُجْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خَرَجَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 171 وَيَمْنَعُهَا صَوْمُ نَفْلٍ فَإِنْ أَبَتْ فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَتَضَيَّقُ كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا، وَأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ، وَسُنَنٍ رَاتِبَةٍ.   [مغني المحتاج] وَحْدَهَا، فَإِنْ خَرَجَ مَعَهَا لَمْ تَسْقُطْ كَمَا مَرَّ. (وَيَمْنَعُهَا) أَيْ يَجُوزُ لِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ (صَوْمِ نَفْلٍ) مُطْلَقٍ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ جِمَاعُهَا أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ لِعُذْرٍ حِسِّيٍّ كَجَبِّهِ أَوْ رَتَقِهَا، أَوْ شَرْعِيٍّ اكْتَسَبَهُ بِوَاجِبٍ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمُتَحَيِّرَةٍ وَمَنْ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَلَهُ قَطْعُهُ أَيْضًا إذَا شَرَعَتْ فِيهِ (فَإِنْ أَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْفِطْرِ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهَا بِهِ (فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ) وَفِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ: الْأَصَحُّ لِامْتِنَاعِهَا مِنْ التَّمْكِينِ وَإِعْرَاضِهَا عَنْهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَصَوْمُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَرَامٌ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ هُنَاكَ وَجْهَيْنِ: أَصَحُّهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. قَالَ: فَلَوْ صَامَتْ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فِي نَظَائِرِهِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ الثَّوَابِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَكَذَا هُنَا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّهَا فِي قَبْضَتِهِ وَلَهُ إخْرَاجُهَا مِنْهُ مَتَى شَاءَ، أَمَّا النَّفَلُ الرَّاتِبُ كَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ، فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ فِطْرِهِ فَهُوَ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَكَحَهَا صَائِمَةً تَطَوُّعًا لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى الْفِطْرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمَرْوَزِيِّ، وَفِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا السُّقُوطُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ عِنْدَ طَلَبِ التَّمَتُّعِ، وَحَيْثُ سَقَطَتْ بِالصَّوْمِ هَلْ سَقَطَ الْكُلُّ أَوْ النِّصْفُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ) مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ (لَا يَتَضَيَّقُ) بِأَنْ لَمْ يَجِبْ فَوْرًا كَفِطْرِهَا بِعُذْرٍ فِي رَمَضَانَ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ نَامَتْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا حُكْمُهُ (كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا) أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَمِنْ إتْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ كَالنَّفْلِ فَلَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ، أَمَّا مَا يَتَضَيَّقُ كَالْفِطْرِ تَعَدِّيًا أَوْ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا قَدْرُهُ أَوْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَالنَّفَقَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ بِتَرْجِيحِ السُّقُوطِ، وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ نَذَرَتْهُ بَعْدَ النِّكَاحِ بِلَا إذْنٍ وَمِنْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ إنْ لَمْ تَعْصِ بِسَبَبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَمِنْ مَنْذُورِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ مُطْلَقٍ، سَوَاءٌ أَنْذَرَتْهُ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ لِأَنَّهُ مُوسَعٌ (وَ) الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا مَنْعَ) لَهُ (مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ) لِحِيَازَةِ فَضِيلَتِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ التَّعْجِيلِ إذَا لَمْ يَنْدُبْ كَالْإِبْرَادِ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالثَّانِي: لَهُ الْمَنْعُ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِقِصَرِ مُدَّةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَا مُسَافِرَيْنِ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ تَعْجِيلِ صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَزَارِيّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْفِطْرُ أَفْضَلَ (وَ) لَا مَنْعَ مِنْ (سُنَنٍ رَاتِبَةٍ) لِتَأَكُّدِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعْجِيلِهَا مَعَ الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَكَذَا مِنْ تَطْوِيلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 172 وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ الْمُؤَنُ إلَّا مُؤْنَةَ تَنَظُّفٍ. فَلَوْ ظُنَّتْ حَامِلًا فَأَنْفَقَ فَبَانَتْ حَائِلًا اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ بَعْدَ   [مغني المحتاج] وَمِنْ التَّطْوِيلِ الزَّائِدِ فِي الْفَرَائِضِ، بَلْ تَأْتِي بِالْأَكْمَلِ مِنْ السُّنَنِ وَالْآدَابِ. تَنْبِيهٌ: تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِالِاعْتِكَافِ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ زَوْجِهَا وَهُوَ مَعَهَا أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ، لَكِنْ إنْ اعْتَكَفَتْ بِنَذْرٍ مُعَيَّنٍ سَابِقٍ لِلنِّكَاحِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَأَوْرَدَ عَلَى تَخْصِيصِ الْمُصَنِّفِ السُّنَنَ بِالرَّوَاتِبِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ فِعْلِهِمَا فِي الْمَنْزِلِ، وَلَكِنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ لِذَلِكَ،. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاتِبَةِ مَا لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، سَوَاءٌ تَوَابِعُ الْفَرَائِضِ وَغَيْرُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ هَذَا اصْطِلَاحُ الْقُدَمَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَيَدْخُلُ الْعِيدُ وَالتَّرَاوِيحُ وَالضُّحَى، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صَلَاةِ النَّفْلِ. فَرْعٌ: لَوْ نَكَحَ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ لِفَوَاتِ التَّمَتُّعِ عَلَيْهِ نَهَارًا مَعَ عُذْرِهِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِتَمْكِينِهِ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَوَعْدٌ لَا يَلْزَمُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ عَدَمُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي خِيَارِ النِّكَاحِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ ثُبُوتَهُ غَرِيبٌ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ وُجُوبِ نَفَقَتِهَا بِنَذْرِهَا الصَّوْمَ أَوْ الِاعْتِكَافَ الْمُعَيَّنَ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هُنَا يَدًا حَائِلَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَتَيْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ. (وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ) حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ حَائِلٍ أَوْ حَامِلٍ (الْمُؤَنُ) مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا لِبَقَاءِ حَبْسِ الزَّوْجِ لَهَا وَسَلْطَنَتِهِ عَلَيْهَا وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَا بِالرَّجْعَةِ، وَلَا يَسْقُطُ مَا وَجَبَ لَهَا إلَّا بِمَا يَسْقُطُ بِهِ مَا يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ، وَيَسْتَمِرُّ وُجُوبُهُ لَهَا حَتَّى تُقِرَّ هِيَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ فِي اسْتِمْرَارِ النَّفَقَةِ كَمَا تُصَدَّقُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ (إلَّا مُؤْنَةَ تَنَظُّفٍ) فَلَا تَجِبُ لَهَا لِامْتِنَاعِ الزَّوْجِ عَنْهَا إلَّا إنْ تَأَذَّتْ بِالْهَوَامِّ لِلْوَسَخِ فَيَجِبُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا تُرَفَّهُ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْخَادِمِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ نَفَقَةِ الرَّجْعِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلِيَ الرَّجْعَةُ، وَقَالَتْ بَلْ قَبْلَهَا، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِزَعْمِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ رَاجَعَهَا لِإِنْكَارِهَا اسْتِحْقَاقَهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ وَحَلَفَ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَهُوَ مَا أَوْرَدَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ، قَالَ: لَكِنْ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ الْوُجُوبُ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِأَجْلِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ الرَّضَاعَ وَأَنْكَرَ، وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُك قَبْلَ الْوَضْعِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُك فَلَا نَفَقَةَ لَك الْآنَ، فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقْتَنِي بَعْدَهُ فَلِي النَّفَقَةُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَزْعُمُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِيهِ وَوَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا بَائِنٌ بِزَعْمِهِ. (فَلَوْ ظُنَّتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُطَلَّقَتُهُ الرَّجْعِيَّةُ (حَامِلًا) بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ (فَأَنْفَقَ) زَوْجُهَا عَلَيْهِ (فَبَانَتْ) بَعْدَ إنْفَاقِهِ (حَائِلًا) وَأَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَ) إلَيْهَا مِنْ النَّفَقَةِ (بَعْدَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 173 عِدَّتِهَا. وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ، وَيَجِبَانِ لِحَامِلٍ لَهَا، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَمْلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ.   [مغني المحتاج] انْقِضَاءِ (عِدَّتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي مُدَّتِهَا بِيَمِينِهَا إنْ كَذَّبَهَا، وَبِدُونِهِ إنْ صَدَّقَهَا، فَإِنْ جَهِلَتْ وَقْتَ انْقِضَائِهَا قَدَّرَتْ بِعَادَتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا إنْ لَمْ تَخْتَلِفْ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ اُعْتُبِرَ بِأَقَلِّهَا فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ بِمَا زَادَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ وَهِيَ لَا تَدَّعِي زِيَادَةً عَلَيْهِ، فَإِنْ نَسِيَتْهَا اُعْتُبِرَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَيَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ أَخْذًا بِغَالِبِ الْعَادَاتِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ انْتَفَى عَنْهُ الْوَلَدُ الَّذِي أَتَتْ بِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ لُحُوقِهِ اسْتَرَدَّ الزَّوْجُ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَكِنَّهَا تُسْأَلُ عَنْ الْوَلَدِ فَقَدْ تَدَّعِي وَطْءَ شُبْهَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَالْحَمْلُ يَقْطَعُهَا كَالنَّفَقَةِ فَتُتِمُّ الْعِدَّةَ بَعْدَ وَضْعِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا تَتْمِيمَهَا. (وَ) الْمُعْتَدَّةُ (الْحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ) فِي الْحُرِّ وَاثْنَتَيْنِ فِي الْعَبْدِ (لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ) قَطْعًا لِزَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا (وَيَجِبَانِ) أَيْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ (لِحَامِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِمِائَةٍ فَهُوَ مُسْتَمْتِعٌ بِرَحِمِهَا فَسَارَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، إذْ النَّسْلُ مَقْصُودٌ بِالنِّكَاحِ كَمَا أَنَّ الْوَطْءَ مَقْصُودٌ بِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَيْرُهُمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ لَهَا الْأُدْمُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالسُّكْنَى كَمَا مَرَّ آخِرَ الْعَدَدِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا وُجُوبَ الْخَادِمِ لِمَخْدُومَةٍ، وَاحْتُرِزَ بِالْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ أَوْ الثَّلَاثِ عَنْ الْبَائِنِ بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ كَالْعَيْبِ وَالْغُرُورِ فَلَا نَفَقَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ بِهِ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ عَارِضٍ كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ إنْ لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ فَيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قُطِعَ لِلنِّكَاحِ كَالطَّلَاقِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الدَّمِيرِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ أَنْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْحَائِلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَامِلِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَالْوَاجِبُ فِيمَا ذُكِرَ (لَهَا) بِسَبَبِ الْحَمْلِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَجِبُ مُقَدَّرَةً، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْحَمْلِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ يَجِبُ مَا ذُكِرَ (لِلْحَمْلِ) فَقَطْ لِوُجُوبِ مَا ذُكِرَ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ بِعَدَمِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا صُرِفَ لَهَا لِتُغَذِّيَهُ بِغِذَائِهَا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْخِلَافِ قَوْلَهُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) الْأَصَحُّ (لَا تَجِبُ) نَفَقَةٌ وَلَا غَيْرُهَا (لِحَامِلٍ عَنْ) وَطْءِ (شُبْهَةٍ) وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ (أَوْ) لِحَامِلٍ عَنْ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي حَالِ التَّمْكِينِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى، وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ كَمَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُ الْحَامِلِ الْبَائِنِ رَقِيقًا، إنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لَهَا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْمُعْسِرِ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا الْمَنْكُوحَةُ إذَا حَبِلَتْ مِنْ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْوَاطِئِ سَقَطَتْ عَنْ الزَّوْجِ قَطْعًا، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 174 قُلْت: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنٍ النِّكَاحِ، وَقِيلَ تَجِبُ الْكِفَايَةُ، وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ، فَإِذَا ظَهَرَ وَجَبَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَقِيلَ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا تَسْقُطُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ مَا دَامَ الزَّوْجُ حَيًّا، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا السُّقُوطُ، وَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ عَدَمُ السُّقُوطِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (قُلْت: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا ثَمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَاغْتُفِرَ بَقَاؤُهَا فِي الدَّوَامِ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْبَائِنَ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ هُنَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِلْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا نَفَقَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِلًا فَقَدْ بَانَتْ بِالْمَوْتِ، وَالْحَائِلُ الْبَائِنُ لَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَإِنْ قُلْنَا: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهَا بِسَبَبِهِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْحَاضِنَةِ لِلْوَلَدِ، وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْحَاضِنَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: تَسْقُطُ النَّفَقَةُ لَا السُّكْنَى بِنَفْيِ الْحَمْلِ، فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الرَّضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَلَوْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّضَاعِ. فَإِنْ قِيلَ رُجُوعُهَا بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى الْوَلَدِ يُنَافِي إطْلَاقَهُمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِقَرْضٍ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَبَ هُنَا تَعَدَّى بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ. (وَنَفَقَةُ الْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنِ) أَيْ كَنَفَقَةِ زَمَنِ (النِّكَاحِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهِ (وَقِيلَ) لَا تُقَدَّرُ بَلْ (تَجِبُ الْكِفَايَةُ) فَتُزَادُ وَتَنْقُصُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: النَّفَقَةُ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا نَفَقَةُ قَرِيبٍ، وَالرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ (وَلَا يَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (دَفْعُهَا) لِلْحَامِلِ (قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ) سَوَاءٌ أَجَعَلْنَاهَا لَهَا أَمْ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ سَبَبَ الْوُجُوبِ (فَإِذَا ظَهَرَ) حَمْلُهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ أَوْ تَصْدِيقِهِ لَهَا (وَجَبَ) دَفْعُ النَّفَقَةِ لَهَا (يَوْمًا بِيَوْمٍ) أَيْ كُلَّ يَوْمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أُخِّرَتْ إلَى الْوَضْعِ لَتَضَرَّرَتْ (وَقِيلَ) لَا يَجِبُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ بَلْ (حَتَّى تَضَعَ) فَتُدْفَعَ لَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ السَّبَبُ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْلَمُ أَمْ لَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْلَمُ، وَعَلَيْهِ لَوْ ادَّعَتْ ظُهُورَهُ فَأَنْكَرَ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ، وَتَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَيَثْبُتُ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ، وَلَهُنَّ أَنْ يَشْهَدْنَ بِالْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إذَا عَرَفْنَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْفَقَ يَظُنُّ الْحَمْلَ فَبَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا، وَمَرَّ مِثْلُهُ فِي الرَّجْعِيَّةِ (وَلَا تَسْقُطُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 175 بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَصْلٌ أَعْسَرَ بِهَا فَإِنْ صَبَرَتْ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] نَفَقَةُ الْعِدَّةِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) مِنْ غَيْرِ إنْفَاقٍ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا فَتَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا أَوْ لِلْحَمْلِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: بِالْأَوَّلِ لَمْ تَسْقُطْ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي سَقَطَتْ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ مِنْ النَّفَقَةِ. إنْ قُلْنَا: إنَّهَا لَهَا سَقَطَتْ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: لَا نَفَقَةَ لِحَامِلٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ أَعْتَقَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَامِلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَدَّ نَفَقَةُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الْحَامِلِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ نَشَزَتْ الْحَامِلُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَلَوْ بَائِنًا، وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا بَلْ يَجْعَلُ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَإِتْلَافِهِ مَنَافِعَهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوْجِيهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا وَكَانَ قَدْ تَسَلَّمَهَا اسْتَرَدَّ، وَلَيْسَ مُرَادًا. . [فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْإِعْسَار بِمُؤْنَةِ الزَّوْجَةِ الْمَانِعِ لَهَا مِنْ وُجُوبِ تَمْكِينِهَا] ، إذَا (أَعْسَرَ) الزَّوْجُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ فَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِهَا) أَيْ: نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَتَلَفِ مَالِهِ (فَإِنْ صَبَرَتْ) بِهَا وَأَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا أَوْ مِمَّا اقْتَرَضَتْهُ (صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يُقْرِضْهَا الْقَاضِي كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُسْتَقِرَّةِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَإِنْ مَنَعَتْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا عَلَيْهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِمْهَالِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَصْبِرْ (فَلَهَا الْفَسْخُ) بِالطَّرِيقِ الْآتِي (عَلَى الْأَظْهَرِ) وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الثَّانِي، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: " أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، فَقِيلَ لَهُ: سَنَةً؟ فَقَالَ: نَعَمْ سَنَةٌ "، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهَا إذَا فَسَخَتْ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فَبِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَقُومُ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْوَطْءِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَزْنِيِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ بِنُشُوزِهَا وَعَجْزِهَا عَنْ التَّمْكِينِ. فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لِعَجْزِهِ عَنْ مُقَابِلِهِ. أَمَّا لَوْ أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ مَا مَضَى فَلَا فَسْخَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا فَسْخَ لَهَا أَيْضًا بِالْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ، سَوَاءٌ أَخَدَمَتْ نَفْسَهَا أَمْ اسْتَأْجَرَتْ أَمْ أَنْفَقَتْ عَلَى خَادِمهَا. نَعَمْ تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 176 وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ، وَلَوْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ،   [مغني المحتاج] أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمَخْدُومَةِ لِرُتْبَتِهَا. أَمَّا مَنْ تُخْدَمُ لِمَرَضِهَا وَنَحْوِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ كَالْقَرِيبِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْفُرْقَةُ فُرْقَةَ طَلَاقٍ بَلْ فَسْخٍ كَمَا فُهِمَ مِنْ الْمَتْنِ، وَالرَّجْعِيَّةُ كَالَّتِي فِي الْعِصْمَةِ، قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ. (وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ) لِلزَّوْجَةِ (بِمَنْعِ) أَيْ امْتِنَاعِ (مُوسِرٍ) مِنْ الْإِنْفَاقِ بِأَنْ لَمْ يُوَفِّهَا حَقَّهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَ (حَضَرَ) زَوْجُهَا (أَوْ غَابَ) عَنْهَا لِتَمَكُّنِهَا مِنْ تَحْصِيلِ حَقِّهَا بِالْحَاكِمِ أَوْ بِيَدِهَا إنْ قَدَرَتْ وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا فَيُلْزِمُهُ بِدَفْعِ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ بِأَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا؟ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ الزَّوْجُ مُوسِرًا، وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِهِ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَغَالِبُ ظَنِّي الْوُقُوفُ عَلَى هَذَا النَّصِّ فِي الْأُمِّ، فَإِنْ ثَبَتَ لَهُ نَصٌّ يُخَالِفُهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُ الْمَنْعُ بِالتَّعَذُّرِ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ اهـ. وَهَذَا أَحْوَطُ، وَالْأَوَّلُ أَيْسَرُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مُوسِرٍ " لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ غَابَ وَجُهِلَ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ اسْتِصْحَابًا لِدَوَامِ النِّكَاحِ. قَالَ: فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِهِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا بِالْبَلَدِ خَفِيَ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ لَمْ يُؤْثَرْ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَيَقْدِرَ عَلَيْهِ فَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْفَسْخِ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ (وَلَوْ حَضَرَ) الزَّوْجُ (وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ) غَائِبًا (بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ) فَأَكْثَرَ (فَلَهَا الْفَسْخُ) وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ لِلضَّرَرِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي فَسْخِ الْبَائِعِ عِنْدَ غَيْبَةِ الثَّمَنِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا بِنَحْوِ اسْتِدَانَةٍ وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: أَنَا أُحْضِرُهُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إجَابَتُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (فَلَا) فَسْخَ لَهَا (وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ) بِسُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْحَاضِرِ فِي الْبَلَدِ (وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ) مَثَلًا (بِهَا) عَنْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ (لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ) بَلْ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ غَيْرُهُ بِقَضَائِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ عَلَى الزَّوْجِ لَا عَلَيْهَا، وَلَوْ سَلَّمَهَا الْمُتَبَرِّعُ لِلزَّوْجِ ثُمَّ سَلَّمَهُ الزَّوْجُ لَهَا لَمْ يُفْسَخْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَبَرِّعُ أَبًا أَوْ جَدًّا وَالزَّوْجُ تَحْتَ حَجْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْقَبُولُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَلْحَقَ الْأَذْرَعِيُّ بِهِ وَلَدَ الزَّوْجِ وَسَيِّدَهُ. قَالَ: وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا أَعْسَرَ الْأَبُ وَتَبَرَّعَ وَلَدُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 177 وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ. وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لَهَا إذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مُؤَجِّلٍ بِقَدْرِ مُدَّةِ إحْضَارِ مَالِ الْغَائِبِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الْفَسْخُ بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِ بِدُونِ ذَلِكَ. وَلَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا لِكَوْنِ مَالِهِ عُرُوضًا لَا يُرْغَبُ فِيهَا وَلِكَوْنِ دَيْنِهِ حَالًّا عَلَى مُعْسِرٍ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ الْإِعْسَارِ لَا تَصِلُ إلَى حَقِّهَا، وَالْمُعْسِرُ يَنْظُرُ بِخِلَافِهَا فِي حَالِ الْيَسَارِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَلَى مُوسِرٍ حَاضِرٍ غَيْرِ مُمَاطِلٍ، وَلَوْ غَابَ الْمَدْيُونُ الْمُوسِرُ وَكَانَ مَالُهُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجُهُهُمَا الثَّانِي، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَمِيلُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا وَمَالُهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ الزَّوْجِ غَائِبًا، وَلَا يُفْسَخُ بِكَوْنِ الزَّوْجِ مَدْيُونًا وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ حَتَّى يَصْرِفَهُ إلَيْهَا، وَلَا تُفْسَخُ بِضَمَانِ غَيْرِهِ لَهُ بِإِذْنِهِ نَفَقَةُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ بِأَنْ تَجَدَّدَ ضَمَانُ كُلِّ يَوْمٍ. وَأَمَّا ضَمَانُهَا جُمْلَةً لَا يَصِحُّ فَتُفْسَخُ بِهِ (وَقُدْرَتُهُ) أَيْ الزَّوْجِ (عَلَى الْكَسْبِ كَالْمَالِ) أَيْ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَمْ يُفْسَخْ؛ لِأَنَّهَا هَكَذَا تَجِبُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدَّخِرَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ لَا يَكْسِبُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ مَا يَكْفِي لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَا فَسْخَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْسِرٍ، وَلَا تَشُقُّ الِاسْتِدَانَةُ لِمِثْلِ هَذَا التَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُصْبِرَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ بِلَا نَفَقَةٍ، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْوَاجِدِ لِنَفَقَتِهَا وَتُنْفِقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ لِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أُسْبُوعٍ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ فِيهِ لِعَارِضٍ فَسَخَتْ لِتَضَرُّرِهَا، وَيَكُونُ قُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ بِقَدْرِ مَا مَرَّ فِيهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْكَسْبِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَفْسَخْ، كَالْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِنَفَقَةِ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَكَسُّبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ لَزِمَهُ تَعَاطِيهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى كَسْبٍ وَاسِعٍ لَا يُخْرِجهُ عَنْ حَدِّ الْإِعْسَارِ وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْكَسْبَ، وَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَلَالٍ. أَمَّا إذَا كَانَ الْكَسْبُ بِأَعْيَانٍ مُحَرَّمَةٍ كَبَيْعِ الْخَمْرِ أَوْ كَانَ الْفِعْلُ الْمُوَصِّلُ لِلْكَسْبِ مُحَرَّمًا كَكَسْبِ الْمُنَجِّمِ وَالْكَاهِنِ فَهُوَ كَالْعَدَمِ؛ وَإِنْ خَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي (وَإِنَّمَا يُفْسَخُ) لِلزَّوْجَةِ النِّكَاحُ (بِعَجْزِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ) حَاضِرَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَةِ مُوسِرٍ أَوْ مُتَوَسِّطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ الْآنَ نَفَقَةُ مُعْسِرٍ فَلَا يَصِيرُ الزَّائِدُ دَيْنًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ إذَا أَنْفَقَ مُدًّا فَإِنَّهَا لَا تُفْسَخُ وَيَصِيرُ الْبَاقَّيْ دَيْنًا عَلَيْهِ. فُرُوعٌ: لَوْ وَجَدَ الزَّوْجُ نِصْفَ الْمُدِّ بُكْرَةَ غَدٍ وَقْتِهِ وَنِصْفَهُ عِشَاءً كَذَلِكَ لَمْ تُفْسَخُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَجَدَ يَوْمًا مُدًّا وَيَوْمًا نِصْفَ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَلَوْ وَجَدَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدٍّ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ أَيْضًا كَمَا شَمِلَتُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ. (وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 178 كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ، وَكَذَا بِالْأُدْمِ، وَالْمَسْكَنِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ فِي الْأُدْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا تُفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ لَا بَعْدَهُ،   [مغني المحتاج] كَهُوَ) أَيْ كَالْإِعْسَارِ (بِالنَّفَقَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَبْقَى الْبَدَنُ بِدُونِهَا غَالِبًا، وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تَبْقَى بِدُونِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِعْسَارِ بِبَعْضِ الْكِسْوَةِ، وَأَطْلَقَ الْفَارِقِيُّ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَالتَّحْرِيرَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْقَمِيصِ، وَالْخِمَارِ، وَجُبَّةِ الشِّتَاءِ، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ بُدٌّ كَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَبَعْضِ مَا يُفْرَشُ وَالْمِخَدَّةِ فَلَا خِيَارَ وَلَا فَسْخَ بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ضَرُورِيًّا كَالسُّكْنَى وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ (وَكَذَا) الْإِعْسَارُ (بِالْأُدْمِ وَالْمَسْكَنِ) كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ يُعْسَرُ الصَّبْرُ عَلَى الْخُبْزِ الْبَحْتِ، أَيْ: الَّذِي بِلَا أُدْمٍ، وَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ مَسْكَنٍ يَقِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَالثَّانِي: لَا فَسْخَ بِذَلِكَ. أَمَّا الْمَسْكَنُ فَلِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْدَمُ مَسْجِدًا أَوْ مَوْضِعًا مُبَاحًا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ كَالْحَوَالَةِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى السُّؤَالِ. وَأَمَّا الْأُدْمُ فَلِأَنَّ الْبَدَنَ يَقُومُ بِدُونِهِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ) أَيْ: مَنْعُ فَسْخِهَا (فِي) الْإِعْسَارِ بِسَبَبِ (الْأُدْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِخِلَافِ الْقُوتِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الْكَبِيرِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ، وَتَوَسَّطَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْقُوتُ مِمَّا يَنْسَاغُ دَائِمًا لِلْفُقَرَاءِ بِلَا أُدْمٍ فَلَا فَسْخَ وَإِلَّا فُسِخَتْ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الْخَادِمِ. (وَفِي إعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ (تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ) لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ مَعَ بَقَاءِ الْمُعَوَّضِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ وَالْمَبِيعُ بَاقٍ بِعَيْنِهِ، وَهَذَا الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَكَلَامُ التَّتِمَّةِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَ (لَا) تُفْسَخُ (بَعْدَهُ) لِتَلَفِ الْمُعَوَّضِ وَصَيْرُورَةِ الْعِوَضِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. وَالثَّانِي: لَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَقُومُ بِدُونِ الْمَهْرِ. وَالثَّالِثُ: تُفْسَخُ مُطْلَقًا، أَمَّا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَمَّا مَرَّ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُتْلَفُ حَقِيقَةً بِالْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا إذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا، فَلَوْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ وَأَعْسَرَ بِالْبَاقِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ بِعَجْزِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ بِقِسْطِهِ، فَلَوْ فَسَخَتْ لَعَادَ لَهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ لِتَعَذُّرِ الشَّرِكَةِ فِيهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْفَسْخِ فِيمَا اسْتَقَرَّ لِلزَّوْجِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالْفَلَسِ لِإِمْكَانِ الشَّرِكَةِ فِي الْبَيْعِ، وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ لَهَا الْفَسْخَ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِصِدْقِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَهْرِ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هُوَ الْوَجْهُ نَقْلًا وَمَعْنًى اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ يَلْزَمُ عَلَى فَتْوَى ابْنِ الصَّلَاحِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ إجْبَارُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 179 وَلَا فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إعْسَارُهُ فَيَفْسَخَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ ثُمَّ فِي قَوْلٍ يُنَجَّزُ الْفَسْخُ، وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ، وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابِعَ بَنَتْ، وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ.   [مغني المحتاج] نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ بَعْضِ الصَّدَاقِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِمَّا اسْتَقَرَّ لَهُ مِنْ الْبُضْعِ، وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ، وَلَوْ أُجْبِرَتْ لَاتَّخَذَ الْأَزْوَاجُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنْ حَبْسِ نَفْسِهَا بِتَسْلِيمِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ صَدَاقٍ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ جَوَّزْنَا لِلْمَرْأَةِ الْفَسْخَ لَعَادَ إلَيْهَا الْبُضْعُ بِكَمَالِهِ مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْفَسْخُ لَلَزِمَ إجْبَارُهَا عَلَى تَسْلِيمِ الْبُضْعِ بِكَمَالِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي رُجُوعِ الْبُضْعِ إلَيْهَا بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ يُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ بِكَمَالِهِ، إذْ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ يَجِبُ عَلَيْهَا رَدُّ مَا قَبَضَتْهُ (وَلَا فَسْخَ) بِإِعْسَارِ زَوْجٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ (حَيْثُ يَثْبُتُ عِنْدَ قَاضٍ) بَعْدَ الرَّفْعِ أَوْ عِنْدَ مُحَكِّمٍ (إعْسَارُهُ) بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اجْتِهَادٍ، وَيَكْفِي عِلْمُ الْقَاضِي إذَا قُلْنَا: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَحِينَئِذٍ (فَيَفْسَخَهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ (أَوْ يَأْذَنُ لَهَا فِيهِ) وَلَيْسَ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالْعَجْزِ الْفَسْخُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِذْنِ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ إلَى إيقَاعِهِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ إثْبَاتُ حَقِّ الْفَسْخِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي، فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ لِعَدَمِ حَاكِمٍ وَمُحَكِّمٍ، أَوْ عَجَزَتْ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلضَّرُورَةِ، أَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ نَقْلِ الْإِمَامِ لَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيَفْسَخُهُ بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ وَفِي يَأْذَنُ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى يَثْبُتَ (ثُمَّ) عَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ لَا يُمْهَلُ بِهَا (فِي قَوْلٍ) وَنُسِبَ لِلْقَدِيمِ بَلْ (يُنَجَّزُ الْفَسْخُ) عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْسَارُ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَا تَلْزَمُ الْإِمْهَالَ بِالْفَسْخِ (وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الزَّوْجُ الْإِمْهَالَ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ لِعَارِضٍ ثُمَّ يَزُولُ، وَهِيَ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ يُتَوَقَّعُ فِيهَا الْقُدْرَةُ بِقَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَهَا) بَعْدَ الْإِمْهَالِ (الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ) بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ بِلَا مُهْلَةٍ إلَى بَيَاضِ النَّهَارِ لِتَحَقُّقِ الْإِعْسَارِ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ) أَيْ الرَّابِعِ فَقَطْ فَلَا تُفْسَخُ لِمَا مَضَى حِينَئِذٍ لِتَبَيُّنِ زَوَالِ الْعَارِضِ الَّذِي كَانَ الْفَسْخُ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ نَفَقَةَ الرَّابِعِ عَنْ نَفَقَةِ الْخَامِسِ بَنَتْ عَلَى الْمُدَّةِ وَلَمْ تَسْتَأْنِفْهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَوْ مَضَى) عَلَى زَوْجِهَا (يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ) بِأَنْ سَلَّمَ زَوْجَتَهُ نَفَقَتَهُ (وَعَجَزَ الرَّابِعَ) أَيْ: عَجَزَ فِيهِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفَقَتِهِ (بَنَتْ) عَلَى الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الْخَامِسِ وَفِي الصُّورَتَيْنِ لِتَضَرُّرِهَا بِالِاسْتِئْنَافِ (وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ) مُدَّةً كَامِلَةً؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ الْأَوَّلَ قَدْ زَالَ، وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَةَ يَوْمٍ قَدَرَ فِيهِ عَنْ نَفَقَةِ يَوْمٍ قَبْلَهُ عَجَزَ فِيهِ عَنْ نَفَقَتِهِ لِتَفْسَخَ عِنْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 180 وَلَهَا الْخُرُوجُ زَمَنَ الْمُهْلَةِ لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ لَيْلًا. وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا،   [مغني المحتاج] تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدِّي، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: لَهَا الْفَسْخُ عِنْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ بِالتَّلْفِيقِ. وَثَانِيهِمَا: لَا، وَتُجْعَلُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا مُبْطِلَةً لِلْمُهْلَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَسْخَ بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ فَسْخِهَا بِنَفَقَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أَيَّامِ الْمُهْلَةِ لَا فِيهَا. (وَلَهَا الْخُرُوجُ) مِنْ بَيْتِهَا (زَمَنَ الْمُهْلَةِ) نَهَارًا (لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ) بِكَسْبٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ سُؤَالٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فَقِيرَةً أَمْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَالطَّاعَةَ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ، فَإِذَا لَمْ يُوَفِّهَا مَا عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا حَجْرًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا أَوْ كَسْبٍ فِي بَيْتِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الْأَوَّلُ (وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ) إلَى بَيْتِهَا (لَيْلًا) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِيوَاءِ دُونَ الْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ، وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَهَارًا، وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِذَلِكَ فَكَذَا لَيْلًا، لَكِنْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْ ذِمَّةِ الزَّوْجِ مُدَّةَ مَنْعِهَا، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ الْمُقْرِي سُقُوطُهَا حَيْثُ مَنَعَتْهُ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، فَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّمَتُّعَ بِهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا مِنْ الْمُهْلَةِ، فَإِنْ أَبَتْ نَهَارَهُ فَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ، أَوْ لَيْلًا فَنَاشِزَةٌ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَتَبِعَهُ فِي الْكِفَايَةِ. (وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ) الْعَارِضِ (أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ) أَيْ الرِّضَا فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهَا: رَضِيت بِإِعْسَارِهِ أَبَدًا فَإِنَّهُ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ يَوْمَ الرِّضَا فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَيَتَجَدَّدُ الْإِمْهَالُ إذَا طَلَبَتْ الْفَسْخَ بَعْدَ الرِّضَا (وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ فَلَا) فَسْخَ لَهَا بِذَلِكَ بَعْدَ الرِّضَا؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَالْحَاصِلُ مَرْضِيٌّ بِهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ بِالْمَهْرِ، بَلْ قَضِيَّتُهُ ثُبُوتُ الْفَسْخِ، لَكِنَّهُمَا رَجَّحَا عَدَمَهُ، كَمَا لَوْ رَضِيَتْ بِهِ فِي النِّكَاحِ ثُمَّ بَدَا لَهَا أَنْ تَفْسَخَ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ، فَقَدْ حَكَاهُ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ، وَذَلِكَ عَنْ الْقَدِيمِ، وَقَدْ اغْتَرَّ فِي الرَّوْضَةِ بِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ عِنْدِهِ لَمَّا لَمْ يَقِفْ عَلَى غَيْرِهِ وَزَادَ فَعَبَّرَ بِالْأَصَحِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَعَلَى الْفَسْخِ اقْتَصَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُمْهُورُ اهـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْفَسْخِ لِمَا مَرَّ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ نَكَحَتْ ثُمَّ عَلِمَتْ بِإِعْسَارِهِ فَأَمْسَكَتْ عَنْ الْمُحَاكَمَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَهُوَ فِي الْحَاوِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ طَلَبِهَا الْمَهْرَ كَانَ رِضًا بِالْإِعْسَارِ وَسَقَطَ خِيَارُهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ لَمْ يَسْقُطْ، فَقَدْ تُؤَخِّرُ الْمُطَالَبَةَ لِوَقْتِ الْيَسَارِ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي عَلَى الْفَوْرِ، فَلَوْ أَخَّرَتْ الْفَسْخَ سَقَطَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَجَدَّدُ وَقَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 181 وَلَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ. وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ: افْسَخِي أَوْ جُوعِي.   [مغني المحتاج] رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ وَقَبْلَهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُؤَخِّرُ الطَّلَبَ لِتَوَقُّعِ الْيَسَارِ، وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا دُونَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْإِمْهَالَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِتَأْخِيرِ النَّفَقَةِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ (وَ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ حَقُّ الزَّوْجَةِ وَحِينَئِذٍ (لَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ) وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمَا (بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ) كَمَا لَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ وَالشَّهْوَةِ فَلَا يُفَوَّضُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقَّةٍ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا كَنَفَقَةِ الْخَلِيَّةِ وَتَصِيرُ نَفَقَتُهُمَا وَمَهْرُهُمَا دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ عَدَمَ فَسْخِ وَلِيِّ الْبَالِغَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَالسَّفِيهَةُ الْبَالِغَةُ هُنَا كَالرَّشِيدَةِ. (وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ) أَوْ مَنْ فِيهَا رِقٌّ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (بِالنَّفَقَةِ) أَوْ الْكِسْوَةِ (فَلَهَا الْفَسْخُ) بِذَلِكَ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، فَإِنْ ضَمِنَ لَهَا النَّفَقَةَ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِهَا صَحَّ كَضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَضْمَنُ السَّيِّدُ وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ دَيْنَهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَصْلِ لَهَا، ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا السَّيِّدُ فَصَحَّ ضَمَانُهُ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا مَا لَوْ أَنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا حِينَئِذٍ، وَمَا لَوْ كَانَتْ زَوْجَةَ أَحَدِ أُصُولِ سَيِّدِهَا الْمُوسِرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا لَهَا، وَأُلْحِقَ بِهَا نَظَائِرُهَا كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ وَاسْتَخْدَمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْدِمْهُ وَعَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ فَيَظْهَرُ أَنَّ لَهَا الْفَسْخَ إنْ لَمْ تَرْضَ بِذِمَّتِهِ وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا السَّيِّدُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (فَإِنْ رَضِيَتْ) وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِإِعْسَارِهِ (فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي النَّفَقَةِ لَهُ وَضَرَرُ فَوَاتِهَا يَعُودُ إلَيْهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ فَيَكُونُ الْفَسْخُ لَهَا. تَنْبِيهٌ: اُحْتُرِزَ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْمَهْرِ فَلَا يَثْبُتُ الْفَسْخُ لَهَا بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، بَلْ هُوَ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي فَوَاتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدُ نَفَقَتَهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً وَلَكِنْ (لَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ) أَيْ الْفَسْخِ (بِأَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ) لَهَا (افْسَخِي أَوْ جُوعِي) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا فَسَخَتْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا أَوْ زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَفَى نَفْسَهُ مُؤْنَتَهَا، أَمَّا الصَّغِيرَةُ وَالْمَجْنُونَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إلْجَاؤُهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُهُمَا الْفَسْخُ. فُرُوعٌ: لِلْأَمَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِهَا بِالنَّفَقَةِ كَمَا كَانَتْ تُطَالِبُ السَّيِّدَ، فَإِنْ أَعْطَاهَا لَهَا بَرِئَ مِنْهَا وَمَلَكَهَا السَّيِّدُ دُونَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ، لَكِنْ لَهَا قَبْضُهَا وَتَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْمَأْذُونَةِ فِي الْقَبْضِ بِحُكْمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 182 فَصْلٌ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ، وَإِنْ عَلَا، وَالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ،   [مغني المحتاج] النِّكَاحِ، وَفِي تَنَاوُلِهَا بِحُكْمِ الْعُرْفِ وَتَعَلَّقَتْ الْأَمَةُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا قَبْلَ إبْدَالِهَا لَهَا بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِحَقِّ الْمِلْكِ، لَكِنْ لَهَا فِيهَا حَقُّ التَّوَثُّقِ، فَإِنْ أَبْدَلَهَا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لَهَا إبْرَاءُ زَوْجِهَا مِنْ نَفَقَةِ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَكَأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لَهَا، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهَا مِنْ نَفَقَةِ أَمْسِ كَمَا فِي الْمَهْرِ، وَأَمَّا السَّيِّدُ فَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ مِنْ نَفَقَةِ الْأَمْسِ لَا نَفَقَةِ الْيَوْمِ، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ تَسْلِيمَ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ أَوْ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَأَنْكَرَتْ الْأَمَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لِلسَّيِّدِ فِي الْمَاضِيَةِ كَالْمَهْرِ دُونَ الْحَاضِرَةِ، وَمَنْ طُولِبَ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَادَّعَى الْإِعْسَارَ يَوْمَ وُجُوبِهَا حَتَّى يَلْزَمَهُ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِ وَادَّعَتْ هِيَ الْيَسَارَ فِيهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ عَجَزَ الْعَبْدُ عَنْ الْكَسْبِ الَّذِي كَانَ يُنْفِقُ مِنْهُ وَلَمْ تَرْضَ زَوْجَتُهُ بِذِمَّتِهِ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ، وَإِنْ رَضِيَتْ صَارَتْ نَفَقَتُهَا دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَوْ عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ أُجْبِرَ عَلَى تَخْلِيَتِهَا لِتَكْتَسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى إيجَارِهَا وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهَا أَوْ تَزْوِيجِهَا كَمَا لَا يُرْفَعُ مِلْكُ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ فَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. [فَصْل فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْمُوجِبُ لَهَا قَرَابَةُ الْبَعْضِيَّةِ فَقَطْ] ْ (يَلْزَمُهُ) أَيْ الشَّخْصَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (نَفَقَةُ الْوَالِدِ) الْحُرِّ (وَإِنْ عَلَا) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (وَالْوَلَدِ) الْحُرِّ (وَإِنْ سَفَلَ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] ، وَمِنْ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا، وَخَبَرُ: «أَطْيَبُ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مُلْحَقُونَ بِهِمَا إنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي عُمُومِ ذَلِكَ كَمَا أُلْحِقُوا بِهِمَا فِي الْعِتْقِ وَالْمِلْكِ وَعَدَمِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، إذْ إيجَابُ الْأُجْرَةِ لِإِرْضَاعِ الْأَوْلَادِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُؤْنَتِهِمْ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَالْأَحْفَادُ مُلْحَقُونَ بِالْأَوْلَادِ إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهُمْ إطْلَاقُ مَا تَقَدَّمَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 183 وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اُسْتُنْبِطَ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ غَيْرَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُكْمًا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ النَّقِيبِ وَذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَلَا يَضُرُّ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافُ الدِّينِ كَمَا قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا) فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْكَافِرِ الْمَعْصُومِ وَعَكْسُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ الْبَعْضِيَّةُ كَالْعِتْقِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْمِيرَاثِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمِيرَاثَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ عِنْدَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، وَخَرَجَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفَقَةَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ بِشَرْطِ اتِّفَاقِ الدِّينِ فِي غَيْرِ الْأَبْعَاضِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] . وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الْمُرَادَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ كَمَا قَيَّدَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِالْحُرِّ الرَّقِيقُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمُعْسِرِ، وَالْمُعْسِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ هُنَا؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ وَتَلْزَمُ الْمُعْسِرَ، وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِهَا، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مُوَاسَاةٌ، وَلَا تَلْزَمُ الْمُعْسِرَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ لِإِعْسَارِهِ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَعَلَيْهِ نَفَقَةٌ تَامَّةٌ لِتَمَامِ مِلْكِهِ فَهُوَ كَحُرِّ الْكُلِّ، وَقِيلَ: بِحَسَبِ حُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَتُبَعَّضُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالسَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِيهِ مِنْ رِقٍّ وَحُرِّيَّةٍ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ كَانَ مُنْفَقًا عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ قَرِيبَهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ هُنَا لِبَقَاءِ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ، بَلْ نَفَقَتُهُ مِنْ كَسْبِهِ، فَإِنْ عَجَزَ نَفْسُهُ فَعَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ مُنْفِقًا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ؛ لِأَنَّ مَا مَعَهُ إمَّا غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمْلُوكٌ مُسْتَحَقٌّ فِي كِتَابِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وُلِدَ مِنْ أَمَتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ رَقَّ رَقَّ الْوَلَدُ أَيْضًا فَيَكُونُ قَدْ أَنْفَقَ مَالَ السَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ وَلَدٍ مِنْ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ أَمَةُ سَيِّدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُ السَّيِّدِ، فَإِنْ عَتَقَ فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ رَقَّ فَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَ سَيِّدِهِ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ مِنْ مُكَاتَبَةِ سَيِّدِهِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَعْتِقُ فَيَتْبَعُهَا الْوَلَدُ لِكِتَابَتِهِ عَلَيْهَا وَيَعْجِزُ الْمُكَاتَبُ فَيَكُونُ قَدْ فَوَّتَ مَالَ سَيِّدِهِ، وَبِالْمَعْصُومِ غَيْرُهُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ، إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِقَتْلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: تَجِبُ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا سَيَأْتِي. . أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّقِيقَ لَمَّا كَانَ السَّيِّدُ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يُزِلْ مِلْكَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. تَنْبِيهٌ: كَمَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ نَفَقَةُ الْأَبِ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ الْمُحْتَاجِ لِخِدْمَتِهِ وَكَذَا زَوْجَتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِعْفَافِ بِخِلَافِ زَوْجَةِ الِابْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَقَالَ: (بِشَرْطِ يَسَارِ الْمُنْفِقِ) مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 184 بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَيَلْزَمُ كَسُوبًا كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تَجِبُ لِمَالِكٍ كِفَايَتَهُ وَلَا لِمُكْتَسِبِهَا،   [مغني المحتاج] الْيَسَارُ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْوَالِدِ فِي نَفَقَةِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَيَسْتَقْرِضُ عَلَيْهِ وَيُؤْمَرُ بِوَفَائِهِ إذَا أَيْسَرَ (بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ) وَلَيْلَتِهِ الَّتِي تَلِيهِ سَوَاءٌ أَفَضَلَ ذَلِكَ بِكَسْبٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْقُوتِ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مِنْ مَسْكَنٍ وَمَلْبَسٍ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَهُ بِالْحَاجَةِ كَانَ أَوْلَى، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْعِيَالَ وَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِالزَّوْجَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ خَادِمَهَا وَأُمَّ وَلَدِهِ فِي حُكْمِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْفَلَسِ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَوَّلَ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافَهُ (وَيُبَاعُ فِيهَا) أَيْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ (مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ) مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، وَإِذَا بِيعَ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ فَفِي الْمُقَدَّمِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَفِي كَيْفِيَّةِ بَيْعِ الْعَقَارِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُبَاعُ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءٌ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. وَالثَّانِي: يَسْتَقْرِضُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يَسْهُلُ بَيْعُ الْعَقَارِ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ اهـ. وَقَدْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ تَصْحِيحَهُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَبْدِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلْيُرَجَّحْ هُنَا، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي إلَّا الْكُلَّ وَتَعَذَّرَ الْإِقْرَاضُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَبِيعُ الْكُلَّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشْطِيرِ (وَيَلْزَمُ كَسُوبًا) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ (كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ) إذَا وَجَدَ مُبَاحًا يَلِيقُ بِهِ لِخَبَرِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» ، وَلِأَنَّ الْقُدْرَةَ بِالْكَسْبِ كَالْقُدْرَةِ بِالْمَالِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَكَمَا يَلْزَمُهُ إحْيَاءُ نَفْسِهِ بِالْكَسْبِ فَكَذَا بَعْضُهُ، وَالثَّانِي لَا، كَمَا لَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْرُهَا يَسِيرٌ، وَالدَّيْنُ لَا يَنْضَبِطُ قَدْرُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ الْقَرِيبُ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ وَلَا أَنْ يَقْبَلَ الْهِبَةَ وَالْوَصِيَّةَ، فَإِنْ فَعَلَ وَصَارَ بِذَلِكَ غَنِيًّا لَزِمَهُ مُؤْنَةُ قَرِيبِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الِاكْتِسَابِ لِزَوْجَةِ الْأَبِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، فَلَوْ قَدَرَ عَلَى اكْتِسَابِ مُتَوَسِّطٍ أَوْ مُوسِرٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْبَارَ. (وَلَا تَجِبُ) النَّفَقَةُ (لِمَالِكٍ كِفَايَتَهُ) وَلَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا (وَلَا لِمُكْتَسِبِهَا) بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَى كَسْبِ كِفَايَتِهِ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ يَلِيقُ بِهِ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ يَكْسِبُ دُونَ كِفَايَتِهِ اسْتَحَقَّ الْقَدْرَ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ خَاصَّةً. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَدَرَتْ الْأُمُّ أَوْ الْبِنْتُ عَلَى النِّكَاحِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ حَبْسَ النِّكَاحِ لَا نِهَايَةَ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاكْتِسَابِ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِالْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا إلَى أَنْ يَفْسَخَ لِئَلَّا تَجْمَعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 185 وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا وَإِلَّا فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ، وَالثَّالِثُ لِأَصْلٍ، لَا فَرْعٍ. قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهِيَ الْكِفَايَةُ. وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ.   [مغني المحتاج] بَيْنَ نَفَقَتَيْنِ (وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا) وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْعَاجِزَ بِمَرَضٍ أَوْ عَمًى، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (أَوْ) كَانَ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا) لِعَجْزِهِ عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ، وَلِلْوَلِيِّ حَمْلُ الصَّغِيرِ عَلَى الِاكْتِسَابِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ، فَلَوْ هَرَبَ أَوْ تَرَكَ الِاكْتِسَابَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى وَلِيِّهِ، وَلَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ حَرَامٍ كَالْكَسْبِ بِآلَةِ الْمَلَاهِي فَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَكَذَا الْكَسْبُ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا ذَكَرَهُ (فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ) مُطْلَقًا لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبُحُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُكَلِّفَ قَرِيبَهُ الْكَسْبَ مَعَ اتِّسَاعِ مَالِهِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِاسْتِغْنَائِهِ بِكَسْبِهِ عَنْ غَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ (لِأَصْلٍ لَا فَرْعٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى لِتَأْكِيدِ حُرْمَةِ الْأَصْلِ (قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ) لِمَا ذُكِرَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَاقْتَضَاهُ إيرَادُ الشَّرْحَيْنِ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ مَأْمُورٌ بِمُعَاشَرَةِ أَصْلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْهَا تَكْلِيفُهُ الْكَسْبَ مَعَ كِبَرِ السِّنِّ، وَكَمَا يَجِبُ الْإِعْفَافُ، وَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ. (وَهِيَ) أَيْ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ (الْكِفَايَةُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ، وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ، وَيَجِبُ إشْبَاعُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجِبُ إشْبَاعُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّبَعِ، وَيَجِبُ لَهُ الْأُدْمُ كَمَا يَجِبُ لَهُ الْقُوتُ، وَيَجِبُ لَهُ مُؤْنَةُ خَادِمٍ إنْ احْتَاجَهُ مَعَ كِسْوَةٍ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ وَثَمَنِ أَدْوِيَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سُلِّمَتْ النَّفَقَةُ إلَى الْقَرِيبِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَجَبَ إبْدَالُهَا، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ قِيلَ فِي إبْدَالِهَا إجْحَافٌ بِالدَّافِعِ خُصُوصًا مَعَ تَكْرَارِ الْإِتْلَافِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّافِعَ مُقَصِّرٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، لَكِنْ مَا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ فِيهِ الضَّمَانُ إذَا أَيْسَرَ كَمَا قَالَاهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ فِي الرَّشِيدِ دُونَ غَيْرِهِ لِتَقْصِيرِ الدَّافِعِ بَلْ سَبِيلُهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُطْعِمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ شَيْئًا، وَالنَّفَقَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا إمْتَاعٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا) بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَإِنْ تَعَدَّى الْمُنْفِقُ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِدَفْعِ الْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ، وَقَدْ زَالَتْ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةٌ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا تَصِيرُ دَيْنًا) فِي ذِمَّتِهِ (إلَّا بِفَرْضِ) بِالْفَاءِ بِخَطِّهِ (قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ) بِالْقَافِ (لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لِتَأَكُّدِ ذَلِكَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْوَجِيزِ، وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الطَّرِيقَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 186 وَعَلَيْهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ. ثُمَّ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ إرْضَاعُهُ،   [مغني المحتاج] وَحُكَّامُ الْعَصْرِ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ ظَانِّينَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهَا وَتَحْرِيرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِهِ لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ، وَمُحَاوَلَةُ إثْبَاتِ خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ فِيهِ تَكَلُّفٌ مَحْضٌ اهـ. فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِافْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ، أَيْ: قَدَّرَهَا، وَأَذِنَ الْإِنْسَانَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الطِّفْلِ مَثَلًا مَا قَدَّرَهُ فِي غَيْبَةِ الْقَرِيبِ أَوْ مَنَعَهُ وَيَرْجِعُ عَلَى قَرِيبِهِ، فَإِذَا أَنْفَقَ صَارَ فِي ذِمَّةِ الْقَرِيبِ، قَالَ: وَهِيَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْرَاضِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الِاسْتِقْرَاضُ بَعْدَ إذْنِ الْقَاضِي وَمَضَى زَمَنٌ لَمْ يُسْتَقْرَضْ فِيهِ، أَيْ: لَمْ يَجِبْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَذِنَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ فَاسْتَقْرَضَ اهـ. وَهَذَا الْحَمْلُ هُوَ الْمُرَادُ، وَإِلَّا فَيُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مِنْ اللَّفْظِ لَا مِنْ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَرِيبِ إنَّمَا هُوَ وَفَاءُ الدَّيْنِ، وَلَا يُسَمَّى هَذَا الْوَفَاءُ نَفَقَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأَبَ لَوْ نَفَى الْوَلَدَ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَاسْتَقْرَضَتْ الْأُمُّ عَنْهُ وَأَشْهَدَتْ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا اسْتَقْرَضَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تُشْهِدْ فَلَا رُجُوعَ لَهَا، وَنَفَقَةُ 14 الْحَامِلِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ جَعَلْنَا النَّفَقَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهَا الْتَحَقَتْ بِنَفَقَتِهَا، وَلِلْقَرِيبِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ إنْ وَجَدَ جِنْسَهَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهُ الِاسْتِقْرَاضُ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا وَعَجَزَ الْقَاضِي، وَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ كَجَدِّ الطِّفْلِ الْمُحْتَاجِ وَأَبُوهُ غَائِبٌ مَثَلًا، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَخْذُ " النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ فَرْعِهِمَا الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَلَهُمَا إيجَارُهُ لَهَا لِمَا يُطِيقُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ، وَلَا تَأْخُذُهَا الْأُمُّ مِنْ مَالِهِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ، وَلَا الِابْنُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا فَيُؤَدِّي الْقَاضِي الِابْنَ الزَّمِنَ إجَارَةَ أَبِيهِ الْمَجْنُونِ إذَا صَلُحَ لِنَفَقَتِهِ. (وَعَلَيْهَا) أَيْ الْأُمِّ (إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ) وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ: اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا، وَغَيْرِهَا وَلَا يُغْنِي كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُرَادُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِدُونِهِ غَالِبًا أَوْ أَنَّهُ لَا يَقْوَى وَتَشْتَدُّ بِنْيَتُهُ إلَّا بِهِ. قَالَ: وَإِلَّا فَنُشَاهِدُ مَنْ يَعِيشُ بِلَا لِبَإٍ، وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ، وَلَا يَلْزَمُهَا التَّبَرُّعُ بِإِرْضَاعِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بَدَلَ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ إلَّا بِالْبَدَلِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُتَعَرَّضُوا لِمُدَّةِ الرَّضَاعِ بِهِ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: مُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ، وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْقِيَ اللِّبَأَ حَتَّى يُرْوَى وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعُ إلَى الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا تَكْفِيهِ مَرَّةٌ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ كَفَتْ وَإِلَّا عُمِلَ بِقَوْلِهِمْ. (ثُمَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ إرْضَاعِ اللِّبَإِ (إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ) أَيْ الْأُمُّ (أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ) عَلَى الْمَوْجُودِ مِنْهُمَا (إرْضَاعُهُ) إبْقَاءً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 187 وَإِنْ وُجِدَتَا لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ، فَإِنْ رَغِبَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ اتَّفَقَا وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ أُجِيبَتْ، أَوْ فَوْقَهَا فَلَا. وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] لِلْوَلَدِ، وَلَهُمَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَإِنْ وُجِدَتَا) أَيْ الْأُمُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ (لَمْ تُجْبَرْ الْأُمُّ) وَإِنْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ أَبِيهِ عَلَى إرْضَاعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: 6] ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ حَصَلَ التَّعَاسُرُ (فَإِنْ رَغِبَتْ) فِي إرْضَاعِهِ (وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ أَبِيهِ) أَيْ الرَّضِيعِ (فَلَهُ مَنْعُهَا) مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ إرْضَاعِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَصْرُوفَةِ إلَى الرَّضَاعِ، وَهَذَا أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا) مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا (وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ أَشْفَقُ وَلَبَنُهَا لَهُ أَصْلَحُ، وَلَا تُزَادُ نَفَقَتُهَا لِلْإِرْضَاعِ، وَإِنْ احْتَاجَتْ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْغِذَاءِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ النَّفَقَةِ لَا يَخْتَلِفُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَحَاجَتِهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ مَنْكُوحَةُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَائِنًا أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ جَزْمًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنْ تَبَرَّعَتْ لَمْ يُنْزَعْ الْوَلَدُ مِنْهَا وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةً فَهِيَ كَالَّتِي فِي نِكَاحِهِ إذَا تَوَافَقَا وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ، وَقَوْلُهُ: أَبِيهِ، أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ غَيْرِ أَبِيهِ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْجَرَةً لِلْإِرْضَاعِ قَبْلَ نِكَاحِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْحُرَّيْنِ، أَمَّا لَوْ كَانَ رَقِيقًا وَالْأُمُّ حُرَّةً فَلَهُ مَنْعُهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ رَقِيقَةً وَالْوَلَدُ حُرٌّ أَوْ رَقِيقٌ قَالَ: فَقَدْ يُقَالُ مَنْ وَافَقَهُ السَّيِّدُ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمُجَابُ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ. (فَإِنْ اتَّفَقَا) عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تُرْضِعُهُ (وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ) لَهُ (أُجِيبَتْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَكَانَتْ أَحَقَّ بِهِ لِمَا مَرَّ، فَاسْتِئْجَارُ الزَّوْجِ لَهَا لِذَلِكَ جَائِزٌ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا آخَرَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ مِنْهُ رِضًا بِتَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِذَا أَرْضَعَتْ بِالْأُجْرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَلَا يُنْقِصُهُ فَلَهَا مَعَ الْأُجْرَةِ النَّفَقَةُ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَنْكُوحَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُفَارَقَةِ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالتَّسْوِيَةِ فَقَالَ: فَإِنْ وَافَقَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَبَتْ الْأُجْرَةَ إلَى آخِرِهِ، فَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ (أَوْ) طَلَبَتْ الْأُمُّ (فَوْقَهَا) أَيْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ (فَلَا) تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ لِتَضَرُّرِهِ. ، وَلَهُ اسْتِرْضَاعُ أَجْنَبِيَّةٍ (وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ) بِإِرْضَاعِهِ (أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلّ) مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الْأُمِّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ الْأُجْرَةَ مَعَ الْمُتَبَرِّعَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا رَضِيَتْ بِهِ إضْرَارًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 188 وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ أَنْفَقَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَى فَبِالْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ، وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ، أَمْ يُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ، وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فَعَلَى الْأَبِ،   [مغني المحتاج] {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 233] ، وَالثَّانِي: تُجَابُ الْأُمُّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا اسْتَمْرَأَ الْوَلَدُ لَبَنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِلَّا أُجِيبَتْ الْأُمُّ إلَى إرْضَاعِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَطْعًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِمَا فِي الْعُدُولِ عَنْهَا مِنْ الْإِضْرَارِ بِالرَّضِيعِ، وَعَلَى الْأَظْهَرِ لَوْ ادَّعَى الْأَبُ وُجُودَ مُتَبَرِّعَةٍ أَوْ رَاضِيَةٍ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَنْكَرَتْ الْأُمُّ صُدِّقَ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي عَلَيْهِ أُجْرَةً، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ مِنْ جَانِبِ الْمُنْفِقِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُحْتَاجِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (وَمَنْ اسْتَوَى فَرْعَاهُ) فِي قُرْبٍ وَإِرْثٍ أَوْ عَدَمِهِمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَعَدَمِهَا كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ (أَنْفَقَا) عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَاوَتَا فِي قَدْرِ الْيَسَارِ أَوْ أَيْسَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ وَالْآخَرُ بِالْكَسْبِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ إيجَابِ النَّفَقَةِ تَشْمَلُهُمَا، فَإِنْ غَابَ أَحَدُهُمَا أُخِذَ قِسْطُهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا أَمَرَ الْحَاكِمُ الْحَاضِرَ بِالْإِنْفَاقِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ مَالِهِ إذَا وَجَدَهُ. هَذَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ أَهْلًا لِذَلِكَ مُؤْتَمَنًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا اقْتَرَضَ مِنْهُ الْحَاكِمُ وَأَمَرَ عَدْلًا بِالصَّرْفِ إلَى الْمُحْتَاجِ يَوْمًا فَيَوْمًا (وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَلَفَا فِي الْقُرْبِ (فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا) تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ (فَإِنْ اسْتَوَى) قُرْبُهُمَا (فَبِالْإِرْثِ) تُعْتَبَرُ النَّفَقَةُ (فِي الْأَصَحِّ) لِقُوَّتِهِ كَابْنٍ وَابْنِ بِنْتٍ فَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي لِذَلِكَ، وَالثَّانِي: لَا أَثَرَ لِلْإِرْثِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا أَنْ تَعْتَبِرَ أَوَّلًا (بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ) بَعْدَهُ فَيُقَدَّمُ الْوَارِثُ الْبَعِيدُ عَلَى غَيْرِ الْقَرِيبِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِرْثِ قُدِّمَ أَقْرَبُهُمَا. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ: وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَلَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الْأَصْحَابِ قَدْ تُسَمَّى وُجُوهًا صَحَّ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْهَا بِالْأَصَحِّ (وَالْوَارِثَانِ) عَلَى كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْإِرْثِ دُونَ غَيْرِهِ كَابْنٍ وَبِنْتٍ هَلْ (يَسْتَوِيَانِ) فِي قَدْرِ الْإِنْفَاقِ (أَمْ يُوَزَّعُ) الْإِنْفَاقُ بَيْنَهُمَا (بِحَسَبِهِ) أَيْ الْإِرْثِ (وَجْهَانِ) وَجْهُ التَّوْزِيعِ إشْعَارُ زِيَادَةِ الْإِرْثِ بِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْقُرْبِ، وَوَجْهُ الِاسْتِوَاءِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْإِرْثِ، وَرَجَّحَ هَذَا الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ لَهُ أَبَوَانِ، وَقُلْنَا: نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي فِي الْمِنْهَاجِ بِلَا تَرْجِيحٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا إلَّا مَا كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ (وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ) هُوَ مِنْ تَثْنِيَةِ التَّغْلِيبِ: أَيْ أَبٌ وَأُمٌّ (فَعَلَى الْأَبِ) نَفَقَتُهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. أَمَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 189 وَقِيلَ عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ، أَوْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ، وَإِلَّا فَبِالْقُرْبِ، وَقِيلَ الْإِرْثُ، وَقِيلَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ، وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ عَلَى الْفَرْعِ، وَإِنْ بَعُدَ أَوْ مُحْتَاجُونَ يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ الْأَقْرَبَ، وَقِيلَ الْوَارِثَ، وَقِيلَ الْوَلِيُّ.   [مغني المحتاج] الْأُولَى، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَأَمَّا الثَّانِي فَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ، وَلِعُمُومِ حَدِيثِ هِنْدٍ (وَقِيلَ) النَّفَقَةُ (عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُرْبِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَبَ فِي الصِّغَرِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ زَالَتْ وَهَلْ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا أَمْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْإِرْثِ؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمَا الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ الْبَالِغُ غَيْرَ مَعْتُوهٍ، وَإِلَّا فَكَالصَّغِيرِ وَأَبُو الْأَبِ مَعَ الْأُمِّ كَالْأَبِ عَلَى الْأَصَحِّ (أَوْ) كَانَ لِلْفَرْعِ (أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ) مِنْهُمْ، فَالْأَقْرَبُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُدْلِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ (فَبِالْقُرْبِ) يُعْتَبَرُ لُزُومُ النَّفَقَةِ (وَقِيلَ الْإِرْثِ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي طَرَفِ الْفُرُوعِ (وَقِيلَ بِوِلَايَةِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا تُشْعِرُ بِتَفْوِيضِ التَّرْبِيَةِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِوِلَايَةِ الْمَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا الْجِهَةُ الَّتِي تَفِيدُهَا، لَا نَفْسُ الْوِلَايَةِ الَّتِي قَدْ يَمْنَعُ مِنْهَا مَانِعٌ مَعَ وُجُودِ الْجِهَةِ، وَعَلَى هَذَا فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ (وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ) تَجِبُ النَّفَقَةُ (عَلَى الْفَرْعِ وَإِنْ بَعُدَ) كَأَبٍ وَابْنِ ابْنٍ لِأَنَّ عُصُوبَتَهُ أَقْوَى، وَهُوَ أَوْلَى بِالْقِيَامِ بِشَأْنِ أَبِيهِ لِعِظَمِ حُرْمَتِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا عَلَيْهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَعْضِيَّةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَقَارِبِ، فَقَالَ: (أَوْ) لَهُ (مُحْتَاجُونَ) مِنْ النَّوْعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجَاتٍ، فَإِنْ قَدَرَ كِفَايَةَ كُلِّهِمْ فَوَاضِحٌ، أَوْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ (يُقَدِّمُ) مِنْهُمْ (زَوْجَتَهُ) بَعْدَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ كَمَا مَرَّ (ثُمَّ) بَعْدَ نَفَقَتِهَا يُقَدِّمُ (الْأَقْرَبَ) فَالْأَقْرَبَ، فَيُقَدِّمُ بَعْدَ زَوْجَتِهِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِشِدَّةِ عَجْزِهِ، وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَجْنُونُ. ثُمَّ الْأُمَّ بِذَلِكَ، وَلِتَأَكُّدِ حَقِّهَا بِالْحَمْلِ وَالْوَضْعِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّرْبِيَةِ. ثُمَّ الْأَبَ ثُمَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ ثُمَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا وَالْأَبُ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَقَدَّمَ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ (وَقِيلَ) يُقَدِّمُ (الْوَارِثَ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْأَبْعَدُ زَمِنًا قُدِّمَ عَلَى الْأَقْرَبِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ، وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ أَوْ بِنْتَيْنِ أَوْ ابْنٍ وَبِنْتٍ صُرِفَ إلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَتُقَدَّمُ بِنْتُ ابْنٍ عَلَى ابْنِ بِنْتٍ لِضَعْفِهَا وَعُصُوبَةِ أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ رَضِيعًا أَوْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ قُدِّمَ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجَدَّيْنِ الْمُجْتَمِعَيْنِ فِي دَرَجَةِ عَصْبَةٍ كَأَبِي الْأَبِ مَعَ أَبِي الْأُمِّ قُدِّمَ مِنْهُمَا الْعَصَبَةُ، فَإِنْ بَعُدَ الْعَصَبَةُ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا لِتَعَادُلِ الْقُرْبِ وَالْعُصُوبَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الدَّرَجَةُ اسْتَوَيَا فِي الْعُصُوبَةِ أَوْ عَدَمِهَا فَالْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ (وَقِيلَ الْوَلِيُّ) . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 190 فَصْلٌ الْحَضَانَةُ: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَتَرْبِيَتُهُ. وَالْإِنَاثُ أَلْيَقُ بِهَا، وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ كَثُرَ أَهْلُ دَرَجَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسُدُّ قِسْطُ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْ وُزِعَ الْمَوْجُودُ عَلَيْهِمْ مَسَدًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ. فُرُوعٌ: لَوْ اجْتَمَعَ جَدَّتَانِ فِي دَرَجَةٍ وَزَادَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى بِوِلَادَةٍ أُخْرَى قُدِّمَتْ، فَإِنْ قَرُبَتْ الْأُخْرَى دُونَهَا قُدِّمَتْ لِقُرْبِهَا، وَلَوْ عَجَزَ الْأَبُ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَهُ أَبٌ مُوسِرٌ لَزِمَتْ أَبَاهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ رَضِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَخْذِ وَلَدٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِنْفَاقِ بِالشَّرِكَةِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَنَازَعَا أُجِيبَ طَالِبُ الِاشْتِرَاكِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ عَجَزَ الْوَلَدُ عَنْ نَفَقَةِ أَحَدِ وَالِدَيْهِ وَلَهُ ابْنٌ مُوسِرٌ، فَعَلَى الِابْنِ نَفَقَةُ أَبِي أَبِيهِ لِاخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِالِابْنِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَلَوْ أَعْسَرَ الْأَقْرَبُ بِالنَّفَقَةِ لَزِمَتْ الْأَبْعَدَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَ إذَا أَيْسَرَ بِهِ. [فَصْل فِي حَقِيقَةِ الْحَضَانَة وَصِفَات الْحَاضِنِ وَالْمَحْضُون] ِ (الْحَضَانَةُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِهَا وَهُوَ الْجَنْبُ. فَإِنَّ الْحَاضِنَةَ تَرُدُّ إلَيْهِ الْمَحْضُونَ وَتَنْتَهِي فِي الصَّغِيرِ بِالتَّمْيِيزِ. وَأَمَّا بَعْدَهُ إلَى الْبُلُوغِ فَتُسَمَّى كَفَالَةً. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا، وَشَرْعًا (حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ) بِأُمُورِ نَفْسِهِ عَمَّا يُؤْذِيهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ كَطِفْلٍ وَكَبِيرٍ مَجْنُونٍ (وَتَرْبِيَتُهُ) أَيْ تَنْمِيَةُ الْمَحْضُونِ بِمَا يُصْلِحُهُ بِتَعَهُّدِهِ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْكِتَابِ تَفْسِيرُ الْحَضَانَةِ بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ كَالنَّفَقَةِ، وَلِهَذَا ذُكِرَتْ عَقِبَ النَّفَقَاتِ. (وَ) الْحَضَانَةُ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَسَلْطَنَةٍ، لَكِنَّ (الْإِنَاثَ أَلْيَقُ بِهَا) لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَهْدَى إلَى التَّرْبِيَةِ وَأَصْبَرُ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَأَشَدُّ مُلَازَمَةً لِلْأَطْفَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمْ، إمَّا إنَاثٌ فَقَطْ، وَإِمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ، وَإِمَّا الْفَرِيقَانِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (وَأَوْلَاهُنَّ) أَيْ الْإِنَاثِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ وَتَنَازُعِهِنَّ فِي طَلَبِهَا (أُمٌّ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهَا، وَفِي الْخَبَرِ: «إنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَزَعَمَ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي، فَقَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ تَقْدِيمِ الْأُمِّ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ زَوْجٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ إنْ كَانَ لَهُ بِهَا أَوْ لَهَا بِهِ اسْتِمْتَاعٌ، وَالْمُرَادُ بِاسْتِمْتَاعِهِ بِهَا جِمَاعُهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ تُطِيقَهُ وَإِلَّا فَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّدَاقِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا فِي فَتَاوِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا، وَلَهُ نَزْعُهُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ الْحُرَّيْنِ بَعْدَ التَّمْيِيزِ وَتَسْلِيمِهِ إلَى غَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ حِينَئِذٍ، وَمَنْ بَعْضُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 191 ثُمَّ أُمَّهَاتٌ يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ، وَالْجَدِيدُ تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ أُمُّ أَبٍ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ، وَالْقَدِيمُ الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ، وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى خَالَةٍ وَخَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَأُخْتٍ، وَبِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ أَحَدِهِمَا، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ، وَسُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ   [مغني المحتاج] حُرٌّ يَشْتَرِكُ سَيِّدُهُ وَقَرِيبُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِحَضَانَتِهِ فِي حَضَانَتِهِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ أَوْ عَلَى اسْتِئْجَارِ حَاضِنَتِهِ أَوْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَذَاكَ، وَإِنْ تَمَانَعَا اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ مَنْ تَحْضُنُهُ وَأَلْزَمَهُمَا الْأُجْرَةَ (ثُمَّ) بَعْدَ الْأُمِّ (أُمَّهَاتٌ) لَهَا (يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ) وَارِثَاتٍ لِمُشَارَكَتِهِنَّ الْأُمَّ فِي الْإِرْثِ وَالْوِلَادَةِ (يُقَدَّمُ) مِنْهُنَّ (أَقْرَبُهُنَّ) فَأَقْرَبُهُنَّ لِوُفُورِ الشَّفَقَةِ (وَالْجَدِيدُ تُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ) أَيْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ (أُمُّ أَبٍ) لِمُشَارَكَتِهَا أُمَّ الْأُمِّ فِي الْمَعْنَى السَّابِقِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْنَ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ فِيهِنَّ مُحَقَّقَةٌ، وَفِي أُمَّهَاتِ الْأَبِ مَظْنُونَةٌ، وَلِأَنَّهُنَّ أَقْوَى مِيرَاثًا مِنْ أُمَّهَاتِهِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَسْقُطْنَ بِالْأَبِ بِخِلَافِ أُمَّهَاتِهِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ) وَارِثَاتٍ لِمَا مَرَّ (ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ) ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ (ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ) ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ وَارِثَاتٍ وَهَكَذَا؛ لِأَنَّ لَهُنَّ وِلَادَةً وَوِرَاثَةً كَالْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا، وَتُقَدَّمُ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأُمَّهَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى (وَالْقَدِيمُ) يُقَدَّمُ (الْأَخَوَاتُ وَالْخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَبِ وَالْجَدِّ. أَمَّا الْأَخَوَاتُ فَلِأَنَّهُنَّ اجْتَمَعْنَ مَعَهُ فِي الصُّلْبِ وَالْبَطْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَشَارَكْنَهُ فِي النَّسَبِ، فَهُنَّ عَلَيْهِ أَشْفَقُ. وَأَمَّا الْخَالَاتُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّظَرَ هُنَا إلَى الشَّفَقَةِ، وَهِيَ فِي الْجَدَّاتِ أَغْلَبُ (وَتُقَدَّمُ) قَطْعًا (أُخْتٌ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ (عَلَى خَالَةٍ) لِأَنَّهَا أَقْرَبُ مِنْهَا (وَ) تُقَدَّمُ (خَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَ) بِنْتِ (أُخْتٍ) لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ بِخِلَافِهِمَا (وَ) تُقَدَّمُ (بِنْتُ أَخٍ وَ) بِنْتُ (أُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ) كَمَا يُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْعَمِّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ بِنْتِ الْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْمُقَدَّمُ مِنْهُمَا بِنْتُ الْأُخْتِ (وَ) تُقَدَّمُ (أُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّ شَفَقَتَهَا أَتَمُّ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمَحْضُونِ فِي الصُّلْبِ وَالرَّحِمِ فَهِيَ أَشْفَقُ (وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْجَدِيدِ، وَالْقَدِيمُ لَا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ تَفْرِيعِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى الْقَدِيمِ (تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ) لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهُ فِي النَّسَبِ وَلِقُوَّةِ إرْثِهَا فَإِنَّهَا قَدْ تَصِيرُ عَصَبَةً، وَالثَّانِي: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ فَتُقَدَّمُ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِالْأَبِ (وَ) الْأَصَحُّ تَقْدِيمُ (خَالَةٍ) لِأَبٍ (وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ) لِقُوَّةِ الْجِهَةِ كَالْأُخْتِ، وَالثَّانِي: عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِلْأُمِّ كَانَ لِقُوَّتِهَا فِي الْإِرْثِ وَلَا إرْثَ هُنَا (وَ) الْأَصَحُّ (سُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ) وَهِيَ مَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 192 دُونَ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ. وَتَثْبُتُ لِكُلِّ ذَكَرٍ مَحْرَمٍ وَارِثٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، وَكَذَا غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ بَلْ إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا.   [مغني المحتاج] تُدْلِي بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا أَدْلَتْ بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ فَأَشْبَهَتْ الْأَجَانِبَ، وَالثَّانِي لَا تَسْقُطُ لِوِلَادَتِهَا لَكِنْ تَتَأَخَّرُ عَنْ جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ لِضَعْفِهَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخَانِ وَفِي مَعْنَى الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ كُلُّ مَحْرَمٍ يُدْلِي بِذَكَرٍ لَا يَرِثُ: كَبِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: كَوْنُ بِنْتِ الْعَمِّ مَحْرَمًا ذُهُولٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى كُلِّ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةً عَلَى بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ كَمَا تَوَهَّمَهُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ ذُهُولٌ، وَقَالَ: إنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ (دُونَ أُنْثَى) هُوَ فِي حَيِّزِ الْأَصَحِّ أَيْضًا، وَمَعْنَاهُ النَّفْيُ أَيْ وَالْأَصَحُّ سُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ لَا بِسُقُوطِ كُلِّ أُنْثَى (غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ) وَبِنْتِ عَمَّةٍ، وَبِنْتَيْ الْخَالِ، وَالْعَمِّ، لِشَفَقَتِهِنَّ بِالْقَرَابَةِ وَهِدَايَتِهِنَّ إلَى التَّرْبِيَةِ بِالْأُنُوثَةِ، وَالثَّانِي: لَا حَقَّ لَهُنَّ كَالْجَدَّاتِ السَّاقِطَاتِ. وَأَجَابَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْجَدَّةَ السَّاقِطَةَ تُدْلِي بِغَيْرِ وَارِثٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ تُدْلِي بِوَارِثٍ غَيْرُ بِنْتِ الْعَمِّ الْعَصَبَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَرْجِيحُ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الْخَالِ الْحَاضِنَةِ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِإِدْلَائِهَا بِذَكَرٍ غَيْرِ وَارِثٍ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا حَضَانَةَ لَهَا بِخِلَافِ بِنْتِ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَإِنَّهَا يُدْلِي بِأُنْثَى، وَبِخِلَافِ بِنْتِ الْعَمِّ، أَيْ: الْعَصَبَةِ فَإِنَّهَا تُدْلِي بِذَكَرٍ وَارِثٍ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ بِنْتَ الْخَالِ لَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَحْضُونِ مَحْرَمٌ قَرِيبٌ، وَهُوَ الْخَالُ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ، بِخِلَافِ الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ لِبُعْدِهَا، وَالتَّقَرُّبُ لَهُ شَفَقَةٌ فَثَبَتَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ لِذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخِي أَجَابَ بِأَنَّ فِي الْجَدَّةِ السَّاقِطَةِ الْحَضَانَةَ ثَابِتَةٌ لِأَقْرِبَاءَ فِي النَّسَبِ فَانْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ عَنْهَا، وَفِي بِنْتِ الْخَالِ تَرَاخَى النَّسَبُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَوْنُهَا لَمْ تُدْلِ بِوَارِثٍ بِنَسَبٍ، وَتُقَدَّمُ بِنْتُ الْمَحْضُونِ عِنْدَ فَقْدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْجَدَّاتِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ مَحْضُ الذُّكُورِ، وَهُمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: مَحْرَمٌ وَارِثٌ، وَوَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَمَحْرَمٌ غَيْرُ وَارِثٍ، وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَلَا وَارِثَ مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِهَا، فَقَالَ (وَتَثْبُتُ) الْحَضَانَةُ (لِكُلِّ ذِي مَحْرَمٍ وَارِثٍ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَالْعَمِّ كَذَلِكَ لِقُوَّةِ قَرَابَتِهِمْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَالْإِرْثِ وَالْوِلَايَةِ (عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ) عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ أَبٌ، ثُمَّ جَدٌّ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ أَخٌ شَقِيقٌ، ثُمَّ لِأَبٍ، وَهَكَذَا، فَالْجَدُّ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَرْتِيبِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ لَكَانَ أَوْلَى (وَكَذَا) ذَكَرٌ وَارِثٌ (غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ) فَإِنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ بِالْوِلَايَةِ، وَالثَّانِي لَا لِفَقْدِ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّانِي. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُهُ يَشْمَلُ الْمُعْتِقَ فَإِنَّهُ وَارِثٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ مَعَ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ. أُجِيبَ: بِأَنَّ تَمْثِيلَهُ بِابْنِ الْعَمِّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ فِي الْحَاضِنِ (وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ) حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ (بَلْ) تُسَلَّمُ (إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ التَّعْيِينِ لَا بِتَخْفِيفِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 193 فَإِنْ فُقِدَ الْإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ أَوْ الْإِرْثُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَالْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأَبُ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ، وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الْحَاشِيَةِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْأَصَحُّ الْأَقْرَبُ، وَإِلَّا   [مغني المحتاج] مِنْ الْمَعُونَةِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ التَّعْيِينُ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهُ، وَيُفَارِقُ ثُبُوتَ الْحَضَانَةِ لَهُ عَلَيْهَا عَدَمُ ثُبُوتِهَا لِبِنْتِ الْعَمِّ عَلَى الذَّكَرِ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الِاسْتِنَابَةِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَلِاخْتِصَاصِ ابْنِ الْعَمِّ بِالْعُصُوبَةِ وَالْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ مَثَلًا يَسْتَحِي مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْعَدَدِ جُعِلَتْ عِنْدَهُ مَعَ بِنْتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَبِنْتُهُ مَعَهُ لَا فِي رَحْلِهِ سُلِّمَتْ إلَيْهَا لَا لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ وَلَمْ تَكُنْ بِنْتُهُ فِي بَيْتِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا حَيْثُ قَالُوا فِي مَوْضِعٍ: تُسَلَّمُ إلَيْهِ، وَفِي آخَرَ تُسَلَّمُ إلَيْهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا ثِقَةً، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ: وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ غَيْرَتَهَا عَلَى قَرَابَتِهَا وَأَبِيهَا تُغْنِي عَنْ ذَكَرٍ مَرْدُودٌ، وَلِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَاعْتُبِرَتْ الشَّفَقَةُ حَسْمًا لِلْبَابِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَتَسَلَّمُ الذَّكَرُ مُطْلَقًا الْمُشْتَهِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَهَى إلَيْهِ. (فَإِنْ فُقِدَ) فِي الذَّكَرِ الْحَاضِنِ (الْإِرْثُ وَالْمَحْرَمِيَّةُ) مَعًا كَابْنِ خَالٍ وَابْنِ عَمَّةٍ، وَهَذَا هُوَ الصِّنْفُ الثَّالِثُ (أَوْ الْإِرْثُ) فَقَطْ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بَاقِيَةٌ كَأَبِي أُمٍّ وَخَالٍ، وَهُوَ الصِّنْفُ الرَّابِعُ (فَلَا) حَضَانَةَ لَهُمْ (فِي الْأَصَحِّ) لِفَقْدِ الْإِرْثِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ فِي الْأُولَى وَلِضَعْفِ قَرَابَتِهِ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يَلِي وَلَا يَعْقِلُ، وَالثَّانِي لَهُ الْحَضَانَةُ لِشَفَقَتِهِ بِالْقَرَابَةِ. تَنْبِيهٌ: لَا حَقَّ لِلْمَحْرَمِ بِالرَّضَاعِ فِي الْحَضَانَةِ وَلَا فِي الْكَفَالَةِ وَلَا لِلْمُولَى وَعَصَبَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِفَقْدِ الْإِرْثِ فِي الْأَوَّلِ، وَفَقْدِ الْقَرَابَةِ فِي الثَّانِي وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ الْإِرْثُ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ اجْتِمَاعُ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ (وَإِنْ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ) وَتَنَازَعُوا فِي الْحَضَانَةِ (فَالْأُمُّ) تُقَدَّمُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا) الْمُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُنَّ فِي مَعْنَى الْأُمِّ فِي الشَّفَقَةِ (ثُمَّ) يُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ (الْأَبُ) عَلَى أُمَّهَاتِهِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُنَّ (وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ) لِإِدْلَائِهِمَا بِالْأُمِّ فَيَسْقُطُ بِهِمَا، بِخِلَافِ الْأُخْتِ لِلْأَبِ لِإِدْلَائِهَا بِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى أُمَّهَاتِهِ كَمَا مَرَّ (وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِالتَّرْتِيبِ الْمَارِّ (عَلَى الْحَاشِيَةِ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ لِقُوَّةِ الْأُصُولِ. تَنْبِيهٌ: فِي جَزْمِهِ بِتَقْدِيمِ الْأَصْلِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ: قِيلَ، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنْ الْأُمِّ (فَإِنْ فُقِدَ) الْأَصْلُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَهُنَاكَ حَوَاشٍ (فَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ (الْأَقْرَبُ) فَالْأَقْرَبُ كَالْإِرْثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يُرَجَّحُ الْمُعْتَقُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمُّ أَبٍ مُعْتَقٌ لَمْ يُرَجَّحْ الْمُعْتَقُ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْأَقْرَبُ وَيُشَارِكُهُ الْمُسَاوِي (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 194 فَالْأُنْثَى، وَإِلَّا فَيُقْرَعُ. وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَمَجْنُونٍ، وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ   [مغني المحتاج] فِيهِمْ أَقْرَبُ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَفِيهِمْ أُنْثَى وَذَكَرٌ (فَالْأُنْثَى) مُقَدَّمَةٌ عَلَى الذَّكَرِ كَأُخْتٍ عَلَى أَخٍ وَبِنْتِ أَخٍ عَلَى ابْنِ أَخٍ؛ لِأَنَّهَا أَبْصَرُ وَأَصْبَرُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بَنَاتُ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى ذُكُورِهِ، وَالْخُنْثَى هُنَا كَالذَّكَرِ، فَلَا يُقَدَّمُ الذَّكَرُ فِي مَحَلٍّ لَوْ كَانَ أُنْثَى لَقُدِّمَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْأُنُوثَةِ، فَلَوْ ادَّعَى الْأُنُوثَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ غَالِبًا فَتَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ وَإِنْ أَبْهَمَ تَثْبُتُ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا، وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَبَعَّضُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أُنْثَى وَذَكَرٌ بِأَنْ اسْتَوَى اثْنَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ (فَيُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ فَيُقَدَّمُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ وَإِنْ بَعُدْنَ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الذُّكُورِ، وَإِنْ كَانُوا عَصَبَاتٍ لِأَنَّهُنَّ أَصْلَحُ لِلْحَضَانَةِ. . ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْحَاضِنِ شُرُوطًا ذَكَرَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ سِتَّةً، وَأَنَا أَذْكُرُ بَاقِيَهَا فِي الشَّرْحِ: أَحَدُهَا الْحُرِّيَّةُ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ) وَلَوْ مُبَعَّضًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْثَرْ إذْنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيُشَوِّشُ أَمْرَ الْوَالِدِ، وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ فَإِنَّ وَلَدَهَا يَتْبَعُهَا وَحَضَانَتُهُ لَهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ كَمَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَقَرَّهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْمَعْنَى فِيهِ فَرَاغُهَا لِمَنْعِ السَّيِّدِ مِنْ قُرْبَانِهَا مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهَا، وَثَانِيهَا الْعَقْلُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (مَجْنُونٍ) فَلَا حَضَانَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ مُتَقَطِّعًا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظُ وَلَا التَّعَهُّدُ بَلْ هُوَ فِي نَفْسِهِ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْضُنُهُ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَسِيرًا كَيَوْمٍ فِي سَنَةٍ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْكَبِيرِ وَالرَّوْضَةِ كَيَوْمٍ فِي سِنِينَ لَمْ تَسْقُطْ الْحَضَانَةُ بِهِ كَمَرَضٍ يَطْرَأُ وَيَزُولُ، وَثَالِثُهَا الْأَمَانَةُ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (فَاسِقٍ) ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي وَلَا يُؤْتَمَنُ، وَلِأَنَّ الْمَحْضُونَ لَا حَظَّ لَهُ فِي حَضَانَتِهِ لِأَنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَتَكْفِي الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَشُهُودِ النِّكَاحِ. نَعَمْ إنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي التَّرْشِيحِ: وَبِهِ أَفْتَيْت فِيمَا إذَا تَنَازَعَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْوَلَدِ، فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَهُ فَلَا يُنْزَعُ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَرَابِعُهَا: الْإِسْلَامُ، فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ مُسْلِمًا كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا فَتَنَهُ فِي دِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ وَأُمِّهِ الْمُشْرِكَةِ، فَمَالَ إلَى الْأُمِّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ اهْدِهِ، فَعَدَلَ إلَى أَبِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ، وَأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَبَ الْمُسْلِمَ، وَقَصْدُهُ بِتَخْيِيرِهِ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ أُمِّهِ وَبِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ، إذْ لَوْ كَانَ لِأُمِّهِ حَقٌّ لَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ وَلَمَا دَعَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 195 وَنَاكِحَةِ غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ إلَّا عَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] وَحِينَئِذٍ فَيَحْضُنُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَارِّ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَضَنَهُ الْمُسْلِمُونَ وَمُؤْنَتُهُ فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُنْزَعُ نَدْبًا مِنْ الْأَقَارِبِ الذِّمِّيِّينَ وَلَدُ ذِمِّيٍّ وَصَفَ الْإِسْلَامَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ اللَّقِيطِ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُخْتَارُ، وَظَاهِرُ النَّصِّ الْوُجُوبُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ ثُبُوتَهَا لِلْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ. وَخَامِسُهَا: أَنْ تَخْلُوَ الْحَاضِنَةُ مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَ) لَا (نَاكِحَةِ) زَوْجٍ (غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَرَضِيَ أَنْ يَدْخُلَ الْوَلَدُ دَارِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ: " أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي "، وَلِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ عَنْهُ بِحَقِّ الزَّوْجِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِأَنَّ عَلَى الْوَلَدِ وَعَصَبَتِهِ عَارًا فِي مُقَامِهِ مَعَ زَوْجِ أُمِّهِ، وَلَا أَثَرَ لِرِضَا الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَهَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْأَبُ وَالزَّوْجُ، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَقَطَ حَقُّ الْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَظَاهِرُهُ بَقَاءُ حَقِّ الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ وَاسْتَغْرَبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، إذْ كَيْفَ يَسْقُطُ حَقُّ الْجَدَّةِ بِرِضَا الْأَبِ؟ ، وَلِذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْيَسُ عَدَمُ السُّقُوطِ، وَقَدْ يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَدَّةَ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ إلَيْهَا حِينَئِذٍ حَتَّى يُقَالَ سَقَطَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالنِّكَاحِ مَا لَوْ اخْتَلَعَتْ بِالْحَضَانَةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَنَكَحَتْ فِي أَثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ لَازِمَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ الِاسْتِحْقَاقُ هُنَا بِالْقَرَابَةِ بَلْ بِالْإِجَارَةِ (إلَّا) مَنْ نَكَحَتْ (عَمَّهُ) أَيْ الطِّفْلِ (وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ) فَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا حِينَئِذٍ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَنْ نَكَحَتْهُ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَشَفَقَتُهُ تَحْمِلُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ فَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى كَفَالَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِ الْأَبِ، وَلِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنْتَ حَمْزَةَ لِخَالَتِهَا لَمَّا قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ: إنَّهَا بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ حَقُّهَا لِاشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ الْآنَ فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ الَّذِي نَكَحَهَا بِحَضَانَتِهَا وَإِلَّا فَتَسْقُطُ جَزْمًا؛ لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُ ابْنِ الْأَخِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ غَيْرَ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا كَأَنْ تَتَزَوَّجَ أُخْتُ الطِّفْلِ لِأُمِّهِ بِابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ بَلْ ضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إلَّا لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَرَضِيَ لَعَمَّ مَا ذُكِرَ. أَمَّا مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا كَالْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ فَيَسْقُطُ حَضَانَةُ الْمَرْأَةِ بِتَزْوِيجِهَا بِهِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ مُسْتَحِقِّي الْحَضَانَةِ الْخَالَ، وَالْخَالُ لَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأُجَوِّزُ أَنَّهُ حُرِّفَ سَهْوًا مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ، أَوْ نَكَحَتْ أَخًا لَهُ فَأُغْفِلَتْ الْأَلِفُ أَوَّلَ الْكَلِمَةِ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ. وَسَادِسُهَا: أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 196 وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا اُشْتُرِطَ أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ حَضَنَتْ، وَإِنْ غَابَتْ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ فَلِلْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] تَكُونَ الْحَاضِنَةُ مُرْضِعًا لِلطِّفْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْضُونُ (رَضِيعًا اُشْتُرِطَ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِنَةِ (أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا. وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ وَعَلَى الْأَبِ اسْتِئْجَارُ مُرْضِعَةٍ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْحَاضِنَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الْأَبِ اسْتِئْجَارَ مُرْضِعَةٍ تَتْرُكُ مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْحَاضِنَةِ عُسْرًا عَلَيْهِ فَلَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا لَبَنَ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَضَانَةَ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: حَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ فَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ فَالْأَصَحُّ لَا حَضَانَةَ لَهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَسَابِعُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ دَائِمٌ كَالسِّلِّ وَالْفَالِجِ إنْ عَاقَ تَأَلُّمُهُ عَنْ نَظَرِ الْمَحْضُونِ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ أَلَمُهُ عَنْ كَفَالَتِهِ وَتَدَبُّرِ أَمْرِهِ أَوْ عَنْ حَرَكَةِ مَنْ يُبَاشِرُ الْحَضَانَةَ فَتَسْقُطُ فِي حَقِّهِ دُونَ مَنْ يُدَبِّرُ الْأُمُورَ بِنَظَرِهِ وَيُبَاشِرُهَا غَيْرُهُ، وَثَامِنُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَبْرَصَ وَلَا أَجْذَمَ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الْعَلَائِيِّ. وَتَاسِعُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ أَعْمَى كَمَا أَفْتَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَاسْتَنْبَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ: إنْ بَاشَرَ غَيْرَهُ وَهُوَ مُدَّبِّرٌ أُمُورَهُ فَلَا مَنَعَ كَمَا فِي الْفَالِجِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعَاشِرُهَا: أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فَلَا حَضَانَةَ لِسَفِيهٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحَضَانَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَحَادِي عَشَرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مُغْفَلَا كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي. وَثَانِيَ عَشَرَهَا: أَنْ لَا يَكُونَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. (فَإِنْ) فُقِدَ مُقْتَضَى الْحَضَانَةِ ثُمَّ وُجِدَ كَأَنْ (كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ) بِأَنْ أَسْلَمَتْ كَافِرَةٌ، أَوْ تَابَتْ فَاسِقَةٌ، أَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ عَتَقَتْ رَقِيقَةٌ (أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ) بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ (حَضَنَتْ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَتَسْتَحِقُّ الْمُطَلَّقَةُ الْحَضَانَةَ فِي الْحَالِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُطَلَّقَةِ الْحَضَانَةَ رِضَا الزَّوْجِ بِدُخُولِ الْمَحْضُونِ بَيْتَهُ إنْ كَانَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَمْ تَسْتَحِقَّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ (وَإِنْ غَابَتْ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ) مِنْ الْحَضَانَةِ (فَلِلْجَدَّةِ) مَثَلًا أُمِّ الْأُمِّ (عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا لَوْ مَاتَتْ أَوْ جُنَّتْ. وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَرِيبَ إذَا امْتَنَعَ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِمَنْ يَلِيهِ. وَالثَّانِي: تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلسُّلْطَانِ كَمَا لَوْ غَابَ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ أَوْ عَضَلَ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَرِيبَ أَشْفَقُ وَأَكْثَرُ فَرَاغًا مِنْ السُّلْطَانِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ إجْبَارِ الْأُمِّ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا لِلْوَلَدِ الْمَحْضُونِ فَإِنْ وَجَبَتْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالٌ أُجْبِرَتْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 197 هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ. وَالْمُمَيِّزُ إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ كَانَ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ فَالْحَقُّ لِلْآخَرِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ، وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ اخْتَارَ   [مغني المحتاج] جُمْلَةِ النَّفَقَةِ، فَهِيَ حِينَئِذٍ كَالْأَبِ (هَذَا) الْمَذْكُورُ مِنْ أَوَّلِ الْفَصْلِ إلَى هُنَا (كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ) وَهُوَ كَمَا مَرَّ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ كَطِفْلٍ وَمَجْنُونٍ بَالِغٍ. (وَالْمُمَيِّزُ) الصَّادِقُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (إنْ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ) مِنْ النِّكَاحِ وَصَلُحَا لِلْحَضَانَةِ، وَلَوْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ دِينًا أَوْ مَالًا أَوْ مَحَبَّةً (كَانَ عِنْدَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَالْغُلَامَةُ كَالْغُلَامِ فِي الِانْتِسَابِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْكَفَالَةِ الْحِفْظُ لِلْوَلَدِ، وَالْمُمَيِّزُ أَعْرَفُ بِحَظِّهِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، وَسِنُّ التَّمْيِيزِ غَالِبًا سَبْعُ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ تَقْرِيبًا، وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَى السَّبْعِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ الثَّمَانِ، وَالْحُكْمُ مَدَارُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى السِّنِّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُعْتَبَرُ فِي تَمْيِيزِهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِ وَإِلَّا أُخِّرَ إلَى حُصُولِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَخَيَّرُ وَلَوْ أَسْقَطَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ الْآخِرَ كَالْعَدَمِ، وَلَوْ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا فَامْتَنَعَ مِنْ كَفَالَتِهِ كَفَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُمْتَنِعُ أُعِيدَ التَّخْيِيرُ، وَإِنْ امْتَنَعَا وَبَعْدَهُمَا مُسْتَحِقَّانِ لَهَا كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَيْهِمَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ أَمَّا إذَا صَلُحَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ (جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ) أَيْ الْأُنْثَى أَجْنَبِيًّا (فَالْحَقُّ لِلْآخِرِ) فَقَطْ وَلَا تَخْيِيرَ لِوُجُودِ الْمَانِعِ بِهِ، فَإِنْ عَادَ صَلَاحُ الْآخَرِ أَنْشَأَ التَّخْيِيرَ (وَيُخَيَّرُ) الْمُمَيِّزُ أَيْضًا عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ (بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ) أَيْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ لِوِلَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَالْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ، أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا كَالْأُمِّ فَيُخَيَّرُ الْوَلَدُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَبِ (وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ) أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ حَاشِيَةِ النَّسَبِ مَعَ أُمٍّ تُخَيَّرُ بَيْنَ كُلٍّ وَبَيْنَ الْأُمِّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ الْعُصُوبَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْحَوَاشِي كَالْأُصُولِ (أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَائِمٌ مَقَامَ الْأُمِّ. وَالثَّانِي: تُقَدَّمُ فِي الْأُولَيَيْنِ الْأُمُّ وَفِي الْآخَرِ بَيْنَ الْأَبِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْعَمِّ مَعَ الْأُمِّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَمِثْلُ الْأَخِ وَالْعَمِّ ابْنُ الْعَمِّ فِي حَقِّ الذَّكَرِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهُ بِالْأُنْثَى، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ وَتَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي التَّخْيِيرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا جَرَيَانُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأُخْتِ وَالْأَبِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الشَّقِيقَةِ وَفِي الْأُخْتِ مِنْ الْأُمِّ لِإِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ. أَمَّا الْأُخْتُ لِلْأَبِ فَلَا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ اخْتَارَ) الْمُمَيِّزُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 198 أَحَدَهُمَا ثُمَّ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةُ أُمِّهِ وَيَمْنَعُ أُنْثَى، وَلَا يَمْنَعُهَا دُخُولًا عَلَيْهِمَا زَائِرَةً، وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ، فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا،   [مغني المحتاج] (أَحَدَهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِمَا كَمَا ذُكِرَ (ثُمَّ) اخْتَارَ (الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَهُ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ، أَوْ يَتَغَيَّرُ حَالُ مَنْ اخْتَارَهُ أَوَّلًا، وَلِأَنَّ الْمُتَّبَعَ شَهْوَتُهُ كَمَا قَدْ يَشْتَهِي طَعَامًا فِي وَقْتٍ وَغَيْرَهُ فِي آخَرَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ مُرَاعَاةَ الْجَانِبَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُحَوَّلُ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ دَائِمًا، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّ سَبَبَهُ قِلَّةُ تَمْيِيزِهِ جُعِلَ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَجْرِي بَيْنَ ذَكَرَيْنِ وَلَا أُنْثَيَيْنِ كَأَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُنْثَيَيْنِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَعَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ جَرَيَانُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فَبَيْنَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْلَى (فَإِنْ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أُمِّهِ) وَلَا يُكَلِّفُهَا الْخُرُوجَ لِزِيَارَتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَاعِيًا فِي الْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ. تَنْبِيهٌ: هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلُ (وَيَمْنَعُ) الْأَبُ (أُنْثَى) إذَا اخْتَارَتْهُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهَا لِتَأْلَفَ الصِّيَانَةَ وَعَدَمَ الْبُرُوزِ، وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْهَا بِالْخُرُوجِ لِزِيَارَتِهَا لِسِنِّهَا وَخِبْرَتِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ عَنْ الْخُنْثَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْأُنْثَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْأُمِّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ الْفَرْقَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَكَّنَهَا مِنْ زِيَارَتِهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِزِيَارَتِهَا عِيَادَتُهَا فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهَا لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (وَلَا يَمْنَعُهَا) أَيْ الْأُمَّ (دُخُولًا عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَدَيْهَا الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، أَوْ الْخُنْثَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهَا أَيْ الْأُنْثَى (زَائِرَةً) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطْعًا لِلرَّحِمِ، لَكِنْ لَا تُطِيلُ الْمُكْثَ، وَعَبَّرَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَبَ، أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْ الدُّخُولِ وَلَا يُوَلِّهَا عَلَى وَلَدِهَا، وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفْهِمُ عَدَمَ اللُّزُومِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ، فَقَالَ: فَإِنْ بَخِلَ الْأَبُ بِدُخُولِهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَخْرَجَهُ إلَيْهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ (وَالزِّيَارَةُ) عَلَى الْعَادَةِ (مَرَّةً فِي أَيَّامٍ) أَيْ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَنْزِلُهَا قَرِيبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُدْخِلَ كُلَّ يَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. تَنْبِيهٌ: نَصَبَ مَرَّةً عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَالَ الْفَارِسِيُّ عَلَى الظَّرْفِ (فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا) لِأَنَّهَا أَهْدَى إلَيْهِ وَأَصْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبِ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ) فَذَاكَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا) يَكُونُ التَّمْرِيضُ وَيَعُودُهُمَا، وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِي الْحَالَيْنِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ حُضُورِ تَجْهِيزِهِمَا فِي بَيْتِهِ؛ أَمَّا إذَا مَاتَا فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِهِمَا إذَا دُفِنَا فِي مِلْكِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 199 وَإِنْ اخْتَارَهَا ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا، وَيُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ أَوْ حِرْفَةٍ، أَوْ أُنْثَى فَعَنَدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيَزُورُهَا الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ، وَإِنْ اخْتَارَهُمَا أَقُرِعَ فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فَالْأُمُّ أَوْلَى، وَقِيلَ يُقْرَعُ.   [مغني المحتاج] وَالْحُكْمُ فِي الْعَكْسِ كَذَلِكَ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي دَفْنِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فِي تُرْبَةِ أَحَدِهِمَا أُجِيبَ الْأَبُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ مَرِضَتْ الْأُمُّ لَزِمَ الْأَبُ أَنْ يُمَكِّنَ الْأُنْثَى مِنْ تَمْرِيضِهَا إنْ أَحْسَنَتْ تَمْرِيضَهَا بِخِلَافِ الذَّكَرِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَحْسَنَ التَّمْرِيضَ (وَإِنْ اخْتَارَهَا) أَيْ الْأُمَّ (ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا) يُعَلِّمُهُ الْأُمُورَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ (وَيُؤَدِّبُهُ) أَيْ يُعَلِّمُهُ أَدَبَ النَّفْسِ وَالْبَرَاعَةَ وَالظُّرْفِ، فَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ صَغِيرًا سُرَّ بِهِ كَبِيرًا، يُقَالُ: الْأَدَبُ عَلَى الْآبَاءِ، وَالصَّلَاحُ عَلَى اللَّهِ (وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَبٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ التَّاءِ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَعَلَّمُ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْكُتَّابُ، وَقَالَ ابْنُ دَاوُد: الْأَفْصَحُ الْمَكْتَبُ؛ لِأَنَّ الْكُتَّابَ جَمْعُ كَاتِبٍ (أَوْ) ذِي (حِرْفَةٍ) يَتَعَلَّمُ مِنْ الْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ وَمِنْ الثَّانِي الْحِرْفَةَ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْوَلَدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الشَّرِيفِ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ الصَّنْعَةَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَزْرِي بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا لَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ صَنْعَةٌ شَرِيفَةٌ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَهُ صَنْعَةً رَدِيئَةً، لِأَنَّ عَلَيْهِ رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا فِيهِ الْحَظُّ لَهُ وَلَا يَكِلُهُ فِي ذَلِكَ إلَى أُمِّهِ لِعَجْزِ النِّسَاءِ عَنْ الْقِيَامِ بِمِثْلِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إيجَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ الْوَلَدِ وَتَعْلِيمُهُ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا وَأُجْرَةُ ذَلِكَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَمَا قَالَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: جَرَى عَلَى الْغَالِبِ فَلَوْ كَانَتْ حِرْفَةُ الْأَبِ كَالْأَتُونِيِّ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّيْلَ فِي حَقِّهِ كَالنَّهَارِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْأَبِ لَيْلًا، لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَعِنْدَ الْأُمِّ نَهَارًا كَمَا قَالُوا فِي الْقَسَمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (أَوْ) كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الْأُمَّ (أُنْثَى) أَوْ خُنْثَى كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (فَعَنَدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا) لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانَيْنِ فِي حَقِّهَا طَلَبًا لِسِتْرِهَا (وَ) لَا يَطْلُبُ الْأَبُ إحْضَارَهَا، بَلْ (يَزُورُهَا الْأَبُ) لِتَأْلَفَ السَّتْرَ وَالصِّيَانَةَ (عَلَى الْعَادَةِ) مَرَّةً فِي يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى الْعَادَةِ يَقْتَضِي مَنْعُهُ مِنْ زِيَارَتِهَا لَيْلًا، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ وَالرِّيبَةِ. وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِمَسْكَنِ زَوْجٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ دُخُولُهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَخْرَجَتْهَا إلَيْهِ لِيَرَاهَا وَيَتَفَقَّدَ حَالَهَا وَيُلَاحِظَهَا بِقِيَامِ تَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحْمِلُ مُؤْنَتَهَا، وَكَذَا حُكْمُ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا تَسْتَقِلُّ الْأُمُّ بِضَبْطِهِ فَيَكُونَانِ عِنْدَ الْأُمِّ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا مَرَّ وَعَلَيْهِ ضَبْطُ الْمَجْنُونِ (وَإِنْ اخْتَارَهُمَا) أَيْ اخْتَارَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ أَبَوَيْهِ (أَقُرِعَ) بَيْنَهُمَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَيَكُونُ عَنَدَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمَا (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ) وَاحِدًا مِنْهُمَا (فَالْأُمُّ أَوْلَى) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لَهَا وَلَمْ يُخْتَرْ غَيْرَهَا (وَقِيلَ يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا، وَبِهِ أَجَابَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 200 وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ حَتَّى يَعُودَ، أَوْ سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ وَالْبَلَدِ الْمَقْصُودِ، قِيلَ وَمَسَافَةُ قَصْرٍ. وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ فِي هَذَا كَالْأَبِ،   [مغني المحتاج] الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ اخْتَارَ غَيْرَهُمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى أَيْضًا اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ. ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي أَبَوَيْنِ مُقِيمَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدَةٍ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ) كَتِجَارَةٍ وَحَجٍّ طَوِيلًا كَانَ السَّفَرُ أَمْ لَا (كَانَ الْوَلَدُ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ الْمُقِيمِ) مِنْ الْأَبَوَيْنِ (حَتَّى يَعُودَ) الْمُسَافِرُ مِنْهُمَا لِمَا فِي السَّفَرِ مِنْ الْخَطَرِ وَالضَّرَرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْمُقِيمُ الْأُمَّ وَكَانَ فِي مُقَامِهِ مَعَهَا مَفْسَدَةٌ أَوْ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْحِرْفَةَ وَهُمَا بِبَلَدٍ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَمْكِينُ الْأَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهِ، لَا سِيَّمَا إنْ اخْتَارَهُ الْوَلَدُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا السَّفَرَ لِحَاجَةٍ، وَاخْتَلَفَ طَرِيقُهُمَا وَمَقْصِدُهُمَا. وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا: يُدَامُ حَقُّ الْأُمِّ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعَ الَّذِي مَقْصِدُهُ أَقْرَبُ أَوْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَقْصَرُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ (أَوْ) أَرَادَ أَحَدُهُمَا (سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى) مِنْ الْأُمِّ بِالْحَضَانَةِ سَوَاءٌ انْتَقَلَ الْأَبُ أَمْ الْأُمُّ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى بَلَدٍ حِفْظًا لِلنَّسَبِ فَإِنَّهُ يَحْفَظُهُ الْآبَاءُ أَوْ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَسُهُولَةِ الْإِنْفَاقِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَافَقَتْهُ الْأُمُّ فِي سَفَرِهِ دَامَ حَقُّهَا وَلَوْ عَادَ مِنْ سَفَرِ النُّقْلَةِ إلَى بَلَدِهَا عَادَ حَقُّهَا، وَإِنَّمَا يَنْقُلُ الْأَبُ وَلَدَهُ الْمُمَيِّزَ إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْأُمِّ (بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ، وَ) أَمْنِ (الْبَلَدِ الْمَقْصُودِ) لَهُ، وَإِلَّا فَيُقِرُّ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْوَزِيُّ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ أَمْنٍ، وَأَلْحَقَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِخَوْفِ الطَّرِيقِ السَّفَرَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْوَلَدُ، أَمَّا إذَا حَمَلَهُ فِيمَا يَقِيهِ ذَلِكَ فَلَا، وَشَرَطَ الْمُتَوَلِّي فِي الْبَلَدِ الْمُنْتَقَلِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْإِقَامَةِ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَوْ لَا؟ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَجْرِ (قِيلَ: وَ) يُشْتَرَطُ (مَسَافَةُ قَصْرٍ) بَيْنَ الْبَلَدِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَإِلَيْهِ، لِأَنَّ الِانْتِقَالَ لِمَا دُونَهَا كَالْإِقَامَةِ فِي مَحَلَّةٍ أُخْرَى مِنْ الْبَلَدِ الْمُتَّسَعِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ الْوَلَدِ، وَالْأَصَحُّ لَا فَرْقَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: أُرِيدُ الِانْتِقَالَ وَقَالَتْ: بَلْ أَرَدْت التِّجَارَةَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَأَمْسَكَتْ الْوَلَدَ. (وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ) كَجَدٍّ وَأَخٍ وَعَمٍّ (فِي هَذَا) الْمَذْكُورِ فِي سَفَرِ النُّقْلَةِ (كَالْأَبِ) فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْأُمِّ احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ، أَمَّا مَحْرَمٌ لَا عُصُوبَةَ لَهُ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ، فَلَيْسَ لَهُ النَّقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي النَّسَبِ. تَنْبِيهٌ: لِلْأَبِ نَقْلُهُ عَنْ الْأُمِّ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ أَقَامَ الْجَدُّ بِبَلَدِهَا وَلِلْجَدِّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 201 وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ لِذَكَرٍ وَلَا يُعْطَى أُنْثَى، فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ سُلِّمَ إلَيْهَا.   [مغني المحتاج] وَإِنْ أَقَامَ الْأَخُ بِبَلَدِهَا لَا الْأَخُ مَعَ إقَامَةِ الْعَمِّ أَوْ ابْنِ الْأَخِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلٌ فِي النَّسَبِ فَلَا يَعْتَنِي بِهِ غَيْرُهُمَا كَاعْتِنَائِهِمَا، وَالْحَوَاشِي مُتَقَارِبُونَ، فَالْمُقِيمُ مِنْهُمْ يَعْتَنِي بِحِفْظِهِ. هَذَا مَا حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَعَلَيْهِ فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ إلَى آخِرِهِ، وَلَكِنَّ الْبُلْقِينِيُّ جَرَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ، وَقَالَ: مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ مُفْرَدَاتِهِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا (وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ) كَالْأَبِ فِي انْتِزَاعِهِ (لِذَكَرٍ) مُمَيِّزٍ مِنْ أُمِّهِ عِنْدَ انْتِقَالِهِ لِمَا مَرَّ (وَلَا يُعْطَى أُنْثَى) تُشْتَهَى حَذَرًا مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لِانْتِفَاءِ الْمَحْرَمِيَّةِ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ) أَوْ نَحْوُهَا كَأُخْتِهِ الثِّقَةِ (سُلِّمَ) الْوَلَدُ الْأُنْثَى (إلَيْهَا) لَا لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ فِي رِحْلَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْحَضَرِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِنْتُهُ أَوْ نَحْوُهَا فِي رِحْلَةٍ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ وَبِذَلِكَ تُؤْمَنُ الْخَلْوَةُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ بِهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ وَالْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ أُعْطِيت لَهُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: سُلِّمَتْ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته وَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْأُنْثَى، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ النُّقْلَةِ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحَضَانَةِ. تَنْبِيهٌ: مَا مَرَّ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمَحْضُونُ، فَإِنْ بَلَغَ فَإِنْ كَانَ غُلَامًا وَبَلَغَ رَشِيدًا وَلِيَ أَمْرَ نَفْسِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَمَّنْ يَكْفُلُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِقَامَةِ عِنْدَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُمَا لِيَبَرَّهُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعِنْدَ الْأَبِ أَوْلَى لِلْمُجَانَسَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ أَمْرَدَ أَوْ خِيفَ مِنْ انْفِرَادِهِ فَفِي الْعُدَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ بَلَغَ عَاقِلًا غَيْرَ رَشِيدٍ فَأَطْلَقَ مُطْلِقُونَ أَنَّهُ كَالصَّبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ كَانَ لِعَدَمِ إصْلَاحِ مَالِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِدَيْنِهِ فَقِيلَ: تُدَامُ حَضَانَتُهُ إلَى ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ، وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ اهـ. وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، فَإِنْ بَلَغَتْ رَشِيدَةً، فَالْأُولَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ إنْ كَانَا مُفْتَرَقَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مُجْتَمِعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رِيبَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَلِلْأُمِّ إسْكَانُهَا مَعَهَا، وَكَذَا لِلْوَلِيِّ مِنْ الْعَصَبَةِ إسْكَانُهَا مَعَهُ إذَا كَانَ مَحْرَمًا لَهَا، وَإِلَّا فَفِي مَوْضِعٍ لَائِقٍ بِهَا يُسْكِنُهَا وَيُلَاحِظُهَا دَفْعًا لِعَارِ النَّسَبِ كَمَا يَمْنَعُهَا نِكَاحَ غَيْرِ الْكُفْءِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرَدُ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيُصَدَّقُ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى الرِّيبَةِ، وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ إسْكَانَهَا فِي مَوْضِعِ الْبَرَاءَةِ أَهْوَنُ مِنْ الْفَضِيحَةِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، وَإِنْ بَلَغَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ فَفِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ؛ حَضَانَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حَتَّى يَجِيءَ فِي جَوَازِ اسْتِقْلَالِهِ وَانْفِرَادِهِ عَنْ الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ اهـ. وَيُعْلَمُ التَّفْصِيلُ مِمَّا مَرَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 202 فَصْلٌ عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً، وَكِسْوَةً وَإِنْ كَانَ أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ، وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ. وَسُنَّ أَنْ يُنَاوِلَهُ   [مغني المحتاج] [فَصْل فِي مُؤْنَةِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَعَهَا] : يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ (كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً) طَعَامًا وَأُدْمًا، وَتُعْتَبَرُ كِفَايَتُهُ فِي نَفْسِهِ زَهَادَةً وَرَغْبَةً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى كِفَايَةِ مِثْلِهِ غَالِبًا (وَ) عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ (كِسْوَةً) وَكَذَا سَائِرُ مُؤْنَةٍ لِخَبَرِ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» وَخَبَرِ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَنْ مَمْلُوكِهِ قُوتَهُ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذُكِرَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ شِرَاءُ مَاءِ طَهَارَتِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وُجُوبُهُ كَفِطْرَتِهِ، وَكَذَا يَجِبُ شِرَاءُ تُرَابِ تَيَمُّمِهِ إنْ احْتَاجَهُ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْكِفَايَةِ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى وُجُوبِ الْإِشْبَاعِ (وَإِنْ كَانَ) رَقِيقُهُ كَسُوبًا أَوْ مُسْتَحِقًّا مَنَافِعَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً) وَمُسْتَأْجَرًا وَمُعَارًا وَآبِقًا لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجَمِيعِ، وَلِعُمُومِ الْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ. نَعَمْ الْمُكَاتَبُ وَلَوْ فَاسِدَ الْكِتَابَةِ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَرِقَّائِهِ. نَعَمْ إنْ عَجَزَ نَفْسُهُ وَلَمْ يَفْسَخْ السَّيِّدُ الْكِتَابَةَ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَزِيزَةُ النَّقْلِ فَاسْتَفِدْهَا، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ الْكِفَايَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ جِنْسِ طَعَامِهِ وَكِسْوَتِهِ، بَلْ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ) مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) مِنْ غَالِبِ (أُدْمِهِمْ) مِنْ سَمْنٍ وَزَيْتٍ وَجُبْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) مِنْ غَالِبِ (كِسْوَتِهِمْ) مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ «لِلْمَمْلُوكِ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ بِبَلَدِهِ، وَيُرَاعَى حَالُ السَّيِّدِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الشَّرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا» ، وَلَوْ تَقَشَّفَ السَّيِّدُ بِأَنْ كَانَ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَلْبَسُ دُونَ الْمُعْتَادِ غَالِبًا رِيَاضَةً أَوْ بُخْلًا لَزِمَ السَّيِّدَ رِعَايَةُ الْغَالِبِ لَهُ (وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ) لِرَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ وَالتَّحْقِيرِ، هَذَا بِبِلَادِنَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. أَمَّا بِبِلَادِ السُّودَانِ وَنَحْوِهَا فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ، وَهَذَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ: مِنْ الْغَالِبِ، فَلَوْ كَانُوا لَا يَسْتَتِرُونَ أَصْلًا وَجَبَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَ) لَوْ تَنَعَّمَ السَّيِّدُ بِمَا هُوَ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ (سُنَّ لَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ) أَيْ رَقِيقَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 203 مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ. وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ.   [مغني المحتاج] (مِمَّا يَتَنَعَّمُ) هُوَ (بِهِ) (مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ وَكِسْوَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا يَلْزَمُهُ، بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْغَالِبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا هُمْ إخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ» (1) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى الْخِطَابِ لِقَوْمٍ مَطَاعِمُهُمْ وَمَلَابِسُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ سَائِلٍ، عُلِمَ حَالُهُ. فَأَجَابَ بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ، وَكَسْبُهُ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ إنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَضَّلَ نَفِيسَ رَقِيقِهِ عَلَى خَسِيسِهِ كُرِهَ فِي الْعَبِيدِ وَسُنَّ فِي الْإِمَاءِ، فَتُفَضَّلُ أَمَةُ التَّسَرِّي مَثَلًا عَلَى أَمَةِ الْخِدْمَةِ فِي الْكِسْوَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَفِي الطَّعَامِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا تُفَضَّلُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ. وَقِيلَ يُسَنُّ تَفْضِيلُ النَّفِيسِ مِنْ الْعَبِيدِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ الْعُرْفِ، فَلَيْسَ كِسْوَةُ الرَّاعِي وَالسَّايِسِ كَكِسْوَةِ مَنْ قَامَ بِالتِّجَارَةِ، وَيُسَنُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْلِسَ بِضَمِّ الْيَاءِ رَقِيقَهُ مَعَهُ لِلْأَكْلِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْ جُلُوسِهِ مَعَهُ تَوْقِيرًا لَهُ، رَوَّغَ لَهُ مِنْ الدَّسَمِ لُقْمَةً كَبِيرَةً تَسُدُّ مَسَدًّا، لَا صَغِيرَةً تُهَيِّجُ الشَّهْوَةَ وَلَا تَقْضِي النَّهْمَةَ، أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يُنَاوِلُهُ ذَلِكَ، وَإِجْلَاسُهُ مَعَهُ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْقَدْرَ الَّذِي يَشْتَهِيهِ، وَهُوَ فِيمَنْ يُعَالِجُ الطَّعَامَ آكَدُ، وَلَا سِيَّمَا إنْ حَضَرَ الْمُعَالِجُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» وَالْمَعْنَى تَشَوُّفُ النَّفْسِ لِمَا تُشَاهِدُهُ، وَهَذَا يَقْطَعُ شَهْوَتَهَا، وَالْأَمْرُ فِي الْخَبَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ طَلَبًا لِلتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَوْ أَعْطَى السَّيِّدُ رَقِيقَهُ طَعَامًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ تَبْدِيلُهُ بِمَا يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَكْلِ بِخِلَافِ تَبْدِيلِهِ بِمَا لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (وَتَسْقُطُ) كِفَايَةُ الرَّقِيقِ (بِمُضِيِّ الزَّمَانِ) فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِاقْتِرَاضِ الْقَاضِي أَوْ إذْنِهِ فِيهِ وَاقْتَرَضَ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِجَامِعِ وُجُوبِهَا بِالْكِفَايَةِ (وَيَبِيعُ الْقَاضِي) أَوْ يُؤَجِّرُ (فِيهَا مَالَهُ) إنْ امْتَنَعَ أَوْ غَابَ، لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ تَأْدِيَتُهُ، وَكَيْفِيَّةُ بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ بَيْعُ مَالِهِ أَوْ إيجَارُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ كَعَقَارٍ اسْتَدَانَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَا يُسَهِّلُ الْبَيْعَ أَوْ الْإِيجَارَ ثُمَّ بَاعَ أَوْ أَجَّرَ مَا يَفِي بِهِ لِمَا فِي بَيْعِهِ أَوْ إيجَارِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُبَاعُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَيْعُ بَعْضِهِ وَلَا إجَارَتُهُ وَتَعَذَّرَتْ الِاسْتِدَانَةُ بَاعَ جَمِيعَهُ أَوْ أَجَّرَهُ (فَإِنْ فُقِدَ الْمَالُ) الَّذِي يُنْفِقُهُ عَلَى رَقِيقِهِ (أَمَرَهُ) الْقَاضِي (بِبَيْعِهِ) أَوْ إجَارَتِهِ (أَوْ إعْتَاقِهِ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجَّرَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ إجَارَتُهُ بَاعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهِ أَحَدٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ فَهُوَ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِمْ الْقِيَامُ بِهِ، وَالدَّفْعُ هُنَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُكْنَى عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ لَا الْعَبْدُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 204 وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا، وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ فَضَلَ عَنْهُ، وَفَطْمِهِ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهَا. وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ وَلَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ،   [مغني المحتاج] بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ مَجَّانًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ السَّيِّدُ فَقِيرًا وَمُحْتَاجًا إلَى خِدْمَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِ اهـ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَبِيعُهُ إذَا تَعَذَّرَتْ إجَارَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيِّ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ بَيْعِهِ وَإِجَارَتِهِ، هَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْلَدَةِ. أَمَّا هِيَ فَيُخَلِّيهَا لِلْكَسْبِ، أَوْ يُؤَخِّرُهَا، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إزَالَةِ مِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَلَا كَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ، وَأَيْضًا هَذِهِ ثَبَتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْعِتْقِ وَفِي غَيْرِ الْمُبَعَّضِ. أَمَّا هُوَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ النَّوْبَةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمَا بِحَسَبِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. (وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ إجْبَارُهَا (عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا وَمَنَافِعَهَا لَهُ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَرَادَ تَسْلِيمَ وَلَدِهَا مِنْهُ إلَى غَيْرِهَا وَأَرَادَتْ إرْضَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ لَهُ ضَمُّهُ فِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ إلَى غَيْرِهَا إلَى الْفَرَاغِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إرْضَاعِهِ وَيَسْتَرْضِعُهَا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ إرْضَاعَهُ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ مَالِكِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرُّوهُ (وَكَذَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ وَلَدِهَا بِجَبْرِهَا عَلَى إرْضَاعِهِ أَيْضًا (إنْ فَضَلَ) لَبَنُهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا، إمَّا لِاجْتِزَائِهِ بِغَيْرِهِ، وَإِمَّا لِقِلَّةِ شُرْبِهِ، وَإِمَّا لِغَزَارَةِ لَبَنِهَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ فَلَا إجْبَارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة: 233] وَلِأَنَّ طَعَامَهُ اللَّبَنُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ كِفَايَتِهِ كَالْقُوتِ (وَ) يُجْبِرُهَا أَيْضًا عَلَى (فَطْمِهِ قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ الْفَطْمُ بِأَنْ اكْتَفَى بِغَيْرِ لَبَنِهَا وَلَمْ يَضُرَّهَا أَيْضًا (وَ) يُجْبِرُهَا عَلَى (إرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا) أَيْ الْحَوْلَيْنِ (إنْ لَمْ يَضُرَّهَا) وَلَمْ يَضُرَّهُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهَا اسْتِقْلَالٌ بِرَضَاعٍ وَلَا فَطْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي التَّرْبِيَةِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ كَمَا قَالَ. (وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ) وَحِينَئِذٍ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ الْحُرَّيْنِ (فَطْمُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (قَبْلَ) مُضِيِّ (حَوْلَيْنِ) إلَّا بِرِضَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الرَّضَاعِ لَمْ تَتِمَّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي فَطْمِهِ أَنَّ الدَّاعِيَ إلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ يُجَابُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ إجَابَةَ مَنْ دَعَا لِلْأَصْلَحِ لِلْوَلَدِ فَقَدْ يَكُونُ الْفَطْمُ مَصْلَحَةً لَهُ لِمَرَضِ أُمِّهِ أَوْ حَمْلِهَا وَلَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا فَظَهَرَ تَعَيُّنُ الْفِطَامِ هُنَا، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ، بَلْ إطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ (وَلَهُمَا) فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ (إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) الْفَطْمُ لِاتِّفَاقِهِمَا وَعَدَمِ الضَّرَرِ بِالطِّفْلِ. فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 205 وَلِأَحَدِهِمَا بَعْدَ حَوْلَيْنِ، وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ. وَلَا يُكَلِّفُ رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ، وَيَجُوزُ مُخَارَجَتُهُ بِشَرْطِ رِضَاهُمَا   [مغني المحتاج] ضَرَّهُ فَلَا (وَلِأَحَدِهِمَا) فَطْمُهُ إنْ اجْتَزَأَ بِالطَّعَامِ (بَعْدَ حَوْلَيْنِ) مِنْ غَيْرِ رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الرَّضَاعِ التَّامِّ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ لَا يَجْتَزِي بِغَيْرِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ فِطَامُهُ، وَعَلَى الْأَبِ بَذْلُ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَبْلُغَ حَدًّا يَجْتَزِي فِيهِ بِالطَّعَامِ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إرْضَاعِهِ أَجْبَرَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ قَالَ الْفَارِقِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْأَبِ إرْضَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ فِطَامَهُ فِيهِ يُفْضِي إلَى الْإِضْرَارِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَمَامِهِمَا فِي فَصْلٍ مُعْتَدِلٍ (وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ) عَلَى حَوْلَيْنِ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَلَمْ تَضُرَّهُ الزِّيَادَةُ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: يُسَنُّ قَطْعُ الرَّضَاعَةِ عِنْدَ الْحَوْلَيْنِ، إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ. (وَلَا يُكَلِّفُ) الْمَالِكُ (رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ) أَيْ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ الْمَارِّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا عَلَى الدَّوَامِ يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَعْجَزُ عَنْهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ: أَيْ الَّتِي لَا تَضُرُّهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا لَا يُطِيقُ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَيْسَ هُوَ بِبَعِيدٍ عَنْ قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرٌ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِخَلَاصِهِ، فَلَوْ كَانَ يَمْتَنِعُ إذَا مُنِعَ عَنْهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَيْعُهُ، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِي تَكْلِيفِهِ رَقِيقَهُ مَا يُطِيقُهُ اتِّبَاعُ الْعَادَةِ فَيُرِيحُهُ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، وَفِي وَقْتِ الِاسْتِمْتَاعِ إنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ، وَفِي الْعَمَلِ طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَمِنْ الْعَمَلِ آنَاءَ اللَّيْلِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ نَهَارًا، أَوْ النَّهَارِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ لَيْلًا، وَإِنْ سَافَرَ بِهِ أَرْكَبَهُ وَقْتًا فَوَقْتًا كَالْعَادَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَإِنْ اعْتَادَ السَّادَةُ الْخِدْمَةَ مِنْ الْأَرِقَّاءِ نَهَارًا مَعَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ لِطُولِهِ اُتُّبِعَتْ عَادَتُهُمْ، وَعَلَى الرَّقِيقِ بَذْلُ الْمَجْهُودِ وَتَرْكُ الْكَسَلِ فِي الْخِدْمَةِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكِهِ: رَبِّي، بَلْ يَقُولُ: سَيِّدِي وَمَوْلَايَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لَهُ: عَبْدِي أَوْ أَمَتِي، بَلْ يَقُولُ: غُلَامِي أَوْ جَارِيَتِي أَوْ فَتَايَ وَفَتَاتِي، وَلَا كَرَاهَةَ فِي إضَافَةِ رَبٍّ إلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ كَرَبِّ الدَّارِ وَرَبِّ الْغَنَمِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ لِلْفَاسِقِ وَالْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ يَا سَيِّدِي (وَيَجُوزُ) لِلْمَالِكِ (مُخَارَجَتُهُ) أَيْ ضَرْبُ خَرَاجٍ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا (بِشَرْطِ رِضَاهُمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَرَقِيقِهِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إجْبَارُ الْآخَرِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّرَاضِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ لَمَّا حَجَمَهُ صَاعَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» وَنَقَلَتْ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ كَانَ لِلزُّبَيْرِ أَلْفُ مَمْلُوكٍ تُؤَدِّي إلَيْهِ الْخَرَاجَ، وَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ مِنْ خَرَاجِهِمْ شَيْئًا، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ " الجزء: 5 ¦ الصفحة: 206 وَهِيَ: خَرَاجٌ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، وَعَلَيْهِ عَلْفُ دَوَابِّهِ، وَسَقْيُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ فِي الْمَأْكُولِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يَسْتَفِيدُ الرَّقِيقُ بِالْمُخَارَجَةِ، مَا يَسْتَفِيدهُ الرَّقِيقُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَهِيَ خَرَاجٌ) مَعْلُومٌ يَضْرِبُهُ السَّيِّدُ عَلَى رَقِيقِهِ (يُؤَدِّيهِ) مِمَّا يَكْسِبُهُ (كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ) أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ اتِّفَاقِهِمَا، وَتُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى كَسْبٍ مُبَاحٍ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَتِهِ إنْ جُعِلَتْ فِي كَسْبِهِ، فَلَوْ لَمْ يَفِ كَسْبُهُ بِخَرَاجِهِ لَمْ تَصِحَّ مُخَارَجَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ: وَيَمْنَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أَمَتِهِ خَرَاجًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَمَلٌ دَائِمٌ أَوْ غَالِبٌ، وَكَذَا الْعَبْدُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْعَمَلَ. وَرَوَى بِسَنَدِهِ إلَى عُثْمَانَ فِي خُطْبَتِهِ: لَا تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الْكَسْبَ فَيَسْرِقَ، وَلَا الْجَارِيَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْسِبَ بِفَرْجِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا مِمَّا تَجِبُ مُرَاعَاتُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِبَاحَةُ، فَكَأَنَّ السَّيِّدَ أَبَاحَهُ الزَّائِدَ فِيمَا إذَا وَفَّى وَزَادَ كَسْبُهُ تَوَسُّعًا عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا عَوَارِضُ تُخْرِجُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَمُؤْنَتُهُ تَجِبُ حَيْثُ شُرِطَتْ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَيُجْبَرُ النَّقْصُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِالزِّيَادَةِ فِي بَعْضِهَا (وَعَلَيْهِ) أَيْ صَاحِبِ دَوَابَّ (عَلْفُ دَوَابِّهِ) الْمُحْتَرَمَةِ (وَسَقْيُهَا) أَوْ تَخْلِيَتِهَا لِلرَّعْيِ وَوُرُودِ الْمَاءِ إنْ اكْتَفَتْ بِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكْتَفِ بِهِ كَجَدْبِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهِ أَضَافَ إلَيْهِ مَا يَكْفِيهَا، وَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ هَوَامِّهَا. وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ الدَّابَّةِ وُصُولُهَا لِأَوَّلِ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ دُونَ غَايَتِهِمَا، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهَا كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ. تَنْبِيهٌ الْعَلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ: مَطْعُومُ الدَّوَابِّ، وَبِإِسْكَانِهَا الْمَصْدَرُ، وَيَجُوزُ هُنَا الْأَمْرَانِ، وَضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْإِسْكَانِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) أَيْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ مَالٌ (أُجْبِرَ فِي) الْحَيَوَانِ (الْمَأْكُولِ عَلَى) أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (بَيْعٍ) لَهُ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَزُولُ ضَرَرُهُ بِهِ (أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَ) أُجْبِرَ (فِي غَيْرِهِ عَلَى) أَحَدِ أَمْرَيْنِ (بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ) وَيَحْرُمُ ذَبْحُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ، وَإِنَّمَا أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْهَلَاكِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ نَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَقْتَضِيهِ الْحَالُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بَاعَ الْحَاكِمُ الدَّابَّةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ إكْرَاهًا عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُبَاعَ مَا أَمْكَنَ إجَارَتُهُ، وَحَكَى عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ كِفَايَتُهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ كَنَظِيرِهِ فِي الرَّقِيقِ؛ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ثَمَّ، وَلَوْ كَانَتْ دَابَّتُهُ لَا تُمْلَكُ، كَكَلْبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَكْفِيَهَا أَوْ يَدْفَعَهَا لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ يُرْسِلَهَا، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حَيَوَانٌ يُؤْكَلُ وَآخَرُ لَا يُؤْكَلُ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَفَقَةَ أَحَدِهِمَا وَتَعَذَّرَ بَيْعُهُمَا فَهَلْ يُقَدِّمُ نَفَقَةَ مَا لَا يُؤْكَلُ وَيَذْبَحُ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمَأْكُولُ يُسَاوِي أَلْفًا وَغَيْرُهُ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَفِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 207 وَلَا يَحْلِبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا.   [مغني المحتاج] نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي ذَبْحِ الْمَأْكُولِ، فَقَدْ قَالُوا فِي التَّيَمُّمِ: إنَّهُ يَذْبَحُ شَاتَهُ لِكَلْبِهِ الْمُحْتَرَمِ، فَإِذَا كَانَ يَذْبَحُ لِنَفْسِ الْكَلْبِ، فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لِيَأْكُلَ وَيُعْطِيَ النَّفَقَةَ لِغَيْرِهِ. نَعَمْ إنْ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ لِلْمَأْكُولِ لَمْ يَجُزْ ذَبْحُهُ كَأَنْ كَانَ جَمَلًا وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ مَتَى ذَبَحَهُ انْقَطَعَ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ غَصْبُ الْعَلَفِ لِلدَّابَّةِ، وَغَصْبُ الْخَيْطِ لِجِرَاحَتِهَا، وَلَكِنْ بِالْبَدَلِ إنْ تَعَيَّنَا وَلَمْ يُبَاعَا كَمَا يَجِبُ سَقْيُهَا الْمَاءَ، وَالْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ، وَيَجُوزُ تَكْلِيفُهَا عَلَى الدَّوَامِ مَا لَا تُطِيقُ الدَّوَامَ عَلَيْهِ. (وَلَا يَحْلِبُ) الْمَالِكُ مِنْ لَبَنِ دَابَّتِهِ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِبَ (مَا ضَرَّ وَلَدَهَا) لِأَنَّهُ غِذَاؤُهُ لِأَنَّهُ كَوَلَدِ الْأَمَةِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَإِنَّمَا يَحْلِبُ مَا فَضَلَ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيَعْنِي بِالرِّيِّ مَا يُقِيمُهُ حَتَّى لَا يَمُوتَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ الِاكْتِفَاءُ بِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا التَّوَقُّفُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ إلَى لَبَنِ غَيْرِ أُمِّهِ إنْ اسْتَمْرَأَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ أَحَقُّ بِلَبَنِ أُمِّهِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَلْبُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبَهِيمَةِ لِقِلَّةِ عَلَفِهَا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَلَا تَرْكُ الْحَلْبِ أَيْضًا إذَا كَانَ يَضُرُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهَا كُرِهَ تَرْكُهُ لِلْإِضَاعَةِ. فُرُوعٌ: يُسَنُّ أَنْ لَا يَسْتَقْصِيَ الْحَالِبُ فِي الْحَلْبِ، بَلْ يَدَعُ فِي الضَّرْعِ شَيْئًا، وَأَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَهَا، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَفَاحَشَ طُولُ الْأَظْفَارِ وَكَانَ يُؤْذِيهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ حَلْبُهَا مَا لَمْ يَقُصَّ مَا يُؤْذِيهَا، وَيَحْرُمُ جَزُّ الصُّوفِ مِنْ أَصْلِ الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا حَلْقُهُ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ، وَلَا يُنَافِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي حُرْمَتِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِهَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلْبِسَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ مَا يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشَّدِيدَ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا. (وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ) عَلَى مَالِكِهَا الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (عِمَارَتُهَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَنَاةِ وَالدَّارِ، فَإِنْ ذَلِكَ تَنْمِيَةً لِلْمَالِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ، وَلَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْخَرَابِ فَيُكْرَهُ، هَكَذَا عَلَّلَ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ إضَاعَةِ الْمَالِ، لَكِنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِتَحْرِيمِهَا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ بِلَا خَوْفٍ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بِتَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا أَعْمَالًا كَإِلْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي الْبَحْرِ، وَبِعَدَمِ تَحْرِيمِهَا إنْ كَانَ سَبَبُهَا تَرْكَ أَعْمَالٍ تَشُقُّ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ تَرْكُ سَقْيِ الْأَشْجَارِ الْمَرْهُونَةِ بِتَوَافُقِ الْمُعَانِدِينَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي مَسْأَلَةِ تَرْكِ سَقْيِ الْأَشْجَارِ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَرَاتٌ تَفِي بِمُؤْنَةِ سَقْيِهَا، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا، قَالَ: وَلَوْ أَرَادَ بِتَرْكِ السَّقْيِ تَجْفِيفَ الْأَشْجَارِ لِأَجْلِ قَطْعِهَا لِلْبِنَاءِ أَوْ الْوَقُودِ فَلَا كَرَاهَةَ قَطْعًا. أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إصْلَاحُ زَرْعِهِ بِسَقْيٍ وَغَيْرِهِ وَعِمَارَةُ دَارِهِ وَيَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْأَوْقَافِ حِفْظُ رِقَابِهَا وَمُسْتَغِلَّاتِهَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 208 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمَا لَا رُوحَ فِيهِ عَنْ كُلِّ ذِي رُوحٍ مُحْتَرَمَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ الْقِيَامُ بِمَصْلَحَتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ النَّحْلُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَيَجِبُ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْعَسَلِ فِي الْكُوَارَةِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ إنْ لَمْ يَكْفِهِ غَيْرُهُ، وَإِلَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ: تُشْوَى لَهُ دَجَاجَةٌ وَيُعَلِّقُهَا بِبَابِ الْكُوَارَةِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا، وَمَنْ ذَلِكَ دُودُ الْقَزِّ يَعِيشُ بِوَرَقِ التُّوتِ فَعَلَى مَالِكِهِ عَلْفُهُ مِنْهُ أَوْ تَخْلِيَتُهُ لِأَكْلِهِ إنْ وُجِدَ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَيُبَاعُ فِيهِ مَالُهُ كَالْبَهِيمَةِ، وَيَجُوزُ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ عِنْدَ حُصُولِ نَوْلِهِ، وَإِنْ أَهْلَكَهُ لِحُصُولِ فَائِدَةٍ كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ. خَاتِمَةٌ: الزِّيَادَةُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَرُبَّمَا قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا، وَصَحَّ " إنَّ الرَّجُلَ لَيُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا فِي هَذَا التُّرَابِ " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْجَرُ إذَا أَنْفَقَ فِيهَا فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَيُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي آخِرِ كِتَابِهِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَهُ» وَقَدْ ضَعَّفَ النَّاسُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الْمُفَسِّرَ مَعَ جَلَالَتِهِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ دُعَاءَ حَبِيبٍ عَلَى حَبِيبِهِ» وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرِهِ. وَرَوَى أَبُو مُوسَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوْسَ بْنَ سَاعِدَةَ الْأَنْصَارِيَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ لِي بَنَاتٍ وَأَنَا أَدْعُو عَلَيْهِنَّ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ «يَا ابْنَ سَاعِدَةَ لَا تَدْعُو عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الْبَنَاتِ، هُنَّ الْمُجْمِلَاتُ عِنْدَ النِّعْمَةِ، وَالْمُنْعِيَاتُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالْمُمَرِّضَاتُ عِنْدَ الشِّدَّةِ: ثِقَلُهُنَّ عَلَى الْأَرْضِ، وَرِزْقُهُنَّ عَلَى اللَّهِ» وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [كِتَابُ الْجِرَاحِ] 1 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 209 كِتَابُ الْجِرَاحِ   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْجِرَاحِ هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جِرَاحَةٍ، وَهِيَ إمَّا مُزْهِقَةٌ لِلرُّوحِ أَوْ مُبِينَةٌ لِلْعُضْوِ أَوْ لَا تَحْصُلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَلَمَّا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ تَارَةً تُزْهِقُ النَّفْسَ: إمَّا بِالْمُبَاشَرَةِ، وَإِمَّا بِالسِّرَايَةِ، وَتَارَةً تُبِينُ عُضْوًا، وَتَارَةً لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ جَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، وَكَانَ التَّبْوِيبُ بِالْجِنَايَاتِ أَوْلَى لِشُمُولِهَا الْجِنَايَةَ بِالْجُرْحِ وَغَيْرِهِ كَالْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ وَمَسْمُومٍ وَسِحْرٍ، لَكِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَمَّا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَغْلَبَ طُرُقِ الْقَتْلِ حَسُنَتْ التَّرْجَمَةُ بِهَا وَأَمَّا الْجُرْحُ بِضَمِّهَا فَهُوَ الِاسْمُ، وَالْجَمْعُ جُرُوحٌ، وَاجْتَرَحَ بِمَعْنَى: اكْتَسَبَ، وَمِنْهُ " وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ " وَجَوَارِحُ الْإِنْسَانِ: أَعْضَاؤُهُ، وَجَوَانِحُهُ: أَطْرَافُ ضُلُوعِهِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: 178] ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ» وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 210 الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ ثَلَاثَةٌ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ.   [مغني المحتاج] «فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، قِيلَ، ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَتَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ، فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ، بَلْ هُوَ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ، وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ التَّوْبَةِ كَسَائِرِ ذَوِي الْكَبَائِرِ غَيْرِ الْكُفْرِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ، فَإِنَّ الدَّلَائِلَ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ لِقَتْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ الْوَارِثُ أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا فَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعُقُوبَةِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ مُؤَاخَذَاتٍ فِي الدُّنْيَا، وَجَمَعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلَهَا مَفْرُوضٌ فِيمَنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الْقَتْلِ، وَكَلَامَ الْفَتَاوَى وَشَرْحِ مُسْلِمٍ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ تَابَ ثُمَّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: وَيَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَرَاءَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَرَاءَ الْعُقُوبَةِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهَا لِجَوَازِ الْعَفْوِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقَتْلُ يَقْطَعُهُ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَقْسِيمِ الْقَتْلِ إلَى عَمْدٍ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ (الْفِعْلُ) الصَّادِرُ مِنْ شَخْصٍ مُبَاشَرَةً أَوْ سَبَبًا جُرْحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (الْمُزْهِقُ) بِكَسْرِ الْهَاءِ: أَيْ الْقَاتِلُ لِلنَّفْسِ أَقْسَامُهُ (ثَلَاثَةٌ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ) وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِنْ قَصَدَهَا، فَإِنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ الْعَمْدُ، وَإِلَّا فَشِبْهُ الْعَمْدِ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ قَالَ: حَضَرْت مَجْلِسَ الْمُزَنِيِّ يَوْمًا فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ عَنْ شِبْهِ الْعَمْدِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ وَصَفَ الْقَتْلَ فِي كِتَابِهِ بِصِفَتَيْنِ عَمْدٍ وَخَطَإٍ، فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ؟ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ الْخَطَإِ قَتِيلِ السَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» . فَقَالَ الْمُنَاظِرُ: أَتَحْتَجُّ عَلَيَّ بِعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ فَسَكَتَ الْمُزَنِيّ. فَقُلْت لِلْمُنَاظِرِ: قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُهُ مِنْهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ. فَقَالَ لِلْمُزَنِيِّ: أَنْتَ تُنَاظِرُ أَمْ هَذَا؟ . فَقَالَ: إذَا جَاءَ الْحَدِيثُ فَهُوَ يُنَاظِرُ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ثُمَّ أَتَكَلَّمُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 211 وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ غَالِبًا: جَارِحٌ أَوْ مُثَقَّلٌ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: إنَّمَا قَيَّدَ الْفِعْلَ بِالْإِزْهَاقِ مَعَ أَنَّ الْجُرْحَ وَالْأَطْرَافَ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَذْكُرُهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْبِيرَ بِالْأَفْعَالِ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأُ الْخَبَرَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْفِعْلِ الْجِنْسَ: وَشِبْهُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا، وَيُقَالُ أَيْضًا شَبِيهٌ كَمِثْلٍ وَمَثَلٍ وَمَثِيلٍ. فَائِدَةٌ: يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٌ وَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ، فَالْأَوَّلُ: قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ، وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ. وَالثَّانِي: قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالثَّالِثُ: قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ. وَالرَّابِعُ: قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا. وَالْخَامِسُ: قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ، فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ. (وَلَا قِصَاصَ) فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (إلَّا فِي الْعَمْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ، سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ بِسِرَايَةِ جِرَاحَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ بِخِلَافِ غَيْرِ الظُّلْمِ، وَبِخِلَافِ الظُّلْمِ لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنْ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الْإِتْلَافِ، كَأَنْ اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قَوَدًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ، وَالْقِصَاصُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُمَاثَلَةُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، أَوْ مِنْ اقْتِصَاصِ الْأَثَرِ وَهُوَ تَتَبُّعُهُ، لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ جِنَايَةَ الْجَانِي لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا (وَهُوَ) أَيْ الْعَمْدُ فِي النَّفْسِ (قَصْدُ الْفِعْلِ) الْعُدْوَانِ (وَ) عَيْنُ (الشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ) قَطْعًا أَوْ (غَالِبًا) قَوْلُهُ (جَارِحٍ أَوْ مُثَقَّلٍ) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَوْ أَسْقَطَهُمَا كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ذَلِكَ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُمَا مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَا، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ أَوْ لَعَلَّهُ قَصَدَ بِالتَّصْرِيحِ بِهِمَا التَّنْبِيهَ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ فِي الْمُثْقِلِ كَالْحَجَرِ وَالدَّبُوسِ الثَّقِيلَيْنِ، وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَهُنَا قُتِلَ مَظْلُومًا، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ جَارِيَةً وُجِدَتْ وَقَدْ رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا أَفُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ يَهُودِيٌّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَضِّ رَأْسِهِ بِالْحِجَارَةِ» فَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي هَذَا بِالنَّصِّ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 212 إنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ، أَوْ رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَهُ فَخَطَأٌ،   [مغني المحتاج] وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي وَقَدْ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِالْعَمُودِ الْحَدِيدِ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ فِي الْقِصَاصِ بِغَيْرِهِ فِي الْمُثَقَّلِ كَمَا مَرَّ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَمُودِ الْحَدِيدِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ شُرِعَ لِصِيَانَةِ النُّفُوسِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ بِالْمُثَقَّلِ لَمَا حَصَلَتْ الصِّيَانَةُ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ أَرَادَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا الْآلَةَ وَرَدَ غَرْزُ الْإِبْرَةِ فِي مَقْتَلٍ أَوْ فِي غَيْرِهِ مَعَ الْوَرَمِ وَالْأَلَمِ إلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ عَمْدٌ وَالْآلَةُ لَا تَقْتُلُ غَالِبًا، وَإِنْ أَرَادَ الْفِعْلَ وَرَدَ إذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً فَبَانَ فَسَرَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى النَّفْسِ فَالْقِصَاصُ وَاجِبٌ وَالْفِعْلُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْآلَةُ، وَلَا يَرِدُ غَرْزُ الْإِبْرَةِ، لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهَا بَعْدُ لِخُرُوجِهَا عَنْ الضَّابِطِ أَوْ أَنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ الَّذِي غُرِزَتْ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَصْدِ تَعْيِينِ الشَّخْصِ فِي الْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِلرَّوْضَةِ هُنَا وَلِمَا سَيَأْتِي فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، فَلَوْ قَصَدَ إصَابَةَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ فَأَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ مَا رَجَّحَهُ قَبْلَ الدِّيَاتِ مِنْ زَوَائِدِهِ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَنْ رَمَى شَخْصًا أَوْ جَمْعًا وَقَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَصَابَ وَاحِدًا، لِأَنَّ أَيَّ لِلْعُمُومِ فَكَأَنَّ كُلَّ شَخْصٍ مَقْصُودٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ عَمْدًا، فَمَا فِي الزَّوَائِدِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعَ قَصْدِ الشَّخْصِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ إنْسَانٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ رَمَى شَخْصًا اعْتَقَدَهُ نَخْلَةً فَكَانَ إنْسَانًا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَصَدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِجِهَةِ حُكْمٍ، ثُمَّ بَانَ الْخَلَلُ فِي مُسْتَنِدِهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ الْحَاكِمُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ بِشَهَادَةِ مَنْ بَانَا بَعْدَ الْقَتْلِ رَقِيقَيْنِ، إذْ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً، وَمَا إذَا رُمِيَ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ إذْ هُوَ خَطَأٌ، وَعَنْ النَّصِّ أَنَّهَا حَالَّةٌ فِي مَالِ الْجَانِي، وَمَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْجَانِي أَوْ عَزَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ ذَلِكَ، وَاسْتَوْفَى الْقِصَاصَ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ حَالَّةٌ عَلَى الْوَكِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِعَوَارِضَ، (إنْ فُقِدَ قَصْدُ) هُمَا أَوْ فُقِدَ قَصْدُ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفِعْلِ أَوْ الشَّخْصِ (بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ) ، هَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: مِثَالٌ لِلْأُولَى، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَزِيدَهَا، وَأَمَّا مِثَالُ الثَّانِيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ (أَوْ رَمَى شَجَرَةً) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَدَابَّةٍ (فَأَصَابَهُ) فَمَاتَ أَوْ رَمَى آدَمِيًّا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَمَاتَ (فَخَطَأٌ) لِعَدَمِ قَصْدِ عَيْنِ الشَّخْصِ. تَنْبِيهٌ: نُوزِعَ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْوِيرِ قَصْدِ الشَّخْصِ دُونَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ. قِيلَ: وَيُمْكِنُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 213 وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا. فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ فَعَمْدٌ وَكَذَا بِغَيْرِهِ إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ،   [مغني المحتاج] تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا قَصَدَ ضَرْبَهُ بِصُفْحِ السَّيْفِ فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ بِحَدِّهِ، فَهَذَا لَمْ يَقْصِدْ الْفِعْلَ بِالْحَدِّ مَعَ أَنَّهُ قَصَدَ الشَّخْصَ وَبِمَا لَوْ تَوَعَّدَهُ إمَامٌ ظَالِمٌ وَهَدَّدَهُ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَهَذَا قَصْدُ الشَّخْصِ بِالْكَلَامِ، وَلَمْ يَقْصِدْ لِلْفِعْلِ الْوَاقِعِ بِهِ لِعَدَمِ صُدُورِهِ إذْ ذَاكَ مِنْهُ، وَنُوزِعَ فِي الْمِثَالِ أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى شَخْصٍ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فِعْلٌ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ عَلَى مُقْتَضَى تَقْسِيمِ الْمُصَنِّفِ الْفِعْلَ الْمُزْهِقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شَرَّاحِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ مِمَّا يُعْطِي حُكْمَ الْخَطَإِ وَلَيْسَ بِخَطَإٍ، أَوْ أَنَّ الْوُقُوعَ فِيهِ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّخْصِ الْوَاقِعِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْفِعْلُ الْمُقْسَمُ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ: الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ إنْ وُجِدَ وَالشَّخْصُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْفِعْلِ بِأَنْ صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ فَمَاتَ أَوْ غَيْرُ قَاصِدٍ لِمَنْ أَصَابَهُ كَمَا إذَا رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَ إنْسَانًا فَهَذَا خَطَأٌ، فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَطَإِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: أَنْ لَا يَقْصِدَ أَصْلَ الْفِعْلِ أَوْ يَقْصِدَهُ دُونَ الشَّخْصِ، (وَإِنْ قَصَدَهُمَا) أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ (بِمَا) أَيْ شَيْءٍ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْإِهْلَاكِ (لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) عُدْوَانًا فَمَاتَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي الْقَصْدِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا خَطَأَ عَمْدٍ وَعَمْدَ خَطَإٍ وَخَطَأَ شِبْهِ عَمْدٍ (وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصَا) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، لَكِنْ بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَا خَفِيفَيْنِ، وَأَنْ لَا يُوَالِيَ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الضَّرْبُ فِي مَقْتَلٍ أَوْ الْمَضْرُوبُ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ مُعِينٌ عَلَى الْهَلَاكِ، وَأَنْ لَا يَشْتَدَّ الْأَلَمُ وَيَبْقَى إلَى الْمَوْتِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَمْدٌ، لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَمِثْلُ الْعَصَا الْمَذْكُورَةِ الْحَجَرُ الْخَفِيفُ وَكَفٌّ مَقْبُوضَةُ الْأَصَابِعِ لِمَنْ يَحْمِلُ الضَّرْبَ بِذَلِكَ وَاحْتُمِلَ مَوْتُهُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ التَّعْزِيرَ وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، وَلَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ خَطَأٌ وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ الرَّاجِعَانِ: لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْتُلْ بِقَوْلِنَا وَكَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ شِبْهِ الْعَمْدِ مَعَ وُجُودِ قَصْدِ الشَّخْصِ وَالْفِعْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا. (فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ: وَاحِدُ الْمَقَاتِلِ وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي إذَا أُصِيبَتْ قَتَلَتْ كَعَيْنٍ وَدِمَاغٍ وَأَصْلِ أُذُنٍ وَحَلْقٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَخَاصِرَةٍ وَأَخْدَعَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ عِرْقُ الْعُنُقِ وَإِحْلِيلٍ وَأُنْثَيَيْنِ، وَمَثَانَةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ الْمِيمِ: مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَعِجَانٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ وَيُسَمَّى الْعَضْرَطَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمَاتَ بِهِ وَلَوْ بِلَا تَوَرُّمٍ (فَعَمْدٌ) ذَلِكَ الْغَرْزُ لِخَطَرِ الْمَوَاضِعِ وَشِدَّةِ تَأْثِيرِهِ (وَكَذَا) لَوْ غَرَزَ إبْرَةً (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْمَقْتَلِ كَفَخِذٍ وَإِلَيْهِ (إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ) أَيْ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَاسْتَمَرَّا (حَتَّى مَاتَ) فَعَمْدٌ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْأَلَمِ بِلَا وَرَمٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ الْوُجُوبُ، وَأَمَّا الْوَرَمُ بِلَا أَلَمٍ فَقَدْ لَا يُتَصَوَّرُ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 214 فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ عَمْدٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ، وَلَوْ غَرَزَ فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجَلْدَةِ عَقِبٍ فَلَا شَيْءَ بِحَالٍ. وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ   [مغني المحتاج] الْغَزَالِيُّ لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّ الْوَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ الْأَلَمِ (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ) لِلْغَرْزِ (أَثَرٌ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَدَّ الْأَلَمُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَنْ لَا يُوجَدَ أَلَمٌ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَلَمٍ مَا (وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ الْخَفِيفِ (وَقِيلَ) : هُوَ (عَمْدٌ) لِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلُ خَفِيَّةٌ وَمَوْتُهُ حَالًا يُشْعِرُ بِإِصَابَةِ بَعْضِهَا (وَقِيلَ لَا شَيْءَ) أَيْ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ إحَالَةً لِلْمَوْتِ عَلَى سَبَبٍ آخَرَ، أَمَّا إذَا تَأَخَّرَ الْمَوْتُ عَنْ الْغَرْزِ فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمَقْتَلِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُعْتَدِلِ. أَمَّا إذَا غَرَزَ فِي بَدَنِ صَغِيرٍ أَوْ شَيْخٍ هَرَمٍ أَوْ نِضْوِ الْخِلْقَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الرَّقْمِ لِلْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّاهُ (وَلَوْ غَرَزَ) هَا (فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجَلْدَةِ عَقِبٍ) وَلَمْ يُبَالِغْ فِي إدْخَالِهَا فَمَاتَ (فَلَا شَيْءَ) فِي غَرْزِهَا (بِحَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافَقَةُ قَدَرٍ، كَمَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ خِرْقَةً أَوْ ضَرَبَهُ بِقَلَمٍ فَمَاتَ. أَمَّا إذَا بَالَغَ فَيَجِبُ الْقَوَدُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. (وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ) أَوْ أَحَدَهُمَا (وَ) مَنَعَهُ أَيْضًا (الطَّلَبَ) لِذَلِكَ (حَتَّى مَاتَ) بِسَبَبِ الْمَنْعِ (فَإِنْ مَضَتْ) عَلَيْهِ (مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ) أَيْ الْمَحْبُوسِ (فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ) لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ بِهِ، وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَالزَّمَانِ حَرًّا وَبَرْدًا، لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي الْحَرِّ لَيْسَ كَفَقْدِهِ فِي الْبَرْدِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مَنَعَهُ عَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَأَمْكَنَهُ تَنَاوُلُهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا، أَوْ أَمْكَنَهُ طَلَبُهُ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ مَنَعَهُ الشَّرَابَ فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفَ الْعَطَشِ، أَوْ انْهَدَمَ السَّقْفُ عَلَيْهِ، أَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ مِنْ غَيْرِ مُخَاطَرَةٍ فَمَاتَ بِذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى حَابِسِهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، وَمَنْعُ الدِّفَاءَ فِي الْبَرْدِ كَمَنْعِ الْأَكْلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِالدُّخَانِ بِأَنْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَسَدَّ مَنَافِذَهُ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الدُّخَانُ فَضَاقَ نَفَسُهُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقَوَدُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا لَوْ مَنَعَ مَنْ افْتَصَدَ مِنْ شَدِّ فَصَادِهِ حَتَّى مَاتَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: حَبَسَهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ كَمَا لَوْ أَخَذَ زَادَهُ أَوْ مَاءَهُ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ عَرَّاهُ فَمَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ بَرْدًا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَيْتًا وَهُوَ جَالِسٌ فِيهِ حَتَّى مَاتَ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ، لِأَنَّهُ فِي أَخْذِ الطَّعَامِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَبْسِ، بَلْ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا فِي مَفَازَةٍ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَالْمُتَّجِهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ كَالْمَحْبُوسِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 215 وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ، وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ، فَلَوْ شَهِدَا   [مغني المحتاج] اهـ. وَهُوَ بَحْثٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ. أَمَّا الرَّقِيقُ فَيُضْمَنُ بِالْيَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ رَاعَاهُ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَمْ لَا كَمَا قَالَاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَاتَ الْمَحْبُوسُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ) " الْوَاوُ " بِمَعْنَى " أَوْ " بِدَلِيلِ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ (سَابِقٌ) عَلَى الْمَنْعِ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ كَانَ) بِهِ (بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ) الْوَاوُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَوْ (وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ) وَكَانَتْ مُدَّةُ حَبْسِهِ بِحَيْثُ لَوْ أُضِيفَتْ لِمُدَّةِ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ السَّابِقِ بَلَغَتْ الْمُدَّةُ الْقَاتِلَةَ (فَعَمْدٌ) لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٍ سَابِقٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُهُمْ بِلَا شَكٍّ اهـ. وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَابِسُ الْحَالَ (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ، وَلَا أَتَى بِمَا هُوَ مُهْلِكٌ: كَمَا لَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَسَقَطَ عَلَى سِكِّينٍ وَرَاءَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ. وَالثَّانِي هُوَ عَمْدٌ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ: كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْمَرِيضَ ضَرْبًا يُهْلِكُهُ وَلَا يُهْلِكُ الصَّحِيحَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِمَرَضِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمَرَضِ فَيُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ، وَالْجُوعُ مِنْ جِنْسِ الْجُوعِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ ضَعُفَ مِنْ الْجُوعِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ نِصْفِ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ وُجُوبَ دِيَةِ شِبْهِ عَمْدٍ كَامِلَةٍ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِالْجَوْعَيْنِ أَوْ الْعَطَشَيْنِ وَاَلَّذِي مِنْهُ أَحَدُهُمَا. وَمَسْأَلَةُ الْحَبْسِ مِنْ السَّبَبِ فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ) كَالْمُبَاشَرَةِ، لِأَنَّ مَا لَهُ دَخْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ فِي الزُّهُوقِ: إمَّا مُبَاشَرَةٌ، وَهِيَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَيُحَصِّلُهُ كَالْجُرْحِ السَّابِقِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ، وَإِمَّا شَرْطٌ وَهُوَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَقَّفُ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ كَالْحَفْرِ مَعَ التَّرَدِّي فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْحُفْرَةِ، وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ التَّرَدِّي فِيهَا وَمُصَادَمَتُهَا، لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ، وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا. وَمِثْلُهُ الْإِمْسَاكُ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِمَّا سَبَبٌ وَهُوَ مَا يُؤَثِّرُ فِي الْهَلَاكِ وَلَا يُحَصِّلُهُ. وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفَاعِلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْصِدَ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ لَا، فَإِنْ قَصَدَهُ بِالْفِعْلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ، وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةٍ فَهُوَ السَّبَبُ كَالشَّهَادَةِ بِمُوجِبِ قِصَاصٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهُوَ الشَّرْطُ. وَالسَّبَبُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ وَيُقْتَصُّ مِنْ شُهُودِ الزُّورِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي. وَالثَّانِي عُرْفِيٌّ كَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ لِمَنْ يَأْكُلُهُ وَسَيَأْتِي. وَالثَّالِثُ حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (فَلَوْ شَهِدَا) أَيْ رَجُلَانِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ قَاضٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 216 بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا وَقَالَا تَعَمَّدْنَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا.   [مغني المحتاج] (بِقِصَاصٍ) أَيْ بِمُوجِبِهِ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ (فَقُتِلَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، أَوْ قُطِعَ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا (ثُمَّ رَجَعَا) عَنْهَا (وَقَالَا تَعَمَّدْنَا) الْكَذِبَ فِيهَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِنَا (لَزِمَهُمَا) حِينَئِذٍ (الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا فِي إهْلَاكِهِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ الْحِسِّيَّ. قَالَ الْإِمَامُ: بَلْ أَبْلَغُ مِنْ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ الْمُكْرَهَ قَدْ يُؤْثِرُ هَلَاكَ نَفْسِهِ عَلَى سَفْكِ دَمٍ مُحَرَّمٍ، وَالْقَاضِي لَا مَحِيصَ لَهُ عَنْ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهَا. أَمَّا إذَا قَالَا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَا مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِمَا ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمَا بِالْإِسْلَامِ، أَوْ بُعْدِهِمَا عَنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ بَلْ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَالَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا لِظُهُورِ أُمُورٍ فِينَا تَقْتَضِي رَدَّهَا، وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ قَصَّرَ فَتَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. اهـ. وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمَا كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَرِدُ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: تَعَمَّدْنَا مَا لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَعَمَّدْتُ وَلَا أَعْلَمُ حَالَ صَاحِبِي، وَكَذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْتُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْقِصَاصُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا هُوَ رُجُوعُهُمَا مَعَ اعْتِرَافِهِمَا بِالتَّعَمُّدِ لَا كَذِبُهُمَا حَتَّى لَوْ تَيَقَّنَّا كَذِبَهُمَا بِأَنْ شَاهَدْنَا الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَلَا قِصَاصَ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَا وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ قَوْلَهُ (إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ) أَيْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ (بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا) فِي شَهَادَتِهِمَا حِينَ الْقَتْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَلْجَئَا إلَى قَتْلِهِ حِسًّا وَلَا شَرْعًا، فَصَارَ قَوْلُهُمَا شَرْطًا مَحْضًا كَالْمِسْكِ مَعَ الْقَاتِلِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ. أَمَّا لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: عَرَفْت كَذِبَهُمَا بَعْدَ الْقَتْلِ فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا تَمَحَّضَ الْقِصَاصُ فَلَوْ شَهِدَا عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْهُمَا بِاعْتِرَافِ الْوَلِيِّ بِكَذِبِهِمَا، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى بَاقٍ، وَخَرَجَ بِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلِيُّ الْقَاتِلِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ كَذِبَهُمَا فِي رُجُوعِهِمَا وَأَنَّ مُوَرِّثِي قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدِهِمَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا وَاضِحٌ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى حَصْرِهِ مَا لَوْ اعْتَرَفَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا حِينَ الْحُكْمِ أَوْ الْقَتْلِ دُونَ الْوَلِيِّ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ دُونَ الشُّهُودِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ رُجُوعَ الشُّهُودِ آخِرَ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ بِأَبْسَطَ مِمَّا هُنَا، وَخَرَجَ بِالشَّاهِدِ الرَّاوِي: كَمَا لَوْ أَشْكَلَتْ حَادِثَةٌ عَلَى قَاضٍ فَرَوَى لَهُ فِيهَا إنْسَانٌ خَبَرًا فَقَتَلَ الْحَاكِمُ بِهِ شَخْصًا ثُمَّ رَجَعَ الرَّاوِي وَقَالَ: تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، وَقِيَاسُهُ مَا لَوْ اسْتَفْتَى الْقَاضِي شَخْصًا فَأَفْتَاهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ رَجَعَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 217 وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ، وَلَوْ دَسَّ سُمًّا فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا فَعَلَى الْأَقْوَالِ.   [مغني المحتاج] ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي، وَهُوَ السَّبَبُ الْعُرْفِيُّ فَقَالَ (وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ) يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ نَاوَلَهُ (صَبِيًّا) غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ (أَوْ مَجْنُونًا) فَأَكَلَهُ (فَمَاتَ) مِنْهُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَالَ لَهُ هُوَ مَسْمُومٌ أَمْ لَا، وَفِي مَعْنَاهُمَا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ أَمْرِهِ. وَأَمَّا الْمُمَيِّزُ فَكَالْبَالِغِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ الَّذِي لَهُ تَمْيِيزٌ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ (أَوْ) ضَيَّفَ بِهِ (بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ) الضَّيْفُ (حَالَ الطَّعَامِ) (فَدِيَةٌ) وَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ إلْجَاءٍ (وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ) وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي بِقَتْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّةَ الَّتِي سَمَّتْ لَهُ الشَّاةَ بِخَيْبَرَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَدِّمْ الشَّاةَ إلَى الْأَضْيَافِ، بَلْ بَعَثَتْهَا إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَضَافَ أَصْحَابَهُ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ لَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ، وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَا عَنْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَلَمَّا مَاتَ بِشْرٌ أَمَرَ بِقَتْلِهَا (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ تَغْلِيبًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى السَّبَبِ. أَمَّا إذَا عَلِمَ الضَّيْفُ حَالَ الطَّعَامِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَيِّفِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ (وَلَوْ دَسَّ سُمًّا) بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَهُوَ شَيْءٌ يُضَادُّ الْقُوَّةَ الْحَيَوَانِيَّةَ (فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا) بِالْحَالِ فَمَاتَ (فَعَلَى الْأَقْوَالِ) فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَجْهُ الثَّانِي التَّسَبُّبُ، وَالْأَوَّلُ قَالَ يَكْفِي فِيهِ الدِّيَةُ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ يَجِبُ لَهُ قِيمَةُ الطَّعَامِ لِأَنَّ الدَّاسَّ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الطَّعَامِ فِي ذَلِكَ مَاءٌ عَلَى طَرِيقِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْغَالِبُ شُرْبُهُ مِنْهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي طَعَامِ شَخْصٍ عَمَّا إذَا دَسَّهُ فِي طَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَ مِنْهُ شَخْصٌ عَادَتُهُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ هَدَرٌ، وَقَوْلُهُ: الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ فِي الشَّرْحَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْأَكْثَرُونَ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ نَادِرًا يَكُونُ هَدَرًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْخِلَافِ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَوْلُ بِالْقِصَاصِ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ مُطْلَقًا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِعَاقِلٍ: كُلْ هَذَا الطَّعَامَ وَفِيهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَاتِلُ الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ سُمًّا فَقَوْلَانِ. وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِكَوْنِهِ قَاتِلًا فَالْقِصَاصُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ السُّمَّ الَّذِي أَوْجَرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ أَوْجَرَ شَخْصًا سُمًّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، أَوْ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَالْقِصَاصُ، وَكَذَا إكْرَاهُ جَاهِلٍ عَلَيْهِ لَا عَالِمٍ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى إكْرَاهِهِ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 218 وَلَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ، أَوْ مُغْرِقٍ لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا فَعَمْدٌ، وَإِنْ مَنَعَ عَارِضٌ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فَتَرَكَهَا فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فِي نَارٍ يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ،   [مغني المحتاج] الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعَالَجَةُ الْجِنَايَةِ بِمَا يَدْفَعُهَا. (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ تَرَكَ الْمَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ) لَهُ (فَمَاتَ) مِنْهُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) جَزْمًا عَلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ لَوْ عُولِجَ، وَالْجِرَاحَةُ فِي نَفْسِهَا مُهْلِكَةٌ. أَمَّا مَا لَا يُهْلِكُ كَأَنْ فَصَدَهُ فَلَمْ يَعْصِبْ الْعِرْقَ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ حَبَسَهُ وَعِنْدَهُ مَا يَأْكُلُ فَلَمْ يَفْعَلْ (وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ) رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ (لَا يُعَدُّ مُغَرِّقًا) بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَبِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا) أَوْ جَالِسًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا (حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ) لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ، لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ، فَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ الْمَذْكُورِ مَكْتُوفًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ (أَوْ) أَلْقَى رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا فِي مَاءٍ (مُغْرِقٍ) كَنَهْرٍ (لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ) بِكَسْرِ السِّينِ مَصْدَرُ سَبَحَ فِي الْمَاءِ: عَامَ (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ) مَعَ إحْسَانِهَا (مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا) أَوْ ضَعِيفًا فَهَلَكَ بِذَلِكَ (فَعَمْدٌ) فِيهِ قِصَاصٌ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يُتَوَقَّعُ الْخَلَاصُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ كَلُجَّةِ بَحْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءً أَكَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ) أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصَ بِسِبَاحَةٍ مَثَلًا، وَلَكِنْ (مَنَعَ مِنْهَا عَارِضٌ، كَرِيحٍ وَمَوْجٍ) فَهَلَكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) تَجِبُ دِيَتُهُ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِطُرُوِّ الْعَارِضِ، وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِلْقَاءِ يَجِبُ الْقَوَدُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ (وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ) سِبَاحَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَتَعَلُّقٍ بِزَوْرَقٍ (فَتَرَكَهَا) بِاخْتِيَارِهِ كَأَنْ تَرَكَهَا حُزْنًا أَوْ لَجَاجًا (فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِقَوْلِ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ بِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يُنْجِيهِ، وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُهُ مِنْ السِّبَاحَةِ دَهْشَةٌ أَوْ عَارِضٌ بَاطِنِيٌّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَكَّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ بِأَنْ قَالَ الْمُلْقِي: كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِمَّا أَلْقَيْتُهُ فِيهِ فَقَصَّرَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ: لَمْ يُمْكِنْهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ. فَرْعٌ: لَوْ رَبَطَهُ وَطَرَحَهُ عِنْدَ مَاءٍ يَزِيدُ إلَيْهِ غَالِبًا كَالْمَدِّ بِالْبَصْرَةِ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَعَمْدٌ، أَوْ قَدْ يَزِيدُ وَقَدْ لَا يَزِيدُ فَزَادَ وَمَاتَ بِهِ فَشِبْهُ عَمْدٍ أَوْ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّعُ زِيَادَةً فَاتَّفَقَ سَيْلٌ نَادِرٌ فَخَطَأٌ (أَوْ) أَلْقَاهُ (فِي نَارٍ يُمْكِنُ) مَعَهَا (الْخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا) حَتَّى مَاتَ (فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ) فِي الْمَاءِ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ، وَيُعْرَفُ الْإِمْكَانُ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 219 وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِي النَّارِ وَجْهٌ. وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي النَّارِ وَجْهٌ وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَرَدَاهُ فِيهَا آخَرُ، أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمُرْدِي   [مغني المحتاج] جَانِبِهِ أَرْضٌ لَا نَارَ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُلْقِي وَالْوَلِيُّ فِي إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَخَرَجَ، وَقِيلَ: الْمُلْقِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ) وَهُمَا الْإِلْقَاءُ فِي الْمَاءِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ لِأَنَّهُ الَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ (وَفِي) الْإِلْقَاءِ فِي (النَّارِ وَجْهٌ) بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّارَ تَحْرُقُ بِأَوَّلِ مُلَاقَاتِهَا وَتُؤَثِّرُ قُرُوحَاتٍ قَاتِلَةً، بِخِلَافِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ فِي الْمَاءِ وَجْهًا أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ، فَلَا مَفْهُومَ لِتَقْيِيدِ الْمَتْنِ، وَعَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَى الْمُلْقِي أَرْشُ مَا أَثَّرَتْ النَّارُ فِيهِ مِنْ حِينِ الْإِلْقَاءِ إلَى الْخُرُوجِ عَلَى النَّصِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَرْشَ عُضْوٍ أَمْ حُكُومَةً، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرٌ لِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ إلَّا التَّعْزِيرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ عَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ لِعِظَمِهَا أَوْ لِكَوْنِهَا فِي وَهْدَةٍ أَوْ كَوْنِهِ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ ضَعِيفًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ. تَنْبِيهٌ: إذَا اجْتَمَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ السَّبَبِ أَوْ الشَّرْطِ فَقَدْ يَغْلِبُ السَّبَبُ الْمُبَاشَرَةَ كَمَا مَرَّ فِي شُهُودِ الزُّورِ إذَا اعْتَرَفُوا بِالتَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ دُونَ الْوَلِيِّ وَالْقَاضِي الْجَاهِلَيْنِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ، وَقَدْ تَغْلِبُ الْمُبَاشَرَةُ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ كَمَا قَالَ. (وَلَوْ أَمْسَكَهُ) شَخْصٌ (فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا) وَلَوْ عُدْوَانًا (فَرَدَاهُ فِيهَا آخَرُ) وَالتَّرْدِيَةُ تَقْتُلُ غَالِبًا (أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ) أَيْ مَكَانٍ عَالٍ (فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ) أَيْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ مَثَلًا قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ، وَالْقَدُّ لُغَةً: هُوَ الْقَطْعُ طُولًا، وَالْقَطُّ عَرْضًا كَقَطِّ الْقَلَمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا (فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) فِي الْأُولَى لِحَدِيثِ «إذَا أَمْسَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ حَتَّى جَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الْقَاتِلُ، وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَطَّانِ رَفْعَهُ. وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مُمْسِكِ الْمَرْأَةِ لِلزِّنَا يُحَدُّ الزَّانِي دُونَهُ، وَكَمَا لَا قِصَاصَ لَا دِيَةَ بَلْ يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ آثِمٌ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ " يُحْبَسُ ". نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ رَقِيقًا كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْمُمْسِكِ بِالْيَدِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَاتِلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْسَكَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ حَلَالٌ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُحْرِمِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ ثَمَّ ضَمَانُ يَدٍ، وَهُنَا ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَجَعَلُوا سَلَبَ الْقَتِيلِ لِلْقَاتِلِ وَالْمُمْسِكِ لِانْدِفَاعِ شَرِّ الْكَافِرِ بِهِمَا. تَنْبِيهٌ: شَرْطُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ مُكَلَّفًا، فَلَوْ أَمْسَكَهُ وَعَرَّضَهُ لِمَجْنُونٍ أَوْ سَبُعٍ ضَارٍ فَقَتَلَهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُمْسِكِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاتِلًا عُرْفًا، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وَضَعَ صَغِيرًا عَلَى هَدَفٍ بَعْدَ الرَّمْيِ لَا قَبْلَهُ فَأَصَابَهُ سَهْمُ الرَّامِي فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُقَدِّمِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ فَهُوَ كَالْمُرْدِي دُونَ الرَّامِي لِأَنَّهُ كَالْحَافِرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَهُ قَبْلَ الرَّمْيِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ (وَ) عَلَى (الْمُرْدِي) فِي الثَّانِيَةِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّ الْحَفْرَ شَرْطٌ وَلَا أَثَرَ لَهُ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 220 وَالْقَادِّ فَقَطْ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ فَلَا. وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَكَذَا عَلَى الْمُكْرَهِ فِي الْأَظْهَرِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ تَعَلُّقَ الْقِصَاصِ بِالْحَافِرِ لَوْ انْفَرَدَ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ شَرْطٌ، وَالشَّرْطُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قِصَاصٌ كَمَا مَرَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِوُجُودِ الْقِصَاصِ مِنْ كَوْنِ التَّرْدِيَةِ يَحْصُلُ مِنْهَا الْقَتْلُ غَالِبًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ (وَ) عَلَى (الْقَادِّ) فِي الثَّالِثَةِ الْمُلْتَزِمِ لِلْأَحْكَامِ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَطَعَ أَثَرَ السَّبَبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُلْقِي وَإِنْ عَرَفَ الْحَالَ أَوْ كَانَ الْقَادُّ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُ كَحَرْبِيٍّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ الْقَادُّ مَجْنُونًا ضَارِبًا فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْقِي كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَقَوْلُهُ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُمْسِكِ وَالْحَافِرِ وَالْمُلْقِي عَلَى مَا تَقَرَّرَ (وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ) لَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ كَلُجَّةِ الْبَحْرِ (فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ) وَلَوْ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ (وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ هَلَكَ بِسَبَبِهِ، وَلَا نَظَرَ إلَى جِهَةِ الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ مُهْلِكَةٍ فِي أَسْفَلِهَا سِكِّينٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمُلْقِي فَهَلَكَ بِهَا. وَالثَّانِي، وَهُوَ مِنْ تَخْرِيجِ الرَّبِيعِ مِنْ صُورَةِ الْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ تَجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَ فَانْتَهَضَ شُبْهَةً فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ، وَالْأَصْحَابُ بَيْنَ رَادٍّ لَهُ وَمُضَعِّفٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْحُوتُ رَأْسَهُ وَيَلْقَمْهُ، وَإِلَّا وَجَبَ الْقِصَاصُ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُوتِ الَّذِي فِي اللُّجَّةِ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَجَبَ الْقَوَدُ قَطْعًا كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ عَلَى أَسَدٍ فِي زَرِيبَتِهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُعِينِ إنَّهُ الَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ (أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ) فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُلْقِي (فَلَا) قِصَاصَ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِسَبَبِ الْإِهْلَاكِ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ دَفْعًا خَفِيفًا فَوَقَعَ عَلَى سِكِّينٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا الدَّافِعُ، وَيَجِبُ فِي الصُّورَتَيْنِ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ هُنَاكَ حُوتًا يَجِبُ الْقَوَدُ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ كَمَا لَوْ عَلِمَ السِّكِّينَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ، وَهُوَ السَّبَبُ الْحِسِّيُّ، فَقَالَ (وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ) لِشَخْصٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَتَلَهُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ (الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ أَهْلَكَهُ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ غَالِبًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ (وَكَذَا) يَجِبُ الْقِصَاصُ (عَلَى الْمُكْرَهِ) أَيْضًا بِفَتْحِهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا لِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ الْمُضْطَرُّ لِيَأْكُلَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ عَلَى يَقِينٍ مِنْ التَّلَفِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ بِخِلَافِ الْمُكْرَهَ، وَالثَّانِي لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْمُكْرَهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِهِ، وَقِيلَ لَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، بَلْ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِهَا فَقَطْ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ إطْلَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ كَوْنِ الْمُكْرِهِ الْإِمَامَ أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 221 فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ وُزِّعَتْ، فَإِنْ كَافَأَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ مُرَاهِقًا فَعَلَى الْبَالِغِ الْقِصَاصُ إنْ قُلْنَا: عَمْدُ الصَّبِيِّ: عَمْدٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ،   [مغني المحتاج] غَيْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَكِنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ غَيْرَ نَبِيٍّ. أَمَّا إذَا كَانَ نَبِيًّا فَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْقِصَاصُ قَطْعًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمُضْطَرِّ. الثَّانِي لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ أَوْ بِمَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ كَالْقَطْعِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَقِيلَ يَحْصُلُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ اهـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْ هَذَا وَإِلَّا قَتَلْت وَلَدَك. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ وَلَدَهُ كَنَفْسِهِ فِي الْغَالِبِ. الثَّالِثُ لَا يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ بَلْ يَأْثَمُ إذَا قَتَلَ، وَكَذَا لَا يُبَاحُ الزِّنَا بِالْإِكْرَاهِ، وَيُبَاحُ بِهِ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَالْقَذْفُ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ، وَإِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَصَيْدُ الْحَرَمِ وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْ الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ الْمَالَ وَالصَّيْدَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ لِتَعَدِّيهِ، وَلَيْسَ لِمَالِكِ الْمَالِ دَفْعُ الْمُكْرَهِ عَنْ مَالِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِإِتْلَافِهِ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَلِلْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا مَعَ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ، وَعَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَثْبُتَ، وَلَا يَأْتِيَ بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ، وَقِيلَ: يَأْتِي بِهِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ وَقِيلَ: إنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ الثُّبُوتُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَعْجَمِيًّا يَرَى طَاعَةَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلٍ كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ فَقَطْ. الرَّابِعُ: قَيَّدَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ بِمَا إذَا لَمْ يَظُنَّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يُبِيحُ الْإِقْدَامَ، فَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ جَزْمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، إذْ الْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ (فَإِنْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ) فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ كَأَنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا (وُزِّعَتْ) عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْقَتْلِ، وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَأْخُذَ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ الْآخَرِ، هَذَا إذَا كَافَأَهُ (فَإِنْ كَافَأَهُ) بِهَمْزَةٍ: أَيْ سَاوَى الْمَقْتُولَ (أَحَدُهُمَا فَقَطْ) كَأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ (فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَافِئِ دُونَ الْآخَرِ بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ لِأَنَّهُمَا كَالشَّرِيكَيْنِ، وَشَرِيكُ غَيْرِ الْمُكَافِئِ يَقْتَصُّ مِنْهُ كَشَرِيكِ الْأَبِ. (وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ) عَاقِلٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (مُرَاهِقًا) أَوْ عَكْسُهُ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ فَقَتَلَهُ (فَعَلَى الْبَالِغِ الْقِصَاصُ) لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَهُوَ الْقَتْلُ الْمَحْضُ الْعُدْوَانِ، هَذَا (إنْ قُلْنَا: عَمْدُ الصَّبِيِّ عَمْدٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ) فَإِنْ قُلْنَا خَطَأٌ فَلَا قِصَاصَ، لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى الصَّبِيِّ بِحَالٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي عَمْدِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ هَلْ هُوَ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ إذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 222 وَلَوْ أَكْرَهَ عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهَ أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ صَيْدًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ، أَوْ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ فَزَلَقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ عَمْدٌ، أَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] تَمْيِيزٍ وَإِلَّا فَخَطَأٌ قَطْعًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شَرِيكِ الْمُخْطِئِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ بِالْمُرَاهِقِ (وَلَوْ أَكْرَهَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِخَطِّهِ مُكَلَّفًا (عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ الْمُكْرِهُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ الْمُكْرَهُ) بِفَتْحِهَا (صَيْدًا) أَوْ حَجَرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَرَمَاهُ فَقَتَلَهُ (فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ قَاصِدًا لِلْقَتْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا دُونَ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِهَا فَإِنَّهُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ فَكَانَ كَالْآلَةِ لِلْمُكْرِهِ، وَالثَّانِي لَا قِصَاصَ عَلَى الْمُكْرَهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّ الصَّيْدَ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي الثَّانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ) آدَمِيًّا (رَجُلًا) أَوْ غَيْرَهُ فَمَاتَ (فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدَاهُ، وَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ) أَوْ عَلَى نُزُولِ بِئْرٍ (فَزَلِقَ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، وَقَضِيَّةُ هَذَا وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ حَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِي مَالِهِ (وَقِيلَ) هُوَ (عَمْدٌ) وَهَذَا لَيْسَ بِوَجْهٍ مُحَقَّقٍ بَلْ هُوَ رَأْيٌ لِلْغَزَالِيِّ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ إلَى قَتْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْقَوْلِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ مِمَّا يَزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا يَزْلَقُ عَلَى مِثْلِهَا غَالِبًا فَلَا يَأْتِي هَذَا الْقَوْلُ، فَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ، لَا كَمَا فَهِمَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّهُ قَيْدٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَطَأً فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشِبْهِ عَمْدٍ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ (أَوْ) أَكْرَهَهُ (عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: اُقْتُلْ نَفْسَك أَوْ اشْرَبْ هَذَا السُّمَّ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهَا (فَلَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ حَقِيقَةً لِاتِّحَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمُخَوَّفِ بِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مُخْتَارٌ لَهُ، وَالثَّانِي يَجِبُ كَمَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ، وَإِنْ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى وُجُوبِ نِصْفِ دِيَةٍ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَسْقُطُ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ فَيَنْتَفِي مُوجِبُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى فَاعِلِهِ شَيْءٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 223 وَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ فَالْمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ، وَالْأَظْهَرُ لَا دِيَةَ، وَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ الرَّازِيّ: مَا إذَا خَوَّفَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْقَتْلِ، فَإِنْ خَوَّفَهُ بِعُقُوبَةٍ فَوْقَ الْقَتْلِ كَالْإِحْرَاقِ وَالتَّمْثِيلِ فَهُوَ إكْرَاهٌ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِخِلَافِ الْبَالِغِ الْأَعْجَمِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ فَفَعَلَ، نَعَمْ إنْ أَمَرَهُ بِبَطِّ جُرْحِهِ أَوْ بِفَتْحِ عِرْقِهِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ كَانَ بِمَقْتَلٍ وَجَهِلَ كَوْنَهُ قَاتِلًا ضَمِنَ الْآمِرِ، لِأَنَّ الْأَعْجَمِيَّ حِينَئِذٍ لَا يَظُنُّهُ قَاتِلًا فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ، أَمَّا إذَا عَلِمَهُ قَاتِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى آمِرِهِ، وَخَرَجَ بِالتَّقْيِيدِ بِالنَّفْسِ الطَّرَفُ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَك أَوْ رِجْلَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَطَعَهَا اُقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، لِأَنَّ قَطْعَهُ تُرْجَى مَعَهُ الْحَيَاةُ. (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ (اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ) ذَلِكَ الشَّخْصُ (فَالْمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ شُبْهَةٌ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَاتُ قَوْلَيْنِ، ثَانِيهِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُبَاحُ بِالْإِذْنِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الزِّنَا بِأَمَتِهِ (وَالْأَظْهَرُ) عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ (لَا دِيَةَ) أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْمَقْتُولِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلِهَذَا تَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ وَتُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي تَجِبُ وَلَا يُؤَثِّرُ إذْنُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً عَقِبَ هَلَاكِ الْمَقْتُولِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ يَقُلْ: وَإِلَّا قَتَلْتُك كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ هَذَا كُلُّهُ فِي النَّفْسِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدِي مَثَلًا فَقَطَعَهَا وَلَمْ يَمُتْ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَإِنْ قَتَلَهُ دَفْعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ جَزْمًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ فَقَدْ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ جَزْمًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِذْنَ بِلَا إكْرَاهٍ مُسْقِطٌ، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْإِذْنِ الْمُجَرَّدِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ إكْرَاهٌ فَسُقُوطُ الْقِصَاصِ أَوْجَهُ، وَلَوْ قَالَ اقْذِفْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَذَفَهُ فَلَا حَدَّ عَلَى الصَّوَابِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ كَانَ الْآذِنُ عَبْدًا لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ، وَفِي الْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ عَبْدًا وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا السُّقُوطُ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إكْرَاهِ غَيْرِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ، وَلِلْمَأْمُورِ بِالْقَتْلِ دَفْعُ الْمُكْرَهِ، وَلِلثَّالِثِ دَفْعُهُمَا، وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ فَهَدَرٌ، وَالْمُكْرَهُ هُنَا هُوَ الْمَحْمُولُ عَلَى قَتْلِ مُعَيَّنٍ لَا يَجِدُ عَنْهُ مَحِيصًا (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ قَالَ) لِشَخْصٍ (اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا) وَإِلَّا قَتَلْتُك (فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) حَقِيقَةً، فَمَنْ قَتَلَهُ مِنْهُمَا فَهُوَ مُخْتَارٌ لِقَتْلِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ لَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ غَيْرُ الْإِثْمِ، وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: هُوَ إكْرَاهٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِقَتْلِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُلْجَأٌ إلَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَإِكْرَاهِهِ عَلَى طَلَاقِ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: إحْدَاهُمَا طَالِقٌ، فَإِذَا طَلَّقَ مُعَيَّنَةً كَانَ مُخْتَارًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 224 فَصْلٌ وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ مُذَفِّفَانِ كَحَزٍّ وَقَدٍّ، أَوْ لَا كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ فَقَاتِلَانِ   [مغني المحتاج] تَتِمَّةٌ: لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ شَخْصًا بِقَتْلِ آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالْمَأْمُورُ لَا يَعْلَمُ ظُلْمَ السُّلْطَانِ وَلَا خَطَأَهُ وَجَبَ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى السُّلْطَانِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ آلَتُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَلَوْ ضَمِنَاهُ لَمْ يَتَوَلَّ الْجَلْدَ أَحَدٌ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِحَقٍّ، وَلِأَنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُورِ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ، وَإِنْ عَلِمَ بِظُلْمِهِ أَوْ خَطَئِهِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْمَأْمُورِ إنْ لَمْ يَخَفْ قَهْرَهُ بِالْبَطْشِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَاعَتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَى السُّلْطَانِ إلَّا الْإِثْمُ فِيمَا إذَا كَانَ ظَالِمًا، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّاهُ، فَإِنْ خَافَ قَهْرَهُ فَكَالْمُكْرَهِ فَالضَّمَانُ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِمَا، وَحُكْمُ سَيِّدِ الْبُغَاةِ حُكْمُ الْإِمَامِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَهُ نَافِذَةٌ بَلْ إنَّ أَمْرَهُ بِقَتْلِهِ مُتَغَلِّبٌ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إلَّا الْإِثْمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَقًّا أَوْ يَعْرِفَ أَنَّهُ ظُلْمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ الطَّاعَةِ، هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ قَهْرَهُ كَمَا مَرَّ إلَّا فَكَالْمُكْرَهِ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ أَوْ نُزُولِ بِئْرٍ فَفَعَلَ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ قَهْرَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَافَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَمَرَ شَخْصٌ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ الْمُمَيِّزَ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي كُلِّ أَمْرِهِ بِقَتْلٍ أَوْ إتْلَافٍ ظُلْمًا فَفَعَلَ أَثِمَ الْآمِرْ وَاقْتُصَّ مِنْ الْعَبْدِ الْبَالِغِ وَتَعَلَّقَ ضَمَانُ الْمَالِ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْآمِرِ، وَمَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ بِلَا أَمْرٍ خَطَأٌ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَبِرَقَبَتِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا لَا هَدَرٌ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ هَدَرٌ، وَلَوْ أَكْرَهَ شَخْصٌ عَبْدًا مُمَيِّزًا عَلَى قَتْلٍ مَثَلًا فَفَعَلَ تَعَلَّقَ نِصْفُ الدِّيَةِ بِرَقَبَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْحُرَّ الْمُكْرِهَ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ. [فَصْل فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا] [فَصْلٌ] فِي الْجِنَايَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا، إذَا (وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ) مَثَلًا حَالَ كَوْنِهِمَا (مَعًا) أَيْ مُجْتَمِعَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ (فِعْلَانِ) مَثَلًا (مُزْهِقَانِ) لِلرُّوحِ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَأَمْكَنَ إحَالَةُ الْإِزْهَاقِ عَلَيْهِ وَهُمَا (مُذَفِّفَانِ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ إهْمَالُهَا: أَيْ مُسْرِعَانِ لِلْقَتْلِ (كَحَزٍّ) لِلرَّقَبَةِ (وَقَدٍّ) لِلْجُثَّةِ (أَوْ لَا) أَيْ غَيْرُ مُذَفِّفَيْنِ (كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ) وَمَاتَ مِنْهُمَا (فَقَاتِلَانِ) يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ، وَكَذَا الدِّيَةُ إذَا وَجَبَتْ لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُذَفِّفًا دُونَ الْآخَرِ كَانَ الْمُذَفِّفُ هُوَ الْقَاتِلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مَعًا عَمَّا إذَا تَرَتَّبَ فِعْلُهُمَا وَسَيَذْكُرُهُ. تَنْبِيهٌ: اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ وِفَاقًا لِثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا ابْنُ مَالِكٍ فَاخْتَارَ عَدَمَ دَلَالَتِهَا عَلَى الِاتِّحَادِ وَأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى جَمِيعًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 225 وَإِنْ أَنْهَاهُ رَجُلٌ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ: بِأَنْ لَمْ يَبْقَ إبْصَارٌ، وَنُطْقٌ وَحَرَكَةُ اخْتِيَارٍ. ثُمَّ جَنَى آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي، وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْلَ الْإِنْهَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ ذَفَّفَ كَحَزٍّ بَعْدَ جُرْحٍ فَالثَّانِي قَاتِلٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالٌ بِحَسَبِ الْحَالِ، وَإِلَّا فَقَاتِلَانِ. وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ.   [مغني المحتاج] فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ وَلَدْتُمَا مَعًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّحَادُ فِي الزَّمَانِ، وَإِذَا أُفْرِدَتْ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا فِي الْكِتَابِ أُعْرِبَتْ حَالًا، وَمُذَفِّفَانِ فِي كَلَامِهِ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ وَهُمَا مُذَفِّفَانِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَيْسَ صِفَةً لِفِعْلَانِ لِتَنْوِيعِهِمَا إلَى التَّذْفِيفِ وَعَدَمِهِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَقَاتِلَانِ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ (وَإِنْ) لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلَانِ مَعًا بِالْوَصْفِ السَّابِقِ بَلْ تَرَتَّبَا بِأَنْ (أَنْهَاهُ رَجُلٌ) مَثَلًا (إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ) وَهِيَ الْمُفَسَّرَةُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ لَمْ يَبْقَ) مَعَهَا (إبْصَارٌ، وَ) لَا (نُطْقٌ) اخْتِيَارِيٌّ (وَ) لَا (حَرَكَةُ اخْتِيَارٍ) وَهِيَ الَّتِي يَبْقَى مَعَهَا الْإِدْرَاكُ وَهِيَ الْمُسْتَقِرَّةُ وَيُقْطَعُ بِمَوْتِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ، وَهِيَ الَّتِي اُشْتُرِطَ وُجُودُهَا فِي إيجَابِ الْقِصَاصُ دُونَ الْمُسْتَمِرَّةِ وَهِيَ الَّتِي لَوْ تُرِكَ مَعَهَا لَعَاشَ، وَاحْتُرِزَ بِالِاخْتِيَارِ عَمَّا إذَا قُطِعَ الْإِنْسَانُ نِصْفَيْنِ وَبَقِيَتْ أَحْشَاؤُهُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ لَا تَنْتَظِمُ، وَإِنْ انْتَظَمَتْ فَلَيْسَتْ عَنْ رَوِيَّةٍ وَاخْتِيَارٍ، بَلْ تَجْرِي مَجْرَى الْهَذَيَانِ الَّذِي لَا يَصْدُرُ عَنْ عَقْلٍ صَحِيحٍ وَلَا قَلْبٍ ثَابِتٍ، حَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَجُلًا قُطِعَ نِصْفَيْنِ فَتَكَلَّمَ وَاسْتَسْقَى مَاءً فَسُقِيَ، وَقَالَ هَكَذَا يُفْعَلُ بِالْجِيرَانِ، وَإِنْ شَكَّ فِي وُصُولِهِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ رَجَعَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَيْ وَعَمِلَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ، وَحَالَةُ الْمَذْبُوحِ تُسَمَّى حَالَةَ الْيَأْسِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَصِحُّ فِيهَا إسْلَامٌ وَلَا رِدَّةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَيَنْتَقِلُ فِيهَا مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ الْحَاصِلِينَ حِينَئِذٍ، لَا لِمَنْ حَدَثَ، وَلَوْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ لَمْ يَرِثْهُ (ثُمَّ) إنْ (جَنَى) شَخْصٌ (آخَرُ) عَلَيْهِ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ لِحَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (فَالْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (قَاتِلٌ) لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ (وَيُعَزَّرُ الثَّانِي) مِنْهُمَا لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ مَيِّتٍ (وَإِنْ جَنَى الثَّانِي) مِنْهُمَا (قَبْلَ الْإِنْهَاءِ إلَيْهَا) أَيْ حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (فَإِنْ ذَفَّفَ) الثَّانِي (كَحَزٍّ) لِلرَّقَبَةِ (بَعْدَ جُرْحٍ) سَابِقٍ مِنْ الْأَوَّلِ (فَالثَّانِي قَاتِلٌ) فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ إنَّمَا يَقْتُلُ بِالسِّرَايَةِ، وَحَزُّ الرَّقَبَةِ يَقْطَعُ أَثَرَهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتَوَقَّعَ الْبُرْءُ مِنْ الْجِرَاحَةِ السَّابِقَةِ أَوْ يُتَيَقَّنَ الْهَلَاكُ بِهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ لِأَنَّ لَهُ فِي الْحَالِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَقَدْ عَهِدَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَعُمِلَ بِعَهْدِهِ وَوَصَايَاهُ (وَعَلَى الْأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالٌ بِحَسَبِ الْحَالِ) مِنْ عَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُذَفِّفْ الثَّانِي أَيْضًا كَأَنْ قَطَعَ الْأَوَّلُ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ وَالثَّانِي مِنْ الْمِرْفَقِ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِسِرَايَةِ الْقَطْعَيْنِ (فَقَاتِلَانِ) بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ أَثَّرَ الْقَطْعِ الثَّانِي أَزَالَ أَثَرَ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ. (وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ وَجَبَ) بِقَتْلِهِ (الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ قَدْ يَعِيشُ فَإِنَّ مَوْتَهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ انْتَهَى الْمَرِيضُ إلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَبَدَتْ مَخَايِلُهُ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ يُظَنُّ أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْمَقْدُودِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 226 فصل قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا قِصَاصَ، وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] انْتِهَاءَ الْمَرِيضِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَقَدْ يُظَنُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُشْفَى، بِخِلَافِ الْمَقْدُودِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ فِعْلٌ يُحَالُ الْقَتْلُ وَأَحْكَامُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُهْدَرَ الْفِعْلُ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَذْكُورَ يَصِحُّ إسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَا ذَكَرَاهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَيِّتِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَيِّتِ فِي الْجِنَايَةِ وَقِسْمَةِ تَرِكَتِهِ وَتَزَوُّجِ زَوْجَاتِهِ. أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْوَالِ فَهُوَ فِيهِ كَالْمَيِّتِ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَاهُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ وَتَوْبَتِهِ وَنَحْوِهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ بِجِنَايَةٍ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ فَهُوَ كَالْمَيِّتِ بِالنِّسْبَةِ لِأَقْوَالِهِ، وَكَالْحَيِّ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا كَمَا جَمَعَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ حَسَنٌ. [فَصْل فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ] [فَصْلٌ] فِي أَرْكَانِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: قَتْلٌ، وَشُرِطَ فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا ظُلْمًا، وَقَتِيلٌ وَقَاتِلٌ، وَفِيمَا إذَا قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ عَلَى حَالٍ فَكَانَ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ، فَقَالَ. إذَا (قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ) كَأَنْ رَآهُ يُعَظِّمُ آلِهَتَهُمْ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْكُفَّارِ (بِدَارِ الْحَرْبِ) أَوْ بِصِفَةِ الْمُحَارِبِينَ بِدَارِنَا كَمَا سَيَأْتِي (لَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ جَزْمًا لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ، نَعَمْ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ وَفِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ (وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِمُقَامِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْإِبَاحَةِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمًا أَمْ لَا، عَيَّنَ شَخْصًا أَمْ لَا، وَالثَّانِي تَجِبُ الدِّيَةُ، لِأَنَّهَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ. أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَتَجِبُ جَزْمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] فَإِنَّ " مِنْ " بِمَعْنَى " فِي " كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَكْفِي ظَنُّ كُفْرِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ظَنِّ حِرَابَتِهِ. أَمَّا إذَا ظَنَّهُ ذِمِّيًّا فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ظَنَّ كُفْرَهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَظُنَّهُ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، فَقَالَ: إنْ عَرَفَ مَكَانَهُ وَقَصَدَهُ فَكَقَتْلِهِ بِدَارِنَا عَمْدًا، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ وَرَمَى سَهْمًا إلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّ فِي الدَّارِ مُسْلِمًا أَمْ لَا؟ نُظِرَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَخْصًا أَوْ عَيَّنَ كَافِرًا فَأَخْطَأَ وَأَصَابَ مُسْلِمًا فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ فِي بَيَاتٍ أَوْ إغَارَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَإِنْ عَيَّنَ شَخْصًا فَأَصَابَهُ فَكَانَ مُسْلِمًا لَا قِصَاصَ، وَفِي الدِّيَةِ قَوْلَانِ: قَالَا. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُمَا الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ ظَنَّهُ كَافِرًا، وَلَوْ أَمَّنَ الْقَاتِلَ أَهْلُ دَارِ الْحَرْبِ وَقَتَلَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمًا تَزَيَّا بِزِيِّهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالْمُتَّجِهُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ عَهِدَهُ عَبْدًا وَكَانَ قَدْ عَتَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 227 أَوْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَا، وَفِي الْقِصَاصِ قَوْلٌ. أَوْ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ. وَلَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ الْمَرِيضَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا.   [مغني المحتاج] الْقَاتِلُ أَنَّهُ عَتَقَ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا: إنَّ التَّزَيِّيَ بِزِيِّهِمْ لَيْسَ بِرِدَّةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ رِدَّةٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (أَوْ) قَتَلَ مَنْ ذُكِرَ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَا) أَيْ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ لَا عَلَى الِاجْتِمَاعِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ الْعِبَارَةُ، بَلْ عَلَى الْبَدَلِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْعِصْمَةُ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ فِي صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ بِدَارِنَا فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ قَطْعًا وَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ (وَفِي الْقِصَاصِ) فِي قَتْلِ مَنْ ذُكِرَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلٌ) فِي الْأُمِّ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ إذَا عَهِدَهُ حَرْبِيًّا لِأَنَّهُ الَّذِي أَبْطَلَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِخُرُوجِهِ عَلَى هَيْئَةِ الْكُفَّارِ. أَمَّا إذَا ظَنَّهُ وَلَمْ يَعْهَدْهُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ قَطْعًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَكْفِي ظَنُّ كَوْنِهِ حَرْبِيًّا، وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ الْقِصَاصَ فَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً أَوْ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ قَوْلَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَوَّلُ. (أَوْ) قَتَلَ (مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ) قَتَلَ مَنْ (ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ) أَيْ إسْلَامُهُ أَوْ حُرِّيَّتُهُ أَوْ عَدَمُ قَتْلِهِ لِأَبِيهِ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ) عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَالظَّنُّ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ. أَمَّا فِي الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ وَالْعَبْدِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ قَتْلَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ التَّثَبُّتُ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ التَّثَبُّتَ، وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يَسْتَصْحِبُهُ، وَفِيمَا عَدَا الْأُولَى قَوْلٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ طُرِدَ فِي الْأُولَى، وَفِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالْوُجُوبِ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ مَجِيئَهُ فِي الْأَخِيرَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: عَهِدَهُ، يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا ظَنَّهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْهَدَهُ كَذَلِكَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ حَكَى الْإِمَامُ فِيمَا إذَا ظَنَّهُ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ قَوْلَيْنِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا مُسْلِمًا. أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ قَطْعًا. (وَلَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ) مِثْلُهُ (الْمَرِيضَ) لَا الصَّحِيحَ فَمَاتَ مِنْهُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ) عَلَى الضَّارِبِ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ جَهْلَهُ لَا يُبِيحُ لَهُ الضَّرْبَ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ أَبَحْنَا لَهُ فِيهَا الضَّرْبَ كَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ إذَا ضَرَبَ تَأْدِيبًا ضَرْبًا لَا يَقْتُلُ الصَّحِيحَ وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْمَرَضِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمُحَرَّرِ (وَقِيلَ لَا) يَجِبُ قِصَاصٌ، لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ لَيْسَ بِمُهْلِكٍ عِنْدَهُ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ جَهِلَ عَمَّا لَوْ عَلِمَ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ جَزْمًا، وَبِقَوْلِهِ: يَقْتُلُ الْمَرِيضَ، عَمَّا لَوْ كَانَ يَقْتُلُ الصَّحِيحَ فَيَجِبُ قَطْعًا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَرْكَانُ، وَقَدْ مَرَّ شَرْطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 228 وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتِيلِ إسْلَامٌ أَوْ أَمَانٌ، فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ، وَمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ كَغَيْرِهِ. وَالزَّانِي الْمُحْصَنُ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ قُتِلَ أَوْ مُسْلِمٌ فَلَا فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] الْقَتْلِ. وَأَمَّا الْقَتِيلُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْصُومًا، وَأَمَّا الْقَاتِلُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي. فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ) أَوْ الدِّيَةِ (فِي) نَفْسِ (الْقَتِيلِ) أَوْ طَرَفِهِ الْعِصْمَةُ بِأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ (إسْلَامٌ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا» (أَوْ أَمَانٌ) بِعَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ مُجَرَّدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] . تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِيَشْمَلَ الدِّيَةَ كَمَا قَدَّرْتهَا فِي كَلَامِهِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْإِسْلَامِ وَالْأَمَانِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ لَا يَكُونَ صَائِلًا وَلَا قَاطِعَ طَرِيقٍ لَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَأَوْرَدَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى الْحَصْرِ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْأَمَانِ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَى الْأَسِيرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَعْصُومًا بِذَلِكَ، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ صَارَ بِالرِّقِّ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُمْ فِي أَمَانٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَمَانٌ، وَإِذَا شَرَطْنَا الْإِسْلَامَ وَالْأَمَانَ (فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَالْمُرَادُ إهْدَارُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. أَمَّا فِي حَقِّ ذِمِّيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ فَسَيَأْتِي (وَمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ) فَهُوَ مَعْصُومٌ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ (كَغَيْرِهِ) فَإِذَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] فَخَصَّ وَلِيَّهُ بِقَتْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَلِيَّهُ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ قَتْلُهُ. أَمَّا إذَا تَحَتَّمَ قَتْلُهُ لِقَطْعِ طَرِيقٍ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا، وَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ مِثْلَهُ. (وَالزَّانِي) الْمُسْلِمُ (الْمُحْصَنُ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَإِذَا كَانَ الذِّمِّيُّ يُقْتَلُ بِهِ فَالْمُرْتَدُّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُؤْمِنُ بِالْأَوْلَى، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُسْلِمِ مَا لَوْ كَانَ الْمُحْصَنُ ذِمِّيًّا، فَإِنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ لَا يُقْتَلُ بِهِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ قُتِلَ بِهِ (أَوْ) قَتَلَهُ (مُسْلِمٌ) غَيْرُ زَانٍ مُحْصَنٍ (فَلَا) يُقْتَلُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْإِمَامِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ غَيْرُ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ قَبْلَ أَمْرِ الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ أَمْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ رُجُوعِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا، وَوَقَعَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ قُتِلَ بِهِ. أَمَّا الْمُسْلِمُ الزَّانِي الْمُحْصَنُ إذَا قَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَتَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا بَعْدَ أَمْرِ الْحَاكِمِ بِهَا كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْقَاتِلُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 229 وَفِي الْقَاتِلِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَى السَّكْرَانِ، وَلَوْ قَالَ: كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الْجُنُونُ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا صَبِيٌّ فَلَا قِصَاصَ وَلَا يُحَلَّفُ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيٍّ. وَيَجِبُ عَلَى الْمَعْصُومِ وَالْمُرْتَدِّ.   [مغني المحتاج] فَقَالَ (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي الْقَاتِلِ) تَكْلِيفٌ، وَهُوَ (بُلُوغٌ وَعَقْلٌ) فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، لِخَبَرِ: " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ " تَنْبِيهٌ: مَحَلُّهُ فِي الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا. أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ فَهُوَ كَالْعَاقِلِ الَّذِي لَا جُنُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ الَّذِي لَا إفَاقَةَ لَهُ (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ) أَيْ الْقِصَاصِ (عَلَى السَّكْرَانِ) الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عِنْدَ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ، وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ رَامَ الْقَتْلَ لَا يَعْجِزُ أَنْ يَسْكَرَ حَتَّى لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ. وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ، وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ تَعَدَّى بِشُرْبِ دَوَاءٍ مُزِيلٍ لِلْعَقْلِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كَالْمَعْتُوهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَالَ: كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ (صُدِّقَ) الْقَاتِلُ (بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا) وَقْتَ الْقَتْلِ (وَعُهِدَ الْجُنُونُ) قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ صِبَاهُ وَلَمْ يُعْهَدْ جُنُونُهُ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِجُنُونِهِ وَأُخْرَى بِعَقْلِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ عُلِمَ حَالُهُ وَكَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ مُقَيَّدَتَيْنِ بِحَالَةِ الْمَوْتِ تَعَارَضَتَا أَوْ لَوْ اتَّفَقَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَالْقَاتِلُ عَلَى زَوَالِ عَقْلِهِ، لَكِنَّ الْوَلِيَّ يَقُولُ بِسُكْرٍ تَعَدَّى فِيهِ، وَالْقَاتِلُ بِجُنُونٍ صُدِّقَ الْقَاتِلُ كَمَا أَطْلَقَاهُ (وَلَوْ قَالَ) الْقَاتِلُ (أَنَا) الْآنَ (صَبِيٌّ) وَأَمْكَنَ (فَلَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ (وَلَا يُحَلَّفُ) أَنَّهُ صَبِيٌّ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ لِإِثْبَاتِ صِبَاهُ، وَلَوْ ثَبَتَ لَبَطَلَتْ يَمِينُهُ، فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالٌ لِتَحْلِيفِهِ، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ مَعَ زِيَادَةٍ (وَلَا قِصَاصَ) وَلَا دِيَةَ (عَلَى حَرْبِيٍّ) قَتَلَ حَالَ حِرَابَتِهِ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِسْلَامٍ أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ، لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ. (وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ (عَلَى الْمَعْصُومِ) بِإِيمَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ. أَمَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ قَتَلَ الْبُغَاةَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي حَالِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَيَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ، فَعَدَلَ عَنْهَا الْمُصَنِّفُ إلَى الْمَعْصُومِ لِعُمُومِهَا، وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَ) عَلَى (الْمُرْتَدِّ) لِأَجْلِ تَعْبِيرِهِ بِالْمَعْصُومِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَى الْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقِصَاصَ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّهُ فِي الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ، وَإِلَّا فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الضَّمَانُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَظَاهِرُ تَعْبِيرِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْمَنْعِ. (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 230 وَمُكَافَأَةٌ، فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ،   [مغني المحتاج] الْقَاتِلِ (مُكَافَأَةٌ) بِالْهَمْزِ، وَهِيَ مُسَاوَاتُهُ لِلْقَتِيلِ بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ أَمَانٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْجِنَايَةِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ) وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا (بِذِمِّيٍّ) (1) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 231 وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ وَبِذِمِّيٍّ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، فَلَوْ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ.   [مغني المحتاج] «أَلَا لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرٌ يُعَارِضُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُقَادُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَالنَّفْسُ بِذَلِكَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْكَافِرِ كَانَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَلِشُمُولِهِ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الذِّمِّيَّ لِيُنَبِّهَ عَلَى خِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِهِ وَحَمَلُوا الْكَافِرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ بَعْدُ " وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ " وَذُو الْعَهْدِ يُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَلَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ لِتَوَافُقِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، وَأُجِيبَ عَنْ حَمْلِهِمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» يَقْتَضِي عُمُومَ الْكَافِرِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِإِضْمَارٍ، وَقَوْلُهُ: " وَلَا ذُو عَهْدٍ " كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ: أَيْ لَا يُقْتَلُ ذُو الْعَهْدِ لِأَجْلِ عَهْدِهِ. وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوهُ لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ إذَا قَتَلَ كَافِرًا حَرْبِيًّا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَتْلَهُ عِبَادَةٌ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ (وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ لِشَرَفِهِ عَلَيْهِ (وَ) يُقْتَلُ أَيْضًا (بِذِمِّيٍّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا) فَيُقْتَلُ يَهُودِيٌّ بِنَصْرَانِيٍّ وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ وَمَجُوسِيٍّ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ أَنَّهُ مِلَلٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اخْتِلَافَ مِلَّتِهِمَا بِحَسَبِ زَعْمِهِمَا (فَلَوْ أَسْلَمَ) الذِّمِّيُّ (الْقَاتِلُ) كَافِرًا مُكَافِئًا لَهُ (لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ) لِتَكَافُئِهِمَا حَالَةَ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَلِذَلِكَ إذَا زَنَى الرَّقِيقُ أَوْ قَذَفَ ثُمَّ عَتَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَرِقَّاءِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا قَتْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 239 وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا وَأَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَقْتَصُّ الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ، وَالْأَظْهَرُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِذِمِّيٍّ وَبِمُرْتَدٍّ، لَا ذِمِّيٍّ بِمُرْتَدٍّ   [مغني المحتاج] مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَقَدْ مَنَعْتُمْ مِنْ ذَلِكَ. . أُجِيبَ بِالْمَنْعِ، بَلْ هُوَ قَتْلُ كَافِرٍ بِكَافِرٍ إلَّا أَنَّ الْمَوْتَ تَأَخَّرَ عَنْ حَالِ الْقَتْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ يَوْمَ خَيْبَرَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ وَقَالَ: أَنَا أَكْرَمُ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ، وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ، وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ، وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ فِي كِتَابِهِ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ «أَنَّ الذَّكَرَ يُقْتَلُ بِالْأُنْثَى» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ الْبَقِيَّةُ. (وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ) أَوْ نَحْوُهُ (ذِمِّيًّا) أَوْ نَحْوَهُ (أَوْ أَسْلَمَ الْجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ) بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ (فَكَذَا) لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْجُرْحِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِأَنَّهَا حَالَةُ الْفِعْلِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ، وَلِهَذَا لَوْ جُرِحَ الْجَارِحُ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالثَّانِي يَسْقُطُ نَظَرًا فِي الْقِصَاصِ إلَى الْمُكَافَأَةِ وَقْتَ الزَّهُوقِ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ كَالدُّيُونِ اللَّازِمَةِ فِي الْكُفْرِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِ الثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُسْلِمْ الْمَجْرُوحُ، فَإِنْ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي قِصَاص النَّفْسِ أَمَّا لَوْ قَطَعَ طَرَفًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاطِعُ ثُمَّ سَرَى وَجَبَ قِصَاص الطَّرَفِ قَطْعًا (وَفِي الصُّورَتَيْنِ) وَهُمَا إسْلَامُ الْقَاتِلِ بَعْدَ قَتْلِهِ أَوْ جُرْحِهِ لَا يَقْتَصُّ لَهُ وَارِثُهُ الْكَافِرُ، بَلْ (إنَّمَا يَقْتَصُّ) لَهُ (الْإِمَامُ) لَكِنْ (بِطَلَبِ الْوَارِثِ) وَلَا يُفَوِّضُهُ إلَيْهِ تَحَرُّزًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَوَّضَ إلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ، فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ (وَالْأَظْهَرُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ) انْتَقَلَ مِنْ إسْلَامٍ إلَى كُفْرٍ (بِذِمِّيٍّ) وَمُسْتَأْمَنٍ وَمُعَاهَدٍ سَوَاءٌ أَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ فِي الْأُمِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ. بَلْ الْمُرْتَدُّ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَلَا مُنَاكَحَتُهُ وَلَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ، فَأَوْلَى أَنْ يُقْتَلَ بِالذِّمِّيِّ الثَّابِتِ لَهُ ذَلِكَ: أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بَعْضُهَا كَالْمَجُوسِيِّ إذَا عُقِدَتْ لَهُ الذِّمَّةُ، وَالثَّانِي لَا يُقْتَلُ بِهِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِي الْمُرْتَدِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْ التَّهَوُّدِ إلَى التَّنَصُّرِ أَوْ عَكْسَهُ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ قَطْعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَ) الْأَظْهَرُ أَيْضًا قَتْلُ مُرْتَدٍّ (بِمُرْتَدٍّ) لِتَسَاوِيهِمَا كَمَا لَوْ قَتَلَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيًّا، وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّ الْمَقْتُولَ مُبَاحُ الدَّمِ. تَنْبِيهٌ: مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ هُوَ الصَّوَابُ، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ وَإِنْ نَقَلَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ (لَا ذِمِّيٍّ) بِالْجَرِّ بِخَطِّهِ: أَيْ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يُقْتَلُ (بِمُرْتَدٍّ) فِي الْأَظْهَرِ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ بِهِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَحَكَى الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 240 وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ.   [مغني المحتاج] فِي هَذِهِ وَجْهَيْنِ، وَيُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ بِالزَّانِي الْمُسْلِمِ الْمُحْصَنِ كَمَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ، وَلَا يُقْتَلُ زَانٍ مُحْصَنٌ بِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ، وَلِخَبَرِ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» تَنْبِيهٌ: يُقَدَّمُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ بِالْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَلَى قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقُتِلَ بِالرِّدَّةِ، وَلَا دِيَةَ لِمُرْتَدٍّ وَإِنْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِدَمِهِ، وَقِيلَ: تَجِبُ، وَهَلْ هِيَ دِيَةُ مُسْلِمٍ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ وَأَخَسِّ الدِّيَاتِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي. (وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] فَاقْتَضَى الْحَصْرُ أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «لَا يُقَادُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» وَلِلِاتِّفَاقِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ طَرَفُ حُرٍّ بِطَرَفِ عَبْدٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْأَطْرَافِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَعَبْدُهُ وَعَبْدُ غَيْرِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ أَنْفَهُ جَدَعْنَاهُ، وَمَنْ خَصَاهُ خَصَيْنَاهُ» الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لِقَتْلِ السَّيِّدِ بِعَبْدِهِ فَمُنْقَطِعٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَيُفِيدُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: حَكَى الرُّويَانِيُّ: أَنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ خُرَاسَانَ سُئِلَ فِي مَجْلِسِ أَمِيرِهَا عَنْ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، فَقَالَ أُقَدِّمُ حِكَايَةً ثُمَّ قَالَ: كُنْت فِي أَيَّامِ تَفَقُّهِي بِبَغْدَادَ نَائِمًا ذَاتَ لَيْلَةٍ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فَسَمِعْت مَلَّاحًا يَتَرَنَّمُ الطَّوِيلَ وَيَقُولُ: خُذُوا بِدَمِي هَذَا الْغَزَالَ فَإِنَّهُ، رَمَانِي بِسَهْمَيْ مُقْلَتَيْهِ عَلَى بُعْدِ. وَلَا تَقْتُلُوهُ إنَّنِي أَنَا عَبْدُهُ، وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ. فَقَالَ الْأَمِيرُ: حَسْبُك فَقَدْ أَغْنَيْت عَنْ الدَّلِيلِ. قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ يُنْشِدُ فِي تَدْرِيسِهِ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَتَلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ شَخْصًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ وَلَا أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ. فَلَا قِصَاصَ لِلشُّبْهَةِ، كَذَا نَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَقَرَّاهُ، فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلُ مَسْأَلَةِ اللَّقِيطِ سَوَاءٌ، وَقَدْ صَحَّحَا فِيهَا وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حُرِّيَّةٍ وَإِسْلَامٍ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ. . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا فِي قَتْلِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَمَا هُنَاكَ فِي قَتْلِهِ بِدَارِنَا بِقَرِينَةِ تَعْلِيلِهِمْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيهِ بِأَنَّ الدَّارَ دَارُ حُرِّيَّةٍ وَإِسْلَامٍ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَدَّعِي الْكَفَاءَةَ، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةُ اللَّقِيطِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ صُورَةَ اللَّقِيطِ عُلِمَ فِيهَا الْتِقَاطُهُ فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الدَّارِ، وَصُورَةُ الْبَحْرِ لَمْ يُعْلَمْ الْتِقَاطُهُ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الدَّارِ، وَإِنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَعْضِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ حُكْمُ كَامِلِ الرِّقِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 241 وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوْ عَتَقَ بَيْنَ الْجُرْحِ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ لَا قِصَاصَ، وَقِيلَ إنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ، وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ. وَلَا بِقَتْلِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ،   [مغني المحتاج] (وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ) وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ لِكَافِرٍ وَالْقَاتِلُ لِمُسْلِمٍ لِلتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا انْعَقَدَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ الْحُرِّيَّةُ النَّاجِزَةُ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ الْمُكَاتَبُ إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِعَبْدِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَبَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِمَمْلُوكِهِ (وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوْ) جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ (عَتَقَ) الْجَارِحُ (بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ) لِذِمِّيٍّ قُتِلَ أَوْ جُرِحَ، وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ عَدَمُ سُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ جَزْمًا، وَكَذَا فِي الْجُرْحِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ عَقِبَ إرْسَالِ الْمُسْلِمِ فِي الْأَوَّلِ وَالْحُرِّ فِي الثَّانِي سَهْمًا، وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَاوِهِ مِنْ أَوَّلِ الْفِعْلِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَتَلَ شَخْصٌ عَبْدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ عَتَقَ أَحَدُهُمْ مُبْهَمًا، ثُمَّ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الْعِتْقِ عَلَى الْمَقْتُولِ بَانَ أَنَّهُ قَتَلَ حُرًّا وَكَانَتْ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى قَاتِلِهِ قِصَاصٌ؟ قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ جُرْحِ فُلَانٍ إيَّاكَ بِيَوْمٍ مَثَلًا، فَإِذَا جَرَحَهُ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ، فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ) أَيْ مُبَعَّضًا سَوَاءٌ ازْدَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لَا (لَا قِصَاصَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِالْبَعْضِ الْحُرِّ الْبَعْضَ الْحُرَّ وَبِالرَّقِيقِ الرَّقِيقَ، بَلْ قَتَلَهُ جَمِيعَهُ بِجَمِيعِهِ حُرِّيَّةً وَرِقًّا شَائِعًا، فَيَلْزَمُ قَتْلُ جُزْءِ حُرِّيَّةٍ بِجُزْءِ رِقٍّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ (وَقِيلَ إنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ) الْقِصَاصُ سَوَاءٌ أَتَسَاوَيَا أَمْ كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمَقْتُولِ أَكْثَرُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَلِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ مَفْضُولٌ وَالْمَفْضُولُ يُقْتَلُ بِالْفَاضِلِ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ قَوْلَا الْخَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ أَكْثَرَ فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الْمُسَاوَاةِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا شَيْئًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ، بَلْ قَالَا: إنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالثَّانِي أَشْهَرُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَإِذَا لَا يَحْسُنُ التَّعْبِيرُ بِقِيلِ، بَلْ التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ، وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لَا تَجْبُرُ النَّقْصَ فِيهِ (وَ) لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (لَا قِصَاصَ) وَاقِعٌ (بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلَا تَجْبُرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيصَتَهُ، وَلَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَإِنْ صَارَ كُفْئًا لَهُ، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لَهُ. (وَلَا) قِصَاصَ (بِقَتْلِ وَلَدٍ) لِلْقَاتِلِ (وَإِنْ سَفَلَ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 242 وَلَا لَهُ، وَيُقْتَلُ بِوَالِدَيْهِ. وَلَوْ تَدَاعَيَا مَجْهُولًا فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ اقْتَصَّ وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ «لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ» وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، أَوْ الْأَصْلِ بِالْفَرْعِ نُقِضَ حُكْمُهُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ إلَّا إنْ أَضْجَعَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ وَذَبَحَهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْأَبَ وَالْأُمَّ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَالْأَبِ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذُكِرَ كَالنَّفَقَةِ، وَذِكْرُهُ الْوَلَدَ فِي مَسَائِلِ الْكَفَاءَةِ يُوهِمُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُكَافِئُ أَبَاهُ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَسِيطِ: إنَّهُ فَاسِدٌ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْوَلَدَ يُكَافِئُ الْعَمَّ وَعَمُّهُ يُكَافِئُ أَبَاهُ وَمُكَافِئُ الْمُكَافِئِ مُكَافِئٌ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهَلْ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ؟ وَجْهَانِ، وَيَجْرِيَانِ فِي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى النَّفْيِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ (وَلَا) قِصَاصَ (لَهُ) أَيْ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ كَأَنْ قَتَلَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، أَوْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ كَأَنْ قَتَلَ أَبَا زَوْجَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْتَلْ بِجِنَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ لَهُ فِي قَتْلِهِ حَقٌّ أَوْلَى (وَيُقْتَلُ) الْوَلَدُ (بِوَالِدِيهِ) بِكَسْرِ الدَّالِ بِخَطِّهِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَإِنْ عَلَوْا: أَيْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ، بَلْ أَوْلَى وَتُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِمَّا ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا قَتَلَ الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ كَمَا مَرَّ، وَمَا إذَا وَرِثَ الْقَاتِلُ الْقِصَاصَ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَالِدِهِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمُ بِالْوَالِدِ الْكَافِرِ. (وَلَوْ تَدَاعَيَا) قَتِيلًا (مَجْهُولًا) نَسَبُهُ (فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ تَبَيُّنِ حَالِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ لَا يُسْتَعْمَلُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ بَلْ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ (فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ اقْتَصَّ) بِالْآخَرِ لِثُبُوتِ أُبُوَّتِهِ وَانْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْ الْقَاتِلِ، فَلَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا اقْتَصَّ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْأَبِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُلْحِقْهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ (فَلَا) يَقْتَصَّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ. وَأَوْرَدَ عَلَى مَفْهُومِهِ مَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهُ بِالْآخَرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُرِئَ اُقْتُصَّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، فَإِنْ قُرِئَ بِكَسْرِهَا فَلَا يَرِدُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 243 وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ الْأَبَ، وَالْآخَرُ الْأُمَّ مَعًا فَلِكُلٍّ قِصَاصٌ، وَيُقَدَّمُ بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ اقْتَصَّ بِهَا، أَوْ مُبَادِرًا فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُقْتَصِّ إنْ لَمْ نُوَرِّثْ قَاتَلَا بِحَقٍّ، وَكَذَا إنْ قَتَلَا مُرَتَّبًا وَلَا زَوْجِيَّةَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْقَاتِلُ عَنْ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ الْآخَرُ مِنْهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَقْتَصُّ مِنْهُ وَلَوْ رَجَعَا عَنْ تَنَازُعِهِمَا لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُمَا لِأَنَّهُ صَارَ ابْنًا لِأَحَدِهِمَا، وَفِي قَبُولِ الرُّجُوعِ إبْطَالُ حَقِّهِ مِنْ النَّسَبِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لُحُوقُ الْوَلَدِ بِأَحَدِهِمَا بِالْفِرَاشِ بَلْ بِالدَّعْوَى كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. أَمَّا إذَا كَانَ بِالْفِرَاشِ كَأَنْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ فِي عِدَّةٍ مِنْ نِكَاحٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا يَكْفِي رُجُوعُ أَحَدِهِمَا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِالْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِهِ بِالْقَائِفِ ثُمَّ بِانْتِسَابِهِ إلَيْهِ إذَا بَلَغَ. (وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ) شَقِيقَيْنِ حَائِزَيْنِ لِلْمِيرَاثِ (الْأَبَ، وَ) قَتَلَ (الْآخَرُ الْأُمَّ) وَكَانَ زُهُوقُ رُوحِهِمَا (مَعًا) سَوَاءٌ أَكَانَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ أَمْ لَا (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (قِصَاصٌ) عَلَى أَخِيهِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، هَذَا يَقْتَصُّ بِأَبِيهِ، وَهَذَا بِأُمِّهِ، وَلَا يَرِثُ كُلُّ قَاتِلٍ مِنْ قَتِيلِهِ شَيْئًا، وَالْمَعِيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي بِزُهُوقِ الرُّوحِ لَا بِالْجِنَايَةِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْقَتْلِ يُشِيرُ إلَيْهِ، فَلَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَانَ لِلْمَعْفُوِّ عَنْهُ قَتْلُ الْعَافِي (وَ) إنْ لَمْ يَعْفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ تَنَازَعَا فِي التَّقْدِيمِ لِلْقِصَاصِ فَإِنَّهُ (يُقَدَّمُ) لَهُ (بِقُرْعَةٍ) إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْقِصَاصِ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ دُونَ مَنْ لَمْ تَخْرُجْ قُرْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِقَتْلِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا قَبْلَ الْقُرْعَةِ لِيَقْتَصَّ لَهُ صَحَّ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْوَكِيلَيْنِ، وَحِينَ يَقْتَصُّ مِنْ أَحَدِهِمَا يَنْعَزِلُ وَكِيلُهُ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مُوَكِّلِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَوْ اقْتَصَّ الْوَكِيلَانِ مَعًا فَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَتْلَهُمَا وَقَعَ وَهُمَا مَعْزُولَانِ مِنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ دَوَامِ اسْتِحْقَاقِ الْمُوَكِّلِ قَتْلَ مَنْ وَكَّلَ فِي قَتْلِهِ أَنْ يَبْقَى عِنْدَ قَتْلِهِ حَيًّا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي ذَلِكَ: أَيْ فَلَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا كَالْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بَعْدَ عَفْوِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنْ لَمْ يَتَنَازَعَا بَلْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ دُونَ الْآخَرِ أُجِيبَ الطَّالِبُ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُرْعَةِ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إذَا قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مَقْتُولِهِ عُضْوًا وَمَاتَا بِالسِّرَايَةِ مَعًا، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَبُ قَطْعِ عُضْوِ الْآخَرِ حَالَةَ قَطْعِ عُضْوِهِ. ثَانِيَتُهُمَا: لَوْ قَتَلَاهُمَا مَعًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُمَا مَعًا لِأَنَّهُ حَدٌّ وَإِنْ غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ (فَإِنْ اقْتَصَّ بِهَا) أَيْ الْقُرْعَةِ (أَوْ) اقْتَصَّ (مُبَادِرًا) بِلَا قُرْعَةٍ (فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُقْتَصِّ) بِالْقُرْعَةِ أَوْ الْمُبَادَرَةِ (إنْ لَمْ نُوَرِّثْ قَاتِلًا بِحَقٍّ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، أَوْ وَرَّثْنَاهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبُهُ كَأَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْأَخِ ابْنٌ، فَإِنْ وَرَّثْنَاهُ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبْهُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ الْقِصَاصَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بَعْضِهِ (وَكَذَا إنْ قَتَلَا) أَيْ الْأَخَوَانِ (مُرَتَّبًا) بِأَنْ تَأَخَّرَ زُهُوقَ رُوحِ أَحَدِهِمَا (وَلَا زَوْجِيَّةَ) حِينَئِذٍ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْقِصَاصِ عَلَى الْآخَرِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 244 وَإِلَّا فَعَلَى الثَّانِي فَقَطْ. وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ، وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى حِصَّتِهِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْقَاتِلِ الْأَوَّلِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ مَعَ تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ، وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بَعْدَ قَتْلِهِ وَبِقَتْلِهِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ تَوْكِيلَهُ صَحِيحٌ، وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ وَكِيلُهُ فَقَتَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. لَكِنْ إذَا قُتِلَ مُوَكِّلُهُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ. فَرْعٌ: لَوْ عُلِمَ سَبْقٌ دُونَ عَيْنِ السَّابِقِ، فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ التَّوَقُّفُ إلَى الْبَيَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَعَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةً بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ (فَعَلَى) أَيْ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ (الثَّانِي فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَبَقَ قَتْلُ الْأَبِ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ قَاتِلُهُ وَيَرِثُهُ أَخُوهُ وَالْأُمُّ، وَإِذَا قَتَلَ الْآخَرُ الْأُمَّ وَرِثَهَا الْأَوَّلُ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ الْقِصَاصِ وَيَسْقُطُ بَاقِيهِ وَيُسْتَحَقُّ الْقِصَاصَ عَلَى أَخِيهِ، وَلَوْ سَبَقَ قَتْلُ الْأُمِّ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ قَاتِلِهَا وَاسْتُحِقَّ قَتْلُ أَخِيهِ. فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ إخْوَةٌ أَرْبَعَةٌ قَتَلَ الثَّانِي أَكْبَرَهُمْ ثُمَّ الثَّالِثُ أَصْغَرَهُمْ وَلَمْ يُخَلِّفْ الْقَتِيلَانِ غَيْرَ الْقَاتِلَيْنِ، فَلِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الثَّالِثِ، وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِمَا وَرِثَهُ مِنْ قِصَاصِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ الْأَكْبَرَ صَارَ الْقِصَاصُ لِلثَّالِثِ وَالْأَصْغَرِ، فَإِذَا قَتَلَ الثَّالِثُ الصَّغِيرَ وَرِثَ الثَّانِي مَا كَانَ الْأَصْغَرُ يَسْتَحِقُّهُ. الثَّانِي: مَنْ اسْتَحَقَّ قَتْلَ مَنْ يُسْتَحَقُّ قَتْلُهُ كَأَنْ قَتَلَ زَيْدٌ ابْنًا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو ابْنًا لِزَيْدٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِالْإِرْثِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ لَا يَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ. الثَّالِثُ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِقَتْلٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَقُتِلَ بِهَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بَلْ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِتَرَتُّبِ الْقَتْلِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِقَتْلِ وَلَدِهِ. (وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ) وَإِنْ تَفَاضَلَتْ جِرَاحَاتُهُمْ فِي الْعَدَدِ وَالْفُحْشِ وَالْأَرْشِ، سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي بَحْرٍ لِمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً: أَيْ حِيلَةً بِأَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ، وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ - أَيْ اجْتَمَعَ - عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلَتْهُمْ بِهِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ فَيَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا اسْتَعَانَ بِآخَرَ عَلَى قَتْلِهِ وَاتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِسَفْكِ الدِّمَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ آمِنًا مِنْ الْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يُعْتَدُّ فِي ذَلِكَ بِجِرَاحَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا كَانَتْ مُؤَثِّرَةً فِي زُهُوقِ الرُّوحِ فَلَا عِبْرَةَ بِخَدْشَةٍ خَفِيفَةٍ، وَالْوَلِيُّ يَسْتَحِقُّ دَمَ كُلِّ شَخْصٍ بِكَمَالِهِ، إذْ الرُّوحُ لَا تَتَجَزَّأُ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ دَمِهِ لَمْ يُقْتَلْ، وَقِيلَ: الْبَعْضُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ إلَّا بِالْحِصَّةِ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِالْجَمِيعِ، فَاسْتَوْفَى لِتَعَذُّرِهِ، وَأَبْطَلَ الْإِمَامُ الْقِيَاسَ عَلَى الدِّيَةِ بِقَتْلِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، فَإِنَّ دَمَهُ مُسْتَحَقٌّ فِيهَا وَدِيَتَهَا عَلَى النِّصْفِ (وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى حِصَّتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 245 مِنْ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ الرُّءُوسِ. وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ. وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الْأَبِ، وَعَبْدٌ شَارَكَ حُرًّا فِي عَبْدٍ، وَذِمِّيٌّ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي ذِمِّيٍّ، وَكَذَا شَرِيكُ حَرْبِيٍّ،   [مغني المحتاج] مِنْ الدِّيَةِ) وَعَنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى الدِّيَةِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ بِجِرَاحَاتٍ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ (بِاعْتِبَارِ) عَدَدِ (الرُّءُوسِ) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْجِرَاحَاتِ لَا يَنْضَبِطُ. وَقَدْ تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجُرْحِ الْوَاحِدِ عَلَى جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِالضَّرْبِ فَعَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، لِأَنَّهَا تَلَاقِي الظَّاهِرَ وَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ انْدَمَلَتْ جِرَاحَتُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَزِمَهُ مُقْتَضَاهَا دُونَ قِصَاصِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْجِرَاحَةُ السَّارِيَةُ، وَلَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ وَادَّعَى الْأَوَّلُ انْدِمَالَ جُرْحِهِ وَأَنْكَرَهُ الْوَلِيُّ وَنَكَلَ وَحَلَفَ مُدَّعِي الِانْدِمَالَ سَقَطَ عَنْهُ قِصَاصُ النَّفْسِ، فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْآخَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالِانْدِمَالِ فَيَلْزَمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ. قَاعِدَةٌ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مُخْطِئٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَيُقْتَصُّ مِنْ شَرِيكِ مَنْ امْتَنَعَ قَوَدُهُ لِمَعْنًى فِيهِ إذَا تَعَمَّدَا جَمِيعًا. وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ) لِأَنَّ الزُّهُوقَ حَصَلَ بِفِعْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُوجِبُهُ، وَالْآخَرُ يَنْفِيه، فَغَلَبَ الْمُسْقِطُ، كَمَا إذَا قَتَلَ الْمُبَعَّضُ رَقِيقًا وَفُهِمَ مِنْ نَفْيِهِ الْقَتْلَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ غَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً أَوْ مُثَقَّلَةً، وَعَلَى الْمُتَعَمِّدِ نِصْفُهَا مُغَلَّظَةً سَوَاءٌ تَعَدَّدَ الْجَارِحُ كَمَا هُنَا أَمْ اتَّحَدَ كَمَا سَيَأْتِي، وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَابْنُ قَاسِمٍ مَا لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ طَرَفَ رَجُلٍ عَمْدًا، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ طَرَفَهُ الثَّانِي خَطَأً، ثُمَّ سَرَى إلَى نَفْسِهِ وَمَاتَ فَعَلَى الْمُتَعَمِّدِ الْقِصَاصُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ يَقْتَصُّ مِنْ الْمُتَعَمِّدِ فِي الطَّرَفِ وَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِ الطَّرَفِ الْآخَرِ خَطَأً وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا فِي النَّفْسِ لَلسِّرَايَةِ إلَيْهَا بِجِنَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا خَطَأٌ وَالْأُخْرَى عَمْدٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ. وَأَمَّا قِصَاصُ الطَّرَفِ فَهُوَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا مَرَّ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِقَوْلِهِ (وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الْأَبِ) فِي قَتْلِ وَلَدِهِ، وَعَلَى الْأَبِ نِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةً، وَفَارَقَ شَرِيكُ الْأَبِ شَرِيكَ الْمُخْطِئِ بِأَنَّ الْخَطَأَ شُبْهَةٌ فِي فِعْلِ الْخَاطِئِ وَالْفِعْلَانِ مُضَافَانِ إلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ صَدَرَا مِنْ وَاحِدٍ وَشُبْهَةُ الْأُبُوَّةِ فِي ذَاتِ الْأَبِ لَا فِي الْفِعْلِ وَذَاتُ الْأَبِ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ ذَاتِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا تُورِثُ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ (وَ) يُقْتَلُ (عَبْدٌ شَارَكَ حُرًّا فِي) قَتْلِ (عَبْدٍ، وَ) يُقْتَلُ (ذِمِّيٌّ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي) قَتْلِ (ذِمِّيٍّ) وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ لَوْ انْفَرَدَ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَإِذَا شَارَكَهُ فِي الْعَمْدِيَّةِ مَنْ لَا يَقْتَصُّ مِنْهُ لِمَعْنًى فِيهِ وَجَبَ أَيْضًا، كَمَا لَوْ رَمَى اثْنَانِ سَهْمًا إلَى وَاحِدٍ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ، وَكَمَا لَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا (وَكَذَا) يُقْتَلُ (شَرِيكُ حَرْبِيٍّ) فِي قَتْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 246 وَقَاطِعٌ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، وَشَرِيكُ النَّفْسِ، وَدَافِعُ الصَّائِلِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ لَمْ يُقْتَلْ. وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ مُذَفِّفٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى جَارِحِهِ،   [مغني المحتاج] مُسْلِمٍ (وَ) كَذَا شَرِيكُ (قَاطِعٍ قِصَاصًا أَوْ) قَاطِعٍ (حَدًّا) كَأَنْ جَرَحَهُ بَعْدَ الْقَطْعِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ الْقَاطِعِ وَمَاتَ بِالْقَطْعِ وَالْجُرْحِ (وَ) كَذَا يُقْتَلُ (شَرِيكُ) جَارِحِ (النَّفْسِ) كَأَنْ جَرَحَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ فَمَاتَ بِهِمَا (وَ) كَذَا شَرِيكُ (دَافِعِ الصَّائِلِ) كَأَنْ جَرَحَهُ بَعْدَ دَفْعِ الصَّائِلِ فَمَاتَ بِهِمَا، وَكَذَا يُقْتَلُ شَرِيكُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٍ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَكَذَا يُقْتَلُ شَرِيكُ السَّبُعِ وَالْحَيَّةِ الْقَاتِلَيْنِ غَالِبًا فِي قَتْلِ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَكَذَا يُقْتَلُ عَبْدٌ شَارَكَ سَيِّدًا فِي قَتْلِ عَبْدِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِحُصُولِ الزُّهُوقِ فِيمَا ذُكِرَ بِفِعْلَيْنِ عَمْدَيْنِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ عَلَى الْآخَرِ لِمَعْنًى يَخُصُّهُ فَصَارَ كَشَرِيكِ الْأَبِ. وَالثَّانِي: لَا يُقْتَلُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ مَنْ لَا يَضْمَنُ، فَهُوَ أَخَفُّ حَالًا مِنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ الَّذِي فِعْلُهُ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، فَإِذَا لَمْ نُوجِبْ الْقِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَيُفَارِقُ شَرِيكَ الْأَبِ بِأَنَّ فِعْلَهُ مَضْمُونٌ بِخِلَافِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ شَرِيكِ السَّبُعِ وَالْحَيَّةِ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَوَقَعَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، الْأَوَّلُ هُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ جَرَحَهُ شَخْصٌ خَطَأً وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ وَسَبُعٌ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ. كَمَا لَوْ جَرَحَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَخَرَجَ بِالْخَطَإِ الْعَمْدُ فَيُقْتَصُّ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ جَرَحَهُ) أَيْ وَاحِدٌ شَخْصًا (جُرْحَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ جُرْحَيْنِ (وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ) جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ مَضْمُونًا وَغَيْرَ مَضْمُونٍ كَمَنْ (جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا) أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ أَوْ صَائِلًا (ثُمَّ أَسْلَمَ) الْمَجْرُوحُ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ رَجَعَ الصَّائِلُ (وَجَرَحَهُ) أَيْ مَنْ ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ (ثَانِيًا فَمَاتَ) بِهِمَا بِالْجُرْحَيْنِ، أَوْ جَرَحَ شَخْصًا بِحَقٍّ كَقِصَاصٍ وَسَرِقَةٍ ثُمَّ جَرَحَهُ عُدْوَانًا، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا مَثَلًا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ (لَمْ يُقْتَلْ) ذَلِكَ الْوَاحِدُ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الزُّهُوقَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُخَفَّفَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي مَالِهِ. وَأَمَّا فِي بَاقِي الصُّوَرِ فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ فَغَلَبَ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ كَمَا مَرَّ وَيَثْبُتُ مُوجِبُ الْجُرْحِ الثَّانِي مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ إحْدَى الْجِرَاحَتَيْنِ بِأَمْرِهِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ. (وَلَوْ دَاوَى) الْمَجْرُوحُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (جُرْحَهُ بِسُمٍّ مُذَفِّفٍ) أَيْ قَاتِلٍ فِي الْحَالِ كَأَنْ شَرِبَهُ أَوْ وَضَعَهُ عَلَى الْجُرْحِ (فَلَا قِصَاصَ) وَلَا دِيَةَ (عَلَى جَارِحِهِ) فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَ قَتَلَ نَفْسَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ فَذَبَحَ هُوَ نَفْسَهُ. أَمَّا الْجُرْحُ فَعَلَى الْجَارِحِ ضَمَانُهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فَلَا ضَمَانَ فِي النَّفْسِ كَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 247 وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ السُّمُّ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا وَعَلِمَ فَشَرِيكُ جَارِحِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ شَرِيكُ مُخْطِئٍ. وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ فَقَتَلُوهُ، وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ قَاتِلٍ فَفِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا يَجِبُ إنْ تَوَاطَئُوا.   [مغني المحتاج] وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْمَجْرُوحُ حَالَ السُّمِّ أَوْ لَا. وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) ذَلِكَ (السُّمُّ غَالِبًا فَشِبْهُ) أَيْ فَالْمُدَاوَاةُ بِهِ شِبْهُ (عَمْدٍ) فَلَا قِصَاصَ عَلَى جَارِحِهِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لِصَاحِبِ شِبْهِ عَمْدٍ بَلْ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَالْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إنْ اقْتَضَاهُ الْجُرْحُ (وَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا وَعَلِمَ) الْمَجْرُوحُ (فَشَرِيكُ جَارِحِ نَفْسِهِ) فِي أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ، وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا سَبَقَ تَنْزِيلَا لِفِعْلِ الْمَجْرُوحِ مَنْزِلَةَ الْعَمْدِ (وَقِيلَ) هُوَ (شَرِيكُ مُخْطِئٍ) لِأَنَّهُ قَصَدَ التَّدَاوِيَ فَأَخْطَأَ فَلَا قَوَدَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقِيلَ حِكَايَةَ وَجْهٍ، بَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ خَفَاءٌ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَوْجِيهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ قَتْلَ نَفْسِهِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ الْأَلَمِ مَثَلًا كَانَ شَرِيكَ قَاتِلِ نَفْسِهِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَعَلِمَ عَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا قِصَاصَ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ، وَلَوْ خَاطَ الْمَجْرُوحُ جُرْحَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ وَلَوْ تَدَاوِيًا خِيَاطَةً تَقْتُلُ غَالِبًا، فَفِي الْقِصَاصِ الطَّرِيقَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا لِلْجِلْدِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمُهْلِكِ فَعَلَى الْجَارِحِ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلَوْ خَاطَهُ غَيْرُهُ بِلَا أَمْرٍ مِنْهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَمِنْ الْجَارِح وَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ إمَامًا لِتَعَدِّيهِ مَعَ الْجَارِحِ، فَإِنْ خَاطَهُ الْإِمَامُ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لِمَصْلَحَةٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُهَا وَنِصْفُهَا الْآخَرُ فِي مَالِ الْجَارِحِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَصَدَ الْمَجْرُوحُ أَوْ غَيْرُهُ الْخِيَاطَةَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ فَوَقَعَ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَالْجَارِحُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي الْجِلْدِ فَوَقَعَ فِي اللَّحْمِ، وَالْكَيُّ فِيمَا ذُكِرَ كَالْخِيَاطَةِ فِيهِ، وَلَا أَثَرَ لِدَوَاءٍ لَا يَضُرُّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا عَلَى الْمَجْرُوحِ مِنْ قُرُوحٍ، وَلَا بِمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَضَنًى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُضَافُ إلَى أَحَدٍ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ. (وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ) مَثَلًا (فَقَتَلُوهُ وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ (غَيْرُ قَاتِلٍ فَفِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ أَوْجُهٌ) أَحَدُهَا: يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ الْقِصَاصُ كَيْ لَا يَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الْقَتْلِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ شِبْهُ عَمْدٍ. وَالثَّالِثُ وَهُوَ (أَصَحُّهَا يَجِبُ) عَلَيْهِمْ (إنْ تَوَاطَئُوا) أَيْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَرْبِهِ تِلْكَ الضَّرَبَاتِ وَكَانَ ضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ يُؤَثِّرُ فِي الزُّهُوقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُلَاقِي ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ، وَيُخَالِفُ الْجِرَاحَاتِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّوَاطُؤُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْجُرْحِ يُقْصَدُ بِهِ الْإِهْلَاكُ، بِخِلَافِ الضَّرْبِ بِالسَّوْطِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ قَاتِلٍ عَمَّا لَوْ كَانَ قَاتِلًا فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصَ مُطْلَقًا، وَلَوْ ضَرَبَهُ وَاحِدٌ ضَرْبًا يَقْتُلُ كَأَنْ ضَرَبَهُ خَمْسِينَ سَوْطًا ثُمَّ ضَرَبَهُ الْآخَرُ سَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً حَالَ الْأَلَمِ مِنْ ضَرْبِ الْأَوَّلِ عَالِمًا بِضَرْبِهِ اُقْتُصَّ مِنْهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 248 وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا مُرَتَّبًا قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ، أَوْ مَعًا فَبِالْقُرْعَةِ، وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ. قُلْت: فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ عَصَى وَوَقَعَ قِصَاصًا، وَلِلْأَوَّلِ دِيَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ مِنْهُمَا، أَوْ جَاهِلًا بِهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْإِهْلَاكِ مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ شَرِيكٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ، وَعَلَى الثَّانِي حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ شِبْهِهِ وَإِنْ ضَرَبَاهُ بِالْعَكْسِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ ضَرْبَ الْأَوَّلِ شِبْهُ عَمْدٍ وَالثَّانِي شَرِيكُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَالثَّانِي حِصَّةُ ضَرْبِهِ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ. (وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا) أَوْ قَطَعَ أَطْرَافَهُمْ مَثَلًا (مُرَتَّبًا قُتِلَ) أَوْ قُطِعَ (بِأَوَّلِهِمْ) إنْ لَمْ يَعْفُ لِسَبْقِ حَقِّهِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَبْدًا قُتِلَ بِجَمِيعِهِمْ، فَإِنْ عَفَا الْأَوَّلُ قُتِلَ بِالثَّانِي وَهَكَذَا، وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِوَقْتِ الْمَوْتِ لَا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ (أَوْ مَعًا) أَيْ دُفْعَةً كَأَنْ جَرَحَهُمْ أَوْ هَدَمَ عَلَيْهِمْ جِدَارًا فَمَاتُوا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ أَشْكَلَ أَمْرُ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ أَوْ عُلِمَ سَبْقٌ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُ السَّابِقِ (فَبِالْقُرْعَةِ) وُجُوبًا، وَقِيلَ: نَدْبًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ قُتِلَ أَوْ قُطِعَ بِهِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الثَّانِي أَنْ يُجْبِرَ وَلِيَّ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى الْقِصَاصِ أَوْ الْعَفْوِ بَلْ حَقُّهُ عَلَى التَّرَاخِي (وَلِلْبَاقِينَ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (الدِّيَاتُ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ مَاتَ الْجَانِي، فَإِنْ اتَّسَعَتْ التَّرِكَةُ لِجَمِيعِهِمْ فَذَاكَ وَإِلَّا قُسِمَتْ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَوْ تَرَاضَوْا بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ إذْ الْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُمْ رَدُّوا إلَيْهَا. قَالَهُ الْإِمَامُ، وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ طَلَبُوا الِاشْتِرَاكَ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَمْ يُجَابُوا لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْضُ أَوْلِيَاءِ الْقَتْلَى صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ غَائِبًا حُبِسَ الْقَاتِلُ إلَى بُلُوغِهِ وَإِفَاقَتِهِ وَقُدُومِهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْأُولَى أَوْ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ (عَصَى) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُنِعَ مِنْ قَتْلِهَا وَعُزِّرَ لِإِبْطَالِ حَقِّ غَيْرِهِ (وَوَقَعَ) قَتْلُهُ (قِصَاصًا) لِأَنَّ حَقَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَفَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ يُنْتَقَلُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ (وَلِلْأَوَّلِ) أَوْ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (دِيَةٌ) يَعْنِي وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، وَلَوْ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ أَسَاءُوا وَوَقَعَ الْقَتْلُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمْ وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْبَاقِي لَهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ حَقِّهِ وَلَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَعَفَا الْوَارِثُ عَلَى مَالٍ اُخْتُصَّ بِالدِّيَةِ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ الْمُرَادُ دِيَةُ الْقَتِيلِ أَوْ الْقَاتِلِ؟ حَكَى الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَيْنِ: وَفَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ قَدْرُ الدِّيَتَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ رَجُلًا وَالْقَاتِلُ امْرَأَةً وَجَبَ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْعَكْسِ مِائَةٌ، وَالْأَوْجَهُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 249 فَصْلٌ جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحِ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ، وَلَوْ رَمَاهُمَا فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ فَلَا قِصَاصَ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ،   [مغني المحتاج] [فَصَلِّ فِي تغير حَال المجروح مِنْ وَقْت الْجُرْح إلَى الْمَوْت] ِ بِعِصْمَةٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ إهْدَارٍ أَوْ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ بِهِ. إذَا (جَرَحَ) مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ (حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا) وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ (أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ) الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ أَوْ أُمِّنَ الْحَرْبِيُّ (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ (ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحِ) أَيْ بِسِرَايَتِهِ (فَلَا ضَمَانَ) بِمَالٍ وَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ السَّابِقَ غَيْرُ مَضْمُونٍ (وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ) مُخَفَّفَةٌ اعْتِبَارًا بِحَالِ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ، وَالْمُرَادُ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ عَقِبَهَا. قَاعِدَةٌ: كُلُّ جُرْحٍ أَوَّلُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي أَوَّلِهِ فَقَطْ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ، وَيَجِبُ ضَمَانُ تِلْكَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي الْحَالَيْنِ اُعْتُبِرَ فِي قَدْرِ الضَّمَانِ الِانْتِهَاءُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْقِصَاصِ الْمُكَافَأَةُ مِنْ الْفِعْلِ إلَى الِانْتِهَاءِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ رَمَاهُمَا) أَيْ نَوْعُ الْكَافِرِ بِصِفَتَيْنِ مِنْ حِرَابَةٍ وَرِدَّةٍ وَنَوْعُ عَبْدِ نَفْسِهِ (فَأَسْلَمَ) الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ أَوْ أَمِنَ الْحَرْبِيُّ (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ ثُمَّ أَصَابَهُ السَّهْمُ (فَلَا قِصَاصَ) قَطْعًا لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ فِي أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْجِنَايَةِ (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْإِصَابَةِ؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ اتِّصَالِ الْجِنَايَةِ وَالرَّمْيِ كَالْمُقَدَّمَةِ الَّتِي يَتَسَبَّبُ بِهَا إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا وَهُنَاكَ: حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَأَسْلَمَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ السَّبَبِ مُهْدَرًا، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ اعْتِبَارًا بِحَالِ الرَّمْيِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ، وَالْخِلَافُ مُرَتَّبٌ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ وَعَتَقَ بَعْدَ الْجُرْحِ وَأَوْلَى مِنْهُ بِالْوُجُوبِ، وَكَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ لِذَلِكَ، وَعَبْدُ نَفْسِهِ أَوْلَى بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ، وَسَكَتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ كَمَا مَرَّ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: مُسْلِمٌ أَوْ حُرٌّ، وَأَنْ يَقُولَ: رَمَاهُمْ لِيَعُودَ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ، وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنْ التَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ السَّابِقَيْنِ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الدِّيَةِ (مُخَفَّفَةً) مَضْرُوبَةً (عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهَا دِيَةُ خَطَإٍ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ: دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ، وَقِيلَ: عَمْدٍ، وَعَكْسُ هَذَا وَهُوَ لَوْ جَرَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. (وَلَوْ ارْتَدَّ) الْمُسْلِمُ (الْمَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ) مُرْتَدًّا وَجَارِحُهُ غَيْرُ مُرْتَدٍّ (فَالنَّفْسُ هَدَرٌ) لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْجَارِحُ الْإِمَامَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ حِينَئِذٍ مُبَاشَرَةً لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، فَكَذَا بِالسِّرَايَةِ، أَمَّا إذَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 250 وَيَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ فِي الْأَظْهَرِ يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ، وَقِيلَ الْإِمَامُ، فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ مَالًا وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ، وَقِيلَ أَرْشُهُ، وَقِيلَ هَدَرٌ. وَلَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ، وَقِيلَ إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ وَجَبَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا، وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ   [مغني المحتاج] كَانَ جَارِحُهُ مُرْتَدًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا مَرَّ (وَ) لَكِنْ (يَجِبُ قِصَاصُ الْجُرْحِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْمُوضِحَةِ وَقَطْعِ الطَّرَفِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ مُنْفَرِدٌ عَنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ صَارَتْ نَفْسًا وَهِيَ مُهْدَرَةٌ، فَكَذَا الطَّرَفُ وَاحْتُرِزَ بِالسِّرَايَةِ عَمَّا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ وَانْدَمَلَتْ يَدُهُ فَلَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ (يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ نَاقِصًا انْتَظَرُوا كَمَالَهُ لِيَسْتَوْفِيَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْوَارِثِ لَوْلَا الرِّدَّةُ بَدَلَ الْقَرِيبِ الشَّامِلِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَكَانَ أَوْلَى (وَقِيلَ) وَنَسَبَهُ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ لِلْأَكْثَرِ يَسْتَوْفِيهِ (الْإِمَامُ) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَسْتَوْفِي قِصَاصَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجُوزُ أَنْ يَعْفُوَ قَرِيبُهُ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ فِيمَا إذَا اقْتَضَى الْجُرْحُ قِصَاصًا كَمَا مَرَّ (فَإِنْ اقْتَضَى الْجُرْحُ) لِلْمُرْتَدِّ (مَالًا) كَهَاشِمَةٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ خَطَأً (وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَرْشِهِ) أَيْ الْجُرْحِ (وَدِيَةً) لِلنَّفْسِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، فَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَقَلَّ كَجَائِفَةٍ لَمْ يَزِدْ بِالسِّرَايَةِ فِي الرِّدَّةِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ النَّفْسِ أَقَلَّ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا بِالسِّرَايَةِ لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْهُمَا فَهَهُنَا أَوْلَى (وَقِيلَ) وَجَبَ (أَرْشُهُ) بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الدِّيَةِ فَفِي قَطْعِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ دِيَتَانِ. تَنْبِيهٌ: الْوَاجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَيْءٌ لَا يَأْخُذُ الْوَارِثُ مِنْهُ شَيْئًا (وَقِيلَ) هَذَا الْجُرْحُ (هَدَرٌ) ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ إذَا سَرَتْ صَارَتْ قَتْلًا وَصَارَتْ الْأَطْرَافُ تَابِعَةً لِلنَّفْسِ وَالنَّفْسُ مُهْدَرَةٌ فَكَذَلِكَ مَا يَتْبَعُهَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا طَرَأَتْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الْجُرْحِ، فَلَوْ طَرَأَتْ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ فَلَا ضَمَانَ بِاتِّفَاقٍ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ كَانَ مُرْتَدًّا. (وَلَوْ ارْتَدَّ) الْمَجْرُوحُ (ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ) فِي الْأَصَحِّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى إلَى حَالَةٍ لَوْ مَاتَ فِيهَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقِصَاصِ (وَقِيلَ) وَهُوَ قَوْلٌ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ (إنْ قَصُرَتْ الرِّدَّةُ) أَيْ زَمَنُهَا بِأَنْ لَمْ يَمْضِ فِي الرِّدَّةِ زَمَنٌ يَسْرِي فِيهِ الْجُرْحُ (وَجَبَ) الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهَا إذَا قَصُرَتْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَثَرُ السِّرَايَةِ، فَإِنْ طَالَ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا (وَتَجِبُ) عَلَى الْأَوَّلِ (الدِّيَةُ) بِكَمَالِهَا فِي مَالِهِ لِوُقُوعِ الْجُرْحِ وَالْمَوْتِ فِي حَالَةِ الْعِصْمَةِ (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا) تَوْزِيعًا عَلَى حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ وَالْإِهْدَارِ، وَفِي ثَالِثٍ ثُلُثَاهَا تَوْزِيعًا عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ حَالَتَيْ الْعِصْمَةِ وَحَالَةِ الْإِهْدَارِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَإِلَّا فَيُقْطَعُ بِكَمَالِهَا (وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 251 ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ أَوْ حُرٌّ عَبْدًا فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ. وَتَجِبُ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَهِيَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ وَقِيمَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ حُرًّا وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ.   [مغني المحتاج] ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ، أَوْ) جَرَحَ (حُرٌّ عَبْدًا) مُسْلِمًا لِغَيْرِهِ (فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ) عَلَى الْجَارِحِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْجِنَايَةِ مَنْ يُكَافِئُهُ فَكَانَ شُبْهَةً. (وَتَجِبُ دِيَةُ) حُرٍّ (مُسْلِمٍ) لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الِانْتِهَاءِ حُرٌّ مُسْلِمٌ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كَافِرًا وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ كَافِرٍ، وَخَرَجَ بِالسِّرَايَةِ مَا لَوْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ، ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ مَثَلًا لَزِمَهُ كَمَالُ قِيمَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَمْ بَعْدَهُ، (وَهِيَ) أَيْ دِيَةُ الْعَتِيقِ إذَا مَاتَ سِرَايَةً وَلَمْ يَكُنْ لِجُرْحِهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ (لِسَيِّدِ الْعَبْدِ) سَاوَتْ قِيمَتَهُ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْقَدْرَ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِيهَا بَلْ لِلْجَانِي الْعُدُولُ لِقِيمَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ مَوْجُودَةً، فَإِذَا تَسَلَّمَ الدَّرَاهِمَ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى قَبُولِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةٌ إلَّا بِالدِّيَةِ (فَإِنْ زَادَتْ) دِيَةُ الْعَبْدِ (عَلَى قِيمَتِهِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ (وَلَوْ) كَانَ لِجُرْحِهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَأَنْ (قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ) أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ (فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ) وَأَوْجَبْنَا كَمَالَ الدِّيَةِ كَمَا مَرَّ (فَلِلسَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ وَ) مِنْ (نِصْفِ قِيمَتِهِ) وَهُوَ أَرْشُ الْعُضْوِ الَّذِي تَلِفَ فِي مِلْكِهِ لَوْ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الرِّقِّ حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي حَقِّ السَّيِّدِ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ الدِّيَةِ أَقَلَّ فَلَا وَاجِبَ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ الْقِيمَةِ أَقَلَّ فَهُوَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْوَاقِعَةِ فِي مِلْكِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِأَرْشِ الْقَطْعِ بَدَلَ نِصْفِ الْقِيمَةِ كَانَ أَعَمَّ (وَفِي قَوْلٍ) لِلسَّيِّدِ (الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ، وَ) مِنْ (قِيمَتِهِ) لِأَنَّ السِّرَايَةَ حَصَلَتْ بِجِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ لِلسَّيِّدِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا فِي حَقِّهِ، فَيُقَدَّرُ مَوْتُهُ رَقِيقًا وَمَوْتُهُ حُرًّا، وَيَجِبُ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْعِوَضَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ الدِّيَةُ أَقَلَّ فَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي غَيْرُهَا، وَمِنْ إعْتَاقِ السَّيِّدِ جَاءَ النُّقْصَانُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْحُرِّيَّةِ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إلَّا قَدْرُ الْقِيمَةِ الَّذِي يَأْخُذُهُ لَوْ مَاتَ رَقِيقًا (وَلَوْ قَطَعَ) شَخْصٌ (يَدَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ) مَثَلًا كَأَنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ الْأُخْرَى، وَالْآخَرُ إحْدَى رِجْلَيْهِ (وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ) الْحَاصِلَةِ مِنْ قَطْعِهِمْ (فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ حُرًّا) لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ حَالَ الْجِنَايَةِ (وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ) قِصَاصُ الطَّرَفِ قَطْعًا وَقِصَاصُ النَّفْسِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُمَا كُفْآنِ، وَسُقُوطُهُ عَنْ الْأَوَّلِ لِمَعْنًى فِيهِ فَأَشْبَهَ شَرِيكَ الْأَبِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْآخَرَيْنِ، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ دِيَةُ حُرٍّ مُوَزَّعَةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 252 فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ.   [مغني المحتاج] عَلَى الْجِنَايَاتِ الثَّلَاثِ كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا؛ لِأَنَّ جُرْحَهُمْ صَارَ قَتْلًا بِالسِّرَايَةِ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي عَلَى مِلْكِهِ وَالْآخَرَانِ جَنَيَا عَلَى حُرٍّ، وَفِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ الْقَوْلَانِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَمِنْ أَرْشِ الْقَطْعِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَعَلَى الثَّانِي أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ وَثُلُثِ الْقِيمَةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ وَقَعَ هُنَا لِابْنِ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحَيْهِ وَهْمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ فَاحْذَرْهُ اهـ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَطَعَ حُرٌّ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ فَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ بَطَلَتْ السِّرَايَةُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ، وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ، فَإِنْ قَطَعَ الثَّانِي يَدَهُ الْأُخْرَى بَعْدَ الْعِتْقِ ثُمَّ حُزَّتْ رَقَبَتُهُ، فَإِنْ حَزَّهَا ثَالِثٌ بَطَلَتْ سِرَايَةُ الْقَطْعَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ، وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ لِلْوَارِثِ، وَعَلَى الثَّالِثِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ، وَإِنْ حَزَّهُ الْقَاطِعُ أَوَّلًا قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ قُتِلَ بِهِ سَقَطَ حَقُّ السَّيِّدِ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ الْوَارِثُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَلِلسَّيِّدِ مِنْهَا الْأَقَلُّ مِنْ نِصْفِهَا وَنِصْفِ الْقِيمَةِ، أَوْ حَزَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلسَّيِّدِ، وَقِصَاصُ النَّفْسِ أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْوَارِثِ، وَعَلَى الثَّانِي نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ حَزَّهُ الثَّانِي قَبْلَ الِانْدِمَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ. [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ] (فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْمَعَانِي وَفِي إسْقَاطِ الشِّجَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَا لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ كَأُذُنٍ وَيَدٍ وَرِجْلٍ (وَ) لِقِصَاصِ (الْجُرْحِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَلِغَيْرِهِمَا مِمَّا دُونَ النَّفْسِ (مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ) مِنْ كَوْنِ الْجَانِي مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا، وَكَوْنِهِ غَيْرَ أَصْلٍ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَكَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا وَمُكَافِئًا لِلْجَانِي، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْبَدَلِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ، فَيُقْطَعُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ، وَبِالْعَكْسِ، وَالذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ، وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا عَكْسَ، وَكَوْنِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا عُدْوَانًا، وَمِنْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ لَا فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ. وَمِنْ صُوَرِ الْخَطَأِ: أَنْ يَقْصِدَ أَنْ يُصِيبَ حَائِطًا بِحَجَرٍ فَيُصِيبَ رَأْسَ إنْسَانٍ فَيُوضِحَهُ. وَمِنْ صُوَرِ شِبْهِ الْعَمْدِ: أَنْ يَضْرِبَ رَأْسَهُ بِلَطْمَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَا يَشُجُّ غَالِبًا لِصِغَرِهِ فَيَتَوَرَّمَ الْمَوْضِعُ إلَى أَنْ يَتَّضِحَ الْعَظْمُ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالنَّفْسِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْعَصَا الْخَفِيفَةِ إنَّهُ عَمْدٌ فِي الشِّجَاجِ؛ لِأَنَّهُ يُوضِحُ غَالِبًا، وَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَمَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ مِمَّا يُوضِحُ غَالِبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 253 وَلَوْ وَضَعُوا سَيْفًا عَلَى يَدِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً فَأَبَانُوهَا قُطِعُوا. وَشِجَاجُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ عَشْرٌ: حَارِصَةٌ، وَهِيَ مَا شَقَّ الْجِلْدَ قَلِيلًا، وَدَامِيَةٌ تُدْمِيهِ، وَبَاضِعَةٌ تَقْطَعُ اللَّحْمَ، وَمُتَلَاحِمَةٌ تَغُوصُ فِيهِ، وَسِمْحَاقٌ تَبْلُغُ   [مغني المحتاج] وَلَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَأَوْضَحَ بِهِ وَجَبَ قِصَاصُ الْمُوضِحَةِ، وَلَوْ مَاتَ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ قِصَاصُ النَّفْسِ كَمَا فِي الشَّامِلِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ فِي الْحَالِ بِلَا سِرَايَةٍ وَإِلَّا فَيُوجِبُهُ فِيهَا أَيْضًا، وَهُوَ حَسَنٌ. وَمَا إذَا قَطَعَ السَّيِّدُ طَرَفَ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَمُوتُ عَلَى مِلْكِ مُكَاتَبِهِ، وَلَا تَبْطُلُ بِقَطْعِ طَرَفِهِ، وَأَرْشُهُ كَسْبٌ لَهُ فَيَدْفَعُ ذَلِكَ لَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَظِيرَ لَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الصِّحَّةِ لِئَلَّا يَرُدَّ عَلَيْهِ الطَّرَفَ الْأَشَلَّ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ السَّلِيمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَامِلَ الْخَلْقِ يُقْتَلُ بِالزَّمِنِ وَالْمَقْطُوعِ. (وَ) تُقْطَعُ الْأَيْدِي الْكَثِيرَةُ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ كَمَا (لَوْ) اشْتَرَكَ جَمْعٌ فِي قَطْعٍ: كَأَنْ (وَضَعُوا سَيْفًا) مَثَلًا (عَلَى يَدِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً) أَيْ الْيَدِ بِتَأْوِيلِ الْعُضْوِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ (فَأَبَانُوهَا قُطِعُوا) كُلُّهُمْ إنْ تَعَمَّدُوا كَمَا فِي النَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ سَرَقَ رَجُلَانِ نِصَابًا وَاحِدًا لَمْ يُقْطَعَا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحُدُودُ بِالْمُسَاهَلَاتِ أَحَقُّ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَفْعَةً عَمَّا لَوْ تَمَيَّزَ فِعْلُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ كَأَنْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ جَانِبٍ وَالْتَقَتْ الْحَدِيدَتَانِ، وَبِقَوْلِهِ: وَأَبَانُوهَا عَمَّا لَوْ أَبَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَعْضَ الطَّرَفِ أَوْ تَعَاوَنُوا عَلَى قَطْعِهِ بِمِنْشَارٍ جَرَّهُ بَعْضُهُمْ فِي الذَّهَابِ وَبَعْضُهُمْ فِي الْعَوْدِ فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ فِي الْأُولَى خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ لِاشْتِمَالِ الْمَحَلِّ عَلَى أَعْصَابٍ مُلْتَفَّةٍ وَعُرُوقٍ ضَارِبَةٍ وَسَاكِنَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ وَضْعِهَا فِي الْأَعْضَاءِ، بَلْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ حُكُومَةٌ تَلِيقُ بِجِنَايَتِهِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ مَجْمُوعُ الْحُكُومَاتِ دِيَةَ الْيَدِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ. (وَشِجَاجُ) مَجْمُوعِ (الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ شَجَّةٍ بِفَتْحِهَا، وَهِيَ جُرْحٌ فِيهِمَا أَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَيُسَمَّى جُرْحًا لَا شَجَّةً (عَشْرٌ) دَلِيلُهُ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِ الْعَرَبِ ثُمَّ بَدَأَ بِأَوَّلِ الشِّجَاجِ بِقَوْلِهِ (حَارِصَةٌ) بِمُهْمَلَاتٍ (وَهِيَ مَا شَقَّ الْجِلْدَ قَلِيلًا) كَالْخَدْشِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ بِالدَّقِّ، وَتُسَمَّى أَيْضًا: الْقَاشِرَةَ بِقَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَالْحَرْصَةَ وَالْحَرِيصَةَ (وَدَامِيَةٌ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ خَفِيفَةٍ، وَهِيَ الَّتِي (تُدْمِيهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ الشَّقُّ مِنْ غَيْرِ سَيَلَانِ دَمٍ، فَإِنْ سَالَ فَدَامِعَةٌ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الشِّجَاجُ أَحَدَ عَشَرَ كَمَا سَيَأْتِي (وَبَاضِعَةٌ) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي (تَقْطَعُ) أَيْ تَشُقُّ (اللَّحْمَ) الَّذِي بَعْدَ الْجِلْدِ شَقًّا خَفِيفًا مِنْ الْبَضْعِ، وَهُوَ الْقَطْعُ (وَمُتَلَاحِمَةٌ) بِمُهْمَلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي (تَغُوصُ فِيهِ) أَيْ اللَّحْمِ وَلَا تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الِالْتِحَامِ، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُلَاحِمَةَ (وَسِمْحَاقٌ) بِسِينٍ مَكْسُورَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي (تَبْلُغُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 254 الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَمُوضِحَةٌ تُوضِحُ الْعَظْمَ، وَهَاشِمَةٌ تَهْشِمُهُ، وَمُنَقِّلَةٌ تَنْقُلُهُ، وَمَأْمُومَةٌ تَبْلُغُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ، وَدَامِغَةٌ تَخْرِقُهَا، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ وَفِيمَا قَبْلَهَا سِوَى الْحَارِصَةِ. وَلَوْ أَوْضَحَ فِي بَاقِي الْبَدَنِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَارِنٍ أَوْ أُذُنٍ وَلَمْ يُبِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ يُقَالُ لَهَا سِمْحَاقُ الرَّأْسِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ سَمَاحِيقِ الْبَطْنِ، وَهِيَ الشَّحْمُ الرَّقِيقُ. وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الشَّحْمَةُ الْمِلْطَاءَ وَالْمِلْطَاةَ وَاللَّاطِئَةَ (وَمُوضِحَةٌ) وَهِيَ الَّتِي (تُوضِحُ) أَيْ تَكْشِفُ (الْعَظْمَ) بِحَيْثُ يُقْرَعُ بِالْمِرْوَدِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ الْعَظْمُ مِنْ أَجْلِ الدَّمِ الَّذِي يَسْتُرُهُ، حَتَّى لَوْ غَرَزَ إبْرَةً فِي رَأْسِهِ وَوَصَلَتْ إلَى الْعَظْمِ كَانَ إيضَاحًا (وَهَاشِمَةٌ) وَهِيَ الَّتِي (تَهْشِمُهُ) أَيْ تَكْسِرُهُ، سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ أَمْ لَا (وَمُنَقِّلَةٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمَنْقُولَةَ، وَهِيَ الَّتِي (تَنْقُلُهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ، سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ وَهَشَّمَتْهُ أَوْ لَا (وَمَأْمُومَةٌ) بِالْهَمْزِ جَمْعُهَا مَآمِيمُ كَمَكَاسِيرَ، وَتُسَمَّى أَيْضًا آمَّةً، وَهِيَ الَّتِي (تَبْلُغُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ) الْمُحِيطَةَ بِهِ وَهِيَ أُمُّ الرَّأْسِ (وَدَامِغَةٌ) بِمُعْجَمَةٍ، وَهِيَ الَّتِي (تَخْرِقُهَا) أَيْ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ وَتَصِلُ إلَيْهِ، وَهِيَ مُذَفِّفَةٌ غَالِبًا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الشِّجَاجِ تُتَصَوَّرُ فِي الْوَجْهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَبْهَةِ، وَيُتَصَوَّرُ مَا عَدَا الْمَأْمُومَةَ وَالدَّامِغَةَ فِي خَدٍّ، وَقَصَبَةِ أَنْفٍ وَلَحْيٍ أَسْفَلَ وَسَائِرِ الْبَدَنِ، وَهَذِهِ الْعَشَرَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَزَادَ أَبُو عُبَيْدٍ: الدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الدَّالِ، وَلِذَلِكَ عَدَّهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَحَدَ عَشَرَ (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ) مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ (فِي الْمُوضِحَةِ فَقَطْ) لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِي طُولِ الْجِرَاحَةِ وَعَرْضِهَا وَلَا يُوثَقُ بِاسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ، وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ (وَقِيلَ) يَجِبُ فِي الْمُوضِحَةِ (وَفِيمَا قَبْلَهَا) مِنْ الشِّجَاجِ أَيْضًا (سِوَى الْحَارِصَةِ) فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا جَزْمًا، وَهِيَ الدَّامِيَةُ وَالْبَاضِعَةُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَالسِّمْحَاقُ لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْطُوعِ فِي الْجُمْلَةِ. تَنْبِيهٌ: اسْتِثْنَاءُ الْحَارِصَةِ مِمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْحَارِصَةَ لَا قِصَاصَ فِيهَا قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا اهـ. وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّ كَلَامَ جَمَاعَةٍ يُفْهِمُ خِلَافًا فِيهَا وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ يَقْتَضِي الْقِصَاصَ فِيهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِيفَائِهَا. (وَلَوْ أَوْضَحَ فِي بَاقِي الْبَدَنِ) كَأَنْ كَشَفَ عَظْمَ الصَّدْرِ أَوْ الْعُنُقِ أَوْ السَّاعِدِ أَوْ الْأَصَابِعِ (أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَارِنٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ: مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ (أَوْ) قَطَعَ بَعْضَ (أُذُنٍ) أَوْ شَفَةٍ أَوْ لِسَانٍ أَوْ حَشَفَةٍ (وَلَمْ يُبِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْأَظْهَرِ أَمَّا فِي الْإِيضَاحِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَلِمَا مَرَّ فِي الْمُوضِحَةِ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْأَرْشِ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ فِيهِ مُقَدَّرٌ، وَنَقَضَهُ الْأَوَّلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 255 وَيَجِبُ فِي الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ حَتَّى فِي أَصْلِ فَخِذٍ وَمَنْكِبٍ إنْ أَمْكَنَ بِلَا إجَافَةٍ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَجِبُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ وَقَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ وَمَارِنٍ   [مغني المحتاج] بِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ بِمِثْلِهَا وَلَا أَرْشَ لَهَا مُقَدَّرٌ وَكَذَا السَّاعِدُ بِلَا كَفٍّ وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ، وَهَذَا عَكْسُ الْجَائِفَةِ فَإِنَّ لَهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا وَلَا قِصَاصَ فِيهَا. وَأَمَّا فِي الْقَطْعِ فَلِتَيَسُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ، وَيُقَدَّرُ الْمَقْطُوعُ بِالْجُزْئِيَّةِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَيُسْتَوْفَى مِنْ الْجَانِي مِثْلُهُ لَا بِالْمِسَاحَةِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ الْمَذْكُورَةَ تَخْتَلِفُ كِبَرًا وَصِغَرًا بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيمَا ذُكِرَ: الْقِيَاسُ عَلَى الْمُتَلَاحِمَةِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَعْضِ الْمَارِنِ وَالْأُذُنِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْقِصَاصِ فِي بَعْضِ الْكُوعِ وَمَفْصِلِ السَّاقِ مِنْ الْقَدَمِ إذَا لَمْ يُبِنْهُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِي قَطْعِهِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ وَالْحَشَفَةِ فَإِنَّ إبَانَتَهَا كَبَعْضِ الْأُذُنِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَبَانَ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الصَّحِيحُ الْوُجُوبُ. وَقَدْ يُفْهِمُ أَيْضًا طَرْدَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا بَقِيَ الْمَقْطُوعُ مُعَلَّقًا بِجِلْدَةٍ فَقَطْ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ فَائِدَةَ الْعُضْوِ، ثُمَّ إذَا انْتَهَى الْقَطْعُ فِي الْقِصَاصِ إلَى تِلْكَ الْجِلْدَةِ حَصَلَ الْقِصَاصُ، ثُمَّ يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَيُفْعَلُ فِيهَا الْمَصْلَحَةُ مِنْ قَطْعٍ أَوْ تَرْكٍ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا قِصَاصَ فِي إطَارِ شَفَةٍ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِهَا، إذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ غَلَطٌ، وَصَوَابُهُ هُنَا السَّهِ بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ بِلَا فَاءٍ، وَهُوَ حَلْقَةُ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمُحِيطَ بِهَا لَا حَدَّ لَهُ. قَالَ وَهِيَ كَذَلِكَ فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الصَّحِيحَةِ اهـ. وَعَلَى الْأَوَّلِ هُمَا مَسْأَلَتَانِ لَا قِصَاصَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ (فِي الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ) لِانْضِبَاطِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ مِيمِهِ وَكَسْرِ صَادِهِ: وَاحِدُ مَفَاصِلِ الْأَعْضَاءِ مَوْضِعُ اتِّصَالِ عُضْوٍ بِآخَرَ عَلَى مَقْطَعِ عَظْمَاتِ بِرِبَاطَاتٍ وَاصِلَةٍ بَيْنَهُمَا. إمَّا مَعَ دُخُولِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ كَالرُّكْبَةِ أَوْ لَا كَالْكُوعِ (حَتَّى فِي أَصْلِ فَخِذٍ) وَهُوَ مَا فَوْقَ الْوَرِكِ (وَمَنْكِبٍ) وَهُوَ مَجْمَعُ مَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ (إنْ أَمْكَنَ) الْقِصَاصُ فِيهِمَا (بِلَا إجَافَةٍ) وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَمَا سَيَأْتِي لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِهَا (فَلَا) يَجِبُ الْقِصَاصُ (عَلَى الصَّحِيحِ) سَوَاءٌ أَجَافَهُ الْجَانِي أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْجَوَائِفَ لَا تَنْضَبِطُ ضِيقًا وَسِعَةً وَتَأْثِيرًا وَنِكَايَةً، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِيهَا، وَالثَّانِي يَجِبُ إنْ أَجَافَهُ الْجَانِي، وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ: يُمْكِنُ أَنْ يَقْطَعَ وَيُجَافَ مِثْلَ تِلْكَ الْجَائِفَةِ لِأَنَّ الْجَائِفَةَ هُنَا تَابِعَةٌ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَمُتْ بِالْقَطْعِ، فَإِنْ مَاتَ بِهِ قُطِعَ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا إجَافَةٍ كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحٌ. (وَيَجِبُ) الْقِصَاصُ (فِي فَقْءِ عَيْنٍ) أَيْ تَعْوِيرِهَا بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ (وَقَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا: غِطَاءُ الْعَيْنِ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ أَسْفَلُ (وَمَارِنٍ) وَتَقَدَّمَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 256 وَشَفَةٍ وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، وَكَذَا أَلْيَانِ وَشُفْرَانِ، فِي الْأَصَحِّ. وَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ. وَلَهُ قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَحُكُومَةُ الْبَاقِي. وَلَوْ أَوْضَحَهُ وَهَشَمَ أَوْضَحَ وَأَخَذَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ أَوْضَحَ، وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ.   [مغني المحتاج] ضَبْطُهُ (وَشَفَةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ سُفْلَى أَوْ عُلْيَا وَأَصْلُهَا شَفَهَةٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى شِفَاهٍ (وَلِسَانٍ) وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَفَاصِلُ؛ لِأَنَّ لَهَا نِهَايَاتٍ مَضْبُوطَةً فَأُلْحِقَتْ بِالْمَفَاصِلِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِقَطْعِ الْأُذُنِ مَا لَوْ رَدَّهَا فِي حَرَارَةِ الدَّمِ وَالْتَصَقَتْ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِبَانَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ، وَالْمُرَادُ بِالْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ. وَأَمَّا الْخُصْيَتَانِ فَالْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ (وَكَذَا أَلْيَانِ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ تَثْنِيَةُ أَلْيَةٍ، وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ أَلْيَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَهُمَا اللَّحْمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ (وَشُفْرَانِ) وَهُمَا بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ تَثْنِيَةُ شُفْرٍ، وَهُوَ حَرْفُ الْفَرْجِ: اللَّحْمُ الْمُحِيطُ بِالْفَرْجِ إحَاطَةَ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ، وَشُفْرُ كُلِّ شَيْءٍ حَرْفُهُ، وَأَمَّا شُفْرُ الْعَيْنِ فَمَنْبَتُ هُدْبِهَا، وَحُكِيَ فِيهِ الْفَتْحُ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِمَا (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا إلَّا بِقَطْعِ غَيْرِهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا قَبْلَ الْأَلْيَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ جَارٍ فِي الشَّفَةِ وَاللِّسَانِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهِمَا، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِيهِمَا بِالصَّحِيحِ، وَفِي الْأَلْيَيْنِ وَالشُّفْرَيْنِ بِالْأَصَحِّ. (وَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ) لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الضَّبْطِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى السِّنِّ. (وَلَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِكَسْرِ عَظْمٍ مَعَ الْإِبَانَةِ (قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى) أَسْفَلُ (مَوْضِعِ الْكَسْرِ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ (وَ) لَهُ (حُكُومَةُ الْبَاقِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا عَنْهُ، فَلَوْ كُسِرَ ذِرَاعُهُ اقْتَصَّ فِي الْكَفِّ وَأَخَذَ الْحُكُومَةَ لِمَا زَادَ وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَيَعْدِلُ إلَى الْمَالِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ: فِي كَلَامِهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا قَوْلُهُ: أَقْرَبِ مَفْصِلٍ. يُفْهِمُ اعْتِبَارَ اتِّحَادِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ كُسِرَ الْعَظْمُ مِنْ نَفْسِ الْكُوعِ كَانَ لَهُ الْتِقَاطُ الْأَصَابِعِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمَفَاصِلُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا ثَانِيهَا قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا كُسِرَ عَظْمُ الْعَضُدِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِ الْكُوعِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَقَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنْ يَحْصُلَ بِالْكَسْرِ انْفِصَالُ الْعُضْوِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ قَالَ: فَلَوْ حَصَلَ الْكَسْرُ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ أَقْرَبَ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ. (وَلَوْ أَوْضَحَهُ وَهَشَمَ أَوْضَحَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ لِإِمْكَانِ الْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ (وَأَخَذَ) مِنْهُ (خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ) عَنْ أَرْشِ الْهَشْمِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ. (وَلَوْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ) الْعَظْمَ (أَوْضَحَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ (وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ) أَرْشُ التَّنْقِيلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْهَشْمِ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيمَا ذُكِرَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 257 وَلَوْ قَطَعَهُ مِنْ الْكُوعِ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُ أَصَابِعِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ عُزِّرَ وَلَا غُرْمَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ. وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ أَوْضَحَ وَأَمَّ أَوْضَحَ لِمَا مَرَّ وَأَخَذَ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا وَثُلُثٌ؛ لِأَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ قَطَعَهُ) أَيْ كَفَّهُ (مِنْ الْكُوعِ) وَكَفُّ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَامِلَتَانِ (فَلَيْسَ لَهُ) تَرْكُ الْكَفِّ، وَ (الْتِقَاطُ أَصَابِعِهِ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَمَهْمَا أَمْكَنَهُ الْمُمَاثَلَةُ لَا يَعْدِلُ عَنْهَا، بَلْ لَوْ طَلَبَ قَطْعَ أُنْمُلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَاقِصَةً أُصْبُعًا مَثَلًا لَمْ تُقْطَعْ السَّلِيمَةُ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ عَقِبَ هَذَا، وَالْكُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْكَاعُ، وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ يَلِي الْإِبْهَامَ، وَمَا يَلِي الْخِنْصَرَ كُرْسُوعٌ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ أَصْلِ الْإِبْهَامِ مِنْ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَعْرِفُ ` كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ: أَيْ لَا يَدْرِي مِنْ غَبَاوَتِهِ مَا اسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ إبْهَامِ يَدِهِ مِنْ الَّذِي عِنْدَ إبْهَامِ رِجْلِهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْبَاعُ فَهُوَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ يَدَيْ الْإِنْسَانِ إذَا مَدَّهُمَا يَمِينًا وَشِمَالًا (فَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ قَطْعَ الْأَصَابِعِ (عُزِّرَ) وَإِنْ قَالَ: لَا أَطْلُبُ لِلْبَاقِي قِصَاصًا وَلَا أَرْشًا لِعُدُولِهِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ. نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ (وَلَا غُرْمَ) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِإِتْلَافِ الْبَعْضِ غُرْمٌ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ) لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّهُ كَمَا أَنَّ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ لَوْ قَطَعَ يَدَ الْجَانِي لَهُ أَنْ يَعُودَ وَيُحِزَّ رَقَبَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ مِنْ نِصْفِ سَاعِدِهِ فَلَقَطَ أَصَابِعَهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِ كَفِّهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبُ أَنَّهُ ثَمَّ بِالتَّمْكِينِ لَا يَصِلُ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ أَلَمٍ آخَرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَرَكَ قَطْعَ الْكَفِّ وَطَلَبَ حُكُومَتَهَا لَمْ يُجَبْ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكُومَةَ الْكَفِّ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ، وَقَدْ اسْتَوْفَى الْأَصَابِعَ الْمُقَابَلَةَ بِالدِّيَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ يَدَيْ الْجَانِي ثُمَّ عَفَا عَنْ حَزِّ الرَّقَبَةِ وَطَلَبَ الدِّيَةَ لَمْ يُجَبْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُهَا، وَقَدْ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ كَامِلُ الْأَصَابِعِ يَدًا نَاقِصَةً أُصْبُعًا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ هُنَاكَ: فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ، لَا إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحُكُومَةَ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَدَخَلَتْ فِيهَا دُونَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ هُنَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَرَضِيَ عَنْهَا بِكَفٍّ أَوْ أُصْبُعٍ لَمْ يَجُزْ لِعُدُولِهِ عَنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَطَعَهَا مِنْ الْكُوعِ عُزِّرَ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ وَهُدِرَ الْبَاقِي فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهُ وَلَا طَلَبُ حُكُومَتِهِ لِأَنَّهُ بِقَطْعِهِ مِنْ الْكُوعِ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ وَقَنَعَ بِبَعْضِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ قَالَ الْبَغَوِيّ: عِنْدِي لَهُ حُكُومَةُ السَّاعِدِ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاطِعَ مِنْ الْكُوعِ مُسْتَوْفٍ لِمُسَمَّى الْيَدِ بِخِلَافِ مُلْتَقِطِ الْأَصَابِعِ. (وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ) أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 258 قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ، وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي، فَلَوْ طَلَبَ الْكُوعَ مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهُ أَوْضَحَهُ فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ وَإِلَّا أَذْهَبَهُ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ. وَلَوْ لَطَمَهُ لَطْمَةً تُذْهِبُ ضَوْءَهُ غَالِبًا فَذَهَبَ لَطَمَهُ مِثْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أُذْهِبَ. وَالسَّمْعُ كَالْبَصَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ.   [مغني المحتاج] الْمَكْسُورَ (قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَفْصِلٍ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَالْعَضُدُ مِنْ مَفْصِلِ الْمِرْفَقِ إلَى الْكَتِفِ (وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَلَهُ قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَحُكُومَةُ الْبَاقِي فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهَا. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهَا لِأَجْلِ التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُهُ (فَلَوْ طَلَبَ الْكُوعَ) لِلْقَطْعِ (مُكِّنَ) مِنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْقَطْعِ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ بِالْعُدُولِ تَارِكٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَهُ حُكُومَةُ السَّاعِدِ مَعَ حُكُومَةِ الْمَقْطُوعِ مِنْ الْعَضُدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عِوَضًا عَنْهُ. وَالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَا؛ لِعُدُولِهِ عَمَّا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحٍ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْأَرْجَحُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَتَبِعَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَعَلَى مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ أَرَادَ الْقَطْعَ مِنْ الْمِرْفَقِ لَمْ يُمَكَّنْ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْتِقَاطِ الْأَصَابِعِ، فَإِنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ اهـ. وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ يَعُودُ إلَى مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَهَهُنَا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا قَطْعَ مَا دُونَهُ لِلضَّرُورَةِ. فَإِذَا قَطَعَ مَرَّةً لَمْ يُكَرِّرْهُ. (وَلَوْ أَوْضَحَهُ) مَثَلًا (فَذَهَبَ ضَوْءُهُ) مِنْ عَيْنَيْهِ مَعًا (أَوْضَحَهُ) طَلَبًا لِلْمُمَاثَلَةِ (فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ) مِنْ عَيْنَيْ الْجَانِي فَذَاكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَذْهَبْ بِذَلِكَ (أَذْهَبَهُ) إنْ أَمْكَنَ ذَهَابُهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ (بِأَخَفِّ) أَمْرٍ (مُمْكِنٍ) فِي إذْهَابِهِ كَطَرْحِ كَافُورٍ، وَ (كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ) كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَهُ بِهَاشِمَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَجْرِي فِيهِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إذْهَابُ الضَّوْءِ أَصْلًا أَوْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِإِذْهَابِ الْحَدَقَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ، وَلَوْ نَقَصَ الضَّوْءُ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ إجْمَاعًا. (وَلَوْ لَطَمَهُ) أَيْ ضَرَبَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ (لَطْمَةً تُذْهِبُ ضَوْءَهُ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَضَمِّهَا مِنْ عَيْنَيْهِ (غَالِبًا فَذَهَبَ) ضَوْءُهُ (لَطَمَهُ مِثْلَهَا) طَالِبًا لِلْمُمَاثَلَةِ لِيَذْهَبَ بِهَا ضَوْءُهُ (فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ) بِاللَّطْمَةِ (أُذْهِبَ) بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا أُخِذَتْ الدِّيَةُ، وَفِي وَجْهٍ رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ: وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَا يُقْتَصُّ فِي اللَّطْمَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَلِهَذَا لَوْ انْفَرَدَتْ عَنْ إذْهَابِ الضَّوْءِ لَمْ يَجِبْ فِيهَا قِصَاصٌ، أَمَّا لَوْ ذَهَبَ الضَّوْءُ مِنْ إحْدَى عَيْنَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُلْطَمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهُمَا بَلْ يَذْهَبُ بِالْمُعَالَجَةِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ، وَاحْتُرِزَ بِغَالِبًا عَمَّا إذَا لَمْ تُذْهِبْ اللَّطْمَةُ غَالِبًا الضَّوْءَ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ. (وَالسَّمْعُ) أَيْ إذْهَابُهُ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْأُذُنِ (كَالْبَصَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ) لِأَنَّ لَهُ مَحَلًّا مَضْبُوطًا وَقِيلَ: لَا قَوَدَ فِيهِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ. قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 259 وَكَذَا الْبَطْشُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَتَأَكَّلَ غَيْرُهَا فَلَا قِصَاصَ فِي الْمُتَأَكِّلِ.   [مغني المحتاج] الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ اهـ. وَمَعَ هَذَا الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ. (وَكَذَا الْبَطْشُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ) أَيْ إذْهَابُهَا بِجِنَايَةٍ عَلَى يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ فَمٍ أَوْ رَأْسٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهَا بِالسِّرَايَةِ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ لَهَا مَحَالَّ مَضْبُوطَةً وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طُرُقٌ فِي إبْطَالِهَا وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْحَوَاسِّ أَرْبَعَةً. وَسَكَتَ عَنْ اللَّمْسِ وَالْكَلَامِ وَالْعَقْلِ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إنْ زَالَ بِزَوَالِ الْبَطْشِ فَقَدْ ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُ اللَّمْسِ، وَإِنْ فُرِضَ تَخْدِيرٌ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُهُ بِالْبَصَرِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ فَقِيلَ: فِي الْقَلْبِ. وَقِيلَ: فِي الرَّأْسِ. (وَ) لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَجْسَامِ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَى هَذَا (لَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا) أَوْ أُنْمُلَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (فَتَأَكَّلَ) أَوْ شُلَّ (غَيْرُهَا) كَأُصْبُعٍ أَوْ كَفٍّ أَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ (فَلَا قِصَاصَ فِي الْمُتَأَكِّلِ) وَالذَّاهِبِ بِالسِّرَايَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْعَمْدِيَّةِ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ أَوْ الْحُكُومَةُ فِي مَالِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ سِرَايَةُ جِنَايَةِ عَمْدٍ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا خَطَأً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَيُطَالَبُ بِدِيَةِ الْمُتَأَكِّلِ عَقِبَ قَطْعِ أُصْبُعِ الْجَانِي؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى الْكَفِّ لَمْ يَسْقُطْ بَاقِي الدِّيَةِ، فَلَا مَعْنَى لِانْتِظَارِ السِّرَايَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ، فَاقْتُصَّ بِالْجِنَايَةِ لَمْ يُطَالَبْ فِي الْحَالِ، فَلَعَلَّ جِرَاحَةَ الْقِصَاصِ تَسْرِي فَيَحْصُلُ التَّقَاصُّ، وَيُفَارِقُ هَذَا إذْهَابُ الْبَصَرِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْمَعَانِي، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَجْسَامِ فَيَقْصِدُ بِمَحَلِّ الْبَصَرِ مَثَلًا نَفْسَهُ وَلَا يَقْصِدُ بِالْأُصْبُعِ غَيْرَهَا مَثَلًا. فَلَوْ اقْتَصَّ فِي أُصْبُعٍ مِنْ خَمْسَةٍ فَسَرَى لِغَيْرِهَا لَمْ تَقَعْ السِّرَايَةُ قِصَاصًا بَلْ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي لِلْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ، وَلَا حُكُومَةَ لِمَنَابِتِ الْأَصَابِعِ بَلْ تَدْخُلُ فِي دِيَتِهَا، وَلَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَتَوَرَّمَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَخَالَفَ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْيَدِ مَقْصُودَةٌ فَتَأْخِيرُ السُّقُوطِ لَا يَمْنَعُ الْقَوَدَ. خَاتِمَةٌ: لَوْ اقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَفِي كَوْنِهِ مُسْتَوْفِيًا خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَوْفٍ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنْ جَرَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَمَنْ تَبِعَهُ عَلَى عَكْسِهِ، وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِ مُوَرِّثِهِ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَتْلَفَ وَدِيعَتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَدِيعَةَ لَوْ تَلِفَتْ بَرِئَ الْوَدِيعُ، وَلَوْ مَاتَ الْجَانِي لَمْ يَبْرَأْ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا فَإِنَّ الدِّيَةَ تَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْجَانِي، وَيَلْزَمُهُ دِيَةُ عَمْدٍ بِقَتْلِهِ الْجَانِي لِأَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ، فَإِنْ اقْتَصَّ بِإِذْنِ الْجَانِي أَوْ تَمْكِينِهِ بِأَنْ أَخْرَجَ إلَيْهِ طَرَفَهُ فَقَطَعَهُ فَهَدَرٌ، وَالطَّرَفُ كَالنَّفْسِ فِيمَا ذُكِرَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 260 بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ، وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَعَكْسُهُ، وَلَا أُنْمُلَةٌ بِأُخْرَى، وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ وَطُولٍ وَقُوَّةِ بَطْشٍ فِي   [مغني المحتاج] [بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ] (بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ) بِكَسْرِ الْقَافِ مِنْ الْقَصِّ، وَهُوَ الْقَطْعُ، وَقِيلَ: مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ: إذَا تَبِعَهُ لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ الْجَانِيَ إلَى أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ (وَمُسْتَوْفِيهِ وَالِاخْتِلَافُ) بَيْنَ الْجَانِي وَخَصْمِهِ (فِيهِ) وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْمُصَالَحَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَقَدَ الْمُصَنِّفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فَصْلًا غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَ تَرْتِيبَ التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِلَافِ عَلَى فَصْلِ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ (لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ) مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُذُنٍ وَجَفْنٍ وَمَنْخَرٍ (بِيَمِينٍ) لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَالْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ الْعَكْسُ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَ) لَا (عَكْسُهُ) وَلَا جَفْنٌ أَعْلَى بِأَسْفَلَ وَلَا عَكْسُهُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ تَرَاضَيَا بِقَطْعِ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا، وَلَا يَجِبُ فِي الْمَقْطُوعَةِ بَدَلًا قِصَاصٌ بَلْ دِيَةٌ، وَيَسْقُطُ قِصَاصُ الْأُولَى فِي الْأَصَحِّ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: لَا تُقْطَعُ أَوْلَى مِنْهُ لَا تُؤْخَذُ لِشُمُولِهِ لِلْمَعَانِي وَفَقْءِ الْعَيْنِ وَنَحْوِهِ (وَلَا) تُقْطَعُ (أُنْمُلَةٌ) بِفَتْحِ هَمْزَتِهَا وَضَمِّ مِيمِهَا فِي أَفْصَحِ لُغَاتِهَا التِّسْعِ، وَهِيَ: فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا مَعَ تَثْلِيثِ الْمِيمِ (بِأُخْرَى) وَلَا سِنٌّ بِأُخْرَى لِأَنَّهَا جَوَارِحُ مُخْتَلِفَةُ الْمَنَافِعِ وَالْأَمَاكِنِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ بِأُخْرَى كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (وَلَا) عُضْوٌ (زَائِدٌ) فِي مَحَلٍّ (بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ) كَأَنْ تَكُونَ زَائِدَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَحْتَ الْخِنْصَرِ وَزَائِدَةُ الْجَانِي تَحْتَ الْإِبْهَامِ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ الزَّائِدِ الْحُكُومَةُ، وَلَا يُؤْخَذُ عُضْوٌ أَصْلِيٌّ بِزَائِدٍ وَلَا زَائِدٌ بِأَصْلِيٍّ إذَا كَانَ الزَّائِدُ نَابِتًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ نَبَاتِ الْأَصْلِيِّ، وَإِلَّا فَيُقْطَعُ بِهِ إذَا رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ تُؤْخَذُ بِالصَّحِيحَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ الزَّائِدُ بِالزَّائِدِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَتْ زَائِدَةُ الْجَانِي أَتَمَّ كَأَنْ كَانَ لِأُصْبُعِهِ الزَّائِدَةِ ثَلَاثُ مَفَاصِلَ، وَلِزَائِدَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَفْصِلَانِ. فَلَا يُقْطَعُ بِهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ تَفَاوُتِ الْمَحَلِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَلَا حَادِثَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِأَصْلِيٍّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ قَلَعَ سِنًّا لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ نَبَتَ لَهُ مِثْلُهَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَ الْجِنَايَةِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّنِّ. (وَلَا يَضُرُّ) فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَحَلِّ (تَفَاوُتُ كِبَرٍ) وَصِغَرٍ (وَطُولٍ) وَقِصَرٍ (وَقُوَّةِ بَطْشٍ) وَضَعْفِهِ (فِي) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 261 أَصْلِيٍّ، وَكَذَا زَائِدٌ فِي الْأَصَحِّ. وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ طُولًا وَعَرْضًا.   [مغني المحتاج] عُضْوٍ (أَصْلِيٍّ) قَطْعًا لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ كَمَا فِي النَّفْسِ وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ، فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ لَتَعَطَّلَ حُكْمُ الْقِصَاصِ غَالِبًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَدٌ أَقْصَرَ مِنْ أُخْتِهَا قَطَعَهَا الْجَانِي وَهُوَ مُسْتَوِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بَلْ فِيهَا دِيَتُهَا نَاقِصَةُ حُكُومَةٍ، حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ النَّقْصُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِجِنَايَةٍ وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لَكِنَّ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ هُنَا وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ إذَا كَانَ بِجِنَايَةٍ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ أَوْجَهُ (وَكَذَا) عُضْوٌ (زَائِدٌ) لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّفَاوُتُ الْمَذْكُورُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْأَصْلِيِّ، وَالثَّانِي يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعُضْوِ الزَّائِدِ بِالِاجْتِهَادِ، فَإِذَا كَانَ عُضْوُ الْجَانِي أَكْبَرَ كَانَتْ حُكُومَةً أَكْثَرَ فَلَا يُؤْخَذُ بِاَلَّذِي هُوَ أَنْقَصُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَصْلِيِّ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ فِيهِ بِالنَّصِّ، فَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِ. (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ) بِالْمِسَاحَةِ (طُولًا وَعَرْضًا) فِي قِصَاصِهَا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قَدْ يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا، فَيَكُونُ جُزْءُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ جَمِيعِ الْآخَرِ فَيَقَعُ الْحَيْفُ بِخِلَافِ الْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ فِيهَا بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا بِالْمِسَاحَةِ أَدَّى إلَى أَخْذِ الْأَنْفِ بِبَعْضِ الْأَنْفِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُوضِحَةِ، فَاعْتُبِرَتْ بِالْمِسَاحَةِ، وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهِ: أَنْ تُذْرَعَ مُوضِحَةُ الْمَشْجُوجِ بِعُودٍ أَوْ خَيْطٍ، وَيُحْلَقَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ، وَيُخَطَّ عَلَيْهِ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُضْبَطَ الشَّاجُّ كَيْ لَا يَضْطَرِبَ وَيُوضَحَ بِحَدِيدَةٍ حَادَّةٍ كَالْمُوسَى لَا بِسَيْفٍ وَحَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ أَوْضَحَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي إذْ لَا تُؤْمَنُ الزِّيَادَةُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ إنْ أَمْكَنَ، وَلَعَلَّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ يَفْعَلُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْجَانِي مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّقِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا، هَذَا مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الْأَشْبَهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ جِنَايَتِهِ إنْ أَوْضَحَ دَفْعَةً فَدَفْعَةً، أَوْ التَّدْرِيجُ فَالتَّدْرِيجُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ النِّزَاعِ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَحْلِقُ الشَّعْرَ عِنْدَ الِاقْتِصَاصِ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَالَ الْجِنَايَةِ شَعْرٌ فَإِنْ كَانَ بِرَأْسِ الشَّاجِّ شَعْرٌ دُونَ الْمَشْجُوجِ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا قَوَدَ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ شَعْرٍ لَمْ يُتْلِفْهُ الْجَانِي، وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وُجُوبُهُ بَعْدَ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ مَوْضِعِ الشَّجَّةِ وَعَزَا لِلْمَاوَرْدِيِّ، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْأَوَّلَ عَلَى فَسَادِ مَنْبَتِ الْمَشْجُوجِ وَالثَّانِي عَلَى مَا لَوْ حَلَقَ، وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّ الشَّعْرَ الْكَثِيفَ تَجِبُ إزَالَتُهُ لِيَسْهُلَ الِاسْتِيفَاءُ وَيَبْعُدَ عَنْ الْغَلَطِ. قَالَ: وَالتَّوْجِيهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 262 وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ اسْتَوْعَبْنَاهُ وَلَا نُتَمِّمُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَالْقَفَا، بَلْ يُؤْخَذُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا. وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ أُخِذَ قَدْرُ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى الْجَانِي. وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً، وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ   [مغني المحتاج] اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ) فِي قِصَاصِهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُوضِحَةِ يَتَعَلَّقُ بِانْتِهَاءِ الْجِرَاحَةِ إلَى الْعَظْمِ وَالتَّفَاوُتُ فِي قَدْرِ الْعِوَضِ قَلَّ مَا يَتَّفِقُ فَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْهُ كَمَا يُقْطَعُ النَّظَرُ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فِي الْأَطْرَافِ. (وَلَوْ أَوْضَحَ) شَخْصٌ آخَرَ فِي بَعْضِ رَأْسِهِ وَقَدْرُ الْمُوضِحَةِ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ رَأْسِ الشَّاجِّ أَوْضَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَالْقِصَاصُ الْمُمَاثَلَةُ، وَلَا يُمْكِنُ فِي الْمُوضِحَةِ إلَّا بِالْمِسَاحَةِ وَقَدْ اسْتَوْعَبَتْ الْمِسَاحَةُ رَأْسَهُ فَوَجَبَ، وَإِنْ زَادَ حَقُّهُ عَلَى جَمِيعِ رَأْسِ الشَّاجِّ أَوْ وَضَحَ (كُلَّ رَأْسِهِ) أَيْ الْمَشْجُوجِ (وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ) مِنْ رَأْسِهِ (اسْتَوْعَبْنَاهُ) إيضَاحًا، وَلَا يُكْتَفَى بِهِ (وَلَا نُتَمِّمُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَالْقَفَا) لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا نُتَمِّمُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ سَائِرَ الْجَوَانِبِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ أَوْضَحَ جَبْهَتَهُ، وَجَبْهَةُ الْجَانِي أَضْيَقُ لَا يَرْتَقِي لِلرَّأْسِ لِمَا ذُكِرَ (بَلْ يُؤْخَذُ قِسْطُ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا) لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ مَثَلًا فَالْمُتَمَّمُ بِهِ ثُلُثُ أَرْشِهَا، وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ بِالْمِسَاحَةِ. (وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ (أُخِذَ) مِنْهُ (قَدْرُ) مُوضِحَةِ (رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ) مُعْتَبَرًا بِالْمِسَاحَةِ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ (وَالصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي) تَعْيِينِ (مَوْضِعِهِ إلَى الْجَانِي) لِأَنَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَدَّى مِنْهُ تَعَيَّنَ كَمَا فِي الدَّيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمَحَلُّ، فَقَوْلُهُمْ: إنَّ الرَّأْسَ كُلَّهَا مَحَلُّ الْجِنَايَةِ فِيمَا إذَا اسْتَوْعَبَتْ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ أَوْضَحَ مَنْ بِهِ مُوضِحَةٌ غَيْرُ مُنْدَمِلَةٍ غَيْرَهُ فِي مَوْضِعِ مُوضِحَتِهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ انْدَمَلَتْ مُوضِحَتُهُ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِصَاصِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ. وَالثَّانِي الِاخْتِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَطْلُبْ أَزْيَدَ مِنْ حَقِّهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَرْسِلٌ فِي الذِّمَّةِ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَ قَدْرُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَكَان وَاحِدٍ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ مَا أَوْضَحَهُ مِنْهُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْ رَأْسِهِ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مُقَابَلَةِ مُوضِحَةٍ بِمُوضِحَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَلَا تَتَبَعَّضُ مَعَ إمْكَانِ اسْتِيفَائِهَا قِصَاصًا وَأَرْشًا، بِخِلَافِ الْمُوضِحَتَيْنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِي إحْدَاهُمَا وَيَأْخُذَ أَرْشَ الْأُخْرَى (وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً) مِنْ شَخْصٍ (وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ) مِنْ نَاصِيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 263 تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ. وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ، وَقِيلَ قِسْطٌ. وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَهَا، وَقِيلَ قِسْطُهُ. وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ،   [مغني المحتاج] الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ) مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ كُلَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُقَدَّمَةٍ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَإِنَّهُمَا عُضْوَانِ. (وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ) عَمْدًا (فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ) لِتَعَمُّدِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَعْدَ انْدِمَالِ مُوضِحَتِهِ (فَإِنْ كَانَ) الزَّائِدُ (خَطَأً) كَأَنْ اضْطَرَبَتْ يَدُهُ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (أَوْ) عَمْدًا، وَ (عَفَا عَلَى مَالٍ وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ) لِأَنَّ حُكْمَ الزِّيَادَةِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْأَصْلِ وَتَغَايُرُ الْحُكْمِ كَتَعَدُّدِ الْجَانِي (وَقِيلَ قِسْطُ) الزِّيَادَةِ فَقَطْ بَعْدَ تَوْزِيعِ الْأَرْشِ عَلَيْهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الضَّمَانِ فِي الْخَطَأِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الزِّيَادَةُ بِاضْطِرَابٍ مِنْ الْجَانِي فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ، فَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ اضْطِرَابِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ: تَوَلَّدَتْ بِاضْطِرَابِكَ فَأَنْكَرَ فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ: تَصْدِيقُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ تَمْكِينَ الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ فِي الطَّرَفِ فِي الْأَصَحِّ، فَقِيلَ كَلَامُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ أَوْ مَحْمُولٍ عَلَى مَا إذَا بَادَرَ وَاسْتَوْفَى الطَّرَفَ فَزَادَ عَلَى حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ الطَّرَفِ، وَصَوَّرَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَرْضَى الْجَانِي بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحِقِّ وَثَانِيَتُهُمَا أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْتَحِقُّ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَيَسْتَوْفِيَ زَائِدًا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ نَظَرٌ. (وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ) بِتَحَامُلِهِمْ عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ جَرُّوهَا مَعًا (أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ مُوضِحَةً (مِثْلَهَا) إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَكُلُّ وَاحِدٍ جَانٍ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا اشْتَرَكُوا فِي قَطْعِ عُضْوٍ (وَقِيلَ قِسْطُهُ) مِنْهَا لِإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ وَيُوضَحُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَإِتْلَافِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الطَّرَفِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ تَرْجِيحَ وُجُوبِ دِيَةِ مُوضِحَةٍ كَامِلَةٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِإِيجَابِ الْقِسْطِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَقَطْعِ الطَّرَفِ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ، وَلَا كَذَلِكَ الطَّرَفُ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ عَزْوُ الْأَوَّلِ إلَى الْبَغَوِيِّ وَالثَّانِي إلَى الْإِمَامِ وَنُسِبَ لِلسَّهْوِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى الصَّوَابِ. (وَلَا تُقْطَعُ) يَدٌ أَوْ رِجْلٌ (صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ) بِالْمَدِّ إنْ لَمْ يَسْرِ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ، وَالشَّلَلُ بُطْلَانُ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 264 وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي، فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا، فَلَوْ سَرَى فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّفْسِ، وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَيَقْنَعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا.   [مغني المحتاج] (وَإِنْ رَضِيَ) بِهِ (الْجَانِي) أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ تُفْهِمْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ وَقْتَهَا (فَلَوْ) خَالَفَ صَاحِبُ الشَّلَّاءِ وَ (فَعَلَ) الْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْجَانِي (لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ (بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا) وَلَهُ حُكُومَةُ يَدِهِ الشَّلَّاءِ (فَلَوْ سَرَى) الْقَطْعُ (فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّفْسِ) لِتَوْفِيَتِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْهَا وَلَمْ يَقُلْ: قِصَاصًا فَقَطَعَهَا كَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي بِالسِّرَايَةِ لِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْقَطْعِ، وَإِنْ قَالَ اقْطَعْهَا قِصَاصًا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ قِصَاصًا، بَلْ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَا قَطَعَهُ، وَعَلَى الْجَانِي الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِلْ عُضْوَهُ مَجَّانًا. وَالثَّانِي يَقَعُ وَكَأَنَّ الْجَانِيَ أَدَّى الْجَيِّدَ عَنْ الرَّدِيءِ وَقَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ. أَمَّا إذَا سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَإِنَّ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالشَّلَّاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّرَفِ الثَّالِثِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ النَّفْسُ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزْهَاقِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَةَ تُؤْخَذُ بِالشَّلَّاءِ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ تَنْحَسِمْ الْعُرُوقُ وَيُطْرَدُ ذَلِكَ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِعَايَةُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْأَطْرَافِ فَتُؤْخَذُ كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَتِهَا أَوْ فَاقِدَتِهَا كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ الْمُمَاثَلَةِ. (وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِشَلَّاءَ كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، وَلَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا اسْتَوَيَا فِي الشَّلَلِ، أَوْ كَانَ شَلَلُ الْجَانِي أَكْثَرَ وَلَمْ يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ، وَإِلَّا فَلَا تُقْطَعُ، وَتُقْطَعُ أَيْضًا (بِالصَّحِيحَةِ) كَمَا عُلِمَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) أَيْ عَدْلَانِ مِنْهُمْ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعٍ (لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ) بَلْ تَنْفَتِحُ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ وَلَا تَنْسَدُّ بِحَسْمِ النَّارِ وَلَا غَيْرِهِ فَلَا تُقْطَعُ بِهَا وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأُمُّ حَذَرًا مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ بِالطَّرَفِ، فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (يَقْنَعُ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا) بِأَنْ لَا يَطْلُبَ أَرْشًا لِلشَّلَلِ فَيُقْطَعُ حِينَئِذٍ بِالصَّحِيحَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجُرْمِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُقَابَلُ بِمَالٍ، وَلِذَا لَوْ قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ أَوْ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لَمْ يَجِبْ لِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ أُصْبُعًا حَيْثُ تُؤْخَذُ دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ تُفْرَدُ بِالْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قُدِّمَ قَوْلُهُ: وَيَقْنَعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَقُولَ إلَخْ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ. وَلَوْ قَطَعَ الْأَشَلُّ مِثْلَهُ ثُمَّ صَحَّ الْقَاطِعُ لَمْ يُقْطَعْ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ، لَا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَانِي فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ إذَا عَادَتْ يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَزُلْ، فَفِي الْحَقِيقَةِ مَا اعْتَبَرْنَا إلَّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ. وَلَوْ قَطَعَ سَلِيمٌ يَدَ أَوْ رِجْلَ أَشَلَّ أَوْ نَاقِصَةَ أُصْبُعٍ ثُمَّ شَلَّتْ بِفَتْحِ الشِّينِ يَدُهُ فِي الْأُولَى، وَنَقَصَتْ الْأُصْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تُقْطَعْ فِي الْأُولَى كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 265 وَيُقْطَعُ سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ، وَلَا أَثَرَ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا، وَالصَّحِيحُ قَطْعُ ذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا دُونَ عَكْسِهِ. وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ،   [مغني المحتاج] الْجِنَايَةِ وَتُقْطَعُ فِي الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَا بِمَا عَدَا الْأُصْبُعَ الْمَذْكُورَةَ عِنْدَ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَطَعَ كَامِلُ أُصْبُعِ الْوُسْطَى مِنْ فَاقِدِ عُلْيَا تِلْكَ الْأُصْبُعِ ثُمَّ سَقَطَتْ عُلْيَاهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُمَاثِلًا لَهُ. (وَيُقْطَعُ) عُضْوٌ (سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ) إذْ لَا خَلَلَ فِي الْعُضْوِ، وَالْعَسَمُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ، وَهُوَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَبَعًا لِجُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ: تَشَنُّجٌ فِي الْمِرْفَقِ، أَوْ قِصَرٌ فِي السَّاعِدِ أَوْ الْعَضُدِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: هُوَ مَيْلٌ وَاعْوِجَاجٌ فِي الرُّسْغِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْأَعْسَمُ هُوَ الَّذِي بَطْشُهُ بِيَسَارِهِ أَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَعْسَرُ فِي الْعُرْفِ (وَلَا أَثَرَ) فِي الْقِصَاصِ فِي يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا) ؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَمَرَضٌ فِي الظُّفْرِ وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِي عِلَّةِ الظُّفْرِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذَا كَانَ خِلْقَةً وَلَمْ يَكُنْ جَافًّا وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ الْمُتَوَلِّي، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الثَّانِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وَتُقْطَعُ فَاقِدَةُ الْأَظْفَارِ بِفَاقِدَتِهَا، وَلَوْ نَبَتَتْ أَظْفَارُ الْقَاطِعِ لَمْ يُقْطَعْ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ يَدَ الْجَانِي لَوْ نَبَتَ فِيهَا أُصْبُعٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُقْطَعْ (وَالصَّحِيحُ قَطْعُ ذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا) لِأَنَّهَا دُونَهَا (دُونَ عَكْسِهِ) لِأَنَّ الْكَامِلَ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ. تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عِبَارَتَهُ تَقْتَضِي طَرْدَ وَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى لَا خِلَافَ فِيهَا، وَالثَّانِيَةَ فِيهَا احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، لَا وَجْهٌ، فَجَعَلَهُ وَجْهًا وَعَبَّرَ فِيهَا بِالصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ وَلَا تُقْطَعُ سَلِيمَةُ أَظْفَارِهَا بِذَاهِبَتِهَا دُونَ عَكْسِهِ كَانَ أَظْهَرَ وَأَخْصَرَ. الثَّانِي تَعْبِيرُهُ بِذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ يَقْتَضِي زَوَالَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا صَوَّرَهَا بِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ ظُفْرٌ وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَاهِبَتِهَا وَبَيْنَ الْمَخْلُوقَةِ بِدُونِهَا، وَإِذَا قُطِعَتْ ذَاهِبَةُ الْأَظْفَارِ بِالسَّلِيمَةِ كَانَ لِصَاحِبِ السَّلِيمَةِ حُكُومَةُ الْأَظْفَارِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَبَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ) صِحَّةً وَشَلَلًا فِيمَا مَرَّ جَمِيعُهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَيَجِبُ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ وَفِي قَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَفِي إشْلَالِهِمَا الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ أَقَطَعَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا، وَفِي إشْلَالِ إحْدَاهُمَا إنْ عُلِمَ سَلَامَةُ الْأُخْرَى بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَلَوْ دَقَّهُمَا اقْتَصَّ بِمِثْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ كَكَسْرِ الْعِظَامِ. تَنْبِيهٌ: صِحَّةً وَشَلَلًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الذَّكَرِ، وَلَكِنَّ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ خِلَافُ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 266 وَالْأَشَلُّ: مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ أَوْ عَكْسُهُ، وَلَا أَثَرَ لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ، فَيُقْطَعُ فَحْلٌ بِخَصِيٍّ، وَعِنِّينٍ. وَأَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ. وَأُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ لَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ.   [مغني المحتاج] بَعْدَهُ: أَيْ كَالْيَدِ صِحَّةً وَشَلَلًا (وَ) الذَّكَرُ (الْأَشَلُّ) كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الْأَصْحَابِ (مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ مُنْبَسِطٌ لَا يَنْقَبِضُ أَيْ يَلْزَمُ حَالَةً وَاحِدَةً مِنْ انْقِبَاضٍ أَوْ انْبِسَاطٍ وَلَا يَتَحَرَّكُ أَصْلًا، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَلَّصُ فِي الْبَرْدِ وَلَا يَسْتَرْسِلُ فِي الْحَرِّ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (وَلَا أَثَرَ) فِي الْقِصَاصِ فِي الذَّكَرِ (لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ، فَيُقْطَعُ فَحْلٌ) أَيْ ذَكَرُهُ (بِخَصِيٍّ) وَهُوَ مَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ بِجِلْدَتَيْهِمَا (وَعِنِّينٍ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي نَفْسِ عُضْوِهِ، وَتَعَذَّرَ الِانْتِشَارُ لِضَعْفٍ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِسَلَامَةِ ذَكَرِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيلَاجِ فَهُوَ آكَدُ مِنْ ذَكَرِ الثَّانِي، وَلَا فَرْقَ فِي الذَّكَرِ بَيْنَ الْأَقْلَفِ الْمَخْتُونِ وَذَكَرِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. (وَ) يُقْطَعُ (أَنْفٌ صَحِيحٌ) شَمًّا وَغَيْرَهُ (بِأَخْشَمَ) وَهُوَ مَنْ فَقَدَ شَمَّهُ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَا يَحِلُّ جِرْمَ الْأَنْفِ وَبِأَجْذَمَ وَإِنْ اسْوَدَّ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ. وَيُقْطَعُ أَنْفٌ سَقَطَ بَعْضُهُ وَلَوْ صَحِيحًا بِمِثْلِهِ وَلَوْ أَجْذَمَ، فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بَعْضُهُ، وَكَانَ صَحِيحًا قُطِعَ مَعَ الصَّحِيحِ مِثْلُ مَا كَانَ بَقِيَ مِنْ أَنْفِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَوْ أَجْذَمَ إنْ أَمْكَنَ. (وَ) تُقْطَعُ (أُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ) وَهُوَ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَعَكْسُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَيْسَ فِي جِرْمِ الْأُذُنِ، وَكَذَا صَحِيحَةٌ بِمُسْتَحْشِفَةٍ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ: بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَبِمَثْقُوبَةٍ ثَقْبًا غَيْرَ شَائِنٍ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ مِنْ جَمِيعِ الصَّوْتِ وَرَدِّ الْهَوَامِّ، بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ الشَّلَّاوَيْنِ، وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِمَخْرُومَةٍ وَمَثْقُوبَةٍ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ فِيهِمَا. وَالْمَخْرُومَةُ مَا قُطِعَ بَعْضُهَا بَلْ يُقْتَصُّ فِيهَا بِقَدْرِ مَا بَقِيَ كَمَا مَرَّ، وَتُقْطَعُ مَخْرُومَةٌ بِصَحِيحَةٍ وَيُؤْخَذُ أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْهَا، وَثَقْبُ الْأُذُنِ الشَّائِنُ كَالْخَرْمِ فِيمَا ذُكِرَ. تَنْبِيهٌ: الْتِصَاقُ الْأُذُنِ بَعْدَ الْإِبَانَةِ لَا يُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَلَا الدِّيَةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْإِبَانَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَلَا يُوجِبُ قِصَاصًا وَلَا دِيَةً بِقَطْعِهَا ثَانِيًا لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ، وَلَا مُطَالَبَةً لِلْجَانِي بِقَطْعِهَا، وَأَمَّا الْتِصَاقُهَا وَقَطْعُهَا ثَانِيًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ فَيُسْقِطُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْأَوَّلِ وَيُوجِبُهُمَا عَلَى الثَّانِي، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ عَلَى الْجَانِي أَوَّلًا، وَيَجِبُ قَطْعُ الْأُذُنِ الْمُبَانَةِ إذَا الْتَصَقَتْ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ مَحْذُورَ التَّيَمُّمِ لِنَجَاسَةِ بَاطِنِ الْأُذُنِ بِالدَّمِ الَّذِي ظَهَرَ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ، فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْطَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِجِلْدَةٍ وَالْتَصَقَتْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ قَطْعُهَا. وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْقَطْعَ ثَمَّ لِلدَّمِ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ مِنْهُ بِالْمُبَانِ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْبَدَنِ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَعَادَ إلَيْهِ بِلَا حَاجَةٍ، وَلِهَذَا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ، بِخِلَافِ الْمُتَّصِلِ مِنْهُ هُنَا، وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْضَ الْأُذُنِ وَالْتَصَقَ فَلَهُ قَطْعُهُ مَعَ بَاقِيهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْإِبَانَةَ. وَ (لَا) تُؤْخَذُ (عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ) وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْقَائِمَةَ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ فَلَا تُؤْخَذُ بِهَا الْمُبْصِرَةُ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ لِأَنَّ الْبَصَرَ فِي الْعَيْنِ بِخِلَافِ السَّمْعِ وَالشَّمِّ، وَتُؤْخَذُ الْعَمْيَاءُ بِالصَّحِيحَةِ إنْ رَضِيَ بِهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 267 وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ. وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ، لَا فِي كَسْرِهَا، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغِرْ فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَا يَصِحُّ عَطْفُ عَيْنٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيمَا قَبْلَهُ وَهُوَ يُقْطَعُ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ هُنَا، وَلِذَلِكَ قُدِّرَتْ فِي كَلَامِهِ تُؤْخَذُ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ، وَيُقْطَعُ جَفْنُ الْبَصِيرِ بِجَفْنِ الْأَعْمَى لِتَسَاوِي الْعُضْوَيْنِ فِي الْجِرْمِ وَالصِّحَّةِ، وَالْبَصَرُ لَيْسَ فِي الْجَفْنِ، لَكِنْ لَا يُؤْخَذُ جَفْنٌ لَهُ أَهْدَابٌ بِمَا لَا أَهْدَابَ لَهُ. (وَلَا) يُقْطَعُ (لِسَانٌ نَاطِقٌ) أَيْ مُتَكَلِّمٌ (بِأَخْرَسَ) لِأَنَّ النُّطْقَ فِي جِرْمِ اللِّسَانِ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ إنْ رَضِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ، وَلَا يَجِبُ مَعَهُ شَيْءٌ، وَيُقْطَعُ لِسَانُ نَاطِقٍ بِلِسَانِ رَضِيعٍ إنْ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرُ النُّطْقِ بِحَيْثُ يُحَرِّكُهُ عِنْدَ الْبُكَاءِ وَغَيْرِهِ، كَذَا قَالَاهُ هُنَا، لَكِنْ ذَكَرَا فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي لِسَانِ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ النُّطْقِ كَقَطْعِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ بَلَغَ أَوَانَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَجَبَ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهُ كَمَا لَوْ قُطِعَ يَدُهُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ. (وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ) قَالَ تَعَالَى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] نَعَمْ لَا تُؤْخَذُ الَّذِي بَطَلَ نَفْعُهَا أَوْ الَّتِي فِيهَا صِغَرٌ بِحَيْثُ لَمْ تَصْلُحْ لِلْمَضْغِ، أَوْ كَانَ بِهَا نَقْصٌ يَنْقُصُ بِهِ أَرْشُهَا كَأَنْ كَانَتْ إحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ أَنْقَصَ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ كَانَتْ مُضْطَرِبَةً اضْطِرَابًا شَدِيدًا إلَّا بِمِثْلِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِمَكْسُورَةٍ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ مَعَ أَرْشِ الذَّاهِبِ مِنْ الْمَكْسُورَةِ، وَتُؤْخَذُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى، وَ (لَا) قِصَاصَ (فِي كَسْرِهَا) بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ فَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ، وَلِأَهْلِ الصَّنْعَةِ آلَاتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الضَّبْطِ فَلَمْ يَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَاحْتُجَّ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ «أَنَّ أُخْتَهُ الرُّبَيِّعَ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَلَبُوا الْأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسٌ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا» وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا لَوْ قُلِعَتْ مِمَّنْ لَمْ يُثْغِرْ فَعَادَتْ نَاقِصَةً اُقْتُصَّ فِي الزِّيَادَةِ إنْ أَمْكَنَ (وَلَوْ قَلَعَ) شَخْصٌ مَثْغُورٌ، وَهُوَ الَّذِي سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ، وَهِيَ أَرْبَعٌ تَنْبُتُ وَقْتَ الرَّضَاعِ يُعْتَبَرُ سُقُوطُهَا لَا سُقُوطُ الْكُلِّ، قَالَهُ فِي الْأَنْوَارِ، فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا بِالرَّوَاضِعِ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ، أَوْ غَيْرُ مَثْغُورٍ (سِنَّ) كَبِيرٍ أَوْ (صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ الْمُثَلَّثِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ الْمُعْجَمِ أَيْ لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ الرَّوَاضِعُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا السُّقُوطُ، وَمِنْهَا الْمَقْلُوعَةُ (فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ) بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا فَأَشْبَهَ الشَّعْرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 268 فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَتْ الْبَوَاقِي وَعُدْنَ دُونَهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ: فَسَدَ الْمَنْبَتُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَا يُسْتَوْفَى لَهُ فِي صِغَرِهِ. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ " صَغِيرٍ " لَكَانَ أَخْصَرَ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ (فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَتْ الْبَوَاقِي) مِنْ الْأَسْنَانِ (وَعُدْنَ) أَيْ نَبَتْنَ (دُونَهَا) أَيْ الْمَقْلُوعَةِ (وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ) أَيْ الْخِبْرَةِ (فَسَدَ الْمَنْبَتُ) بِحَيْثُ لَا يُتَوَقَّعُ نَبَاتُهَا (وَجَبَ الْقِصَاصُ) فِيهَا حِينَئِذٍ لِلْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا. فَإِنْ قَالُوا: يُتَوَقَّعُ نَبَاتُهَا إلَى وَقْتِ كَذَا اُنْتُظِرَ، فَإِنْ مَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ تَعُدْ وَجَبَ الْقِصَاصُ (وَلَا يُسْتَوْفَى لَهُ) أَيْ لِلصَّغِيرِ (فِي صِغَرِهِ) بَلْ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ لِيَسْتَوْفِيَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَيُنْتَظَرُ كَمَالُ صَبِيِّهِمْ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْوَارِثِ، وَهَذَا فِي الْمُسْتَحِقِّ نَفْسِهِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ اقْتَصَّ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ أَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ حُصُولِ الْيَأْسِ وَقَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فَلَا قِصَاصَ لِوَارِثِهِ، وَكَذَا لَا دِيَةَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الدِّيَاتِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا إذَا نَبَتَتْ سَلِيمَةً لِوُضُوحِهِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ نَبَتَتْ سَوْدَاءَ أَوْ مِعْوَجَّةً أَوْ بَقِيَ شَيْنٌ أَوْ نَبَتَتْ أَطْوَلَ مِمَّا كَانَتْ أَوْ نَبَتَتْ مَعَهَا سِنٌّ ثَانِيَةٌ فَحُكُومَةٌ، وَإِنْ نَبَتَتْ أَقْصَرَ مِمَّا كَانَتْ وَجَبَ تَقْدِيرُ أَرْشِ النَّقْصِ مِنْ الْأَرْشِ أَوْ الْقِصَاصِ إنْ أَمْكَنَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ. (وَلَوْ قَلَعَ) مَثْغُورٌ (سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ) قَبْلَ أَخْذِ مِثْلِهَا مِنْ الْجَانِي أَوْ الْأَرْشِ عَنْهَا (لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ عَوْدَهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ كَمَا لَوْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ أَوْ انْدَمَلَتْ الْمُوضِحَةُ أَوْ نَبَتَ اللِّسَانُ، إذْ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ دِيَةُ مَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ كَالصَّغِيرِ إذَا عَادَ سِنُّهُ؛ لِأَنَّ مَا عَادَ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَأْخُذَ الْأَرْشَ فِي الْحَالِ وَلَا يُنْتَظَرُ عَوْدُهَا، فَإِنْ نَبَتَتْ بَعْدَ أَخْذِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لِلْجَانِي قَطْعُهَا وَلَا أَخْذُ الْأَرْشِ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الْأَرْشِ فَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ. تَنْبِيهٌ: فِي قَلْعِ سِنِّ الْمَثْغُورِ النَّابِتَةِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ قَلَعَهَا مِنْهُ الْجَانِي وَقَدْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ لِلْقَلْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَهُوَ سِنُّ الْجَانِي قَدْ فَاتَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ أَرْشَهَا لِلْقَلْعِ الْأَوَّلِ اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْقَلْعِ الثَّانِي وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَرْشَ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَقْتَصَّ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَأَرْشٌ أَوْ أَرَشَانِ بِلَا قِصَاصٍ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ قَلَعَ بَالِغٌ غَيْرُ مَثْغُورٍ سِنَّ مَثْغُورٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَرْشِ وَالْقِصَاصِ وَلَا أَرْشَ كَمَا فِي أَخْذِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ بَدَلَ الصَّحِيحَةِ وَانْقَطَعَ طَلَبُهُ بِذَلِكَ، فَلَوْ عَادَتْ السِّنُّ لَمْ تُقْلَعْ ثَانِيًا، وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَعَمَّا لَوْ قَلَعَ غَيْرُ مَثْغُورٍ سِنَّ مِثْلِهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ فِي الْحَالِ لِمَا مَرَّ فَإِنْ نَبَتَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ، وَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 269 وَلَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ أُصْبُعًا فَقَطَعَ كَامِلَةً قُطِعَ وَعَلَيْهِ أَرْشُ أُصْبُعٍ، وَلَوْ قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ، لَا إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ، وَأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَالَيْنِ حُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ. وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ مِثْلَهَا.   [مغني المحتاج] نَبَاتِهَا اُقْتُصَّ مِنْ الْقَالِعِ أَوْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ، فَإِنْ اُقْتُصَّ وَلَمْ تَعُدْ سِنُّ الْجَانِي فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَتْ كَانَ لَهُ قَلْعُهَا ثَانِيًا لِيُفْسِدَ مَنْبَتَهَا كَمَا أَفْسَدَ مَنْبَتَهُ، فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قَلْعِ غَيْرِ الْمَثْغُورِ سِنَّ الْمَثْغُورِ أَنَّهَا لَا تُقْلَعُ هُنَا ثَانِيًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَمَّ إنَّمَا تَوَجَّهَ لِسِنٍّ مُمَاثِلَةٍ لِسِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ بَعْدُ، فَلَمَّا لَمْ يَصْبِرْ إلَى وُجُودِهَا وَقَلَعَ الْمَوْجُودَةَ غَيْرَ الْمُمَاثِلَةِ سَقَطَ حَقُّهُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ، وَهُنَا تَوَجَّهَ إلَى الْمَوْجُودَةِ لِمُمَاثَلَتِهَا الْمَقْلُوعَةَ، فَإِذَا قَلَعَهَا وَلَمْ يُفْسِدْ مَنْبَتَهَا قَلَعَ الْمُعَادَةَ لِيُفْسِدَ مَنْبَتَهَا كَمَنْبَتِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهَا تُقْلَعُ ثَالِثًا، وَهَكَذَا حَتَّى يَفْسُدَ مَنْبَتُهَا. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إذَا طَلَعَتْ سِنُّ الْمَثْغُورِ ثَانِيًا أَنَّهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ أَنَّهَا لَا تُقْلَعُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَلْعِ ثَانِيًا. (وَلَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ) أَيْ شَخْصٍ (أُصْبُعًا) مَثَلًا (فَقَطَعَ) يَدًا (كَامِلَةً) أَصَابِعُهَا فَإِنْ شَاءَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُ الْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَ (قَطَعَ) يَدَ الْجَانِي (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْجَانِي (أَرْشُ أُصْبُعٍ) ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ مِنْهُ أُصْبُعًا لَمْ يَسْتَوْفِ قِصَاصَهَا فَيَكُونُ لَهُ أَرْشُهَا، وَعَكْسُ هَذِهِ الصُّورَةِ (وَ) هُوَ (لَوْ قَطَعَ كَامِلُ) أَصَابِعِ الْيَدِ يَدًا (نَاقِصَةً) أُصْبُعًا مَثَلًا (فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا) ؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْجِنَايَةِ، وَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهَا، وَلَيْسَ لَهُ قَطْعُ الْيَدِ الْكَامِلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ، وَلَا لَقْطُ الْبَعْضِ وَأَخْذُ أَرْشِ الْبَاقِي. (وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ) الْمَقْطُوعُ الْأَصَابِعَ الْأَرْبَعَ، وَ (لَا) تَجِبُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ (إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ) بَلْ تَنْدَرِجُ الْحُكُومَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ فَدَخَلَتْ فِيهَا دُونَ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا، وَالثَّانِي لَا تَجِبُ إذَا لَقَطَهُنَّ، وَتَدْخُلُ تَحْتَ قِصَاصِ الْأَصَابِعِ كَمَا تَدْخُلُ تَحْتَ دِيَتِهَا، فَإِنَّهُ أَحَدُ مُوجِبَيْ الْجِنَايَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَالَيْنِ) وَهُمَا حَالَةُ اللَّقْطِ، وَحَالَةُ أَخْذِ الدِّيَةِ (حُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ) الْبَاقِي، وَهِيَ مَا يُقَابِلُ مَنْبَتَ أُصْبُعِهِ الْبَاقِيَةِ. أَمَّا فِي حَالَةِ لَقْطِ الْأَصَابِعِ فَجَزْمًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيهِ. وَأَمَّا فِي حَالَةِ أَخْذِ الدِّيَةِ فَعَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَوْفَ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ يُتَخَيَّلُ انْدِرَاجُهُ فِيهِ وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَهُوَ خَاصٌّ بِحَالَةِ أَخْذِ الدِّيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ يَسْتَتْبِعُ الْكَفَّ كَمَا يَسْتَتْبِعُهَا كُلُّ الْأَصَابِعِ، وَيَأْتِي مَا ذُكِرَ فِيمَا لَوْ كَانَتْ يَدُ الْجَانِي زَائِدَةَ أُصْبُعٍ وَيَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُعْتَدِلَةً فَلَقَطَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَصَابِعَ الْجَانِي الْخَمْسَ. (وَلَوْ قَطَعَ) شَخْصٌ (كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ) عَلَيْهَا (فَلَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ) أَيْ الْقَاطِعِ (مِثْلَهَا) لِفَقْدِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْأُولَى وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ مِثْلَهَا إنْ حُمِلَ عَلَى حَالَةِ الْجِنَايَةِ اقْتَضَى أَنَّ وُجُودَ الْأَصَابِعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 270 وَلَوْ قَطَعَ فَاقِدُ الْأَصَابِعِ كَامِلَهَا قَطَعَ كَفَّهُ وَأَخَذَ دِيَةَ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ شَلَّتْ أُصْبُعَاهُ فَقَطَعَ يَدًا كَامِلَةً، فَإِنْ شَاءَ لَقَطَ الثَّلَاثَ السَّلِيمَةَ وَأَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَقَنَعَ بِهَا.   [مغني المحتاج] مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إنَّمَا هُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، لَا الْوُجُوبِ، فَإِذَا سَقَطَتْ الْأَصَابِعُ حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْكَفِّ فَيُقْتَصُّ كَمَا صَرَّحُوا فِيمَا إذَا قَطَعَ سَلِيمُ الْيَدِ الْأُنْمُلَةَ الْوُسْطَى مِمَّنْ هُوَ فَاقِدُ الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ: تَكُونُ عَلَى قَصِيرٍ صَحَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا لَوْ كَانَ فَاقِدَهَا عِنْدَ الْجِنَايَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَلَوْ قَطَعَ فَاقِدُ الْأَصَابِعِ كَامِلَهَا قَطَعَ) الْمُسْتَحِقُّ (كَفَّهُ وَأَخَذَ دِيَةَ الْأَصَابِعِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا فِي مُقَابَلَتِهَا. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ عُلِمَتْ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ قَطَعَ نَاقِصُ الْيَدِ أُصْبُعَ يَدٍ كَامِلَةٍ (وَلَوْ) (شَلَّتْ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَحَكَى غَيْرُهُ الضَّمَّ (أُصْبُعَاهُ) مَثَلًا (فَقَطَعَ يَدًا كَامِلَةً فَإِنْ شَاءَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (لَقَطَ) أَصَابِعَ الْجَانِي (الثَّلَاثَ السَّلِيمَةَ) لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِأَصَابِعِهِ (وَأَخَذَ دِيَةَ أُصْبُعَيْنِ) لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ مَعَ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ حُكُومَةِ الْكَفِّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ هُنَا لِفَهْمِهِ مِمَّا سَبَقَ فِيمَا لَوْ قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً (وَإِنْ شَاءَ) الْمَقْطُوعُ (قَطَعَ يَدَهُ وَقَنَعَ بِهَا) وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ أَرْشِ الْأُصْبُعَيْنِ الشَّلَّاوَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَتْ يَدُهُ شَلَّاءَ جَمِيعُهَا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَعَ قَطْعِهَا فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى تَتِمَّةٌ: لَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ أَصْلِيَّةٍ يَدًا مُعْتَدِلَةً لَقَطَ الْمُعْتَدِلُ خَمْسَ أَصَابِعَ وَأَخَذَ سُدُسَ دِيَةِ يَدٍ وَحُكُومَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْكَفِّ وَيَحُطُّ شَيْئًا مِنْ السُّدُسِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَوْ الْتَبَسَتْ الزَّائِدَةُ بِالْأَصْلِيَّةِ فَلَا قَطْعَ، فَإِنْ لَقَطَ خَمْسًا كَفَاهُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ قَطَعَ ذُو السِّتِّ أُصْبُعَ مُعْتَدِلٍ قُطِعَتْ أُصْبُعُهُ الْمُمَاثِلَةُ لِلْمَقْطُوعَةِ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا بَيْنَ خُمُسِ دِيَةِ الْيَدِ وَسُدُسِهَا، وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّ خُمُسَهَا عَشَرَةٌ وَسُدُسَهَا ثَمَانِيَةٌ وَثُلُثٌ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَوْ قَطَعَ مُعْتَدِلُ الْيَدِ ذَاتَ السِّتِّ الْأَصْلِيَّةِ قُطِعَ يَدُهُ وَأُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلزِّيَادَةِ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا مِنْهَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ خُمُسٍ بِسُدُسٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُدُسُ دِيَةٍ، وَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعَيْنِ مِنْهَا قَطَعَ صَاحِبُهَا مِنْهُ أُصْبُعًا وَأَخَذَ مَا بَيْنَ خُمُسِ دِيَةِ يَدٍ وَثُلُثِهَا وَهُوَ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَانِ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهَا ثَلَاثًا قُطِعَ مِنْهُ أُصْبُعَانِ وَأَخَذَ مَا بَيْنَ نِصْفِ دِيَةِ الْيَدِ وَخُمُسَيْهَا، وَهُوَ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ وَتُقْطَعُ أُصْبُعٌ ذَاتُ أَرْبَعِ أَنَامِلَ أَصْلِيَّةٍ بِمُعْتَدِلَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، إذْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ لَا تُقْطَعُ بِمَنْ لَهُ خَمْسٌ كَمَا مَرَّ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ فِي مُنْفَصِلَاتِ الْعَدَدِ، وَقِيلَ لَا تُقْطَعُ بِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، بَلْ يُقْطَعُ ثَلَاثُ أَنَامِلَ، وَيُؤْخَذُ التَّفَاوُتُ، وَتُقْطَعُ أُنْمُلَةُ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ أَنَامِلَ بِأُنْمُلَةِ الْمُعْتَدِلِ مَعَ أَخْذِ مَا بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ مِنْ دِيَةِ أُصْبُعٍ وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بَعِيرٍ؛ لِأَنَّ أُنْمُلَةَ الْمُعْتَدِلِ ثُلُثُ أُصْبُعٍ، وَأُنْمُلَةَ الْقَاطِعِ رُبْعُ أُصْبُعٍ، وَإِنْ قَطَعَهَا الْمُعْتَدِلُ فَلَا قِصَاصَ وَلَزِمَهُ رُبْعُ دِيَةِ أُصْبُعٍ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ الْمُعْتَدِلُ أُنْمُلَتَيْنِ قَطَعَ مِنْهُ أُنْمُلَةً وَأَخَذَ مِنْهُ مَا بَيْنَ ثُلُثِ دِيَتِهَا وَنِصْفِهَا، وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 271 فَصْلٌ: قَدَّ مَلْفُوفًا وَزَعَمَ مَوْتَهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا وَزَعَمَ نَقْصَهُ فَالْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي] (فَصْلٌ) فِي اخْتِلَافِ وَلِيِّ الدَّمِ وَالْجَانِي إذَا (قَدَّ) شَخْصٌ شَخْصًا (مَلْفُوفًا) فِي ثَوْبٍ أَوْ هَدَمَ عَلَيْهِ جِدَارًا (وَزَعَمَ) أَيْ ادَّعَى (مَوْتَهُ) حِينَ الْقَدِّ أَوْ الْهَدْمِ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ حَيَاتَهُ حِينَئِذٍ (صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ كَانَ مَلْفُوفًا عَلَى هَيْئَةِ التَّكْفِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فَأَشْبَهَ مَنْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُسْلِمًا وَادَّعَى رِدَّتَهُ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْجَانِي، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَقِيلَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلْفُوفًا عَلَى هَيْئَةِ التَّكْفِينِ أَوْ فِي ثِيَابِ الْأَحْيَاءِ. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَحَقَّقَتْ حَيَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ يُقْطَعَ بِتَصْدِيقِ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ أَصْلٌ آخَرُ، وَإِذَا حَلَفَ الْوَلِيُّ فَلْيَحْلِفْ يَمِينًا وَاحِدَةً، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ عَلَى الْقَتْلِ وَهُنَا عَلَى حَيَاةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَسَوَّى الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، وَالْوَاجِبُ بِحَلِفِ الْوَلِيِّ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْقَتْلِ عَفْوَ الْوَلِيِّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْوَلِيُّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ أَوْ كَالْإِقْرَارِ وَكِلَاهُمَا يَثْبُتُ بِهِ الْقِصَاصُ، وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِحَيَاةِ الْمَلْفُوفِ، وَلِمَنْ رَآهُ يَلْتَفُّ أَوْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ الشَّهَادَةُ بِحَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهَا حَالَةَ الْقَدِّ أَوْ الْهَدْمِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِأَنَّهُ رَآهُ يَلْتَفُّ أَوْ يَدْخُلُ الْبَيْتَ. (وَلَوْ) قَتَلَ شَخْصًا ثُمَّ ادَّعَى رِقَّهُ وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وَالظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ، وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِحُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَجْهُولِ وَإِنْ (قَطَعَ طَرَفًا) لِغَيْرِهِ أَوْ جَنَى عَلَى عُضْوِهِ (وَزَعَمَ نَقْصَهُ) كَشَلَلٍ أَوْ خَرَسٍ أَوْ فَقْدِ أُصْبُعٍ وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (فَالْمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ) أَيْ الْجَانِي بِيَمِينِهِ (إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ وَالْعَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَرَفَ بِأَصْلِ السَّلَامَةِ أَوْ أَنْكَرَهُ فِي عُضْوٍ بَاطِنٍ كَالْفَخِذِ (فَلَا) يُصَدَّقُ الْجَانِي بَلْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ. وَالْفَرْقُ عُسْرُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ حُدُوثِ نَقْصِهِ وَالثَّانِي تَصْدِيقُ الْجَانِي مُطْلَقًا لِأَصْلِ الْبَرَاءَةِ. وَالثَّالِثُ تَصْدِيقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِأَصْلِ السَّلَامَةِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ طُرُقٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ بَدَلَ قَطَعَ: جَنَى عَلَى عُضْوٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ضَوْءَ الْعَيْنِ وَذَهَابَ السَّمْعِ وَالشَّمِّ وَنَقْصَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَاطِنِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مَا يُعْتَادُ سَتْرُهُ مُرُوءَةً، وَقِيلَ مَا يَجِبُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ، وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَإِذَا صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ قَالَ الشَّارِحُ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 272 أَوْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ وَزَعَمَ سِرَايَةً، وَالْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا أَوْ سَبَبًا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ. وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَزَعَمَ سَبَبًا وَالْوَلِيُّ سِرَايَةً.   [مغني المحتاج] فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قَدِّ الْمَلْفُوفِ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَالْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الْمَلْفُوفِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْجَانِيَ ثَمَّ لَمْ يَعْتَرِفْ بِبَدَلٍ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْجَانِيَ احْتَاجَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إلَى بَيِّنَةٍ بِالسَّلَامَةِ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي قَوْلُ الشُّهُودِ كَانَ صَحِيحًا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَرُّضُهُمْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَلَهُمْ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ بِرُؤْيَةِ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ وَسَلَامَةِ الْبَصَرِ بِرُؤْيَةِ تَوَقِّيهِ الْمَهَالِكَ وَإِطَالَةِ تَأَمُّلِهِ لِمَا يَرَاهُ بِخِلَافِ التَّأَمُّلِ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الْأَعْمَى، وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ كَفَّ آخَرَ مَثَلًا وَاخْتَلَفَا فِي نَقْصِ أُصْبُعٍ صُدِّقَ مُنْكِرُ الْوُجُودِ بِيَمِينِهِ. (أَوْ) قَطَعَ (يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (وَزَعَمَ) الْجَانِي (سِرَايَةً) أَيْ أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ، أَوْ قَالَ: قَتَلْتُهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (وَ) زَعَمَ (الْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا) قَبْلَ مَوْتِهِ (أَوْ) زَعَمَ (سَبَبًا) آخَرَ لِلْمَوْتِ عَيَّنَهُ كَقَوْلِهِ: قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ قَتَلَهُ آخَرُ (فَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السِّرَايَةِ، وَلِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ فَتَجِبُ دِيَتَانِ وَالثَّانِي تَصْدِيقُ الْجَانِي بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِمُمْكِنٍ عَمَّا لَا يُمْكِنُ لِقِصَرِ زَمَنِهِ كَقَوْلِهِ: انْدَمَلَ الْجُرْحُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُصَدَّقُ الْجَانِي فِي قَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَلِيُّ السَّبَبَ فَيُنْظَرُ إنْ أَمْكَنَ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ صُدِّقَ الْجَانِي أَنَّهُ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ أَوْ بِقَتْلِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: بِيَمِينِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ فِي دَعْوَى قَتْلِهِ، أَمَّا فِي دَعْوَى السِّرَايَةِ فَيُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لِلْجَانِي: أَنْتَ قَتَلْتَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيْكَ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ: قَبْلَ الِانْدِمَالِ فَعَلَيَّ دِيَةٌ وَأَمْكَنَ الِانْدِمَالُ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَسَقَطَتْ الثَّالِثَةُ بِحَلِفِ الْجَانِي، فَحَلِفُهُ أَفَادَ سُقُوطَهَا، وَحَلِفُ الْوَلِيِّ أَفَادَ دَفْعَ النَّقْصِ عَنْ دِيَتَيْنِ فَلَا يُوجِبُ زِيَادَةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْدِمَالُ حَلَفَ الْجَانِي عَمَلًا بِالظَّاهِرِ. (وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ) وَمَاتَ (وَزَعَمَ) الْجَانِي (سَبَبًا) آخَرَ لِلْمَوْتِ غَيْرَ الْقَطْعِ كَشُرْبِ سُمٍّ مُوَحٍّ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الَّذِي يَقْتُلُ فِي الْحَالِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ (وَ) زَعَمَ (الْوَلِيُّ سِرَايَةً) مِنْ قَطْعِ الْجَانِي فَعَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ بِيَمِينِهِ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ الْجَانِي السَّبَبَ أَمْ أَبْهَمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ، وَقُدِّمَ هَذَا الْأَصْلُ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مِنْ تَصْحِيحِ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ تَصْدِيقُ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ سَبَبٍ آخَرَ. أُجِيبَ بِأَنَّا إنَّمَا صَدَّقْنَا الْوَلِيَّ ثَمَّ مَعَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ قَدْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ ظَاهِرًا بِدِيَتَيْنِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُ الْمُسْقِطِ لِإِحْدَاهُمَا وَهُوَ السِّرَايَةُ فَكَانَتْ الْإِحَالَةُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْوَلِيُّ أَقْوَى، إذْ دَعْوَاهُ قَدْ اُعْتُضِدَتْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ شَغْلُ ذِمَّةِ الْجَانِي، وَإِنْ عَادَ الْجَانِي بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ فَقَتَلَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ حَتَّى تَلْزَمَهُ دِيَةٌ وَادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَهُ دِيَةٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 273 وَلَوْ أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ وَزَعَمَهُ قَبْلَ انْدِمَالِهِ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا حَلَفَ الْجَرِيحُ وَثَبَتَ أَرْشَانِ. قِيلَ: وَثَالِثٌ. فَصْلٌ: الصَّحِيحُ ثُبُوتُهُ لِكُلِّ وَارِثٍ.   [مغني المحتاج] وَنِصْفٌ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الْوَلِيُّ وَقَاطِعُ الْيَدَيْنِ أَوْ الْيَدِ فِي مُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الِانْدِمَالِ صُدِّقَ مُنْكِرُ الْإِمْكَانِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَلَوْ قَطَعَ شَخْصٌ أُصْبُعَ آخَرَ فَدَاوَى جُرْحَهُ ثُمَّ سَقَطَتْ الْكَفُّ، فَقَالَ الْمَجْرُوحُ تَأَكَّلَ مِنْ الْجُرْحِ، وَقَالَ الْجَانِي مِنْ الدَّوَاءِ صُدِّقَ الْمَجْرُوحُ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ إلَّا إنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ هَذَا الدَّوَاءَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ فَيُصَدَّقُ الْجَارِحُ بِيَمِينِهِ. (وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الْحَاجِزَ) بَيْنَهُمَا وَالْجَمِيعُ عَمْدٌ أَوْ بِشُبْهَةٍ أَوْ خَطَأٌ (وَزَعَمَهُ) أَيْ الرَّفْعَ (قَبْلَ انْدِمَالِهِ) أَيْ الْإِيضَاحِ حَتَّى يَجِبَ أَرْشٌ وَاحِدٌ، وَزَعَمَ الْجَرِيحُ أَنَّ الرَّفْعَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ حَتَّى يَجِبَ أَرْشُ ثَلَاثِ مُوضِحَاتٍ (صُدِّقَ) الْجَانِي بِيَمِينِهِ (إنْ أَمْكَنَ) عَدَمُ الِانْدِمَالِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ عَدَمُ الِانْدِمَالِ بِأَنْ طَالَ الزَّمَانُ (حَلَفَ الْجَرِيحُ) أَنَّهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ (وَثَبَتَ) لَهُ (أَرْشَانِ) لِلْمُوضِحَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْحَالَيْنِ (قِيلَ: وَ) أَرْشٌ (ثَالِثٌ) لِرَفْعِ الْحَاجِزِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ رَفْعُ الْحَاجِزِ بِاعْتِرَافِهِ وَثَبَتَ الِانْدِمَالُ بِيَمِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ مُوضِحَةٌ ثَالِثَةٌ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَلِفَهُ دَافِعٌ لِلنَّقْصِ عَنْ أَرْشَيْنِ فَلَا يُوجِبُ أَرْشًا آخَرَ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا رَفَعْتُ الْحَاجِزَ أَوْ رَفَعَهُ آخَرُ، وَقَالَ الْجَانِي بَلْ أَنَا رَفَعْتُهُ أَوْ رُفِعَ بِالسِّرَايَةِ صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوضِحَتَيْنِ مُوجِبَتَانِ أَرْشَيْنِ، فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهُمَا وَاسْتِمْرَارهمَا، وَإِنْ قَالَ الْجَانِي: لَمْ أُوضِحْ إلَّا وَاحِدَةً، وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ أَوْضَحْتَ مُوضِحَتَيْنِ وَأَنَا رَفَعْتُ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الزِّيَادَةِ. [فَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ] (فَصْلٌ) فِي مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ وَمُسْتَوْفِيهِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (ثُبُوتُهُ) أَيْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ ابْتِدَاءً لَا تَلَقِّيًا مِنْ الْقَتِيلِ (لِكُلِّ وَارِثٍ) خَاصٍّ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَةِ: أَيْ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، وَإِلَّا لَجَازَ انْفِرَادُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ بِالْقِصَاصِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُقَسَّمُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُوَرَّثُ فَكَانَ كَالْمَالِ، فَلَوْ خَلَّفَ قَتِيلٌ زَوْجَتَهُ وَابْنًا كَانَ لَهَا الثُّمُنُ وَلِلِابْنِ الْبَاقِي وَالثَّانِي يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ الذُّكُورِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِرَفْعِ الْعَارِ فَاخْتُصَّ بِهِمْ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 274 وَيُنْتَظَرُ غَائِبُهُمْ وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ، وَمَجْنُونِهِمْ. وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ وَلَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ، وَلْيَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ.   [مغني المحتاج] وَالثَّالِثُ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُونَ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّشَفِّي. أَمَّا قِصَاصُ الطَّرَفِ إذَا مَاتَ مُسْتَحِقُّهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ قَطْعًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُحْتَمَلُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ الَّذِي فِي النَّفْسِ فِيهِ؛ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا ارْتَدَّ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَنَفْسُهُ هَدَرٌ وَيَسْتَوْفِي جُرْحَهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ، وَخَرَجَ بِالْوَارِثِ الْخَاصِّ الْعَامُّ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ هَلْ يَقْتَصُّ أَوْ لَا؟ وَأَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَصُّ، وَعَلَيْهِ فَيَقْتَصُّ الْإِمَامُ مَعَ الْوَارِثِ غَيْرِ الْحَائِزِ، وَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ، وَقِيَاسُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِيهِ أَيْضًا. وَمَحَلُّ ثُبُوتِهِ لِلْوَرَثَةِ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ. أَمَّا فِيهِ فَالْقِصَاصُ حَتْمٌ بِشَرْطِهِ الْآتِي فِي بَابِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَيَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ دُونَ الْوَرَثَةِ. (وَيُنْتَظَرُ) حَتْمًا فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (غَائِبُهُمْ) إلَى حُضُورِهِ أَوْ إذْنِهِ (وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ) بِبُلُوغِهِ عَاقِلًا (وَ) كَمَالُ (مَجْنُونِهِمْ) بِإِفَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي فَحَقُّهُ التَّفْوِيضُ إلَى خِيَرَةِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِاسْتِيفَاءِ غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ حَكَمَ لِلْكَبِيرِ حَاكِمٌ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، حَكَاهُمَا وَالِدُ الرُّويَانِيِّ عَنْ جَدِّهِ، وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَقِيرَيْنِ مُحْتَاجَيْنِ لِلنَّفَقَةِ جَازَ لِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ غَيْرِ الْوَصِيِّ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ دُونَ وَلِيِّ الصَّبِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّ لِلصَّبِيِّ غَايَةً تُنْتَظَرُ، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ. وَقِيلَ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ فِي الصَّبِيِّ أَيْضًا، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَنَبَّهْتُ فِي شَرْحِهِ عَلَى ضَعْفِهِ، أَمَّا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يُنْتَظَرُ مَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ. . (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ) أَوْ الْقَاطِعُ حَتْمًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَى أَنْ يَزُولَ الْمَانِعُ حِفْظًا لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ، وَفِيهِ إتْلَافُ نَفْسٍ وَمَنْفَعَةٌ، فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ نَفْسِهِ أَتْلَفْنَا مَنْفَعَتَهُ بِالْحَبْسِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ فِي حَبْسِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ عِنْدَهُ إلَى إذْنِ الْوَلِيِّ وَالْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ (وَلَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَهْرُبُ فَيُفَوَّتُ الْحَقُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْحَبْسِ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. أَمَّا فِيهِ فَالْقِصَاصُ مُتَحَتِّمٌ بِشَرْطِهِ فَلَا يُؤَخَّرُ (وَلْيَتَّفِقُوا) أَيْ مُسْتَحِقُّو الْقِصَاصِ الْمُكَلَّفُونَ الْحَاضِرُونَ (عَلَى مُسْتَوْفٍ) لَهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ لِلْجَانِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ بِنَحْوِ إغْرَاقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَوْفِي الَّذِي يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي طَرَفٍ، بَلْ يَتَعَيَّنُ تَوْكِيلُ أَجْنَبِيٍّ إذَا لَمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 275 وَإِلَّا فَقُرْعَةٌ. يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ وَيَسْتَنِيبُ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ. وَلَوْ بَدَرَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ فَالْأَظْهَرُ لَا قِصَاصَ، وَلِلْبَاقِينَ قِسْطُ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمُبَادِرِ.   [مغني المحتاج] يَأْذَنْ الْجَانِي كَمَا سَيَأْتِي (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ، بَلْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ (فَقُرْعَةٌ) بَيْنَهُمْ وَاجِبَةٌ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ تَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ بَعْدَهَا، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي التَّزْوِيجِ، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يُزَوِّجُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِمْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ، وَلِجَمِيعِهِمْ وَلِبَعْضِهِمْ تَأْخِيرُهُ كَإِسْقَاطِهِ، وَالنِّكَاحُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ. . تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الْقُرْعَةِ إذَا كَانَ الْقِصَاصُ بِجَارِحٍ أَوْ مُثْقَلٍ يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ فَإِنْ كَانَ بِإِغْرَاقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ رَمْيِ صَخْرَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلِلْوَرَثَةِ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَلَا حَاجَةَ لِلْقُرْعَةِ، وَعَلَى وُجُوبِ الْقُرْعَةِ (يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ) عَنْ الِاسْتِيفَاءِ كَشَيْخٍ وَامْرَأَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ حَقٍّ كَالْقَادِرِ (وَيَسْتَنِيبُ، وَقِيلَ) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (لَا يَدْخُلُ) وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ: إنَّ الْأَوَّلَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِيفَاءِ فَيَخْتَصُّ بِأَهْلِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَتْ لِقَوِيٍّ فَعَجَزَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ أُعِيدَتْ لِلْبَاقِينَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْمَرْأَةِ تَخْصِيصُهَا بِالْعَاجِزَةِ، فَلَوْ كَانَتْ قَوِيَّةً جَازَ لَهَا الِاسْتِيفَاءُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي (وَلَوْ بَدَرَ) أَيْ أَسْرَعَ (أَحَدُهُمْ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْقِصَاصِ (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْجَانِيَ قَبْلَ الْعَفْوِ (فَالْأَظْهَرُ) أَنَّهُ (لَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ فَيَدْفَعُ حَقُّهُ الْعُقُوبَةَ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ. (وَلِلْبَاقِينَ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (قِسْطُ الدِّيَةِ) لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ (مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْمُبَادِرَ فِيمَا وَرَاءَ حَقِّهِ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ أَخَذَ الْوَرَثَةُ الدِّيَةَ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي لَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَكَذَا هُنَا، وَلِوَارِثِ الْجَانِي عَلَى الْمُبَادِرِ قِسْطُ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ (وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمُبَادِرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ حَقِّ غَيْرِهِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ أَنَّهُمْ بِالْخِيَارِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَحَقَّ طَرَفًا فَاسْتَوْفَى نَفْسًا، وَعَلَى هَذَا إذَا اقْتَصَّ مِنْهُ اسْتَحَقَّ وَرَثَتُهُ قِسْطَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي كَالْبَاقِينَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ لَهُ بِقِصَاصٍ وَلَا مَنْعٍ؛ فَإِنْ جَهِلَهُ أَوْ حَكَمَ لَهُ بِهِ حَاكِمٌ فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا، أَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ مِنْ الْقِصَاصِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ جَزْمًا، وَفِيمَنْ يَحْمِلُ الدِّيَةَ إذَا قَتَلَهُ الْمُبَادِرُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ قَوْلَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 276 وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ، وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.   [مغني المحتاج] الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. (وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ عَفْوِ غَيْرِهِ) مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) فِي الْأَصَحِّ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ أَمْ لَا، لِارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْقَوَدِ سَقَطَ بِعَفْوِ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْوَكِيلُ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِالْعَزْلِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْوَرَثَةِ الْإِقْدَامُ بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ. تَنْبِيهٌ: بَادَرَ: لُغَةٌ فِي بَدَرَ (وَقِيلَ لَا) قِصَاصَ عَلَيْهِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِعَفْوِ غَيْرِهِ (وَ) لَمْ (يَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ) أَيْ بِنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُبَادِرِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ اخْتِصَاصُ جَرَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ بِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ مَعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ أَحَدُهُمَا كَافٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ فَيَصِحُّ، وَيُوَجَّهُ عَدَمُ الْقِصَاصِ فِي نَفْيِهِمَا أَوْ الْعِلْمُ فَقَطْ بِعَدَمِ الْعِلْمِ، وَفِي نَفْيِ الْحُكْمِ بِشُبْهَةٍ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ الْوَرَثَةِ الِانْفِرَادَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلَانِ كَمَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا لُزُومَ الْقِصَاصِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ بِالْعَفْوِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحٍ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا لُزُومَ الْقِصَاصِ جَزْمًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَفْوِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِالسُّقُوطِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ لِلْجَانِي فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ وَارِثُ الْجَانِي عُمِلَ بِمُقْتَضَى الْعَفْوَيْنِ: مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ وَعَدَمِهِ (وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ) فِي نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) فِيهِ لِخَطَرِهِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ يَفْتَقِرُ إلَى اجْتِهَادٍ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِيفَاءِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ هُنَا الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ، وَكَذَا الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَفِيدُ بِوِلَايَتِهِ إقَامَةَ الْحُدُودِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْإِمَامِ، بَلْ يَكْفِي إذْنُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُسَنُّ حُضُورُهُ أَوْ نَائِبِهِ وَحُضُورُ شَاهِدَيْنِ وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ، وَأَمْرُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةِ يَوْمِهِ وَبِالْوَصِيَّةِ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَبِالتَّوْبَةِ وَالرِّفْقُ فِي سَوْقِهِ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِيفَاءِ، وَسَتْرُ عَوْرَتِهِ وَشَدُّ عَيْنَيْهِ وَتَرْكُهُ مَمْدُودَ الْعُنُقِ وَكَوْنُ السَّيْفِ صَارِمًا إلَّا إنْ قَتَلَ بِكَالٍّ فَيُقْتَصُّ بِهِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ السَّيْفُ مَسْمُومًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ إذْنِ الْإِمَامِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا: السَّيِّدُ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ مِنْ رَقِيقِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ. ثَانِيهَا: إذَا انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَفِي مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا كَانَ بِمَكَانٍ لَا إمَامَ فِيهِ، وَيُوَافِقُهُمَا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ حَدُّ قَذْفٍ أَوْ تَعْزِيرٌ وَكَانَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 277 فَإِنْ اسْتَقَلَّ عُزِّرَ، وَيَأْذَنُ لِأَهْلٍ فِي نَفْسٍ، لَا فِي طَرَفٍ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ أَذِنَ فِي ضَرْبِ رَقَبَةٍ فَأَصَابَ غَيْرَهَا عَمْدًا عُزِّرَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَلَوْ قَالَ: أَخْطَأْت وَأَمْكَنَ عَزْلُهُ لَمْ يُعَزَّرْ. وَأُجْرَةُ الْجَلَّادِ   [مغني المحتاج] ثَالِثُهَا: إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مُضْطَرًّا فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَأَكْلُهُ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ. (فَإِنْ اسْتَقَلَّ) مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ مَا اُسْتُثْنِيَ اُعْتُدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَ (عُزِّرَ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِالْمَنْعِ أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، وَلَوْ قَتَلَ الْجَانِي بِكَالٍّ وَلَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ بِمِثْلِهِ، أَوْ بِمَسْمُومٍ كَذَلِكَ عُزِّرَ، وَإِنْ اسْتَوْفَى طَرَفًا بِمَسْمُومٍ فَمَاتَ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ السُّمُّ مُوَحِّيًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ (وَيَأْذَنُ) الْإِمَامُ أَوْ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ (لِأَهْلٍ) مِنْ مُسْتَحِقِّي الْقِصَاصِ فِي اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ (فِي نَفْسٍ) إذَا طَلَبَ ذَلِكَ لِيَكْمُلَ لَهُ التَّشَفِّي، وَاحْتَرَزَ بِالْأَهْلِ عَنْ غَيْرِهِ كَالشَّيْخِ وَالزَّمِنِ وَالْمَرْأَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ لِمَا فِي اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ، وَعَمَّا إذَا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ الْوَارِثُ الذِّمِّيُّ مِنْ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ كَافِرٌ عَلَى مُسْلِمٍ، وَيَأْذَنُ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ مُسْلِمٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْبُغَاةِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ عَدُوَّ الْجَانِي لِمَا يُخْشَى مِنْهُ مِنْ الْحَيْفِ، وَ (لَا) يَأْذَنُ لِأَهْلٍ (فِي طَرَفٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ الْحَيْفُ بِتَرْدِيدِ الْآلَةِ مَثَلًا فَيَسْرِي أَوْ يَزِيدُ فِي التَّعْذِيبِ وَالثَّانِي: يَأْذَنُ لَهُ كَالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ إبَانَةَ الطَّرَفِ مَضْبُوطَةٌ، وَلَا يَأْذَنُ أَيْضًا فِي حَدِّ قَذْفٍ، فَإِنَّ تَفَاوُتَ الضَّرَبَاتِ كَثِيرٌ، وَهُوَ حَرِيصٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمَنَافِعِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّرَفِ، فَإِذَا قَلَعَ عَيْنَهُ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْقَلْعِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِي التَّصْحِيحِ (فَإِنْ أَذِنَ) مَنْ مَرَّ لِأَهْلٍ فِي الِاسْتِيفَاءِ (فِي ضَرْبِ رَقَبَةٍ فَأَصَابَ غَيْرَهَا) كَأَنْ ضَرَبَ كَتِفَهُ (عَمْدًا) بِأَنْ اعْتَرَفَ بِهِ (عُزِّرَ) لِتَعَدِّيهِ (وَلَمْ يَعْزِلْهُ) الْإِمَامُ فِي الْأَصَحِّ لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ تَعَدَّى بِفِعْلِهِ، وَقِيلَ يَعْزِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتَعَدَّى ثَانِيًا. (وَلَوْ قَالَ: أَخْطَأْت وَأَمْكَنَ) الْخَطَأُ عَادَةً كَأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ مِمَّا يَلِي الرَّقَبَةَ (عَزَلَهُ) ؛ لِأَنَّ يُشْعِرُ بِعَجْزِهِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُخْطِئَ ثَانِيًا (وَلَمْ يُعَزَّرْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ إنْ حَلَفَ أَنَّهُ أَخْطَأَ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَاحْتُرِزَ بِأَمْكَنَ عَمَّا إذَا ادَّعَى الْخَطَأَ فِيمَا لَا يَقَعُ الْخَطَأُ بِمِثْلِهِ كَمَا إذَا ضَرَبَ رِجْلَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَإِنَّهُ يُلْتَحَقُ بِالْعَمْدِ. تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعَزْلِ مَخْصُوصٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ بِمَنْ لَمْ تُعْرَفْ مَهَارَتُهُ فِي ضَرْبِ الرِّقَابِ. أَمَّا هُوَ فَلَا يُعْزَلُ لِخَطَأٍ اتَّفَقَ لَهُ. (وَأُجْرَةُ الْجَلَّادِ) فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَهُوَ الْمَنْصُوبُ لِاسْتِيفَائِهِمَا، وَصْفٌ بِأَغْلَبِ أَوْصَافِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُقْتَصِّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 278 عَلَى الْجَانِي عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُقْتَصُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي الْحَرَمِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ.   [مغني المحتاج] اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لَا فِي جَلْدِ مَحْدُودٍ (عَلَى الْجَانِي) الْمُوسِرِ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ إنْ لَمْ يُنَصِّبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةُ حَقٍّ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ كَأُجْرَةِ كَيَّالِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ وَوَزْنِ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ نَصَّبَهُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْجَانِي، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اقْتَرَضَ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ أَيْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا أَوْ سَخَّرَ مَنْ يَقُومُ بِهِ عَلَى مَا يَرَاهُ، وَالثَّانِي هِيَ فِي الْحَدِّ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِي الْقِصَاصِ عَلَى الْمُقْتَصِّ، وَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَانِي التَّمْكِينُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْجَانِي: أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي وَلَا أُؤَدِّي الْأُجْرَةَ لَا يُجَابُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِفَقْدِ التَّشَفِّي، فَإِنْ أُجِيبَ وَفَعَلَ أَجْزَأَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِحُصُولِ الزُّهُوقِ وَإِزَالَةِ الطَّرَفِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ لَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْلِمُ نَفْسَهُ وَيُوهِمُ الْإِيلَامَ، فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ، وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلسَّارِقِ فِي قَطْعِ يَدِهِ جَازَ وَإِنْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ قَطْعِ يَدِ نَفْسِهِ فَقَدْ نُسِبَ لِلسَّهْوِ، وَيُجْزِئُ عَنْ الْحَدِّ وَإِنْ خَالَفَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّنْكِيلُ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الزَّانِي وَالْقَاذِفِ لَا يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ، وَلَا يُجْزِئُ لِمَا مَرَّ. (وَيَقْتَصُّ) الْمُسْتَحِقُّ (عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ جَزْمًا وَفِي الطَّرَفِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مُوجِبٌ الْإِتْلَافَ فَيُتَعَجَّلُ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ. (وَ) يَقْتَصُّ (فِي الْحَرَمِ) لِأَنَّهُ قَتْلٌ لَوْ وَقَعَ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَضْمَنْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ، وَسَوَاءٌ الْتَجَأَ إلَيْهِ أَمْ لَا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ قِيلَ لَهُ إنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ» ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ فَارًّا بِدَمٍ» لِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا يُؤَخَّرُ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى الْفَوْرِ مَا لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوْ مِلْكِ إنْسَانٍ فَيَخْرُجُ مِنْهُ وَيُقْتَلُ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ اسْتِعْمَالُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ الْمَذْكُورَ يَسِيرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ خِيفَ التَّلْوِيثُ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَكَذَا لَوْ الْتَجَأَ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُ إلَّا بِإِرَاقَةِ الدَّمِ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. (وَ) يُقْتَصُّ فِي (الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ) وَإِنْ كَانَ مُخْطَرًا، وَكَذَا لَا يُؤَخَّرُ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ قِصَاصًا لِطَرَفٍ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ قَطْعِ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ بِخِلَافِ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَالْجَلْدِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ الْأَطْرَافَ مُتَوَالِيَةً الجزء: 5 ¦ الصفحة: 279 وَتُحْبَسُ الْحَامِلُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ حَتَّى تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ وَيَسْتَغْنِيَ بِغَيْرِهَا، أَوْ فِطَامِ حَوْلَيْنِ.   [مغني المحتاج] وَلَوْ فُرِّقَتْ مِنْ الْجَانِي؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ فِي الْحَالِ. (وَتُحْبَسُ الْحَامِلُ) عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَبْسَهَا (فِي قِصَاصِ النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ) أَوْ الْمَعْنَى أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي (حَتَّى) تَضَعَ وَلَدَهَا وَ (تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ) وَهُوَ بِهَمْزٍ وَقَصْرٍ: اللَّبَنُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ النِّفَاسِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيَسْتَغْنِيَ) وَلَدُهَا (بِغَيْرِهَا) مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ بَهِيمَةٍ يَحِلُّ لَبَنُهَا (أَوْ فِطَامِ حَوْلَيْنِ) إنْ فُقِدَ مَا يَسْتَغْنِي الْوَلَدُ بِهِ، هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ فَوْرِيَّةِ الْقِصَاصِ. أَمَّا تَأْخِيرُهَا إلَى الْوَضْعِ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ؛ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا حَقَّانِ: حَقُّ الْجَنِينِ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي التَّعْجِيلِ، وَمَعَ الصَّبْرِ يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْجَنِينِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا. وَأَمَّا فِي قِصَاصِ الطَّرَفِ أَوْ الْمَعْنَى أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ فَلِأَنَّ فِي اسْتِيفَائِهِ قَدْ يَحْصُلُ إجْهَاضُ الْجَنِينِ وَهُوَ مُتْلِفٌ لَهُ غَالِبًا وَهُوَ بَرِيءٌ فَلَا يَهْلِكُ بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْدُثَ بَعْدَ وُجُوبِ الْعُقُوبَةِ أَوْ قَبْلَهَا حَتَّى إنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا بَعْدَ الرِّدَّةِ لَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا. وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا لِإِرْضَاعِ اللِّبَأِ فَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ مُحَقَّقًا أَوْ غَالِبًا مَعَ أَنَّ التَّأْخِيرَ يَسِيرٌ. وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا لِلِاسْتِغْنَاءِ بِغَيْرِهَا فَلِأَجْلِ حَيَاةِ الْوَلَدِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ التَّأْخِيرُ لِوَضْعِهِ فَوُجُوبُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ أَوْلَى، وَيُسَنُّ صَبْرُ الْوَلِيِّ بِالِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ وُجُودِ مُرْضِعَاتٍ يَتَنَاوَبْنَهُ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى تُوجَدَ امْرَأَةٌ رَاتِبَةٌ مُرْضِعَةٌ لِئَلَّا يَفْسُدَ خُلُقُهُ وَنَشْؤُهُ بِالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَبَنِ الْبَهِيمَةِ، وَتُجْبَرُ الْمُرْضِعَةُ بِالْأُجْرَةِ، فَلَوْ وُجِدَ مَرَاضِعُ وَامْتَنَعْنَ أَجْبَرَ الْحَاكِمُ مَنْ يَرَى مِنْهُنَّ بِالْأُجْرَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ فِطَامِ حَوْلَيْنِ. مَحَلُّهُ إذَا تَضَرَّرَ بِفَطْمِهِ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ عِنْدَهُمَا، وَإِلَّا فَعَلَ مَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ مِنْ نَقْصٍ فِي الْأُولَى مَعَ تَوَافُقِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ رِضَا السَّيِّدِ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ وَزِيَادَةٍ فِي الثَّانِيَةِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالْحَوْلَيْنِ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، وَهَذَا الْحَبْسُ مُتَعَلِّقٌ بِنَظَرِ الْمُسْتَحِقِّ، فَلَا يَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ طَلَبٍ، بِخِلَافِ الْحَبْسِ لِانْتِظَارِ الْغَائِبِ وَكَمَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَاكِمِ فَيَحْبِسُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُسْتَحِقُّ. فُرُوعٌ: لَوْ بَادَرَ الْمُسْتَحِقُّ وَقَتَلَهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ قَبْلَ وُجُودِ مَا يُغْنِيهِ فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ فِيهِ كَمَا لَوْ حَبَسَ رَجُلًا بِبَيْتٍ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ قَتَلَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَلَمْ يَنْفَصِلْ حَمْلُهَا أَوْ انْفَصَلَ سَالِمًا ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْجِنَايَةِ، فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ وَكَفَّارَةٌ، أَوْ مُتَأَلِّمًا ثُمَّ مَاتَ فَدِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَأَلُّمَهُ وَمَوْتَهُ مِنْ مَوْتِهَا، وَالدِّيَةُ وَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُبَاشَرُ بِالْجِنَايَةِ، وَلَا نَتَيَقَّنُ حَيَاتَهُ فَيَكُونُ هَلَاكُهُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ، وَإِنْ قَتَلَهَا الْوَلِيُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ عَلِمَا بِالْحَمْلِ أَوْ جَهِلَا، أَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْآمِرُ بِهِ وَالْمُبَاشِرُ كَالْآلَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 280 وَالصَّحِيحُ تَصْدِيقُهَا فِي حَمْلِهَا بِغَيْرِ مَخِيلَةٍ. وَمَنْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ أَوْ خَنِقٍ أَوْ تَجْوِيعٍ وَنَحْوِهِ اُقْتُصَّ بِهِ   [مغني المحتاج] لِصُدُورِ فِعْلِهِ عَنْ رَأْيِهِ وَبَحْثِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمُكْرَهَ حَيْثُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، فَإِنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ دُونَهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ لِاجْتِمَاعِ الْعِلْمِ مَعَ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَوْ قَتَلَهَا جَلَّادُ الْإِمَامِ جَاهِلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَوْ عَالِمًا فَكَالْوَلِيِّ يَضْمَنُ إنْ عَلِمَ دُونَ الْإِمَامِ، وَمَا ضَمِنَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْوَلِيِّ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: إنَّهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْحَمْلِ الْإِمَامُ وَالْجَلَّادُ وَالْوَلِيُّ، فَالْقِيَاسُ عَلَى مَا مَرَّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْإِمَامِ هُنَا أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، وَحَيْثُ ضَمَّنَا الْإِمَامَ الْغُرَّةَ فَهِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ بِالْحَمْلِ حَقِيقَةَ الْحَالِ، بَلْ الْمُرَادُ ظَنٌّ مُؤَكَّدٌ بِمَخَايِلِهِ. وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ فِي حَدٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِأَلَمِ الضَّرْبِ لَمْ تُضْمَنْ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِحَدٍّ أَوْ عُقُوبَةٍ عَلَيْهَا. وَإِنْ مَاتَتْ بِأَلَمِ الْوِلَادَةِ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ أَوْ بِهِمَا فَنِصْفُهَا، وَاقْتِصَاصُ الْوَلِيِّ مِنْهَا جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْ إذْنِهِ لَهُ فِي قَتْلِهَا كَوَكِيلٍ جَهِلَ عَزْلَ مُوَكِّلِهِ أَوْ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَسَيَأْتِي (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ (تَصْدِيقُهَا فِي 414 حَمْلِهَا) إذَا أَمْكَنَ حَمْلُهَا عَادَةً (بِغَيْرِ مَخِيلَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ مِنْ حَمْلٍ أَوْ حَيْضٍ، وَمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ كِتْمَانُ شَيْءٍ وَجَبَ قَبُولُهُ إذَا أَظْهَرَهُ كَالشَّهَادَةِ، وَلِقَبُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ الْغَامِدِيَّةِ فِي ذَلِكَ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ الْإِخْبَارِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ لِحَقِّ الْجَنِينِ، وَقَدْ حَكَى دَاوُد وَجْهًا فِيمَا إذَا لَمْ تُخْبِرْ بِهِ وَقُتِلَتْ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَهُوَ غَرِيبٌ. اهـ. وَالثَّانِي: لَا تُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَمْلِ، وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ظُهُورِ مَخَايِلِهِ أَوْ إقْرَارِ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ تَحْلِفُ أَوْ لَا؟ رَأْيَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ لَهَا غَرَضًا فِي التَّأْخِيرِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ الثَّانِي لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهَا، وَهُوَ الْجَنِينُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا أَدْرِي الَّذِي يُصَدِّقُهَا يَقُولُ بِالصَّبْرِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَمْ إلَى ظُهُورِ الْمَخَايِلِ؟ وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي فَإِنَّ التَّأْخِيرَ أَرْبَعُ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ ثَبْتٍ بَعِيدٌ. اهـ. لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَا دَامَ يَغْشَاهَا فَاحْتِمَالُ الْحَمْلِ مَوْجُودٌ، وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ الزَّوْجُ مِنْ الْوَطْءِ لِئَلَّا يَقَعَ حَمْلٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ وَلِيِّ الدَّمِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَادَةً كَآيِسَةٍ فَلَا تُصَدَّقُ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، فَإِنَّ الْحِسَّ يُكَذِّبُهَا، وَخَرَجَ بِقِصَاصِ النَّفْسِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُحْبَسُ لَهَا، وَلَا تُسْتَوْفَى أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمُرْضِعَةِ بَلْ تُرْضِعُهُ هِيَ وَلَا بَعْدَ الرَّضَاعِ حَتَّى يُوجَدَ لَهُ كَافِلٌ. (وَمَنْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ) كَسَيْفٍ أَوْ بِمُثْقَلٍ كَحَجَرٍ (أَوْ خَنِقٍ) بِكَسْرِ النُّونِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ، وَبِسُكُونِهِ عَنْ خَالِهِ الْفَارَابِيِّ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ مَعَ تَجْوِيزِهِ فَتْحَ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا، وَمَعْنَاهُ عَصْرُ الْحَلْقِ (أَوْ تَجْوِيعٍ وَنَحْوِهِ) كَتَغْرِيقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ وَإِلْقَاءٍ مِنْ شَاهِقٍ (اُقْتُصَّ بِهِ) أَيْ اقْتَصَّ الْوَلِيُّ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 281 أَوْ بِسِحْرٍ فَبِسَيْفٍ. وَكَذَا خَمْرٌ وَلِوَاطٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْمُمَاثَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ} [النحل: 126] (وقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَضَّ رَأْسَ يَهُودِيٍّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ جَارِيَةً بِذَلِكَ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِصَاصِ التَّشَفِّي، وَإِنَّمَا يَكْمُلُ إذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ وَجَبَ قَتْلُهُ، لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَافَأَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: اُقْتُصَّ بِهِ أَيْ لَهُ ذَلِكَ، لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ، فَلَوْ عَدَلَ إلَى السَّيْفِ جَازَ جَزْمًا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَكَمَا تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ فِي طَرِيقِ الْقَتْلِ تُرَاعَى فِي الْكَيْفِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ، فَفِي التَّجْوِيعِ يُحْبَسُ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ، وَفِي الْإِلْقَاءِ فِي الْمَاءِ أَوْ النَّارِ يُلْقَى فِي مَاءٍ وَنَارٍ مِثْلِهِمَا، وَيُتْرَكُ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَتُشَدُّ قَوَائِمُهُ عِنْدَ الْإِلْقَاءِ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ، وَفِي الْخَنْقِ يُخْنَقُ بِمِثْلِ مَا خَنَقَ بِمِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَفِي الْإِلْقَاءِ مِنْ الشَّاهِقِ يُلْقَى مِنْ مِثْلِهِ وَتُرَاعَى صَلَابَةُ الْمَوْضِعِ، وَفِي الضَّرْبِ بِالْمُثْقَلِ يُرَاعَى الْحَجْمُ وَعَدَدُ الضَّرَبَاتِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ عَلَى قَدْرِ الْحَجَرِ أَوْ النَّارِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ أُخِذَ بِالْيَقِينِ. وَقِيلَ: يَعْدِلُ إلَى السَّيْفِ، هَذَا إذَا عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَمُتْ بِذَلِكَ قَتَلَهُ، فَإِنْ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِهِ عَفَوْتُ عَنْهُ لَمْ يُمَكَّنْ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ. (أَوْ) قَتَلَ (بِسِحْرٍ فَبِسَيْفٍ) يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ عُمُومَ السِّحْرِ حَرَامٌ، لَا شَيْءَ مُبَاحٌ فَيُشْبِهُهُ وَلَا يَنْضَبِطُ، وَتَخْتَلِفُ تَأْثِيرَاتُهُ. وَفِي الْخَبَرِ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِمَا ذُكِرَ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَكَذَا خَمْرٌ) يُقْتَلُ غَالِبًا قَتْلَ جَانٍ بِهَا كَأَنْ أَوْجَرَهَا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فَبِسَيْفٍ يُقْتَلُ الْجَانِي. (وَلِوَاطٌ) يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَنْ لَاطَ بِصَغِيرٍ فَبِسَيْفٍ يُقْتَلُ اللَّائِطُ (فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مُمْتَنِعَةٌ لِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَيَتَعَيَّنُ السَّيْفُ، وَالثَّانِي فِي الْخَمْرِ يُوجِرُ مَائِعًا كَخَلٍّ أَوْ مَاءٍ، وَفِي اللِّوَاطِ يَدُسُّ فِي دُبُرِهِ خَشَبَةً قَرِيبَةً مِنْ آلَتِهِ وَيُقْتَلُ بِهَا، وَفِي مَعْنَى اللِّوَاطِ: مَا لَوْ جَامَعَ صَغِيرَةً فَقَتَلَهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَكِنْ يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الْعُدُولُ إلَى السَّيْفِ قَطْعًا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُشْعِرٌ بِاخْتِصَاصِ الْمُمَاثَلَةِ بِالنَّفْسِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُعْتَبَرُ فِي الطَّرَفِ أَيْضًا إنْ أَمْكَنَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ أَبَانَ طَرَفَهُ بِحَجَرٍ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ. فُرُوعٌ: لَوْ أَوْجَرَ بَوْلًا فَكَالْخَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ مَاءً نَجِسًا أَوْجَرَ مَاءً طَاهِرًا، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَإِنْ أَغْرَقَهُ بِالْمِلْحِ جَازَ تَغْرِيقُهُ فِي الْعَذْبِ دُونَ عَكْسِهِ وَإِنْ تَأْكُلْ الْحِيتَانُ الْأَوَّلَ، فَفِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 282 وَلَوْ جُوِّعَ كَتَجْوِيعِهِ فَلَمْ يَمُتْ زِيدَ، وَفِي قَوْلٍ السَّيْفُ. وَمَنْ عَدَلَ إلَى سَيْفٍ فَلَهُ. وَلَوْ قَطَعَ فَسَرَى فَلِلْوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ، وَلَهُ الْقَطْعُ ثُمَّ الْحَزُّ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ السِّرَايَةَ. وَلَوْ مَاتَ   [مغني المحتاج] جَوَازِ إلْقَاءِ الثَّانِي لِتَأْكُلَهُ وَجْهَانِ: أَقْرَبُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ. وَلَوْ قَتَلَهُ بِمَسْمُومٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ آلَةٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِمِثْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَهْرِيًّا يَمْنَعُ الْغُسْلَ. وَلَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً فَهَلْ يُقَادُ بِمِثْلِهَا، وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْحَيَّةُ مَوْجُودَةً لَمْ يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهَا أَيْ إذَا قُلْنَا تَنْهَشُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ رَجْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ بِالرَّجْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْجَلْدِ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ بِالْجَلْدِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ. (وَلَوْ جُوِّعَ) أَوْ حُرِّقَ أَوْ غُرِّقَ (كَتَجْوِيعِهِ) أَوْ تَحْرِيقِهِ أَوْ تَغْرِيقِهِ أَيْ كَمُدَّةِ ذَلِكَ (فَلَمْ يَمُتْ) مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ (زِيدَ) فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ لِيَكُونَ قَتْلُهُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي قَتَلَ بِهِ، وَلَا يُبَالِي بِزِيَادَةِ الْإِيلَامِ وَالتَّعْذِيبِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ رَقَبَةَ إنْسَانٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ تَنْحَزَّ رَقَبَتُهُ إلَّا بِضَرْبَتَيْنِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَفِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَفِي قَوْلٍ: السَّيْفُ) يُقْتَلُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: إنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقُلْ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ، وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ حَصَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَفْوِيتُ الرُّوحِ فَيَجِبُ تَفْوِيتُهَا بِالْأَسْهَلِ، وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ بِتَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. (وَمَنْ عَدَلَ) عَمَّا تَجُوزُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ (إلَى سَيْفٍ فَلَهُ) سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْجَانِي أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعُدُولِ إلَى السَّيْفِ حَيْثُ ذُكِرَ حَزُّ الرَّقَبَةِ عَلَى الْمَعْهُودِ، فَلَوْ عَدَلَ إلَى ذَبْحِهِ كَالْبَهِيمَةِ لَمْ يَجُزْ لِهَتْكِهِ الْحُرْمَةَ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ. أَمَّا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ كَانَ الْجَانِي قَتَلَ بِالسَّيْفِ وَيُرِيدُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ قَتْلَ الْجَانِي بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَوْ) قَتَلَهُ بِجُرْحٍ ذِي قِصَاصٍ كَأَنْ (قَطَعَ) يَدَهُ (فَسَرَى) قَطْعُهُ لِلنَّفْسِ (فَلِلْوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ) ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْجَانِي مِنْ الْقَطْعِ ثُمَّ الْحَزِّ (وَلَهُ الْقَطْعُ) لِلْمُمَاثَلَةِ (ثُمَّ الْحَزُّ) لِلرَّقَبَةِ حَالًّا لِلسِّرَايَةِ، وَلَا يُجَابُ الْجَانِي إذَا قَالَ لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: أَمْهِلْنِي مُدَّةَ بَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ جِنَايَتِي لِثُبُوتِ حَقِّ الْقِصَاصِ نَاجِزًا (وَإِنْ شَاءَ) الْوَلِيُّ أَخَّرَ، وَ (انْتَظَرَ السِّرَايَةَ) بَعْدَ الْقَطْعِ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَقُولَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: أَرِحْنِي بِالْقَتْلِ أَوْ الْعَفْوِ، بَلْ الْخِيَرَةُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ لِلْوَلِيِّ فِي صُورَةِ السِّرَايَةِ قَطْعَ الْعُضْوِ بِنَفْسِهِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْ الْقَتْلِ حَيْثُ لَا سِرَايَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيُقْتَصُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِقَطْعٍ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي جِرَاحَةٍ سَارِيَةٍ يُشْرَعُ فِيهَا الْقِصَاصُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ جِرَاحَةِ الْجَائِفَةِ الْمَذْكُورِ حُكْمُهَا فِي قَوْلِهِ. . (وَلَوْ مَاتَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 283 بِجَائِفَةٍ أَوْ كَسْرِ عَضُدٍ فَالْحَزُّ، وَفِي قَوْلٍ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ لَمْ تَزِدْ الْجَوَائِفُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ اقْتَصَّ مَقْطُوعٌ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً فَلِوَلِيِّهِ حَزٌّ، وَلَهُ عَفْوٌ بِنِصْفِ دِيَةٍ. وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَاقْتَصَّ ثُمَّ مَاتَ فَلِوَلِيِّهِ الْحَزُّ، فَإِنْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ.   [مغني المحتاج] بِجَائِفَةٍ أَوْ كَسْرِ عَضُدٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ كَكَسْرِ سَاعِدٍ (فَالْحَزُّ) فَقَطْ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ إيجَابِ الْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الِانْدِمَالِ فَتَعَيَّنَ السَّيْفُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَفِي قَوْلٍ) إنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَفْعَلَ بِالْجَانِي (كَفِعْلِهِ) تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَوَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ نِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى الْأَكْثَرِينَ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ الثَّانِيَ، فَقَالَ الْأَوَّلَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. أَمَّا إذَا قَالَ: أُجِيفُهُ وَأَقْتُلُهُ إنْ لَمْ يَمُتْ فَلَهُ ذَلِكَ قَطْعًا، فَإِنْ قَالَ: أُجِيفُهُ أَوْ أُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ ثُمَّ أَعْفُو لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَافَ بِقَصْدِ الْعَفْوِ عُزِّرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْفُ لِتَعَدِّيهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَتْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَمُتْ) عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِعَطْفِهِ بِالْفَاءِ (لَمْ تَزِدْ الْجَوَائِفُ فِي الْأَظْهَرِ) لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا، بَلْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ، وَالثَّانِي تُزَادُ حَتَّى يَمُوتَ لِيَكُونَ إزْهَاقُ الرُّوحِ قِصَاصًا بِطَرِيقِ إزْهَاقِهَا عُدْوَانًا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُفْهِمُ أَنَّ مَعْنَى الزِّيَادَةِ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ أَنْ يُجَافَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ. وَفِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ تُوسَعَ الْجَائِفَةُ حَتَّى يَمُوتَ. (وَلَوْ اقْتَصَّ مَقْطُوعٌ) أَيْ مَقْطُوعُ عُضْوٍ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ مِنْ قَاطِعِهِ (ثُمَّ مَاتَ) الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ (سِرَايَةً) (فَلِوَلِيِّهِ حَزٌّ) لِرَقَبَةِ الْقَاطِعِ فِي مُقَابَلَةِ نَفْسِ مُوَرِّثِهِ (وَلَهُ عَفْوٌ بِنِصْفِ دِيَةٍ) وَالْيَدُ الْمُسْتَوْفَاةُ مُقَابَلَةٌ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْوَلِيِّ تَعَيَّنَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي. (وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَاقْتَصَّ) الْمَقْطُوعُ (ثُمَّ مَاتَ) سِرَايَةً (فَلِوَلِيِّهِ الْحَزُّ) لِرَقَبَةِ الْجَانِي فِي مُقَابَلَةِ نَفْسِ مُوَرِّثِهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْ حَزِّهَا (فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ الدِّيَةَ بِقِصَاصِ الْيَدَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدِّيَتَيْنِ، فَلَوْ نَقَصَتْ دِيَةُ الْقَاطِعِ: كَأَنْ قَطَعَ ذِمِّيٌّ يَدَ مُسْلِمٍ أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتُصَّ مِنْهُ وَمَاتَ الْمُسْلِمُ سِرَايَةً وَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ سُدُسَهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ ثُلُثَاهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ ثُلُثَهَا، صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْعَفْوِ، وَلَوْ قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ أَوْ يَدَيْهِ فَاقْتُصَّ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ الرَّجُلُ فَعَفَا وَلِيُّهُ عَنْ النَّفْسِ بِالْبَدَلِ فَلَهُ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ رُبْعَهَا وَفِي الثَّانِيَةِ نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ نِصْفَهَا. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَقِيَاسُ ذَلِكَ فِي عَكْسِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ فَاقْتَصَّتْ ثُمَّ مَاتَتْ سِرَايَةً فَعَفَا وَلِيُّهَا عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 284 وَلَوْ مَاتَ جَانٍ مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ وَإِنْ مَاتَا سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَدْ اقْتَصَّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ يَمِينٍ أَخْرِجْهَا فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا فَمُهْدَرَةٌ   [مغني المحتاج] يُقَابِلُ دِيَتَهَا، وَلَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ عَتَقَ فَمَاتَ الْحُرُّ بِالسِّرَايَةِ سَقَطَ مِنْ دِيَتِهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَزِمَ السَّيِّدَ الْأَقَلُّ مِنْ الْقِيمَةِ وَبَاقِي الدِّيَةِ، إذْ عِتْقُهُ اخْتِيَارٌ لِلْفِدَاءِ. (وَلَوْ مَاتَ جَانٍ) سِرَايَةً (مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ) نَفْسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى: 41] الْآيَةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «مَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَلَا دِيَةَ لَهُ وَالْحَقُّ قَتْلُهُ» وَلِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَطْعٍ مُسْتَحَقٍّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِسِرَايَتِهِ ضَمَانٌ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ (وَإِنْ مَاتَا) أَيْ الْجَانِي بِالْقِصَاصِ مِنْهُ وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ (سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) أَيْ سَبَقَ مَوْتُهُ مَوْتَ الْجَانِي (فَقَدْ اقْتَصَّ) أَيْ حَصَلَ قِصَاصُ الْيَدِ بِقَطْعِ يَدِ الْجَانِي وَالسِّرَايَةُ بِالسِّرَايَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَمَّا كَانَتْ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْجِنَايَةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فِي الِاسْتِيفَاءِ (وَإِنْ تَأَخَّرَ) مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ الْجَانِي سِرَايَةً (فَلَهُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (نِصْفُ الدِّيَةِ) فِي تَرِكَةِ الْجَانِي (فِي الْأَصَحِّ) إذَا اسْتَوَيَا دِيَةً، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَانِيَ مَاتَ سِرَايَةً بِفِعْلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْبِقُ الْجِنَايَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي مَعْنَى السَّلَمِ فِي الْقِصَاصِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي قَطْعِ يَدَيْهِ مَثَلًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى مَا يُقَابِلُ النَّفْسَ، أَوْ فِي مُوضِحَةٍ وَجَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا وَقَدْ أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِقِصَاصِ الْمُوضِحَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْآتِيَةَ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الدَّهْشَةِ، وَلِلْمُخْرِجِ فِيهَا أَحْوَالٌ: الْحَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِبَاحَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ قَالَ) مُكَلَّفٌ (مُسْتَحِقُّ) قِصَاصِ (يَمِينٍ) لِلْجَانِي (أَخْرِجْهَا) أَيْ يَمِينَكَ (فَأَخْرَجَ) لَهُ (يَسَارَهُ) عَالِمًا بِهَا وَبِعَدَمِ إجْزَائِهَا (وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا) فَقَطَعَهَا، وَهُوَ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْتَحِقٌّ قِصَاصَ الْيَمِينِ (فَمُهْدَرَةٌ) لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ مَعَ ظَنِّ الْإِجْزَاءِ أَمْ لَا، جَعَلَهَا عِوَضًا عَنْ الْيَمِينِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا بَذَلَهَا مَجَّانًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: نَاوِلْنِي مَتَاعَكَ لِأُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ فَنَاوَلَهُ فَلَا يَجِبُ ضَمَانُهُ إذَا أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إذَا مَاتَ الْمُبِيحُ أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ أَوْ جَعَلَهَا عِوَضًا فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْيَسَارَ وَقَعَتْ هَدَرًا، وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمُقَدَّرِ فِي كَلَامِهِ: الْمَجْنُونُ، فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَطَعَهَا الْمُقْتَصُّ عَالِمًا بِالْحَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَجَبَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَصُورَتُهُ: أَنْ يَجْنِيَ عَاقِلًا ثُمَّ يُجَنَّ وَإِلَّا فَالْمَجْنُونُ حَالَةَ الْجِنَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَبِالْحُرِّ الْمُقَدَّرِ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا الرَّقِيقُ فَإِنَّهُ لَا تُهْدَرُ يَسَارُهُ بِإِبَاحَتِهَا قَطْعًا، وَفِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ إذَا كَانَ الْقَاطِعُ رَقِيقًا: وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ السُّقُوطَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 285 وَإِنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ إجْزَاءَهَا فَكَذَّبَهُ فَالْأَصَحُّ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَتَجِبُ دِيَةٌ، وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ دُهِشْتُ فَظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ. وَقَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِمُبَاشَرَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَطْعِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ تَمْكِينِهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ كَمَا سَبَقَ، وَصَوَّرَهَا الْمُتَوَلِّي بِمَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ. الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الْمُخْرِجُ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ) الْمُخْرِجُ بَعْدَ قَطْعِهَا (جَعَلْتُهَا) حَالَةَ الْإِخْرَاجِ (عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ إجْزَاءَهَا) عَنْهَا (فَكَذَّبَهُ) الْقَاطِعُ فِي هَذَا الظَّنِّ وَقَالَ: بَلْ عَرَفْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ الْيَمِينِ (فَالْأَصَحُّ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ) سَوَاءٌ قَالَ الْقَاطِعُ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ أَمْ عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ قَطَعْتُهَا عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا لِشُبْهَةِ بَذْلِهَا؛ لِأَنَّا أَقَمْنَا ذَلِكَ مَقَامَ إذْنِهِ فِي الْقَطْعِ، وَهُوَ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (وَتَجِبُ دِيَةٌ) فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا، وَالثَّانِي يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ فِي الْأُولَى احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ مُقَابِلِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالْمَذْهَبِ، وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْأَصَحِّ، وَفِي الرَّابِعَةِ بِالصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْحَالِ الثَّانِي لَيْسَ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَلَوْ قَالَ: قَصَدْتُ إيقَاعَهَا عَنْ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُهَا تُجْزِئُ عَنْهَا، وَقَالَ الْقَاطِعُ: عَرَفْتُ أَنَّ الْمُخْرَجَ الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَصَحِّ، وَمُرَادُهُ عَرَفْتُ بِضَمِّ التَّاءِ لِلْمُتَكَلِّمِ. فَظَنَّ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا بِفَتْحِ التَّاءِ لِلْخِطَابِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّكْذِيبِ، قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ تَنَازُعِهِمَا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا الْقِسْمِ كُلِّهِ ظَنُّ الْقَاطِعِ أَوْ عِلْمُهُ. الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ يَجِبُ قِصَاصُ الْيَسَارِ. وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ (وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ) فِي الْأُولَى قَطْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَلَا عَفَا عَنْهُ. أَمَّا الرَّابِعَةُ فَيَسْقُطُ فِيهَا، وَلِكُلٍّ دِيَةُ مَا قَطَعَ الْآخَرُ، فَلَوْ سَرَى الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ وَجَبَ دِيَتُهَا وَتَدْخُلُ فِيهَا الْيَسَارُ، قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: الْحَالُ الثَّالِثُ لِلْمُخْرِجِ أَنْ يَقُولَ: دُهِشْتُ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا لَوْ 387 قَالَ) الْمُخْرِجُ (دُهِشْتُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُ وَكَسْرُ ثَانِيهِ، مِنْ الدَّهْشَةِ وَهِيَ الْحِيرَةُ (فَظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ) أَوْ قَالَ: ظَنَنْتُهُ قَالَ أَخْرِجْ يَسَارَكَ (وَقَالَ الْقَاطِعُ) الْمُسْتَحِقُّ أَيْضًا (ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ) فَالْمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَتَجِبُ دِيَتُهَا إلَّا إذَا قَالَ: ظَنَنْتُ إبَاحَتَهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 286 فَصْلٌ مُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عِنْدَ سُقُوطِهِ،   [مغني المحتاج] أَوْ دُهِشْتُ أَوْ عَلِمْتُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِصَاصُ الْيَسَارِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَهُوَ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا، وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَذِنَ فِي قَتْلِهِ، وَيُفَارِقُ عَدَمَ لُزُومِهِ فِيمَا لَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا مَعَ قَصْدِ الْمُخْرِجِ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ بِأَنَّ جَعْلَهَا عَنْ الْيَمِينِ تَسْلِيطٌ، بِخِلَافِ إخْرَاجِهَا دَهْشَةً أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخْرِجْ يَسَارَكَ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةَ فَلِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُخْرِجِ تَسْلِيطٌ وَلَا يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ قَطَعْتُهَا عِوَضًا كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي الْيَسَارِ فِي الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ مُتَعَمِّدًا، وَكَذَا مَنْ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْنِ بِأُنْمُلَةٍ، وَقَالَ: أَخْطَأْت وَتَوَهَّمْت أَنِّي أَقْطَعُ أُنْمُلَةً وَاحِدَةً تَجِبُ دِيَةُ الْأُنْمُلَةِ الزَّائِدَةِ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَسْرِي عَلَيْهَا، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِتَعَمُّدِهِ قُطِعَتْ مِنْهُ الْأُنْمُلَةُ الزَّائِدَةُ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا قِصَاصَ الْيَمِينِ فَوَقْتُهُ بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ لِمَا فِي تَوَالِي الْقَطْعَيْنِ مِنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ. وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ مَجْنُونًا، وَقَالَ: أَخْرِجْ يَسَارَكَ أَوْ يَمِينَك فَأَخْرَجَهَا لَهُ فَقَطَعَهَا أُهْدِرَتْ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِتَسْلِيطِهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهَا لَهُ وَقَطَعَ يَمِينَهُ لَمْ يَصِحَّ اسْتِيفَاؤُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ وَوَجَبَ لِكُلٍّ دِيَةٌ وَسَقَطَتَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُخْرِجِ يَدَهُ فِيمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنْ جَرَى فِي السَّرِقَةِ. فَقَالَ الْجَلَّادُ لِلسَّارِقِ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا، فَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِمَا جَرَى لِلْحَدِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَدِّ التَّنْكِيلُ وَتَعْطِيلُ الْآلَةِ الْبَاطِشَةِ. وَقَدْ حَصَلَ وَالْقِصَاصُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ. [فَصْلٌ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ] (فَصْلٌ) فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ وَفِي الْعَفْوِ (مُوجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مُقْتَضَى (الْعَمْدِ) فِي نَفْسٍ أَوْ غَيْرِهَا (الْقَوَدُ) عَيْنًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ: الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَسُمِّيَ قَوَدًا؛ لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ (وَالدِّيَةُ) أَوْ الْأَرْشُ (بَدَلٌ عَنْهُ عِنْدَ سُقُوطِهِ) بِعَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَوْتِ الْجَانِي، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الْأَرْشَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِيَشْمَلَ الْجِرَاحَاتِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْقَوَدِ. وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 287 وَفِي قَوْلٍ أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ   [مغني المحتاج] الْمَاوَرْدِيُّ: هِيَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ لَا عَنْ الْقَوَدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَتَلَتْ رَجُلًا وَجَبَ عَلَيْهَا دِيَةُ الرَّجُلِ، فَلَوْ كَانَتْ بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ وَجَبَ عَلَيْهَا دِيَةُ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: الْوَاجِبُ عِنْدَ الْعَفْوِ دِيَةُ الْمَقْتُولِ لَا دِيَةُ الْقَاتِلِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ الْقَوَدَ بَدَلٌ عَنْ نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَبَدَلُ الْبَدَلِ بَدَلٌ (وَفِي قَوْلٍ) مُوجَبُ الْعَمْدِ (أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا) وَفِي الْمُحَرَّرِ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنْ قَالَ إنَّهُ الْجَدِيدُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَمْدُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْهُ كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ فَإِنَّ مُوجَبَهُ الدِّيَةُ جَزْمًا وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا فِي عَمْدٍ تَدْخُلُهُ الدِّيَةُ لِيَخْرُجَ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ مُرْتَدًّا، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَوَدُ جَزْمًا (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ) مَعًا (لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ) عَنْ الْقَوَدِ (عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْجَانِي) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ " كَانَ فِي شَرْعِ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَتَّمَ الْقِصَاصُ جَزْمًا، وَفِي شَرْعِ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّيَةُ فَقَطْ، فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ " لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَانِيَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَوْ عَفَا عَنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَانِي سَقَطَ كُلُّهُ كَمَا أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا، وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَعْضُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ وَيَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ السُّقُوطِ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهْلُ، فَلَوْ قَطَعَ عُضْوَ رَقِيقٍ فَعَفَا عَنْهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ مَعْرِفَتِهِ بِالْعُضْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ صَحَّ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مُسْتَحَبٌّ، فَقَدْ رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَا رُفِعَ إلَيْهِ قِصَاصٌ قَطُّ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» (وَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ. (لَوْ أَطْلَقَ) الْوَلِيُّ (الْعَفْوَ) عَنْ الْقَوَدِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلدِّيَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ (فَالْمَذْهَبُ لَا دِيَةَ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ ثَابِتٍ، لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ. وَالثَّانِي تَجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] أَيْ اتِّبَاعُ الْمَالِ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِوُجُوبِهِ بِالْعَفْوِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى مَا إذَا عَفَا عَلَى الدِّيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ، وَهِيَ لَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا إلَخْ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ قَيَّدَتْ الْعَفْوَ بِالْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِيهِ لَا بِقَيْدٍ فَهِيَ أَعَمُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ ثُبُوتُ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ قَتَلَ أَحَدُ عَبْدَيْ شَخْصٍ عَبْدَهُ الْآخَرَ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ وَأَنْ يَعْفُوَ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ لَمْ يَسْقُطْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 288 وَلَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَغَا، وَلَهُ الْعَفْوُ بَعْدَهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ ثَبَتَ إنْ قَبِلَ الْجَانِي، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لِمَحْجُورِ فَلَسٍ عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمْ، وَإِلَّا فَإِنْ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَمَا سَبَقَ، وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ،   [مغني المحتاج] الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ بَعْدَ الْعِتْقِ مُطْلَقًا لَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ جَزْمًا، أَوْ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا آخِرَ الْبَابِ، وَنَفْيُ الْمُصَنِّفِ الدِّيَةَ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ الدِّيَةَ عَقِبَ عَفْوِهِ الْمُطْلَقِ لَمْ تَجِبْ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وُجُوبُهَا وَيَكُونُ اخْتِيَارُهَا بَعْدَ الْعَفْوِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْعَفْوِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَاخَى اخْتِيَارُهُ لَهَا عَنْ الْعَفْوِ فَلَا تَجِبُ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَلَمْ يُفَرِّعْ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ لِطُولِهِ وَعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ (وَلَوْ عَفَا) الْوَلِيُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ (عَنْ الدِّيَةِ لَغَا) عَفْوُهُ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَمَّا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا لَهُ (وَلَهُ الْعَفْوُ) عَنْ الْقِصَاصِ (بَعْدَهُ عَلَيْهَا) وَإِنْ تَرَاخَى؛ لِأَنَّ اللَّاغِيَ كَالْمَعْدُومِ (وَلَوْ عَفَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَنْ الْقَوَدِ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ) أَوْ صَالَحَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ (ثَبَتَ) ذَلِكَ الْغَيْرُ أَوْ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ (إنْ قَبِلَ الْجَانِي) أَوْ الْمُصَالِحُ ذَلِكَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْجَانِي أَوْ الْمُصَالِحُ ذَلِكَ (فَلَا) يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ فَاشْتُرِطَ رِضَاهُمَا كَعِوَضِ الْخُلْعِ (وَلَا يَسْقُطُ) عَنْهُ (الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ عَلَى عِوَضٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَلَيْسَ كَالصُّلْحِ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ الْجَانِيَ هُنَاكَ قَبِلَ وَالْتَزَمَ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِرِضَاهُ بِالصُّلْحِ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ تَثْبُتُ الدِّيَةُ؟ قَالَ الْبَغَوِيّ: هُوَ كَمَا لَوْ عَفَا مُطْلَقًا وَأَقَرَّاهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: هَذِهِ مُعْضِلَةٌ أَسْهَرَتْ الْجِلَّةَ اهـ. وَالْجِلَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ: الطَّاعِنُونَ فِي السِّنِّ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي: هُوَ كَعَفْوٍ عَنْ الْقَوَدِ وَنِصْفِ الدِّيَةِ. كَذَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَا نَقَلَاهُ عَنْ غَيْرِ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَيْضًا فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ وَنِصْفُ الدِّيَةِ. (وَلَيْسَ لِمَحْجُورِ فَلَسٍ) أَوْ نَحْوِهِ كَوَارِثِ الْمَدْيُونِ اسْتَحَقَّ قِصَاصًا (عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمْ) لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا (فَإِنْ عَفَا) مَنْ ذُكِرَ عَنْهُ (عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ) قَطْعًا كَغَيْرِهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْعَفْوَ (فَكَمَا سَبَقَ) مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ لَا دِيَةَ (وَإِنْ عَفَا) مَنْ ذُكِرَ (عَلَى أَنْ لَا مَالِ) أَصْلًا (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْ الْمَالَ، وَلَوْ كَلَّفْنَا الْمُفْلِسَ أَنْ يَعْفُوَ عَلَى مَالٍ كَانَ ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِأَنْ يَكْتَسِبَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الِاكْتِسَابُ، وَقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْعَفْوِ يُوجِبُهَا. تَنْبِيهٌ: جَرَى الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى طَرِيقَةِ الْخِلَافِ؛ لَكِنَّهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ جَزَمَ بِالصِّحَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى مَالٍ أَمْ لَا، حَيْثُ قَالَ فِيهِ: وَيَصِحُّ اقْتِصَاصُهُ وَإِسْقَاطُهُ، وَاحْتُرِزَ بِمَحْجُورٍ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 289 وَالْمُبَذِّرُ فِي الدِّيَةِ كَمُفْلِسٍ، وَقِيلَ كَصَبِيٍّ. وَلَوْ تَصَالَحَا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ قَالَ رَشِيدٌ: اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ،   [مغني المحتاج] الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَمُوسِرٍ، وَبِمُفْلِسٍ عَنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَلْبِ عِبَارَتِهِ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَعَفْوُهُمَا لَغْوٌ (وَالْمُبَذِّرُ) بِمُعْجَمَةٍ حُكْمُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِالتَّبْذِيرِ فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ وَاسْتِيفَائِهِ كَرَشِيدٍ، وَعَنْهُمَا اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ (فِي الدِّيَةِ) فَهُوَ فِيهَا (كَمُفْلِسٍ) أَيْ كَمَحْجُورِ فَلَسٍ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي صُورَتَيْ عَفْوِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (وَقِيلَ) الْمُبَذِّرُ (كَصَبِيٍّ) فَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ بِحَالٍ، وَهَذَا مَا قَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي السِّيَرِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَنْ الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ، أَمَّا مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ثَانِيًا فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَالرَّشِيدِ، وَلَوْ كَانَ السَّفِيهُ هُوَ الْقَاتِلُ فَصَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ نَفَذَ وَلَا حَجْرَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْجِزْيَةِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يَعْفُو إلَّا بِزِيَادَةٍ وَلَمْ يُجِبْ السَّفِيهُ وَأَجَابَ الْوَلِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ: اتَّبِعْ رَأْيَ مَنْ يَرْغَبُ فِي الْحَقْنِ. فَرْعٌ: عَفْوُ الْمُكَاتَبِ عَنْ الدِّيَةِ تَبَرُّعٌ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَبِإِذْنِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ. (وَلَوْ تَصَالَحَا) أَيْ الْوَلِيُّ وَالْجَانِي (عَنْ الْقَوَدِ عَلَى) أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ كَالصُّلْحِ عَلَى (مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا) هَذَا الصُّلْحُ (إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا) لَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الصُّلْحِ مِنْ مِائَةٍ عَلَى مِائَتَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَيْنًا وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عَنْهُ (فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ) لِأَنَّهُ مَالٌ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ الْمُسْتَحِقِّ وَالْتِزَامِ الْجَانِي فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِهِ كَبَدَلِ الْخُلْعِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ خَلَفُهُ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنْ يَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى إبِلٍ بِالصِّفَةِ الْوَاجِبَةِ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ صِفَتِهَا إمَّا مُعَيَّنَةٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ فِيهَا بِالصِّحَّةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ جَزَمَ فِي آخِرِ الْبَابِ فِيمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ بِالْجَوَازِ، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَلَوْ زَادَ عَلَى الدِّيَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَلَوْ تَصَالَحَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ قَالَ) حُرٌّ مُكَلَّفٌ (رَشِيدٌ) أَوْ سَفِيهٌ لِآخَرَ (اقْطَعْنِي) أَيْ يَدِي مَثَلًا (فَفَعَلَ فَهَدَرٌ) لَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ لِلْإِذْنِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ كَالرَّشِيدِ. الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ إذْنَ الرَّقِيقِ يُسْقِطُ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ مَعَ أَنَّ إذْنَهُ لَا يُسْقِطُهُ، وَفِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ بِإِذْنِهِ وَجْهَانِ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِمَا مَعَ تَرْجِيحِ الْبُلْقِينِيُّ السُّقُوطَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضَيْنِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ: الْمَالِكُ لِأَمْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُرُّ الْكَامِلُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَحْجُورًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 290 فَإِنْ سَرَى أَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَهَدَرٌ وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ. وَلَوْ قُطِعَ فَعَفَا عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْرِ فَلَا شَيْءَ، وَإِنْ سَرَى فَلَا قِصَاصَ. وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ فَإِنْ جَرَى لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ، أَوْ لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ، أَوْ عَفْوٌ سَقَطَ، وَقِيلَ وَصِيَّةٌ،   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ أَمْ لَا لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، هَذَا إنْ وَقَفَ الْقَطْعُ (فَإِنْ سَرَى) لِلنَّفْسِ (أَوْ قَالَ) لَهُ ابْتِدَاءً (اُقْتُلْنِي) فَقَتَلَهُ (فَهَدَرٌ) فِي الْأَظْهَرِ لِلْإِذْنِ (وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ) الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ ثَبَتَتْ لِلْمَيِّتِ ابْتِدَاءً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ ثُمَّ يَتَلَقَّاهَا الْوَارِثُ، أَوْ ثَبَتَتْ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً عَقِبَ هَلَاكِ الْمَقْتُولِ، إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ تَجِبْ، وَإِلَّا وَجَبَتْ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ وُجُوبَ الدِّيَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي صُورَةِ اُقْتُلْنِي. وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْقَطْعِ فَالْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْحَادِثُ بِالسِّرَايَةِ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَوْلُهُ: فَهَدَرٌ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِذْنُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا. (وَلَوْ قُطِعَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عُضْوٌ مِنْ شَخْصٍ يَجِبُ فِيهِ قَوَدٌ (فَعَفَا) الْمَقْطُوعُ (عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْرِ) الْقَطْعُ بِأَنْ انْدَمَلَ (فَلَا شَيْءَ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ أَرْشٍ لِإِسْقَاطِهِ الْحَقَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. تَنْبِيهٌ: تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا عَفَا عَنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَفَوْتُ عَنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَزِدْ كَانَ عَفْوًا عَنْ الْقَوَدِ عَلَى النَّصِّ أَيْ وَفِي الْأَرْشِ الْخِلَافُ الْمَارُّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ قُطِعَ عَمَّا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِجُرْحٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَالْجَائِفَةِ فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْ الْقِصَاصِ فِيهَا ثُمَّ سَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى نَفْسِهِ فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ الْقَوَدِ فِيمَا لَا قَوَدَ فِيهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْعَفْوُ، وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ ثُمَّ أَبْدَى فِيهِ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ (وَإِنْ سَرَى) لِلنَّفْسِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (فَلَا قِصَاصَ) فِي نَفْسٍ وَلَا طَرَفٍ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَوَلَّدَتْ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فَصَارَتْ شُبْهَةً دَافِعَةً لِلْقِصَاصِ. أَمَّا إذَا سَرَى إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ. (وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ) فِي صُورَةِ سِرَايَةِ الْقَطْعِ لِلنَّفْسِ (فَإِنْ جَرَى) مِنْ الْمَقْطُوعِ فِي لَفْظِ الْعَفْوِ عَنْ الْجَانِي (لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَ) أَنْ قَالَ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْ الْقَوَدِ: (أَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ) وَالْأَظْهَرُ صِحَّتُهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الْأَرْشُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ، وَإِلَّا سَقَطَ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ (أَوْ) جَرَى (لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ، أَوْ) جَرَى (عَفْوٌ) عَنْ الْجِنَايَةِ (سَقَطَ) الْأَرْشُ قَطْعًا (وَقِيلَ) مَا جَرَى مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (وَصِيَّةٌ) لِاعْتِبَارِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَيَأْتِي فِيهَا خِلَافُ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَدُفِعَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إسْقَاطُ نَاجِزٍ، وَالْوَصِيَّةُ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَجْهًا هُوَ نَصُّ الْأُمِّ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 291 وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ، وَفِي قَوْلٍ إنْ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ. فَلَوْ سَرَى إلَى عُضْوٍ آخَرَ فَانْدَمَلَ ضَمِنَ دِيَةَ السِّرَايَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ نَفْسٍ بِسِرَايَةِ طَرَفٍ لَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ فَلَا قَطْعَ لَهُ، أَوْ عَنْ الطَّرَفِ فَلَهُ حَزُّ الرَّقَبَةِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يَقُولُ: وَفِي قَوْلٍ: وَصِيَّةٌ (وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ أَرْشُ الْعُضْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ إنْ كَانَ (إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ) لِلسِّرَايَةِ سَوَاءٌ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَمْ لَا (وَفِي قَوْلٍ: إنْ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ) عَنْ الْجِنَايَةِ (لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ) تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ. نَعَمْ إنْ قَالَهُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَأَرْشِ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا، أَوْ يَسْرِي إلَيْهِ بُنِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ، وَيَأْتِي جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي أَرْشِ الْعُضْوِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْأَرْشِ إذَا كَانَ دُونَ الدِّيَةِ. أَمَّا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ مَثَلًا فَعَفَا عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ الدِّيَةُ بِكَمَالِهَا فِي الْأَظْهَرِ إنْ وَفَى بِهَا الثُّلُثَ سَوَاءٌ أَصَحَّحْنَا الْإِبْرَاءَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْيَدَيْنِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فَلَا يُزَادُ بِالسِّرَايَةِ شَيْءٌ (فَلَوْ سَرَى) قَطْعُ الْعُضْوِ الْمَعْفُوِّ عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ كَأُصْبُعٍ (إلَى عُضْوٍ آخَرَ) كَبَاقِي الْكَفِّ (فَانْدَمَلَ) الْقَطْعُ السَّارِي إلَى مَا ذُكِرَ (ضَمِنَ دِيَةَ السِّرَايَةِ) فَقَطْ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْ مُوجِبِ جِنَايَةٍ مَوْجُودَةٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهَا. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهَا تَوَلَّدَتْ مِنْ مَعْفُوٍّ عَنْهُ. أَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ وَدِيَتُهُ فَسَاقِطَانِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْعُضْوِ الَّذِي سَرَى إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي الْأَجْسَامِ بِالسِّرَايَةِ، وَيُفْهِمُ أَيْضًا أَنَّهُ يَضْمَنُ دِيَةَ السِّرَايَةِ وَإِنْ تَعَرَّضَ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ السَّابِقِ. فَرْعٌ: لَوْ عَفَا شَخْصٌ عَنْ عَبْدٍ تَعَلَّقَ بِهِ قِصَاصٌ لَهُ ثُمَّ مَاتَ سِرَايَةً صَحَّ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ مَالٌ لَهُ بِجِنَايَةٍ وَأَطْلَقَ الْعَفْوَ أَوْ أَضَافَهُ إلَى السَّيِّدِ صَحَّ الْعَفْوُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَنْ حَقٍّ لَزِمَ السَّيِّدَ فِي غَيْرِ مَالِهِ، وَإِنْ أَضَافَ الْعَفْوَ إلَى الْعَبْدِ لَغَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ عَلَيْهِ. وَلَوْ عَفَا الْوَارِثُ فِي جِنَايَةِ الْخَطَأِ عَنْ الدِّيَةِ أَوْ عَنْ الْعَاقِلَةِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ عَفَا عَنْ الْجَانِي لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ عَلَيْهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الدِّيَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَحَّ الْعَفْوُ كَأَنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَعَاقِلَتُهُ مُسْلِمِينَ أَوْ حَرْبِيِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ نَفْسٍ بِسِرَايَةِ) قَطْعِ (طَرَفٍ) كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَمَاتَ بِسِرَايَةٍ (لَوْ عَفَا) وَلِيُّهُ (عَنْ النَّفْسِ فَلَا قَطْعَ لَهُ) لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ طَرِيقُهُ وَقَدْ عَفَا عَنْهُ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ، وَجُزِمَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ (أَوْ) عَفَا وَلِيُّهُ (عَنْ الطَّرَفِ فَلَهُ حَزُّ الرَّقَبَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقُّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 292 وَلَوْ قَطَعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْ النَّفْسِ مَجَّانًا، فَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ. وَلَوْ وَكَّلَ ثُمَّ عَفَا فَاقْتَصَّ الْوَكِيلُ جَاهِلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ دِيَةٍ، وَأَنَّهَا عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْعَافِي.   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِالْقَطْعِ السَّارِي وَقَدْ عَفَا عَنْهُ، وَخَرَجَ بِالسِّرَايَةِ الْمُبَاشَرَةُ: كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ مُسْتَحَقٌّ فِيهِمَا أَصَالَةً، فَلَوْ عَفَا عَنْ النَّفْسِ لَمْ يَسْقُطْ قِصَاصُ الطَّرَفِ وَبِالْعَكْسِ. أَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ غَيْرَ مُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ كَأَنْ قُطِعَتْ يَدُ رَقِيقٍ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَقِصَاصُ النَّفْسِ لِوَرَثَةِ الْعَتِيقِ، وَقِصَاصُ الْيَدِ لِلسَّيِّدِ وَلَا شَكَّ حِينَئِذٍ أَنَّ عَفْوَ أَحَدِهِمَا لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْآخَرِ. (وَلَوْ قَطَعَهُ) الْوَلِيُّ (ثُمَّ عَفَا عَنْ النَّفْسِ مَجَّانًا) أَوْ بِعِوَضٍ (فَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ) إلَى النَّفْسِ (بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ) وَوَقَعَتْ السِّرَايَةُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ قَبْلَ الْعَفْوِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعَفْوُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فَائِدَةُ بُطْلَانِ الْعَفْوِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ لَمْ يَلْزَمْ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: مَجَّانًا لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّرْتُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَسْرِ قَطْعُ الْوَلِيِّ بَلْ وَقَفَ (فَيَصِحُّ) عَفْوُهُ؛ لِأَنَّهُ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ وَيَسْتَقِرُّ الْعِوَضُ الْمَعْفُوُّ عَلَيْهِ، إذْ لَمْ يَسْتَوْفِ بِالْقَطْعِ تَمَامَ الدِّيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ بِقَطْعِ الْيَدِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ فَعَلَهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا بِجُمْلَتِهِ الَّتِي الْمَقْطُوعُ بَعْضُهَا فَهُوَ مُسْتَوْفٍ لِبَعْضِ حَقِّهِ، وَعَفْوُهُ مُنْصَبٌّ عَلَى مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ الْقَطْعِ وَقَطَعَ الْوَلِيُّ يَدَهُ مُتَعَدِّيًا ثُمَّ عَفَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ مِنْ مُبَاحٍ لَهُ دَمُهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَوْ قَطَعَهُ إلَخْ مِنْ تَمَامِ حُكْمِ قَوْلِهِ: وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ النَّفْسِ بِسِرَايَةِ طَرَفٍ فَإِنَّهُ تَارَةً يَعْفُو وَتَارَةً يَقْطَعُ فَذَكَرَ الْأَوَّلَ ثُمَّ الثَّانِيَ. (وَلَوْ وَكَّلَ) الْوَلِيُّ غَيْرَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (ثُمَّ عَفَا) عَنْ الْقِصَاصِ (فَاقْتَصَّ الْوَكِيلُ جَاهِلًا) بِذَلِكَ (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِعُذْرِهِ، بِخِلَافِ مَنْ قَتَلَ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا فَبَانَ مُسْلِمًا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ هُنَاكَ مُقَصِّرٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ (وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ دِيَةٍ) لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالثَّانِي لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ عَفَا بَعْدَ خُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ فَوَقَعَ لَغْوًا (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ الْأَظْهَرُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّهَا عَلَيْهِ) أَيْ الْوَكِيلِ حَالَةٌ مُغَلَّظَةٌ لِوَرَثَةِ الْجَانِي لَا لِلْمُوَكِّلِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، وَلِسُقُوطِ حَقِّ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْقَتْلِ (لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّهُ عَامِدٌ فِي فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ. وَالثَّانِي عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ (أَنَّهُ) أَيْ الْوَكِيلَ (لَا يَرْجِعُ بِهَا) أَيْ الدِّيَةِ (عَلَى الْعَافِي) أَمْكَنَ الْمُوَكِّلُ إعْلَامَ الْوَكِيلِ بِالْعَفْوِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ وَ {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَالثَّانِي يَرْجِعُ إذَا غَرِمَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ نَسَبَ الْمُوَكِّلَ إلَى تَقْصِيرٍ بِأَنْ أَمْكَنَهُ إعْلَامُهُ وَلَمْ يُعْلِمْهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِانْتِفَاعِهِ بِالْوَطْءِ. أَمَّا الْكَفَّارَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 293 وَلَوْ وَجَبَ قِصَاصٌ عَلَيْهَا فَنَكَحَهَا عَلَيْهِ جَازَ وَسَقَطَ، فَإِنْ فَارَقَ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْأَرْشِ، وَفِي قَوْلٍ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلٍ.   [مغني المحتاج] فَتَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: جَاهِلًا عَمَّا إذَا عَلِمَ بِالْعَفْوِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: قَتَلْتُهُ بِشَهْوَةِ نَفْسِي لَا مِنْ جِهَةِ الْمُوَكِّلِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَانْتَقَلَ حَقُّ الْمُوَكِّلِ إلَى التَّرِكَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَلَوْ عَزَلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ ثُمَّ اقْتَصَّ الْوَكِيلُ بَعْدَ عَزْلِهِ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ. (وَلَوْ وَجَبَ) لِرَجُلٍ (قِصَاص عَلَيْهَا) أَيْ امْرَأَةٍ (فَنَكَحَهَا عَلَيْهِ) أَيْ الْقِصَاصِ بِأَنْ جَعَلَهُ صَدَاقًا لَهَا (جَازَ) أَيْ صَحَّ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ أَمَّا النِّكَاحُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ عِوَضٌ مَقْصُودٌ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ مِثْلٍ (وَسَقَطَ) الْقِصَاصُ لِتَضَمُّنِ ذَلِكَ الْعَفْوَ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ قِصَاصَ نَفْسِهَا (فَإِنْ فَارَقَ) هَا (قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ) عَلَيْهَا (بِنِصْفِ الْأَرْشِ) لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ كَمَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ سُورَةٍ فَعَلَّمَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنِصْفِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ (وَفِي قَوْلٍ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا (بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلٍ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَجَبَ قِصَاصٌ عَمَّا إذَا أَوْجَبَتْ الْجِنَايَةُ مَالًا كَالْخَطَأِ فَنَكَحَهَا عَلَى الْأَرْشِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ دُونَ الصَّدَاقِ لِلْجَهْلِ بِالدِّيَةِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا فَصَالَحَ عَنْ قِيمَتِهِ الْمَعْلُومَةِ عَلَى عَيْنٍ وَاسْتُحِقَّتْ، أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ السَّيِّدُ بِالْأَرْشِ قَطْعًا، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي فِيمَا ذُكِرَ عَبْدًا فَالسَّيِّدُ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ بِالصُّلْحِ وَلَيْسَ بِمُخْتَارٍ لَهُ إنْ صَالَحَ عَلَى رَقَبَتِهِ وَاسْتُحِقَّتْ أَوْ رُدَّتْ بِعَيْبٍ أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ حِينَئِذٍ بِهَا كَمَا كَانَ حَتَّى لَوْ مَاتَ سَقَطَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَطَعَ الْعَبْدُ يَدَ الْحُرِّ فَاشْتَرَاهُ بِالْأَرْشِ وَهُوَ الْوَاجِبُ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِلْجَهْلِ بِوَصْفِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ الْقِصَاصَ سَقَطَ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِغَيْرِ الْأَرْشِ لَمْ يَسْقُطْ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى عَيْنٍ فَاسْتُحِقَّتْ، أَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ، أَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ بِالصُّلْحِ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 294 كِتَابُ الدِّيَاتِ فِي قَتْلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الدِّيَاتِ] ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْقِصَاصِ عَقَّبَهُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ، وَمُفْرَدُهَا دِيَةٌ، وَهِيَ الْمَالُ الْوَاجِبُ بِجِنَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا. وَأَصْلُهَا وِدْيَةٌ بِوَزْنِ فِعْلَةٍ، وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنْ فَاءِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ وَاوٌ، إذْ أَصْلُهَا وَدْيَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْوَدْيِ، وَهُوَ دَفْعُ الدِّيَةِ كَالْعِدَةِ مِنْ الْوَعْدِ، تَقُولُ: وَدَيْت الْقَتِيلَ أَدِيهِ وَدْيًا وَدِيَةً أَيْ أَدَّيْت دِيَتَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ} [النساء: 92] وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَتَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ لِبَيَانِ الْحُكُومَةِ وَضَمَانِ الرَّقِيقِ، وَبَدَأَ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ لَهَا فَقَالَ (فِي قَتْلِ) الذَّكَرِ (الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) الْمَحْقُونِ الدَّمِ غَيْرِ جَنِينٍ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ مَيِّتًا وَالْقَاتِلُ لَهُ لَا رِقَّ فِيهِ (مِائَةُ بَعِيرٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ دِيَةً، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي قَوْلِهِ: «فِي النَّفْسِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَنَّهَا مِائَةً عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ أَبُو سَيَّارَةَ الَّذِي أَجَارَ الْحُجَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى وَجَاءَتْ الشَّرِيعَةُ مُقَرِّرَةً لَهَا، وَالْبَعِيرُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا تَخْتَلِفُ الدِّيَةُ بِالْفَضَائِلِ وَالرَّذَائِلِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالْأَدْيَانِ وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ فَإِنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ الْمُخْتَلِفَةَ. أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْلِمٌ فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَأُمَّ وَلَدٍ فَالْوَاجِبُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ لِجِهَةِ الْحُرِّيَّةِ الْقَدْرُ الَّذِي يُنَاسِبُهَا مِنْ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ مَثَلًا، وَلِجِهَةِ الرَّقَبَةِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْحِصَّةِ مِنْ الدِّيَةِ وَالْحِصَّةِ مِنْ الْقِيمَةِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لِلدِّيَةِ مَا يُغَلِّظُهَا، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ خَمْسَةٍ: كَوْنُ الْقَتْلِ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ فِي الْحَرَمِ، أَوْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، أَوْ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 295 مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً: أَيْ حَامِلًا، وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقٌ، وَجِذَاعٌ. فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ   [مغني المحتاج] يُنْقِصُهَا، وَهُوَ أَحَدُ أَسْبَابٍ أَرْبَعَةٍ: الْأُنُوثَةُ، وَالرِّقُّ، وَقَتْلُ الْجَنِينِ، وَالْكُفْرُ، فَالْأَوَّلُ يَرُدُّهَا إلَى الشَّطْرِ، وَالثَّانِي إلَى الْقِيمَةِ، وَالثَّالِثُ إلَى الْغُرَّةِ، وَالرَّابِعُ إلَى الثُّلُثِ أَوْ أَقَلَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، وَكَوْنُ الثَّانِي أَنْقَصَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَزِيدُ الْقِيمَةُ عَلَى الدِّيَةِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (مُثَلَّثَةٌ فِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) سَوَاءٌ أَوَجَبَ فِيهِ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَنْهُ أَمْ لَا كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالْمُرَادُ بِتَثْلِيثِهَا جَعْلُهَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَزْيَدَ مِنْ بَعْضٍ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً أَيْ حَامِلًا) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِذَلِكَ، فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي، وَحَالَّةٌ، وَمِنْ جِهَةِ السِّنِّ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِدِيَةِ النَّفْسِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ بِثُلُثِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعَمْدِ فِي غَيْرِ النَّفْسِ كَالطَّرَفِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ، وَالْخَلِفَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ وَلَا جَمْعَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا وَهُوَ مَخَاضٌ كَامْرَأَةٍ وَنِسَاءٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمْعُهَا خَلِفٌ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَابْنُ سِيدَهْ خَلِفَاتٌ. (وَمُخَمَّسَةٌ فِي الْخَطَأِ: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ، وَبَنُو لَبُونٍ، وَحِقَاقٌ، وَجِذَاعٌ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ إجْزَاءَ عِشْرِينَ حِقًّا وَعِشْرِينَ جَذَعًا وَلَا قَائِلَ بِهِ، فَإِنَّ الْحِقَاقَ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، فَإِنَّ الْجِذَاعَ مُخْتَصَّةٌ بِالذُّكُورِ، وَجَمْعُ الْجَذَعَةِ جَذَعَاتٌ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمُؤَجَّلَةً، وَمِنْ جِهَةِ التَّخْمِيسِ. وَيَغْلُظُ الْخَطَأُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ) فَإِنَّهَا تُثَلَّثُ فِيهِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَمْنِ بِدَلِيلِ إيجَابِ جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِيهِ، أَمْ أُصِيبُ الْمَقْتُولُ فِيهِ وَرُمِيَ مِنْ خَارِجِهِ، أَمْ قَطَعَ السَّهْمُ فِي مُرُورِهِ هَوَاءَ الْحَرَمِ وَهُمَا بِالْحِلِّ، أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَاتِلِ أَوْ الْمَقْتُولِ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْإِلْحَاقِ بِالصَّيْدِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. نَعَمْ الْكَافِرُ لَا تُغَلَّظُ دِيَتُهُ فِي الْحَرَمِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ، فَلَوْ دَخَلَهُ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ فَهَلْ تُغَلَّظُ بِهِ أَوْ يُقَالُ هَذَا نَادِرٌ؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَارِضَةٌ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ، وَبِمَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَثَانِيهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ فِي (الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ: ذِي الْقَعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ (وَذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِقُعُودِهِمْ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِوُقُوعِ الْحَجِّ فِي الثَّانِي (وَالْمُحَرَّمِ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، وَقِيلَ لِتَحْرِيمِ الْجَنَّةِ فِيهِ عَلَى إبْلِيسَ، حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ وَدَخَلَتْهُ اللَّامُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 296 وَرَجَبٍ. أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ فَمُثَلَّثَةٌ.   [مغني المحتاج] ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا فَعَرَّفُوهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَذَا الشَّهْرُ الَّذِي يَكُونُ ابْتِدَاءً أَوَّلُ السَّنَةِ (وَرَجَبٍ) وَيُجْمَعُ عَلَى أَرَاجِبَ وَرَجَائِبَ وَرُجُوبٍ وَرَجَبَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ الْأَصَمُّ وَالْأَصَبُّ، وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ: لَمْ يُعَذِّبْ اللَّهُ أُمَّةً فِي شَهْرِ رَجَبٍ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْرَقَ قَوْمَ نُوحٍ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ، فَمُثَلَّثَةٌ دِيَةُ هَذَا الْمَقْتُولِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَدَدِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَجَعْلُهَا مِنْ سَنَتَيْنِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَعَدَّهَا الْكُوفِيُّونَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالُوا الْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ. قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ: وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا نُذِرَ صِيَامُهَا أَيْ مُرَتَّبَةً، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْدَأُ بِذِي الْقَعْدَةِ، وَعَلَى الثَّانِي بِالْمُحَرَّمِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ رَمَى فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَصَابَ فِي غَيْرِهِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ جَرَحَهُ فِيهَا وَمَاتَ فِي غَيْرِهَا أَوْ عَكْسُهُ أَنْ تُغَلَّظَ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ. وَثَالِثُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ شَخْصٌ قَرِيبًا لَهُ (مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ) كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ السَّابِقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَمُثَلَّثَةٌ) أَيْ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ الْعَبَادِلَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - غَلَّظُوا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَكَانَ إجْمَاعًا، وَهَذَا لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالتَّوْقِيفِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ عَنْ صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا إذَا انْفَرَدَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ عَنْ الرَّحِمِ كَمَا فِي الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ فَلَا يَغْلُظُ بِهَا الْقَتْلُ قَطْعًا. ثَانِيَتُهَا أَنْ تَنْفَرِدَ الرَّحِمِيَّةُ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ كَأَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ فَلَا تَغْلُظُ فِيهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي الْقَرَابَةِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِذِي الرَّحِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا. تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَتَلَ ابْنَ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ، أَوْ بِنْتَ عَمٍّ هِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا تَغْلِيظَ فِيهِ، مَعَ أَنَّهُ رَحِمٌ مَحْرَمٌ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ تَقْيِيدَ الْمَحْرَمِيَّةِ بِذَلِكَ، وَيَدْخُلُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ فِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ عِصْمَةٌ، وَقَطْعِ الطَّرَفِ، وَفِي دِيَةِ الْجُرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ النَّفْسِ، وَلَا يَدْخُلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَغْلِيظٌ وَلَا تَخْفِيفٌ بَلْ الْوَاجِبُ قِيمَةُ يَوْمِ التَّلَفِ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ قِيَمِ الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي قَتْلِ الْجَنِينِ بِالْحَرَمِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى النَّصِّ خِلَافَهُ، وَلَا تَغْلِيظَ فِي الْحُكُومَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْقَتْلَ بِالْخَطَأِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيهِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يَتَضَاعَفُ بِالتَّغْلِيظِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَهَى بِنِهَايَتِهِ فِي التَّغْلِيظِ لَا يَقْبَلُ التَّغْلِيظَ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ، وَنَظِيرُهُ الْمُكَبَّرُ لَا يُكَبَّرُ كَعَدَمِ التَّثْلِيثِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ، قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ. فَرْعٌ: الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَوْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ وَقَتَلَا فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ. قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 297 وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ. وَالْعَمْدُ عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ. وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ. وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ وَمَرِيضٌ إلَّا بِرِضَاهُ، وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ بِأَهْلِ خِبْرَةٍ، وَالْأَصَحُّ إجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ،   [مغني المحتاج] ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمَا بِالتَّثْلِيثِ نَقْلًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَغْلُظَ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ يُلْحِقُ الْخَطَأَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَلَيْسَ لَهُمَا شِبْهُ عَمْدٍ، فَالْمُلْتَحَقُ أَوْلَى بِالْعَدَمِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُمَا شِبْهُ عَمْدٍ، مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا قَصَدَا الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. (وَالْخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ) كَمَا سَبَقَ (فَعَلَى الْعَاقِلَةِ) دِيَتُهُ (مُؤَجَّلَةٌ) عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ مُثَلَّثَةٌ فَغَيْرُ الْمُثَلَّثَةِ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعَاقِلَةِ وَالتَّأْجِيلِ وَالدَّلِيلِ عَلَيْهِ فِي بَابٍ عَقِبَ هَذَا. (وَالْعَمْدُ) دِيَتُهُ (عَلَى الْجَانِي مُعَجَّلَةٌ) عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَسَائِرِ أَبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ. (وَشِبْهُ الْعَمْدِ) دِيَتُهُ (مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ) فَهِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، مُغَلَّظَةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ التَّثْلِيثُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَقْلُ شِبْهِ الْعَمْدِ مِثْلُ عَقْلِ الْعَمْدِ، وَلَا يُقْتَلُ صَاحِبُهُ» وَأَمَّا كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمُؤَجَّلَةً فَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا، وَلَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أُعْطِيَ حُكْمَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ: مُعَجَّلَةٌ وَمُؤَجَّلَةٌ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ (وَلَا يُقْبَلُ) فِي إبِلِ الدِّيَةِ (مَعِيبٌ) بِمَا يَثْبُتُ الرَّدُّ فِي الْعَيْبِ (وَ) لَا (مَرِيضٌ) وَإِنْ كَانَتْ إبِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ مَعِيبَةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَهَا فَاقْتَضَتْ السَّلَامَةَ، وَخَالَفَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ لِتَعَلُّقِهَا بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا تَخْلِيصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ لِتَسْتَقِلَّ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا السَّلَامَةُ مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْعَمَلِ وَالِاسْتِقْلَالِ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْمَرِيضِ عَلَى الْمَعِيبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، أَوْ لِنَفْيِ تَوَهُّمِ أَخْذِهِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: وَلَا تُؤْخَذُ مَرِيضَةٌ وَلَا مَعِيبَةٌ إلَّا عَنْ مِثْلِهِمَا (إلَّا بِرِضَاهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَلَهُ إسْقَاطُهُ. (وَيَثْبُتُ حَمْلُ الْخَلِفَةِ) الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الدِّيَةِ (بِأَهْلِ خِبْرَةٍ) بِذَلِكَ أَيْ بِعَدْلَيْنِ مِنْهُمْ عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْتَحِقِّ حَمْلَهَا إلْحَاقًا لَهُ بِالتَّقْوِيمِ، وَإِذَا أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِمَا أَوْ بِتَصْدِيقِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى حَمْلِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عِنْدَ الْمُسْتَحِقِّ وَشَقَّ جَوْفَهَا فَبَانَتْ حَائِلًا غَرِمَهَا وَأَخَذَ بَدَلَهَا حَامِلًا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْحَمْلِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَقَبْلَ شَقِّ جَوْفِهَا شُقَّ لِيُعْرَفَ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَى الدَّافِعُ إسْقَاطَ الْحَمْلِ، كَأَنْ قَالَ: أُسْقِطَتْ عِنْدَك، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: لَمْ يَكُنْ بِهَا حَمْلٌ وَأَمْكَنَ الْإِسْقَاطُ صُدِّقَ الدَّافِعُ إنْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ خَبِيرَيْنِ لِتَأَيُّدِ قَوْلِهِ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ وَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِقَوْلِ الدَّافِعِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأُولَى، وَبِيَمِينٍ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ (إجْزَاؤُهَا) أَيْ الْخَلِفَةِ (قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ النَّاقَةَ لَا تَحْمِلُ قَبْلَهَا، وَالثَّانِي اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 298 وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا، وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ، وَإِلَّا فَغَالِبِ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ، وَإِلَّا فَأَقْرَبِ بِلَادٍ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إلَّا بِتَرَاضٍ، وَلَوْ عُدِمَتْ فَالْقَدِيمُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ بِأَخْذِهَا جَازَ قَطْعًا (وَمَنْ لَزِمَتْهُ) دِيَةٌ مِنْ جَانٍ أَوْ عَاقِلَةٍ (وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا) تُؤْخَذُ الدِّيَةُ وَلَا يُكَلَّفُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَكَانَتْ مِمَّا عِنْدَهُ كَمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَوْعِ النِّصَابِ (وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ) أَوْ قَبِيلَتِهِ إنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا عِوَضُ مُتْلَفٍ، وَاعْتِبَارُهُ بِمِلْكِ الْمُتْلِفِ بَعِيدٌ، وَرَجَّحَ هَذَا الْإِمَامُ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلُهُ مِنْ الْغَالِبِ أُخِذَتْ مِنْهَا قَطْعًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبِلٌ (فَغَالِبِ) أَيْ فَتُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ (قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ) لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَوَجَبَ فِيهَا الْبَدَلُ الْغَالِبُ كَمَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ إبِلٌ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ (فَأَقْرَبِ) أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ أَقْرَبِ (بِلَادٍ) أَيْ أَقْرَبِ قَبَائِلَ إلَى مَوْضِعِ الْمُؤَدِّي فَيَلْزَمُهُ نَقْلُهَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا لَمْ تَبْلُغْ مُؤْنَةُ نَقْلِهَا مَعَ قِيمَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِبَلَدٍ أَوْ قَبِيلَةِ الْعَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ حِينَئِذٍ نَقْلُهَا، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ الضَّبْطِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ (وَ) إذَا وَجَبَ نَوْعٌ مِنْ الْإِبِلِ (لَا يَعْدِلُ) عَنْهُ (إلَى نَوْعٍ) مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ (وَ) لَا إلَى (قِيمَةٍ) عَنْهُ (إلَّا بِتَرَاضٍ) مِنْ الْمُؤَدِّي وَالْمُسْتَحِقِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ إلَى نَوْعٍ مِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا أَوْ فَوْقِهَا، وَهُوَ مَا صَرَّحَا بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: يُجْبَرُ عَلَى الْأَعْلَى وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ إبِلِ الدِّيَةِ بِالتَّرَاضِي لِجَهَالَتِهَا، وَحَمَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةَ الصِّفَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَتْ مَعْلُومَتَهَا، وَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ عِنْدَ عَدَمِ إبِلِهِ هُوَ مَا فِي الْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ أَصْلُهَا عَنْ التَّهْذِيبِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا، وَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَوْجَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ، وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ إبِلَهُ لَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْ غَالِبِ إبِلِ مَحَلِّهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَتَعَيَّنُ نَوْعُ إبِلِهِ سَلِيمًا كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِهِ أَخَذَ مِنْ الْأَكْثَرِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فَمِمَّا شَاءَ الدَّافِعُ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ إبِلِ مَحَلِّهِ (وَلَوْ عُدِمَتْ) إبِلُ الدِّيَةِ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ تَحْصِيلُهَا مِنْهُ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا (فَالْقَدِيمُ) الْوَاجِبُ (أَلْفُ دِينَارٍ) عَلَى أَهْلِ الدَّنَانِيرِ (أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) فِضَّةٍ عَلَى أَهْلِ الدَّرَاهِمِ لِحَدِيثِ «عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَخْيِيرُ الْجَانِي بَيْنَ الذَّهَبِ وَالدَّرَاهِمِ، وَهُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 299 وَالْجَدِيدُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ بَلَدِهِ. وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ أُخِذَ وَقِيمَةُ الْبَاقِي، وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ نَفْسًا وَجُرْحًا. وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ثُلُثُ مُسْلِمٍ.   [مغني المحتاج] وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ دِيَةً مُغَلَّظَةً كَأَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ عَمْدًا هَلْ يُزَادُ لَهُ التَّغْلِيظُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْإِبِلِ إنَّمَا وَرَدَ بِالسِّنِّ وَالصِّفَةِ لَا بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهَذَا أَحَدُ مَا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ (وَالْجَدِيدُ) الْوَاجِبُ (قِيمَتُهَا) أَيْ الْإِبِلِ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ فَيَرْجِعُ إلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ إعْوَازِ أَصْلِهِ وَتُقَوَّمُ (بِنَقْدِ بَلَدِهِ) الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَضْبَطُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ لَا غَالِبَ فِيهِمَا تَخَيَّرَ الْجَانِي بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِنَقْدِ بَلَدِهِ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: لَمْ أَدْرِ أَيَّ بَلَدٍ هُوَ، أَبَلَدُ الْجَانِي أَمْ بَلَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَمْ الْوَلِيِّ الْقَابِضِ أَمْ الَّذِي يَجِبُ التَّحْصِيلُ مِنْهُ؟ لَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بَلَدُ مَنْ لَزِمَتْهُ كَمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَغَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْمُرَادُ هُنَا بَلَدُ الْعَدَمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ عُدِمَتْ اهـ. وَالْمُرَادُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَجِبُ التَّحْصِيلُ مِنْهُ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ، وَيُرَاعَى صِفَتُهَا فِي التَّغْلِيظِ. (وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ) مِنْ الْإِبِلِ الْوَاجِبَةِ (أُخِذَ) الْمَوْجُودُ مِنْهَا (وَقِيمَةُ الْبَاقِي) كَمَا لَوْ وَجَبَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ مِثْلٌ وَوَجَدَ بَعْضَ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ وَقِيمَةَ الْبَاقِي. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يُمْهِلْ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَصْبِرُ حَتَّى تُوجَدَ الْإِبِلُ لَزِمَ الدَّافِعَ امْتِثَالُهُ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَإِنْ أُخِذَتْ الْقِيمَةُ ثُمَّ وُجِدَتْ الْإِبِلُ وَأَرَادَ رَدَّ الْقِيمَةِ لِيَأْخُذَ الْإِبِلَ لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ لِانْفِصَالِ الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُجِدَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ الْإِبِلَ تَتَعَيَّنُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِنَصِّ الْمُخْتَصَرِ (وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى) الْمُشْكِلُ الْحُرَّانِ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ (كَنِصْفِ) دِيَةِ (رَجُلٍ) حُرٍّ مِمَّنْ هُمَا عَلَى دِينِهِ (نَفْسًا وَجُرْحًا) بِضَمِّ الْجِيمِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُغَلَّظَاتِ الدِّيَةِ شَرَعَ فِي مُنْقِصَاتِهَا. فَمِنْهَا الْأُنُوثَةُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «دِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ» وَأَلْحَقَ بِنَفْسِهَا جُرْحَهَا، وَبِهَا الْخُنْثَى؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهَا، فَفِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ أَوْ الْخُنْثَى خَطَأً عَشْرُ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَعَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَهَكَذَا، وَفِي قَتْلِهَا أَوْ قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ خَمْسَ عَشْرَةَ حِقَّةً، وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ خَلِفَةً. تَنْبِيهٌ: اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ بِإِلْحَاقِهِ بِالْأُنْثَى عَلَى النَّفْسِ وَالْجُرْحِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْأَطْرَافَ، وَلَعَلَّ حَذْفَ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ أَنَّ الْخُنْثَى لَا يُلْتَحَقُ بِالْأُنْثَى فِي الْأَطْرَافِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ فِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتَهَا، وَفِي حَلَمَتَيْهِ أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْحُكُومَةِ، وَشُفْرَيْهِ كَذَلِكَ بِخِلَافِهَا. (وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ) وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ إذَا كَانَ مَعْصُومًا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ (ثُلُثُ) دِيَةِ (مُسْلِمٍ) نَفْسًا وَغَيْرَهَا، أَمَّا فِي النَّفْسِ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 300 وَمَجُوسِيٌّ ثُلُثَا عُشْرِ مُسْلِمٍ، وَكَذَا وَثَنِيٌّ لَهُ أَمَانٌ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ دِينِهِ،   [مغني المحتاج] وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُعْقَلُ بِلَا تَوْقِيفٍ. فَفِي قَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ عَشْرُ حِقَاقٍ وَعَشْرُ جَذَعَاتٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلِفَةً وَثُلُثٌ، وَفِي قَتْلِهِ خَطَأً لَمْ تَغْلُظْ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْ بَنَاتِ الْمَخَاضِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَبَنِي اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ وَالْجِذَاعِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: دِيَةُ مُسْلِمٍ وَقَالَ مَالِكٌ: نِصْفُهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: إنْ قَتَلَ عَمْدًا فَدِيَةُ مُسْلِمٍ أَوْ خَطَأً فَنِصْفُهَا أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ وَمَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بِكُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ وَأَمَّا الْأَطْرَافُ وَالْجِرَاحُ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى النَّفْسِ. تَنْبِيهٌ: السَّامِرَةُ كَالْيَهُودِ، وَالصَّابِئَةُ كَالنَّصَارَى إنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمَا أَهْلُ مِلَّتِهِمَا، وَإِلَّا فَكَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ (وَمَجُوسِيٌّ) لَهُ أَمَانٌ دِيَتُهُ أَخَسُّ الدِّيَاتِ، وَهِيَ (ثُلُثَا عُشْرِ) دِيَةِ (مُسْلِمٍ) كَمَا قَالَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَفِيهِ عِنْدَ التَّغْلِيظِ حِقَّتَانِ وَجَذَعَتَانِ وَخِلْفَتَانِ وَثُلُثَا خَلِفَةٍ، وَعِنْدَ التَّخْفِيفِ بَعِيرٌ وَثُلُثٌ مِنْ كُلِّ سِنٍّ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ خَمْسَ فَضَائِلَ، وَهِيَ حُصُولُ كِتَابٍ وَدِينٍ كَانَ حَقًّا بِالْإِجْمَاعِ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ، وَيُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِيِّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ إلَّا التَّقْرِيرُ بِالْجِزْيَةِ، فَكَانَتْ دِيَتُهُ مِنْ الْخُمْسِ مِنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: ثُلُثَا عُشْرٍ أَوْلَى مِنْهُ ثُلُثُ خُمْسٍ؛ لِأَنَّ فِي الثُّلُثَيْنِ تَكْرِيرًا، وَأَيْضًا فَهُوَ الْمُوَافِقُ لِتَصْوِيبِ أَهْلِ الْحِسَابِ لِكَوْنِهِ أَخَصْرَ (وَكَذَا وَثَنِيٌّ) وَنَحْوُهُ، كَعَابِدِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَزِنْدِيقٍ، وَهُوَ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا مِمَّنْ (لَهُ أَمَانٌ) كَدُخُولِهِ لَنَا رَسُولًا، أَمَّا مَنْ لَا أَمَانَ لَهُ فَهَدَرٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ دِيَةِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَوَثَنِيٍّ مَثَلًا، وَهِيَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّ اعْتِبَارًا بِالْأَشْرَفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَبًا أَمْ أُمًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا، وَالضَّمَانُ يَغْلِبُ فِيهِ جَانِبُ التَّغْلِيظِ، وَيَحْرُمُ قَتْلُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ لِأَمَانِهِ، وَدِيَةُ نِسَاءِ وَخَنَاثَى مَنْ ذُكِرَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ، وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى إلَى هُنَا لَشَمِلَ الْجَمِيعَ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ. وَالْوَثَنُ: هُوَ الصَّنَمُ، وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ لَا يُقَالُ وَثَنٌ إلَّا لِمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَخْرَةٍ كَنُحَاسٍ وَحَدِيدٍ. (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّ مَنْ) قَتَلَ مَعْصُومًا، وَ (لَمْ يَبْلُغْهُ الْإِسْلَامُ) أَيْ دَعْوَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ) أَهْلِ (دِينِهِ) دِيَتُهُ، فَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا فَدِيَةُ كِتَابِيٍّ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَدِيَةُ مَجُوسِيٍّ، وَقِيلَ: دِيَةُ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عِنَادٌ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِدِينٍ مَنْسُوخٍ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ ثَبَتَ لَهُ نَوْعُ عِصْمَةٍ، فَأُلْحِقَ بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، فَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ دِيَةِ أَهْلِ دِينِهِ وَجَبَ فِيهِ أَخَسُّ الدِّيَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ أَوْ لَا فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: الضَّمَانُ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 301 وَإِلَّا فَكَمَجُوسِيٍّ فَصْلٌ فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَهَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ عَشَرَةٌ، وَدُونَهُ   [مغني المحتاج] أَخَسُّ الدِّيَاتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ بُدِّلَ، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُخَالِفُهُ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ أَصْلًا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا الطُّرُقُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَانَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَذْهَبِ نَظَرًا لِمَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ، فَلِذَا قَالَ (فَكَمَجُوسِيٍّ) دِيَتُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَرَاتِبُ الْخِلَافِ، وَقِيلَ تَجِبُ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ، وَقِيلَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى دِينٍ حَقٍّ وَلَا عَهْدَ لَهُ وَلَا ذِمَّةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَجِبُ فِيمَنْ تَمَسَّكَ الْآنَ بِالْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ التَّبْدِيلُ اهـ. أَيْ إذَا لَمْ تَحِلَّ مُنَاكَحَتُهُمْ. تَتِمَّةٌ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَيُقْتَصُّ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ مِنْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَإِنْ تَمَكَّنَ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالْإِسْلَامِ. [فَصْلٌ فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ أَقْسَامٍ] (فَصْلٌ) فِي مُوجَبِ مَا دُونَ النَّفْسِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: جُرْحٌ، وَإِبَانَةُ طَرَفٍ، وَإِزَالَةُ مَنْفَعَةٍ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجُرْحُ، فَقَالَ وَ (فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ) وَلَوْ لِلْعَظْمِ الثَّانِي خَلْفَ الْأُذُنِ (أَوْ الْوَجْهِ) وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ لِمَا تَحْتَ الْمُقْبِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَفِيهَا (لِحُرٍّ) ذَكَرٍ (مُسْلِمٍ) غَيْرِ جَنِينٍ، (خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ «فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» فَتُرَاعَى هَذِهِ النِّسْبَةُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَفِي مُوضِحَةِ الْكِتَابِيِّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ، وَفِي مُوضِحَةِ الْمَجُوسِيِّ وَنَحْوِهِ ثُلُثُ بَعِيرٍ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذَكَرْتُهُ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْهَاشِمَةِ، وَخَرَجَ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَا عَدَاهُمَا كَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ فَإِنَّ فِيهِمَا الْحُكُومَةَ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) فِي (هَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ) أَوْ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ بِشَقٍّ لِإِخْرَاجِ عَظْمٍ أَوْ تَقْوِيمِهِ أَوْ سَرَتْ إلَيْهِ (عَشَرَةٌ) مِنْ أَبْعِرَةٍ وَهِيَ عُشْرُ دِيَةِ الْكَامِلِ بِالْحُرِّيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الصُّوَرَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَبْلَ هَذَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْجَبَ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا عَنْ زَيْدٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ (وَ) هَاشِمَةٍ (دُونَهُ) أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 302 خَمْسَةٌ، وَقِيلَ حُكُومَةٌ. وَمُنَقِّلَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَلَوْ أَوْضَحَ فَهَشَمَ آخَرُ، وَنَقَّلَ ثَالِثٌ، وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ، وَالرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ. وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ كَجُرْحِ سَائِرِ الْبَدَنِ.   [مغني المحتاج] الْإِيضَاحِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ (خَمْسَةٌ) مِنْ أَبْعِرَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ، وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ خَمْسَةٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْهَشْمِ فَوَجَبَتْ عِنْدَ انْفِرَادِهِ (وَقِيلَ) فِي الْهَشْمِ إذَا خَلَا عَمَّا ذُكِرَ (حُكُومَةٌ) لِأَنَّهُ كَسْرُ عَظْمٍ بِلَا إيضَاحٍ فَأَشْبَهَ كَسْرَ سَائِرِ الْعِظَامِ. (وَمُنَقِّلَةٍ) مَعَ إيضَاحٍ وَهَشْمٍ كَمَا صَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ (خَمْسَةَ عَشَرَ) بَعِيرًا، رَوَى النَّسَائِيُّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَ فِي الْأُمِّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَكَذَا ابْنُ الْمُنْذِرِ. (وَ) فِي (مَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ: إجْمَاعٌ، وَفِي الدَّامِغَةِ مَا فِي الْمَأْمُومَةِ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: تُزَادُ حُكُومَةٌ لِخَرْقِ غِشَاءِ الدِّمَاغِ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي خَرْقِ الْأَمْعَاءِ فِي الْجَائِفَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَمَامُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا تُذَفِّفُ وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَأْمُومَةِ وَمَا قَبْلَهَا مَا ذُكِرَ إنْ اتَّحَدَ الْجَانِي، فَلَوْ تَعَدَّدَ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ. (وَلَوْ أَوْضَحَ) وَاحِدٌ ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا (فَهَشَمَ آخَرُ) بَعْدَ الْإِيضَاحِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَيْسَ تَعْقِيبُ الْهَشْمِ لِلْإِيضَاحِ بِشَرْطٍ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ (وَنَقَّلَ ثَالِثٌ وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ) مِنْ الْإِبِلِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِسَبَبِ الْإِيضَاحِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا مِنْ دِيَةِ الْهَاشِمَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ الزَّائِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ دِيَةِ الْمُنَقِّلَةِ (وَ) عَلَى (الرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ) وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَهْشِمَ الْآخَرُ فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ كَمَا قَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسَةٌ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْعَفْوِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْبَاقِينَ مُكِّنَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ مِمَّا ذُكِرَ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَيْهِمْ بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْجُرْحِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. قَالَهُ الْفَارِقِيُّ فِي فَوَائِدِهِ. (وَالشِّجَاجُ) الْخَمْسُ الَّتِي (قَبْلَ الْمُوضِحَةِ) مِنْ حَارِصَةٍ وَدَامِيَةٍ وَبَاضِعَةٍ وَمُتَلَاحِمَةٍ وَسِمْحَاقٍ (إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مُوضِحَةٌ إذَا قِيسَ بِهَا الْبَاضِعَةُ مَثَلًا عُرِفَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ ثُلُثٌ أَوْ نِصْفٌ فِي عُمْقِ اللَّحْمِ (وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا) بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ أَوْجَبْنَا الْيَقِينَ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْحُكُومَةِ وَالْقِسْطِ مِنْ الْمُوضِحَةِ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَجَبَ أَحَدُهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْهَا (فَحُكُومَةٌ) لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ (كَجُرْحِ سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْبَدَنِ) كَالْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ فَإِنَّ فِيهِ الْحُكُومَةَ فَقَطْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 303 وَفِي جَائِفَةٍ ثُلُثُ دِيَةٍ، وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَبَطْنٍ وَصَدْرٍ، وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَجَبِينٍ وَخَاصِرَةٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ   [مغني المحتاج] لِأَنَّ أَدِلَّةَ مَا مَرَّ فِي الْإِيضَاحِ وَالْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ لَمْ يَشْمَلْهُ لِاخْتِصَاصِ أَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ بِجِرَاحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا لِزِيَادَةِ الْخَطَرِ وَالْقُبْحِ فِيهِمَا وَأَيْضًا فَأَرْشُ نَفْسِ الْعُضْوِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْقُصَ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْعُضْوِ، وَلَيْسَ فِي الْأُنْمُلَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثٌ، فَكَيْفَ نُوجِبُ فِي إيضَاحِ عَظْمِهَا خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ. (وَفِي جَائِفَةٍ) وَإِنْ صَغُرَتْ (ثُلُثُ دِيَةٍ) لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ إذْ لَا جُرْحَ فِي الْبَدَنِ يُقَدَّرُ غَيْرَهَا (وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يَصِلُ (إلَى جَوْفٍ) فِيهِ قُوَّةٌ تُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَبَطْنٍ) أَيْ كَدَاخِلِهِ (وَ) دَاخِلِ (صَدْرٍ، وَ) دَاخِلِ (ثُغْرَةِ نَحْرٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، وَهِيَ نُقْرَةٌ بَيْنَ التَّرْقُوَتَيْنِ (وَ) دَاخِلِ (جَبِينٍ) بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَ جِيمٍ وَهُوَ أَحَدُ جَانِبَيْ الْجَبْهَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ جِيمٍ تَثْنِيَةُ جَنْبٍ، وَبِهِ عَبَّرَ الْمُحَرَّرُ وَالرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْجَنْبَ عَلَمٌ مِنْ التَّمْثِيلِ بِالْبَطْنِ (وَ) دَاخِلِ (خَاصِرَةٍ) مِنْ الْخَصْرِ، وَهُوَ وَسَطُ الْإِنْسَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِيفَ بِحَدِيدَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ، وَخَرَجَ بِالْجَوْفِ الْمَذْكُورِ غَيْرُهُ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْجَفْنِ وَالْعَيْنِ وَمَمَرِّ الْبَوْلِ إذْ لَا يَعْظُمُ فِيهَا الْخَطَرُ كَالْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْ الْأَجْوَافِ بَلْ فِيهَا حُكُومَةٌ، فَلَوْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ إلَى الْفَمِ أَوْ دَاخِلِ الْأَنْفِ بِإِيضَاحٍ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ بِكَسْرِ قَصَبَةِ الْأَنْفِ، فَأَرْشُ مُوضِحَةٍ فِي الْأُولَى أَوْ أَرْشُ هَاشِمَةٍ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ حُكُومَةٍ فِيهِمَا لِلنُّفُوذِ إلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أُخْرَى، وَإِنْ حَزَّ بِسِكِّينٍ مِنْ كَتِفٍ أَوْ فَخِذٍ إلَى الْبَطْنِ فَأَجَافَهُ فَوَاجِبُهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ وَحُكُومَةٌ لِجِرَاحَةِ الْكَتِفِ أَوْ الْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْجَائِفَةِ أَوْ حَزَّ بِهَا مِنْ الصَّدْرِ إلَى الْبَطْنِ أَوْ النَّحْرِ فَأَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا حُكُومَةٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَحَلُّ الْجَائِفَةِ، وَلَوْ أَجَافَهُ حَتَّى لَذَعَ كَبِدَهُ أَوْ طِحَالَهُ لَزِمَهُ مَعَ دِيَةِ الْجَائِفَةِ حُكُومَةٌ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَسَرَ ضِلْعَهُ كَانَتْ حُكُومَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِنُفُوذِ الْجَائِفَةِ، فَإِنْ نَفَذَتْ فِي غَيْرِ الضِّلْعِ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ مَعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ إلَّا بِكَسْرِهِ دَخَلَتْ حُكُومَةُ كَسْرِهِ فِي دِيَةِ الْجَائِفَةِ. تَنْبِيهٌ: سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ نَفَذَ الطَّعْنُ إلَى الْبَطْنِ وَخَرَجَ مِنْ الظَّهْرِ كَانَ ذَلِكَ جَائِفَتَيْنِ، فَفِيهِ إطْلَاقُ الْجَائِفَةِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ جَوْفٍ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ هُنَا تَقْيِيدَ الْجَائِفَةِ بِمَا دَخَلَ الْجَوْفَ. (وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ بِكِبَرِهَا) وَلَا صِغَرِهَا لِاتِّبَاعِ الِاسْمِ كَالْأَطْرَافِ وَلَا بِكَوْنِهَا بَارِزَةً أَوْ مَسْتُورَةً بِالشَّعْرِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمُوضِحَةِ بَلْ الْجَائِفَةُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ غَرَزَ فِيهِ إبْرَةً فَوَصَلَتْ إلَى الْجَوْفِ فَهِيَ جَائِفَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ الشِّجَاجِ فَهُوَ عَلَى الْأَسْمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَعَدَّدُ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَبَدَأَ بِأَوَّلِهَا فِي قَوْلِهِ. (وَلَوْ أَوْضَحَ) الْجَانِي مَعَ اتِّحَادِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 304 مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ قِيلَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَمُوضِحَتَانِ. وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً أَوْ شَمِلَتْ رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ، وَقِيلَ مُوضِحَةٌ، وَلَوْ وَسَّعَ مُوضِحَتَهُ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ.   [مغني المحتاج] الْحُكْمِ (مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ) مَعًا سَوَاءٌ أَوْضَحَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا (قِيلَ أَوْ) بَيْنَهُمَا (أَحَدُهُمَا) أَيْ لَحْمٌ فَقَطْ أَوْ جِلْدٌ فَقَطْ (فَمُوضِحَتَانِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ مَعَ قُوَّةِ الْحَاجِزِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَجْهُ الْقَائِلِ بِالتَّعَدُّدِ وُجُودُ حَاجِزٍ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ أَتَتْ عَلَى الْمَوْضِعِ كُلِّهِ كَاسْتِيعَابِهِ بِالْإِيضَاحِ، وَلَوْ رَفَعَ الْجَانِي الْحَاجِزَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا أَوْ تَأَكَّلَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ عَادَ الْأَرْشَانِ إلَى وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَانَ كَمَا لَوْ أَوْضَحَ فِي الِابْتِدَاءِ مُوضِحَةً وَاسِعَةً، وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَدِيدَةَ وَنَفَّذَهَا مِنْ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الدَّاخِلِ ثُمَّ سَلَّهَا فَفِي تَعَدُّدِ الْمُوضِحَةِ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا عَدَمُ التَّعَدُّدِ، وَلَوْ كَثُرَتْ الْمُوضِحَاتُ تَعَدَّدَ الْأَرْشُ بِحَسَبِهَا وَلَا ضَبْطَ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِيمَا لَوْ اسْتَوْعَبَ الْأَسْنَانَ قَلْعًا. الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ قِصَاصًا وَعُدْوَانًا فَمُوضِحَتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ. الثَّالِثُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَمِلَتْ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْأَصَحِّ (رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ، فَقَوْلُهُ فَمُوضِحَتَانِ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَقِيلَ مُوضِحَةٌ) نَظَرًا لِلصُّورَةِ. تَنْبِيهٌ: نَصْبُ " عَمْدًا وَخَطَأً " إمَّا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ أَيْ مُوضِحَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ رَأْسًا وَوَجْهًا عَنْ شُمُولِهَا رَأْسًا وَقَفًا فَيَلْزَمُهُ مَعَ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ حُكُومَةُ الْقَفَا وَعَنْ شُمُولِهَا الْجَبْهَةَ وَالْوَجْهَ فَالْمَذْهَبُ الِاتِّحَادُ، وَقَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ شُمُولَ الْمُوضِحَةِ لِكُلٍّ مِنْ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَوْضَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَبَعْضَ الْوَجْهِ (وَلَوْ وَسَّعَ) الْجَانِي (مُوضِحَتَهُ) مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ (فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا لَوْ أَوْضَحَ أَوَّلًا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهٌ مَنْقُولٌ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّ التَّوْسِعَةَ إيضَاحٌ ثَانٍ، أَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فَتَتَعَدَّدُ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً. الرَّابِعُ مِنْ أَسْبَابِ التَّعَدُّدِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَحَزَّ آخَرُ رَقَبَتَهُ، فَإِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا جِنَايَتُهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُوَسِّعُ مَأْمُورًا لِلْمُوضِحِ أَوَّلًا وَكَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ يَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ أَيْ وَسَّعَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَنُقِلَ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فَالْكَسْرُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي مُوضِحَتِهِ: أَيْ وَسَّعَ مُوضِحَةَ غَيْرِهِ فَحُذِفَ وَبَقِيَ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَيْخُهُ ابْنُ مَالِكٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 305 وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ. وَلَوْ نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ سِنَانًا لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ.   [مغني المحتاج] تَبَعًا لِلْكُوفِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِي الْعَطْفِ عَلَى مَجْرُورٍ إعَادَةُ الْجَارِّ خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّينَ وَالْفَتْحُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِعْطَاءِ إعْرَابِهِ الْمُضَافَ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا. فَرْعٌ: لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي مُوضِحَةٍ وَعَفَا عَلَى مَالٍ هَلْ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ أَرْشٌ كَامِلٌ أَوْ عَلَيْهِمَا أَرْشٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ النَّفْسِ، فَإِنَّ عَلَيْهِمَا دِيَةً وَاحِدَةً؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ أَوْضَحَا مُوضِحَتَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِيهِمَا ثُمَّ رَفَعَ أَحَدُهُمَا الْحَاجِزَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَإِنَّ الْمُوضِحَةَ تَتَّحِدُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَعَلَى الرَّافِعِ أَرْشٌ كَامِلٌ وَعَلَى غَيْرِهِ أَرْشَانِ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ لَزِمَ الرَّافِعَ نِصْفُ أَرْشٍ وَلَزِمَ صَاحِبَهُ أَرْشٌ كَامِلٌ وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي (وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي) الِاتِّحَادِ وَفِي (التَّعَدُّدِ) الْمُتَقَدِّمِ صُورَةً وَحُكْمًا وَمَحَلًّا وَفَاعِلًا وَفِي رَفْعِ الْحَاجِزِ بَيْنَ الْجَائِفَتَيْنِ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ أَرْشِ الْجَائِفَةِ عَلَى مَنْ وَسَّعَ جَائِفَةَ غَيْرِهِ أَنْ يُوَسِّعَ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ بِخِلَافِ الْمُوضِحَةِ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ أَدْخَلَ سِكِّينًا فِي جَائِفَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ وَيُعَزَّرُ، وَإِنْ زَادَ فِي غَوْرِهَا وَكَانَ قَدْ ظَهَرَ عُضْوٌ بَاطِنٌ كَالْكَبِدِ فَغَوَّرَ السِّكِّينَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْحُكُومَةُ، وَإِنْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَطَعَ مِنْ جَانِبِ بَعْضِ الظَّاهِرِ وَمِنْ جَانِبِ بَعْضِ الْبَاطِنِ فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ثَخَانَةِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَيُقَسَّطُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَدْ يَقْتَضِي التَّقْسِيطُ تَمَامَ الْأَرْشِ بِأَنْ يَقْطَعَ نِصْفَ الظَّاهِرِ مِنْ جَانِبٍ وَنِصْفَ الْبَاطِنِ مِنْ جَانِبٍ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ. (وَلَوْ) طَعَنَهُ بِآلَةٍ طَعْنَةً (نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ) أَوْ عَكْسُهُ أَوْ نَفَذَتْ مِنْ جَنْبٍ وَخَرَجَتْ مِنْ جَنْبٍ (فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ اعْتِبَارًا لِلْخَارِجَةِ بِالدَّاخِلَةِ، وَقَدْ قَضَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ، وَقَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فَكَانَ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالثَّانِي فِي الْخَارِجَةِ حُكُومَةٌ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ حَقِيقَتُهُمَا، لَا كُلُّ بَاطِنٍ وَظَاهِرٍ لِمَا مَرَّ فِي الْفَمِ وَالذَّكَرِ وَغَيْرِهِمَا (وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ) بِالْخَرْقِ (سِنَانًا) هُوَ طَرَفُ الرُّمْحِ (لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ) إنْ سَلِمَ الْحَاجِزُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَجَافَهُ بِاثْنَيْنِ، فَإِنْ خَرَجَا مِنْ ظَهْرِهِ فَأَرْبَعُ جَوَائِفَ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهَا قَدْ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُ فِي الْمُوضِحَةِ أَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَ فِي مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ تَعَدَّدَ الْأَرْشُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ طَعَنَ جَوْفَهُ بَدَلَ أَوْصَلَ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَصْدُقُ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ بِأَنْ يُوصِلَهُ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 306 وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ دِيَةً لَا حُكُومَةً، وَبَعْضٌ بِقِسْطِهِ، وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ. وَلَوْ قَطَعَ يَابِسَتَيْنِ فَحُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ دِيَةٌ. وَفِي كُلِّ عَيْنٍ   [مغني المحتاج] كَحَلْقِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى جَائِفَةً. (وَلَا يَسْقُطُ أَرْشٌ) بِانْدِمَالٍ وَلَا (بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ) لِأَنَّ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ وَقَدْ وُجِدَ، وَسَوَاءٌ أَبَقِيَ شَيْءٌ أَمْ لَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إبَانَةُ الطَّرَفِ، وَمُقَدَّرُ الْبَدَلِ مِنْ الْأَعْضَاءِ سِتَّةَ عَشَرَ عُضْوًا، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ: أُذُنٌ، عَيْنٌ، جَفْنٌ، أَنْفٌ، شَفَةٌ، لِسَانٌ، سِنٌّ، لَحْيٌ، يَدٌ، رِجْلٌ، حَلَمَةٌ، ذَكَرٌ، أُنْثَيَانِ، أَلْيَانِ، شَفْرَانِ، جِلْدٌ، ثُمَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ مِنْهَا وَهُوَ ثُنَائِيٌّ كَالْيَدَيْنِ، فَفِي الْوَاحِدِ مِنْهُ نِصْفُهَا، أَوْ ثُلَاثِيٌّ كَالْأَنْفِ فَثُلُثُهَا، أَوْ رُبَاعِيٌّ كَالْأَجْفَانِ فَرُبْعُهَا وَلَا زِيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْبَعْضِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ. الْعُضْوُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّ فِي) قَطْعِ أَوْ قَلْعِ (الْأُذُنَيْنِ) مِنْ أَصْلِهِمَا بِغَيْرِ إيضَاحٍ (دِيَةً) بِالنَّصْبِ اسْمُ أَنَّ سَوَاءٌ أَكَانَ سَمِيعًا أَمْ أَصَمَّ (لَا حُكُومَةً) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «فِي الْأُذُنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الدِّيَةُ كَالْيَدَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَجِبُ فِيهِمَا حُكُومَةٌ كَالشُّعُورِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ نَظَائِرِهِ دِيَةُ مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ إيضَاحٌ وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ الْإِيضَاحِ (وَبَعْضٌ) بِالرَّفْعِ مِنْ الْأُذُنَيْنِ (بِقِسْطِهِ) أَيْ الْمَقْطُوعِ لِمَا مَرَّ وَيُقَدَّرُ بِالْمِسَاحَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ: بَعْضٌ مَا قَطَعَ إحْدَاهُمَا وَمَا لَوْ قَطَعَ الْبَعْضَ مِنْ إحْدَاهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ: وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُحَرَّرُ (وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا) بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَتَا لَمْ تَتَحَرَّكَا (فَدِيَةٌ) كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ (وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهِيَ جَمْعُ الصَّوْتِ لِيَتَمَادَى إلَى مَحَلِّ السَّمَاعِ بِخِلَافِ الْيَدِ إذَا شُلَّتْ، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهَا بَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ نَصُّ الْأُمِّ يَقْتَضِيهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْأُخْرَى وَهِيَ دَفْعُ الْهَوَامِّ بِالْإِحْسَاسِ قَدْ بَطَلَتْ، وَيَكْفِي ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ. (وَلَوْ قَطَعَ) أُذُنَيْنِ (يَابِسَتَيْنِ) بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِيهِمَا فِي الْأَظْهَرِ (وَفِي قَوْلٍ) فِيهِمَا (دِيَةٌ) تَلْزَمُهُ، الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْأُذُنَ الصَّحِيحَةَ تُقْطَعُ بِالْمُسْتَحْشِفَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ جَرَيَانِ الْقِصَاصِ فِيهَا وَعَدَمِ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُعْقَلُ. . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الدِّيَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَبْلُغَ بِالْحُكُومَتَيْنِ مِقْدَارَ الدِّيَةِ حَتَّى لَا نَكُونَ قَدْ أَسْقَطْنَا الدِّيَةَ فِيهِمَا أَوْ لَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، أَشَارَ إلَيْهِمَا الْمَاوَرْدِيُّ: أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي. الْعُضْوُ الثَّانِي هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) قَلْعِ (كُلِّ عَيْنٍ) وَهِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 307 نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ عَيْنُ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ، وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ، فَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ. وَفِي كُلِّ جَفْنٍ رُبْعُ دِيَةٍ، وَلَوْ لِأَعْمَى. وَمَارِنٍ دِيَةٌ، وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ، وَقِيلَ فِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ،   [مغني المحتاج] مُؤَنَّثَةٌ: اسْمٌ لِحَاسَّةِ الْبَصَرِ مِنْ إنْسَانٍ وَغَيْرِهِ (نِصْفُ دِيَةٍ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَوَارِحِ نَفْعًا، فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيجَابِ الدِّيَةِ (وَلَوْ) هِيَ (عَيْنُ أَحْوَلَ) وَهُوَ مَنْ فِي عَيْنِهِ خَلَلٌ دُونَ بَصَرِهِ (وَ) عَيْنُ (أَعْمَشَ) وَهُوَ مَنْ يَسِيلُ دَمْعُهُ غَالِبًا مَعَ ضَعْفِ رُؤْيَتِهِ (وَ) عَيْنُ (أَعْوَرَ) وَهُوَ ذَاهِبُ حِسِّ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ مَعَ بَقَاءِ بَصَرِهِ، وَعَيْنُ أَخْفَشَ وَهُوَ صَغِيرُ الْعَيْنِ الْمُبْصِرَةِ، وَعَيْنُ أَعْشَى وَهُوَ مَنْ لَا يُبْصِرُ فِي الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَاقِيَةٌ بِأَعْيُنِ مَنْ ذُكِرَ، وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْعَيْنَ الْعَوْرَاءَ فِيهَا نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ الْأُخْرَى، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَمَّنْ يَقُولُ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ كُلُّ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ بَصَرَ الذَّاهِبَةِ انْتَقَلَ إلَيْهَا (وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ) عَلَى بَيَاضِهَا أَوْ سَوَادِهَا أَوْ نَاظِرِهَا وَهُوَ رَقِيقٌ (لَا يُنْقِصُ الضَّوْءَ) الَّذِي فِيهَا يَجِبُ فِي قَلْعِهَا نِصْفُ دِيَةٍ لِمَا مَرَّ (فَإِنْ نَقَصَ) الضَّوْءُ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ النَّقْصِ بِالِاعْتِبَارِ بِالصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا بَيَاضَ فِيهَا (فَقِسْطُ) مَا نَقَصَ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ) أَيْ النَّقْصُ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَيْنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْبَيَاضَ يُنْقِصُ الضَّوْءَ الَّذِي كَانَ فِي أَصْلِ الْحَدَقَةِ، وَعَيْنُ الْأَعْمَشِ لَمْ يَنْقُصْ ضَوْءُهَا عَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْعَمَشَ لَوْ تَوَلَّدَ مِنْ آفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ لَا تَكْمُلُ فِيهِ الدِّيَةُ. الْعُضْوُ الثَّالِثُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ جَفْنٍ) بِفَتْحِ جِيمِهِ وَكَسْرِهَا، وَإِنْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْفَتْحِ، وَهُوَ غِطَاءُ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ (رُبْعُ دِيَةٍ) سَوَاءٌ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ، فَفِي الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ (وَلَوْ) كَانَ (لِأَعْمَى) وَبِلَا هُدْبٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً. وَقَدْ اخْتَصَّتْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ بِكَوْنِهَا رُبَاعِيَّةً وَتَدْخُلُ حُكُومَةُ الْأَهْدَابِ فِي دِيَةِ الْأَجْفَانِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْأَهْدَابُ، فَإِنَّ فِيهَا حُكُومَةً إذَا فَسَدَ مَنْبَتُهَا كَسَائِرِ الشُّعُورِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ بِقَطْعِهَا الزِّينَةُ وَالْجَمَالُ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِلَّا فَالتَّعْزِيرُ، وَفِي قَطْعِ الْجَفْنِ الْمُسْتَفْحِشِ حُكُومَةٌ، وَفِي أَحْشَافِ الْجَفْنِ الصَّحِيحِ رُبْعُ دِيَةٍ جَزْمًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأُذُنِ، فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا تَزُولُ أَصْلًا بِخِلَافِهِ هُنَاكَ، وَفِي بَعْضِ الْجَفْنِ الْوَاحِدِ قِسْطُهُ مِنْ الرُّبْعِ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ فَتَقَلَّصَ بَاقِيهِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ تَكْمِيلِ الدِّيَةِ. الْعُضْوُ الرَّابِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي قَطْعِ (مَارِنٍ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَخَلَا مِنْ الْعَظْمِ (دِيَةٌ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الطَّرَفَيْنِ الْمُسَمَّيَانِ بِالْمَنْخَرَيْنِ، وَعَلَى الْحَاجِزِ بَيْنَهُمَا وَتَنْدَرِجُ حُكُومَةُ قَصَبَتِهِ فِي دِيَتِهِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقِيلَ فِيهَا حُكُومَةٌ مَعَ دِيَتِهِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَخْشَمِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِيهِ (وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْحَاجِزِ ثُلُثٌ) تَوْزِيعًا لِلدِّيَةِ عَلَيْهِمَا (وَقِيلَ فِي الْحَاجِزِ) بَيْنَهُمَا (حُكُومَةٌ) فَقَطْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 308 وَفِيهِمَا دِيَةٌ. وَفِي كُلِّ شَفَةٍ نِصْفُ دِيَةٍ. وَلِسَانٍ وَلَوْ لِأَلْكَنَ وَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ وَطِفْلٍ دِيَةٌ، وَقِيلَ شَرْطُ الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ،   [مغني المحتاج] (وَفِيهِمَا) أَيْ الطَّرَفَيْنِ (دِيَةٌ) لِأَنَّ الْجَمَالَ وَكَمَالَ الْمَنْفَعَةِ فِيهِمَا دُونَ الْحَاجِزِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ قَوْلَانِ، وَلَا تَصْرِيحَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِتَرْجِيحٍ وَفِي قَطْعِ بَاقِي الْمَقْطُوعِ مِنْ الْمَارِنِ بِجِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلَوْ بِجُذَامٍ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ بِالْمِسَاحَةِ، وَفِي إشْلَالِ الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَفِي شَقِّهِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ مِنْهُ شَيْءٌ حُكُومَةٌ وَإِنْ لَمْ يَلْتَئِمْ، فَإِنْ تَأَكَّلَ بِالشَّقِّ بِأَنْ ذَهَبَ بَعْضُهُ وَجَبَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَفِي قَطْعِ الْقَصَبَةِ وَحْدَهَا دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ. الْعُضْوُ الْخَامِسُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ شَفَةٍ) وَهِيَ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ إلَى الشِّدْقَيْنِ وَفِي طُولِهِ مَا يَسْتُرُ اللِّثَةَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ وَفِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ ذَكَرَ هَذَا ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهِ (نِصْفُ دِيَةٍ) عُلْوِيًّا أَوْ سُفْلِيًّا رَقَّتْ أَوْ غَلُظَتْ صَغُرَتْ أَوْ كَبُرَتْ، فَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ» وَلِمَا فِيهِمَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ، إذْ الْكَلَامُ يَتَمَيَّزُ بِهِمَا وَيُمْسِكَانِ الرِّيقَ وَالطَّعَامَ، وَالْإِشْلَالُ كَالْقَطْعِ، وَفِي شَقِّهِمَا بِلَا إبَانَةٍ حُكُومَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ شَفَةً مَشْقُوقَةً وَجَبَتْ دِيَتُهَا إلَّا حُكُومَةَ الشَّقِّ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَتَقَلَّصَ الْبَعْضَانِ الْبَاقِيَانِ وَبَقِيَا كَمَقْطُوعِ الْجَمِيعِ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَالْبَاقِي كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الْأُمِّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَهَلْ تَسْقُطُ مَعَ قَطْعِهِمَا حُكُومَةُ الشَّارِبِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْأَهْدَابِ مَعَ الْأَجْفَانِ. الْعُضْوُ السَّادِسُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي قَطْعِ (لِسَانٍ) لِنَاطِقٍ سَلِيمِ الذَّوْقِ (وَلَوْ) كَانَ اللِّسَانُ (لِأَلْكَنَ) وَهُوَ مَنْ فِي لِسَانِهِ لُكْنَةٌ أَوْ عُجْمَةٌ (وَ) لَوْ لِسَانَ (أَرَتَّ) بِمُثَنَّاةٍ (وَ) لَوْ (أَلْثَغَ) بِمُثَلَّثَةٍ، وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (وَ) لَوْ لِسَانَ (طِفْلٍ) وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ، وَقَوْلُهُ (دِيَةٌ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَلْسِنَةِ الْمَذْكُورَةِ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ «وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَنَقَلَ فِي الْأُمِّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً يَتَمَيَّزُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهَائِمِ فِي الْبَيَانِ وَالْعِبَارَةِ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَنَافِعَ: الْكَلَامُ، وَالذَّوْقُ، وَالِاعْتِمَادُ فِي أَكْلِ الطَّعَامِ وَإِدَارَتُهُ فِي اللَّهَوَاتِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ طَحْنَهُ بِالْأَضْرَاسِ (وَقِيلَ شَرْطُ) الدِّيَةِ فِي قَطْعِ لِسَانِ (الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ) أَيْ اللِّسَانِ (لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ) لِلثَّدْيِ؛ لِأَنَّهَا أَمَارَاتٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى سَلَامَةِ اللِّسَانِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ سَلَامَتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَلَغَ الطِّفْلُ أَوَانَ النُّطْقِ وَالتَّحْرِيكِ وَلَمْ يُوجَدَا مِنْهُ فَحُكُومَةٌ لَا دِيَةٌ لِإِشْعَارِ الْحَالِ بِعَجْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ النُّطْقِ فَدِيَةٌ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَخَذًا بِظَاهِرِ السَّلَامَةِ كَمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ بَطْشٌ وَلَا مَشْيٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أُخِذَتْ دِيَةُ اللِّسَانِ فَنَبَتَ لَمْ تُسْتَرَدَّ، وَفَارَقَ عَوْدُ الْمَعَانِي كَمَا يَأْتِي بِأَنَّ ذَهَابَهَا كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 309 وَلِأَخْرَسَ حُكُومَةٌ. وَكُلِّ سِنٍّ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ سَوَاءٌ أَكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ أَوْ قَلَعَهَا بِهِ.   [مغني المحتاج] مَظْنُونًا، وَقَطْعُ اللِّسَانِ مُحَقَّقٌ، وَالْعَائِدُ غَيْرُهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ، وَلَوْ أُخِذَتْ الْحُكُومَةُ لِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانِهِ لِأَمْرٍ اقْتَضَى إيجَابَهَا ثُمَّ نَطَقَ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ وَعَرَفْنَا سَلَامَةَ لِسَانِهِ وَجَبَ تَمَامُ قِسْطِ دِيَتِهِ. أَمَّا إذَا كَانَ اللِّسَانُ عَدِيمَ الذَّوْقِ فَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ فِيهِ حُكُومَةً كَالْأَخْرَسِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الذَّوْقَ فِي اللِّسَانِ، وَقَدْ يُنَازِعُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا قَطَعَ لِسَانَهُ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ لَزِمَهُ دِيَتَانِ اهـ. وَاللِّسَانُ ذُو الطَّرَفَيْنِ إنْ اسْتَوَيَا خِلْقَةً فَلِسَانٌ مَشْقُوقٌ فَتَجِبُ بِقَطْعِهِمَا الدِّيَةُ وَبِقَطْعِ أَحَدِهِمَا قِسْطُهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلِيًّا وَالْآخَرُ زَائِدًا، فَفِي قَطْعِ الْأَصْلِيِّ الدِّيَةُ، وَفِي قَطْعِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ (وَ) فِي لِسَانِ (الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ) وَلَوْ كَانَ خَرَسُهُ عَارِضًا كَمَا فِي قَطْعِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ يَذْهَبْ بِقَطْعِهِ الذَّوْقُ أَوْ كَانَ ذَاهِبَ الذَّوْقِ. فَأَمَّا إذَا قَطَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لِلذَّوْقِ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ فِي الذَّوْقِ الدِّيَةَ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ وُلِدَ أَصَمَّ فَقَطَعَ لِسَانَهُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ أَمَارَةُ النُّطْقِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَهُوَ مَأْيُوسٌ مِنْ الْأَصَمِّ وَالصَّغِيرُ إنَّمَا يَنْطِقُ بِمَا يَسْمَعُهُ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ لَمْ يَنْطِقْ، وَفِي قَطْعِ اللَّهَاةِ حُكُومَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهِيَ الْهَنَةُ الْمُطْبِقَةُ فِي أَقْصَى سَقْفِ الْفَمِ. الْعُضْوُ السَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي قَلْعِ (كُلِّ سِنٍّ) أَصْلِيَّةٍ تَامَّةٍ مَثْغُورَةٍ غَيْرِ مُقَلْقَلَةٍ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاء نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا، فَفِيهَا (لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ وَالضِّرْسِ وَإِنْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهَا بِاسْمٍ كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ فِي الْأَصَابِعِ وَفِيهَا لِأُنْثَى حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ، وَلِذِمِّيٍّ بَعِيرٌ وَثُلُثَانِ، وَلِمَجُوسِيٍّ ثُلُثُ بَعِيرٍ، وَلِرَقِيقٍ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَشَمِلَ جَمِيعَ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ انْتَهَى صِغَرُ السِّنِّ إلَى أَنْ لَا يَصْلُحَ لِلْمَضْغِ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا حُكُومَةٌ. الثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَالِبَ طُولُ الثَّنَايَا عَلَى الرُّبَاعِيَّاتِ فَلَوْ كَانَتْ مِثْلَهَا أَوْ أَقْصَرَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخَمْسُ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهَا بِحَسَبِ نُقْصَانِهَا، ثُمَّ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (سَوَاءٌ أَكَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَإِعْجَامِ الْخَاءِ، وَيُقَالُ بِالْجِيمِ أَصْلُهَا الْمُسْتَتِرُ بِاللَّحْمِ (أَوْ قَلَعَهَا بِهِ) أَيْ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي دِيَتِهَا بَيْنَ حَالَةِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا كَالْقَلْعِ أَوْ لَا كَالْكَسْرِ لِأَنَّ النَّسْخَ تَابِعٌ، فَأَشْبَهَ الْكَفَّ مَعَ الْأَصَابِعِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَذْهَبَ مَنْفَعَةَ السِّنِّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ. قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَ مَنَافِعِهَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي خِلْقَةً. أَمَّا لَوْ ظَهَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 310 وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ حُكُومَةٌ، وَحَرَكَةُ السِّنِّ إنْ قَلَّتْ فَكَصَحِيحَةٍ وَإِنْ بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ فَحُكُومَةٌ، أَوْ نَقَصَتْ فَالْأَصَحُّ كَصَحِيحَةٍ. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ فَلَمْ تَعُدْ وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَجَبَ الْأَرْشُ،   [مغني المحتاج] بَعْضُ السِّنْخِ لِخَلَلٍ أَصَابَ اللِّثَةَ لَمْ يُلْحَقْ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ بَلْ يُكَمِّلُ الدِّيَةَ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ تَجِبُ لِلسِّنْخِ حُكُومَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْقَالِعُ لَهَا وَاحِدًا وَقَلَعَهُمَا مَعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ قَلَعَ الظَّاهِرَ ثُمَّ السِّنْخَ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، أَوْ قَلَعَ وَاحِدٌ السِّنَّ وَآخَرُ السِّنْخَ وَجَبَ لِلسِّنْخِ حُكُومَةٌ جَزْمًا، وَلَوْ قَلَعَ السِّنَّ فَبَقِيَتْ مُعَلَّقَةً بِعُرُوقِهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالْإِبَانَةِ وَلَمْ تُوجَدْ، وَإِنْ كَسَرَ سِنًّا مَكْسُورَةً وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ الْفَائِتِ صُدِّقَ صَاحِبُهَا فِي قَدْرِهِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَوَاتِ الزَّائِدِ، وَإِنْ كَسَرَ مِنْهُ صَحِيحَةً وَاخْتَلَفَ هُوَ وَصَاحِبُهَا فِي قَدْرِ مَا كَسَرَ مِنْهَا صُدِّقَ الْجَانِي فِي قَدْرِ مَا كَسَرَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. (وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ) وَهِيَ الْخَارِجَةُ عَنْ سَمْتِ الْأَسْنَانِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُخَالِفَةِ نَبَاتَهَا (حُكُومَةٌ) كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالشَّاغِيَةِ كَالْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تَشْمَلُ الزَّائِدَ عَلَى الْغَالِبِ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَمْتِ الْأَسْنَانِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ فِيهَا أَرْشًا، وَيُعَزَّرُ قَالِعُ سِنٍّ اُتُّخِذَتْ مِنْ نَحْوِ ذَهَبٍ كَفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ وَلَا حُكُومَةٍ وَإِنْ تَشَبَّثَتْ بِاللَّحْمِ وَاسْتَعَدَّتْ لِلْمَضْغِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ الشَّخْصِ (وَحَرَكَةُ السِّنِّ) لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ (إنْ قَلَّتْ) بِحَيْثُ لَا تُؤْذِي الْقِلَّةُ لِنَقْصِ مَنْفَعَتِهَا مِنْ مَضْغٍ وَغَيْرِهِ (فَكَصَحِيحَةٍ) حُكْمُهَا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ لِبَقَاءِ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ (وَإِنْ بَطَلَتْ الْمَنْفَعَةُ) مِنْهَا لِشِدَّةِ حَرَكَتِهَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِيهَا لِلشَّيْنِ الْحَاصِلِ بِزَوَالِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْجَمَالِ وَحَبْسَ الطَّعَامِ وَالرِّيقِ مَوْجُودَةٌ (أَوْ نَقَصَتْ) تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ الْمَذْكُورَةُ (فَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا (كَصَحِيحَةٍ) فَيَجِبُ الْأَرْشُ لِوُجُودِ أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْمَضْغِ وَحِفْظِ الطَّعَامِ وَرَدِّ الرِّيقِ وَلَا أَثَرَ لِضَعْفِهَا كَضَعْفِ الْبَطْشِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَزَلْزَلَتْ سِنٌّ صَحِيحَةٌ بِجِنَايَةٍ ثُمَّ سَقَطَتْ بَعْدُ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ ثَبَتَتْ وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْجِرَاحَةِ نَقْصٌ وَلَا شَيْنٌ، وَإِنْ عَادَتْ نَاقِصَةَ الْمَنْفَعَةِ فَفِيهَا أَرْشٌ، كَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي فِي الْأَنْوَارِ لَزِمَتْهُ الْحُكُومَةُ لَا الْأَرْشُ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنَّمَا يَجِبُ بِقَلْعِهِمَا كَمَا مَرَّ. قَالَ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّةُ الْقَدَمِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَقْصِ الْمَنْفَعَةِ ذَهَابُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ. (وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ) أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يُثْغَرْ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ، وَهِيَ رَوَاضِعُهُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا غَالِبًا عَوْدُهَا بَعْدَ سُقُوطِهَا (فَلَمْ تَعُدْ) وَقْتَ أَوَانِ عَوْدِهَا (وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ) مِنْهَا (وَجَبَ) الْقِصَاصُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْقِصَاصِ أَوْ (الْأَرْشُ) تَامًّا، فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 311 وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا شَيْءَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ، وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ فَبِحِسَابِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ إنْ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ.   [مغني المحتاج] عَادَتْ فَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ، وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إنْ بَقِيَ شَيْنٌ، وَإِلَّا فَلَا (وَالْأَظْهَرُ) وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ) لِحَالِ طُلُوعِهَا وَعَدَمِهِ (فَلَا شَيْءَ) عَلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَعَادَتْ، وَالثَّانِي يَجِبُ الْأَرْشُ لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَوْدِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وُجُوبَهَا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْقِسْطِ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ أَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ تَكْمُلْ، وَلَوْ قَلَعَهَا قَبْلَ تَمَامِ نَبَاتِهَا آخَرُ اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَنْبُتْ فَالدِّيَةُ عَلَى الْآخَرِ، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ أَكْثُرُ مِنْ الْحُكُومَةِ الْأُولَى، وَإِنْ أَفْسَدَ مَنْبَتَ غَيْرِ الْمَثْغُورَةِ آخَرُ بَعْدَ قَلْعِ غَيْرِهِ لَهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ رَجَّحَهُ فِي الْبَيَانِ، وَإِنْ سَقَطَتْ بِلَا جِنَايَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ شَخْصٌ مَنْبَتَهَا لَزِمَهُ حُكُومَةٌ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْلَعْ سِنًّا (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ لَوْ قَلَعَ) شَخْصٌ (سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ) تِلْكَ الْمَقْلُوعَةُ (لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ) لِأَنَّ الْعَوْدَ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ كَمُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ الْتَحَمَتْ بَعْدَ أَخْذِ أَرْشِهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَرَدُّ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالْتِحَامِهَا الْقِصَاصُ، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِأَنَّ الْعَائِدَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ تَعُدْ وَجَبَ الْأَرْش جَزْمًا (وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ) كُلُّهَا، وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فِي غَالِبِ الْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ؛ أَرْبَعُ ثَنَايَا، وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ، ثُمَّ أَرْبَعُ رُبَاعِيَّاتٍ: ثِنْتَانِ مِنْ أَعْلَى وَثِنْتَانِ مِنْ أَسْفَلَ، ثُمَّ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، ثُمَّ أَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعَةُ نَوَاجِذَ وَاثْنَا عَشَرَ ضِرْسًا، وَتُسَمَّى الطَّوَاحِينَ، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّتُهُ أَنَّ النَّوَاجِذَ فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ آخِرُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ قَضِيَّتَهُ لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِثُمَّ، ثُمَّ عَطَفَ النَّوَاجِذَ وَالْأَضْرَاسَ بِالْوَاوِ، وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا. وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» فَالْمُرَادُ ضَوَاحِكُهُ؛ لِأَنَّ ضَحِكَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَبَسُّمًا (فَبِحِسَابِهِ) فَفِيهَا مِائَةٌ وَسِتُّونَ بَعِيرًا، سَوَاءٌ أَقَلَعَهَا مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا لِمَا مَرَّ أَنَّ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ (وَفِي قَوْلٍ) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا (لَا يَزِيدُ) أَرْشُ جَمِيعِ الْأَسْنَانِ (عَلَى دِيَةٍ إنْ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ) عَلَيْهَا كَأَنْ أَسْقَطَهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ انْدِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ جِنْسٌ مُتَعَدِّدٌ، فَأَشْبَهَ الْأَصَابِعَ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّا إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْأَسْنَانَ فِي أَنْفُسِهَا وَإِنْ زَادَ أَرْشُهَا عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ نَبَاتُهَا وَيَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ، فَاحْتِيجَ إلَى اعْتِبَارِهَا فِي أَنْفُسِهَا، بِخِلَافِ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ مُتَفَقِّهٌ فِي النَّبَاتِ فَقُسِّطَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ الِانْدِمَالُ بَيْنَ كُلِّ سِنٍّ وَأُخْرَى أَوْ تَعَدَّدَ الْجَانِي فَإِنَّهَا تُزَادُ قَطْعًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 312 وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَكُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ قُطِعَ مِنْ كَفٍّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْأَسْنَانُ عَلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَجِبُ لِكُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَفِي سِنٍّ زَائِدٍ حُكُومَةٌ، هَذَا كُلُّهُ إنْ خُلِقَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، فَإِنْ خُلِقَتْ صَفِيحَتَانِ كَانَ فِيهِمَا دِيَةٌ فَقَطْ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ، وَذَكَرَ هُنَا فَائِدَتَيْنِ الْأُولَى قَالَ: جَزَمَ فِي الْجَوَاهِرِ تَبَعًا لِابْنِ سِيدَهْ أَنَّ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ وَالْكَوْسَجُ: لَا تَكْمُلُ أَسْنَانُهُ الْعِدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ. الثَّانِيَةُ: قَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ الْأَمِيرُ مَاتَ بِأَسْنَانِهِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا وَلَمْ يُثْغِرْ، وَكَانَتْ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَسْفَلِ، وَقِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْ الْأَعْلَى، وَعَاشَ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً. الْعُضْوُ الثَّامِنُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) فِي (كُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ لَامِهِ وَكَسْرِهَا وَاحِدُ اللَّحْيَيْنِ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا كَالْأُذُنَيْنِ، وَهُمَا عَظْمَاتُ تَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ السُّفْلَى، وَمُلْتَقَاهُمَا الذَّقَنُ. أَمَّا الْعُلْيَا فَمَنْبَتُهَا عَظْمُ الرَّأْسِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَشْكَلَ الْمُتَوَلِّي إيجَابَ الدِّيَةِ فِي اللَّحْيَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا خَبَرٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعِظَامِ الدَّاخِلَةِ فَيُشْبِهَانِ التَّرْقُوَةَ وَالضِّلْعَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا دِيَةَ فِي السَّاعِدِ وَالْعَضُدِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ، وَهِيَ عِظَامٌ فِيهَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مِنْ الْوَجْهِ كَانَا أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَوَجَبَ فِيهِمَا الدِّيَةُ (وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ) فَكِّ (اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِرَأْسِهِ، وَلَهُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ وَاسْمٌ يَخُصُّهُ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ كَالْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ، وَالثَّانِي يَدْخُلُ كَمَا تَدْخُلُ حُكُومَةُ الْكَفِّ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يَشْمَلُ الْكَفَّ وَالْأَصَابِعَ، وَلَا يَشْمَلُ اللَّحْيَانِ الْأَسْنَانَ، وَبِأَنَّ اللَّحْيَيْنِ كَامِلَا الْخَلْقِ قَبْلَ الْأَسْنَانِ بِدَلِيلِ الطِّفْلِ، بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سِنَّ الْمَثْغُورِ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَيُتَصَوَّرُ إفْرَادُ اللَّحْيَيْنِ عَنْ الْأَسْنَانِ فِي صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ بِهَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ فَكَّهُمَا أَوْ ضَرَبَهُمَا فَيَبِسَا لَزِمَهُ دِيَتُهُمَا، فَإِنْ تَعَطَّلَ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْأَسْنَانِ لَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى اللَّحْيَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. الْعُضْوُ التَّاسِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (وَ) فِي (كُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ) لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْيَدِ: الْكَفُّ مَعَ الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ، هَذَا (إنْ قُطِعَ) الْيَدُ بِتَأْوِيلِهَا بِالْعُضْوِ (مِنْ) مَفْصِلِ (كَفٍّ) وَهُوَ الْكُوعُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُهُ: إنْ قُطِعَ مِنْ الْكَفِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ النِّصْفُ إذَا قُطِعَ الْأَصَابِعُ وَبَقِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 313 فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ فَحُكُومَةٌ أَيْضًا. وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَأُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ، وَأُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا. وَالرِّجْلَانِ   [مغني المحتاج] الْكَفُّ، لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ بِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَكُلِّ إصْبَعٍ عَشَرَةٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْيَدِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ احْتِمَالِ إيجَابِ الْحُكُومَةِ لِأَجْلِ الْكَفِّ لَا لِلنَّقْصِ إنْ قُطِعَ مِنْ دُونِهِ، وَهَذَا إذَا حَزَّهُ مِنْ الْكَفِّ، فَإِنْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ ثُمَّ قَطَعَ الْكَفَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ كَمَا فِي السِّنْخِ مَعَ السِّنِّ. وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَتْ أَصَابِعُ إحْدَى يَدَيْهِ وَكَفُّهَا أَقْصَرَ مِنْ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْقَصِيرَةِ نِصْفُ دِيَةٍ كَامِلَةٍ بَلْ يَجِبُ نِصْفُ دِيَةٍ نَاقِصَةِ حُكُومَةٍ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ (فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِهِ) أَيْ الْكَفِّ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ (أَيْضًا) مَعَ دِيَةِ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ الْكَفِّ لَيْسَ بِتَابِعٍ بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُمَا كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَطْعِهِمَا فِي السَّرِقَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] . تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قَدْ يَجِبُ فِي الْيَدِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَطَعَ إنْسَانٌ يَمِينَ آخَرَ حَالَ صِيَالِهِ ثُمَّ يَسَارَهُ حَالَ تَوَلِّيهِ عَنْهُ، ثُمَّ رِجْلَيْهِ حَالَ صِيَالِهِ عَلَيْهِ ثَانِيًا، فَمَاتَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِلْيَدِ الْيُسْرَى اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ أَنَّ النَّفْسَ فَاتَتْ بِثَلَاثِ جِرَاحَاتٍ فَوُزِّعَتْ الدِّيَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّ الْيَدَ وَجَبَ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَجِبُ فِي الْيَدَيْنِ بَعْضُ الدِّيَةِ كَأَنْ سَلَخَ جِلْدَ شَخْصٍ فَبَادَرَ آخَرُ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَطَعَ يَدَيْهِ، فَالسَّالِخُ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَقَاطِعُ الْيَدَيْنِ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ يُنْقَصُ مِنْهَا مَا يَخُصُّ الْجِلْدَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْيَدَيْنِ اهـ. وَهَذَا أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَإِنَّا أَوْجَبْنَا فِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا نَقَّصْنَا مِنْهَا شَيْئًا لِأَجْلِ مَا فَاتَ مِنْ الْيَدَيْنِ، لَا أَنَّا أَوْجَبْنَا دُونَ الدِّيَةِ فِي يَدَيْنِ تَامَّتَيْنِ. (وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ) أَصْلِيَّةٍ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُ دِيَةِ صَاحِبِهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى، فَفِيهَا لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ (عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. أَمَّا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ (وَ) فِي كُلِّ (أُنْمُلَةٍ) مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ (ثُلُثُ الْعَشَرَةِ) لِأَنَّ لِكُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَ أَنَامِلَ إلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهُ أُنْمُلَتَانِ كَمَا قَالَهُ (وَ) فِي (أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ نِصْفُهَا) عَمَلًا بِقِسْطِ وَاجِبِ الْأُصْبُعِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ انْقَسَمَتْ أُصْبُعٌ أَرْبَعَ أَنَامِلَ مُتَسَاوِيَةً فَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعُ الْعُشْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَيُقَاسُ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّاقِصَةُ عَنْ الثَّلَاثِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقْسِمُوا دِيَةَ الْأَصَابِعِ عَلَيْهَا إذَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ كَمَا فِي الْأَنَامِلِ، بَلْ أَوْجَبُوا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً. قُلْنَا: الْفَرْقُ أَنَّ الزَّائِدَةَ مِنْ الْأَصَابِعِ مُتَمَيِّزَةٌ وَمِنْ الْأَنَامِلِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَلِذَلِكَ اشْتَرَكَتْ الْأَنَامِلُ وَتَفَرَّقَتْ الْأَصَابِعُ، وَأَيْضًا أَنَّ الْأَنَامِلَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ بِالزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ، وَلَمَّا لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَصَابِعُ فِي الْخِلْقَةِ الْمَعْهُودَةِ فَارَقَهَا حُكْمُ الْخِلْقَةِ النَّادِرَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِأُصْبُعِهِ أَنَامِلُ فَفِيهِ دِيَةٌ تَنْقُصُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الِانْثِنَاءَ إذَا زَالَ سَقَطَ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْيَدِ. الْعُضْوُ الْعَاشِرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالرِّجْلَانِ) فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 314 كَالْيَدَيْنِ. وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا، وَحَلَمَتَيْهِ حُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ دِيَتُهُ. وَفِي أُنْثَيَيْنِ دِيَةٌ. وَكَذَا ذَكَرٌ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ.   [مغني المحتاج] قَطْعِهِمَا وَأَصَابِعِهِمَا وَأَنَامِلِهِمَا (كَالْيَدَيْنِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِمَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ، وَالْقَدَمُ كَالْكَفِّ. وَالسَّاقُ كَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذُ كَالْعَضُدِ، وَالْأَعْرَجُ كَالسَّلِيمِ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْعُضْوِ، وَإِنَّمَا الْعَرَجُ نَقْصٌ فِي الْفَخِذِ، وَالشَّلَلُ فِي الرِّجْلِ كَمَا فِي الْيَدِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ. الْعُضْوُ الْحَادِيَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي حَلَمَتَيْهَا) أَيْ الْأُنْثَى (دِيَتُهَا) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْإِرْضَاعِ وَجَمَالَ الثَّدْيِ بِهِمَا كَمَنْفَعَةِ الْيَدَيْنِ وَجَمَالِهِمَا بِالْأَصَابِعِ، سَوَاءٌ أَذَهَبَتْ مَنْفَعَةُ الْإِرْضَاعِ أَمْ لَا، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، وَالْحَلَمَةُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْمُجْتَمَعِ النَّاتِئِ عَلَى رَأْسِ الثَّدْيِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ صَادِقٌ بِحَلَمَةِ الرَّجُلِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْنُ الْحَلَمَةِ يُخَالِفُ لَوْنَ الثَّدْيِ غَالِبًا، وَحَوَالَيْهِ دَائِرَةٌ عَلَى لَوْنِهَا، وَهِيَ مِنْ الثَّدْيِ لَا مِنْهَا، وَلَوْ قَطَعَ بَاقِيَ الثَّدْيِ أَوْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ قَطَعَهُ مَعَ الْحَلَمَةِ دَخَلَتْ حُكُومَتُهُ فِي دِيَتِهَا فِي الْأَصَحِّ كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ قَطَعَهُمَا مَعَ جِلْدَةِ الصَّدْرِ وَجَبَتْ حُكُومَةُ الْجِلْدَةِ مَعَ الدِّيَةِ، فَإِنْ وَصَلَتْ الْجِرَاحَةُ الْبَاطِنَ وَجَبَ أَرْشُ الْجَائِفَةِ مَعَ الدِّيَةِ (وَ) فِي (حَلَمَتَيْهِ) أَيْ الرَّجُلِ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى (حُكُومَةٌ) إذْ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ جَمَالٍ (وَفِي قَوْلٍ دِيَتُهُ) أَيْ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ، فَالْخُنْثَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُلْحَقُ بِالْأُنْثَى كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا: وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ. تَنْبِيهٌ: يَجِبُ لِلْحَلَمَةِ الَّتِي تَحْتَ حَلَمَةِ الرَّجُلِ أَوْ الْخُنْثَى حُكُومَةٌ أُخْرَى وَلَا يَتَدَاخَلَانِ؛ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ مِنْهُ عُضْوَانِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ ثَدْيٌ، وَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةُ لَحْمٍ مِنْ صَدْرِهِ. فَرْعٌ: لَوْ ضَرَبَ ثَدْيَ امْرَأَةٍ فَشَلَّ بِفَتْحِ الشِّينِ وَجَبَتْ دِيَتُهُ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ جَمَالٍ وَإِنْ ضَرَبَ ثَدْيَ خُنْثَى فَاسْتَرْسَلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ حُكُومَةٌ حَتَّى يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ امْرَأَةً لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ بِالِاسْتِرْسَالِ وَلَا يَفُوتُهُ جَمَالٌ فَإِذَا تَبَيَّنَ امْرَأَةً وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ. الْعُضْوُ الثَّانِيَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي أُنْثَيَيْنِ) مِنْ الذَّكَرِ (دِيَةٌ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُمَا مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَمَحَلُّ التَّنَاسُلِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا، سَوَاءٌ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَلَوْ مِنْ عِنِّينٍ وَمَجْبُوبٍ وَطِفْلٍ وَغَيْرِهِمْ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْأُنْثَيَيْنِ الْبَيْضَتَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَأَمَّا الْخُصْيَتَانِ فَالْجِلْدَتَانِ اللَّتَانِ فِيهِمَا الْبَيْضَتَانِ. الْعُضْوُ الثَّالِثَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا ذَكَرٌ) سَلِيمٌ فِي قَطْعِهِ دِيَةٌ لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ (لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ) وَخَصِيٍّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ؛ وَلِأَنَّ ذَكَرَ الْخَصِيِّ سَلِيمٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِيلَاجِ، وَإِنَّمَا الْفَائِتُ الْإِيلَادُ، وَالْعُنَّةُ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْقَلْبِ، وَالْمَنِيَّ فِي الصُّلْبِ، وَلَيْسَ الذَّكَرُ بِمَحَلٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 315 وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا وَقِيلَ مِنْ الذَّكَرِ، وَكَذَا حُكْمُ بَعْضِ مَارِنٍ، وَحَلَمَةٍ. وَفِي الْأَلْيَتَيْنِ الدِّيَةُ وَكَذَا شُفْرَاهَا وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ،   [مغني المحتاج] لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ سَلِيمًا مِنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْأَشَلِّ. (وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ) فَيَجِبُ فِي قَطْعِهَا وَحْدَهَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مِنْ الذَّكَرِ كَالتَّابِعِ لَهَا كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ مَنَافِعِ الذَّكَرِ وَهُوَ لَذَّةُ الْمُبَاشَرَةِ تَتَعَلَّقُ بِهَا، وَأَحْكَامُ الْوَطْءِ تَدُورُ عَلَيْهَا (وَبَعْضُهَا) أَيْ قَطْعُهُ يَجِبُ (بِقِسْطِهِ) أَيْ الذَّكَرِ (مِنْهَا) أَيْ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَطْعِهَا فَقُسِّطَتْ عَلَى أَبْعَاضِهَا (وَقِيلَ) يَجِبُ بِقِسْطِهِ (مِنْ) كُلِّ (الذَّكَرِ) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ، وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَخْتَلَّ مَجْرَى الْبَوْلِ، فَإِنْ اخْتَلَّ فَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِسْطِ الدِّيَةِ وَحُكُومَةِ فَسَادِ الْمَجْرَى كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ قَطَعَ بَاقِيَ الذَّكَرِ بَعْدَ قَطْعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَطَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَهُ مَعَهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ شَقَّ الذَّكَرَ طُولًا فَأَبْطَلَ مَنْفَعَتَهُ وَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ: كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ فَأَشَلَّهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِضَرْبِهِ الْجِمَاعُ بِهِ، لَا الِانْقِبَاضُ وَالِانْبِسَاطُ فَحُكُومَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَمَنْفَعَتَهُ بَاقِيَانِ وَالْخَلَلُ فِي غَيْرِهِمَا، فَلَوْ قَطَعَهُ قَاطِعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصِ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَمَّا الذَّكَرُ الْأَشَلُّ فَفِيهِ حُكُومَةٌ (وَكَذَا حُكْمُ) قَطْعِ (بَعْضِ مَارِنٍ، وَ) قَطْعِ بَعْضِ (حَلَمَةٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ هَلْ يُنْسَبُ الْمَقْطُوعُ إلَى الْمَارِنِ وَالْحَلَمَةِ، أَوْ إلَى الْأَنْفِ وَالثَّدْيِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَالْأَصَحُّ التَّوْزِيعُ عَلَى الْحَلَمَةِ وَالْمَارِنِ فَقَطْ. الْعُضْوُ الرَّابِعَ عَشَرَ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي الْأَلْيَيْنِ) وَهُمَا النَّاتِئَانِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ (الدِّيَةُ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ فِي الرُّكُوبِ وَالْقُعُودِ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، وَفِي بَعْضٍ بِقِسْطِهِ إنْ عُرِفَ قَدْرُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَى اخْتِلَافِ الْبَدَنِ النَّاتِئِ، وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ بُلُوغُ الْحَدِيدِ إلَى الْعَظْمِ، وَلَوْ نَبَتَ مَا قُطِعَ لَمْ تَسْقُطْ الدِّيَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ. تَنْبِيهٌ: اللَّحْمُ النَّاتِئُ عَلَى الظَّهْرِ فِي جَانِبَيْ السِّلْسِلَةِ فِيهِ حُكُومَةٌ، وَجَرَى فِي التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ دِيَةً، قِيلَ: وَلَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ. الْعُضْوُ الْخَامِسَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا شُفْرَاهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ الشِّينِ، وَهُمَا اللَّحْمَانِ الْمُحِيطَانِ بِحَرْفَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ إحَاطَةَ الشَّفَتَيْنِ بِالْفَمِ فَفِي قَطْعِهِمَا وَإِشْلَالِهِمَا دِيَتُهَا، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا جَمَالًا وَمَنْفَعَةً، إذْ بِهِمَا يَقَعُ الِالْتِذَاذُ بِالْجِمَاعِ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ فِيهِمَا لَيْسَ فِي الشُّفْرَيْنِ بَلْ فِي دَاخِلِ الْفَرْجِ، وَلَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَوْ زَالَتْ بِقَطْعِهِمَا الْبَكَارَةُ وَجَبَ أَرْشُهَا مَعَ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَطَعَ الْعَانَةَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ الذَّكَرِ فَدِيَةٌ وَحُكُومَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهُمَا فَجَرَحَ مَوْضِعَهُمَا آخَرُ بِقَطْعِ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَ الثَّانِيَ حُكُومَةٌ. الْعُضْوُ السَّادِسَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ) فِيهِ دِيَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 316 إنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَحَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ. [فَرْعٌ] فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ   [مغني المحتاج] الْمَسْلُوخِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَنْبُتْ؛ لِأَنَّ فِي الْجِلْدِ جَمَالًا وَمَنْفَعَةً ظَاهِرَةً، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ بَقِيَ) فِيهِ (حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) إلَّا أَنَّ إيجَابَ الدِّيَةِ فِيهِ إنَّمَا يَظْهَرُ إنْ فُرِضَتْ الْحَيَاةُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ سَلْخِهِ اهـ. (وَ) مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ السَّلْخِ كَأَنْ (حَزَّ غَيْرُ السَّالِخِ رَقَبَتَهُ) بَعْدَ السَّلْخِ فَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ أَزْهَقَ رُوحَهُ وَعَلَى السَّالِخِ الدِّيَةُ، وَمِثْلُ حَزِّ غَيْرِ السَّالِخِ مَا لَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ حَائِطٌ أَوْ نَحْوُهُ، فَإِنْ مَاتَ بِسَبَبِ السَّلْخِ أَوْ لَمْ يَمُتْ لَكِنْ حَزَّ السَّالِخُ رَقَبَتَهُ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ دِيَةُ النَّفْسِ إنْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حَزُّ الرَّقَبَةِ إلَّا مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ عَمْدًا وَالْأُخْرَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُمَا لَا يَتَدَاخَلَانِ. تَتِمَّةٌ: فِي كَسْرِ التَّرْقُوَةِ، وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ: الْعَظْمُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَثُغْرَةِ النَّحْرِ حُكُومَةٌ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَقِيلَ الْوَاجِبُ فِيهَا جَمَلٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْحُكُومَةَ كَانَتْ فِي الْوَاقِعَةِ قَدْرَ جَمَلٍ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ تَرْقُوَتَانِ، وَالْجَمْعُ تَرَاقٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة: 26] وَالضَّمِيرُ فِي بَلَغَتْ لِلنَّفْسِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ حَاتِمٌ: لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الْفَتَى ... إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ فَائِدَةٌ: رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا اُحْتُضِرَ جَلَسَتْ ابْنَتُهُ عَائِشَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ تَبْكِيهِ وَتُكَرِّرُ هَذَا الْبَيْتَ فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لَا تَقُولِي هَكَذَا وَلَكِنْ قَوْلِي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ الْآيَةَ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ: إزَالَةُ الْمَنَافِعِ بِالْجِنَايَةِ وَتَرْجَمَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَرْعٌ: وَتَرْجَمَ فِي الْمُحَرَّرِ بِفَصْلٍ وَهُوَ أَوْلَى، وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْئًا، وَأَنَا أَسْرُدُهَا لَكَ: عَقْلٌ، سَمْعٌ، بَصَرٌ، شَمٌّ، نُطْقٌ، صَوْتٌ، ذَوْقٌ، مَضْغٌ، إمْنَاءٌ، إحْبَالٌ، جِمَاعٌ، إفْضَاءٌ، بَطْشٌ، مَشْيٌ. الشَّيْءُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فِي الْعَقْلِ) أَيْ إزَالَتِهِ إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي مُدَّةٍ يُظَنُّ أَنَّهُ يَعِيشُ إلَيْهَا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا (دِيَةٌ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَعَانِي، وَبِهِ يَتَمَيَّزُ الْإِنْسَانُ عَنْ الْبَهِيمَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ الَّذِي بِهِ التَّكْلِيفُ دُونَ الْمُكْتَسَبِ الَّذِي بِهِ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، فَإِنْ رُجِيَ عَوْدُهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اُنْتُظِرَ، فَإِنْ عَادَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي سِنِّ مَنْ لَمْ يُثْغِرْ، وَفِي إزَالَةِ بَعْضِهِ بَعْضُ الدِّيَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 317 فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا، وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ. وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ.   [مغني المحتاج] بِالْقِسْطِ إنْ ضُبِطَ بِزَمَانٍ كَأَنْ كَانَ يُجَنُّ يَوْمًا وَيُفِيقُ يَوْمًا أَوْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ يُقَابَلَ صَوَابُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ بِالْمُخْتَلِّ مِنْهُمَا وَتُعْرَفُ النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ عَوْدُهُ فِيهَا وَجَبَتْ دِيَتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ فَيَتَوَقَّفُ فِي الدِّيَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِقَامَةِ فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ: كَمَا لَوْ قُلِعَ سِنُّ مَثْغُورٍ فَمَاتَ قَبْلَ عَوْدِهَا، وَقَوْلُهُ: سِنُّ مَثْغُورٍ صَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: سِنُّ غَيْرِ مَثْغُورٍ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ كَانَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْقُولِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَا عَبَّرَ بِهِ، فَالْمُشَاحَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَى الْمُتَوَلِّي، لَا فِي الْحُكْمِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الدِّيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِلِاخْتِلَافِ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ أَسْبَابِ الْحَدَثِ، فَقِيلَ الْقَلْبُ، وَقِيلَ الدِّمَاغُ، وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقِيلَ مَسْكَنُهُ الدِّمَاغُ وَتَدْبِيرُهُ فِي الْقَلْبِ. وَيُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنْ التَّوَرُّطِ فِي الْمَهَالِكِ، وَلَا يُزَادُ شَيْءٌ عَلَى دِيَةِ الْعَقْلِ إنْ زَالَ بِمَا لَا أَرْشَ لَهُ كَأَنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ أَوْ لَطَمَهُ لَكِنْ يُعَزَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ. (فَإِنْ زَالَ) الْعَقْلُ الْغَرِيزِيُّ (بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ) مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ (أَوْ حُكُومَةٌ) كَالْبَاضِعَةِ (وَجَبَا) أَيْ الدِّيَةُ وَالْأَرْشُ أَوْ هِيَ وَالْحُكُومَةُ، وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ فِي دِيَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ أَبْطَلَتْ مَنْفَعَةً غَيْرَ حَالَّةٍ فِي مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، فَكَانَتْ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ، وَكَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْجِنَايَةُ عَنْ زَوَالِ الْعَقْلِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ ثَلَاثُ دِيَاتٍ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ (يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ) فَإِنْ كَانَتْ دِيَةُ الْعَقْلِ أَكْثَرَ كَأَنْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ دَخَلَ فِيهِ دِيَةُ الْعَقْلِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ تَسَاوَيَا كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالتَّدَاخُلِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ مُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ التَّدَاخُلُ أَيْضًا. (وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ) أَيْ الْعَقْلِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي وَنَسَبَهُ إلَى التَّجَانُنِ اُخْتُبِرَ فِي غَفَلَاتِهِ (فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تُثْبِتُ جُنُونَهُ وَالْمَجْنُونُ لَا يَحْلِفُ. فَإِنْ قِيلَ: يُسْتَدَلُّ بِحَلِفِهِ عَلَى عَقْلِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَجْرِي انْتِظَامُ ذَلِكَ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَهَذَا فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، أَمَّا الْمُتَقَطِّعُ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ حَلَفَ الْجَانِي لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْمُنْتَظِمِ اتِّفَاقًا أَوْ جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ، وَالِاخْتِبَارُ لَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ بَلْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ، وَلَا بُدَّ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الزَّوَالِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كَوْنِ الْجِنَايَةِ تَحْتَمِلُ زَوَالَ الْعَقْلِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى وَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَحُصُولِ الْمَوْتِ بِصَعْقَةٍ خَفِيفَةٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 318 وَفِي السَّمْعِ دِيَةٌ، وَمِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ، وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ. وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ فَدِيَتَانِ. وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَهُ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: أَيْ ادَّعَى ذَلِكَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الدَّعْوَى مِنْ وَلِيٍّ أَوْ مَنْصُوبِ حَاكِمٍ، وَالشَّارِحُ قَدَّرَ بَعْدُ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَدَّرَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ أَيْضًا، إذْ كَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْنُونِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَالَ فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ: وَاسْتُشْكِلَ سَمَاعُ دَعْوَاهُ لِتَضَمُّنِهِ زَوَالَ عَقْلِهِ، وَأُوِّلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ادَّعَى وَلِيُّهُ، وَمِنْهُ مَنْصُوبُ الْحَاكِمِ اهـ. وَلَوْ قَدَّرَ هَذَا أَوَّلًا كَانَ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ يُقْرَأُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَيُقَدَّرُ بِمَا ذُكِرَ. الشَّيْءُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي السَّمْعِ) أَيْ إزَالَتِهِ (دِيَةٌ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي السَّمْعِ الدِّيَةُ» وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْحَوَاسِّ فَكَانَ كَالْبَصَرِ بَلْ هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ بِهِ يُدْرِكُ الْفَهْمَ وَيُدْرِكُ مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ، وَفِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ، وَلَا يُدْرِكُ بِالْبَصَرِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَبِوَاسِطَةٍ مِنْ ضِيَاءٍ أَوْ شُعَاعٍ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ لَا يُدْرَكُ بِهِ إلَّا الْأَصْوَاتُ، وَالْبَصَرُ يُدْرِكُ الْأَجْسَامَ وَالْأَلْوَانَ وَالْهَيْئَاتِ، فَلَمَّا كَانَتْ تَعَلُّقَاتُهُ أَكَثَرَ كَانَ أَشْرَفَ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ مِنْ تَحَقُّقِ زَوَالِهِ، فَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: يَعُودُ وَقَدَّرُوا لَهُ مُدَّةً لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَعِيشَ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ اُسْتُبْعِدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً أُخِذَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قَالُوا: لَطِيفَةُ السَّمْعِ بَاقِيَةٌ فِي مَقَرِّهَا وَلَكِنْ انْسَدَّ مَنْفَذُ السَّمْعِ وَالسَّمْعُ بَاقٍ وَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ فَتْقُهُ لَا دِيَةٌ لِبَقَاءِ السَّمْعِ، فَإِنْ رُجِيَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ (وَ) فِي إزَالَتِهِ (مِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ) مِنْ الدِّيَةِ لَا لِتَعَدُّدِ السَّمْعِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي مَنْفَذِهِ بِخِلَافِ ضَوْءِ الْبَصَرِ، إذْ تِلْكَ اللَّطِيفَةُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَحَلُّهَا الْحَدَقَةُ، بَلْ لِأَنَّ ضَبْطَ نُقْصَانِهِ بِالْمَنْفَذِ أَقْرَبُ مِنْهُ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ) مِنْهُ مِنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مَا نَقَصَ مِنْ السَّمْعِ بِحَالَةِ الْكَمَالِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ) (فَدِيَتَانِ) لِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ غَيْرُ مَحَلِّ الْقَطْعِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فَعَمِيَ. فَائِدَةٌ: السَّمْعُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي الصِّمَاخِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ: خَرْقُ الْأُذُنِ يُدْرَكُ بِهَا الصَّوْتُ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ الصَّوْتِ إلَى الصِّمَاخِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْوُصُولَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى خَلْقِ اللَّهِ الْإِدْرَاكَ فِي النَّفْسِ عِنْدَ ذَلِكَ الْوُصُولِ. (وَلَوْ) (ادَّعَى) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (زَوَالَهُ) أَيْ السَّمْعِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَكَذَّبَهُ الْجَانِي (وَانْزَعَجَ لِلصِّيَاحِ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ) (فَكَاذِبٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّصَنُّعِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ بِكَاذِبٍ أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْلِفُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِهِ أَنَّ سَمْعَهُ لَبَاقٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْزِعَاجُهُ اتِّفَاقًا، وَلَا يَخْتَصُّ الِانْزِعَاجُ بِالصِّيَاحِ، بَلْ الرَّعْدِ وَطَرْحِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 319 وَإِلَّا حُلِّفَ وَأَخَذَ دِيَةً. وَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطُهُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ. وَإِنْ نَقَصَ مِنْ أُذُنٍ سُدَّتْ وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ. وَفِي ضَوْءِ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ   [مغني المحتاج] شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ مِنْ عُلُوٍّ كَذَلِكَ، وَيُكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتٍ وَفِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ زَوَالُ السَّمْعِ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْزَعِجْ بِالصِّيَاحِ وَنَحْوِهِ فَصَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ وَ (حُلِّفَ) حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ تَجَلُّدِهِ (وَأَخَذَ دِيَةً) لِسَمْعِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا بُدَّ فِي يَمِينِهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِذَهَابِ سَمْعِهِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي لِجَوَازِ ذَهَابِهِ بِغَيْرِ جِنَايَتِهِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ زَوَالٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُرَاجَعُ عُدُولُ الْأَطِبَّاءِ، فَإِنْ نَفَوْا عَوْدَهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ جَوَّزُوا عَوْدَهُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يَعِيشُ إلَيْهَا اُنْتُظِرَتْ، فَإِنْ عَادَ فِيهَا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ وَإِلَّا وَجَبَتْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ادَّعَى الزَّوَالَ مِنْ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ حُشِيَتْ السَّلِيمَةُ وَامْتُحِنَ فِي الْأُخْرَى عَلَى مَا سَبَقَ (وَإِنْ نَقَصَ) سَمْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَقِسْطُهُ) أَيْ النَّقْصِ مِنْ الدِّيَةِ (إنْ عُرِفَ) قَدْرُ مَا ذَهَبَ بِأَنْ كَانَ يَسْمَعُ مِنْ مَكَانِ كَذَا فَصَارَ يَسْمَعُ مِنْ قَدْرِ نِصْفِهِ مَثَلًا، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُحَدِّثَهُ شَخْصٌ وَيَتَبَاعَدَ إلَى أَنْ يَقُولَ: لَا أَسْمَعُ فَيُعَلِّيَ الصَّوْتَ قَلِيلًا، فَإِنْ قَالَ: أَسْمَعُ عُرِفَ صِدْقُهُ ثُمَّ يَعْمَلَ كَذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْمَسَافَتَانِ ظَهَرَ صِدْقُهُ، ثُمَّ يُحْسَبُ ذَلِكَ مِنْ مَسَافَةِ سَمَاعِهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ إنْ عُرِفَ وَيَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ نِصْفًا وَجَبَتْ الدِّيَةُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ قَدْرُهُ بِالنِّسْبَةِ (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِيهِ (بِاجْتِهَادِ قَاضٍ) فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ (وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: مَنْ لَهُ مِثْلُ سِنِّهِ (فِي صِحَّتِهِ) كَأَنْ يَجْلِسَ الْقَرْنُ بِجَنْبِهِ وَيُنَادِيَهُمَا رَفِيعُ الصَّوْتِ مِنْ مَسَافَةٍ لَا يَسْمَعُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، ثُمَّ يَقْرُبُ الْمُنَادِي شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ يَقُولَ قَرْنُهُ سَمِعْت، ثُمَّ يَضْبِطَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، ثُمَّ يَرْفَعَ صَوْتَهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَقُولَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ سَمِعْتُ (وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ) بَيْنَ سَمْعَيْهِمَا وَيُؤْخَذُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَوْ قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: أَنَا أَعْرِفُ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْ سَمْعِي. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ كَالْحَيْضِ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ مَعْرِفَتُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ، وَأَمَّا الْقِرْنُ بِكَسْرِ الْقَافِ فَهُوَ الْكُفْءُ. (وَإِنْ نَقَصَ) سَمْعُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (مِنْ أُذُنٍ) وَاحِدَةٍ (سُدَّتْ) هَذِهِ النَّاقِصَةُ (وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ) بِأَنْ تُسَدَّ الصَّحِيحَةُ وَيُضْبَطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ النَّاقِصَةِ (وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ) وَيُؤْخَذُ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَسَافَةِ السَّمِيعَةِ وَالْأُخْرَى النِّصْفُ فَلَهُ رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ رُبْعَ سَمْعِهِ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ عَلَيْهِ سُدُسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: بِالِاتِّفَاقِ. الشَّيْءُ الثَّالِثُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إذْهَابِ (ضَوْءِ) أَيْ بَصَرِ (كُلِّ عَيْنٍ) صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، حَادَّةٍ أَوْ كَالَّةٍ، صَحِيحَةٍ أَوْ عَلِيلَةٍ، عَمْشَاءَ أَوْ حَوْلَاءَ مِنْ شَيْخٍ أَوْ طِفْلٍ حَيْثُ الْبَصَرُ سَلِيمٌ (نِصْفُ دِيَةٍ) وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ لِخَبَرِ مُعَاذٍ «فِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ» وَهُوَ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 320 فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ يَزِدْ. وَإِنْ ادَّعَى زَوَالَهُ سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، أَوْ يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً، وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ؟ وَإِنْ نَقَصَ فَكَالسَّمْعِ.   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: الْبَصَرُ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي الْعَصَبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ الْخَارِجَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ ثُمَّ تَنْعَطِفُ الْعَصَبَةُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى، وَاَلَّتِي مِنْ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَتَلَاقَيَا، ثُمَّ تَأْخُذُ الَّتِي مِنْ الْجِهَةِ الْيُمْنَى يَمِينًا، وَاَلَّتِي مِنْ جِهَةِ الْيُسْرَى يَسَارًا حَتَّى تَصِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلَى عَيْنٍ تُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الْأَلْوَانَ وَغَيْرَهَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِدْرَاكُ مَا ذُكِرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةِ (فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ يَزِدْ) عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْأُذُنِ مَعَ السَّمْعِ لِمَا مَرَّ. (وَإِنْ ادَّعَى) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (زَوَالَهُ) أَيْ الضَّوْءِ وَأَنْكَرَ الْجَانِي (سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) بِذَلِكَ: أَيْ عَدْلَانِ مِنْهُمْ مُطْلَقًا، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُمْ إذَا أَوْقَفُوا الشَّخْصَ فِي مُقَابَلَةِ عَيْنِ الشَّمْسِ وَنَظَرُوا فِي عَيْنِهِ عَرَفُوا أَنَّ الضَّوْءَ ذَاهِبٌ أَوْ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ السَّمْعِ لَا يُرَاجَعُونَ فِيهِ، إذْ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَيْهِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ فِي مَعْرِفَةِ زَوَالِهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ يُمْتَحَنُ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ) مُحْمَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (مِنْ عَيْنَيْهِ بَغْتَةً وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ) أَوْ لَا؟ فَإِنْ انْزَعَجَ صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَجَعَلَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ خِلَافًا فَقَالَ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: يُرَاجَعُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إلَخْ. وَالثَّانِي: يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ إلَخْ وَرَتَّبَ فِي الْكِفَايَةِ فَقَالَ يُسْأَلُونَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمْ اُمْتُحِنَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ وَإِذَا جُعِلَتْ " أَوْ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ: أَيْ إذَا عَجَزَ عَنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَيُنْقَلُ إلَى الِامْتِحَانِ وَافَقَ ذَلِكَ، ثُمَّ إنْ قَالُوا: يَعُودُ وَقَدَّرُوا مُدَّةً اُنْتُظِرَ كَالسَّمْعِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ عَوْدِهِ فِي الْمُدَّةِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَوْدِهِ لَوْ عَاشَ، وَهَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَصَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الثَّانِي لِلشُّبْهَةِ، وَصَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي عَوْدَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ صُدِّقَ الْوَارِثُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ. (وَإِنْ نَقَصَ) ضَوْءُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَكَالسَّمْعِ) أَيْ فَحُكْمُهُ كَنَقْصِ السَّمْعِ فَإِنْ عَرَفَ قَدْرَ النَّقْصِ بِأَنْ كَانَ يَرَى الشَّخْصَ مِنْ مَسَافَةٍ فَصَارَ لَا يَرَاهُ إلَّا مِنْ نِصْفِهَا مَثَلًا فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، فَإِنْ نَقَصَ بَعْضُ ضَوْءِ عَيْنِهِ عُصِبَتْ وَوَقَفَ شَخْصٌ فِي مَوْضِعٍ يَرَاهُ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَبَاعَدَ حَتَّى يَقُولَ: لَا أَرَاهُ، فَتُعْرَفُ الْمَسَافَةُ ثُمَّ تُعْصَبُ الصَّحِيحَةُ وَتُطْلَقُ الْعَلِيلَةُ وَيُؤْمَرُ الشَّخْصُ بِأَنْ يَقْرَبَ رَاجِعًا إلَى أَنْ يَرَاهُ فَيُضْبَطَ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ وَيَجِبَ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ أَبْصَرَ بِالصَّحِيحَةِ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ مَثَلًا وَبِالْأُخْرَى مِنْ مِائَةٍ فَالنِّصْفُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ الْمِائَةَ الثَّانِيَةَ تَحْتَاجُ إلَى مِثْلِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمِائَةُ الْأُولَى لِقُرْبِ الْأُولَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 321 وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي الْكَلَامِ الدِّيَةُ،   [مغني المحتاج] وَبُعْدِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ ثُلُثَا دِيَةِ الْعَلِيلَةِ، وَإِنْ أَعْشَاهُ لَزِمَهُ نِصْفُ دِيَةٍ، وَفِي إزَالَةِ عَيْنِ الْأَعْشَى بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ وُجُوبُ نِصْفِهَا مُوَزَّعًا عَلَى إبْصَارِهَا بِالنَّهَارِ وَعَدَمِ إبْصَارِهَا بِاللَّيْلِ، وَإِنْ أَعْمَشَهُ أَوْ أَخْفَشَهُ أَوْ أَحْوَلَهُ أَوْ أَشْخَصَ بَصَرَهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ، وَإِنْ أَذْهَبَ أَحَدُ شَخْصَيْنِ الضَّوْءَ وَالْآخَرُ الْحَدَقَةَ وَاخْتَلَفَا فِي عَوْدِ الضَّوْءِ صُدِّقَ الثَّانِي بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَوْدِهِ. حَادِثَةٌ: سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَرْمَدَ أَتَى امْرَأَةً بِالْبَادِيَةِ تَدَّعِي الطِّبَّ لِتُدَاوِيَ عَيْنَهُ، فَكَحَّلَتْهُ فَتَلِفَتْ عَيْنُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهَا ضَمَانُهَا؟ فَأَجَابَ: إنْ ثَبَتَ أَنَّ ذَهَابَ عَيْنِهِ بِتَدَاوِيهَا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا ضَمَانُهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَيْهَا فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَرْمَدُ أَذِنَ لَهَا فِي الْمُدَاوَاةِ بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ فَلَا تَضْمَنُ. قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا إذَا أَذِنَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فِي قَطْعِ سِلْعَتِهِ أَوْ فَصْدِهِ فَمَاتَ لَا يَضْمَنُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إذْنُهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إتْلَافِهِ. الشَّيْءُ الرَّابِعُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إزَالَةِ (الشَّمِّ) مِنْ الْمَنْخَرَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى رَأْسٍ وَغَيْرِهِ (دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَاسِّ النَّافِعَةِ فَكَمُلَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَالسَّمْعِ. وَالثَّانِي: لَا بَلْ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ ضَعِيفُ النَّفْعِ، إذْ مَنْفَعَتُهُ إدْرَاكُ الرَّوَائِحِ وَالْأَنْتَانِ أَكْثَرَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَيَكُونُ التَّأَذِّي أَكْثَرَ مِنْ التَّلَذُّذِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَفِي إزَالَةِ شَمِّ كُلِّ مَنْخَرٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ نَقَصَ الشَّمُّ وَجَبَ بِقِسْطِهِ مِنْ الدِّيَةِ إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا فَالْحُكُومَةُ، وَإِنْ نَقَصَ شَمُّ أَحَدِ الْمَنْخَرَيْنِ اُعْتُبِرَ بِالْجَانِبِ الْآخَرِ كَمَا فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ سُلَيْمٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَنْكَرَ الْجَانِي زَوَالَهُ اُمْتُحِنَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي غُفْلَانِهِ بِالرَّوَائِحِ الْحَادَّةِ، فَإِنْ هَشَّ لِلطِّيبِ وَعَبَسَ لِغَيْرِهِ حُلِّفَ الْجَانِي لِظُهُورِ كَذِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا حُلِّفَ هُوَ لِظُهُورِ صِدْقِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ، وَلَوْ وَضَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ لَهُ الْجَانِي: فَعَلْتُ ذَلِكَ لِعَوْدِ شَمِّك، فَقَالَ: بَلْ فَعَلْتُهُ اتِّفَاقًا أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ كَامْتِخَاطٍ وَرُعَافٍ وَتَفَكُّرٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ، فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَذَهَبَ شَمُّهُ فَدِيَتَانِ كَمَا فِي السَّمْعِ؛ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ. فَائِدَةٌ: الشَّمُّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ قُوَّةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّاتِئَتَيْنِ مِنْ مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيَيْنِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الثَّقْبِ يُدْرِكُ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى: يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِي الشَّخْصِ إدْرَاكَ مَا ذُكِرَ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ تِلْكَ الْقُوَّةَ. الشَّيْءُ الْخَامِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الْكَلَامِ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ (الدِّيَةُ) لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «فِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ إنْ مُنِعَ الْكَلَامُ» . وَقَالَ ابْنُ أَسْلَمَ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَلِأَنَّ اللِّسَانَ عُضْوٌ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ الْعُظْمَى كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 322 وَفِي بَعْضِ الْحُرُوفِ قِسْطُهُ، وَالْمُوَزَّعُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ لَا يُوَزَّعُ عَلَى الشَّفَهِيَّةِ وَالْحَلْقِيَّةِ.   [مغني المحتاج] إذَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَعُودُ كَلَامُهُ، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَيْ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّرُوا مُدَّةً يَعِيشُ إلَيْهَا أَوْ لَا، فَإِنْ أُخِذَتْ ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ، وَلَوْ ادَّعَى زَوَالَ نُطْقِهِ اُمْتُحِنَ بِأَنْ يُرَوَّعَ فِي أَوْقَاتِ الْخَلَوَاتِ وَيُنْظَرَ هَلْ يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَذِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ حُلِّفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَمَا يُحَلَّفُ الْأَخْرَسُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، هَذَا فِي إبْطَالِ نُطْقِهِ بِكُلِّ الْحُرُوفِ (وَ) أَمَّا (فِي) إبْطَالِ (بَعْضِ الْحُرُوفِ) فَيُعْتَبَرُ (قِسْطُهُ) مِنْ الدِّيَةِ، هَذَا إذَا بَقِيَ لَهُ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ مَفْهُومٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَالُ الدِّيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ (وَ) الْحُرُوفُ (الْمُوَزَّعُ) أَيْ الَّتِي تُوَزَّعُ (عَلَيْهَا) الدِّيَةُ (ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ) أَيْ مَنْ كَانَتْ لُغَتَهُ، بِحَذْفِ كَلِمَةِ لَا؛ لِأَنَّهَا لَامٌ أَلِفٌ وَهُمَا مَعْدُودَتَانِ، فَفِي إبْطَالِ نِصْفِ الْحُرُوفِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي إبْطَالِ حَرْفٍ مِنْهَا رُبْعُ سُبْعِهَا، وَعَدَّهَا الْمَاوَرْدِيُّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِإِثْبَاتِ كَلِمَةِ لَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ عَدُّوهَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بِالْأَلِفِ وَالْهَمْزَةِ، وَأَسْقَطَ الْمُبَرِّدُ الْهَمْزَةَ وَجَعَلَهَا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَمَنْ أَطْلَقَ هَذَا الْعَدَدَ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ فَهُوَ إمَّا سَهْوٌ وَإِمَّا تَسَامُحٌ فِي الْعِبَارَةِ بِإِطْلَاقِ الْأَلِفِ عَلَى أَعَمَّ مِنْ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ السَّاكِنَةِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الْأَلِفِ عَلَى الْهَمْزَةِ تَجَوُّزًا اهـ. وَاحْتُرِزَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ عَنْ غَيْرِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لُغَتُهُ غَيْرَهَا وُزِّعَ عَلَى حُرُوفِ لُغَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَقَدْ انْفَرَدَتْ لُغَةُ الْعَرَبِ بِحَرْفِ الضَّادِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَفِي اللُّغَاتِ حُرُوفٌ لَيْسَتْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَالْحَرْفِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْجِيمِ وَالسِّينِ، وَالْحُرُوفُ الْمَذْكُورَةُ تُسَمَّى حُرُوفَ الْهِجَاءِ وَالتَّهَجِّي الَّتِي أَوَّلُهَا فِي الْعَدِّ عَادَةً أَلِفٌ: أَيْ هَمْزَةٌ، بَاءٌ، تَاءٌ إلَى آخِرِهَا فَالْبَاءُ اسْمٌ وَمُسَمَّاهُ بِهِ وَهَكَذَا إلَخْ. تَنْبِيهٌ: حُرُوفُ اللُّغَاتِ مُخْتَلِفَةٌ، بَعْضُهَا أَحَدَ عَشَرَ، وَبَعْضُهَا أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِلُغَتَيْنِ وَحُرُوفُ إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ وَبَطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضُ حُرُوفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى أَكْثَرِهِمَا حُرُوفًا أَوْ عَلَى أَقَلِّهِمَا؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْيَقِينُ، وَلَا فَرْقَ فِي تَوْزِيعِ الدِّيَةِ عَلَى الْحُرُوفِ بَيْنَ اللِّسَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ (وَقِيلَ لَا يُوَزَّعُ عَلَى) غَيْرِ اللِّسَانِيَّةِ مِنْ (الشَّفَهِيَّةِ) وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْبَاءُ وَالْفَاءُ وَالْوَاوُ وَالْمِيمُ نِسْبَةً لِلشَّفَةِ عَلَى أَصْلِهَا فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ شَفَهَةٌ، وَلَكَ أَنْ تَنْسُبَهَا عَلَى اللَّفْظِ فَتَقُولَ شُفَيٌّ. وَقِيلَ: أَصْلُ شَفَةٍ شَفْوَةٌ فَحُذِفَتْ الْوَاوُ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَرَّرِ الشَّفَوِيَّةُ (وَ) مِنْ (الْحَلْقِيَّةِ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ لِلْحَلْقِ وَهِيَ سِتَّةٌ: الْهَمْزَةُ وَالْهَاءُ وَالْعَيْنُ وَالْحَاءُ الْمُهْمَلَتَانِ، وَالْغَيْنُ وَالْخَاءُ الْمُعْجَمَتَانِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى اللِّسَانِ فَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى الْحُرُوفِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَهِيَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَاتِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُوَزَّعُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ اللِّسَانِ النُّطْقُ بِهَا فَتَكْمُلُ الدِّيَةُ فِيهَا وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْحُرُوفَ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْمَخَارِجِ الِاعْتِمَادُ فِي جَمِيعِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 323 وَلَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ، وَقِيلَ قِسْطٌ أَوْ بِجِنَايَةٍ فَالْمَذْهَبُ لَا تَكْمُلُ دِيَةٌ. وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكْسٌ فَنِصْفُ دِيَةٍ.   [مغني المحتاج] عَلَى اللِّسَانِ، وَبِهِ يَسْتَقِيمُ النُّطْقُ وَيَكْمُلُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَطَعَ شَفَتَيْهِ فَذَهَبَتْ الْمِيمُ وَالْبَاءُ فَهَلْ يَجِبُ أَرْشُهُمَا مَعَ دِيَةِ الشَّفَتَيْنِ أَوْ لَا؟ . وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، وَيَضْمَنُ أَرْشَ حَرْفٍ فَوَّتَتْهُ ضَرْبَةٌ أَفَادَتْهُ حُرُوفًا لَمْ يَكُنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ النُّطْقِ بِهَا وَلَا يَنْجَبِرُ الْفَائِتُ بِمَا حَدَثَ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ، وَهَلْ يُوَزَّعُ عَلَى الْحُرُوفِ وَفِيهَا الْحُرُوفُ الْمُفَادَةُ أَوْ عَلَيْهَا قَبْلَ الْجِنَايَةِ؟ قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ (وَلَوْ عَجَزَ) الْمَجْنِيُّ عَلَى لِسَانِهِ (عَنْ بَعْضِهَا) أَيْ الْحُرُوفِ (خِلْقَةً) كَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ، وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ (أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ) كَامِلَةٌ فِي إبْطَالِ كَلَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ نَاطِقٌ وَلَهُ كَلَامٌ مَفْهُومٌ، إلَّا أَنَّ فِي نُطْقِهِ ضَعْفًا، وَضَعْفُ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ لَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الدِّيَةِ كَضَعْفِ الْبَطْشِ وَالْبَصَرِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَبْطَلَ بِالْجِنَايَةِ بَعْضَ الْحُرُوفِ، فَالتَّوْزِيعُ عَلَى مَا يُحْسِنُهُ لَا عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ (وَقِيلَ قِسْطٌ) مِنْ الدِّيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْحُرُوفِ. أَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً وَكَانَتْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَالْفَارِسِيِّ الَّذِي لَا ضَادَ فِي لُغَتِهِ، فَالْمَعْرُوفُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْقَطْعُ بِالتَّكْمِيلِ (أَوْ) عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا (بِجِنَايَةٍ فَالْمَذْهَبُ لَا تَكْمُلُ دِيَةٌ) فِي إبْطَالِ كَلَامِهِ، لِئَلَّا يَتَضَاعَفَ الْغُرْمُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أَبْطَلَهُ الْجَانِي الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ تَخْصِيصُ التَّصْوِيرِ بِجِنَايَةِ مَنْ تُضْمَنُ جِنَايَتُهُ حَتَّى تَكُونَ جِنَايَةُ الْحَرْبِيِّ كَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَحْسَبُهُ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْمَذْهَبِ يَقْتَضِي إثْبَاتَ طَرِيقَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا غَيْرُ خِلَافٍ مُرَتَّبٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَيْ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقِسْطِ هُنَاكَ فَهُنَا أَوْلَى، أَوْ بِالتَّكْمِيلِ هُنَاكَ فَهُنَا فِيهِ وَجْهَانِ. وَحَاصِلُهُ طَرِيقَانِ: قَاطِعَةٌ وَحَاكِيَةٌ لِخِلَافٍ، وَلَوْ أَبْطَلَ بَعْضَ مَا يُحْسِنُهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَجَبَ قِسْطُهُ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ. (وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَذَهَبَ) حُرُوفٌ هِيَ (رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكْسٌ) بِأَنْ قَطَعَ رُبْعَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ حُرُوفٌ هِيَ نِصْفُ كَلَامِهِ (فَنِصْفُ دِيَةٍ) تَجِبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ اللِّسَانَ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ وَكَذَا الْكَلَامُ، وَلَوْ لَمْ تُؤَثِّرْ الْجِنَايَةُ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا لَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، فَإِذَا أَثَّرَتْ فِيهِمَا وَجَبَ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ لَوَجَبَ قِسْطُهُ، وَلَوْ قَطَعَ فِي الصُّورَتَيْنِ آخَرُ الْبَاقِيَ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْكَلَامِ، وَقَطَعَ فِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ اللِّسَانِ وَفِيهِمَا قُوَّةُ الْكَلَامِ وَلَوْ تَسَاوَتْ نِسْبَةُ الْجِرْمِ وَالْكَلَامِ بِأَنْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا يَقْتَصُّ مَقْطُوعُ نِصْفٍ ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مِنْ مَقْطُوعِ نِصْفٍ ذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ إذَا قَطَعَ الثَّانِي الْبَاقِيَ مِنْ لِسَانِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَجْرَيْنَا الْقِصَاصَ فِي بَعْضِ اللِّسَانِ لِنَقْصِ الْأَوَّلِ عَنْ الثَّانِي، وَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ لِسَانٍ وَبَقِيَ نُطْقُهُ فَالْوَاجِبُ حُكُومَةٌ لَا قِسْطٌ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ، إذْ لَوْ وَجَبَ لَلَزِمَ إيجَابُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فِي لِسَانِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 324 وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ. فَإِنْ أَبْطَلَ مَعَهُ حَرَكَةَ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ دِيَةٌ. وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، وَيُدْرَكُ بِهِ حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ،   [مغني المحتاج] الْأَخْرَسِ، وَلَوْ قَطَعَ لِسَانًا ذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ مَثَلًا بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ شَيْءٍ مِنْهُ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ قَطَعَ جَمِيعَ اللِّسَانِ مَعَ بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ نِصْفُ كَلَامِهِ فَاقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي فَلَمْ يَذْهَبْ إلَّا رُبْعُ كَلَامِهِ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رُبْعُ الدِّيَةِ لِيَتِمَّ حَقُّهُ، فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كَلَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْقِصَاصِ مُهْدَرَةٌ. الشَّيْءُ السَّادِسُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الصَّوْتِ) مَعَ إبْقَاءِ اللِّسَانِ عَلَى اعْتِدَالِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ (دِيَةٌ) لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الصَّوْتِ إذَا انْقَطَعَ الدِّيَةُ " وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ فِي غَرَضِ الْإِعْلَامِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي الصَّوْتِ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ، وَحُمِلَ كَلَامُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَلَى الْكَلَامِ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ. (فَإِنْ أَبْطَلَ مَعَهُ) أَيْ الصَّوْتِ (حَرَكَةَ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنْ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ) لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَتْ بِالتَّفْوِيتِ كَمَالُ الدِّيَةِ (وَقِيلَ دِيَةٌ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْكَلَامُ لَكِنَّهُ يَفُوتُ تَارَةً بِبُطْلَانِ الصَّوْتِ، وَأُخْرَى بِعَجْزِ اللِّسَانِ عَنْ الْحَرَكَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا مُقْتَضَى ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَذْهَبَ بِإِبْطَالِ الصَّوْتِ النُّطْقَ وَاللِّسَانُ سَلِيمُ الْحَرَكَةِ وَجَبَتْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَعْطِيلَ الْمَنْفَعَةِ لَيْسَ كَإِبْطَالِهَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إيجَابُ حُكُومَةٍ لِتَعْطِيلِ النُّطْقِ. الشَّيْءُ السَّابِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الذَّوْقِ) بِجِنَايَةٍ عَلَى اللِّسَانِ (دِيَةٌ) لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ فَأَشْبَهَ الشَّمَّ. تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ هَلْ هُوَ فِي طَرَفِ الْحُلْقُومِ أَوْ فِي اللِّسَانِ؟ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي قَطْعِ لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَذْهَبْ الذَّوْقُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي اللِّسَانِ ذَهَبَ وَلَا بُدَّ، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالثَّانِي، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ شَارِحُ الْمِفْتَاحِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ قُوَّةٌ مُنْبَثَّةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ عَلَى جِرْمِ اللِّسَانِ يُدْرَكُ بِهَا الطُّعُومُ بِمُخَالَطَةِ اللُّعَابِيَّةِ الَّتِي فِي الْفَمِ بِالْمَطْعُومِ وَوُصُولِهَا لِلْعَصَبِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْإِدْرَاكَ الْمَذْكُورَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْمُخَالَطَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ كَالنُّطْقِ مَعَ اللِّسَانِ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِّسَانِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنْوَاعَ الطُّعُومِ وَاقْتَصَرَ كَالْأَصْحَابِ مِنْهَا عَلَى خَمْسَةٍ، فَقَالَ (وَيُدْرَكُ بِهِ) أَيْ الذَّوْقِ (حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفَرَّعَهَا أَهْلُ الطِّبِّ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَلَا تَعْتَبِرُهَا فِي الْأَحْكَامِ لِدُخُولِ بَعْضِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 325 وَتُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ نَقَصَ فَحُكُومَةٌ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَضْغِ. وَقُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ. وَقُوَّةِ حَبَلٍ وَذَهَابِ جِمَاعٍ، وَفِي إفْضَائِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ   [مغني المحتاج] فِي بَعْضٍ كَالْحَرَافَةِ مَعَ الْمَرَارَةِ (وَتُوَزَّعُ) الدِّيَةُ (عَلَيْهِنَّ) أَيْ الْخَمْسَةِ، فَإِذَا أَبْطَلَ إدْرَاكَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَجَبَ فِيهَا خُمْسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا (فَإِنْ نَقَصَ) الْإِدْرَاكُ نَقْصًا لَا يَتَقَدَّرُ بِأَنْ يَحِسَّ بِمَذَاقِ الْخَمْسِ لَكِنْ لَا يُدْرِكُهَا عَلَى كَمَالِهَا (فَحُكُومَةٌ) تَجِبُ فِي ذَلِكَ النَّقْصِ وَتَخْتَلِفُ بِقُوَّةِ النُّقْصَانِ وَضَعْفِهِ، فَإِنْ عُرِفَ قَدْرُهُ فَقِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي ذَهَابِ الذَّوْقِ اُمْتُحِنَ بِالْأَشْيَاءِ الْمُرَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْحَامِضَةِ الْحَادَّةِ بِأَنْ يُلْقِيَهَا لَهُ غَيْرُهُ مُعَافَصَةً، فَإِنْ لَمْ يَعْبِسْ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا فَالْجَانِي بِيَمِينِهِ. الشَّيْءُ الثَّامِنُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي) إبْطَالِ (الْمَضْغِ) كَأَنْ يَجْنِيَ عَلَى أَسْنَانِهِ فَتَخَدَّرَ وَتَبْطُلُ صَلَاحِيَّتُهَا لِلْمَضْغِ لِأَنَّهُ الْمَنْفَعَةُ الْعُظْمَى لِلْأَسْنَانِ وَفِيهَا الدِّيَةُ، فَكَذَا مَنْفَعَتُهَا كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالْبَطْشِ مَعَ الْيَدِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَتَبِعَهُمَا مَنْ بَعْدَهُمَا. الشَّيْءُ التَّاسِعُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ (قُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ النَّسْلُ، بِخِلَافِ انْقِطَاعِ اللَّبَنِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الثَّدْيِ، فَإِنَّ فِيهِ حُكُومَةً فَقَطْ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ وَاسْتِعْدَادُ الطَّبِيعَةِ لِلْإِمْنَاءِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْفُحُولِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْإِمْنَاءَ الْإِنْزَالُ، فَإِذَا أَبْطَلَ قُوَّتَهُ وَلَمْ يَذْهَبْ الْمَنِيُّ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ لَا الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَنِعُ الْإِنْزَالُ بِمَا يَسُدُّ طَرِيقَهُ فَيُشْبِهُ ارْتِتَاقَ الْأُذُنِ اهـ. وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ. وَالصُّلْبُ الظَّهْرُ، وَيُقَالُ الصَّلَبُ بِفَتْحَتَيْنِ كَفَرَسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ. . الشَّيْءُ الْعَاشِرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي إبْطَالِ (قُوَّةِ حَبَلٍ) مِنْ الْمَرْأَةِ لِفَوَاتِ النَّسْلِ فَيَكْمُلُ فِيهِ دِيَتُهَا لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ: كَذَا صَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيُحْتَمَلُ تَصْوِيرُهُ بِإِذْهَابِهِ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَى صُلْبِهِ فَيَصِيرَ مَنِيُّهُ لَا يُحْبِلُ فَتَجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ. قَالَ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا جَنَى عَلَى الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ إنَّهُمَا مَحَلُّ انْعِقَادِ الْمَنِيِّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ بِإِذْهَابِ الْإِحْبَالِ فِي غَيْرِ مَنْ ظَهَرَ لِلْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ عَقِيمٌ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ. الشَّيْءُ الْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَ) تَجِبُ الدِّيَةُ فِي (ذَهَابِ جِمَاعٍ) مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ عَلَى صُلْبِهِ مَعَ بَقَاءِ مَائِهِ وَسَلَامَةِ ذَكَرِهِ فَيَبْطُلُ التَّلَذُّذُ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ فِيهِ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ذَهَابَهُ وَأَنْكَرَ الْجَانِي صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ كَمَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: حِضْتُ، وَلَوْ أَبْطَلَ إمْنَاءَهُ أَوْ لَذَّةَ جِمَاعِهِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَبَ دِيَتَانِ كَمَا فِي إذْهَابِ الصَّوْتِ مَعَ اللِّسَانِ. الشَّيْءُ الثَّانِيَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي إفْضَائِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ بِجِنَايَةٍ عَمْدًا أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً بِوَطْءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ) أَيْ دِيَتُهَا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْجِمَاعِ أَوْ اخْتِلَالِهَا، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 326 وَهُوَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ، وَقِيلَ ذَكَرٍ وَبَوْلٍ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ إلَّا بِإِفْضَاءٍ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ. وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشُهَا، أَوْ بِذَكَرٍ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ،   [مغني المحتاج] وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَقْطَعُ التَّنَاسُلَ؛ لِأَنَّ النُّطْفَةَ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَحَلِّ الْعُلُوقِ لِامْتِزَاجِهَا فِي الْبَوْلِ فَأَشْبَهَ قَطْعَ الذَّكَرِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ لِأَنَّ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَقْتَضِي الْإِهْدَارَ فِي الزَّانِيَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُكْرَهَةُ وَالْمُطَاوِعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُطَاوِعَةَ لَا تَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي الْإِفْضَاءِ، وَأَصْلُ الْإِفْضَاءِ مِنْ الْفَضَاءِ، وَهِيَ الْبَرِيَّةُ الْوَاسِعَةُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِفْضَاءُ (رَفْعُ مَا) أَيْ حَاجِزٍ (بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ) فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَغَائِطِهَا وَاحِدًا، إذْ بِهِ تَفُوتُ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَقِيلَ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ، فَقَالَا: الْإِفْضَاءُ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ (ذَكَرٍ وَ) مَخْرَجِ (بَوْلٍ) فَيَصِيرُ سَبِيلُ جِمَاعِهَا وَبَوْلِهَا وَاحِدًا لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ قَوِيٌّ لَا يَرْفَعُهُ الذَّكَرُ وَبَيْنَهُمَا عَظْمٌ لَا يَتَأَتَّى كَسْرُهُ إلَّا بِحَدِيدَةٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا يُحْمَلُ الْإِفْضَاءُ عَلَيْهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ هُنَا، وَأَمَّا الَّذِي فِي الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ فَاقْتَصَرَا فِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَتْبَاعِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالثَّانِي فَصَارَ بَوْلُهَا لَا يُسْتَمْسَكُ لَزِمَ الْجَانِيَ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةٌ صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقِيَاسُهُ إيجَابُ الْحُكُومَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُسْتَمْسَكْ الْغَائِطُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إفْضَاءٌ مُوجِبٌ لِلدِّيَةِ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ يَخْتَلُّ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَلَوْ أَزَالَ الْحَاجِزَيْنِ لَزِمَهُ دِيَتَانِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ إيجَابِ الدِّيَةِ إذَا لَمْ يَلْتَحِمْ، فَإِنْ الْتَحَمَ سَقَطَتْ دِيَتُهُ وَتَجِبُ حُكُومَةٌ إنْ بَقِيَ أَثَرٌ كَمَا لَوْ عَادَ ضَوْءُ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجَائِفَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَزِمَتْ ثَمَّ بِالِاسْمِ، وَهُنَا بِفَقْدِ الْحَائِلِ وَقَدْ سَلِمَ فَلَا مَعْنَى لِلدِّيَةِ. (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوَطْءُ) لِلزَّوْجَةِ (إلَّا بِإِفْضَاءٍ) مِنْ زَوْجِهَا: إمَّا لِكِبَرِ آلَتِهِ أَوْ ضِيقِ مَنْفَذِهَا (فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ) وَطْؤُهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْإِفْضَاءِ الْمُحَرَّمِ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ بِكِبَرِ آلَتِهِ، أَوْ لَهُ الْفَسْخُ بِضِيقِ مَنْفَذِهَا؟ تَقَدَّمَ فِي بَابِ خِيَارِ النِّكَاحِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. (وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا) أَيْ الْبِكْرِ (فَأَزَالَ الْبَكَارَةَ) مِنْهَا (بِغَيْرِ ذَكَرٍ) كَأُصْبُعٍ وَخَشَبَةٍ (فَأَرْشُهَا) يَلْزَمُهُ وَهُوَ الْحُكُومَةُ بِتَقْدِيرِ الرِّقِّ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَأَرْشُهَا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ تُزِيلَ بِكْرٌ بَكَارَةَ أُخْرَى فَيُفْتَضَّ مِنْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ كَانَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْقَوَدَ فَأَزَالَ بَكَارَتَهَا بِأُصْبُعٍ وَنَحْوِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ) أَزَالَهَا (بِذَكَرٍ) وَلَوْ مَلْفُوفًا بِخِرْقَةٍ (لِشُبْهَةٍ) كَأَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ (أَوْ) كَانَتْ (مُكْرَهَةً) عَلَى ذَلِكَ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا) يَلْزَمُهُ (وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ) زَائِدًا عَلَيْهِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ لِاسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 327 وَقِيلَ مَهْرُ بِكْرٍ، وَمُسْتَحِقُّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنْ أَزَالَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشٌ. وَفِي الْبَطْشِ دِيَةٌ وَكَذَا الْمَشْيُ، وَنَقْصِهِمَا: حُكُومَةٌ. وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ دِيَةٌ.   [مغني المحتاج] وَالْأَرْشُ يَجِبُ لِإِزَالَةِ تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَهُمَا جِهَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ (وَقِيلَ) : يَلْزَمُهُ (مَهْرُ بِكْرٍ) وَلَا أَرْشَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ الِاسْتِمْتَاعُ، فَإِزَالَةُ تِلْكَ الْجِلْدَةِ تَحْصُلُ ضِمْنَ الِاسْتِمْتَاعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَفْضَاهَا دَخَلَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّهُمَا وَجَبَا لِلْإِتْلَافِ فَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ، فَإِنَّ الْمَهْرَ لِلتَّمَتُّعِ وَالْأَرْشَ لِإِزَالَةِ الْجِلْدَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً عَمَّا لَوْ أَزَالَهَا بِزِنًا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَهَدَرٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَجَبَ الْأَرْشُ، إنْ قُلْنَا: يُفْرَدُ عَنْ الْمَهْرِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، وَقَدَّمْتُ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَابِ الْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَفِي إيجَابِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ إذَا طَاوَعَتْهُ وَهِيَ عَالِمَةٌ بِالْحَالِ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الْأَمَةِ الْمَهْرُ الْمُتَمَحِّضُ لِلْوَطْءِ، أَمَّا ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ فَلَا. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَرْأَةِ، أَمَّا الْخُنْثَى إذَا أُزِيلَتْ بَكَارَةُ فَرْجِهِ وَجَبَتْ حُكُومَةُ الْجِرَاحَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ جِرَاحَةٌ، وَلَا تُعْتَبَرُ الْبَكَارَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ فَرْجًا، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (وَمُسْتَحِقُّهُ) أَيْ افْتِضَاضِهَا وَهُوَ زَوْجُهَا (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) فِي إزَالَةِ بَكَارَتِهَا بِذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ شَرْعًا فَلَا يَضُرُّهُ الْخَطَأُ فِي طَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ (وَقِيلَ إنْ أَزَالَ) بَكَارَتَهَا (بِغَيْرِ ذَكَرٍ) كَأُصْبُعٍ (فَأَرْشٌ) يَلْزَمُهُ لِعُدُولِهِ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْأَجْنَبِيِّ. الشَّيْءُ الثَّالِثَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَفِي) إبْطَالِ (الْبَطْشِ) مِنْ يَدَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِمَا فَشُلَّتَا (دِيَةٌ) لِزَوَالِ مَنْفَعَتِهِمَا. الشَّيْءُ الرَّابِعَ عَشَرَ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا الْمَشْيُ) أَيْ إبْطَالُهُ مِنْ الرِّجْلَيْنِ بِجِنَايَةٍ عَلَى صُلْبٍ فِيهِ دِيَةٌ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا، وَفِي إبْطَالِ بَطْشٍ أَوْ مَسِّ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ دِيَتُهَا، وَلَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ حَتَّى يَنْدَمِلَ، فَإِنْ انْجَبَرَ وَعَادَ بَطْشُهُ أَوْ مَسُّهُ كَمَا كَانَ فَلَا دِيَةَ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْنٌ فَحُكُومَةٌ (وَ) فِي (نَقْصِهِمَا) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ إنْ لَمْ يَنْضَبِطْ (حُكُومَةٌ) لِمَا فَاتَ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ النَّقْصِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، سَوَاءٌ احْتَاجَ فِي مَشْيِهِ لِعَصًا أَمْ لَا، فَإِنْ انْضَبَطَ وَجَبَ الْقِسْطُ كَالسَّمْعِ. (وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَذَهَبَ) مَعَ سَلَامَةِ الرِّجْلِ وَالذَّكَرِ (مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ) مَشْيُهُ (وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ (وَقِيلَ دِيَةٌ) لِأَنَّ الصُّلْبَ مَحَلُّ الْمَنِيِّ، وَمِنْهُ يُبْتَدَأُ الْمَشْيُ وَيُنْشَأُ الْجِمَاعُ، وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ يَقْتَضِي اتِّحَادَ الدِّيَةِ وَمَنَعَ الْأَوَّلُ مَحَلِّيَّةَ الصُّلْبِ لِمَا ذُكِرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَلَّتْ رِجْلَاهُ أَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ دِيَاتٍ، وَإِنْ شَلَّ ذَكَرُهُ أَيْضًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِيَاتٍ، قَالَهُ فِي الْكَافِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُفْرَدُ كَسْرُ الصُّلْبِ بِحُكُومَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الذَّكَرُ وَالرِّجْلَانِ سَلِيمَيْنِ، فَإِنْ شَلَّا وَجَبَ مَعَ الدِّيَةِ الْحُكُومَةُ لِأَنَّ الْمَشْيَ مَنْفَعَةٌ فِي الرِّجْلِ، فَإِذَا شَلَّتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 328 [فَرْعٌ] أَزَالَ أَطْرَافًا وَلَطَائِفَ تَقْتَضِي دِيَاتٍ فَمَاتَ سِرَايَةً فَدِيَةٌ. وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي قَبْلَ انْدِمَالِهِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ حَزَّ عَمْدًا وَالْجِنَايَاتُ خَطَأٌ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا تَدَاخُلَ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ لِشَلَلِهَا فَأُفْرِدَ كَسْرُ الصُّلْبِ بِالْحُكُومَةِ، وَإِذَا كَانَتْ سَلِيمَةً فَفَوَاتُ الْمَشْيِ لِخَلَلِ الصُّلْبِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكُومَةِ، وَيُمْتَحَنُ مَنْ ادَّعَى ذَهَابَ مَشْيِهِ بِأَنْ يُفَاجَأَ بِمُهْلِكٍ كَسَيْفٍ، فَإِنْ مَشَى عَلِمْنَا كَذِبَهُ، وَإِلَّا حَلَفَ وَأَخَذَ الدِّيَةَ. فَرْعٌ: اجْتِمَاعُ دِيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي شَخْصٍ بِجِرَاحَاتٍ بِقَطْعِ أَطْرَافٍ وَإِبْطَالِ مَنَافِعَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَهِيَ تَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ دِيَةً. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا سَبَقَ وَجَدْتهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَسَرَدَ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ تُضَافُ إلَيْهَا الْمَوَاضِحُ وَسَائِرُ الشِّجَاجِ وَالْجَوَائِفُ وَالْحُكُومَاتُ فَيَجْتَمِعُ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا يَنْحَصِرُ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ دِيَتَانِ لِلْيَدَيْنِ وَلِلْبَطْشِ، وَدِيَتَانِ لِلرِّجْلَيْنِ وَلِلْمَشْيِ، وَدِيَةٌ لِلَّحْيَيْنِ، وَدِيَةٌ لِلْمَضْغِ، وَثَلَاثُ دِيَاتٍ لِلِّسَانِ وَالنُّطْقِ وَالصَّوْتِ، وَتَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِالْفَرْعِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ. إذَا (أَزَالَ) الْجَانِي (أَطْرَافًا) تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ (وَلَطَائِفُ تَقْتَضِي دِيَاتٍ) كَإِبْطَالِ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَشَمٍّ (فَمَاتَ سِرَايَةً) مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِلْ الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (فَدِيَةٌ) وَاحِدَةٌ وَسَقَطَ بَدَلُ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا. أَمَّا إذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُلْ مَا انْدَمَلَ فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لَا مَدْخَلَ لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلَا يَدْخُلُ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَمَّا مَا لَا يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُلُ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالْأَوْلَى. (وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي) أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (قَبْلَ انْدِمَالِهِ) مِنْ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ. وَالثَّانِي: تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالِانْدِمَالِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَطَعَ أَطْرَافَ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَسَرَتْ الْجِنَايَةُ إلَى النَّفْسِ أَوْ عَادَ وَقَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تَدْخُلْ قِيمَةُ أَطْرَافِهِ فِي قِيمَتِهِ، بَلْ أَوْجَبُوا قِيمَتَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، فَهَلَّا كَانَ كَمَا هُنَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ مَضْمُونٌ بِمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْكَمَالِ وَالنُّقْصَانِ، وَالْآدَمِيُّ مَضْمُونٌ بِمُقَدَّرٍ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الْغَائِبَ فِي ضَمَانِهِ التَّعَبُّدُ، كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَجْنِيِّ بِهِ. (فَإِنْ) كَانَ مُخْتَلِفًا كَأَنْ (حَزَّ) الرَّقَبَةَ (عَمْدًا وَالْجِنَايَاتُ) الْحَاصِلَةُ قَبْلَ الْحَزِّ (خَطَأٌ) أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (أَوْ عَكْسُهُ) كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (فَلَا تَدَاخُلَ) لِشَيْءٍ دُونَ النَّفْسِ فِيهَا (فِي الْأَصَحِّ) بَلْ يُسْتَحَقُّ الطَّرَفُ وَالنَّفْسُ لِاخْتِلَافِهِمَا وَاخْتِلَافِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 329 وَلَوْ حَزَّ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ. [فَصْلٌ] تَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَهِيَ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ، وَقِيلَ إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ.   [مغني المحتاج] عَمْدًا، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الْأَطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الْأَوَّلُ فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الْأُولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ. وَالثَّانِي تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا. (وَلَوْ حَزَّ) الرَّقَبَةَ (غَيْرُهُ) أَيْ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ (تَعَدَّدَتْ) أَيْ الدِّيَةُ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ لَا يَدْخُلُ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ. [فَصْلٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْحُكُومَةُ] وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الْحُرِّ شَرَعَ فِي الْجِنَايَةِ الَّتِي لَا تَقْدِيرَ لِأَرْشِهَا فِيهِ وَفِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ: [فَصْلٌ] (تَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيمَا) أَيْ شَيْءٍ يُوجِبُ مَالًا لِيَخْرُجَ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا فَقَطْ كَقَلْعِ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَوْلُهُ (لَا مُقَدَّرَ فِيهِ) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ نِسْبَتُهُ مِنْ مُقَدَّرٍ، فَإِنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهُ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ بِقُرْبِ مُوضِحَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ وَجَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ قِسْطِهِ وَحُكُومَةٌ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى حُكُومَةً فَإِنَّهَا الَّتِي يُقَدَّرُ الْحُرُّ فِيهَا رَقِيقًا، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ فِي أَوَّلِ بَابِ الدِّيَاتِ: وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إنْ عَرَفْتَ نِسْبَتَهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَكْثَرِ مِنْ قِسْطِهِ وَمِنْ الْحُكُومَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ رَقِيقًا حَتَّى يُعْرَفَ الْأَكْثَرُ، وَسُمِّيَتْ حُكُومَةً لِاسْتِقْرَارِهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، حَتَّى لَوْ اجْتَهَدَ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْحُكُومَةُ بَعْدَ الْمُقَدَّرَاتِ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَالْغَزَالِيُّ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَذِكْرُهَا هُنَا أَحْسَنُ لِيَتِمَّ الْكَلَامُ عَلَى الِانْتِظَامِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهَا هُنَا (وَهِيَ جُزْءٌ) مِنْ الدِّيَةِ (نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ) فِي الْأَصَحِّ. (وَقِيلَ) نِسْبَتُهُ (إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ) الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا. مِثَالُهُ جَرَحَ يَدَهُ فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ لَوْ كَانَ رَقِيقًا، فَإِذَا قِيلَ: مِائَةٌ فَيُقَالُ: كَمْ قِيمَتُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ؟ فَإِذَا قِيلَ: تِسْعُونَ فَالتَّفَاوُتُ الْعَشْرُ، فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ النَّفْسِ، وَهُوَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ فَتُضْمَنُ الْأَجْزَاءُ بِجُزْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ عَيْبِ الْمَبِيعِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى عُضْوِ الْجِنَايَةِ لَا إلَى دِيَةِ النَّفْسِ فَيَجِبُ عُشْرُ دِيَةِ الْيَدِ، وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 330 فَإِنْ كَانَتْ بِطَرَفٍ لَهُ مُقَدَّرٌ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا تَبْلُغَ مُقَدَّرَهُ فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، أَوْ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ كَفَخِذٍ فَأَنْ لَا تَبْلُغَ دِيَةَ نَفْسٍ،   [مغني المحتاج] كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُصْبُعٍ وَجَبَ بَعِيرٌ، أَوْ عَلَى أُنْمُلَةٍ وَجَبَ ثُلُثُ بَعِيرٍ فِي غَيْرِ الْإِبْهَامِ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ وَلِلْحَاجَةِ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ إلَى تَقْدِيرِ الرِّقِّ. قَالَ الْأَئِمَّةُ: الْعَبْدُ أَصْلُ الْحُرِّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا: كَمَا أَنَّ الْحُرَّ أَصْلُ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّرُ أَرْشُهَا، وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ إبِلًا كَالدِّيَةِ لَا نَقْدًا. وَأَمَّا التَّقْوِيمُ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِبِلِ فَقَالَ: فِي إذْهَابِ الْعُذْرَةِ فَيُقَالُ: لَوْ كَانَتْ أَمَةً تُسَاوِي خَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ كَمْ يُنْقِصُهَا ذَهَابُ الْعُذْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ؟ فَإِنْ قِيلَ: الْعُشْرُ وَجَبَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ، حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِهِ فِي الدِّيَاتِ أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُوصِلُ إلَى الْغَرَضِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى عُضْوٍ لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الصَّدْرِ أَوْ الْفَخِذِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ اُعْتُبِرَتْ الْحُكُومَةُ مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَتُقَدَّرُ لِحْيَةُ امْرَأَةٍ أُزِيلَتْ فَفَسَدَ مَنْبَتُهَا لِحْيَةَ عَبْدٍ كَبِيرٍ يَتَزَيَّنُ بِهَا، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ قَلَعَ سِنًّا أَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا زَائِدَةً وَلَمْ يَنْقُصْ بِذَلِكَ شَيْءٌ قُدِّرَتْ زَائِدَةً لَا أَصْلِيَّةً خَلْفَهَا وَيُقَوَّمُ لَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ، ثُمَّ يُقَوَّمُ مَقْطُوعُ الزَّائِدِ فَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ تَشُدُّ الْوَجْهَ وَيَحْصُلُ بِهَا نَوْعُ جَمَالٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ اعْتِبَارِ النِّسْبَةِ لَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةً لَهَا طَرَفٌ زَائِدٌ فَيَجِبُ فِيهَا مَعَ دِيَةِ أُنْمُلَةٍ حُكُومَةٌ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَوِّمَ لَهُ الزَّائِدَةَ بِلَا أَصْلِيَّةٍ ثُمَّ يُقَوِّمَ دُونَهَا كَمَا فُعِلَ فِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ، أَوْ يُعْتَبَرَ بِأَصْلِيَّةٍ كَمَا اُعْتُبِرَتْ لِحْيَةُ الْمَرْأَةِ بِلِحْيَةِ الرَّجُلِ، وَلِحْيَتُهَا كَالْأَعْضَاءِ الزَّائِدَةِ، وَلِحْيَتُهُ كَالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ. وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا مَا ذُكِرَ لَزَادَ زِيَادَةً تَضُرُّ بِالْجَانِي؛ لِأَنَّ أَرْشَهَا يَكْثُرُ بِذَلِكَ. (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْحُكُومَةُ (بِطَرَفٍ) أَيْ لِأَجْلِهِ (لَهُ) أَرْشٌ (مُقَدَّرٌ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ (اُشْتُرِطَ أَنْ لَا تَبْلُغَ) تِلْكَ الْحُكُومَةُ (مُقَدَّرَهُ) أَيْ الطَّرَفِ لِئَلَّا تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعُضْوِ مَعَ بَقَائِهِ مَضْمُونَةً بِمَا يُضْمَنُ بِهِ الْعُضْوُ نَفْسُهُ فَيُنْقِصَ حُكُومَةَ الْأُنْمُلَةِ بِجُرْحِهَا أَوْ قَطْعِ ظُفْرِهَا عَنْ يَدِهَا، وَحُكُومَةَ جِرَاحَةِ الْأُصْبُعِ بِطُولِهِ عَنْ دِيَتِهِ، وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ مَا دُونَ الْجَائِفَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ عَلَى الْبَطْنِ أَوْ نَحْوِهِ أَرْشَ الْجَائِفَةِ (فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي) مِنْهُ (شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ) لِئَلَّا يَلْزَمَ الْمَحْذُورُ السَّابِقُ، وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ أَقَلُّهُ مَا يَصْلُحُ ثَمَنًا أَوْ صَدَاقًا أَيْ فَيَكْفِي أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ (أَوْ) كَانَتْ لِطَرَفٍ (لَا تَقْدِيرَ فِيهِ) وَلَا يَتْبَعُ مُقَدَّرًا (كَفَخِذٍ) وَسَاعِدٍ وَظَهْرٍ وَكَفٍّ (فَأَنْ) أَيْ فَالشَّرْطُ أَنْ (لَا تَبْلُغَ) حُكُومَتُهُ (دِيَةَ نَفْسٍ) وَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ أَكْثَرُ مِنْ الْجُزْءِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَصِيرَ بُلُوغُهَا أَرْشَ عُضْوٍ مُقَدَّرٍ وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 331 وَيُقَوَّمُ بَعْدَ انْدِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ نَقْصٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ، وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَقِيلَ لَا غُرْمَ. وَالْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ كَمُوضِحَةٍ يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ. وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ يُفْرَدُ   [مغني المحتاج] بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْعُضْوِ، فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَإِنْ كَانَ النَّصُّ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهَا دِيَةَ الْعُضْوِ، فَإِنْ تَبِعَ مُقَدَّرًا كَالْكَفِّ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصَابِعَ، فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يَبْلُغَ ذَلِكَ دِيَةَ الْمُقَدَّرِ، إنْ بَلَغَ بِحُكُومَةِ الْكَفِّ دِيَةَ أُصْبُعٍ جَازَ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا دَفْعًا وَاحْتِوَاشًا تَزِيدُ عَلَى مَنْفَعَةِ أُصْبُعٍ، كَمَا أَنَّ حُكُومَةَ الْيَدِ الشَّلَّاءِ لَا تَبْلُغُ دِيَةَ الْيَدِ وَيَجُوزُ أَنْ تَبْلُغَ دِيَةَ أُصْبُعٍ وَأَنْ تَزِيدَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ السَّاعِدَ كَالْكَفِّ حَتَّى لَا يَبْلُغَ بِحُكُومَةِ جُرْحِهِ دِيَةَ الْأَصَابِعِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْأَصَابِعَ دُونَ السَّاعِدِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ مِنْ الْكُوعِ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُهُ فِي لَقْطِ الْأَصَابِعِ، وَلَوْ قَطَعَ مِنْ الْمَرْفِقِ لَزِمَهُ مَعَ الدِّيَةِ حُكُومَةُ السَّاعِدِ (وَيُقَوَّمُ) لِمَعْرِفَةِ الْحُكُومَةِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِفَرْضِ رِقِّهِ، لَكِنْ (بَعْدَ انْدِمَالِهِ) لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ قَدْ تَسْرِي إلَى النَّفْسِ، أَوْ إلَى مَا يَكُونُ وَاجِبُهُ مُقَدَّرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ لَا الْحُكُومَةُ (فَإِنْ لَمْ يَبْقَ) بَعْدَ انْدِمَالِهِ (نَقْصٌ) فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ وَلَا تَأَثَّرَتْ بِهِ الْقِيمَةُ (اُعْتُبِرَ) فِيهِ (أَقْرَبُ نَقْصٍ) مِنْ حَالَاتِ نَقْصٍ فِيهِ (إلَى الِانْدِمَالِ) وَهَكَذَا لِئَلَّا تُحِيطَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَعْصُومِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ النَّقْصُ إلَّا حَالَ سَيَلَانِ الدَّمِ اعْتَبَرْنَا الْقِيمَةَ حِينَئِذٍ وَاعْتَبَرْنَا الْجِرَاحَةَ دَامِيَةً. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى اعْتِبَارِهِ أَقْرَبَ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَقْصٌ كَالسِّنِّ الزَّائِدَةِ وَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَفِيفَةً لَا تُؤَثِّرُ فِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ عُزِّرَ فَقَطْ إلْحَاقًا لَهَا كَمَا فِي الْوَسِيطِ بِاللَّطْمَةِ وَالضَّرْبَةِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ لِلضَّرُورَةِ لِانْسِدَادِ بَابِ التَّقْوِيمِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْحُكُومَةِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: الْحَاكِمُ يُوجِبُ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ) أَيْ يُقَدِّرُ النَّقْصَ الْمَذْكُورَ (قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ) لِئَلَّا تَخْلُوَ الْجِنَايَةُ عَنْ غُرْمٍ (وَقِيلَ لَا غُرْمَ) حِينَئِذٍ، بَلْ الْوَاجِبُ التَّعْزِيرُ كَالضَّرْبَةِ وَالصَّفْعَةِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الْقِيَاسُ. . (وَالْجُرْحُ الْمُقَدَّرُ) أَرْشُهُ (كَمُوضِحَةٍ) وَمَأْمُومَةٍ (يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ) الْكَائِنُ (حَوَالَيْهِ) وَلَا يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَ بِالْإِيضَاحِ جَمِيعَ مَوْضِعِ الشَّيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَرْشُ مُوضِحَةٍ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا كَانَ الشَّيْنُ فِي مَحَلِّ الْإِيضَاحِ، فَإِنْ تَعَدَّى شَيْنُ مُوضِحَةِ الرَّأْسِ عَنْ مَحَلِّهِ إلَى الْقَفَا أَوْ الْوَجْهِ لَمْ يَتْبَعْهُ، فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَصَحَّحَهُ الْبَارِزِيُّ لِتَعَدِّيهِ مَحَلَّ الْإِيضَاحِ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُشِيرُ إلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الِاسْتِتْبَاعِ مَا لَوْ أَوْضَحَ جَبِينَهُ فَأَزَالَ حَاجِبَهُ فَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ وَحُكُومَةِ الشَّيْنِ وَإِزَالَةِ الْحَاجِبِ، حَكَيَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ جَرَحَهُ عَلَى بَدَنِهِ جِرَاحَةً وَبِقُرْبِهَا جَائِفَةٌ قُدِّرَتْ بِهَا وَلَزِمَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ الْقِسْطِ وَالْحُكُومَةِ كَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهَا مُوضِحَةٌ. (وَمَا) أَيْ وَالْجُرْحُ الَّذِي (لَا يَتَقَدَّرُ) أَرْشُهُ كَدَامِيَةٍ (يُفْرَدُ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 332 بِحُكُومَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي نَفْسِ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ، وَفِي غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ فِي الْحُرِّ، وَإِلَّا فَنِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ،   [مغني المحتاج] الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ (بِحُكُومَةٍ) عَنْ حُكُومَةِ الْجُرْحِ (فِي الْأَصَحِّ) لِضَعْفِ الْحُكُومَةِ عَنْ الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ. وَالثَّانِي تَتْبَعُ الْجُرْحَ كَمَا فِي الْأَرْشِ الْمُقَدَّرِ. تَنْبِيهٌ: أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُتَلَاحِمَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً، وَهِيَ كَالْمُوضِحَةِ فِي اسْتِتْبَاعِ الشَّيْنِ إذَا قَدَّرْنَا أَرْشَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُوضِحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا. فُرُوعٌ: لَوْ ضَرَبَهُ أَوْ لَطَمَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ بِذَلِكَ شَيْنٌ فَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، فَإِنْ ظَهَرَ شَيْنٌ كَأَنْ اسْوَدَّ مَحَلُّ ذَلِكَ أَوْ اخْضَرَّ وَبَقِيَ الْأَثَرُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ، وَالْعَظْمُ الْمَكْسُورُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ إذَا انْجَبَرَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ بَقِيَ أَثَرٌ وَهُوَ الْغَالِبُ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ، وَلَوْ انْجَبَرَ مُعْوَجًّا فَكَسَرَهُ الْجَانِي لِيَسْتَقِيمَ وَلَيْسَ لَهُ كَسْرُهُ لِذَلِكَ لَزِمَهُ حُكُومَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ جَدِيدَةٌ، وَفِي إفْسَادِ مَنْبَتِ الشُّعُورِ حُكُومَةٌ إذَا كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ. أَمَّا مَا الْجَمَالُ فِي إزَالَتِهِ كَشَعْرِ الْإِبِطِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ التَّعْزِيرُ وَاجِبًا لِلتَّعَدِّي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي فِيهِ وُجُوبَ الْحُكُومَةِ أَيْضًا. أَمَّا إذَا لَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهَا فَإِنَّهُ لَا حُكُومَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا، وَضَابِطُ مَا يُوجِبُ الْحُكُومَةَ وَمَا لَا يُوجِبُهَا إنْ بَقِيَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ شَيْنٍ أَوْجَبَ الْحُكُومَةَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْأَصَحِّ، بِأَنْ يُعْتَبَرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِغَيْرِ جُرْحٍ وَلَا كَسْرٍ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ فَلَا حُكُومَةَ فِيهِ وَفِيهِ التَّعْزِيرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. ثُمَّ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ الْحُكُومَةَ بِبَيَانِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَمْرٍ تَقْدِيرِيٍّ وَإِنْ كَانَ اسْتَوْفَى الْكَلَامَ عَلَى ضَمَانِ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِأَبْسَطِ مِمَّا هُنَا، إلَّا أَنَّهُ أَعَادَ الْكَلَامَ فِيهِ هُنَا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ تَارَةً تَكُونُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْغَصْبِ وَتَارَةً بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُنَا. فَقَالَ (وَ) تَجِبُ (فِي) الْجِنَايَةِ عَلَى (نَفْسِ الرَّقِيقِ) الْمَعْصُومِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (قِيمَتُهُ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتْلَفَةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي قِيمَتِهِ التَّغْلِيظُ. أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا ضَمَانَ فِي إتْلَافِهِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا يَجِبُ فِي إتْلَافِهِ شَيْءٌ سِوَاهُ (وَ) يَجِبُ (فِي) إتْلَافِ (غَيْرِهَا) أَيْ نَفْسِ الرَّقِيقِ مِنْ أَطْرَافِهِ وَلَطَائِفِهِ (مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ) سَلِيمًا (إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (فِي الْحُرِّ) وَلَمْ يُتْبَعْ مُقَدَّرًا وَلَا يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ قِيمَةَ جُمْلَةِ الرَّقِيقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَةَ عُضْوِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْحُرِّ (وَإِلَّا) بِأَنْ قُدِّرَتْ فِي الْحُرِّ كَمُوضِحَةٍ وَقَطْعِ عُضْوٍ (فَنِسْبَتُهُ) أَيْ فَيَجِبُ مِثْلُ نِسْبَتِهِ مِنْ الدِّيَةِ (مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ لِأَنَّا نُشَبِّهُ الْحُرَّ بِالرَّقِيقِ فِي الْحُكُومَةِ لِيُعْرَفَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ لِيُرْجَعَ بِهِ، فَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْحُرَّ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ التَّكْلِيفِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 333 وَفِي قَوْلٍ مَا نَقَصَ. وَلَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَاهُ فَفِي الْأَظْهَرِ قِيمَتَانِ، وَالثَّانِي مَا نَقَصَ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ وَالْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةِ.   [مغني المحتاج] فَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ فِي التَّقَادِيرِ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي يَدَيْهِ قِيمَتُهُ، وَفِي أُصْبُعِهِ عُشْرُهَا، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَنِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ، مَحَلُّهُ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ جِنَايَتَيْنِ بَعْدَ انْدِمَالِ الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ تَنْدَمِلْ الْأُولَى كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَارَ يُسَاوِي ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّا نُغَرِّمُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْقِيمَةِ، فَإِذَا قَطَعَ آخَرُ يَدَهُ الْأُخْرَى قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمَا لَا نُغَرِّمُهُ أَرْبَعَمِائَةٍ بَلْ نِصْفَ مَا أَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى لَمْ تَسْتَقِرَّ حَتَّى يُضْبَطَ النُّقْصَانُ، وَقَدْ أَوْجَبْنَا بِهَا نِصْفَ الْقِيمَةِ، فَكَأَنَّهُ أَنْقَصَ نِصْفَهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَا يُقَوَّمُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ مَا بَقِيَ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ بِحَزِّ رَقَبَتِهِ (وَفِي قَوْلٍ) نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْغَصْبِ لِلْقَدِيمِ: يَجِبُ (مَا نَقَصَ) مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ كَالْبَهِيمَةِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا قَوْلَهُ (وَلَوْ قَطَعَ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَاهُ) وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَجِبُ لِلْحُرِّ فِيهِ دِيَتَانِ (فَفِي الْأَظْهَرِ) يَجِبُ بِقَطْعِهِمَا (قِيمَتَانِ) كَمَا يَجِبُ فِيهِمَا مِنْ الْحُرِّ دِيَتَانِ (وَ) فِي (الثَّانِي) يَجِبُ (مَا نَقَصَ) مِنْ قِيمَتِهِ كَالْبَهِيمَةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ) عَنْهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا لِرَغْبَةٍ فِيهِ بِكَوْنِهِ خَصِيًّا (فَلَا شَيْءَ) يَجِبُ بِقَطْعِهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِعَدَمِ النَّقْصِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَهُوَ قَدِيمٌ أَمْ مُخَرَّجٌ؟ وَعَلَى هَذَا فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْجَدِيدِ. خَاتِمَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَجِبُ فِي طَرَفِهِ نِصْفُ دِيَةِ طَرَفِ الْحُرِّ، وَنِصْفُ مَا فِي طَرَفِ الْعَبْدِ فَفِي يَدِهِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَرُبْعُ الْقِيمَةِ، وَفِي أُصْبُعِهِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فِيمَا زَادَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ أَوْ نَقَصَ. [بَاب فِي مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ] بَابُ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ غَيْرَ مَا مَرَّ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ ابْتِدَاءً: كَقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَكَصُوَرِ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ (وَ) بَابُ (الْعَاقِلَةِ) وَجِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْغُرَّةِ (وَالْكَفَّارَةِ) لِلْقَتْلِ بِعَطْفِ الْجَمِيعِ عَلَى مُوجِبَاتِ، وَالْعَاقِلَةُ جَمْعُ عَاقِلٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ فُصُولِ هَذَا الْبَابِ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ بِفِنَاءِ دَارِ الْقَتِيلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْهُ، وَالْعَقْلُ: الْمَنْعُ، وَقِيلَ لِإِعْطَائِهَا الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ الدِّيَةُ، وَالْكَفَّارَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِهَا، وَأَرَادَ بِالْكَفَّارَةِ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَلَوْ زَادَ مَا زِدْتُهُ مِنْ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْغُرَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُمَا مِنْ فُصُولِ الْبَابِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 334 صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَوَقَعَ بِذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ. وَلَوْ كَانَ بِأَرْضٍ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ بِطَرَفِ سَطْحٍ فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] إذَا (صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ) أَصْلًا أَوْ ضَعِيفِ التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى بَالِغٍ مَجْنُونٍ أَوْ امْرَأَةٍ ضَعِيفَةِ الْعَقْلِ، وَكُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ كَائِنٌ (عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ) أَوْ شَفِيرِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ صَيْحَةً مُنْكَرَةً (فَوَقَعَ بِذَلِكَ) الصِّيَاحِ بِأَنْ ارْتَعَدَ بِهِ (فَمَاتَ) مِنْهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْأَلَمِ (فَدِيَةٌ) أَيْ فَفِيهِ دِيَةٌ (مُغَلَّظَةٌ) بِالتَّثْلِيثِ السَّابِقِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ (عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَثِيرًا مَا يَتَأَثَّرُونَ بِذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ) يَجِبُ فِيمَا ذُكِرَ (قِصَاصٌ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ بِهِ غَالِبٌ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ غَلَبَتَهُ وَيَجْعَلُ مُؤَثِّرَهُ شِبْهَ عَمْدٍ، سَوَاءٌ أَغَافَصَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَمْ وَاجَهَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مِلْكِ الصَّائِحِ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِالِارْتِعَادِ عِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالتَّقْيِيدُ بِهِ كَأَنَّهُ لُوحِظَ فِيهِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُ السُّقُوطِ بِالصِّيَاحِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَعَلَّ الِارْتِعَادَ مُلَازِمٌ لِهَذِهِ الْحَالَةِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فَمَاتَ مِنْهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ اهـ. وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ وَحَذَفَهُ مِنْ الْكِتَابِ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ بَلْ اخْتَلَّ بَعْضُ أَعْضَائِهِ ضَمِنَ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ: مَا لَوْ صَاحَ عَلَى غَيْرِهِ فَوَقَعَ مِنْ الصِّيَاحِ فَهَلْ يَكُونُ هَدَرًا أَوْ كَمَا لَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَمَا لَوْ صَاحَ بِدَابَّةِ الْغَيْرِ أَوْ هَيَّجَهَا بِوَثْبَةٍ فَسَقَطَتْ فِي مَاءٍ أَوْ وَهْدَةٍ فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَالصَّبِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ قُبَيْلَ السِّيَرِ، وَبِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ الْمُمَيِّزُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ بِوُقُوعِهِ. لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَالْبَالِغِ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُرَاهِقِ لَيْسَ كَالْبَالِغِ، وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَبِطَرَفِ سَطْحٍ مَا لَوْ كَانَ عَلَى وَسَطِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالْأَرْضِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ غَيْرِهِ عَلَى سَطْحٍ، وَهِيَ أَعَمُّ. (وَلَوْ كَانَ) الْمَصِيحُ عَلَيْهِ مِمَّنْ ذُكِرَ سَابِقًا (بِأَرْضٍ) مُسْتَوِيَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ مِنْهَا فَمَاتَ مِنْ الصَّيْحَةِ (أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ) عَاقِلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ كَائِنٍ (بِطَرَفِ سَطْحٍ) فَسَقَطَ وَمَاتَ (فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا لِنُدْرَةِ الْمَوْتِ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الدِّيَةُ لِأَنَّ الصِّيَاحَ حَصَلَ بِهِ فِي الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ الْمَوْتُ، وَفِي الْبَالِغِ عَدَمُ التَّمَاسُكِ الْمُفْضِي إلَيْهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَوْتَ الصَّبِيِّ بِمُجَرَّدِ الصِّيَاحِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَعَدَمُ تَمَاسُكِ الْبَالِغِ بِهِ خِلَافُ الْغَالِبِ مِنْ حَالِهِ فَيَكُونُ مَوْتُهُمَا مُوَافَقَةَ قَدَرٍ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقِصَاصِ قَطْعًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْبَالِغِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ: فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَمَنْ يَعْتَرِيهِ وَسْوَاسٌ، وَالنَّائِمُ وَالْمَرْأَةُ الضَّعِيفَةُ فَكَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَغِيرٍ فَزَالَ عَقْلُهُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 335 وَشَهْرُ سِلَاحٍ كَصِيَاحٍ، وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَبَالِغٍ وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَاضْطَرَبَ صَبِيٌّ وَسَقَطَ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ذُكِرَتْ بِسُوءٍ فَأُجْهِضَتْ ضُمِنَ الْجَنِينُ.   [مغني المحتاج] فَلَا. (وَشَهْرُ) أَيْ سَلُّ (سِلَاحٍ) لِبَصِيرٍ يَرَاهُ أَوْ تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ (كَصِيَاحٍ) فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ (وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ) لَيْسَ كَصَبِيٍّ بَلْ هُوَ (كَبَالِغٍ) فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ تَأَثُّرِهِ بِذَلِكَ غَالِبًا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مُتَدَافِعٌ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَالْمُرَاهِقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُرَاهِقَ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَدَخَلَ فِي هَذَا الْمُمَيِّزُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ: إنْ كَانَ ضَعِيفَ التَّمْيِيزِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ التَّمْيِيزِ فَهُوَ كَالْمُرَاهِقِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْأَمْرُ مَنُوطٌ بِالتَّمْيِيزِ وَعَدَمِهِ لَا بِالْبُلُوغِ، وَالْمُرَاهَقَةِ وَعَدَمِهَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَقْلُهُ. (وَلَوْ) لَمْ يَقْصِدْ الصَّبِيَّ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ، بَلْ (صَاحَ) شَخْصٌ (عَلَى) نَحْوِ (صَيْدٍ) وَلَوْ كَانَ الصَّائِحُ عَلَى الصَّيْدِ مُحْرِمًا أَوْ فِي الْحَرَمِ (فَاضْطَرَبَ) بِهِ (صَبِيٌّ) لَا يُمَيِّزُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ سَبَقَ، وَهُوَ كَانَ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ (وَسَقَطَ) وَمَاتَ مِنْهُ (فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الشَّخْصَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضْطَرِبْ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ اشْتِرَاطِ اضْطِرَابِ الصَّبِيِّ مُشْعِرٌ بِاشْتِرَاطِهِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الصِّيَاحِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. (وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ) أَيْ امْرَأَةً (ذُكِرَتْ) عِنْدَهُ (بِسُوءٍ) وَأَمَرَ بِإِحْضَارِهَا (فَأُجْهِضَتْ) أَيْ أَلْقَتْ جَنِينًا فَزَعًا مِنْهُ قَبْلَ تَمَامِهِ (ضُمِنَ الْجَنِينُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِغُرَّةٍ عَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَسْقَطَتْ لِأَنَّ الْإِجْهَاضَ مُخْتَصٌّ بِالْإِبِلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ، وَتَصْوِيرُهُمْ الْمَسْأَلَةَ بِطَلَبِ السُّلْطَانِ قَدْ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ الطَّالِبِ مَرْهُوبًا؛ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَرْهُوبٍ فَلَا ضَمَانَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْأَظْهَرُ لُحُوقُ الْقَاضِي، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَهُ سَطْوَةٌ فِي ذَلِكَ بِالْإِمَامِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِسُوءٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ كَذَبَ شَخْصٌ وَأَمَرَهَا بِالْحُضُورِ عَلَى لِسَانِ الْإِمَامِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ تَهَدَّدَهَا بِلَا طَلَبٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَوْ طَلَبَهَا فِي دَيْنٍ فَأَسْقَطَتْ ضُمِنَ إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً لِتَعَدِّيهِ، أَوْ غَيْرَ مُخَدَّرَةٍ، لَكِنَّهَا تَخَافُ مِنْ سَطْوَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَخَفْ مِنْ سَطْوَتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مُخَدَّرَةٍ، فَلَا ضَمَانَ، وَطَلَبُهَا أَيْضًا لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ رَجُلًا عِنْدَهَا فَأُجْهِضَتْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَلَى النَّصِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى السُّلْطَانِ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْغُرَّةَ إنَّمَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَلِذَا قَيَّدْتُ كَلَامَهُ بِذَلِكَ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ هِيَ حَامِلٌ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا؟ وَلَمْ أَرَ مَنْ يَفْعَلُهُ، وَهُوَ حَسَنٌ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: أُجْهِضَتْ عَمَّا لَوْ مَاتَتْ فَزَعًا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ. نَعَمْ لَوْ مَاتَتْ بِالْإِجْهَاضِ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهَا؛ لِأَنَّ الْإِجْهَاضَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ مَوْتُ الْأُمِّ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 336 وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا فِي مَسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ ضَمِنَ. وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ ضَمِنَ،   [مغني المحتاج] فَزَّعَ إنْسَانًا فَأَحْدَثَ فِي ثِيَابِهِ فَأَفْسَدَهَا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقِصْهُ جَمَالًا وَلَا مَنْفَعَةً. (وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا) حُرًّا كَمَا قَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ كَالْغَزَالِيِّ وَغَيْرُهُ (فِي مَسْبَعَةٍ) بِمِيمٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ: اسْمٌ لِأَرْضٍ كَثِيرَةِ السِّبَاعِ، وَجَوَّزَ فِي الْمُحْكَمِ ضَمَّ الْمِيمِ وَكَسْرَ الْمُوَحَّدَةِ (فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِإِهْلَاكٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُلْجِئُ السَّبُعَ، بَلْ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَنْفِرُ مِنْ الْإِنْسَانِ فِي الْمَكَانَ الْوَاسِعِ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ أَمْ لَا (وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ) عَنْهُ (ضَمِنَ) لِأَنَّ الْوَضْعَ - وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ - يُعَدُّ إهْلَاكًا عُرْفًا، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ ذَلِكَ. أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَنْتَقِلْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ كَمَا لَوْ فَتَحَ عِرْقَهُ فَلَمْ يَعْصِبْهُ حَتَّى مَاتَ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ فَإِنَّهُ لَا يُضْمَنُ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَاحْتَرَزَ بِمَسْبَعَةٍ عَنْ وَضْعِ صَبِيٍّ بِمَضْيَعَةٍ لَا سِبَاعَ فِيهَا فَاتَّفَقَ افْتِرَاسُ سَبُعٍ لَهُ فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ الصَّبِيَّ أَوْ الْبَالِغَ فِي زَرِيبَةِ السَّبُعِ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ أَلْقَى السَّبُعَ عَلَى أَحَدِهِمَا، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَى السَّبُعِ فِي مَضِيقٍ، أَوْ حَبَسَهُ مَعَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَذَفَهُ لَهُ حَتَّى اضْطَرَّ إلَى قَتْلِهِ، وَالسَّبُعُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ فَقَتَلَهُ فِي الْحَالِ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ السَّبُعَ إلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ كَانَ جُرْحُهُ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ عَلَى حَيَّةٍ أَوْ أَلْقَاهَا عَلَيْهِ أَوْ قَيَّدَهُ وَطَرَحَهُ فِي مَكَان فِيهِ حَيَّاتٌ وَلَوْ ضَيِّقًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ. فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي إلْقَاءِ الْحَيَّةِ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَالْمُتَّسِعِ كَمَا فِي السَّبُعِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهَا تَنْفِرُ بِطَبْعِهَا مِنْ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ يَثِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَضِيقِ دُونَ الْمُتَّسِعِ، فَإِنَّ السَّبُعَ يَنْفِرُ فِيهِ مِنْ الْآدَمِيِّ كَمَا مَرَّ، وَالْمَجْنُونُ الضَّارِي كَالسَّبُعِ الْمُغْرِي فِي الْمَضِيقِ، وَلَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بَيْنَ يَدَيْ السَّبُعِ فِي مَكَانٍ مُتَّسِعٍ فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ أَلْسَعَهُ حَيَّةً مَثَلًا فَقَتَلَتْهُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ، وَإِلَّا فَشِبْهُهُ. (وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ) أَوْ نَحْوِهِ مُكَلَّفًا بَصِيرًا أَوْ مُمَيِّزًا (هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ كَبِئْرٍ (أَوْ مِنْ سَطْحٍ) عَالٍ أَوْ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ فَمَاتَ أَوْ لَقِيَهُ لِصٌّ فِي طَرِيقِهِ فَقَتَلَهُ أَوْ سَبُعٌ فَافْتَرَسَهُ وَلَمْ يُلْجِئْهُ إلَيْهِ بِمَضِيقٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَطْلُوبُ بَصِيرًا أَمْ أَعْمَى (فَلَا ضَمَانَ) لَهُ عَلَى التَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَتَيْنِ بَاشَرَ هَلَاكَ نَفْسِهِ قَصْدًا، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَجَاءَ آخَرُ وَرَدَى نَفْسَهُ فِيهَا، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ التَّابِعِ إهْلَاكٌ، وَمُبَاشَرَةُ السَّبُعِ أَوْ اللِّصِّ الْعَارِضَةُ كَعُرُوضِ الْقَتْلِ عَلَى إمْسَاكِ الْمُمْسِكِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمَا تَمْيِيزٌ فَإِنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى الْقَتْلِ (فَلَوْ وَقَعَ) الْهَارِبُ فِيمَا ذُكِرَ (جَاهِلًا) بِهِ (لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ) فِي نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ أَوْ لِتَغْطِيَةِ بِئْرٍ (ضَمِنَ) التَّابِعُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 337 وَكَذَا لَوْ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ.   [مغني المحتاج] لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَ نَفْسِهِ وَقَدْ أَلْجَأَهُ الْمُتَّبِعُ إلَى الْهَرَبِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ (وَكَذَا لَوْ انْخَسَفَ بِهِ) أَيْ الْهَارِبِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا (سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ) وَمَاتَ بِذَلِكَ ضَمِنَهُ التَّابِعُ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْهَرَبِ وَأَلْجَأَهُ إلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ مُغَطَّاةٍ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ شُعُورِهِ بِالْمُهْلِكِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُ الِانْخِسَافِ ضَعْفُ السَّقْفِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمَطْلُوبُ، أَمَّا لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى السَّقْفِ مِنْ عُلُوٍّ فَانْخَسَفَ لِثِقَلِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ التَّابِعُ قَطْعًا لِأَنَّهُ بَاشَرَ مَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ كَمَا لَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمَّا مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ أَصْلًا لِجُنُونٍ أَوْ صِغَرٍ فَمَضْمُونٌ، إذْ عَمْدُهُ خَطَأٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ. (وَلَوْ سُلِّمَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ) السِّبَاحَةَ، وَهِيَ الْعَوْمُ (فَغَرِقَ) بِتَعْلِيمِهِ أَوْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَاءِ (وَجَبَتْ دِيَتُهُ) عَلَى عَاقِلَةِ السَّابِحِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِإِهْمَالِهِ وَقَدْ الْتَزَمَ بِحِفْظِهِ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ شِبْهَ عَمْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ هَلَكَ الصَّبِيُّ بِضَرْبِ الْمُعَلِّمِ تَأْدِيبًا، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: وُجُوبُ الدِّيَةِ عَلَى السَّابِحِ. أُوِّلَ عَلَى أَنَّهَا تُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً، وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ السَّابِحُ بِيَدِهِ وَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ أَوْ كَانَ الصَّبِيُّ عَلَى الشَّطَّ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِدُخُولِ الْمَاءِ فَدَخَلَ بِاخْتِيَارِهِ وَغَرِقَ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَحْثِ الْبَسِيطِ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ مِنْ تَصْحِيحِهِ عَدَمَ الضَّمَانِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَسْبَعَةٍ لَمْ يَضْمَنْ مَعَ أَنَّ الْخَطَرَ فِيهَا أَكْثَرُ، وَهُنَا الْخَطَرُ قَلِيلٌ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مُهْلِكٌ، فَالتَّفْرِيطُ مِنْ السَّبَّاحِ، وَلَيْسَتْ الْمَسْبَعَةُ بِنَفْسِهَا مُهْلِكَةً لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الدِّيَةِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ السَّبَّاحِ تَقْصِيرٌ، فَلَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ عَمْدًا فَغَرِقَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: سُلِّمَ بِأَنَّ السَّبَّاحَ لَوْ تَسَلَّمَهُ بِنَفْسِهِ لَا ضَمَانَ، وَقَوْلُهُ إلَى سَبَّاحٍ بِأَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُعَلِّمَ لِلسِّبَاحَةِ فَلَا ضَمَانَ أَيْضًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الضَّمَانُ، وَأَشْعَرَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسَلِّمِ لِلصَّبِيِّ وَلِيَّهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ فِي تَسْلِيمِ الْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ هُوَ وَالسَّبَّاحُ شَرِيكَيْنِ، وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، فَلَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلسَّبَّاحِ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ هُدِرَ لِاسْتِقْلَالِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَغْتَرَّ بِقَوْلِ السَّبَّاحِ. فَائِدَةٌ: اُخْتُلِفَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} [النازعات: 3] فَقِيلَ النُّجُومُ لِأَنَّهَا تَسْبَحُ فِي الْفَلَكِ، وَقِيلَ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَجِيءُ وَتَذْهَبُ، وَقِيلَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَقِيلَ السَّحَابُ لِأَنَّهَا كَالْقَائِمَةِ فِي الْهَوَاءِ، وَقِيلَ الْمَنَايَا تَسْبَحُ فِي نُفُوسِ الْحَيَوَانِ، وَقِيلَ: جَمَاعَةُ الْخَيْلِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْفَرَسِ سَابِحٌ، وَقِيلَ حِيتَانُ الْبَحْرِ وَهِيَ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 338 وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ، لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ.   [مغني المحتاج] عَظِيمِ الْمَخْلُوقَاتِ. فَيُرْوَى " أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَثَّ فِي الدُّنْيَا أَلْفَ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ: مِنْهَا أَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ، وسِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ. (وَيَضْمَنُ) الشَّخْصُ (بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ) كَحَفْرِهَا بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ فِي شَارِعٍ ضَيِّقٍ أَوْ وَاسِعٍ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهَا مِنْ آدَمِيٍّ حُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الْآدَمِيَّ يُضْمَنُ بِالدِّيَةِ إنْ كَانَ حُرًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ رَقِيقًا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ كَبَهِيمَةٍ أَوْ مَالِ آخَرَ فَيُضْمَنُ بِالْغُرْمِ فِي مَالِ الْحَافِرِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الضَّمَانِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْعُدْوَانُ إلَى السُّقُوطِ فِيهَا، فَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهَا زَالَ الضَّمَانُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ الْبُقْعَةَ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُوجَدَ هُنَاكَ مُبَاشَرَةٌ بِأَنْ رَدَّاهُ فِي الْبِئْرِ غَيْرُ حَافِرِهَا، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرَدِيِّ لَا الْحَافِرِ، وَأَنْ يَتَجَرَّدَ التَّرَدِّي لِلْإِهْلَاكِ، فَلَوْ تَرَدَّتْ بَهِيمَةٌ فِي بِئْرٍ وَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالصَّدْمَةِ وَبَقِيَتْ فِيهَا أَيَّامًا، ثُمَّ مَاتَتْ جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَافِرِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَضْمِينِ الْحَافِرِ بَيْنَ الْمُتَرَدِّي فِيهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَسِيطِ عَنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ، وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِالتَّرَدِّي نَهَارًا، وَقَوْلُهُ عُدْوَانٍ هُوَ بِالْجَرِّ صِفَةُ حَفْرٍ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَلَوْ تَرَدَّى شَخْصٌ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ الْمَالِكُ: حَفَرَ بِإِذْنِي لَمْ يُصَدَّقْ، وَاحْتَاجَ الْحَافِرُ إلَى بَيِّنَةٍ بِإِذْنِهِ، وَلَوْ تَعَدَّى الدَّاخِلُ بِدُخُولِهِ فَوَقَعَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْحَافِرُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي دُخُولِهَا، فَإِنْ عَرَّفَهُ بِالْبِئْرِ فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَالِكِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَى الْحَافِرِ، وَ (لَا) يَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ (فِي مِلْكِهِ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ وَمَحَلُّهُ إذَا عَرَّفَهُ الْمَالِكُ أَنَّ هُنَاكَ بِئْرًا أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً وَالدَّاخِلُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحَرُّزِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ وَالدَّاخِلُ أَعْمَى، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّاهُ، وَمَا إذَا لَمْ يُوَسِّعْ حَفْرَهَا، فَإِنْ وَسَّعَهُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أَوْ قَرَّبَهَا مِنْ جِدَارِ جَارِهِ خِلَافَ الْعَادَةِ أَوْ وَضَعَ فِي أَصْلِ جِدَارِ غَيْرِهِ سِرْجِينًا أَوْ لَمْ يَطْوِ بِئْرَهُ، وَمِثْلُ أَرْضِهَا يَنْهَارُ إذَا لَمْ يُطْوَ ضَمِنَ فِي الْجَمِيعِ مَا هَلَكَ بِذَلِكَ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَا يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ عَلَى سَطْحِهِ إلَّا إذَا أَوْقَدَهَا وَأَكْثَرَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدٍ فَيَضْمَنُ، لَا إنْ اشْتَدَّ الرِّيحُ بَعْدَ الْإِيقَادِ فَلَا يَضْمَنُ لِعُذْرِهِ إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ إطْفَاؤُهَا فَتَرَكَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَفِي تَضْمِينِهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَضْمِينِهِ كَمَا لَوْ بَنَى جِدَارَهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ وَأَمْكَنَهُ إصْلَاحُهُ وَلَمْ يُصْلِحْهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَالْمَالِكِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتَهُ أَبَدًا بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَ) لَا يَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ فِي (مَوَاتٍ) لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ، فَإِنَّهُ كَالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «الْبِئْرُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» أَيْ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ فِي الْمَوَاتِ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ تَمَلُّكٌ وَلَا ارْتِفَاقٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَفَرَهَا لِلِارْتِفَاقِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ جَائِزٌ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 339 وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا فَسَقَطَ فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ، أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إذْنٍ فَمَضْمُونٌ. أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَكَذَا، أَوْ لَا يَضُرُّ وَأَذِنَ الْإِمَامُ فَلَا ضَمَانَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ لَا عُدْوَانَ فِيهِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، أَوْ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عُدْوَانًا، وَيَرِدُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ مَا إذَا حَفَرَ حُفْرَةً وَاسِعَةً فِي مِلْكِهِ قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ جَارِهِ بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى إضْرَارِ أَرْضِ جَارِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا لِمَنْ وَقَعَ فِي مَوْضِعِ التَّعَدِّي كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيَرِدُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَا لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ الْمَرْهُونِ الْمَقْبُوضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ فِي مِلْكِهِ الَّذِي أَجَّرَهُ إجَارَةً صَحِيحَةً فَهُوَ حَفْرُ عُدْوَانٍ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ لَوْ سَقَطَ فِيهِ إنْسَانٌ غَيْرَ مُتَعَدٍّ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ حَفَرَ بِالْحَرَمِ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الصَّيْدَ الْوَاقِعَ فِيهِ فِي الْحَرَمِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. فُرُوعٌ: لَوْ سَقَى أَرْضَهُ فَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ حَجَرٍ فَأَهْلَكَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ، إلَّا إنْ سَقَى فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ عَلِمَ بِالْحَجَرِ وَلَمْ يَحْتَطْ فَيَضْمَنْ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَسَقَطَتْ بِرِيحٍ أَوْ هَدْمٍ لِمَحَلِّهَا فَأَهْلَكَتْ شَيْئًا أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي مِلْكِهِ فَرَفَسَتْ شَخْصًا فَأَهْلَكَتْهُ، وَلَوْ خَارِجَ مِلْكِهِ أَوْ نَجَّسَتْ ثَوْبَهُ أَوْ كَسَرَ حَطَبًا فِي مِلْكِهِ فَتَطَايَرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَهْلَكَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فِي الْمَعْنَى مِمَّا سَبَقَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ. (وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ) بِكَسْرِ الدَّالِ (بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا) إلَى الدِّهْلِيزِ أَوْ إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا وَكَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَيْهَا فَأَجَابَهُ (فَسَقَطَ) فِيهَا جَاهِلًا بِهَا لِنَحْوُ ظُلْمَةٍ كَتَغْطِيَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى فَمَاتَ (فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَلَمْ يَقْصِدْ هُوَ إهْلَاكَ نَفْسِهِ فَإِحَالَتُهُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ أَوْلَى، وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْجِئٍ فَهُوَ الْمُبَاشِرُ لِإِهْلَاكِ نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الدِّيَةُ، وَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ. أَمَّا الْقِصَاصُ فَلَا يَجِبُ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْجِرَاحِ، وَخَرَجَ بِدَعَاهُ مَا لَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَسَقَطَ فِيهَا وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِيمَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الدُّخُولِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ رَجُلًا اعْتِبَارَ التَّكْلِيفِ فِي الدَّاخِلِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ فَيَجِيءُ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي الضِّيَافَةِ بِطَعَامٍ مَسْمُومٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ ضَمِنَهُ قَطْعًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ التَّكَافُؤِ (أَوْ) حَفَرَ (بِمِلْكِ غَيْرِهِ) بِلَا إذْنِهِ (أَوْ) بِمِلْكٍ (مُشْتَرَكٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ شَرِيكِهِ (فَمَضْمُونٌ) حَفْرُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِتَعَدِّيهِ، وَلَوْ ذَكَرَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ سَابِقًا: وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مِثَالٌ لَهُ، وَقَدْ مَثَّلْتُ لَهُ بِهِ. (أَوْ) حَفَرَ (بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَكَذَا) يَجِبُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا، وَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيمَا يَضُرُّ (أَوْ لَا يَضُرُّ) الْمَارَّةَ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ أَوْ لِانْحِرَافِ الْبِئْرِ عَنْ الْجَادَّةِ (وَأَذِنَ الْإِمَامُ) فِي الْحَفْرِ (فَلَا ضَمَانَ) فِيهِ إنْ حَفَرَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ التَّعَدِّي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 340 وَإِلَّا فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ فَالضَّمَانُ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ اعْتِبَارَ إذْنِ الْإِمَامِ قَبْلَ الْحَفْرِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ حَفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَوْ حَفَرَهُ ابْتِدَاءً بِإِذْنِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَأَفْهَمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِذْنَ خَاصٌّ بِالْإِمَامِ، لَكِنْ قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّ لِلْقَاضِي الْإِذْنَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَاِتِّخَاذِ سِقَايَةٍ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ حَيْثُ لَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْحَفْرِ بَلْ اسْتَقَلَّ هُوَ بِهِ (فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ) هُوَ فَقَطْ (فَالضَّمَانُ) إنْ لَمْ يُقِرَّهُ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ) حَفَرَهُ (لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ) كَالْحَفْرِ لِلِاسْتِقَاءِ أَوْ لِاجْتِمَاعِ مَاءِ الْمَطَرِ (فَلَا) ضَمَانَ فِيهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ تَعْسُرُ مُرَاجَعَةُ الْإِمَامِ فِي مِثْلِهِ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ إذْ النَّظَرُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لِلْإِمَامِ، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ بِمَا إذَا أَحْكَمَ رَأْسَهَا فَإِنْ لَمْ يُحْكِمْهَا وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً ضَمِنَ مُطْلَقًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُقَصِّرْ، فَإِنْ نَهَاهُ، فَحَفَرَ ضَمِنَ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ حِينَئِذٍ، أَوْ قَصَّرَ كَأَنْ كَانَ الْحَفْرُ فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ وَلَمْ يَطْوِهَا، وَمِثْلُهَا يَنْهَارُ إذَا لَمْ يُطْوَ، أَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ فِي سَعَتِهَا ضَمِنَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْلَاكِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وَقَعَ شَخْصٌ فِي بِئْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ عَمْدًا بِغَيْرِ جَذْبٍ فَقَتَلَهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ قَتَلَ مِثْلُهُ مِثْلَهُ غَالِبًا لِضَخَامَتِهِ أَوْ عُمْقِ الْبِئْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ رَمَاهُ بِحَجَرِهِ فَقَتَلَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْآخَرُ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ مِثْلُهُ مِثْلَهُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ يَسْقُطْ عَلَيْهِ خَطَأً بِأَنْ لَمْ يَخْتَرْ الْوُقُوعَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ الْأَوَّلِ وَمَاتَ بِثِقَلِهِ عَلَيْهِ وَبِانْصِدَامِهِ بِالْبِئْرِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ إنْ كَانَ الْحَفْرُ عُدْوَانًا لِأَنَّهُ مَاتَ بِوُقُوعِهِ فِي الْبِئْرِ وَبِوُقُوعِ الثَّانِي عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَفْرُ عُدْوَانًا هُدِرَ، وَإِذَا غَرَّمَ عَاقِلَةَ الثَّانِي فِي صُورَةِ الْحَفْرِ عُدْوَانًا رَجَعُوا بِمَا غَرِمُوا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُخْتَارٍ فِي وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، بَلْ أَلْجَأَهُ الْحَافِرُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ لَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ بَلْ أَوْلَى لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ نَزَلَ الْأَوَّلُ الْبِئْرَ وَلَمْ يَنْصَدِمْ وَوَقَعَ عَلَيْهِ آخَرُ فَكُلُّ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي فَضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ الْمُتَعَدِّي بِحَفْرِهِ، لَا إنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ عَمْدًا فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ (وَمَسْجِدٌ) فِي الْحَفْرِ فِيهِ (كَطَرِيقٍ) فِي حَفْرِ بِئْرٍ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ جَزْمًا وَخِلَافًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ بِئْرًا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ نَقْلًا عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ فِيهِ، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الضَّمَانَ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَفْرُ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 341 وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ إلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ. وَيَحِلُّ إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إلَى شَارِعٍ،   [مغني المحتاج] الْبُقْعَةِ إمَّا لِسَعَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهَا، وَأَنْ لَا يَتَشَوَّشَ الدَّاخِلُونَ إلَى الْمَسْجِدِ بِسَبَبِ الِاسْتِقَاءِ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ بِهِ لِلْمَسْجِدِ ضَرَرٌ. وَلَوْ بَنَى سَقْفَ الْمَسْجِدِ أَوْ نَصَبَ فِيهِ عَمُودًا أَوْ طَيَّنَ جِدَارَهُ أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مَالٍ فَأَهْلَكَهُ أَوْ فَرَشَ فِيهِ حَصِيرًا أَوْ حَشِيشًا فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ أَوْ دَخَلَتْ شَوْكَةٌ مِنْهُ فِي عَيْنِهِ فَذَهَبَ بِهَا بَصَرُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ فَهَلَكَ بِهِ إنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ أَوْ سَقَطَ جِدَارُهُ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ مَالٍ فَلَا ضَمَانَ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، وَبِنَاءُ سِقَايَةٍ عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الشَّارِعِ لِشُرْبِ النَّاسِ مِنْهَا كَالْحَفْرِ فِي الشَّارِعِ. (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ) بِفَتْحِ جِيمِهِ وَهُوَ الْبَارِزُ عَنْ سَمْتِ الْجِدَارِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ (إلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ) سَوَاءٌ أَكَانَ يَضُرُّ أَمْ لَا، أَذِنَ الْإِمَامُ فِيهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالشَّارِعِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَوْ تَنَاهَى فِي الِاحْتِيَاطِ فَجَرَتْ حَادِثَةٌ لَا تُتَوَقَّعُ أَوْ صَاعِقَةٌ سَقَطَ بِهَا وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: لَسْت أَرَى إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِالضَّمَانِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْوِلَايَةَ عَلَى الشَّارِعِ فَكَانَ إذْنُهُ مُعْتَبَرًا حَيْثُ لَا ضَرَرَ، بِخِلَافِ الْهَوَاءِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ إذْنُهُ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ، وَالدِّيَةُ فِي الْحُرِّ وَالْقِيمَةُ فِي الرَّقِيقِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ تَلِفَا بِذَلِكَ، وَإِنْ تَلِفَ بِهِ مَالُ غَيْرِ رَقِيقٍ فَفِي مَالِ الْمُبْرِزِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمِيزَابِ فَيَضْمَنُ الْكُلَّ بِالْخَارِجِ فَقَطْ وَالنِّصْفَ بِالْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ فَمَضْمُونٌ يَقْتَضِي الضَّمَانَ، وَلَوْ تَوَلَّدَ التَّلَفُ مِنْهُ بِغَيْرِ سُقُوطِهِ أَوْ سُقُوطِ بَعْضِهِ كَمَا إذَا صَدَمَهُ رَاكِبٌ عَلَى شَيْءٍ عَالٍ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ حَيَوَانٌ كَفَأْرَةٍ فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْقِيَاسُ عَدَمُ الضَّمَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ اهـ. وَخَرَجَ بِالشَّارِعِ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ لِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ جَزْمًا لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ، أَوْ إلَى دَرْبٍ مُنْسَدٍّ لَيْسَ فِيهِ مَسْجِدٌ أَوْ نَحْوُهُ، أَوْ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ أَوْ الْمَالِكِ فَالضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ عَالِيًا لِتَعَدِّيهِ بِخِلَافِهِ بِالْإِذْنِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُخْرِجِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَسْجِدًا وَنَحْوَهُ فَهُوَ كَالشَّارِعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ أَشْرَعَهُ إلَى مِلْكِهِ ثُمَّ سَبَّلَ مَا تَحْتَهُ شَارِعًا اسْتَمَرَّ عَدَمُ الضَّمَانِ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ كَمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَبَّلَ أَرْضَهُ الْمُجَاوِرَةَ لِدَارِهِ شَارِعًا، وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ الْإِشْرَاعَ لَهَا ثُمَّ أَشْرَعَ لَهَا، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ لَا ضَمَانَ. (وَيَحِلُّ) لِلْمُسْلِمِ (إخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ) الْعَالِيَةِ الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ (إلَى شَارِعٍ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ كَالْجَنَاحِ لِلْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ إلَيْهَا، وَلِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ " أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّ تَحْتَ مِيزَابِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَطَرَتْ عَلَيْهِ قَطَرَاتٍ، فَأَمَرَ بِقَلْعِهِ فَقُلِعَ فَخَرَجَ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: أَتَقْلَعُ مِيزَابًا نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَا يَنْصِبُهُ إلَّا مَنْ يَرْقَى عَلَى ظَهْرِي، وَانْحَنَى لِلْعَبَّاسِ حَتَّى رَقِيَ إلَيْهِ فَأَعَادَهُ إلَى مَوْضِعِهِ " أَمَّا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 342 وَالتَّالِفُ بِهَا مَضْمُونٌ فِي الْجَدِيدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ فَسَقَطَ الْخَارِجُ فَكُلُّ الضَّمَانِ، وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ فَنِصْفُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ بَنَى جِدَارَهُ مَائِلًا إلَى شَارِعٍ فَكَجَنَاحٍ.   [مغني المحتاج] الذِّمِّيُّ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُمْنَعُ كَمَا يُمْنَعُ إخْرَاجُ الْجَنَاحِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْجَنَاحَ يَمْشِي عَلَيْهِ وَيَقْعُدُ وَيَنَامُ فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ عَلَاءِ بِنَائِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ: جَرَى الْمُصَنِّفُ فِي جَمْعِ الْمَيَازِيبِ عَلَى لُغَةِ تَرْكِ الْهَمْزِ فِي مُفْرَدِهِ وَهُوَ مِيزَابٌ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَالْأَفْصَحُ فِي جَمْعِهِ مَأْزَبٌ بِهَمْزَةٍ وَمَدٍّ جَمْعُ مِئْزَابٍ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ، وَيُقَالُ فِيهِ مِرْزَابٌ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ وَعَكْسِهِ، فَلُغَاتُهُ حِينَئِذٍ أَرْبَعٌ (وَالتَّالِفُ بِهَا) أَوْ بِمَا سَالَ مِنْ مَائِهَا (مَضْمُونٌ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِالشَّارِعِ فَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَالْجَنَاحِ، وَكَمَا لَوْ طَرَحَ تُرَابًا بِالطَّرِيقِ لِيُطَيِّنَ بِهِ سَطْحَهُ فَزَلَقَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَهُ، وَالْقَدِيمُ لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِتَصَرُّفِ الْمِيَاهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ لِأَنَّهُ لِاتِّسَاعِ الْمَنْفَعَةِ، وَمَنَعَ الْجَدِيدُ كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا، إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ لِمَاءِ السَّطْحِ بِئْرًا أَوْ يَجْرِيَ الْمَاءَ فِي أُخْدُودِ الْجِدَارِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِ شَيْءٍ (فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ) أَيْ الْمِيزَابِ وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْجَنَاحِ أَيْضًا بِتَأْوِيلِ مَا ذُكِرَ (فِي الْجِدَارِ) وَبَعْضُهُ خَارِجًا عَنْهُ (فَسَقَطَ الْخَارِجُ) مِنْهُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَأَتْلَفَ شَيْئًا (فَكُلُّ الضَّمَانِ) يَجِبُ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ خَاصَّةً (وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ) أَيْ الْمِيزَابِ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ بِأَنْ قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ (فَنِصْفُهُ) أَيْ الضَّمَانِ يَجِبُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِالدَّاخِلِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَبِالْخَارِجِ وَهُوَ مَضْمُونٌ فَوُزِّعَ عَلَى النَّوْعَيْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِصَابَةُ بِالدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ أَمْ لَا، اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ أَمْ لَا. وَالثَّانِي يُوَزَّعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ فَيَجِبُ قِسْطُ الْخَارِجِ وَيَكُونُ التَّوَزُّعُ بِالْوَزْنِ. وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ. تَنْبِيهٌ: يُلْغَزُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَيُقَالُ: رَجُلٌ إنْ قَتَلَ إنْسَانًا بِخَشَبَةٍ لَزِمَهُ بَعْضُ دِيَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِبَعْضِهَا لَزِمَهُ تَمَامُ دِيَتِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ خَارِجَ الْجِدَارِ كَأَنْ سُمِّرَ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِسُقُوطِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلَوْ كَانَ كُلُّهُ فِي الْجِدَارِ فَلَا ضَمَانَ بِوُقُوعِهِ كَالْجِدَارِ، وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ سَقَطَ كُلُّ الْخَارِجِ وَبَعْضُ الدَّاخِلِ أَوْ عَكْسُهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَسُقُوطِهِ كُلِّهِ، وَمَا لَوْ سَقَطَ كُلُّهُ وَانْكَسَرَ نِصْفَيْنِ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَصَابَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ أَصَابَ بِمَا كَانَ فِي الْجِدَارِ لَمْ يَضْمَنْ أَوْ بِالْخَارِجِ ضَمِنَ الْكُلَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَلَوْ أَصَابَ الْمَاءُ النَّازِلُ مِنْ الْمِيزَابِ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ نِصْفَهَا إنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ وَبَعْضُهُ خَارِجًا، وَلَوْ اتَّصَلَ مَاؤُهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ قَالَ الْبَغَوِيّ: فَالْقِيَاسُ التَّضْمِينُ أَيْضًا. (وَإِنْ بَنَى) شَخْصٌ (جِدَارَهُ) كُلَّهُ (مَائِلًا إلَى شَارِعٍ) أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فَكَجَنَاحٍ) فِي ضَمَانِ مَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ عَلَى مَا مَرَّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: إلَى شَارِعٍ مَا لَوْ كَانَ مَائِلًا إلَى مِلْكِهِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ. نَعَمْ لَوْ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ كَانَ كَمَا لَوْ بَنَاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 343 أَوْ مُسْتَوِيًا فَمَالَ وَسَقَطَ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ ضَمِنَ، وَلَوْ سَقَطَ بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ تَلِفَ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] مَائِلًا إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْهَوَاءِ تَابِعَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْقَرَارِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالظَّاهِرُ فِي هَذِهِ عَدَمُ الضَّمَانِ كَمَا مَرَّ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ الْمُسْتَأْجَرِ، ثُمَّ رَأَيْتُ هَذَا الْبَحْثَ لِشَيْخِي. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: إلَى شَارِعٍ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ، فَإِنْ بَنَى بَعْضَ الْجِدَارِ مَائِلًا وَالْبَعْضَ الْآخَرَ مُسْتَوِيًا فَسَقَطَ الْمَائِلُ فَقَطْ ضَمِنَ الْكُلَّ، أَوْ سَقَطَ الْكُلُّ ضَمِنَ النِّصْفَ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَيْلُ إلَى طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ إنْ كَانَ فِيهَا مَسْجِدٌ أَوْ بِئْرٌ مُسَبَّلٌ فَكَالشَّارِعِ، وَإِلَّا فَمِلْكٌ لِغَيْرٍ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَيْلِ لِلشَّارِعِ، وَلَا يَبْرَأُ نَاصِبُ الْمِيزَابِ أَوْ الْجَنَاحِ أَوْ بَانِي الْجِدَارِ الْمَائِلِ مِنْ الضَّمَانِ بِبَيْعِ الدَّارِ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِهَا إنْسَانٌ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَةُ الْبَائِعِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. نَعَمْ لَوْ بَنَى الْجِدَارَ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ بِذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ إذَا حَفَرَهُ عُدْوَانًا ثُمَّ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَائِهَا فَإِنَّ الْحَافِرَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي لُزُومُهُ الْمَالِكَ أَوْ عَاقِلَتَهُ حَالَةَ التَّلَفِ. قَالَ: وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالْوَاضِعِ أَوْ بِعَاقِلَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ لَتَعَلَّقَ بِالصَّانِعِ لَهُ الَّذِي وَضَعَهُ لِلْمَالِكِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالْمِيزَابِ؟ . قُلْتُ: الْفَرْقُ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ هُنَا هُوَ الْعُدْوَانُ وَقَدْ زَالَ، وَثَمَّ لَمْ يَزُلْ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَاقِلَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ غَيْرَهَا يَوْمَ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ نَصْبِ الْمِيزَابِ أَوْ مَيْلِ الْجِدَارِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ. (أَوْ) بَنَى جِدَارَهُ (مُسْتَوِيًا فَمَالَ) إلَى شَارِعٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ (وَسَقَطَ) عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ (فَلَا ضَمَانَ) بِهِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَيْلُ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا سَقَطَ بِلَا مَيْلٍ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ أَمْ لَا (وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ وَالْإِصْلَاحِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اخْتَلَّ جِدَارُهُ فَصَعَدَ السَّطْحَ فَدَقَّهُ لِلْإِصْلَاحِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ: إنْ سَقَطَ وَقْتَ الدَّقِّ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ (وَلَوْ سَقَطَ) مَا بَنَاهُ مُسْتَوِيًا بَعْدَ مَيْلِهِ (بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ) فَمَاتَ (أَوْ تَلِفَ) بِهِ (مَالٌ فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ بَنَى فِي مِلْكِهِ بِلَا مَيْلٍ، وَالسُّقُوطُ لَمْ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ، سَوَاءٌ أَقَصَّرَ فِي رَفْعِهِ أَمْ لَا، وَالثَّانِي عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ رَفْعِ مَا سَقَطَ الْمُمْكِنُ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُطَالَبَ بِالنَّقْضِ أَوْ لَا، وَلَوْ اسْتُهْدِمَ الْجِدَارُ وَلَمْ يَمِلْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْضُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَا ضَمَانُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ مِلْكَهُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ إذَا مَالَ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ مُطَالَبَةُ مَنْ مَالَ جِدَارُهُ إلَى مِلْكِهِ بِالنَّقْضِ كَأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ تَنْتَشِرُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَتِهَا، لَكِنْ لَوْ تَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 344 وَلَوْ طَرَحَ قُمَامَاتٍ وَقُشُورَ بِطِّيخٍ بِطَرِيقٍ فَمَضْمُونٌ عَلَى الصَّحِيحِ   [مغني المحتاج] بِصُنْعِهِ بِخِلَافِ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ، نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. (وَلَوْ طَرَحَ) شَخْصٌ (قُمَامَاتٍ) جَمْعُ قُمَامَةٍ بِضَمِّ الْقَافِ: أَيْ كُنَاسَةً (وَقُشُورَ بِطِّيخٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ رُمَّانٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (بِطَرِيقٍ) فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ (فَمَضْمُونٌ عَلَى الصَّحِيحِ) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، سَوَاءٌ أَطَرَحَهُ فِي مَتْنِ الطَّرِيقِ أَمْ طَرَفِهِ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَوَضْعِ الْحَجَرِ وَالسِّكِّينِ، وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ مَعَ الْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي طَرْحِهَا فِي غَيْرِ الْمَزَابِلِ وَالْمَوَاضِعِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ الْقَطْعَ بِنَفْيِ الضَّمَانِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْمُتَعَثِّرُ بِهَا جَاهِلًا، فَإِنْ مَشَى عَلَيْهَا قَصْدًا فَلَا ضَمَانَ قَطْعًا كَمَا لَوْ نَزَلَ الْبِئْرَ فَسَقَطَ، وَخَرَجَ بِطَرْحِهَا مَا لَوْ وَقَعَتْ بِنَفْسِهَا بِرِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا ضَمَانَ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: إلَّا أَنْ قَصَّرَ فِي رَفْعِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا بَحْثٌ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الضَّمَانِ أَيْضًا كَمَا لَوْ مَالَ جِدَارُهُ وَسَقَطَ وَأَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَلَوْ طَرَحَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ مَوَاتٍ أَوْ أَلْقَى الْقُمَامَةَ فِي سُبَاطَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَا ضَمَانَ. فُرُوعٌ: يَضْمَنُ بِرَشِّ الْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ مَا تَلِفَ بِهِ، لَا بِرَشِّهِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ كَدَفْعِ الْغُبَارِ عَنْ الْمَارَّةِ، وَذَلِكَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، هَذَا إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ كَبَلِّ الطِّينِ فِي الطَّرِيقِ وَلِتَقْصِيرِهِ. نَعَمْ إنْ مَشَى عَلَى مَوْضِعِ الرَّشِّ قَصْدًا فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَضِيَّتُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وُجُوبُ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: إنَّهُ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ؛ وَلِأَنَّ مُعْظَمَ غَرَضِهِ مَصْلَحَةُ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِالْغُبَارِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَرَصَ أَوْ ضَرَبَ رَجُلًا حَامِلًا لِشَيْءٍ فَتَحَرَّكَ وَسَقَطَ مَا هُوَ حَامِلُهُ فَكَإِكْرَاهِهِ عَلَى إلْقَائِهِ فَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَلَوْ تَعَدَّى بِإِسْنَادِ خَشَبَةٍ إلَى جِدَارِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ الْجِدَارَ وَمَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ السُّقُوطُ عَنْ الْإِسْنَادِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَطَارَ حَيْثُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ طَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ وَطَيَرَانِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْغَصْبِ لِأَنَّ الطَّائِرَ مُخْتَارٌ، وَالْجَمَادُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ، وَإِنْ أَسْنَدَهَا إلَى جِدَارِهِ أَوْ جِدَارِ غَيْرِهِ بِلَا تَعَدٍّ فَسَقَطَ أَوْ مَالَ ثُمَّ سَقَطَ بَعْدَ حِينٍ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَهُ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ جِدَارًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ حِينٍ فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ وَلَوْ بَنَى دَكَّةً عَلَى بَابِ دَارِهِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ لَا فِي طَرَفِ حَانُوتِهِ ضَمِنَ مَا تَعَثَّرَ وَتَلِفَ بِهِ لِمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّهُ بَنَى الدَّكَّةَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِمَا وَضَعَهُ بِطَرَفِ حَانُوتِهِ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَوْ اغْتَسَلَ شَخْصٌ فِي الْحَمَّامِ وَتَرَكَ الصَّابُونَ وَالسِّدْرَ الْمُزْلِقَيْنِ بِأَرْضِهِ أَوْ رَمَى فِيهَا نُخَامَةً، فَزَلَقَ بِذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 345 وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ بِأَنْ حَفَرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعُثِرَ بِهِ وَوَقَعَ الْعَاثِرُ بِهَا فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ فَالْمَنْقُولُ تَضْمِينُ الْحَافِرِ.   [مغني المحتاج] إنْسَانٌ فَمَاتَ أَوْ انْكَسَرَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَلْقَى النُّخَامَةَ عَلَى الْمَمَرِّ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُقَاسُ بِالنُّخَامَةِ مَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّهُ إنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ لَا يَظْهَرُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَالضَّمَانُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ تَارِكِهِ وَالْحَمَّامِيِّ، إذْ عَلَى الْحَمَّامِيِّ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ، وَالْوَجْهُ إيجَابُهُ عَلَى تَارِكِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، إذْ تَنْظِيفُ الْحَمَّامِ كُلَّ يَوْمٍ مُعْتَادٌ. وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ نَهَى الْحَمَّامِيُّ عَنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْوَاضِعِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ وَلَا نَهَى فَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ وَاسْتَكْثَرَ مِنْهُ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ تَنْقِيَةِ الْحَمَّامِ عَلَى الْحَمَّامِيِّ فِي الْعَادَةِ لَا عَلَى الْمُغْتَسِلِ، ثُمَّ مَا سَبَقَ حَيْثُ الْمُهْلِكُ سَبَبٌ وَاحِدٌ. . ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ، فَقَالَ (وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ) بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ مُهْلِكًا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) مِنْهُمَا فِي التَّلَفِ لَا الْوُجُودِ بِحَالِ الْهَلَاكِ إذَا تَرَجَّحَ بِالْقُوَّةِ، وَذَلِكَ (بِأَنْ حَفَرَ) شَخْصٌ بِئْرًا (وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا) مَثَلًا عَلَى طَرَفِ الْبِئْرِ حَالَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ (عُدْوَانًا) كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِ بَعْضِهِمْ الْعُدْوَانَ حَالًا مِنْ الْوَضْعِ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَضْعُ قَبْلَ الْحَفْرِ أَمْ بَعْدَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ. وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ (فَعُثِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ (وَوَقَعَ الْعَاثِرُ) بِغَيْرِ قَصْدٍ (بِهَا) أَيْ الْبِئْرِ فَهَلَكَ (فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ) لِأَنَّ التَّعَثُّرَ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُ إلَى الْوُقُوعِ فِيهَا الْمُهْلِكِ لَهُ فَوَضْعُ الْحَجَرِ سَبَبٌ أَوَّلٌ لِلْهَلَاكِ، وَقَدْ تَرَجَّحَ بِمَا ذُكِرَ، وَحَفْرُ الْبِئْرِ سَبَبٌ ثَانٍ لَهُ، فَلَوْ تَرَجَّحَ الْحَفْرُ بِالْقُوَّةِ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَوَضَعَ آخَرُ سِكِّينًا فِيهَا وَمَاتَ الْمُتَرَدِّي بِالسِّكِّينِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَافِرِ؛ لِأَنَّ الْحَفْرَ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُلْجِئُ لَهُ إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْحَافِرُ كَأَنْ كَانَ مَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا. أَمَّا الْمَالِكُ: فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَلِأَنَّ السُّقُوطَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الَّذِي أَفْضَى إلَى السُّقُوطِ عَلَى السِّكِّينِ، فَكَانَ الْحَافِرُ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ، بَلْ هُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ اسْتَوَى السَّبَبَانِ كَأَنْ حَفَرَ شَخْصٌ بِئْرًا قَرِيبَةَ الْعُمْقِ فَعَمَّقَهَا غَيْرُهُ فَضَمَانُ مَنْ تَرَدَّى فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ تَفَاضَلَا فِي الْحَفْرِ: كَأَنْ حَفَرَ أَحَدُهُمَا ذِرَاعًا وَالْآخَرُ ذِرَاعَيْنِ كَالْجِرَاحَاتِ، وَلَوْ طُمَّتْ بِئْرٌ حُفِرَتْ عُدْوَانًا فَنَبَشَهَا آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ بِالطَّمِّ، سَوَاءٌ كَانَ الطَّامُّ الْحَافِرَ أَمْ غَيْرَهُ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوَاضِعَ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، فَلَوْ تَعَدَّى بِحَفْرِ بِئْرٍ وَوَضَعَ حَرْبِيٌّ أَوْ سَبُعٌ الْحَجَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: بِغَيْرِ قَصْدٍ مَا لَوْ رَأَى الْعَاثِرُ الْحَجَرَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ) لِلْحَجَرِ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ (فَالْمَنْقُولُ) كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (تَضْمِينُ الْحَافِرِ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ الْوَاضِعِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَافِرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 346 وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَآخَرَانِ حَجَرًا فَعُثِرَ بِهِمَا فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ، وَقِيلَ نِصْفَانِ. وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ، وَلَوْ عَثَرَ   [مغني المحتاج] وَالْوَاضِعِ ضَمَانٌ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا وَوَضَعَ السَّيْلُ أَوْ سَبُعٌ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ وَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ فَهُوَ هَدَرٌ عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ: لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا وَنَصَبَ غَيْرُهُ فِيهَا حَدِيدَةً فَوَقَعَ رَجُلٌ فِي الْبِئْرِ فَجَرَحَتْهُ الْحَدِيدَةُ وَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَمَّا الْحَافِرُ: فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَلِأَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْبِئْرِ هُوَ الَّذِي أَفْضَى فِي الْوُقُوعِ عَلَى الْحَدِيدَةِ فَكَانَ حَافِرُ الْبِئْرِ كَالْمُبَاشِرِ وَالْآخَرُ كَالْمُتَسَبِّبِ اهـ. وَفَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْوَضْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِعْلُ مَنْ يَقْبَلُ الضَّمَانَ، فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ مُهَيَّئًا لِلضَّمَانِ أَصْلًا فَسَقَطَ الضَّمَانُ بِالْكُلِّيَّةِ اهـ. وَأَمَّا الْمُسْتَدَلُّ بِهِ فَيُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ مُتَعَدِّيًا بِمُرُورِهِ أَوْ كَانَ النَّاصِبُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْحَافِرُ أَيْضًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُشْكِلًا عَبَّرَ هُنَا وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِالْمَنْقُولِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمَا: الْمَنْقُولُ يَقْتَضِي أَنْ لَا نَقْلَ يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي يُخَالِفُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمَا: الْمَنْقُولُ عَلَى الْمَشْهُورِ. فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ بِيَدِ شَخْصٍ سِكِّينٌ فَأَلْقَى رَجُلٌ رَجُلًا عَلَيْهَا فَهَلَكَ ضَمِنَ الْمُلْقِي، لَا صَاحِبُ السِّكِّينِ إلَّا أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا فَيَضْمَنُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فَأَرْسَلَ رَجُلٌ حَبْلًا فَشَدَّهُ الْعَبْدُ فِي وَسَطِهِ وَجَرَّهُ الرَّجُلُ فَسَقَطَ الْعَبْدُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ وَقَفَ اثْنَانِ عَلَى بِئْرٍ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَمَّا هَوَى جَذَبَ مَعَهُ الدَّافِعَ فَسَقَطَا فَمَاتَا قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: فَإِنْ جَذَبَهُ طَمَعًا فِي التَّخَلُّصِ وَكَانَتْ الْحَالَةُ تُوجِبُ ذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ، وَلَا ضَمَانَ لِلْآخَرِ كَمَا لَوْ تَجَارَحَا. (وَلَوْ وَضَعَ) شَخْصٌ (حَجَرًا) فِي طَرِيقٍ عُدْوَانًا (وَآخَرَانِ حَجَرًا) كَذَلِكَ (فَعَثَرَ بِهِمَا) آخَرُ فَمَاتَ (فَالضَّمَانُ) عَلَيْهِمْ لِلْعَاثِرِ (أَثْلَاثٌ) وَإِنْ تَفَاوَتَ فِعْلُهُمْ نَظَرًا إلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْجُنَاةِ كَمَا لَوْ مَاتَ بِجِرَاحَةِ ثَلَاثَةٍ وَاخْتَلَفَتْ الْجِرَاحَاتُ (وَقِيلَ) الضَّمَانُ (نِصْفَانِ) عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفٌ، وَعَلَى الْآخَرَيْنِ نِصْفٌ نَظَرًا إلَى عَدَدِ الْمَوْضُوعِ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، إذْ لَيْسَ هَذَا كَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَهَا نِكَايَةٌ فِي الْبَاطِنِ بَلْ هُوَ إلَى صُورَةُ الضَّرَبَاتِ أَقْرَبُ بَلْ أَوْلَى فِي الْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَجَرِ الْآخَرَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِجَنْبِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ وَالرَّوْضَةَ وَأَصْلَهَا قَيَّدُوهُ بِكَوْنِهِ بِجَنْبِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ عَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ. (وَلَوْ وَضَعَ) شَخْصٌ (حَجَرًا) فِي طَرِيقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَعَدِّيًا أَمْ لَا (فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ) فَمَاتَ (ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ) وَهُوَ الْعَاثِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَجَرَ إنَّمَا حَصَلَ ثَمَّ بِفِعْلِهِ (وَلَوْ عَثَرَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالثَّاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 347 بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِالطَّرِيقِ وَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا ضَمَانَ إنْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ إهْدَارُ قَاعِدٍ وَنَائِمٍ، لَا عَاثِرٍ بِهِمَا وَضَمَانُ وَاقِفٍ لَا عَاثِرٍ بِهِ.   [مغني المحتاج] الْمُثَلَّثَةِ فِي الْأَشْهَرِ، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، مَاشٍ (بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِالطَّرِيقِ وَمَاتَا) أَيْ الْعَاثِرُ وَالْمَعْثُورُ بِهِ (أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّرِ بَلْ يُهْدَرَانِ، وَهَذَا (إنْ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ، وَالْعَاثِرُ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ الْمُحَرَّرُ وَظَاهِرُهُ إهْدَارُ الْعَاثِرِ وَالْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ وَالْوَاقِفِ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا لِغَيْرِ الْمُحَرَّرِ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ إهْدَارُ الْعَاثِرِ وَأَنَّ عَاقِلَتَهُ تَضْمَنُ دِيَةَ الْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ وَالْوَاقِفِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤَوَّلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا ضَمَانَ: يَعْنِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالنَّائِمِ وَالْوَاقِفِ لِيُوَافِقَ الْمَنْقُولَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعَسُّفٌ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْقَاعِدُ أَوْ الْوَاقِفُ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى كَمَا لَوْ قَصَدَ قَتْلَ مَنْ يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَمْ يَحْتَرِزْ حَتَّى قَتَلَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَاقَ الطَّرِيقُ (فَالْمَذْهَبُ إهْدَارُ قَاعِدٍ وَنَائِمٍ) لِأَنَّ الطَّرِيقَ لِلطُّرُوقِ، وَهُمَا بِالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ مُقَصِّرَانِ (لَا عَاثِرٍ بِهِمَا) فَلَا يُهْدَرُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، بَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا دِيَتُهُ (وَضَمَانُ وَاقِفٍ) لِأَنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْوُقُوفِ لِتَعَبٍ أَوْ سَمَاعِ كَلَامٍ أَوْ انْتِظَارِ رَفِيقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالْوُقُوفُ مِنْ مَرَافِقِ الطَّرِيقِ (لَا عَاثِرٍ بِهِ) فَلَا يَضْمَنُ لِتَقْصِيرِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ضَمَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالثَّالِثُ ضَمَانُ الْعَاثِرِ وَإِهْدَارُ الْمَعْثُورِ بِهِ، وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَاقِفِ فِعْلٌ، فَإِنْ وُجِدَ بِأَنْ انْحَرَفَ إلَى الْمَاشِي لَمَّا قَرُبَ مِنْهُ فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ وَمَاتَا فَهُمَا كَمَاشِيَيْنِ اصْطَدَمَا، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا انْحَرَفَ عَنْهُ فَأَصَابَهُ فِي انْحِرَافِهِ أَوْ انْحَرَفَ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ بَعْدَ تَمَامِ انْحِرَافِهِ، فَحُكْمُهُ لَوْ كَانَ وَاقِفًا لَا يَتَحَرَّكُ، وَالْقَائِمُ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ أَوْ ضَيِّقٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ: كَسَرِقَةٍ أَوْ أَذًى كَالْقَاعِدِ فِي ضَيِّقٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْوُقُوفُ يَضُرُّ بِالْمَارِّ كَانَ كَالْجُلُوسِ فَيَضْمَنُ بِهِ دِيَةَ الْعَاثِرِ، وَإِنْ كَانَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ لَا يَضُرُّهُمْ فَكَالْقِيَامِ، فَلَوْ عَثَرَ الْمَاشِي بِوَاقِفٍ أَوْ قَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ مُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتِهِ فَهَلَكَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْمَاشِي ضَامِنٌ وَمُهْدَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ دُونَهُمْ فَلَيْسُوا بِضَامِنِينَ وَلَا مُهْدِرِينَ؛ وَإِنَّمَا يُهْدَرُ الْمَاشِي إنْ دَخَلَ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ ذُكِرَ، فَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنٍ لَمْ يُهْدَرْ، وَلَوْ وَقَفَ أَوْ قَعَدَ أَوْ نَامَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ تَعَدِّيًا فَعَثَرَ بِهِ الْمَالِكُ وَهُوَ مَاشٍ فَهُوَ هَدَرٌ لِتَعَدِّيهِ. تَتِمَّةٌ: الْمَسْجِدُ لِقَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ فِيهِ، وَكَذَا نَائِمٌ مُعْتَكِفٌ فِيهِ كَالْمِلْكِ لَهُمْ. فَعَلَى عَاقِلَةِ الْعَاثِرِ دِيَتُهُمْ وَهُوَ مُهْدَرٌ وَلِنَائِمٍ فِيهِ غَيْرِ مُعْتَكِفٍ وَقَائِمٍ أَوْ قَاعِدٍ فِيهِ لِمَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَسْجِدُ كَالطَّرِيقِ فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ كَمَا مَرَّ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَضْمِينِ وَاضِعِ الْقُمَامَةِ وَالْحَجَرِ وَالْحَافِرِ وَالْمُدَحْرِجِ وَالْعَاثِرِ وَغَيْرِهِمْ الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 348 [فَصْلٌ] اصْطَدَمَا بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ. وَإِنْ قَصَدَا فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةٌ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ كَفَّارَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا فَكَذَلِكَ، وَفِي تَرِكَةِ كُلٍّ نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الضَّمَانِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ] ُ، إذَا (اصْطَدَمَا) أَيْ حُرَّانِ كَامِلَانِ رَاكِبَانِ أَوْ مَاشِيَانِ أَوْ رَاكِبٌ وَمَاشٍ طَوِيلٌ سَوَاءٌ أَكَانَا مُقْبِلَيْنِ أَوْ مُدْبِرَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا مُقْبِلًا وَالْآخَرُ مُدْبِرًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ وَإِنْ قَيَّدَ الرَّافِعِيُّ بِالْمُدْبِرَيْنِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الِاصْطِدَامَ بِقَوْلِهِ (بِلَا قَصْدٍ) كَاصْطِدَامِ أَعْمَيَيْنِ، أَوْ غَافِلَيْنِ، أَوْ كَانَا فِي ظُلْمَةٍ لِيَشْمَلَ مَا إذَا غَلَبَتْهُمَا الدَّابَّتَانِ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي كَلَامِهِ، وَاسْتُفِيدَ تَقْيِيدُ الِاصْطِدَامِ بِالْحُرَّيْنِ مِنْ قَوْلِهِ (فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ) أَمَّا كَوْنُهُ نِصْفَ دِيَةٍ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ مَعَ جِرَاحَةِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا مُخَفَّفَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَا مُنْكَبَّيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالْآخَرُ مُسْتَلْقِيًا اتَّفَقَ الْمَرْكُوبَانِ كَفَرَسَيْنِ أَوْ لَا كَفَرَسٍ وَبَعِيرٍ وَبَغْلٍ اتَّفَقَ سَيْرُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَعْدُو وَالْآخَرُ يَمْشِي عَلَى هِينَتِهِ. (وَإِنْ قَصَدَا) جَمِيعًا الِاصْطِدَامَ (فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةٌ) عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِوَرَثَةِ الْآخَرِ. أَمَّا كَوْنُهَا نِصْفَ دِيَةٍ فَلِمَا مَرَّ. وَأَمَّا كَوْنُهَا مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ شِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِاصْطِدَامَ لَا يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَلِذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ (أَوْ) قَصَدَ (أَحَدُهُمَا) الِاصْطِدَامَ دُونَ الْآخَرِ وَمَاتَا (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (حُكْمُهُ) مِنْ التَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ إحْدَى الدَّابَّتَيْنِ ضَعِيفَةً بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَتِهَا، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَرَكَتِهَا حُكْمٌ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِي جِلْدَةِ الْعَقِبِ مَعَ الْجِرَاحَاتِ الْعَظِيمَةِ، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَوَاءٌ أَكَانَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ عَلَى فِيلٍ وَالْآخَرُ عَلَى كَبْشٍ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِحَرَكَةِ الْكَبْشِ مَعَ حَرَكَةِ الْفِيلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الْمَاشِيَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا فِي تَرِكَتِهِ (كَفَّارَتَيْنِ) إحْدَاهُمَا لِقَتْلِ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِقَتْلِ صَاحِبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إهْلَاكِ نَفْسَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَأَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَالثَّانِي عَلَى كُلٍّ كَفَّارَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ (وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا فَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ (وَ) يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ (فِي تَرِكَةِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ) أَيْ مَرْكُوبِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِتْلَافِ مَعَ هَدْرِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ يَجِيءُ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ وَلَا يَجِيءُ فِي الدِّيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَاقِلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَرَثَتَهُ وَعُدِمَتْ الْإِبِلُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 349 وَصَبِيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ كَكَامِلَيْنِ، وَقِيلَ إنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّتَانِ لَهُمَا، فَإِنْ كَانَتَا لِغَيْرِهِمَا كَالْمُعَارَتَيْنِ وَالْمُسْتَأْجَرَتَيْنِ لَمْ يُهْدَرْ مِنْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَارَ وَنَحْوَهُ مَضْمُونٌ، وَكَذَا الْمُسْتَأْجَرُ وَنَحْوُهُ إذَا أَتْلَفَهُ ذُو الْيَدِ، وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا فِي السَّفِينَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتَا لَهُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّابَّتَيْنِ وَالسَّفِينَتَيْنِ، وَكَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمُقَدَّمِ وَإِطْلَاقُ الْمُؤَخَّرِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ. أَمَّا غَيْرُ الْحُرَّيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا عَلَى الْأَثَرِ. فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمُصْطَدِمَيْنِ بَيْضَةٌ، وَهِيَ مَا تُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ فَكُسِرَتْ، فَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ بَيْضَةِ الْآخَرِ، وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلًا لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا وَمَاتَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ وَهُدِرَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْآخَرِ سَوَاءٌ أَسَقَطَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَمْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالْآخَرُ مُسْتَلْقِيًا، فَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُمَا فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَاتِلُ لَهُمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِإِرْخَاءِ الْآخَرِ الْحَبْلَ فَنِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَهُدِرَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ ظَالِمٌ فَالظَّالِمُ هَدَرٌ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْمَالِكِ، وَلَوْ كَانَ شَخْصٌ يَمْشِي فَوَقَعَ مَدَاسُهُ عَلَى مُؤَخَّرِ مَدَاسِ غَيْرِهِ وَتَمَزَّقَ لَزِمَهُ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ تَمَزَّقَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ (وَصَبِيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ) أَوْ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ فِي اصْطِدَامِهِمْ (كَكَامِلَيْنِ) فِيمَا سَبَقَ فِيهِمَا وَمِنْهُ التَّغْلِيظُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ، هَذَا إنْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَكَذَا إنْ أَرْكَبَهُمَا وَلِيُّهُمَا لِمَصْلَحَتِهِمَا وَكَانَا مِمَّنْ يَضْبِطُ الْمَرْكُوبَ (وَقِيلَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (إنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ، وَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ مَا إذَا أَرْكَبَهُمَا لِزِينَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ غَيْرِ مُهِمَّةٍ، فَإِنْ أَرْهَقَتْ إلَى إرْكَابِهِمَا حَاجَةٌ كَنَقْلِهِمَا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَطْعًا، قَالَا وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ، فَإِنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ دَابَّةً شَرِسَةً جَمُوحًا ضَمِنَ الْوَلِيُّ لِتَعَدِّيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِيمَنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَوْ أَرْكَبَهُ دَابَّةً هَادِيَةً وَهُوَ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَيْهَا تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ مَا إذَا كَانَا غَيْرَ مُمَيِّزَيْنِ كَابْنِ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَأَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ فَيَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَنْ لَا يُنْسَبَ الْوَلِيُّ إلَى تَقْصِيرٍ فِي تَرْكِ مَنْ يَكُونُ مَعَهُمَا مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرْسَالِهِ مَعَهُمَا. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا وَلِيُّ الْحَضَانَةِ الذَّكَرُ، لَا وَلِيُّ الْمَالِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبَسَطَ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ: يُشْبِهُ أَنَّهُ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ مِنْ أَبٍ وَغَيْرِهِ خَاصٍّ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْخَادِمِ ظَاهِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 350 وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا. أَوْ حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى كُلٍّ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهِمَا. أَوْ عَبْدَانِ فَهَدَرٌ   [مغني المحتاج] كَلَامِهِمْ وَلِيُّ الْمَالِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ (وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ) بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَلَوْ لِمَصْلَحَتِهِمَا (ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا) لِتَعَدِّيهِ بِإِرْكَابِهِمَا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ: إطْلَاقُهُ تَضْمِينَ الْأَجْنَبِيِّ مَا لَوْ تَعَمَّدَ الصَّبِيَّانِ الِاصْطِدَامَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْوَسِيطِ يُحْتَمَلُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَمْدَهُمَا عَمْدٌ، وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُبَاشَرَةَ ضَعِيفَةٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخِي، وَقَوْلُهُ: ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ الضَّمَانُ الْأَوَّلُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالثَّانِي عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ ضَمَانَ الْمُرْكِبِ بِذَلِكَ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيَّانِ مِمَّنْ يَضْبِطَانِ الرُّكُوبَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا كَذَلِكَ فَهُمَا كَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ، وَإِنْ وَقَعَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ ضَمِنَهُ الْمُرْكِبُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إرْكَابُهُ لِغَرَضٍ مِنْ فُرُوسِيَّةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَجْنَبِيِّ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ إذَا أَرْكَبَهُ لِهَذَا الْغَرَضِ وَكَانَ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي: لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْأَجْنَبِيِّ حَمَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرْكَبَ بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ. (أَوْ) اصْطَدَمَ (حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا) بِأَنْ أَلْقَتَا جَنِينَيْهِمَا وَمَاتَتَا (فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ) مِنْ وُجُوبِ نِصْفِهَا عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِهْدَارِ النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ مَنْسُوبٌ إلَى فِعْلِهِمَا (وَعَلَى) أَيْ وَيَجِبُ فِي تَرِكَةِ (كُلٍّ) مِنْ الْحَامِلَيْنِ (أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ وَأَنَّهَا لَا تَتَجَزَّأُ فَيَجِبُ كَفَّارَةٌ لِنَفْسِهَا، وَثَانِيَةٌ لِجَنِينِهَا، وَثَالِثَةٌ لِصَاحِبَتِهَا، وَرَابِعَةٌ لِجَنِينِهَا لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي إهْلَاكِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ. وَالثَّانِي تَجِبُ كَفَّارَتَانِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَعَلَى التَّجَزِّي (وَ) يَجِبُ (عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهِمَا) نِصْفُ غُرَّةٍ لِجَنِينِهَا وَنِصْفُ غُرَّةٍ لِجَنِينِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ إذَا جَنَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا وَجَبَتْ الْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا كَمَا لَوْ جَنَتْ عَلَى حَامِلٍ أُخْرَى وَلَا يُهْدَرُ مِنْ الْغُرَّةِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُهَا وَيُهْدَرُ نِصْفُهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا بِخِلَافِ أَنْفُسِهِمَا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ وُجُوبَ رَقِيقٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَاكَ، وَعِبَارَةُ ابْنِ يُونُسَ لَهُ أَنْ يُسَلَّمَ نِصْفُ رَقِيقٍ عَنْ وَاحِدٍ وَنِصْفُ رَقِيقٍ عَنْ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ نِصْفُ غُرَّةٍ لِهَذَا وَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْأُخْرَى. (أَوْ) اصْطَدَمَ (عَبْدَانِ) وَمَاتَا (فَهَدَرٌ) سَوَاءٌ مَاتَا مَعًا بِهَذَا الِاصْطِدَامِ أَمْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ قَبْلَ إمْكَانِ بَيْعِهِ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ قِيمَتُهُمَا أَمْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 351 أَوْ سَفِينَتَانِ فَكَدَابَّتَيْنِ، وَالْمَلَّاحَانِ كَرَاكِبَيْنِ إنْ كَانَتَا لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَالُ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ ضَمَانِهِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِهْدَارِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: الْمَغْصُوبَانِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ فِدَاءُ كُلِّ نِصْفٍ مِنْهُمَا بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ، الثَّانِيَةُ إذَا أَوْصَى أَوْ وَقَفَ عَلَى أَرْشِ مَا يَجْنِيهِ الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ مِنْهُ لِسَيِّدِ كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُ قِيمَةِ عَبْدِهِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، لَكِنَّهُ فِقْهٌ وَاضِحٌ. الثَّالِثَةُ: مَا إذَا امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا كَأَنْ كَانَا ابْنَيْ مُسْتَوْلَدَتَيْنِ، أَوْ مَوْقُوفَتَيْنِ، أَوْ مَنْذُورًا إعْتَاقُهُمَا فَلَا يُهْدَرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَالْمُسْتَوْلَدَتَيْنِ، وَحُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَتَيْنِ أَنَّ عَلَى سَيِّدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ قَدْرَ النِّصْفِ الَّذِي جَنَتْ عَلَيْهِ مُسْتَوْلَدَتُهُ لِلْآخَرِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ بِاسْتِيلَادِهَا مَنَعَ بَيْعَهَا. الرَّابِعَةُ: الْمُسْتَوْلَدَتَانِ أَيْضًا، وَاسْتِثْنَاءُ هَذِهِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ ابْنِ حَزْمٍ أَنَّ لَفْظَ الْعَبْدِ يَشْمَلُ الْأَمَةَ. أَمَّا إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ فِي رَقَبَةِ الْحَيِّ، وَكَذَا نِصْفُ قِيمَةِ مَا كَانَ مَعَهُ إنْ تَلِفَ أَيْضًا وَإِنْ أَثَّرَ فِعْلُ الْمَيِّتِ فِي الْحَيِّ نَقْصًا تَعَلَّقَ غُرْمُهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَةِ الْحَيِّ وَجَاءَ التَّقَاصُّ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَإِنْ اصْطَدَمَ عَبْدٌ وَحُرٌّ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَنِصْفُ قِيمَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَيُهْدَرُ الْبَاقِي أَوْ مَاتَ الْحُرُّ فَنِصْفُ دِيَتِهِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ مَاتَا مَعًا فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ فَاتَتْ فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِبَدَلِهَا فَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْ الْعَاقِلَةِ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَيَدْفَعُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِلْوَرَثَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ. (أَوْ) اصْطَدَمَ (سَفِينَتَانِ) وَغَرِقَتَا (فَكَدَابَّتَيْنِ) اصْطَدَمَتَا وَمَاتَتَا فِي حُكْمِهِمَا السَّابِقِ (وَالْمَلَّاحَانِ) فِيهِمَا تَثْنِيَةُ مَلَّاحٍ، وَهُوَ النُّوتِيُّ صَاحِبُ السَّفِينَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِجْرَائِهِ السَّفِينَةَ عَلَى الْمَاءِ الْمِلْحِ، حُكْمُهُمَا (كَرَاكِبَيْنِ) مَاتَا بِاصْطِدَامٍ فِي حُكْمِهِمَا السَّابِقِ (إنْ كَانَتَا) أَيْ السَّفِينَتَانِ وَمَا فِيهِمَا (لَهُمَا) فَيُهْدَرُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ سَفِينَةٍ وَنِصْفُ بَدَلِ مَا فِيهَا، فَإِنْ مَاتَا بِذَلِكَ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا كَفَّارَتَانِ كَمَا سَبَقَ وَلَزِمَ عَاقِلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ الْمَلَّاحَيْنِ كَالرَّاكِبَيْنِ مَا إذَا قَصَدَ الْمَلَّاحَانِ الِاصْطِدَامَ بِمَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ مُهْلِكًا مُغْرِقًا فَإِنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَرِكَةِ الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْمُصْطَدِمَيْنِ فَإِنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بِمَا صَدَرَ مِنْ الْمُتَعَمِّدِ دُونَ الْآخَرِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَيِّ بِنَاءً عَلَى إيجَابِ الْقِصَاصِ عَلَى شَرِيكِ جَارِحِ نَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَنْ يُقْتَلَانِ بِهِ فَعَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ إذَا مَاتَ بِذَلِكَ، فَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَرْقَى قُتِلَ بِوَاحِدٍ وَوَجَبَ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِيَاتِ الْبَاقِينَ وَضَمَانُ الْكَفَّارَاتِ بِعَدَدِ مَنْ أَهْلَكَا، وَإِنْ كَانَ الِاصْطِدَامُ لَا يُعَدُّ مُهْلِكًا غَالِبًا وَقَدْ يُهْلِكُ فَشِبْهُ عَمْدٍ فَتَجِبُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ صَبِيَّيْنِ وَأَقَامَهُمَا الْوَلِيُّ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ فِي السَّفِينَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ مِنْ الصَّبِيَّيْنِ هُنَا هُوَ الْمُهْلِكُ (فَإِنْ) كَانَتْ السَّفِينَتَانِ لَهُمَا وَ (كَانَ فِيهِمَا مَالُ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا) مِنْهُمَا (نِصْفُ ضَمَانِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ فِي يَدِ مَالِكِهِ وَهُوَ السَّفِينَةُ أَمْ لَا لِتَعَدِّيهِمَا، وَيَتَخَيَّرُ الْأَجْنَبِيُّ بَيْنَ أَخْذِ جَمِيعِ بَدَلِ مَالِهِ مِنْ أَحَدِ الْمَلَّاحِينَ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْآخَرِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 352 وَإِنْ كَانَتَا لِأَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا. وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ جَازَ طَرْحُ مَتَاعِهَا، وَيَجِبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ،   [مغني المحتاج] نِصْفَهُ مِنْهُ وَنِصْفَهُ مِنْ الْآخَر، فَإِنْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ رَقِيقَيْنِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِمَا (وَإِنْ كَانَتَا لِأَجْنَبِيٍّ) وَالْمَلَّاحَانِ فِيهِمَا أَمِينَيْنِ أَوْ أَجِيرَيْنِ لِلْمَالِكِ (لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا) لِأَنَّ مَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا يُهْدَرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَتَخَيَّرُ كُلٌّ مِنْ الْمَالِكَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ قِيمَةِ سَفِينَتِهِ مِنْ مَلَّاحِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ هُوَ بِنِصْفِهَا عَلَى الْمَلَّاحِ الْآخَرِ، أَوْ يَأْخُذُ نِصْفَهَا مِنْهُ وَنِصْفَهَا مِنْ الْمَلَّاحِ الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ الْمَلَّاحَانِ رَقِيقَيْنِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الِاصْطِدَامُ بِفِعْلِهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَصَّرَا فِي الضَّبْطِ، أَوْ سَيْرًا فِي رِيحٍ شَدِيدٍ، فَإِنْ حَصَلَ الِاصْطِدَامُ بِغَلَبَةِ الرِّيحِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَظْهَرِ، بِخِلَافِ غَلَبَةِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ الضَّبْطَ ثَمَّ مُمْكِنٌ بِاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا بِيَمِينِهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي أَنَّهُمَا غُلِبَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا وَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا أَوْ فَرَّطَ دُونَ الْآخَرِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَرْبُوطَةً فَالضَّمَانُ عَلَى مُجْرِي السَّائِرَةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ خَرَقَ شَخْصٌ سَفِينَتَهُ عَامِدًا خَرْقًا يُهْلِكُ غَالِبًا كَالْخَرْقِ الْوَاسِعِ الَّذِي لَا مَدْفَعَ لَهُ فَغَرِقَ بِهِ إنْسَانٌ فَالْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْخَارِقِ، وَإِنْ خَرَقَهَا لِإِصْلَاحِهَا أَوْ لِغَيْرِ إصْلَاحِهَا لَكِنْ لَا يُهْلِكُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ حَجَرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَخَرَقَهَا أَوْ أَصَابَ بِالْآلَةِ غَيْرَ مَوْضِعِ الْإِصْلَاحِ فَخَطَأٌ مَحْضٌ، وَلَوْ ثُقِّلَتْ سَفِينَةٌ بِتِسْعَةِ أَعْدَالٍ فَأَلْقَى إنْسَانٌ فِيهَا عَاشِرًا عُدْوَانًا فَغَرِقَتْ بِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ الْغَرَقَ حَصَلَ بِثِقَلِ الْجَمِيعِ وَهَلْ يَضْمَنُ النِّصْفَ أَوْ الْعُشْرَ؟ وَجْهَانِ: كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْجِلْدِ إذَا زَادَ عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْعُشْرِ. (وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ) وَفِيهَا مَتَاعٌ وَرَاكِبٌ (جَازَ) لِرَاكِبِهَا (طَرْحُ مَتَاعِهَا) فِي الْبَحْرِ حِفْظًا لِلرُّوحِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ طَرْحُ جَمِيعِ الْمَتَاعِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ غَرَقُهَا إلَّا بِهِ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِطَرْحِ بَعْضِهِ وَجَبَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ (وَيَجِبُ) طَرْحُهُ (لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ) الْمُحْتَرَمِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: تَعْبِيرُهُ بِالْمَتَاعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءَ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ إلْقَاءُ الْحَيَوَانِ وَلَوْ مُحْتَرَمًا لِسَلَامَةِ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْغَرَقِ بِغَيْرِ إلْقَائِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهُ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ أَسْرَى مِنْ الْكُفَّارِ وَظَهَرَ لِلْأَمِيرِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي قَتْلِهِمْ فَيَبْدَأُ بِإِلْقَائِهِمْ قَبْلَ الْأَمْتِعَةِ وَقَبْلَ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ أَيْضًا أَنْ يُرَاعِيَ فِي الْإِلْقَاءِ الْأَخَسَّ فَالْأَخَسَّ قِيمَةً مِنْ الْمَتَاعِ وَالْحَيَوَانِ إنْ أَمْكَنَ حِفْظًا لِلْمَالِ مَا أَمْكَنَ. الثَّانِي لَا يَجُوزُ إلْقَاء الْأَرِقَّاءِ لِسَلَامَةِ الْأَحْرَارِ، بَلْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يُلْقِ مَنْ لَزِمَهُ الْإِلْقَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 353 فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ ضَمِنَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَك وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ضَمِنَهُ.   [مغني المحتاج] حَتَّى غَرِقَتْ السَّفِينَةُ فَهَلَكَ بِهِ شَيْءٌ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُطْعِمْ مَالِكُ الطَّعَامِ الْمُضْطَرَّ حَتَّى مَاتَ. الثَّالِثُ لَمْ يُمَيِّزْ الْمُصَنِّفُ حَالَةَ الْوُجُوبِ مِنْ حَالَةِ الْجَوَازِ، وَقَوْلُهُ: لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ، إنْ كَانَ تَعْلِيلًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَيْفَ تَصْلُحُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الْوَاحِدَةُ لِلْجَوَازِ تَارَةً وَلِلْوُجُوبِ أُخْرَى؟ . وَإِنْ كَانَ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْجَوَازُ بِدُونِ ذَلِكَ؟ وَالْقِيَاسُ الْوُجُوبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ إنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي ذَلِكَ: إنْ حَصَلَ هَوْلٌ خِيفَ مِنْهُ الْهَلَاكُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ جَازَ الْإِلْقَاءُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ وَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ بِالطَّرْحِ وَجَبَ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُمْ: إنَّهُ يُطْرَحَ الْأَخَفُّ قِيمَةً وَمَا لَا رُوحَ فِيهِ لِتَخْلِيصِ ذِي الرُّوحِ فَإِنَّهُ إنْ جُعِلَتْ الْحِيرَةُ فِي عَيْنِ الْمَطْرُوحِ لِلْمَلَّاحِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِ صَاحِبِهِ فَقَدْ لَا يَأْذَنُ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ. ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمَالِكِ فِي حَالِ الْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ، فَلَوْ كَانَتْ لِمَحْجُورٍ لَمْ يَجُزْ إلْقَاؤُهَا فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ وَيَجِبُ فِي مَحَلِّ الْوُجُوبِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ مَرْهُونَةً أَوْ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، أَوْ لِمُكَاتَبٍ، أَوْ لِعَبْدٍ مَأْذُونٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَجَبَ إلْقَاؤُهَا فِي مَحَلِّ الْوُجُوبِ وَامْتَنَعَ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، أَوْ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبِ، أَوْ السَّيِّدِ وَالْمَأْذُونِ وَالْغُرَمَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ أَلْقَى الْوَلِيُّ فِي مَحَلِّ الْجَوَازِ بَعْضَ أَمْتِعَةِ مَحْجُورِهِ لِيَسْلَمَ بِهِ بَاقِيهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ فِيمَا لَوْ خَافَ الْوَلِيُّ اسْتِيلَاءَ غَاصِبٍ عَلَى الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا لِتَخْلِيصِهِ جَوَازَهُ هُنَا، وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ إلْقَاءُ الْمَالِ وَلَوْ مَالَهُ بِلَا خَوْفٍ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ (فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ وَلَوْ فِي حَالِ الْخَوْفِ (ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْجِئَهُ إلَى إتْلَافِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ طَرَحَهُ بِإِذْنِهِ، أَوْ أَلْقَى مَالَ نَفْسِهِ، وَلَوْ اخْتَصَّ الْخَوْفُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ بِالشَّطِّ أَوْ بِزَوْرَقٍ (فَلَا) ضَمَانَ لِلْإِذْنِ الْمُبِيحِ فِي الْأُولَى، وَلِإِلْقَائِهِ مَالَ نَفْسِهِ فِي الثَّانِيَة، وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَمَا مَرَّ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ حِينَئِذٍ مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إذَا أَطْعَمَهُ مَالِكُ الطَّعَامِ قَهْرًا بِأَنَّ الْمُطْعِمَ ثَمَّ دَافِعٌ لِلتَّلَفِ لَا مَحَالَةَ، بِخِلَافِ الْمُلْقِي. (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ فِي سَفِينَةٍ (أَلْقِ مَتَاعَك) فِي الْبَحْرِ (وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ) لَهُ، أَوْ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ (ضَمِنَهُ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُلْتَمِسِ فِيهَا شَيْءٌ وَلَمْ تَحْصُلْ النَّجَاةُ؛ لِأَنَّهُ الْتَمَسَ إتْلَافًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِعِوَضٍ فَيَلْزَمُهُ، كَمَا إذَا قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ وَعَلَيَّ كَذَا، أَوْ طَلِّقْ زَوْجَتَكَ، أَوْ أَطْلِقْ الْأَسِيرَ، أَوْ اُعْفُ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك كَذَا فَأَجَابَ سُؤَالَهُ فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ الِافْتِدَاءُ مِنْ الْهَلَاكِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَطْعِمْ هَذَا الْجَائِعَ وَلَكَ عَلَيَّ كَذَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 354 وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَلْقِ فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ لِخَوْفِ غَرَقٍ، وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يُشِيرَ إلَى مَا يُلْقِيهِ، أَوْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ إلَّا مَا يُلْقِيهِ بِحَضْرَتِهِ مَمْنُوعٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَرْعٌ: لَوْ أَلْقَى الْمَتَاعَ شَخْصٌ أَجْنَبِيٌّ بَعْدَ الضَّمَانِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَدْعَى، وَكَذَا لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ، وَلَا بُدَّ فِي الضَّمَانِ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الِالْتِزَامِ فَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِلْقَاءِ لَمْ يَضْمَنُ (وَلَوْ اقْتَصَرَ) الْمُلْتَمِسُ (عَلَى) قَوْلِهِ (أَلْقِ) مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ (فَلَا) ضَمَانَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي فِيهِ الضَّمَانُ كَقَوْلِهِ: أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ بِالْقَضَاءِ بَرِئَ قَطْعًا، وَالْإِلْقَاءُ قَدْ لَا يَنْفَعُهُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَأْمُورِ بِإِلْقَاءِ مَالِهِ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ أَوْ لَا فَرْقَ؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ عَدَمُ الْفَرْقِ، لَكِنَّهُمْ فِي مَوَاضِعَ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ. وَلَوْ أَلْقَى صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ بِلَا اسْتِدْعَاءٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرُّكْبَانِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْإِلْقَاءُ (وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ) مِنْ مَالِكِهِ طَرْحَ مَتَاعِهِ (لِخَوْفِ غَرَقٍ) لِلسَّفِينَةِ فَفِي حَالَةِ الْأَمْنِ لَا ضَمَانَ، سَوَاءٌ أَقَالَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ أَمْ لَا: كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اهْدِمْ دَارَكَ أَوْ أَحْرِقْ مَتَاعَكَ فَفَعَلَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْخَوْفُ وَلَكِنَّهُ مُتَوَقَّعٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي تَخْرِيجُ خِلَافٍ فِيهِ مِنْ تَنْزِيلِ الْمُتَوَقَّعِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الضَّمَانِ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِشَرْطِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي) وَهُوَ مَالِكُ الْمَتَاعِ بِأَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى الْغَرَقِ غَيْرُهُ، وَهَذَا صَادِقٌ بِسِتِّ صُوَرٍ: الْأُولَى أَنْ يَخْتَصَّ النَّفْعُ بِالْمُلْتَمِسِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعُودَ لَهُ وَلِمَالِكِ الْمَتَاعِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْتَصَّ بِغَيْرِهِمَا. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْتَصَّ بِمَالِكِ الْمَتَاعِ وَأَجْنَبِيٍّ. الْخَامِسَةُ: أَنْ يَعُودَ لِلْمُلْتَمِسِ وَأَجْنَبِيٍّ. السَّادِسَةُ: أَنْ يَعُمَّ الثَّلَاثَةَ، وَفِي جَمِيعهَا يَضْمَنُ الْمُلْتَمِسُ وَلَمْ يُصَرِّحَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِالثَّانِيَةِ وَلَا السَّادِسَةِ، أَمَّا إذَا اخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالْمُلْقِي وَحْدَهُ بِأَنْ أَشْرَفَتْ سَفِينَتُهُ عَلَى الْغَرَقِ وَفِيهَا مَتَاعُهُ، فَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ الشَّطِّ أَلْقِ مَتَاعَكَ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَأَلْقَاهُ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِلْقَاءُ لِحِفْظِ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ عِوَضًا: كَمَا لَوْ قَالَ لِلْمُضْطَرِّ: كُلْ طَعَامَكَ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَأَكَلَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُلْتَمِسِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ، أَوْ عَلَى أَنِّي أَضْمَنُهُ أَنَا وَرُكَّابُهَا، أَوْ أَنَا ضَامِنٌ لَهُ وَهُمْ ضَامِنُونَ، أَوْ أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ لَهُ كُلٌّ مِنَّا عَلَى الْكَمَالِ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ ضَامِنٌ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، أَوْ قَالَ: أَنَا وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ ضَامِنُونَ لَهُ لَزِمَهُ قِسْطُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مَعَهُ كُلٌّ مِنَّا بِالْحِصَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 355 وَلَوْ عَادَ حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاتِهِ هُدِرَ قِسْطُهُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَاقِينَ الْبَاقِي،   [مغني المحتاج] ضَمَانٍ سَبَقَ مِنْهُمْ فَصَدَّقُوهُ فِيهِ لَزِمَهُمْ، وَإِنْ أَنْكَرُوا صُدِّقُوا، وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْشَأْتُ عَنْهُمْ الضَّمَانَ ثِقَةً بِرِضَاهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُمْ وَإِنْ رَضُوا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تُوقَفُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَهُمْ ضُمَنَاءُ وَضَمِنْتُ عَنْهُمْ بِإِذْنِهِمْ طُولِبَ بِالْجَمِيعِ، فَإِنْ أَنْكَرُوا الْإِذْنَ فَهُمْ الْمُصَدَّقُونَ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهُ وَأُصَحِّحُهُ وَأُخَلِّصُهُ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِي لَزِمَهُ الْجَمِيعُ، كَمَا لَوْ قَالَ اخْتَلِعْهَا عَلَى أَلْفٍ أُصَحِّحُهَا لَكَ وَأَضْمَنُهَا لَكَ مِنْ مَالِهَا تَلْزَمُهُ الْأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ الضَّمَانِ وَعَلَى فُلَانٍ ثُلُثُهُ وَعَلَى فُلَانٍ سُدُسُهُ لَزِمَهُ النِّصْفُ فَقَطْ لِأَنَّهُ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا وَهُمْ ضَامِنُونَ لَهُ ثُمَّ بَاشَرَ الْإِلْقَاءَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ ضَمِنَ الْجَمِيعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ نَصُّ الْأُمِّ، وَقِيلَ بِالْقِسْطِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ اللَّفْظِ، وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِعَمْرٍو: أَلْقِ مَتَاعَ زَيْدٍ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ فَفَعَلَ ضَمِنَ عَمْرٌو دُونَ الْآخَر لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَضْمُونِ أَهُوَ الْمِثْلُ وَلَوْ صُورَةً كَالْقَرْضِ أَوْ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَوْ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا؟ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُلْقَى حَيْثُ أَوْجَبْنَاهَا قُبَيْلَ هَيَجَانِ الْبَحْرِ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَا تُجْعَلُ قِيمَتُهُ فِي الْبَحْرِ مَعَ الْخَطَرِ كَقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَخِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْقَى مِثْلِيًّا وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا فِي إيجَابِ الْمِثْلِ مِنْ الْإِجْحَافِ، وَعَلَّلَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لِمُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ إلَّا مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ وَذَلِكَ بَعِيدٌ، وَجَزَمَ فِي الْكِفَايَةِ بِالْوَسَطِ وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ ضَمِنَ الْآمِرُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَفَظَ الْبَحْرُ الْمَتَاعَ الْمُلْقَى فِيهِ عَلَى السَّاحِلِ فَظَفِرْنَا بِهِ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَاسْتَرَدَّ الضَّامِنُ مِنْهُ عَيْنَ مَا أَعْطَى إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا مَا سِوَى الْأَرْشِ الْحَاصِلِ بِالْغَرَقِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ وَاضِحٌ. (وَلَوْ عَادَ) أَيْ رَجَعَ (حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ فِي الْأَشْهَرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ: آلَةٌ تُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ، وَحُكِيَ كَسْرُ الْمِيمِ وَمَنْجَنُوقٍ بِالْوَاوِ وَمَنْجَلِيقٍ بِاللَّامِ، وَاخْتَلَفُوا فِي زِيَادَةِ مِيمِهِ وَنُونِهِ، فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إلَى أَنَّ مِيمَهُ أَصْلِيَّةٌ وَنُونَهُ زَائِدَةٌ، وَلِذَلِكَ تَثْبُتُ فِي الْجَمْعِ (فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاتِهِ) وَكَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا (هُدِرَ قِسْطُهُ) مِنْ دِيَتِهِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ عُشْرُهَا (وَعَلَى عَاقِلَةِ) كُلٍّ مِنْ التِّسْعَةِ (الْبَاقِينَ الْبَاقِي) مِنْ دِيَتِهِ، وَهُوَ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ عُشْرُهَا لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِهِمْ فَسَقَطَ مَا قَابَلَ فِعْلَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ مَدّ مَعَهُمْ الْحِبَالَ وَرَمَى بِالْحَجَرِ، أَمَّا مَنْ أَمْسَكَ خَشَبَةُ الْمَنْجَنِيقِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ أَوْ وَضَعَ الْحَجَرَ فِي الْكِفَّةِ وَلَمْ يَمُدَّ الْحِبَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ وَالْمُبَاشِرُ غَيْرُهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 356 أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ فَخَطَأٌ أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ. [فَصْلٌ] دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ،   [مغني المحتاج] الْعَاقِلَةِ مَا لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ صَنَعَهُ رُفَقَاؤُهُ وَقَصَدُوا الرَّفِيقَ الْمَذْكُورَ لِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ وَغَلَبَتْ إصَابَتُهُمْ فَهُوَ عَمْدٌ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بَلْ هُوَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ مُخْطِئٍ. قَالَ: وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ صَوَّرْنَاهُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ (أَوْ) قَتَلَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ (غَيْرَهُمْ) أَيْ الرُّمَاةِ (وَلَمْ يَقْصِدُوهُ) أَيْ الْغَيْرَ (فَخَطَأٌ) قَتْلُهُ يُوجِبُ الدِّيَةَ الْمُخَفَّفَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ) قَتْلُهُ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِمْ أَيْ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ فِي مَالِهِمْ (إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ) مِنْهُمْ لِانْطِبَاقِهِ حِينَئِذٍ عَلَى حَدِّ الْعَمْدِ. وَالثَّانِي شِبْهُ عَمْدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدُ مُعَيَّنٍ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ هَذَا، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ عَمَّا إذَا لَمْ تَغْلِبْ إصَابَتُهُ بِأَنْ غَلَبَ عَدَمُهَا أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَإِنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَصَدُوا غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ الْجَمَاعَةِ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ يَعْتَمِدُ قَصْدَ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِهِ: اُقْتُلْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ. [فَصْلٌ فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ] [فَصْلٌ] فِي الْعَاقِلَةِ وَكَيْفِيَّةِ تَأْجِيلِ مَا تَحْمِلُهُ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (دِيَةُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ) فِي الْأَطْرَافِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا فِي نَفْسِ غَيْرِ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ، وَكَذَا الْحُكُومَاتُ وَالْغُرَّةُ (تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ) لَا الْجَانِيَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَذَكَرَهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مِنْ زِيَادَةِ الْكُتَّابِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فَقَطْ، وَلَوْ عَكَسَ كَانَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوُجُوبَ لَا يُلَاقِي الْجَانِيَ أَوَّلًا، بَلْ يُلَاقِي الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَتَحَمَّلُونَهَا إعَانَةً لَهُ كَقَضَاءِ دَيْنِ مَنْ غَرِمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَتَغْرِيمُ غَيْرِ الْجَانِي خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ، لَكِنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَمْنَعُونَ مَنْ جَنَى مِنْهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ أَنْ يَدْنُوا مِنْهُ وَيَأْخُذُوا بِثَأْرِهِمْ فَجَعَلَ الشَّارِعُ بَدَلَ تِلْكَ النُّصْرَةِ بَذْلَ الْمَالِ، وَخَصَّ ذَلِكَ بِالْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ لِكَثْرَتِهِمَا، سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ يَتَعَاطَى حَمْلَ السِّلَاحِ فَأُعِينَ كَيْ لَا يَفْتَقِرَ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بَيِّنَةٌ بِالْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَوْ اعْتَرَفَ بِهِ فَصَدَّقُوهُ وَإِنْ كَذَّبُوهُ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ يَحْلِفُونَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِذَا حَلَفُوا وَجَبَ عَلَى الْمُقِرِّ، وَهَذَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ. أَمَّا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ. فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَيْءٌ. هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَقَتَلَ خَطَأً تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 357 وَهُمْ عَصَبَتُهُ إلَّا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ وَقِيلَ يَعْقِلُ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ، وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ، ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ   [مغني المحتاج] عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ كَالْخَطَإِ فِي ذَلِكَ، وَجِهَاتُ تَحَمُّلِ الدِّيَةِ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ وَوَلَاءٌ وَبَيْتُ مَالٍ لَا غَيْرُهَا كَزَوْجِيَّةٍ وَمُحَالَفَةٍ وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ. وَلَا الْعَدِيدُ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ جِهَاتِ التَّحَمُّلِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (وَهُمْ عَصَبَتُهُ) أَيْ الْجَانِي الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِالنَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ لِمَا فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ أَوَائِلَ كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي رِوَايَةٍ، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَاتِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ، وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ. قَالَ وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ وَإِنْ أَيْسَرَا لَا يَحْمِلَانِ شَيْئًا، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ عِنْدِي اهـ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَصْلَ الْجَانِي وَفَرْعَهُ، فَقَالَ (إلَّا الْأَصْلَ) مِنْ أَبٍ وَإِنْ عَلَا (وَ) إلَّا (الْفَرْعَ) مِنْ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ، فَكَمَا لَا يَتَحَمَّلُ الْجَانِي لَا يَتَحَمَّلُ أَبْعَاضُهُ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ «لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَيْ جَرِيمَةِ ابْنِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد فِي خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ السَّابِقِ " وَبَرَّأَ الْوَلَدَ " أَيْ مِنْ الْعَقْلِ، وَقِيسَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ (وَقِيلَ يَعْقِلُ) عَنْ الْمَرْأَةِ الْقَاتِلَةِ (ابْنٌ) لَهَا (هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا) أَوْ ابْنُ مُعْتِقِهَا كَمَا يَلِي نِكَاحَهَا، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ مَوْجُودَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ أَنَّ الْبُنُوَّةَ هُنَا مَانِعَةٌ وَهُنَاكَ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لَا مَانِعَةٍ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُقْتَضَى عَمِلَ عَمَلَهُ (وَيُقَدَّمُ) فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مِنْ الْعَصَبَةِ (الْأَقْرَبُ) فَالْأَقْرَبُ عَلَى الْأَبْعَدِ مِنْهُمْ، وَالْأَقْرَبُ الْأُخُوَّةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا، ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ، ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا (فَإِنْ) لَمْ يُوفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ بِأَنْ (بَقِيَ) مِنْهُ (شَيْءٌ فَمَنْ) أَيْ فَيُوَزَّعُ الْبَاقِي عَلَى مَنْ (يَلِيهِ) الْأَقْرَبُ ثُمَّ عَلَى مَنْ يَلِيهِ وَهَكَذَا (وَ) يُقَدَّمُ مِمَّنْ ذُكِرَ (مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ) عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ عَلَى الْجَدِيدِ كَالْإِرْثِ (وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأُنُوثَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ (ثُمَّ) بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ إنْ فُقِدُوا أَوْ لَمْ يُوَفَّ مَا عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ فِي الْجِنَايَةِ يُقَدَّمُ (مُعْتِقٌ) ذَكَرٌ لِخَبَرِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (ثُمَّ) إنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ أَوْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ تُقَدَّمُ (عَصَبَتُهُ) مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ كَمَا مَرَّ فِي أَصْلِ الْجَانِي، وَفَرْعُهُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ " أَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ " لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهَا دُونَ ابْنِهَا الزُّبَيْرِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، وَقِيسَ بِالِابْنِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَبْعَاضِ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُمَا يَدْخُلَانِ. قَالَ: لِأَنَّ الْمُعْتِقَ يَتَحَمَّلُ فَهُمَا كَالْمُعْتِقِ لَا كَالْجَانِي وَلَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَانِي بِأَصْلِيَّةٍ وَلَا فَرْعِيَّةٍ. وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُعْتِقِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجِنَايَةِ، وَيَكْفِي هَذَا إسْنَادُهُ لِلْمَنْقُولِ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ مُشْكِلٌ (ثُمَّ مُعْتِقُهُ) أَيْ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ (ثُمَّ عَصَبَتُهُ) كَذَلِكَ وَهَكَذَا مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 358 وَإِلَّا فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ وَكَذَا أَبَدًا، وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ. وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ عَقَلَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِ،   [مغني المحتاج] عَلَى مَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقٌ وَلَا عَصَبَةٌ (فَمُعْتِقُ أَبِي الْجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ) مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ (ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ) غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، وَعَبَّرَ الْمُحَرَّرُ بِثُمَّ، وَهُوَ أَوْلَى (وَكَذَا أَبَدًا) إذَا لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقُ الْأَبِ وَلَا عَصَبَتُهُ يَتَحَمَّلُ مُعْتِقُ الْجَدِّ ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي كَالْإِرْثِ، وَيُفَارِقُ الْأَخْذُ مِنْ الْبَعِيدِ إذَا لَمْ يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ الْإِرْثَ حَيْثُ يَحُوزُهُ الْأَقْرَبُ بِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِمِيرَاثِ الْعَصَبَةِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ هُنَا فَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعِهِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ ضَرَبْنَا عَلَى الْمُعْتِقِ فَبَقِيَ شَيْءٌ يُضْرَبُ عَلَى عَصَبَتِهِ فِي حَيَاتِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الصَّغِيرِ بِرُجْحَانِ عَدَمِ الضَّرْبِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْقِيَاسُ (وَعَتِيقُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ الْجَانِي (يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا) وَلَا يُضْرَبُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَقْلَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهَا مَنْ يَتَحَمَّلُ جِنَايَتَهَا مِنْ عَصَبَاتِهَا كَمَا يُزَوِّجُ عَتِيقَهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا إلْحَاقًا لِلْعَقْلِ بِالتَّزْوِيجِ لِعَجْزِهَا عَنْ الْأَمْرَيْنِ (وَمُعْتِقُونَ) فِي تَحَمُّلِهِمْ جِنَايَةَ عَتِيقِهِمْ (كَمُعْتِقٍ) وَاحِدٍ فِيمَا عَلَيْهِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ نِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِجَمِيعِهِمْ لَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ (وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ) فِي حَيَاتِهِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وُزِّعَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ الْمَيِّتُ يَحْمِلُهُ؟ . أُجِيبَ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمْ تَوَزُّعَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلَا يَرِثُونَ الْوَلَاءَ مِنْ الْمَيِّتِ بَلْ يَرِثُونَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِكَوْنِ الْمُعْتِقِ جَمْعًا، فَلَوْ كَانَ وَاحِدًا وَمَاتَ عَنْهُ إخْوَةٌ مَثَلًا ضُرِبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ الْمَيِّتُ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ. (وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ) عَنْ مُعْتِقِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَا يَرِثُ، وَالثَّانِي يَعْقِلُ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لِأَنَّ الْعَقْلَ لِلنُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ، وَالْعَتِيقُ أَوْلَى بِهِمَا. أَمَّا عَصَبَةُ الْعَتِيقِ فَلَا تَعْقِلُ عَنْ مُعْتِقِهِ قَطْعًا (فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ) مِمَّنْ ذُكِرَ (أَوْ) وُجِدَ، وَ (لَمْ يَفِ) مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ (عَقَلَ) ذَوُو الْأَرْحَامِ إنْ قُلْنَا بِتَوْرِيثِهِمْ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرَائِضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ ذَكَرًا غَيْرَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ، فَإِنْ انْتَظَمَ عَقَلَ (بَيْتُ الْمَالِ عَنْ) الْجَانِي (الْمُسْلِمِ) كَمَا يَرِثُهُ، وَلِخَبَرِ «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالْمُسْلِمُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْمُعَاهِدِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِيهِ مَا لَهُمْ فَيْئًا، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَا لَهُمْ مُؤَجَّلَةً، فَإِنْ مَاتُوا حَلَّتْ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 359 فَإِنْ فُقِدَ فَكُلُّهُ عَلَى الْجَانِي فِي الْأَظْهَرِ. وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ عَقْلِ بَيْتِ الْمَالِ اللَّقِيطُ إذَا جُنِيَ عَلَى نَفْسِهِ خَطَأً وَفُقِدَتْ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ، فَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي بَابِ اللَّقِيطِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِهَا مِنْهُ لِتُعَادَ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا بَيْتُ الْمَالِ كَذَلِكَ (فَإِنْ فُقِدَ) بَيْتُ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ، أَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُهُ بِحَيْلُولَةِ الظَّلَمَةِ دُونَهُ أَوْ لَمْ يَفِ (فَكُلُّهُ) أَيْ الْوَاجِبِ أَوْ الْبَاقِي مِنْهُ (عَلَى الْجَانِي فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّ الْجَانِيَ لَا يَحْمِلُ مَعَ وُجُودِ مَنْ ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مَتَى وُزِّعَ الْوَاجِبُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَفَضَلَ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى الْجَانِي مُؤَجَّلًا عَلَيْهِ كَالْعَاقِلَةِ، وَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي صُوَرٍ أُخَرُ، مِنْهَا مَا لَوْ جَرَحَ ابْنُ عَتِيقَةٍ أَبُوهُ رَقِيقٌ شَخْصًا خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ بِعِتْقِهِ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَعَلَى الْجَانِي لِحُصُولِ السِّرَايَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِجِنَايَةٍ قَبْلَهُ، لَا عَلَى مَوَالِي أَبِيهِ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ عَلَى الِانْجِرَارِ، وَلَا عَلَى مَوَالِي أُمِّهِ لِانْتِقَالِ الْوَلَاءِ عَنْهُمْ قَبْلَ وُجُوبِهِ، وَلَا بَيْتِ الْمَالِ لِوُجُودِ جِهَةِ الْوَلَاءِ بِكُلِّ حَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِأَنْ سَاوَى أَرْشُ الْجُرْحِ الدِّيَةَ: كَأَنْ قَطَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ ثُمَّ مَاتَ الْجَرِيحُ فَعَلَى مَوَالِي الْأُمِّ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ الْجُرْحَ حِينَ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ يُوجِبُ هَذَا الْقَدْرَ، وَلَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجَارِحُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ عِتْقِ أَبِيهِ وَمَاتَ الْجَرِيحُ سِرَايَةً مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ لَزِمَ مَوَالِيَ الْأُمِّ أَرْشُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَلَزِمَ مَوَالِيَ الْأَبِ بَاقِيَ الدِّيَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ شَخْصًا خَطَأً وَمَاتَ الْجَرِيحُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ مَا يَخُصُّ الْجُرْحَ وَبَاقِي الدِّيَةِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ كَأَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِمَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ، وَلَوْ جَرَحَهُ هَذَا الْجَارِحُ ثَانِيًا خَطَأً بَعْدَ إسْلَامِهِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الذِّمِّيِّينَ أَرْشُ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بَاقِي الدِّيَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ رَمَى شَخْصٌ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ تَخَلَّلَتْ مِنْهُ رِدَّةٌ أَوْ إسْلَامٌ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِوِلَايَةِ النِّكَاحِ مَعَ الْفِعْلِ إلَى الْفَوَاتِ. (وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْقَاضِي (دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ) بِإِسْلَامٍ وَحُرِّيَّةٍ وَذُكُورِيَّةٍ (ثَلَاثَ سِنِينَ) بِنَصْبِ ثَلَاثٍ (فِي) آخِرِ (كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ) مِنْ الدِّيَةِ. أَمَّا كَوْنُهَا فِي ثَلَاثٍ فَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَضَاءِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعَزَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى قَضَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثًا فَتَوْزِيعًا لَهَا عَلَى السِّنِينَ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ الْفَوَائِدَ كَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ تَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ فَاعْتُبِرَ مُضِيُّهَا لِيَجْتَمِعَ عِنْدَهُمْ مَا يَتَوَقَّعُونَهُ فَيُوَاسُونَ عَنْ تَمَكُّنٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 360 وَذِمِّيٍّ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثًا، وَامْرَأَةٍ سَنَتَيْنِ فِي الْأُولَى ثُلُثٌ، وَقِيلَ ثَلَاثًا. وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ، فَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ فِي ثَلَاثٍ. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَفِي ثَلَاثٍ، وَقِيلَ سِتٌّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: تُؤَجَّلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْجِيلٍ بِضَرْبِ الْحَاكِمِ، وَلَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَاقِلَةِ يُخْرِجُ بَيْتَ الْمَالِ وَالْجَانِيَ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً، وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِتَأْجِيلِهَا عَلَى الْجَانِي إذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يُخَالِفُهُمْ إلَّا فِي أَمْرَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ عِنْدَ الْحَوْلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُطَالَبُ إلَّا بِنِصْفِ دِينَارٍ أَوْ رُبُعٍ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يَحِلُّ الْأَجَلُ عَلَى الْأَصَحِّ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَالْوُجُوبُ عَلَى الْجَانِي سَبِيلُهُ صِيَانَةُ الْحَقِّ مِنْ الضَّيَاعِ فَلَا يَسْقُطُ كَيْ لَا يَضِيعَ. وَلَمَّا كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي مَعْنَى تَأْجِيلِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَوْنَهَا بَدَلَ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَأَنَّ مُقَابَلَةَ كَوْنِهَا بَدَلَ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ أَشَارَ إلَى مَسَائِلَ تَظْهَرُ فِيهَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ، فَقَالَ (وَ) تُؤَجَّلُ دِيَةُ (ذِمِّيٍّ) عَلَى الْأَصَحِّ (سَنَةً) لِأَنَّهَا قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةِ مُسْلِمٍ (وَقِيلَ) تُؤَجَّلُ (ثَلَاثًا) أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ (وَ) تُؤَجَّلُ دِيَةُ (امْرَأَةٍ) مُسْلِمَةٍ (سَنَتَيْنِ فِي) آخِرِ (الْأُولَى) مِنْهُمَا (ثُلُثٌ) مِنْ دِيَةِ نَفْسٍ كَامِلَةٍ، وَالْبَاقِي آخِرَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (وَقِيلَ) تُؤَجَّلُ دِيَتُهَا (ثَلَاثًا) أَيْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ. تَنْبِيهٌ: الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ. (وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ) أَيْ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُرِّ، لَكِنْ بِقِيمَتِهِ خَطَأً وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ (فِي الْأَظْهَرِ) الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ وَتَعَلَّقَ قِصَاصٌ وَكَفَّارَةٌ فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَالثَّانِي لَا تَحْمِلُهُ بَلْ هِيَ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَأَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ فَأَقَلَّ ضُرِبَتْ فِي سَنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ (فَفِي) آخِرِ (كُلِّ سَنَةٍ) يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ (قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ) كَامِلَةٍ نَظَرًا إلَى الْمِقْدَارِ (وَقِيلَ) تُؤْخَذُ كُلُّهَا (فِي ثَلَاثٍ) مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّهَا بَدَلُ نَفْسٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الْعَاقِلَةُ وَالسَّيِّدُ فِي قِيمَتِهِ صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ لِكَوْنِهِمْ غَارِمِينَ. (وَلَوْ قَتَلَ) شَخْصٌ (رَجُلَيْنِ) مَثَلًا كَامِلَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا (فَفِي) أَيْ فَتُؤَجَّلُ دِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي (ثَلَاثٍ) مِنْ السِّنِينَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دِيَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَالْمُسْتَحِقُّ يَخْتَلِفُ، فَلَا يُؤَخَّرُ حَقُّ وَاحِدٍ بِاسْتِحْقَاقِ آخَرَ كَالدُّيُونِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ آجَالِهَا (وَقِيلَ) تُؤَجَّلُ دِيَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي (سِتٍّ) فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ سُدُسِ دِيَةٍ لِأَنَّ بَدَلَ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ يُضْرَبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَيُزَادُ لِلْأُخْرَى مِثْلُهَا وَفِي عَكْسِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَهِيَ مَا لَوْ قَتَلَ اثْنَانِ وَاحِدًا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فِي سَنَتَيْنِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمُسْتَحِقِّ. وَالثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا كُلَّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 361 وَالْأَطْرَافُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ كُلُّهَا فِي سَنَةٍ وَأَجَلُ النَّفْسِ مِنْ الزُّهُوقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِنَايَةِ، وَمَنْ مَاتَ فِي بَعْضِ سَنَةٍ سَقَطَ. وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ   [مغني المحتاج] سَنَةٍ ثُلُثُ مَا يَخُصُّهُ كَجَمِيعِ الدِّيَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ امْرَأَتَيْنِ أُجِّلَتْ دِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي سَنَتَيْنِ لِمَا مَرَّ (وَالْأَطْرَافُ) كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالْحُكُومَاتُ وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ تُؤَجَّلُ (فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرَ ثُلُثِ دِيَةٍ) كَامِلَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ دِيَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثُلُثَيْهَا ضُرِبَ فِي سَنَتَيْنِ وَأُخِذَ قَدْرُ الثُّلُثِ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي آخِرِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ زَادَ: أَيْ الْوَاجِبُ عَلَى الثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ ضُرِبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ زَادَ عَلَى دِيَةِ نَفْسٍ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَفِي سِتِّ سِنِينَ (وَقِيلَ) تُؤْخَذُ (كُلُّهَا فِي سَنَةٍ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَدَلَ نَفْسٍ حَتَّى تُؤَجَّلَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْأَرْشُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ دُونَهُ ضُرِبَ فِي سَنَةٍ قَطْعًا، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَدَلَ الْأَطْرَافِ وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ تُضْرَبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَدِيَةِ النَّفْسِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَأَجَلُ) دِيَةِ (النَّفْسِ) يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهُ (مِنْ الزُّهُوقِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ (وَ) أَجَلُ دِيَةِ (غَيْرِهَا) أَيْ النَّفْسِ كَقَطْعِ يَدٍ انْدَمَلَ (مِنْ) ابْتِدَاءِ (الْجِنَايَةِ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا حَالَةُ الْوُجُوبِ فَأُنِيطَ الِابْتِدَاءُ بِهَا كَمَا نِيطَ بِحَالَةِ الزَّهُوقِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ وَجَبَ دِيَتُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُطَالَبُ بِبَدَلِهَا إلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَنْدَمِلْ بِأَنْ سَرَى مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ: كَأَنْ قُطِعَ أُصْبُعُهُ فَسَرَتْ إلَى كَفِّهِ فَأَجَلُ أَرْشِ الْأُصْبُعِ مِنْ قَطْعِهَا وَالْكَفِّ مِنْ سُقُوطِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَمَنْ مَاتَ) مِنْ الْعَاقِلَةِ (فِي بَعْضِ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ (سَنَةٍ سَقَطَ) مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ كَالزَّكَاةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فِي بَعْضِ سَنَةٍ عَمَّا لَوْ مَاتَ بَعْدَهَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَلَا يَسْقُطُ وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، وَهِيَ خَمْسٌ: الذُّكُورَةُ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ. أَمَّا الصِّفَةُ الْأُولَى فَقَدْ اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ سَابِقًا: وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، أَيْ لَا هِيَ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَعْقِلْ الْمَرْأَةُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلنُّصْرَةِ وَلِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، فَلَوْ بَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا هَلْ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَعَلَّ أَصَحَّهُمَا نَعَمْ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي شَاهِدِ النِّكَاحِ وَوَلِيِّهِ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ قَالَ لِبِنَاءِ التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي سَتْرِ الثَّوْبِ كَالْأُنْثَى فَلَا نُصْرَةَ بِهِ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ بِالْقُوَّةِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَة فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ) وَلَوْ كَسُوبًا لِأَنَّ الْعَقْلَ مُوَاسَاةٌ، وَلَيْسَ الْفَقِيرُ مِنْ أَهْلِهَا كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ. فَإِنْ قِيلَ: تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ، فَهَلَّا كَانَ مِثْلَ هَذَا؟ . أُجِيبَ أَنَّ الْجِزْيَةَ مَوْضُوعَةٌ لِحَقْنِ الدَّمِ وَلِإِقْرَارِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَصَارَتْ عِوَضًا، وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَا يَعْقِلُ (رَقِيقٌ) وَلَوْ مُكَاتَبًا، إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا مُوَاسَاةَ، وَالْمُكَاتَبُ وَإِنْ مَلَكَ فَمِلْكُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 362 وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسِهِ. وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَعَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ،   [مغني المحتاج] ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَلْحَقَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُبَعَّضَ بِالْمُكَاتَبِ لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَا يَعْقِلُ (صَبِيٌّ وَ) لَا (مَجْنُونٌ) لِأَنَّ مَبْنَى الْعَقْلِ عَلَى النُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ فِيهِمَا لَا بِالْعَقْلِ وَلَا بِالرَّأْيِ، بِخِلَافِ الزَّمِنِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْأَعْمَى فَإِنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ لِأَنَّهُمْ يَنْصُرُونَ بِالْقَوْلِ وَالرَّأْيِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُتَقَطِّعِ وَالْمُطْبِقِ، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْوُجُوبُ فِيمَا إذَا كَانَ يُجَنُّ فِي الْعَامِ يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَيْسَ هُوَ آخِرُ السَّنَةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَأَمَّا الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ فَمَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (وَ) لَا يَعْقِلُ (مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ) لِأَنَّهُ لَا مُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَوَارُثَ فَلَا مُنَاصَرَةَ. (وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ) كَالْإِرْثِ، إذْ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَالثَّانِي لَا، لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: يَتَعَاقَلُ ذِمِّيٌّ وَمُعَاهِدٌ إنْ زَادَتْ مُدَّةُ عَهْدِهِ عَلَى مُدَّةِ الْأَجَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَصَتْ عَنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ سَاوَتْهَا تَقْدِيمًا لِلْمَانِعِ عَلَى الْمُقْتَضَى، وَيَكْفِي فِي تَحَمُّلِ كُلِّ حَوْلٍ عَلَى انْفِرَادِهِ زِيَادَةُ مُدَّةِ الْعَهْدِ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ تَحَمُّلِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا؛ لِأَنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِنَا، وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ، وَالْمُعَاهَدُ كَالذِّمِّيِّ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَقَالَ (وَعَلَى الْغَنِيِّ) مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ (نِصْفُ دِينَارٍ) عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ، وَهُوَ سِتَّةٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْمُوَاسَاةِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا ضَابِطَ لَهَا (وَ) عَلَى (الْمُتَوَسِّطِ) مِنْهُمْ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ. فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ دُونَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ قَدْرَهَا، وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ لِئَلَّا يَبْقَى فَقِيرًا. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ بِهِ الْغَنِيُّ لِئَلَّا يَبْقَى مُتَوَسِّطًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ بِخِلَافِ الْفَقِيرِ (رُبُعٌ) مِنْ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْغَنِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَلَمْ نُجِزْ إلْحَاقَهُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ إفْرَاطٌ أَوْ تَفْرِيطٌ فَتَوَسَّطَ فِيهِ بِرُبُعِ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ النَّاقِصَ عَنْهُ تَافِهٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مَا ضَبَطْنَا بِهِ الْغَنِيَّ وَالْمُتَوَسِّطَ هُوَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَضَبَطَهُ الْبَغَوِيّ تَبَعًا لِلْقَاضِي بِالْعُرْفِ، وَلَا تَرْجِيحَ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَوْنُ الْغَنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّينَارِ، وَالْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ لَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ نَاصٌّ وَلَا خَبَرٌ، لَكِنَّهُمْ رَاعَوْا مَعْنَى الْمُوَاسَاةِ، وَيَجِبُ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ (كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ) لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِهِ كَالزَّكَاةِ، فَجَمِيعُ مَا يَلْزَمُ الْغَنِيَّ فِي الثَّلَاثِ سِنِينَ دِينَارٌ وَنِصْفٌ، وَالْمُتَوَسِّطَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 363 وَقِيلَ هُوَ وَاجِبُ الثَّلَاثِ، وَيُعْتَبَرَانِ آخِرَ الْحَوْلِ، وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ سَقَطَ. [فَصْلٌ] مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ،   [مغني المحتاج] نِصْفٌ وَرُبُعٌ (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ (وَاجِبُ الثَّلَاثِ) أَخَذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: إنَّ مَنْ كَثُرَ مَالُهُ يَحْمِلُ إذَا قُوِّمَتْ الدِّيَةُ نِصْفَ دِينَارٍ، وَمَنْ كَانَ دُونَهُ رُبُعَ دِينَارٍ، لَا يُزَادُ عَلَى هَذَا وَلَا يُنْقَصُ، وَعَلَى هَذَا يُؤَدِّي الْغَنِيُّ كُلَّ سَنَةٍ سُدُسَ دِينَارٍ، وَالْمُتَوَسِّطُ نِصْفَ سُدُسٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَثُرَتْ الْعَاقِلَةُ أَوْ قَلَّ الْوَاجِبُ نَقَصَ الْقِسْطُ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتُهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِشُمُولِ جِهَةِ التَّحَمُّلِ لَهُمْ، وَإِنْ قَلُّوا أَوْ كَثُرَ الْوَاجِبُ لَمْ يَزِدْ الْقِسْطُ لِتَضَرُّرِهِمْ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا اُعْتُبِرَ مِقْدَارُ نِصْفِ الدِّينَارِ وَرُبُعِهِ لَا عَيْنُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَمَا يُؤْخَذُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ نِصْفٍ وَرُبُعٍ يُصْرَفُ إلَيْهَا، وَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ لَا يَأْخُذَ غَيْرَهَا لِمَا مَرَّ، وَالدَّعْوَى بِالدِّيَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ عَلَى الْجَانِي نَفْسِهِ، ثُمَّ هُمْ يَدْفَعُونَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِيهِ أَيْضًا (وَ) الْغَنِيُّ الْمُتَوَسِّطُ (يُعْتَبَرَانِ آخِرَ الْحَوْلِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَوْلِ عَلَى جِهَةِ الْمُوَاسَاةِ فَاعْتُبِرَ بِآخِرَةِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يُؤْثَرُ الْغِنَى وَضِدُّهُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ، فَلَوْ أَيْسَرَ آخِرَهُ وَلَمْ يُؤَدِّ ثُمَّ أَعْسَرَ ثَبَتَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ (وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ) أَيْ آخِرِ الْحَوْلِ (سَقَطَ) أَرَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمُوَاسَاةِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْأُجْرَةِ لِسُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ ادَّعَى الْفَقْرَ بَعْدَ الْغِنَى حَلَفَ وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِغِنَاهُ، وَمَنْ كَانَ أَوَّلَ الْحَوْلِ نَاقِصًا بِرِقٍّ، أَوْ كُفْرٍ، أَوْ جُنُونٍ، أَوْ صِبًا، وَصَارَ فِي آخِرِهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ الْحَوْلِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلنُّصْرَةِ بِالْبَدَنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يُكَلَّفُونَ النُّصْرَةَ بِالْمَالِ فِي الِانْتِهَاءِ، وَالْمُعْسِرُ كَامِلٌ أَهْلٌ لِلنُّصْرَةِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَالُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُهُ. [فَصْلٌ فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ] وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَجِبُ بِجِنَايَةِ الْحُرِّ شَرَعَ فِيمَا يَجِبُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ: [فَصْلٌ] فِي جِنَايَةِ الرَّقِيقِ (مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ) الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ عَمْدٍ أَوْ عَمْدًا وَعَفَا عَلَى مَالٍ (يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، إذْ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ مَعَ بَرَاءَتِهِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ إلَى عِتْقِهِ لِلْأَضْرَارِ بِالْمُسْتَحِقِّ، بِخِلَافِ مُعَامَلَةِ غَيْرِهِ لَهُ لِرِضَاهُ بِذِمَّتِهِ، فَلْتُعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ طَرِيقٌ وَسَطٌ فِي رِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الْحُرِّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَفَارَقَ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُهَا مَالِكُهَا إذَا قَصَّرَ؛ لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ اخْتِيَارًا. تَنْبِيهُ: مَعْنَى التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ أَنْ يُبَاعَ، وَيُصْرَفَ ثَمَنُهُ إلَى الْجِنَايَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 364 وَلِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لَهَا، وَفِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِهَا وَفِي الْقَدِيمِ بِأَرْشِهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] بِنَفْسِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ السَّيِّدِ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْفِدَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ جِنَايَةُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْأَعْجَمِيِّ الَّذِي يُعْتَقَدُ طَاعَةُ آمِرِهِ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْآمِرِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّهْنِ، وَالْمُبَعَّضُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبِ جِنَايَتِهِ بِنِسْبَةِ حُرِّيَّتِهِ وَبَاقِيهِ مِنْ الرِّقِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَاقِي وَاجِبِ الْجِنَايَةِ فَيَفْدِيهِ السَّيِّدُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حِصَّتَيْ وَاجِبِهَا وَالْقِيمَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَلِسَيِّدِهِ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ (بَيْعُهُ لَهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَلَهُ تَسْلِيمُهُ لِيُبَاعَ فِيهَا، وَلَا يُبَاعُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ ضَرُورَةٍ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضَهُ، وَيَتَعَلَّقُ الْأَرْشُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ إنْ كَانَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَكَذَا إنْ كَانَ أَقَلَّ عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ. وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُسْتَحِقُّ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبِ انْفَكَّ مِنْ الْعَبْدِ بِقَسْطِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا. وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ بِالْمَرْهُونِ دُونَ تَعَلُّقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ الْجَعْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الشَّرْعِيِّ (وَ) لَهُ أَيْضًا (فِدَاؤُهُ) فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَيَفْدِيهِ فِي الْجَدِيدِ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِهَا) لِأَنَّ الْأَقَلَّ إنْ كَانَ الْقِيمَةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ تَسْلِيمِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ بَدَلُهَا، أَوْ الْأَرْشِ فَهُوَ الْوَاجِبُ، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ كَمَا حُكِيَ عَنْ النَّصِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِتَوَجُّهِ طَلَبِ الْفِدَاءِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يَوْمَ تَعَلُّقِهَا، وَاعْتَبَرَ الْقَفَّالُ يَوْمَ الْفِدَاءِ، لَا النَّقْصَ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ، وَحُمِلَ النَّصُّ عَلَى مَا لَوْ مَنَعَ بَيْعَهُ حَالَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ وَشَرْحِهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُوَ الْمُتَّجَهُ (وَفِي الْقَدِيمِ) يَفْدِيهِ (بِأَرْشِهَا) بَالِغًا مَا بَلَغَ، لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ رُبَّمَا بِيعَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَالْجَدِيدُ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الِاحْتِمَالُ (وَلَا يَتَعَلَّقُ) مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ (بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْجِنَايَةِ، وَإِلَّا لَمَا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ كَدُيُونِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ لَا يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالرَّقَبَةُ مَرْهُونَةٌ بِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ الثَّمَنُ بِهِ طُولِبَ الْعَبْدُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الْعِتْقِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِالرَّقَبَةِ بِأَنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَقَرَّ بِهَا السَّيِّدُ. فَأَمَّا لَوْ تَعَذَّرَ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ بِأَنْ أَقَرَّ بِهَا الْعَبْدُ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ قَالَ الْإِمَامُ: فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَقَرَّ السَّيِّدُ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى عَلَى عَبْدٍ خَطَأً قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَقَالَ الْعَبْدُ: قِيمَتُهُ أَلْفَانِ لَزِمَ الْعَبْدَ بَعْدَ الْعِتْقِ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ التَّعَلُّقُ بِالرَّقَبَةِ وَالتَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنْ لَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ التَّعَلُّقِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 365 وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ فَدَاهُ، وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْفِدَاءِ بَاعَهُ فِيهِمَا أَوْ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ، وَفِي الْقَدِيمِ بِالْأَرْشَيْنِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ وَصَحَّحْنَاهُمَا أَوْ قَتَلَهُ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ بَرِئَ سَيِّدُهُ إلَّا إذَا طُلِبَ فَمَنَعَهُ،   [مغني المحتاج] فَرْعٌ: لَوْ اطَّلَعَ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى لُقَطَةٍ فِي يَدِهِ وَأَقَرَّهَا عِنْدَهُ أَوْ أَهْمَلَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَفَرَّعْنَا عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ فَأَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ تَعَلَّقَ الْمَالُ بِرَقَبَتِهِ وَسَائِرُ أَمْوَالِ السَّيِّدِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ. فَرْعٌ: حَمْلُ الْجَانِيَةِ لِلسَّيِّدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَرْشُ سَوَاءٌ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَمْ حَدَثَ بَعْدَهَا فَلَا تُبَاعُ حَتَّى تَضَعَ إذْ لَا يُمْكِنُ إجْبَارُ السَّيِّدِ عَلَى بَيْعِ الْحَمْلِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْدِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا بِيعَا مَعًا وَأَخَذَ السَّيِّدُ حِصَّةَ الْوَلَدِ وَأَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حِصَّتَهُ (وَلَوْ فَدَاهُ) السَّيِّدُ (ثُمَّ جَنَى) بَعْدَ الْفِدَاءِ (سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ) أَيْ لِيُبَاعَ أَوْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ (أَوْ فَدَاهُ) كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا؛ لِأَنَّهُ الْآنَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَيْرُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ (وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْفِدَاءِ بَاعَهُ فِيهِمَا) أَيْ الْجِنَايَتَيْنِ، أَوْ سَلَّمَهُ لِيُبَاعَ فِيهِمَا، وَوَزَّعَ ثَمَنَهُ عَلَيْهِمَا (أَوْ فَدَاهُ) السَّيِّدُ (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ) عَلَى الْجَدِيدِ (وَفِي الْقَدِيمِ بِالْأَرْشَيْنِ) لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، فَإِنْ مُنِعَ لَزِمَهُ أَنْ يَفْدِيَ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جِنَايَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْجِنَايَتَيْنِ، مَحَلُّهُ أَنْ يَتَّحِدَا فَلَوْ جَنَى خَطَأً ثُمَّ قَتَلَ عَمْدًا وَلَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ، وَلَا عَفَا صَاحِبُ الْعَمْدِ، فَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الْخَطَإِ وَحْدَهُ، وَلِصَاحِبِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ كَمَنْ جَنَى خَطَأً ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّا نَبِيعُهُ ثُمَّ نَقْتُلُهُ بِالرِّدَّةِ إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَ الْمُعَلِّقُ عَنْهُ: فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ لِتَعَلُّقِ الْقَوَدِ بِهِ فَعِنْدِي أَنَّ الْقَوَدَ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إنَّ صَاحِبَ الْخَطَإِ قَدْ مَنَعَكَ فَلَوْ أَقَدْنَاكَ لَأَبْطَلْنَا حَقَّهُ فَأَعْدَلُ الْأُمُورِ أَنْ تَشْتَرِكَا فِيهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِتَرْكِ الْقَوَدِ، كَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْجَانِيَ (أَوْ بَاعَهُ) فَإِنْ أَبْطَلْنَاهُمَا فَظَاهِرُ حُكْمِهِ (وَ) إنْ (صَحَّحْنَاهُمَا) أَيْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَالْبَائِعُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَهُوَ فِي الْأُولَى رَاجِحٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَرْجُوحٌ (أَوْ قَتَلَهُ) السَّيِّدُ (فَدَاهُ) حَتْمًا (بِالْأَقَلِّ) مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَحَلَّ حَقِّهِ، ثُمَّ أَشَارَ لِطَرِيقَةٍ حَاكِيَةٍ لِلْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ السَّابِقَيْنِ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ) فِي فِدَائِهِ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ، وَمَا رَجَّحَهُ مِنْ طَرِيقَةِ الْقَطْعِ جَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَجَزَمَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي بِطَرِيقَةِ الْخِلَافِ. (وَلَوْ هَرَبَ) الْعَبْدُ الْجَانِي (أَوْ مَاتَ) قَبْلَ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ (بَرِئَ سَيِّدُهُ) مِنْ عُهْدَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ فَاتَتْ (إلَّا إذَا طُلِبَ) مِنْهُ تَسْلِيمُهُ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ (فَمَنَعَهُ) فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ، بَلْ يَصِيرُ مُخْتَارًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 366 وَلَوْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَتَسْلِيمَهُ وَيَفْدِي أُمَّ وَلَدِهِ بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ،   [مغني المحتاج] لِلْفِدَاءِ لِتَعَدِّيهِ بِالْمَنْعِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ صَادِقٌ بِأَنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ وَلَمْ يَمْنَعْهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلِمَ السَّيِّدُ مَوْضِعَ الْعَبْدِ الْهَارِبِ وَأَمْكَنَهُ رَدُّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ أَجْنَبِيٌّ قَتْلًا يُوجِبُ مَالًا بِأَنْ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ يُوجِبُ قِصَاصًا وَعَفَا السَّيِّدُ عَلَى مَالٍ تَعَلَّقَتْ جِنَايَاتُهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُهُ، فَإِذَا أُخِذَتْ سَلَّمَهَا السَّيِّدُ أَوْ بَدَلَهَا مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْفُ السَّيِّدُ بَلْ اقْتَصَّ وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: لَزِمَهُ الْفِدَاءُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَقَرَّاهُ، وَهَذَا مَا قَالَهُ شَيْخِي مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ. أَمَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرْهُونِ إذَا قُتِلَ وَاقْتَصَّ السَّيِّدُ (وَلَوْ اخْتَارَ) السَّيِّدُ (الْفِدَاءَ فَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ وَهُوَ أَوْلَى (أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ) عَنْهُ (وَ) أَنَّ عَلَيْهِ (تَسْلِيمَهُ) حِينَئِذٍ لِيُبَاعَ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ وَلَا أَثَرَ لَهُ، وَالْيَأْسُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ بَيْعِهِ. وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ. تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَتَسْلِيمَهُ بَقَاءُ الْعَبْدِ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ قَطْعًا، وَمَحَلُّ الرُّجُوعِ إذَا كَانَ بَاقِيًا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الرُّجُوعِ وَيَلْزَمُهُ الْفِدَاءُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِاخْتِيَارِهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُسَلِّمُهُ وَأَغْرَمُ النَّقْصَ قُبِلَ، وَمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِتَأْخِيرِ بَيْعِهِ تَأْخِيرٌ يَضُرُّ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ حَصَلَ وَلِلسَّيِّدِ مَالٌ غَيْرُهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَطْعًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الْفِدَاءِ لَزِمَهُ الْفِدَاءُ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ الِاخْتِيَارَ الْفِعْلِيَّ كَأَنْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْجَانِيَةَ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ، وَقَوْلُهُ: وَتَسْلِيمَهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى اسْمِ أَنَّ، وَالْمَعْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى ضَمِيرِ خَبَرِ أَنَّ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ. (وَيَفْدِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ السَّيِّدُ وُجُوبًا (أُمَّ وَلَدِهِ) الْجَانِيَةَ حَتْمًا (بِالْأَقَلِّ) مِنْ قِيمَتِهَا وَالْأَرْشِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِيلَادِ مُنِعَ مِنْ بَيْعِهَا مَعَ بَقَاءِ الرِّقِّ فِيهَا فَأَشْبَهَ مَا إذَا جَنَى الْقِنُّ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ لِلْبَيْعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: السَّيِّدُ بِالِاسْتِيلَادِ مُسْتَمْتِعٌ بِحَقِّهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِهِ، فَجَعْلُهُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ بِجِنَايَةٍ تَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ فِيهِ غُمُوضٌ، وَلَكِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ (وَقِيلَ) فِي جِنَايَةِ أُمِّ وَلَدِهِ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي جِنَايَةِ الْقِنِّ، وَلَعَلَّ مَأْخَذُهُ جَوَازُ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ فِدَائِهَا عَلَى السَّيِّدِ إذَا امْتَنَعَ بَيْعُهَا كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، فَلَوْ كَانَتْ تُبَاعُ لِكَوْنِهِ اسْتَوْلَدَهَا وَهِيَ مَرْهُونَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَتُبَاعُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَصَحِّ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ لُزُومِ فِدَائِهَا وَوَقْتِ الْحَاجَةِ إلَى بَيْعِهَا الْمَمْنُوعِ بِالْإِحْبَالِ، وَقِيلَ يَوْمُ الِاسْتِيلَادِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَمَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 367 وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ. [فَصْلٌ] فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ   [مغني المحتاج] الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقِيمَةِ يَوْمِ الْإِحْبَالِ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُهَا حَالَ الْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرَ قِيمَتُهَا حِينَئِذٍ (وَجِنَايَاتُهَا) حُكْمُهَا (كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) فَيَلْزَمُهُ لِلْكُلِّ فِدَاءٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ، وَإِتْلَافُ الشَّيْءِ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ جَنَى عَبْدُهُ جِنَايَاتٍ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا وَجَنَتْ جِنَايَتَيْنِ وَأَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ قَبَضَ أَلْفًا اسْتَرَدَّ مِنْهُ الثَّانِي نِصْفَهُ، أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهُ، أَوْ أَرْشُ الثَّانِيَةِ أَلْفٌ وَالْأُولَى خَمْسُمِائَةٍ اسْتَرَدَّ مِنْهُ ثُلُثَهَا وَمِنْ السَّيِّدِ خَمْسَمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ لِيَصِيرَ مَعَهُ ثُلُثَا الْأَلْفِ، وَمَعَ الْأَوَّلِ ثُلُثُهُ كَدُيُونِ الْمَيِّتِ إذَا قُسِّمَتْ تَرِكَتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ حَدَثَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ كَأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَهَلَكَ بِهَا شَيْءٌ فَيُزَاحِمُ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ أُمَّ الْوَلَدِ الَّتِي تُبَاعُ بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهِيَ مَرْهُونَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، فَإِنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَيْعُهَا، بَلْ هِيَ كَالْقِنِّ يَجْنِي جِنَايَةً بَعْدَ أُخْرَى فَيَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ الْمَارُّ. وَالثَّانِي يَفْدِيهَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهَا وَأَرْشِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ الْأُولَى كَالْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، وَالْبَاقِي مِنْ الْقِيمَةِ لَا يَفِي بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْأُولَى دُونَ الْقِيمَةِ وَفَدَاهَا بِهِ، وَكَانَ الْبَاقِي مِنْ قِيمَتِهَا يَفِي بِالْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَدَاهَا بِأَرْشِهَا قَطْعًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ التَّعَلُّقِ بِذِمَّتِهَا وَيُشَبَّهُ الْقَطْعُ بِهِ لِتَعَذُّرِ التَّعَلُّقِ بِرَقَبَتِهَا، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْقَطْعُ بِالتَّعَلُّقِ بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ مَنَعَ بَيْعَهَا، فَلَوْ مَاتَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ لَمْ يَسْقُطْ الْأَرْشُ عَنْ السَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْقِنِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى جِنَايَةِ الْمَوْقُوفِ. تَتِمَّةٌ: حُكْمُ الْمَوْقُوفِ حُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَةِ لِمَنْعِ الْوَاقِفِ بَيْعَهُ بِوَقْفِهِ، الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ الْمَنْذُورَ عِتْقُهُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ جِنَايَتَهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. [فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ] [فَصْلٌ] (فِي) دِيَةِ (الْجَنِينِ) الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (غُرَّةٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ» بِتَرْكِ تَنْوِينِ غُرَّةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ وَتَنْوِينُهَا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا بَدَلٌ مِنْهَا، وَأَصْلُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 368 إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا،   [مغني المحتاج] الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ، وَلِهَذَا شَرَطَ عَمْرُو بْنُ الْعَلَاءِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ أَبْيَضَ وَالْأَمَةُ بَيْضَاءَ، وَحَكَاهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْأَكْثَرُونَ ذَلِكَ، وَقَالُوا: النَّسَمَةُ مِنْ الرَّقِيقِ غُرَّةٌ لِأَنَّهَا غُرَّةُ مَا يَمْلِكُ: أَيْ أَفْضَلُهُ، وَغُرَّةُ كُلِّ شَيْءٍ خِيَارُهُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِيهِ (إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ) عَلَى أُمِّهِ الْحَيَّةِ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بِالْقَوْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ الْمُفْضِي إلَى سُقُوطِ الْجَنِينِ، أَمْ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَضْرِبَهَا أَوْ يُوجِرَهَا دَوَاءً أَوْ غَيْرَهُ فَتُلْقِي جَنِينًا، أَمْ بِالتَّرْكِ كَأَنْ يَمْنَعَهَا الطَّعَامَ أَوْ الشَّرَابَ حَتَّى تُلْقِيَ الْجَنِينَ وَكَانَتْ الْأَجِنَّةُ تَسْقُطُ بِذَلِكَ، وَلَوْ دَعَتْهَا ضَرُورَةٌ إلَى شُرْبِ دَوَاءٍ، فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهَا لَا تَضْمَنُ بِسَبَبِهِ، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الصَّوْمُ وَلَوْ فِي رَمَضَانَ إذَا خَشِيَتْ مِنْهُ الْإِجْهَاضَ، فَإِذَا فَعَلَتْهُ فَأَجْهَضَتْ ضَمِنَتْهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَمْ غَيْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، لِأَنَّ دِيَتَهُمَا لَوْ اخْتَلَفَتْ لَكَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَسَوَّى الشَّارِعُ بَيْنَهُمَا كَأَصْلِ الصَّاعِ مِنْ التَّمْرِ يَكُونُ بَدَلَ اللَّبَنِ فِي الْمُصَرَّاةِ، سَوَاءٌ أَقَلَّ اللَّبَنُ أَمْ كَثُرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ تَامَّ الْأَعْضَاءِ أَمْ نَاقِصَهَا ثَابِتَ النَّسَبِ أَمْ لَا، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا مَضْمُونًا عَلَى الْجَانِي عِنْدَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ مَعْصُومَةً أَوْ مَضْمُونَةً عِنْدَهَا. أَمَّا الْجَنِينُ الرَّقِيقُ وَالْكَافِرُ فَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْفَصْلِ وَلَا أَثَرَ لِنَحْوِ لَطْمَةٍ خَفِيفَةٍ كَمَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الدِّيَةِ وَلَا لِضَرْبَةٍ قَوِيَّةٍ أَقَامَتْ بَعْدَهَا بِلَا أَلَمٍ، ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ. تَنْبِيهٌ: سُمِّيَ الْجَنِينُ جَنِينًا لِاسْتِتَارِهِ وَمِنْهُ الْجِنُّ، وَقَوْلُهُ (فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِانْفَصَلَ: أَيْ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهَا بِجِنَايَةٍ أَوْ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِجِنَايَةٍ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ ضَرَبَ مَيِّتَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ فَأَوْجَبَا الْغُرَّةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَقَالَ الْبَغَوِيّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يُرَجِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا (وَكَذَا إنْ ظَهَرَ) بَعْضُ الْجَنِينِ (بِلَا انْفِصَالٍ) مِنْ أُمِّهِ كَخُرُوجِ رَأْسِهِ مَيِّتًا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ (فِي الْأَصَحِّ) لِتَحَقُّقِ وُجُودِهِ، وَالثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِهِ لِأَنَّ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ كَالْعُضْوِ مِنْهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَجَنِينِ حَرْبِيَّةٍ مِنْ حَرْبِيٍّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا كَأَنْ كَانَ الْجَانِي مَالِكًا لِلْجَنِينِ وَلِأُمِّهِ بِأَنْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى أَمَتِهِ الْحَامِلِ وَجَنِينُهَا مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مِلْكٌ لَهُ فَعَتَقَتْ، ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ أَوْ وَكَانَتْ أُمُّهُ مَيِّتَةً أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَا ظَهَرَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ (فَلَا) شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ فِي الْأُولَى، وَعَدَمِ ضَمَانِ الْجَانِي فِي الثَّانِيَةِ وَلِظُهُورِ مَوْتِهِ بِمَوْتِهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: تَقْيِيدُ الْجَنِينِ بِالْعِصْمَةِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأُمِّ بِهَا لِإِيهَامِ أَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى حَرْبِيَّةٍ جَنِينُهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 369 أَوْ حَيًّا وَبَقِيَ زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ فَدِيَةُ نَفْسٍ. وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا فَغُرَّةٌ، إنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] مَعْصُومٌ حِينَ الْجِنَايَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ وَلَمْ يَنْفَصِلْ الْوَلَدُ وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا غُرَّةَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ وُجُودَ الْجَنِينِ فَلَا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُنْتَفِخَةَ الْبَطْنِ فَضَرَبَهَا ضَارِبٌ فَزَالَ الِانْتِفَاخُ أَوْ وَكَانَتْ تَجِدُ حَرَكَةً فِي بَطْنِهَا فَانْقَطَعَتْ بِالضَّرْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا فَانْفَشَّتْ وَسَكَنَ (أَوْ) انْفَصَلَ (حَيًّا وَبَقِيَ) بَعْدَ انْفِصَالِهِ (زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ) فِيهِ (ثُمَّ مَاتَ) (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْجَانِي، سَوَاءٌ أَزَالَ أَلَمُ الْجِنَايَةِ عَنْ أُمِّهِ قَبْلَ إلْقَائِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ) بَعْدَ انْفِصَالِهِ أَوْ تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا كَقَبْضِ يَدٍ وَبَسْطِهَا، وَلَوْ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ لَا اخْتِلَاجًا (أَوْ دَامَ أَلَمُهُ وَمَاتَ) مِنْهُ (فَدِيَةُ نَفْسٍ) كَامِلَةٌ عَلَى الْجَانِي، وَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ، وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ اخْتِلَاجِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِشَارًا بِسَبَبِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَضِيقِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَزَّهُ شَخْصٌ وَقَدْ انْفَصَلَ بِلَا جِنَايَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةً أَوْ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ مُسْتَقِرَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ بِجِنَايَةٍ وَحَيَاتُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، فَالْقَاتِلُ لَهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى أُمِّهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَازِّ إلَّا التَّعْزِيرُ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَصَاحَ فَحَزَّهُ شَخْصٌ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالصِّيَاحِ حَيَاتَهُ. (وَلَوْ أَلْقَتْ) أَيْ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا (جَنِينَيْنِ) مَيِّتَيْنِ (فَغُرَّتَانِ) تَجِبَانِ فِيهِمَا، أَوْ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَهَكَذَا لِأَنَّ الْغُرَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِاسْمِ الْجَنِينِ فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ، وَلَوْ أَلْقَتْ مَيِّتًا وَحَيًّا وَاسْتَمَرَّ أَلَمُ الْحَيِّ حَتَّى مَاتَ فَغُرَّةٌ لِلْأَوَّلِ وَدِيَةٌ لِلثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْإِجْهَاضِ اشْتَرَكُوا فِي الْغُرَّةِ كَمَا فِي الدِّيَةِ (أَوْ) أَلْقَتْ (يَدًا) أَوْ رِجْلًا وَمَاتَتْ (فَغُرَّةٌ) تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ بِوُجُودِ الْجَنِينِ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْيَدَ بَانَتْ بِالْجِنَايَةِ، وَخَرَجَ بِمَاتَتْ مَا لَوْ عَاشَتْ وَلَمْ تُلْقِ جَنِينًا، فَلَا يَجِبُ إلَّا نِصْفُ غُرَّةٍ كَمَا أَنَّ يَدَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ فِيهَا إلَّا نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يُضْمَنُ بَاقِيهِ، لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَلَفَهُ. فُرُوعٌ: لَوْ أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ وَلَوْ مُلْتَصِقَيْنِ فَغُرَّتَانِ، إذْ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَنَانِ، فَالْبَدَنَانِ حَقِيقَةً يَلْتَزِمَانِ رَأْسَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَأْسٌ فَالْمَجْمُوعُ بَدَنٌ وَاحِدٌ حَقِيقَةً فَلَا تَجِبُ إلَّا غُرَّةُ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ أَلْقَتْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْأَيْدِي أَوْ الْأَرْجُلِ أَوْ رَأْسَيْنِ وَجَبَ غُرَّةُ فَقْدٍ لِإِمْكَانِ كَوْنِهَا لِجَنِينٍ وَاحِدٍ، بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا زَائِدٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُخْبِرَ بِامْرَأَةٍ لَهَا رَأْسَانِ فَنَكَحَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنَظَرَ إلَيْهَا وَطَلَّقَهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْعُضْوِ الزَّائِدِ حُكُومَةٌ. وَلَوْ أَلْقَتْ يَدًا ثُمَّ جَنِينًا مَيِّتًا بِلَا يَدٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ مِنْ الْأُمِّ فَغُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَدَ مُبَانَةٌ مِنْهُ بِالْجِنَايَةِ، أَوْ حَيًّا فَمَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَدِيَةٌ وَدَخَلَ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ، فَإِنْ عَاشَ وَشَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ فَنِصْفُ دِيَةٍ لِلْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الْقَوَابِلُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ فَنِصْفُ غُرَّةٍ لِلْيَدِ عَمَلًا بِالْيَقِينِ، أَوْ أَلْقَتَهُ بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَزَالَ الْأَلَمُ أُهْدِرَ الْجَنِينُ لِزَوَالِ الْأَلَمِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 370 وَكَذَا لَحْمٌ قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ، قِيلَ أَوْ لَا قُلْنَ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ. وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ،   [مغني المحتاج] الْحَاصِلِ بِالْجِنَايَةِ وَوَجَبَ لِلْيَدِ الْمُلْقَاةِ قَبْلَهُ إنْ خَرَجَ مَيِّتًا نِصْفُ غُرَّةٍ أَوْ حَيًّا وَمَاتَ أَوْ عَاشَ فَنِصْفُ دِيَةٍ إنْ شَهِدَ الْقَوَابِلُ أَوْ عُلِمَ أَنَّهَا يَدُ مَنْ خُلِقَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْدَ إلْقَاءِ الْيَدِ مَيِّتًا كَامِلِ الْأَطْرَافِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَفِي الْيَدِ حُكُومَةٌ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ مَيِّتًا فَغُرَّةُ فَقْدٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْيَدَ الَّتِي أَلْقَتْهَا كَانَتْ زَائِدَةً لِهَذَا الْجَنِينِ وَانْمَحَقَ أَثَرُهَا، أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فَدِيَةٌ لَا غُرَّةٌ كَمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ عَاشَ فَحُكُومَةٌ وَتَأَخُّرُ الْيَدِ عَنْ الْجَنِينِ إلْقَاءً كَتَقَدُّمٍ لِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ. (وَكَذَا لَحْمٌ) أَلْقَتْهُ امْرَأَةٌ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ إذَا (قَالَ الْقَوَابِلُ) وَهُنَّ أَهْلُ الْخِبْرَةِ (فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ) عَلَى غَيْرِهِنَّ فَلَا يَعْرِفُهَا سِوَاهُنَّ لِحَذْقِهِنَّ. فَائِدَةٌ: تَظْهَرُ الصُّورَةُ الْخَفِيَّةُ بِوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ، وَيَكْفِي تَصَوُّرُ أُصْبُعٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ مَا بَانَ مِنْ خَلْقِ آدَمِيٍّ (قِيلَ أَوْ لَا) صُورَةَ أَيْ تَجِبُ الْغُرَّةُ أَيْضًا فِي إلْقَاءِ لَحْمٍ لَا صُورَةَ فِيهِ أَصْلًا تَعْرِفُهَا الْقَوَابِلُ، وَلَكِنْ (قُلْنَ) إنَّهُ (لَوْ بَقِيَ) ذَلِكَ اللَّحْمُ (لَتَصَوَّرَ) أَيْ تَخَلَّقَ كَمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَالْمَذْهَبُ لَا غُرَّةَ كَمَا لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَمَرَّ إيضَاحُ هَذَا فِي بَابِ الْعَدَدِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِاللَّحْمِ تَصْوِيرَ الْمَسْأَلَةِ بِالْمُضْغَةِ، فَلَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ قَطْعًا كَمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. (وَهِيَ) أَيْ الْغُرَّةُ الْوَاجِبَةُ (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) كَمَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ، وَالْخِيَرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى الْغَارِمِ، وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى قَبُولِهَا مِنْ أَيْ نَوْعٍ كَانَتْ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَبُولُ الْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى فِي الظَّاهِرِ، وَأَشَارَ لِوَصْفِ الْغُرَّةِ بِقَوْلِهِ (مُمَيِّزٌ) فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ هِيَ الْخِيَارُ كَمَا مَرَّ، وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَكْفُلُهُ، وَلَفْظُ الْجَنِينِ وَإِنْ كَانَ يَشْمَلُ الْمُمَيِّزَ وَغَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يَخُصُّهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْغُرَّةِ جَبْرُ الْخَلَلِ وَلَا جَبْرَ مَعَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى السِّنِّ، حَتَّى لَوْ مَيَّزَ قَبْلَ السَّبْعِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ مُرَادًا: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا السِّنِّ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ) لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَيْسَ مِنْ الْخِيَارِ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اكْتَفَى فِي الْكُفَّارِ بِالْمَعِيبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْغُرَّةُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّ بِالْمَعِيبِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: قَبُولَ الْكَافِرِ، لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ خَصِيٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 371 وَالْأَصَحُّ قَبُولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصْفَ عُشْرِ دِيَةٍ. فَإِنْ فُقِدَتْ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا وَهِيَ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ فَعَلَيْهِ.   [مغني المحتاج] وَخُنْثَى وَكَافِرٍ، وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَلَى كَافِرٍ بِبَلَدٍ تَقِلُّ فِيهِ الرَّغْبَةُ أَوْ عَلَى مُرْتَدٍّ أَوْ كَافِرَةٍ يَمْتَنِعُ وَطْؤُهَا لِتَمَجُّسٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا هُنَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَفْهَمَ امْتِنَاعُ الْحَامِلِ لِجَزْمِهِمْ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْجَوَارِي، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ، فَقَالَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ حَامِلٍ وَلَا مَوْطُوءَةٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ حَمْلِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ حَمْلِهَا مَمْنُوعٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ بِقَبُولِهَا هُنَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمْلُ بِخِلَافِ بَنَاتِ آدَمَ (وَالْأَصَحُّ قَبُولُ) رَقِيقٍ (كَبِيرٍ) مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ) لِأَنَّهُ مِنْ الْخِيَارِ مَا لَمْ تَنْقُصْ مَنَافِعُهُ، وَالثَّانِي لَا يُقْبَلُ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةٍ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ يَنْقُصُ حِينَئِذٍ، وَالثَّالِثُ لَا يُقْبَلُ بَعْدَهَا فِي الْأَمَةِ وَبَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْعَبْدِ، وَضَعُفَ الْوَجْهَانِ بِأَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يُقَابِلُهُ زِيَادَةُ الْمَنْفَعَةِ. أَمَّا الْعَاجِزُ بِالْهَرَمِ فَلَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ وَضَبْطُهُ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِأَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الطِّفْلِ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ (وَيُشْتَرَطُ) فِي الْغُرَّةِ (بُلُوغُهَا) فِي الْقِيمَةِ (نِصْفَ عُشْرِ دِيَةٍ) مِنْ الْأَبِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ الْمُسْلِمَةِ، فَفِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ رَقِيقٌ قِيمَتُهُ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِيهِ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهَا دِيَةٌ فَكَانَتْ مُقَدَّرَةً كَسَائِرِ الدِّيَاتِ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ عَلَى أَقَلِّ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ أَقَلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ مِنْ الدِّيَاتِ وَهُوَ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَالسِّنِّ. (فَإِنْ فُقِدَتْ) تِلْكَ الْغُرَّةُ حِسًّا بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وُجِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا (فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ) بَدَلًا عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا فَعِنْدَ عَدَمِهَا يُؤْخَذُ مَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً بِهِ، وَلِأَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الدِّيَاتِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ فَقْدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَإِنْ فُقِدَتْ الْإِبِلُ وَجَبَ قِيمَتُهَا كَمَا فِي فَقْدِ إبِلِ الدِّيَةِ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا وَجَبَتْ قِيمَتُهُ مَعَ الْمَوْجُودِ (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ) بُلُوغُهَا مَا ذُكِرَ: بَلْ مَتَى وُجِدَتْ سَلِيمَةً مُمَيِّزَةً وَجَبَ قَبُولُهَا وَإِنْ قَلَّتْ قِيمَتُهَا لِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي الْخَبَرِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالْقَوْلِ (فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا) أَيْ الْغُرَّةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَاتَ. تَنْبِيهٌ: الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْغُرَّةِ لَا يَصِحُّ كَالِاعْتِيَاضِ عَنْ الدِّيَةِ. (وَهِيَ) أَيْ الْغُرَّةُ (لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ) عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا دِيَةُ نَفْسٍ، وَيُقَدَّرُ انْفِصَالُهُ حَيًّا ثُمَّ مَوْتِهِ. (وَ) هِيَ أَيْ وَاجِبَةٌ (عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَارِّ (وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ) الْجِنَايَةَ بِأَنْ قَصَدَهَا بِمَا يُلْقِي غَالِبًا (فَعَلَيْهِ) وَهَذَا قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ تَكُونُ عَمْدًا مَحْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَصَوُّرِ الْعَمْدِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 372 وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ هَدَرٌ، وَالْأَصَحُّ غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ. وَالرَّقِيقُ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ الْإِجْهَاضُ لِسَيِّدِهَا،   [مغني المحتاج] عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَحَيَاتُهُ حَتَّى يَقْصِدَ: بَلْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ شِبْهُ الْعَمْدِ أَيْضًا وَهُوَ قَوِيٌّ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ حَدَّ شِبْهِ الْعَمْدِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَصْدُ الشَّخْصِ كَالْعَمْدِ، وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ حَيًّا وَمَاتَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَمْدُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: يُغَلَّظُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَيُؤْخَذُ عِنْدَ فَقْدِ الْغُرَّةِ حِقَّةٌ وَنِصْفٌ وَجَذَعَةٌ وَنِصْفٌ وَخِلْفَتَانِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُغَلَّظَ فِي الْغُرَّةِ أَيْضًا بِأَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَاسْتَحْسَنَاهُ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ يَقْتَضِي تَحَمُّلَ عَصَبَاتِهِ مِنْ النَّسَبِ، ثُمَّ الْوَلَاءِ، ثُمَّ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا مَرَّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ الْمَالِ ضُرِبَتْ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ لَمْ تَفِ الْعَاقِلَةُ بِالْوَاجِبِ وَجَبَ عَلَى الْجَانِي الْبَاقِي. ، ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الْكَافِرِ، فَقَالَ (وَالْجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ) بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِ (قِيلَ كَمُسْلِمٍ) فِي الْغُرَّةِ (وَقِيلَ) هُوَ (هَدَرٌ) وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْغُرَّةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالْقِيمَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغُرَّةَ مُقَدَّرَةٌ بِنِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ الْأَبِ فِي الْجَنِينِ الْمَذْكُورِ (غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ) كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ بَعِيرٌ وَثُلُثَا بَعِيرٍ، وَفِي الْجَنِينِ الْمَجُوسِيِّ ثُلُثُ خُمُسِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي دِيَتِهِ وَهُوَ ثُلُثُ بَعِيرٍ، وَأَمَّا الْجَنِينُ الْحَرْبِيُّ وَالْجَنِينُ الْمُرْتَدُّ بِالتَّبَعِ لِأَبَوَيْهِمَا فَمُهْدَرَانِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْجَنِينِ الرَّقِيقِ، فَقَالَ (وَ) الْجَنِينُ (الرَّقِيقُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فِيهِ (عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ) قِنَّةً كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً قِيَاسًا عَلَى الْجَنِينِ الْحُرِّ، فَإِنَّ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ مُعْتَبَرَةٌ بِعُشْرِ مَا تَضْمَنُ بِهِ الْأُمُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا قِيمَتَهُ فِي نَفْسِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِقْلَالِهِ بِانْفِصَالِهِ مَيِّتًا، وَاسْتُثْنِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ هِيَ الْجَانِيَةَ عَلَى نَفْسِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي جَنِينِهَا الْمَمْلُوكِ لِلسَّيِّدِ شَيْءٌ، إذْ لَا يَجِبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى رَقِيقِهِ شَيْءٌ، وَخَرَجَ بِالرَّقِيقِ الْمُبَعَّضُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ، قَالَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُوَزَّعَ الْغُرَّةُ عَلَى الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ (يَوْمَ الْجِنَايَةِ) عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ (وَقِيلَ) يَوْمَ (الْإِجْهَاضِ) لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُهُ اعْتِبَارَ يَوْمِ الْجِنَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِجْهَاضِ أَمْ أَقَلَّ. وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّا نَعْتَبِرُ قِيمَتَهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينِ الْجِنَايَةِ إلَى الْإِجْهَاضِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ، فَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا وَمَاتَ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ قَطْعًا وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَيُصْرَفُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّقِيقِ (لِسَيِّدِهَا) أَيْ أُمِّ الْجَنِينِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ لِلسَّيِّدِ أَيْ سَيِّدِ الْجَنِينِ، وَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ يَكُونُ لِشَخْصٍ وَصَّى لَهُ بِهِ وَتَكُونُ الْأُمُّ لِآخَرَ فَالْبَدَلُ لِسَيِّدِهِ لَا لِسَيِّدِهَا، وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 373 فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ قُوِّمَتْ سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي الْأَظْهَرِ فصل يجب بالقتل كفارة.   [مغني المحتاج] الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لِسَيِّدِ الْأُمِّ (فَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأُمُّ (مَقْطُوعَةً) أَطْرَافُهَا (وَالْجَنِينُ سَلِيمٌ) أَطْرَافُهُ (قُوِّمَتْ) بِتَقْدِيرِهَا (سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ) لِسَلَامَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَالْجَنِينُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَتُقَوَّمُ مُسْلِمَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَالْجَنِينُ رَقِيقٌ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ رَقِيقَةً. وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ لِشَخْصٍ وَالْجَنِينُ لِآخَرَ بِوَصِيَّةٍ فَيُعْتِقُهَا مَالِكُهَا، وَالثَّانِي لَا تُقَدَّرُ سَلِيمَةً لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأَعْضَاءِ أَمْرٌ خِلْقِيٌّ، وَفِي تَقْدِيرِ خِلَافِهِ بُعْدٌ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ مَقْطُوعًا وَالْأُمُّ سَلِيمَةً قُوِّمَتْ الْأُمُّ مَقْطُوعَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُقَوَّمُ سَلِيمَةً أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْجَنِينِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَثَرِ الْجِنَايَةِ، وَاللَّائِقُ التَّغْلِيظُ عَلَى الْجَانِي لَا التَّخْفِيفُ، فَلَوْ قَالَ: وَعَكْسُهُ لَشَمِلَ هَذِهِ الصُّورَةَ (وَتَحْمِلُهُ) أَيْ الْعُشْرَ الْمَذْكُورَ (الْعَاقِلَةُ) أَيْ عَاقِلَةُ الْجَانِي (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ فِي الْغُرَّةِ، وَهَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ: وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ. . تَتِمَّةٌ: سَقَطَ جَنِينٌ مَيِّتًا فَادَّعَى وَارِثُهُ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ سَقَطَ بِجِنَايَتِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَأَنْكَرَ الْإِسْقَاطَ وَقَالَ السَّقْطُ مُلْتَقَطٌ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ أَيْضًا وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَيُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ وِلَادَةٌ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَالْإِسْقَاطِ وَأَنْكَرَ كَوْنَ الْإِسْقَاطِ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ نُظِرَ إنْ أَسْقَطَتْ عَقِبَ الْجِنَايَةِ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْجِنَايَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُتَأَلِّمَةً حَتَّى أَسْقَطَتْ، وَلَا يُقْبَلُ هُنَا إلَّا رَجُلَانِ، وَضَبَطَ الْمُتَوَلِّي الْمُدَّةَ الْمُتَخَلَّلَةَ بِمَا يَزُولُ فِيهَا أَلَمُ الْجِنَايَةِ وَأَثَرُهَا غَالِبًا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى سُقُوطِهِ بِجِنَايَةٍ وَقَالَ الْجَانِي: سَقَطَ مَيِّتًا فَالْوَاجِبُ الْغُرَّةُ وَقَالَ الْوَارِثُ: بَلْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ، فَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ اسْتِهْلَالٍ وَغَيْرِهِ، وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَالِبًا إلَّا النِّسَاءُ، وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمَا يَدَّعِيهِ فَبَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَوْلَى لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ. . [فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ] [فَصْلٌ] فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِهِ (يَجِبُ بِالْقَتْلِ) عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَهُ أَوْ خَطَأً كَمَا سَيَأْتِي (كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] [النِّسَاءُ] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] [النِّسَاءُ] وَقَوْلِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 374 وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَعَامِدًا وَمُخْطِئًا   [مغني المحتاج] تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] [النِّسَاءُ] وَخَبَرِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ «أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: أَعْتِقُوا عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ، بَلْ تَجِبُ (وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ، فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخَانِ بِهِ الْمَجْنُونَ فِي هَذَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ لَا يَبْطُلُ بِطَرَيَانِ جُنُونِهِ، وَإِلَّا لَمْ تُتَصَوَّرْ الْمَسْأَلَةُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا جَازَ وَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا ثُمَّ نَابَ عَنْهُمَا فِي الْإِعْتَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَيِّمًا أَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبَلَ الْقَاضِي لَهُمَا التَّمْلِيكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَقَالَا فِي بَابِ الصَّدَاقِ: لَوْ لَزِمَ الصَّبِيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَلَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِعْتَاقَهُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إعْتَاقُ عَبْدِ الطِّفْلِ، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ عِتْقُ التَّبَرُّعِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ حُكْمِ السَّفِيهِ، وَذَكَرَا فِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْعَبْدِ، وَقَدْ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ كَذَلِكَ، لَكِنْ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِوُجُوبِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي مَالِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْحُرِّيَّةُ، بَلْ تَجِبُ (وَ) إنْ كَانَ الْقَاتِلُ (عَبْدًا) كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ، لَكِنْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَذِمِّيًّا) لِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا، وَقُلْنَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ أَوَّلًا (أَوْ ذِمِّيًّا) وَيُتَصَوَّرُ إعْتَاقُهُ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي صُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يُسْلِمَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَرِثَهُ أَوْ يَقُولَ لِمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ إعْتَاقُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْخَطَأُ بَلْ تَجِبُ (وَ) إنْ كَانَ الْقَاتِلُ (عَامِدًا) لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، فَإِنَّ فِيهِ فِي صَاحِبٍ لَنَا اسْتَوْجَبَ النَّارَ، وَلَا يَسْتَوْجِبُ النَّارَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِلْجَبْرِ وَالْعَامِدُ أَحْوَجُ إلَيْهَا، وَمِثْلُهُ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: عَامِدًا أَوْ لَا دَخَلَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ لَا يَدْخُلُهَا قِيَاسٌ (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ (مُخْطِئًا) فَبِالْإِجْمَاعِ، وَلِلْآيَةِ السَّابِقَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَخْصًا بِإِذْنِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ اقْتَضَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 375 وَمُتَسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ، وَذِمِّيٍّ وَجَنِينٍ وَعَبْدِ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ. لَا امْرَأَةٍ، وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ. وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] كَلَامُهُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِقَوْلِهِ: هَدَرٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْجَلَّادُ الْقَاتِلُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ إذَا جَرَى عَلَى يَدِهِ قَتْلٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَهُوَ جَاهِلٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْحَائِلِ؛ لِأَنَّهُ سَيْفُ الْإِمَامِ وَآلَةُ سِيَاسَتِهِ (وَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْمُبَاشَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ (مُتَسَبِّبًا) كَالْمُكْرِهِ وَالْآمِرِ بِهِ لِمَنْ لَا يُمَيِّزُ وَشَاهِدِ الزُّورِ، وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا وَلَوْ حَصَلَ التَّرَدِّي بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْقَاتِلِ يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ فَشَمِلَتْهُمَا الْآيَةُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ. تَنْبِيهٌ: الشَّرْطُ كَالسَّبَبِ وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ: مُتَسَبِّبًا عَلَى الْأَعَمِّ دَخَلَ الشَّرْطُ فِي عِبَارَتِهِ، وَتَقَدَّمَ أَوَائِلَ كِتَابِ الْجِرَاحِ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ (بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ) كَانَ (بِدَارِ حَرْبٍ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَلَا الدِّيَةُ لِلْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَدْ مَرَّ فِيهَا أَنَّ {مِنْ قَوْمٍ} [النساء: 92] بِمَعْنَى فِي قَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ تَبَعًا لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَلِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ لَا تُهْدِرُ دَمَهُ، وَسَبَبُ الْعِصْمَةِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ قَائِمٌ، وَسَوَاءٌ ظُنَّ كُفْرُهُ أَوْ تَتَرَّسَ بِهِ الْعَدُوُّ أَمْ لَا (وَ) بِقَتْلِ (ذِمِّيٍّ) وَمُسْتَأْمِنٍ لِلْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنَّ الذِّمَّةَ وَالْعَهْدَ مِنْ الْمَوَاثِيقِ (وَ) بِقَتْلِ (جَنِينٍ) مَضْمُونٍ بِالْغُرَّةِ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ، وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَ) بِقَتْلِ (عَبْدِ نَفْسِهِ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَجِبُ فِيهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَوَجَبَتْ لَهُ، بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا وَجَبَتْ فِي عَبْدِ نَفْسِهِ فَفِي عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْلَى (وَ) بِقَتْلِ (نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ مَعْصُومَةً بِأَنْ كَانَتْ مُهْدَرَةً فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ (وَفِي) قَتْلِ (نَفْسِهِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا الْكَفَّارَةُ كَمَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا بِالْمَالِ. وَ (لَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ (امْرَأَةٍ، وَ) لَا بِقَتْلِ (صَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ) وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمَا (وَ) لَا بِقَتْلِ مُبَاحِ الدَّمِ كَقَتْلِ (بَاغٍ وَصَائِلٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ: مُحْصَنٍ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ (وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ) بِقَتْلِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَتَلَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَعْضِهِ كَأَنْ انْفَرَدَ بَعْضُ الْأَوْلَادِ بِقَتْلِ قَاتِلِ أَبِيهِمْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي عِنْدَ إذْنِ الْبَاقِينَ، وَكَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ مَنْ لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ فِي قَتْلِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. (وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ) فِي الْقَتْلِ (كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 376 وَهِيَ كَظِهَارٍ لَكِنْ لَا إطْعَامَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَالْقِصَاصِ. فَإِنْ قِيلَ هَلَّا تَبَعَّضَتْ كَالدِّيَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ النَّفْسِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ لِتَكْفِيرِ الْقَتْلِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ قَاتِلٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَا تَتَبَعَّضُ، وَالثَّانِي عَلَى الْجَمِيعِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَقَتْلِ الصَّيْدِ. (وَهِيَ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ (كَظِهَارٍ) أَيْ كَصِفَةِ كَفَّارَتِهِ فِي التَّرْتِيبِ فَيُعْتِقُ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِلْآيَةِ (لَكِنْ لَا إطْعَامَ) فِيهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ (فِي الْأَظْهَرِ) اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا، إذْ الْمُتَّبَعُ فِي الْكَفَّارَاتِ النَّصُّ لَا الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الظِّهَارِ كَمَا فَعَلُوا فِي قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اُعْتُبِرُوهُ ثَمَّ حَمْلًا عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَاكَ إلْحَاقٌ فِي وَصْفٍ، وَهَذَا إلْحَاقٌ فِي أَصْلٍ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يُلْحَقُ بِالْآخَرِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ فِي التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُحْمَلُ إهْمَالُ الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فِي الْوُضُوءِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ أَطْعَمَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَفَائِتِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي يُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كَالظِّهَارِ. تَنْبِيهٌ: الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الرَّقَبَةِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ. خَاتِمَةٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَلَا يُعَدُّ مُهْلِكًا كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 377 كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ، يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ وَانْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ يُعْرِضُ عَنْهُ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ] ِ أَيْ الْقَتْلِ، وَعَبَّرَ بِهِ لِلُزُومِهِ لَهُ غَالِبًا (وَالْقَسَامَةِ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ: اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ الَّتِي تُقَسَّمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الدَّمِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَسَمِ، وَهُوَ الْيَمِينُ، وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَذُكِرَ فِي الْبَابِ أَيْضًا الشَّهَادَةُ عَلَى الدَّمِ، وَاسْتُغْنِيَ عَنْ التَّرْجَمَةِ لَهَا لِأَنَّ الدَّعْوَى بِالدَّمِ تَسْتَتْبِعُ الشَّهَادَةَ، وَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ فِي الْمُحَرَّرِ بِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ» ، وَفِي إسْنَادِهِ لِينٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَقَرَّهَا الشَّارِعُ فِي الْإِسْلَامِ، (يُشْتَرَطُ) لِكُلِّ دَعْوَى بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ. سِتَّةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا (أَنْ) تَكُونَ مَعْلُومَةً غَالِبًا بِأَنْ (يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ) وَشِبْهِ عَمْدٍ (وَ) مِنْ (انْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ) وَعَدَدُ الشُّرَكَاءِ فِي قَتْلٍ يُوجِبُ الدِّيَةَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِذَلِكَ. نَعَمْ إنْ قَالَ: أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَطَالَبَ بِحِصَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا طَالَبَهُ بِعُشْرِ الدِّيَةِ، فَإِنْ أُوجِبَ الْقَوَدُ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَصَحِّ بَيَانُ عَدَدِ الشُّرَكَاءِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّفْصِيلِ السِّحْرُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى سَاحِرٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ مَثَلًا بِسِحْرِهِ لَمْ يُفَصِّلْ فِي الدَّعْوَى بَلْ يُسْأَلُ السَّاحِرُ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى بَيَانِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إطْلَاقُ غَيْرِهِ يُخَالِفُهُ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ كَقَوْلِهِ: هَذَا قَتَلَ أَبِي (اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي) نَدْبًا عَمَّا ذُكِرَ لِيَصِحَّ بِتَفْصِيلِهِ دَعْوَاهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْوُجُوبَ فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ؟ فَإِنْ عَيَّنَ نَوْعًا مِنْهَا سَأَلَ عَنْ صِفَتِهِ لِأَنَّهُ نَطَقَ عَنْ صِفَتِهِ الْعَمْدَ مَحْضًا (وَقِيلَ) لَا يَسْتَفْصِلُ الْقَاضِي الْمُدَّعِيَ بَلْ (يُعْرِضُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ التَّلْقِينِ، وَمَنْعُ الْأَوَّلِ كَوْنُهُ تَلْقِينًا بَلْ التَّلْقِينُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: قُلْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارِهِ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 378 وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ لَا يُحَلِّفُهُمْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ   [مغني المحتاج] الْمُدَّعِي: وَقَبَضْتُهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ التَّسْلِيمُ إلَيَّ (وَ) . ثَالِثُهَا (أَنْ يُعَيِّنَ) الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا مُعَيَّنًا كَثَلَاثَةٍ حَاضِرِينَ (فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ) فَأَنْكَرُوا وَطَلَبَ تَحْلِيفَهُمْ (لَا يُحَلِّفُهُمْ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ) لِلْإِبْهَامِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ. وَالثَّانِي يُحَلِّفُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ، فَقَدْ مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي تَحْلِيفَ وَاحِدٍ لَمْ يُجِبْهُ لِلْإِبْهَامِ، وَسَبَبُ مَا وَقَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا أَنَّ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ ذَكَرَهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّنْ يُصَحِّحُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ نَقَلَهُ ذَاهِلًا عَمَّا مَرَّ اهـ. وَجَمَعَ شَيْخِي بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِأَنَّ مَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ عَدَمِ اللَّوْثِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَمَا فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ عِنْدَ وُجُوبِ اللَّوْثِ، وَعَلَى هَذَا فَإِنْ نَكَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ الْيَمِينِ فَذَلِكَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْقَاتِلُ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ، فَلَوْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ قَالَ عَرَفْتُهُ فَلَهُ تَعْيِينُهُ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّوْثَ حَاصِلُ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا، وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْقَاتِلَ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَلَا يَخْتَصُّ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بِدَعْوَى الدَّمِ (وَ) حِينَئِذٍ (يَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ) وَنَحْوِهَا، إذْ السَّبَبُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فِيهِ اخْتِيَارُهُ وَالْمُبَاشِرُ لَهُ يَقْصِدُ الْكِتْمَانَ فَأَشْبَهَ الدَّمَ. تَنْبِيهٌ: ضَابِطُ مَحَلِّ الْخِلَافِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الدَّعْوَى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُجْهَلُ تَعْيِينُهُ، بِخِلَافِ دَعْوَى الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ بِاخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَشَأْنُهَا أَنْ يَضْبِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. فَرْعٌ: لَوْ نَشَأَتْ الدَّعْوَى عَنْ مُعَامَلَةِ وَكِيلِهِ أَوْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَمَاتَا أَوْ صَدَرَتْ عَنْ مُوَرِّثِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: اُحْتُمِلَ إجْرَاءُ الْخِلَافِ لِلْمَعْنَى، وَاحْتُمِلَ أَنْ لَا يَجْرِيَ، لِأَنَّ أَصْلَهَا مَعْلُومٌ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ اهـ. وَإِجْرَاءُ الْخِلَافِ أَوْجَهُ (وَ) . رَابِعُهَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إنَّمَا تُسْمَعُ) الدَّعْوَى (مِنْ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ حَالَةَ الدَّعْوَى، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، لَا يَضُرُّ كَوْنُهُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَجْنَبِيًّا حَالَةَ الْقَتْلِ إذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عِنْدَ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ الْحَالَ بِالتَّسَامُعِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي مَظِنَّةِ الْحَلِفِ إذَا عُرِفَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ سَمَاعِ كَلَامِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَقَبَضَهَا فَادَّعَى رَجُلٌ مِلْكَهَا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ اشْتِرَاطُهُ التَّكْلِيفَ أَنَّ السَّكْرَانَ الْمُتَعَدِّيَ بِسُكْرِهِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ، وَإِلَّا لَاسْتَثْنَاهُ كَمَا اسْتَثْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 379 مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَوْ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ لَمْ تُسْمَعْ الثَّانِيَةُ،   [مغني المحتاج] هُنَا لِمَا عُلِمَ مِنْ هُنَاكَ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّعِي الرُّشْدُ فَتَصِحُّ دَعْوَى السَّفِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنْ لَا يَقُولُ فِي الدَّعْوَى: وَأَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُ تَسْلِيمُهُ إلَى وَلِيٍّ (مُلْتَزِمٍ) فَلَا تُسْمَعُ مِنْ حَرْبِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قِصَاصًا وَلَا غَيْرَهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّ دَعْوَى الْحَرْبِيِّ لَا تُسْمَعُ ذُهُولٌ عَنْ قَوَاعِدَ مَذْكُورَةٍ فِي السِّيَرِ، فَقَدْ نَصُّوا هُنَاكَ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَأَوْدَعَ عِنْدَنَا مَالًا ثُمَّ عَادَ لِلِاسْتِيطَانِ لَمْ يُنْقَضْ الْأَمَانُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَذَكَرَ مَسَائِلَ مِنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ الصَّوَابَ حَذْفُ قَيْدِ الِالْتِزَامِ. وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَمَا فِي السِّيَرِ فِي حَرْبِيٍّ لَهُ أَمَانٌ، فَلَا مُخَالَفَةَ، وَعَنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلْتَزِمِ مَنْ لَهُ أَمَانٌ فَيَدْخُلُ الْمُعَاهِدُ فَإِنَّهُ لَا تَوَقُّفَ فِي سَمَاعِ دَعْوَاهُ بِمَالِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ مِثْلِهِ، وَلَا فِي دَعْوَاهُ دَمَ مُوَرِّثِهِ الذِّمِّيِّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنِ. وَخَامِسُهَا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى (عَلَى) مُدَّعًى عَلَيْهِ (مِثْلِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي فِي كَوْنِهِ مُكَلَّفًا فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، بَلْ إنْ تَوَجَّهَ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ حَقٌّ مَالِيٌّ ادَّعَى مُسْتَحِقُّهُ عَلَى وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ حَاضِرٌ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تُسْمَعُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَيُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَمَا هُنَا مَحَلُّهُ عِنْدَ حُضُورِ وَلِيِّهِمَا، وَمَا هُنَاكَ عِنْدَ غَيْبَتِهِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي الْمُكَلَّفِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَالْفَلَسِ وَالرِّقِّ، فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ فِيمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُمْ بِهِ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ بِالْقَتْلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ سُمِعَتْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ عَمْدًا أَمْ خَطَأً أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ فَإِنْ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصُ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ مَقْبُولٌ، وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ أَقَرَّ أَمْضَى حُكْمَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَدَ وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لَمْ تُسْمَعْ، إذْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِالْإِتْلَافِ وَتُسْمَعُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ رِقٍّ فِيمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِيهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي الدَّعَاوَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا فَلَيْسَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا تَعَرُّضٌ لَهُ، وَإِنَّمَا فِيهَا اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ خَاصَّةً، لَكِنْ إذَا شَرَطَ الِالْتِزَامَ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُنَا أَيْضًا كَمَا سَبَقَ انْتَهَى. وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا مَرَّ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُدَّعَى بِهِ لِإِتْلَافِهِ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ لَمْ يُسْمَعْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ فِي حَالِ الْتِزَامِهِ سُمِعَتْ، وَهُوَ إذْ ذَاكَ لَيْسَ بِحَرْبِيٍّ (وَ) . سَادِسُهَا أَنْ لَا تَتَنَاقَضَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَحِينَئِذٍ (لَوْ ادَّعَى) عَلَى شَخْصٍ (انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ) أَنَّهُ شَرِيكُهُ أَوْ مُنْفَرِدٌ (لَمْ تُسْمَعْ) الدَّعْوَى (الثَّانِيَةُ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْأُولَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 380 أَوْ عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى فِي الْأَظْهَرِ. وَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ، فِي الْقَتْلِ بِمَحَلِّ لَوْثٍ، وَهُوَ قَرِينَةٌ لِصِدْقِ الْمُدَّعِي بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ،   [مغني المحتاج] وَمُنَاقَضَتِهَا، وَسَوَاءٌ أَقْسَمَ عَلَى الْأُولَى وَمَضَى الْحُكْمُ فِيهِ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ بَقَاءَ الدَّعْوَى الْأُولَى بِحَالِهَا وَفِيهَا تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِأَنَّ الثَّانِيَة تُكَذِّبُهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ مُكِّنَ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ، وَمَحَلُّ عَدَمِ سَمَاعِ الثَّانِيَة مَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الثَّانِي، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا (أَوْ) ادَّعَى (عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ) مِنْ خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَعَكْسُهُ بَطَلَ الْوَصْفُ فَقَطْ، وَ (لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى) وَهُوَ دَعْوَى الْقَتْلِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِعَمْدٍ عَمْدًا وَعَكْسَهُ وَحِينَئِذٍ يُعْتَمَدُ تَفْسِيرُهُ وَيَمْضِي حُكْمُهُ. وَالثَّانِي يَبْطُلُ لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ اعْتِرَافًا بِبَرَاءَةِ الْعَاقِلَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى الْأَوَّلِ عَدَمُ احْتِيَاجِهِ إلَى تَجْدِيدِ دَعْوَى، لَكِنْ جَزَمَ بِتَجْدِيدِهَا ابْنُ دَاوُد فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. [الْقَسَامَةِ] وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ شُرُوطِ دَعْوَى الدَّمِ شَرَعَ فِي الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْقَسَامَةُ مُعَرِّضًا لِمَحَلِّهَا فَقَالَ (وَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ) وَسَبَقَ تَفْسِيرُهَا (فِي الْقَتْلِ) لِلنَّفْسِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْقَتْلِ (بِمَحَلِّ) أَيْ مَكَانِ (لَوْثٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّوْثُ لُغَةً الْقُوَّةُ، وَيُقَالُ الضَّعْفُ، يُقَالُ لَاثَ فِي كَلَامِهِ: أَيْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ ضَعِيفٍ، وَاصْطِلَاحًا (قَرِينَةٌ) حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ (لِصِدْقِ) أَيْ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ (الْمُدَّعِي) بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، وَفَسَّرَ الْقَرِينَةَ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (وُجِدَ قَتِيلٌ) أَوْ بَعْضُهُ كَرَأْسِهِ إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ (فِي مَحَلَّةٍ) مُنْفَصِلَةٍ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ عَنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، وَلَا بَيِّنَةَ بِقَتْلِهِ (أَوْ) فِي (قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ) سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ إذَا كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ وَلَمْ يُسَاكِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ غَيْرُهُمْ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَيْرَ قَتَلَهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ حَتَّى لَوْ وَكَانَتْ الْقَرْيَةُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَكَانَ يَطْرُقُهَا الْمُسَافِرُونَ وَالْمُجْتَازُونَ فَلَا لَوْثَ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟ . وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الثَّانِي، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَكَى الْأَوَّلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ، وَالْمُرَادُ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِغَيْرِهِمْ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ صَدَاقَتُهُ لِلْقَتِيلِ، وَلَا كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَعْدَائِهِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ عَدَاوَتِهِمْ لِلْقَتِيلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونُوا أَعْدَاءً لِقَبِيلَتِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 381 أَوْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ، وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَإِنْ الْتَحَمَ قِتَالٌ فَلَوْثٌ فِي حَقِّ الصَّفِّ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَفِي حَقِّ صَفِّهِ. وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثٌ.   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ: لَوْ انْفَرَدَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُهَا غَيْرُهُمْ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَاوَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي زَوَائِدِهِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْمَوْجُودُ بِقُرْبِ الْقَرْيَةِ كَمَنْ هُوَ فِيهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عِمَارَةٌ أُخْرَى، وَلَا مَنْ يُقِيمُ بِالصَّحْرَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ اشْتِرَاطَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ طَرِيقٌ جَادَّةٌ كَثِيرَةُ الطَّارِقِينَ، وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ وَلَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاهُمَا عَدَاوَةٌ لَمْ نَجْعَلْ قُرْبَهُ إحْدَاهُمَا لَوْثًا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُ قَتِيلٍ فِي مَحَلَّةِ أَعْدَائِهِ وَبَعْضُهُ فِي أُخْرَى لِأَعْدَاءٍ لَهُ آخَرِينَ فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَيُقَسِّمَ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِمَا وَيُقَسِّمَ (أَوْ) وُجِدَ قَتْلٌ (تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ) كَأَنْ ازْدَحَمُوا عَلَى بِئْرٍ أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ لِقُوَّةِ الظَّنِّ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا كَوْنُهُمْ أَعْدَاءً، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ بِحَيْثُ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتِيلِ. قَالَ: وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى وَلَمْ يُقَسِّمْ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى عَدَدٍ مِنْهُمْ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتِيلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ تُسْمَعَ، وَيُمَكَّنُ مِنْ الْقَسَامَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا أَبْرَأَ الْبَعْضَ خَالَطُوهُمْ اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ فَلَا تَضُرُّ الْمُخَالَطَةُ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ فِي اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ ظُهُورُ دَمٍ وَلَا جُرْحٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَحْصُلُ بِالْخَنْقِ وَعَصْرِ الْبَيْضَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ قَامَ مَقَامَ الدَّمِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ أَصْلًا فَلَا قَسَامَةَ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَإِنْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُوصَ، وَقَوْلَ الْجُمْهُورِ ثُبُوتُ الْقَسَامَةِ (وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ) وَاقْتَتَلُوا (وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا طَرِيٍّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (فَإِنْ الْتَحَمَ) أَيْ اخْتَلَطَ (قِتَالٌ) مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَوْ لَمْ يَلْتَحِمْ وَلَكِنْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ عَلَى الْآخَرِ كَمَا قَالَهُ الْفَارِقِيُّ (فَلَوْثٌ فِي حَقِّ) أَهْلِ (الصَّفِّ الْآخَرِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَهْلَ صَفِّهِ لَا يَقْتُلُونَهُ سَوَاءٌ أَوُجِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَمْ فِي صَفِّ نَفْسِهِ أَمْ فِي صَفِّ خَصْمِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَلْتَحِمْ قِتَالٌ، وَلَا وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ (فَ) لَوْثٌ (فِي حَقِّ) أَهْلِ (صَفِّهِ) أَيْ الْقَتِيلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ. (وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ) الْوَاحِدِ (لَوْثٌ) لَحُصُولِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ فَقَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِلَوْثٍ لَوْثًا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ حَاكِمٍ بَعْدَ دَعْوَى وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الدَّعْوَى أَمْ تَأَخَّرَتْ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا وَقَالَ فِي لَفْظِ الْوَجِيزِ إشْعَارٌ بِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَتِهِ الْبَيَانُ فَقَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِلُوثٍ لَوْثًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 382 وَكَذَا عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَفَرُّقُهُمْ وَقَوْلُ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: إنَّمَا تَكُونُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثًا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ، فَإِنْ كَانَ فِي خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ لَمْ يَكُنْ لَوْثًا بَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا لَا يُوجِبُ قِصَاصًا كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ قَتْلِ الْخَطَإِ فِي أَصْلِ الْمَالِ لَا فِي صِفَتِهِ. (وَكَذَا عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ) أَيْ شَهَادَتُهُمْ لَوْثٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْجَمْعِ يُخْرِجُ الِاثْنَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّ الَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّ شَهَادَةَ عَبْدَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الْجَمْعِ، بَلْ فِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْثٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ، وَنَقَلَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَسَوَاءٌ فِي شَهَادَةِ مَنْ ذُكِرَ جَاءُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَفَرُّقُهُمْ) لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّوَاطُؤِ كَاحْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي شَهَادَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي شَهَادَتِهِمْ إذَا جَاءُوا دَفْعَةً. وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا الْمَنْعُ، وَأَقْوَاهُمَا أَنَّهُ لَوْثٌ، وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ بَدَلَ الْأَقْوَى، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَرَطْنَا التَّعَدُّدَ فَإِنْ لَمْ نَشْرِطْهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِمْ مُتَفَرِّقِينَ وَمُجْتَمِعِينَ، هَذَا فِيمَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ جَمْعٍ كَمَا قَالَ. (وَقَوْلُ) أَيْ إخْبَارُ (فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ اتِّفَاقَ الْجَمْعِ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ كَيْفَ كَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَقِيقَةٍ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ، إذْ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمْ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَالثَّالِثُ خَصَّ الْمَنْعَ بِالْكُفَّارِ. تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ عَلَى الْأَوَّلِ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرُوا مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُشْتَرَطُ فِي إخْبَارِهِمْ الْبَيَانُ كَمَا مَرَّ. وَمِنْ اللَّوْثِ لَهَجُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ، أَوْ رُئِيَ فِي مَوْضِعِهِ رَجُلٌ يُحَرِّكُ مِنْ بَعْدِهِ يَدَهُ كَضَارِبٍ بِسَيْفٍ، أَوْ وُجِدَ عِنْدَهُ رَجُلٌ سِلَاحُهُ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَثَرُهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ تُعَارِضُهُ كَأَنْ وُجِدَ بِقُرْبِهِ سَبُعٌ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ مُوَلٍّ ظَهْرَهُ أَوْ غَيْرَ مُوَلٍّ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، فَلَا يَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّهِ، وَمِنْهُ إخْبَارُ عَدْلٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَحَدَهُمَا وَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ فَلَا يَكُونُ لَوْثًا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ صُدِّقَ وَلِيُّ أَحَدِهِمَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلِيُّهُمَا وَاحِدًا كَانَ لَوْثًا: وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُقَوِّي مَا قَالَهُ مَا لَوْ كَانَتْ دِيَتُهَا مُتَسَاوِيَةً. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ عَجَزَ الشُّهُودُ عَنْ تَعْيِينِ الْمُوضِحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ، وَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ وَلَمْ يُعَيِّنَا، وَكَانَ زَيْدٌ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لَا الْقِصَاصُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ وَاحِدَةٍ نَزَلَ عَلَى الْمَقْطُوعَةِ كَمَا صَوَّبَ الْمُصَنِّفُ الْجَزْمَ بِهِ. وَقَوْلُ الْمَجْرُوحِ: جَرَحَنِي فُلَانٌ، أَوْ قَتَلَنِي، أَوْ دَمِي عِنْدَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَوْثٍ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 383 وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ: قَتَلَهُ فُلَانٌ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ بَطَلَ اللَّوْثُ، وَفِي قَوْلٍ لَا وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ، وَقَالَ الْآخَرُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَهُ رُبُعُ الدِّيَةِ،   [مغني المحتاج] فَلَا يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ فَيَقْصِدُ إهْلَاكَهُ. . ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ، وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ. الْأَوَّلُ تَكَاذُبُ الْوَرَثَةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ) فِي قَتِيلٍ (فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ) مَثَلًا (قَتَلَهُ فُلَانٌ) وَظَهَرَ عَلَيْهِ لَوْثٌ (وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) فَقَالَ لَمْ يَقْتُلْهُ (بَطَلَ اللَّوْثُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَرَى الْعَادَةَ بِحِرْصِ الْقَرِيبِ عَلَى التَّشَفِّي مِنْ قَاتِلِ قَرِيبِهِ وَأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُهُ فَعَارَضَ هَذَا اللَّوْثَ فَسَقَطَا، فَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي لِانْخِرَامِ ظَنِّ الْقَتْلِ بِالتَّكْذِيبِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ ادَّعَى أَحَدُ وَارِثَيْنِ دَيْنًا لِلْمُوَرِّثِ وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدًا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ، حَيْثُ لَا يَمْنَعُ تَكْذِيبُهُ حَلِفَ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ بِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهَا وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ، وَإِنْ كَذَّبَ الْآخَرُ وَاللَّوْثُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُثِيرٌ لِلظَّنِّ فَيَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ اللَّوْثُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فِي خَطَإٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ. وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بِتَكْذِيبِ أَحَدِهِمَا قَطْعًا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ إنَّمَا تَكُونُ لَوْثًا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ (وَفِي قَوْلٍ لَا) يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ اللَّوْثِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمُدَّعِي بِتَكْذِيبِ أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ، وَعَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ الدِّيَةِ (وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ) اللَّوْثُ (بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ) لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الشَّرْعِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْفَاسِقِ فِيمَا يُسْقِطُ حَقَّهُ مَقْبُولٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، فَإِنْ قِيلَ: قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ عَدْلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعَدَالَةِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ فَلَا يَكُونُ صَغِيرًا وَلَا مَجْنُونًا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَّعِي. أَمَّا بُطْلَانُ اللَّوْثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَذِّبِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْمُعَيَّنِ لَا فِي أَهْلِ مَحَلَّةٍ وَنَحْوِهِمْ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ لَوْثٌ فَعَيَّنَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ وَعَيَّنَ غَيْرَهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ أَخُوهُ فِيمَا قَالَ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الَّذِي كُذِّبَ مِنْ الَّذِي عَيَّنَهُ قَطْعًا لِبَقَاءِ أَصْلِ اللَّوْثِ، وَانْخِرَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الَّذِي تَكَاذَبَا فِيهِ، وَأَفْهَمَ تَصْوِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالتَّكْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْآخَرُ: لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَبْطُلْ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِ (وَلَوْ) لَمْ يَتَكَاذَبْ ابْنَا الْقَتِيلِ مَثَلًا، بَلْ (قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ) عِنْدِي (وَقَالَ الْآخَرُ) قَتَلَهُ (عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ) عِنْدِي (حَلَفَ) (كُلٌّ) مِنْهُمَا (عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ) مِنْهُمَا، إذْ لَا تَكَاذُبَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي أُبْهِمَ ذِكْرُهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْآخَرُ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ (وَلَهُ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (رُبُعُ الدِّيَةِ) لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُهَا وَحِصَّتُهُ مِنْهُ نِصْفُهُ، وَلَوْ رَجَعَا وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: بَانَ لِي أَنَّ الَّذِي أَبْهَمْتُهُ هُوَ الَّذِي عَيَّنَهُ أَخِي فَلِكُلٍّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 384 وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ مَعَ الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ بِأَصْلِ قَتْلٍ دُونَ عَمْدٍ وَخَطَإٍ فَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُقْسَمُ فِي طَرَفٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ   [مغني المحتاج] أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْآخَرِ وَيَأْخُذَ رُبُعَ الدِّيَةِ، وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ نِصْفَهَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ: الْمَجْهُولُ غَيْرُ مَنْ عَيَّنَهُ أَخِي رَدَّ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَخَذَهُ لِتَكَاذُبِهِمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ مَنْ عَيَّنَهُ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا رَدَّ صَاحِبُهُ وَحْدَهُ مَا أَخَذَهُ وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُحَلِّفَ مَنْ عَيَّنَهُ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ زَيْدٌ وَحْدَهُ أَقْسَمَا عَلَى زَيْدٍ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَطَالَبَاهُ بِالنِّصْفِ، وَلَا يُقْسِمُ الْأَوَّلُ عَلَى عَمْرٍو لِأَنَّ أَخَاهُ كَذَّبَهُ فِي الشَّرِكَةِ وَلِلْأَوَّلِ تَحْلِيفُ عَمْرٍو فِيمَا بَطَلَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَلِلثَّانِي تَحْلِيفُ زَيْدٍ فِيهِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي مِنْ مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ وَهُوَ إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُشَارَكَةَ الْمَذْكُورَةَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ) قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ الْمُدَّعِي (لَمْ أَكُنْ مَعَ) الْقَوْمِ (الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ) أَيْ الْقَتِيلِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْقَتْلِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ عَلَى الْأَمَارَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا، وَهِيَ عَدْلَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِهَا وَسَقَطَ اللَّوْثُ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الدَّعْوَى. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ كُنْتُ غَائِبًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا كَمَا فِي التَّهْذِيبِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هَذَا عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى حُضُورِهِ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يُبَيِّنَا الْحُكْمَ عِنْدَ عَدَمِ الِاتِّفَاقِ، وَحُكْمُهُ التَّعَارُضُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ مِنْ مُسْقِطَاتِ اللَّوْثِ وَهُوَ ظُهُورُ اللَّوْثِ بِأَصْلِ الْقَتْلِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ) فِي قَتِيلٍ لَكِنْ (بِأَصْلِ) أَيْ مُطْلَقِ (قَتْلٍ دُونَ) تَقْيِيدِهِ بِصِفَةِ (عَمْدٍ وَخَطَإٍ) وَشِبْهِ عَمْدٍ (فَلَا قَسَامَةَ) حِينَئِذٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْقَتْلِ لَا يُفِيدُ مُطَالَبَتَهُ الْقَاتِلَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْعَمْدِ، وَلَا مُطَالَبَةَ الْعَاقِلَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَالثَّانِي، نَعَمْ صِيَانَةً عَنْ الْإِهْدَارِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِالْأَخَفِّ حُكْمًا وَهُوَ الْخَطَأُ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لَكِنْ تَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ وَتَصْوِيرُهُ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إلَّا مُفَصَّلَةً كَمَا سَبَقَ وَجَعَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ وَفَصَّلَ وَظَهَرَتْ الْأَمَارَةُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ دُونَ صِفَتِهِ. قَالَ: وَكَذَا إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى مُطْلَقَةً وَجَوَّزْنَاهُ وَظَهَرَ اللَّوْثُ فِي مُطْلَقِ الْقَتْلِ فَيَجِيءُ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ خَصِيصَةِ قَتْلِ النَّفْسِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يُقْسَمُ فِي) مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ قَطْعِ (طَرَفٍ) عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ بَلَغَ دِيَةَ نَفْسٍ وَجُرْحٍ (وَإِتْلَافِ مَالٍ) بَلْ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي النَّفْسِ لِحُرْمَتِهَا، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا دُونَهَا كَمَا اخْتَصَّتْ بِالْكَفَّارَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 385 إلَّا فِي عَبْدٍ فِي الْأَظْهَرِ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ خَمْسِينَ يَمِينًا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ نَاقِصٌ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجِرَاحَاتِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ وَالْأَمْوَالِ، فَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ الْجِرَاحَاتِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا يُقْسَمُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِشَمْلِهَا وَكَانَ أَخْصَرَ، وَعَدَمُ الْقَسَامَةِ فِي الْمَالِ مَجْزُومٌ بِهِ، وَفِي الْأَطْرَافِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ أَيْضًا، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْقَسَامَةِ فِي الْمَالِ الرَّقِيقَ فَقَالَ (إلَّا فِي) قَتْلِ (عَبْدٍ) أَوْ أَمَةٍ مَعَ لَوْثٍ فَيُقْسِمُ السَّيِّدُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مِنْ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ (فِي الْأَظْهَرِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَ الرَّقِيقِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ لِحُرْمَةِ النَّفْسِ كَالْقِصَاصِ، وَالثَّانِي لَا قَسَامَةَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَدَلَهُ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْبَهَائِمِ. تَنْبِيهٌ: جَرَيَانُ الْخِلَافِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ الْقَسَامَةِ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْقَسَامَةُ (أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي) الْوَارِثُ ابْتِدَاءً (عَلَى قَتْلٍ) النَّفْسَ وَلَوْ نَاقِصَةً كَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ (ادَّعَاهُ) مَعَ وُجُودِ اللَّوْثِ (خَمْسِينَ يَمِينًا) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ خَيْثَمَةَ. قَالَ «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ فَسَكَتَ فَتَكَلَّمَا وَأَنْكَرَ الْيَهُودُ الْقَتْلَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ: تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ قَاتِلِكُمْ أَوْ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا مُخَصِّصٌ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَقِيلَ: إنَّ الْخَمْسِينَ تُقَسَّطُ عَلَى الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، فَيَحْلِفُ فِي الْمَرْأَةِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَفِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، وَصُورَةُ التَّعَدُّدِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَالِفُ بِالْقَسَمِ خَمْسِينَ مَرَّةً يَأْتِي بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهَا بِمَا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ، لَا أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْرِيرٌ لِلْقَسَمِ لَا لِلْيَمِينِ، ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحُوا فِي اللِّعَانِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الْيَمِينِ وَقَتَلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ زَيْدٍ أَوْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ فِي دَعْوَاهُ، وَالْحَلِفُ يَتَوَجَّهُ إلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَقَدْ قَتَلَ هَذَا، وَيُشِيرُ إلَيْهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ يُعَرِّفُهُ بِمَا يَمْتَازُ بِهِ مِنْ قَبِيلَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ لَقَبٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 386 وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى، وَلَوْ مَاتَ لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ إمَّا ابْتِدَاءً حَيْثُ لَا لَوْثَ أَوْ عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعِي مَعَ اللَّوْثِ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً فَإِنَّهَا عِنْدَنَا الْأَيْمَانُ الَّتِي يَحْلِفُهَا الْمُدَّعِي، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي وَحَلَفَ لَا يُسَمَّى قَسَامَةً أَيْضًا كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ، وَقَيَّدْتُ الْمُدَّعِي أَيْضًا بِكَوْنِهِ وَارِثًا احْتِرَازًا عَنْ صُورَةٍ هِيَ مَا لَوْ أَوْصَى لِلْمُسْتَوْلَدَةِ سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ وَمَاتَ السَّيِّدُ فَلَهَا الدَّعْوَى عَلَى النَّصِّ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُقْسِمَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقْسِمُ هُوَ الْوَارِثُ، وَقَوْلُهُ عَلَى قَتْلٍ. أَوْرَدَ عَلَيْهِ الْجَنِينَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى قَتِيلًا، إذْ لَمْ يُتَحَقَّقْ حَيَاتُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْعَهُ التَّهَيُّؤَ لِلْحَيَاةِ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَيْضًا قَدَّ الْمَلْفُوفِ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ حَالَةَ الْقَتْلِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَحَقُّقُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَذِّرَ الْمُدَّعِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْمُرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] [آلَ عِمْرَانَ] الْآيَةَ، وَيُعَرِّفَهُ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَالْقَوْلَ فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ زَمَانًا وَمَكَانَا وَلَفْظُهُ فِيهِ مَا سَبَقَهُ فِي اللِّعَانِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مُؤَخَّرٌ إلَى الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا) أَيْ الْأَيْمَانِ، فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي خَمْسِينَ يَمِينًا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا صَحَّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَجِ وَالْحُجَجُ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ لِأَنَّ لِلْمُوَالَاةِ أَثَرًا فِي الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ، وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ فِي اللِّعَانِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اللِّعَانَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْبَدَنِيَّةُ وَيَخْتَلُّ بِهِ النَّسَبُ وَتَشِيعُ الْفَاحِشَةُ (وَلَوْ تَخَلَّلَهَا) أَيْ الْأَيْمَانَ (جُنُونٌ) مِنْ الْحَالِفِ (أَوْ إغْمَاءٌ) مِنْهُ (بَنَى) إذَا أَفَاقَ عَلَى مَا مَضَى وَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ. أَمَّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَلِقِيَامِ الْعُذْرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْنِي: بَلْ يَسْتَأْنِفُ إلَّا إنْ عَادَ الْمَعْزُولُ فَيَبْنِي الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْنِفُ فِيمَا إذَا وَلِيَ غَيْرُهُ تَشْبِيهًا بِمَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبِمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ فَعُزِلَ الْقَاضِي وَوَلِيَ آخَرُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ (وَلَوْ مَاتَ) الْوَلِيُّ الْمُقْسِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ (لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ) بَلْ يَسْتَأْنِفُ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ. ثُمَّ مَاتَ حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ، وَلَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهَا قَدْ يُحْكَمُ بِهِمَا بِخِلَافِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ لَا اسْتِقْلَالَ لِبَعْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ انْضَمَّ إلَيْهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ لَا يُحْكَمُ بِهِمَا، وَالثَّانِي يَبْنِي لِأَنَّا إذَا كُنَّا نَبْنِي يَمِينَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ فِي تَوْزِيعِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ فَبِنَاءُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 387 وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ وُزِّعَتْ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، وَجُبِرَ الْمُنْكَسِرُ، وَفِي قَوْلٍ يَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ،   [مغني المحتاج] الْوَارِثِ عَلَى يَمِينِ الْمُوَرِّثِ أَوْلَى. أَمَّا إذَا تَمَّتْ أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ، بَلْ يُحْكَمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ مَاتَ. وَأَمَّا وَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَبْنِي عَلَى أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ مَوْتُهُ الْأَيْمَانَ، وَكَذَا يَبْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا وَوَلِيَ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا، وَيَمِينَ الْمُدَّعِي لِلْإِثْبَاتِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ: عَزْلُ الْقَاضِي وَمَوْتُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَيْمَانِ كَهُمَا فِي أَثْنَائِهَا فِي طَرَفِ الْمُدَّعِي وَطَرَفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ (وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ) خَاصَّةٌ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (وُزِّعَتْ) أَيْ الْأَيْمَانُ الْخَمْسُونَ عَلَيْهِمْ (بِحَسَبِ الْإِرْثِ) لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا خَاصَّةٌ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ غَيْرُ جَائِزٍ وَشَرِيكُهُ بَيْتُ الْمَالِ، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَمْ تُوَزَّعْ، بَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا لَوْ نَكَلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوْ غَابَ يَحْلِفُ الْحَاضِرُ خَمْسِينَ فَفِي زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ عَشْرًا وَالْبِنْتُ أَرْبَعِينَ يُجْعَلُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا، لِأَنَّ سِهَامَهُمَا خَمْسَةٌ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَلَا يَثْبُتُ الْبَاقِي بِذَلِكَ: بَلْ حُكْمُهُ كَمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ يُحْسَبُ أَسْمَاءُ فَرَائِضِهِمْ أَوْ سِهَامِهِمْ وَذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَوْلِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ، فَهَلْ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ أَوْ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْحَاوِي الثَّانِي، فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى هَذَا خَمْسَ عَشْرَةَ، وَكُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ عَشَرَةً، وَكُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ خَمْسَةً، وَالْأُمُّ خَمْسَةً، وَفِي صُوَرِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ تُقَسَّمُ الْأَيْمَانُ كَقَسْمِ الْمَالِ، وَفِي الْمُعَادَةِ لَا يَحْلِفُ وَلَدُ الْأَبِ إنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا حَلَفَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ التَّوْزِيعُ بِحَسَبِ الْإِرْثِ الْمَحْكُومِ بِهِ نَاجِزًا وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْإِرْثِ الْمُحْتَمَلِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ ابْنًا وَخُنْثَى فَلَا تُوَزَّعُ الْخَمْسُونَ بِحَسَبِ الْإِرْثِ النَّاجِزِ بَلْ يَحْلِفُ الِابْنُ ثُلُثَيْ الْخَمْسِينَ وَيَأْخُذُ النِّصْفَ وَيَحْلِفُ الْخُنْثَى نِصْفَ الْخَمْسِينَ وَيَأْخُذُ الثُّلُثَ وَيُوقَفُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَالضَّابِطُ الِاحْتِيَاطُ فِي الطَّرَفَيْنِ الْحَلِفُ بِالْأَكْثَرِ وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ (وَجُبِرَ الْمُنْكَسِرُ) إنْ لَمْ تَنْقَسِمْ صَحِيحَةً لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ، فَلَوْ كَانَ ثَلَاثَةُ بَنِينَ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ حَلَفَ كُلٌّ يَمِينَيْنِ (وَفِي قَوْلٍ) مُخَرَّجٍ (يَحْلِفُ كُلٌّ) مِنْهُمْ (خَمْسِينَ) لِأَنَّ الْعَدَدَ فِي الْقَسَامَةِ كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاحِدَةَ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بِخِلَافِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ (وَلَوْ نَكَلَ) عَنْ الْأَيْمَانِ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَارِثَيْنِ (حَلَفَ) الْوَارِثُ (الْآخَرُ خَمْسِينَ) يَمِينًا وَأَخَذَ حِصَّتَهُ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَمَا سَبَقَ مِنْ تَوْزِيعِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 388 وَلَوْ غَابَ حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَإِلَّا صَبَرَ لِلْغَائِبِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا لَوْثٍ، وَالْمَرْدُودَةَ عَلَى الْمُدَّعِي أَوْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَوْثٍ، وَالْيَمِينَ مَعَ شَاهِدٍ خَمْسُونَ.   [مغني المحتاج] الْأَيْمَانِ مُقَيَّدٌ بِحُضُورِ الْوَارِثِينَ وَكَمَالِهِمْ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ غَابَ) أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا (حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ) فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ هِيَ الْحُجَّةُ، فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ ثَلَاثَ عَصَبَاتٍ كَإِخْوَةٍ أَحَدُهُمْ حَاضِرٌ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِذَا حَضَرَ الثَّانِي حَلَفَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَأَخَذَ الثُّلُثَ، فَإِذَا حَضَرَ الثَّالِثُ حَلَفَ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَيُقَاسُ بِهَذَا غَيْرُهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا قُلْنَا: إنَّ تَكْذِيبَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ لَا يَمْنَعُ الْقَسَامَةَ، وَهُوَ رَأْيُ الْبَغَوِيِّ، فَإِنْ قُلْنَا يَمْنَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ تَعَيَّنَ انْتِظَارُ الْغَائِبِ: أَيْ وَكَمَالُ النَّاقِصِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّا تَحَقَّقْنَا الِاسْتِحْقَاقَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ، فَإِنْ وُجِدَ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَوْ حَلَفَ الْحَاضِرُ أَوْ الْكَامِلُ ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ النَّاقِصُ وَوَرِثَهُ الْحَالِفُ لَمْ يَأْخُذْ نَصِيبَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ حِصَّتَهُ، وَلَا يُحْسَبُ مَا مَضَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهُ حِينَئِذٍ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَائِبَ كَانَ مَيِّتًا حَالَ الْحَلِفِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الِاكْتِفَاءُ بِحَلِفِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْحَاضِرُ أَوْ الْكَامِلُ (صَبَرَ لِلْغَائِبِ) حَتَّى يَحْضُرَ، وَلِلصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَلِلْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ فَيَحْلِفَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأَيْمَانِ ثُمَّ مَا سَبَقَ مَحَلُّهُ فِي الْأَيْمَانِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْمُدَّعِي. أَمَّا الصَّادِرَةُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ يَمِينَ) الشَّخْصِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) قَتْلٌ (بِلَا لَوْثٍ) خَمْسُونَ (وَ) الْيَمِينَ (الْمَرْدُودَةَ) مِنْهُ (عَلَى الْمُدَّعِي) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ أَوْ كَانَ وَنَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي مَرَّةً ثَانِيَةً خَمْسُونَ (أَوْ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِسَبَبِ نُكُولِ الْمُدَّعِي (مَعَ لَوْثٍ) خَمْسُونَ (وَالْيَمِينَ) أَيْضًا (مَعَ شَاهِدٍ) وَقَوْلُهُ (خَمْسُونَ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّهَا فِيمَا ذُكِرَ يَمِينُ دَمٍ، حَتَّى لَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ كُلٌّ خَمْسِينَ وَلَا تُوَزَّعُ عَلَى الْأَظْهَرِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْمُدَّعِي، وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَنْفِي عَنْ نَفْسِهِ الْقَتْلَ كَمَا يَنْفِيهِ مَنْ انْفَرَدَ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِينَ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ لَوْ انْفَرَدَ بَلْ يُثْبِتُ بَعْضَ الْإِرْثِ فَيَحْلِفُ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصِّ بِالْخَمْسِينَ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ مُشْعِرٌ بِحِكَايَةِ الْمَذْهَبِ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَمْ يَحْكِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ، وَحُكِيَ فِيمَا عَدَاهَا الْخِلَافُ قَوْلَيْنِ: أَظْهَرُهُمَا أَنَّ الْحَلِفَ خَمْسُونَ، وَاعْتُذِرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ حِكَايَةَ الْمَذْهَبِ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ بِالنَّظَرِ لِلثَّالِثَةِ، وَالْأَحْسَنُ فِي الْمَرْدُودَةِ وَالْيَمِينِ نَصْبُهُمَا عَطْفًا عَلَى اسْمِ " أَنَّ " قَبْلَ اسْتِكْمَالِ خَبَرِهَا، وَيَجُوزُ عِنْدَ الْكِسَائِيّ الرَّفْعُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 389 وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى الْمَقْسَمِ عَلَيْهِ وَفِي الْقَدِيمِ قِصَاصٌ وَلَوْ ادَّعَى عَمْدًا بِلَوْثٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.   [مغني المحتاج] وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِالْعَمْدِ. أَمَّا قَتْلُ الْخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَيَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا مَرَّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ لَوْثٌ. (وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ) مِنْ الْمُدَّعِي (فِي قَتْلِ الْخَطَإِ، أَوْ) قَتْلِ (شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) مُخَفَّفَةٌ فِي الْأَوَّلِ مُغَلَّظَةٌ فِي الثَّانِي لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُصَنِّفُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ هَذَا بِمَا قَدَّمَهُ فِي فَصْلِ الْعَاقِلَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْبَيِّنَةِ فِي الْعَمْدِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ دِيَةٌ كَمَا قَالَ (وَفِي) قَتْلِ (الْعَمْدِ) دِيَةٌ حَالَّةٌ (عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ) وَلَا قِصَاصَ فِي الْجَدِيدِ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ أَوْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» وَأَطْلَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابَ الدِّيَةِ وَلَمْ يَفْصِلْ، وَلَوْ صَلَحَتْ الْأَيْمَانُ لِلْقِصَاصِ لِذِكْرِهِ؛ وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَفِي الْقَدِيمِ) عَلَيْهِ (قِصَاصٌ) ، حَيْثُ يَجِبُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» أَيْ دَمَ قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ، وَلِأَنَّهَا حُجَّةٌ يَثْبُتُ بِهَا الْعَمْدُ بِالِاتِّفَاقِ فَيَثْبُتُ بِهَا الْقِصَاصُ كَشَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ. وَأَجَابَ فِي الْجَدِيدِ عَنْ الْحَدِيثْ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَدَلُ دَمِ صَاحِبِكُمْ، وَعَبَّرَ بِالدَّمِ عَنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا بِسَبَبِ الدَّمِ، وَعَنْ التَّعْلِيلِ بِانْتِقَاضِهِ بِمَا إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَاحْتَرَزَ بِالْقَسَامَةِ عَمَّا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي عِنْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْقَوَدُ يَثْبُتُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. (وَلَوْ ادَّعَى) قَتْلًا (عَمْدًا بِلَوْثٍ) أَيْ مَعَهُ (عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ) ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ اقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ (أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ) مِنْهُ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) مِنْ مَالِهِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى الْقَدِيمِ (فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ) وَاعْتَرَفَ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ وَإِنْ أَنْكَرَ (أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ) فِي الْأَظْهَرِ كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ السَّابِقَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ وَأَخَذَ مِنْهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ (وَفِي قَوْلٍ) يُقْسِمُ (خَمْسًا وَعِشْرِينَ) كَمَا لَوْ حَضَرَا مَعًا، وَقَوْلُهُ (إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ) أَيْ الْغَائِبَ (فِي الْأَيْمَانِ) الَّتِي حَلَفَهَا لِلْحَاضِرِ قَيْدٌ لَا قَسْمٌ لِلْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ ذَكَرَهُ فِيهَا (فَيَنْبَغِي) كَمَا بَحَثَهُ الْمُحَرَّرُ (الِاكْتِفَاءُ بِهَا) ، وَلَا يَحْلِفُ (بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ ضَعْفُ الْقَسَامَةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مَنْقُولُ الْأَصْحَابِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِلرَّافِعِيِّ كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الثَّالِثِ إذَا حَضَرَ، وَهُوَ كَالثَّانِي فِيمَا مَرَّ فِيهِ. ثُمَّ ذَكَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 390 وَمَنْ اسْتَحَقَّ الدَّمِ أَقْسَمَ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِقَتْلِ عَبْدِهِ، وَمَنْ ارْتَدَّ فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ، فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ.   [مغني المحتاج] ضَابِطَ مَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فِي قَوْلِهِ (وَ) كُلُّ (مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ) مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَارِثٍ (أَقْسَمَ) سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَمْ غَيْرَهُ (وَلَوْ) هُوَ (مُكَاتَبٌ لِقَتْلِ عَبْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِهِ، وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ يُقْسِمُ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَخَذَ السَّيِّدُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَوْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ نُكُولِهِ حَلَفَ السَّيِّدُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِمَنْ اسْتَحَقَّ إلَخْ عَمَّا لَوْ جَرَحَ شَخْصٌ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِوَلِيِّهِ الْقَسَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهَا، بَلْ هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَبِقَوْلِنَا: مِنْ سَيِّدٍ أَوْ وَارِثٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ أَوْصَى السَّيِّدُ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْقَسَامَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ تَسْتَحِقُّ الْقِيمَةَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقْسِمُ بَلْ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقَتْلِ كَانَ لِلسَّيِّدِ، وَالْقَسَامَةُ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْقَتْلِ فَيَرِثُهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْقِيمَةُ صَرَفَهَا إلَى الْمُسْتَوْلَدَةِ بِمُوجِبِ وَصِيَّتِهِ، وَتَحْقِيقِ مُرَادِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَهُ (وَمَنْ ارْتَدَّ) بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ يَرْتَدَّ وَلِيُّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ (فَالْأَفْضَلُ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: فَالْأَوْلَى، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ عَنْ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ، فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَقْسَمَ. أَمَّا إذَا ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا يُقْسِمُ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ وَارْتَدَّ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ (فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ) أَقْسَامُهُ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) " لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَدَّ بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْكَافِرِ صَحِيحَةٌ، وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ الْمُزَنِيِّ، وَحَكَى قَوْلًا مُخَرَّجًا وَمَنْصُوصًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي الرِّدَّةِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ اُعْتُدَّ بِهِ قَطْعًا، وَلَوْ ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَأَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُقْسِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) خَاصٌّ (لَا قَسَامَةَ فِيهِ) وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْلِيفَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ، لَكِنْ يُنَصِّبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ نُسِبَ الْقَتْلُ إلَيْهِ وَيُحَلِّفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ، وَمُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ فَادَّعَى الْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى آخَرَ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ تَرْجِيحُ الثَّانِي وَهُوَ أَوْجَهُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 391 [فَصْلٌ] إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَالْمَالِ بِذَلِكَ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ وَيَمِينٍ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لِيَقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِيمَا يُثْبِتُ مُوجِبَ الْقِصَاصِ وَمُوجِبَ الْمَالِ مِنْ إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ] ٍ (إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ (بِإِقْرَارٍ، أَوْ) شَهَادَةِ (عَدْلَيْنِ) بِهِ، لِمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ عِلْمُ الْقَاضِي وَنُكُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلِفُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِمَا، وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ السِّحْرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ، بَلْ بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ (الْمَالِ) مِنْ قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (بِذَلِكَ) أَيْ إقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي (أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ) بِرَجُلٍ (وَيَمِينٍ) لَا بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ ذُكِرَتْ هُنَا تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَأْتِي ثَمَّ الْكَلَامُ عَلَى صِفَاتِ الشُّهُودِ الْمَشْهُودِ بِهِ مُسْتَوْفًى، وَفِي بَابِ الْقَضَاءِ بَيَانُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَالْمَالِ هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقِصَاصِ، وَحِينَئِذٍ يُرَدُّ عَلَى حَصْرِهِ الْقَسَامَةُ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، فَإِنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ فَقَطْ، وَالْمُرَادُ بِالْيَمِينِ فِي كَلَامِهِ الْجِنْسُ لَا الْأَفْرَادُ لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَدُّدِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إذَا ادَّعَى بِهِ عَيْنًا فَلَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ فَشَهِدَ لَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَقَامَ فِي السَّرِقَةِ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثَبَتَ الْغُرْمُ لَا الْقَطْعُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ تُوجِبُهُمَا مَعًا، وَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ بَقِيَ الْغُرْمُ، بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْقَوَدَ عَيْنًا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَا الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ أَوْجَبْنَا فِيهِ خِلَافَ مُقْتَضَى الْجِنَايَةِ (وَلَوْ عَفَا) مُسْتَحِقُّ قِصَاصٍ فِي جِنَايَةٍ تُوجِبُهُ (عَنْ الْقِصَاصِ لِيُقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ (لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْقِصَاصَ لِيُعْتَبَرَ الْعَفْوُ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَالُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ عَفْوِهِ بِالْجِنَايَةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ أَنْشَأَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ بَعْدَ الْعَفْوِ، أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْعَمْدَ وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقِصَاص عَلَى مَالٍ وَقَصَدَ الْحُكْمَ لَهُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ حِينَ أُقِيمَتْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ بِشَيْءٍ ثُمَّ بَلَغَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 392 وَلَوْ شَهِدَ هُوَ وَهُمَا بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى، فَلَوْ قَالَ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يَقُولَ فَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ قَالَ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَأَدْمَاهُ أَوْ فَأَسَالَ دَمَهُ ثَبَتَتْ دَامِيَةٌ، وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ، وَيَجِبُ بَيَانُ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا لِيُمْكِنَ الْقِصَاصُ وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ بِهِ،   [مغني المحتاج] الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ (وَلَوْ شَهِدَ هُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (وَهُمَا) أَيْ الْمَرْأَتَانِ (بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْهَشْمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْإِيضَاحِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ اُحْتِيطَ لَهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ أَرْشُهَا، وَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ فِيمَا إذَا رَمَى إلَى زَيْدٍ سَهْمًا فَمَرَقَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخَطَأُ الْوَارِدُ عَلَى الثَّانِي بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدٍ وَيَمِينٍ انْتَهَى، وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهَشْمَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْإِيضَاحِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي مَسْأَلَةِ مُرُورِ السَّهْمِ حَصَلَ جِنَايَتَانِ لَا تَعَلُّقَ لِإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنَايَتَيْنِ، أَوْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ فِي مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ بِذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ بَحْثِ الْإِمَامِ مَعَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ مَعَ الْيَمِينِ، وَتُؤْخَذُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَكَلَامُ الْوَسِيطِ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (وَلْيُصَرِّحْ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى) بِهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وُجُوبًا (فَلَوْ قَالَ) الشَّاهِدُ (ضَرَبَهُ) أَيْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ (بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ) هَذَا الْقَتْلُ الْمُدَّعَى بِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ (حَتَّى يَقُولَ) الشَّاهِدُ (فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَرْحِهِ (أَوْ فَقَتَلَهُ) أَوْ أَنْهَرَ دَمَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَضَرْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ لِيَنْتَفِيَ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ (وَلَوْ قَالَ) الشَّاهِدُ: (ضَرَبَ) الْجَانِي (رَأْسَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَأَدْمَاهُ أَوْ) ضَرَبَ رَأْسَهُ مَثَلًا (فَأَسَالَ) الضَّرْبُ (دَمَهُ ثَبَتَتْ) بِذَلِكَ (دَامِيَةٌ) عَمَلًا بِقَوْلِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فَسَالَ دَمُهُ لَمْ تَثْبُتْ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ السَّيَلَانِ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِهَا أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ (ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ) لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ يُحْتَمَلُ بَعْدَهُ (وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ) مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِإِيضَاحِ الْعَظْمِ، وَظَاهِرُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْجَزْمُ بِهِ، وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَفْهُومِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ عُرْفًا (وَيَجِبُ) عَلَى الشَّاهِدِ (بَيَانُ مَحَلِّهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ (وَقَدْرِهَا) بِالْمِسَاحَةِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا إذَا كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مَوَاضِحُ (لِيُمْكِنَ) فِيهَا (الْقِصَاصُ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ إلَّا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَنَّهُ أَوْضَحَ رَأْسَهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقِصَاصُ أَيْضًا لِجَوَازِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ مُوضِحَةٌ صَغِيرَةٌ فَوَسَّعَهَا غَيْرُ الْجَانِي. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لِيُمْكِنَ الْقِصَاصُ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِ لَا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ. (وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ بِهِ) مِنْ السَّاحِرِ، فَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُهُ بِسِحْرِي وَهُوَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 393 لَا بِبَيِّنَةٍ.   [مغني المحتاج] يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ يَقْتُلُ نَادِرًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ مِنْ اسْمِ غَيْرِهِ إلَى اسْمِهِ فَخَطَأٌ، وَيَجِبُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ دِيَةٌ فِي مَالِ السَّاحِرِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُلْزِمُهُمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ الْعَاقِلَةُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَوْلُهُ فِي الْوَجِيزِ: وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ: إنَّهُ وَهْمٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ، وَيَثْبُتُ السِّحْرُ أَيْضًا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ بِالسِّحْرِ فَيُنْكِرَ وَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ بِإِقْرَارٍ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَإِنْ قَالَ إنَّ سِحْرَهُ كُفْرٌ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يُسْتَفْسَرَ، إذْ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ آذَيْته بِسِحْرِي وَلَمْ أُمْرِضْهُ نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ: كَذَا قَالَاهُ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَمْ يَبْعُدْ، وَإِنْ قَالَ أَمْرَضْتُهُ بِهِ عُزِّرَ، فَإِنْ مَرِضَ بِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ كَانَ لَوْثًا إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ تَأَلَّمَ بِهِ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ يَحْلِفُ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ، فَإِنْ ادَّعَى السَّاحِرُ بَرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَاحْتُمِلَ بُرْؤُهُ بِأَنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُحْتَمَلُ بُرْؤُهُ فِيهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ: قَتَلْتُ بِسِحْرِي وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا عُزِّرَ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. تَنْبِيهٌ: السِّحْرُ لُغَةً: صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، يُقَالُ مَا سَحَرَكَ عَنْ كَذَا: أَيْ صَرَفَكَ عَنْهُ. وَاصْطِلَاحًا: مُزَاوَلَةُ النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ لِأَفْعَالٍ وَأَقْوَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ تَخْيِيلٌ أَوْ حَقِيقَةٌ؟ قَالَ بِالْأَوَّلِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] [طَه] وَقَالَ بِالثَّانِي أَهْلُ السُّنَّةِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَالسَّاحِرُ قَدْ يَأْتِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَسْحُورِ فَيَمْرَضُ وَيَمُوتُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَى بَدَنِهِ مِنْ دُخَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ دُونَهُ، وَيُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَكْفُرُ مُعْتَقِدُ إبَاحَتِهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ تَعْلِيمًا، أَوْ تَعَلُّمًا، أَوْ فِعْلًا أَثِمَ، فَكُلٌّ مِنْهَا حَرَامٌ لِخَوْفِ الِافْتِتَانِ وَالْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: يَجُوزُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ لَا لِلْعَمَلِ بِهِ، بَلْ إنْ اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادِ مُكَفِّرٍ كَفَرَ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إلَّا عَلَى فَاسِقٍ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى فَاسِقٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ بَلْ مُسْتَفَادٌ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَ (لَا) يَثْبُتُ السِّحْرُ (بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَعْلَمُ قَصْدَ السَّاحِرِ وَلَا يُشَاهِدُ تَأْثِيرَ سِحْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ أَصْلًا، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ إنَّ مَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ السِّحْرِ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ أَيْضًا: كَمَا لَوْ قَالَ: سَحَرْتُهُ بِنَوْعِ كَذَا، فَشَهِدَ عَدْلَانِ كَانَا سَاحِرَيْنِ ثُمَّ تَابَا بِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ نَادِرًا فَيَثْبُتُ بِمَا يَشْهَدَانِ بِهِ. فَائِدَةٌ: لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنْ السِّحْرِ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي وَصَلَ إلَيْهَا الْقِبْطُ أَيَّامَ دَلُوكَا مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ، فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا السِّحْرَ عَلَى الْبَرَابِي وَصَوَّرُوا فِيهَا صُوَرَ عَسَاكِرِ الدُّنْيَا، فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 394 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَتَوْا إلَى ذَلِكَ الْعَسْكَرِ الْمُصَوَّرِ فَمَا فَعَلُوهُ بِهِ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ وَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ اتَّفَقَ نَظِيرُهُ لِلْعَسْكَرِ الْعَامِدِ لَهُمْ فَيَخَافُ مِنْهُمْ الْعَسَاكِرُ، وَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ تَهَابُهُمْ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ وَغَيْرُهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ السَّاحِرَ يَقْلِبُ بِسِحْرِهِ الْأَعْيَانَ، وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا بِحَسَبِ قُوَّةِ السِّحْرِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذَا وَاضِحُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى هَذَا لَقَدَرَ أَنْ يَرُدَّ بِنَفْسِهِ إلَى الشَّبَابِ بَعْدَ الْهَرَمِ، وَأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْمَوْتِ، وَمِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِهِ السِّيمِيَاءُ. وَأَمَّا الْكِهَانَةُ وَالتَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالرَّمْلِ وَالْحَصَى وَالشَّعِيرِ وَالشَّعْبَذَةُ فَحَرَامٌ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا وَفِعْلًا، وَكَذَا إعْطَاءُ الْعِوَضِ أَوْ أَخْذُهُ عَنْهَا بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ، وَالْكَاهِنُ: مَنْ يُخْبِرُ بِوَاسِطَةِ النَّجْمِ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِخِلَافِ الْعَرَّافِ: فَإِنَّهُ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ الْوَاقِعَةِ كَعَيْنِ السَّارِقِ وَمَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّالَّةِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُغْتَرُّ بِجَهَالَةِ مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَإِنْ نُسِبَ إلَى عِلْمٍ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطُّهُ فَذَاكَ» فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ لَهُ فَلَا بَأْسَ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْمُوَافَقَةَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ. . فَرْعٌ: لَوْ اعْتَرَفَ شَخْصٌ بِقَتْلِهِ إنْسَانًا بِالْعَيْنِ فَلَا ضَمَانَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» لِأَنَّهَا لَا تُفْضِي إلَى الْقَتْلِ غَالِبًا، وَيُسَنُّ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَعِينِ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِالْمَأْثُورِ وَهُوَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ، وَأَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَنْ يَغْسِلَ دَاخِلَ إزَارِهِ مِمَّا يَلِي الْجِلْدَ بِمَاءٍ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي وَأَنْ يَغْسِلَ جِلْدَهُ مِمَّا يَلِي إزَارَهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الْمَعِينِ، قِيلَ: وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ مَنْعُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَيَرْزُقُهُ مَا يَكْفِيهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَكْثَرَ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَمَاتَ اللَّهُ مِنْهُمْ مِائَةَ أَلْفٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ شَكَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: إنَّكَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ فَأَعَنْتَهُمْ، فَهَلَّا حَصَّنْتَهُمْ حِينَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُحَصِّنُهُمْ؟ فَقَالَ تَعَالَى تَقُولُ: حَصَّنْتُكُمْ بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا وَدَفَعْتُ عَنْكُمْ السُّوءُ بِأَلْفِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ إذَا رَأَى عَيْنَهُ سَلِيمَةً وَأَحْوَالَهُ مُعْتَدِلَةً: يَقُولُ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي يُحَصِّنُ تَلَامِذَتَهُ بِذَلِكَ إذَا اسْتَكْثَرَهُمْ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ الْعَيْنَ لَا تُؤَثِّرُ مِمَّنْ لَهُ نَفْسٌ شَرِيفَةٌ لِأَنَّهَا اسْتِعْظَامٌ لِلشَّيْءِ، وَمَا رَوَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ يَرُدُّ ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَأَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ بِهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ اخْتِيَارًا كَالسَّاحِرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. قَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ فَكَذَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَمِتْهُ فَخَرَّ مَيِّتًا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 395 وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تُقْبَلْ، وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ وَكَذَا بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ. وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى   [مغني المحتاج] دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلًا. (وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ تُقْبَلْ) لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَجْرُوحِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَصْرُونٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ، وَرُبَّمَا يَبْرَأُ مِنْهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيهِ وَقْفَةٌ وَتَقْوَى فِيمَا إذَا كَانَتْ الدُّيُونُ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا كَالزَّكَوَاتِ وَالْوُقُوفِ الْعَامَّةِ أَوْ كَانَتْ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ اهـ. وَالظَّاهِرُ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ لِمُوَرِّثِهِ مَخْفِيًّا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَشَهَادَتُهُمْ بِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ كَشَهَادَتِهِمْ بِالْجَرْحِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْجُرْحَ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ بِجُرْحٍ يُمْكِنُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْإِرْثِ حَالَةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ يُقْبَلُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا (وَبَعْدَهُ) أَيْ الِانْدِمَالِ (يُقْبَلُ) جَزْمًا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْمُوَرِّثَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِلْبَعْضِيَّةِ (وَكَذَا) لَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ (بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) تُقْبَلُ (فِي الْأَصَحِّ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي لَا تُقْبَلُ كَالْجُرْحِ، وَفَرَّقَ الْفَارِقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِالْمَالِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمَا نَفْعٌ حَالَ وُجُوبِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ فِي مَلَاذِّهِ وَشَهَوَاتِهِ، وَإِذَا شَهِدَا لَهُ بِالْجِرَاحَةِ كَانَ النَّفْعُ حَالَ الْوُجُوبِ لَهُمَا لِأَنَّ الدِّيَةَ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ تَجِبْ، وَبَعْدَهُ تَجِبُ لَهُمَا، وَفَرَّقَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبُ الْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ، فَإِذَا شَهِدَ بِالْجُرْحِ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ بِالسَّبَبِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ، وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ. (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ) أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (يَحْمِلُونَهُ) وَقْتَ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْغُرْمَ، فَإِنْ كَانُوا لَا يَحْمِلُونَهَا وَقْتَ الشَّهَادَة نُظِرَتْ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ فُقَرَاءِ الْعَاقِلَةِ فَالنَّصُّ رَدَّهَا أَيْضًا، أَوْ مِنْ أَبَادِعِهِمْ وَفِي الْأَقْرَبِينَ وَفَاءً بِالْوَاجِبِ فَالنَّصُّ قَبُولُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَالْغِنَى غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ فَتَحَصَّلَ التُّهْمَةُ، وَمَوْتُ الْقَرِيبِ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الِاعْتِقَادِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِمِثْلِهِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ عَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِفِسْقِ بَيِّنَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، إذْ لَا تَحَمُّلَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ مَا تَحْمِلُهُ لِيَدْخُلَ مَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ السَّلَامَةُ مِنْ التَّكَاذُبِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 396 اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا، أَوْ الْآخَرَيْنِ أَوْ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ بَطَلَتَا، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ.   [مغني المحتاج] اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ) أَيْ شَخْصٍ (فَشَهِدَا) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا مُبَادَرَةً (عَلَى الْأَوَّلَيْنِ) أَوْ غَيْرِهِمَا (بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا) لِسَلَامَةِ شَهَادَتِهِمَا عَنْ التُّهْمَةِ وَسَقَطَتْ شَهَادَةُ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِشَهَادَتِهِمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا الْقَتْلَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْأَوَّلَانِ، وَالدَّافِعُ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ إنَّمَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا إذَا صَدَّقَهُمَا الْوَلِيُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ تَكْذِيبِهِمَا، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا بَعْدَ صُدُورِ الدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْوَلِيُّ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْقَتْلَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا، وَطَلَبَ الشَّهَادَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (أَوْ) صَدَّقَ (الْآخَرَيْنِ أَوْ) صَدَّقَ (الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ بَطَلَتَا) أَيْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ فِي تَصْدِيقِ الْآخَرَيْنِ تَكْذِيبَ الْأَوَّلَيْنِ وَعَدَاوَةَ الْآخَرَيْنِ لَهُمَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِي تَصْدِيقِ كُلِّ فَرِيقٍ تَكْذِيبًا لِلْآخَرِ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: قَدْ اسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى مِنْ تَعْيِينِ الْقَاتِلِ فَكَيْفَ يَشْهَدَانِ ثُمَّ يُرَاجِعُ الْوَلِيُّ؟ . وَأُجِيبَ بِأَوْجُهٍ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ أَصَحُّهَا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى اثْنَيْنِ وَيَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ فَيُبَادِرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا وَيَشْهَدَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا مَرَّ بِأَنَّهُمَا الْقَاتِلَانِ وَذَلِكَ يُورِثُ رِيبَةً لِلْحَاكِمِ فَيُرَاجِعُ الْوَلِيَّ وَيَسْأَلُهُ احْتِيَاطًا، وَيَنْظُرُ هَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الدَّعْوَى أَوْ يَعُودُ إلَى تَصْدِيقِ الْآخَرِينَ أَوْ الْجَمِيعِ أَوْ يُكَذِّبُ الْجَمِيعَ، وَهَلْ يَبْطُلُ حَقُّهُ مِنْ الدَّعْوَى؟ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا سَبَقَ فِي تَكْذِيبِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْجُمْهُورِ بَطَلَ حَقُّهُ (وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ) وَلَوْ فَاسِقًا (بِعَفْوِ بَعْضٍ) مِنْهُمْ عَنْ الْقِصَاصِ، سَوَاءٌ عَيَّنَهُ أَمْ لَا (سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهُمْ مِنْهُ فَيَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي، وَاحْتَرَزَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ: بَلْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِيَ فَلِلْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ الدِّيَةُ وَإِنْ عَيَّنَهُ فَأَنْكَرَ فَكَذَلِكَ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَفْوِ مَجَّانًا أَوْ مُطْلَقًا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلِلْبَاقِينَ حِصَّتُهُمْ مِنْهَا. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِ الْعَفْوِ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الْقِصَاصِ لَا عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِحُجَّةٍ نَاقِصَةٍ لَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِهِ. أَمَّا إثْبَاتُ الْعَفْوِ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَيَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ النَّاقِصَةِ أَيْضًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ فَكَذَا إسْقَاطُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ أَقَرَّ مَا لَوْ شَهِدَ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الْعَافِيَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 397 وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ آلَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ لَغَتْ، وَقِيلَ لَوْثٌ.   [مغني المحتاج] فَكَالْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَعَيَّنَ الْعَافِيَ وَشَهِدَ بِأَنَّهُ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ جَمِيعًا بَعْدَ دَعْوَى الْجَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الدِّيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَانِي مَعَ الشَّاهِدِ أَنَّ الْعَافِيَ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ لَا عَنْهَا وَعَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِالْإِقْرَارِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ حِصَّةُ الْعَافِي، وَإِنْ شَهِدَ بِالْعَفْوِ عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ لَمْ يَسْقُطْ قِصَاصُ الشَّاهِدِ. (وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ) لِلْقَتْلِ: كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ فِي اللَّيْلِ، وَالْآخَرُ قَالَ فِي النَّهَارِ (أَوْ مَكَانٍ) لَهُ كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ فِي الدَّارِ (أَوْ آلَةٍ) لَهُ: كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ. وَقَالَ الْآخَر قَتَلَهُ بِرُمْحٍ (أَوْ هَيْئَةٍ) لَهُ: كَأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا حَزَّ رَقَبَتَهُ. وَقَالَ الْآخَر: شَقَّهُ نِصْفَيْنِ (لَغَتْ) شَهَادَتُهُمَا وَلَا لَوْثَ بِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَاقَضَ صَاحِبَهُ وَذِكْرُ الْهَيْئَةِ مَزِيدٌ (وَقِيلَ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ (لَوْثٌ) فَيُقْسِمُ الْوَلِيُّ وَتَثْبُتُ الدِّيَةُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الْقَتْلِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الصِّفَةِ بِمَا يَكُونُ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَوَّلِ مَعَ مَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمَا أَوْ يَأْخُذُ الْبَدَلَ كَنَظِيرِهِ مِنْ السَّرِقَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ بَابَ الْقَسَامَةِ أَمْرُهُ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا غُلِّظَ فِيهِ بِتَكْرِيرِ الْأَيْمَانِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا شَهِدَ عَلَى الْفِعْلِ، فَلَوْ شَهِدَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَا فِي مَكَانِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي الْقَتْلِ وَصِفَتِهِ، بَلْ فِي الْإِقْرَارِ، نَعَمْ إنْ عَيَّنَا يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمُسَافِرُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَر فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَاهُ كَأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ بِمَكَّةَ يَوْمَ كَذَا، وَالْآخَرُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ بِمِصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَتَلْغُو الشِّهَادَةُ. خَاتِمَةٌ: لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَوْثٌ تَثْبُتُ بِهِ الْقَسَامَةُ دُونَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْوَارِثُ قَتْلًا عَمْدًا أَقْسَمَ، وَإِنْ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ حَلَفَ مَعَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ، فَإِنْ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْقَتْلِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ فَعَلَى الْجَانِي، وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ عَمْدٍ، وَالْآخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِقَتْلٍ عَمْدٍ، وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ ثَبَتَ أَصْلُ الْقَتْلِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقْبَلَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْكَارُهُ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ لِصِفَةِ الْقَتْلِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْهُ جُعِلَ نَاكِلًا وَحَلَفَ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا وَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَإِنْ بَيَّنَ فَقَالَ: قَتَلْتُهُ عَمْدًا اقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ قَتْلَ خَطَإٍ فَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعَمْدِيَّةِ إنْ كَذَّبَهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَزِمَهُ دِيَةُ خَطَإٍ بِإِقْرَارِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا وَآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْرًا أَقْسَمَ وَلِيَّاهُمَا لِحُصُولِ اللَّوْثِ فِي حَقِّهِمَا جَمِيعًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 398 كِتَابُ الْبُغَاةِ هُمْ مُخَالِفُو الْإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْبُغَاةِ] ِ جَمْعُ بَاغٍ، وَالْبَغْيُ الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِظُلْمِهِمْ وَعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ كَمَا يُقَالُ بَغَتْ الْمَرْأَةُ إذَا فَجَرَتْ، وَافْتَتَحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا} [الحجرات: 9] الْآيَةَ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ، لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ لِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ، فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى قِتَالِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أُخِذَتْ السِّيرَةُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَدْ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْبُغَاةَ بِقَوْلِهِ (هُمْ) مُسْلِمُونَ (مُخَالِفُو الْإِمَامِ) وَلَوْ جَائِرًا وَهُمْ عَادِلُونَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَكَذَا هُوَ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ مُرَادُهُمْ إمَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَقِتَالَهُمْ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ لَكِنْ نُوزِعَ فِي الْإِجْمَاعِ بِخُرُوجِ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَمَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَنْ تَغَلَّبَ عَلَى الْإِمَامَةِ فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ إذَا جَارَ وَبَغَى، وَبَيْنَ مَنْ عُقِدَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ فَلَا يَجُوزُ، وَتَحْصُلُ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا (بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ) نَفْسِهِ (وَ) إمَّا بِسَبَبِ (تَرْكِ الِانْقِيَادِ) لَهُ (أَوْ) لَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 399 وَتَرْكِ الِانْقِيَادِ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ وَتَأْوِيلٍ، وَمُطَاعٍ فِيهِمْ، قِيلَ وَإِمَامٌ مَنْصُوبٌ،   [مغني المحتاج] بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، بَلْ بِخُرُوجٍ عَنْ طَاعَتِهِ بِسَبَبِ (مَنْعِ حَقٍّ) مَالِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَقِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ (تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ لِمَنْعِهِمْ الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَنَعُوا الْحَقَّ الْمُتَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُخَالِفُو الْإِمَامِ بُغَاةً (بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ) بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ وَلَوْ بِحِصْنٍ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ لِكُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَتَحْصِيلِ رِجَالٍ (وَ) بِشَرْطِ (تَأْوِيلٍ) يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ أَوْ مَنْعِ الْحَقِّ الْمُتَوَجَّهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ كَانَ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ، وَتَأْوِيلِ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَ) بِشَرْطٍ (مُطَاعٍ فِيهِمْ) أَيْ مَتْبُوعٍ يَحْصُلُ بِهِ قُوَّةٌ لِشَوْكَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا مَنْصُوبًا فِيهِمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ، إذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ مُطَاعٌ، وَهَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُطَاعَ شَرْطٌ لِحُصُولِ الشَّوْكَةِ، لَا أَنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ غَيْرُ الشَّوْكَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَعْبِيرُ الْكِتَابِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُحَرَّرِ غَيْرَ شَرْطَيْنِ وَجَعَلَ الْمُطَاعَ قَيْدًا فِي الشَّوْكَةِ (قِيلَ وَ) يُشْتَرَطُ (إمَامٌ مَنْصُوبٌ) فِيهِمْ حَتَّى لَا تَتَعَطَّلَ الْأَحْكَامُ بَيْنَهُمْ، وَهَذَا مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ لِلْجَدِيدِ وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْمُعْظَمِ، وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ اعْتِبَارَ وُجُودِ شَخْصَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا: بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُطَاعٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا فِيهِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ وَلَا إمَامَ لَهُمْ وَأَهْلَ صِفِّينَ قَبْلَ نَصْبِ إمَامِهِمْ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ انْفِرَادُ الْبُغَاةِ بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ جَمْعٍ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. الثَّانِي لَيْسَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِفَسَقَةٍ كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِكَفَرَةٍ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَالَفُوا بِتَأْوِيلٍ جَائِزٍ بِاعْتِقَادِهِمْ لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيهِ، وَلَيْسَ اسْمُ الْبَغْيِ ذَمًّا، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيمَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ كَحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» وَحَدِيثُ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» وَحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 400 وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي كَبِيرَةٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوا تُرِكُوا، وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ   [مغني المحتاج] مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ الطَّاعَةِ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ قَطْعًا، فَإِنْ فُقِدَتْ فِيهِمْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ، وَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ الْآنَ وَالْخَوَارِجِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ، أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسُوا بُغَاةً لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهَا، وَلِأَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ قَتَلَ عَلِيًّا مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ وَكِيلُ امْرَأَةٍ قَتَلَ عَلِيٌّ أَبَاهَا فَاقْتُصَّ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطَ حُكْمَهُمْ فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ لِانْتِفَاءِ شَوْكَتِهِ (وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ) وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ يُكَفِّرُونَ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَيَطْعَنُونَ بِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ لَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (كَبِيرَةٍ) وَلَمْ نُكَفِّرْهُمْ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ (وَلَمْ يُقَاتِلُوا) وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ (تُرِكُوا) فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانُوا بَيْنَنَا أَمْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ عَنَّا لَكِنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَمْ يَفْسُقُوا بِذَلِكَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً كَفَرَ وَحَبَطَ عَمَلُهُ وَخَلَدَ فِي النَّارِ، وَأَنَّ دَارَ الْإِمَامِ صَارَتْ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا دَارَ كُفْرٍ وَإِبَاحَةٍ، فَلِذَلِكَ طَعَنُوا فِي الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ وَتَجَنَّبُوا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ، وَلَوْ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ عُزِّرُوا لَا إنْ عَرَّضُوا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعَ رَجُلًا مِنْ الْخَوَارِجِ، يَقُول: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَرَّضَ بِتَخْطِئَتِهِ فِي الْحُكْمِ، فَقَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَنَا، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ فَجَعَلَ حُكْمَهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْعَدْلِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ إذَا لَمْ نَتَضَرَّرْ بِهِمْ، فَإِنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَاتَلُونَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا (فَقُطَّاعُ) أَيْ فَحُكْمُهُمْ إنْ لَمْ نُكَفِّرْهُمْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَبَقَ كَحُكْمِ قُطَّاعِ (طَرِيقٍ) فَإِنْ قَتَلُوا أَحَدًا مِمَّنْ يُكَافِئُهُمْ اُقْتُصَّ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ بِقَوْلِهِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ كَمَا مَرَّ لِتَأْوِيلِهِمْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 401 وَقَضَاءُ قَاضِيهِمْ فِيمَا يُقْبَلُ قَضَاءُ قَاضِينَا إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ دِمَاءَنَا، وَيَنْفُذُ كِتَابُهُ بِالْحُكْمِ وَيُحْكَمُ بِكِتَابِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَقَامُوا حَدًّا وَأَخَذُوا زَكَاةً وَخَرَاجًا وَجِزْيَةً وَفَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ صَحَّ،   [مغني المحتاج] إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لَمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِ كَالْخَطَّابِيَّةِ، وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ بِهِ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ قَاضِيهِمْ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ، وَسَيَأْتِي فِيهَا أَنَّهُمْ إنْ بَيَّنُوا السَّبَبَ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ (وَ) يُقْبَلُ (قَضَاءُ قَاضِيهِمْ) بَعْدَ اعْتِبَارِ صِفَاتِ الْقَاضِي فِيهِ (فِيمَا يُقْبَلُ) فِيهِ (قَضَاءُ قَاضِينَا) لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ (إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ) شَاهِدُ الْبُغَاةِ أَوْ قَاضِيهِمْ (دِمَاءَنَا) وَأَمْوَالَنَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَشَرْطُ الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي الْعَدَالَةُ. تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَتِهِ وَنُفُوذِ قَضَائِهِ إذَا اسْتَحَلَّ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا، وَمَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَة وَأَصْلِهَا هُنَا عَنْ الْمُعْتَبِرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا تَأْوِيلٍ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدَّمَ وَالْمَالَ أَمْ لَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَحَلُّوهُ بِتَأْوِيلٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْفِسْقِ فِي مَعْنَى اسْتِحْلَالِ الدَّمِ وَالْمَالِ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي الِاسْتِحْلَالِ حَيْثُ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ وَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ: فَقَوْلَانِ، حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ. وَقَالَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَدَمُ قَبُولِ الْحُكْمِ، وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الشَّهَادَةِ، وَخَرَجَ بِمَا يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا غَيْرُهُ كَأَنْ حَكَمَ بِمَا يُخَالِفُ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا، فَلَا يُقْبَلُ (وَيُنَفِّذُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَاضِينَا (كِتَابَهُ) أَيْ قَاضِي الْبُغَاةِ (بِالْحُكْمِ) فَإِذَا كَتَبَ بِمَا حَكَمَ بِهِ إلَى قَاضِينَا جَازَ لَهُ قَبُولُهُ وَتَنْفِيذُهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ لَهُ عَدَمُ تَنْفِيذِهِ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ (وَيَحْكُمُ بِكِتَابِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) كَتَقْيِيدِ كِتَابِهِ بِالْحُكْمِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعُونَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَإِقَامَةِ مَنَاصِبِهِمْ. تَنْبِيهٌ: تَبِعَ الْمُحَرَّرُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ، لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا جَعَلَهُ قَوْلَيْنِ، وَطَرَدَهُمَا الْإِمَامُ فِي الْكِتَابِ بِالْحُكْمِ. (وَلَوْ) اسْتَوْلَى الْبُغَاةُ عَلَى بَلَدٍ وَ (أَقَامُوا) أَيْ وُلَاةُ أُمُورِهِمْ (حَدًّا) عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (وَأَخَذُوا زَكَاةً) مِنْ أَهْلِهَا (وَخَرَاجًا) مِنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ (وَجِزْيَةً) مِنْ أَهْلِ ذِمَّةٍ (وَفَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ) مِنْ الْفَيْءِ (عَلَى جُنْدِهِمْ صَحَّ) مَا فَعَلُوهُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ تَأَسِّيًا بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلِأَنَّ فِي إعَادَةِ الْمُطَالَبَةِ إضْرَارًا بِأَهْلِ الْبَلَدِ، أَمَّا إذَا أَقَامَ الْحَدَّ غَيْرُ وُلَاتِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَمَحَلُّ الِاعْتِدَادِ بِهِ فِي الزَّكَاةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 402 وَفِي الْأَخِيرِ وَجْهٌ. وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي قَوْلٍ يَضْمَنُ الْبَاغِي.   [مغني المحتاج] كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَجَّلَةٍ، أَوْ كَانَتْ مُعَجَّلَةً لَكِنْ اسْتَمَرَّتْ شَوْكَتُهُمْ حَتَّى وَجَبَتْ، فَلَوْ زَالَتْ شَوْكَتُهُمْ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يَقَعْ مَا عَجَّلُوهُ مَوْقِعَهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُونُوا أَهْلًا لِلْأَخْذِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِصَدَقَةٍ عَامَّةٍ (وَفِي الْأَخِيرِ) وَهُوَ تَفْرِقَةُ سَهْمِ الْمُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ لِئَلَّا يَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُمْ مِنْ جُنْدِ الْإِسْلَامِ، وَرُعْبُ الْكُفَّارِ قَائِمٌ بِهِمْ، وَفِي الْجِزْيَةِ أَيْضًا وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ، وَفِي الزَّكَاةِ أَيْضًا وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَصَرَّحَ فِي الْإِشْرَافِ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْخَرَاجِ. (وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ) أَيْ أَتْلَفَهُ عَادِلٌ عَلَى بَاغٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ) لِضَرُورَتِهِ بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَتِهِ (ضَمِنَ) قَطْعًا كُلٌّ مِنْهُمَا مُتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدُوا التَّشَفِّيَ وَالِانْتِقَامَ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْإِتْلَافُ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ (فَلَا) ضَمَانَ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي جَرَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ كَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يُطَالِبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِضَمَانِ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَتَرْغِيبًا فِي الطَّاعَةِ لِئَلَّا يَنْفِرُوا عَنْهَا وَيَتَمَادَوْا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ، وَلِهَذَا سَقَطَتْ التَّبِعَةُ عَنْ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ، وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْقِتَالِ فَلَا يُضْمَنُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ وَهُمْ إنَّمَا أَتْلَفُوا بِتَأْوِيلٍ (وَفِي قَوْلٍ يَضْمَنُ الْبَاغِي) مَا أَتْلَفَهُ عَلَى الْعَادِلِ؛ لِأَنَّهُمَا فِرْقَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُحِقَّةٌ وَمُبْطِلَةٌ فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي سُقُوطِ الْغُرْمِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ لِشُبْهَةِ تَأْوِيلِهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا يُؤْخَذُ. مِمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ فِيمَا أَتْلَفَ فِي الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ، فَإِنْ أَتْلَفَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ ضَمِنَ قَطْعًا، قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ ثُمَّ مَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّحْرِيمِ فَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ وَلَا بِتَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ. فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ بَاغٍ أَمَةَ عَادِلٍ بِلَا شُبْهَةٍ حُدَّ وَرُقَّ الْوَلَدُ وَلَا نَسَبَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ زِنًا، وَمَتَى كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمَهْرُ كَغَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّف نَفْيَ الضَّمَانِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبُضْعِ بِالْوَطْءِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْقِتَالِ، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا وَطِئَ أَمَةَ غَيْرٍ بِلَا شُبْهَةٍ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ رَقِيقًا، وَلَا نَسَبَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ إنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ نَفْيِ الضَّمَانِ مَحَلُّهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّوْكَةِ وَالتَّأْوِيلِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ حَالَانِ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 403 وَالْمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ، وَعَكْسُهُ كَبَاغٍ. وَلَا يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ، فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا، فَإِنْ أَصَرُّوا نَصَحَهُمْ ثُمَّ   [مغني المحتاج] (وَ) الْبَاغِي (الْمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ) لَهُ (يَضْمَنُ) النَّفْسَ وَالْمَالَ وَلَوْ حَالَ الْقِتَالِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَلِأَنَّا لَوْ أَسْقَطْنَا الضَّمَانَ عَنْهُ لَمْ تَعْجَزْ كُلُّ شِرْذِمَةٍ تُرِيدُ إتْلَافَ نَفْسٍ وَمَالٍ أَنْ تُبْدِيَ تَأْوِيلًا وَتَفْعَلَ مِنْ الْفَسَادِ مَا تَشَاءُ، وَفِي ذَلِكَ بُطْلَانُ السِّيَاسَاتِ، وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَعَكْسُهُ) وَهُوَ مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ بِلَا تَأْوِيلٍ حُكْمُهُ (كَبَاغٍ) فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ الضَّمَانِ فِي حَالِ الْقِتَالِ لِضَرُورَتِهِ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ فِي الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ بِالضَّمَانِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ الْبُغَاةِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ أَوَّلًا. أَمَّا الْحُدُودُ إذَا أَقَامُوهَا، أَوْ الْحُقُوقُ إذَا قَبَضُوهَا، فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِمْ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَالتَّحْكِيمُ فِيهِمْ عَلَى الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمْ. فَرْعٌ: لَوْ ارْتَدَّتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَأَتْلَفُوا مَالًا أَوْ نَفْسًا فِي الْقِتَالِ ثُمَّ تَابُوا وَأَسْلَمُوا هَلْ يَضْمَنُونَ أَوْ لَا كَالْبُغَاةِ؟ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوَّلُ لِجِنَايَتِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْوَجْهُ، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِي الْمُرْتَدِّينَ قَطْعًا، قَالَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي كَيْفِيَّةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ فَقَالَ (وَلَا يُقَاتِلُ) الْإِمَامُ (الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا) إنْ كَانَ الْبَعْثُ لِلْمُنَاظَرَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (نَاصِحًا) لَهُمْ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ (يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَ) أَيْ يَكْرَهُونَ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْبَعْثَ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحَيْنِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ؛ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً) هِيَ سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ الطَّاعَةِ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ مَصْدَرًا مِيمِيًّا فَبِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ، أَوْ اسْمًا لِمَا يُظْلَمُ بِهِ فَالْكَسْرُ فَقَطْ (أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، وَدَفْعُ شَرِّهِمْ كَدَفْعِ الصَّائِلِ دُونَ قَتْلِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] [الْحُجُرَاتُ] أَيْ تَرْجِعَ إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ (فَإِنْ أَصَرُّوا) بَعْدَ الْإِزَالَةِ أَوْ لَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا (نَصَحَهُمْ) وَوَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ سُوءَ عَاقِبَةِ الْبَغْيِ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَوْدِ لِلطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ (ثُمَّ) إنْ أَصَرُّوا دَعَاهُمْ إلَى الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا أَوْ أَجَابُوا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 404 آذَنَهُمْ بِالْقِتَالِ، فَإِنْ اسْتَمْهَلُوا اجْتَهَدَ وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا، وَلَا يُقَاتِلُ مُدْبِرَهُمْ وَلَا مُثْخَنَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَلَا يُطْلَقُ،   [مغني المحتاج] وَغُلِبُوا فِي الْمُنَاظَرَةِ وَأَصَرُّوا (آذَنَهُمْ) بِالْمَدِّ: أَيْ أَعْلَمَهُمْ (بِالْقِتَالِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوَّلًا بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يُعْلِمُهُمْ بِالْقِتَالِ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِي عَسْكَرِهِ قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا أَخَّرَهُ إلَى أَنْ تُمْكِنَهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ: لِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَقِتَالُهُمْ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أُمُورٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ، أَوْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْكُفَّارِ بِهِمْ، أَوْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ أَوْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي قَدْ انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ، فَلَوْ انْفَرَدُوا عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَمْنَعُوا حَقًّا وَلَا تَعَدَّوْا إلَى مَا لَيْسَ لَهُمْ جَازَ قِتَالُهُمْ لِأَجْلِ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَجِبُ لِتَظَاهُرِهِمْ بِالطَّاعَةِ (فَإِنْ اسْتَمْهَلُوا) أَيْ طَلَبُوا الْإِمْهَالَ مِنْ الْإِمَامِ (اجْتَهَدَ) فِيهِ وَفِي عَدَمِهِ (وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا) مِنْهُمَا وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ اسْتِمْهَالَهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي إزَالَةِ الشُّبْهَةِ أَمْهَلَهُمْ لِيَتَّضِحَ لَهُمْ الْحَقُّ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُمْ يَحْتَالُونَ لِاجْتِمَاعِ عَسَاكِرِهِمْ وَانْتِظَارِ مَدَدِهِمْ لَمْ يُمْهِلْهُمْ، وَإِنْ سَأَلُوا تَرْكَ الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُجِبْهُمْ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ لَا تَتَقَيَّدُ وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ تَرْجِعُ إلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَفِي التَّهْذِيبِ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا مُرَاعَاةُ هَذَا التَّدْرِيجِ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَقَالَ: سَبِيلُهُ سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى (وَلَا يُقَاتِلُ مُدَبَّرَهُمْ) إذَا وَقَعَ قِتَالٌ، وَلَا مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ الْقِتَالِ (وَلَا مُثْخَنَهُمْ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَثْخَنَهُ الْجُرْحُ إذَا أَضْعَفَهُ (وَ) لَا (أَسِيرَهُمْ) إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى رَأْيَنَا فِيهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَفِيءَ} [الحجرات: 9] [الْحُجُرَاتُ] وَالْفَيْئَةُ: الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ مُنَادِيَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَلِأَنَّ قِتَالَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ وَقَدْ زَالَ. أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمُدْبِرُ الْمُتَحَرِّفُ لِلْقِتَالِ، أَوْ الْمُتَحَيِّزُ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ فَيُقَاتَلَانِ، بِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَا إذَا انْهَزَمُوا مُجْتَمِعِينَ تَحْتَ رَايَةِ زَعِيمِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: أَوْ يَتَبَدَّدُوا. تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي الْمُدْبِرِ بِالْقِتَالِ، وَفِي الْآخَرِينَ بِالْقَتْلِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمُثْخَنَ وَالْأَسِيرَ لَا يُقَاتِلَانِ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَلَا يُطْلَقُ) أَسِيرُهُمْ بَلْ يُحْبَسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 405 وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَامْرَأَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ إلَّا أَنْ يُطِيعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَرُدُّ سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ إلَيْهِمْ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُمْ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي قِتَالٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا يُقَاتَلُونَ بِعَظِيمٍ كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ قَاتَلُوا بِهِ أَوْ أَحَاطُوا بِنَا   [مغني المحتاج] الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، إذْ بِحَبْسِهِ تَضْعُفُ الْبُغَاةُ (وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَامْرَأَةً) وَعَبْدًا (حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَ) تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ بِأَنْ (يَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ) لِيَنْكَشِفَ شَرُّهُمْ وَلَا يُتَوَقَّعُ عَوْدُهُمْ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ اسْتِمْرَارِ حَبْسِهِمْ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ، وَمَحَلُّهُ فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُتَأَهِّلِ لِلْقِتَالِ وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي إنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَيُلْحَقُ بِهِمَا الْآخَرَانِ، وَإِلَّا أُطْلِقُوا بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَإِنْ خِفْنَا عَوْدَهُمْ (إلَّا أَنْ يُطِيعَ) الْأَسِيرُ (بِاخْتِيَارِهِ) بِمُبَايَعَةِ الْإِمَامِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الْبَغْيِ إلَى الطَّاعَةِ فَيُطْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ الْحُرِّ. أَمَّا الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ وَالْعَبِيدُ فَلَا بَيْعَةَ لَهُمْ (وَيَرُدُّ) وُجُوبًا (سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ) وَغَيْرَهُمَا (إلَيْهِمْ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُمْ) أَيْ شَرُّهُمْ بِتَفَرُّقِهِمْ أَوْ رَدِّهِمْ لِلطَّاعَةِ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ حِينَئِذٍ. تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ رَدِّ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ إلَيْهِمْ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَتْ عَوْنًا لَهُمْ فِي الْقِتَالِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَلَا يُسْتَعْمَلُ) أَيْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (فِي قِتَالٍ) وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَمَا إذَا خِيفَ انْهِزَامُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْرَ خُيُولِهِمْ فَيَجُوزُ لَهُمْ رُكُوبُهَا وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْهُمْ غَيْرَ سِلَاحِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ وُجُوبُ أُجْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْقِتَالِ لِلضَّرُورَةِ كَالْمُضْطَرِّ إذَا أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ خِلَافُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ لِمَا يُتْلَفُ فِي الْقِتَالِ وَتُفَارِقُ مَسْأَلَةُ الْمُضْطَرِّ بِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهَا نَشَأَتْ مِنْ الْمُضْطَرِّ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّهَا إنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ (وَلَا يُقَاتَلُونَ بِعَظِيمٍ كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ) وَإِرْسَالِ سَيْلٍ وَأُسُودٍ وَحَيَّاتٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُهْلِكَاتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يَرْجِعُونَ فَلَا يَجِدُونَ لِلنَّجَاةِ سَبِيلًا، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا» . تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِمَا يَعُمُّ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ آلَةَ الْحَرْبِ قَدْ تَعْظُمُ وَلَكِنْ لَا تَعُمُّ، وَلَيْسَ الْمَنْعُ إلَّا مِمَّا يَعُمُّ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) فَيَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِالْعَظِيمِ (كَأَنْ قَاتَلُوا بِهِ أَوْ أَحَاطُوا بِنَا) وَاضْطُرِرْنَا إلَى الرَّمْيِ بِذَلِكَ لِدَفْعِهِمْ عَنَّا بِأَنْ خِيفَ اسْتِئْصَالُنَا، فَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِهِ كَانْتِقَالِنَا لِمَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ نُقَاتِلْهُمْ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 406 وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ، وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ، وَلَوْ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ لَمْ يَنْفُذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا، وَنَفَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ تَحَصَّنُوا بِبَلَدٍ أَوْ قَلْعَةٍ وَلَمْ يَتَأَتَّ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ لِمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ تَرْكَ بَلْدَةٍ أَوْ قَلْعَةٍ بِأَيْدِي طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُتَوَقَّعُ الِاحْتِيَالُ فِي فَتْحِهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِئْصَالِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ حِصَارُهُمْ بِمَنْعِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي أَهْلِ قَلْعَةٍ، وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ خُيُولِهِمْ إلَّا إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا، وَلَا قَطْعُ أَشْجَارِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ، وَيَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مُصَابَرَةُ اثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَصْبِرَ لِكَافِرَيْنِ فَلَا يُوَلِّيَ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ أَنْ يَعْتَمِدَ قَتْلَ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحُكْمُ دَارِ الْبَغْيِ حُكْمُ دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا جَرَى فِيهَا مَا يُوجِبُ إقَامَةَ حَدٍّ أَقَامَهُ الْإِمَامُ إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ طَائِفَةً مِنْ الْبُغَاةِ وَقَدَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ. (وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ) فِي قِتَالٍ (بِكَافِرٍ) ذِمِّيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِمُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ مِنْ مُسْلِمٍ أَنْ يُوَكِّلَ كَافِرًا فِي اسْتِيفَائِهِ، وَلَا لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ جَلَّادًا كَافِرًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَوْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ فِي التَّتِمَّةِ صَرَّحَ بِجَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ (وَلَا) يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا (بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ) حَالَ كَوْنِهِمْ (مُدْبِرِينَ) لِعَدَاوَةٍ أَوْ اعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ إبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الشَّافِعِيِّ الْحَنَفِيَّ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَالْمَذْكُورُونَ هُنَا تَحْتَ رَأْيِ الْإِمَامِ فَفِعْلُهُمْ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ. قَالَ الشَّيْخَانِ: فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حُسْنَ إقْدَامٍ وَجَرَاءَةً. الثَّانِي أَنْ يُمْكِنَ دَفْعُهُمْ عَنْهُمْ لَوْ اتَّبَعُوهُمْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ. زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَتْبَعُوا مُدْبِرًا وَلَا يَقْتُلُوا جَرِيحًا وَأَنْ يَثِقَ بِوَفَائِهِمْ بِذَلِكَ (وَلَوْ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ حَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ، وَقَصْرُهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ لَحْنٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَكِّيٍّ: أَيْ عَقَدُوا لَهُمْ أَمَانًا لِيُعِينُوهُمْ عَلَيْنَا (لَمْ يَنْفُذْ) بِالْمُعْجَمَةِ (أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا) لِأَنَّ الْأَمَانَ لِتَرْكِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى شَرْطِ قِتَالِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَلَنَا غُنْمُ أَمْوَالِهِمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ وَقَتْلُ أَسِيرِهِمْ وَقَتْلُهُمْ مُدْبِرِينَ وَتَذْفِيفُ جَرِيحِهِمْ، نَعَمْ لَوْ قَالُوا: ظَنَنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَنَا إعَانَةُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ أَنَّهُمْ الْمُحِقُّونَ وَلَنَا إعَانَةُ الْمُحِقِّ، أَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعَانُوا بِنَا عَلَى كُفَّارٍ وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الْآتِي فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ بَلَّغْنَاهُمْ الْمَأْمَنَ وَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْبُغَاةِ فَلَا نَسْتَبِيحُهُمْ لِلْأَمَانِ مَعَ عُذْرِهِمْ (وَنَفَذَ عَلَيْهِمْ) أَمَانُهُمْ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمْ آمَنُوهُمْ وَأَمِنُوا مِنْهُمْ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ أَمَانٌ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا لَوْ آمَنُوهُمْ بِدُونِ شَرْطِ قِتَالِنَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَيْنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 407 وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، أَوْ مُكْرَهِينَ فَلَا، وَكَذَا إنْ قَالُوا ظَنَنَّا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيُقَاتَلُونَ كَبُغَاةٍ.   [مغني المحتاج] وَعَلَيْهِمْ، فَإِنْ اسْتَعَانُوا بِهِمْ عَلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَاتَلُونَا انْتَقَضَ أَمَانُهُمْ حِينَئِذٍ فِي حَقِّنَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ انْتِقَاضُهُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ عَطْفُهُ آمَنُوهُمْ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ بِأَنَّهَا غَيْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَاحْتَرَزَ بِأَهْلِ حَرْبٍ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ) مُخْتَارِينَ (عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) بِذَلِكَ كَمَا لَوْ انْفَرَدُوا بِالْقِتَالِ فَصَارَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُقْتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ انْتِقَاضُ عَهْدِهِمْ مُطْلَقًا حَتَّى فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْبَيَانِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي انْتِقَاضِهِ الْخِلَافُ فِي أَمَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَلَوْ أَتْلَفُوا شَيْئًا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَضْمَنُوهُ (أَوْ مُكْرَهِينَ فَلَا) يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ مُكْرَهُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَنْدَنِيجِيّ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كَوْنِهِمْ مُكْرَهِينَ عِنْدَ الْإِمَامِ، هَذَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعَهْدِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ الْإِكْرَاهَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَمَانَ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خَافَ الْإِمَامُ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخِيَانَةَ نَبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَاحْتَرَزَ بِعَالِمِينَ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ قَالُوا ظَنَنَّا جَوَازَهُ) أَيْ إنَّهُ يَجُوزُ لَنَا إعَانَةُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَعْضٍ، أَوْ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ يَسْتَعِينُونَ بِنَا عَلَى قِتَالِ كُفَّارٍ، وَأَمْكَنَ صِدْقُهُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَسِيطِ، فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ (أَوْ) ظَنَنَّا (أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ) فِيمَا فَعَلُوهُ، وَإِنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّ فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِمُوَافَقَتِهِمْ طَائِفَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ عُذْرِهِمْ، وَلَا بُدَّ فِي دَعْوَاهُمْ الْجَهْلَ مِنْ إمْكَانِ صِدْقِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ، وَزَادَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنَّهُمْ مُحِقُّونَ، وَإِنَّ لَهُمْ إعَانَةَ الْمُحِقِّ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ قِتَالُ الْمُحِقِّينَ وَلَا الْمُبْطِلِينَ، وَنَاقَشَ الْوَجِيزُ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَمَا هُنَا، وَقَدْ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، وَفِي قَوْلِهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ، وَلَوْ ادَّعَوْا ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَلُّوا بِالْقِتَالِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِكَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ فِيهِ الطَّرِيقَانِ، فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَيَنْتَقِضُ قَطْعًا، وَلَوْ قَاتَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَهْلَ الْبَغْيِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ حَارَبُوا مَنْ يَلْزَمُ الْإِمَامَ مُحَارَبَتُهُ (وَيُقَاتَلُونَ) حَيْثُ قُلْنَا بِعَدَمِ انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (كَبُغَاةٍ) أَيْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 408 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] كَقِتَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ حَقَنَ دِمَاءَهُمْ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ حَقَنَ دِمَاءَ الْبُغَاةِ. أَمَّا إذَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي الْجِزْيَةِ. تَنْبِيهٌ: تَشْبِيهُ الْمُصَنِّفِ لَهُمْ بِالْبُغَاةِ فِي الْمُقَاتَلَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يُلْحَقُونَ بِهِمْ فِي نَفْيِ ضَمَانِ مَا يُتْلِفُونَهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا أَسْقَطْنَا الضَّمَانَ عَنْ الْبُغَاةِ لِاسْتِمَالَةِ قُلُوبِهِمْ وَرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ؛ لِئَلَّا يُنَفِّرَهُمْ الضَّمَانُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ؟ وَجْهَانِ: فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْوُجُوبُ. وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُعَاهِدِينَ وَالْمُؤَمَّنِينَ فَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ وَلَا يُقْبَلُ عُذْرُهُمْ إلَّا فِي الْإِكْرَاهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ فِي دَعْوَاهُمْ الْإِكْرَاهَ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ. فَرْعٌ: لَوْ اقْتَتَلَ طَائِفَتَانِ بَاغِيَتَانِ مَنَعَهُمَا الْإِمَامُ فَلَا يُعِينُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ مَنْعِهِمَا قَاتَلَ أَشَرَّهُمَا بِالْأُخْرَى الَّتِي هِيَ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ، وَإِنْ رَجَعَتْ لَمْ يُفَاجِئْ الْأُخْرَى بِالْقِتَالِ حَتَّى يَدْعُوَهَا إلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ بِاسْتِعَانَتِهِ بِهَا فِي أَمَانِهِ، فَإِنْ اسْتَوَتَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ضَمَّ إلَيْهِ أَقَلَّهُمَا جَمْعًا ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا دَارًا ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِيهِمَا وَقَاتَلَ بِالْمَضْمُومَةِ إلَيْهِ مِنْهُمَا الْأُخْرَى غَيْرَ قَاصِدٍ إعَانَتَهَا، بَلْ قَاصِدًا دَفْعَ الْأُخْرَى، وَلَوْ غَزَا الْبُغَاةُ مَعَ الْإِمَامِ مُشْرِكِينَ فَكَأَهْلِ الْعَهْدِ فِي حُكْمِ الْغَنَائِمِ فَيُعْطَى الْقَاتِلُ مِنْهُمْ السَّلَبَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَلَوْ عَاهَدَ الْبُغَاةُ مُشْرِكًا اجْتَنَبْنَاهُ بِأَنْ لَا نَقْصِدَهُ بِمَا نَقْصِدُ بِهِ الْحَرْبِيَّ غَيْرَ الْمُعَاهِدِ. وَلَوْ قَتَلَ عَادِلٌ عَادِلًا فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ: ظَنَنْتُهُ بَاغِيًا حَلَفَ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ لِلْعُذْرِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ عَادِلٌ قَتْلَ بَاغٍ أَمَّنَهُ عَادِلٌ وَلَوْ كَانَ الْمُؤَمِّنُ لَهُ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِأَمَانِهِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ. [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ] وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَغْيَ هُوَ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا فَيَالَهَا رُتْبَةً مَا أَسْنَاهَا وَمَرْتَبَةً مَا أَعْلَاهَا احْتَاجَ إلَى تَعْرِيفِهِ فَعَقَدَ لَهُ فَصْلًا، فَقَالَ [فَصْلٌ] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 409 [فَصْلٌ] شَرْطُ الْإِمَامِ   [مغني المحتاج] فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَبَيَانِ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ. وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْقَضَاءِ، إذْ لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ إمَامٍ يُقِيمُ الدِّينَ وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ وَيُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَيَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ وَيَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، وَقَدَّمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْكَلَامَ عَلَى الْإِمَامَةِ عَلَى أَحْكَامِ الْبُغَاةِ، وَمَا فِي الْكِتَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ: الشُّرُوطُ بِقَوْلِهِ (شَرْطُ الْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ شَرْطٍ: أَيْ شُرُوطِهِ حَالَ عَقْدِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْعَهْدِ بِهَا، أُمُورٌ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 416 كَوْنُهُ مُسْلِمًا   [مغني المحتاج] أَحَدُهَا (كَوْنُهُ مُسْلِمًا) لِيُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَلَوْ عَلَى كَافِرٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 417 مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا   [مغني المحتاج] ثَانِيهَا كَوْنُهُ (مُكَلَّفًا) لِيَلِيَ أَمْرَ النَّاسِ، فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِجْمَاعٍ؛ لِأَنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي حَضَانَةِ غَيْرِهِ، فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ الْأُمَّةِ؟ وَفِي الْحَدِيثِ «نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ إمَارَةِ الصِّبْيَانِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ثَالِثُهَا كَوْنُهُ (حُرًّا) لِيَكْمُلَ وَيُهَابَ، بِخِلَافِ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَلِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ غَيْرِهِ، وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَمِعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، رَابِعُهَا كَوْنُهُ (ذَكَرًا) لِيَتَفَرَّغَ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ، فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ امْرَأَةٍ، لِمَا فِي الصَّحِيحِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» وَلَا وِلَايَةُ خُنْثَى وَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 418 قُرَشِيًّا   [مغني المحتاج] كَمَا ذَكَرُوهُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَاضِي فَالْإِمَامُ أَوْلَى. خَامِسُهَا كَوْنُهُ (قُرَشِيًّا) لِخَبَرِ النَّسَائِيّ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» الجزء: 5 ¦ الصفحة: 419 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَبِهِ أَخَذَ الصَّحَابَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. هَذَا عِنْدَ تَيَسُّرِ قُرَشِيٍّ لِلشُّرُوطِ، فَإِنْ عُدِمَ فَمُنْتَسِبٌ إلَى كِنَانَةَ، فَإِنْ عُدِمَ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ عُدِمَ فَرَجُلٌ جُرْهُمِيٌّ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ. وَجُرْهُمُ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمِنْهُمْ تَزَوَّجَ سَيِّدُنَا إسْمَاعِيلُ حِينَ أَنْزَلَهُ أَبُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْضَ مَكَّةَ، فَإِنْ عُدِمَ فَرَجُلٌ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إلَى غَيْرِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا بِاتِّفَاقٍ، فَإِنَّ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 420 مُجْتَهِدًا شُجَاعًا ذَا رَأْيٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ. وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِالْبَيْعَةِ،   [مغني المحتاج] وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ. سَادِسُهَا: كَوْنُهُ عَدْلًا، وَلَوْ ذَكَرَهُ بَدَلَ مُسْلِمًا لَعُلِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَإِذَا تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ قَدَّمْنَا أَقَلَّهُمْ فِسْقًا. سَابِعُهَا: كَوْنُهُ عَالِمًا (مُجْتَهِدًا) لِيَعْرِفَ الْأَحْكَامَ وَيُعَلِّمَ النَّاسَ وَلَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِفْتَاءِ غَيْرِهِ فِي الْحَوَادِثِ لِأَنَّهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَالسُّؤَالِ يَخْرُجُ عَنْ رُتْبَةِ الِاسْتِقْلَالِ، ثَامِنُهَا: كَوْنُهُ (شُجَاعًا) بِتَثْلِيثِ الْمُعْجَمَةِ، وَالشَّجَاعَةُ قُوَّةُ الْقَلْبِ عِنْدَ الْبَأْسِ لِيَنْفَرِدَ بِنَفْسِهِ وَيُدَبِّرَ الْجُيُوشَ وَيَقْهَرَ الْأَعْدَاءَ وَيَفْتَحَ الْحُصُونَ. تَاسِعُهَا: كَوْنُهُ (ذَا رَأْيٍ) يُفْضِي إلَى سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَهُوَ مِلَاكُ الْأُمُورِ. قَالَ الْمُتَنَبِّي: الرَّأْيُ قَبْلَ شَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ ... هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ الْمَحَلُّ الثَّانِي فَإِذَا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ مَرَّةً ... بَلَغَتْ مِنْ الْعَلْيَاءِ كُلَّ مَكَانِ وَلَرُبَّمَا قَهَرَ الْفَتَى أَقْرَانَهُ ... بِالرَّأْيِ لَا بِتَطَاوُلِ الْأَقْرَانِ وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي سَدَادِ الرَّأْيِ (وَ) . عَاشِرُهَا: كَوْنُهُ ذَا (سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ) لِيَتَأَتَّى مِنْهُ فَصْلُ الْأُمُورِ، وَلَا يَضُرُّ ثِقَلُ السَّمْعِ وَالتَّمْتَمَةُ وَلَا كَوْنُهُ أَعْشَى الْعَيْنِ لِأَنَّ عَجْزَهُ حَالَ الِاسْتِرَاحَةِ وَيُرْجَى زَوَالُهُ. وَأَمَّا ضَعْفُ الْبَصَرِ فَإِنْ مَنَعَ تَمْيِيزَ الْأَشْخَاصِ مُنِعَ، وَإِلَّا فَلَا تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ الْبَصَرَ جَوَازُ كَوْنِهِ أَعْوَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الرُّويَانِيُّ وَمِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فَقْدُ شَمٍّ وَذَوْقٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ حَرَكَةِ النُّهُوضِ كَالنَّقْصِ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَعْصُومًا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَضُرُّ قَطْعُ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ إلَّا الْعَدَالَةَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا الْجُنُونَ الْمُتَقَطِّعَ، إذَا كَانَ زَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَكْثَرَ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِلَّا فِي قَطْعِ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الدَّوَامِ، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ وَالْمَرَضِ الَّذِي يُنْسِيهِ الْعُلُومَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ بَيَانُ انْعِقَادِ طُرُقِ الْإِمَامَةِ بِقَوْلِهِ (وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ) بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ. أَحَدُهَا (بِالْبَيْعَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا بَايَعَ الصَّحَابَةُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 421 وَالْأَصَحُّ بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَشَرْطُهُمْ صِفَةُ الشُّهُودِ وَبِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ،   [مغني المحتاج] وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ الْمُبَايِعِ (وَالْأَصَحُّ) لَا يَتَعَيَّنُ عَدَدٌ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ (بَيْعَةُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ) لِأَنَّ الْأَمْرَ يَنْتَظِمُ بِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ سَائِرُ النَّاسِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ سَائِرِ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَدٌ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، بَلْ لَوْ تَعَلَّقَ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ بِوَاحِدٍ مُطَاعٍ كَفَتْ بَيْعَتُهُ، وَلَزِمَهُ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُتَابَعَةُ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ مِنْ خَمْسَةٍ غَيْرِ الْبَائِعِ كَأَهْلِ الشُّورَى، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ خَطَرًا مِنْ الْجُمُعَةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِهَا إشْهَادُ شَاهِدَيْنِ أَوْ لَا؟ حَكَى فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلَ لِئَلَّا يُدْعَى عَقْدٌ سَابِقٌ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ دُونَ النِّكَاحِ، وَقِيلَ إنْ عَقَدَهَا وَاحِدٌ اُشْتُرِطَ الْإِشْهَادُ، أَوْ جَمْعٌ فَلَا، وَجَرَى عَلَى هَذَا ابْنُ الْمُقْرِي (وَشَرْطُهُمْ) أَيْ الْمُبَايِعِينَ (صِفَةُ الشُّهُودِ) مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَايِعُ مُجْتَهِدًا إنْ اتَّحَدَ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مُجْتَهِدٌ إنْ تَعَدَّدَ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ هُنَا الْمُجْتَهِدُ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ لَا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّنْجَانِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ (وَ) ثَانِيهِمَا يَنْعَقِدُ (بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) شَخْصًا عَيَّنَهُ فِي حَيَاتِهِ لِيَكُونَ خَلِيفَتَهُ بَعْدَهُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهُ بِعَهِدْتُ إلَيْهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، بِقَوْلِهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ آخِرِ عَهْدِهِ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ، إنِّي اسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنْ بَرَّ وَعَدَلَ فَذَاكَ عِلْمِي بِهِ وَعِلْمِي فِيهِ، وَإِنْ جَارَ وَبَدَّلَ فَلَا عِلْمَ لِي بِالْغَيْبِ، وَالْخَيْرَ أَرَدْتُ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ جَامِعًا لِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ، فَلَا عِبْرَةَ بِاسْتِخْلَافِ الْجَاهِلِ وَالْفَاسِقِ، وَأَنْ يَقْبَلَ الْخَلِيفَةَ فِي حَيَاةِ الْإِمَامِ، وَإِنْ تَرَاخَى عَنْ الِاسْتِخْلَافِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ بَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ اشْتِرَاطَ الْفَوْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْحَيَاةِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الْإِيصَاءِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّى الْأَصْلَحَ لِلْإِمَامَةِ بِأَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ وَلَّاهُ، وَلَهُ جَعْلُ الْخِلَافَةِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِعَمْرٍو، ثُمَّ بَعْدَهُ لِبَكْرٍ، وَتَنْتَقِلُ عَلَى مَا رَتَّبَ كَمَا رَتَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَرَاءَ جَيْشِ مُؤْتَةَ، فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ فَالْخِلَافَةُ لِلثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي أَيْضًا فَهِيَ لِلثَّالِثِ، وَإِنْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ وَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ أَحْيَاءً وَانْتَصَبَ الْأَوَّلُ كَانَ لَهُ أَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 422 فَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعٍ فَكَاسْتِخْلَافٍ فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ. وَبِاسْتِيلَاءِ جَامِعِ الشُّرُوطِ، وَكَذَا فَاسِقٌ وَجَاهِلٌ   [مغني المحتاج] يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ، لِأَنَّهَا لَمَّا انْتَهَتْ إلَيْهِ صَارَ أَمْلَكَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَعْهَدْ إلَى أَحَدٍ، فَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَيْعَةِ أَنْ يُبَايِعُوا غَيْرَ الثَّانِي وَيُقَدَّمُ عَهْدُ الْأَوَّلِ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِخْلَافِ رِضَا أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ: بَلْ إذَا ظَهَرَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ بَيْعَتُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ غَيْرِهِ وَلَا مُشَاوَرَةِ أَحَدٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ، (فَلَوْ جَعَلَ) الْإِمَامُ (الْأَمْرَ) فِي الْخِلَافَةِ (شُورَى) هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّشَاوُرِ (بَيْنَ جَمْعٍ فَكَاسْتِخْلَافٍ) حُكْمُهُ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ (فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ) بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ فَيُعَيِّنُونَهُ لِلْخِلَافَةِ كَمَا جَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ: عَلِيٍّ، وَالزُّبَيْرِ، وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعَيِّنُوهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ خَافُوا تَفَرُّقَ الْأَمْرِ وَانْتِشَارَهُ بَعْدَهُ اسْتَأْذَنُوهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ أَهْلُ الشُّورَى مِنْ الِاخْتِيَارِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ، وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ الْمَعْهُودُ إلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَوْصَى بِهَا جَازَ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ، لَكِنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ وَيَتَعَيَّنُ مَنْ اخْتَارَهُ لِلْخِلَافَةِ بِالِاسْتِخْلَافِ أَوْ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْقَبُولِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهُ، وَإِنْ اسْتَعْفَى الْخَلِيفَةُ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ لَمْ يَنْعَزِلْ حَتَّى يُعْفَى وَيُوجَدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ وَإِعْفَاؤُهُ وَخَرَجَ مِنْ الْعَهْدِ بِاسْتِجْمَاعِهِمَا، وَإِلَّا امْتَنَعَ وَبَقِيَ الْعَهْدُ لَازِمًا، وَيَجُوزُ الْعَهْدُ إلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ كَمَا يَجُوزُ إلَى غَيْرِهِمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ كَالتَّزْكِيَةِ وَالْحُكْمِ، وَقِيلَ: تَجُوزُ لِلْوَالِدِ دُونَ الْوَلَدِ، لِشِدَّةِ الْمَيْلِ إلَيْهِ. فَرْعٌ: لَوْ صَلَحَ لِلْإِمَامَةِ وَاحِدٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ، أَوْ اثْنَانِ اُسْتُحِبَّ لِأَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ تَقْدِيمُ أَسَنِّهِمَا فِي الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إنْ كَثُرَتْ الْحُرُوبُ كَأَنْ ظَهَرَ أَهْلُ الْفَسَادِ أَوْ الْبُغَاةِ فَالْأَشْجَعُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الشَّجَاعَةِ، أَوْ كَثُرَتْ الْبِدَعُ فَالْأَعْلَمُ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَى زِيَادَةِ الْعِلْمِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقُرِعَ وَإِنْ لَمْ يَتَنَازَعَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي لِأَنَّ فَيْأَهُمَا لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ مَنْ شَاءُوا بِلَا قُرْعَةٍ، وَلَوْ تَنَازَعَاهَا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِمَا تَنَازُعُهَا؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا لَيْسَ مَكْرُوهًا (وَ) ثَالِثُهَا (بِاسْتِيلَاءِ) شَخْصٍ مُتَغَلِّبٍ عَلَى الْإِمَامَةِ (جَامِعِ الشُّرُوطِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِمَامَةِ عَلَى الْمُلْكِ بِقَهْرٍ وَغَلَبَةٍ بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ لَيَنْتَظِمَ شَمْلُ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْحَيِّ فَإِنْ كَانَ الْحَيُّ مُتَغَلِّبًا انْعَقَدَتْ إمَامَةُ الْمُتَغَلِّبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا بِبَيْعَةٍ أَوْ عَهْدٍ لَمْ تَنْعَقِدْ إمَامَةُ الْمُتَغَلِّبِ عَلَيْهِ (وَكَذَا فَاسِقٌ وَجَاهِلٌ) تَنْعَقِدُ إمَامَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ وُجُودِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 423 فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ بِالِاسْتِيلَاءِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِفَقْدِ الشُّرُوطِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَجْرِي فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الْفِسْقِ وَالْجَهْلِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مُشْعِرَةٌ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ عِنْدَ انْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، فَإِنْ جَعَلْتُ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَهُ فَلَا مُخَالَفَةَ، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالْفِسْقِ وَالْجَهْلِ، بَلْ سَائِرُ الشُّرُوطِ إذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا كَذَلِكَ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلِيَ الْأَكْنَانَ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ حِينَ مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 424 قُلْتُ: لَوْ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،   [مغني المحتاج] وَضَعُوا التَّاجَ عَلَى بَطْنِ أُمِّهِ وَعَقَدُوا لِحَمْلِهَا اللِّوَاءَ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا فَمَلَكَهُمْ إلَى أَنْ مَاتَ، نَعَمْ الْكَافِرُ إذَا تَغَلَّبَ لَا تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَقَوْلِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ: وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى إقْلِيمٍ فَوَلَّوْا الْقَضَاءَ رَجُلًا مُسْلِمًا، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ انْعِقَادُهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِوِلَايَةِ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يَرْجِعُ لِلْعُقَلَاءِ أَوْ امْرَأَةٍ هَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا لِعَامٍّ فِيمَا يُوَافِقُ الْحَقَّ كَتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ وَالْوُلَاةِ؟ فِيهِ وَقْفَةٌ اهـ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ وَقْفَةٌ فِي ذَلِكَ فَالْكَافِرُ أَوْلَى. فُرُوعٌ: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِخَبَرِ «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ اتِّحَادُ الْكَلِمَةِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِوُجُوبِ الطَّاعَةِ، وَتَجِبُ نَصِيحَتُهُ لِلرَّعِيَّةِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِإِمَامَيْنِ فَأَكْثَر وَلَوْ بِأَقَالِيمَ وَلَوْ تَبَاعَدَتْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَالِ الرَّأْيِ وَتَفَرُّقِ الشَّمْلِ، فَإِنْ عُقِدَتْ لِاثْنَيْنِ مَعًا بَطَلَتَا أَوْ مُرَتَّبًا انْعَقَدَتْ لِلسَّابِقِ كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي وَمُبَايِعُوهُ إنْ عَلِمُوا بِبَيْعَةِ السَّابِقِ لِارْتِكَابِهِمْ مُحَرَّمًا. فَإِنْ قِيلَ وَرَدَ: فِي مُسْلِمٍ «إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا» فَكَيْفَ يُقَالُ بِالتَّعْزِيرِ فَقَطْ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُطِيعُوهُ فَيَكُونُ كَمَنْ قُتِلَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ أَصَرَّ فَهُوَ بَاغٍ يُقَاتَلُ، فَإِنْ عُلِمَ سَبْقٌ وَجَهْلٌ بَطَلَ الْعَقْدَانِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَالنِّكَاحِ، وَإِنْ عَلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نَسِيَ وَقَفَ الْأَمْرُ رَجَاءَ الِانْكِشَافِ، فَإِنْ أَضَرَّ الْوَقْفُ بِالْمُسْلِمِينَ عُقِدَ لِأَحَدِهِمَا لَا لِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَهُمَا أَوْجَبَ صَرْفُهَا عَنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ بَطَلَ عَقْدَاهُمَا بِالْإِضْرَارِ، وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ الشَّيْخَيْنِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ بِجَوَازِ عَقْدِهَا لِغَيْرِهِمَا، وَالْحَقُّ فِي الْإِمَامَةِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمَا، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا السَّبَقَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بَطَلَ حَقُّهُ وَلَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لِلْآخَرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْإِمَامِ خَلِيفَةً، وَخَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَخْلَفُ مَنْ يَغِيبُ وَيَمُوتُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَلَا يُسَمَّى أَحَدٌ خَلِيفَةَ اللَّهِ بَعْدَ آدَمَ وَدَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَعَنْ ابْنِ مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا رَاضٍ بِذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ خَلْعُ الْإِمَامِ مَا لَمْ تَخْتَلَّ الصِّفَاتُ فِيهِ، وَلَا يَصِيرُ الشَّخْصُ إمَامًا بِتَفَرُّدِهِ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ فِي وَقْتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الطُّرُقِ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ يَصِيرُ عَنْ غَيْرِ عَقْدٍ، حَكَاهُ الْقَمُولِيُّ. قَالَ: وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَلْحَقَ الْقَاضِيَ بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْإِمَامُ: لَوْ شَغَرَ الزَّمَانُ عَنْ الْإِمَامِ انْتَقَلَتْ أَحْكَامُهُ إلَى أَعْلَمِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِيمَا لَوْ عَادَ الْبَلَدُ مِنْ الْبُغَاةِ إلَيْنَا (لَوْ ادَّعَى) بَعْضُ أَهْلِهِ (دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ) بِلَا يَمِينٍ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ وَ (بِيَمِينِهِ) إنْ اُتُّهِمَ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ، وَالْمُسْلِمُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَمْرِ دِينِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 425 أَوْ جِزْيَةٍ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا خَرَاجٍ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَدَّقُ فِي حَدٍّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: الْيَمِينُ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ هُنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّمِيرِيُّ (أَوْ) ذِمِّيٌّ ادَّعَى دَفْعَ (جِزْيَةٍ فَلَا) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ السَّكَنِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ دَفْعَ الْأُجْرَةِ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ كَالْمُزَكِّي، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ غَيْرُ مُؤْتَمَنٍ فِيمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدَاوَةِ الظَّاهِرَةِ (وَكَذَا خَرَاجٌ) لِأَرْضٍ دَفَعَهُ الْمُسْلِمُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِقَاضِي الْبُغَاةِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَفْعِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ كَالزَّكَاةِ. أَمَّا الْكَافِرُ إذَا ادَّعَى دَفْعَ الْخَرَاجِ فَلَا يُصَدَّقُ جَزْمًا (وَيُصَدَّقُ) الشَّخْصُ (فِي) إقَامَةِ (حَدٍّ) أَنَّهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بِلَا يَمِينٍ، لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ) الْحَدُّ (بِبَيِّنَةٍ، وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا أَثَرَ لَهُ) أَيْ الْحَدِّ (فِي الْبَدَنِ) فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إقَامَتِهِ وَلَا قَرِينَةَ تَدْفَعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْحَدِّ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ بَقَاءَ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْإِمَامَةِ. خَاتِمَةٌ: لَا يَنْعَزِلُ إمَامٌ أَسَرَهُ كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ لَهُمْ إمَامٌ إلَّا إنْ وَقَعَ الْيَأْسُ وَلَمْ يَعُدْ إلَى إمَامَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبُغَاةِ إمَامٌ لَمْ يَنْعَزِلْ الْإِمَامُ الْمَأْسُورُ، وَإِنْ وَقَعَ الْيَأْسُ مِنْ خَلَاصِهِ وَيَسْتَنِيبُ عَنْ نَفْسِهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ وَإِلَّا اُسْتُنِيبَ عَنْهُ، فَلَوْ خَلَعَ الْإِمَامُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَصِرْ الْمُسْتَنَابُ إمَامًا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَانَ الْمُعْتَصِمُ بِاَللَّهِ يُدْعَى الْمُثَمَّنَ، لِأَنَّهُ كَانَ ثَامِنَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَعْبَانَ، وَهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ مِنْ السَّنَةِ، وَفَتَحَ ثَمَانِ فُتُوحَاتٍ، وَوَقَفَ ثَمَانِيَةُ مُلُوكٍ وَثَمَانِيَةُ أَعْدَاءٍ بِبَابِهِ، وَعَاشَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثَمَانِ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ. وَخَلَّفَ ثَمَانِ بَنِينَ، وَثَمَانِ بَنَاتٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِينَارٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ فَرَسٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ بَعِيرٍ وَبَغْلٍ وَدَابَّةٍ: وَثَمَانِيَةَ آلَافِ خَيْمَةٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ عَبْدٍ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ أَمَةٍ، وَثَمَانِيَةَ قُصُورٍ، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَحْرُفٍ، وَكَانَتْ غِلْمَانُهُ الْأَتْرَاكُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 426 كِتَابُ الرِّدَّةِ هِيَ: قَطْعُ الْإِسْلَامِ بِنِيَّةِ أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ، سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ عِنَادًا أَوْ اعْتِقَادًا.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الرِّدَّةِ] ِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا (هِيَ) لُغَةً الرُّجُوعُ عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِهِ، وَهِيَ أَفْحَشُ الْكُفْرِ وَأَغْلَظُهُ حُكْمًا، مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] الْآيَةَ، وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ الَّذِي حَجَّهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ، وَنَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُبُوطَ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ مُهِمَّةٌ غَفَلَ عَنْهَا الْأَصْحَابُ اهـ. وَلَيْسَ فِي هَذَا مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِهِمْ، فَإِنَّ كَلَامَهُمْ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ نَفْسَ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَأْخَذَ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي لُزُومِ الْحَجِّ بَعْدَ الرِّدَّةِ حُبُوطَ الْعَمَلِ وَكَلَامُ النَّصِّ فِي حُبُوطِ ثَوَابِ الْعَمَلِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ ثَوَابِ الْعَمَلِ سُقُوطُ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْقَضَاءِ مَعَ كَوْنِهَا لَا ثَوَابَ فِيهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَشَرْعًا (قَطْعُ) اسْتِمْرَارِ (الْإِسْلَامِ) وَدَوَامِهِ، وَيَحْصُلُ قَطْعُهُ بِأُمُورٍ (بِنِيَّةِ) كُفْرٍ، وَذِكْرُ النِّيَّةِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ لِيَدْخُلَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ يُكَفَّرُ حَالًا، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا التَّعْبِيرُ بِالْعَزْمِ، فَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ النِّيَّةَ قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ، فَإِنْ قَصَدَهُ وَتَرَاخَى عَنْهُ فَهُوَ عَزْمٌ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالْعَزْمِ (أَوْ) قَطْعِ الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ (قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ) مُكَفِّرٍ فَقَوْلُهُ " قَطْعُ " جِنْسٌ يَشْمَلُ قَطْعَ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي، وَقَوْلُهُ: " الْإِسْلَامِ " فَصْلٌ يَخْرُجُ بِهِ قَطْعُ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَقَوْلُهُ: بِنِيَّةِ إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَكُونُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الرِّدَّةَ تَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَطْعٌ كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ يَبْقَى فَإِنَّهُ رِدَّةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا مَنْ عَلَّقَ بَيْنَ مُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَهَذَا الثَّانِي غَيْرُ وَارِدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُرْتَدِّ حُكْمًا وَلَا يُرَدُّ الْكَافِرُ الْمُنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُرْتَدًّا شَرْعًا، وَإِنَّمَا يُعْطَى حُكْمَ الْمُرْتَدِّ. ثُمَّ قَسَّمَ الْقَوْلَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ بِقَوْلِهِ (سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ عِنَادًا أَوْ اعْتِقَادًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 427 فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ   [مغني المحتاج] {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66] وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ الْقَوْلِ فِي كَلَامِهِ عَنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْكُفْرِ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَكَذَا الْكَلِمَاتُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِمْ، فَفِي أَمَالِي الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا قَالَ: أَنَا اللَّهُ عُزِّرَ التَّعْزِيرَ الشَّرْعِيَّ، وَلَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ، وَيُنَافِي هَذَا قَوْلَ الْقُشَيْرِيِّ: مِنْ شَرْطِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا، كَمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّبِيِّ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، فَكُلُّ مَنْ كَانَ لِلشَّرْعِ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ فَهُوَ مَغْرُورٌ مُخَادِعٌ، فَالْوَلِيُّ الَّذِي تَوَالَتْ أَفْعَالُهُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَنْ الْحُسَيْنِ الْحَلَّاجِ لِمَا قَالَ: أَنَا الْحَقُّ فَتَوَقَّفَ فِيهِ وَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ خَفِيَ عَلَيَّ أَمْرُهُ وَمَا أَقُولُ فِيهِ شَيْئًا، وَأَفْتَى بِكُفْرِهِ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو عَمْرٍو وَالْجُنَيْدُ وَفُقَهَاءُ عَصْرِهِ، وَأَمَرَ الْمُقْتَدِرُ بِضَرْبِهِ أَلْفَ سَوْطٍ، فَإِنْ مَاتَ، وَإِلَّا ضُرِبَ أَلْفًا أُخْرَى، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ ثُمَّ يُضْرَبُ عُنُقُهُ، فَفُعِلَ بِهِ جَمِيعَ ذَلِكَ لِسِتٍّ بَقَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَالنَّاسُ مَعَ ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ فِي أَمْرِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُهُ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِسَيْفِ الشَّرْعِ، وَجَرَى ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِغَيْرِهِ عَلَى كُفْرِ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِ طَائِفَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ الَّذِينَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ الِاتِّحَادُ وَهُوَ بِحَسَبِ مَا فَهِمُوهُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَلَكِنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ جَارٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ، إذَا اللَّفْظُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ، وَالْمُعْتَقِدُ مِنْهُمْ لِمَعْنَاهُ مُعْتَقِدٌ لِمَعْنًى صَحِيحٍ. وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ ظَاهِرَهُ مِنْ جَهَلَةِ الصُّوفِيَّةِ فَإِنَّهُ يَعْرِفُ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ صَارَ كَافِرًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا أَيْضًا فِي كِتَابِ السِّيَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا حَكَى الشَّاهِدُ لَفْظَ الْكُفْرِ، لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حِكَايَتُهُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلْيُتَفَطَّنْ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: أَوْ قَوْلُ كُفْرٍ فِيهِ دَوْرٌ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْكُفْرِ فَكَيْفَ يَقُولُ أَوْ قَوْلُ كُفْرٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُفْرِ فِي الْحَدِّ الْكُفْرُ الْأَصْلِيُّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ بِنِيَّةِ كُفْرٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لِيَكُونَ حَذْفَ لَفْظَةِ كُفْرٍ مِنْ الْآخَر لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَتَعْبِيرُهُ لَا يَتَنَاوَلُ كُفْرَ الْمُنَافِقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ إسْلَامٌ صَحِيحٌ (فَمَنْ نَفَى) أَيْ أَنْكَرَ الصَّانِعَ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَهُمْ الدَّهْرِيَّةُ الزَّاعِمُونَ أَنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا كَذَلِكَ بِلَا صَانِعٍ. فَإِنْ قِيلَ: إطْلَاقُ (الصَّانِعِ) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَرِدْ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُجَوِّزِينَ الْإِطْلَاقَ بِالِاشْتِقَاقِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ:. أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ صَنَعَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي أَوَائِلِ الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَوْ نَفَى مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْإِجْمَاعِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ كَحُدُوثِهِ أَوْ قِدَمِ الْعَالَمِ كَمَا قَالَهُ الْفَلَاسِفَةُ قَالَ الْمُتَوَلِّي: أَوْ أَثْبَتَ لَهُ لَوْنًا، أَوْ اتِّصَالًا، أَوْ انْفِصَالًا. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 428 أَوْ الرُّسُلَ أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي كُفْرِ الْمُجَسِّمَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ كُفْرِهِمْ، وَجَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ بِكُفْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ: وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَنْ جَسَّمَ تَجْسِيمًا صَرِيحًا، وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ صَرِيحًا عَمَّنْ يُثْبِتُ الْجِهَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَقَالَ فِي قَوَاعِدِهِ: إنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ اهـ. وَأُوِّلَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ بِتَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ لَا الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلَّةِ، قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمُنَاكَحَتِهِمْ وَمُوَارَثَتِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كَفَّرَ أَصْحَابُنَا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فَعَّالَةٌ، فَهَلَّا كَانَتْ الْمُعْتَزِلَةُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ صَاحِبَ الْكَوَاكِبِ اعْتَقَدَ فِيهَا مَا يَعْتَقِدُ فِي الْإِلَهِ مِنْ أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْعَبْدُ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ فَقَطْ. (أَوْ) نَفَى (الرُّسُلَ) بِأَنْ قَالَ: لَمْ يُرْسِلْهُمْ اللَّهُ، أَوْ نَفَى نُبُوَّةَ نَبِيٍّ، أَوْ ادَّعَى نُبُوَّةً بَعْدَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيهَا أَوْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْوَدُ أَوْ أَمْرَدُ أَوْ غَيْرُ قُرَشِيٍّ، أَوْ قَالَ النُّبُوَّةُ مُكْتَسَبَةٌ أَوْ تُنَالُ رُتْبَتُهَا بِصَفَاءِ الْقُلُوبِ أَوْ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يَدَّعِ نُبُوَّةً (أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا) أَوْ نَبِيًّا أَوْ سَبَّهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ أَمْرِهِ أَوْ وَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ، أَوْ جَحَدَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ مُجْمَعًا عَلَى ثُبُوتِهَا، أَوْ زَادَ فِيهِ آيَةً مُعْتَقِدًا أَنَّهَا مِنْهُ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِسُنَّةٍ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَكَلَ لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَةَ، فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِأَدَبٍ أَوْ قِيلَ لَهُ قَلِّمْ أَظْفَارَكَ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، فَقَالَ لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً وَقَصَدَ الِاسْتِهْزَاءَ بِذَلِكَ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ، أَوْ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ، أَوْ لَوْ جَعَلَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ هُنَا لَمْ أُصَلِّ إلَيْهَا، أَوْ لَوْ اتَّخَذَ اللَّهُ فُلَانًا نَبِيًّا لَمْ أُصَدِّقْهُ، أَوْ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي نَبِيٌّ بِكَذَا أَوْ مَلَكٌ لَمْ أَقْبَلْهُ، أَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا، أَوْ لَا أَدْرِي النَّبِيُّ إنْسِيٌّ أَوْ جِنِّيٌّ، أَوْ قَالَ: إنَّهُ جِنٌّ، أَوْ صَغَّرَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ احْتِقَارًا، أَوْ صَغَّرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الْإِيمَانُ احْتِقَارًا. أَوْ قَالَ لِمَنْ حَوْقَلَ لَا حَوْلَ لَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ، أَوْ لَوْ أَوْجَبَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَيَّ مَعَ مَرَضِي هَذَا لَظَلَمَنِي، أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَقَالَ الظَّالِمُ: أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِهِ، أَوْ أَشَارَ بِالْكُفْرِ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ عَلَى كَافِرٍ أَرَادَ الْإِسْلَامَ بِأَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ، أَوْ لَمْ يُلَقَّنْ الْإِسْلَامَ طَالِبُهُ مِنْهُ، أَوْ اسْتَمْهَلَ مِنْهُ تَلْقِينَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ: اصْبِرْ سَاعَةً لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، أَوْ كَفَّرَ مُسْلِمًا بِلَا تَأْوِيلٍ لِلْكُفْرِ بِكُفْرِ النِّعْمَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الدَّالُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ وَإِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّ الْخَبَرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، وَفِي الْأَذْكَارِ: يَحْرُمُ تَحْرِيمًا مُغَلَّظًا، أَوْ نُودِيَ بِيَا يَهُودِيُّ أَوْ نَحْوِهِ فَأَجَابَ وَإِنْ نُظِرَ فِيهِ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ قِيلَ لَهُ أَلَسْتَ مُسْلِمًا، فَقَالَ لَا، أَوْ سَمَّى اللَّهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ زِنًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 429 أَوْ حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالزِّنَا وَعَكْسَهُ، أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ أَوْ عَكْسَهُ. أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ كَفَرَ.   [مغني المحتاج] اسْتِخْفَافًا بِاسْمِهِ تَعَالَى، أَوْ قَالَ لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ وَقَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَوْ كَذَّبَ الْمُؤَذِّنَ فِي أَذَانِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ تَكْذِبُ، أَوْ قَالَ: قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ، أَوْ قَالَ لِمَنْ قَالَ أَوْدَعْتُ اللَّهَ مَالِي أَوْدَعْتَهُ مَنْ لَا يَتْبَعُ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ وَقَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَوْ قَالَ تَوَفَّنِي إنْ شِئْتَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ، أَوْ قَالَ: أَخَذْتَ مَالِي وَوَلَدِي فَمَاذَا تَصْنَعُ أَيْضًا؟ أَوْ مَاذَا بَقِيَ لَمْ تَفْعَلْهُ؟ أَوْ أَعْطَى مَنْ أَسْلَمَ مَالًا، فَقَالَ مُسْلِمٌ: لَيْتَنِي كُنْتُ كَافِرًا فَأُسْلِمَ فَأُعْطَى مَالًا، أَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ مَثَلًا: الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يُنْصِفُونَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ. (أَوْ حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالزِّنَا) وَاللِّوَاطِ وَالظُّلْمِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنْ هَذَا لَوْ اعْتَقَدَ حَقِّيَّةِ الْمَكْسِ، وَيَحْرُمُ تَسْمِيَتُهُ حَقًّا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَ حُكْمَ الْإِجْمَاعِ، وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ رَدَّ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا نُبْدِعُهُ وَنُضَلِّلُهُ. وَأَجَابَ الزَّنْجَانِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ لَا يَكْفُرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ بَلْ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ إنْ صَحِبَهَا التَّوَاتُرُ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ مُنْكِرُهَا لِمُخَالَفَةِ التَّوَاتُرِ لَا لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا التَّوَاتُرُ لَا يَكْفُرُ (وَعَكْسُهُ) بِأَنْ حَرَّمَ حَلَالًا بِالْإِجْمَاعِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ (أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) كَأَنْ نَفَى وُجُوبَ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَوْ وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ أَوْ نَفَى مَشْرُوعِيَّةَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَشَمِلَ إنْكَارَ الْمُجْمَعِ عَلَى نَدْبِهِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ بِتَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ مُجْمَعًا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ مِنْ السُّنَنِ كَالرَّوَاتِبِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَهُوَ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ التَّوَاتُرِ، وَيَتَعَيَّنُ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ، بِخِلَافِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ: كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ فَلَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ لِلْعُذْرِ بَلْ يُعَرَّفُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْرِفُهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ إذَا جَحَدَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَإِلَّا فَلَا يُكَفَّرُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَرِّمُ وَالنَّافِي وَالْمُثْبِتُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ (أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا) مَثَلًا أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَيْءٍ (أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ) حَالًّا بِطَرَيَانِ شَكٍّ يُنَاقِضُ جَزْمَ النِّيَّةِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى الْحَدِّ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا قَطْعَ فِيهِ (كَفَرَ) جَوَابٌ لِجَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يُنَاقِضْ جَزْمَ النِّيَّةِ بِهِ كَاَلَّذِي يَجْرِي فِي الْكَنِّ فَهُوَ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوَسُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ: بِكَذِبَ رَسُولًا عَمَّا لَوْ كَذَبَ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 430 وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ وَسُجُودٍ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ.   [مغني المحتاج] فَإِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَكْفُرُ بِذَلِكَ وَيُرَاقُ دَمُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ زَلَّةٌ، وَلَمْ أَرَ مَا قَالَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَلَا يَكْفُرُ. (وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ) صَاحِبُهُ (اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ) وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكْتُوبِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ (بِقَاذُورَةٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الِاسْتِخْفَافِ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاسْتِخْفَافُ بِالْكَلَامِ اسْتِخْفَافٌ بِالْمُتَكَلِّمِ، وَيَلْتَحِقُ بِالْمُصْحَفِ كُتُبُ الْحَدِيثِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ أَوْرَاقُ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ (وَسُجُودٍ لِصَنَمٍ) قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي هَذَا: وَفِي إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا - أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَكَأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا احْتَرَزَ بِهِ فِي سُجُودِ الصَّنَمِ عَمَّا لَوْ سَجَدَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَكْفُرُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ النَّصِّ وَإِنْ زَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ، وَفِي إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ عَمَّا لَوْ أَلْقَاهُ فِي قَذَرٍ خِيفَةَ أَخْذِ الْكَافِرِ لَهُ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ (أَوْ) سُجُودٍ لِ (شَمْسٍ) أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ، وَكَذَا السِّحْرُ الَّذِي فِيهِ عِبَادَةُ كَوْكَبٍ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ لِلَّهِ شَرِيكًا. تَنْبِيهٌ: يُكَفَّرُ مَنْ نَسَبَ الْأُمَّةَ إلَى الضَّلَالِ أَوْ الصَّحَابَةَ إلَى الْكُفْرِ أَوْ أَنْكَرَ إعْجَازَ الْقُرْآنِ أَوْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ أَنْكَرَ الدَّلَالَةَ عَلَى اللَّهِ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِأَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي خَلْقِهِمَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى، أَوْ أَنْكَرَ بَعْثَ الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ بِأَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُمْ الْأَصْلِيَّةَ وَيُعِيدَ الْأَرْوَاحَ إلَيْهَا أَوْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ أَوْ الْحِسَابَ أَوْ الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا، لَكِنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِهَا غَيْرُ مَعَانِيهَا، أَوْ قَالَ إنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. وَأَكَلْتُ مِنْ ثِمَارِهَا وَعَانَقْتُ حُورَهَا، أَوْ قَالَ: الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، هَذَا إنْ عَلِمَ مَعْنَى مَا قَالَهُ لَا إنْ جَهِلَ ذَلِكَ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكْفُرُ لِعُذْرِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَا إنْ قَالَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ: سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ، أَوْ لِكَافِرٍ: لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دُعَاءٍ بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ، وَلَا إنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَشَرِبَ مَعَهُمْ الْخَمْرَ وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَلَا إنْ قَالَ الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ وَقَدْ أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِهِ بَلْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، وَلَا إنْ قَالَ رُؤْيَتِي إيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَلَا إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوْ الْقَصَبِ، أَوْ قِيلَ لَهُ تَعْلَمُ الْغَيْبَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْ خَرَجَ لِسَفَرٍ فَصَاحَ الْعَقْعَقُ فَرَجَعَ، وَلَا إنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ بِنَجِسٍ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ ذَلِكَ، وَلَا إنْ تَمَنَّى حِلَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَنٍ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ كَأَنْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ أَوْ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ أَوْ الظُّلْمَ أَوْ الزِّنَا أَوْ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا إنْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ أَوْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِتَخْلِيصِ الْأُسَارَى، وَلَا إنْ قَالَ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ، وَلَا إنْ قَالَ: لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا، صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَفِيهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 431 وَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ. وَلَوْ ارْتَدَّ   [مغني المحتاج] أَيْضًا لَوْ قَالَ فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَفَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ كَفَرَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَسُّمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُجَسِّمَةَ، وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ: أَنَّهُ لَوْ شُفِيَ مَرِيضٌ ثُمَّ قَالَ لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إلَى الْجَوْرِ، وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ اهـ. وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، وَقَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فِي مَسْأَلَةٍ: لَوْ أَعْطَانِي اللَّهُ الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا أَوْ اسْتِغْنَاءً كَفَرَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى بِنَجِسٍ: مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ كُفْرِ مَنْ اسْتَحَلَّ الصَّلَاةَ بِنَجِسٍ مَمْنُوعٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى تَحْرِيمِهَا، بَلْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى الْجَوَازِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ اهـ. وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَكْفُرُ. فَائِدَةٌ: لَا بِدَعَ وَلَا إشْكَالَ فِي الْعِبَارَةِ الْمَعْزُوَّةِ إلَى إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عُمَرَ، وَصَحَّتْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَشْعَرِيَّةِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْكَارُهَا. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهُوَ عَجِيبٌ لِأَنَّهَا صَحَّتْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ شَيْخُ شَيْخِ شَيْخِ شَيْخِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِجَوَازِ قَوْلِهَا اخْتَلَفُوا فِي الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لَهَا مَحَامِلَ كَثِيرَةً، وَالصَّوَابُ عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ إلَى تِلْكَ الْمَحَامِلِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ أَنَا مُؤْمِنٌ هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ أَوْ دَلِيلُ الْجَوَابِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا، فَمَعْنَاهُ أَنَا مُؤْمِنٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلٍ: بَلْ تَعْلِيقُهُ وَاضِحٌ مَأْمُورٌ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] . وَيُعْتَبَرُ فِيمَنْ يَصِيرُ مُرْتَدًّا بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا (وَ) حِينَئِذٍ (لَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ) وَلَوْ مُمَيِّزًا (وَ) لَا رِدَّةَ (مَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا، فَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِهِمَا وَاعْتِقَادِهِمَا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا حُكْمُ الرِّدَّةِ وَإِلَّا فَالرِّدَّةُ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ كَالزُّنَاةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ عَدَمُهَا؟ (وَ) لَا رِدَّةَ (مُكْرَهٍ) وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَإِنْ رَضِيَ بِقَلْبِهِ فَمُرْتَدٌّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَجَرَّدَ قَلْبُهُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ عَلَى التَّلَفُّظِ عَنْ اعْتِقَادِ إيمَانٍ وَكُفْرٍ، فَفِي كَوْنِهِ مُرْتَدًّا وَجْهَانِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرْتَدًّا لِأَنَّ الْإِيمَانَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الْإِكْرَاهِ، وَقَوْلُ الْمُكْرَهِ مُلْغًى مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ اخْتِيَارٌ لِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْعِصْمَةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْإِكْرَاهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ اخْتِيَارٌ لِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ. (وَلَوْ ارْتَدَّ) وَلَمْ يُسْتَتَبْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 432 فَجُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ. وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ وَإِسْلَامِهِ. وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلِ،   [مغني المحتاج] (فَجُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَعْقِلُ وَيَعُودُ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاتِلِهِ شَيْءٌ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ التَّهْذِيبِ وَأَقَرَّاهُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ تَصْحِيحَ وُجُوبِ التَّوْبَةِ يَنْفِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّأْخِيرِ وَهُوَ الْوَجْهُ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُعَزَّرُ قَاتِلُهُ لِتَفْوِيتِهِ الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ: أَيْ مِنْ قِصَاصٍ أَوْدِيَةٍ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْفَاءِ إلَى تَعَقُّبِ الْجُنُونِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا ارْتَدَّ وَاسْتُتِيبَ فَلَمْ يَتُبْ، ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ جُنَّ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ، أَوْ قِصَاصٍ، ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِي جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ. (وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ) الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَطَلَاقِهِ وَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَفِي صِحَّةِ اسْتِتَابَتِهِ حَالَ سُكْرِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَمَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورِ، وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ. وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ وَالْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ، لَكِنْ يُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا إلَى الْإِفَاقَةِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْبَتِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَزُولُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَأَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِارْتِدَادِ كَمَا فِي طَلَاقِهِ وَغَيْرِهِ (وَ) الْمَذْهَبُ صِحَّةُ (إسْلَامِهِ) عَنْ رِدَّتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ صَاحِيًا ثُمَّ أَسْلَمَ مُعَامَلَةً لِأَقْوَالِهِ مُعَامَلَةَ الصَّاحِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ الِاعْتِدَادِ بِإِسْلَامِهِ فِي السُّكْرِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدٍ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ حَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ النَّصِّ: أَنَّهُ إذَا أَفَاقَ عَرَضْنَا عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ وَصَفَهُ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ حِينِ وَصْفِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ كَانَ كَافِرًا مِنْ الْآنَ لِأَنَّ إسْلَامَهُ صَحَّ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ. (وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا) أَيْ: عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ وَيُقْضَى بِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَبَعًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لِخَطَرِهَا لَا يُقَدَّمُ الشَّاهِدُ بِهَا إلَّا عَنْ بَصِيرَةٍ (وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلُ) أَيْ: اسْتِفْسَارُ الشَّاهِدِ بِهَا لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِي التَّكْفِيرِ، وَالْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ عَظِيمٌ فَيُحْتَاطُ لَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمَعْرُوفُ عَقْلًا وَنَقْلًا. قَالَ: وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ بَحَثَ لَهُ. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ تَبِعَ فِيهِ الْإِمَامَ وَهُوَ لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَخْرِيجِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ مَا قَالَاهُ فِيمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ارْتَدَّ فَمَاتَ كَافِرًا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ كُفْرِهِ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ: مِنْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 433 فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدُوا بِرِدَّةٍ فَأَنْكَرَ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ فَلَوْ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ كَأَسْرِ كُفَّارٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،   [مغني المحتاج] يُتَوَهَّمُ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كُفْرًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا حَيٌّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كَالشَّافِعِيِّ قُبِلَتْ مُطْلَقَةً، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: تَلَفَّظْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَى السُّؤَالِ عَنْ السَّبَبِ، فَإِنْ امْتَنَعَ كَانَ امْتِنَاعُهُ قَرِينَةً لَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ مَعَهَا إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ كَالْمَالِكِيِّ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا مُفَصَّلَةً، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فَيَبْقَى فِيهِ عَارٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَوْجَهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ ارْتَدَّ عَنْ الْإِيمَانِ، فَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ ارْتَدَّ وَلَمْ يَقُولَا عَنْ الْإِيمَانِ أَوْ قَالَا: كَفَرَ وَلَمْ يَقُولَا: بِاَللَّهِ لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ قَطْعًا (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ قَبُولُهَا مُطْلَقًا (لَوْ شَهِدُوا) الْمُرَادُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى شَخْصٍ (بِرِدَّةٍ) وَلَمْ يَفْصِلُوا (فَأَنْكَرَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (حُكِمَ) عَلَيْهِ (بِالشَّهَادَةِ) وَلَا يَنْفَعُهُ إنْكَارُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَامَتْ وَالتَّكْذِيبُ وَالْإِنْكَارُ لَا يَرْفَعُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَهُ أَوْ كَذَّبَهُمْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ، فَإِنْ أَتَى بِمَا يُصَيِّرُهُ مُسْلِمًا قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَكِنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْنُونَةِ زَوْجَاتِهِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهِنَّ أَوْ بَعْدَهُ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ، وَهَلْ يَنْعَزِلُ عَنْ وَظَائِفِهِ الَّتِي يُعْتَبَرُ فِيهَا الْإِسْلَامُ أَوْ لَا؟ خِلَافٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ: شَهِدُوا بِرِدَّةٍ مَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْشَائِهِ أَوْ إقْرَارِهِ فَأَنْكَرَ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيُشْبِهُ فِيمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ، وَقَوْلُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ، بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا شَرَطْنَا التَّفْصِيلَ، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ يُطْلِقَ التَّفْرِيعَ. وَلَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَطَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِعِصْمَةِ دَمِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ زُورٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ فَلِلْقَاضِي تَجْدِيدُ إسْلَامِهِ، وَالْحُكْمُ بِعِصْمَةِ دَمِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَوَّبَهُ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لَيْسَ لِلْحَاكِمِ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ أَوْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ مَثَلًا أَنْ يَشْهَدَ بِالْكُفْرِ أَوْ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ أَوْ بِمَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَحُدُّ بِالتَّعْرِيضِ وَيُعَزِّرُ بِأَبْلَغَ مَا يُوجِبُهُ الشَّافِعِيُّ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمَنْعُ، فَإِنْ عَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّ لِسَانَهُ سَبَقَ إلَى كَلِمَةِ كُفْرٍ وَلَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ مِثْلَهُ مِنْ الطَّلَاقِ (فَلَوْ) صَدَّقَ شَخْصٌ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِرِدَّةٍ وَلَكِنْ. (قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ) مُشْعِرَةٌ بِذَلِكَ (كَأَسْرِ كُفَّارٍ) لَهُ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ الْمُشْعِرَةِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا حَلَفَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا، وَالظَّاهِرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 434 وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَا: لَفَظَ لَفْظَ كُفْرٍ فَادَّعَى إكْرَاهًا صُدِّقَ مُطْلَقًا. وَلَوْ مَاتَ مَعْرُوفٌ بِالْإِسْلَامِ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ارْتَدَّ فَمَاتَ كَافِرًا، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ كُفْرِهِ لَمْ يَرِثْهُ، وَنَصِيبُهُ فَيْءٌ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ مُسْتَحَبَّةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَقْتَضِهِ قَرِينَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي دَارِ كُفْرٍ وَسَبِيلُهُ مُخَلًّى (فَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُهُ، فَيُحْكَمُ بِبَيْنُونَةِ زَوْجِهِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَيُطَالَبُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ (وَلَوْ) لَمْ يَقُلْ الشَّاهِدَانِ ارْتَدَّ وَلَكِنْ (قَالَا لَفَظَ لَفْظَ كُفْرٍ) أَوْ فَعَلَ فِعْلَهُ (فَادَّعَى إكْرَاهًا) بَعْدَ أَنْ صَدَّقَهُمَا عَلَى ذَلِكَ (صُدِّقَ) بِيَمِينِهِ (مُطْلَقًا) بِقَرِينَةٍ وَدُونِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُنَافِي الرِّدَّةَ وَلَا يُنَافِي التَّلَفُّظَ بِكَلِمَةِ الرِّدَّةِ وَلَا الْفِعْلَ الْمُكَفِّرَ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُجَدِّدَ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْيَمِينِ فَهَلْ يَضْمَنُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَثْبُتْ، أَوْ لَا؟ لِأَنَّ لَفْظَ الرِّدَّةِ وُجِدَ وَالْأَصْلُ الِاخْتِيَارُ: قَوْلَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي. تَنْبِيهٌ: اسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْوِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ، فَمِنْ الشَّرَائِطِ الِاخْتِيَارُ فَدَعْوَى الْإِكْرَاهِ تَكْذِيبٌ لِلشَّاهِدِ، أَوَّلًا فَالِاكْتِفَاءُ بِالْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا شَهِدَا بِالرِّدَّةِ لِتَضَمُّنِهِ حُصُولَ الشَّرَائِطِ. أَمَّا إذَا قَالَ إنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَذَا فَيَبْعُدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَيَقْنَعَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الِاخْتِيَارُ. . وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَيُمْنَعُ قَوْلُهُ: فَمِنْ الشَّرَائِطِ: الِاخْتِيَارُ، وَبِاخْتِيَارِ الثَّانِي، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْنَعَ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِاعْتِضَادِهِ بِسُكُوتِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الدَّفْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْإِكْرَاهِ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ تَلَفَّظَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا أَوْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةً أُخْرَى، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِلَّهِ تَعَالَى فَسُومِحَ فِيهِ بِخِلَافِهِ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِآدَمِيٍّ فَشَدَّدَ فِيهِ. (وَلَوْ مَاتَ) مَنْ هُوَ (مَعْرُوفٌ بِالْإِسْلَامِ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الِابْنَيْنِ (ارْتَدَّ) أَيْ الْأَبُ (فَمَاتَ كَافِرًا) وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ كُفْرِهِ) كَأَنْ قَالَ تَكَلَّمَ بِمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ أَوْ سَجَدَ لِصَنَمٍ (لَمْ يَرِثْهُ وَنَصِيبُهُ فَيْءٌ) لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ (وَكَذَا) يَكُونُ نَصِيبُهُ فَيْئًا (إنْ أَطْلَقَ) أَيْ: لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ كُفْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِكُفْرِهِ فَعُومِلَ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ فَلَمْ يَرِثْ مِنْهُ، وَهَذَا التَّرْجِيحُ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَسْتَفْصِلُ، فَإِنْ ذَكَرَ مَا هُوَ كُفْرٌ كَانَ كَافِيًا، وَإِنْ ذَكَرَ مَا لَيْسَ كُفْرًا كَأَنْ قَالَ: كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ صُرِفَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَقَفَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَقَرَّهُ. فُرُوعٌ: لَوْ ارْتَدَّ أَسِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ مُخْتَارًا ثُمَّ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، لَا إنْ صَلَّى فِي دَارِنَا؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ فِي دَارِنَا قَدْ تَكُونُ تَقِيَّةً بِخِلَافِهَا فِي دَارِهِمْ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ، وَلَوْ صَلَّى كَافِرٌ أَصْلِيٌّ وَلَوْ فِي دَارِهِمْ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ عَلَقَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 435 وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَحَبُّ كَالْكَافِرِ، وَهِيَ فِي الْحَالِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّا قُتِلَا،   [مغني المحتاج] الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ فِيهِ وَالْعَوْدُ أَهْوَنُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَسُومِحَ فِيهِ إلَّا أَنْ يُسْمَعَ تَشَهُّدُهُ فِي الصَّلَاةِ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إسْلَامُهُ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ وَالْكَلَامُ فِي خُصُوصِ الصَّلَاةِ الدَّالَّةِ بِالْقَرِينَةِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ رَفْعُ إيهَامِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ. وَلَوْ أُكْرِهَ أَسِيرٌ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِبِلَادِ الْحَرْبِ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ مَاتَ هُنَاكَ وَرِثَهُ وَارِثُهُ الْمُسْلِمُ، فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْنَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ اسْتِحْبَابًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مُخْتَارًا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ بِدَارِنَا، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ مِنْ حِينِ كُفْرِهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا مِنْ حِينَئِذٍ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعَرْضِ وَالتَّلَفُّظِ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ قُدُومِهِ عَلَيْنَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ بَعْدَ وُقُوعِهَا، فَقَالَ: (وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ) قَبْلَ قَتْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُحْتَرَمَيْنِ بِالْإِسْلَامِ، فَرُبَّمَا عَرَضَتْ لَهُمَا شُبْهَةٌ فَيَسْعَى فِي إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الرِّدَّةَ تَكُونُ عَنْ شُبْهَةٍ عُرِضَتْ، وَثَبَتَ وُجُوبُ الِاسْتِتَابَةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ «فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَّا قُتِلَتْ» . وَلَا يُعَارِضُ هَذَا: النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرْبِيَّاتِ وَهَذَا عَلَى الْمُرْتَدَّاتِ؛ وَلِهَذَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَرْأَةِ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ، لَكِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، لِأَنَّ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَتْلِهَا، لَا فِي اسْتِتَابَتِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ: تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ (وَفِي قَوْلٍ تُسْتَحَبُّ) اسْتِتَابَتُهُ (كَالْكَافِرِ) الْأَصْلِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَتِبْ الْعُرَنِيِّينَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ حَارَبُوا، وَالْمُرْتَدُّ إذَا حَارَبَ لَا يُسْتَتَابُ (وَهِيَ) أَيْ: الِاسْتِتَابَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا (فِي الْحَالِ) فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا حَدٌّ، فَلَا يُؤَخَّرُ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ السَّكْرَانَ يُسَنُّ تَأْخِيرُهُ إلَى الصَّحْوِ، وَلَوْ سَأَلَ الْمُرْتَدُّ إزَالَةَ شُبْهَةٍ نُوظِرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تَنْحَصِرُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ الْمُعْتَمَدَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِنُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْمُنَاظَرَةُ أَوَّلًا، وَالْمَحْكِيُّ عَنْ النَّصِّ عَدَمُهَا، وَإِنْ شَكَّا قَبْلَ الْمُنَاظَرَةِ جُوعًا أُطْعِمَ، ثُمَّ نُوظِرَ (وَفِي قَوْلٍ) يُمْهَلُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِأَثَرٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ذَلِكَ، وَأَخَذَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ أَبَى قُتِلَ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَتَابُ شَهْرَيْنِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَعَلَى التَّأْخِيرِ يُحْبَسُ مُدَّةَ الْإِمْهَالِ وَلَا يُخَلَّى سَبِيلُهُ (فَإِنْ) لَمْ يَتُبْ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ عَنْ الرِّدَّةِ: بَلْ (أَصَرَّا) عَلَيْهَا (قُتِلَا) وُجُوبًا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَيَقْتُلُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إنْ كَانَ حُرًّا لِأَنَّهُ قَتْلٌ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ لِلْإِمَامِ وَلِمَنْ أَذِنَ لَهُ كَرَجْمِ الزَّانِي، هَذَا إنْ لَمْ يُقَاتِلْ، فَإِنْ قَاتَلَ جَازَ قَتْلُهُ لِكُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ قَتْلُ رَقِيقِهِ الْمُرْتَدِّ عَلَى الْأَصَحِّ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 436 وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ وَتُرِكَ. وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ   [مغني المحتاج] وَيُقْتَلُ بِضَرْبِ الْعُنُقِ دُونَ الْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِ لِلْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ، فَإِنْ خَالَفَ وَقَتَلَهُ بِغَيْرِهِ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ عُزِّرَ الْأَوَّلُ لِعُدُولٍ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ. وَالثَّانِي لِافْتِيَاتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، نَعَمْ إنْ قَتَلَهُ مُرْتَدٌّ قُتِلَ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يُدْفَنُ الْمُرْتَدُّ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِخُرُوجِهِ بِالرِّدَّةِ عَنْهُمْ، وَلَا فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ كَافِرًا فَلَا مَانِعَ مِنْ دَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْكُفَّارِ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرِّدَّةَ أَفْحَشُ الْكُفْرِ (وَإِنْ) كَانَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ارْتَدَّا إلَى دِينٍ لَا تَأْوِيلَ لِأَهْلِهِ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَمُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ، وَمَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيُنْكِرُ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ (أَسْلَمَ صَحَّ) إسْلَامُهُ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ: وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ. وَقَالَ الزَّنْكَلُونِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَهُمَا لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَشْهَدُ لَا تُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهِيَ وَاقِعَةٌ حَالًا اخْتَلَفَ الْمُفْتُونَ فِي الْإِفْتَاءِ فِي عَصْرِنَا فِيهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَمَا قَالَهُ الزَّنْكَلُونِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَرْتِيبِ الشَّهَادَتَيْنِ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ ثُمَّ بِرَسُولِهِ، فَإِنْ عَكَسَ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ، وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ: إنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ. فَلَوْ تَأَخَّرَ الْإِيمَانُ بِالرِّسَالَةِ عَنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُدَّةً طَوِيلَةً صَحَّ. قَالَ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَدْعُوِّ إلَى دِينِ الْحَقِّ أَنْ يَدُومَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَكَأَنَّ الْعُمْرَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْلِسِ (وَ) إذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ (تُرِكَ) وَلَوْ كَانَ زِنْدِيقًا، أَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] نَعَمْ يُعَزَّرُ مَنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ لِزِيَادَةِ تَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ فَيُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا، وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَحَكَى ابْنُ يُونُسَ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّمَا يُعَزَّرُ فِي الثَّالِثَةِ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الرَّابِعَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعُدَّ هَذَا مِنْ هَفَوَاتِهِ اهـ. وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُثَنِّيَ أَسْلَمَ، وَتَرَكَ لِيُوَافِقَ مَا قَبْلَهُ، وَلَكِنْ يَحْصُلُ بِمَا قَدَّرْتُهُ (وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ) أَيْ: لَا يَصِحُّ (إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ) وَهُمْ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَيُخْفِي الْكُفْرَ كَمَا قَالَاهُ هُنَا وَفِي الْفَرَائِضِ وَصِفَةِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَا فِي اللِّعَانِ: هُمْ مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُنَافِقُ وَقَدْ غَايَرُوا بَيْنَهُمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 437 وَبَاطِنِيَّةٍ.   [مغني المحتاج] (وَ) قِيلَ: لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنْ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ (بَاطِنِيَّةٍ) وَهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ لِلْقُرْآنِ بَاطِنًا وَأَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ دُونَ الظَّاهِرِ، وَقِيلَ هُمْ ضَرْبٌ مِنْ الزَّنَادِقَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ شَيْئًا ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ يُدَبِّرُ الْعَالَمَ، وَسَمَّوْا الْأَوَّلَ الْعَقْلَ، وَالثَّانِيَ النَّفْسَ، وَإِنْ كَانَ ارْتَدَّ إلَى دِينٍ يَزْعُمُ أَهْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْعُوثٌ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، أَوْ إلَى دِينِ مَنْ يَقُولُ رِسَالَتُهُ حَقٌّ، لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ، أَوَجَحَدَ فَرْضًا أَوْ تَحْرِيمًا لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ إلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَمَّا اعْتَقَدَهُ، وَلَا يَكْفِي شَهَادَةُ الْفَلْسَفِيِّ، وَهُوَ النَّافِي لِاخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عِلَّةُ الْأَشْيَاءِ وَمَبْدَؤُهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِالِاخْتِرَاعِ وَالْإِحْدَاثِ مِنْ الْعَدَمِ، وَلَا يَكْفِي الطَّبَائِعِيُّ الْقَائِلُ بِنِسْبَةِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ إلَى الطَّبِيعَةِ لَا إلَهُ إلَّا الْمُحْيِي الْمُمِيتِ حَتَّى يَقُولَ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تَأْوِيلَ لَهُ فِيهَا. وَأَمَّا الْبَرْهَمِيُّ وَهُوَ مُوَحِّدٌ يُنْكِرُ الرُّسُلَ فَإِنْ قَالَ مَعَ لَا إلَهُ إلَّا اللَّهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ مِنْ الرُّسُلِ، لَا إنْ قَالَ عِيسَى وَمُوسَى وَكُلُّ نَبِيٍّ قَبْلَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إقْرَارٌ بِرِسَالَةِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ شَهِدَ لَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: كَمَا أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهِدَ لَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَقَدْ شَهِدُوا لَهُ وَبَشَّرُوا بِهِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ شَرِيعَتَهُ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا بَاقِيَةٌ، بِخِلَافِ شَرِيعَةِ غَيْرِهِ، وَالْمُعَطِّلُ إذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قِيلَ يَكُونُ مُؤْمِنًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُرْسِلَ وَالرَّسُولَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَغَيْرِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ يَهُودِيٌّ بِرِسَالَةِ عِيسَى لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْإِسْلَامِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبَعْضِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُقْبَلُ تَوْبَةُ مُكَذِّبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا قَاذِفِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ: إنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يُجْلَدُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ ارْتَفَعَتْ بِإِسْلَامِهِ وَبَقِيَ جَلْدُهُ. فَائِدَةٌ: يَصِحُّ الْإِسْلَامُ بِسَائِرِ اللُّغَاتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ. نَعَمْ لَوْ لُقِّنَ الْعَجَمِيُّ الْكَلِمَةَ الْعَرَبِيَّةَ فَقَالَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهَا لَمْ يَكْفِ، وَيُسَنُّ امْتِحَانُ الْكَافِرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِتَقْرِيرِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي الشَّهَادَتَيْنِ أَحْمَدُ أَوْ أَبُو الْقَاسِمِ رَسُولُ اللَّهِ كَفَاهُ، وَلَوْ قَالَ: النَّبِيُّ بَدَلَ: رَسُولُ اللَّهِ كَفَاهُ لَا الرَّسُولُ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَرَسُولِ اللَّهِ، فَلَوْ قَالَ: آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ النَّبِيِّ كَفَى، بِخِلَافِ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، وَبِخِلَافِ آمَنْتُ بِمُحَمَّدٍ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ: غَيْرُ وَسِوَى وَمَا عَدَا وَنَحْوُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ كَإِلَّا فِي الِاكْتِفَاءِ بِهَا كَقَوْلِهِ: لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ، أَوْ سِوَى اللَّهِ، أَوْ مَا عَدَا اللَّهَ، أَوْ خَلَا اللَّهَ. وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ: أَنَا مِنْكُمْ، أَوْ مِثْلُكُمْ، أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ وَلِيُّ مُحَمَّدٍ، أَوْ أُحِبُّهُ، أَوْ أَسْلَمْتُ، أَوْ آمَنْتُ لَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ أَنَا مِنْكُمْ أَوْ مِثْلُكُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّأْوِيلَاتِ، فَإِنْ قَالَ: آمَنْتُ أَوْ أَسْلَمْتُ، أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ مِثْلُكُمْ، أَوْ أَنَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ دِينُكُمْ حَقٌّ، أَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مَنْ يُخَالِفُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 438 وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ إنْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ فَمُسْلِمٌ، أَوْ مُرْتَدَّانِ فَمُسْلِمٌ، وَفِي قَوْلٍ مُرْتَدٌّ، وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ قُلْتُ: الْأَظْهَرُ مُرْتَدٌّ، وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى كُفْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ مَالِهِ بِهَا أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا   [مغني المحتاج] الْإِسْلَامَ، أَوْ اعْتَرَفَ مَنْ كَفَرَ بِإِنْكَارِي وُجُوبَ شَيْءٍ بِوُجُوبِهِ، فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ: إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَا عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ، وَهِيَ الرَّاجِحَةُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ اعْتِرَافًا بِالْإِسْلَامِ. وَالثَّانِيَةُ وَنَسَبَهَا الْإِمَامُ لِلْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَكُونُ اعْتِرَافًا بِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ تُخَالِفُ الْإِسْلَامَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي التَّعْطِيلَ الَّذِي يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ لَيْسَ بِمِلَّةٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا رَحْمَنَ، أَوْ لَا بَارِئَ إلَّا اللَّهُ، أَوْ مَنْ آمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَكْفِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ، وَمَنْ قَالَ: آمَنْتُ بِاَلَّذِي لَا إلَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْوَثَنَ، وَكَذَا لَا إلَهُ إلَّا الْمَلِكُ أَوْ الرَّزَّاقُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ السُّلْطَانَ الَّذِي يَمْلِكُ أَمْرَ الْجُنْدِ وَيُرَتِّبُ أَرْزَاقَهُمْ، فَإِنْ قَالَ: آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ قَبْل ذَلِكَ صَارَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ فَيَأْتِي بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا لَمْ يَضُرَّ مُؤْمِنًا حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِ: وَكَفَرْتُ بِمَا كُنْتُ أَشْرَكْتُ بِهِ، وَمَنْ قَالَ بِقِدَمِ غَيْرِ اللَّهِ كَفَى لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ أَنْ يَقُولَ لَا قَدِيمَ إلَّا اللَّهُ كَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَكْفِيهِ أَيْضًا: اللَّهُ رَبِّي. (وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّ إنْ انْعَقَدَ قَبْلَهَا) أَيْ الرِّدَّةِ (أَوْ) انْعَقَدَ (بَعْدَهَا) أَيْ فِيهَا (وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ فَمُسْلِمٌ) ذَلِكَ الْوَلَدُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْمُسْلِمِ تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ (أَوْ) وَأَبَوَاهُ (مُرْتَدَّانِ فَمُسْلِمٌ) أَيْضًا لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ كُفْرٌ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْمُحَرَّرُ تَبَعًا لِجَمْعٍ، وَعَلَيْهِ لَا يَسْتَرِقُّ (وَفِي قَوْلٍ) هُوَ (مُرْتَدٌّ) تَبَعًا لَهُمَا، وَعَلَى هَذَا لَا يُسْتَرَقُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَا يُسْتَرَقُّ أَبَوَاهُ، وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ وَيُسْتَتَابَ، فَإِنْ أَصَرَّ قُتِلَ (وَفِي قَوْلٍ) هُوَ (كَافِرٌ أَصْلِيٌّ) لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَلَمْ يُبَاشِرْ الرِّدَّةَ حَتَّى يَغْلُظَ عَلَيْهِ (قُلْتُ: الْأَظْهَرُ) هُوَ (مُرْتَدٌّ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أُصُولِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ (وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ) الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ (الِاتِّفَاقَ عَلَى كُفْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . فَإِنْ كَانَ فِي أُصُولِ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ اللَّقِيطِ. تَنْبِيهٌ: مَا ادَّعَاهُ مَنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ اعْتَمَدَ فِيهِ قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّيْمَرِيَّ شَيْخَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ، وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ غَيْرَهُ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ قَاضِيَةٌ بِهِ، وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِمُرْتَدٍّ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ تَسَمُّحٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فَهُوَ عَلَى حُكْمِ الْكُفْرِ، وَسَكَتَ الْأَصْحَابُ هُنَا عَمَّا لَوْ أَشْكَلَ عُلُوقُهُ هَلْ هُوَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَانٍ، وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ، وَأَوْلَادِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَفَّرْنَاهُمْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَيْضًا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ مَا لَمْ يَعْتَقِدُوا بَعْدَ بُلُوغِهِمْ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَاعْتِقَادُ الْأَبِ لَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ حُكْمُ أَطْفَالِ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ. (وَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (عَنْ مَالِهِ) الْحَاصِلِ قَبْلَهَا أَوْ فِيهَا بِنَحْوِ اصْطِيَادٍ (بِهَا) أَيْ: الرِّدَّةِ (أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا) الْوَقْفُ كَبُضْعِ زَوْجَتِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 439 إنْ هَلَكَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا. وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَالْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ غُرْمُ إتْلَافِهِ فِيهَا، وَنَفَقَةُ زَوْجَاتٍ وُقِفَ نِكَاحُهُنَّ وَقَرِيبٍ، وَإِذَا وَقَفْنَا مِلْكَهُ فَتَصَرُّفُهُ إنْ احْتَمَلَ الْوَقْفَ كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ مَوْقُوفٌ،   [مغني المحتاج] سَوَاءٌ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ (إنْ هَلَكَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِهَا) أَيْ الرِّدَّةِ فَمَا مَلَكَهُ فَيْءٌ وَمَا تَمَلَّكَهُ مِنْ احْتِطَابٍ وَنَحْوِهِ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ (وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ) لِأَنَّ بُطْلَانَ أَعْمَالِهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى هَلَاكِهِ عَلَى الرِّدَّةِ فَكَذَا زَوَالُ مِلْكِهِ، وَالثَّانِي يَزُولُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ بِرِدَّتِهِ فَمَالُهُ أَوْلَى. وَالثَّالِثُ لَا يَزُولُ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي الْمِلْكَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (وَ) يَتَفَرَّعُ (عَلَى) هَذِهِ (الْأَقْوَالِ) أَنَّهُ (يُقْضَى مِنْهُ) أَيْ: مَالِ الْمُرْتَدِّ (دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا) بِإِتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ أَوْ مَوْقُوفٌ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بِزَوَالِهِ فَهِيَ لَا تَزِيدُ عَلَى الْمَوْتِ، وَالدَّيْنُ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَكَذَا عَلَى حَقِّ الْفَيْءِ، وَإِذَا مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وُفِّيَ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ صُرِفَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَهَلْ يَنْتَقِلُ جَمِيعُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا مُتَعَلِّقًا بِهِ الدَّيْنُ كَمَا تُنْقَلُ التَّرِكَةُ لِلْوَرَثَةِ كَذَلِكَ، أَوْ لَا يَنْتَقِلُ لِلْفَيْءِ إلَّا الْفَاضِلُ عَنْ الدَّيْنِ؟ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ مُخْتَصَرِ التَّبْرِيزِيِّ الثَّانِيَ. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَقِيلَ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ كَحَجْرِ الْفَلَسِ، أَوْ السَّفَهِ، أَوْ الْمَرَضِ؟ . فِيهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا (وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُرْتَدِّ زَمَنَ اسْتِتَابَتِهِ (مِنْهُ) أَيْ مَالِهِ، وَتُجْعَلُ حَاجَتُهُ لِلنَّفَقَةِ كَحَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى التَّجْهِيزِ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ (وَالْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ غُرْمُ إتْلَافِهِ) مَالِ غَيْرِهِ (فِيهَا) أَيْ الرِّدَّةِ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ جَمْعٌ وَامْتَنَعُوا عَنْ الْإِمَامِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ إلَّا بِقِتَالٍ، فَمَا أَتْلَفُوا فِي الْقِتَالِ إذَا أَسْلَمُوا ضَمِنُوهُ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْبَيَانِ عَدَمَ الضَّمَانِ (وَ) الْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ (نَفَقَةُ زَوْجَاتٍ وُقِفَ نِكَاحُهُنَّ وَقَرِيبٍ) لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ. وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ أَوْ مَوْقُوفٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَطْعًا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ كَالزَّوْجَةِ (وَإِذَا وَقَفْنَا مِلْكَهُ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا مَرَّ وَفَرَّعْنَا عَلَيْهِ (فَتَصَرُّفُهُ) الْوَاقِعُ مِنْهُ فِي رِدَّتِهِ (إنْ احْتَمَلَ) أَيْ: قَبِلَ (الْوَقْفَ) بِأَنْ قَبِلَ التَّعْلِيقَ (كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ مَوْقُوفٌ) لُزُومُهُ كَمَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 440 إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا، وَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ وَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْقَدِيم مَوْقُوفَةٌ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ يُجْعَلُ مَالُهُ مَعَ عَدْلٍ، وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٌ، وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ إلَى الْقَاضِي.   [مغني المحتاج] قَالَهُ الْإِمَامُ (إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ) بِمُعْجَمَةٍ: أَيْ: بَانَ نُفُوذُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا (فَلَا) يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَضُرُّهُ (وَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ وَكِتَابَتُهُ) وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَقْفَ (بَاطِلَةٌ) بِنَاءً عَلَى بُطْلَانِ وَقْفِ الْعُقُودِ وَهُوَ الْجَدِيدُ (وَفِي الْقَدِيمِ) هِيَ (مَوْقُوفَةٌ) بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ الْعُقُودِ، فَإِنْ أَسْلَمَ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْ وَقْفِ الْعُقُودِ حَتَّى تَبْطُلَ عَلَى الْجَدِيدِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا وَفِي الْكِتَابَةِ، وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَإِنْ رَجَّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ صِحَّتَهَا، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَعَلَى الْأَقْوَالِ) السَّابِقَةِ (يُجْعَلُ مَالُهُ مَعَ) أَيْ: عِنْدَ (عَدْلٍ) يَحْفَظُهُ (وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ) أَوْ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا كَالْمَحْرَمِ احْتِيَاطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْجَعْلِ الْمَذْكُورِ عَلَى قَوْلِ بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ إلَى الْقَاضِي) حِفْظًا لَهَا وَيُعْتَقُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُرْتَدُّ، لِأَنَّ قَبْضَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَلَوْ أَدَّى فِي الرِّدَّةِ زَكَاةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ الْقَفَّالُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَسْقُطَ، وَلَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى السُّقُوطِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّيَّةِ هُنَا التَّمْيِيزُ. خَاتِمَةٌ: لَوْ امْتَنَعَ مُرْتَدُّونَ بِنَحْوِ حِصْنٍ بَدَأْنَا بِقِتَالِهِمْ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ أَغْلَظُ كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّبَعْنَا مُدْبِرَهُمْ، وَذَفَفْنَا عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَاسْتَتَبْنَا أَسِيرَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ كَمَا مَرَّ وَيُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ حَيْثُ لَزِمَتْهُ فِي مَالِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ مُعَجَّلَةً فِي الْعَمْدِ وَمُؤَجَّلَةً فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ مَاتَ حَلَّتْ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ بِالرِّدَّةِ، وَلَوْ وَطِئَ مُرْتَدَّةً بِشُبْهَةٍ كَأَنْ وَطِئَهَا مُكْرَهَةً، أَوْ اسْتَخْدَمَ الْمُرْتَدُّ أَوْ الْمُرْتَدَّةُ إكْرَاهًا فَوُجُوبُ الْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ مَوْقُوفَانِ، وَلَوْ أَتَى فِي رِدَّتِهِ مَا يُوجِبُ حَدًّا كَأَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ، أَوْ قَذَفَ، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا حُدَّ ثُمَّ قُتِلَ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 441 كِتَابُ الزِّنَا إيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لَعَيْنِهِ خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ مُشْتَهًى يُوجِبُ الْحَدَّ.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الزِّنَا] هُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ، وَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ، وَلِهَذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا - وَهَذِهِ نُسِخَ لَفْظُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا، وَقَدْ رَجَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةُ وَلَهُ حُكْمَانِ يَخْتَصَّانِ بِهِ: اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِيجَابُ مِائَةِ جَلْدَةٍ، وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ (إيلَاجُ) حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ (الذَّكَرِ) الْمُتَّصِلِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الْآدَمِيِّ الْوَاضِحِ، وَلَوْ أَشَلَّ وَغَيْرَ مُنْتَشِرٍ وَكَانَ مَلْفُوفًا فِي خِرْقَةٍ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ خِلَافًا لِلدَّيْلَمِيِّ (بِفَرْجٍ) أَيْ: قُبُلِ أُنْثَى وَلَوْ غَوْرَاءَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَارِقًا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي بَابِ التَّحْلِيلِ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا بِبِنَاءِ التَّحْلِيلِ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ (مُحَرَّمٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَعَيْنِهِ) أَيْ: الْإِيلَاجُ (خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ) الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ (مُشْتَهًى) طَبْعًا بِأَنْ كَانَ فَرْجُ آدَمِيٍّ حَيٍّ، وَقَوْلُهُ (يُوجِبُ الْحَدَّ) هُوَ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ إيلَاجٌ، وَالْحَدُّ هُوَ الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَالرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلٍ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَبِالْأَصْلِيِّ الزَّائِدِ، وَبِالْآدَمِيِّ وَالْوَاضِحُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ أَوْ مُشْكِلٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَبِنَفْسِ الْأَمْرِ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا حَدَّ، وَمَا بَقِيَ مِنْ مُحْتَرَزَاتِ قُيُودِ الْحَدِّ يَأْتِي فِي الْمَتْنِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي الْحَدِّ مِنْ الْإِجْحَافِ، قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ زِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ لِخُرُوجِ الشُّبْهَةِ بِقَيْدِ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. لَكِنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: شُبْهَةُ فَاعِلٍ كَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا، وَشُبْهَةُ مَحَلٍّ كَظَنٍّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَشُبْهَةُ جِهَةٍ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَاَلَّذِي لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ قَدْرَ الْحَشَفَةِ، فَفِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ تَوَقُّفٌ، وَإِلَّا رُجِّحَ التَّرْتِيبُ إنْ أَمْكَنَ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْحَشَفَةِ حَيْثُ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 442 وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَقُبُلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ وَوَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ. وَكَذَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ، وَكَذَا مَمْلُوكَتِهِ الْمَحْرَمِ.   [مغني المحتاج] إدْخَالُ غَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَدْرُ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَ) دُبُرُ (أُنْثَى) أَجْنَبِيَّةٍ (كَقُبُلٍ) لِلْأُنْثَى فَيَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِي كُلٍّ مِنْ الدُّبُرَيْنِ الْمُسَمَّى بِاللِّوَاطِ الْحَدُّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ وَيُغَرَّبُ؛ لِأَنَّهُ زِنًى بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: 80] . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ» وَفِي قَوْلٍ يُقْتَلُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِحَدِيثِ «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ. وَعَلَى هَذَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ. وَقِيلَ إنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ دُبُرَ عَبْدِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. هَذَا حُكْمُ الْفَاعِلِ. وَأَمَّا الْمَفْعُولِ بِهِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ بُضْعِ الرَّجُلِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا جُلِدَ وَغُرِّبَ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إحْصَانٌ. وَقِيلَ تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ الْمُحْصَنَةُ. أَمَّا وَطْءُ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَعْزِيرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ، وَاحْتُرِزَ بِإِيلَاجٍ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ، وَلَا بِإِيلَاجِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ، وَلَا بِإِيلَاجِهَا فِي غَيْرِ فَرْجٍ كَسُرَّةٍ، وَلَا بِمُقَدَّمَاتِ وَطْءٍ، وَلَا بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ يُعَزَّرَانِ، وَلَا بِاسْتِمْنَائِهِ بِيَدِهِ، بَلْ يُعَزَّرُ. أَمَّا بِيَدِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَمَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَزْلِ (وَ) اُحْتُرِزَ بِمُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ عَنْ (وَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ) وَنِفَاسٍ (وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ) وَاسْتِبْرَاءٍ فَلَا حَدَّ بِهِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِأُمُورٍ عَارِضَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَخْرُجُ بِمُحَرَّمٍ وَطْءُ حَرْبِيَّةٍ بِقَصْدِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِذَلِكَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَرِقَةِ الْعَيْنِ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ إلَى الْقَفَّالِ، وَاحْتُرِزَ بِخَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ الْمَحَلُّ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ (وَكَذَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) وَالْمُشْتَرَكَةِ (وَالْمُعْتَدَّةِ) مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ وَالْمُسْلِمَةَ وَهُوَ ذِمِّيٌّ فَلَا حَدَّ بِوَطْئِهَا جَزْمًا، وَقِيلَ فِي الْأَظْهَرِ (وَكَذَا مَمْلُوكَتِهِ الْمَحْرَمِ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَلَا حَدَّ بِوَطْئِهَا فِي الْأَظْهَرِ كَمَا سَيَأْتِي لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 443 وَمُكْرَهٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَأُخْتِهِ. أَمَّا مَنْ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ فَهُوَ زَانٍ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاحْتُرِزَ عَنْ شُبْهَةِ الْفَاعِلِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ. (وَمُكْرَهٍ) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَقَوْلُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْمُكْرَهِ بِالْأَصَحِّ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ شُبْهَةِ الْفَاعِلِ بِمَا إذَا وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ. وَالثَّانِي يُحَدُّ فِيهِمَا. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ اللِّوَاطَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ وَطْءَ أَمَتِهِ الْمُحَرَّمَ فِي دُبُرِهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَإِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُوجِبُهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ التَّرَدُّدُ فِي تَصْوِيرِ الْإِكْرَاهِ فِي الزِّنَا، وَالصَّحِيحُ تَصْوِيرُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ تَقْتَضِيهِ الطَّبِيعَةُ عِنْدَ الْمُلَابَسَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ قَطْعًا. قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ. فَائِدَةٌ: فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ جَهَدَهَا الْعَطَشُ فَمَرَّتْ عَلَى رَاعٍ فَاسْتَسْقَتْهُ فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ فَشَاوَرَ النَّاسَ فِي رَجْمِهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ مُضْطَرَّةٌ أَرَى أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُهَا فَفَعَلَ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ الْمُكْرَهِ إلَى قَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ فَيَقُولُ وَالِاخْتِيَارُ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ عَدَمَ الْخِلَافِ فِي أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُحَرَّمِ جَارٍ فِيهَا. فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَمَتُهُ الْمُشْتَرَكَةُ فَبَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حُدَّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ نَقَلَهُمَا تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الِامْتِنَاعُ، وَقِيلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ ظَنَّ مَا لَوْ تَحَقَّقَ رُفِعَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَاحْتُرِزَ عَنْ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ (وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَهَا) أَيْ: قَالَ بِالْوَطْءِ بِهَا (عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ) فَقَطْ كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ، أَوْ بِلَا وَلِيٍّ فَقَطْ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، أَوْ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ، وَلَكِنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا حَدَّ بِالْوَطْءِ فِيهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ أَيْضًا كَمَا يُحَدُّ الْحَنَفِيُّ عَلَى شُرْبِ النَّبِيذِ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسْخُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ لَا يُقَارِنَهُ حُكْمٌ، فَإِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 444 وَلَا بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَهِيمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ. وَمُبِيحَةٍ وَمَحْرَمٍ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا.   [مغني المحتاج] حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ قَطْعًا، أَوْ حَنَفِيٌّ أَوْ مَالِكِيٌّ بِصِحَّتِهِ لَمْ يُحَدَّ قَطْعًا، وَالضَّابِطُ فِي الشُّبْهَةِ قُوَّةُ الْمُدْرَكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا عَيْنِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، فَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ حُدَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِلُّ ذَلِكَ. وَيَجِبُ فِي الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ. قَالَ الْقَاضِي: إلَّا فِي الدَّنِيئَةِ فَلَا حَدَّ فِيهَا لِخِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الشُّبْهَةِ مَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا فِي سِيَرِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ النَّفَقَةُ لَا الْإِعْفَافُ، وَاحْتُرِزَ بِمُشْتَهًى عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ. (وَلَا) حَدَّ (بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي الْحَيَاةِ خِلَافًا لِمَا فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ. لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ بِحَدٍّ كَشُرْبِ الْبَوْلِ بَلْ يُعَزَّرُ. وَالثَّانِي: يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الْحَيَّةِ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ مَهْرٌ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَأْنِفُ مِلْكًا (وَلَا) بِوَطْءِ (بَهِيمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى زَاجِرٍ بِحَدٍّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَالثَّالِثُ: يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْبَهِيمَةُ الْمَفْعُولُ بِهَا فَفِيهَا أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا لَا تُذْبَحُ، وَقِيلَ: تُذْبَحُ إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، وَقِيلَ تُذْبَحُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ ذَلِكَ: فَقِيلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مُشَوَّهِ الْخَلْقِ، فَعَلَى هَذَا لَا تُذْبَحُ إلَّا إذَا كَانَتْ أُنْثَى، وَقَدْ أَتَاهَا فِي الْفَرْجِ، وَقِيلَ إنَّ فِي بَقَائِهَا تِذْكَارًا لِلْفَاحِشَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً وَذُبِحَتْ حَلَّ أَكْلُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَيْثُ وَجَبَ الذَّبْحُ وَالْبَهِيمَةُ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ لَزِمَهُ لِمَالِكِهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً، وَإِلَّا لَزِمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ شَرْطَ الشُّبْهَةِ: أَنْ تَكُونَ قَوِيَّةَ الْمُدْرَكِ مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ لِيَخْرُجَ أَيْضًا شُبْهَةُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلزِّنَا فَلِذَلِكَ قَالَ: (وَيُحَدُّ فِي) وَطْءِ (مُسْتَأْجَرَةٍ) لِلزِّنَا بِهَا لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ وَالْعَقْدِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً مُؤَثِّرَةً كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَمْرًا فَشَرِبَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شُبْهَةٌ، وَعُورِضَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شُبْهَةً لَثَبَتَ النَّسَبُ، وَلَا يَثْبُتُ اتِّفَاقًا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُرَاعَ خِلَافُهُ هُنَا كَمَا مَرَّ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ؟ أُجِيبَ بِضَعْفِ مُدْرَكِهِ هُنَا. (وَ) يُحَدُّ أَيْضًا فِي وَطْءِ (مُبِيحَةٍ) فَرْجَهَا لِلْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ. وَتُحَدُّ هِيَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَ) فِي وَطْءِ (مَحْرَمٍ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا) لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مَحَلًّا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِتَحْرِيمِهِ اهـ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 445 وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ. وَحَدُّ الْمُحْصَنِ: الرَّجْمُ، وَهُوَ: مُكَلَّفٌ حُرٌّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا إلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَقْدِ شُبْهَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِحَدِيثٍ فِيهِ صَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. فُرُوعٌ: لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الْمَوْطُوءَةِ بِنَسَبٍ لَمْ يُصَدَّقْ لِبُعْدِ الْجَهْلِ بِذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا إنْ جَهِلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسَبَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا كَذِبُهُ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ، أَوْ بِتَحْرِيمِهَا بِرَضَاعٍ فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَصْدِيقُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَوْ بِتَحْرِيمِهَا بِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَأَمْكَنَ جَهْلُهُ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَحُدَّتْ هِيَ دُونَهُ إنْ عَلِمَتْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ، وَيُحَدُّ فِي وَطْءِ نِكَاحِ أُخْتٍ نَكَحَهَا عَلَى أُخْتِهَا، وَفِي وَطْءِ مَنْ ارْتَهَنَهَا، وَفِي وَطْءِ مُسْلِمَةٍ نَكَحَهَا وَهُوَ كَافِرٌ، وَوَطِئَ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَفِي وَطْءِ وَثَنِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ نَكَحَهُمَا مُسْلِمٌ، وَيُحَدُّ فِي وَطْءِ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَذَاتِ زَوْجٍ وَمُلَاعَنَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ لِغَيْرِهِ وَمُرْتَدَّةٍ، وَلَوْ زَنَى مُكَلَّفٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ نَائِمَةٍ أَوْ مُرَاهِقَةٍ حُدَّ، وَلَوْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مَجْنُونًا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ حُدَّتْ، وَلَا تُحَدُّ خَلِيَّةٌ حُبْلَى لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تُقِرَّ بِهِ، لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَشَرْطُهُ) أَيْ إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا رَجْمًا كَانَ أَوْ جَلْدًا فِي الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ بِهِ (التَّكْلِيفُ) فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَلَكِنْ يُؤَدِّبُهُمَا وَلِيُّهُمَا بِمَا يَزْجُرُهُمَا، وَلَوْ زَنَى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ فَبَانَ بَالِغًا هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا؟ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ قَوْلَهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ) فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الدَّعَاوَى، فَإِنْ نَشَأَ بَيْنَهُمْ وَادَّعَى الْجَهْلَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ الْحَدَّ أَنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ. وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ. (وَحَدُّ) الزَّانِي (الْمُحْصَنِ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (الرَّجْمُ) حَتَّى يَمُوتَ بِالْإِجْمَاعِ وَتَظَافُرِ الْأَخْبَارِ فِيهِ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ، وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا رَجْمَ عَلَى الْمَوْطُوءِ فِي دُبُرِهِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيلَاجُ فِي دُبُرِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُحْصَنًا فَحَدُّهُ كَحَدِّ الْبِكْرِ، وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ. وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعِفَّةِ وَالتَّزْوِيجِ، وَوَطْءُ الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْصَنُ (مُكَلَّفٌ) لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الْإِحْصَانِ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ فِي مُطْلَقِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ سَكْرَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ (حُرٌّ) فَالرَّقِيقُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 446 وَلَوْ ذِمِّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، لَا فَاسِدٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَتَكْلِيفِهِ،   [مغني المحتاج] وَمُبَعَّضًا وَمُسْتَوْلَدَةً، لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَالرَّجْمُ لَا نِصْفَ لَهُ (وَلَوْ) هُوَ (ذِمِّيٌّ) أَوْ مُرْتَدٌّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُد: وَكَانَا قَدْ أَحْصَنَا. تَنْبِيهٌ: عَقْدُ الذِّمَّةِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا، فَلَوْ غَيَّبَ حَرْبِيٌّ حَشَفَتَهُ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ فِي نِكَاحٍ وَصَحَّحْنَا أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ مُحْصَنٌ حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى رُجِمَ وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ، وَخَرَجَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّا لَا نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْمَشْهُورِ (غَيَّبَ) الْمُكَلَّفُ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ قَبْلَ أَنْ يَزْنِيَ (حَشَفَتَهُ) مِنْ ذَكَرِهِ الْأَصْلِيِّ الْعَامِلِ وَلَوْ مَعَ لَفِّ خِرْقَةٍ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَطْلَبِ، أَوْ غَيَّبَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ: أَوْ غَيَّبَ قَدْرَهَا إنْ فَقَدَهَا (بِقُبُلٍ) أَوْ وَطِئَتْ الْأُنْثَى فِيهِ (فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُرَكَّبَةٌ فِي النُّفُوسِ، فَإِذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا، فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْحَرَامِ، وَلِأَنَّهُ يَكْمُلُ طَرِيقُ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ أَوْ رِدَّةٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: حَشَفَتَهُ عَمَّا لَوْ غَيَّبَ بَعْضَهَا، وَأَمَّا مَفْقُودُهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُغَيِّبَ قَدْرَهَا، وَبِالْقُبُلِ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ عَنْ الدُّبُرِ، فَلَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَبِالنِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَبِالصَّحِيحِ عَنْ الْفَاسِدِ كَمَا قَالَ (لَا) فِي نِكَاحٍ (فَاسِدٍ) ، فَإِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُحْصَنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ كَمَالٍ وَالثَّانِي وَعُزِيَ لِلْقَدِيمِ وَهُوَ مُحْصَنٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّسَبِ فَكَذَا فِي الْإِحْصَانِ. وَالْجُمْهُورُ قَطَعُوا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الشُّرُوطُ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَاطِئِ تُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْمَوْطُوءَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ) لِحَشَفَةِ الرَّجُلِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ قَطْعِهَا (حَالَ حُرِّيَّتِهِ) الْكَامِلَةِ (وَتَكْلِيفِهِ) فَلَا يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ رَقِيقٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ، فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مِنْ وَطْءٍ وَهُوَ نَاقِصٌ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ زَنَى وَهُوَ كَامِلٌ فَيُرْجَمُ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ، فَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: يُرَادُ إدْخَالُ الْمَرْأَةِ حَشَفَةَ الرَّجُلِ وَهُوَ نَائِمٌ وَإِدْخَالُهُ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ لِلنَّائِمِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْفِعْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَطْءٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ فَكَذَا الْإِحْصَانُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 447 وَأَنَّ الْكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ. وَالْبِكْرُ الْحُرُّ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ شَرْطِ الِاخْتِيَارِ هُنَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْإِصَابَةُ وَالزَّوْجُ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا وَقُلْنَا بِتَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ حَصَلَ التَّحْصِينُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فِيهِ نَظَرٌ (وَ) الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْأَظْهَرُ (أَنَّ الْكَامِلَ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (الزَّانِي بِنَاقِصٍ) كَصَغِيرَةٍ (مُحْصَنٌ) ، أَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَا كَامِلَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُصَيِّرُ أَحَدَ الْوَاطِئَيْنِ مُحْصَنًا، فَكَذَلِكَ الْآخَر كَمَا لَوْ وَطِئَ بِالشُّبْهَةِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِنَاقِصٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالزَّانِي أَوْ بِالْكَامِلِ، فَإِنْ عَلَّقْتَهُ بِالْأَوَّلِ فَسَدَ الْمَعْنَى، إذْ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْكَامِلَ إذَا زَنَى بِنَاقِصٍ مُحْصَنٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنْ عَلَّقْتَهُ بِالثَّانِي يَصِيرُ قَوْلُهُ: الزَّانِي سَائِبًا، فَلَوْ قَالَ: وَإِنَّ الْكَامِلَ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَقْرَبَ إلَى الْمُرَادِ، وَمِنْ الشُّرَّاحِ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بِنَاقِصٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَإِنَّ الْكَامِلَ الزَّانِيَ إذَا كَانَ كَمَالُهُ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ، وَغَيَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لَفْظَةَ الزَّانِي بِالْبَانِي أَيْ: النَّاكِحِ وَادَّعَى صِحَّةَ الْعِبَارَةِ بِذَلِكَ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ: بَنَى عَلَى أَهْلِهِ، لَا بَنَى بِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَالْبِكْرُ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُحْصَنِ الْمُكَلَّفِ (الْحُرُّ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ حَدُّهُ (مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِآيَةِ - {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]- وَلَاءً، فَلَوْ فَرَّقَهَا نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْأَلَمُ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ خَمْسِينَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ضَرَّ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْخَمْسِينَ حَدُّ الرَّقِيقِ، وَسُمِّيَ جَلْدًا لِوُصُولِهِ إلَى الْجِلْدِ. (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ عَطْفُهُ التَّغْرِيبَ بِالْوَاوِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قُدِّمَ التَّغْرِيبُ عَلَى الْجَلْدِ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ. وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَأَفْهَمَ لَفْظُ التَّغْرِيبِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْرِيبِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْكِيلُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَابْتِدَاءُ الْعَامِ مِنْ حُصُولِهِ فِي بَلَدِ التَّغْرِيبِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا، وَلَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ الْعَامِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّلَ زَمَانِ التَّغْرِيبِ، وَيُغَرَّبُ (إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ) ، لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَضَرِ لِتَوَصُّلِ الْأَخْبَارِ فِيهَا إلَيْهِ؛ وَالْمَقْصُودُ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ (فَمَا فَوْقَهَا) إنْ رَآهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ إلَى الشَّامِ، وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ، وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ، وَلْيَكُنْ تَغْرِيبُهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 448 وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ مُنِعَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا (وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُغَرَّبِ (طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ) ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالزَّجْرِ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْوَطَنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ غُرِّبَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّهُ امْتَثَلَ وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَمَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ لَهُ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ، لِأَنَّ مَا عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ، وَبِقَوْلِهِ: فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهَا، بَلْ فِي غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا، وَكَذَا مَالٌ يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ أَهْلَهُ وَعَشِيرَتَهُ، فَإِنْ خَرَجُوا مَعَهُ لَمْ يُمْنَعُوا، وَلَا يُعْتَقَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ كَمَا قَالَاهُ، لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى مَا دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا، لَا لِئَلَّا يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الِاعْتِقَالِ خَوْفًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى مَا ذُكِرَ اُعْتُقِلَ، وَكَذَا إنْ خِيفَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلنِّسَاءِ وَإِفْسَادِهِنَّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ كَفًّا لَهُ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ أَوْ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ رُدَّ وَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا يَجُوزُ. تَفْرِيقُ سَنَةِ التَّغْرِيبِ فِي الْحُرِّ، وَلَا نِصْفِهَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيحَاشَ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُهَذَّبِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ. ذَلِكَ الْبَلَدُ (وَيُغَرَّبُ) زَانٍ (غَرِيبٌ) لَهُ بَلَدٌ (مِنْ بَلَدِ الزِّنَا) تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ (إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَعَوْدُهُ إلَى وَطَنِهِ يَأْبَاهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا لِيَحْصُلَ مَا ذُكِرَ (فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ) الْأَصْلِيِّ (مُنِعَ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ) مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْغَزَالِيِّ لَا وَجْهَ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ. وَلَوْ زَنَى الْغَرِيبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ مُدَّةُ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ، وَلَوْ زَنَى الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ مَقْصَدِهِ لِمَا مَرَّ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ. وَقَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ، بَلْ إذَا رَأَى تَغْرِيبَهُ فِي جِهَةِ مَقْصَدِهِ لَمْ يُمْنَعْ، وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ كَالْمُهَاجِرِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَتَوَطَّنْ بَلَدًا يُمْهَلُ حَتَّى يَتَوَطَّنَ ثُمَّ يُغَرَّبَ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي: إنَّهُ يُغَرَّبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 449 وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا فِي الْأَصَحِّ، بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ. فَإِنْ امْتَنَعَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْأَصَحِّ. وَالْعَبْدِ خَمْسُونَ، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ سَنَةً، وَفِي قَوْلٍ لَا يُغَرَّبُ.   [مغني المحتاج] مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَيُغَرَّبُ الْبَدَوِيُّ عَنْ حِلَّتِهِ وَقَوْمِهِ. (وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ) زَانِيَةٌ (وَحْدَهَا فِي الْأَصَحِّ بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) لِخَبَرِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُهَا، وَالزَّانِيَةُ إذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ، وَالثَّانِي تُغَرَّبُ وَحْدَهَا لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْأُمِّ. وَقَالَ إنَّ النَّهْيَ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدُهَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا (وَلَوْ) لَمْ يَخْرُجْ الزَّوْجُ أَوْ الْمَحْرَمُ إلَّا (بِأُجْرَةٍ) لَزِمَهَا ذَلِكَ وَهُوَ فِي مَالِهَا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ لِأَنَّهَا مِمَّا يُتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ أَمْنًا، وَإِلَّا فَلَا تُغَرَّبُ وَحْدَهَا جَزْمًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ مَعَ عَدَمِ أَمْنِ الطَّرِيقِ. وَأَمَّا مَعَ أَمْنِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَكْفِي قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ اهـ. وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ مَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا أَوْلَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَمْرَدَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ. (فَإِنْ امْتَنَعَ) مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ (بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَلَا يَأْثَمْ بِامْتِنَاعِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَالثَّانِي يُجْبَرُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي إقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهُمَا إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ. (وَ) حَدُّ غَيْرِ الْحُرِّ مِنْ (الْعَبْدِ) أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا (خَمْسُونَ) جَلْدَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُرَادُ الْجَلْدُ لِأَنَّ الرَّجْمَ قَتْلٌ وَالْقَتْلُ لَا يَتَنَصَّفُ، وَرَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " أَنَّهُ أُتِيَ بِعَبْدٍ وَأَمَةٍ زَنَيَا فَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ " إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِجَامِعِ الرِّقِّ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ لَعَمَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضَ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَدَّ يُقَسَّطُ عَلَى الْمُبَعَّضِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَيَكُونُ عَلَى حُرٍّ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجَلْدِ (وَيُغَرَّبُ) مَنْ فِيهِ رِقٌّ (نِصْفَ سَنَةٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَتَبَعَّضُ فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ، وَعَلَى التَّقْسِيطِ فِي الْمُبَعَّضِ يُغَرَّبُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ (وَفِي قَوْلٍ) يُغَرَّبُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ (سَنَةً) لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَغَيْرِهِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يُغَرَّبُ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ السَّيِّدِ، وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 450 وَيَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ. أَوْ إقْرَارٍ مَرَّةً.   [مغني المحتاج] لَا أَهْلَ لَهُ فَلَا يَسْتَوْحِشُ بِالتَّغْرِيبِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا شَقَّ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ، وَلَا يُبَالِي بِحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْعُقُوبَاتِ كَمَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ وَيُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ، وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي تَغْرِيبِ الْأَمَةِ خُرُوجُ مَحْرَمٍ مَعَهَا كَالْحُرَّةِ وَمُؤْنَةِ الْمُغَرَّبِ فِي مُدَّةٍ تَغْرِيبِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ حُرًّا، وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ، وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَقْرُبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقِصَرِهَا قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهَا حَبْسٌ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ لَا حَدَّ عَلَى الرَّقِيقِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ بِالذِّمَّةِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُعَاهَدِ وَالْمُعَاهَدُ لَا يُحَدُّ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ لِلْكَافِرِ أَنْ يَحُدَّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ، وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْجِزْيَةِ عَدَمُ الْحَدِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ. (وَيَثْبُتُ) الزِّنَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ (بِبَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لِآيَةِ {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] . تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْبَيِّنَةَ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّفْصِيلُ فَتُذْكَرُ بِمَنْ زَنَى لِجَوَازِ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا، وَالْكَيْفِيَّةُ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُبَاشِرِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَقْتَ الزِّنَا فَيَقُولُونَ: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ أَوْ قَدْرَ حَشَفَتِهِ مِنْهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ زَنَى بِهَا زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانُوا عَارِفِينَ بِأَحْكَامِهِ، وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ لَفْظِ أَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ زَنَى وَيَذْكُرُ الْمَوْضِعُ، فَإِنَّهُمْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ. (أَوْ إقْرَارٍ) حَقِيقِيٍّ وَلَوْ (مَرَّةً) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَرَّةً إلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ حَيْثُ اعْتَبَرَا الْإِقْرَارَ أَرْبَعًا لِحَدِيثِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ» ، وَلَمْ يُكَرِّرْهُ فِي خَبَرِ الْغَامِدِيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصِّلًا كَالشَّهَادَةِ فَلَا يَسْتَوْفِي الْقَاضِي الْحَدَّ بِعِلْمِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ بِعِلْمِهِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَأَوْرَدَ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ مُخْتَصٍّ بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ مَا إذَا قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَلَاعَنَ وَلَمْ تُلَاعِنْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 451 وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ.   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ: يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، وَإِنْ رُئِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّانِ تَحْتَ لِحَافٍ عُزِّرَا وَلَمْ يُحَدَّا، وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةً فِي نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودَةِ وَالْتِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَيُسَنُّ لِلزَّانِي وَلِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ «مَنْ أَتَى مِنْ هَذِي الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. فَإِظْهَارُهَا لِيُحَدَّ أَوْ يُعَزَّرَ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ، وَأَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا فَحَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُسَنُّ لَهُ سِتْرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا أَثِمَ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَتْلٍ أَوْ قَذْفٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَرِّبَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ لِمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ التَّضْيِيقِ. وَيَحْرُمُ الْعَفْوُ عَنْ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (وَلَوْ أَقَرَّ) بِالزِّنَا (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْهُ (سَقَطَ) الْحَدُّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ» فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْحَدُّ لِمَا كَانَ لَهُ مَعْنًى، وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا رَجَمُوهُ قَالَ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ؟» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، لَكِنْ لَوْ قُتِلَ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَيَضْمَنُ بِالدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِهَا يُجَامِعُ الشُّبْهَةَ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِهِ: كَذَبْتُ، أَوْ رَجَعْتُ عَمَّا أَقْرَرْتُ بِهِ أَوْ مَا زَنَيْتُ أَوْ كُنْتُ فَاخَذْتُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ فَكَمَّلَ الْإِمَامُ مُتَعَدِّيًا بِأَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ سُقُوطَهُ بِالرُّجُوعِ فَمَاتَ بِذَلِكَ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ تُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى السِّيَاطِ؟ قَوْلَانِ: أَقْرَبُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ زَائِدًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَيُسَنُّ لِمَنْ أَقَرَّ بِزِنًا أَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا الرُّجُوعُ كَمَا يَسْتَتِرُ ابْتِدَاءً كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 452 وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا.   [مغني المحتاج] فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: زَنَيْتُ بِفُلَانَةَ فَأَنْكَرَتْ. وَقَالَتْ: كَانَ تَزَوَّجَنِي فَمُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لَهَا فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ رَجَعَ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا وَحْدَهُ، وَإِنْ زَنَيْتُ بِهَا مُكْرَهَةً لَزِمَهُ حَدُّ الزِّنَا لَا الْقَذْفُ وَلَزِمَهُ لَهَا مَهْرٌ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ سَقَطَ الْحَدُّ لَا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَكَذَّبَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُ، لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي. وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ هَلْ يُحَدُّ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُحَدُّ لِبَقَاءِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ فَرَدَّ أَرْبَعَةً، وَثَانِيهِمَا لَا إذْ لَا أَثَرَ لِلْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ. وَقَدْ بَطَلَ وَنَقَلَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ وَفِي عَكْسِهْ. وَقَالَ: الْأَصَحُّ عِنْدِي اعْتِبَارُ أَسْبَقِهِمَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْبَيِّنَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَقْوَى كَمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْمَالِ أَقْوَى، إلَّا إذَا أُسْنِدَ الْحُكْمُ لِلْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ، قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَتْ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ سُقُوطِ الْحَدِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ فِي السَّرِقَةِ مِمَّا يُخَالِفُهُ مَرْدُودٌ، الثَّانِيَة: الْإِسْلَامُ فَإِذَا ثَبَتَ زِنَا الذِّمِّيِّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ: كَمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ آخِرَ السِّيَرِ. (وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ بِالزِّنَا (لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ) مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِقْرَارِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ، وَلَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَلَا يُتْبَعُ، فَإِنْ رَجَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا حُدَّ، وَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ شَيْئًا، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِإِشْعَارِهِ بِالرُّجُوعِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ الشُّهُودِ وَلَا حُضُورُهُمْ حَالَةَ الْحُكْمِ، وَلَا قُرْبَ عَهْدِ الزِّنَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُسْقِطِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا. شَرَعَ فِي مُسْقِطِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ: (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الرِّجَالِ (بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ) أَوْ رَجُلَانِ، كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. (أَنَّهَا عَذْرَاءُ) بِمُعْجَمَةٍ: أَيْ: بِكْرٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَذُّرِ جِمَاعِهَا وَصُعُوبَتِهِ (لَمْ تُحَدَّ هِيَ) لِشُبْهَةِ بَقَاءِ الْعُذْرَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ (وَلَا قَاذِفُهَا) لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا، وَاحْتِمَالُ عَوْدِ بَكَارَتِهَا لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ غَوْرَاءَ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ حُدَّتْ لِثُبُوتِ الزِّنَا وَعَدَمِ التَّنَافِي اهـ. وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْلِيلِ: أَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ، وَلَا الشُّهُودُ أَيْضًا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] قَالَ الْقَاضِي: وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِلَا خِلَافٍ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 453 وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوِيَةً لِزِنَاهُ، وَالْبَاقُونَ غَيْرَهَا لَمْ يَثْبُتْ. وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ. وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الْإِمَامِ، وَشُهُودِهِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ حَدِّ قَاذِفِهَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ زَمَنٌ بَعِيدٌ يُمْكِنُ عَوْدُ الْعُذْرَةِ فِيهِ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا زَنَتْ السَّاعَةَ وَشَهِدْنَ بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ وَجَبَ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَأَرْبَعٌ بِأَنَّهَا رَتْقَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا، وَلَا عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ رَمَوْا مَنْ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهُ. (وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (زَاوِيَةً) مِنْ زَوَايَا الْبَيْتِ (لِزِنَاهُ، وَ) عَيَّنَ (الْبَاقُونَ) مِنْهُمْ زَاوِيَةً (غَيْرَهَا لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ: الْحَدُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَنَى بِالْغَدَاةِ، وَبَعْضُهُمْ: بِالْعَشِيِّ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ سُقُوطِهِ، وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ لَمْ يُتِمَّ فِي زَنْيَةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ عَدَمُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ إذَا تَقَارَبَتْ الزَّوَايَا لِإِمْكَانِ الزَّحْفِ مَعَ دَوَامِ الْإِيلَاجِ (وَ) بَعْدَ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَا (يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ نَائِبُهُ) فِيهِ (مِنْ) زَانٍ (حُرٍّ) لِلِاتِّبَاعِ (وَ) مِنْ (مُبَعَّضٍ) لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْحُرِّ مِنْهُ، وَالْحَدُّ مُتَعَلِّقٌ بِجُمْلَتِهِ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْمُبَعَّضِ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّ الْمُلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَبْدُ مَحْجُورِهِ، وَمُسْتَوْلَدَةُ الْكَافِرِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ إذَا زَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ: كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْسَابَهُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَمُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةِ حَالَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ حُرٌّ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ أَقَامَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْحَدَّ دُونَ سَيِّدِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ غَيْرُهُ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الْجَلْدَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَخْتَلِفُ وَقْتًا وَمَحَلًّا فَلَا يَقَعُ حَدٌّ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُفَوِّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يَسْتَوْفُونَهُ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ ضُرِبَ لِمُصَادَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ حُدُودٌ لَمْ يُحْسَبْ مِنْهَا. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ حَتَّى لَوْ حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّهُ حَدَّهُ لِلزِّنَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ أَجْزَأَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا مِائَةً ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا سَقَطَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا فَبَانَ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيهِ اهـ. وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي صُوَرِ جَلْدِهِ ظُلْمًا، وَأَمَّا مَا قَبْلَهَا فَالْإِجْزَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ، فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ أَنَّهُ عَنْ الشُّرْبِ. فَرْعٌ: لَوْ زَنَى الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَمْ يَنْعَزِلْ، وَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ مَنْ وَلِيَ الْحُكْمَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ (وَيُسْتَحَبُّ) عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ (حُضُورُ الْإِمَامِ، وَ) حُضُورُ (شُهُودِهِ) أَيْ: الزِّنَا إنْ ثَبَتَ بِهِمْ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ بِوُجُوبِ حُضُورِهِمْ. لَنَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزًا وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا، وَقَالَ لِأُنَيْسٍ: «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» ، وَلَمْ يَقُلْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 454 وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ أَوْ الْإِمَامُ. فَإِنْ تَنَازَعَا فَالْأَصَحُّ الْإِمَامُ.   [مغني المحتاج] فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَحْضُرَ، وَلَا قَالَ لَهُ: أَحْضِرْ مَعَكَ جَمْعًا، وَقِيَاسًا عَلَى الْجَلْدِ. وَيُسَنُّ حُضُورُ جَمْعٍ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَقَلُّهُمَا أَرْبَعَةٌ عَدَدُ شُهُودِ الزِّنَا، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ، ثُمَّ النَّاسُ إنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ بَدَأَ بِهِ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ قَبْلَ رَجْمِهِ لِتَكُونَ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ، فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُمِرَ بِهَا، وَإِنْ تَطَوَّعَ مُكِّنَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ، وَإِنْ اسْتَطْعَمَ لَمْ يُطْعَمْ، لِأَنَّ الشُّرْبَ لِعَطَشٍ سَابِقٍ وَالْأَكْلَ لِشِبَعٍ مُسْتَقْبَلٍ. (وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِقَدْرِ الْحَدِّ وَكَيْفِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَحُدَّهَا لَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا» بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ: لَا يُوَبِّخُهَا وَلَا يُعَيِّرُهَا، وَقِيلَ لَا يُبَالِغُ فِي جَلْدِهَا حَتَّى يُدْمِيَهَا، وَيُسَنُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ الْأَمَةَ إذَا زَنَتْ ثَالِثَةً لِخَبَرٍ وَرَدَ بِذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمُشْتَرِيهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ السَّيِّدُ امْرَأَةً هَلْ تُقِيمُهُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا أَوْ السُّلْطَانُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ السَّفِيهُ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الِاسْتِصْلَاحِ وَالْوِلَايَةِ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْحَدَّ حَدَّ الزِّنَا وَبَاقِيَ الْحُدُودِ حَتَّى الْقَطْعِ، وَقَتْلِ الرِّدَّةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ مُشْتَرَكًا حَدَّهُ مُلَّاكُهُ بِتَوْزِيعِ السِّيَاطِ عَلَى الْمِلْكِ، وَيُفَوِّضُ الْمُنْكَسِرُ إلَى أَحَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَفِي جَوَازِ إقَامَةِ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَحَاكِمٍ وَوَصِيٍّ وَقَيِّمٍ فِي رَقِيقِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ طِفْلٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ وَجْهَانِ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: الْحَدُّ إصْلَاحٌ فَلَهُ إقَامَتُهُ، أَوْ وِلَايَةٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: وَإِنَّمَا يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ السَّيِّدَ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا لَهُ اسْتِيفَاءَهُ (أَوْ) يَحُدُّهُ (الْإِمَامُ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَأَيَّهُمَا فَعَلَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَلَكِنَّ السَّيِّدَ أَوْلَى كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ. تَنْبِيهٌ: الْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ سَيِّدًا حَالَ إقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِذَا زَنَى الرَّقِيقُ فَبَاعَهُ سَيِّدُهُ كَانَ إقَامَةُ الْحَدِّ لِمُشْتَرِيهِ (فَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالسَّيِّدُ فِي حَدِّ الرَّقِيقِ (فَالْأَصَحُّ) مِنْ احْتِمَالَاتٍ لِلْإِمَامِ يَحُدُّهُ (الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ، وَالثَّانِي السَّيِّدُ لِغَرَضِ إصْلَاحِ مِلْكِهِ. وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ جَلْدًا فَالسَّيِّدُ، أَوْ قَطْعًا أَوْ قَتْلًا فَالْإِمَامُ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا يَوْمَئِذٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّقِيقَ لَوْ زَنَى ثُمَّ بَاعَهُ سَيِّدُهُ كَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 455 وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَحُرٍّ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزَّرُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ.   [مغني المحتاج] لِلْمُشْتَرِي إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ حَالَ الزِّنَا فَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ هُنَا يَثْبُتُ لِلْإِمَامِ أَوَّلًا. وَاسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِسَيِّدِهِ ابْتِدَاءً. وَأَمَّا فِيمَا مَرَّ فَثَبَتَ لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ لِلِاسْتِصْلَاحِ، وَلَا وَجْهَ لِإِقَامَةِ الْبَائِعِ الْحَدَّ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ الِاسْتِيفَاءُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُشْتَرِي (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ) كَمَا يَجْلِدُهُ لِانْدِرَاجِهِ فِي خَبَرِ «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْجَلْدَ فَقَطْ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ سُكُوتَهُ فِي الْحَدِيثِ لَا يُنَافِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. تَنْبِيهٌ: مُؤْنَةُ تَغْرِيبِ الرَّقِيقِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى السَّيِّدِ، وَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فِي زَمَنِ التَّغْرِيبِ، وَقِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) الزَّانِيَ (الْمُكَاتَبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (كَحُرٍّ) فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ لِخُرُوجِهِ عَنْ قَبْضَةِ السَّيِّدِ بِالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَجَزَ فُرِّقَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ هَلْ لِلسَّيِّدِ الِاسْتِيفَاءُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا زَنَى الذِّمِّيُّ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَكَالْقِنِّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) السَّيِّدَ (الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ) لِعُمُومِ «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لِغَرَضِ الِاسْتِصْلَاحِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُقِيمُهُ بِالْوِلَايَةِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ السَّيِّدِ الْمُبَعَّضِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: قَضِيَّةُ النَّصِّ الْمَنْعُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْكَافِرِ إذَا كَانَ عَبْدُهُ كَافِرًا. أَمَّا إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَيْسَ لَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِحَالٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ) رَقِيقَهُ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، فَاخْتُصَّ بِالْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا حُقُوقُ نَفْسِهِ، وَكَذَا حُقُوقُ غَيْرِهِ فَيَسْتَوْفِيهَا قَطْعًا (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ السَّيِّدَ (يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ) عَلَى رَقِيقِهِ (بِالْعُقُوبَةِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ فَمَلَكَ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ بِهِ كَالْإِمَامِ. وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّ سَمَاعَهَا مُخْتَصٌّ بِالْحُكَّامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ النَّظَرُ فِي تَزْكِيَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا بُدَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ عِلْمِهِ بِصِفَاتِ الشُّهُودِ وَأَحْكَامِ الْحُدُودِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِغَيْرِهَا، فَلَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهُ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا، أَوْ قَضَى بِمَا شَاهَدَهُ مِنْ زِنَاهُ جَازَ، وَخَرَجَ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الْبَيِّنَةِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا فَلَا يَسْمَعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِسَمَاعِهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 456 وَالرَّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَقِيلَ يُؤَخَّرُ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ   [مغني المحتاج] لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ سَمَاعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِسَمَاعِهَا، فَلَا يَحُدُّونَ بِبَيِّنَةٍ بَلْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِمُشَاهَدَةٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَخْتَصَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَجُرْحُهَا وَتَعْدِيلُهَا بِالرَّجُلِ الْعَدْلِ لَا مُطْلَقًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ السَّيِّدَ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِهِ الْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ يُوهِمُ طَرْدَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى هَذَا فَيَخْرُجُ الْفَاسِقُ وَالْمُكَاتَبُ اهـ. وَقَالَ شَيْخِي: الْمُرَادُ بِكَوْنِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَ الْحُدُودِ وَصِفَاتِ الشُّهُودِ، وَعَلَى هَذَا فَيَسْمَعُهَا الْفَاسِقُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ عَبْدِهِ فِيمَا إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا؟ وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْجَوَازُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ أَخَذَ فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْآلَةِ الَّتِي يُرْجَمُ بِهَا فَقَالَ (وَالرَّجْمُ) لِلْمُحْصَنِ إلَى مَوْتِهِ (بِمَدَرٍ) أَيْ: طِينٍ مُتَحَجِّرٍ (وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) أَيْ: مِلْءَ الْكَفِّ كَمَا اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لَا بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلَّا يَطُولَ تَعْذِيبُهُ، وَلَا بِصَخْرَاتٍ تُذَفِّفُهُ فَيَفُوتُ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ: كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ يُرْمَى بِالْخَفِيفِ وَالثَّقِيلِ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِدُهُ الرَّامِي وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَالِاخْتِيَارُ فِي حَجَرِ الرَّمْيِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْكَفِّ. تَنْبِيهٌ: جَمِيعُ بَدَنِ الْمُحْصَنِ. مَحَلٌّ لِلرَّجْمِ الْمُقَاتَلِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ يَخْتَارُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ، وَيَكُونَ مَوْقِفُ الرَّامِي بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ فَيُخْطِئَهُ وَلَا يَدْنُو مِنْهُ فَيُؤْلِمَهُ. قَالَ: وَالْأَوْلَى لِمَنْ حَضَرَ أَنْ يَرْجُمَهُ إنْ رُجِمَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَنْ يَمْسِكَ عَنْهُ إنْ رُجِمَ بِالْإِقْرَارِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي: أَيْ: يَجِبُ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَةَ الرَّجُلِ وَجَمِيعَ بَدَنِ الْحُرَّةِ عِنْدَ الرَّجْمِ، وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُقَيَّدُ (وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ) عِنْدَ رَجْمِهِ سَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَمْ بِإِقْرَارٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ، فَيُسَنُّ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ حُفْرَةٌ يَنْزِلُ فِيهَا إلَى وَسَطِهِ لِتَمْنَعَهُ مِنْ الْهَرَبِ، أَوْ بِإِقْرَارٍ فَلَا يُسَنُّ (وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ) أَيْ الْحَفْرِ (لِلْمَرْأَةِ) إلَى صَدْرِهَا (إنْ ثَبَتَ) زِنَاهَا (بِبَيِّنَةٍ) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الشُّهُودِ عَدَمُ الرُّجُوعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ. وَالثَّانِي يُحْفَرُ لَهَا مُطْلَقًا فَقَدْ ثَبَتَ الْحَفْرُ فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُقِرَّةً. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّ ذَلِكَ فُعِلَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ (وَلَا يُؤَخَّرُ) الرَّجْمُ (لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ) سَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَمْ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ (وَقِيلَ يُؤَخَّرُ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ رُجُوعُهُ لِلنَّدْبِ إلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 457 وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ لِمَرَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ بَلْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ، فَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَسُّهُ الْأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ، فَإِنْ بَرَأَ أَجْزَأَهُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّأْخِيرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ هُنَا وَتَعَرَّضُوا لَهُ فِي الْجَلْدِ اهـ. وَيَجِبُ التَّأْخِيرُ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْحَامِلُ، فَتُؤَخَّرُ إلَى الْوَضْعِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا أَمْ مِنْ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ جُنَّ لَا يُحَدُّ فِي جُنُونِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يُفِيقَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ جُنَّ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ. (وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ) وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ غَالِبًا (لِمَرَضٍ) يُرْجَى بُرْؤُهُ، كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ لَا الْقَتْلُ، وَقَدْ يُفْضِي الْجَلْدُ حِينَئِذٍ إلَى الْقَتْلِ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْمَرَضِ النِّفَاسُ: وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ أَوْ ضَرْبٌ وَكَذَا الْحَامِلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ) مِنْهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كَانَ نِضْوًا (جُلِدَ) وَلَا يُؤَخَّرُ إذْ لَا غَايَةَ تُنْتَظَرُ، لَكِنْ (لَا بِسَوْطٍ) لِئَلَّا يَهْلِكَ (بَلْ بِعِثْكَالٍ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْبَلَحُ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنْ الْكَرْمِ (عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ) وَهِيَ الشَّمَارِيخُ يُضْرَبُ بِهِ مَرَّةً إذَا كَانَ حُرًّا. لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ اشْتَكَى حَتَّى أَضْنَى فَعَادَ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ فَوَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لِبَعْضِهِمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ شِمْرَاخًا فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً (فَإِنْ كَانَ) عَلَيْهِ (خَمْسُونَ) غُصْنًا (ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ) لِتَكْمُلَ الْمِائَةُ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا ضُرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ. تَنْبِيهٌ: الْعِثْكَالُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا. وَيُقَالُ عُثْكُولٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِثْكَالٌ بِإِبْدَالِهَا هَمْزَةً مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى شِمْرَاخِ النَّخْلِ مَا دَامَ رَطْبًا. أَمَّا إذَا يَبِسَ فَهُوَ عُرْجُونٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْعِثْكَالُ بَلْ يُضْرَبُ بِهِ أَوْ بِالنِّعَالِ أَوْ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الضَّرْبِ بِالنِّعَالِ (وَتَمَسُّهُ) أَيْ: الْمَجْلُودَ (الْأَغْصَانُ) جَمِيعُهَا (أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ) لِئَلَّا تَبْطُلَ حِكْمَةُ الْحَدِّ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اكْتَفَوْا فِي الْأَيْمَانِ بِالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُؤْلِمِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَالضَّرْبُ غَيْرُ الْمُؤْلِمِ يُسَمَّى ضَرْبًا، وَالْحُدُودُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الزَّجْرِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِيلَامِ (فَإِنْ بَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمَجْلُودُ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ بِمَا ذُكِرَ (أَجْزَأَهُ) الضَّرْبُ بِهِ وَلَا يُعَادُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْضُوبُ إذَا حَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 458 وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَإِذَا جَلَدَ الْإِمَامُ فِي مَرَضٍ أَوْ حَرٍّ وَبَرْدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ.   [مغني المحتاج] كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ، فَإِنْ بَرِئَ قَبْلَ ذَلِكَ حُدَّ حَدَّ الْأَصِحَّاءِ، أَوْ فِي الْأَثْنَاءِ كَمُلَ حَدُّ الْأَصِحَّاءِ، وَاعْتَدَّ بِمَا مَضَى كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَوْ ضُرِبَ بِمَا ذُكِرَ مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَبَرَأَ لَمْ يُجْزِهِ، وَيُخَيَّرُ مَنْ لَهُ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى مَرِيضٍ بَيْنَ الضَّرْبِ بِعِثْكَالٍ وَنَحْوِهِ وَبَيْنَ الصَّبْرِ إلَى بُرْئِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَقِيلَ يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ، سَوَاءٌ أُرْجِيَ بُرْؤُهُ أَمْ لَا، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَأَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَاكَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. (وَلَا جَلْدَ فِي) مَرَضٍ أَوْ (حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ) أَيْ: شَدِيدَيْنِ، بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ وَاعْتِدَالِ الْوَقْتِ خَشْيَةَ الْهَلَاكِ، وَكَذَا الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ فِي بِلَادٍ لَا يَنْفَكُّ حَرُّهَا أَوْ بَرْدُهَا لَمْ يُؤَخَّرْ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَى الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لِمَا فِيهِ. تَأْخِيرُ الْحَدِّ وَلُحُوقُ الْمَشَقَّةِ، وَقُوبِلَ إفْرَاطُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِتَخْفِيفِ الضَّرْبِ لِيَسْلَمَ مِنْ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمَرَضِ الْمُلَازِمِ (وَإِذَا جَلَدَ الْإِمَامُ فِي مَرَضٍ أَوْ حَرٍّ وَبَرْدٍ) مُفْرِطَيْنِ فَمَاتَ الْمَجْلُودُ سِرَايَةً (فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ) فِي الْأُمِّ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ وَاجِبٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ خَتَنَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ ضَمِنَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَلْدَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَالْخِتَانَ بِالِاجْتِهَادِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ قَدْ يُشْعِرُ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الزَّانِي نِضْوَ الْخَلْقِ لَا يَحْتَمِلُ السِّيَاطَ فَجَلَدَهُ بِهَا فَمَاتَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّ جَلْدَ مِثْلِهِ بِالْعُثْكَالِ لَا بِالسِّيَاطِ، وَحُكِيَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ السَّيِّدُ فَلَا يَضْمَنُ رَقِيقَهُ جَزْمًا (فَيَقْتَضِي) نَصُّ الْأُمِّ (أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ) وَهُوَ مَا قَالَ الْإِمَامُ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِالضَّمَانِ أَمْ لَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا. خَاتِمَةٌ: لِلْمَقْتُولِ حَدًّا بِالرَّجْمِ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا قُتِلَ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى الْجُهَنِيَّةِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ وَدَفَنَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ صَلَّى هُوَ عَلَيْهَا أَيْضًا. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 459 كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ شَرْطُ حَدِّ الْقَذْفِ: التَّكْلِيفُ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] ِ وَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ (لُغَةً: الرَّمْيُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرَضِ التَّعْيِيرِ) لِيُخْرِجَ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ، فَفِي الْحَدِيثِ «مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ» سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ يُحْبِطُ عَمَلَ مِائَةِ سَنَةٍ» ، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ بِبَيَانِ الْقَذْفِ فِي اللِّعَانِ عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا. وَالْحَدُّ شَرْعًا: عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الزِّنَا، أَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا فِي الْقَذْفِ. وَسُمِّيَتْ الْحُدُودُ حُدُودًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَدَّهَا وَقَدَّرَهَا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، وَهِيَ تَمْنَعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَوَاحِشِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ، وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - جَلَدَ مَنْ قَذَفَهَا. وَالْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ دُونَ التَّسَابٍّ بِالْكُفْرِ أَنَّ الْمَسْبُوبَ بِالْكُفْرِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ ذَلِكَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ الزَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْيِ الزِّنَا عَنْهُ. وَلِلْقَاذِفِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّف بِقَوْلِهِ (شَرْطُ حَدِّ الْقَاذِفِ) أَيْ: الْمَحْدُودِ بِسَبَبِ الْقَذْفِ (التَّكْلِيفُ) فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَعَدَم الجزء: 5 ¦ الصفحة: 460 إلَّا السَّكْرَانَ الِاخْتِيَارُ، وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ.   [مغني المحتاج] حُصُولِ الْإِيذَاءِ بِقَذْفِهِمَا، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى عِنْدَهُ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُحَدُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، هَذَا وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَالِاخْتِيَارُ) فَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَذَى بِذَلِكَ لِإِجْبَارِهِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مُكْرِهٍ بِكَسْرِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَعْلُ يَدِ الْمُكْرَهِ كَالْآلَةِ لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ فَيَقْتُلُ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَ غَيْرِهِ فَيَقْذِفُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ عَنْ شُرُوطٍ أُخَرَ، وَهِيَ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمُ إذْنِ الْمَقْذُوفِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَصْلٍ، فَلَا حَدَّ عَلَى حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّ الْجَمَاهِيرَ أَجْمَعُوا عَلَى حَدِّهِ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، وَلَا عَلَى أَصْلٍ: كَمَا سَيَأْتِي، وَيَسْقُطُ أَيْضًا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ الْقَاذِفِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ وَبِإِقْرَارِهِ وَبِعَفْوِهِ وَبِاللِّعَانِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ (وَيُعَزَّرُ) الْقَاذِفُ (الْمُمَيِّزُ) مِنْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ، فَإِنْ لَمْ يُعَزَّرْ الصَّبِيُّ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ، وَقَدْ حَدَثَ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ التَّكْلِيفُ كَمَا قَالَاهُ فِي اللِّعَانِ، وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ كَذَلِكَ (وَلَا يُحَدُّ) الْأَصْلُ وَلَوْ أُنْثَى (بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ) كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْإِيذَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إنَّ الْأَصْلَ لَا يُحْبَسُ فِي وَفَاءِ دَيْنِ فَرْعِهِ مَعَ أَنَّ الْحَبْسَ تَعْزِيرٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَبْسَهُ لِلدَّيْنِ قَدْ يَطُولُ زَمَنُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ هُنَا فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِقِيَامٍ مِنْ مَجْلِسٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَ فَهُوَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْوَلَدِ، وَكَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ وَلَدِهِ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ابْتِدَاءٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ انْتِهَاءٌ كَالْقِصَاصِ، فَإِنْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَأَنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَسْتَوْفِيهِ جَمِيعَهُ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْحَاوِي فِي بَابِ اللِّعَانِ: لَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَنْتَ وَلَدُ زِنًا كَانَ قَاذِفًا لِأُمِّهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ بَحْثًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهَا عَلَى نَقْلٍ، وَزَادَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْمَشْتُومِ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَوْ قَذَفَ شَخْصٌ آخَرَ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً مُوجِبَةً لِلْحَدِّ لِخُلُوِّهِ عَنْ مَفْسَدَةِ الْإِيذَاءِ، وَلَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا عِقَابَ مَنْ كَذَبَ كِذْبًا لَا ضَرَرَ فِيهِ. فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْغَيْبَةَ بِالْقَلْبِ إذَا أَدْرَكَهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ كَمَا لَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 461 فَالْحُرُّ ثَمَانُونَ، وَالرَّقِيقُ أَرْبَعُونَ. وَالْمَقْذُوفِ: الْإِحْصَانُ وَسَبَقَ فِي اللِّعَانِ. وَلَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِزِنًا حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ. وَكَذَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَكَفَرَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] تَلَفَّظَ بِهَا وَيُدْرِكَانِ ذَلِكَ بِالشَّمِّ، وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا صَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا يَخْطِرُ عَلَى الْقَلْبِ مَغْفُورٌ، وَإِذَا عُرِفَ شَرْطُ حَدِّ الْقَذْفِ. (فَالْحُرُّ) الْقَاذِفُ حَدُّهُ (ثَمَانُونَ) جَلْدَةً الْآيَةَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] إذْ الْمُرَادُ فِيهَا الْأَحْرَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ (وَالرَّقِيقُ) الْقَاذِفُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضُ حَدُّ كُلٍّ مِنْهُمْ (أَرْبَعُونَ) جَلْدَةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ كَوْنِ حَدِّهِ أَرْبَعِينَ إذَا قَذَفَ فِي حَالِ رِقِّهِ، فَلَوْ قَذَفَ وَهُوَ حُرٌّ مُلْتَزِمٌ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ فَحَدُّهُ ثَمَانُونَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْقَذْفِ. (وَ) شَرْطُ (الْمَقْذُوفِ) أَيْ: الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ (الْإِحْصَانُ) أَيْ كَوْنُهُ مُحْصَنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فَقَيَّدَ إيجَابَ الثَّمَانِينَ بِذَلِكَ (وَسَبَقَ فِي) كِتَابِ (اللِّعَانِ) بَيَانُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ، وَبَيَانُ شَرْطِ الْمَقْذُوفِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا. (وَلَوْ) (شَهِدَ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ (دُونَ أَرْبَعَةٍ) مِنْ الرِّجَالِ (بِزِنًا) (حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، وَلِئَلَّا يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا شَاهِدِينَ لَا هَاتِكِينَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا شَهِدُوا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي. أَمَّا لَوْ شَهِدُوا فِي غَيْرِهِ فَقَاذِفُونَ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَ الزَّوْجُ بِزِنَا زَوْجَتِهِ كَانَ قَاذِفًا لَهَا فَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِزِنَاهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِلتُّهْمَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ (وَكَذَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَكَفَرَةٍ) أَهْلِ ذِمَّةٍ فَإِنَّهُمْ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يُحَدُّونَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَقْصِدُوا إلَّا الْقَذْفَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي حَدِّهِمْ الْقَوْلَانِ تَنْزِيلًا لِنَقْصِ الصِّفَةِ مَنْزِلَةَ نَقْصِ الْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ إذَا كَانُوا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ ثُمَّ بَانُوا كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ حَالَهُمْ لَا يُصْغِي إلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ قَذْفًا مَحْضًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْرِضِهِ شَهَادَةٌ. فُرُوعٌ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقٍ وَلَوْ مَقْطُوعًا بِهِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَمْ يُحَدُّوا وَفَارِقُ مَا مَرَّ فِي نَقْصِ الْعَدَدِ بِأَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِسْقُهُمْ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا فَحُدُّوا وَعَادُوا مَعَ رَابِعٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 462 وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ فَلَا، وَلَوْ تَقَاذَفَا فَلَيْسَ تَقَاصًّا. وَلَوْ اسْتَقَلَّ الْمَقْذُوفُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ.   [مغني المحتاج] كَالْفَاسِقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَبِيدٌ وَحُدُّوا فَعَادُوا بَعْدَ الْعِتْقِ قُبِلَتْ لِعَدَمِ اتِّهَامِهِمْ، وَلَوْ شَهِدَ بِهِ خَمْسَةٌ. فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِ لَمْ يُحَدَّ لِبَقَاءِ النِّصَابِ، أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ حُدَّا لِأَنَّهُمَا أَلْحَقَا بِهِ الْعَارَ دُونَ الْبَاقِينَ لِتَمَامِ النِّصَابِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ حُدَّ وَحْدَهُ دُونَ الْبَاقِينَ لِمَا ذُكِرَ (وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ) بِزِنًا (فَلَا) حَدَّ عَلَيْهِ جَزْمًا، لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: قَدْ أَقْرَرْت بِأَنَّكَ زَنَيْتَ وَهُوَ فِي مَعْرِضِ الْقَذْفِ وَالتَّعْيِيرِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا. تَنْبِيهٌ: شَاهِدُ الْجُرْحِ بِالزِّنَا لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَ عَدَمَ مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ كَنَقْصِ الْعَدَدِ (وَلَوْ تَقَاذَفَا) أَيْ قَذَفَ كُلٌّ مِنْ شَخْصَيْنِ صَاحِبَهُ (فَلَيْسَ) ذَلِكَ (تَقَاصًّا) فَلَا يَسْقُطُ حَدُّ هَذَا لِحَدِّ هَذَا، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَحُدَّ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْحَدَّانِ لَا يَتَّفِقَانِ فِي الصِّفَةِ، إذْ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي لِاخْتِلَافِ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ فِي الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ وَالْخِلْقَةِ غَالِبًا. (وَلَوْ اسْتَقَلَّ الْمَقْذُوفُ بِالِاسْتِيفَاءِ) لِلْحَدِّ مِنْ قَاذِفِهِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ (لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ) عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ مِنْ مَنْصِبِ الْإِمَامِ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُحَدَّ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى لَوْ قَذَفَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ فَلَهُ أَنْ يَحُدَّهُ كَمَا صَرَّحَا بِهِ آخِرَ بَابِ الزِّنَا وَالثَّانِيَةُ إذَا بَعُدَ عَنْ السُّلْطَانِ فِي بَادِيَةٍ وَقَدَرَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. خَاتِمَةٌ: إذَا سَبَّ إنْسَانٌ إنْسَانًا جَازَ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَسُبَّ السَّابَّ بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسُبَّ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ. وَرُوِيَ أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا سَبَّتْ عَائِشَةَ «قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبِّيهَا» كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «دُونَكِ فَانْتَصِرِي فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا حَتَّى يَبِسَ رِيقُهَا فِي فِيهَا فَتَهَلَّلَ وَجْهُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّبُّ بِمَا لَيْسَ كَذِبًا وَلَا قَذْفًا كَقَوْلِهِ: يَا ظَالِمُ يَا أَحْمَقُ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا انْتَصَرَ بِسَبِّهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى ظِلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ الِابْتِدَاءِ أَوْ الْإِثْمُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148] قَالَ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ ظُلْمِ ظَالِمِهِ وَيَدْعُوَ عَلَيْهِ اهـ. وَيُخَفَّفَ عَنْ الظَّالِمِ بِدُعَاءِ الْمَظْلُومِ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 463 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ لِيَظْلِمَ مَظْلَمَةً، فَلَا يَزَالُ الْمَظْلُومُ يَشْتِمُ الظَّالِمَ وَيُنْقِصُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ اسْتَنْصَرَ» وَفِي كِتَابِ اللَّطَائِفِ لِلْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ صَوَّامَةً قَوَّامَةً سَرَقَتْ لَهَا امْرَأَةٌ دَجَاجَةً فَنَبَتَ رِيشُ الدَّجَاجَةِ فِي وَجْهِ السَّارِقَةِ وَعَجَزُوا عَنْ إزَالَتِهِ عَنْ وَجْهِهَا فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالُوا لَا يَزُولُ هَذَا الرِّيشُ إلَّا بِدُعَائِهَا عَلَيْهَا، قَالَ فَأَتَتْهَا عَجُوزٌ وَذَكَّرَتْهَا بِدَجَاجَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهَا إلَى أَنْ دَعَتْ عَلَى سَارِقِهَا دَعْوَةً فَسَقَطَ مِنْ وَجْهِهَا رِيشَةٌ فَلَمْ تَزَلْ تُكَرِّرُ ذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ جَمِيعُ الرِّيشِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْلِيلِ مِنْ الظُّلَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَيْ: هَلْ الْأَفْضَلُ التَّحْلِيلُ أَوْ لَا؟ فَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يُحَلِّلُ أَحَدًا مِنْ عِرْضٍ وَلَا مَالٍ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَابْنُ سِيرِينَ يُحَلِّلَانِ مِنْهُمَا، وَرَأَى مَالِكٌ التَّحْلِيلَ مِنْ الْعِرْضِ دُونَ الْمَالِ، وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَقُولُ زَنَيْتُ بِرَجُلٍ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَلَا يُطَالِبُهُ بِتَعْيِينِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ زَنَى فُلَانٌ لَزِمَهُ أَنْ يَعْلَمَ الْمَقْذُوفَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَعَلَى الْإِمَامِ إعْلَامُهُ كَمَا لَوْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 464 كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَةِ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي الْمَسْرُوقِ أُمُورٌ: كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ خَالِصًا أَوْ قِيمَتَهُ،   [مغني المحتاج] [كِتَابُ قَطْعِ السَّرِقَة] ِ لَوْ قَالَ كِتَابُ السَّرِقَةِ كَمَا فَعَلَ فِي الزِّنَا لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَعَمَّ لِتَنَاوُلِهِ أَحْكَامَ نَفْسِ السَّرِقَةِ، وَهِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا السَّرِقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ لُغَةً: أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً (وَشَرْعًا: أَخْذُهُ خُفْيَةً ظُلْمًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ) تَأْتِي. وَالْأَصْلُ فِي الْقَطْعِ بِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْأَخْبَارُ الشَّهِيرَةُ، وَلَمَّا نَظَمَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ الْبَيْتَ الَّذِي شَكَّكَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ: يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ... مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبُعِ دِينَارٍ أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ: وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصُهَا ... ذُلُّ الْخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي وَهُوَ جَوَابٌ بَدِيعٌ مَعَ اخْتِصَارٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْيَدَ لَوْ كَانَتْ تُودِي بِمَا قُطِعَ فِيهِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَطْرَافِ لِسُهُولَةِ الْغُرْمِ فِي مُقَابَلَتِهَا فَغُلِّظَ الْغُرْمُ حِفْظًا لَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا: لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً، فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ. وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ ثَلَاثَةٌ: مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ، وَبَدَأَ بِشُرُوطِ الْأَوَّلِ. فَقَالَ: (يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ: الْقَطْعِ (فِي الْمَسْرُوقِ أُمُورٌ) الْأَوَّلُ (كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ) فَأَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ الرُّبُعُ لِجَمَاعَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا تُقْطَعُ يَدُ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» ثُمَّ وَصَفَ رُبُعَ الدِّينَارِ بِكَوْنِهِ (خَالِصًا) لِأَنَّ الرُّبُعَ الْمَغْشُوشَ لَيْسَ بِرُبُعِ دِينَارٍ حَقِيقَةً، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْشُوشِ رُبُعٌ خَالِصٌ وَجَبَ الْقَطْعُ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ قِيمَتَهُ) عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْوِيمِ هُوَ الذَّهَبُ الْخَالِصُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا قُوِّمَتْ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ وَقْتَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ، وَقَالَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْقَلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ النِّصَابُ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَفِي الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» . وَأُجِيبَ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْحَدِيثِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 465 وَلَوْ سَرَقَ رُبُعًا سَبِيكَةً لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْمَارِّ، وَعَمَّا فِي الصَّحِيحِ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا مَا قَالَهُ الْأَعْمَشُ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا بَيْضَةُ الْحَدِيدِ، وَالْحَبْلُ يُسَاوِي دَرَاهِمَ كَحَبْلِ السَّفِينَةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ. الثَّانِي حَمْلُهُ عَلَى جِنْسِ الْبِيضِ وَالْحِبَالِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا وَتَدْرِيجًا مِنْ هَذَا إلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ. تَنْبِيهٌ يُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ الْقَطْعُ مَعَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهَا الظَّنَّ (وَ) عَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ يُعْتَبَرُ بِالْمَضْرُوبِ (لَوْ سَرَقَ رُبُعًا) مِنْ دِينَارٍ (سَبِيكَةً) هُوَ صِفَةُ رُبُعًا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمَسْبُوكًا، وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِرُبُعٍ لِاخْتِلَافِهِمَا بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ أَوْ حُلِيًّا أَوْ نَحْوَهُ كَقِرَاضَةٍ (لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطْعَ) بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرُ مَضْرُوبٍ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخَبَرِ لَفْظُ الدِّينَارِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ، وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى الْوَزْنِ فَيُقْطَعُ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْوِيمِهِ لِبُلُوغِ عَيْنِ الذَّهَبِ قَدْرَ النِّصَابِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ بِتَرْجِيحٍ، وَيَتَفَرَّعْ عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ خَاتَمًا وَزْنُهُ دُونَ رُبُعٍ وَقِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ تَبْلُغُ رُبُعًا، وَقَضِيَّةُ تَرْجِيحِ الْكِتَابِ وُجُوبُ الْقَطْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَكِنْ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، مَعَ تَصْحِيحِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَدَمَ الْقَطْعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ الْقَطْعِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَقِيمُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي الذَّهَبِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْرُوبًا أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السَّبِيكَةِ، فَأَمَّا إذَا نَقَصَ الْوَزْنُ وَلَكِنَّ قِيمَتَهُ تُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ مَضْرُوبٍ، فَهَذَا يَضْعُفُ فِيهِ الِاكْتِفَاءَ بِالْقِيمَةِ فَاسْتَقَامَ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهِ إلْبَاسٌ وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ اهـ وَبِذَلِكَ عُلِمَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ لَمْ تُعْرَفْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ بِالدَّنَانِيرِ قُوِّمَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ السَّرِقَةِ دَنَانِيرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَبِيكَةَ الذَّهَبِ تُقَوَّمُ بِالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَقْوِيمُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ فِي قَوْلِهِ: يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ، وَيُرَاعَى فِي الْقِيمَةِ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ لِاخْتِلَافِهَا بِهِمَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ خَالِصَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَتَفَاوَتَا قِيمَةً اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ بِالْأَغْلَبِ مِنْهُمَا فِي زَمَانِ السَّرِقَةِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا اسْتِعْمَالًا فَبِأَيِّهِمَا يُقَوَّمُ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا بِالْأَدْنَى اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الظَّاهِرِ، وَالثَّانِي بِالْأَعْلَى فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ لِلشُّبْهَةِ: نَقَلَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ وَأَطْلَقَ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَدْنَى، وَلَا يُشْتَرَطُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 466 وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي رُبُعًا قُطِعَ، وَكَذَا ثَوْبٌ رَثٌّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعٍ جَهِلَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَخَلَّلَ عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى، وَإِلَّا قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] عِلْمُ السَّارِقِ بُلُوغَ مَا سَرَقَهُ نِصَابًا. (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي) أَيْ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا (رُبُعًا) مِنْ دِينَارٍ (قُطِعَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ سَرِقَةَ عَيْنِهَا وَهِيَ تُسَاوِي رُبُعًا، وَلِوُجُودِ الِاسْمِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ سَرَقَ مِنْ دَارٍ وَهُوَ يَظُنُّهَا لَهُ وَالْمَالُ مِلْكُهُ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَرَجَّحَهُ، فَهَلَّا أُلْحِقَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ بِمَا فِي الْمَتْنِ كَمَا قَالَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ؟ . أُجِيبَ أَنَّ ظَنَّ الْمِلْكِ شُبْهَةٌ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا، بِخِلَافِ الْفُلُوسِ فَإِنَّهُ قَصَدَ السَّرِقَةَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ فُلُوسًا ظَنَّهَا دَنَانِيرَ، وَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ قِيمَةُ الْفُلُوسِ نِصَابًا فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ جَرْيًا مَعَ الِاسْمِ وُجُودًا وَعَدَمًا (وَكَذَا ثَوْبٌ رَثٌّ) بِمُثَلَّثَةٍ فِيهِمَا قِيمَتُهُ دُونَ رُبُعٍ (فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعٍ جَهِلَهُ) السَّارِقُ يُقْطَعُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ عَلَى قَصْدِ السَّرِقَةِ، وَالْجَهْلُ بِجِنْسِ الْمَسْرُوقِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ نَظَرًا إلَى الْجَهْلِ. (وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ) فِي (مَرَّتَيْنِ) مَثَلًا كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَ نِصَابٍ بِأَنْ أَخْرَجَ مَرَّةً بَعْضَهُ وَمَرَّةً بَاقِيَهُ (فَإِنْ تَخَلَّلَ) بَيْنَهُمَا (عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ) بِأَنْ أَعَادَهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ بِإِغْلَاقِ بَابِهِ أَوْ سَدِّ نَقْبِهِ أَوْ نَحْوِهِ (فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى) فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُخْرَى وَلَمْ تَبْلُغْ نِصَابًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ عِلْمُ الْمَالِكِ وَلَمْ يَعْدُ الْحِرْزَ بِأَنْ انْتَفَيَا (قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ اُشْتُهِرَ هَتْكُ الْحِرْزُ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ؛ إبْقَاءً لِلْحِرْزِ بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِذِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَخْرَجَهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ فِعْلَ الشَّخْصِ يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِهِ، وَلِهَذَا لَوْ جَرَحَ شَخْصًا ثُمَّ قَتَلَهُ دَخَلَ الْأَرْشُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَوْ جُرِحَ وَاحِدٌ وَقُتِلَ آخَرُ لَمْ يَدْخُلْ. وَالثَّانِي لَا قَطْعَ لِأَنَّهُ أَخَذَ النِّصَابَ مِنْ حِرْزٍ مَهْتُوكٍ. وَالثَّالِثُ إنْ اُشْتُهِرَ هَتْكُ الْحِرْزِ بَيْنَ الْمَرَّتَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِلَّا قُطِعَ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ وَأَعَادَ الْحِرْزَ غَيْرُهُ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُعِدْهُ قُطِعَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَتْنِ، إذْ الْمَسْأَلَتَانِ دَاخِلَتَانِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَدْخَلْتهمَا. قُلْت: إنَّمَا أَخَّرْتهمَا تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِاخْتِصَاصِ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ بِالصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِمَا عَدَمَ الْقَطْعِ وَرَأَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْقَطْعَ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي الثَّالِثَةِ عَدَمَ الْقَطْعِ أَيْضًا. تَنْبِيهٌ نَاقَشَ الرَّافِعِيُّ الْوَجِيزَ فِي إيرَادِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا. وَقَالَ: لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالنِّصَابِ فَإِنَّ النَّظَرَ فِيهَا إلَى كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَاجِ فَإِيرَادُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَلْيَقُ، ثُمَّ خَالَفَ فِي الْمُحَرَّرِ فَذَكَرَهَا وَالْأَلْيَقُ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ نَقَّبَ وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ قُطِعَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّرِقَةِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 467 وَلَوْ نَقَّبَ وِعَاءَ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا فَانْصَبَّ نِصَابٌ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي إخْرَاجِ نِصَابَيْنِ قُطِعَا، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا وَخِنْزِيرًا وَكَلْبًا وَجِلْدَ مَيِّتَةٍ بِلَا دَبْغٍ فَلَا قَطْعَ، فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ.   [مغني المحتاج] أَخْذُ السَّارِقِ النِّصَابَ بِيَدِهِ مِنْ الْحِرْزِ. (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ نَقَّبَ وِعَاءَ) أَيْ طَرَفَ (حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا) كَوِعَاءِ زَيْتٍ (فَانْصَبَّ نِصَابٌ) أَيْ: شَيْءٌ مُقَوَّمٌ بِرُبُعِ دِينَارٍ (قُطِعَ) بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا قَطْعَ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِسَبَبِهِ، وَالسَّبَبُ ضَعِيفٌ لَا يُقْطَعُ بِهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا انْصَبَّ النِّصَابُ عَلَى التَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ، فَإِنْ انْصَبَّ دَفْعَةً قُطِعَ قَطْعًا وَمِنْ صُوَرِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ طَرُّ الْجَيْبِ وَالْكُمِّ، وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ، وَيُقَالُ لَنَا شَخْصٌ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ حِرْزًا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ مَالًا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الِاتِّحَادُ. (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ اشْتَرَكَا) أَيْ سَارِقَانِ مُكَلَّفَانِ (فِي إخْرَاجِ نِصَابَيْنِ) فَأَكْثَرَ مِنْ حِرْزٍ (قُطِعَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَرَقَ نِصَابًا، وَقَيَّدَهُ الْقَمُولِيُّ بِمَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُطِيقُ حَمْلَ مَا يُسَاوِي نِصَابًا. أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يُطِيقُ ذَلِكَ وَالْآخَرُ يُطِيقُ حَمْلَ مَا فَوْقَهُ فَلَا يُقْطَعُ الْأَوَّلُ، وَالظَّاهِرُ الْقَطْعُ كَمَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي إخْرَاجِ نِصَابَيْنِ فَلَا نَظَرَ إلَى ضَعْفِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمُخْرَجُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابَيْنِ (فَلَا) قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا، وَخَرَجَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِخْرَاجِ مَا لَوْ تَمَيَّزَا فِيهِ فَيُقْطَعُ مَنْ مَسْرُوقُهُ نِصَابٌ دُونَ مَنْ مَسْرُوقُهُ أَقَلُّ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا كَانَا مُسْتَقِلِّينَ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: فَالظَّاهِرُ قَطْعُ الْمُكَلَّفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْرَجُ نِصَابًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْآلَةِ لَهُ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُكَلَّفُ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ سَرَقَ) أَيْ: أَخْرَجَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ (خَمْرًا) وَلَوْ مُحْتَرَمَةً (وَخِنْزِيرًا وَكَلْبًا) وَلَوْ مُقْتَنَى (وَجِلْدَ مَيِّتَةٍ بِلَا دَبْغٍ فَلَا قَطْعَ) لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِلَا دَبْغٍ الْمَدْبُوغُ فَيُقْطَعُ بِهِ حَتَّى لَوْ دَبَغَهُ السَّارِقُ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَ سَرِقَةٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ إذَا قُلْنَا: بِأَنَّهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ وَمِثْلُهُ مَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا بَعْدَ وَضْعِ السَّارِقِ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ (فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ) بِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ كَمَا إذَا سَرَقَ إنَاءً فِيهِ بَوْلٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ مَا فِيهِ مُسْتَحِقُّ الْإِرَاقَةِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَفْعِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْخَمْرَ لَوْ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً أَنَّهُ يُقْطَعُ قَطْعًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةِ الْإِرَاقَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَرَاقَ الْخَمْرَ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ بِالْإِنَاءِ أَنَّهُ يُقْطَعُ قَطْعًا، وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ وَلَمْ يُظْهِرْ شُرْبَهَا وَلَا بَيْعَهَا أَنَّهُ يُقْطَعُ قَطْعًا، فَإِنْ أَظْهَر ذَلِكَ جَاءَ الْخِلَافُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 468 وَلَا قَطْعَ فِي طُنْبُورٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: إنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ. قُلْت: الثَّانِي أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي كَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ. فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِيهِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا إذَا قَصَدَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ السَّرِقَةَ. أَمَّا لَوْ قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ أَوْ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا قَطْعَ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُ فِي الْأُولَى، وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهَا فِي الْأُولَى أَوْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ فِيهِمَا وَكَلَامِ أَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ. (وَلَا قَطْعَ) فِي أَخْذِ مَا سَلَّطَ الشَّرْعُ عَلَى كَسْرِهِ كَمَا (فِي طُنْبُورٍ) بِضَمِّ الطَّاءِ، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا طِنْبَارٌ: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَنَحْوِهِ) كَمِزْمَارٍ وَصَنَمٍ وَصَلِيبٍ، لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى إزَالَةِ الْمَعْصِيَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَصَارَ شُبْهَةً كَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ (وَقِيلَ: إنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ) لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ (قُلْت) هَذَا (الثَّانِي أَصَحُّ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَيَشْهَدُ لَهُ جَزْمُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا سَرَقَ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْجِلْدُ وَالْقِرْطَاسُ يَبْلُغُ نِصَابًا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّغْيِيرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِإِخْرَاجِهِ تَيْسِيرَ تَغْيِيرٍ فَلَا قَطْعَ قَطْعًا، وَمَا إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ لِذِمِّيٍّ قُطِعَ قَطْعًا، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ إنَاءِ النَّقْدِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ، وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ أَوْ الطُّنْبُورِ وَنَحْوَهُ أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ فِي الْحِرْزِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ. (الثَّانِي) مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ (كَونه مِلْكًا لِغَيْرِهِ) أَيْ: السَّارِقِ فَلَا يُقْطَعُ لِسَرِقَةِ مَالِهِ الَّذِي بِيَدِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مُؤَجَّرًا، وَلَوْ سَرَقَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ وَلَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ سَرَقَ مَا اُتُّهِبَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِمَا، وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةِ وَارِدَةٌ عَلَى قَوْلِهِ مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَعَدَمِ الْقَطْعِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَلَوْ سَرَقَ مَعَ مَا اشْتَرَاهُ مَالًا آخَرَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقَبُولِ قُطِعَ فِي الصُّورَتَيْنِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَقْتَرِنْ، بِالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ مَعَ تُمَكِّنهُ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ، وَأَيْضًا الْقَبُولُ وُجِدَ ثَمَّ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا، وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يُقْطَعْ كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ الْغَنِيُّ. تَنْبِيهٌ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَ الْمَسْرُوقِ مِلْكَ غَيْرِهِ حَالَةَ أَخْرَجَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (فَلَوْ مَلَكَهُ) أَيْ الْمَسْرُوقَ أَوْ بَعْضَهُ (بِإِرْثٍ وَغَيْرِهِ) كَشِرَاءٍ (قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ) لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَكِنْ (نَقَصَ فِيهِ) أَيْ: الْحِرْزِ (عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ) لِبَعْضِهِ (وَغَيْرِهِ) كَإِحْرَاقٍ (لَمْ يُقْطَعْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 469 وَكَذَا إنْ ادَّعَى مِلْكَهُ عَلَى النَّصِّ. وَلَوْ سَرَقَا وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَهُ أَوْ لَهُمَا فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعْ الْمُدَّعِي، وَقُطِعَ الْآخَرُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا فَلَا قَطْعَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ.   [مغني المحتاج] أَخْرَجَ إلَّا مِلْكَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ نِصَابًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَمَّا لَوْ طَرَأَ ذَلِكَ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْقَطْعَ لَا يَسْقُطُ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَةِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ، نَعَمْ لَوْ طَرَأَ الْمِلْكُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ لَمْ يُقْطَعْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقَطْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى بِالْمَسْرُوقِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَكَانَ الْمُقْتَضِي لِذِكْرِهَا هُنَا مُشَارَكَتَهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي النَّظَرِ بِحَالَةِ الْإِخْرَاجِ. (وَكَذَا) لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ (إنْ ادَّعَى مِلْكَهُ) أَيْ الْمَسْرُوقَ أَوْ مِلْكَ بَعْضِهِ (عَلَى النَّصِّ) وَلَمْ يُسْنَدْ الْمِلْكُ إلَى مَا بَعْدَ السَّرِقَةِ وَبَعْدَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ وَثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِالْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ، وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمَّاهُ السَّارِقَ الظَّرِيفَ أَيْ: الْفَقِيهَ، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ يُقْطَعُ لِئَلَّا يَتَّخِذَ النَّاسُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِدَفْعِ الْحَدِّ، وَحُمِلَ النَّصُّ عَلَى مَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي دَعْوَى مِلْكِ الْحِرْزِ أَوْ مَالِكِ السَّرِقَةِ إذَا كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ، أَوْ أَنَّهُ أَخَذَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ وَهُوَ دُونَ نِصَابٍ، أَوْ أَنَّهُ مِلْكُ أَبِيهِ أَوْ مِلْكُ سَيِّدِهِ، أَوْ كَانَ الْحِرْزُ مَفْتُوحًا، أَوْ كَانَ صَاحِبُهُ مُعْرِضًا عَنْ الْمُلَاحَظَةِ، أَوْ كَانَ نَائِمًا، وَخَرَجَ بِدَعْوَى الْمِلْكِ مَا لَوْ ادَّعَى عَدَمَ السَّرِقَةِ، وَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ، وَإِنَّمَا قُبِلَتْ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَكْذِيبُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ نَفْيِ السَّرِقَةِ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ. أَمَّا الْمَالُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ. وَلَوْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِلْكٌ لِلسَّارِقِ، لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالِ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ لَهُ وَلَمْ يَدَّعِهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِقْرَارِ. (وَ) عَلَى النَّصِّ (لَوْ سَرَقَا) أَيْ اثْنَانِ مَالًا نِصَابَيْنِ فَأَكْثَرَ (وَادَّعَاهُ) أَيْ الْمَسْرُوقَ (أَحَدُهُمَا لَهُ أَوْ لَهُمَا فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعْ الْمُدَّعِي) لِمَا مَرَّ (وَقُطِعَ الْآخَرُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ الْمُكَذِّبُ لِدَعْوَى رَفِيقِهِ الْمِلْكَ لَهُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ صَدَّقَهُ لَمْ يُقْطَعْ كَالْمُدَّعِي، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ. (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ) مَالًا (مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُمَا (فَلَا قَطْعَ) بِهِ (فِي الْأَظْهَرِ وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ) لِأَنَّ لَهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَقًّا شَائِعًا وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَالثَّانِي يُقْطَعُ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 470 الثَّالِثُ عَدَمُ شُبْهَةٍ فِيهِ، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَسَيِّدٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا خَلَصَ لَهُ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ نِصَابُ السَّرِقَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ قَطْعًا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ مُشْتَرَكًا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَ حِرْزُهُمَا وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْقَفَّالِ الْقَطْعَ. (الثَّالِثُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ (عَدَمُ شُبْهَةٍ فِيهِ) لِحَدِيثِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ كَمَنْ سَرَقَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، أَوْ شُبْهَةُ الْفَاعِلِ كَمَنْس أَخَذَ مَالًا عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ مِلْكُ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعِهِ أَوْ شُبْهَةُ الْمَحَلِّ كَسَرِقَةِ الِابْنِ مَالَ أُصُولِهِ، أَوْ أَحَدِ الْأُصُولِ مَالَ فَرْعِهِ كَمَا قَالَ (فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلٍ) لِلسَّارِقِ وَإِنْ عَلَا (وَفَرْعٍ) لَهُ وَإِنْ سَفَلَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّحَادِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دِيَتُهُمَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَرْصَدٌ لِحَاجَةِ الْآخَرِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تُقْطَعَ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُمَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ تَفَقُّهًا مُؤَيِّدًا لَهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ وَطِئَ لَوْ الرَّقِيقُ أَمَةَ فَرْعِهِ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ (وَ) لَا قَطْعَ أَيْضًا بِسَرِقَةِ رَقِيقٍ مَالِ (سَيِّدٍ) لَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلِشُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ، وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ، وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيَصِيرُ كَمَا كَانَ. قَاعِدَةٌ مَنْ لَا يُقْطَعُ بِمَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ رَقِيقُهُ، فَكَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَصْلُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْفَرْعِ وَبِالْعَكْسِ لَا يُقْطَعُ رَقِيقُ أَحَدِهِمَا بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ، وَلَا يُقْطَعُ السَّيِّدُ بِسَرِقَةِ مَالِ مُكَاتَبِهِ، وَلَا بِمَالِ مَا مَلَكَهُ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ كَمَا جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَصَارَ شُبْهَةً. وَقِيلَ يُقْطَعُ بِهِ كَمَالِ الشَّرِيكِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَيُحَدُّ زَانٍ بِأَمَةِ سَيِّدِهِ، إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي بُضْعِهَا. فُرُوعٌ لَوْ سَرَقَ طَعَامًا زَمَنَ الْقَحْطِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَى دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ لِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَسَرَقَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَنَحْوِهِمَا كَصَيْدٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا مُبَاحَةَ الْأَصْلِ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُعَرَّضٍ لِلتَّلَفِ كَهَرِيسَةٍ وَفَوَاكِهَ، وَبُقُولٍ كَذَلِكَ، وَبِمَاءٍ وَتُرَابٍ وَمُصْحَفٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَكُتُبِ شِعْرٍ نَافِعٍ مُبَاحٍ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَافِعًا مُبَاحًا قُوِّمَ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ، فَإِنْ بَلَغَا نِصَابًا قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ ثُمَّ سَرَقَهَا ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قُطِعَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ فِي عَيْنٍ فَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى بِهَا ثَانِيًا. وَلَوْ سَرَقَ مَالَ غَرِيمِهِ الْجَاحِدِ لِدَيْنِهِ الْحَالِّ أَوْ الْمُمَاطِلِ وَأَخَذَهُ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي أَخْذِهِ وَإِلَّا قُطِعَ، وَغَيْرُ جِنْسِ حَقِّهِ كَجِنْسِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَائِدٍ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ أَخَذَهُ مَعَهُ وَإِنْ بَلَغَ الزَّائِدُ نِصَابًا وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الدُّخُولِ وَالْأَخْذِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 471 وَالْأَظْهَرُ قَطْعُ أَحَدِ زَوْجَيْنِ بِالْآخَرِ. وَمَنْ سَرَقَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ فُرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ قُطِعَ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ مَصَالِحَ وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَا، وَإِلَّا قُطِعَ.   [مغني المحتاج] لَمْ يَبْقَ الْمَالُ مُحَرَّزًا عَنْهُ. (وَالْأَظْهَرُ قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ) أَيْ بِسَرِقَةِ مَالِهِ الْمُحَرَّزِ عَنْهُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عُقِدَ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي دَرْءِ الْحَدِّ كَالْإِجَارَةِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ عَنْ الْأَجِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا سَرَقَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَيُفَارِقُ الْعَبْدُ الزَّوْجَةَ بِأَنَّ مُؤْنَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ عِوَضٌ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ مُؤْنَةِ الْعَبْدِ. وَالثَّانِي لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهَا. وَالثَّالِثُ يُقْطَعُ الزَّوْجُ دُونَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حُقُوقًا فِي مَالِهِ بِخِلَافِهِ وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّوْجَةُ إذَا لَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا حِين السَّرِقَةِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ إذَا أَخَذْتَ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا فِي حَقِّ رَبِّ الدَّيْنِ الْحَالِّ إذَا سَرَقَ نِصَابًا مِنْ الْمَدْيُونِ اهـ. وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنْ يَكُونَ جَاحِدًا أَوْ مُمَاطِلًا، وَقَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا إذْ الْكَلَامُ فِي السَّرِقَةِ وَالْأَخْذِ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالُ فِي مَسْكَنِهِمَا بِلَا إحْرَازٍ فَلَا قَطْعَ قَطْعًا. (وَمَنْ سَرَقَ) وَهُوَ مُسْلِمٌ (مَالَ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ فُرِزَ) بِفَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ مَكْسُورَةٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ (لِطَائِفَةٍ) كَذَوِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَكَانَ مِنْهُمْ أَوْ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ فَلَا قَطْعَ، أَوْ فُرِزَ لِطَائِفَةٍ (لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ قُطِعَ) إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُفْرَزْ لِطَائِفَةٍ (فَلَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ مَصَالِحَ) بِالنِّسْبَةِ لِمُسْلِمٍ فَقِيرٍ جَزْمًا، أَوْ غَنِيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ) أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ، أَوْ غَازٍ (فَلَا) يُقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُصْرَفُ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِرِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ، فَخِلَافُ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ، وَلَا نَظَرَ إلَى إنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ، كَمَا يُنْفِقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَانْتِفَاعِهِ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فِيهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِاسْتِحْقَاقِهِ، بِخِلَافِ الْغَنِيِّ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَّا إذَا كَانَ غَازِيًا، أَوْ غَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ (قُطِعَ) لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ. وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا سَرَقَ مَالَ الصَّدَقَةِ أَوْ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ مَرْصَدٌ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 472 وَالْمَذْهَبُ قَطْعُهُ بِبَابِ مَسْجِدٍ وَجِذْعِهِ لَا حُصْرِهِ، وَقَنَادِيلَ تُسْرَجُ. وَالْأَصَحُّ قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ.   [مغني المحتاج] لِلْحَاجَةِ وَالْفَقِيرُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَالْغَنِيُّ يُعْطِي مِنْهُ مَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ حِمَالَةٌ يَتَحَمَّلُهَا. وَالثَّالِثُ يُقْطَعُ مُطْلَقًا كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ. تَنْبِيهٌ مَنْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُقْطَعُ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ أَوْ رَقِيقُهُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ. وَخَرَجَ بِبَيْتِ الْمَالِ مَا لَوْ سَرَقَ مُسْتَحِقُّ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ وَكَانَ مُتَعَيِّنًا لِلصَّرْفِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّهَا تَتَعَلَّقُ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ فَلَا قَطْعَ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْكَافِي (وَالْمَذْهَبُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ (قَطْعُهُ) أَيْ: الْمُسْلِمِ (بِ) سَرِقَةِ (بَابِ مَسْجِدٍ وَجِذْعِهِ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَتَأْزِيرِهِ وَسَوَارِيهِ وَسُقُوفِهِ وَقَنَادِيلَ زِينَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِلتَّحْصِينِ، وَالْجِذْعَ وَنَحْوَهُ لِلْعِمَارَةِ، وَلِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَنَادِيلِ، وَيَلْحَقُ بِهَذَا سِتْرُ الْكَعْبَةِ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ خِيطَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرِزٌ (لَا) بِسَرِقَةِ (حُصْرِهِ) الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ وَلَا سَائِرِ مَا يُفْرَشُ فِيهِ (وَ) لَا (قَنَادِيلَ تُسْرَجُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ فِيهِ حَقٌّ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَخَرَجَ بِالْمُعَدَّةِ حُصْرُ الزِّينَةِ فَيُقْطَعُ بِهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ كَذَلِكَ إنْ خِيطَ عَلَيْهِ. وَأَنْ يَكُونَ بَلَاطَ الْمَسْجِدِ حُصْرَهُ الْمُعَدَّةَ لِلِاسْتِعْمَالِ. أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُقْطَعُ بِذَلِكَ قَطْعًا لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ الْعَامِّ. أَمَّا الْخَاصُّ بِطَائِفَةٍ فَيَخْتَصُّ الْقَطْعُ بِغَيْرِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إذَا خَصَّ الْمَسْجِدَ بِطَائِفَةٍ اخْتَصَّ بِهَا وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَلَوْ سَرَقَ شَخْصٌ الْمُصْحَفَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا كَانَ قَارِئًا؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا، وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ قَارِئٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَلَّمَ مِنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِاسْتِمَاعِ الْحَاضِرِينَ. وَلَوْ سَرَقَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ، أَوْ الْمُؤَذِّنُ الدَّكَّةَ يَنْبَغِي عَدَمُ الْقَطْعِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، بَلْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْقَطْعِ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا، لِأَنَّ النَّفْعَ لَا يَخْتَصُّ بِهِمَا. وَلَوْ سَرَقَ بَكْرَةَ بِئْرٍ مُسَبَّلَةً لَمْ يَقْطَعْ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهَا لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَعِنْدِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهَا أَيْضًا، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْأُمُورِ الْعَامَّةِ (وَالْأَصَحُّ قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ) عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ مُحْرِزٍ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِلْوَاقِفِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَالْمُبَاحَاتِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ الْوَاقِفِ فَلِضَعْفِ الْمِلْكِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ شُبْهَةُ اسْتِحْقَاقٍ كَمَنْ سَرَقَ مَنْ وُقِفَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ مِنْهُمْ أَوْ سَرَقَ مِنْهُ أَبُو الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ ابْنُهُ، أَوْ وُقِفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَسَرَقَ فَقِيرٌ فَلَا قَطْعَ قَطْعًا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَوْقُوفِ عَمَّا لَوْ سَرَقَ مِنْ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ فَيُقْطَعُ قَطْعًا، وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 473 وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً، أَوْ مَجْنُونَةً. الرَّابِعُ كَوْنُهُ مُحَرَّزًا بِمُلَاحَظَةِ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ اُشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ،   [مغني المحتاج] تَبَعٌ لَلْمُسْلَمِينَ. (وَ) الْأَصَحُّ قَطْعُهُ بِسَرِقَةِ (أُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا) حَالَ كَوْنِهَا (نَائِمَةً، أَوْ مَجْنُونَةً) أَوْ عَمْيَاءَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، أَوْ مُكْرَهَةً كَمَا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، أَوْ أَعْجَمِيَّةً لَا تُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهَا وَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ كَالْقِنِّ. وَالثَّانِي لَا لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا إذَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَصِيرَةً مُسْتَيْقِظَةً فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَمِثْلُ أُمِّ الْوَلَدِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَدُهَا الصَّغِيرُ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَلَوْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ بَالِغًا أَعْجَمِيًّا لَا يُمَيِّزُ قُطِعَ قَطْعًا إذَا كَانَ مُحَرَّزًا، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ أُمَّ الْوَلَدِ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْوَجْهَيْنِ وَخَرَجَ بِأُمِّ الْوَلَدِ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ مَظِنَّةَ الْحُرِّيَّةِ شُبْهَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الْقَطْعِ. (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْمَسْرُوقِ (كَوْنُهُ مُحَرَّزًا) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا لَيْسَ مُحَرَّزًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ» وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ، فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا، بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ مِنْ تَضْيِيعِهِ، وَالْإِحْرَازُ يَكُونُ إمَّا (بِمُلَاحَظَةٍ) لِلْمَسْرُوقِ (أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: مِنْ التَّحْصِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْحِرْزِ الْعُرْفُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، فَرَجَعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْيَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ حِرْزًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِحَسَبِ صَلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَفَسَادِهَا وَقُوَّةِ السُّلْطَانِ وَضَعْفِهِ، وَضَبَطَهُ الْغَزَالِيُّ بِمَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَحْرَازُ تَخْتَلِفُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ بِاخْتِلَافِ نَفَاسَةِ الْمَالِ وَخِسَّتِهِ، وَبِاخْتِلَافِ سَعَةِ الْبَلَدِ وَكَثْرَةِ دُعَّارِهِ وَعَكْسِهِ، وَبِاخْتِلَافِ الْوَقْتِ أَمْنًا وَعَكْسِهِ، وَبِاخْتِلَافِ السُّلْطَانِ عَدْلًا وَغِلْظَةً عَلَى الْمُفْسِدِينَ وَعَكْسَهُ، وَبِاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِحْرَازُ اللَّيْلِ أَغْلَظُ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْحِرْزِ فِيمَا ذَكَرَ النَّائِمَ عَلَى ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ لَا مُلَاحَظَةَ مِنْهُ، وَلَيْسَ الثَّوْبُ بِمَوْضِعٍ حَصِينٍ مَعَ أَنَّ سَارِقَهُ يُقْطَعُ، وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ النَّوْمَ عَلَى الثَّوْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمُلَاحَظَةِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَارِقًا. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ " بِأَوْ " يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْحَصَانَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللَّحْظِ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي غَيْرِ الْحِصْنِ إلَى دَوَامِهِ، وَيَكْتَفِي فِي الْحِصْنِ بِالْمُعْتَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَا تَكْفِي حَصَانَةُ الْمَوْضِعِ عَنْ أَصْلِ الْمُلَاحَظَةِ، حَتَّى إنَّ الدَّارَ الْبَعِيدَةَ عَنْ الْبَلَدِ لَا تَكُونُ حِرْزًا وَإِنْ تَنَاهَتْ فِي الْحَصَانَةِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَسْرُوقُ (بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ) أَوْ شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا حَصَانَةَ لَهُ (اُشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ الْمُرَاعَاةُ، مَصْدَرُ لَاحَظَهُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ مُحْرِزٌ عُرْفًا. وَأَمَّا بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ: مُؤَخِّرُ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 474 وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ، وَإِصْطَبْلٌ حِرْزُ دَوَابَّ، لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، وَعَرْصَةُ دَارٍ، وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ وَثِيَابِ بِذْلَةٍ، لَا حُلِيٍّ، وَنَقْدٍ.   [مغني المحتاج] بِخِلَافِ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْأَنْفِ، فَيُسَمَّى الْمُوقَ، يُقَالُ: لَحَظَهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهِ بِمُؤَخَّرِ عَيْنِهِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْفَتَرَاتِ الْعَارِضَةَ فِي الْعَادَةِ تَقْدَحُ فِي هَذَا اللِّحَاظِ، فَلَوْ تُغْفِلُهُ وَأَخَذَ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ لَمْ يُقْطَعْ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَأَنَّ السَّارِقَ مِنْهُ يُقْطَعُ، فَيَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِاللِّحَاظِ الْمُعْتَادِ فِي مِثْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ) كَخَانٍ وَبَيْتٍ وَحَانُوتٍ (كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ) فِي مِثْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (إصْطَبْلٌ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ هَمْزَةُ قَطْعٍ أَصْلِيٍّ، وَكَذَا بَقِيَّةُ حُرُوفِهِ: بَيْتُ الْخَيْلِ وَنَحْوُهَا (حِرْزُ دَوَابَّ) وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةً كَثِيرَةً الثَّمَنِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَعَلَ حِرْزَ الْمَاشِيَةِ الْمُرَاحَ» فَكَذَا الْإِصْطَبْلُ. تَنْبِيهٌ قَيَّدَ فِي الْوَسِيطِ الْإِصْطَبْلَ بِكَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِالدُّورِ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اللِّحَاظِ الدَّائِمِ وَإِنْ لَمْ يُفْهِمْهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ) وَلَوْ خَسِيسَةً، فَلَيْسَ الْإِصْطَبْلُ حِرْزًا لَهَا؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ الدَّوَابِّ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَبْعُدُ الِاجْتِرَاءُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا يَخِفُّ وَيَسْهُلُ حَمْلُهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ آنِيَةُ الْإِصْطَبْلِ كَالسَّطْلِ وَثِيَابِ الْغُلَامِ، وَآلَاتِ الدَّوَابِّ مِنْ سُرُوجٍ وَبَرَاذِعَ وَلُجُمٍ وَرِحَالِ جِمَالٍ وَقِرْبَةِ السَّقَّاءِ وَالرَّاوِيَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِوَضْعِهِ فِي إصْطَبْلَاتِ الدَّوَابِّ. تَنْبِيهٌ الْمَتْبَنُ حِرْزٌ لِلتِّبْنِ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالدُّورِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِصْطَبْلِ (وَعَرْصَةُ) أَيْ: صَحْنُ (دَارٍ، وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ) خَسِيسَةٍ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَثِيَابِ بِذْلَةٍ) أَيْ: مِهْنَةٍ وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ وَالْأَوَانِي لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ. أَمَّا النَّفِيسَةُ فَحِرْزُهَا الْبُيُوتُ وَالْخَانَاتُ وَنَحْوُهَا كَالْأَسْوَاقِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِذَا سَرَقَ الْمَتَاعَ مِنْ الدَّكَاكِينِ وَهُنَاكَ حَارِسٌ بِاللَّيْلِ قُطِعَ (لَا) حِرْزَ (حُلِيٍّ، وَ) لَا (نَقْدٍ) وَثِيَابٍ وَأَوَانٍ نَفِيسَةٍ، فَلَيْسَتْ الْعَرْصَةُ وَالصُّفَّةُ حِرْزًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهَا الْإِحْرَازُ فِي الْبُيُوتِ الْمُغْلَقَةِ فِي الدُّورِ وَنَحْوِهَا كَالْمَخَازِنِ. فُرُوعٌ لَوْ ضَمَّ الْعَطَّارُ أَوْ الْبَقَّالُ وَنَحْوُهُ الْأَمْتِعَةَ وَرَبَطَهَا بِحَبْلٍ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ أَوْ أَرْخَى عَلَيْهَا شَبَكَةً أَوْ خَالَفَ لَوْحَيْنِ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ كَانَتْ مُحَرَّزَةً بِذَلِكَ فِي النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْجِيرَانَ وَالْمَارَّةَ يَنْظُرُونَهَا وَفِيمَا فَعَلَ مَا يُنَبِّهُهُمْ مَا قَصَدَهَا السَّارِقُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ مُحَرَّزَةً. وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَمُحَرَّزَةٌ بِذَلِكَ، لَكِنْ مَعَ حَارِسٍ، وَالْبَقْلُ وَنَحْوُهُ كَالْفُجْلِ إنْ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَتُرِكَ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ وَطُرِحَ عَلَيْهِ حَصِيرٌ أَوْ نَحْوُهَا فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِحَارِسٍ وَإِنْ رَقَدَ سَاعَةً وَدَارَ عَلَى مَا يَحْرُسُهُ أُخْرَى، وَالْأَمْتِعَةُ النَّفِيسَةُ الَّتِي تُتْرَكُ عَلَى الْحَوَانِيتِ فِي لَيَالِي الْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ وَتُسْتَرُ بِنِطْعٍ وَنَحْوِهِ مُحَرَّزَةٌ بِحَارِسٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 475 وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ تَوَسَّدَ مَتَاعًا فَمُحْرَزٌ، فَلَوْ انْقَلَبَ فَزَالَ عَنْهُ فَلَا،   [مغني المحتاج] فَيُقَوَّى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ اللَّيَالِي، وَالثِّيَابُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى بَابِ حَانُوتِ الْقَصَّارِ وَنَحْوُهُ كَأَمْتِعَةِ الْعَطَّارِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ فِيمَا مَرَّ، وَالْقُدُورُ الَّتِي يُطْبَخُ فِيهَا فِي الْحَوَانِيتِ مُحَرَّزَةٌ بِسِدَدٍ تُنْصَبُ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ لِلْمَشَقَّةِ فِي نَقْلِهَا إلَى بِنَاءِ وَإِغْلَاقِ بَابٍ عَلَيْهَا، وَالْحَانُوتُ الْمُغْلَقُ بِلَا حَارِسٍ حِرْزٌ لِمَتَاعِ الْبَقَّالِ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ وَلَوْ لَيْلًا لِانْتِفَاعِ الْبَزَّازِ لَيْلًا، بِخِلَافِ الْحَانُوتِ الْمَفْتُوحِ وَالْمُغْلَقِ زَمَنَ الْخَوْفِ وَحَانُوتِ مَتَاعِ الْبَزَّازِ لَيْلًا، وَالْأَرْضُ حِرْزٌ لِلْبَذْرِ، وَالزَّرْعِ لِلْعَادَةِ، وَقِيلَ لَيْسَتْ حِرْزًا إلَّا بِحَارِسٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَدْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ عُرْفِ النَّوَاحِي، فَيَكُونُ مُحْرَزًا فِي نَاحِيَةٍ بِحَارِسٍ، وَفِي غَيْرِهَا مُطْلَقًا اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَالتَّحْوِيطُ بِلَا حَارِسٍ لَا يُحَرِّزُ الثِّمَارَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأَشْجَارِ إلَّا إنْ اتَّصَلَتْ بِجِيرَانٍ يُرَاقِبُونَهَا عَادَةً، وَأَشْجَارُ أَفْنِيَةِ الدُّورِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَارِسٍ، بِخِلَافِهَا فِي الْبَرِيَّةِ، وَالثَّلْجُ فِي الْمُثَلِّجَةِ، وَالْجَمْدُ فِي الْمُجَمِّدَةَ، وَالتِّبْنُ فِي الْمَتْبَنِ، وَالْحِنْطَةُ فِي الْمَطَامِيرِ، كُلٌّ مِنْهَا فِي الصَّحْرَاءِ غَيْرُ مُحْرَزٍ إلَّا بِحَارِسٍ، وَأَبْوَابُ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا، وَالْحَوَانِيتُ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ مَغَالِيقَ وَحُلُقٍ وَمَسَامِيرَ مُحْرَزَةٌ بِتَرْكِيبِهَا وَلَوْ مَفْتُوحَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ أَحَدٌ، وَمِثْلُهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ سُقُوفُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَرُخَامُهَا وَالْآجُرُّ مُحْرَزٌ بِالْبِنَاءِ وَالْحَطَبِ وَطَعَامُ الْبَيَّاعِينَ مُحْرَزٌ بِشَدِّ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهَا إلَى بَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِحَلِّ الرِّبَاطِ أَوْ بِفَتْقِ بَعْضِ الْغَرَائِرِ حَيْثُ اُعْتِيدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بَابٌ مُغْلَقٌ. (وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٍ كَشَارِعٍ (عَلَى ثَوْبٍ) أَوْ لَابَسَا لَعِمَامَتِهِ، أَوْ غَيْرِهَا كَمَدَاسِهِ وَخَاتَمِهِ (أَوْ تَوَسَّدَ) أَيْ: وَضَعَ (مَتَاعًا) تَحْتَ رَأْسِهِ أَوْ اتَّكَأَ عَلَيْهِ (فَمُحْرَزٌ) فَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِقَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَرِدَاؤُهُ كَانَ مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عَلَيْهِ، وَلِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِتَغْيِيبِهِ عَنْهُ وَلَوْ بِدَفْنِهِ إذْ إحْرَازُ مِثْلِهِ بِالْمُعَايَنَةِ، فَإِذَا غَيَّبَهُ عَنْ عَيْنِ الْحَارِسِ بِحَيْثُ لَوْ نُبِّهَ لَهُ لَمْ يَرَهُ كَأَنْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ، أَوْ وَارَاهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ. تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِيمَا لَوْ تَوَسَّدَ شَيْئًا لَا يُعَدُّ التَّوَسُّدُ حِرْزًا لَهُ كَمَا لَوْ تَوَسَّدَ كَيْسًا فِيهِ نَقْدٌ أَوْ جَوْهَرٌ وَنَامَ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ حَتَّى يَشُدَّهُ بِسَوْطِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَيْ: تَحْتَ الثِّيَابِ وَقَيَّدَ الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعَ بِأَخْذِ الْخَاتَمِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَلْخَلًا فِي يَدٍ، أَوْ كَانَ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ (فَلَوْ انْقَلَبَ) فِي نَوْمِهِ (فَزَالَ عَنْهُ) أَيْ الثَّوْبُ (فَلَا) يَكُونُ حِينَئِذٍ مُحْرَزًا فَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَلَوْ قَلَبَهُ السَّارِقُ عَنْ الثَّوْبِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ لِمَا مَرَّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ الْقَطْعَ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحِرْزَ ثُمَّ أَخَذَ النِّصَابَ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَبَ الْحَائِطَ أَوْ كَسَرَ الْبَابَ أَوْ فَتَحَهُ وَأَخَذَ النِّصَابَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِاتِّفَاقٍ اهـ. وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَالَ ثُمَّ لَمَّا أَخَذَهُ كَانَ مُحْرَزًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ لِتَقْصِيرٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ جَمَلًا وَصَاحِبُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 476 وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ إنْ لَاحَظَهُ مُحْرَزٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَشَرْطُ الْمُلَاحِظِ قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ. وَدَارٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْعِمَارَةِ إنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَمُتَّصِلَةٌ حِرْزٌ مَعَ إغْلَاقِهِ وَحَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٌ،   [مغني المحتاج] نَائِمٌ عَلَيْهِ فَأَلْقَاهُ عَنْهُ وَهُوَ نَائِمٌ وَأَخَذَ الْجَمَلَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ الْقَطَّانِ (وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ) لِشَخْصٍ (وَضَعَهُ) أَيْ: كُلًّا مِنْهُمَا (بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ) أَوْ نَحْوِ شَارِعٍ كَمَسْجِدٍ (إنْ لَاحَظَهُ) بِنَظَرِهِ كَمَا مَرَّ (مُحْرَزٌ) لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُلَاحِظْهُ، بَلْ نَامَ أَوْ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ أَوْ ذَهَلَ عَنْهُ (فَلَا) يَكُونُ مُحْرَزًا. تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ سَابِقًا: فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ إلَخْ لَكِنْ زَادَ هُنَا قَيْدَ الْقُرْبِ لِيُخْرِجَ مَا لَوْ وَضَعَهُ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا تَضْيِيعٌ لَا إحْرَازٌ. وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْمُلَاحَظَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَوْضِعِ ازْدِحَامٌ لِلطَّارِقِينَ. نَعَمْ إنْ كَثُرَ الْمُلَاحِظُونَ عَادَلَ كَثْرَةَ الطَّارِقِينَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُلَاحَظُ فِي مَوْضِعٍ بِحَيْثُ يَرَاهُ السَّارِقُ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ السَّرِقَةِ إلَّا بِتَغَفُّلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فَلَا قَطْعَ، إذْ لَا حِرْزَ يَظْهَرُ لِلسَّارِقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ السَّرِقَةِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ كَوْنِ الصَّحْرَاءِ مَوَاتًا أَوْ غَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِالْمَوْضِعِ الْمُبَاحِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَاضِي أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاحِ مُقَابِلُ الْحَرَامِ، لَا مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا فَلَا مُنَافَاةَ. (وَشَرْطُ الْمُلَاحِظِ) لِمَتَاعٍ كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ (قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ) مِنْ الْأَخْذِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ (بِقُوَّةٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ) فَإِنْ كَانَ الْمُلَاحِظُ ضَعِيفًا لَا يُبَالِي السَّارِقُ بِهِ لِقُوَّتِهِ وَالْمَوْضِعُ بَعِيدٌ عَنْ الْغَوْثِ فَلَيْسَ بِحِرْزٍ، وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ ضَعِيفًا أَيْضًا وَأَخَذَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْمُلَاحِظُ وَلَوْ شَعَرَ بِهِ لَطَرَدَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ عَلَى الظَّاهِرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَذَهُ قَوِيٌّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُقْطَعُ. (وَدَارٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْعِمَارَةِ) كَكَوْنِهَا بِأَطْرَافِ الْخَرَابِ الْبَسَاتِينِ (إنْ كَانَ بِهَا) مُلَاحِظٌ (قَوِيٌّ يَقْظَانُ حِرْزٌ) لِمَا فِيهَا (مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ (وَإِلَّا) صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ: بِأَنْ لَا يَكُونَ بِهَا أَحَدٌ وَالْبَابُ مُغْلَقٌ أَوْ فِيهَا أَحَدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُبَالِي بِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْغَوْثِ أَوْ فِيهَا قَوِيٌّ نَائِمٌ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، أَوْ قَوِيٌّ نَائِمٌ وَهُوَ مُغْلَقٌ (فَلَا) تَكُونُ حِرْزًا، وَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ فِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ حِرْزًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي أَنَّهَا حِرْزٌ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَالْأَقْوَى فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَنْقُولُ فِي الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْخَيْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالدَّارُ الْمُغْلَقَةُ أَوْلَى بِالْإِحْرَازِ مِنْ الْخَيْمَةِ (وَ) دَارٌ (مُتَّصِلَةٌ) بِالْعِمَارَةِ بِدُورٍ آهِلَةٍ (حِرْزٌ) لِمَا فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا (مَعَ إغْلَاقِهِ) أَيْ: الْبَابِ (وَ) مَعَ (حَافِظٍ) قَوِيٍّ أَوْ ضَعِيفٍ (وَلَوْ) هُوَ (نَائِمٌ) وَلَوْ فِي زَمَنِ خَوْفٍ لِأَنَّ السَّارِقَ عَلَى خَطَرٍ مِنْ اطِّلَاعِهِ وَتَنَبُّهِهِ بِحَرَكَاتِهِ وَاسْتِغَاثَتِهِ بِالْجِيرَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ كَالْعَدَمِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ عَجَزَ الضَّعِيفُ عَنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 477 وَمَعَ فَتْحِهِ وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلًا، وَكَذَا نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ. وَكَذَا يَقْظَانُ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خَلَتْ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ فَلَا. وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ إنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَى أَذْيَالُهَا فَهِيَ وَمَا فِيهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ، وَإِلَّا فَحِرْزٌ بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيٍّ فِيهَا وَلَوْ نَائِمٌ.   [مغني المحتاج] الِاسْتِغَاثَةِ فَيَتَّجِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْعَدَمِ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَلَى هَذَا فَيَكُونُ ظَاهِرًا (وَ) الدَّارُ الْمُتَّصِلَةُ (مَعَ فَتْحِهِ) أَيْ الْبَابِ (وَنَوْمِهِ) أَيْ الْحَافِظِ (غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلًا) جَزْمًا لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ (وَكَذَا نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، وَالثَّانِي يَكُونُ حِرْزًا اعْتِمَادًا عَلَى نَظَرِ الْجِيرَانِ وَمُرَاقَبَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ النَّهْبُ وَغَيْرُهُ، وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ كَاللَّيَالِيِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَنْقُولِ فِي الدَّارِ حَتَّى لَا يَرِدَ عَلَيْهِ الْبَابُ الْمَفْتُوحُ نَفْسُهُ، وَالْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ الدَّاخِلَةُ فَإِنَّهَا بِتَرْكِيبِهَا فِي حِرْزٍ وَإِنْ لَمْ تُغْلَقْ، وَكَذَا حِلَقُهَا الْمُسَمَّرَةُ وَسَقْفُهَا وَرُخَامُهَا كَمَا مَرَّ. (وَكَذَا يَقْظَانُ) فِي دَارٍ (تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ) وَسَرَقَ فَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ (فِي الْأَصَحِّ) فَلَا قَطْعَ لِتَقْصِيرِهِ بِإِهْمَالِ الْمُرَاقَبَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا حِرْزٌ لِعُسْرِ الْمُرَاقَبَةِ دَائِمًا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْمُلَاحَظَةِ، فَإِنْ بَالَغَ فِيهَا فَانْتَهَزَ السَّارِقُ فُرْصَةً قُطِعَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَأَلْحَقَ بِالْبَابِ الْمُغْلَقِ مَا كَانَ مَرْدُودًا وَنَامَ خَلْفَهُ بِحَيْثُ لَوْ فَتَحَهُ لَأَصَابَهُ، وَانْتَبَهَ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا لَوْ نَامَ أَمَامَهُ بِحَيْثُ لَوْ فَتَحَ لَانْتَبَهَ بِصَرِيرِهِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إلَى الْإِسْفَارِ حُكْمَ اللَّيْلِ وَمَا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَقَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّارِقِ حُكْمَ النَّهَارِ (فَإِنْ خَلَتْ) أَيْ الدَّارُ الْمُتَّصِلَةُ مِنْ حَافِظٍ فِيهَا (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ) أَيْ: الْبَابِ (فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ) مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ بِأَنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ الزَّمَنُ زَمَنَ خَوْفٍ أَوْ الْوَقْتُ لَيْلًا (فَلَا) تَكُونُ هَذِهِ الدَّارُ حِينَئِذٍ حِرْزًا. تَنْبِيهٌ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا بِالْمَذْهَبِ وَفِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مُقَابِلٌ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الدَّارَ الْمُغْلَقَةَ نَهَارًا حِرْزٌ مَا لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ نَهَارًا وَوَضَعَ الْمِفْتَاحَ فِي شَقٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْبَابِ فَبَحَثَ عَنْهُ السَّارِقُ وَأَخَذَهُ وَفَتَحَ الْبَابَ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، لِأَنَّ وَضْعَ الْمِفْتَاحِ هُنَاكَ تَفْرِيطٌ فَيَكُونُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ. (وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ) وَسَبَقَ مَعْنَى الْخَيْمَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (إنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَى أَذْيَالُهَا) بِالْمُعْجَمَةِ (فَهِيَ وَمَا فِيهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ) فَيَأْتِي فِيهَا مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ كَانَتْ مَضْرُوبَةً بَيْنَ الْعَمَائِرِ فَهِيَ كَمَتَاعٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي السُّوقِ (وَإِلَّا) بِأَنْ شُدَّتْ أَطْنَابُهَا وَأُرْخِيَتْ أَذْيَالُهَا (فَحِرْزٌ) لِمَا فِيهَا (بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيٍّ) أَوْ ضَعِيفٍ يُبَالِي بِهِ (فِيهَا) أَوْ بِقُرْبِهَا (وَلَوْ) هُوَ (نَائِمٌ) فِيهَا أَوْ بِقُرْبِهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 478 وَمَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَافِظٍ. وَبِبَرِّيَّةٍ يُشْتَرَطُ حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمٌ.   [مغني المحتاج] لِحُصُولِ الْإِحْرَازِ عَادَةً، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَلَا بِقُرْبِهَا أَحَدٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَعِيدٌ عَنْ الْغَوْثِ فَلَيْسَتْ حِرْزًا، نَعَمْ إنْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا لَمْ يُعْتَبَرْ الْقُرْبُ: بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ تَحْصُلُ مِنْهُ الْمُلَاحَظَةُ وَيَرَاهُ السَّارِقُ بِحَيْثُ يَنْزَجِرُ بِهِ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إسْبَالُ بَابِهَا إذَا كَانَ مَنْ فِيهَا نَائِمًا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ بَابَ الدَّارِ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا وَالْحَافِظُ فِيهَا نَائِمٌ لَمْ تَكُنْ حِرْزًا فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ الْخَيْمَةَ تُهَابُ غَالِبًا فَاكْتَفَى فِيهَا بِذَلِكَ بِخِلَافِ الدَّارِ، فَلَوْ شُدَّتْ أَطْنَابُهَا وَلَمْ تُرْخَ أَذْيَالُهَا فَهِيَ مُحْرَزَةٌ دُونَ مَا فِيهَا فَيُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الْخَيْمَةِ أَمْرَانِ: حَافِظٌ وَشَدُّ أَطْنَابِهَا وَفِيمَا فِيهَا ثَلَاثَةٌ: هَذَانِ، وَإِرْخَاءُ أَذْيَالِهَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُسَاوَاةَ حُكْمِ الْخَيْمَةِ وَمَا فِيهَا. وَأَوْرَدَ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ فِيهَا نَائِمٌ فَنَحَّاهُ السَّارِقُ ثُمَّ سَرَقَ فَلَا قَطْعَ كَمَا مَرَّ فِي الثَّوْبِ الْمَفْرُوشِ تَحْتَهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ وَتُرْخَى بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ بِخَطِّهِ عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ مِنْ عَطْفِ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ: أَيْ: انْتَفَى الشَّدُّ وَالْإِرْخَاءُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ صَرَّحَ بِالنَّافِي فِي الْمَعْطُوفِ كَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ كَانَ أَوْضَحَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا عَطْفًا عَلَى تُشَدُّ وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ حَذْفُ الْأَلِفِ لِلْجَازِمِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا حُذِفَتْ وَأَنَّ الْمَوْجُودَةَ تَوَلَّدَتْ مِنْ إشْبَاعِ فَتْحَةِ الْخَاءِ كَمَا قِيلَ بِإِشْبَاعِ الْكَسْرِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: إذَا الْعَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِي ... وَلَا تَرْضَاهَا وَلَا تَمَلَّقِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ. (وَمَاشِيَةٌ) مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَغَيْرِهَا (بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ) أَبْوَابُهَا (مُتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ) بِهَا وَلَوْ (بِلَا حَافِظٍ) لِلْعُرْفِ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا أَحَاطَتْ بِهِ الْمَنَازِلُ الْأَهْلِيَّةُ، فَأَمَّا إذَا اتَّصَلَتْ بِالْعِمَارَةِ وَلَهَا جَانِبٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ الْبَرِيَّةِ فَإِنَّهَا تُلْحَقُ بِالْبَرِيَّةِ وَسَيَأْتِي، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مُغْلَقَةٍ، مَا لَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَافِظِ وَلَوْ كَانَ نَائِمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُعْتَمَدِ. فَإِنْ قِيلَ: قَيَّدَ الْمُصَنِّف سَابِقًا الدَّارَ الْمُتَّصِلَةَ بِالْعِمَارَةِ بِكَوْنِهَا مُحْرَزَةً نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ، وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ فِي أَمْرِ الْمَاشِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا. (وَ) مَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ (بِبَرِّيَّةٍ يُشْتَرَطُ) فِي إحْرَازِهَا لِمَا فِيهَا (حَافِظٌ) قَوِيٌّ أَوْ ضَعِيفٌ يُبَالِي بِهِ (وَلَوْ) هُوَ (نَائِمٌ) فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا اُشْتُرِطَ حَافِظٌ مُسْتَيْقِظٌ، وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا: مُغْلَقَةٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَوْمَهُ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ كَافٍ، وَيَكْفِي كَوْنُ الْمُرَاحِ مِنْ حَطَبٍ أَوْ حَشِيشٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمُرَاحِ بِالْبَرِيَّةِ اجْتِمَاعَهَا فِيهِ بِحَيْثُ يَحُسُّ بَعْضُهَا بِحَرَكَةِ بَعْضٍ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهَا حَافِظٌ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا كَفَى، فَإِنْ نَامَ احْتَاجَ إلَى شَرْطٍ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا يُوقِظُهُ إنْ أُرِيدَ سَرِقَتُهَا كَكِلَابٍ تَنْبَحُ أَوْ أَجْرَاسٍ تَتَحَرَّكُ، فَإِنْ أَخَلَّ بِهَذَا عِنْدَ نَوْمِهِ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ: فَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ ضَعِيفًا لَمْ يُبَالِ بِهِ السَّارِقُ وَلَا يَلْحَقُهُ غَوْثٌ فَكَالْعَدِمِ كَمَا مَرَّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 479 وَإِبِلٌ بِصَحْرَاءَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ يَرَاهَا. وَمَقْطُورَةٌ يُشْتَرَطُ الْتِفَاتُ قَائِدِهَا إلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، وَأَنْ لَا يَزِيدَ قِطَارٌ عَلَى تِسْعَةٍ. وَغَيْرُ مَقْطُورَةٍ لَيْسَتْ مُحْرَزَةً فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِأَبْنِيَةٍ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ إحْرَازِ الْمَاشِيَةِ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ جَزَمَا بِأَنَّ الْإِبِلَ الْمُنَاخَةَ الْمَعْقُولَةَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ عِنْدَهَا وَلَوْ نَائِمًا لِأَنَّ فِي حَلِّ عِقَالِهَا مَا يُوقِظُهُ، وَلِأَنَّ الرُّعَاةَ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَنَامُوا عَقَلُوا إبِلَهُمْ. (وَإِبِلٌ) وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنْ خَيْلٍ وَنَحْوِهَا (بِصَحْرَاءَ) تَرْعَى فِي مَرْعًى خَالٍ عَنْ الْمَارِّينَ (مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ) أَيْ: مَعَهَا (يَرَاهَا) وَيَبْلُغُهَا صَوْتُهُ، فَإِنْ نَامَ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا أَوْ اسْتَتَرَ عَنْهُ بَعْضُهَا فَمُضَيِّعٌ لَهَا فِي الْأَوَّلِينَ، وَلِبَعْضِهَا الْمُسْتَتَرِ فِي الْأَخِيرَةِ، فَإِنْ لَمْ تَخْلُ الْمَرْعَى عَنْ الْمَارِّينَ حَصَلَ الْإِحْرَازُ بِنَظَرِهِمْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَإِنْ بَعُدَ عَنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ الْبَعْضَ صَوْتُهُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ لِعَدَمِ بُلُوغِ الصَّوْتِ لَهُ، وَالثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَعَزَاهُ الْقَمُولِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ: مُحْرَزًا اكْتِفَاءً بِالنَّظَرِ لِإِمْكَانِ الْعَدُوِّ إلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ. (وَ) إبِلٌ أَوْ بِغَالٌ (مَقْطُورَةٌ) يَقُودُهَا قَائِدٌ (يُشْتَرَطُ) فِي إحْرَازِهَا (الْتِفَاتُ قَائِدِهَا) أَوْ رَاكِبِ أَوَّلِهَا (إلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا) جَمِيعَهَا لِأَنَّهَا تُعَدُّ مُحْرَزَةً بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَسُوقُهَا سَائِقٌ فَمُحْرَزَةٌ إنْ انْتَهَى نَظَرُهُ إلَيْهَا، وَفِي مَعْنَاهُ الرَّاكِبُ لِآخِرِهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْبَعْضَ لِحَائِلِ جَبَلٍ أَوْ بِنَاءٍ فَذَلِكَ الْبَعْضُ غَيْرُ مُحْرَزٍ، فَإِنْ رَكِبَ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ فَهُوَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَسَائِقٍ وَلِمَا فِي خَلْفِهِ كَقَائِدٍ. قَالَا: وَقَدْ يَسْتَغْنِي بِنَظَرِ الْمَارَّةِ عَنْ نَظَرِهِ إنْ كَانَ يُسَيِّرُهَا فِي سُوقٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الصَّوْتِ لَهَا مَا سَبَقَ قَرِيبًا (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ لَا يَزِيدَ قِطَارٌ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مَا كَانَ بَعْضُهُ إثْرَ بَعْضٍ (عَلَى تِسْعَةٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَوَّلُهُ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَ فَكَغَيْرِ الْمَقْطُورَةِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَسِيطِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَالصَّحِيحُ سَبْعَةٌ بِالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ السِّينِ وَعَلَيْهِ الْعُرْفُ، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ تِسْعَةٌ بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْعِمْرَانِيُّ، وَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْوَسِيطِ، وَنَسَبَهُ فِي الْوَسِيطِ إلَى الْأَصْحَابِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَحْسَنُ التَّوَسُّطُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ، فَقَالَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَتَقَيَّدُ الْقِطَارُ بِعَدَدٍ، وَفِي الْعُمْرَانِيِّ يُعْتَبَرُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَجْعَلَ قِطَارًا وَهُوَ مَا بَيْنَ سَبْعَةٍ إلَى عَشَرَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: التَّقْيِيدُ بِالتِّسْعِ أَوْ السَّبْعِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ، وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ. قَالَا وَالْأَشْبَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ مَكَان إلَى عُرْفِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ التَّقْطِيرَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُمْ الْجُمْهُورِ، وَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَسَبَبُ اضْطِرَابِ الْأَصْحَابِ فِي عَدَدِ الْقِطَارِ اضْطِرَابُ الْعُرْفِ. (وَ) إبِلٌ (غَيْرُ مَقْطُورَةٍ) كَأَنْ كَانَتْ تُسَاقُ (لَيْسَتْ مُحْرَزَةً فِي الْأَصَحِّ) وَفِي الْمُحَرَّرِ الْأَشْبَهُ أَنَّ الْإِبِلَ لَا تَسِيرُ كَذَلِكَ غَالِبًا. وَالثَّانِي مُحْرَزَةٌ بِسَائِقِهَا الْمُنْتَهِي نَظَرُهُ إلَيْهَا كَالْمَقْطُورَةِ الْمَسُوقَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 480 وَكَفَنٌ فِي قَبْرٍ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ مُحْرَزٌ. وَكَذَا بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: إنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُحَرَّرِ، فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأُمِّ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْغَنَمُ السَّائِرَةُ كَالْإِبِلِ السَّائِرَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَقْطُورَةً وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْقَطْرَ فِيهَا، لَكِنَّهُ مُعْتَادٌ فِي الْبِغَالِ، وَيَخْتَلِفُ عَدَدُ الْغَنَمِ الْمُحْرَزَةِ بِحَارِسٍ وَاحِدٍ بِالْبَلَدِ وَالصَّحْرَاءِ اهـ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَنَّ الْبِغَالَ كَالْإِبِلِ تَقْطِيرًا وَعَدَمِهِ، وَعَلَى أَنَّ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَاشِيَةِ مَعَ التَّقْطِيرِ وَعَدَمِهِ مِثْلُهُمَا مَعَ التَّقْطِيرِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. فُرُوعٌ الْمَتَاعُ الَّذِي عَلَى الدَّابَّةِ الْمُحْرَزَةِ مُحْرَزٌ يُقْطَعُ سَارِقُهُ سَوَاءٌ سَرَقَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الدَّابَّةِ. وَلَوْ سَرَقَ بَقَرَةً مَثَلًا فَتَبِعْهَا عِجْلُهَا لَمْ يَكُنْ الْعِجْلُ مُحْرَزًا إلَّا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ إذَا الْتَفَتَ وَكَانَ يَلْتَفِتُ كُلَّ سَاعَةٍ تَقَدَّمَ فِي قَائِدِ الْقِطَارِ. وَلَوْ دَخَلَ الْمُرَاحَ وَحَلَبَ مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ أَوْ جَزَّ مِنْ نَحْوِ صُوفِهَا كَوَبَرِهَا مَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَأَخْرَجَهُ قُطِعَ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاحَ حِرْزٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ مِنْ أَحْرَازٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ضَرْعٍ حِرْزٌ لِلَبَنِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي جَزِّ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الدَّوَابُّ لِوَاحِدٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ قُطِعَ بِالثَّانِي كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. (وَكَفَنٌ) مَشْرُوعٌ كَائِنٌ (فِي قَبْرٍ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ) بِالْجَرِّ صِفَةُ بَيْتٍ (مُحْرَزٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ كَفَنٍ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ مِنْهُ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبَرَاءِ بِرَفْعِهِ «مَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَطَعَ نَبَّاشًا. (وَكَذَا) كَفَنٌ بِقَبْرٍ (بِمَقْبَرَةٍ) كَائِنَةٍ (بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ) فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ يُقْطَعُ سَارِقُهُ حَيْثُ لَا حَارِسَ هُنَاكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقَبْرَ فِي الْمَقَابِرِ حِرْزٌ فِي الْعَادَةِ كَمَا أَنَّ الْبَيْتَ الْمُغْلَقَ فِي الْعُمْرَانِ حِرْزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ. وَالثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ فَهُوَ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَسَوَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ أَكَانَ الْكَفَنُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا قُطِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِانْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ عَنْهُ بِصَرْفِهِ إلَى الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ صَرَفَهُ إلَى الْحَيِّ، وَسَوَاءٌ أَقُلْنَا: الْمِلْكُ فِي الْكَفَنِ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِلْوَارِثِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَجْلِ اخْتِصَاص الْمَيِّت بِهِ. نَعَمْ لَوْ سَرَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، أَوْ وَلَدُ بَعْضِهِمْ لَمْ يُقْطَعْ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّ حَارِسَ الْمَقْبَرَةِ إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَمْ يُقْطَعْ. أَمَّا الْمَقْبَرَةُ الْمَحْفُورَةُ بِالْعِمَارَةِ الَّتِي يَنْدُرُ تَخَلُّفُ الطَّارِقِينَ عَنْهَا فِي زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ النَّبْشُ، أَوْ كَانَ عَلَيْهَا حُرَّاسٌ مُرَتَّبُونَ فَهُوَ بِمَثَابَةِ الْبَيْتِ الْمُحْرَزِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ إلَى خَارِجِهِ لَا مِنْ اللَّحْدِ إلَى فَضَاءِ الْقَبْرِ وَتَرْكِهِ ثُمَّ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ حِرْزِهِ. أَمَّا غَيْرُ الشَّرْعِيِّ كَأَنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَلَيْسَ الزَّائِدُ مُحْرَزًا بِالْقَبْرِ كَمَا لَوْ وَضَعَ مَعَ الْكَفَنِ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 481 لَا بِمَضْيَعَةٍ فِي الْأَصَحِّ. [فَصْلٌ] يُقْطَعُ مُؤَجِّرُ   [مغني المحتاج] الْقَبْرُ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ بِهِ، وَلَوْ تَغَالَى فِي الْكَفَنِ بِحَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يُخْلَى مِثْلُهُ بِلَا حَارِسٍ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ. (لَا) كَفَنٌ فِي قَبْرٍ (بِمَضِيعَةٍ) أَيْ: بُقْعَةٍ ضَائِعَةٍ، وَهِيَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بِوَزْنِ مَعِيشَةٍ، أَوْ سَاكِنَةٍ بِوَزْنِ مَسْبَعَةٍ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ (فِي الْأَصَحِّ) كَالدَّارِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْعُمْرَانِ، لِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ حَيْثُ كَانَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَهَابُ الْمَوْتَى. فُرُوعٌ: لَوْ كُفِّنَ الْمَيِّتُ مِنْ التَّرِكَةِ فَنُبِشَ قَبْرُهُ وَأُخِذَ مِنْهُ طَالَبَ بِهِ الْوَرَثَةُ مَنْ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَإِنْ قَدِمَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَوْ وَلَدُهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبْعٌ، أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ وَبَقِيَ الْكَفَنُ اقْتَسَمُوهُ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَيِّدٌ مِنْ مَالِهِ، أَوْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَانَ كَالْعَارِيَّةِ لِلْمَيِّتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ابْتِدَاءً فَكَانَ الْمُكَفِّنُ مُعِيرًا عَارِيَّةً لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا كَإِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ فَيُقْطَعُ بِهِ غَيْرُ الْمُكَفِّنِينَ، وَالْخَصْمُ فِيهِ الْمَالِكُ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَالْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ، وَلَوْ سُرِقَ الْكَفَنُ وَضَاعَ وَلَمْ تُقَسَّمْ التَّرِكَةُ وَجَبَ إبْدَالُهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرِكَةٌ فَكَمَنْ مَاتَ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ، وَإِنْ قُسِّمَتْ ثُمَّ سُرِقَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ إبْدَالُهُ. هَذَا إذَا كُفِّنَ أَوَّلًا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ التَّكْفِينُ بِهَا عَلَى رِضَا الْوَرَثَةِ. أَمَّا لَوْ كُفِّنَ مِنْهَا بِوَاحِدٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ يَلْزَمَهُمْ تَكْفِينُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِثَانٍ وَثَالِثٍ، وَالْفَسَاقِي الْمَعْرُوفَةِ كَبَيْتٍ مَعْقُودٍ حَتَّى إذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِرْزٍ وَلَا لَهَا حَافِظٌ لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَلْقَى عَنَاءً فِي النَّبْشِ بِخِلَافِ الْقَبْرِ الْمُحْكَمِ فِي الْعَادَةِ، وَجَمْعُ الْحِجَارَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَفْرِ كَالدَّفْنِ لِلضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ، وَالْبَحْرُ لَيْسَ حِرْزًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ الْمَطْرُوحِ فِيهِ فَلَا يُقْطَعُ آخِذُهُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَضَعَ الْمَيِّتَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَأَخَذَ كَفَنَهُ فَإِنْ غَاصَ فِي الْمَاءِ فَلَا قَطْعَ عَلَى آخِذِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ طَرْحَهُ فِي الْمَاءِ لَا يُعَدُّ إحْرَازًا، كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَغَيَّبَهُ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ، وَلَوْ أُخْرِجَ الْمَيِّتُ مَعَ الْكَفَنِ فَفِي الْقَطْعِ وَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ مَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ الْحُرِّ الْعَاقِلِ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَإِذَا أَخَذَ الْكَفَنَ حِينَئِذٍ لَا قَطْعَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ حِرْزٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ قَبْرٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ. [فَصَلِّ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ وَمَا يَمْنَعُهُ وَمَا يَكُونُ حِرْزًا لِشَخْصٍ دُونَ آخِر] [فَصْلٌ] فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ وَمَا يَمْنَعُهُ وَمَا يَكُونُ حِرْزًا لِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ. وَلَوْ أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَوَّلَ الرُّكْنِ الثَّانِي لِلْقَطْعِ (يُقْطَعُ) جَزْمًا (مُؤَجِّرُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 482 الْحِرْزِ وَكَذَا مُعِيرُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا لَمْ يُقْطَعْ مَالِكُهُ، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْحِرْزِ) إجَارَةِ صَحِيحَةً بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ مَالَ الْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مُسْتَحِقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْإِحْرَازُ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ الْمَالِكُ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ فِي الْمَحَلِّ، وَبِخِلَافِ مَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَضْعُهُ فِيهِ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَآوَى إلَيْهَا مَاشِيَةً مَثَلًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَلَا قَطْعَ. تَنْبِيهٌ يَرُدُّ عَلَى جَزْمِ الْمُصَنِّفِ قَطْعُ الْمُؤَجِّرِ لَوْ ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ بِطَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ بِأَنْ ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ، كَمَا لَوْ بَلَغَهُ لَيْلًا إفْلَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ فَسَرَقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْحِرْزِ فَفِيهِ خِلَافُ الْمُعِيرِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا أَنَّ الْمُعِيرَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّةِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ بَحْثًا. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (وَكَذَا) يُقْطَعُ (مُعِيرُهُ) أَيْ الْحِرْزِ إعَارَةً صَحِيحَةً بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُسْتَعِيرِ الَّذِي لَهُ وَضْعُهُ فِيهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ سَرَقَ النِّصَابَ مِنْ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إذَا رَجَعَ. وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَلْزَمُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْعَارِيَّةِ الْجَائِزَةِ. أَمَّا الْإِعَارَةُ اللَّازِمَةُ فَيُقْطَعُ فِيهَا قَطْعًا كَالْمُؤَجِّرِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ رُجُوعٌ فَإِنْ رَجَعَ أَوَّلًا فِي الْعَارِيَّةِ بِالْقَوْلِ وَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الرَّدِّ بَعْدَ التَّمَكُّنِ فَلَا قَطْعَ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ حِينَئِذٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ كَالْغَاصِبِ وَإِنْ سَرَقَهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ قَبْلَ إمْكَانِ التَّفْرِيعِ فَلَا قَطْعَ كَمَا لَوْ سَرَقَ الْمُشْتَرِي مَالَ الْبَائِعِ مِنْ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ إمْكَانِ التَّفْرِيعِ. أَمَّا قَبْلَ تَوْفِيَةِ الثَّمَنِ فَيُقْطَعُ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ حَقَّ الْحَبْسِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا لَمْ يُقْطَعْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةِ فَلَا قَطْعَ فِيهَا لِمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ وَبِمَالِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ لِلزِّرَاعَةِ فَغَرَسَ وَدَخَلَ الْمُسْتَعِيرُ فَسَرَقَ مِنْ الْغِرَاسِ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي صُورَةِ الْإِجَارَةِ السَّابِقَةِ. تَنْبِيهٌ مِثْلُ إعَارَةِ الْحِرْزِ إعَارَةُ رَقِيقٍ لِحِفْظِ مَالٍ أَوْ رَعْيِ غَنَمٍ ثُمَّ سَرَقَ مِمَّا يَحْفَظُهُ رَقِيقُهُ وَقَدْ خَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْحِرْزِ مَا لَوْ أَعَارَهُ قَمِيصًا فَطَرَّ الْمُعِيرُ جَيْبَهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَنَقْبُ الْجِدَارِ: أَيْ: الْمُعَارِ كَطَرِّ الْجَيْبِ فِيمَا يَظْهَرُ. (وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا لَمْ يُقْطَعْ مَالِكُهُ) بِسَرِقَةِ مَا أَحْرَزَهُ الْغَاصِبُ فِيهِ جَزْمًا، لِأَنَّ لَهُ الدُّخُولَ وَالْهُجُومَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُحْرَزًا عَنْهُ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ ظَالِمٌ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» (وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ) لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْإِحْرَازَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَالْغَاصِبُ لَا يَسْتَحِقُّهَا. وَالثَّانِي يُقْطَعُ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ الدُّخُولُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 483 وَلَوْ غَصَبَ مَالًا وَأَحْرَزَهُ بِحِرْزِهِ فَسَرَقَ الْمَالِكُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ الْمَغْصُوبَ فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وَمُنْتَهِبٌ وَجَاحِدٌ وَدِيعَةً. وَلَوْ نَقَبَ وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ بِدَارِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَرِضَاهُ فَسُرِقَ هَلْ يُقْطَعُ سَارِقُهُ؟ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: قِيلَ: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَكُونُ حِرْزًا فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ حِرْزًا، وَقِيلَ: يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ يَرْجِعُ إلَى صَوْنِ الْمَتَاعِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. قَالَ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: غَصَبَ حِرْزًا. (وَلَوْ غَصَبَ مَالًا) أَوْ سَرَقَهُ (وَأَحْرَزَهُ بِحِرْزِهِ فَسَرَقَ الْمَالِكُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ، أَوْ) سَرَقَ (أَجْنَبِيٌّ) مِنْهُ الْمَالَ (الْمَغْصُوبَ) أَوْ الْمَسْرُوقَ (فَلَا قَطْعَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْمَالِكِ فَلِأَنَّ لَهُ دُخُولَ الْحِرْزِ وَهَتْكَهُ لِأَخْذِ مَالِهِ، فَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ يَأْخُذُهُ وَهُوَ مُحْرَزٌ عَنْهُ. وَالثَّانِي يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ غَيْرَ مَالِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَخَصَّصَ الْمُحَقِّقُونَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَالِكِ بِمَا إذَا كَانَ مَالُ الْغَاصِبِ مُتَمَيِّزًا عَنْ مَالِهِ فَأَخَذَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَالِ نَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَلَا قَطْعَ فِيهِ جَزْمًا. وَأَمَّا فِي الْأَجْنَبِيِّ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ لَيْسَ بِرِضَا الْمَالِكِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ. وَالثَّانِي نَظَرَ إلَى أَنَّهُ حِرْزٌ فِي نَفْسِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مَالَ الْغَاصِبِ، عَمَّا لَوْ سَرَقَ مَالَ نَفْسِهِ وَحْدَهُ فَلَا قَطْعَ قَطْعًا، وَبِقَوْلِهِ: أَوْ أَجْنَبِيٌّ الْمَغْصُوبَ عَمَّا لَوْ سَرَقَ الْأَجْنَبِيُّ غَيْرَ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ سَرَقَ أَجْنَبِيٌّ، إشَارَةٌ لِتَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِدُخُولِ الْأَجْنَبِيِّ بِقَصْدِ سَرِقَةِ الْمَغْصُوبِ. أَمَّا إذَا أَخَذَهُ بِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ فَلَا يُقْطَعُ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَالِ خُفْيَةً كَمَا مَرَّ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ) وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ (وَ) لَا (مُنْتَهِبٌ) وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عَيَانًا وَيَعْتَمِدُ عَلَى الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ (وَ) لَا (جَاحِدٌ) أَيْ: مُنْكِرٌ (وَدِيعَةً) وَعَارِيَّةً لِحَدِيثِ «لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ قَطْعٌ» ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفَرَّقَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّارِقِ بِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً، وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُهُ فَشُرِعَ الْقَطْعُ زَجْرًا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ لَا يَقْصِدُونَهُ عَيَانًا فَيُمْكِنُ مَنْعُهُمْ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّ هَذَا حُكْمٌ عَلَى الْأَغْلَبِ، وَإِلَّا فَالْجَاحِدُ لَا يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِنْدَ جُحُودِهِ عَيَانًا فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ بِالسُّلْطَانِ وَلَا غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي تَفْسِيرِهِمْ الْمُنْتَهِبَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُخْرِجُهُ. (وَلَوْ نَقَبَ) فِي لَيْلَةٍ وَلَمْ يَسْرِقْ (وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى) قَبْلَ إعَادَةِ الْحِرْزِ (فَسَرَقَ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ نَقَبَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَسَرَقَ فِي آخِرِهِ. وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ بَعْدَ انْتِهَاكِ الْحِرْزِ، وَالْأَوَّلُ أَبْقَى الْحِرْزَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ أُعِيدَ الْحِرْزُ فَسَرَقَ قُطِعَ جَزْمًا كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ فِي مَسْأَلَةِ إخْرَاجِ نِصَابٍ مِنْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 484 قُلْت: هَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ لِمَالِكِ النَّقْبِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِلطَّارِقِينَ، وَإِلَّا فَلَا يُقْطَعُ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ فَلَا قَطْعَ. وَلَوْ تَعَاوَنَا فِي النَّقْبِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْرَاجِ أَوْ وَضَعَهُ نَاقِبٌ بِقُرْبِ النَّقْبِ فَأَخْرَجَهُ آخَرُ قُطِعَ الْمُخْرِجُ.   [مغني المحتاج] حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى عَمَّا لَوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ النِّصَابَ عَقِبَ النَّقْبِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ جَزْمًا (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (هَذَا) أَيْ: الْقَطْعُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ (إذَا لَمْ يُعْلَمْ لِمَالِكِ النَّقْبِ وَلَمْ يَظْهَرْ) بِأَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ (لِلطَّارِقِينَ) لِخَفَائِهِ عَلَيْهِمْ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ الْمَالِكُ النَّقْبَ، أَوْ ظَهَرَ لِلطَّارِقِينَ (فَلَا يُقْطَعُ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِانْتِهَاكِ الْحِرْزِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَهُ غَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا جُزِمَ بِهِ مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ عِنْدَ الِاشْتِهَارِ يُخَالِفُ مَا رَجَّحَهُ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِاشْتِهَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَمَّ تَمَّمَ السَّرِقَةَ لَمْ يَضُرَّ فِيهَا الِاشْتِهَارُ، وَهُنَا ابْتَدَأَهَا. تَنْبِيهٌ يَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِلَّا فَيُقْطَعُ قَطْعًا وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ إثْبَاتُ حَرْفِ النَّفْيِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَلَوْ نَقَبَهُ) شَخْصٌ (وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ) الْمَالَ مِنْ النَّقْبِ وَلَوْ فِي الْحَالِ (فَلَا قَطْعَ) عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ النَّاقِبَ لَمْ يَسْرِقْ، وَالْآخِذُ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَيَجِبُ عَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُ الْجِدَارِ، وَعَلَى الثَّانِي ضَمَانُ الْمَأْخُوذِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ، وَصُورَتُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا حَافِظٌ قَرِيبٌ مِنْ النَّقْبِ وَهُوَ يُلَاحِظُ الْمَتَاعَ فَالْمَالُ مُحْرَزٌ بِهِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى الْآخِذِ، وَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ نَائِمًا فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَنْ نَامَ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، وَمَحَلُّ مَنْعِ الْقَطْعِ عَلَى النَّاقِبِ إذَا كَانَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْبِنَاءِ لَا يَبْلُغُ نِصَابًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِلَّا فَيُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْجِدَارَ حِرْزٌ لِآلَةِ الْبِنَاءِ، وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلدَّبِيلِيِّ: إذَا نَقَبَ حَائِطًا فَأَخْرَجَ مِنْهُ آجُرًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ بَلَغَ قِيمَةُ الْآجُرِّ مِقْدَارًا يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ قُطِعَ. انْتَهَى؛ فَيَكُونُ الْمُرَادُ حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِمْ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مَا فِي الْحِرْزِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمُخْرِجُ مُمَيِّزًا. أَمَّا لَوْ نَقَبَ ثُمَّ أَمَرَ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ نَحْوَهُ بِالْإِخْرَاجِ فَأَخْرَجَ قُطِعَ الْآمِرُ، وَإِنْ أَمَرَ مُمَيِّزًا أَوْ قِرْدًا فَلَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ آلَةً لَهُ، وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ كَالْقِرْدِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِيَارَ الْقِرْدِ أَقْوَى. فَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَوْ عَلَّمَهُ الْقَتْلَ ثُمَّ أَرْسَلَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ فَهَلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ هُنَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ، وَهَلْ الْقِرْدُ مِثَالٌ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ حَيَوَانٍ مُعَلَّمٍ أَوْ لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ عَزَمَ عَلَى عِفْرِيتٍ فَأَخْرَجَ نِصَابًا هَلْ يُقْطَعُ أَوْ لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي كَمَا لَوْ أَكْرَهَ بَالِغًا مُمَيِّزًا عَلَى الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَلَوْ تَعَاوَنَا) أَيْ اثْنَانِ (فِي النَّقْبِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْرَاجِ) لِنِصَابٍ فَأَكْثَرَ (أَوْ وَضَعَهُ نَاقِبٌ) أَيْ أَحَدُ النَّاقِبِينَ (بِقُرْبِ النَّقْبِ فَأَخْرَجَهُ آخَرُ) مَعَ مُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي النَّقْبِ وَسَاوَى مَا أَخْرَجَهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ (قُطِعَ الْمُخْرِجُ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ السَّارِقُ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 485 وَلَوْ وَضَعَهُ بِوَسَطِ نَقْبِهِ فَأَخَذَهُ خَارِجٌ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَيْنِ لَمْ يُقْطَعَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ رَمَاهُ إلَى خَارِجِ حِرْزٍ أَوْ وَضَعَهُ بِمَاءٍ جَارٍ أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ سَائِرَةٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِرِيحٍ هَابَّةٍ فَأَخْرَجَتْهُ قُطِعَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ جُمْلَةُ وَضَعَهُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ انْفَرَدَ فَهِيَ مِنْ تَتِمَّةِ مَسْأَلَةِ التَّعَاوُنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ الْمُخْرِجَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي النَّقْبِ بِخِلَافِ هَذِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْآخَرِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَحْصُلُ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ أَخَذَ هَذَا لِبَنَاتٍ وَهَذَا لِبَنَاتٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ فِي حُصُولِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَتَحَامَلَا عَلَى آلَةٍ وَاحِدَةٍ. (وَلَوْ وَضَعَهُ بِوَسَطِ نَقْبِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ لِأَنَّهُ اسْمٌ أُرِيدَ بِهِ مَوْضِعَ النَّقْبِ (فَأَخَذَهُ) شَخْصٌ (خَارِجٌ) أَوْ نَاوَلَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ فَمِ النَّقْبِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَيْنِ) فَأَكْثَرَ (لَمْ يُقْطَعَا فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُخْرِجْ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ وَهُوَ الْجِدَارُ. وَيُسَمَّى هَذَا السَّارِقُ الظَّرِيفُ - أَيْ: الْفَقِيهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَالثَّانِي يُقْطَعَانِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي النَّقْبِ وَالْإِخْرَاجِ، وَلِئَلَّا يَصِيرَ ذَلِكَ طَرِيقًا إلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ الْأُولَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمَا تَعَاوَنَا فِي النَّقْبِ ثُمَّ دَخَلَ أَحَدُهُمَا وَوَضَعَ الْمَتَاعَ فِي بَعْضِ النَّقْبِ فَمَدَّ الْآخَرُ يَدَهُ وَأَخَذَهُ، وَإِنْ أَوْهَمَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ غَيْرَ نَاقِبٍ، فَلَوْ قَالَ فَأَخَذَهُ شَرِيكُهُ فِي النَّقْبِ لَكَانَ أَصَرْحَ فِي الْمَقْصُودِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَيُسَاوِي نِصَابَيْنِ مَا إذَا كَانَ يُسَاوِي دُونَ النِّصَابَيْنِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا جَزْمًا، وَلَوْ رَبَطَ الْمَالَ لِشَرِيكِهِ الْخَارِجِ فَجَرَّهُ قُطِعَ الْخَارِجُ دُونَ الدَّاخِلِ وَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ. وَيُقْطَعُ الْأَعْمَى بِسَرِقَةِ مَا دَلَّهُ عَلَيْهِ الزَّمِنُ، وَإِنْ حَمَلَهُ وَدَخَلَ بِهِ الْحِرْزَ لِيَدُلَّهُ عَلَى الْمَالِ وَخَرَجَ بِهِ لِأَنَّهُ السَّارِقُ، وَيُقْطَعُ الزَّمِنُ بِمَا أَخْرَجَهُ وَالْأَعْمَى حَامِلٌ لِلزَّمِنِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ الْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لِلْمَالِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا طَبَقًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَالزَّمِنِ غَيْرُهُ، وَفَتْحُ الْبَابِ وَالْقُفْلِ بِكَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَسَوُّرُ الْحَائِطِ كَالنَّقْبِ فِيمَا مَرَّ. (وَلَوْ رَمَاهُ) أَيْ الْمَالَ الْمُحْرَزَ شَخْصٌ (إلَى خَارِجِ حِرْزٍ) أَوْ أَخَذَهُ فِي يَدِهِ وَأَخْرَجَهَا بِهِ مِنْ الْحِرْزِ ثُمَّ أَعَادَهَا لَهُ (أَوْ وَضَعَهُ بِمَاءٍ جَارٍ) فِي الْحِرْزِ فَخَرَجَ الْمَاءُ بِهِ مِنْهُ أَوْ رَاكِدًا فَحَرَّكَهُ فَخَرَجَ بِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (أَوْ) وَضَعَهُ عَلَى (ظَهْرِ دَابَّةٍ سَائِرَةٍ) أَوْ وَاقِفَةٍ سَيَّرَهَا هُوَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَخَرَجَتْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ (أَوْ عَرَّضَهُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (لِرِيحٍ هَابَّةٍ فَأَخْرَجَتْهُ) مِنْهُ (قُطِعَ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِي الْجَمِيعِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ رَمَاهُ مِنْ النَّقْبِ أَمْ الْبَابِ أَمْ مِنْ فَوْقِ الْجِدَارِ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ أَمْ لَا، أَخَذَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا، تَلِفَ كَأَنْ رَمَاهُ فِي نَارٍ، أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ لَوْ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ الْحِرْزَ كَالْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ تَنْكِيرَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ الصُّنْدُوقَ وَأَخَذَ مِنْهُ النَّقْدَ وَرَمَاهُ فِي أَرْضِ الْبَيْتِ فَتَلِفَ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي، وَاحْتَرَزَ بِالْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الرَّاكِدِ إذَا حَرَّكَهُ عَمَّا لَوْ طَرَحَ الْمَتَاعَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ فَزَادَ بِانْفِجَارٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ نَحْوِهِ فَأَخْرَجَهُ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ لِخُرُوجِهِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَلَوْ وَضَعَهُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ فَحَرَّكَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 486 أَوْ وَاقِفَةٍ فَمَشَتْ بِوَضْعِهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدٍ، وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ. وَلَوْ سَرَقَ صَغِيرًا بِقِلَادَةٍ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] غَيْرُهُ حَتَّى خَرَجَ فَالْقَطْعُ عَلَى الْمُحَرِّكِ، وَقَدْ يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَ الْحِرْزِ وَاحْتَالَ بِرَمْيِ أَحْجَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ الْأُتْرُجُّ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الثِّمَارِ فِي الْمَاءِ وَخَرَجَتْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخِرِ، فَالْأَصَحُّ لَا قَطْعَ، وَبِقَوْلِهِ هَابَّةٍ عَمَّا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً وَوَضَعَهُ عَلَى الطَّرْفِ فَهَبَّتْ وَأَخْرَجَتْهُ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْمَاءِ الرَّاكِدِ فِيمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ سَائِرَةٍ: أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْ الْحِرْزِ. أَمَّا لَوْ كَانَتْ سَائِرَةً مِنْ جَانِبٍ مِنْ الدَّارِ إلَى جَانِبٍ آخَرَ مِنْهَا فَوَضَعَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَرَضَ لَهَا الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهُ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ عَلَيْهَا وَهِيَ وَاقِفَةٌ ثُمَّ سَارَتْ، وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (أَوْ) وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ (وَاقِفَةٍ فَمَشَتْ بِوَضْعِهِ) حَتَّى خَرَجَتْ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ (فَلَا) قَطْعَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لَهَا اخْتِيَارًا فِي السَّيْرِ، فَإِذَا لَمْ يَسُقْهَا فَقَدْ سَارَتْ بِاخْتِيَارِهَا، وَالثَّانِي يُقْطَعُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَإِنَّ الدَّابَّةَ إذَا حَمَلَتْ سَارَتْ، وَالثَّالِثُ إنْ سَارَتْ عَقِبَ الْوَضْعِ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ نَظِيرُ الْمُصَحَّحِ فِي فَتْحِ قَفَصِ الطَّائِرِ. فُرُوعٌ لَوْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً مَثَلًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ مِنْهُ قُطِعَ إنْ خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدُ لِبَقَائِهَا بِحَالِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهَا فِيهِ أَوْ وِعَاءٍ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ فَلَا قَطْعَ لِاسْتِهْلَاكِهَا فِي الْحِرْزِ كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمَسْرُوقَ فِي الْحِرْزِ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ لَكِنْ (نَقَصَتْ) قِيمَتُهَا حَالَ الْخُرُوجِ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ. وَلَوْ تَضَمَّخَ بِطِيبٍ فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ جُمِعَ مِنْ جِسْمِهِ نِصَابٌ مِنْهُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ إتْلَافًا لَهُ كَالطَّعَامِ. وَلَوْ رَبَطَ لُؤْلُؤَةً مَثَلًا بِجَنَاحِ طَائِرٍ ثُمَّ طَيَّرَهُ قُطِعَ كَمَا لَوْ وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ ثُمَّ سَيَّرَهَا. (وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدٍ وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ) وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْمُكَاتَبَ، وَالرَّافِعِيُّ الْمُبَعَّضَ. فَإِنْ قِيلَ: رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِرَجُلٍ يَسْرِقُ الصِّبْيَانَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فَيَبِيعُهُمْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ» فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَرِقَّاءِ، وَحُكْمُهُمْ أَنَّهُ إنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ رَقِيقًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ عُجْمَةٍ أَوْ جُنُونٍ قُطِعَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَحِرْزُهُ فِنَاءُ الدَّارِ وَنَحْوُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مَطْرُوقًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَسَوَاءٌ أَحَمَلَهُ السَّارِقُ أَوْ دَعَاهُ فَأَجَابَهُ لِأَنَّهُ كَالْبَهِيمَةِ تُسَاقُ أَوْ تُقَادُ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْمُمَيِّزَ فَخَرَجَ مِنْ الْحِرْزِ قُطِعَ كَمَا لَوْ سَاقَ الْبَهِيمَةَ بِالضَّرْبِ، وَلِأَنَّ الْقُوَّةَ الَّتِي هِيَ الْحِرْزُ قَدْ زَالَتْ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ بِخَدِيعَةٍ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهَا خِيَانَةٌ لَا سَرِقَةٌ، وَلَوْ حَمَلَ عَبْدًا مُمَيِّزًا قَوِيًّا عَلَى الِامْتِنَاعِ نَائِمًا أَوْ سَكْرَانَ قُطِعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي أُمِّ الْوَلَدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَهُ مُسْتَيْقِظًا فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِقُوَّتِهِ وَهِيَ مَعَهُ. (وَلَوْ سَرَقَ) حُرًّا (صَغِيرًا) لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا أَوْ أَعْمًى مِنْ مَوْضِعٍ لَا يُنْسَبُ لِتَضْيِيعٍ (بِقِلَادَةٍ) أَوْ مَالٍ غَيْرِهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهِ مِنْ حِيلَةٍ وَمُلَابَسَةٍ وَذَلِكَ نِصَابٌ (فَكَذَا) لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لِلْحُرِّ يَدًا عَلَى مَا مَعَهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 487 وَلَوْ نَامَ عَبْدٌ عَلَى بَعِيرٍ فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْقَافِلَةِ قُطِعَ، أَوْ حُرٌّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَلَ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ إلَى صَحْنِ دَارٍ بَابُهَا مَفْتُوحٌ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ كَانَا مُغْلَقَيْنِ قُطِعَ.   [مغني المحتاج] وَلِهَذَا لَوْ وُجِدَ مُنْفَرِدًا وَمَعَهُ حُلِيٌّ حُكِمَ لَهُ بِهِ فَصَارَ كَمَنْ سَرَقَ جَمَلًا وَصَاحِبُهُ رَاكِبُهُ، وَالثَّانِي يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِأَجْلِ مَا مَعَهُ. أَمَّا إذَا سَرَقَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُنْسَبُ لِتَضْيِيعٍ فَلَا يُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ أَوْ كَانَ مَا مَعَهُ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ حِرْزٍ مِثْلِهِ قُطِعَ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ مِنْ حِرْزٍ يَصْلُحُ لِلصَّبِيِّ دُونَهُ لَمْ يُقْطَعْ بِلَا خِلَافٍ، ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَتْ الْقِلَادَةُ لِلصَّبِيِّ، فَلَوْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حِرْزٍ مِثْلِهَا قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا جَزْمًا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَخْرَجَ الصَّبِيَّ مِنْ الْحِرْزِ ثُمَّ نَزَعَ الْقِلَادَةَ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ حِرْزٍ. وَلَوْ سَرَقَ قِلَادَةً مَثَلًا مُعَلَّقَةً عَلَى صَغِيرٍ وَلَوْ حُرًّا أَوْ كَلْبٍ مُحْرَزَيْنِ أَوْ سَرَقَهَا مَعَ الْكَلْبِ قُطِعَ، وَحِرْزُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حِرْزُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ، وَحِرْزُ الْكَلْبِ حِرْزُ الدَّوَابِّ. (وَلَوْ نَامَ عَبْدٌ عَلَى بَعِيرٍ) فَجَاءَ سَارِقٌ (فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْقَافِلَةِ) إلَى مَضْيَعَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (قُطِعَ) لِأَنَّهُ كَانَ مُحْرَزًا بِالْقَافِلَةِ وَالْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ مَسْرُوقٌ وَثَبَتَتْ الْيَدُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ (أَوْ) نَامَ (حُرٌّ) عَلَى بَعِيرٍ إلَخْ (فَلَا) يُقْطَعُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْبَعِيرَ بِيَدِهِ، سَوَاءٌ أَنْزَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْهُ أَمْ لَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْجَزْمَ فِي الْعَبْدِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأُولَى لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الْبَعِيرِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْبَعِيرَ كَانَ مُحْرَزًا بِالْقَافِلَةِ، وَخَرَجَ بِنَامَ مَا لَوْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ إلَى قَافِلَةٍ أُخْرَى أَوْ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ لَمْ يُقْطَعْ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْأُولَى أَيْضًا وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِهَذَا أَسْقَطَ ابْنُ الْمُقْرِي ذِكْرَ الْمَضْيَعَةِ مِنْ رَوْضِهِ. (وَلَوْ نَقَلَ) الْمَالَ مِنْ بَعْضِ زَوَايَا الْبَيْتِ لِبَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ. أَوْ نَقَلَ الْمَالَ (مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ (إلَى صَحْنِ دَارٍ بَابُهَا مَفْتُوحٌ) وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا (قُطِعَ) جَزْمًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ وَجَعَلَهُ فِي مَحَلِّ الضَّيَاعِ (وَإِلَّا) صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ مَفْتُوحًا وَبَابُ الدَّارِ مُغْلَقًا، الثَّانِيَة أَنْ يَكُونَا مُغْلَقَيْنِ وَالْعَرْصَةُ حِرْزٌ لِلْمَخْرَجِ، الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَا مَفْتُوحَتَيْنِ وَلَا حَافِظَ ثَمَّ (فَلَا) يُقْطَعُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَيَيْنِ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ، وَالْمَالُ فِي الثَّالِثَةِ غَيْرُ مُحْرَزٍ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّهُ فِي الثَّالِثَةِ إذَا فَتَحَ الْبَابَ غَيْرُ السَّارِقِ كَأَنْ تَسَوَّرَ السَّارِقُ الْجِدَارَ وَفَتَحَ الْبَابَ غَيْرُهُ. أَمَّا إذَا فَتَحَهُ هُوَ فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْمُغْلَقِ حَتَّى لَا يُقْطَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُقْطَعَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ (وَقِيلَ إنْ كَانَا) أَيْ: بَابُ الْبَيْتِ وَالدَّارِ (مُغْلَقَيْنِ قُطِعَ) لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزٍ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ فَأَشْبَهَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 488 وَبَيْتُ خَانٍ وَصَحْنُهُ كَبَيْتٍ، وَدَارٍ فِي الْأَصَحِّ. [فَصْلٌ] لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ. وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ   [مغني المحتاج] مَا إذَا أُخْرِجَ مِنْ الصُّنْدُوقِ الْمُغْلَقِ إلَى الْبَيْتِ الْمُغْلَقِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الْبَيْتِ. (وَبَيْتُ خَانٍ) أَوْ رِبَاطٌ أَوْ نَحْوُهُ (وَصَحْنُهُ كَبَيْتٍ، وَ) صَحْنُ (دَارٍ فِي الْأَصَحِّ) فَيَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْخَانِ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا كَمَا إذَا أُخْرِجَ مِنْ الْبَيْتِ إلَى صَحْنِ الدَّارِ، وَالثَّانِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ صَحْنَ الْخَانِ لَيْسَ حِرْزًا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ: بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السُّكَّانِ فَهُوَ كَالسِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ السَّارِقُ مِنْ غَيْرِ سُكَّانِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ وَسَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةِ الْمُغْلَقَيْنِ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْعَرْصَةِ لَمْ يُقْطَعْ. فُرُوعٌ: لَوْ سَرَقَ الضَّيْفُ مِنْ مَكَانٍ مُضِيفِهِ أَوْ الْجَارُ مِنْ حَانُوتِ جَارِهِ أَوْ الْمُغْتَسِلُ مِنْ الْحَمَّامِ، وَإِنْ دَخَلَ لِيَسْرِقَ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الدُّكَّانِ الْمَطْرُوقِ لِلنَّاسِ مَا لَيْسَ مُحْرَزًا عَنْهُ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي سَرِقَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ لِيَسْرِقَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَوْ لِيَغْتَسِلَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَتَغَفَّلَ حَمَّامِيًّا أَوْ غَيْرَهُ اُسْتُحْفِظَ مَتَاعًا فَحَفِظَهُ وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ الْحَمَّامِ قُطِعَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يُسْتَحْفَظْ أَوْ اُسْتُحْفِظَ فَلَمْ يَحْفَظْ لِنَوْمٍ أَوْ إعْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَافِظٌ، وَلَوْ نَزَعَ شَخْصٌ ثِيَابَهُ فِي الْحَمَّامِ وَالْحَمَّامِيُّ أَوْ الْحَارِسُ جَالِسٌ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ وَلَا اسْتَحْفَظَهُ: بَلْ دَخَلَ عَلَى الْعَادَةِ فَسُرِقَتْ فَلَا قَطْعَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ وَلَا عَلَى الْحَارِسِ. وَلَوْ سَرَقَ السُّفُنَ مِنْ الشَّطِّ وَهُوَ جَانِبُ النَّهْرِ وَالْوَادِي وَجَمْعُهُ شُطُوطٌ وَهِيَ مَشْدُودَةٌ قُطِعَ لِأَنَّهَا مُحْرَزَةٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْدُودَةٌ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ فِي الْعَادَةِ. [فَصْل فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا] [فَصْلٌ] فِي شُرُوطِ السَّارِقِ وَفِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ وَمَا يُقْطَعُ بِهَا، وَشُرُوطُ السَّارِقِ تَكْلِيفٌ، وَاخْتِيَارٌ، وَالْتِزَامٌ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِ السَّرِقَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْفَارِقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَحِينَئِذٍ (لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمْ وَحَرْبِيٌّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَأَعْجَمِيٌّ أَمَرَ بِسَرِقَةٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهَا أَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ لِعُذْرِهِ، وَقُطِعَ السَّكْرَانُ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْحُكْمِ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ يُقْطَعُ وَلَيْسَ مُرَادًا، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِعُجْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ فِيمَا لَوْ نَقَبَ ثُمَّ أَمَرَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَأَخْرَجَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى الْآمِرِ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلَهُ. (وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 489 بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَفِي مُعَاهَدٍ أَقْوَالٌ: أَحْسَنُهَا إنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْت: الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا قَطْعَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ،   [مغني المحتاج] بِمَالِ مُسْلِمٍ وَ) مَالِ (ذِمِّيٍّ) أَمَّا قَطْعُ الْمُسْلِمِ بِمَالِ الْمُسْلِمِ فَبِإِجْمَاعٍ. وَأَمَّا قَطْعُهُ بِمَالِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ بِذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ. وَأَمَّا قَطْعُ الذِّمِّيِّ بِمَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَلِالْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، سَوَاءٌ أَرَضِيَ بِحُكْمِنَا أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ لَا يُقْطَعُ بِمَالِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤْمِنِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لَا يُقْطَعُ بِمَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَفِي) سَرِقَةِ (مُعَاهَدٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَمُسْتَأْمَنٍ إذَا سَرَقَ وَلَوْ لِمُعَاهَدٍ (أَقْوَالٌ: أَحْسَنُهَا) كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَفِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَقْرَبُ (إنْ شُرِطَ) عَلَيْهِ فِي عَهْدِهِ (قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ) لِالْتِزَامِهِ (وَإِلَّا فَلَا) يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (قُلْت: الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا قَطْعَ) مُطْلَقًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَقَالَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، وَالثَّالِثُ يُقْطَعُ مُطْلَقًا كَالذِّمِّيِّ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُرْشِدِ وَصَحَّحَهُ مُجَلِّي، وَخَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ الْخِلَافَ بِمَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، فَإِنْ سَرَقَ مَالَ مُعَاهَدٍ فَلَا يُقْطَعُ قَطْعًا. وَأَمَّا الْمَالُ الْمَسْرُوقُ فَيَجِبُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْهُ جَزْمًا إنْ بَقِيَ، وَبَدَلُهُ إنْ تَلِفَ. (وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي الْمَرْدُودَةِ) كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ سَرِقَةَ نِصَابٍ فَيَنْكُلُ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي وَيُحَلَّفُ فَيَجِبُ الْقَطْعُ (فِي الْأَصَحِّ) وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ، وَالْقَطْعُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَأَشْبَهَ الْقِصَاصَ، وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ بِهَا لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أُكْرِهُ أَمَتِي عَلَى الزِّنَا، وَحَلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُثْبِتُ الْمَهْرَ دُونَ حَدِّ الزِّنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْيَمِينِ مِنْ الدَّعَاوَى، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِنَصِّ الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَإِقْرَارِ السَّارِقِ. تَنْبِيهٌ هَذَا الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ. أَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ قَطْعًا (أَوْ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ) مُؤَاخَذَةٌ لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِقْرَارَ وَلَهُ شَرْطَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ قَبْلَهَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ فِي الْمَالِ: بَلْ يُوقَفُ عَلَى حُضُورِ الْمَالِكِ وَطَلَبِهِ كَمَا سَيَأْتِي. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 490 وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ. وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ.   [مغني المحتاج] ثَانِيهُمَا أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ كَالشَّهَادَةِ فَيُبَيِّنُ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ وَالْحِرْزِ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي رَقِيقِهِ كَمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَالْمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ) عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ، وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْقَطْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مَا يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَطْعُهُ. أَمَّا الْغُرْمُ فَلَا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ، وَيُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّالِثُ يُقْبَلُ فِي الْقَطْعِ لَا فِي الْمَالِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَرْعَانِ أَحَدُهُمَا: لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. ثَانِيهِمَا: لَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ رَجَعَ. قَالَ الْقَاضِي: سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ اهـ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزِّنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالتَّرْجِيحُ فِيهِ، وَهُوَ إنْ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْبَيِّنَةِ لَا يَسْقُطُ، أَوْ إلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ رُجُوعِهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُقِرَّيْنِ بِالسَّرِقَةِ عَنْ إقْرَارِهِ دُونَ الْآخَرِ فَقَطْ. (وَمَنْ أَقَرَّ) ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ دَعْوَى (بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِمُقْتَضِيهَا كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا (فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُقِرِّ (بِالرُّجُوعِ) عَمَّا أَقَرَّ بِهِ مِمَّا يَقْبَلُ فِيهِ رُجُوعَهُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ فِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّكَ أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَفِي الزِّنَا: لَعَلَّك فَاخَذْتَ أَوْ لَمَسْتَ، وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْته مُسْكِرٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ مَا أَخَالُكَ سَرَقْتَ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» . وَقَالَ لِمَاعِزٍ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَا) يُصَرِّحُ بِذَلِكَ فَلَا (يَقُولُ) لَهُ (ارْجِعْ) عَنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَأَجْحِدْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ، وَالثَّانِي لَا يُعَرِّضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يُصَرِّحُ لَهُ بِهِ، وَالثَّالِثُ، يُعَرِّضُ لَهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَإِنْ عَلِمَ فَلَا. تَنْبِيهَاتٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ. لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِالْإِقْرَارِ عَمَّا إذَا ثَبَتَ زِنَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ، وَبِقَوْلِهِ: وَمَنْ أَقَرَّ، عَمَّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ، فَإِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالْإِنْكَارِ وَيَحْمِلَهُ عَلَيْهِ: أَيْ يُلَقِّنَهُ إيَّاهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 491 وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ أَنَّهُ أَكْرَهَ أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى زِنًا حُدَّ فِي الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] قَطْعًا، وَبِقَوْلِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهُ لَا يُعَرِّضُ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا. وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ نَعَمْ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السِّتْرِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَوْ مَكْرُوهٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَوَّلُ اهـ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ، مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فِي الْحَدِّ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ تَشْفِيعَهُ فِيهِ. أَمَّا قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ فَأَجَازَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ شَرٍّ وَأَذًى لِلنَّاسِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْفَعْ، وَسَتَأْتِي الشَّفَاعَةُ فِي التَّعْزِيرِ فِي بَابِهِ. (وَلَوْ أَقَرَّ) شَخْصٌ (بِلَا) سَبْقِ (دَعْوَى) عَلَيْهِ (أَنَّهُ سَرَقَ مَالِ زَيْدٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ) وَمُطَالَبَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَضَرَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَبَاحَ لَهُ الْمَالَ أَوْ يُقِرُّ لَهُ بِالْمِلْكِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ، وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ لِلشُّبْهَةِ، وَالثَّانِي يُقْطَعُ فِي الْحَالِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ حُضُورُهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَقْدُمَ الْغَائِبُ أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ: وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَصَحَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. تَنْبِيهٌ لَوْ سُرِقَ مَالُ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ. قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ سَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَظَرْنَا بُلُوغَهُ أَوْ إفَاقَتَهُ أَوْ رُشْدَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا سَرَقَهُ كَالْغَائِبِ. فَرْعَانِ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ لِغَائِبٍ بِمَالٍ لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَاكِمُ بِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَالِ الْغَائِبِ إلَّا إنْ مَاتَ الْغَائِبُ عَنْ الْمَالِ وَخَلَّفَهُ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُقِرَّ بِهِ وَيَحْبِسَهُ. وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ دُونَ النِّصَابِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا إنْ صَدَّقَهُ سَيِّدُهُ أَوْ نِصَابٍ قُطِعَ كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ (أَوْ) أَقَرَّ (أَنَّهُ أَكْرَهَ أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى زِنًا حُدَّ فِي الْحَالِ) وَلَمْ يُنْتَظَرْ حُضُورُ الْغَائِبِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ، وَلَوْ حَضَرَ وَقَالَ: كُنْت أَبَحْتُهَا لَهُ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ، لِأَنَّ إبَاحَةَ الْبُضْعِ مُلْغَاةٌ. وَالثَّانِي يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، وَالْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ، إنْ جَعَلْنَاهُ لَهُ فَلَا حَدَّ، وَإِلَّا حُدَّ. تَنْبِيهٌ: ذِكْرُ الْإِكْرَاهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: زَنَيْت بِأَمَةِ فُلَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ إكْرَاهًا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقًّا لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ الْمَهْرُ، لَكِنَّ هَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحَدِّ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 492 وَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ، وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ شُرُوطُ السَّرِقَةِ. وَلَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ كَقَوْلِهِ: سَرَقَ بُكْرَةً، وَالْآخَرِ عَشِيَّةً فَبَاطِلَةٌ.   [مغني المحتاج] (وَتَثْبُتُ) السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ غَيْرِ الزِّنَا فَإِنَّهُ خُصَّ بِمَزِيدِ الْعَدَدِ (فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) بِسَرِقَةٍ أَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا بِهَا وَحَلَفَ مَعَهُ (ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا قَطْعَ) عَلَى السَّارِقِ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ عَلَى غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ثُبُوتِ الْمَالِ مَا إذَا شَهِدُوا بَعْدَ دَعْوَى الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ، فَلَوْ شَهِدُوا حِسْبَةً لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُنْصَبَّةٌ إلَى الْمَالِ، وَشَهَادَةَ الْحِسْبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ (وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ) بِسَرِقَةِ مَالٍ. [فَصَلِّ فِي شُرُوطُ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ] (شُرُوطُ السَّرِقَةِ) الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِبَيَانِ السَّارِقِ بِالْإِشَارَةِ إلَى عَيْنِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَبِذِكْرِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ إنْ كَانَ غَائِبًا. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ عَلَى غَائِبٍ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا إنَّمَا سُمِعَتْ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَالِ، وَلِهَذَا لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَالِكُ وَيَدَّعِيَ بِمَالِهِ كَمَا مَرَّ، وَبِبَيَانِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالْمَسْرُوقِ، وَكَوْنُ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ بِتَعْيِينِهِ أَوْ وَصْفِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ، إذْ قَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِسَرِقَةٍ سَرِقَةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ إطْلَاقِهِ مَوَاضِعَ. إحْدَاهَا: أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْقَطْعِ كَوْنُ الْمَسْرُوقِ نِصَابًا، وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَهُ الشَّاهِدُ، بَلْ يَكْفِي تَعْيِينُ الْمَسْرُوقِ، ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ نِصَابٌ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ. ثَانِيهَا وَمِنْ شُرُوطِهِ كَوْنُ الْمَسْرُوقِ مِلْكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ، وَهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: سَرَقَ هَذَا، ثُمَّ الْمَالِكُ يَقُولُ هَذَا مِلْكِي وَالسَّارِقُ يُوَافِقُهُ. ثَالِثُهَا: وَمِنْ شُرُوطِهِ عَدَمُ الشُّبْهَةِ، وَمُقْتَضَاهُ اعْتِبَارُ أَنْ يَقُولَ فِي شَهَادَتِهِ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً، وَقَدْ حَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ. الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَلَكِنَّ هَذَا تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى عَلَى هَذَا، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ وَيُشْتَرَطُ اتِّفَاقُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا. (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ) فِي وَقْتِ الشَّهَادَةِ (كَقَوْلِهِ) أَيْ: أَحَدِهِمَا (سَرَقَ بُكْرَةً، وَ) قَوْلِ (الْآخَرِ) سَرَقَ (عَشِيَّةً فَبَاطِلَةٌ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلٍ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: فَبَاطِلَةٌ: أَيْ: النِّسْبَةُ إلَى الْقَطْعِ. أَمَّا الْمَالُ فَإِنْ حَلَفَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَعَ الشَّاهِدِ أَخَذَ الْغُرْمَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا، كَذَا قَالَاهُ، وَالْمُرَادُ حَلَفَ مَعَ مَنْ وَافَقَتْ شَهَادَتُهُ دَعْوَاهُ: أَيْ: الْحَقُّ فِي زَعْمِهِ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الْكِفَايَةِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 493 وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ. فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَثَالِثًا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَرَابِعًا رِجْلُهُ الْيُمْنَى،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الِاخْتِلَافَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَادِحُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: سَرَقَ كِيسًا، وَقَالَ الْآخَرُ: كِيسَيْنِ، ثَبَتَ الْوَاحِدُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ إنْ كَانَ نِصَابًا، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةٍ وَاثْنَانِ بِسَرِقَةٍ فَإِنْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ثَبَتَ الْقَطْعُ وَالْمَالَانِ، وَإِنْ تَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ كَأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ كَذَا غَدْوَةٌ، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ شَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَآخَرُ بِأَسْوَدَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ الثَّوْبَ الْآخَرَ وَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَا يُقَالُ: تَعَارَضَتْ شَهَادَتُهُمَا، لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَتِمَّ، وَلَا قَطْعَ لِاخْتِلَافِ شَهَادَتِهِمَا. (وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ) إنْ بَقِيَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قُطِعَ لَمْ يَغْرَمْ، وَإِنْ غَرِمَ لَهُ لَمْ يُقْطَعْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. لَنَا أَنَّ الْقَطْعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالضَّمَانَ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرُ إسْقَاطَ مَالِ الْغَيْرِ. وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْرُوقِ مَنْفَعَةٌ اسْتَوْفَاهَا السَّارِقُ أَوْ عَطَّلَهَا وَجَبَتْ أُجْرَتُهَا كَالْمَغْصُوبِ. وَلَوْ أَعَادَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ إلَى الْحِرْزِ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَلَا الضَّمَانُ عَنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْقُطَانِ. وَعَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ وَيُقْطَعُ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَوْ قِيلَ بِالْعَكْسِ لَكَانَ مَذْهَبًا لِدَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ (فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ) بِبَدَلِهِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ. (وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ) أَيْ يَدُهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا وَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَمِينَهُ» ، وَكَذَا فَعَلَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَقَالَ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقُرِئَ شَاذًّا: فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ. وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهَا، فَقَلَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ فَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: «شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى» . قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَاحْذَرْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ وَلَمْ يُقْطَعْ ذَكَرُ الزَّانِي؟ . أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْيَدَ لِلسَّارِقِ مِثْلُهَا غَالِبًا فَلَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ. الثَّانِي: أَنَّ فِي قَطْعِ الذَّكَرِ إبْطَالُ النَّسْلِ غَالِبًا، وَالْحِكْمَةُ فِي قَطْعِ الْيُمْنَى أَوَّلًا أَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى غَالِبًا فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَرْدَعُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَطْعِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ شَلَّاءَ وَإِلَّا رُوجِعَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَتُسَدُّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ قُطِعَتْ وَاكْتُفِيَ بِهَا، وَإِلَّا لَمْ تُقْطَعْ. لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الرُّوحِ (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا) أَيْ: يَدِهِ الْيُمْنَى (فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى) تُقْطَعُ إنْ بَرِئَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى، وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِلْبُرْءِ (وَ) إنْ سَرَقَ (ثَالِثًا) بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى تُقْطَعُ (يَدُهُ الْيُسْرَى وَ) إنْ سَرَقَ (رَابِعًا) بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى تُقْطَعُ (رِجْلُهُ الْيُمْنَى) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجزء: 5 ¦ الصفحة: 494 وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعَزَّرُ وَيُغْمَسُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مُغْلًى، قِيلَ: هُوَ تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ، فَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ وَلِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ. وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ،   [مغني المحتاج] «قَالَ فِي السَّارِقِ: إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَالْحِكْمَةُ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ أَنَّ اعْتِمَادَ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ عَلَى الْبَطْشِ وَالْمَشْيِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَنْقُلُ بِرِجْلِهِ فَتَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِهِمَا، وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَتَضْعُفُ حَرَكَتُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مَرَّتَيْنِ تَعْدِلُ الْحِرَابَةَ شَرْعًا، وَالْمُحَارِبُ تُقْطَعُ أَوَّلًا يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الثَّانِيَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْطَعْ الرِّجْلُ إلَّا بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَدِ؛ لِئَلَّا تُفْضِيَ الْمُوَالَاةُ إلَى الْهَلَاكِ، وَخَالَفَ مُوَالَاتَهُمَا فِي الْحِرَابَةِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُمَا فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ (وَبَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا سَرَقَ خَامِسًا فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ (يُعَزَّرُ) لِأَنَّ الْقَطْعَ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ، وَالسَّرِقَةُ مَعْصِيَةٌ فَتَعَيَّنَ التَّعْزِيرُ: كَمَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا وَلَا يُقْتَلُ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُ. أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِزِنًا. أَوْ اسْتِحْلَالٍ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، بَلْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ أَوْجَبَتْ حَدًّا لَمْ يُوجِبْ تَكْرَارُهَا الْقَتْلَ كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ (وَيُغْمَسُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مُغْلًى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَغْلَى. أَمَّا فَتْحُ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ عَلَى زِنَةِ مَفْعُولٍ فَلَحْنٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَفِعْلُ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْمَعْنَى فِيهِ سَدُّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُهُ بِغَيْرِ الزَّيْتِ وَالدُّهْنِ، وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الْحَسْمِ بِالنَّارِ، وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فَجَعَلَ الزَّيْتَ لِلْحَضَرِيِّ، وَالنَّارَ لِلْبَدْوِيِّ؛ لِأَنَّهَا عَادَتُهُمْ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ (قِيلَ: هُوَ) أَيْ: الْغَمْسُ الْمُسَمَّى بِالْحَسْمِ (تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ) فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إهْمَالُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَزِيدَ إيلَامٍ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ) أَيْ: الْغَمْسَ الْمَذْكُورَ (حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ الْمُعَالَجَةُ وَدَفْعُ الْهَلَاكِ بِنَزْفِ الدَّمِ (فَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ) كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ إلَى أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ مَنْ يَنْصِبُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُؤْنَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى الْمَقْطُوعِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُؤْنَةِ الْجَلَّادِ (وَ) عَلَى الْأَصَحِّ (لِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ) وَلَا يُجْبَرُ الْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ، وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ الْأَمْرُ بِهِ عَقِبَ الْقَطْعِ، وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَقْطُوعِ، لِأَنَّهُ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ. نَعَمْ لَوْ كَانَ إهْمَالُهُ يُؤَدِّي إلَى تَلَفٍ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِإِغْمَاءٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَتُقْطَعُ الْيَدُ) بِحَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً (مِنْ الْكُوعِ) أَيْ: مَفْصِلِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْبَطْشَ بِالْكَفِّ وَمَا زَادَ مِنْ الذِّرَاعِ تَابِعٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ فِي قَطْعِ الْكَفِّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 495 وَالرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ. وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا بِلَا قَطْعٍ كَفَتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ نَقَصَتْ أَرْبَعَ أَصَابِعَ قُلْت: وَكَذَا لَوْ ذَهَبَتْ الْخَمْسُ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَةٌ أُصْبُعًا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الدِّيَةُ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ حُكُومَةٌ (وَ) تُقْطَعُ (الرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ اتِّبَاعًا لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ الْكَعْبُ لِيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. تَنْبِيهٌ يُنْدَبُ خَلْعُ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ قَبْلَ قَطْعِهِ تَسْهِيلًا لِقَطْعِهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ جَالِسًا، وَأَنْ يُضْبَطَ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ، وَأَنْ يُعَلَّقَ الْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ فِي عُنُقِهِ سَاعَةً لِلزَّجْرِ وَالتَّنْكِيلِ. (وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا) مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ (بِلَا قَطْعٍ كَفَتْ يَمِينُهُ) أَيْ: قَطْعُهَا فَقَطْ عَنْ جَمِيعِ الْمِرَارِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ: كَمَا لَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْمَحْرَمَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ تَعَدُّدٌ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقًّا لِآدَمِيٍّ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحَدِّ. تَنْبِيهٌ بِمَا يَبْدَأُ فِي الْقَطْعِ غَيْرُ الْيَدِ الْيُمْنَى فِي ذَلِكَ مِثْلُهَا وَيَكْفِي قَطْعُهَا (وَإِنْ نَقَصَتْ) يَمِينُهُ (أَرْبَعَ أَصَابِعَ) وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِحُصُولِ الْإِيلَامِ وَالتَّنْكِيلِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَكَذَا لَوْ ذَهَبَتْ) الْأَصَابِعُ (الْخَمْسُ) كُلُّهَا كَفَتْ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ اسْمَ الْيَدِ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَعَ نَقْصِ أَصَابِعِهَا كَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَعَ زِيَادَتِهَا فَانْدَرَجَتْ فِي الْآيَةِ. وَالثَّانِي لَا تَكْفِي بَلْ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِانْتِفَاءِ الْبَطْشِ. تَنْبِيهٌ يَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ سَقَطَ بَعْضُ الْكَفِّ وَبَقِيَ مَحَلُّ الْقَطْعِ، فَلَوْ قَالَ: وَكَذَا لَوْ سَقَطَ بَعْضُ الْكَفِّ مَعَ الْخَمْسِ لَأَفَادَ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. (وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَةٌ أُصْبُعًا) أَوْ أَكْثَرَ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ فَإِنَّ اسْمَ الْيَدِ يَتَنَاوَلُ مَا عَلَيْهِ خَمْسٌ أَوْ أَكْثَرُ. وَالثَّانِي لَا، بَلْ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ. تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ لَهُ كَفَّانِ عَلَى مِعْصَمِهِ قُطِعَتْ الْأَصْلِيَّةُ مِنْهُمَا إنْ تَمَيَّزَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِ الزَّائِدَةِ وَإِلَّا فَيُقْطَعَانِ، وَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ. هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَطْعَهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَاَلَّذِي فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ إنْ تَمَيَّزَتْ الْأَصْلِيَّةُ قُطِعَتْ وَإِلَّا فَإِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَلَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ يَدٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَصَوَّبَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: لَنْ يُشْكِلَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ صُحِّحَ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكَلِ كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 496 وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ بِآفَةٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، أَوْ يَسَارُهُ فَلَا عَلَى الْمَذْهَبِ. بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ   [مغني المحتاج] لَا يُخْتَنُ فِي أَحَدِ فَرْجَيْهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْجُرْحَ مَعَ الْإِشْكَالِ مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ قِيلَ بِإِجْرَاءِ وَجْهٍ ثَالِثٍ: إنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لَمْ يُبْعَدْ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا، وَقَدْ الْتَبَسَتْ بِالْأَصْلِيَّةِ اهـ. وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ السَّارِقَ إنَّمَا قُطِعَتْ يَدُهُ مَعَ الْإِشْكَالِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ إلَّا بِالزَّائِدَةِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ، فَإِنْ أَمْكَنَ قَطْعُ الْأَصْلِيَّةِ وَقَطَعْنَاهَا، ثُمَّ سَرَقَ ثَانِيًا، وَقَدْ صَارَتْ الزَّائِدَةُ أَصْلِيَّةً بِأَنْ صَارَتْ بَاطِشَةً أَوْ كَانَتْ الْكَفَّانِ أَصْلِيَّتَيْنِ وَقُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فِي سَرِقَةٍ قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ. وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْخِلْقَة الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ. (وَلَوْ سَرَقَ) شَخْصٌ (فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ) مَثَلًا (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ قُطِعَتْ فِي قِصَاصٍ (سَقَطَ الْقَطْعُ) فِي الْيَدِ السَّاقِطَةِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الرِّجْلِ لِأَنَّ الْقَطْعَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا فَسَقَطَ بِفَوَاتِهَا كَمَوْتِ الْمُرْتَدِّ، وَكَذَا لَوْ شُلَّتْ بَعْدَ السَّرِقَةِ وَخِيفَ مِنْ قَطْعِهَا تَلَفُ النَّفْسِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، فَإِنَّ رِجْلَهُ تُقْطَعُ (أَوْ) سَقَطَتْ (يَسَارُهُ) بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ مَعَ بَقَاءِ الْيَمِينِ (فَلَا) يَسْقُطُ قَطْعُ الْيَمِينِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِبَقَاءِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، وَقِيلَ: يَسْقُطُ فِي قَوْلٍ، وَحُكْمُ الرِّجْلِ حُكْمُ الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ. خَاتِمَةٌ لَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا سُئِلَ الْجَلَّادُ، فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا، غَرِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ حَلِفِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ إنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُحْتَمَلٌ فَكَانَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا تَحْرُمُ الدِّيَةُ لِقَطْعِهِ عُضْوًا مَعْصُومًا وَأَجْزَأَتْهُ عَنْ قَطْعِ الْيَمِينِ لِئَلَّا تُقْطَعَ يَدَاهُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ. أَوْ قَالَ: عَلِمْتهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ. هَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا عَنْ الْيَمِينِ أَوْ إبَاحَتَهَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ، وَلَمْ تُجْزِهِ الْيَسَارُ. عَنْ الْيَمِينِ، بَلْ تُقْطَعُ يَمِينُهُ حَدًّا لِأَنَّهَا الَّذِي وَجَبَ قَطْعُهَا وَهِيَ بَاقِيَةً فَلَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا كَالْقِصَاصِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْجَلَّادَ يُسْأَلُ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَحَكَى مَعَهَا طَرِيقَةً أُخْرَى، وَهِيَ إنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ، أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُومِئُ إلَى الْأُولَى وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَإِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ. [بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ] (بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ خَوْفًا مِنْهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ. قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: نَزَلَتْ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ، لَا فِي الْكُفَّارِ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 497 هُوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَهُ شَوْكَةٌ، لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ،   [مغني المحتاج] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ، إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَيْرِهِمْ، وَفِي أَبِي دَاوُد أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعُرَنِيِّينَ، وَفِي النَّسَائِيّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُحَارِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (هُوَ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ (مُسْلِمٌ) أَوْ مُرْتَدٌّ أَوْ ذِمِّيٌّ كَمَا فِي السَّارِقِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَوْلَى، فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ بَعْدَ الْكَشْفِ التَّامِّ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الْإِسْلَامُ إلَّا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ رَأَيْتُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي آخِرِ الْأُمِّ مُصَرِّحًا بِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. قَالَ: وَلَا أَثَرَ لِلتَّعَلُّقِ بِسَبَبِ النُّزُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ عَلَى الْأَصَحِّ (مُكَلَّفٌ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُكَلَّفِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُخْتَارٌ (لَهُ شَوْكَةٌ) أَيْ: قُوَّةٌ وَقُدْرَةٌ يَغْلِبُ بِهَا غَيْرَهُ. تَنْبِيهٌ إفْرَادُ الْمُصَنِّفِ الصِّفَاتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ عَدَدٌ وَلَا ذُكُورَةٌ وَلَا سِلَاحٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَالْوَاحِدُ وَلَوْ أُنْثَى إذَا كَانَ لَهُ فَضْلُ قُوَّةٍ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَتَعَرَّضَ لِلنَّفْسِ وَلِلْمَالِ مُجَاهَرَةً مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَفَقَدَ الْغَوْثَ. . إلَخْ قَاطِعٍ، وَكَذَا الْخَارِجُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ إنْ كَانَ لَهُ قُوَّةٌ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَلَوْ بِاللَّكْزِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ آلَةٍ، وَخَرَجَ بِمُلْتَزِمٍ الْحَرْبِيُّ وَالْمُعَاهَدُ، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ إلَّا السَّكْرَانَ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ ضَمِنَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ النَّفْسَ وَالْمَالَ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَبِالِاخْتِيَارِ الْمُكْرَهُ، وَبِالشَّوْكَةِ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (لَا مُخْتَلِسُونَ) قَلِيلُونَ (يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ) عَظِيمَةٍ (يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ) بِرَكْضِ الْخَيْلِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْعَدُوِّ عَلَى الْأَقْدَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلَيْسُوا قُطَّاعًا لِانْتِفَاءِ الشَّوْكَةِ، وَحُكْمُهُمْ فِي الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ كَغَيْرِهِمْ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمِدَ عَلَى الشَّوْكَةِ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ الرُّفْقَةِ فَغَلُظَتْ عُقُوبَتُهُ رَدْعًا لَهُ، بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ أَوْ الْمُنْتَهِبِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى قُوَّةٍ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لِآخِرِ قَافِلَةٍ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ: بَلْ حُكْمُ التَّعَرُّضِ لِأَوَّلِهَا وَجَوَانِبِهَا كَذَلِكَ، فَلَوْ قَهَرُوهُمْ وَلَوْ مَعَ كَوْنِهِمْ قَلِيلِينَ فَقُطَّاعٌ لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ، فَلَا يُعَدُّ أَهْلُ الْعَاقِلَةِ مُقَصِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ وَلَا يَضْبِطهُمْ مُطَاعٌ وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ مُرَادَهُ بِشَوْكَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِالنَّظَرِ لِمَنْ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 498 وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً بِقُوَّتِهِمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ، لَا لِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ لَيْسَ بِقُطَّاعٍ، وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ أَوْ لِضَعْفٍ وَقَدْ يَغْلِبُونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي بَلَدٍ فَهُمْ قُطَّاعٌ. وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ قَوْمًا يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] (وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً) وَهِيَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ: طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ (بِقُوَّتِهِمْ) لَوْ قَاوَمَهُمْ (قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ) لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمَاعَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنْ هَرَبُوا مِنْهُمْ وَتَرَكُوا الْأَمْوَالَ لِعِلْمِهِمْ بِعَجْزِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ لَوْ سَاقَهُمْ اللُّصُوصُ مَعَ الْأَمْوَالِ إلَى دِيَارِهِمْ كَانُوا قُطَّاعًا فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا كَمَا قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ (لَا) قُطَّاعَ (لِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ) أَخَذُوا شَيْئًا مِنْهُمْ، إذْ لَا قُوَّةَ لَهُمْ مَعَ الْقَافِلَةِ الْكَبِيرَةِ، بَلْ هُمْ فِي حَقِّهِمْ مُخْتَلِسُونَ. تَنْبِيهٌ لَوْ اسْتَسْلَمَ لَهُمْ الْقَادِرُونَ عَلَى دَفْعِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا أَوْ أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ فَمُنْتَهَبُونَ لَا قُطَّاعَ، وَإِنْ كَانَ ضَامِنِينَ لِمَا أَخَذُوهُ لِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَمْ يُصْدَرْ عَنْ شَوْكَتِهِمْ: بَلْ عَنْ تَفْرِيطِ الْقَافِلَةِ (وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ، وَهِيَ كَقَوْلِ الشَّخْصِ: يَا غَوْثَاهُ (لَيْسَ) حِينَئِذٍ ذُو الشَّوْكَةِ بِمَنْ مَعَهُ (بِقُطَّاعٍ) بَلْ مُنْتَهِبُونَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغَاثَةِ (وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ) عَنْ الْعُمْرَانِ وَعَسَاكِرِ السُّلْطَانِ (أَوْ) لِلْقُرْبِ لَكِنْ (لِضَعْفٍ) فِي السُّلْطَانِ كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَاسْتُحْسِنَ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ الضَّعْفَ لِشَمُولِهِ مَا لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ دَارًا لَيْلًا وَشَهَرُوا السِّلَاحَ وَمَنَعُوا أَهْلَ الدَّارِ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ فَهُمْ قُطَّاعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ (وَ) ذَوُو الشَّوْكَةِ (قَدْ يَغْلِبُونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ: ضَعْفُ السُّلْطَانِ أَوْ بُعْدُهُ أَوْ بُعْدُ أَعْوَانِهِ وَإِنْ كَانُوا (فِي بَلَدٍ) لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهَا إلَى طَرَفِهَا وَلَا إلَى صَحْرَاءَ (فَهُمْ قُطَّاعٌ) لِوُجُودِ الشُّرُوطِ فِيهِمْ وَلِأَنَّهُمْ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَدُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَهِيَ مَوْضِعُ الْخَوْفِ فَلَأَنْ يَجِبَ فِي الْبَلَدِ وَهِيَ مَوْضِعُ الْأَمْنِ أَوْلَى لِعِظَمِ جَرَاءَتِهِمْ. تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ لَوْ تَسَاوَتْ الْفِرْقَتَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافُهُ. (وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ قَوْمًا يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ) أَيْ الْمَارِّينَ فِيهَا (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) أَيْ نِصَابًا (وَلَا) قَتَلُوا (نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ) لِارْتِكَابِهِمْ مَعْصِيَةً وَهِيَ الْحِرَابَةُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ النَّفْيِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَالْأَمْرُ فِي جِنْسِ هَذَا التَّعْزِيرِ رَاجِعٌ إلَى الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَبْسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ تَرْكُهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَا يُقَدَّرُ الْحَبْسُ بِمُدَّةٍ: بَلْ يُسْتَدَامُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَقِيلَ: يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يُنْقِصُ مِنْهَا شَيْئًا لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى تَغْرِيبِ الْعَبْدِ فِي الزِّنَا، وَقِيلَ: يُقَدَّرُ بِسَنَةٍ يُنْقِصُ مِنْهَا شَيْئًا لِئَلَّا يَزِيدَ عَلَى تَغْرِيبِ الْحُرِّ فِي الزِّنَا وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ، وَقَوْلُهُ عَلِمَ الْإِمَامُ صَرِيحٌ فِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 499 وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ نِصَابَ السَّرِقَةِ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ. وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَتْمًا.   [مغني المحتاج] أَنَّهُ يَكْتَفِي بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا مَرَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَمُقْتَضَى عِبَارَتِهِ كَالرَّوْضَةِ الْوُجُوبُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ كَالشَّرْحِ يَنْبَغِي. (وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ) وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ (نِصَابَ السَّرِقَةِ) فَأَكْثَرَ (قَطَعَ) الْإِمَامُ (يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى) دَفْعَةً أَوْ عَلَى الْوَلَاءِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ (فَإِنْ عَادَ) بَعْدَ قَطْعِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى (فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ) تُقَطَّعْنَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ، وَقِيلَ: لِلْمُحَارَبَةِ، وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ وَالْمُجَاهِرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ، وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ. قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ: وَهُوَ أَشَبَهُ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَدِيَتُهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ يُوجِبُ خِلَافُهُ الضَّمَانَ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي الْإِسَاءَةِ وَتَوَقَّفَ فِي الْقَوَدِ وَعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ فِي السَّرِقَةِ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامِدًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَيْهَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى ثَبَتَ ثَمَّ بِالِاجْتِهَادِ: بَلْ بِالنَّصِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قُرِئَ شَاذًّا - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا - وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَعَلَى عَدَمِ دَعْوَى الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ اهـ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفُ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْحِرْزَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْمَشْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ تَسِيرُ بِهِ الدَّوَابُّ بِلَا حَافِظٍ أَوْ كَانَتْ الْجِمَالُ مَقْطُورَةً وَلَمْ تَتَعَهَّدْ كَمَا شُرِطَ فِي السَّرِقَةِ لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ وَالْحِرْزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَعَ مَالِكِهِ أَوْ بِحَيْثُ يَرَاهُ، وَتَعَذَّرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ مَنْ يَأْخُذُهُ وَمَحَلُّ قَطْعِهِمَا إذَا وُجِدَتَا، فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اُكْتُفِيَ بِقَطْعِ الْأُخْرَى، وَفِي مَعْنَى الْفَقْدِ أَنْ تَكُونَ شَلَّاءَ لَا تَنْحَسِمُ عُرُوقُهَا لَوْ قُطِعَتْ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيُحْسَمُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ كَمَا فِي السَّارِقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْسِمَ الْيَدَ ثُمَّ تُقْطَعُ الرِّجْلُ، وَأَنْ تُقْطَعَا جَمِيعًا ثُمَّ يُحْسَمَا. وَيُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي مَوْضِعِ الْأَخْذِ إنْ كَانَ مَوْضِعُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ حَالَ السَّلَامَةِ لَا عِنْدَ اسْتِسْلَامِ النَّاسِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَأَقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَيْهِ يُوجَد فِيهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَشِرَاؤُهُ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ:. (وَإِنْ قَتَلَ) مَعْصُومًا مُكَافِئًا لَهُ عَمْدًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا (قُتِلَ حَتْمًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَإِنَّمَا تَحَتَّمَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةِ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 500 وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَزَّلُ، وَقِيلَ يَبْقَى حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ، وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ. وَمَنْ أَعَانَهُمْ وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ   [مغني المحتاج] هُنَا إلَّا بِالتَّحَتُّمِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَمَحَلُّ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ، وَمَعْنَى تَحَتُّمِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ وَلَا بِعَفْوِ السُّلْطَانِ عَمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْلِ صَبْرًا وَبَيْنَ الْجَرْحِ وَالْمَوْتِ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ وَالتَّوْبَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ. . أَمَّا إذَا قَتَلَ غَيْرَ مَعْصُومٍ أَوْ غَيْرَ مُكَافِئٍ لَهُ أَوْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلَا يُقْتَلُ. (وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا) نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ (قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ) حَتْمًا زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ، وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ: الْمَعْنَى: {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] إنْ قَتَلُوا {أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة: 33] مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: 33] إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ " أَوْ " عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى " إذْ لَمْ يُخَيَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة، وَإِنَّمَا صُلِبَ بَعْدَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ فِي صَلْبِهِ قَبْلَهُ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا (ثَلَاثًا) مِنْ الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ، وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ (ثُمَّ يُنَزَّلُ) هَذَا إذَا لَمْ يُخَفْ التَّغَيُّرُ، فَإِنْ خِيفَ قَبْلَ الثَّلَاثِ أُنْزِلَ عَلَى الْأَصَحِّ وَحُمِلَ النَّصُّ فِي الثَّلَاثِ عَلَى زَمَنِ الْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ. تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِالصَّلْبِ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكُونُ قَتْلُهُمْ وَصَلْبُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَارَبُوا فِيهِ لَا أَنْ يَكُونَ بِمَفَازَةٍ لَا يَمُرُّ بِهَا أَحَدٌ فَيُقْتَلُونَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِنْهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثَةً، لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُذَكَّرَةٌ فَتَثْبُتُ فِيهِ التَّاءُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْدُودَ إذَا حُذِفَ يَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» (وَقِيلَ يَبْقَى) مَصْلُوبًا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ) وَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ مُخْتَلِطًا بِدَمٍ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَتَنْفِيرًا عَنْ فِعْلِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ) حَيًّا صَلْبًا (قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ) لِأَنَّ الصَّلْبَ شُرِعَ عُقُوبَةً لَهُ فَيُقَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُهُ لَا يُوَافِقُ أَصْلَهُ، وَلَا الشَّرْحَ وَالرَّوْضَةَ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ يُصْلَبُ صَلْبًا لَا يَمُوتُ مِنْهُ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُقْتَلُ. أُجِيبَ بِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُنَافِي ذَلِكَ، بَلْ هِيَ بَيَانٌ لِلْعِبَارَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْقَلِيلَ يُحْمَلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ ثَلَاثًا فَسَبَقَ الْقَلَمُ فَكَتَبَ قَلِيلًا اهـ. وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَتَبَهَا قَصْدًا فَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْوُجُوبِ. (وَمَنْ أَعَانَهُمْ) أَيْ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ (وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ) الجزء: 5 ¦ الصفحة: 501 عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إلَى حَيْثُ يَرَاهُ. وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَفِي قَوْلٍ الْحَدِّ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ وَذِمِّيٍّ. وَلَوْ مَاتَ فَدِيَةٌ. وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا قُتِلَ بِوَاحِدٍ، وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ. وَلَوْ عَفَا وَلِيُّهُ بِمَالٍ وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُقْتَلُ حَدًّا. وَلَوْ قَتَلَ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ.   [مغني المحتاج] وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا نِصَابًا وَلَا قَتَلَ نَفْسًا (عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا) كَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . تَنْبِيهٌ الْوَاوُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ: أَيْ: يُعَزِّرُهُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ، وَتَعْيِينُهُ لِرَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُخِيفَيْنِ (وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إلَى حَيْثُ) أَيُّ مَكَان (يَرَاهُ) الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ عُقُوبَتَهُ فِي الْآيَةِ النَّفْيُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يُعَزِّرُهُ فِي الْبَلَدِ الْمَنْفِيِّ إلَيْهِ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى الْمُغَلَّبِ فِي قَتْلِ الْقَاطِعِ بِقَوْلِهِ (وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. وَالْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِبِنَائِهِ عَلَى الضِّيقِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يُحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا؟ (وَفِي قَوْلٍ) مَعْنَى (الْحَدِّ) وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ، وَيَسْتَوْفِيه الْإِمَامُ بِدُونِ طَلَبِ الْوَلِيِّ. وَفَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ خَمْسَةً ذَكَرَهَا فِي قَوْلِهِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُقْتَلُ) وَالِدٌ (بِوَلَدِهِ) الَّذِي قَتَلَهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ (وَ) لَا (ذِمِّيٍّ) إذَا كَانَ هُوَ مُسْلِمًا، وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يُكَافِئُهُ كَعَبْدٍ وَالْقَاطِعُ حُرٌّ لِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَعَلَى الثَّانِي يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ. (وَلَوْ مَاتَ) الْقَاطِعُ مِنْ غَيْرِ قَتْلِهِ قِصَاصًا (فَدِيَةٌ) عَلَى الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي قَتْلِ حُرٍّ وَقِيمَةٌ فِي قَتْلِ عَبْدٍ، وَعَلَى الثَّانِي لَا شَيْءَ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَ الدِّيَةِ. (وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا) مَعًا (قُتِلَ بِوَاحِدٍ) مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ (وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ) عَلَى الْأَوَّلِ كَالْقِصَاصِ، وَعَلَى الثَّانِي يُقْتَلُ بِهِمْ. أَمَّا إذَا قَتَلَهُمْ مُرَتَّبًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَتْمًا بِأَوَّلِهِمْ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمَتْنِ خِلَافَهُ، حَتَّى لَوْ عَفَا وَلِيُّهُ لَمْ يَسْقُطْ لِتَحَتُّمِهِ. (وَلَوْ عَفَا) عَنْ الْقِصَاصِ (وَلِيُّهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ (بِمَالٍ) أَيْ: عَلَيْهِ صَحَّ الْعَفْوُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَ (وَجَبَ) الْمَالُ (وَسَقَطَ الْقِصَاصُ) عَنْهُ (وَيُقْتَلُ) بَعْدَ ذَلِكَ (حَدًّا) كَمَا لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى مُرْتَدٍّ فَعَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْعَفْوُ لَغْوٌ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ لَغْوٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَمْ يَسْتَفِدْ بِالْعَفْوِ شَيْئًا لِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ بِالْمُحَارَبَةِ. (وَلَوْ قَتَلَ) الْقَاطِعُ شَخْصًا (بِمُثْقَلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ) أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ (فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ) عَلَى الْأَوَّلِ تَغْلِيبًا لِلْقِصَاصِ، وَعَلَى الثَّانِي يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُمَاثَلَةِ. تَنْبِيهٌ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ أَيْضًا مَا لَوْ تَابَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَوَّلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 502 وَلَوْ جَرَحَ فَانْدَمَلَ لَمْ يَتَحَتَّمْ قِصَاصٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ بِتَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَا بَعْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ بِهَا فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] وَيَسْقُطُ عَلَى الثَّانِي. (وَلَوْ جَرَحَ) قَاطِعُ الطَّرِيقِ شَخْصًا جَرْحًا يُوجِبُ قِصَاصًا كَقَطْعِ يَدٍ (فَانْدَمَلَ) الْجَرْحُ (لَمْ يَتَحَتَّمْ) عَلَى الْقَاطِعِ (قِصَاصٌ) فِي ذَلِكَ الطَّرْفِ الْمَجْرُوحِ (فِي الْأَظْهَرِ) بَلْ يُتَخَيَّرُ الْمَجْرُوحُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ؛ لِأَنَّ التَّحَتُّم تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَاخْتَصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْجَرْحَ فِي الْآيَةِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ. وَالثَّانِي يَتَحَتَّمُ كَالنَّفْسِ. وَالثَّالِثُ يَتَحَتَّمُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَسْتَحِقَّانِ فِي الْمُحَارَبَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَنَحْوِهِمَا. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فَانْدَمَلَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ فَهُوَ كَالْقَتْلِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الِانْدِمَالَ قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ. وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ جَرَى الْقَوْلَانِ أَيْضًا فِي التَّحَتُّمِ فِي قِصَاصِ الْيَدِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا فِيهِ قَوَدٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ. أَمَّا غَيْرُهُ كَجَائِفَةٍ فَوَاجِبُهُ الْمَالُ. (وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ) مِنْ تَحَتُّمِ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ، وَكَذَا الْيَدُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفُ يُوهِمُ خِلَافَهُ، فَإِنَّ الرِّجْلَ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَلَوْ قَالَ: تُسْقِطُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى لَاسْتَقَامَ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَيْسَ عُقُوبَةً كَامِلَةً، وَإِنَّمَا هُوَ جُزْءُ عُقُوبَةٍ، فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ، فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا سَقَطَ كُلُّهَا (بِتَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ (لَا بَعْدَهَا) أَيْ: الْقُدْرَةِ فَلَا تَسْقُطُ تِلْكَ الْعُقُوبَاتُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا لِمَفْهُومِ الْآيَةِ، وَإِلَّا لِمَا كَانَ لِلتَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ - مِنْ قَبْلِ - فَائِدَةٌ، وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ مُتَّهَمٌ لِدَفْعِ قَصْدِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ التُّهْمَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَقَوْلُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقِيلَ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ حَدِّ الزَّانِي وَالسَّارِقِ بِالتَّوْبَةِ. أَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا مِنْ قِصَاصٍ وَضَمَانٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ الثَّابِتَةِ فَلَوْ ظَفَرْنَا بِهِ فَادَّعَى سَبْقَ تَوْبَتِهِ فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَتُهَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اسْتِوَاءُ التَّوْبَةِ الَّتِي قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّ الْأُولَى يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِهَا، وَالثَّانِيَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا إصْلَاحُ الْعَمَلِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَالصَّغِيرِ، وَلَوْ ثَبَتَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي أَوَائِلِ الْإِقْرَارِ (وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ) أَيْ: بَاقِي (الْحُدُودِ) الْمُخْتَصَّةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ (بِهَا) أَيْ: التَّوْبَةِ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَهُ مَاعِزٌ وَأَقَرَّ بِالزِّنَا حَدَّهُ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 503 [فَصْلٌ] مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوهُ جُلِدَ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ، وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ، وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ جُلِدَ فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ   [مغني المحتاج] وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِهِ إلَّا وَهُوَ تَائِبٌ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ وَحْدَهُ وَالثَّانِي تَسْقُطُ بِهَا قِيَاسًا عَلَى حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ. تَنْبِيهٌ يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَارِكُ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَابَ سَقَطَ الْقَتْلُ قَطْعًا وَالْكَافِرُ إذَا زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ، وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي بَابِ الزِّنَا، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُرْتَدُّ إذَا تَابَ حَيْثُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيَسْقُطُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَصَرَّ يُقْتَلُ كُفْرًا لَا حَدًّا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي السُّقُوطِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ، تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» وَوَرَدَ «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَإِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُقَمْ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَهُ الْجِيلِيُّ لِحَدِيثِ: «اللَّهُ أَعْدَلُ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ» وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةٍ فِي أَوَّلِ بَابِ الْجِرَاحِ. [فَصْل فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ] [فَصْلٌ] فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ فِي غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَهِيَ إمَّا لِآدَمِيٍّ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ لَهُمَا، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (مَنْ لَزِمَهُ) لِجَمَاعَةٍ (قِصَاصٌ) فِي نَفْسٍ (وَقَطْعٌ) لِطَرَفِ آدَمِيٍّ (وَحَدُّ قَذْفٍ) لِآخَرَ (وَطَالَبُوهُ) بِذَلِكَ (جُلِدَ) أَوَّلًا لِلْقَذْفِ (ثُمَّ قُطِعَ) لِقِصَاصِ الطَّرَفِ (ثُمَّ قُتِلَ) لِقِصَاصِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْجَمِيعِ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ ذَلِكَ تَعْزِيرٌ لِآدَمِيٍّ بُدِئَ بِهِ (وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ) فَلَا تَجِبُ الْمُهْلَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ (لَا قَطْعُهُ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُهْلَكُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ قِصَاصُ النَّفْسِ (وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ) وَأَنَا أُبَادِرُ بِالْقَتْلِ بَعْدَهُ فَإِنَّا لَا نُعَجِّلُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ. وَالثَّانِي نُبَادِرُ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِالتَّقْدِيمِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ) وَطَلَبَ الْآخَرَانِ حَقَّهُمَا (جُلِدَ) لِلْقَذْفِ أَوَّلًا (فَإِذَا بَرِئَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مِنْ الْجَلْدِ (قُطِعَ) لِلطَّرَفِ، وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا خَوْفَ الْهَلَاكِ فَيَفُوتُ قِصَاصُ النَّفْسِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْمُصَنِّفُ فِي غِنًى عَنْ هَذَا بِمَا ذَكَرَ فِيمَا إذَا غَابَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَعَادَهُ لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ) حَقَّهُ، وَطَلَبَ الْمَقْذُوفُ حَقَّهُ مِنْ قَاذِفِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 504 جُلِدَ، وَعَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ صَبْرُ الْآخَرِينَ. وَلَوْ اجْتَمَعَ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى قُدِّمَ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ. أَوْ عُقُوبَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْآدَمِيِّينَ قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنًا،   [مغني المحتاج] (جُلِدَ، وَ) وَجَبَ (عَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ) بِحَقِّهِ (حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ) سَوَاءٌ أَتَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُ النَّفْسِ أَمْ تَأَخَّرَ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِهِ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي نَقُولُهُ: إنْ لِمُسْتَحِقِّ النَّفْسِ أَنْ يَقُولَ لِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ: إمَّا أَنْ تَسْتَوْفِيَ أَوْ تَعْفُوَ أَوْ تَأْذَنَ لِي فِي التَّقْدِيمِ، وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ مَكَّنَ الْحَاكِمُ مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ مِنْ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الضَّرَرُ مِنْ مُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ، وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ طَالِبُ حَقٍّ أَثْبَتَهُ اللَّهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] (فَإِنْ بَادَرَ) مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ (فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ) فِي تَرِكَةِ الْمَقْتُولِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ (وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ) مِمَّا سَبَقَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِهَا فِي الصَّغِيرِ، وَعَبَّرَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ: يَنْبَغِي (صَبْرُ الْآخَرِينَ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُهُمَا لِئَلَّا يُفَوِّتَا عَلَيْهِ حَقَّهُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ بِقَوْلِهِ: تَبِعَ فِي الْقِيَاسِ الرَّافِعِيَّ، وَلَيْسَ الْقِيَاسُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ، ثُمَّ لَا يَفُوتُ الْجَلْدُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنْ الْقَطْعِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الطَّرَفُ أُذُنًا أَوْ أُنْمُلَةً أَوْ نَحْوِهِمَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَقَالَ (وَلَوْ اجْتَمَعَ) عَلَى شَخْصٍ (حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى) كَأَنْ شَرِبَ وَزَنَى، وَهُوَ بِكْرٌ وَسَرَقَ وَارْتَدَّ (قُدِّمَ) وُجُوبًا (الْأَخَفُّ) مِنْهَا (فَالْأَخَفُّ) سَعْيًا فِي إقَامَةِ الْجَمِيعِ، فَأَخَفُّهَا حَدُّ الشُّرْبِ فَيُحَدُّ لَهُ، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْهُ، ثُمَّ يُجْلَدُ لِلزِّنَا، ثُمَّ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ، ثُمَّ يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ، ثُمَّ يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُهْلَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ، وَهَلْ يُقَدَّمُ قَطْعُ السَّرِقَةِ عَلَى التَّغْرِيبِ؟ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لَهُ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ، لِأَنَّ النَّفْسَ قَدْ تَفُوتُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: يُقَدَّمُ الْأَخَفُّ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْحُدُودِ تَعْزِيرٌ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْ قَوْلِهِ: فَالْأَخَفُّ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا تَفَاوَتَتْ الْحُدُودُ، فَلَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ رِدَّةٍ، وَرَجْمُ زِنًا قَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ قَتْلُ الرِّدَّةِ، إذْ فَسَادُهَا أَشَدُّ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: يُرْجَمُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَتْلُ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ أَكْثَرُ نَكَالًا، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ اجْتَمَعَا وَقَتْلُ قَطْعِ الطَّرِيقِ. قَالَ الْقَاضِي: قُدِّمَ وَإِنْ جُعِلَ حَدًّا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ قَطْعُ سَرِقَةٍ وَقَطْعُ مُحَارَبَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لَهُمَا، وَهَلْ تُقْطَعُ الرِّجْلُ مَعَهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا نَعَمْ. وَقِيلَ تُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْرَأَ الْيَدُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَقَالَ (أَوْ) اجْتَمَعَ (عُقُوبَاتٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْآدَمِيِّينَ) كَأَنْ انْضَمَّ إلَى هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ حَدُّ قَذْفٍ (قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى) حَدِّ (زِنًا) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّتِهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 505 وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى حَدِّ شُرْبِ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا.   [مغني المحتاج] قِيلَ لِأَنَّهُ أَخَفُّ، وَالْأَصَحُّ كَوْنُهُ حَقَّ آدَمِيٍّ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَقِبَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ (عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ) بِنَاءً عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى (وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا) مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَلَا يُوَالِي بَيْنَ حَدِّ الشُّرْبِ وَحَدِّ الْقَذْفِ بَلْ يُمْهَلُ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالتَّوَالِي. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِ حَدِّ الزِّنَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ الرَّجْمَ، فَإِنْ كَانَ جَلْدًا قُدِّمَ عَلَى الْقَتْلِ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي تَقْدِيمِ قَطْعِ الْقِصَاصِ عَلَى حَدِّ الزِّنَا إذَا كَانَ جَلْدًا، فَإِنْ كَانَ رَجْمًا قُدِّمَ الْقَطْعُ قَطْعًا. خَاتِمَةٌ: لَوْ اجْتَمَعَ قَتْلُ قِصَاصٍ فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وَقَتْلُ مُحَارَبَةٍ قُدِّمَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَرَجَعَ الْآخَرُ إلَى الدِّيَةِ، وَفِي انْدِرَاجِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فِي قَتْلِ الْمُحَارَبَةِ فِيمَا لَوْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا نَعَمْ، وَمَنْ زَنَى مَرَّاتٍ أَوْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ حَدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا وَاحِدٌ فَتَدَاخَلَتْ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَهُوَ مُقَابِلُ الزِّنْيَاتِ كُلِّهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ بَعْضُهَا عَنْهُ كَالْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ يُقَابِلُ كُلَّ الْوَطْئَاتِ، وَهَلْ وَجَبَ حُدُودٌ عَلَى عَدَدِ الزِّنْيَاتِ ثُمَّ تَدَاخَلَتْ، أَوْ حَدٌّ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَتُجْعَلُ الزِّنْيَاتُ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْهَا حَدٌّ كَحَرَكَاتِ زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ، وَمَا فِي فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ثَبَتَ زِنَاهًا بِلِعَانِ زَوْجَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا حَدَّانِ أَنْكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالُوا: إنَّهُمَا حَدَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلَا. وَإِنْ جُلِدَ لِلزِّنَا ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا قَبْلَ التَّغْرِيبِ أَوْ جُلِدَ لَهُ خَمْسِينَ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا كَفَاهُ فِيهِمَا جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبٌ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ فِي الْمِائَةِ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ، وَفِي التَّغْرِيبِ لِلثَّانِي التَّغْرِيبُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ مُحْصَنًا قَبْلَ أَنْ يُجْلَدَ دَخَلَ التَّغْرِيبُ تَحْتَ الرَّجْمِ لِئَلَّا تَطُولُ الْمُدَّةُ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ صِفَةٌ، فَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَدْخُلُ الْجَلْدُ فِي الرَّجْمِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ ثُمَّ زَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ. وَيَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِإِقْرَارِ الْقَاطِعِ بِهِ لَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِتَابِ وَبِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ لَا رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَيَمِينٍ وَأَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّفْصِيلُ، وَتَعْيِينُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَمَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ كَمَا سَبَقَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّرِقَةِ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِأَنْفُسِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا، وَإِنْ بَحَثَ لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا، فَإِنْ قَالَا: نَهَبُونَا وَأَخَذُوا مَالَنَا أَوْ مَالَ رُفْقَتِنَا لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّهِمَا وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لِلْعَدَاوَةِ. [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ والتعازير] 1 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 506 كتاب الأشربة   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالتَّعَازِيرِ، وَالْأَشْرِبَةُ جَمْعُ شَرَابٍ بِمَعْنَى مَشْرُوبٍ، وَالشَّرِيبُ: الْمُولَعُ بِالشَّرَابِ، وَالشَّرْبُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 507 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونُ الرَّاءِ: الْجَمَاعَةُ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَشُرْبُهُ مِنْ كِبَارِ الْمُحَرَّمَاتِ، بَلْ هِيَ أُمُّ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 508 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْكَبَائِرِ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 509 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: 33] وَهُوَ الْخَمْرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: الجزء: 5 ¦ الصفحة: 510 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] شَرِبْتُ الْإِثْمَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي ... كَذَاكَ الْإِثْمُ يَذْهَبُ بِالْعُقُولِ وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَحْرِيمِهَا. رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ الْخَمْرَةَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَرِبَهَا فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قَوْلِ مَنْ حُكِيَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِصْحَابًا مِنْهُمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ بِشَرْعٍ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ، رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلَ، وَالْمُصَنِّفُ الثَّانِي. وَكَانَ تَحْرِيمُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ أُحُدٍ، وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبَ، لَا مَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ فَإِنَّهُ حُرِّمَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ حَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ. قَالَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 511 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْخَمْرُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ بِالزَّبَدِ، وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَقْذِفَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 512 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ حَقِيقَةً، فَقَالَ الْمُزَنِيّ وَجَمَاعَةٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الصِّفَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ، وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا مَجَازًا. أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ وَالْحَدِّ فَهُوَ كَالْخَمْرِ، لَكِنْ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهَا، بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا دُونَ تِلْكَ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا، وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 513 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ. قَالَ وَكَيْفَ نُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ، وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ، وَإِنَّمَا نُبَدِّعُهُ، وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ، حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ. ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ، أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ. وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بِأَنَّ مُسْتَحِلَّ الْخَمْرِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 514 كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ.   [مغني المحتاج] لَا نُكَفِّرُهُ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ، بَلْ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ وَالنَّصُّ عَلَيْهِ، وَشَمِلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ. (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ) هُوَ، وَ (قَلِيلُهُ) جَمِيعُ الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ» ، وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ» ، وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْ نَقِيعِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَنَدَ لِأَحَادِيثَ مَعْلُومَةٍ بَيْنَ الْحُفَّاظِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 515 وَحُدَّ شَارِبُهُ   [مغني المحتاج] وَأَيْضًا أَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ مُتَأَخِّرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَإِنَّمَا حَرُمَ الْقَلِيلُ. (وَحُدَّ شَارِبُهُ) وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرُمَ تَقْبِيلُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ، وَلَوْ فُرِضَ شَخْصٌ لَا يُسْكِرُهُ شُرْبُ الْخَمْرِ حَرُمَ شُرْبُهُ لِلنَّجَاسَةِ لَا لِلْإِسْكَارِ، وَيُحَدُّ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: وَغَيْرُهُ حَسْمًا لِلْبَابِ كَمَنْ شَرِبَ قَدْرًا يُؤَثِّرُ فِيهِ لَا يُسْكِرُ، وَمَنْ حُدَّ ثُمَّ شَرِبَ الْمُسْكِرَ حَالَ سُكْرِهِ فِي الشُّرْبِ الْأَوَّلِ حُدَّ ثَانِيًا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالشَّارِبِ الْمُتَعَاطِي شُرْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَسَوَاءٌ جَامِدُهُ وَمَائِعُهُ مَطْبُوخُهُ وَنِيئِهِ، وَسَوَاءٌ أَتَنَاوَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ أَمْ إبَاحَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْإِبَاحَةِ كَمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِالشَّرَابِ النَّبَاتُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَالْحَشِيشَةِ الَّتِي تَأْكُلُهَا الْحَرَافِيشُ، وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهَا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ: يَجِبُ عَلَى آكِلِهَا التَّعْزِيرُ وَالزَّجْرُ دُونَ الْحَدِّ، وَلَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهَا الصَّلَاةُ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إنَّ الْحَشِيشَةَ أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرِ، وَشَرٌّ مِنْ الْخَمْرِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهَا تُورِثُ نَشْوَةً وَلَذَّةً وَطَرَبًا كَالْخَمْرِ وَيَصْعُبُ الْفِطَامُ عَنْهَا أَكْثَر مِنْ الْخَمْرِ، وَقَدْ أَخْطَأَ الْقَائِلُ فِيهَا: حَرَّمُوهَا مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ وَنَقْلٍ ... وَحَرَامٌ تَحْرِيمُ غَيْرِ الْحَرَامِ وَكُلُّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ لَا حَدَّ فِيهِ كَالْحَشِيشَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ، بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَلَا تُرَادُ الْخَمْرَةُ الْمَعْقُودَةُ وَالْحَشِيشُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 516 إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَحَرْبِيًّا وَذِمِّيًّا وَمُوجَرًا وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا: لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ، أَوْ جَهِلْتُ الْحَدَّ حُدَّ. وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ لَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا، وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ،   [مغني المحتاج] الْمُذَابُ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا، وَبِالْمُسْكِرِ غَيْرُهُ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنَصَّفُ، وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ، وَالْخَلِيطُ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ؛ لِأَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ شَارِبِهِ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ مُخْتَارًا عَالِمًا بِأَنَّ مَا شَرِبَهُ مُسْكِرٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَمُحْتَرَزُ هَذِهِ الْقُيُودِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا (وَحَرْبِيًّا) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَذِمِّيًّا) لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُ إلَّا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعِبَادِ (وَمُوجَرًا) أَيْ: مَصْبُوبًا فِي حَلْقِهِ قَهْرًا (وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِحَدِيثِ «وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَيُقَابِلُ الْمَذْهَبُ طَرِيقَةً حَاكِيَةً لِوَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إلَّا صَبِيًّا وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ، لَكِنَّ الْأَصْحَابَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَدِّ وَعَدَمِهِ، نَعَمْ تَعَرَّضُوا لِلْحِلِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِكْرَاهِ وَالصَّحِيحُ الْحِلُّ، وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجِرَاحِ: وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ، وَقِيلَ يَجِبُ، وَقِيلَ يُسَنُّ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. (وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا) أَيْ الْخَمْرِ (خَمْرًا) فَشَرِبَهَا ظَانًّا كَوْنَهَا شَرَابًا لَا يُسْكِرُ (لَمْ يُحَدَّ) لِلْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ مُدَّةِ السُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَ الْإِصْحَاءِ كُنْتُ مُكْرَهًا، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ مُسْكِرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. قَالَهُ فِي الْبَحْرِ: فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ مَنْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ. أَمَّا مَنْ نَشَأَ فِيهَا فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (أَوْ) قَالَ: عَلِمْتُ تَحْرِيمَهَا وَلَكِنْ (جَهِلْتُ الْحَدَّ) بِشُرْبِهَا (حُدَّ) لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَنْ يَمْتَنِعَ. (وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ) وَهُوَ بِمُهْمَلَاتٍ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ: مَا فِي أَسْفَلِ وِعَاءِ الْخَمْرِ مِنْ عَكَرٍ لِأَنَّهُ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ دُرْدِيَّ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَيُحَدُّ بِالثَّخِينِ مِنْهَا إذَا أَكَلَهُ، وَ (لَا) يُحَدُّ بِشُرْبِهَا فِيمَا اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّضَاعِ وَلَا (بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عَيْنَ الْخَمْرِ أَكَلَتْهَا النَّارُ وَبَقِيَ الْخُبْزُ نَجِسًا (وَ) لَا (مَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ) لِاسْتِهْلَاكِهَا وَلَا بِأَكْلِ لَحْمٍ طُبِخَ بِهَا بِخِلَافِ مَرَقِهِ إذَا شَرِبَهُ أَوْ غَمَسَ فِيهِ أَوْ ثَرَدَ بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِبَقَاءِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 517 وَكَذَا حُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَسَاغَهَا بِخَمْرٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ.   [مغني المحتاج] عَيْنِهَا (وَكَذَا حُقْنَةٌ) بِهَا بِأَنْ أَدْخَلَهَا دُبُرَهُ (وَسَعُوطٌ) بِفَتْحِ السِّينِ بِأَنْ أَدْخَلَهَا أَنْفَهُ، فَلَا يُحَدُّ بِذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَدْعُو إلَيْهِ. وَالثَّانِي يُحَدُّ فِيهِمَا كَمَا يَحْصُلُ الْإِفْطَارُ بِهِمَا لِلصَّائِمِ. وَالثَّالِثُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يُحَدُّ فِي السَّعُوطِ دُونَ الْحُقْنَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْرَبُ بِهِ بِخِلَافِ الْحُقْنَةِ. (وَمَنْ غَصَّ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ بِخَطِّهِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ. قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ: أَيْ: شَرِقَ (بِلُقْمَةٍ) مَثَلًا (أَسَاغَهَا) أَيْ أَزَالَهَا (بِخَمْرٍ) وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا) وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إنْقَاذًا لِلنَّفْسِ مِنْ الْهَلَاكِ وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي، وَهَذِهِ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا) أَيْ تَنَاوُلِهَا عَلَى مُكَلَّفٍ (لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ) أَمَّا تَحْرِيمُ الدَّوَاءِ بِهَا فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِهَا. قَالَ «إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا عِنْدَمَا حَرَّمَهَا، وَيَدُلُّ لِهَذَا، قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَمْرِ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَةَ سَلَبَهَا الْمَنَافِعَ» وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ سُلِّمَ بَقَاءُ الْمَنْفَعَةِ فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ، فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهَا لَا تُزِيلُهُ، بَلْ تَزِيدُهُ؛ لِأَنَّ طَبْعَهَا حَارٌّ يَابِسٌ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الطِّبِّ، وَلِهَذَا يَحْرِصُ شَارِبُهَا عَلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: سَأَلْتُ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا. فَقَالَ تَرْوِي فِي الْحَالِ ثُمَّ تُثِيرُ عَطَشًا شَدِيدًا. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ رِوَايَةُ فَاسِقٍ لَا تُقْبَلُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخْبَرَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ. وَالثَّانِي يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا: أَيْ: بِالْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ كَبَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ، وَيَجُوزُ شُرْبُهَا لِإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِهَا، وَقِيلَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا دُونَ شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَشُرْبُهَا لِدَفْعِ الْجُوعِ كَشُرْبِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّدَاوِي بِهَا بِصَرْفِهَا. أَمَّا التِّرْيَاقُ الْمَعْجُونُ بِهَا وَنَحْوُهُ مِمَّا تُسْتَهْلَكُ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالتَّدَاوِي بِنَجَسٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ، وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي بِذَلِكَ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أَوْ مَعْرِفَتِهِ لِلتَّدَاوِي بِهِ، وَالنَّدُّ بِالْفَتْحِ الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَجَاسَتِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجَوَّزَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ، وَدُخَانُهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 518 وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ وَرَقِيقٍ عِشْرُونَ بِسَوْطٍ أَوْ أَيْدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ.   [مغني المحتاج] كَدُخَانِ النَّجَاسَةِ، فَفِي تَنَجُّسِ الْمُتَبَخِّرِ بِهِ وَجْهَانِ، وَقَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّبَخُّرِ بِهِ، وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ لِقَطْعِ عُضْوٍ. أَمَّا الْأَشْرِبَةُ فَلَا يَجُوزُ تَعَاطِيهَا لِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ إلَّا بِهَا جَوَازُهُ، وَيُقَدَّمُ النَّبِيذُ عَلَى الْخَمْرِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي حُرْمَتِهِ، وَمَحَلُّهُ فِي شُرْبِهَا لِلْعَطَشِ إذَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ بِهِ إلَى الْهَلَاكِ، فَإِنْ انْتَهَى بِهِ إلَى ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهَا كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الْأَصْحَابِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّدَاوِي بِهَا وَشُرْبِهَا لَا حَدَّ، وَكَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي التَّدَاوِي عَنْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَصَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي وَمِثْلُهُ شُرْبُهَا لِلْعَطَشِ، وَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ بِذَلِكَ ضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ بِجَوَازِ إسْقَائِهَا لِلْبَهَائِمِ وَإِطْفَاءِ الْحَرِيقِ بِهَا. (وَحَدُّ الْحُرِّ أَرْبَعُونَ) جَلْدَةً لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ» . (وَ) حَدُّ (رَقِيقٍ) وَلَوْ مُبَعَّضًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: (عِشْرُونَ) لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَتَنَصَّفَ عَلَى الرَّقِيقِ كَحَدِّ الزِّنَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرْبُ كَفَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ الْقَائِلَ: إذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إلَى أَصْلِ كَرْمَةٍ ... لِتَرْوِيَ عِظَامِي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُهَا وَلَا تَدْفِنَنِّي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي ... أَخَافُ إذَا مَا مِتُّ أَنْ لَا أَذُوقَهَا جَلَدَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِرَارًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، وَذُكِرَ أَنَّهُ قَدْ نَبَتَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ أُصُولِ كَرْمٍ وَقَدْ طَالَتْ وَانْتَشَرَتْ وَهِيَ مُعَرِّشَةٌ عَلَى قَبْرِهِ بِنَوَاحِي جُرْجَانَ. وَالْأَصْلُ فِي الْجَلْدِ أَنْ يَكُونَ (بِسَوْطٍ أَوْ أَيْدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ) لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَضْرِبُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» . تَنْبِيهٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِطَرَفِ الثَّوْبِ: الضَّرْبُ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْتَلُ حَتَّى يَشْتَدَّ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ) لِلْجَلْدِ (سَوْطٌ) لِلسَّلِيمِ الْقَوِيِّ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْمُتَّخَذُ مِنْ جُلُودِ سُيُورٍ تُلْوَى وَتُلَفُّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 519 وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِينَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ، وَقِيلَ حَدٌّ. وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ، وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ شَرِبَ خَمْرًا،   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ يُسَوِّطُ اللَّحْمَ بِالدَّمِ: أَيْ يَخْلِطُهُ. أَمَّا نِضْوُ الْخَلْقِ فَلَا يَجُوزُ جَلْدُهُ بِسَوْطٍ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ) أَيْ الْحَدِّ لِلْحُرِّ (ثَمَانِينَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «جَلَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أُتِيَ بِشَيْخٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَنَفَاهُ إلَى الشَّامِ. وَقَالَ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَيْخًا يَتَصَابَى ". قَالَ: " وَأُتِيَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِشَيْخٍ سَكِرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْغَدِ وَضَرَبَهُ عِشْرِينَ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا ضَرَبْتُكَ هَذِهِ الْعِشْرِينَ لِجَرَاءَتِكَ عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ " وَالثَّانِي لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ لِرُجُوعِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ. تَنْبِيهٌ: يَجْرِي الْخِلَافُ فِي بُلُوغِهِ فِي الرَّقِيقِ أَرْبَعِينَ (وَالزِّيَادَةُ) عَلَيْهَا فِي الْحُرِّ، وَعَلَى الْعِشْرِينَ فِي غَيْرِهِ (تَعْزِيرَاتٌ) لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدًّا لِمَا جَازَ تَرْكُهَا (وَقِيلَ حَدٌّ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ. وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَةٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ، وَلِهَذَا اُسْتُحْسِنَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفُ بِتَعْزِيرَاتٍ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِتَعْزِيرٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ شَافِيًا فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا. قَالَ: وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ، وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ. اهـ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَعْزِيرَاتٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ شُرْبُ الْمُسْكِرِ. فَقَالَ (وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ) كَقَوْلِهِ: شَرِبْتُ خَمْرًا أَوْ شَرِبْتُ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرِي فَسَكِرَ مِنْهُ (أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) يَشْهَدَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ (لَا) بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ نَاقِصَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، وَلَا (بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَ غَالِطًا أَوْ مُكْرَهًا، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ سَيِّدُ الْعَبْدِ يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ لِإِصْلَاحِ مِلْكِهِ (وَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ تَفْصِيلٌ، بَلْ (يَكْفِي) الْإِطْلَاقُ (فِي إقْرَارٍ) مِنْ شَخْصٍ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا (وَ) فِي (شَهَادَةٍ) بِشُرْبِ مُسْكِرٍ (شَرِبَ) فُلَانٌ (خَمْرًا) وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ فَنَزَلَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 520 وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ. وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ، وَسَوْطُ الْحُدُودِ بَيْنَ قَضِيبٍ وَعَصًا وَرَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ إلَّا الْمَقَاتِلَ وَالْوَجْهَ، قِيلَ: وَالرَّأْسَ   [مغني المحتاج] الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) التَّفْصِيلُ بِأَنْ يُزَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. كَقَوْلِ الْمُقِرِّ: وَأَنَا عَالِمٌ مُخْتَارٌ: وَكَقَوْلِ الشَّاهِدِ (وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعَاقَبُ بِالْيَقِينِ كَالشَّهَادَةِ بِالزِّنَا، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الزِّنَا قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا حَدَّ فِيهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «الْعَيْنَانِ يَزْنِيَانِ» بِخِلَافِ سُكْرِ الْمُسْكِرِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ حُكْمِ رُجُوعِ الْمُقِرِّ بِشُرْبِ خَمْرٍ وَهُوَ عَلَى مَا سَبَقَ فِي حَدِّ الزِّنَا. فَإِنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ. (وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ السُّكْرِ، بَلْ يُؤَخَّرُ وُجُوبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي بَهْجَتِهِ لِيَرْتَدِعَ. فَإِنْ حُدَّ قَبْلَهَا فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ: الِاعْتِدَادُ بِهِ. (وَسَوْطُ الْحُدُودِ) أَوْ التَّعَازِيرِ (بَيْنَ قَضِيبٍ) وَهُوَ الْغُصْنُ (وَعَصًا) غَيْرِ مُعْتَدِلَةٍ (وَ) بَيْنَ (رَطْبٍ وَيَابِسٍ) بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَدِلَ الْجِرْمِ وَالرُّطُوبَةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ هَذَا وَلَا بِنَدْبِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الْوُجُوبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صِفَةِ السَّوْطِ بَيَّنَ كَيْفِيَّةِ عَدَدِ الضَّرْبِ بِقَوْلِهِ (وَيُفَرِّقُهُ) أَيْ: السَّوْطَ: أَيْ: الضَّرْبَ بِهِ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) فَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: " أَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ " وَالتَّفْرِيقُ وَاجِبٌ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَعْظُمُ أَلَمُهُ بِالْمُوَالَاةِ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْأَصْحَابِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَوْلَهُ (إلَّا الْمَقَاتِلَ) وَهِيَ مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْلُ إلَيْهَا بِالضَّرْبِ كَقَلْبٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ فَلَا يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ: وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ، فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ تَرْجِيحُ نَفْيِ الضَّمَانِ (وَ) إلَّا (الْوَجْهَ) فَلَا يَضْرِبُهُ عَلَيْهِ وُجُوبًا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ (قِيلَ: وَ) إلَّا (الرَّأْسَ) فَلَا يَضْرِبُهُ لِشَرَفِهِ كَالْوَجْهِ، وَالْأَصَحُّ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مُعَظَّمٌ غَالِبًا فَلَا يَخَافُ تَشْوِيهَهُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ: اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: وَفِي قَوْلٍ وَالرَّأْسُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ حَكَاهُ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَرَجَّحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي التَّجْرِبَةِ: غَلِطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ لِلْجَلَّادِ رَفْعُ يَدِهِ بِحَيْثُ يَبْدُو بَيَاضُ إبِطِهِ، وَلَا يَخْفِضُهَا خَفْضًا شَدِيدًا، بَلْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، فَيَرْفَعُ ذِرَاعَهُ لَا عَضُدَهُ، وَلَا يُبَالِي بِكَوْنِ الْمَجْلُودِ رَقِيقَ الْجِلْدِ يُدْمِيهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 521 وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ، وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ، وَيُوَالِي الضَّرْبَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ. [فَصْلٌ] يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ.   [مغني المحتاج] الضَّرْبُ الْخَفِيفُ (وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ) أَيْ: الْمَجْلُودِ بَلْ تُتْرَكُ مُطْلَقَةً يَتَّقِي بِهَا، وَإِذَا وَضَعَهَا عَلَى مَوْضِعٍ ضَرَبَ غَيْرَهُ، وَلَا يُلْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُمَدُّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ بَلْ يُجْلَدُ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً (وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ) الْخَفِيفَةُ الَّتِي لَا تَمْنَعُ أَثَرَ الضَّرْبِ. أَمَّا مَا يَمْنَعُ كَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَالْفَرْوَةِ فَتُنْزَعُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ، وَيُتْرَكُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ أَوْ مَحْرَمٌ، وَيَكُونُ بِقُرْبِهَا إنْ تَكَشَّفَتْ سَتَرَهَا. وَأَمَّا الْجَلْدُ فَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ، لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِشَدِّ ثِيَابِهِ الْمَرْأَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَعَيُّنُ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ ضُرِبَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْخَلَوَاتِ، وَإِلَّا فَفِي الْمَلَأ، وَلَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ مِنْ جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، كَذَا قَالَاهُ هُنَا، وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، بَلْ يُكْرَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَيُوَالِي الضَّرْبَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمَقْصُودِ فِي الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ إذَا فَرَّقَهَا عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ؛ لِأَنَّ مُسْتَنَدَ الْأَيْمَانِ إلَى الِاسْمِ، وَهُنَا التَّنْكِيلُ وَالزَّجْرُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَلَوْ جُلِدَ لِلزِّنَا خَمْسِينَ وِلَاءً وَفِي غَدِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُضْبَطْ التَّفْرِيقُ الْجَائِزُ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقَعَ كَسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنْ آلَمَ وَأَثَّرَ بِمَا لَهُ وَقْعٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى، وَإِنْ تَخَلَّلَ لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ عَقَّبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجِنَايَاتِ السَّبْعَ الْمُوجِبَةَ لِلْحَدِّ بِالتَّعْزِيرِ، وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَصْلٍ. [فَصْل فِي التَّعْزِيرِ] فَقَالَ: [فَصْلٌ] فِي التَّعْزِيرِ، وَهُوَ لُغَةً. التَّأْدِيبُ. وَأَصْلُهُ مِنْ الْعَزْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9] أَيْ: تَدْفَعُوا الْعَدُوَّ عَنْهُ وَتَمْنَعُوهُ، وَيُخَالِفُ الْحَدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، فَتَعْزِيرُ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَخَفُّ وَيَسْتَوُونَ فِي الْحَدِّ. وَالثَّانِي تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَالْعَفْوُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ. وَالثَّالِثُ التَّالِفُ بِهِ مَضْمُونٌ فِي الْأَصَحِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ. وَشَرْعًا: تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 522 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فِيهِ حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ، وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالسَّبِّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ أَمْ لَا كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنُشُوزِ الْمَرْأَةِ وَمَنْعِ الزَّوْجِ حَقَّهَا مَعَ الْقُدْرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ فَأَبَاحَ الضَّرْبَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّعْزِيرِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي سَرِقَةِ الثَّمَرِ: إذَا كَانَ دُونَ نِصَابٍ غُرْمُ مِثْلَيْهِ وَجَلَدَاتُ نَكَالٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا فَاسِقُ يَا خَبِيثُ؟ فَقَالَ: يُعَزَّرُ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ. الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: تَعْزِيرُ ذِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ. الْأُولَى: إذَا صَدَرَ مِنْ وَلِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ: وَقَدْ جَهِلَ أَكْثَرُ النَّاسِ فَزَعَمُوا أَنَّ الْوِلَايَةَ تَسْقُطُ بِالصَّغِيرَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمُرَادُ بِذَوِي الْهَيْئَاتِ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةُ، وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عَزَّرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهُمْ رُءُوسُ الْأَوْلِيَاءِ وَسَادَةُ الْأُمَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي أَوَّلِ زَلَّةٍ زَلَّهَا مُطِيعٌ. الثَّانِيَة: إذَا قَطَعَ شَخْصٌ أَطْرَافَ نَفْسِهِ. الثَّالِثَةُ إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ أَوَأَمَته فِي دُبُرِهَا فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَلْ يُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. الرَّابِعَةُ: الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. الْخَامِسَةُ: إذَا رَأَى مَنْ يَزْنِي بِزَوْجَتِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَإِنْ افْتَاتَ عَلَى الْإِمَامِ لِأَجْلِ الْحَمِيَّةِ، حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ أَبِي دَاوُد. السَّادِسَةُ: إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُوَى إلَى الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ الْإِمَامُ لِلضِّعْفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَرَعَى مِنْهُمْ لَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَلَا غُرْمَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا وَآثِمًا، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الرَّعْيِ، كَذَا نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ هُنَاكَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ. السَّابِعَةُ: إذَا ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. الثَّامِنَةُ: إذَا كَلَّفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ لَا تَعُدْ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ اللِّعَانِ. التَّاسِعَةُ: إذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ قَدَرَ عَلَى إجَابَتِهَا فَهُوَ حَتْمٌ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يُحْبَسُ وَلَا يُوَكَّلُ بِهِ، وَلَكِنْ يَعْصِي الجزء: 5 ¦ الصفحة: 523 بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ، وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ،   [مغني المحتاج] بِمَنْعِهِ، الْعَاشِرَةُ: إذَا عَرَّضَ أَهْلُ الْبَغْيِ بِسَبِّ الْإِمَامِ لَمْ يُعَزَّرُوا عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا، أَوْ كَفَّارَةٌ كَالتَّمَتُّعِ بِطِيبٍ فِي الْإِحْرَامِ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِلْحَدِّ وَالثَّانِي لِلْكَفَّارَةِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ. الْأُولَى: إفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. الثَّانِيَة: الْمُظَاهِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. الثَّالِثَةُ: إذَا قَتَلَ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ كَوَلَدِهِ وَعَبْدِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: نَعَمْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ لِلْمَعْصِيَةِ، بَلْ لِإِعْدَامِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ إيجَابِهَا بِقَتْلِ الْخَطَأِ، فَلَمَّا بَقِيَ التَّعَمُّدَ خَالِيًا عَنْ الزَّجْرِ أَوْجَبْنَا فِيهِ التَّعْزِيرَ. الرَّابِعَةُ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ يَجِبُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَالتَّعْزِيرُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ الْخَامِسَةُ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ إلَى الثَّمَانِينَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. السَّادِسَةُ: مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ، وَيُحَدُّ لِلزِّنَا، وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمَهُ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ. السَّابِعَةُ: مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ أَنَّ السَّارِقَ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ يُعَزَّرُ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيقَ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ فَحَسَنٌ، أَوْ غَيْرَهُ فَمُنْفَرِدٌ بِهِ، وَتَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ ضَرْبٌ مِنْ النَّكَالِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِّ قَطْعًا إذْ لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ أَحَدٌ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ. الْأَوَّلُ: الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُعَزَّرَانِ إذَا فَعَلَا مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ الْبَالِغُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا مَعْصِيَةً، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الصَّبِيِّ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْمَجْنُونِ. الثَّانِيَة. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَمْنَعُ الْمُحْتَسِبُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذُ وَالْمُعْطِيَ، وَظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ. ثَالِثُهَا نَفْيُ الْمُخَنَّثِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا فُعِلَ لِلْمَصْلَحَةِ. ، وَتَعْلِيقُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ سَابِقًا يُعَزَّرُ قَوْلَهُ هُنَا (بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ) وَهُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ (أَوْ تَوْبِيخٍ) بِاللِّسَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ عَنْ الْجَرِيمَةِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرْبِ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ التَّأْدِيبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ فَعَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ الْمُبَرِّحِ وَلَا غَيْرِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ بِضَرْبِهِ غَيْرَ مُبَرِّحٍ إقَامَةً لِصُورَةِ الْوَاجِبِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالضَّرْبِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْحَبْسِ مُدَّةٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، بَلْ شَرْطُهُ النَّقْصُ عَنْ سَنَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَرَّحَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ النَّفْيَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ نَفْيُ الْمُخَنَّثِينَ، وَمِنْهُ كَشْفُ الرَّأْسِ وَالْقِيَامُ مِنْ الْمَجْلِسِ وَالْإِعْرَاضُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا مُوكَلٌ إلَى رَأْيِهِ يَجْتَهِدُ فِي سُلُوكِ الْأَصْلَحِ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِ النَّاسِ وَبِاخْتِلَافِ الْمَعَاصِي فَلَهُ أَنْ يُشْهِرَ فِي النَّاسِ مَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ لَهُ حَلْقُ رَأْسِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 524 وَقِيلَ إنْ تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ لَمْ يَكْفِ تَوْبِيخٌ. فَإِنْ جَلَدَ وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عَشْرٍ جَلْدَةً وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ عِشْرِينَ،   [مغني المحتاج] دُونَ لِحْيَتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصْلَبَ حَيًّا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَا مِنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي يَوْمِيًّا وَيُعِيدُ إذَا أَرْسَلَ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ. وَاعْتُرِضَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ مُتَمَكِّنًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَفِي جَوَازِ تَسْوِيدِ وَجْهِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْجَوَازِ، وَلَهُ إرْكَابُهُ الدَّابَّةَ مَنْكُوسًا، وَعَلَى الْإِمَامِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ اللَّائِقِ بِالْحَالِ فِي الْقَدْرِ وَالنَّوْعِ كَمَا يُرَاعِيهِ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ، فَلَا يَرْقَى إلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا مُؤَثِّرًا كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ أَوْهَمَ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ بِأَوْ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْيِيرِ خِلَافَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ. الْأُولَى: لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا لَهُمَا عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحًا لَهُمَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُهُمَا السَّفِيهُ، وَعِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْزِيرُ الْبَالِغِ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ شُهْبَةَ. الثَّانِيَة لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يُؤَدِّبَ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، لَكِنْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ. الثَّالِثَةُ لِلزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ لِنُشُوزِهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَفْتَى ابْنُ الْبَرَزِيِّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَمْرُ زَوْجَتِهِ بِالصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُهَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا أَمْرُهُ لَهَا بِالصَّلَاةِ فَمُسَلَّمٌ. الرَّابِعَةُ لِلسَّيِّدِ ضَرْبُ رَقِيقِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَمَا فِي الزَّوْجِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ سَلْطَنَتَهُ أَقْوَى، وَكَذَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا مَرَّ فِي الزِّنَا، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ تَعْزِيرًا، وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى مَا عَدَا ضَرْبَ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا، وَعَلَى هَذَا لَا اسْتِثْنَاءَ (وَقِيلَ إنْ تَعَلَّقَ) التَّعْزِيرُ (بِآدَمِيٍّ لَمْ يَكْفِ) فِيهِ (تَوْبِيخٌ) لِتَأَكُّدِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ كَمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ قَدْرِ التَّعْزِيرِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ جَلَدَ) الْإِمَامُ (وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عِشْرِينَ جَلْدَةً وَ) فِي (حُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً أَدْنَى حُدُودِهِمَا، لِخَبَرِ «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: الْمَحْفُوظُ إرْسَالُهُ، وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عَنْ الدِّيَةِ وَالرَّضْخِ عَنْ السَّهْمِ (وَقِيلَ) يَجِبُ أَنْ يُنْقِصَ فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ عَنْ (عِشْرِينَ) جَلْدَةً لِأَنَّهَا حَدُّ الْعَبْدِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَنْعِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ لَا يُزَادُ فِي تَعْزِيرِهِمَا عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ لِحَدِيثِ «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ فِي اتِّبَاعِ الْخَبَرِ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيَّ لَقَالَ بِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ. قَالَ الْقُونَوِيُّ: وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ أَهْوَنُ مِنْ النَّسْخِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ. فَائِدَةٌ: أَهْلُ بَدْرٍ إذَا عَمِلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ذَنْبًا يَقْتَضِي حَدًّا أَوْ غَيْرَهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 525 وَيَسْتَوِي فِي هَذَا جَمِيعُ الْمَعَاصِي فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ فَلَا تَعْزِيرَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَعْزِيرٍ فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَغْفُورٌ لَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ الْمَاضِي لَا الْمُسْتَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمُسْتَقْبَلِ لَكَانَ إطْلَاقًا فِي الذُّنُوبِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ «وَقَدْ حَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُعَيْمَانَ فِي الْخَمْرِ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ فِيهِ أَيْضًا، وَكَانَا بَدْرِيَّيْنِ، وَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِسْطَحًا الْحَدَّ، وَكَانَ بَدْرِيًّا (وَيَسْتَوِي فِي هَذَا) الْمَذْكُورِ (جَمِيعُ الْمَعَاصِي) السَّابِقَةُ: أَيْ: مَعْصِيَةُ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَيَلْحَقُ مَا هُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْحُدُودِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّفْرِقَةِ، وَالثَّانِي لَا بَلْ يُقَاسُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ. (وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ) عَنْهُ كَحَدِّ قَذْفٍ (فَلَا تَعْزِيرَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَازِمٌ مُقَدَّرٌ لَا نَظَرَ لِلْإِمَامِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ فَجَازَ إسْقَاطُهُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ. وَالثَّانِي لَهُ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ) عَفَا مُسْتَحِقُّ (تَعْزِيرٍ فَلَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ التَّعْزِيرُ (فِي الْأَصَحِّ) لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لَا يُعَزِّرُ بِدُونِ عَفْوٍ قَبْلَ مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ أَصْلُهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ التَّعْزِيرَ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ شَتَّى مِنْ ضَرْبٍ وَصَفْعٍ وَتَوْبِيخٍ وَحَبْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَحْصُلُ بِقَلِيلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَكَثِيرِهَا، وَمُسْتَحِقُّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَازِيرِ وَلَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا بَلْ اسْتَحَقَّ مَجْهُولًا وَالْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ أَسْقَطَهُ. خَاتِمَةٌ: لِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَاوِي شِدْقَهُ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَمُخْتَصَرُهُ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَيُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ، وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ، وَمَنْ هَنَّأَهُ بِعِيدِهِ، وَمَنْ سَمَّى زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا، وَالسَّاعِي بِالنَّمِيمَةِ لِكَثْرَةِ إفْسَادِهَا بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: يُفْسِدُ النَّمَّامُ فِي سَاعَةٍ مَا لَا يُفْسِدُهُ السَّاحِرُ فِي السَّنَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ الْحَدِّ، وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ» وَفِي الْبَيْهَقِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ صَادَّ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ» وَتُسَنُّ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُقُوقِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حَدٍّ أَوْ أَمْرٍ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ كَالشَّفَاعَةِ إلَى نَاظِرِ يَتِيمٍ أَوْ وَقْفٍ فِي تَرْكِ بَعْضِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِي وِلَايَتِهِ، فَهَذِهِ شَفَاعَةُ سُوءٍ مُحَرَّمَةٌ، وَاسْتُدِلَّ لِلشَّفَاعَةِ الْحَسَنَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85] الْآيَةَ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ، وَقَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 526 كِتَابُ الصِّيَالِ وَضَمَانِ الْوُلَاةِ لَهُ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الصِّيَالِ] ِ هُوَ وَالْمُصَاوَلَةُ: الِاسْتِطَالَةُ وَالْوُثُوبُ، وَالصَّائِلُ الظَّالِمُ (وَضَمَانِ الْوُلَاةِ) وَأَدْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حُكْمَ الْخِتَانِ وَإِتْلَافِ الْبَهَائِمِ، وَعَقَدَ فِي الرَّوْضَةِ لِإِتْلَافِ الْبَهَائِمِ بَابًا، وَذَكَرَ حُكْمَ الْخِتَانِ فِي بَابِ ضَمَانِ إتْلَافِ الْإِمَامِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَافْتَتَحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «اُنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» وَالصَّائِلُ ظَالِمٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ. (لَهُ) أَيْ الْمَصُولِ عَلَيْهِ (دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا، بَالِغًا أَوْ صَغِيرًا، قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا، آدَمِيًّا أَوْ غَيْرَهُ (عَلَى) مَعْصُومٍ مِنْ (نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ) أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ) لِخَبَرِ «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ شَهِيدًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ: كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمَّا كَانَ شَهِيدًا كَانَ لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْبُضْعِ مَنْ قَصَدَ الِاسْتِمْتَاعَ بِأَهْلِهِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ، وَأَلْحَقَ الرُّويَانِيُّ الْأُخْتَ وَالْبِنْتَ بِالزَّوْجَةِ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ أَوْ مَالُ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَدِرْهَمٍ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ الْمُقَدَّرُ فِي السَّرِقَةِ أَكْثَرَ وَمَا فِيهِ سِوَى قَطْعِ الطَّرَفِ، وَقَدْ يُؤَدِّي الدَّفْعُ إلَى هَلَاكِ النَّفْسِ وَهُوَ أَعْظَمُ وَالْمَالُ فِيهِ قَلِيلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَطْعَ الطَّرَفِ مُحَقَّقٌ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ هَلَاكِ النَّفْسِ وَمَالِ نَفْسِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ مَا لَوْ صَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ، بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْمَالِ قَدْ يُخْرِجُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْكَلْبِ الْمُقْتَنَى وَالسِّرْجِينِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ إلْحَاقُهُ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ عَنْ ذِمِّيٍّ وَوَالِدٍ عَنْ وَلَدِهِ وَسَيِّدٍ عَنْ عَبْدِهِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ. ، وَلَوْ صَالَ قَوْمٌ عَلَى النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَالْمَالِ قُدِّمَ الدَّفْعُ عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبُضْعِ وَالْمَالِ، وَالدَّفْعُ عَنْ الْبُضْعِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ، وَالْمَالُ الْكَثِيرُ عَلَى الْحَقِيرِ، وَلَوْ صَالَ اثْنَانِ عَلَى مُتَسَاوِيَيْنِ فِي نَفْسَيْنِ أَوْ بُضْعَيْنِ أَوْ مَالَيْنِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ دَفْعُهُمَا مَعًا دَفَعَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ صَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَبِيٍّ بِاللِّوَاطِ، وَالْآخَرُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 527 فَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ. وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ وَيَجِبُ عَنْ بُضْعٍ، وَكَذَا نَفْسٍ قَصَدَهَا كَافِرٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، لَا مُسْلِمٌ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَحَدُهُمَا يُبْدَأُ بِصَاحِبِ الزِّنَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ. وَالثَّانِي بِصَاحِبِ اللِّوَاطِ، إذْ لَيْسَ إلَى حِلِّهِ سَبِيلٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهُوَ أَوْجَهُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ. (فَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْمُصَوَّلُ عَلَيْهِ الصَّائِلَ دَفْعًا (فَلَا ضَمَانَ) بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا إثْمٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ، حَتَّى لَوْ صَالَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمُسْتَعَارُ عَلَى مَالِكِهِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ الْمُضْطَرُّ إذَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الطَّعَامِ دَفْعًا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ. قَالَ الدَّبِيلِيُّ: فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَوْ صَالَتْ حَامِلٌ عَلَى إنْسَانٍ فَدَفَعَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا فَالْأَصَحُّ لَا يَضْمَنُهُ، وَقَاسَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا إذَا تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ بِمُسْلِمٍ، وَاضْطُرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَتْلِهِ. (وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ) لَا رُوحَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إبَاحَتُهُ لِلْغَيْرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْآحَادِ. فَأَمَّا الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الدَّفْعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَالَهُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالًا مُودَعًا وَجَبَ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدَّفْعُ عَنْهُ اهـ. أَمَّا مَا فِيهِ رُوحٌ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ إذَا قُصِدَ إتْلَافُهُ مَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بُضْعٌ لِحُرْمَةِ الرُّوحُ حَتَّى لَوْ رَأَى أَجْنَبِيٌّ شَخْصًا يُتْلِفُ حَيَوَانَ نَفْسِهِ إتْلَافًا مُحَرَّمًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. (وَيَجِبُ) الدَّفْعُ (عَنْ بُضْعٍ) لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إبَاحَتِهِ، وَسَوَاءٌ بُضْعُ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُهُ، وَمِثْلُ الْبُضْعِ مُقَدِّمَاتُهُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي (وَكَذَا نَفْسٍ) لِلشَّخْصِ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهَا إذَا (قَصَدَهَا كَافِرٌ) وَلَوْ مَعْصُومًا، إذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْعِلَّةِ جَوَازُ اسْتِسْلَامِ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ وَبَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَنْعِ جَوَازِ اسْتِسْلَامِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ إذَا لَمْ يُجَوَّزْ الْأَسْرُ، فَإِنْ جَوَّزَهُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَرِ (أَوْ) قَصَدَهَا (بَهِيمَةٌ) لِأَنَّهَا تُذْبَحُ لِاسْتِبْقَاءِ الْآدَمِيِّ، فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِسْلَامِ لَهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ عُضْوَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَنَفْسِهِ (لَا) إنْ قَصَدَهَا (مُسْلِمٌ) وَلَوْ مَجْنُونًا وَمُرَاهِقًا أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ» يَعْنِي قَابِيلَ وَهَابِيلَ، وَلِمَنْعِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَبِيدَهُ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ، وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَالثَّانِي يَجِبُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إصَانَةُ نَفْسِهِ بِأَكْلِ مَا يَجِدُهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي الْقَتْلِ شَهَادَةً بِخِلَافِ تَرْكِ الْأَكْلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 528 وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ قَطْعًا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْمَحْقُونِ الدَّمُ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ: لِيَخْرُجَ الْمُهْدَرُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْكَافِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَظْهَرُ الدَّفْعُ عَنْ الْعُضْوِ عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا شَهَادَةٌ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَنْ النَّفْسِ إذَا أَمْكَنَ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ مَفَاسِدُ فِي الْحَرِيمِ وَالْأَطْفَالِ اهـ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ. (وَالدَّفْعُ عَنْ) نَفْسِ (غَيْرِهِ) إذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا وَلَوْ رَقِيقًا (كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ) فَيَجِبُ حَيْثُ يَجِبُ وَيَنْتَفِي حَيْثُ يَنْتَفِي، إذْ لَا يَزِيدُ حَقُّ غَيْرِهِ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَتْنِ مِنْ جَرِّ ضَمِيرِ الْغَائِبِ بِالْكَافِ وَهُوَ قَلِيلٌ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْوُجُوبِ إذَا أُمِنَ الْهَلَاكُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ رُوحَهُ بَدَلًا عَنْ رُوحِ غَيْرِهِ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: نَعَمْ إنْ كَانَ فِي قِتَالِ الْحَرْبِيِّينَ أَوْ الْمُرْتَدِّينَ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ بِالْخَوْفِ ظَاهِرٌ، إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ وَكَانُوا مِثْلَيْهِ فَأَقَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ الدَّفْعُ عَنْ سَيِّدِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الِابْنَ الدَّفْعُ عَنْ أَبِيهِ أَيْضًا. قَالَ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ: أَيْ: لِوُضُوحِهِ. أَمَّا لَوْ صَالَ شَخْصٌ عَلَى غَيْرِ مُحْتَرَمٍ حَرْبِيٍّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ دَفْعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ (وَقِيلَ يَجِبُ) الدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ (قَطْعًا) لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُسْلِمٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ قَادِرٌ أَنْ يَنْصُرَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآحَادِ. أَمَّا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْوُلَاةِ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَطْعًا، وَقَضِيَّةُ الْوُجُوبِ أَوْ الْجَوَازِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ دَفْعًا عَنْ مَالِ غَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ غَيْرَ نَبِيٍّ، أَمَّا هُوَ فَيَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَخْتَصُّ الْخِلَافُ بِالصَّائِلِ، بَلْ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مُحَرَّمٍ مِنْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلِبَعْضِ الْآحَادِ مَنْعُهُ، وَلَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالُوا: لَوْ ظَهَرَ فِي بَيْتٍ خَمْرٌ يُشْرَبُ أَوْ طُنْبُورٌ يُضْرَبُ أَوْ نَحْوُهُمَا، فَلَهُ الْهُجُومُ عَلَى مُتَعَاطِيهِ لِإِزَالَتِهِ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلَهُ قِتَالُهُمْ، وَإِنْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَبَّرُوا هُنَا بِالْوُجُوبِ وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُ الْأَصْحَابِ بِالْجَوَازِ، إذْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ ارْتِكَابِ ذَلِكَ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوُجُوبِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّف أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالِ الْغَيْرِ، لَكِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَهْمَا قَدَرَ عَلَى حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَهُ تَعَبٌ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ، أَوْ نُقْصَانٌ فِي جَاهِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَقَلُّ دَرَجَاتِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ أَوْلَى الجزء: 5 ¦ الصفحة: 529 وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا ضَمِنَهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالْأَخَفِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِكَلَامٍ وَاسْتِغَاثَةٍ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ عَصًا، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ،   [مغني المحتاج] بِالْإِيجَابِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَالَ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَضِيعُ بِظُلْمِ ظَالِمٍ وَكَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا وَيَعْصِي بِتَرْكِهَا. (وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ) مَثَلًا وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ: إنَاءٌ مِنْ فَخَّارٍ عَلَى إنْسَانٍ (وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا) جَازَ لَهُ، بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِهِ صِيَانَةً لِرُوحِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْجَوَازَ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا كَسَرَهَا (ضَمِنَهَا فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا قَصْدَ لَهَا وَلَا اخْتِيَارَ حَتَّى يُحَالَ عَلَيْهَا، فَصَارَ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ يَأْكُلُهُ وَيَضْمَنُهُ، وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّهُ دَافِعٌ لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ الْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَهَا نَوْعُ اخْتِيَارٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً بِمَحَلِّ غَيْرِ عُدْوَانٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً بِمَحَلِّ عُدْوَانٍ كَأَنْ وُضِعَتْ بِرَوْشَنٍ، أَوْ عَلَى مُعْتَدِلٍ لَكِنَّهَا مَائِلَةٌ أَوْ عَلَى حَالَةٍ يَغْلِبُ فِيهَا سُقُوطُهَا لَمْ يَضْمَنْهَا قَطْعًا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ لَوْ أَبْدَلَ قَوْلَهُ: عُدْوَانٍ بِيَضْمَنُ بِهِ كَانَ أَوْلَى، وَيَضْمَنُ بَهِيمَةً لَمْ يُمْكِنْ جَائِعًا وُصُولُهُ إلَى طَعَامِهِ إلَّا بِقَتْلِهَا وَقَتَلَهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْهُ وَقَتْلُهُ لَهَا لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجُوعِ فَكَانَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَحُّ هُنَا نَفْيَ الضَّمَانِ، كَمَا لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِمُ وَقَتَلَ بَعْضَهَا فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُنَا لِلْآدَمِيِّ. ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ دَفْعِ الصَّائِلِ بِقَوْلِهِ: (وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالْأَخَفِّ) فَالْأَخَفِّ إنْ أَمْكَنَ، وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ (فَإِنْ أَمْكَنَ) دَفْعُهُ (بِكَلَامٍ وَاسْتِغَاثَةٍ) بَغَيْنَ مُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ بِالنَّاسِ (حَرُمَ الضَّرْبُ) أَيْ: الدَّفْعُ بِهِ (أَوْ) أَمْكَنَ دَفْعُهُ (بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ) أَمْكَنَ دَفْعُهُ (بِسَوْطٍ حَرُمَ عَصًا، أَوْ) أَمْكَنَ دَفْعُهُ (بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأَثْقَلِ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالْأَسْهَلِ، وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُ كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلَهُ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ لَمْ يَضْرِبْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَفَائِدَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَعَدَلَ إلَى رُتْبَةٍ مَعَ إمْكَانِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا ضَمِنَ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: لَوْ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَنْ الضَّبْطِ سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ. الثَّانِيَةُ: مَا سَيَأْتِي فِي النَّظَرِ إلَى الْحُرَمِ أَنَّهُ يَرْمِي بِالْحَصَاةِ قَبْلَ الْإِنْذَارِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ يَأْتِي. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ لَا يَجِدُ إلَّا السَّيْفَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 530 فَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ. وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ.   [مغني المحتاج] فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الضَّرْبَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِهِ، وَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ فِي تَرْكِ اسْتِصْحَابِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ. الرَّابِعَةُ: إذَا رَآهُ يُولِجُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مُوَاقِعٌ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالْأَنَاةِ كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: إذَا وَجَدَ رَجُلًا يَزْنِي بِامْرَأَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُ مَنْعُهُ وَدَفْعُهُ، فَإِنْ هَلَكَ فِي الدَّفْعِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْدَفَعَ بِضَرْبٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَكُنْ الزَّانِي مُحْصَنًا، فَإِنْ كَانَ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي الْجِنَايَاتِ اهـ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ (فَإِنْ أَمْكَنَ) الْمَصُولُ عَلَيْهِ (هَرَبٌ) أَوْ الْتِجَاءٌ لِحِصْنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ وَمَا ذُكِرَ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَعْدِلُ إلَى الْأَشَدِّ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ جَائِزَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ الِانْصِرَافُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ تَيَقَّنَ النَّجَاةَ بِهَرَبٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا حَمْلًا لِلنَّصَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَ مَعَ إمْكَانِ الْهَرَبِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعُ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا مَرَّ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ: وُجُوبُ الْهَرَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ بُضْعَهُ، وَتَعْلِيلُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ، وَيَدَعُ مَالَهُ إذَا كَانَ الصِّيَالُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ مَالِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْهَرَبُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْبُضْعَ فَقَضِيَّةُ الْبِنَاءِ عَلَى وُجُوبِ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْهَرَبُ، بَلْ يَثْبُتُ إنْ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ) أَوْ غَيْرُهَا (خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ) أَيْ: رَفْعِ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى بِلَا جَرْحٍ (وَضَرْبِ) أَيْ: أَوْ ضَرْبِ (شِدْقَيْهِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُمَا جَانِبَا الْفَمِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْأَسْهَلِ (فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ) بِنُونٍ: أَيْ: سَقَطَتْ (أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَكَ» وَلِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُضْمَنُ بِالدَّفْعِ فَالْأَجْزَاءُ أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْعَاضُّ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: إلَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّخَلُّصَ إلَّا بِهِ فَهُوَ حَقٌّ لَهُ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ فَكِّ اللَّحْيِ وَالضَّرْبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْفَكُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الضَّرْبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ أَسَهْلُ. وَالثَّانِي الْحَصْرُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصَ إلَّا بِبَعْجِ بَطْنِهِ، أَوْ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 531 وَمَنْ نُظِرَ إلَى حُرَمِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ بِخَفِيفٍ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ فَهَدَرٌ،   [مغني المحتاج] فَقْءِ عَيْنِهِ، أَوْ عَصْرِ خُصْيَيْهِ جَازَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فَلَوْ عَدَلَ عَنْ الْأَخَفِّ مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّ يَدَهُ ابْتِدَاءً فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ كَانَتْ مُهْدَرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ اهـ. وَلَا يَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِنْذَارُ بِالْقَوْلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إمْكَانِ التَّخَلُّصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ صُدِّقَ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ: وَلْيَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الصَّائِلِ. فَائِدَةٌ: الْعَضُّ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ إذَا كَانَ بِجَارِحَةٍ، وَبِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ إذَا كَانَ بِغَيْرِهَا: نَحْوُ عَظَّتْ الْحَرْبُ وَعَظَّ الزَّمَانُ. قَالَتْ عُتْبَةُ أُمُّ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ: لَعَمْرِي لَقِدْمًا عَظَّنِي الدَّهْرُ عِظَةً ... فَيَا لَيْتَ أَنْ لَا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعًا وَقُولَا لِعَذَا اللَّائِمِ الْيَوْمَ أَعْفِنِي ... فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَعَضَّ الْأَصَابُعَا. (وَمَنْ نُظِرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (إلَى حُرَمِهِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ الْمُهْمَلَيْنِ وَبِهَاءِ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِمَنْ، وَالْمُرَادُ بِهِنَّ: الزَّوْجَاتُ وَالْإِمَاءُ وَالْمَحَارِمُ (فِي دَارِهِ) الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ كَوَّةٍ) أَيْ: طَاقَةٍ، وَمَرَّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْكَافِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا (أَوْ ثَقْبٍ) بِفَتْحٍ الْمُثَلَّثَةِ أَوَّلِهِ: أَيْ: خَرْقٌ فِي الدَّارِ، وَقَوْلُهُ (عَمْدًا) قَيْدٌ فِي النَّظَرِ (فَرَمَاهُ) أَيْ: رَمَى صَاحِبُ الدَّارِ مَنْ نَظَرَ إلَى حُرَمِهِ حَالَ نَظَرِهِ (بِخَفِيفٍ) تُقْصَدُ الْعَيْنُ بِمِثْلِهِ (كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ) لَمْ يُعْمِهِ، بَلْ (أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ) فَسَرَى الْجَرْحُ (فَمَاتَ فَهَدَرٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَوْ اطَّلَعَ أَحَدٌ فِي بَيْتِكَ وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ جُنَاحٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ: فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ النَّظَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ حُرَمُهُ مَسْتُورَةً أَوْ فِي مُنْعَطَفٍ أَمْ لَا، لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهُ يُرِيدُ سَتْرَهَا عَنْ الْأَعْيُنِ وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ قَوْلُهُ: وَمَنْ نُظِرَ: الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ عِنْدَ نَظَرِهَا مَا لَا يَجُوزُ، وَالْخُنْثَى وَالْمُرَاهِقَ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَاهِقُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحُدُودُ فَكَيْفَ يَجُوزُ رَمْيُهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ لِلتَّكْلِيفِ بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَفْسَدَةُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: نُظِرَ الْأَعْمَى، وَمَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ، فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُمَا، إذْ لَيْسَ السَّمْعُ كَالْبَصَرِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ، وَبِقَوْلِهِ: حُرَمِهِ مَا إذَا كَانَ فِيهَا الْمَالِكُ وَحْدَهُ، فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ إنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَلَهُ الرَّمْيُ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ اخْتَارَ الْأَذْرَعِيُّ الرَّمْيَ مُطْلَقًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَمَا إذَا كَانَ فِيهَا خُنْثَى مُشْكِلٌ مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْمِيهِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي تَخْرِيجهُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِي دَارِهِ رَاجِعٌ لِمَنْ لَهُ الْحُرَمُ. أَمَّا النَّاظِرُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 532 بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلنَّاظِرِ، قِيلَ وَاسْتِتَارِ الْحُرَمِ،   [مغني المحتاج] الْمَوْضِع الَّذِي يَطَّلِعُ مِنْهُ مِلْكَهُ أَوْ شَارِعًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِاطِّلَاعُ، وَبِقَوْلِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ مَا إذَا نَظَرَ مِنْ الْبَابِ الْمَفْتُوحِ فَلَا يَرْمِيهِ لِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الدَّارِ بِفَتْحِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْكَوَّةِ بِالصَّغِيرَةِ. أَمَّا الْكَبِيرَةُ فَكَالْبَابِ الْمَفْتُوحِ، وَفِي مَعْنَاهَا الشُّبَّاكُ الْوَاسِعُ الْعَيْنِ لِتَقْصِيرِ صَاحِبِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُنْذَرَهُ فَيَرْمِيَهُ كَمَا صَرَّحَ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَاتِحُ لِلْبَابِ هُوَ النَّاظِرُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ رَبُّ الدَّارِ مِنْ إغْلَاقِهِ جَازَ الرَّمْيُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمُ النَّظَرِ مِنْ سَطْحِ نَفْسِهِ وَالْمُؤَذِّنِ مِنْ الْمَنَارَةِ كَالْكَوَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا تَفْرِيطَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ، وَبِقَوْلِهِ عَمْدًا مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الِاطِّلَاعُ كَأَنْ كَانَ مَجْنُونًا، أَوْ كَانَ مُخْطِئًا، أَوْ وَقَعَ نَظَرُهُ اتِّفَاقًا، فَإِنَّهُ لَا يَرْمِيهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الدَّارِ، فَإِنْ رَمَاهُ وَادَّعَى الْمَرْمِيُّ عَدَمَ الْقَصْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي؛ لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ حَصَلَ، وَالْقَصْدَ بَاطِنٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا ذَهَابٌ إلَى جَوَازِ الرَّمْيِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْقَصْدِ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ ذَهَابًا لِذَلِكَ، إذْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنَّ تَحَقُّقَ الْأَمْرِ بِقَرَائِنَ يَعْرِفُ بِهَا الرَّامِي قَصْدَ النَّاظِرِ، وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ مَنْ انْصَرَفَ عَنْ النَّظَرِ كَالصَّائِلِ إذَا رَجَعَ عَنْ صِيَالِهِ، وَبِقَوْلِهِ: بِخَفِيفِ الثَّقِيلِ كَالْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالنَّشَّابِ، وَيَضْمَنُ إنْ رَمَى بِذَلِكَ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ. نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ كَنَظِيرِهِ فِي الصِّيَالِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ بِالْعَصَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا السَّيْفَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ رَمْيُ عَيْنِهِ، أَوْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِرَمْيِهِ بِالْخَفِيفِ اسْتَغَاثَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ غَوْثٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَنْشُدَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ لَهُ ضَرْبُهُ بِالسِّلَاحِ وَمَا يَرْدَعَهُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِمْ النَّاظِرَ صُورَتَانِ: الْأُولَى مَا لَوْ كَانَ أَحَدُ أُصُولِهِ الَّذِينَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ وَلَا حَدَّ قَذْفٍ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَدٍّ، فَإِنْ رَمَاهُ وَفَقَأَهُ ضَمِنَ. الثَّانِيَة مَا إذَا كَانَ النَّظَرُ مُبَاحًا لَهُ لِخِطْبَةٍ وَنَحْوِهَا بِشَرْطِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ رَمْيُ الْمَالِكِ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ رَمْيُ الْمُعِيرِ؟ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: الْأَقْوَى الْجَوَازُ وَلَوْ كَانَ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ شَارِعٍ مَكْشُوفِ الْعَوْرَةِ، أَوْ هُوَ وَأَهْلُهُ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَالْخَيْمَةُ فِي الصَّحْرَاءِ كَالْبَيْتِ فِي الْبُنْيَانِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ رَمْيُ النَّاظِرِ (بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلنَّاظِرِ) فَإِنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ رَمْيُهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي النَّظَرِ شُبْهَةً كَمَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. تَنْبِيهٌ: الْوَاوُ فِي عِبَارَتِهِ بِمَعْنَى " أَوْ "، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ الْأَمَةُ، وَيَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ هُنَاكَ مَتَاعٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ رَمْيُهُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ هُنَاكَ مَحْرَمٌ وَلَكِنْ مُتَجَرِّدَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَمْيُهُ، إذْ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا. ثُمَّ أَشَارَ لِاعْتِبَارِ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ عَلَى مَرْجُوحٍ. أَحَدُهُمَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (قِيلَ: وَ) بِشَرْطِ عَدَمِ (اسْتِتَارِ الْحُرَمِ) فَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ بِالثِّيَابِ، الجزء: 5 ¦ الصفحة: 533 قِيلَ: وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رَمْيِهِ. وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ   [مغني المحتاج] أَوْ فِي مُنْعَطَفِ لَا يَرَاهُنَّ النَّاظِرُ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِنَّ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَحَسْمًا لِمَادَّةِ النَّظَرِ، فَقَدْ يُرِيدُ سَتْرَ حُرَمِهِ عَنْ النَّاسِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (قِيلَ: وَ) بِشَرْطِ (إنْذَارٍ) بِمُعْجَمَةٍ (قَبْلَ رَمْيِهِ) عَلَى قِيَاسِ الدَّفْعِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ، إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْإِنْذَارُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمَجَالُ التَّرَدُّدِ فِي الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مَوْعِظَةٌ وَتَخْجِيلٌ قَدْ يُفِيدُ وَقَدْ لَا يُفِيدُ. فَأَمَّا مَا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا مِنْ تَخْوِيفٍ وَزَعْقَةٍ مُزْعِجَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْبَدَاءَةِ خِلَافٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا حَسَنٌ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: تَصْحِيحُ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْذَارِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ شَخْصٌ دَارِهِ أَوْ خَيْمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَهُ دَفْعَهُ، وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَبْلَ إنْذَارِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ رَمْيَ الْمُتَطَلِّعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ، وَدَفْعُ الدَّاخِلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَزِمَ سُلُوكُ مَا يُمْكِنُ، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا ذَكَرُوهُ وَمَا مَرَّ فِي تَخْلِيصِ الْيَدِ مِنْ عَاضِّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا أَهْدَرَ ثَنِيَّةَ الْعَاضِّ بِنُزَّعِ الْمَعْضُوضِ يَدَهُ مِنْ. فِيهِ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ وُجُودِ الْإِنْذَارِ وَعَدَمِهِ. وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي دَارِهِ وَقَالَ: إنَّمَا قَتَلْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي أَوْ مَالِي وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا، وَيَكْفِي قَوْلُهَا دَخَلَ دَارِهِ شَاهِرَ السِّلَاحِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا دَخَلَ بِسِلَاحٍ مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ إلَّا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَكْفِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ضَرْبُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ بِهِمَا لِأَنَّهُ دَخَلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَصْدُ عُضْوٍ بِعَيْنِهِ. وَلَوْ أَخَذَ الْمَتَاعَ وَخَرَجَ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ وَيُقَاتِلَهُ إلَى أَنْ يَطْرَحَهُ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ بَيْتِ شَخْصٍ إلَّا بِإِذْنِهِ مَالِكًا كَانَ أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا، فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ قَرِيبًا غَيْرَ مَحْرَمٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنٍ صَرِيحٍ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا مَعَ صَاحِبِهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاسْتِئْذَانُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُشْعِرَهُ بِدُخُولِهِ بِتَنَحْنُحٍ أَوْ شِدَّةُ وَطْءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِيَسْتَتِرَ الْعُرْيَانُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا لَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا فَوَجْهَانِ: وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِئْذَانُ. فُرُوعٌ: لَوْ صَالَ عَبْدٌ مَغْصُوبٌ أَوْ مُسْتَعَارٌ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ كُلٌّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ مِنْ الضَّمَانِ إذْ لَا أَثَرَ بِقَتْلِهِ دَفْعًا. وَلَوْ قَطَعَ يَدَ صَائِلٍ دَفْعًا، وَوَلَّى فَتَبِعَهُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَلَّى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْقُصُ بِنَقْصِ الْيَدِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَهُ يَدَانِ مِنْ لَيْسَ لَهْ إلَّا يَدٌ قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ مِنْ فَحْلٍ صَائِلٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْرُبْ فَقَتَلَهُ دَفْعًا ضَمِنَ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ. وَفِي حِلِّ أَكْلِ لَحْمِ الْفَحْلِ الصَّائِلُ الَّذِي تَلِفَ بِالدَّفْعِ إنْ أُصِيبَ مَذْبَحُهُ وَجْهَانِ. وَجْهُ مَنْعِ الْحِلِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الذَّبْحَ وَالْأَكْلَ وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْحِلُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ. (وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ) مَحْجُورَهُ (وَوَالٍ) مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ (وَزَوْجٌ) زَوْجَتَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ نُشُوزٍ وَغَيْرِهِ (وَمُعَلَّمٌ) صَغِيرًا يَتَعَلَّمُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 534 وَمُعَلَّمٌ فَمَضْمُونٌ. وَلَوْ حَدَّ مُقَدَّرًا فَلَا ضَمَانَ. وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ.   [مغني المحتاج] وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ (فَمَضْمُونٌ) تَعْزِيرُهُمْ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ، فَإِنْ كَانَ بِضَرْبٍ يُقْتَلُ غَالِبًا، فَالْقِصَاصُ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، إذْ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلَاكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَوْ الرَّائِضِ لِتَعَلُّمِ الرِّيَاضَةِ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ ضَرْبِهَا، وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ ضَرْبِ الْآدَمِيِّ بِالْقَوْلِ وَالزَّجْرِ فَضَمِنَهُ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي تَعْبِيرِهِ مَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْهَلَاكِ كَتَوْبِيخِ غَيْرِ الْحَامِلِ وَالْحَبْسِ وَالنَّفْيِ وَالصَّفْعَةِ الْخَفِيفَةِ لِذِكْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَكُونُ بِالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ، ثُمَّ أَطْلَقَ التَّعْزِيرَ هُنَا مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ قَطْعًا، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يُخْرِجُ السَّيِّدَ فِي تَعْزِيرِ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، إذْ لَا يَجِبُ لَهُ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِغَيْرِهِ فِي ضَرْبِ مَمْلُوكِهِ فَضَرَبَهُ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الضَّمَانِ مَا إذَا اعْتَرَفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَطَلَبَ بِنَفْسِهِ مِنْ الْوَالِي تَعْزِيرَهُ فَعَزَّرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا عَيَّنَ لَهُ نَوْعَ التَّعْزِيرِ وَقَدْرَهُ، وَالزَّرْكَشِيُّ: الْحَاكِمُ إذَا عَزَّرَ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ، وَتَسْمِيَةُ ضَرْبِ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ تَعْزِيرًا هُوَ أَشْهُرُ الِاصْطِلَاحَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّ لَفْظَ التَّعْزِيرِ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَضَرْبَ الْبَاقِي بِتَسْمِيَتِهِ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا. (وَلَوْ حَدَّ) الْإِمَامُ حَيْثُ كَانَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ (مُقَدَّرًا) بِنَصٍّ فِيهِ كَحَدِّ قَذْفٍ فَمَاتَ الْمَحْدُودُ (فَلَا ضَمَانَ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ الْحَقَّ قَتَلَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَلْدُ وَالْقَطْعُ وَسَوَاءٌ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ حَدِّ الزِّنَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَمْ لَا. فَإِنْ قِيلَ: لَا مَعْنَى لِوَصْفِ الْحَدِّ بِالتَّقْدِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُقَدَّرًا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ حَدِّ الشُّرْبِ إذَا بَلَغَ بِهِ ثَمَانِينَ كَمَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ) فَمَاتَ (فَلَا ضَمَانَ) فِيهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ. وَالثَّانِي يُضْمَنُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضْرَبَ هَكَذَا بِأَنْ يَتَعَيَّنَ السَّوْطُ (وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا) ضَرَبَهَا الشَّارِبُ الْحُرُّ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَلِأَنَّهُ جَلْدٌ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ كَحَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ. وَالثَّانِي فِيهِ الضَّمَانُ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِالْأَرْبَعِينَ كَانَ بِاجْتِهَادٍ، وَكَذَا عَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعِينَ» فَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَنَعْنَا السِّيَاطَ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ الْأَصَحِّ فَلَا ضَمَانَ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 535 أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ. وَلِمُسْتَقِلٍّ قَطْعُ سِلْعَةٍ إلَّا مَخُوفَةً لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا، أَوْ الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ،   [مغني المحتاج] قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ ضَمِنَ الْجَمِيعُ وَقِيلَ النِّصْفُ. (أَوْ) جَلَدَ الْإِمَامُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ (أَكْثَرُ) مِنْ أَرْبَعِينَ جَلْدَةٍ فَمَاتَ (وَجَبَ قِسْطُهُ) أَيْ الْأَكْثَرُ (بِالْعَدَدِ) أَيْ عَدَدِ الْجَلَدَاتِ نَظَرًا لِلزَّائِدِ فَقَطْ، وَسَقَطَ الْبَاقِي لِأَنَّ الضَّرْبَ يَقَعُ عَلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ، فَهُوَ قَرِيبُ التَّمَاثُلِ فَيُقَسِّطُ الضَّمَانُ عَلَى عَدَدِهِ، فَفِي إحْدَى وَأَرْبَعِينَ جَلْدَةً جُزْءٌ مِنْ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ، وَفِي عَشَرَةٍ خُمْسُ الدِّيَةِ وَهَكَذَا (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَلَكِنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ بِأَنَّ حِصَّةَ السَّوْطِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ مَثَلًا لَا تُسَاوِي حِصَّةَ السَّوْطِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَادَفَ بَدَنًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ الضَّرْبُ، بِخِلَافِ الْأَخِيرِ فَإِنَّهُ صَادَفَ بَدَنًا قَدْ ضَعُفَ بِأَرْبَعِينَ، وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ قَطَعُوا النَّظَرَ عَنْ ذَلِكَ (وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ) فَمَاتَ، فَفِي قَوْلٍ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَالْأَظْهَرُ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَحَدًا كَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، وَذَكَرَهُ لِإِرَادَةِ السَّوْطِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ إحْدَى لِإِرَادَةِ الْجَلْدَةِ وَهُوَ أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ: {مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا ضَرَبَهُ الزَّائِدَ مَعَ بَقَاءِ أَلَمِ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ ضَرَبَهُ الْحَدَّ كَامِلًا وَزَالَ أَلَمُ الضَّرْبِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ الزَّائِدُ فَمَاتَ ضَمِنَ دِيَتَهُ كُلَّهَا بِلَا خِلَافٍ. (وَلِمُسْتَقِلٍّ) بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ سَفِيهًا (قَطْعُ سِلْعَةٍ) مِنْهُ وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا مَعَ سُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا: خُرَّاجٌ كَهَيْئَةِ الْغُدَّةِ يَخْرُجُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ يَكُونُ مِنْ الْحِمَّصَةِ إلَى الْبِطِّيخَةِ، وَلَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَبِنَائِبِهِ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إزَالَةِ الشِّينِ (إلَّا) سِلْعَةً (مَخُوفَةً) قَطْعُهَا بِقَوْلِ اثْنَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ وَاحِدٍ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا) أَصْلًا (أَوْ الْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ) مِنْهُ فِي تَرْكِهَا فَيُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَمَّا الَّتِي خَطَرُ تَرْكِهَا أَكْثَرُ أَوْ الْقَطْعُ وَالتَّرْكُ فِيهَا سِيَّانِ، فَيَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْأُولَى، وَالْأَصَحُّ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا كَمَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِغَيْرِ الْمَخُوفَةِ لِزِيَادَةِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مَعَ إزَالَةِ الشِّينِ، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْجَوَازِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا، وَقَالَ لَوْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إنْ لَمْ تَقْطَعْ حَصَلَ أَمْرٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْمُهْلِكَاتِ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِحْبَابُ اهـ. وَهَذَا الثَّانِي أَوْجَهُ، وَمِثْلُ السِّلْعَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِيمَا يَأْتِي: الْعُضْوُ الْمُتَأَكِّلُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَجُوزُ الْكَيُّ وَقَطْعُ الْعُرُوقِ لِلْحَاجَةِ، وَيُسَنُّ تَرْكُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُتَأَلِّمِ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ وَإِنْ عَظُمَ أَلَمُهُ وَلَمْ يُطِقْهُ لِأَنَّ بَرَأَهُ مَرْجُوٌّ، فَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي مُحْرِقٍ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهُ إلَّا إلَى مَائِعٍ مُغْرِقٍ وَرَآهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى لَفَحَاتِ الْمُحْرِقِ جَازَ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ، وَقَضِيَّةُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 536 وَلِأَبٍ وَجَدٍّ قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ لَا لِسُلْطَانٍ، وَلَهُ وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ مَا مُنِعَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ.   [مغني المحتاج] التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إغْرَاقٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ وَالِدِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (وَلِأَبٍ وَجَدٍّ) وَإِنْ عَلَا (قَطْعُهَا) أَيْ السِّلْعَةِ (مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الْخَطَرِ) فِيهِ (إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ) عَلَى خَطَرِ الْقَطْعِ لِأَنَّهُمَا يَلِيَانِ صَوْنُ مَالِهِمَا عَنْ الضَّيَاعِ فَبَدَنُهُمَا أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ الْمَنْعَ فِيمَا إذَا زَادَ خَطَرُ الْقَطْعِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِيمَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَهُوَ مَا نَقَلَا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّاهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي الْمُسْتَقِلِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْقَطْعُ حِينَئِذٍ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ؟ . . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ ثَمَّ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُنَا مِنْ غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ فِيهِ (لَا لِسُلْطَانٍ) وَلَا لِغَيْرِهِ مَا عَدَا الْأَبَ، وَالْجَدَّ كَالْوَصِيِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ وَفَرَاغٍ وَشَفَقَةٍ تَامَّيْنِ، وَكَمَا أَنَّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ (وَلَهُ) أَيْ مَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ (وَلِسُلْطَانٍ) لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لَا الْأَجْنَبِيِّ (قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ) فِيهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَجْوِيزِ ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ، وَقَالَ: إنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَجَرَيَا عَلَيْهِ. أَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِحَالٍ، فَإِنْ فَعَلَ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ (وَ) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا وَلِبَقِيَّةِ الْأَوْلِيَاءِ (فَصْدٌ وَحِجَامَةٌ) وَنَحْوِهِمَا بِلَا خَطَرٍ عِنْدَ إشَارَةِ الْأَطِبَّاءِ بِذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ الرَّقِيقَ وَالسَّفِيهَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) (بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا) الْمَذْكُورُ (فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ كَمَا فِي التَّعْزِيرِ إذَا أَفْضَى إلَى التَّلَفِ (وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ) أَوْ مَجْنُونٍ (مَا مُنِعَ) مِنْهُ فِي حَقِّهِ فَمَاتَ (فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ) لِتَعَدِّيهِ. تَنْبِيهٌ: لَا مَعْنَى لِلتَّقْيِيدِ بِالسُّلْطَانِ، بَلْ الْأَبُ وَالْجَدُّ كَذَلِكَ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِشُبْهَةِ الْإِصْلَاحِ وَلِلْبَعْضِيَّةِ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَدَخَلَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ أَكْثَرُ مِنْ التَّرْكِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى السُّلْطَانِ. (وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ (وَفِي قَوْلٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ خَطَأَهُ قَدْ يَكْثُر لِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِالْعَاقِلَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، فَإِنْ ظَهَرَ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى الْحَامِلِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 537 وَلَوْ حَدَّهُ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ، مُرَاهِقَيْنِ فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ، فَإِنْ ضَمَّنَا عَاقِلَةً أَوْ بَيْتَ مَالٍ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَطْعًا، وَاحْتُرِزَ بِخَطَئِهِ عَمَّا يَتَعَدَّى فِيهِ فَهُوَ فِيهِ كَآحَادِ النَّاسِ، وَبِقَوْلِهِ: فِي حَدٍّ أَوْ حُكْمٍ مِنْ خَطَئِهِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ فِيهِ كَآحَادِ النَّاسِ أَيْضًا كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَيُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّهَا فِي مَالِهِ عَلَى الْأَوَّلِ قَطْعًا وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ فِي حُكْمٍ قَدْ يَشْمَلُ التَّعْزِيرَ فَإِنَّهُ كَالْحَدِّ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَطَأُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ: يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ. وَالثَّانِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَلَوْ حَدَّهُ) أَيْ الْإِمَامُ شَخْصًا (بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ) أَوْ عَدُوَّيْنِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ أَوْ فَاسِقَيْنِ (أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ) وَمَاتَ الْمَحْدُودُ نَظَرْتَ (فَإِنْ قَصَّرَ) الْإِمَامُ (فِي اخْتِبَارِهِمَا) بِأَنْ تَرَكَهُ جُمْلَةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ (فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ) أَيْ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ إنْ تَعَمَّدْ؛ لِأَنَّ الْهُجُومَ عَلَى الْقَتْلِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَهُوَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ غَيْرَ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ لِشَمْلِ مَا ذَكَرَ مِنْ الصُّوَرِ، وَلَوْ قَالَ: فَبَانَا كَافِرَيْنِ لَشَمَلَ الْحَرْبِيَّيْنِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا ضَمَانٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي اخْتِبَارِهِمَا بَلْ بَحَثَ وَبَذَلَ وُسْعَهُ (فَالْقَوْلَانِ) فِي أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَدْ مَرَّ تَوْجِيهِهِمَا وَأَنَّ أَظْهَرَهُمَا الْأَوَّلُ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَوْلَهُ (فَإِنْ ضَمَّنَا عَاقِلَةً) عَلَى الْأَظْهَرِ (أَوْ بَيْتَ مَالٍ) عَلَى مُقَابِلِهِ (فَلَا رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ) وَالْفَاسِقَيْنِ وَالْمُرَاهِقَيْنِ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُمْ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ صَادِقُونَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ تَعَدٍّ فِيمَا أَتَوْا بِهِ. وَالثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ غَرُّوا الْقَاضِي. وَالثَّالِثُ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ لِلْعَاقِلَةِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُتَجَاهِرِ بِالْفِسْقِ بِمَا غَرِمَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يُشْعِرُ بِتَدْلِيسٍ مِنْهُ وَتَغْرِيرٍ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُتَجَاهِرِ لِأَنَّ عَقِيدَتَهُ لَا تُخَالِفُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُزَكِّينَ وَهُوَ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قُبَيْلَ الدَّعَاوَى، لَكِنْ فِي أَصْلِهَا فِي الْقِصَاصِ أَنَّ الْمُزَكِّيَ الرَّاجِعَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ فِي الْأَصَحِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَمَنْ حَجَمَ) غَيْرَهُ (أَوْ فَصَدَ) هـ (بِإِذْنٍ) مُعْتَبَرٍ كَقَوْلِ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِحَاجِمٍ اُحْجُمْنِي أَوَافْصِدُنِي فَفَعَلَ وَأَفْضَى لِلتَّلَفِ (لَمْ يَضْمَنْ) مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلُهُ أَحَدٌ. هَذَا إنْ لَمْ يُخْطِئْ، فَإِنْ أَخْطَأَ ضَمِنَ وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 538 وَقَتْلُ جَلَّادٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ إنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ إنْ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهٌ. وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ بِجُزْءٍ مِنْ اللَّحْمَةِ بِأَعْلَى الْفَرْجِ، وَالرَّجُلِ بِقَطْعِ مَا تُغَطِّي حَشَفَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ.   [مغني المحتاج] الشَّافِعِيُّ فِي الْخَاتِنِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ لَمْ يَضْمَنْ. (وَقَتْلُ جَلَّادٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ) الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ (إنْ جَهِلَ) الْجَلَّادُ (ظُلْمَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (وَخَطَأَهُ) فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالْإِمَامِ قَوَدًا وَمَالًا لَا بِالْجَلَّادِ لِأَنَّهُ آلَتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي السِّيَاسَةِ، فَلَوْ ضَمَّنَّاهُ لَمْ يَتَوَلَّ الْجَلْدَ أَحَدٌ، لَكِنْ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا مِنْ النَّوَادِرِ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ مُبَاشِرٌ مُخْتَارٌ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ ظُلْمَهُ أَوْ خَطَأَهُ (فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ) وَحْدَهُ. هَذَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) هُنَاكَ (إكْرَاهٌ) مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لِتَعَدِّيهِ، إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ لِمَا عَلِمَ الْحَالَ أَنْ يَمْتَنِعَ، إذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةٍ، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الطَّاعَةِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّاهُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إكْرَاهٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا بِالْمَالِ قَطْعًا وَبِالْقِصَاصِ عَلَى الْأَظْهَرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي خَطَأٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَحُرٍّ بِعَبْدٍ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَوْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ جَوَازَهُ دُونَ الْجَلَّادِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ إكْرَاهٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا فَعَلَى الْجَلَّادِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْجَوَازَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ الْمَنْعَ وَالْجَلَّادُ الْجَوَازَ، فَقِيلَ بِبِنَائِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي عَكْسِهِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْجَلَّادَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالْحَالِ وَالْإِمَامُ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ النَّظَرَ وَالِاجْتِهَادَ، بَلْ الْقَتْلَ فَقَطْ، فَالْجَلَّادُ كَالْمُسْتَقِلِّ. كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَا ضَعَّفَهُ جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ، وَلَوْ أَسْرَفَ الْمُعَزِّرُ مَثَلًا أَوْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْقَتْلِ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَصَّاصُ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فِي مَالِهِ. (وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ بِجُزْءٍ) أَيْ قَطْعُهُ (مِنْ اللَّحْمَةِ) الْكَائِنَةِ (بِأَعْلَى الْفَرْجِ) وَهِيَ فَوْقَ ثُقْبَةِ الْبَوْلِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ، فَإِذَا قُطِعَتْ بَقِيَ أَصْلُهَا كَالنَّوَاةِ، وَيَكْفِي قَطْعُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَتَقْلِيلُهُ أَفْضَلُ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِلْخَتَّانَةِ: أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ» : أَيْ أَكْثَرُ لِمَاءِ وَجْهِهَا وَدَمِهِ وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ: أَيْ أَحْسَنُ فِي جِمَاعِهَا (وَ) خِتَانُ (الرَّجُلِ) (بِقَطْعِ مَا) أَيْ جِلْدَةٍ (تُغَطِّي حَشَفَتَهُ) حَتَّى تَظْهَرَ كُلُّهَا، فَلَا يَكْفِي قَطْعُ بَعْضِهَا، وَيُقَالُ لِتِلْكَ الْجِلْدَةِ الْقُلْفَةُ، وَقَوْلُهُ (بَعْدَ الْبُلُوغِ) ظَرْفٌ لِيَجِبَ وَيَكُونُ بَعْدَ الْعَقْلِ أَيْضًا وَاحْتِمَالِ الْخِتَانِ. أَمَّا وُجُوبُهُ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123] وَكَانَ مِنْ مِلَّتِهِ الْخِتَانُ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ اخْتَتَنَ وَعُمْرُهُ ثَمَانُونَ سَنَةً» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ " مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً " وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَلِأَنَّهُ قَطْعُ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ لَا يُخَلِّفُ تَعَبُّدًا فَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا كَقَطْعِ يَدِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 539 وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ   [مغني المحتاج] السَّارِقِ، وَاحْتُرِزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ عَنْ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ، وَبِالثَّانِي عَنْ الْقَطْعِ لِلْأَكَلَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مُدَاوَاةٍ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لِمَا جَازَ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِالْخِتَانِ رَجُلًا أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ خَرَجَ إلْقَاءُ الشَّعْرِ بِدَلِيلٍ فَبَقِيَ فِي الْخِتَانِ تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ لِقَوْلِ الْحَسَنِ: قَدْ أَسْلَمَ النَّاسُ وَلَمْ يَخْتَتِنُوا وَقِيلَ وَاجِبٌ لِلذُّكُورِ سُنَّةٌ لِلْإِنَاثِ. قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا كَيْفِيَّتِهِ فَكَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ وُلِدَ مَخْتُونًا أَجْزَأَهُ. فَائِدَةٌ: أَوَّلُ مَنْ اخْتَتَنَ مِنْ الرِّجَالِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ الْإِنَاثِ هَاجَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -. تَنْبِيهٌ: خُلِقَ آدَم مَخْتُونًا وَوُلِدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَخْتُونًا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: شِيثُ، وَنُوحٌ، وَهُودٌ، وَصَالِحٌ، وَلُوطٌ، وَشُعَيْبُ، وَيُوسُفُ، وَمُوسَى، وَسُلَيْمَانُ، وَزَكَرِيَّا، وَعِيسَى، وَحَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَوْقُوفًا «أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ» وَرَوَى أَبُو عُمَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْم سَابِعَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا» وَخَرَجَ بِالْبَالِغِ الصَّغِيرُ، وَبِالْعَاقِلِ الْمَجْنُونُ، وَبِمَنْ يَحْتَمِلُهُ مَنْ لَا يَحْتَمِلُهُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ خِتَانُ ضَعِيفِ خِلْقَةٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَحْتَمِلَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا شَرْطٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَبِالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَلَا يَجُوزُ خِتَانُهُ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ. هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ خِتَانُ فَرْجَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَعَلَى هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَحْسَنَ الْخَتْنَ، خَتَنَ نَفْسَهُ، وَإِلَّا ابْتَاعَ أَمَةً تَخْتِنُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ كَالطَّبِيبِ، وَمَنْ لَهُ ذَكَرَانِ عَامِلَانِ يَجِبُ عَلَيْهِ خَتْنُهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامِلًا فَقَطْ وَجَبَ عَلَيْهِ خَتْنُهُ فَقَطْ، وَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى، وَهَلْ يُعْرَفُ الْعَمَلُ بِالْجِمَاعِ أَوْ الْبَوْلِ؟ وَجْهَانِ، جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بِالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ. (وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ) أَيْ الْخِتَانِ (فِي سَابِعِهِ) أَيْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، لِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَتَنَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا» وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَا يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ صُحِّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يُحْسَبُ وَإِنَّمَا حُسِبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْهَا فِي الْعَقِيقَةِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ لَمَّا فِي الْخَتْنِ مِنْ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمُنَاسِبُ لَهُ التَّأْخِيرُ الْمُفِيدُ لِلْقُوَّةِ عَلَى تَحَمُّلِهِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فِي السَّابِعِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُطِيقُهُ، وَلِأَنَّ الْيَهُودَ يَفْعَلُونَهُ فَالْأَوْلَى مُخَالَفَتُهُمْ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْإِحْيَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ قَبْلَ السَّابِعِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُخْتَنَ فِي الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ أَخَّرَهُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 540 فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ احْتِمَالِهِ أُخِّرَ، وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ لَزِمَهُ قِصَاصٌ إلَّا وَالِدًا، فَإِنْ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ. وَأُجْرَتُهُ فِي مَالِ الْمَخْتُونِ.   [مغني المحتاج] عَنْهَا، فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ (فَإِنْ ضَعُفَ) الطِّفْلُ (عَنْ احْتِمَالِهِ) فِي السَّابِعِ (أُخِّرَ) حَتْمًا إلَى أَنْ يَحْتَمِلَهُ لِزَوَالِ الضَّرَرِ (وَمَنْ خَتَنَهُ) مِنْ وَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ) فَمَاتَ (لَزِمَهُ قِصَاصٌ) إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْجُرْحِ الْمُهْلِكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَطْعًا فَإِنْ ظَنَّ احْتِمَالَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ يَحْتَمِلُهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ، وَيَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (إلَّا وَالِدًا) وَإِنْ عَلَا خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِلْبَعْضِيَّةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ. تَنْبِيهٌ: السَّيِّدُ فِي خِتَانِ رَقِيقِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالْمُسْلِمُ فِي خِتَانِ كَافِرٍ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ (فَإِنْ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ) فَمَاتَ (فَلَا ضَمَانَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّقْدِيمُ أَسْهَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَمْ يُبَحْ إلَّا بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ. تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ قَوْلُهُ (وَلِيٌّ) الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالْحَاكِمَ وَالْقَيِّمَ وَالْوَصِيَّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ يَضْمَنُ قَطْعًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِتَعَدِّيهِ بِالْمُهْلِكِ فَيُقْتَصَّ مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ الشِّعَارِ فَلَا يُتَّجَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ شُبْهَةً فِي التَّعَدِّي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي قَطْعِهِ يَدَ السَّارِقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ اهـ وَالْبَالِغُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ مُلْحَقٌ بِالصَّغِيرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْوَافِي، وَالْمُسْتَقِلُّ إذَا خَتَنَهُ بِإِذْنِهِ أَجْنَبِيٌّ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ. (وَأُجْرَتُهُ) أَيْ الْخَتْنِ وَبَاقِي مُؤَنِهِ (فِي مَالِ الْمَخْتُونِ) الْحُرِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَتِهِ فَأَشْبَهَ تَعْلِيمَ الْفَاتِحَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا عَلَى الْوَالِدِ. أَمَّا الرَّقِيقُ فَأُجْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ الْكَسْبِ لَهَا. تَتِمَّةٌ: يُجْبِرُ الْإِمَامُ الْبَالِغَ الْعَاقِلَ عَلَى الْخِتَانِ إذَا احْتَمَلَهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ حِينَئِذٍ إنْ مَاتَ بِالْخِتَانِ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ وَاجِبٍ، فَلَوْ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ فَخُتِنَ أَوْ خَتَنَهُ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ فَمَاتَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْخِتَانِ وَاجِبٌ وَالْهَلَاكُ حَصَلَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ، وَيُفَارِقُ الْحَدَّ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ إلَى الْإِمَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَالْخِتَانُ يَتَوَلَّاهُ الْمَخْتُونُ أَوْ وَالِدُهُ غَالِبًا. فَإِذَا تَوَلَّاهُ هُوَ شَرَطَ فِيهِ عَلَيْهِ غَلَبَةَ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَبِذَلِكَ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَالِدِ فِي الْخِتَانِ، وَمَنْ مَاتَ بِغَيْرِ خِتَانٍ لَمْ يُخْتَنْ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يُخْتَنُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ، وَقَطْعُ السُّرَّةِ مِنْ الْمَوْلُودِ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِيَمْتَنِعَ الطَّعَامُ مِنْ الْخُرُوجِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ لِابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ أَنَّ السُّنَّةَ فِي خِتَانِ الذُّكُورِ إظْهَارُهُ وَفِي خِتَانِ الْإِنَاثِ إخْفَاؤُهُ. . الجزء: 5 ¦ الصفحة: 541 [فَصْلٌ] مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ ضَمِنَ إتْلَافَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا.   [مغني المحتاج] [فَصَلِّ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ] ُ (مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ) سَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا، أَمْ مُسْتَأْجِرًا، أَمْ مُودَعًا، أَمْ مُسْتَعِيرًا، أَمْ غَاصِبًا (ضَمِنَ إتْلَافَهَا) بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا) لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَإِلَّا نُسِبَ إلَيْهَا كَالْكَلْبِ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَقَتَلَ الصَّيْدَ حَلَّ، وَإِنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَلَا فَجِنَايَتُهَا كَجِنَايَتِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَائِقَهَا أَمْ قَائِدَهَا أَمْ رَاكِبَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلَاثًا؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُمَا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَطْلَقُوا الضَّمَانَ لِلنَّفْسِ فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَنَصْبِ الْحَجَرِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي آخَرِ الْبَابِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفُ مَعَ دَابَّةٍ أَنَّهَا إذَا تَفَلَّتَتْ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا لَا ضَمَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ مَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ فَدَخَلَ فِيهِ إنْسَانٌ فَرَمَحَتْه أَوْ عَضَّتْهُ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ قَالَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَرِدْ، وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ: نَفْسًا وَمَالًا صَيْدَ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَشَجَرَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَلَيْسَ نَفْسًا وَلَا مَالًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا وَهُوَ لَمْ يَقُلْ لِآدَمِيٍّ فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا لَوْ أَرْكَبَهَا أَجْنَبِيٌّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. ثَانِيهَا لَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ فَنَخَسَهَا إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا قَيَّدَ الْبَغَوِيّ فَرَمَحَتْ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ، وَقِيلَ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ أَذِنَ الرَّاكِبُ فِي النَّخْسِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا. ثَالِثُهَا لَوْ غَلَبَتْهُ دَابَّتُهُ فَاسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَأَتْلَفَتْ فِي انْصِرَافِهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ الرَّادُّ. رَابِعُهَا: لَوْ سَقَطَتْ الدَّابَّةُ مَيِّتَةً فَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَكَذَا لَوْ سَقَطَ هُوَ مَيِّتًا عَلَى شَيْءٍ وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِسُقُوطِهَا مَيِّتَةً سُقُوطُهَا بِمَرَضٍ أَوْ عَارِضِ رِيحٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ. خَامِسُهَا: لَوْ كَانَ الرَّاكِبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِهَا فَعَضَّتْ اللِّجَامُ وَرَكِبَتْ رَأْسَهَا فَهَلْ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ؟ قَوْلَانِ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ اصْطِدَامُ الرَّاكِبَيْنِ تَرْجِيحُ الضَّمَانِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ. سَادِسُهَا: لَوْ كَانَ مَعَ الدَّوَابِّ رَاعٍ فَهَاجَتْ رِيحٌ وَأَظْلَمَ النَّهَارُ فَتَفَرَّقَتْ الدَّوَابُّ وَوَقَعَتْ فِي زَرْعٍ فَأَفْسَدَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِي الْأَظْهَرِ لِلْغَلَبَةِ كَمَا لَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ أَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ مِنْ يَدِهِ فَأَفْسَدَتْ شَيْئًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَفَرَّقَتْ الْغَنَمُ لِنَوْمِهِ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ رَكِبَ صَبِيٌّ أَوْ بَالِغٌ دَابَّةَ إنْسَانٍ بِلَا إذْنِهِ فَغَلَبَتْهُ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا الجزء: 5 ¦ الصفحة: 542 وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ. وَيَحْتَرِزُ عَمَّا لَا يَعْتَادُ كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحْلٍ فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ بَهِيمَةٍ فَحَكَّ بِنَاءً فَسَقَطَ ضَمِنَهُ،   [مغني المحتاج] ضَمِنَهُ. قَالَ الْإِمَامُ: مَنْ رَكِبَ الدَّابَّةَ الصَّعْبَةَ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ سَاقَ الْإِبِلَ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ فِيهَا ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِذَلِكَ. فَرْعٌ: لَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ فَتَكَسَّرَ بِسَبَبِهِ شَيْءٌ لَمْ يَضْمَنْهُ، بِخِلَافِ طِفْلٍ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ لَهُ فِعْلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ. (وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ) بِمُثَلَّثَةٍ (بِطَرِيقٍ) وَلَوْ وَاقِفَةً (فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ وَالْمَنْعُ مِنْ الطَّرِيقِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ كَذَا هُوَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا، وَخَالَفَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَجَزَمَا فِيهِ بِالضَّمَانِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِخْرَاجِ الْجُنَاحِ وَالرَّوْشَن إلَى الطَّرِيقِ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالْأَوَّلُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي بَابِ وَضْعِ الْحَجَرِ أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ ضَمِنَ مَا تُتْلِفُهُ بِبَوْلِهَا فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ، ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، ثُمَّ إنَّهُ جَرَى عَلَى احْتِمَالِهِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ لَا يُنْكَرُ اتِّجَاهُهُ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ نَقَلَهُ اهـ. وَمِنْ هُنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ بِرَكْضٍ مُعْتَادٍ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ بَنَاهُ عَلَى احْتِمَالِهِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الضَّمَانُ، وَإِطْلَاقُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَاضِيَةٌ بِهِ اهـ. ثُمَّ مَحَلُّ الضَّمَانِ فِي الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَارُّ، فَلَوْ مَشَى قَصْدًا عَلَى مَوْضِعِ الرَّشِّ أَوْ الْبَوْلِ فَتَلِفَ بِهِ فَلَا ضَمَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا هُنَاكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بِطَرِيقٍ عَمَّا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ فَلَا ضَمَانَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُوجِبَاتِ الدِّيَةِ. (وَيَحْتَرِزُ) رَاكِبُ الدَّابَّةِ (عَمَّا لَا يُعْتَادُ) فِعْلُهُ لَهُ (كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحَلٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ) لِتَعَدِّيهِ، وَفِي مَعْنَى الرَّكْضِ فِي الْوَحَلِ الرَّكْضُ فِي مُجْتَمَعِ النَّاسِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَسِيطِ، وَاحْتَرَزَ بِالرَّكْضِ الشَّدِيدِ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ فِيهِ، فَلَا يَضْمَنُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ، فَلَوْ رَكَضَهَا كَالْعَادَةِ رَكْضًا وَمَحِلًّا وَطَارَتْ حَصَاةٌ لِعَيْنِ إنْسَانٍ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ. أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ فَيَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عَمَّا لَا يُعْتَادُ يَقْتَضِي أَنَّ سَوْقَ الْأَغْنَامِ لَا يَضْمَنُ بِتَلَفِهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ فِي الْغَنَمِ دُونَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إطْلَاقُ الْحُكْمِ فِي الْبَهَائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ حَيَوَانٍ وَحَيَوَانٍ. (وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ) عَلَى (بَهِيمَةٍ) لَيْلًا أَوَنَهَارًا (فَحَكَّ بِنَاءً) لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (فَسَقَطَ ضَمِنَهُ) لِوُجُودِ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ دَابَّتِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 543 وَإِنْ دَخَلَ سُوقًا فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ زِحَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَزَّقَ ثَوْبٌ فَلَا، إلَّا ثَوْبَ أَعْمَى وَمُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ، فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِلدَّابَّةِ فَلَا. وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ مُسْتَحِقَّ الْهَدْمِ وَلَمْ يَتْلَفْ مِنْ الْآلَةِ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا سَقَطَ فِي الْحَالِ، فَلَوْ وَقَفَ سَاعَةً ثُمَّ سَقَطَ فَكَمِنْ أَسْنَدَ خَشَبَةٌ إلَى جِدَارِ الْغَيْرِ فَلَا يَضْمَنُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يُنْسَبْ السُّقُوطُ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ (وَإِنْ دَخَلَ سُوقًا) مَثَلًا بِذَلِكَ الْحَطَبُ (فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِهِ (إنْ كَانَ) هُنَاكَ (زِحَامٌ) بِكَسْرِ الزَّايِ، سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ مُسْتَقْبِلًا أَمْ مُسْتَدْبِرًا لِإِتْيَانِهِ بِمَا لَا يُعْتَادُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) زِحَامٌ (وَتَمَزَّقَ) بِهِ (ثَوْبٌ) مَثَلًا (فَلَا) يَضْمَنُهُ، لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ، إذْ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ (إلَّا ثَوْبَ أَعْمَى) وَلَوْ مُقْبِلًا (وَ) إلَّا ثَوْبَ (مُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُنَبِّهْهُ ضَمِنَهُ لِتَقْصِيرِهِ. وَإِنْ نَبَّهَهُ وَأَمْكَنَهُ الِاحْتِرَازُ وَلَمْ يَحْتَرِزْ فَلَا ضَمَانَ، وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُنَبِّهْهُ مَا لَوْ كَانَ أَصَمَّ، وَيُلْحَقُ بِالْأَعْمَى مَعْصُوبَ الْعَيْنِ لِرَمَدٍ وَنَحْوِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ضَمَانِ جَمِيعِ الثَّوْبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ صَاحِبِ الثَّوْبِ جَذْبٌ، فَإِنْ عَلَّقَ الثَّوْبَ فِي الْحَطَبِ فَجَذَبَهُ صَاحِبُهُ وَجَذَبَتْهُ الْبَهِيمَةُ فَعَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ نِصْفُ الضَّمَانِ كَلَاحِقٍ وَطِئَ مَدَاسٍ سَابِقٍ فَانْقَطَعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الضَّمَانِ، لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ السَّابِقِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ انْقَطَعَ مُؤَخِّرُ السَّابِقِ فَالضَّمَانُ عَلَى اللَّاحِقِ، أَوْ مُقَدَّمُ مَدَاسِ اللَّاحِقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّابِقِ، وَلَوْ دَخَلَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الزِّحَامِ وَتَوَسَّطَ السُّوقَ فَحَدَثَ الزِّحَامُ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ زِحَامٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، كَمَا لَوْ حَدَثَتْ الرِّيحُ وَأَخْرَجَتْ الْمَالَ مِنْ الثُّقْبِ لَا قَطْعَ فِيهِ، بِخِلَافِ تَعْرِيضِهِ لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ، وَقَيَّدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْبَصِيرَ الْمُقْبِلَ بِمَا إذَا وُجِدَ مُنْحَرِفًا. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْهُ لِضِيقٍ وَعَدَمِ عَطْفَةٍ يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّحَامِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (وَ) صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ (إنَّمَا يَضْمَنُهُ) أَيْ مَا أَتْلَفَتْهُ بَهِيمَتُهُ (إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ) فِيهِ (فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ) أَيْ الْمَالَ (بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِلِدَّابَّةِ فَلَا) يَضْمَنُهُ فَإِنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ مَا إذَا كَانَ يَمْشِي مِنْ جِهَةٍ وَحِمَارُ الْحَطَبِ مِنْ أُخْرَى فَمَرَّ عَلَى جَانِبِ الْحِمَارِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْحِمَارَ فَتَعَلَّقَ ثَوْبُهُ بِالْحَطَبِ وَتَمَزَّقَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّائِقِ، لِأَنَّهُ جَنَى بِمُرُورِهِ عَلَى الْحَطَبِ. تَنْبِيهٌ: قَسِيمُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا مَنْ كَانَ مَعَهُ دَابَّةٌ قَوْلُهُ هُنَا. (وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ) لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا بِخِلَافِهِ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 544 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] نَهَارًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلًا وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْلُ الْبَلَدِ إرْسَالَ الْبَهَائِمِ أَوْ حِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْلِ اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ نَهَارًا صُوَرٌ: إحْدَاهَا: مَا إذَا رَبَطَ الدَّابَّةَ فِي الطَّرِيقِ عَلَى بَابِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِشْرَاعِ الْجُنَاحِ. نَعَمْ إنْ رَبَطَهَا فِي الْمُتَّسَعِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِيهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ ثَانِيهَا: مَا إذَا كَانَتْ الْمَرَاعِي مُتَوَسِّطَةً الْمَزَارِعَ، وَكَانَتْ الْبَهَائِمُ تَرْعَى فِي حَرِيمِ السَّوَّاقِي فَيَجِبُ ضَمَانُ مَا تُفْسِدُهُ إذَا أَرْسَلَهَا بِلَا رَاعٍ عَلَى الْمَذْهَبِ لِاعْتِيَادِ الرَّعْيِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. ثَالِثُهَا: مَا إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ زَرْعِهِ إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ، إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ تَرَكَهَا فِي زَرْعِهِ وَغَرِمَ صَاحِبُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ. رَابِعُهَا: مَا إذَا أَرْسَلَهَا فِي الْبَلَدِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا لِمُخَالِفَةِ الْعَادَةَ. خَامِسُهَا: مَا لَوْ تَكَاثَرَتْ الْمَوَاشِي بِالنَّهَارِ حَتَّى عَجَزَ أَصْحَابُ الزَّرْعِ عَنْ حِفْظِهَا فَحَكَى فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ: رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى أَصْحَابِ الْمَوَاشِي لِخُرُوجِ هَذَا عَنْ مُقْتَضَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. سَادِسُهَا: مَا لَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ فَانْتَشَرَتْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَفْسَدَتْهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ أَرْسَلَهَا وَلَوْ كَانَ نَهَارًا، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: إنَّهُ إذَا خَلَّاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَمْ نَهَارًا فَهُوَ مَضْمُونٌ، لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إرْسَالِهَا. سَابِعُهَا: لَوْ أَرْسَلَ الدَّابَّةَ الْمَوْدُوعَةَ فَأَتْلَفَتْ وَلَوْ نَهَارًا لَزِمَ الْمُرْسِلَ الضَّمَانُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَجِيرٌ يَحْفَظُهَا. ثَامِنُهَا: لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفَظُ دَوَابَّهُ فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَعَلَى الْأَجِيرِ الضَّمَانُ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهَا فِي الْوَقْتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ حِفْظُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْفَظُهُ الْمُلَّاكُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الْأَجِيرُ وَالْمُودَعُ إذَا أَتْلَفَتْ نَهَارًا؛ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ حِفْظَهُ نَهَارًا، وَتَفْرِيطُ الْأَجِيرِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي أَنَّ مَالِكَ الدَّابَّةِ يَضْمَنُهُ اهـ. وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ فَهُوَ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَمْ يُعَلِّقُوا الضَّمَانَ بِرَقَبَةِ الْبَهَائِمِ كَمَا عَلَّقُوهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهِيمَةُ يُحَالُ عَلَى تَقْصِيرِ صَاحِبِهَا وَالْعَبْدُ ذُو ذِمَّةٍ يَلْتَزِمُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الدَّوَابِّ الْحَمَّامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا مُطْلَقًا كَمَا حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ النَّحْلُ، وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ النَّحْلِ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهُ وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 545 إلَّا أَنْ لَا يُفَرِّطَ فِي رَبْطِهَا. أَوْ حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا، وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي مَحُوطٍ لَهُ بَابٌ تَرْكِهِ مَفْتُوحًا فِي الْأَصَحِّ. وَهِرَّةٌ تُتْلِفُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا فِي الْأَصَحِّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا،   [مغني المحتاج] ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ تَضْمِينِ الْمَالِكِ لَيْلًا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ لَا يُفَرِّطَ) صَاحِبُ الدَّابَّةِ (فِي رَبْطِهَا) لَيْلًا بِأَنْ أَحْكَمَهُ فَانْحَلَّ، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ عَلَيْهَا فَفَتَحَهُ لِصٌّ، أَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ فَخَرَجَتْ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعَ الْغَيْرِ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ التَّقْصِيرِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ خَلَّاهَا فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِرَدِّهَا مِنْهُ إلَى الْمَنْزِلِ لَيْلًا كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنِ. (أَوْ) فَرَّطَ فِي رَبْطِهَا لَكِنْ (حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا) عَنْهُ حَتَّى أَتْلَفَتْهُ فَلَا يَضْمَنُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِالْجَزْمِ بِهِ لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنْ كَانَ زَرْعُهُ مَحْفُوفًا بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ، بَلْ يَصْبِرُ وَيَغْرَمُ صَاحِبُهَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي) مَكَانٍ (مَحُوطٍ لَهُ بَابٌ تَرْكِهِ) صَاحِبُهُ (مَفْتُوحًا) فَلَا يَضْمَنُ مَالِكُهَا وَلَوْ لَيْلًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ غَلْقِهِ. وَالثَّانِي يَضْمَنُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ فِي رَبْطِهَا لَيْلًا. فُرُوعٌ: لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ فِي حِجْرِهِ ثَوْبًا مَثَلًا فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فَلْيُسَلِّمْهُ إلَى الْمَالِكِ وَلَوْ إلَى نَائِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَالْحَاكِمِ. ، وَلَوْ دَخَلَتْ دَابَّةُ الْغَيْرِ مِلْكَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ هُوَ الَّذِي سَيَّبَهَا فَلْيُحْمَلْ قَوْلُهُمْ فِيمَا مَرَّ: أَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ زَرْعُهُ مَحْفُوفًا بِزَرْعِ غَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا سَيَّبَهَا الْمَالِكُ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَيِّبْهَا فَيَضْمَنُهَا مُخْرِجُهَا، إذْ حَقُّهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَالِكِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَإِلَى الْحَاكِمِ. وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى وَقَعَ خَارِجَ مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. وَيَدْفَعُ صَاحِبُ الزَّرْعِ الدَّابَّةَ عَنْ زَرْعِهِ دَفْعَ الصَّائِلِ، فَإِنْ تَنَحَّتْ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ شَغَلَهَا مَكَانَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لَا يُبِيحُ إضَاعَةَ مَالِ غَيْرِهِ. وَلَوْ دَخَلَتْ دَابَّةٌ مِلْكَهُ فَرَمَحَتْه فَمَاتَ فَكَإِتْلَافِهَا زَرْعَهُ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ فِي مَفَازَةٍ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ وَغَابَ فَأَلْقَاهُ الرَّجُلُ عَنْهَا، أَوْ أَدْخَلَ دَابَّتَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ فَضَاعَتْ فَفِي الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَهُمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ: لَا لِتَعَدِّي الْمَالِكِ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوْجَهُ الثَّانِي وَهُوَ الضَّمَانُ لِتَعَدِّي الْفَاعِلِ بِالتَّضْيِيعِ. (وَهِرَّةٌ تُتْلِفُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا) أَوْ غَيْرَهُ (إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا) أَيْ صَاحِبُهَا الَّذِي يُؤْوِيهَا مَا أَتْلَفَتْهُ (فِي الْأَصَحِّ لَيْلًا) كَانَ (أَوْ نَهَارًا) كَمَا يَضْمَنُ مُرْسِلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا يُتْلِفُهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُرْبَطَ وَيُكَفَّ شَرُّهَا، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ مُولَعٍ بِالتَّعَدِّي كَالْجَمَلِ وَالْحِمَارِ اللَّذَيْنِ عُرِفَا بِعَقْرِ الدَّوَابِّ وَإِتْلَافِهَا. وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرَبْطِهَا. وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْمُفْسِدُ مِمَّا يُرْبَطُ عَادَةً فَتَرَكَهُ ضَمِنَ مَا يُتْلِفُهُ قَطْعًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَالْمُرَادُ الجزء: 5 ¦ الصفحة: 546 وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَعَهُّدُ الْمَالِكِ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ مِنْهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ بِإِرْسَالِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْهَدْ مِنْهَا إتْلَافَ مَا ذُكِرَ (فَلَا) يَضْمَنُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا لَا رَبْطُهَا. وَالثَّانِي يَضْمَنُ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ كَالدَّابَّةِ، وَلَوْ هَلَكَتْ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ لِصِيَالِهَا، وَلَوْ أَخِذَتْ حَمَامَةً وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ فَتْلُ أُذُنِهَا وَضَرْبُ فَمهَا لِتُرْسِلَهَا فَتُدْفَعُ دَفْعَ الصَّائِلٍ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ، وَلَوْ صَارَتْ ضَارِيَةً مُفْسِدَةً فَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُهَا. حَالَ سُكُونِهَا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا سَهْلٌ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي قَتْلَهَا فِي حَالِ سُكُونِهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ فَيَجُوزُ قَتْلُهَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِحَالِ ظُهُورِ الشَّرِّ، وَلَا يَجْرِي الْمِلْكُ عَلَيْهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْيَدِ وَالِاخْتِصَاصِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْعَادَةِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً كَمَا فِي الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ مَثَلًا مُسَيَّبَةٌ مِلْكَ شَخْصٍ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ يَعْسُرُ عَلَيْهَا الْخُرُوجَ مِنْهُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَهَا. ، وَلَوْ ضَرَبَ شَجَرَةً فِي مِلْكِهِ لِيَقْطَعَهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ تَسْقُطُ عَلَى غَافِلٍ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ الْقَاطِعُ بِهِ فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَتْلَفَتْهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ دَخَلَ مِلْكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاطِعُ بِذَلِكَ أَوْ عَلِمَ بِهِ وَعَلِمَ بِهِ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَيْضًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ أَعْلَمَهُ الْقَاطِعُ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا بِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ. ، وَلَوْ حَلَّ قَيْدَ دَابَّةِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تُتْلِفُهُ كَمَا لَوْ نَقَبَ الْحِرْزَ وَأَخَذَ الْمَالَ غَيْرُهُ،. وَسُئِلَ الْقَفَّالُ عَنْ حَبْسِ الطُّيُورِ فِي أَقْفَاصٍ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ إذَا تَعَهَّدَهَا مَالِكُهَا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ، لِأَنَّهَا كَالْبَهِيمَةِ تُرْبَطُ. ، وَلَوْ كَانَ بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ دَابَّةٌ جَمُوحٌ وَدَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ فَعَضَّهُ الْكَلْبُ أَوْ رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ أَوْ أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ. وَلَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَعَارَةُ أَوْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا زَرْعًا مَثَلًا لِمَالِكِهَا ضَمِنَهُ الْمُسْتَعِيرُ وَالْبَائِعُ، لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا، أَوْ أَتْلَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا لِلدَّابَّةِ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَهُ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِلثَّمَنِ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 547 كتاب السير كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضَ كِفَايَةٍ،   [مغني المحتاج] [كِتَابُ السِّيَرِ] ِ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، جَمْعُ سِيرَةٍ بِسُكُونِهَا، وَهِيَ السُّنَّةُ وَالطَّرِيقَةُ، وَغَرَضُهُ مِنْ التَّرْجَمَةِ ذِكْرُ الْجِهَادِ وَأَحْكَامِهِ، وَعَدَلَ عَنْ التَّرْجَمَةِ بِهِ أَوْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَرْجَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ إلَى السِّيَرِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ مُتَلَقٍّ مِنْ سَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزَوَاتِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] ، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ، وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَذْكُرُوا مُقَدِّمَةً فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ، فَلْنَذْكُرْ نُبْذَةً مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ فَنَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثُمَّ بَعْدَهَا قِيلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ابْنُ تِسْعٍ، وَقِيلَ ابْنُ عَشْرٍ، وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ، وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ. وَأَوَّلُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَمِّلِ، ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا، ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَقِيلَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا، وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ، وَقِيلَ قَبْلَهُ. وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قِيلَ فِي نِصْفِ شَعْبَانَ، وَقِيلَ فِي رَجَبٍ مِنْ الْهِجْرَةِ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ، وَفِيهَا فُرِضَتْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وَفِيهَا ابْتَدَأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ، ثُمَّ عِيدِ الْأَضْحَى. ثُمَّ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ، وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ، وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا، وَ (كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بَعْدَ الْهِجْرَةِ (فَرْضَ كِفَايَةٍ) أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] فَفَاضَلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْقَاعِدِينَ، وَوَعَدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] كُلًّا الْحُسْنَى، وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا، وَلَا يُفَاضَلُ بَيْنَ مَأْجُورٍ وَمَأْزُورٍ، وَأَمَّا قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَكَانَ مَمْنُوعًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ مَأْمُورًا بِالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى، وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} [آل عمران: 186] الْآيَةَ، ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ مِنْ مَبْعَثِهِ، وَقِيلَ بَعْدَ عَشْرَةٍ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إذَا اُبْتُدِئَ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] ثُمَّ أُبِيحَ لَهُ ابْتِدَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطٍ وَلَا زَمَانٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] وَقَدْ غَزَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، قَاتَلَ فِيهَا فِي تِسْعِ سِنِينَ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ، وَبَعَثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرَايَا، وَلَمْ يَتَّفِقْ فِي كُلِّهَا قِتَالٌ» فَلْنَذْكُرْ مِنْ غَزَوَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْهَرَهَا. فَفِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ هِجْرَتِهِ لَمْ يَغْزُ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ، وَأُحُدٌ ثُمَّ بَدْرٍ الصُّغْرَى، ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ، وَالْخَنْدَقِ فِي الرَّابِعَةِ، وَذَاتُ الرِّقَاعِ، ثُمَّ دَوْمَةُ الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ، وَالْحُدَيْبِيَةُ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ، وَخَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ، وَمُؤْتَةَ وَذَاتُ السَّلَاسِلِ وَفَتْحُ مَكَّةَ وَحُنَيْنٌ وَالطَّائِفُ فِي الثَّامِنَةِ، وَتَبُوكُ فِي التَّاسِعَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ مِنْ الْكُفْرِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وَقِيلَ عَيْنٍ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ   [مغني المحتاج] «مَا كَفَرَ بِاَللَّهِ نَبِيٌّ قَطُّ» وَفِي عِصْمَتِهِمْ قَبْلَهَا مِنْ الْمَعَاصِي خِلَافٌ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ بَعْدَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَمِنْ كُلِّ مَا يُزْرِي بِالْمُرُوءَةِ، وَكَذَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَلَوْ سَهْوًا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا وَتَأَوَّلُوا الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ فِيهَا، وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ صُدُورَهَا عَنْهُمْ سَهْوًا إلَّا الدَّالَّةَ عَلَى الْخِسَّةِ: كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ النُّبُوَّةِ يَتَعَبَّدُ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ أَوْ نُوحٍ أَوْ مُوسَى أَوْ عِيسَى أَوْ لَمْ يَلْتَزِمْ دِينَ أَحَدٍ مِنْهُمْ؟ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ انْتَهَى. وَصَحَّحَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوَّلَ وَعُزِيَ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ. وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَيْ عَشَرَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ (وَقِيلَ) كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضَ (عَيْنٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] ، وَقَائِلُهُ قَالَ: كَانَ الْقَاعِدُونَ حُرَّاسًا لِلْمَدِينَةِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجِهَادِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَعِيدَ فِي الْآيَةِ لِمَنْ عَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعَيُّنِ الْإِجَابَةِ. وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْأَنْصَارِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَايَعُوا عَلَيْهِ. قَالَ شَاعِرُهُمْ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا وَقَدْ يَكُونُ الْجِهَادُ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرْضَ عَيْنٍ بِأَنْ أَحَاطَ عَدُوٌّ بِالْمُسْلِمِينَ كَالْأَحْزَابِ مِنْ الْكُفَّارِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ مُقْتَضٍ لِتَعَيُّنِ جِهَادِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فَصَارَ لَهُمْ حَالَانِ، خِلَافَ مَا يُوهِمُهُ قَوْلُهُ. (وَأَمَّا بَعْدَهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ) مُسْتَقِرِّينَ بِهَا غَيْرَ قَاصِدِينَ شَيْئًا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (فَفَرْضُ كِفَايَةٍ) كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَحَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلَوْ فُرِضَ عَلَى الْأَعْيَانِ لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ (إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَتَعْبِيرُهُ بِالسُّقُوطِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَقَوْلُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ قَامَ بِهِ مُرَاهِقُونَ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ أَهْلِ الْفُرُوضِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَسَقَطَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مَعَ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ وَالْأُنُوثَةِ، فَإِنْ تَرَكَهُ الْجَمِيعُ أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا. تَنْبِيهٌ: أَقَلُّ الْجِهَادِ مَرَّةٌ فِي السَّنَةِ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 126] قَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْذُ أُمِرَ بِهِ، وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بَدَلًا عَنْهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَكَذَا بَدَلُهَا، وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ يَتَكَرَّرُ، وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ الْمُتَكَرِّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ. فَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَحْصُلُ فَرْضُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ. وَبِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ، وَالْفُرُوعِ   [مغني المحتاج] الْكِفَايَةِ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ لِلْكُفَّارِ مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ، أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْكُفْرِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ، وَوُجُوبُ الْجِهَادِ وُجُوبُ الْوَسَائِلِ لَا الْمَقَاصِدِ، إذَا الْمَقْصُودُ بِالْقِتَالِ إنَّمَا هُوَ الْهِدَايَةُ وَمَا سِوَاهَا مِنْ الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْكُفَّارِ فَلَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ الْهِدَايَةِ بِإِقَامَةِ الدَّلِيلِ بِغَيْرِ جِهَادٍ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْجِهَادِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَحِلُّهُ فِي الْغَزْوِ. وَأَمَّا حِرَاسَةُ حُصُونِ الْمُسْلِمِينَ فَمُتَعَيِّنَةٌ فَوْرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ فُرُوضَ الْكِفَايَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، ذَكَرَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَدَفْنَهُ، وَفِي اللَّقِيطِ الْتِقَاطَ الْمَنْبُوذِ، وَذَكَرَ هُنَا الْجِهَادَ. ثُمَّ اُسْتُطْرِدَ إلَى ذِكْرِ غَيْرِهِ. فَقَالَ (وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ) الْعِلْمِيَّةِ، وَهِيَ الْبَرَاهِينُ الْقَاطِعَةُ عَلَى إثْبَاتِ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَعَلَى إثْبَاتِ النُّبُوَّاتِ وَصِدْقِ الرُّسُلِ، وَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ مِنْ الْحِسَابِ وَالْمَعَادِ وَالْمِيزَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْحُجَجِ الْقَهْرِيَّةِ بِالسَّيْفِ لَا بُدَّ مِمَّنْ يُقِيمُ الْبَرَاهِينَ وَيُظْهِرُ الْحُجَجَ وَيَدْفَعُ الشُّبُهَاتِ وَيَحِلُّ الْمُشْكِلَاتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ (وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ) وَدَفْعِ الشُّبْهَةِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُكَلَّفِ دَفْعُ شُبْهَةٍ أَدْخَلَهَا بِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَدِلَّةَ الْمَعْقُولِ وَيَعْلَمَ دَوَاءَ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَحُدُودَهَا وَأَسْبَابَهَا كَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ، وَأَنْ يَعْرِفَ مِنْ ظَوَاهِرِ الْعُلُومِ لَا دَقَائِقِهَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ فَرَائِضِ الدِّينِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَشُرُوطِهِمَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَكَذَا قَبْلَهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَعَلُّمِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ الْفِعْلِ وَكَأَرْكَانِ الْحَجِّ وَشُرُوطِهِ وَتَعَلُّمِهَا عَلَى التَّرَاخِي كَالْحَجِّ وَكَالزَّكَاةِ إنْ مَلَكَ مَالًا، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ يَكْفِيه الْأَمْرَ، وَأَحْكَامِ الْبَيْعِ وَالْقِرَاضِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَّجِرَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ بَيْعَ الْخُبْزِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَلَا بِدَقِيقِهِ، وَعَلَى مَنْ يُرِيدُ الصَّرْفَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَأَمَّا أُصُولُ الْعَقَائِدِ فَالِاعْتِقَادُ الْمُسْتَقِيمُ مَعَ التَّصْمِيمِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَفَرْضُ عَيْنٍ. وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُتَرْجَمُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَلَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - يَشْتَغِلُونَ بِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ كَانَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لِمَا أَوْجَبْنَا التَّشَاغُلَ بِهِ، وَرُبَّمَا نُهِينَا عَنْهُ، وَأَمَّا الْآنَ وَقَدْ ثَارَتْ الْبِدْعَةُ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِهَا تَلْتَطِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْدَادِ مَا يُدْعَى بِهِ إلَى الْمَسْلَكِ الْحَقِّ وَتُحَلُّ بِهِ الشُّبْهَةُ فَصَارَ الِاشْتِغَالُ بِأَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ وَحَلُّ الشُّبْهَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ، وَقَالَ: لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ الْعَبْدُ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ. وَأَمَّا تَعَلُّمُ عِلْمِ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالرَّمْلِ وَعُلُومِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ فَحَرَامٌ، وَالشِّعْرُ مُبَاحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُخْفٌ أَوْ حَثٌّ عَلَى شَرٍّ وَإِنْ حَثَّ عَلَى التَّغَزُّلِ وَالْبَطَالَةِ كُرِهَ. (وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ الْقِيَامُ (بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ) وَسَبَقَ مَعْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْوَصَايَا (وَالْفُرُوعِ) الْفِقْهِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ. وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ.   [مغني المحتاج] الزَّائِدَةِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) وَالْفُتْيَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. فَإِنْ اُحْتِيجَ فِي التَّعْلِيمِ إلَى جَمَاعَةٍ لَزِمَهُمْ، وَيَجِبُ لِكُلِّ مَسَافَةٍ قَصْرٍ مُفْتٍ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى قَطْعِهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ؛ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَنْ قَاضٍ بِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ كَثِيرِينَ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاءِ فِي الْوَقَائِعِ، وَلَوْ لَمْ يُفْتِ الْمُفْتِي وَهُنَاكَ مَنْ يُفْتِي وَهُوَ عَدْلٌ لَمْ يَأْثَمْ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِفْتَاءُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ كَذَلِكَ. اهـ. وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَظِيرِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ بِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَحَبُّ الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالْمُسْتَفْتِي. أَمَّا تَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْفُرُوعِ فَفَرْضُ عَيْنٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِلْمُ الطِّبِّ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ الْأَبَدَانِ، وَالْحِسَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ وَالْوَصَايَا وَالْمُعَامَلَاتِ، وَأُصُولُ الْفِقْهِ، وَالنَّحْوِ، وَاللُّغَةُ، وَالتَّصْرِيفُ، وَأَسْمَاءُ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ، وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ، وَأَمَّا الْمَنْطِقُ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّ مَنْ جَهِلَهُ لَا وُثُوقَ بِعِلْمِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَحْرُمُ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَمَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَعَرَّفَ أَيْ الْمُصَنِّفُ الْفُرُوعَ: أَيْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ دُونَ مَا قَبْلَهُ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ: أَيْ: وَهُوَ قَوْلُهُ: " بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَيْضًا، وَهُنَا مُؤَاخَذَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَهِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " وَالْفُرُوعِ " مَجْرُورًا بِالْعَطْفِ عَلَى تَفْسِيرٍ، أَوْ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْبَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ بِإِقَامَةِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي اقْتَضَى أَنَّ الْفُرُوعَ لَيْسَتْ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَقَدْ يُخْتَارُ الْأَوَّلُ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَافَ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّمَا يَتَوَجَّهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْعِلْمِ عَلَى مَنْ جَمَعَ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ: التَّكْلِيفُ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَلِي الْقَضَاءَ: أَيْ حُرًّا ذَكَرًا لَا عَبْدًا وَامْرَأَةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَلِيدًا، وَأَنْ يَقْدِرَ عَلَى الِانْقِطَاعِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ كِفَايَةٌ، وَيَدْخُلُ الْفَاسِقُ فِي الْفَرْضِ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ، وَفِي دُخُولِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الدُّخُولُ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ (وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) مِنْ وَاجِبَاتِ الشَّرْعِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) مِنْ مُحَرَّمَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مَفْسَدَةً أَعْظَمَ مِنْ مَفْسَدَةِ الْمُنْكَرِ الْوَاقِعِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُرْتَكِبَ يَزِيدُ فِيمَا هُوَ فِيهِ عِنَادًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ: فِي الْإِحْيَاءِ كَإِمَامِهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْوُلَاةِ: بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلِلصَّبِيِّ ذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ الْعَدَالَةُ، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى مُتَعَاطِي الْكَأْسَ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْجُلَّاسِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَجِبُ عَلَى مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا أَمْرُهَا بِسَتْرِ وَجْهِهَا عَنْهُ. اهـ. وَالْإِنْكَارُ يَكُونُ بِالْيَدِ. فَإِنْ عَجَزَ فَبِاللِّسَانِ، وَيَرْفُقُ بِمَنْ يَخَافُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ   [مغني المحتاج] شَرَّهُ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، فَإِنْ عَجَزَ رَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْوَالِي. فَإِنْ عَجَزَ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعَ الْقَوْلِ، بَلْ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى، وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَلَا أَنْ يَكُونَ مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُرُ بِهِ مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ وَيَنْهَى نَفْسَهُ. فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ، وَلَا يَأْمُرُ وَلَا يُنْهَى فِي دَقَائِقِ الْأُمُورِ إلَّا عَالِمٌ، فَلَيْسَ لِلْعَوَامِّ ذَلِكَ، وَلَا يُنْكِرُ الْعَالِمُ إلَّا مُجْمَعًا عَلَى إنْكَارِهِ، لَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَرَى الْفَاعِلَ تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَنَفِيّ يَحُدُّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ مَعَ أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّ أَدِلَّةَ عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَاهِيَةٌ، وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ حَدِّنَا الشَّارِبَ بِهِ وَعَدَمِ حَدِّنَا الْوَاطِئَ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ، وَإِنْ نُدِبَ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِرِفْقٍ فَحَسَنٌ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي خِلَافٍ آخَرَ أَوْ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ حِينَئِذٍ. وَلَيْسَ لِكُلٍّ مِنْ الْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ التَّجَسُّسُ وَالْبَحْثُ وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ: بَلْ إنْ رَأَى شَيْئًا غَيَّرَهُ، نَعَمْ إنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِمَنْ اخْتَفَى بِمُنْكَرٍ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ تَدَارُكُهَا كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ اقْتَحَمَ لَهُ الدَّارَ وَتَجَسَّسَ وُجُوبًا. تَنْبِيهٌ: يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصَبَّ مُحْتَسِبًا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ كَانَا لَا يَخْتَصَّانِ بِالْمُحْتَسِبِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا، وَكَذَا بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ الْإِمَامُ: مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ، وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحِلَّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَسِبِ، وَلَا يُقَاسُ بِالْوَالِي غَيْرُهُ، وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ بِصَوْمِهِ صَارَ وَاجِبًا، وَلَا يَأْمُرُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ بِمَا لَا يُجَوِّزُونَهُ، وَلَا يَنْهَاهُمْ عَمَّا يَرَوْنَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ أَوْ سُنَّةً لَهُمْ، وَيَأْمُرُ بِمَا يَعُمُّ نَفْعُهُ كَعِمَارَةِ سُوَرِ الْبَلَدِ وَشِرْبِهِ وَمَعُونَةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَيَجِبُ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ فِيهِ مَالٌ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَيَنْهَى الْمُوسِرَ عَنْ مَطْلِ الْغَنِيِّ إنْ اسْتَعْدَاهُ الْغَرِيمُ عَلَيْهِ، وَيَنْهَى الرَّجُلَ عَنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي طَرِيقٍ خَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ رِيبَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَعَهَا فِي طَرِيقٍ يَطْرُقَهُ النَّاسُ، وَيَأْمُرُ النِّسَاءَ بِإِيفَاءِ الْعِدَدِ، وَالْأَوْلِيَاءَ بِنِكَاحِ الْأَكْفَاءِ، وَالسَّادَةَ بِالرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ، وَأَصْحَابَ الْبَهَائِمِ بِتَعَهُّدِهَا، وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلُوهَا فِيمَا لَا تُطِيقُ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى وَالْوَعْظِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَيُشْهِرُ أَمْرَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ أَسَرَّ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ أَوْ زَادَ فِي الْأَذَانِ وَعَكَسَهُمَا، وَلَا يُنْكِرُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ قَبْلَ الِاسْتِعْدَاءِ مِنْ ذِي الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْبِسُ وَلَا يَضْرِبُ لِلدَّيْنِ، وَيُنْكِرُ عَلَى الْقُضَاةِ إنْ احْتَجَبُوا عَنْ الْخُصُومِ أَوْ قَصَّرُوا فِي النَّظَرِ فِي الْخُصُومَاتِ وَعَلَى أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الْمَطْرُوقَةِ إنْ طَوَّلُوا الصَّلَاةَ كَمَا أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُعَاذٍ ذَلِكَ، وَيَمْنَعُ الْخَوَنَةَ مِنْ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ لِمَا يَخْشَى فِيهَا مِنْ الْفَسَادِ، وَلَيْسَ لَهُ حَمْلُ النَّاسُ عَلَى مَذْهَبِهِ. (وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ) وَالْمَوَاقِفِ الَّتِي هُنَا (كُلَّ سَنَةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 بِالزِّيَارَةِ. وَدَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ كَكِسْوَةِ عَارٍ، وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ، وَبَيْتِ مَالٍ.   [مغني المحتاج] بِالزِّيَارَةِ) مَرَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالزِّيَارَةِ كُلَّ سَنَةٍ أَنْ يَأْتِيَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلَا يَكْفِي إحْيَاؤُهَا بِالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ وَلَا بِالْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، إذْ لَا يَحْصُلَ مَقْصُودَ الْحَجِّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ فَكَانَ بِهِ إحْيَاؤُهَا، فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ كُلَّ سَنَةٍ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَائِمِينَ بِهَذَا الْفَرْضِ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ: بَلْ الْفَرْضُ أَنْ يَحُجَّهَا كُلَّ سَنَةٍ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ. قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَيُتَّجَهُ اعْتِبَارُهُ مِنْ عَدَدٍ يَظْهَرُ بِهِمْ الشِّعَارُ. اهـ. وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ؟ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، فَكُلُّ وَفْدٍ يَجِيئُونَ كُلَّ سَنَةٍ لِلْحَجِّ فَهُمْ يُحْيُونَ الْكَعْبَةَ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ حَصَلَ، بِمَا أَتَى بِهِ سُقُوطُ فَرْضِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ كَانَ قَائِمًا بِفَرْضِ كِفَايَةٍ، فَلَا يُتَصَوَّرُ حَجُّ التَّطَوُّعِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هُنَا جِهَتَيْنِ مِنْ حَيْثِيَّتَيْنِ: جِهَةُ التَّطَوُّعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ، وَجِهَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ بِإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ، فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ هُوَ تَطَوُّعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَأَنْ يُقَالَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ حَيْثُ الْإِحْيَاءُ، وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْإِحْيَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُ الْعِبَادَةِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُعَيَّنَ قَدْ يَسْقُطُ بِالْمَنْدُوبِ كَاللَّمْعَةِ الْمُغْفَلَةِ فِي الْوُضُوءِ تُغْسَلُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ، وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَإِذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ بِفِعْلِ الْمَنْدُوبِ فَفَرْضُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى، وَلِهَذَا تَسْقُطُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ، وَلَوْ قِيلَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْعَبِيدِ وَالصَّبِيَّانِ وَالْمَجَانِين؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ لَكَانَ جَوَابًا. (وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (دَفْعُ ضَرَرِ) الْمَعْصُومِينَ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (الْمُسْلِمِينَ) وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْمُوسِرِينَ (كَكِسْوَةِ عَارٍ) مِنْهُمْ (وَإِطْعَامِ جَائِعٍ) مِنْهُمْ (إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ) ضَرَرُهُمْ (بِزَكَاةٍ وَ) لَا (بَيْتِ مَالٍ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَإِلَّا فَفِي مَعْنَاهُمَا سَهْمُ الْمَصَالِحِ وَنَحْوِهِ كَوَقْفٍ عَامٍّ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَوَصِيَّةٍ صِيَانَةً لِلنُّفُوسِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِسْوَةِ سَتْرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْبَدَنُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ فَيَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَتَعْبِيرُ الرَّوْضَةِ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ مُعْتَرَضٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُوَاسَاةِ بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُوَجِّهُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ بِمُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ زِيَادَةٌ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ وَلَا يُنَافِيه مَا فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ وُجُوبِ إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَإِنَّ هَذَا فِي الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ وَذَاكَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ، وَأَدَاؤُهَا، وَالْحِرَفُ وَالصَّنَائِعُ، وَمَا تَتِمُّ بِهِ الْمَعَايِشُ   [مغني المحتاج] الْمُضْطَرِّ، وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ الضَّرُورَةِ أَمْ يَجِبُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْأَطْعِمَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ. وَالْأَوْجَهُ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ، وَيَجِبُ أَيْضًا عَلَى الْمُوسِرِينَ فَكُّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَالِهِمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ابْتِيَاعِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْكِتَابِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَسِيرٍ تُعَذِّبُهُ الْكُفَّارُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ لَكِنْ فِي بَابِ الْهُدْنَةِ أَنَّ الْفِدَاءَ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهَذَا الْحَمْلِ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الرَّوْضَةِ أَيْضًا. أَمَّا أُسَارَى الذِّمِّيِّينَ فَفِيهِمْ احْتِمَالَانِ: وَالْأَوْجَهُ فِيهِمْ التَّفْصِيلُ. (وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ إعَانَةُ الْقُضَاةِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَ (تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ) إنْ حَضَرَ الْمُتَحَمِّلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَإِنْ دَعَا الشَّاهِدَ لِلتَّحَمُّلِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا إنْ دَعَاهُ قَاضٍ أَوْ مَعْذُورٌ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ (وَأَدَاؤُهَا) إذَا تَحَمَّلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصَابٍ، فَإِنْ تَحَمَّلَ اثْنَانِ فِي الْأَمْوَالِ فَالْأَدَاءُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فِي الشَّهَادَاتِ مَعَ مَزِيدِ إيضَاحٍ. تَنْبِيهٌ: التَّحَمُّلُ يُفَارِقُ الْأَدَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّحَمُّلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى النَّاسِ، وَالْأَدَاءَ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ دُونَ غَيْرِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ: وَفَرْضُ الْأَدَاءِ أَغْلَظُ مِنْ فَرْضِ التَّحَمُّلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] الْآيَةَ (وَالْحِرَفُ وَالصَّنَائِعُ) كَالتِّجَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْحِجَامَةِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدُّنْيَا بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَقِيَامَ الدِّينِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْخَلْقُ مِنْهُ أَثِمُوا وَكَانُوا سَاعِينَ فِي إهْلَاكِ أَنْفُسِهِمْ لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا، وَفِي الْحَدِيثِ «اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ» وَفَسَّرَهُ الْحَلِيمِيُّ بِاخْتِلَافِ الْهِمَمِ وَالْحِرَفِ. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الصَّنَائِعِ عَلَى الْحِرَفِ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ فَسَّرَ الصِّنَاعَةَ بِالْحِرْفَةِ، فَعَلَى هَذَا عَطَفَهَا عَلَيْهَا كَعَطْفِ رَحْمَةٍ عَلَى صَلَوَاتٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الصِّنَاعَاتُ هِيَ الْمُعَالَجَاتُ كَالْخِيَاطَةِ وَالتِّجَارَةِ، وَالْحِرَفُ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ فَتُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى مَنْ يَتَّخِذُ صُنَّاعًا وَيُدَوْلِبُهُمْ وَلَا يَعْمَلُ فَهِيَ أَعَمُّ. (وَمَا تَتِمُّ بِهِ الْمَعَايِشُ) الَّتِي بِهَا قِوَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحِرَاثَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ عَاجِزٌ عَنْ الْقِيَامِ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ «سَمِعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تُحْوِجْنِي إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَالَ: لَا تَقُلْ هَكَذَا لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّاسِ. قَالَ فَكَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ قُلْ: اللَّهُمَّ لَا تُحْوِجْنِي إلَى شِرَارِ خَلْقِكَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ شَرُّ خَلْقِهِ؟ . قَالَ: الَّذِينَ إذَا أُعْطُوا أُمِنُوا وَإِذَا مُنِعُوا عَابُوا» «وَسَمِعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ فَقَالَ: سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ فَسَلْهُ الْعَافِيَةَ» وَسَمِعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 وَجَوَابُ سَلَامٍ عَلَى جَمَاعَةٍ.   [مغني المحتاج] لَا تُحَوِّجْنِي إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ تَمَنَّى الْمَوْتَ. (وَ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (جَوَابُ سَلَامٍ) لِمُسْلِمٍ عَاقِلٍ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا (عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ. أَمَّا كَوْنَهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَأَمَّا كَوْنَهُ كِفَايَةً فَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد " يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ " وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالثَّوَابِ وَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ أَجَابُوا كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤَدِّينَ لِلْفَرْضِ، سَوَاءٌ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ أَمْ مُتَرَتِّبِينَ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِرَدِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ قِيلَ: سَقَطَ بِهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالصَّبِيُّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ السَّلَامِ الْأَمَانُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَسْقُطُ أَيْضًا بِرَدِّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ السَّلَامَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَرَدَّتْ هَلْ يَكْفِي؟ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُشْرَعُ لَهَا الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ أَمْ لَا؟ فَحَيْثُ شُرِعَ لَهَا كَفَى جَوَابُهَا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا الْخُنْثَى، وَاحْتَرَزَ بِالْجَمَاعَةِ عَنْ الْوَاحِدِ فَإِنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَوْ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ أُنْثَى مُشْتَهَاةً وَالْآخَرُ رَجُلًا وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ ثُمَّ إنْ سَلَّمَ هُوَ حَرُمَ عَلَيْهَا. أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ نَحْوُ مَحْرَمِيَّةٍ كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ يُبَاحُ نَظَرُهُ إلَيْهَا فَيَجِبُ الرَّدُّ، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى جَمْعِ نِسْوَةٍ أَوْ عَجُوزٍ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَعَكْسَهُ، وَيَجِبُ الرَّدُّ كَذَلِكَ، وَالْخُنْثَى مَعَ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مَعَهَا، وَمَعَ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ مَعَهُ وَمَعَ الْخُنْثَى كَالرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ اتِّصَالُهُ بِالِابْتِدَاءِ لِاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ سَلَّمَ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ عَلَى وَاحِدٍ فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ: كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَكْفِهِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَفَرِّقِينَ وَهُوَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا سَلَّمُوا دُفْعَةً وَاحِدَةً. أَمَّا لَوْ سَلَّمُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكَانُوا كَثِيرِينَ فَلَا يَحْصُلَ الرَّدُّ لِكُلِّهِمْ إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ شَرْطَ حُصُولِ الْوَاجِبِ أَنْ يَقَعَ مُتَّصِلًا بِالِابْتِدَاءِ. وَلَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى مَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ وَإِنْ شَمَلَتْهُمَا عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا فَاسِقٌ وَنَحْوِهِ كَمُبْتَدَعٍ إنْ كَانَ فِي تَرْكِهِ زَجْرٌ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَلَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَالَ: سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَإِذَا بَلَغَهُ خَبَرُ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ لَزِمَهُ الرَّدُّ، وَهَلْ صِيغَةُ إرْسَالِ السَّلَامِ مَعَ الْغَيْرِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ أَوْ يَكْفِي سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا مَرَّ؟ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ التَّتِمَّةِ الثَّانِي، وَعِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَوْ نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ أَوْ حَائِطٍ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ، أَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَالَ: سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ أَوْ الرِّسَالَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْغَائِبِ إنَّمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ. لَا عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ   [مغني المحتاج] تَكُونُ بِالْمُنَادَاةِ أَوْ الْكِتَابِ أَوْ الرِّسَالَةِ اهـ. وَلَوْ سَلَّمَ الْأَصَمُّ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ، أَمَّا اللَّفْظُ فَلِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَلِيَحْصُلَ بِهَا الْإِفْهَامُ، وَيَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ، وَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِنْ رَدَّ عَلَيْهِ لِيَحْصُلَ بِهِ الْإِفْهَامُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْجَوَابِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالنَّظَرِ إلَى فَمِهِ لَمْ تَجِبْ الْإِشَارَةُ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَسَلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَكَذَا رَدُّهُ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ لَهُ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَعَلَيْكَ فَقَطْ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ» وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ يَرْوِي عَلَيْكُمْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَهَا صَارَ قَوْلُهُمْ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ وَإِذَا ذَكَرَهَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ مَعَهُمْ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْمَعْنَى: وَنَحْنُ نَدْعُو عَلَيْكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا، عَلَى أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا السَّامَ بِالْمَوْتِ فَلَا إشْكَالَ لِاشْتِرَاكِ الْخَلْقِ فِيهِ. فَرْعٌ: لَوْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَرَضِيَ أَنْ لَا يَرُدَّ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ فَرْضُ الرَّدِّ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَيَأْثَمُ بِتَعْطِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِتَعْطِيلِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْمَحِلِّ، وَكَذَا يَأْثَمُ قَرِيبٌ مِنْهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ، وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِكِبَرِ الْبَلَدِ وَصِغَرِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ قَامَ بِهِ الْجَمِيعُ فَكُلُّهُمْ مُؤَدٍّ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَإِنْ تَرَتَّبُوا فِي أَدَائِهِ، قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ: وَالْقِيَامُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْهُ وَعَنْ الْأُمَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. (وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ) أَيْ السَّلَامِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى عَلَى الصَّبِيِّ، وَهُوَ سُنَّةُ عَيْنٍ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ وَاحِدًا، وَسُنَّةُ كِفَايَةٍ إنْ كَانَ جَمَاعَةً. أَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] أَيْ لِيُسَلِّمَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلِلْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ كِفَايَةً فَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ. أَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَقَدْ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ، وَهُوَ مَا لَوْ أَرْسَلَ سَلَامَهُ إلَى غَائِبٍ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ يَلْزَمُ الْمُرْسَلَ أَنْ يُبَلِّغَهُ فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا وَيَجِبُ الرَّدُّ كَمَا مَرَّ، وَيُسَنُّ الرَّدُّ عَلَى الْمُبَلِّغِ وَابْتِدَاءُ السَّلَامِ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضٍ، وَنَظِيرُهُ إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ سُنَّةٌ وَإِنْظَارُهُ فَرْضٌ وَإِبْرَاؤُهُ أَفْضَلُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْقَاضِي: لَيْسَ لَنَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ غَيْرَ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ مِنْ الْجَمَاعَةِ أُورِدَ عَلَيْهِ مَسَائِلُ. مِنْهَا التَّسْمِيَةُ عَلَى الْأَكْلِ، وَمِنْهَا الْأُضْحِيَّةُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَمِنْهَا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَمِنْهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ. وَ (لَا) يُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ (عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 وَآكِلٍ وَفِي حَمَّامٍ، وَلَا جَوَابَ عَلَيْهِمْ.   [مغني المحتاج] وَلِأَنَّ مُكَالَمَتَهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْأَدَبِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ حَاجَةُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلَا عَلَى الْمُجَامِعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَ) لَا عَلَى (آكِلٍ) - بِالْمَدِّ - لِشَغْلِهِ بِهِ (وَ) لَا عَلَى مَنْ (فِي حَمَّامٍ) لِاشْتِغَالِهِ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ مَأْوَى الشَّيَاطِينَ، وَلَيْسَ مَوْضِعُ تَحِيَّةٍ. وَاسْتَثْنَى مَعَ ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً، مِنْهَا الْمُصَلِّي، وَمِنْهَا الْمُؤَذِّنُ، وَمِنْهَا الْخَطِيبُ، وَمِنْهَا الْمُلَبِّي فِي النُّسُكِ، وَمِنْهَا مُسْتَغْرِقُ الْقَلْبِ بِالدُّعَاءِ، وَبِالْقِرَاءَةِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِنْهَا النَّائِمُ أَوْ النَّاعِسُ، وَمِنْهَا الْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُمْ لَا تُنَاسِبُهُ. وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ عَلَى حَالَةٍ لَا يَجُوزُ أَوْ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ الْقُرْبُ مِنْهُ (وَلَا جَوَابَ) وَاجِبٌ (عَلَيْهِمْ) لَوْ أُتِيَ بِهِ لِوَضْعِهِ السَّلَامَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ لِعَدَمِ سَنِّهِ. وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ مِنْ الْأَكْلِ مَا إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ وَقَبْلَ وَضْعِ لُقْمَةٍ أُخْرَى فَيُسَنُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي مَحِلِّ نَزْعِ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ اسْتِوَاءُ حُكْمِ الْجَمِيعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يُكْرَهُ الرَّدُّ لِقَاضِي الْحَاجَةِ وَالْمُجَامِعِ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ يَأْكُلُ أَوْ فِي حَمَّامٍ، وَكَذَا الْمُصَلِّي وَنَحْوَهُ بِالْإِشَارَةِ. وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ لَمْ يَجِبْ حَتَّى يَفْرُغَ، وَهَلْ الْإِجَابَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ؟ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ مُطْلَقًا، وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى حَاضِرِ الْخُطْبَةِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ، فَفِي الرَّدِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ وُجُوبُ الرَّدِّ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَالثَّانِي اسْتِحْبَابُهُ. وَالثَّالِثُ جَوَازُهُ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْخَطِيبِ. أَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَطْعًا لِاشْتِغَالِهِ، وَالْقَارِئُ كَغَيْرِهِ فِي اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ وَوُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي إلَّا مُسْتَغْرِقَ الْقَلْبِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ. تَنْبِيهٌ: صِيغَةُ السَّلَامِ ابْتِدَاءً: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيَجِبُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ، وَإِنْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَكَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَيْسَ سَلَامًا فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ، وَتُنْدَبُ صِيغَةُ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَمْ جَمَاعَةً، وَيَكْفِي الْإِفْرَادُ لِلْوَاحِدِ - وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ - دُونَ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَكْفِي، وَالْإِشَارَةُ بِهِ بِيَدٍ أَوْ نَحْوِهَا بِلَا لَفْظٍ لَا يَجِبُ لَهَا رَدٌّ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّفْظِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى اللَّفْظِ، وَصِيغَتُهُ رَدًّا: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، أَوْ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ، وَلَوْ تَرَكَ الْوَاوُ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ قَالَ: وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَفَى، فَإِنْ قَالَ: وَعَلَيْكُمْ وَسَكَتَ عَنْ السَّلَامِ لَمْ يَكْفِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلسَّلَامِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ. فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قِيلَ: يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ لَمْ يَزِدْ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ ثَمَّ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ، بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَيَكْفِي سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ابْتِدَاءً، وَعَلَيْكُمْ سَلَامٌ جَوَابًا، وَلَكِنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِمَا أَفْضَلُ، وَزِيَادَةُ: " وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " عَلَى السَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا أُكْمِلُ مِنْ تَرْكِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَكْفِي وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَإِنْ أَتَى الْمُسَلِّمُ بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ. قَالَ: ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] الْآيَةَ، وَلَوْ سَلَّمَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ تَلَاقِيًا عَلَى الْآخِرِ مَعًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الرَّدُّ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يُحَصِّلُ الْجَوَابُ بِالسَّلَامِ، أَوْ مُرَتَّبًا كَفَى الثَّانِي سَلَامُهُ رَدًّا إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءُ فَلَا يَكْفِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِصَرْفِهِ عَنْ الْجَوَابِ. فُرُوعٌ: يُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْوَاقِفِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْجَمْعُ الْقَلِيلُ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ فِي حَالِ التَّلَاقِي فِي طَرِيقٍ، فَإِنْ عَكَسَ لَمْ يُكْرَهْ، أَمَّا إذَا وَرَدَ مَنْ ذُكِرَ عَلَى قَاعِدٍ أَوْ وَاقِفٍ أَوْ مُضْطَجِعٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يُبْدَأُ، سَوَاءٌ أَكَانَ صَغِيرًا أَمْ لَا، قَلِيلًا أَمْ لَا، وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ مِنْ الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا. وَلَوْ سَلَّمَ بِالْعَجَمِيَّةِ جَازَ إنْ أَفْهَمَ الْمُخَاطَبُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ، وَيَجِبُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا. وَيَحْرُمُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الشَّخْصُ ذِمِّيًّا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، فَإِنْ بَانَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ذِمِّيًّا فَلْيَقُلْ لَهُ نَدْبًا: اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، أَوْ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي كَمَا فِي الْأَذْكَارِ تَحْقِيرًا لَهُ، وَيَسْتَثْنِيه بِقَلْبِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمِينَ، وَلَا يَبْدَأُ بِتَحِيَّةٍ غَيْرِ السَّلَامِ أَيْضًا كَأَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ، أَوْ صُبِّحْت بِالْخَيْرِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَإِنْ كَتَبَ إلَى كَافِرٍ كَتَبَ نَدْبًا السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى. وَلَوْ قَامَ عَنْ مَجْلِسٍ فَسَلَّمَ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَيْهِ، وَمَنْ دَخَلَ دَارًا نُدِبَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ دَخَلَ مَوْضِعًا خَالِيًا عَنْ النَّاسِ نُدِبَ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَمِّيَ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ ثُمَّ يُسَلِّمَ بَعْدَ دُخُولِهِ، وَأَنْ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي سُوقٍ وَجَمْعٍ لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ 883 السَّلَامُ الْوَاحِدُ سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَلِيه أَوَّلَ مُلَاقَاتَهُ، فَإِنْ جَلَسَ إلَى مَنْ سَمِعَهُ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ، أَوْ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ سَلَّمَ ثَانِيًا،. وَلَا يَتْرُكُ السَّلَامَ لِخَوْفِ عَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِتَكَبُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالتَّحِيَّةُ مِنْ الْمَارِّ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ بِنَحْوِ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ أَوْ السَّعَادَةِ، أَوْ طَابَ حَمَّامُكَ، أَوْ قَوَّاك اللَّهُ لَا أَصْلَ لَهَا إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ وَلَا جَوَابَ لِقَائِلِهَا، فَإِنْ أَجَابَ بِالدُّعَاءِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ لِتَرْكِهِ السَّلَامَ فَتَرْكُ الدُّعَاءِ لَهُ أَحْسَنُ. وَأَمَّا التَّحِيَّةُ بِالطَّلْبَقَةِ وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ فَقِيلَ بِكَرَاهَتِهَا. وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ: كَمَا قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ أَوْ الْعِلْمِ، أَوْ مِنْ وُلَاةِ الْعَدْلِ فَالدُّعَاءُ لَهُ بِذَلِكَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ، وَحَنْيُ الظَّهْرِ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ. وَتَقْبِيلُ الْيَدِ لِزُهْدٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَكِبَرِ سِنٍّ وَشَرَفٍ وَصِيَانَةٍ مُسْتَحَبٌّ، وَتَقْبِيلُهَا لِدُنْيَا أَوْ ثَرْوَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ مَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ، وَتَقْبِيلُ خَدِّ طِفْلٍ لَا يُشْتَهَى وَلَوْ لِغَيْرِهِ، وَتَقْبِيلُ كُلٍّ مِنْ أَطْرَافِهِ شَفَقَةً وَرَحْمَةً سُنَّةٌ. وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ لِلتَّبَرُّكِ، وَيُنْدَبُ الْقِيَامُ لِلدَّاخِلِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ، أَوْ شَرَفٍ، أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 وَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ   [مغني المحتاج] وِلَادَةٍ، أَوْ رَحِمٍ، أَوْ وِلَايَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِصِيَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ، لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الدَّاخِلِ مَحَبَّةَ الْقِيَامِ لَهُ بِأَنْ يَقْعُدَ وَيَسْتَمِرُّوا قِيَامًا لَهُ كَعَادَةِ الْجَبَابِرَةِ، أَمَّا مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ إكْرَامًا لَهُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يُتَّجَهُ كَمَا قَالَ: شَيْخُنَا تَحْرِيمُهُ. وَتُنْدَبُ الْمُصَافَحَةُ مَعَ بَشَاشَةِ الْوَجْهِ، وَالدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ وَغَيْرِهَا لِلتَّلَاقِي، وَلَا أَصْلَ لِلْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهَا فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُصَافَحَةِ وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَيْهَا. وَإِنْ قَصَدَ بَابًا لِغَيْرِهِ مُغْلَقًا نُدِبَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِهِ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ، فَإِنْ لَمْ يُجَبْ أَعَادَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أُجِيبَ فَذَاكَ، وَإِلَّا رَجَعَ، فَإِنْ قِيلَ لَهُ بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ مَنْ أَنْتَ؟ نُدِبَ أَنْ يَقُولَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ، أَوْ يَقُولَ الْقَاضِي فُلَانٌ. أَوْ الشَّيْخُ فُلَانٌ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ إلَّا بِذَلِكَ، وَيُكْرَهُ اقْتِصَارُهُ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَا، أَوْ الْخَادِمُ. وَتُنْدَبُ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ، وَالْجِيرَانِ غَيْرِ الْأَشْرَارِ، وَالْإِخْوَانِ وَالْأَقَارِبِ وَإِكْرَامُهُمْ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَنْ يَزُورُوهُ، وَأَنْ يُكْثِرُوا زِيَارَتَهُ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ. وَتُنْدَبُ عِيَادَةُ الْمَرْضَى، وَأَنْ يَضَعَ مَنْ جَاءَهُ الْعُطَاسُ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَيُخَفِّفُ صَوْتَهُ مَا أَمْكَنَ، وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ عُطَاسِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَسَرَّ بِهِ، أَوْ فِي حَالَةِ بَوْلٍ، أَوْ جِمَاعٍ أَوْ نَحْوِهِ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى شُمِّتَ إلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا دُعِيَ لَهُ بِالشِّفَاءِ وَيُذَكَّرُ بِالْحَمْدِ إنْ تَرَكَهُ، وَالتَّشْمِيتُ لِلْمُسْلِمِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَوْ رَبُّكَ، وَيَرُدُّ بِيَهْدِيكُمْ اللَّهُ، أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، وَابْتِدَاؤُهُ وَرَدُّهُ سُنَّةُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ وَإِلَّا فَكِفَايَةٌ. وَتَشْمِيتُ الْكَافِرِ بِيَهْدِيك اللَّهُ وَنَحْوه، لَا بِيَرْحَمُك اللَّهُ تَعَالَى. وَيُنْدَبُ رَدُّ التَّثَاؤُبِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ غَلَبَهُ سَتَرَ فَمَهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرَهَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَحِّبَ بِالْقَادِمِ الْمُسْلِمِ، وَأَنْ يُلَبِّيَ دُعَاءَهُ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا، وَأَنْ يُخْبِرَ أَخَاهُ بِحُبِّهِ لَهُ فِي اللَّهِ، وَأَنْ يَدْعُوَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ الْجَلِيلِ فِي عِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَحْوِهِ: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، أَوْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، وَدَلَائِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ. [مَوَانِعِ الْجِهَادِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ الْجِهَادِ. فَقَالَ: (وَلَا جِهَادَ) وَاجِبٌ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُرْتَدٍّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَالِغٍ، عَاقِلٍ، ذَكَرٍ، مُسْتَطِيعٍ لَهُ، حُرٍّ وَلَوْ سَكْرَانَ، وَاجِدٍ أُهْبَةَ الْقِتَالِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الْجِزْيَةَ لِيُذَبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا، وَلَا (عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة: 91] الْآيَةَ، قِيلَ هُمْ الصِّبْيَانُ لِضَعْفِ أَبْدَانِهِمْ، وَقِيلَ الْمَجَانِينُ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ جَمَاعَةً اسْتَصْغَرَهُمْ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَجَازَهُ فِي الْخَنْدَقِ» وَكَذَا اتَّفَقَ لِسَعْدِ بْنِ حَبَّةَ: بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ الْأَنْصَارِيّ، «وَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَهُوَ حَدِيثُ السِّنِّ قَالَ: أَسْعَدَ اللَّهُ جَدَّكَ اقْتَرِبْ مِنِّي، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ» ، فَكَانَ عَمًّا لِأَرْبَعِينَ، وَخَالًا لِأَرْبَعِينَ، وَجَدًّا لِعِشْرِينَ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ وَغَيْرُهُ (وَ) لَا عَلَى خُنْثَى، وَلَا (امْرَأَةٍ) لِضَعْفِهَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 وَمَرِيضٍ وَذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَأَقْطَعَ، وَأَشَلَّ، وَعَبْدٍ وَعَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ، وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ مَنَعَ الْجِهَادَ إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ، وَكَذَا مِنْ لُصُوصِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالدَّيْنُ الْحَالُّ   [مغني المحتاج] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصَرِفُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا. وَأَحْسَنَ الْحَسَنُ بْنُ هَانِئٍ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا الْمَطِيُّ بِنَا بَلَغْنَ مُحَمَّدًا ... فَظُهُورُهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ حَرَامُ (وَ) لَا عَلَى (مَرِيضٍ) يُتَعَذَّرُ قِتَالُهُ أَوْ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ وَلَا عَلَى أَعْمَى (وَ) لَا (ذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ) وَلَوْ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] فَلَا عِبْرَةَ بِصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَضَعْفِ بَصَرٍ إنْ كَانَ يُدْرِكُ الشَّخْصَ وَيُمْكِنُهُ اتِّقَاءُ السِّلَاحِ، وَلَا عَرَجٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ الْمَشْيَ وَالْعَدْوَ وَالْهَرَبَ (وَ) لَا عَلَى (أَقْطَعَ) يَدٍ بِكَمَالِهَا أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا، بِخِلَافِ فَاقِدِ الْأَقَلِّ، أَوْ فَاقِدِ الْأَنَامِلِ، أَوْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ بِغَيْرِ عَرَجٍ بَيِّنٍ (وَ) لَا عَلَى (أَشَلَّ) يَدٍ أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ الْبَطْشُ وَالنِّكَايَةَ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ (وَ) لَا عَلَى (عَبْدٍ) وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: 20] وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ وَلَا نَفْسَ يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْخِطَابُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ، وَلَيْسَ الْقِتَالُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْمُسْتَحَقِّ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلْهَلَاكِ (وَ) لَا عَلَى (عَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ) مِنْ نَفَقَةٍ وَسِلَاحٍ، وَكَذَا مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ فَاضِلٌ ذَلِكَ عَنْ مُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلَوْ مَرِضَ بَعْدَ مَا خَرَجَ أَوْ فَنِيَ زَادُهُ أَوْ هَلَكَتْ دَابَّتُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ أَوْ يَمْضِيَ، فَإِنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الصَّحِيحِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِتَالُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الرَّمْيُ بِهَا عَلَى تَنَاقُضٍ وَقَعَ لَهُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ حَوْلَهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُؤَنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِاشْتِرَاطِ مِلْكِهِ الْأُهْبَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْعَدَمِ عَدَمَ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَوْ بُذِلَ لِعَادِمِ الْأُهْبَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَاذِلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ أَشَارَ لِضَابِطٍ يَعُمُّ مَا سَبَقَ وَغَيْرَهُ بِقَوْلِهِ (وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْحَجِّ) كَفَقْدِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ (مَنَعَ الْجِهَادَ) أَيْ وُجُوبَهُ (إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ) فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ جَزْمًا لِبِنَاءِ الْجِهَادِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ (وَكَذَا) خَوْفٌ (مِنْ لُصُوصِ الْمُسْلِمِينَ) لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُحْتَمَلُ فِي هَذَا السَّفَرِ وَقِتَالُ اللُّصُوصِ أَهَمُّ وَأَوْلَى، وَالثَّانِي، يَمْنَعُ كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَأْنَفُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْوُجُوبِ فِي الصُّورَتَيْنِ إذَا كَانَ لَهُ قُوَّةٌ تُقَاوِمُهُمْ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْذُورٌ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَوَانِعِ الْجِهَادِ الْحِسِّيَّةِ شَرَعَ فِي مَوَانِعِهِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَالَ: (وَالدَّيْنُ الْحَالُّ) عَلَى مُوسِرٍ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 يُحَرِّمُ سَفَرَ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، وَالْمُؤَجَّلُ لَا، وَقِيلَ يَمْنَعُ سَفَرًا مَخُوفًا. وَيَحْرُمُ جِهَادٌ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ،   [مغني المحتاج] (يُحَرِّمُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ (سَفَرَ جِهَادٍ وَ) سَفَرَ (غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ، وَالْجِهَادُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «الْقَتْلُ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الدَّيْنَ» (إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ) وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ الْجَائِزِ الْإِذْنِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ وَالْحَبْسِ إنْ امْتَنَعَ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ لَمْ يَحْرُمْ. أَمَّا غَيْرُ جَائِزِ الْإِذْنِ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ، فَلَا يَأْذَنُ لِمَدِينِ الْمَحْجُورِ فِي السَّفَرِ وَكَالْمَدْيُونِ وَلِيُّهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالِبُ. وَلَوْ اسْتَنَابَ الْمُوسِرُ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ بِخِلَافِ مَالِهِ الْغَائِبِ قَدْ لَا يَصِلُ، وَأَمَّا الْمُعْسِرُ فَلَيْسَ لِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، إذْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ جَاهَدَ بِالْإِذْنِ قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَا يَتَعَرَّضُ لِلشَّهَادَةِ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَمَامُ الصُّفُوفِ: بَلْ يَقِفُ فِي وَسَطِهَا وَحَوَاشِيهَا لِيَحْفَظَ الدَّيْنَ بِحِفْظِ نَفْسِهِ. (وَ) الدَّيْنُ (الْمُؤَجَّلُ لَا) يُحَرِّمُ السَّفَرَ مُطْلَقًا، فَلَا يَمْنَعُهُ رَبُّ الدَّيْنِ، وَإِنْ قَرُبَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِهِ وَهُوَ الْآنَ مُخَاطَبٌ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلِلْمُسْتَحِقِّ الْخُرُوجَ مَعَهُ إنْ شَاءَ لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ (وَقِيلَ يَمْنَعُ سَفَرًا مَخُوفًا) كَالْجِهَادِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ صِيَانَةً لِحَقِّ الْغَرِيمِ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى رَجُلٍ (جِهَادٌ) بِسَفَرٍ وَغَيْرِهِ (إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَبِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 لَا سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ وَكَذَا كِفَايَةٍ فِي الْأَصَحِّ فَإِنْ أَذِنَ أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَبَ الرُّجُوعُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ،   [مغني المحتاج] «أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: أَلَكَ وَالِدَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَيْهَا فَأَكْرِمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ الْحَيُّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَجَمِيعَ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدَ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ وَأَذِنَ، سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ، ذُكُورًا أَمْ إنَاثًا؛ لِأَنَّ بِرَّهُمْ مُتَعَيِّنٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَكَذَا الْمُنَافِقُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا اُعْتُبِرَ إذْنُ سَيِّدِهِ لَا وَالِدَيْهِ كَمَا قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَلْزَمُ الْمُبَعَّضَ اسْتِئْذَانُ الْأَبَوَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ، وَالسَّيِّدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ (لَا سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ) حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ أَوْ تَوَقَّعَ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَحَجٍّ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَضَيَّقْ عَلَى الصَّحِيحِ (وَكَذَا) سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ (كِفَايَةٍ) فَيَجُوزُ أَيْضًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ (فِي الْأَصَحِّ) كَأَنْ خَرَجَ طَالِبًا لِدَرَجَةِ الْإِفْتَاءِ، وَفِي النَّاحِيَةِ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ، وَالثَّانِي لَهُمَا الْمَنْعُ كَالْجِهَادِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْجِهَادَ فِيهِ خَطَرٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاحِيَةِ مُسْتَقِلٌّ بِالْإِفْتَاءِ، وَلَكِنْ خَرَجَ جَمَاعَةٌ فَلَيْسَ لِلْأَبَوَيْنِ الْمَنْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْحَالِ مَنْ يَقُومُ بِالْمَقْصُودِ، وَالْخَارِجُونَ قَدْ لَا يَظْفَرُونَ بِالْمَقْصُودِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أَحَدٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ، وَلَا مَنْعَ لَهُمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيَّنِ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ وَجَبَ اسْتِئْذَانُهُمَا وَلَوْ كَافِرَيْنِ إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ إذَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ كَذَلِكَ إنْ كَانَ الْفَرْعُ أَهْلًا لِلْإِذْنِ، وَهَذَا يُلْغِزُ بِهِ، فَيُقَالُ وَالِدٌ لَا يُسَافِرُ إلَّا بِإِذْنِ وَلَدِهِ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهُ: أَيْ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ نَفَقَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَسَافَرَ فِي بَقِيتِهِ كَانَ كَالْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ كَالتِّجَارَةِ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ قَصِيرًا فَلَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا، فَإِنْ غَلَبَ الْخَوْفُ فَكَالْجِهَادِ وَإِلَّا جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ، وَالْوَالِدُ الْكَافِرُ فِي هَذِهِ الْأَسْفَارِ كَالْمُسْلِمِ مَا عَدَا الْجِهَادَ كَمَا مَرَّ. (فَإِنْ أَذِنَ) لِرَجُلٍ (أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ) فِي جِهَادٍ (ثُمَّ رَجَعُوا) بَعْدَ خُرُوجِهِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الرُّجُوعُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِذْنِ عُذْرٌ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ، فَكَذَا طَرَيَانُه كَالْعَمَى وَالْمَرَضِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَصْلُهُ الْكَافِرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَعَلِمَ الْفَرْعُ الْحَالَ فَكَالرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ خَافَ انْكِسَارَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِرُجُوعِهِ، أَوْ خَرَجَ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعْلٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ تَبَعًا لِلنَّصِّ فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، بَلْ لَا يَجُوزُ فِي مُعْظَمِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عِنْدَ الْخَوْفِ بِمَوْضِعٍ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْجَيْشُ فَيَرْجِعَ مَعَهُمْ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِقَامَةُ وَلَا الرُّجُوعُ فَلَهُ الْمُضِيُّ مَعَ الْجَيْشِ، لَكِنْ يَتَوَقَّى مَظَانَّ الْقَتْلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 فَإِنْ شَرَعَ فِي قِتَالٍ حَرُمَ الِانْصِرَافُ فِي الْأَظْهَرِ. الثَّانِي يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ وَجَبَ الْمُمْكِنُ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ،   [مغني المحتاج] الْأُمِّ (فَإِنْ) حَضَرَ الصَّفَّ وَ (شَرَعَ فِي قِتَالٍ) بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ، ثُمَّ رَجَعَ مَنْ ذُكِرَ وَعَلِمَ بِرُجُوعِهِ (حَرُمَ الِانْصِرَافُ فِي الْأَظْهَرِ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ لِوُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمْرَ الْقِتَالِ وَيَكْسِرُ الْقُلُوبَ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ، بَلْ يَجِبُ الِانْصِرَافُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّيْقِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَقِفُ مَوْقِفَ طَلَبِ الشَّهَادَةِ، بَلْ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَحْرُسُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: فَإِنْ حَضَرَ الصَّفَّ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الِانْصِرَافِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِتَالِ حَقِيقَةً، بَلْ الْتِقَاءُ الصَّفَّيْنِ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ. فُرُوعٌ: لَوْ خَرَجَ بِلَا إذْنٍ وَشَرَعَ فِي الْقِتَالِ حَرُمَ الِانْصِرَافُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَرُجُوعُ الْعَبْدِ إنْ خَرَجَ بِلَا إذْنٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ وَاجِبٌ، وَبَعْدَهُ مَنْدُوبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الثَّبَاتُ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ. وَلَوْ مَرِضَ مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ أَوْ عَرِجَ عَرَجَا بَيِّنًا أَوْ تَلِفَ زَادُهُ أَوْ دَابَّتُهُ فَلَهُ الِانْصِرَافُ، وَلَوْ مِنْ الْوَقْعَةِ إنْ لَمْ يُورِثْ فَشَلًا فِي الْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ انْصِرَافُهُ مِنْهَا، وَلَا يَنْوِي الْمُنْصَرِفَ مِنْ الْوَقْعَةِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فِرَارًا. فَإِنْ انْصَرَفَ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ مُقَارِفَتِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ لِلْجِهَادِ، وَمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْخُصْلَةِ االْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ مَنْ شَرَعَ فِي تَعَلُّمِ عِلْمٍ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ، وَإِنْ أَنِسَ مِنْ نَفْسِهِ الرُّشْدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ غَالِبًا. قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ إتْمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ، وَلَوْ شُرِعَ لِكُلِّ شَارِعٍ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إضَاعَةِ الْعِلْمِ. وَأَجَابَ السُّبْكِيُّ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْجِهَادِ بِأَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ لَهُ بَاعِثٌ نَفْسِيٌّ عَمَّنْ يُحِثُّهُ عَلَى دَوَامِ الِاشْتِغَالِ بِهِ لِمَحَبَّةِ ثَمَرَتِهِ، وَالْمُقَاتِلَ مَيْلُهُ إلَى الْحَيَاةِ يُبَاعِدُهُ عَنْ ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ وَشِدَّةِ سَكَرَاتِهِ، فَوُكِلَ الْمُشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ إلَى مَحَبَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهُومٌ لَا يَشْبَعُ، وَكُلِّفَ الْمُقَاتِلُ بِالثَّبَاتِ عِنْدَ الْمَمَاتِ الَّذِي مِنْهُ يُفَزَّعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِدَادُ الْعُلَمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ دَمِ الشُّهَدَاءِ» . ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَالِ (الثَّانِي) مِنْ حَالَيْ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا) أَوْ يَنْزِلُونَ عَلَى جَزَائِرَ أَوْ جَبَلٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ بَعِيدًا عَنْ الْبَلَدِ (فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ) مِنْهُمْ، وَيَكُونُ الْجِهَادُ حِينَئِذٍ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقِيلَ كِفَايَةً، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ لَهُ (فَإِنْ أَمْكَنَ) أَهْلَهَا (تَأَهُّبٌ) أَيْ اسْتِعْدَادٌ (لِقِتَالٍ وَجَبَ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ (الْمُمْكِنُ) أَيْ الدَّفْعُ لِلْكُفَّارِ بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ (حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ) بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (وَوَلَدٍ وَمِّ دِينٍ) وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (وَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ) مِنْ أَبَوَيْنِ وَرَبِّ دَيْنٍ وَمِنْ سَيِّدٍ، وَيَنْحَلُّ الْحَجْرُ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ دَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 وَقِيلَ: إنْ حَصَلَتْ مُقَاوَمَةٌ بِأَحْرَارٍ اُشْتُرِطَ إذْنُ سَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَمَنْ قُصِدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمُمْكِنِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ قُتِلَ، وَإِنْ جَوَّزَ الْأَسْرَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِنْ الْبَلْدَةِ كَأَهْلِهَا، وَمَنْ عَلَى الْمَسَافَةِ يَلْزَمُهُمْ الْمُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا وَمَنْ يَلِيهِمْ. قِيلَ: وَإِنْ كَفَوْا.   [مغني المحتاج] الْإِسْلَامِ خَطْبٌ عَظِيمٌ لَا سَبِيلَ إلَى إهْمَالِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَدِّ فِي دَفْعِهِ بِمَا يُمْكِنُ، وَفِي مَعْنَى دُخُولِهِمْ الْبَلْدَة مَا لَوْ أَطَلُّوا عَلَيْهَا، وَالنِّسَاءُ كَالْعَبِيدِ إنْ كَانَ فِيهِنَّ دِفَاعٌ، وَإِلَّا فَلَا يَحْضُرْنَ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَحْتَاجَ الْمَرْأَةُ إلَى إذْنِ الزَّوْجِ (وَقِيلَ: إنْ حَصَلَتْ مُقَاوَمَةٌ بِأَحْرَارٍ اُشْتُرِطَ) فِي عَبْدٍ (إذْنُ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي الْأَحْرَارِ غُنْيَةً عَنْهُمْ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: هُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ لِتَقْوَى الْقُلُوبِ وَتَعْظُمَ الشَّوْكَةُ وَتَشْتَدَّ النِّكَايَةُ فِي الْكُفَّارِ انْتِقَامًا مِنْ هُجُومِهِمْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ أَهْلَ الْبَلْدَةَ التَّأَهُّبُ لِقِتَالٍ بِأَنْ هَجَمَ الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً (فَمَنْ قُصِدَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ عَبْدًا، أَوْ امْرَأَةً، أَوْ مَرِيضًا أَوْ نَحْوَهُ (دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ) الْكُفَّارَ (بِالْمُمْكِنِ) لَهُ (إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا (وَإِنْ جَوَّزَ) الْمُكَلَّفُ الْمَذْكُورُ (الْأَسْرَ) وَالْقَتْلَ (فَلَهُ) أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَ (أَنْ يَسْتَسْلِمَ) لِقَتْلِ الْكُفَّارِ إنْ كَانَ رَجُلًا؛ لِأَنَّ الْمُكَافَحَةَ حِينَئِذٍ اسْتِعْجَالٌ لِلْقَتْلِ، وَالْأَسْرَ يَحْتَمِلُ الْخَلَاصُ، هَذَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ قُتِلَ، وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِسْلَامِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ عَلِمَتْ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهَا بِالْفَاحِشَةِ فَعَلَيْهَا الدَّفْعُ وَإِنْ قُتِلَتْ؛ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ لَا تُبَاحُ عِنْدَ خَوْفِ الْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْأَيْدِي إلَيْهَا بِالْفَاحِشَةِ الْآنَ، وَلَكِنْ تَوَقَّعَتْهَا بَعْدَ السَّبْيِ اُحْتُمِلَ جَوَازُ اسْتِسْلَامِهَا ثُمَّ تَدْفَعُ إذَا أُرِيدَ مِنْهَا، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، ثُمَّ مَا مَرَّ حُكْمُ أَهْلِ بَلْدَةٍ دَخَلَهَا الْكُفَّارُ، وَأَشَارَ لِغَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِ. (وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِنْ الْبَلْدَةِ) الَّتِي دَخَلَهَا الْكُفَّارُ حُكْمُهُ (كَأَهْلِهَا) فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ إنْ وَجَدُوا زَادًا، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَرْكُوبُ لِقَادِرٍ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى الْأَصَحِّ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي دَخَلُوهَا كِفَايَةٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْحَاضِرِينَ مَعَهُمْ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَلْدَةِ ثُمَّ الْأَقْرَبِينَ فَالْأَقْرَبِينَ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَلْبَثُوا إلَى لُحُوقِ الْآخَرِينَ (وَمَنْ) أَيْ: وَاَلَّذِينَ هُمْ (عَلَى الْمَسَافَةِ) لِلْقَصْرِ فَأَكْثَرَ (يَلْزَمُهُمْ) فِي الْأَصَحِّ إنْ وَجَدُوا زَادًا وَمَرْكُوبًا (الْمُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا وَمَنْ يَلِيهِمْ) دَفْعًا عَنْهُمْ وَإِنْقَاذًا لَهُمْ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ الْخُرُوجَ، بَلْ إذَا صَارَ إلَيْهِمْ قَوْمٌ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ (قِيلَ: وَإِنْ كَفَوْا) أَيْ أَهْلُ الْبَلَدِ وَمَنْ يَلِيهِمْ يَلْزَمُ مَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُوَافَقَتُهُمْ مُسَاعَدَةً لَهُمْ، وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْإِيجَابِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ إنَّمَا يُوجِبُ عَلَى الْأَقْرَبِينَ فَالْأَقْرَبِينَ بِلَا ضَبْطٍ حَتَّى يَصِلَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُمْ قَدْ كَفَوْا، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَمَنْ عَلَى مَسَافَةٍ. قِيلَ يَلْزَمُهُمْ الْأَقْرَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 وَلَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ النُّهُوض إلَيْهِمْ لِخَلَاصِهِ إنْ تَوَقَّعْنَاهُ. [فَصْلٌ] يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ. وَيُسَنُّ إذْ بَعَثَ سَرِيَّةً أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذَ الْبَيْعَةَ بِالثَّبَاتِ.   [مغني المحتاج] فَالْأَقْرَبَ، وَالْأَصَحُّ إنْ كَفَى أَهْلُهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ. (وَلَوْ أَسَرُوا) أَيْ الْكُفَّارُ (مُسْلِمًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ النُّهُوضِ إلَيْهِمْ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا دَارَنَا (لِخَلَاصِهِ إنْ تَوَقَّعْنَاهُ) بِأَنْ يَكُونُوا قَرِيبِينَ كَمَا نَنْهَضُ إلَيْهِمْ عِنْدَ دُخُولِهِمْ دَارَنَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ إزْعَاجِ الْجُنُودِ لِخَلَاصِ أَسِيرٍ بَعِيدٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ بِأَنْ لَمْ يَرْجُوهُ فَلَا يَتَعَيَّنُ جِهَادُهُمْ، بَلْ يَنْتَظِرُ لِلضَّرُورَةِ، وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ فَكَّ مَنْ أُسِرَ مِنْ الذِّمِّيِّينَ. تَتِمَّةٌ: لَا تَتَسَارَعُ الطَّوَائِفُ وَالْآحَادُ مِنَّا إلَى دَفْعِ مَلِكٍ مِنْهُمْ عَظِيمِ شَوْكَتُهُ دَخَلَ أَطْرَافَ بِلَادِنَا لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ. [فَصْل فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ وَمَنْ يَحْرُمُ] [فَصْلٌ] فِيمَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَزْوِ، وَمَنْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ قَتْلُهُ مِنْ الْكُفَّارِ، وَمَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِهِ (يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) تَأَدُّبًا مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ بِمَصَالِحِ الْجِهَادِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالنُّفُوسِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجِهَادِ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْمُتَطَوِّعَةِ أَمَّا الْمُرْتَزِقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مُرْصَدُونَ لِمُهِمَّاتٍ تَعْرِضُ لِلْإِسْلَامِ يَصْرِفهُمْ فِيهَا الْإِمَامُ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأُجَرَاءِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ صُوَرًا. إحْدَاهَا: أَنْ يَفُوتَهُ الْمَقْصُودُ بِذَهَابِهِ لِلِاسْتِئْذَانِ. ثَانِيهَا: إذَا عَطَّلَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَجُنُودُهُ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا كَمَا يُشَاهَدُ. ثَالِثُهَا: إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْذَنَهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ. (وَيُسَنُّ) لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (إذْ بَعَثَ سَرِيَّةً) لِبِلَادِ الْكُفَّارِ، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعُمِائَةٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا خُلَاصَةِ الْعَسْكَرِ وَخِيَارُهُ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَزَادَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ " إذَا صَبَرُوا وَصَدَقُوا " (أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ) أَمِيرًا مُطَاعًا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ (وَيَأْخُذَ) عَلَيْهِمْ (الْبَيْعَةَ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ: الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (بِالثَّبَاتِ) عَلَى الْجِهَادِ وَعَدَمِ الْفِرَارِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ، وَأَنْ يَبْعَثَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الطَّلَائِعَ، وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ. قَالَ: الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ إلَّا ثِقَةً فِي دِينِهِ، شُجَاعًا فِي بَدَنِهِ، حَسَنَ الْإِنَابَةِ، عَارِفًا بِالْحَرْبِ يَثْبُتُ عِنْدَ الْهَرَبَ وَيَتَقَدَّمُ عِنْدَ الطَّلَبِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَا رَأْيُ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ لِيَسُوسَ الْجَيْشَ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي الطَّاعَةِ وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ فِي انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ. وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بِهِمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوَّلَ النَّهَارِ؛؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَأَنْ يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ، وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ، وَيَعْقِدَ الرَّايَاتِ، وَيَجْعَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ رَايَةٍ وَشِعَارًا. رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ عَدُوَّكُمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ» قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ: حم اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ، وَأَنْ يُحَرِّضَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَرْهَبُ، وَأَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سَاعَتَانِ تُفْتَحُ فِيهِمَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ: عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَيَسْتَنْصِرُ بِالضُّعَفَاءِ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» ، وَيُكَبِّرَ بِلَا إسْرَافٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ، وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا إنْ عَلِمَ أَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِكُفَّارٍ تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ، وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ. وَبِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ   [مغني المحتاج] الدَّعْوَةَ لَمْ تَبْلُغْهُمْ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ، وَجَازَ بَيَاتُهُمْ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ الْغُزَاةُ الْآدَابَ الَّتِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا وَمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ، وَمَنْ يُسْهِمُ وَمَنْ لَا يُسْهَمُ لَهُ. (وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ) عَلَى الْكُفَّارِ (بِكُفَّارٍ) مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ) . قَالَ: فِي الرَّوْضَةِ: وَأَنْ يُعْرَفَ حُسْنُ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَالرَّافِعِيُّ جَعَلَ مَعْرِفَةَ حُسْنِ رَأْيِهِمْ مَعَ أَمْنِ الْخِيَانَةِ شَرْطًا وَاحِدًا. وَثَانِيهمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوْ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ) أَيْ إنَّهُمْ إذَا انْضَمُّوا إلَى الْفِرْقَةِ الْأُخْرَى أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ، فَإِنْ زَادُوا بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى الضِّعْفِ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ، وَشَرَطَ الْعِرَاقِيُّونَ قِلَّةَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الشَّرْطُ وَمَا قَبْلَهُ: أَيْ هُوَ مُقَاوَمَةِ الْفَرِيقَيْنِ كَالْمُتَنَافِيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَلُّوا حَتَّى احْتَاجُوا لِمُقَاوَمَةِ فِرْقَةٍ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْأُخْرَى كَيْفَ يَقْدِرُونَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمَا مَعًا؟ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ فِرْقَةً يَسِيرَةً لَا يَكْثُرُ الْعَدَدُ بِهِمْ كَثْرَةً ظَاهِرَةً. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَفِيهِ لِينٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا كَانُوا مِائَتَيْنِ مَثَلًا وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَفِيهِمْ قِلَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِوَاءِ الْعَدَدَيْنِ، فَإِذَا اسْتَعَانُوا بِخَمْسِينَ كَافِرًا فَقَدْ اسْتَوَى الْعَدَدَانِ، وَلَوْ انْحَازَ هَؤُلَاءِ الْخَمْسُونَ إلَى الْعَدُوِّ فَصَارُوا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أَمْكَنَ الْمُسْلِمِينَ مُقَاوَمَتِهِمْ لِعَدَمِ زِيَادَتِهِمْ عَلَى الضِّعْفِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَفِي كُتُبِ جَمْعٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ اعْتِبَارُ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِلَّةِ، وَالْحَاجَةُ قَدْ تَكُونُ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَتَنَافَى الشَّرْطَانِ انْتَهَى. وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدَ الْعَدُوِّ كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى وَأَقَرَّهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: يَفْعَلُ الْإِمَامُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً مِنْ إفْرَادِهِمْ بِجَانِبِ الْجَيْشِ أَوْ اخْتِلَاطِهِمْ بِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَحْقَرُ لَهُمْ، وَيَرُدَّ الْمُخْذِلَ وَهُوَ مَنْ يُخَوِّفُ النَّاسُ كَأَنْ يَقُولَ: عَدُوُّنَا كَثِيرٌ وَجُنُودُنَا ضَعِيفَةٌ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، وَيَرُدَّ الْمُرْجِفَ، وَهُوَ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ كَأَنْ يَقُولَ: قُتِلَتْ سَرِيَّةُ كَذَا، وَلَحِقَ مَدَدٌ لِلْعَدُوِّ مِنْ جِهَةِ كَذَا، أَوْ لَهُمْ كَمِينٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَيَرُدَّ أَيْضًا الْخَائِنَ، وَهُوَ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَهُمْ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُخْرِجُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ فِي الْغَزَوَاتِ، وَهُوَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ ظُهُورِ التَّخْذِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَقْوِيَاءَ فِي الدِّينِ لَا يُبَالُونَ بِالتَّخْذِيلِ وَنَحْوِهِ، أَوْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَطَّلِعُ بِالْوَحْيِ عَلَى أَفْعَالِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِكَيْدِهِ، وَيَمْنَعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ حَتَّى سَلَبِ قَتِيلِهِمْ. (وَ) الِاسْتِعَانَةُ (بِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِمْ فِي الْقِتَالِ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِمَا. قَالَ: شَيْخُنَا: وَفِيمَا قَالَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَقْفَةٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ. وَلَهُ بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ لِلْإِمَامِ. قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] الْإِذْنِ (وَ) لَهُ أَيْضًا الِاسْتِعَانَةُ بِأَشْخَاصٍ (مُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ) فِي قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ كَسَقْيِ مَاءٍ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى لِمَا مَرَّ. وَيَصْحَبُ أَيْضًا النِّسَاءَ لِمِثْلِ ذَلِكَ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَأَصْنَعُ لَهُمْ الطَّعَامَ، وَأُدَاوِي لَهُمْ الْجَرْحَى، وَأَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى» . تَنْبِيهٌ: الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءُ إنْ كَانُوا أَحْرَارًا كَالْمُرَاهِقِينَ فِي اسْتِئْذَانِ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ أَرِقَّاءَ فَكَالْعَبِيدِ فِي اسْتِئْذَانِ السَّادَاتِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. أَمَّا إحْضَارُ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَصِبْيَانِهِمْ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْجَوَازَ وَقَالَ: إنَّهُ مَجْزُومٌ بِهِ فِي الْأُمِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ الْإِذْنِ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْمُرَاهِقِينَ، وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ: ابْنُ شُهْبَةَ اعْتِبَارَ إذْنِ الْأَوْلِيَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَصْلًا؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا إذْنَهُ فِي الْبَالِغِ فَفِي الْمُرَاهِقِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: فِي الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُرَاهِقِينَ تَغْرِيرٌ بِأَنْفُسِهِمْ، وَلَا أَثَرَ لِرِضَاهُمْ وَرِضَا الْأَوْلِيَاءِ بِذَلِكَ لِغَرَضِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي إتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ. أُجِيبَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ أَثَرًا ظَاهِرًا، وَهُوَ تَمَرُّنُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ. (وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِهِ) إعَانَةً لِلْغَازِي، وَلِلْإِمَامِ ثَوَابُ إعَانَتِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا» وَأَمَّا ثَوَابُ الْجِهَادِ فَلِمُبَاشِرِهِ، وَلِلْآحَادِ بَذْلُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَهُمْ ثَوَابُ إعَانَتِهِمْ، وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ كَمَا مَرَّ، وَمَحِلُّهُ فِي الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا، بَلْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَخُونُ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مَحِلُّهُ إذَا بَذَلَ ذَلِكَ، لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ لِلْبَاذِلِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْمُرْتَزِقَةُ مِنْ الْفَيْءِ، وَالْمُتَطَوِّعَةُ مِنْ الصَّدَقَاتِ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ لَهُمْ، بَلْ هُوَ مُرَتَّبُهُمْ وَجِهَادُهُمْ وَاقِعٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً عَلَى الْغَزْوِ لَمْ يَسْتَحِقُّوا أُجْرَةً لِوُقُوعِ غَزْوِهِمْ لَهُمْ، قَالَ: الْبَغَوِيّ: هَذَا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَهُمْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى حُضُورِ الْوَقْعَةِ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُحْمَلْ إطْلَاقُهُمْ عَلَيْهِ. . تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، وَذَكَرَ هَهُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ) وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ (لِلْإِمَامِ) حَيْثُ تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ وَلَوْ بِأَكْثَرِ مِنْ سَهْمٍ لِرَاجِلٍ أَوْ فَارِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ. فَأَشْبَهَ اسْتِئْجَارَ الدَّوَابِّ، وَاغْتَفَرَتْ الْجَهَالَةُ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْقِتَالُ، وَلِأَنَّ مُعَاقَدَةَ الْكُفَّارِ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي مُعَاقَدَةِ الْمُسْلِمِينَ (قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ) مِنْ الْآحَادِ كَالْأَذَانِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَا تَتَوَلَّاهَا الْآحَادُ، وَالْأَذَانُ الْأَجِيرُ فِيهِ مُسْلِمٌ، وَهَذَا كَافِرٌ لَا يُؤْتَمَنُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ وَمَحْرَمٍ أَشَدُّ. قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ صِحَّةُ اسْتِئْجَارِ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ بِأَيْ مَالٍ كَانَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُسَمًّى أَوْ أُجْرَةَ مِثْلٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ غَنِيمَةِ قِتَالِهِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا؛ لِأَنَّهُ يُحْضَرُ لِلْمَصْلَحَةِ، لَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، فَإِنْ أَسْلَمَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِمَجْهُولٍ كَأَنْ قَالَ: أُرْضِيكَ أَوْ أُعْطِيكَ مَا تَسْتَعِينُ بِهِ وَقَاتِلْ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْ كَنَظَائِرِهِ، وَإِنْ قَهَرَ الْكُفَّارَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ فَهَرَبُوا قَبْلَ وُقُوعِهِمْ فِي الصَّفِّ، أَوْ خَلَّى سَبِيلَهُمْ قَبْلَهُ فَلَهُمْ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ وَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُمْ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ حِينَئِذٍ كَيْفَ شَاءُوا وَلَا حَبْسَ وَلَا اسْتِئْجَارَ، وَإِنْ رَضُوا بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَعِدْهُمْ بِشَيْءٍ رَضَخَ لَهُمْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَتُفَارِقُ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَامِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ فِي الْقِسْمَةِ مَعَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهَا عِوَضٌ مَحْضٌ وَنَظَرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَجُعِلَتْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْغَانِمُونَ. أَمَّا إذَا خَرَجُوا بِلَا إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّبِّ عَنْ الدِّينِ بَلْ مُتَّهَمُونَ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَيْلِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أَنَهَاهُمْ عَنْ الْخُرُوجِ أَمْ لَا، بَلْ لَهُ تَعْزِيرُهُمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ إنْ رَآهُ. (وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ) لَهُ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ الشَّفَقَةَ قَدْ تَحْمِلُ عَلَى النَّدَامَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَعْفِهِ عَنْ الْجِهَادِ، وَلِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحْمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَإِنْ اقْتَضَتْ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ (وَ) قَتْلُ قَرِيبٍ (مَحْرَمٍ) لَهُ (أَشَدُّ) كَرَاهَةً؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قَتْلِ وَلَدِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَمَنَعَ أَبَا حُذَيْفَةَ مِنْ قَتْلِ أَبِيهِ يَوْمَ بَدْرٍ (قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ) أَوْ يَعْلَمَ بِطَرِيقٍ يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُهُ أَنَّهُ (يَسُبُّ اللَّهَ) تَعَالَى (أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) بِأَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بَلْ يَنْبَغِي الِاسْتِحْبَابُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ» زَادَ مُسْلِمٌ «وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَكَذَا لَا كَرَاهَةَ إذَا قَصَدَ هُوَ قَتْلَهُ فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ. (وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) وَمَنْ بِهِ رِقٌّ (وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأُلْحِقَ الْمَجْنُونُ بِالصَّبِيِّ، وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ: الْأُولَى: إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ سِوَاهُمْ فَلَهُ قَتْلُهُمْ وَأَكْلُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ. الثَّانِيَةُ: إذَا قَاتَلُوا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهَا فِي الْمُحَرَّرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 وَيَحِلُّ قَتْلُ رَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَشَيْخٍ وَأَعْمَى وَزَمِنٍ لَا قِتَالَ فِيهِمْ وَلَا رَأْيٍ فِي الْأَظْهَرِ، فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ. وَيَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَإِرْسَالُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقَ   [مغني المحتاج] الثَّالِثَةُ: حَالُ الضَّرُورَةِ عِنْدَ تَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي. الرَّابِعَةُ: إذَا كَانَتْ النِّسَاءُ مِنْ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ كَالدَّهْرِيَّةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَامْتَنَعْنَ مِنْ الْإِسْلَامِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: فَيُقْتَلْنَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. الْخَامِسَةُ: إذَا سَبَّ الْخُنْثَى أَوْ الْمَرْأَةُ الْإِسْلَامَ أَوْ الْمُسْلِمِينَ لِظُهُورِ الْفَسَادِ، وَيُقْتَلُ مُرَاهِقٌ نَبَتَ الشَّعْرُ الْخَشْنُ عَلَى عَانَتِهِ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَهُ دَلِيلُ بُلُوغِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ لَا إنْ ادَّعَى اسْتِعْجَالَهُ بِدَوَاءٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ بُلُوغًا بَلْ دَلِيلُهُ، وَحَلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلِفَ مَنْ يَدَّعِي الصِّبَا لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ فَلَا يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ. (وَيَحِلُّ قَتْلُ رَاهِبٍ وَأَجِيرٍ) وَمُحْتَرِفٍ (وَشَيْخٍ) وَلَوْ ضَعِيفًا (وَأَعْمَى وَزَمِنٍ) وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الصَّفَّ، وَ (لَا قِتَالَ فِيهِمْ وَلَا رَأْيَ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَلِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا قُتِلُوا قَطْعًا، وَالْمُرَادُ بِالرَّاهِبِ عَابِدُ النَّصَارَى، فَيَشْمَلُ الشَّيْخَ وَالشَّابَّ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: لَا رَأْيَ فِيهِمْ عَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ رَأْيٌ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ لَا قِتَالَ فِيهِمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الشَّيْخِ وَمَنْ بَعْدَهُ؛ فَإِنَّ الرَّاهِبَ وَالْأَجِيرَ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ الْقِتَالُ، وَيَجُوزُ قَتْلُ السُّوقَةِ لَا الرُّسُلِ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ، وَإِذَا جَازَ قَتْلُ الْمَذْكُورِينَ (فَيُسْتَرَقُّونَ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ) وَصِبْيَانُهُمْ وَمَجَانِينُهُمْ (وَ) تُغْنَمُ (أَمْوَالُهُمْ) وَإِذَا مَنَعْنَا قَتْلَهُمْ رَقُّوا بِنَفْسِ الْأَسْرِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى سَبْيِ النِّسَاءِ يُوهِمُ أَنَّ صِبْيَانَهُمْ وَمَجَانِينَهُمْ لَا تُسْبَى، وَهُوَ وَجْهٌ. وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَيَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ) وَالْحُصُونِ (وَالْقَلَّاعِ، وَإِرْسَالُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ، وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ) وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ هَدْمِ بُيُوتِهِمْ، وَقَطْعِ الْمَاءِ عَنْهُمْ، وَإِلْقَاءِ حَيَّاتٍ أَوْ عَقَارِبَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} [التوبة: 5] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ نَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ "، وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى كَلَامِهِ جَوَازُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَاحْتُمِلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ السَّبْيِ؛ لِأَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ، وَمَحِلُّ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ جَازَ رَمْيُهُمْ، وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ   [مغني المحتاج] غَيْرِ مَكَّةَ وَحَرَمِهَا، فَلَوْ تَحَصَّنَ بِهَا أَوْ بِمَوْضِعٍ مِنْ حَرَمِهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى طَائِفَةٌ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ. نَعَمْ يُكْرَهُ حِينَئِذٍ إذْ لَا نَأْمَنُ أَنْ نُصِيبَ مُسْلِمًا مِنْ الْجَيْشِ نَظُنُّهُ كَافِرًا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ. (وَ) يَجُوزُ (تَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ) وَهُوَ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا وَهُمْ غَافِلُونَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسُئِلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ» . تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ. قَالَ: فَلَا يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ضُمِنَ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَصْحَابُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِأَصْلِ الْقِتَالِ (فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ) أَوْ نَحْوُهُ (جَازَ ذَلِكَ) أَيْ الرَّمْيُ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ بِحَبْسِ مُسْلِمٍ عِنْدَهُمْ وَقَدْ لَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَإِنْ أُصِيبَ رُزِقَ الشَّهَادَةَ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ سَوَاءٌ اُضْطُرُّوا إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، وَمُلَخَّصُ مَا فِي الرَّوْضَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: الْمَذْهَبُ إنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً كُرِهَ تَحَرُّزًا مِنْ إهْلَاكِ الْمُسْلِمِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً كَخَوْفِ ضَرَرِهِمْ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَتْحُ الْقَلْعَةِ إلَّا بِهِ جَازَ قَطْعًا وَكَالْمُسْلِمِ الطَّائِفَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَلَوْ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ) وَخَنَاثَى (وَصِبْيَانٍ) وَمَجَانِينَ مِنْهُمْ (جَازَ) حِينَئِذٍ (رَمْيُهُمْ) إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَنَتَوَقَّى مَنْ ذُكِرَ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ الْجِهَادِ وَطَرِيقًا إلَى الظَّفَرِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّا إنْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ لِأَجْلِ التَّتَرُّسِ بِمَنْ ذُكِرَ لَا يَكُفُّونَ عَنَّا فَالِاحْتِيَاطُ لَنَا أَوْلَى مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِمَنْ ذُكِرَ (وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ) وُجُوبًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى قَتْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ جَوَازُ رَمْيِهِمْ كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُمْ، وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً إلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَمَّا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ مَكْرًا وَخَدِيعَةً لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ شَرْعَنَا يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَرْكَ حِصَارِهِمْ وَلَا الِامْتِنَاعَ مِنْ رَمْيِهِمْ وَإِنْ أَفْضَى إلَى قَتْلِ مَنْ ذُكِرَ قَطْعًا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ تَرَكْنَاهُمْ، وَإِلَّا جَازَ رَمْيُهُمْ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ الِانْصِرَافُ عَنْ الصَّفِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ   [مغني المحتاج] قَالَ: فِي الْبَحْرِ: وَشَرْطُ جَوَازِ الرَّمْيِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ التَّوَصُّلَ إلَى رِجَالِهِمْ (وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ) وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ ذِمِّيِّينَ كَذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ تَرَكْنَاهُمْ) وُجُوبًا صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ، وَفَارَقَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مَحْقُونَا الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَالنِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ حُقِنُوا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ بِأَنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ حَالَ الْتِحَامِ الْقِتَالِ بِحَيْثُ لَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ ظَفِرُوا بِنَا وَكَثُرَتْ نِكَايَتُهُمْ (جَازَ رَمْيُهُمْ) حِينَئِذٍ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ، وَنَقْصِدُ بِذَلِكَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ وَنَتَوَقَّى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلَ الذِّمَّةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ، وَيُحْتَمَلُ هَلَاكُ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ رَمْيُ الْكُفَّارِ إلَّا بِرَمْيِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنُ. تَنْبِيهٌ: إذَا رَمَى شَخْصٌ إلَيْهِمْ فَأَصَابَ مُسْلِمًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا، وَكَذَا الدِّيَةُ إنْ عَلِمَهُ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا، أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَوَقِّيه وَالرَّمْيُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَجْوِيزِ الرَّمْيِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَحَيْثُ تَجِبُ فِي الْحُرِّ دِيَةٌ تَجِبُ فِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِمَالِ مُسْلِمٍ أَوْ رَكِبَ مَرْكُوبَهُ فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الِالْتِحَامِ الدَّفْعُ إلَّا بِإِصَابَتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَإِنْ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عِنْد الضَّرُورَةِ، وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فِي نَحْوِ قَلْعَةٍ عِنْدَ مُحَاصَرَتِهَا فَلَا نَرْمِي التُّرْسَ؛ لِأَنَّا فِي غُنْيَةٍ عَنْ رَمْيِهِ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى مَنْ لَزِمَهُ الْجِهَادُ عِنْدَ الْتِقَاءِ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ (الِانْصِرَافُ عَنْ الصَّفِّ) وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ قُتِلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وَعَدَّ مِنْهَا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَخَرَجَ بِمَنْ لَزِمَهُ الْجِهَادُ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَرِيضٍ وَامْرَأَةٍ، وَبِالصَّفِّ مَا لَوْ لَقِيَ مُسْلِمٌ مُشْرِكَيْنِ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَإِنْ طَلَبَاهُ، وَكَذَا إنْ طَلَبَهُمَا فَقَطْ فَلَهُ الِانْصِرَافُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: إنْ الْأَظْهَرَ وَمُقْتَضَى نَصِّ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْصِرَافُ، هَذَا (إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا) بِأَنْ كَانُوا مِثْلَيْنَا أَوْ أَقَلَّ، قَالَ: تَعَالَى: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ: أَيْ لِيَصْبِرْ مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] إذْ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَقَعْ، بِخِلَافِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ عَلَى الضَّعْفِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ، أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالْكَافِرَ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا (إلَّا) مُنْصَرِفًا عَنْهُ (مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ) وَأَصْلُ التَّحَرُّفِ الزَّوَالُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِوَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِانْتِقَالُ مِنْ مَضِيقٍ إلَى مُتَّسَعٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْقِتَالُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ   [مغني المحتاج] أَوْ يَتَحَوَّلُ عَنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ الَّذِي يَسُفُّ التُّرَابَ عَلَى وَجْهِهِ إلَى مَوْضِعٍ وَاسِعٍ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُعْطَشٍ، فَانْتَقَلَ إلَى مَوْضِعٍ فِيهِ مَاءٌ (أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 يَسْتَنْجِدُ بِهَا، وَيَجُوزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] أَيْ طَائِفَةٍ قَرِيبَةٍ تَلِيه مِنْ الْمُسْلِمِينَ (يَسْتَنْجِدُ بِهَا) لِلْقِتَالِ يَنْضَمُّ إلَيْهَا وَيَرْجِعُ مَعَهَا مُحَارِبًا فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] وَالتَّحَيُّزُ أَصْلُهُ الْحُصُولُ فِي حَيِّزٍ وَهُوَ النَّاحِيَةُ وَالْمَكَانُ الَّذِي يَحُوزُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الذَّهَابُ بِنِيَّةِ الِانْضِمَامِ إلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَرْجِعَ مَعَهُمْ مُحَارِبًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْفِئَةِ الْمُتَحَيِّزِ إلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ لِذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ الصَّرِيحِ كَمَا لَا تَجِبُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ، فَفِي الْعَزْمِ أَوْلَى (وَيَجُوزُ) التَّحَيُّزُ (إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ، لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلِأَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ قُرْبُهَا لِيُتَصَوَّرَ الِاسْتِنْجَادَ بِهِمْ فِي هَذَا الْقِتَالِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ كَغَلَبَةِ عَقْلٍ بِلَا إثْمٍ أَوْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِلَاحٌ جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا إذَا حَضَرَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: بَلْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ الصَّفِّ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ صَحَّحَ الِانْصِرَافَ، وَإِنْ ذَهَبَ فَرَسُهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ رَاجِلًا جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ فَرَّ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ قَصْدُ التَّحَيُّزِ أَوْ التَّحَرُّفِ لِيَخْرُجَ عَنْ صُورَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى بَعِيدَةٍ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى قَرِيبَةٍ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ زَادَ عَلَى مِثْلَيْنِ جَازَ الِانْصِرَافُ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْفِرَارِ الْمُحَرَّمِ، وَإِذَا عَصَى بِالْفِرَارِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَوْبَتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِتَالِ أَوْ يَكْفِيه أَنَّهُ مَتَى عَادَ لَا يَنْهَزِمُ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. (وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى) فِئَةٍ (بَعِيدَةٍ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ) ؛ لِأَنَّ النُّصْرَةَ تَفُوتُ بِبُعْدِهِ. أَمَّا مَا غَنِمُوهُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ فَيُشَارِكُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى) فِئَةٍ (قَرِيبَةٍ) الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ نُصْرَتِهِ فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ، وَالثَّانِي لَا يُشَارِكُهُ لِمُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَالْمُتَحَرِّفُ يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَهَا نَصَّ عَلَيْهِ: أَيْ إذَا بَعُدَ، وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْعُدْ كَمَا فَصَّلَ فِي الْفِئَةِ. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى الْهَارِبُ التَّحَرُّفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ عَادَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْجَمِيعِ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا فَفِي الْمَحُوزِ بَعْدَ عَوْدِهِ فَقَطْ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ: وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ، وَالْجَاسُوسُ إذَا بَعَثَهُ الْإِمَامُ لِيَنْظُرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ، وَيَنْقُلَ أَخْبَارَهُمْ إلَيْنَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَصْلَحَتِنَا وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّبَاتِ فِي الصَّفِّ. (فَإِنْ زَادَ) عَدَدُ الْكُفَّارِ (عَلَى مِثْلَيْنِ) مِنَّا (جَازَ الِانْصِرَافُ) عَنْ الصَّفِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} [الأنفال: 66] الْآيَةَ (إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ) مِنْ الْكُفَّارِ (فِي الْأَصَحِّ) اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ لَوْ ثَبَتُوا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِالْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يُغَلِّبُ الظَّنَّ أَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَ الزِّيَادَةَ عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَيَرْجُونَ الظَّفَرَ بِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنَى يُخَصِّصُهُ أَوْ لَا، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا خُصِّصَ عُمُومُ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ الْقِتَالُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الْغَلَبَةُ دَائِرٌ مَعَ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ لَا مَعَ الْعَدَدِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي عَكْسِهِ وَهُوَ فِرَارُ مِائَةٍ مِنْ ضُعَفَائِنَا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعِينَ مِنْ أَبْطَالِهِمْ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ضُعَفَائِهِمْ، وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: تَجُوزُ الْهَزِيمَةُ مِنْ أَكْثَرِ مِنْ الْمِثْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْكُفَّارُ رَجَّالَةً، وَيَحْرُمُ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانُوا بِالْعَكْسِ، قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ: أَيْ الضُّعَفَاءِ مَعَ الْأَبْطَالِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعْنَى أَوْ بِالْعَدَدِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 وَتَجُوزُ الْمُبَارَزَةُ فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَحْسُنُ مِمَّنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ. وَيَجُوزُ إتْلَافُ بِنَائِهِمْ وَشَجَرِهِمْ   [مغني المحتاج] قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: مَا صَحَّحَهُ مِنْ إدَارَةِ الْحَالِ عَلَى الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِظَوَاهِرِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الَّتِي احْتَجَّ عَلَيْهَا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. . فَرْعٌ إذَا زَادَتْ الْكُفَّارُ عَلَى الضِّعْفِ وَرَجَى الظَّفَرَ بِأَنْ ظَنَنَّاهُ إنْ ثَبَتْنَا اُسْتُحِبَّ لَنَا الثَّبَاتُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا الْهَلَاكُ بِلَا نِكَايَةٍ وَجَبَ عَلَيْنَا الْفِرَارُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَوْ بِنِكَايَةٍ فِيهِمْ اُسْتُحِبَّ لَنَا الْفِرَارُ (وَتَجُوزُ) بِلَا نَدْبٍ وَكُرِهَ (الْمُبَارَزَةُ) وَهِيَ ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَالِ، مِنْ الْبُرُوزِ وَهُوَ الظُّهُورُ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَابْنَ عَفْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ إلَيْهِ) أَيْ لِمُبَارَزَتِهِ لِمَا فِي التَّرْكِ مِنْ الضَّعْفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالتَّقْوِيَةِ لِلْكَافِرِينَ (وَإِنَّمَا تَحْسُنُ) أَيْ تُنْدَبُ الْمُبَارَزَةُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا (مِمَّنْ) أَيْ شَخْصٍ (جَرَّبَ نَفْسَهُ) بِأَنْ عَرَفَ مِنْهَا الْقُوَّةَ وَالْجَرَاءَةَ، وَإِلَّا فَتُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاءٍ وَإِجَابَةً (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي كَوْنُهَا (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الْأَبْطَالِ. فَإِنْ بَارَزَ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لَنَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا وَلَا مَدْيُونًا مَأْذُونًا لَهُمْ فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ فِي الْبِرَازِ، وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمْ. تَنْبِيهٌ لَوْ تَبَارَزَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعِينَ الْمُسْلِمُونَ الْمُسْلِمَ وَلَا الْكَافِرُونَ الْكَافِرَ إلَى انْقِضَاءِ الْقِتَالِ أَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِعَانَةِ عَادَةً فَقَتَلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ أَوْ وَلَّى أَحَدُهُمَا مُنْهَزِمًا أَوْ أُثْخِنَ الْكَافِرُ جَازَ لَنَا قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ كَانَ إلَى انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَدْ انْقَضَى، وَإِنْ شُرِطَ أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِلْمُثْخَنِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ شُرِطَ الْأَمَانُ إلَى دُخُولِهِ الصَّفَّ وَجَبَ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ فَرَّ الْمُسْلِمُ عَنْهُ فَتَبِعَهُ لِيَقْتُلَهُ أَوْ أَثْخَنَهُ الْكَافِرُ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَتْلِهِ. وَقَتَلْنَا الْكَافِرَ، وَإِنْ خَالَفْنَا شَرْطَ تَمْكِينِهِ مِنْ إثْخَانِهِ لِنَقْضِهِ الْأَمَانَ فِي الْأُولَى، وَانْقِضَاءِ الْقِتَالِ فِي الثَّانِيَةِ. فَإِنْ شُرِطَ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْ قَتْلِهِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَهَلْ يَفْسُدُ أَصْلُ الْأَمَانِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ. فَإِنْ أَعَانَهُ أَصْحَابُهُ قَتَلْنَاهُمْ وَقَتَلْنَاهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الْإِعَانَةِ وَلَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ مُطْلَقًا، وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ إلَى بِلَادِنَا، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَنْكَرَ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَالَ: لَمْ يَفْعَلْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَمَا رُوِيَ مِنْ حَمْلِ رَأْسِ أَبِي جَهْلٍ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي ثُبُوتِهِ، وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا حُمِلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ، لَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ لِيَنْظُرَ النَّاسَ إلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ نِكَايَةٌ لِلْكُفَّارِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَهُ: الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيّ، وَإِنْ قَالَ: الرَّافِعِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ. (وَيَجُوزُ) لَنَا (إتْلَافُ بِنَائِهِمْ) بِالتَّخْرِيبِ (وَشَجَرِهِمْ) بِالْقَطْعِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ حُصُولُهَا لَنَا، فَإِنْ رُجِيَ نُدِبَ التَّرْكُ. وَيَحْرُمُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ إلَّا مَا يُقَاتِلُونَا عَلَيْهِ لِدَفْعِهِمْ أَوْ ظَفْرٍ بِهِمْ أَوْ غَنِمْنَاهُ وَخِفْنَا رُجُوعَهُ إلَيْهِمْ وَضَرَرَهُ.   [مغني المحتاج] (لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5] وَسَبَبُ نُزُولِهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ. فَقَالَ: وَاحِدٌ مِنْ الْحِصْنِ إنَّ هَذَا لَفَسَادٌ يَا مُحَمَّدُ، وَإِنَّكَ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ فَنَزَلَتْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَإِنْ تَوَقَّفَ الظَّفَرُ عَلَى إتْلَافِ ذَلِكَ وَجَبَ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا) يَجُوزُ إتْلَافُهُ (إنْ لَمْ يُرْجَ) أَيْ يُظَنُّ (لَهَا) أَيْ الْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ (لَنَا) مُغَايَظَةً لَهُمْ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ قَالَ: تَعَالَى: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120] الْآيَةَ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الحشر: 2] (فَإِنْ رُجِيَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ حُصُولُهَا لَنَا (نُدِبَ التَّرْكُ) وَكُرِهَ الْإِتْلَافُ حِفْظًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ شَيْئًا فَيَظْهَرُ خِلَافُهُ. أَمَّا إذَا غَنِمْنَاهَا بِأَنْ فَتَحْنَا دَارَهُمْ قَهْرًا وَصُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَنَا أَوْ لَهُمْ أَوْ غَنِمْنَا أَمْوَالَهُمْ وَانْصَرَفْنَا فَيَحْرُمُ إتْلَافُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ غَنِيمَةً لَنَا. (وَيَحْرُمُ إتْلَافُ الْحَيَوَانِ) الْمُحْتَرَمِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إلَّا لِأَكْلِهِ، وَخَالَفَ الْأَشْجَارَ؛ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَتَيْنِ: حَقُّ مَالِكِهِ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا سَقَطَتْ حُرْمَةُ الْمَالِكِ لِكُفْرِهِ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْخَالِقِ فِي بَقَائِهِ، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ مَالِكُ الْحَيَوَانِ مِنْ إجَاعَتِهِ وَعَطَشِهِ بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ (إلَّا) حَيَوَانًا مَأْكُولًا فَيُذْبَحُ لِلْأَكْلِ خَاصَّةً لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ الْمَارِّ، أَوْ (مَا يُقَاتِلُونَا عَلَيْهِ) أَوْ خِفْنَا أَنْ يَرْكَبُوهُ لِلْغَدْرِ كَالْخَيْلِ فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ (لِدَفْعِهِمْ أَوْ ظَفَرٍ بِهِمْ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْآلَةِ لِلْقِتَالِ، وَإِذَا جَازَ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ عِنْدَ التَّتَرُّسِ بِهِمْ فَالْخَيْلُ أَوْلَى، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي السِّيَرِ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (أَوْ) إلَّا إذَا (غَنِمْنَاهُ وَخِفْنَا رُجُوعَهُ إلَيْهِمْ وَضَرَرَهُ) لَنَا فَيَجُوزُ إتْلَافُهُ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ وَمُغَايَظَةً لَهُمْ. أَمَّا إذَا خِفْنَا الِاسْتِرْدَادَ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ عَقْرُهَا وَإِتْلَافُهَا، بَلْ تُذْبَحُ لِلْأَكْلِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَنَحْوِهِمَا مِنَّا لَمْ يُقْتَلُوا لِتَأْكِيدِ احْتِرَامِهِمْ. تَتِمَّةٌ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ كُتُبِهِمْ الْكُفْرِيَّةِ وَالْمُبَدَّلَةِ وَالْهَجْرِيَّةِ وَالْفَحْشِيَّةِ لَا التَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَكُتُبِ الشِّعْرِ وَالطِّبِّ وَاللُّغَةِ يُمْحَى بِالْغَسْلِ إنْ أَمْكَنَ مَعَ بَقَاءِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَإِلَّا مُزِّقَ، وَإِنَّمَا نُقِرُّهُ بِأَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَنُدْخِلُ الْمَغْسُولَ وَالْمُمَزَّقَ فِي الْغَنِيمَةِ، وَخَرَجَ بِتَمْزِيقِهِ تَحْرِيقُهُ فَهُوَ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لِلْمُمَزَّقِ قِيمَةً وَإِنْ قَلَّتْ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَمَعَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا بِأَيْدِي النَّاسِ وَأَحْرَقَهُ أَوْ أَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِانْتِشَارِ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهَا هُنَا. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْخُمُورِ فَيَجُوزُ إتْلَافُهَا، لَا أَوَانِي الْخُمُورِ الثَّمِينَةِ، فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهَا، بَلْ تُحْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمِينَةً بِأَنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا عَلَى مُؤْنَةِ حَمْلِهَا أُتْلِفَتْ، هَذَا إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 [فَصْلٌ] نِسَاءُ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانُهُمْ إذَا أُسِرُوا رَقُّوا، وَكَذَا الْعَبِيدُ. وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ، وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ، لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ بِأَسْرَى أَوْ مَالٍ وَاسْتِرْقَاقٍ،   [مغني المحتاج] فِيهَا، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِ وَلَا تُتْلَفَ، وَإِنْ كَانَ الْخِنْزِيرُ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَجَبَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. قَالَ: فِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ. قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: بَلْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ تُرَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَدُوٌّ. [فَصْل فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ] [فَصْلٌ] فِي حُكْمِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (نِسَاءُ الْكُفَّارِ) أَيْ النِّسَاءِ الْكَافِرَاتُ وَالْخَنَاثَى (وَصِبْيَانُهُمْ) وَمَجَانِينُهُمْ (إذَا أُسِرُوا رَقُّوا) بِفَتْحِ الرَّاءِ: أَيْ صَارُوا أَرِقَّاءَ بِنَفْسِ الْأَسْرِ، فَالْخُمْسُ مِنْهُمْ لِأَهْلِ الْخُمْسِ، وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ،؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَسِّمُ السَّبْيَ كَمَا يُقَسِّمُ الْمَالَ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبْيِ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ تَنْبِيهٌ: مَنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ، الْعِبْرَةُ فِيهِ بِحَالِ الْأَسْرِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِمَامُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ (وَكَذَا الْعَبِيدُ) لِلْكُفَّارِ، وَلَوْ كَانُوا مُرْتَدِّينَ أَوْ مُسْلِمِينَ صَارُوا أَرِقَّاءَ لَنَا. تَنْبِيهٌ: عَطْفُ الْعَبِيدِ هُنَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَرِقُّ، فَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُ لَا تَجْدِيدُهُ، وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُونَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُقْتَلُ مَنْ ذُكِرَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا. فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ لَشَرِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ لِلْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. (وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (فِي) أَسْرَى الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ (الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ) وَهُمْ الذُّكُورُ الْبَالِغُونَ الْعَاقِلُونَ (وَيَفْعَلُ) فِيهِمْ وُجُوبًا بَعْدَ أَسْرِهِمْ (الْأَحَظَّ) لِلْإِسْلَامِ كَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ، وَالْأَحَظَّ (لِلْمُسْلِمِينَ) مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ مَذْكُورَةٍ فِي قَوْلِهِ (مِنْ قَتْلٍ) بِضَرْبِ رَقَبَةٍ لَا بِتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ (وَمَنٍّ) عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ (وَفِدَاءٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ مَعَ الْمَدِّ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْقَصْرِ (بِأَسْرَى) مُسْلِمِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ رِجَالٌ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (أَوْ مَالٍ) يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِنَا فِي أَيْدِيهمْ (وَاسْتِرْقَاقٍ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ: تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَقَالَ: تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] وَقَالَ: تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [محمد: 4] أَيْ بِالِاسْتِرْقَاقِ تَنْبِيهٌ: شَمَلَ إطْلَاقُهُ الِاسْتِرْقَاقَ اسْتِرْقَاقَ كُلِّ شَخْصٍ، وَكَذَا بَعْضُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: بِنَاءً عَلَى تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِي وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَإِذَا مَنَعْنَا اسْتِرْقَاقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 فَإِنْ خَفِيَ الْأَحَظُّ حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ. وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ وَكَذَا عَرَبِيٌّ فِي قَوْلٍ. وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ عَصَمَ دَمَهُ وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي،   [مغني المحتاج] بَعْضِهِ فَخَالَفَ رِقَّ كُلِّهِ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ لَنَا صُورَةٌ يَسْرِي فِيهَا الرِّقُّ كَمَا يَسْرِي فِيهَا الْعِتْقُ (فَإِنْ خَفِيَ) عَلَى الْإِمَامِ (الْأَحَظُّ) السَّابِقُ (حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ) لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ لَا إلَى التَّشَهِّي فَيُؤَخَّرُ لِظُهُورِ الصَّوَابِ. لَوْ بَذَلَ الْأَسِيرُ الْجِزْيَةَ فَفِي قَبُولِهَا وَجْهَانِ. قَالَ: صَاحِبُ الْبَيَانِ: الَّذِي يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَالٌ أَوْ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَأَنْ يَجُوزَ بِمَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْلَى. قَالَ: فِي الشَّامِلِ: إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ حَرُمَ قَتْلُهُ وَتَخَيَّرَ الْإِمَامُ فِيمَا عَدَا الْقَتْلَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ. ثُمَّ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّخْيِيرِ هُوَ فِيمَنْ لَهُ كِتَابٌ. أَمَّا غَيْرُهُ فَأَشَارَ إلَى خِلَافٍ فِي اسْتِرْقَاقِهِ بِقَوْلِهِ (وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ) كَمَا لَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ بِالْجِزْيَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يُمَنَّ عَلَيْهِ وَيُفَادَى جَازَ أَنْ يُسْتَرَقَّ كَالْكِتَابِيِّ (وَكَذَا عَرَبِيٌّ) لَا يَجُوزُ أَيْضًا اسْتِرْقَاقُهُ (فِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ، وَقَدْ سَبَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَقَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ، وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ الرِّقَّ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَا تُرَدُّ أَسْلِحَتُهُمْ الَّتِي بِأَيْدِينَا عَلَيْهِمْ بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لَنَا: كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نَبِيعَهُمْ السِّلَاحَ وَنَرُدَّهَا لَهُمْ بِأُسَارَى مِنَّا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِمْ وَلِأَنَّ مَا نَأْخُذُهُ خَيْرٌ مِمَّا نَبْذُلُهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يُمْنَعُ كَمَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِمَالٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْكُفَّارَ الْأَصْلِيِّينَ الْمُرْتَدُّونَ فَيُطَالِبُهُمْ الْإِمَامُ بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا فَالسَّيْفُ. فَرْعٌ: مَنْ اسْتَبَدَّ بِقَتْلِ أَسِيرٍ، إنْ كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْإِمَامِ بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ أَرَقَّهُ الْإِمَامُ ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ بِقِيمَتِهِ وَيَكُونُ غَنِيمَةً، وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي مَأْمَنِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ هُدِرَ دَمُهُ، وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْإِمَامِ فِدَاءَهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِطْلَاقِهِ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَسْرِهِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ) مُكَلَّفٌ لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ مَنًّا وَلَا فِدَاءً (عَصَمَ) الْإِسْلَامُ (دَمَهُ) فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» وَقَوْلُهُ: وَأَمْوَالَهُمْ " مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " إلَّا بِحَقِّهَا ". وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ (وَبَقِيَ) فِيهِ (الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي) مِنْ خِصَالِ التَّخْيِيرِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ الْمَنُّ وَالْإِرْقَاقُ وَالْفِدَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ إذَا سَقَطَ بَعْضُهَا لِتَعَذُّرِهِ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي كَالْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ إذَا كَانَ عَزِيزًا فِي قَوْمِهِ، أَوْ لَهُ فِيهِمْ عَشِيرَةٌ وَلَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ وَإِسْلَامُ كَافِرٍ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ، يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ وَصِغَارَ وَلَدِهِ لَا زَوْجَتَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ اسْتَرَقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا اُنْتُظِرَتْ الْعِدَّةَ فَلَعَلَّهَا تَعْتِقُ فِيهَا. وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ، وَكَذَا عَتِيقُهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] دِينِهِ وَلَا نَفْسِهِ. أَمَّا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ قَبْلَ إسْلَامِهِ الْمَنَّ أَوْ الْفِدَاءَ انْتَهَى التَّخْيِيرُ وَتَعَيَّنَ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ (وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ) بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ كَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الصِّبْيَانَ وَالنِّسَاءَ لَمْ يَكُنْ مُخَيَّرًا فِيهِمْ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ (وَإِسْلَامُ كَافِرٍ) مُكَلَّفٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ (قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ) وَهُوَ أَسْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ قَبْلَ أَسْرِهِ وَالظَّفَرِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ (وَ) يَعْصِمُ (صِغَارَ وَلَدِهِ) الْأَحْرَارِ عَنْ السَّبْيِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْحَدُّ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لِمَا مَرَّ، وَوَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ الْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ، وَلَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَيَعْصِمُ الْحَمْلَ تَبَعًا لَهُ، لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يُبْطِلُ إسْلَامُهُ رِقَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. أَمَّا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يَعْصِمُهُ إسْلَامُ الْأَبِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْإِسْلَامِ. وَ (لَا) يَعْصِمُ إسْلَامُ الزَّوْجِ (زَوْجَتَهُ) عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِاسْتِقْلَالِهَا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ لَا تَسْتَرِقُّ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِحَالٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ مَنَعَ إرْقَاقَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ فَكَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُ الشَّخْصِ بِهِ لَا يَحْصُلُ فِيهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، وَالْبَالِغَةُ تَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ (فَإِنْ اسْتَرَقَّتْ) أَيْ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ زَوْجَةَ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الظَّفَرِ أَنَّهَا تَرِقُّ (انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ) أَيْ حَالِ السَّبْيِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِامْتِنَاعِ إمْسَاكِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لِلنِّكَاحِ كَمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءً نِكَاحُهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهَا زَوْجٌ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) اسْتِرْقَاقُهَا (بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا اُنْتُظِرَتْ الْعِدَّةَ فَلَعَلَّهَا تَعْتِقُ فِيهَا) فَيَدُومُ النِّكَاحُ كَالرِّدَّةِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الرِّقِّ يَقْطَعُ النِّكَاحَ فَأَشْبَهَ الرَّضَاعَ. (وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ) إذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً: أَيْ تَرِقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَيَنْقَطِعُ بِهِ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلَهَا الْعَقْدُ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلُهَا، أَوْ يُحْمَلُ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ (وَكَذَا عَتِيقُهُ) الْحَرْبِيُّ يَجُوزُ إرْقَاقُهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اسْتَرَقَّ فَعَتِيقُهُ أَوْلَى. وَالثَّانِي الْمَنْعُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 لَا عَتِيقَ مُسْلِمٍ وَزَوْجَتُهُ الْحَرْبِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ إنْ كَانَا حُرَّيْنِ قِيلَ أَوْ رَقِيقَيْنِ. وَإِذَا أُرِقَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْقُطْ   [مغني المحتاج] لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الْوَلَاءِ. (لَا عَتِيقَ مُسْلِمٍ) الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَسْتَرِقُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا حَالَ الْعِتْقِ أَمْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِ الْعَتِيقِ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا الْفَرْعِ: أَيْ وَهُوَ مَا إذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ اسْتِرْقَاقَهُ، إذْ يَصْدُقُ أَنَّهُ لَيْسَ عِتْقَ مُسْلِمٍ. (وَ) لَا (زَوْجَتُهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ (الْحَرْبِيَّةُ) فَلَا تَسْتَرِقُّ إذَا سُبِيَتْ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ الْجَوَازَ فَإِنَّهُمَا سَوِيًّا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الْأَصْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الْإِسْلَامِ الطَّارِئِ. قَالَ: ابْنُ كَجٍّ: وَلَوْ تَزَوَّجَ بِذِمِّيَّةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ الْتَحَقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا تَسْتَرِقُّ قَوْلًا وَاحِدًا (وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ) مَعًا (أَوْ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) بَيْنَهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ بَعْدَهُ (إنْ كَانَا حُرَّيْنِ) لَمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُمْ لَمَّا امْتَنَعُوا يَوْمَ أَوْطَاسٍ مِنْ وَطْءِ السَّبَايَا؛ لِأَنَّ لَهُنَّ أَزَوْجًا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أَيْ الْمُتَزَوِّجَاتُ {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] فَحَرَّمَ الْمُتَزَوِّجَاتِ إلَّا الْمَمْلُوكَاتِ بِالسَّبْيِ، فَدَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، وَإِلَّا لَمَا حَلَلْنَ، وَلِعُمُومِ خَبَرِ «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» إذَا لَمْ يُفَرِّقْ فِيهِ بَيْنَ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ إذَا حَدَثَ زَالَ مِلْكُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَلَأَنْ تَزُولَ الْعِصْمَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ أَوْلَى. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَحِلُّ الِانْفِسَاخِ فِي سَبْيِ الزَّوْجِ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَامِلًا، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ، فَإِنْ اخْتَارَ فِدَاءَهُ أَوْ الْمَنَّ عَلَيْهِ اسْتَمَرَّتْ الزَّوْجِيَّةُ، وَمَحِلُّهُ فِي سَبْيِ الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ تُسْبَى أَوْ لَا؟ ثَانِيهمَا: التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِمَا حُرَّيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِانْفِسَاخِ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخِرُ رَقِيقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً وَهُوَ رَقِيقٌ وَسُبِيَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَهُ انْفَسَخَ أَيْضًا، وَالْحُكْمُ فِي عَكْسِهِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ مُكَلَّفًا وَأَرَقَّهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي انْفِسَاخِ النِّكَاحِ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَزَوْجَتُهُ كَذَلِكَ (قِيلَ: أَوْ رَقِيقَيْنِ) فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لِحُدُوثِ السَّبْيِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إذْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ مَالِكٍ إلَى آخَرَ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَالْخِلَافُ جَارٍ سَوَاءٌ أَسْلَمَا أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فَاسْتَرَقَّ أَوْ دَارِهِ فَغَنِمَتْ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا تَامًّا مَضْمُونَةً بِالْيَدِ كَأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ، وَكَمَا لَا تُغْنَمُ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ لَا تُغْنَمُ الْمَنَافِعُ الْمَمْلُوكَةُ لَهُ، بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ وَلَا تُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا، وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ. (وَإِذَا أُرِقَّ) حَرْبِيٌّ (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ (لَمْ يَسْقُطْ) ؛ لِأَنَّ شَغْلَ الذِّمَّةِ قَدْ حَصَلَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ. أَمَّا إذَا كَانَ لِحَرْبِيٍّ فَيَسْقُطُ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ. وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا جِزْيَةً دَامَ الْحَقُّ. وَلَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ فَأَسْلَمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. فَصَلِّ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَهْرًا غَنِيمَةٌ، وَكَذَا مَا   [مغني المحتاج] دَيْنُ غَيْرِ الْحَرْبِيِّ (فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ) حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ (إنْ غَنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ) وَلَوْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالرِّقِّ كَمَا أَنَّ دَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ وَإِنْ حُكِمَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّ دَيْنَهُ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَعْتِقَ وَيُوسِرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ إرْقَاقِهِ مَا إذَا غَنِمَ قَبْلَهُ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوهُ، وَكَذَا مَا غَنِمَ مَعَ اسْتِرْقَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَالِ وَحَقَّ صَاحِبِ الدَّيْنِ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِالذِّمَّةِ، وَهَلْ يَحِلُّ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ بِالرِّقِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَوْتَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُزِيلُ الْمِلْكَ وَيَقْطَعُ النِّكَاحَ. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْحَرْبِيِّ لِلسَّابِي قَالَ: الشَّيْخَانِ: فَفِي سُقُوطِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى عَبْدِ غَيْرِهِ فَمَلَكَهُ: أَيْ فَيَسْقُطُ، وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَأَمَّا الْخُمْسُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْقِطَ مَا يُقَابِلُهُ قَطْعًا، وَلِهَذَا عَدَلَ ابْنُ الْمُقْرِي عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَقَالَ: فَلَوْ مَلَكَهُ الْغَرِيمُ سَقَطَ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُهُ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِحَرْبِيٍّ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ فَرَّقَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ لَمْ يَسْقُطْ بَلْ يُوقَفُ فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ، وَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَفَيْءٌ. (وَلَوْ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ) مَالًا (أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ) شَيْئًا بِمَالٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (أَوْ) لَمْ يُسْلِمَا. بَلْ (قَبِلَا جِزْيَةً) أَوْ حَصَل لَهُمَا أَمَانٌ، أَوْ حَصَلَ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا وَغَيْرُهُ لِلْآخَرِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (دَامَ الْحَقُّ) فِي ذَلِكَ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ، وَخَرَجَ بِالْمَالِ نَحْو الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِمَّا لَا يَصِحُّ طَلَبُهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ قَبِلَ جِزْيَةً دُونَ الْآخَرِ لَا يَدُومُ الْحَقُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِي إسْلَامِ صَاحِبِ الدَّيْنِ قَطْعًا وَفِي إسْلَامِ الْمَدْيُونِ فِي الْأَظْهَرِ. (وَ) الْحَرْبِيُّ (لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ حَرْبِيٌّ) آخَرُ شَيْئًا أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ (فَأَسْلَمَا) أَوْ أَسْلَمَ الْمُتْلِفُ أَوْ الْغَاصِبُ أَوْ قَبِلَا الْجِزْيَةَ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا، وَالْإِتْلَافُ لَيْسَ عَقْدًا يُسْتَدَامُ وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَهَرَ حَرْبِيًّا عَلَى مَالٍ مَلَكَهُ، وَالْإِتْلَافُ نَوْعٌ مِنْ الْقَهْرِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ، وَالثَّانِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ عِنْدَهُمْ. [فَصَلِّ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ] ثُمَّ شَرَعَ فِي حُكْمِ أَمْوَالِ الْحَرْبِيِّينَ، فَقَالَ: (وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَهْرًا) عَلَيْهِمْ حَتَّى سَلَّمُوهُ أَوْ تَرَكُوهُ وَانْهَزَمُوا (غَنِيمَةٌ) لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِ قَسْمِهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: الْمَالُ الَّذِي أَخَذْنَاهُ لِيُخْرِجَ مَا أَخَذَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ بِغَنِيمَةٍ، وَإِنَّمَا أَعَادَ ذَلِكَ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَكَذَا مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارٍ الْحَرْبِ بِسَرِقَةٍ، أَوْ وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ. وَلِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ بِأَخْذِ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ وَلَحْمٍ وَشَحْمٍ وَكُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا،   [مغني المحتاج] أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارٍ الْحَرْبِ بِسَرِقَةٍ) أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا بِأَمَانٍ (أَوْ) لَمْ يُؤْخَذْ سَرِقَةً، بَلْ كَانَ هُنَاكَ مَالٌ ضَائِعٍ (وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ) فَأَخَذَهُ شَخْصٌ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ لِلْكُفَّارِ فَإِنَّهُ فِي الْقِسْمَيْنِ غَنِيمَةٌ (عَلَى الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ دَارَ الْحَرْبِ وَتَغْرِيرَهُ بِنَفْسِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْقِتَالِ، وَالثَّانِي هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ خَاصَّةً، وَادَّعَى الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ سَبَبُ الْوُصُولِ إلَى اللُّقَطَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ هُرُوبَهُمْ خَوْفًا مِنَّا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَإِنَّهَا فَيْءٌ قَطْعًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بِقِتَالِنَا لَهُمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ قَطْعًا. ثُمَّ مَا سَبَقَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ، (فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ) أَيْ الْمُلْتَقَطِ (لِمُسْلِمٍ) بِأَنْ كَانَ ثَمَّ مُسْلِمٌ (وَجَبَ تَعْرِيفُهُ) فَإِذَا عَرَّفَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ يَكُونُ غَنِيمَةً. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَحِّحْ الشَّيْخَانِ شَيْئًا فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، بَلْ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ: يَكْفِي بُلُوغُ التَّعْرِيفِ إلَى الْأَجْنَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ سِوَاهُمْ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى احْتِمَالِ مُرُورِ التُّجَّارِ، وَعَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ يُعَرِّفُهُ سَنَةً. اهـ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي التَّرْجِيحِ، فَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَاعِدَةِ اللُّقَطَةِ، فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ سَنَةً فِي غَيْرِ الْحَقِيرِ. وَقَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: يُشْبِهُ حَمْلَ الْأَوَّلِ: أَيْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى الْخَسِيسِ، وَقَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ لُقَطَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي التَّعْرِيفِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ: (وَلِلْغَانِمِينَ) مِمَّنْ يُسْهِمُ لَهُمْ أَوْ يَرْضَخُ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ) قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (بِأَخْذِ الْقُوتِ) مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ لَا التَّمْلِيكِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْآخِذُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَوَقَعَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَلَا يُصْرَفُ لِغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: نَبَّهَ بِالْقُوتِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ، كَسِلَاحٍ وَدَابَّةٍ وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْمَلْبُوسِ لِبَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَلْبَسَهُ الْإِمَامُ لَهُ، إمَّا بِالْأُجْرَةِ مُدَّةَ الْحَاجَةِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ، أَوْ يَحْسِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ، (وَ) لِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا بِأَخْذِ (مَا يَصْلُحُ بِهِ) الْقُوتُ، كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَمِلْحٍ (وَلَحْمٍ) لَا لِكِلَابٍ وَبَازَاتٍ (وَشَحْمٍ) لَا لِدَهْنِ الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَكْلِ، فَلَوْ قَالَ: كَلَحْمٍ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِثَالًا لِمَا يَصْلُحُ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَ) لَهُمْ التَّبَسُّطُ أَيْضًا بِأَخْذِ (كُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ) لِلْآدَمِيِّ (عُمُومًا) أَيْ عَلَى الْعُمُومِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ» . وَالْمَعْنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 وَعَلَفُ الدَّوَابِّ تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا، وَذَبْحُ مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْفَاكِهَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ.   [مغني المحتاج] فِيهِ عِزَّتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا، فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ، وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فِيهِ بِالسَّفَرِ فِي الرُّخْصِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى مَحِلٍّ لَا يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: عُمُومًا عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ نَادِرًا: كَالسُّكَّرِ وَالْفَانِيدِ وَالْأَدْوِيَةِ، فَلَا يَلْحَقُ بِالْأَطْعِمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ احْتَاجَ مَرِيضٌ مِنْهُمْ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَعْطَاهُ لَهُ الْإِمَامُ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَحْسِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ شَخْصٌ مِنْهُمْ إلَى الْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ بَعْدَ زَوَالِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِعْمَالٌ، وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى الْمَرْكُوبِ فِي الْقِتَالِ فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أَجْرٍ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا كَالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ. (وَ) لَهُمْ (عَلَفُ الدَّوَابِّ) الَّتِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي الْحَرْبِ، كَفَرَسِهِ وَدَابَّةٍ تَحْمِلُ سِلَاحَهُ وَلَوْ كَانَتْ عِدَدُ الْوَاحِدِ (تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا) كَفُولٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَمَسُّ إلَيْهِ كَمُؤْنَةِ نَفْسِهِ. أَمَّا مَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ لِلزِّينَةِ أَوْ لِلْفُرْجَةِ كَفُهُودٍ وَنُمُورٍ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَفُهَا مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: الْعَلَفُ هُنَا بِفَتْحِ اللَّامِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا تَأْكُلُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سَاكِنَةً، وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ مِنْ الْغَنِيمَةِ (وَ) لَهُمْ (ذَبْحُ) حَيَوَانٍ (مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ عَادَةً، فَهُوَ كَاللَّحْمِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ رَدُّ جِلْدِهِ إلَى الْمَغْنَمِ إلَّا مَا يُؤْكَلُ مَعَ اللَّحْمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الْجِلْدِ سِقَاءً وَلَا خُفًّا وَلَا غَيْرَهُمَا، فَإِنْ فَعَلَ وَجَبَ رَدُّ الْمَصْنُوعِ كَذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ إنْ نَقَصَتْ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُور (جَوَازُ) أَكْلِ (الْفَاكِهَةِ) رَطْبِهَا وَيَابِسِهَا لِلْخَبَرِ الْمَارِّ فِي الْعِنَبِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. قَالَ: الْإِمَامُ: وَالْحَلْوَاءُ، كَالْفَاكِهَةِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ الْمَذْبُوحِ) لِأَجْلِ أَكْلِ لَحْمِهِ كَمَا لَا يَجِبُ قِيمَةُ الطَّعَامِ الْمَأْخُوذِ، وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ التَّرَخُّصَ وَرَدَ فِي الطَّعَامِ، وَالْحَيَوَانُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، وَالصَّحِيحُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ فِيهِمَا (أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمُحْتَاجِ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ) بِلَامٍ مَفْتُوحَةٍ، بَلْ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَالثَّانِي يَخْتَصُّ بِالْمُحْتَاجِ لِاسْتِغْنَاءِ غَيْرِهِ عَنْ أَخْذِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَلَّ الطَّعَامُ وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، نَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَّ الْإِمَامَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَيَقْسِمُهُ عَلَى ذَوِي الْحَاجَاتِ. قَالَ: الْبَغَوِيّ: وَلَهُمْ التَّزَوُّدُ لِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَيْنَ أَيْدِيهمْ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يَجُوزُ التَّبَسُّطُ وَالتَّزَوُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَمَنْ أَكَلَ فَوْقَ حَاجَتِهِ لَزِمَهُ بَدَلُهُ. قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْحِيَازَةِ، وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ. وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ، وَكَذَا مَا لَمْ يَصِلْ عُمْرَانِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: بِهِ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَ) الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ) أَيْ التَّبَسُّطُ الْمَذْكُورُ (لِمَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْحَرْبِ، وَ) بَعْدَ (الْحِيَازَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مَعَ الضَّيْفِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لِمَظِنَّةِ الْحَاجَةِ وَعِزَّةِ الطَّعَامِ هُنَاكَ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ تُفْهِمُ جَوَازَ التَّبَسُّطِ فِيمَا إذَا لَحِقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ لِغَيْرِ شَاهِدِ الْوَقْعَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَرْعٌ: لَوْ ضَيَّفَ بِمَا فَوْقَ حَاجَتِهِ الْغَانِمِينَ جَازَ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُمْ، فَإِنْ ضَيَّفَ بِهِ غَيْرَهُمْ: فَكَغَاصِبٍ ضَيَّفَ غَيْرَهُ بِمَا غَصَبَهُ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَيَلْزَمُ الْآكِلَ ضَمَانُهُ، وَيَكُونُ الْمُضِيفُ لَهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ (وَ) الصَّحِيحُ وَجَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هَذَا الْخِلَافَ أَقْوَالًا (أَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) أَوْ دَارِ يَسْكُنُهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ الْعَهْدِ، وَهِيَ فِي قَبْضَتِنَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (وَمَعَهُ بَقِيَّة) مِمَّا تُبْسَطُ بِهِ (لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَغْنَمِ) أَيْ الْغَنِيمَةِ لِزَوَالِ الْحَاجَةِ، وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مُبَاحٌ، وَالْأَوَّلُ قَالَ: بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الرَّدِّ إلَى الْمَغْنَمِ مَا لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنِيمَةُ، فَإِنْ قُسِّمَتْ رَدَّ إلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ إنْ كَثُرَ قُسِّمَ، وَإِلَّا جُعِلَ فِي سَهْمِ الْمَصَالِحِ قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ إخْرَاجَ الْخُمْسِ مِنْهُ مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ. (وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْعِزَّةِ (وَكَذَا) مَحِلُّ الرُّجُوعِ (مَا لَمْ يَصِلْ) إلَى (عُمْرَانِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ وَصَلَهُ انْتَهَى التَّبَسُّطُ لِزَوَالِهَا. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ دَارُ الْحَرْبِ، وَقَدْ خَرَجُوا عَنْهَا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِعِمْرَانِ الْإِسْلَامِ مَا يَجِدُونَ فِيهِ حَاجَتَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَلَوْ لَمْ يَجِدُوا فِيهَا ذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ التَّبَسُّطِ فِي الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى، وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَد أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِنَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُضَافَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ فِي قَبْضَتِنَا بِمَثَابَتِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ، نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ. فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ الْقِتَالُ فِي دَارِنَا فِي مَوْضِعِ يَعِزُّ الطَّعَامُ وَلَا يَجِدُونَهُ بِشِرَاءٍ جَازَ لَهُمْ التَّبَسُّطُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِيمَا تُزَوِّدُوهُ مِنْ الْمَغْنَمِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُمْ، فَلَوْ أَقْرَضَ مِنْهُ غَانِمٌ غَانِمًا آخَرَ كَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ رَدَّهُ مِنْ الْمَغْنَمِ صَارَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 وَلِغَانِمٍ رَشِيدٍ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسِ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ،   [مغني المحتاج] وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهِ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ، إذْ لَيْسَ ذَلِكَ قَرْضًا مُحَقِّقًا؛ لِأَنَّ الْآخِذُ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حَتَّى يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَأْخُذهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ، وَإِنْ فَرَغَ الطَّعَامُ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ أَوْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْإِمَامِ لِانْقِطَاعِ حُقُوقِ الْغَانِمِينَ عَنْ أَطْعِمَةِ الْمَغْنَمِ، فَإِنْ بَقِيَ غَيْرُ الْمُقْتَرَضِ رَدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ، وَلَوْ تَبَايَعَ غَانِمَانِ مَا أَخَذَاهُ صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَيْنِ لُقْمَةً بِلُقْمَةٍ أَوْ بِلُقْمَتَيْنِ، فَلَا يَكُونُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُحَقَّقَةٍ، بَلْ يَأْكُلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا صَارَ إلَيْهِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ. (وَلِغَانِمٍ) حُرٍّ (رَشِيدٍ وَلَوْ) هُوَ مَرِيضًا أَوْ سَكْرَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ أَوْ (مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْغَنِيمَةِ) أَيْ عَنْ حَقِّهِ مِنْهَا سَهْمًا كَانَ أَوْ رَضْخًا (قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَقَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالذَّبُّ عَنْ الْمِلَّةِ، وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ، فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْإِعْرَاضِ: أَنْ يَقُولَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُ نَصِيبِي فِيهَا لِلْغَانِمِينَ وَقَصَدَ الْإِسْقَاطَ فَكَذَلِكَ، أَوْ تَمْلِيكَهُمْ فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُفْلِسُ كَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ بِمَحْضِ جِهَادِهِ لِلْآخِرَةِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ كَابْتِدَاءِ الِاكْتِسَابِ، وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الَّذِي قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ الْعَبْدُ، فَالْإِعْرَاضُ إنَّمَا هُوَ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ قَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: فَلَا يَظْهَرُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ فِي حَقِّهِمَا. قَالَ: شَيْخُنَا: وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ، وَبِالرَّشِيدِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ، فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُمَا عَنْ الرَّضْخِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُمَا مُلْغَاةٌ، وَلَا إعْرَاضُ وَلِيِّهِمَا لِعَدَمِ الْحَظِّ فِي إعْرَاضِهِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ صَحَّ إعْرَاضُهُ. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِالرُّشْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. وَقَالَ: الْإِمَامُ: إنَّهُ الظَّاهِرُ، وَاقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُ وَأَقَرَّاهُ، وَقَالَا: لَوْ فُكَّ حَجْرُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ صَحَّ إعْرَاضُهُ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا فَرَّعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الِاغْتِنَامِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَسِيطِ، فَقَالَ: وَالسَّفِيهُ يَلْزَمُ حَقُّهُ عَلَى قَوْلِنَا يَمْلِكُ، وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا: إنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِاخْتِيَارٍ، فَيَكُونُ الْأَصَحُّ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ، وَكَذَا قَالُوا: لَا يَجِبُ مَالٌ فِيمَا إذَا عَفَا السَّفِيهُ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَطْلَقَ، وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَلْبُ الْمَالِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ، وَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ هُنَاكَ، فَيَنْبَغِي التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا هُنَا. وَقَالَ: فِي الْمُهِمَّاتِ: الرَّاجِحُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ. وَقَالَ: الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ. قَالَ: ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ، وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ اخْتِيَارُ تَمَلُّكِ حَقٍّ مَالِيٍّ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ بَعْدَ فَرْزِ الْخُمُسِ وَجَوَازِهِ لِجَمِيعِهِمْ، وَبُطْلَانُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَسَالِب. وَالْمُعْرِضُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ، وَمَنْ مَاتَ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ، وَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِقِسْمَةٍ. وَلَهُمْ التَّمَلُّكُ، وَقِيلَ يَمْلِكُونَ، وَقِيلَ إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ،   [مغني المحتاج] وَلَا يَجُوزُ لِلسَّفِيهِ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ: كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَالسِّرْجِينِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَهُوَ مَحْضُ عُقُوبَةٍ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي، فَلِهَذَا مَلَكَ الْعَفْوَ عَنْهُ. اهـ. وَهَذَا يُقَوِّي كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ، وَفِي قِيَاسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ حَاصِلٌ يُرِيدُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَمَّا بَعْدَهَا لِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، وَلَوْ قَالَ: قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَبْلَ الْقِسْمَةِ اخْتَرْتُ الْغَنِيمَةَ مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الْإِعْرَاضِ فِي الْأَصَحِّ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ وَقَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (جَوَازُهُ) أَيْ إعْرَاضِ الْحُرِّ الرَّشِيدِ (بَعْدَ فَرْزِ الْخُمْسِ) وَقَبْلَ قِسْمَةِ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ إفْرَازَ الْخُمْسِ لَا يَتَعَيَّنُ بِهِ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مَنْعُهُ لِتَمَيُّزِ حَقِّ الْغَانِمِينَ (وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُهُ) أَيْ الْإِعْرَاضِ (لِجَمِيعِهِمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ، وَيُصْرَفُ حَقُّهُمْ مَصْرِفَ الْخُمْسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْرَاضِ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمِيعَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ مَصَارِفَ الْخُمْسِ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ (وَ) الْأَصَحُّ (بُطْلَانُهُ) أَيْ الْإِعْرَاضِ (مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى) الْمَذْكُورِينَ فِي بَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ إعْرَاضَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ سَهْمَهُمْ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، بَلْ هُوَ مِنْحَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ الْإِرْثَ (وَ) مِنْ (سَالَبَ) وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ سَلَبَ مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ مُتَعَيَّنٌ لَهُ كَالْمُتَعَيَّنِ بِالْقِسْمَةِ، وَالثَّانِي صِحَّتُهُ مِنْهُمَا كَالْغَانِمِينَ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا خَصَّ ذَوِي الْقُرْبَى بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّة أَهْلِ الْخُمْسِ كَالْيَتَامَى؛ لِأَنَّهَا جِهَاتٌ عَامَّةٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إعْرَاضُ كَالْفُقَرَاءِ. (وَالْمُعْرِضُ) مِنْ الْغَانِمِينَ عَنْ حَقِّهِ حُكْمُهُ (كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ) فَيَضُمُّ نَصِيبَهُ إلَى الْمَغْنَمِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُرْتَزَقَةِ وَأَهْلِ الْخُمْسِ، وَقِيلَ يَضُمُّ إلَى الْخُمْسِ خَاصَّةً (وَمَنْ) لَمْ يُعْرِضْ عَنْ الْغَنِيمَةِ، وَ (مَاتَ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَيَطْلُبُهُ أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ (وَلَا تُمْلَكُ) الْغَنِيمَةُ (إلَّا بِقِسْمَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ كَالِاصْطِيَادِ، وَالتَّحَطُّبِ لَمْ يَصِحَّ إعْرَاضُهُمْ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ كُلَّ طَائِفَةٍ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ مَلَكُوا لَمْ يَصِحَّ إبْطَالُ حَقِّهِمْ مِنْ نَوْعٍ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ حَصْرَ مِلْكِهَا فِي الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ تُمْلَكُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَإِمَّا بِالْقِسْمَةِ بِشَرْطِ الرِّضَا بِهَا، وَلِذَا قَالَ: فِي الرَّوْضَةِ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِسْمَةُ لِتَضَمُّنِهَا اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ. اهـ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا كَحَقِّ الشُّفْعَةِ كَمَا قَالَ. (وَلَهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ بَيْنَ الْحِيَازَةِ وَالْقِسْمَةِ (التَّمَلُّكُ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَبَتَ لَهُمْ (وَقِيلَ يَمْلِكُونَ) الْغَنِيمَةَ بَعْدَ الْحِيَازَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِلْكًا ضَعِيفًا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ (وَقِيلَ) الْمِلْكُ فِي الْغَنِيمَةِ مَوْقُوفٌ (إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ لَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 وَإِلَّا فَلَا، وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَالْمَنْقُولِ. وَلَوْ كَانَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنَازَعْ أُعْطِيَهُ، وَإِلَّا قُسِّمَتْ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا أُقْرِعَ. وَالصَّحِيحُ أَنْ سَوَادَ الْعِرَاقِ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ ثُمَّ بَذَلُوهُ وَوُقِفَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَاجُهُ أُجْرَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.   [مغني المحتاج] بِالِاسْتِيلَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَلِفَتْ، أَوْ أَعْرَضُوا عَنْهَا (فَلَا) يَمْلِكُونَهَا (وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ) عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (كَالْمَنْقُولِ) لِيُنَبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْعَقَارِ بِالِاسْتِيلَاءِ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ كَمَا أَنَّهُ فِي الْمَنْقُولِ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِمَا يُمْلَكُ بِهِ الْمَنْقُولُ كَانَ أَوْضَحَ، وَخَرَجَ بِالْعَقَارِ مَوَاتُهُمْ فَلَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ إذْ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. (وَلَوْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ) لِصَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْغَانِمِينَ مِنْ أَهْلِ خُمْسٍ أَوْ جِهَادٍ (وَلَمْ يُنَازَعْ) فِيهِ بِفَتْحِ الزَّايِ بِخَطِّهِ (أُعْطِيَهُ) إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ نَازَعَهُ غَيْرُهُ (قُسِّمَتْ) تِلْكَ الْكِلَابُ عَدَدًا (إنْ أَمْكَنَ) قِسْمَتُهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ فِيهَا دَفْعًا لِلنِّزَاعِ. أَمَّا مَا لَا تَنْفَعُ فَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا. (وَالصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ (أَنَّ سَوَادَ الْعِرَاقِ) مِنْ الْبِلَادِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ أَزْيَدُ مِنْ الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا كَمَا قَالَهُ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَسُمِّيَ سَوَادًا لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْبَادِيَةِ فَرَأَوْا خُضْرَةَ الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ الْمُلْتَفَّةِ، وَالْخُضْرَةُ تُرَى مِنْ الْبُعْدِ سَوَادًا. فَقَالُوا مَا هَذَا السَّوَادُ، وَلِأَنَّ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ تَقَارُبًا فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرَ (فُتِحَ) فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (عَنْوَةً) بِفَتْحِ الْعِينِ: أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً (وَقُسِّمَ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ (ثُمَّ) بَعْدَ قِسْمَتِهِ وَاخْتِيَارِ تَمَلُّكِهِ (بَذَلُوهُ) بِمُعْجَمَةٍ: أَيْ أَعْطَوْهُ لِعُمَرَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ (وَوُقِفَ) بَعْدَ اسْتِرْدَادِهِ دُونَ أَبْنِيَتِهِ الْآتِي فِي الْمَتْنِ حُكْمُهَا (عَلَى الْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّهُ خَافَ تَعَطُّلَ الْجِهَادِ بِاشْتِغَالِهِمْ بِعِمَارَتِهِ لَوْ تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْسِنْ قَطْعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَأَجَرَهُ مِنْ أَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَجُوِّزَتْ كَذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ. قَالَ: الْعُلَمَاءُ: لِأَنَّهُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَجَعَ إلَى حُكْمِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا لَا يَجُوزُ فِي أَمْوَالِنَا كَمَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ، وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْبَدَلَ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يُمْكِنُ بَذْلُهُ كَالْغَانِمِينَ وَذَوِي الْقُرْبَى إنْ انْحَصَرُوا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَهْلِ الْخُمْسِ فَلَا يَحْتَاجُ الْإِمَامُ فِي وَقْفِ حَقِّهِمْ إلَى بَذْلٍ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَهْلِهِ (وَخَرَاجُهُ) الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ (أُجْرَةٌ) مُنَجَّمَةٌ (تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ) الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ السَّوَادِ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ وَقْفًا، وَلَهُمْ إجَارَتُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي إجَارَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَاكِنِهِ إزْعَاجُهُمْ عَنْهُ وَيَقُولُ: أَنَا أَسْتَغِلُّهُ وَأُعْطِي الْخَرَاجَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 وَهُوَ مِنْ عَبَّادَانَ إلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ طُولًا، وَمِنْ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ عَرْضًا قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ غَرْبِيِّ دِجْلَتِهَا وَمَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا.   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ بَعْضِ آبَائِهِمْ مَعَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ قَدْرُ الْخَرَاجِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا فَرَضَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ لَمَّا بَعَثَهُ عُمَرُ مَاسِحًا، وَهُوَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ شَعِيرٍ دِرْهَمَانِ، وَجَرِيبِ حِنْطَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَجَرِيبِ شَجَرٍ وَقَصَبِ سُكَّرٍ سِتَّةٌ، وَجَرِيبِ نَخْلٍ ثَمَانِيَةٌ، وَجَرِيبِ كَرْمٍ عَشْرَةٌ وَجَرِيبِ زَيْتُونٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ، كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيِّ، كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتُ، كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، فَالْجَرِيبُ مَسَّاحَةٌ مُرَبِّعَةٌ، بَيْنَ كُلِّ جَانِبَيْنِ مِنْهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا هَاشِمِيًّا. وَقَالَ: فِي الْأَنْوَارِ: الْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ مَبْلَغُ ارْتِفَاعُ خَرَاجِ السَّوَادِ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَنَاقَصَ إلَى أَنْ بَلَغَ فِي أَيَّامِ الْحَجَّاجِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِظُلْمِهِ وَغَشَمِه فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ارْتَفَعَ بِعَدْلِهِ وَعِمَارَتِهِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى إلَى ثَلَاثِينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى سِتِّينَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. وَقَالَ: إنْ عِشْتُ لَأَزِيدَنَّهُ إلَى مَا كَانَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. (وَهُوَ) أَيْ سَوَادُ الْعِرَاقِ بِاتِّفَاقِ مُصَنِّفِي الْفُتُوحِ وَالتَّارِيخِ زَمَنَ عُرِفَ أَسْمَاءُ الْبُلْدَانِ (مِنْ) أَوَّلِ (عَبَّادَانَ) بِمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةٍ: مَكَانٌ قُرْبَ الْبَصْرَةِ (إلَى حَدِيثَةِ الْمَوْصِلِ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ (طُولًا) وَقُيِّدَتْ الْحَدِيثَةُ بِالْمَوْصِلِ لِإِخْرَاجِ حَدِيثَةِ أُخْرَى عِنْدَ بَغْدَادَ، سُمِّيَتْ الْمَوْصِلَ؛ لِأَنَّ نُوحًا وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى الْجُودِيِّ أَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا قَدْرَ الْمَاءِ الْمُتَبَقَّى عَلَى الْأَرْضِ فَأَخَذُوا حَبْلًا وَجَعَلُوا فِيهِ حَجَرًا ثُمَّ دَلَّوْهُ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغُوا مَدِينَةَ الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا وَصَلَ الْحَجَرُ سُمِّيَتْ الْمَوْصِلَ. ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ عَرْضِ السَّوَادِ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ) أَوَّلِ (الْقَادِسِيَّةِ) اسْمُ مَكَان بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ نَحْوَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَبَيْنَ بَغْدَادَ نَحْوَ خَمْسِ مَرَاحِلَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْمًا مِنْ قَادِسَ نَزَلُوهَا (إلَى) آخِرَ (حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ (عَرْضًا) هَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَالَ: فِي الشَّرْحِ: فِيهِ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّ الْبَصْرَةَ كَانَتْ سَبِخَةً أَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بَعْدَ فَتْحِ الْعِرَاقِ، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ اسْتَدْرَكَ الْمُصَنِّفُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْفَتْحِ أَفْصَحُ: مَدِينَةٌ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُعْبَدْ بِهَا صَنَمٌ قَطُّ، وَيُقَالُ لَهَا قُبَّةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَقْوَمُ الْبِلَادِ قِبْلَةً، وَهِيَ (وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ) الْمُضَافِ إلَى الْعِرَاقِ (فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ غَرْبِيِّ دِجْلَتِهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ: نَهْرٌ مَشْهُورٌ بِالْعِرَاقِ (وَ) إلَّا (فِي مَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا) يُسَمَّى الْفُرَاتَ، وَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 وَأَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ.   [مغني المحتاج] سِوَاهُمَا مِنْهَا فَمَوَاتٌ أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مَا فِي أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِنْ الْأَشْجَارِ ثِمَارُهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ، وَيَصْرِفُ أَثْمَانَهَا أَوْ يَصْرِفُهَا نَفْسَهَا مَصَارِفَ الْخَرَاجِ، وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَمَا مَرَّ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ، وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا. نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَمَا قَالَهُ: الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الدُّورِ حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْمَزَارِعِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْيَوْمَ أَنْ يَقِفَ أَرْضَ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ عَقَارَاتِهَا أَوْ مَنْقُولَاتِهَا جَازَ إنْ رَضِيَ الْغَانِمُونَ بِذَلِكَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، لَا قَهْرًا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَشِيَ أَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ، لَكِنْ يَقْهَرُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا. (وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا) لَا عَنْوَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ} [الفتح: 22] الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، وقَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} [الفتح: 24] وقَوْله تَعَالَى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} [الفتح: 20] إلَى قَوْلِهِ: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا} [الفتح: 21] أَيْ بِالْقَهْرِ: قِيلَ الَّتِي عَجَّلَهَا لَهُمْ غَنَائِمُ حُنَيْنٍ، وَاَلَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا غَنَائِمُ مَكَّةَ، وَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ عَنْوَةً، مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ. قَالَهُ الْغَزَالِيُّ: (فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا الْمُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ) إذْ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمَّا قَالَ: لَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ غَدًا بِدَارِك بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟» وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ وَطَالِبٌ دُونَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَا يُورَثُ إلَّا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا لَهُ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَيْعِهَا. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَنَازَعَهُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٍ، وَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ، بَلْ اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِكَرَاهَةِ بَيْعِ الْمُصْحَفِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمَا نَهْيٌ مَقْصُودٌ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي بَيْعِ نَفْسِ الْأَرْضِ. أَمَّا الْبِنَاءُ فَهُوَ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَا خِلَافٍ: أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْزَاءِ أَرْضِهَا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي بِنَاءِ السَّوَادِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ كَوْنِهَا مِلْكًا عَلَى الصُّلْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مُقْتَضَى الصُّلْحِ أَنَّهَا وَقْفٌ؛ لِأَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 فَصْل يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ أَمَانُ حَرْبِيٍّ وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ فَقَطْ.   [مغني المحتاج] فَيْءٌ وَهُوَ وَقْفٌ: إمَّا بِنَفْسِ حُصُولِهِ وَإِمَّا بِإِيقَافِهِ وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِهِ أَنَّهَا عَلَى الْعَنْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَفْتُوحَ عَنْوَةً غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ، بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَقَرَّ الدُّورَ بِيَدِ أَهْلِهَا عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ " وَلَا نَظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً. تَتِمَّةٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ مِصْرَ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَضَعَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، وَفِي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَكَانَ اللَّيْثُ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا: وَقِيلَ فُتِحَتْ صُلْحًا. ثُمَّ نَكَثُوا فَفَتَحَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثَانِيًا عَنْوَةً، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا، فَمَنْ قَالَ: فُتِحَتْ صُلْحًا نَظَرَ لِأَوَّلِ الْأَمْرِ، وَمَنْ قَالَ عَنْوَةً نَظَرَ لِآخَرِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا الشَّامُ فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ: أَنَّ مُدُنَهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَأَرْضَهَا عَنْوَةً، وَلَكِنْ رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّ دِمَشْقَ فُتِحَتْ عَنْوَةً. [فَصْل فِي الْأَمَانِ] [فَصْلٌ] فِي الْأَمَانِ، وَهُوَ ضِدُّ الْخَوْفِ، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَرْكُ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ، هُوَ مِنْ مَكَايِدِ الْحَرْبِ وَمَصَالِحِهِ، وَالْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمْنَ ثَلَاثَةٌ: أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ، أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ، فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ، وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَانِ آيَةُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا - أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ - فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ، وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَهَا مَعْنَى آخَرَ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ. (يَصِحُّ) وَلَا يَجِبُ (مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ) وَلَوْ عَبْدًا لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ امْرَأَةً (أَمَانُ حَرْبِيٍّ) وَاحِدٍ غَيْرِ أَسِيرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا، فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ لَا، عَيَّنَ الْإِمَامُ قَتْلَهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَمْ لَا (وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ) مِنْهُمْ كَأَهْلِ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ (فَقَطْ) فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَلَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لَنَا، وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ، وَيَلْحَقُ بِالْمُكَلَّفِ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ، وَبِالْمُخْتَارِ الْمُكْرَهُ، وَبِالْمَحْصُورِ غَيْرُهُمْ كَأَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ، فَلَا يُؤَمِّنُهُمْ الْآحَادُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ فِيهَا بِأَمَانِهِمْ. قَالَ: الْإِمَامُ: وَلَوْ أَمَّنَ مِائَةُ أَلْفٍ مِنَّا مِائَةَ أَلْفٍ مِنْهُمْ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا لَمْ يُؤَمِّنْ إلَّا وَاحِدًا، لَكِنْ إنْ ظَهَرَ انْسِدَادٌ وَانْتِقَاضٌ فَأَمَانُ الْجَمِيعِ مَرْدُودٌ. قَالَ: الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَمَّنُوهُمْ دُفْعَةً. فَإِنْ وَقَعَ مُرَتَّبًا فَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ إلَى ظُهُورِ الْخَلَلِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ: وَقَالَ: إنَّهُ مُرَادُ الْإِمَامِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودُهُ، وَبِكِتَابَةٍ وَرِسَالَةٍ. وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَافِرِ بِالْأَمَانِ. فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] (وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ) أَوْ غَيْرِهِمْ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَصِحُّ لِدُخُولِهِ فِي الضَّابِطِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَسِيرِ الْمُقَيَّدِ وَالْمَحْبُوسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِأَيْدِيهِمْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَمَانِ أَنْ يُؤَمِّنَ الْمُؤَمَّنُ. وَلَيْسَ الْأَسِيرُ آمِنًا. أَمَّا أَسِيرُ الدَّارِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِدَارِ الْكُفْرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَيَصِحُّ أَمَانُهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمِّنُهُ آمِنًا بِدَارِ الْحَرْبِ لَا غَيْرَ إلَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِالْأَمَانِ فِي غَيْرِهَا، وَبِغَيْرِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: بِغَيْرِ الَّذِي أَسَرَهُ. أَمَّا الَّذِي أَسَرَهُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُهُ إذَا كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ الْإِمَامُ كَمَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَفِي عَقْدِ الْأَمَانِ لِلْمَرْأَةِ اسْتِقْلَالًا وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ الْجَوَازُ. (وَيَصِحُّ) إيجَابُ الْأَمَانِ (بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودُهُ) صَرِيحًا كَأَجَّرْتُك وَأَمَّنْتُك أَوْ لَا تَفْزَعْ كَأَنْتِ عَلَى مَا تُحِبُّ، أَوْ كُنْ كَيْفَ شِئْتَ (وَ) يَصِحُّ (بِكِتَابَةٍ) بِالْفَوْقِيَّةِ لِأَثَرٍ فِيهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ، أَوْ لَا تَخَفْ، أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، أَوْ أَنْتَ آمِنٌ، أَوْ فِي أَمَانِي، أَوْ أَنْتَ مُجَارٌ، وَلَا فَرْقَ فِي اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْعَرَبِيِّ كَمَا مَرَّ وَبَيْنَ الْعَجَمِيِّ كَمَتْرَسٍ: أَيْ لَا تَخَفْ، أَوْ كِنَايَةٍ مَعَ النِّيَّةِ (وَرِسَالَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ الْكِتَابَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ فِي حَقْنِ الدَّمِ، وَمُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ الرَّسُولِ صَبِيًّا، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَكْلِيفِهِ كَالْمُؤَمَّنِ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ إيجَابُ الْأَمَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْغَرَرِ كَقَوْلِهِ: إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ أَمَّنْتُكَ، لِمَا مَرَّ أَنَّ بِنَاءَ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَبِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَبُولِ، فَلَوْ أَشَارَ مُسْلِمٌ لِكَافِرٍ فَظَنَّ أَنَّهُ أَمَّنَهُ فَجَاءَنَا فَأَنْكَرَ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَمَّنَهُ بِهَا بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ وَلَا نَغْتَالُهُ لِعُذْرِهِ. فَإِنْ مَاتَ الْمُشِيرُ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ الْحَالَ فَلَا أَمَانَ وَلَا اغْتِيَالَ فَيُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ، وَمَنْ دَخَلَ رَسُولًا أَوْ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ فَهُوَ آمِنٌ لَا لِتِجَارَةٍ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ الدُّخُولَ لِلتِّجَارَةِ أَمَانٌ، فَإِنْ صَدَّقَهُ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ وَإِلَّا اُغْتِيلَ، وَلِلْإِمَامِ لَا لِلْآحَادِ جَعْلُهَا أَمَانًا إنْ رَأَى فِي الدُّخُولِ لَهَا مَصْلَحَةً، وَلَا تَجِبُ إجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الْأَمَانَ إلَّا إذَا طَلَبَهُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَجِبُ قَطْعًا، وَلَا يُمْهَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، بَلْ قَدْرَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيَانُ. (وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْأَمَانِ (عِلْمُ الْكَافِرِ بِالْأَمَانِ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا أَمَانَ لَهُ كَمَا قَالَاهُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ: فَتَجُوزُ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَتْلِهِ وَلَوْ مِنْ الْمُؤَمِّنِ. (فَإِنْ) عَلِمَ الْكَافِرُ بِأَمَانِهِ وَ (رَدَّهُ بَطَلَ) جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَالْهِبَةِ (وَكَذَا) يَبْطُلُ (إنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَالثَّانِي يَكْفِي السُّكُوتُ لِبِنَاءِ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْأَصَحِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَجْهَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 وَتَكْفِي إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ. وَيَجِبُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً. وَلَا يَجُوزُ أَمَانٌ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ.   [مغني المحتاج] وَالتَّرْجِيحُ بَحْثٌ لَهُ، وَالْمَنْقُولُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالسُّكُوتِ. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقَبُولَ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلْفُ، وَلِمَا مَرَّ مِنْ بِنَاءِ الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ مَعَ السُّكُوتِ مَا يُشْعِرُ بِالْقَبُولِ. وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ الْقِتَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَتَكْفِي) وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ (إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ) لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهَا كِنَايَةً مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَخْتَصَّ بِفَهْمِهَا فَطِنُونَ. فَإِنْ فَهِمَهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ الطَّلَاقِ. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَكْفِي فِي إيجَابِ الْأَمَانِ وَالْمَذْهَبُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِشَارَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ الْعَجْزُ عَنْ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا حَقْنُ الدِّمَاءِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ شُبْهَةً، وَاحْتَرَزَ بِالْمُفْهِمَةِ عَنْ غَيْرِ الْمُفْهِمَةِ، فَلَا يَصِحُّ بِهَا أَمَانٌ. الثَّانِي أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْقَبُولِ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ اسْتِيجَابٌ. فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ لَمْ يُحْتَجْ لِلْقَبُولِ جَزْمًا. (وَيَجِبُ أَنْ لَا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فِي الْأَظْهَرِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْهُدْنَةِ. فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا بَطَلَ فِي الزَّائِدِ، وَلَا يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي عَلَى الْأَصَحِّ تَخْرِيجًا عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْأَمَانَ حُمِلَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَيَبْلُغُ بَعْدَهَا الْمَأْمَنَ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَجَحَا فِي الْهُدْنَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ قَالَا: حُكْمُ الْأَمَانِ حُكْمُ الْهُدْنَةِ حَيْثُ لَا ضَعْفَ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّ بَابَهُ أَوْسَعُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْآحَادِ بِخِلَافِهَا (وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ) أَكْثَرُ مِنْهَا (مَا لَمْ تَبْلُغْ) مُدَّتُهُ (سَنَةً) كَالْهُدْنَةِ. أَمَّا السَّنَةُ فَمُمْتَنِعَةٌ قَطْعًا. تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي أَمَانِ الرِّجَالِ. أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِنَّ إلَى تَقْيِيدِ مُدَّةٍ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُسْتَأْمَنَةَ إذَا كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ لَمْ تُمْنَعْ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إنَّمَا هِيَ لِلْمُشْرِكِينَ الرِّجَالِ، وَمُنِعُوا مِنْ السَّنَةِ لِئَلَّا تُتْرَكَ الْجِزْيَةُ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. الثَّانِي سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْمَكَانِ الَّذِي يَكُونُ الْمُؤَمَّنُ فِيهِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَلَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ (أَمَانٌ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ) وَطَلِيعَةٍ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ: الْإِمَامُ أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ تَبْلِيغَ الْمَأْمَنِ فَيُغْتَالُ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مِثْلِهِ خِيَانَةٌ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّ شَرْطَ الْأَمَانِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ دُونَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، وَإِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْمَصْلَحَةِ. ثُمَّ قَالَ: لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي أَمَانِ الْآحَادِ. أَمَّا أَمَانُ الْإِمَامِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، نَصَّ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَمَّنَ آحَادًا عَلَى مَدَارِجِ الْغُزَاةِ وَعَسُرَ بِسَبَبِهِ سَيْرُ الْعَسْكَرِ وَاحْتَاجُوا إلَى نَقْلِ الزَّادِ رُدَّ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي مَعْنَى الْجَاسُوسِ مَنْ يَحْمِلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَبْذُ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً. وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ مَالُهُ وَأَهْلُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا مَعَ هـ مِنْهُمَا فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِشَرْطٍ. وَالْمُسْلِمُ بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ،   [مغني المحتاج] سِلَاحًا إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوه مِمَّا يُعِينُهُمْ. (وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ) وَلَا لِغَيْرِهِ (نَبْذُ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً) ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ خَافَهَا نَبَذَهُ كَالْهُدْنَةِ وَأَوْلَى، جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ الْكَافِرِ لِيَنْبُذَهُ مَتَى شَاءَ. (وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ) لِحَرْبِيٍّ بِدَارِنَا (مَالُهُ وَأَهْلُهُ) مِنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ (بِدَارِ الْحَرْبِ) جَزْمًا؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَمَانِ تَحْرِيمُ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ وَمُفَادَاتُهُ، لَا أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَيَجُوزُ اغْتِنَامُ أَمْوَالِهِ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِ الْمُخَلَّفِينَ هُنَاكَ (وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْهُمَا) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حِيَازَتِهِ (فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِشَرْطٍ) لِقُصُورِ اللَّفْظِ عَنْ الْعُمُومِ، وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِمَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مُدَّةَ أَمَانِهِ. أَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَدْخُلُ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي حِرْفَتِهِ مِنْ الْآلَاتِ وَمَرْكُوبِهِ إنْ لَمْ يُسْتَغْنَ عَنْهُ، هَذَا إذَا أَمَّنَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ. فَإِنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ دَخَلَ مَا مَعَهُ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَدْخُلُ مَا خَلَّفَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْإِمَامِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْأَمَانُ لِلْحَرْبِيِّ بِدَارِهِمْ، فَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ أَهْلُهُ وَمَالُهُ بِدَارِهِمْ دَخَلَا وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ إنْ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ أَمَّنَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَدْخُلْ أَهْلُهُ وَلَا مَا لَا يَحْتَاجُهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِشَرْطٍ، بِخِلَافِ مَا يَحْتَاجُهُ فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِنْ كَانَا بِدَارِنَا دَخَلَا إنْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ لَا غَيْرُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّف يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي مَعَهُ لِغَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ قَطْعًا وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا مَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ. فَائِدَةٌ: لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَحْوَالٌ وَهِيَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَمِّنُ الْإِمَامَ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْمُؤَمَّنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِدَارِنَا جُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ. ثُمَّ مَالُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالدَّارِ الَّتِي هُوَ فِيهَا أَوْ لَا، اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ بِثَمَانِيَةٍ. ثُمَّ الَّذِي مَعَهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا، اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي ثَمَانِيَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ. ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ: إمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْهُ بِشَرْطٍ أَوْ لَا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي سِتَّةَ عَشَرَ بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ. ثُمَّ الَّذِي مَعَهُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، اضْرِبْ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ فَاسْتَفِدْهُ، فَإِنِّي اسْتَخْرَجْته مِنْ فِكْرِي الْفَاتِرِ. ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ حُكْمِ هِجْرَةِ الْمُسْلِمِ. فَقَالَ: (وَالْمُسْلِمُ) الْمُقِيمُ (بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ) لِكَوْنِهِ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ أَوْ لِأَنَّ لَهُ عَشِيرَةً يَحْمُونَهُ وَلَمْ يَخَفْ فِتْنَةً فِي دِينِهِ (اُسْتُحِبَّ لَهُ الْهِجْرَةُ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لِئَلَّا يَكْثُرَ سَوَادُهُمْ أَوْ يَكِيدُوهُ أَوْ يَمِيلَ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ اسْتِحْبَابِهَا مَا لَمْ يَرْجِعْ ظُهُورُ الْإِسْلَامِ هُنَاكَ بِمُقَامِهِ. فَإِنْ رَجَاه فَالْأَفْضَلُ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 وَإِلَّا وَجَبَتْ إنْ أَطَاقَهَا، وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ، وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ حَرُمَ، فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ،   [مغني المحتاج] يُقِيمَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الِامْتِنَاعِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالِاعْتِزَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ بِهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ دَارُ إسْلَامٍ، فَلَوْ هَاجَرَ لَصَارَ دَارَ حَرْبٍ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، نَعَمْ إنْ رَجَا نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ بِهِجْرَتِهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُهَاجِرَ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. ثُمَّ فِي إقَامَتِهِ يُقَاتِلُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَدْعُوهُمْ إلَيْهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً فِيهِ (وَجَبَتْ) عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا (إنْ أَطَاقَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97] الْآيَةَ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ» وَسُمِّيَتْ هِجْرَةً؛ لِأَنَّهُمْ هَجَرُوا دِيَارَهُمْ وَلَمْ يُقَيِّدُوا ذَلِكَ بِأَمْنِ الطَّرِيقِ وَلَا بِوُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ خَافَ تَلَفَ نَفْسِهِ مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ تَرْكِ الزَّادِ، أَوْ مِنْ عَدَمِ الرَّاحِلَةِ عُدِمَ الْوُجُوبُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْوُجُوبِ مَنْ فِي إقَامَتِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ إسْلَامَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ، وَكَانَ يَكْتُمُهُ وَيَكْتُبُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْبَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَثِقُونَ بِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ الْقُدُومَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَبَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مُقَامَكَ بِمَكَّةَ خَيْرٌ ثُمَّ أَظْهَرَ إسْلَامَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَلْتَحِقُ بِوُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ مَنْ أَظْهَرَ حَقًّا بِبَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إظْهَارِهِ فَتَلْزَمُهُ الْهِجْرَةُ مِنْ تِلْكَ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ فِيهَا، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ بِبَلَدٍ تُعْمَلُ فِيهَا الْمَعَاصِي وَلَا يُمْكِنُهُ تَغْيِيرُ ذَلِكَ الْهِجْرَةُ إلَى حَيْثُ تَتَهَيَّأُ لَهُ الْعِبَادَةُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] فَإِنْ اسْتَوَتْ جَمِيعُ الْبِلَادُ فِي عَدَمِ إظْهَارِ ذَلِكَ كَمَا فِي زَمَانِنَا فَلَا وُجُوبَ بِلَا خِلَافٍ، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الْهِجْرَةَ فَلَا وُجُوبَ حَتَّى يُطِيقَهَا فَإِنْ فُتِحَ الْبَلَدُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ سَقَطَتْ عَنْهُ الْهِجْرَةُ. (وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ) فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ (عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ) لِخُلُوصِهِ بِهِ مِنْ قَهْرِ الْأَسْرِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ أَمْ لَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَإِنْ جَزَمَ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ (وَلَوْ أَطْلَقُوهُ) مِنْ الْأَسْرِ (بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ) قَتْلًا وَسَبْيًا وَأَخْذَ مَالٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَأْمِنُوهُ، وَقَتْلُ الْغِيلَةِ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ قَتَلَهُ (أَوْ) أَطْلَقُوهُ (عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ) وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّنُوهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (حَرُمَ) عَلَيْهِ اغْتِيَالُهُمْ وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقُوهُ عَلَى أَنَّهُ فِي أَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا فِي أَمَانٍ مِنْهُ، فَلَوْ قَالُوا أَمَّنَّاك وَلَا أَمَانَ لَنَا عَلَيْكَ جَازَ لَهُ اغْتِيَالُهُمْ كَمَا فِي نَصِّ الْأُمِّ (فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ) مِنْهُمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ (فَلْيَدْفَعْهُمْ) وُجُوبًا (وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ) كَالصَّائِلِ فَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِي الصَّائِلِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 أَوْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ لَمْ يَجُزْ الْوَفَاءُ. وَلَوْ عَاقَدَ الْإِمَامُ عِلْجًا يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ   [مغني المحتاج] أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْعَهْدُ بِذَلِكَ (أَوْ) أَطْلَقُوهُ وَ (شَرَطُوا) عَلَيْهِ (أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ) نُظِرَتْ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إظْهَارُ دِينِهِ (لَمْ يَجُزْ الْوَفَاءُ) بِالشَّرْطِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرْكُ إقَامَةِ الدِّينِ، وَالْتِزَامُ مَا لَا يَجُوزُ لَا يَلْزَمُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَحْرُمْ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ حِينَئِذٍ مُسْتَحَبَّةٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَلَّفُوهُ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَالُوا: لَا نُطْلِقُك حَتَّى تَحْلِفَ أَنَّكَ لَا تَخْرُجُ فَحَلَفَ، فَأَطْلَقُوهُ فَخَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا: كَمَا لَوْ أَخَذَ اللُّصُوصُ رَجُلًا وَقَالُوا لَا نَتْرُكُك حَتَّى تَحْلِفَ أَنَّكَ لَا تُخْبِرُ بِمَكَانِنَا فَحَلَفَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَكَانِهِمْ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ يَمِينُ إكْرَاهٍ وَإِنْ حَلَفَ لَهُمْ تَرْغِيبًا، وَلَوْ قَبْلَ الْإِطْلَاقِ حَنِثَ بِخُرُوجِهِ، وَلَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ وَجَدَهُ عِنْدَهُمْ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَمَّنَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَى الْحَرْبِيِّ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ، بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ إذَا أَخَذَهُ شَخْصٌ مِنْ الْغَاصِبِ لِيَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فَأُدِيمَ حُكْمُهُ. فُرُوعٌ: لَوْ الْتَزَمَ لَهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِ مَالًا فِدَاءً وَهُوَ مُخْتَارٌ، أَوْ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَيْهِ، وَسُنَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِالْمَالِ الَّذِي الْتَزَمَهُ لِيَعْتَمِدُوا الشَّرْطَ فِي إطْلَاقِ الْأُسَرَاءِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْمَالُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ فِدَاءٌ لَا يَمْلِكُونَهُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْهُمْ شَيْئًا لِيَبْعَثَ إلَيْهِمْ ثَمَنَهُ أَوْ اقْتَرَضَ، فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ، أَوْ مُكْرَهًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ، وَيَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ بَيْعٍ بَلْ قَالُوا: خُذْ هَذَا وَابْعَثْ إلَيْنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ: نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا، وَلَوْ وَكَّلُوهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ لَهُمْ بِدَارِنَا بَاعَهُ وَرَدَّ ثَمَنَهُ إلَيْهِمْ. (وَلَوْ عَاقَدَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ (عِلْجًا) وَهُوَ الْكَافِرُ الْغَلِيظُ الشَّدِيدُ، سُمِّيَ بِهِ لِدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِقُوَّتِهِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْعِلَاجُ عِلَاجًا لِدَفْعِهِ الدَّاءَ، وَفِي الْحَدِيثِ «الدُّعَاءُ وَالْبَلَاءُ يَتَعَالَجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ يَتَصَارَعَانِ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيث عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - (يَدُلُّ عَلَى قَلْعَةٍ) تُفْتَحُ عَنْوَةً، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا: الْحِصْنُ، إمَّا لِأَنَّهُ قَدْ خَفِيَ عَلَيْنَا طَرِيقُهَا، أَوْ لِيَدُلَّنَا عَلَى طَرِيقٍ خَالٍ مِنْ الْكُفَّارِ، أَوْ سَهْلٍ، أَوْ كَثِيرِ الْمَاءِ، أَوْ الْكَلَأِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ) ذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ ابْتِدَاءُ الشَّرْطِ مِنْ الْعِلْجِ أَمْ مِنْ الْإِمَامِ، وَهِيَ جَعَالَةٌ بِجُعْلٍ مَجْهُولٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ اُحْتُمِلَتْ لِلْحَاجَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُعَيَّنَةً أَوْ مُبْهَمَةً، حُرَّةً أَمْ أَمَةً؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ تَرِقُّ بِالْأَسْرِ وَالْمُبْهَمَةَ يُعَيِّنُهَا الْإِمَامُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 فَإِنْ فُتِحَتْ بِدَلَالَتِهِ أُعْطِيَهَا، أَوْ بِغَيْرِهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ،   [مغني المحتاج] وَيُجْبَرُ الْعِلْجُ عَلَى الْقَبُولِ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ بِالدَّلَالَةِ كُلْفَةٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْإِمَامُ نَازِلًا تَحْتَ قَلْعَةٍ لَا يَعْرِفُهَا فَقَالَ: مَنْ دَلَّنِي عَلَى قَلْعَةِ كَذَا فَلَهُ جَارِيَةٌ فَقَالَ: الْعِلْجُ هِيَ هَذِهِ اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُمْ شَرَطُوا التَّعَبَ وَلَا تَعَبَ هُنَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا التَّعَبَ هُنَا، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْعِلْجُ: الْقَلْعَةُ بِمَكَانِ كَذَا وَلَمْ يَمْشِ وَلَمْ يَتْعَبْ اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا هُنَا، وَقَدْ اسْتَثْنَوْا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى كَلِمَةِ (لَا تَتْعَبْ) مَسْأَلَةَ الْعِلْجِ لِلْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْمُبْهَمَةِ، وَهُوَ مَا فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَلَعَلَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أُبْهِمَ فِي قِلَاعٍ مَحْصُورَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، بَلْ الْجُمْهُورُ إنَّمَا صَوَّرَهُ بِالْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنَةِ يَكْثُرُ فِيهَا الْغَرَرُ، لَكِنْ مَعَ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ يَخِفُّ فَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَخَرَجَ بِالْعِلْجِ مَا لَوْ عَاقَدَ مُسْلِمًا بِمَا ذُكِرَ فَإِنْ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْإِمَامِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنْوَاعَ غَرَرٍ فَلَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وَاحْتُمِلَتْ مَعَ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِ قِلَاعِهِمْ وَطُرُقِهِمْ غَالِبًا، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالدَّلَالَةُ نَوْعٌ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ الْجَوَازُ، وَقَالَ: فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ: الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ كَشَرْطِ النَّفْلِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالرَّجْعَةِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ عَمَّا إذَا قَالَ: الْإِمَامُ وَلَهُ جَارِيَةٌ مِمَّا عِنْدِي مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِالْجُعْلِ كَسَائِرِ الْجَعَالَاتِ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْجَارِيَةِ مِثَالٌ، وَلَوْ قَالَ: جُعْلٌ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ لِكَانَ أَشْمَلَ (فَإِنْ فُتِحَتْ) أَيْ الْقَلْعَةُ عَنْوَةً بِمَنْ عَاقَدَهُ (بِدَلَالَتِهِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتَحَهَا وَفِيهَا الْجَارِيَةُ الْمُعَيَّنَةُ أَوْ الْمُبْهَمَةُ حَيَّةً وَلَمْ تُسْلِمْ قَبْلَ إسْلَامِهِ (أُعْطِيَهَا) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سِوَاهَا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالشَّرْطِ قَبْلَ الظَّفَرِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يُعْطَاهَا مَتَى فُتِحَتْ بِدَلَالَتِهِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَأَنْ تَرَكْنَاهَا ثُمَّ عُدْنَا إلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ) فُتِحَتْ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَاقَدَهُ وَلَوْ بِدَلَالَتِهِ أَوْ مِمَّنْ عَاقَدَهُ لَكِنْ (بِغَيْرِهَا) أَيْ دَلَالَتِهِ (فَلَا) شَيْءَ لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِانْتِفَاءِ مُعَاقَدَتِهِ مَعَ مَنْ فَتَحَهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْقَصْدَ الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ إلَى الْفَتْحِ وَلَمْ تُوجَدْ. وَالثَّانِي يَسْتَحِقُّهَا لِدَلَالَتِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ) تِلْكَ الْقَلْعَةُ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُقَيَّدٌ بِشَيْئَيْنِ: الدَّلَالَةُ وَالْفَتْحُ (وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُعَلِّقْ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ) لِوُجُودِ الدَّلَالَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ تَسْلِيمَهَا لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْفَتْحِ فَالشَّرْطُ مُقَيَّدٌ بِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَفْظًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ، أَوْ بَعْدَ الظَّفَرِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَجَبَ بَدَلٌ، أَوْ قَبْلَ ظَفَرٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ بَدَلٍ، وَهُوَ أُجْرَةُ مِثْلٍ، وَقِيلَ قِيمَتُهَا..   [مغني المحتاج] أَمَّا إذَا عَلَّقَ الْجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْقَلْعَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ فَتْحُهَا بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ) أَصْلًا (أَوْ) كَانَتْ وَلَكِنْ (مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ) لِفَقْدِ الْمَشْرُوطِ (أَوْ) مَاتَتْ (بَعْدَ) الْعَقْدِ وَ (الظَّفَرِ) بِهَا (وَجَبَ بَدَلٌ) عَنْهَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، فَالتَّلَفُ مِنْ ضَمَانِهِ (أَوْ) مَاتَتْ (قَبْلَ ظَفَرٍ) بِهَا (فَلَا) بَدَلَ عَنْهَا (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا، وَالثَّانِي تَجِبُ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ عُلِّقَ بِهَا وَهِيَ حَاصِلَةٌ ثُمَّ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهَا، وَهُرُوبُهَا قَبْلَ الظَّفَرِ بِهَا كَمَوْتِهَا (وَإِنْ أَسْلَمَتْ) دُونَ الْعِلْجِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ ظَفَرٍ بِهَا أَوْ بَعْدَهُ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ بَدَلٍ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهَا لَهُ بِالْإِسْلَامِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شِرَاءِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا. قَالَ: الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا الْبِنَاءُ مَرْدُودٌ بَلْ يَسْتَحِقُّهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِالظَّفَرِ وَقَدْ كَانَتْ إذْ ذَاكَ كَافِرَةً فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِسْلَامِهَا، كَمَا لَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لَكِنْ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ، بَلْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ الَّذِي بَاعَهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لَكِنْ هُنَاكَ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ، وَهُنَا لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ بِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ، وَهُنَا جَعَالَةٌ جَائِزَةٌ مَعَ الْمُسَامَحَةِ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي غَيْرِهَا فَلَا تَلْحَقُ بِغَيْرِهَا. أَمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ، وَبِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيه، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّف بِغَيْرِ التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ اسْتِحْقَاقَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مُتَبَرِّعًا (وَهُوَ) أَيْ الْبَدَلُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ وَجَبَ (أُجْرَةُ مِثْلٍ) فِي الْأَصَحِّ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقِيلَ قِيمَتُهَا) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمَحِلُّهُ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَلَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ. وَأَمَّا الْمُبْهَمَةُ فَإِنْ وَجَبَ الْبَدَلُ فِيهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ قَطْعًا لِتَعَذُّرِ تَقْوِيمِ الْمَجْهُولِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: تُسَلَّمُ إلَيْهِ قِيمَةُ مَنْ تُسَلَّمُ إلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي أَوْجَهُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. أَمَّا إذَا فُتِحَتْ الْقَلْعَةُ صُلْحًا بِدَلَالَتِهِ فَيُنْظَرُ إنْ دَخَلَتْ الْجَارِيَةُ الْمَشْرُوطَةُ فِي الْأَمَانِ وَلَمْ يَرْضَ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ، وَلَا رَضِيَ الْعِلْجُ بِعِوَضِهَا، وَأَصَرُّوا عَلَى ذَلِكَ نَقَضْنَا الصُّلْحَ وَبُلِّغُوا الْمَأْمَنَ بِأَنْ يُرَدُّوا إلَى الْقَلْعَةِ ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ الْقِتَالُ، وَإِنْ رَضِيَ أَصْحَابُ الْقَلْعَةِ بِتَسْلِيمِهَا بِقِيمَتِهَا دَفَعْنَا لَهُمْ الْقِيمَةَ، وَهَلْ هِيَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الرَّضْخُ؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْأَمَانِ بِأَنْ كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَمَانِ صَاحِبِ الْقَلْعَةِ وَأَهْلِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ مِنْهُمْ سُلِّمَتْ إلَى الْعِلْجِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 .. .... .... .... ..   [مغني المحتاج] خَاتِمَةٌ: فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ: لَوْ صَالَحَ زَعِيمُ قَلْعَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ أَهْلِهَا عَلَى أَمَانِ مِائَةٍ مِنْهُمْ صَحَّ وَإِنْ جُهِلَتْ أَعْيَانُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنْ عَدَّ مِائَةً غَيْرَ نَفْسِهِ جَازَ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمِائَةِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَاصَرَ مَدِينَةً فَصَالَحَهُ دُهْقَانُهَا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ وَيُؤَمِّنَ مِائَةَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالَ: أَبُو مُوسَى: اللَّهُمَّ أَمِّنْهُ نَفْسَهُ، فَلَمَّا عَزَلَهُمْ قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَفَرَغْت؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَأَمَّنَهُمْ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الدُّهْقَانِ، فَقَالَ: أَتَغْدِرُنِي وَقَدْ أَمَّنْتَنِي قَالَ: أَمَّنْتُ الْعِدَّةَ الَّتِي سَمَّيْتَ وَلَمْ تُسَمِّ نَفْسَكَ، فَنَادَى بِالْوَيْلِ، وَبَذَلَ مَالًا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ وَقَتَلَهُ، وَيَسْقُطُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ حَدُّ الزِّنَا عَنْهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ لِآيَةِ {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] مَعَ كَوْنِ الْحَقِّ لَهُ تَعَالَى، وَلَا تَسْقُطُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ كَالدَّيْنِ، وَعَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ رَدُّ مَالِ مُسْلِمٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ بِدَارِ الْحَرْبِ. فَإِنْ غَنِمْنَاهُ وَلَوْ مَعَ أَمْوَالِهِمْ رُدَّ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ لِوَاحِدٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ رَدَّهُ أَيْضًا لِمَالِكِهِ وَغَرِمَ لَهُ الْإِمَامُ بَدَلَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ. وَلَوْ اسْتَوْلَدَ الْكَافِرُ جَارِيَةَ مُسْلِمٍ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغُنْمِ أَخَذَهَا وَوَلَدَهَا مَالِكُهَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهَا، وَيُنْدَبُ لَهُ عَدَمُ أَخْذِهَا. وَلَوْ نَكَحَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمَةً، أَوْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ وَوَلَدَتْ مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَدُ لِلشُّبْهَةِ، ثُمَّ إنْ ظَفِرْنَا بِهِمْ لَمْ يَرِقَّ الْوَلَدُ كَأُمِّهِ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ وُجِدَ أَسِيرٌ بِدَارِنَا فَادَّعَى الْإِسْلَامَ أَوْ الذِّمَّةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ أَسِيرٍ وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَوْ غَنِمْنَا رَقِيقًا مُسْلِمًا اشْتَرَاهُ كَافِرٌ مِنْ مُسْلِمٍ رُدَّ لِبَائِعِهِ وَرَدَّ بَائِعُهُ الثَّمَنَ لِلْكَافِرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ. وَفِدَاءُ الْأَسِيرِ مَنْدُوبٌ لِلْآحَادِ، فَلَوْ قَالَ: شَخْصٌ لِلْكَافِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَسِيرِ: أَطْلِقْهُ وَلَك عَلَيَّ كَذَا لَزِمَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْأَسِيرِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ إذَا غَرِمَهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ كَقَوْلِ الْمَدِينِ لِغَيْرِهِ اقْضِ دَيْنِي، وَلَوْ قَالَ: الْأَسِيرُ لِلْكَافِرِ: أَطْلِقْنِي بِكَذَا، أَوْ قَالَ: لَهُ الْكَافِرُ: افْدِ نَفْسَكَ بِكَذَا فَقَبِلَ لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ لَهُمْ مَالًا لِيُطْلِقُوهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمِنْ أَنَّهُمْ لَوْ قَالُوا لَهُ خُذْ هَذَا وَابْعَثْ لَنَا كَذَا مِنْ الْمَالِ فَقَالَ: نَعَمْ فَهُوَ كَالشِّرَاءِ مُكْرَهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ. وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْأُولَى صُورَتُهُ أَنْ يُعَاقِدَهُ عَلَى أَنْ يُطْلِقَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ أَوْ يَرُدَّ إلَيْهِ مَالًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الدَّارِمِيُّ، وَهُنَا عَاقَدَهُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ عَيْنًا. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا عَقْدَ فِيهَا فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَوْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مَا اُفْتُدِيَ بِهِ الْأَسِيرُ لَزِمَهُمْ رَدُّهُ لِلْمُفَادِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ، وَأَمَانُهُ مُخْتَصٌّ بِبَلَدٍ بُلِّغَ مَأْمَنَهُ، فَإِنْ كَانَ أَمَانُهُ عَامًّا لَمْ يَجِبْ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَّصِلُ بِبِلَادِنَا مِنْ بِلَادِهِمْ مِنْ مَحِلِّ أَمَانِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَوْضِعِ الْأَمَانَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 كِتَابُ الْجِزْيَةِ صُورَةُ عَقْدِهَا: أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْتُ فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا   [مغني المحتاج] [كِتَاب عَقْد الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ] (كِتَابُ) عَقْدِ (الْجِزْيَةِ) لِلْكُفَّارِ لَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ عَقَّبَهُ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا الْقِتَالَ بِهَا بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] الْآيَةَ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ، وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ، وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أَيْ لَا تَقْضِي، وَيُقَالُ: جَزَيْتُ دَيْنِي: أَيْ قَضَيْتُهُ، وَجَمْعُهَا جِزًى كَقَرْيَةِ وَقُرًى، وَلَيْسَتْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَلَا التَّقْرِيرِ عَلَيْهِ، بَلْ هِيَ نَوْعُ إذْلَالٍ لَهُمْ وَمَعُونَةٌ لَنَا، وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ مَعَ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ الدَّاعِيَةِ إلَى مَعْرِفَةِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] الْآيَةَ، وَقَدْ أَخَذَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: صِيغَةٌ، وَعَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ لَهُ، وَمَكَانٌ، وَمَالٌ. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِهَا فَقَالَ (صُورَةُ عَقْدِهَا) مِنْ الْمُوجِبِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ نَحْوُ (أُقِرُّكُمْ) كَأَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَوْ الْمُضَارِعِ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِالْمُضَارِعِ الْحَالَ أَوْ الِاسْتِقْبَالَ لِيَنْسَلِخَ عَنْ مَعْنَى الْوَعْدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ مِنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ صِيَغَ الْمُضَارِعِ تَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَقَدْ يُقِرُّهُمْ بِالْجِزْيَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ أَذِنْتُ فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا) غَيْرَ الْحِجَازِ كَمَا سَيَأْتِي (عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا، لَا كَفِّ اللِّسَانِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ. وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ تُعْطُوا بِمَعْنَى تَلْتَزِمُوا (جِزْيَةً) هِيَ كَذَا فِي كُلِّ حَوْلٍ. قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: وَيَقُولُ: أَوَّلَ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ (وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ، وَكَذَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ، وَقَدْ فُسِّرَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا، وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا. قَالُوا: وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيَضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَعَ الِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ، إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: لَا تَنْحَصِرُ صِيغَةُ إيجَابِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَلَوْ قَالَ الْكَافِرُ ابْتِدَاءً: أَقْرِرْنِي بِكَذَا فَقَالَ الْإِمَامُ أَقْرَرْتُك كَفَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِيجَابَ كَالْقَبُولِ (وَالْأَصَحُّ ذِكْرُ اشْتِرَاطِ قَدْرِهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا كَالثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ. وَالثَّانِي وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا خِلَافُ مَا يُفْهِمهُ كَلَامُهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْد الْإِطْلَاقِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَخْصِيصُهُ الْخِلَافَ بِذِكْرِ قَدْرِهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْإِمَامُ فِيهِ خِلَافًا: لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَالتَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ (لَا كَفُّ اللِّسَانِ) مِنْهُمْ (عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ) فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِدُخُولِهِ فِي شَرْطِ الِانْقِيَادِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ، إذْ بِهِ تَحْصُلُ الْمُسَالَمَةُ وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ) لِلْجِزْيَةِ (مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُحْقَنُ بِهِ الدَّمُ فَلَا يَجُوزُ مُؤَقَّتًا كَعِقْدِ الْإِسْلَامِ وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّأْقِيتِ بِمَعْلُومٍ كَسَنَةٍ. أَمَّا الْمَجْهُولُ كَأُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ زَيْدٌ، أَوْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ، فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ حِينَ وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ، لَا فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّأْبِيدِ، بَلْ يَجُوزُ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، وَلَوْ قَالَ: أُقِرُّكُمْ مَا شِئْتُمْ صَحَّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ نَبَذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ لَا تَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ، وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ رَسُولًا، أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ، وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ. وَيُشْتَرَطُ لِعِقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا. إلَّا جَاسُوسًا نَخَافُهُ. وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى   [مغني المحتاج] لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَقْدَهَا عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يُحْتَمَلُ تَأْبِيدُهُ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ. (وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ النَّاطِقِ (لَفْظُ قَبُولٍ) كَقَبِلْت أَوْ رَضِيتُ بِذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ. أَمَّا الْأَخْرَسُ فَيَكْفِي فِيهِ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ نُطْقِهِ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ مَعَ النِّيَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْبَيْعِ، بَلْ أَوْلَى، وَكَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأَمَانِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ شَرْطِ اتِّصَالِ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَقْرَبُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ (وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ) قَالَ دَخَلْتُ (رَسُولًا) وَلَوْ عَبْدًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا (أَوْ) قَالَ دَخَلْتُ (بِأَمَانِ مُسْلِمٍ) يَصِحُّ أَمَانُهُ (صُدِّقَ) فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ، وَقَصْدُ ذَلِكَ يُؤَمِّنُهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى تَأْمِينٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: دَخَلْتُ لِأُسْلِمَ، أَوْ لِأَبْذُلَ جِزْيَةً. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا ادَّعَاهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ عِنْدنَا أَسِيرًا، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، بَلْ يُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ لِإِمْكَانِهَا غَالِبًا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ دَارَنَا بِغَيْرِ أَمَانٍ، فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي مُدَّعِي الرِّسَالَةِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي غَيْرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْعَاقِدُ، فَقَالَ (وَيُشْتَرَطُ لِعِقْدِهَا الْإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ) فِيهَا خُصُوصًا أَوْ عُمُومًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعِظَامِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِمَا، لَكِنْ لَا يُغْتَالُ الْمَعْقُودُ لَهُ، بَلْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَاقِدِهَا (الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا) عَقْدَهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا هُمْ أَبَوْا الْإِسْلَامَ فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ» تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْأَسْرِ. فَأَمَّا الْأَسِيرُ إذَا طَلَبَ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ (إلَّا) إذَا طَلَبَ عَقْدَهَا شَخْصٌ يُخَافُ كَيْدُهُ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ (جَاسُوسًا نَخَافُهُ) فَلَا نُجِيبُهُ لِلضَّرَرِ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ، بَلْ لَا نَقْبَلُ الْجِزْيَةَ مِنْهُ، وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ: كَمَا أَنَّ النَّامُوسَ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ لَهُ فَقَالَ (وَلَا تُعْقَدُ) الْجِزْيَةُ (إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُمْ فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 وَالْمَجُوس وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] إلَى أَنْ قَالَ: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] (وَالْمَجُوس) «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَهَا مِنْهُمْ، وَقَالَ سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ (وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ) لِدِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبِيحَتُهُمْ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْمَيْتَاتِ التَّحْرِيمُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالنَّسْخِ نَسْخُ التَّوْرَاةِ بِالْإِنْجِيلِ فِي الْيَهُودِ، وَنَسْخُ الْإِنْجِيلِ فِي النَّصَارَى بِبَعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ النَّسْخِ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا، أَوْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى كَآبَائِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِدِينٍ بَاطِلٍ وَسَقَطَتْ فَضِيلَتُهُ (أَوْ) أَيْ وَتُعْقَدُ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ كَأَنْ (شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ) أَيْ التَّهَوُّدِ أَوْ التَّنَصُّرِ فَلَمْ نَعْرِفْ أَدَخَلُوا قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ؟ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَالْمَجُوسِ، وَبِذَلِكَ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُمْ نَهَرَا وَتَنُوخُ وَبَنُو تَغْلِبَ تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ يَهُودَ خَيْبَرَ كَغَيْرِهِمْ، وَانْفَرَدَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَة عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَاهُمْ وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ خَوَلًا: أَيْ عَبِيدًا، وَسُئِلَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَمَّا يَدَّعُونَهُ مِنْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا. فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ وَالسَّامِرَةُ فَتُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ، وَكَذَا تُعْقَدُ لَهُمْ لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ كَمَنْ يَقُولُ إنَّ الْفَلَكَ حَيٌّ نَاطِقٌ، وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ فَلَا يُقَرُّونَ بِالْجِزْيَةِ، سَوَاءٌ فِيهِمْ الْعَرَبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَجَمِ مِنْهُمْ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ إلَّا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ (وَكَذَا) يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ -) وَكَذَا صُحُفُ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِمَا صُحُفًا، فَقَالَ: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَتُسَمَّى كِتَابًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: 101] وَقِيلَ لَا تُعْقَدُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهَا مَوَاعِظُ لَا أَحْكَامَ لَهَا، فَلَيْسَ لَهَا حُرْمَةُ الْأَحْكَامِ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبِيحَتُهُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ) تُعْقَدُ لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَإِنْ كَانَ الْكِتَابِيُّ أَمَةً تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَتُحْرَمُ مُنَاكَحَتُهُ وَذَبِيحَتُهُ احْتِيَاطًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا تُعْقَدُ لَهُ كَمَا لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ، أَوْ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تُلَفَّقُ الْإِفَاقَةُ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَنَةً وَجَبَتْ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ رَاجِعٌ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَلَوْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أَوْ بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ تَبَعًا لِتَمَسُّكِ آبَائِهِمْ بِكِتَابٍ قَبْلَ النَّسْخِ، وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعُقِدَ لَهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّ دِينَهُمْ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ. فَإِنْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكَذِبِهِمْ: فَإِنْ كَانَ قَدْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ قِتَالُهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَلْنَاهُمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُشْرَطْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: عَنْ النَّصِّ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا. وَلَوْ تَوَثَّنَ نَصْرَانِيٌّ بَلَغَ الْمَأْمَنَ. ثُمَّ أَطْفَالٌ الْمُتَوَثِّنِينَ مِنْ أُمِّهِمْ النَّصْرَانِيَّةِ نَصَارَى، وَكَذَا أَطْفَالُ النَّصَارَى مِنْ أُمِّهِمْ الْوَثَنِيَّةِ فَتُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ عَلَقَةُ التَّنَصُّرِ، فَلَا تَزُولُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدُ. (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَهُوَ خِطَابُ الذُّكُورِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ". تَنْبِيهٌ: لَوْ طَلَبَ النِّسَاءُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُنَّ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِنَّ. فَإِنْ رَغِبْنَ فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ (وَ) لَا عَلَى (خُنْثَى) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ، وَقَدْ عُقِدَ لَهُ الْجِزْيَةُ طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى لِعَدَمِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ، وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَلَمْ تُعْقَدْ لَهُ الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَمَنْ صَحَّحَ عَدَمَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ: (وَ) لَا عَلَى (مَنْ فِيهِ رِقٌّ) ، فَمَنْ كُلُّهُ رَقِيقٌ أَوْلَى وَلَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَالْعَبْدُ مَالٌ وَالْمَالُ لَا جِزْيَةَ فِيهِ، وَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لَا تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا وَجَبَتْ عَلَى الْمُبَعَّضِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَمَنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ فَإِنَّ إفَاقَتَهُ تُلَفَّقُ كَمَا سَيَأْتِي. وَيَجِبُ عَلَيْهِ بِقَدْرِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِفَاقَةَ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ (وَ) لَا عَلَى (صَبِيٍّ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ - أَيْ مُحْتَلِمٍ - دِينَارًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد، وَلَوْ عَقَدَ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. فَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّجَالِ جَازَ وَلَزِمَهُمْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْوَالِ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ لَمْ يَجُزْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. (وَ) لَا عَلَى (مَجْنُونٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ (فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ) وَكَانَ (قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ) وَلَا عِبْرَةَ بِهَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا (أَوْ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ، فَالْأَصَحُّ تُلَفَّقُ الْإِفَاقَةُ) أَيْ زَمَنُهَا (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَزْمِنَةُ الْإِفَاقَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ (سَنَةً) فَأَكْثَرَ (وَجَبَتْ) جِزْيَةٌ اعْتِبَارًا لِلْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِنُقْصَانِهِ كَالْبَعْضِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يَبْذُلْ جِزْيَةً أُلْحِقَ بِمَنَامِهِ، وَإِنْ بَذْلَهَا عُقِدَ لَهُ، وَقِيلَ عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ هَرِمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَفَقِيرٍ كَسْبٍ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمْكَنَ التَّلْفِيقُ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْجُنُونِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا هَذَا إذَا تَعَاقَبَ الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ، فَلَوْ كَانَ عَاقِلًا فَجُنَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَكَمَوْتِ الذِّمِّيِّ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَقْبَلَ الْحَوْلَ حِينَئِذٍ (وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ) وَلَوْ بِنَبَاتِ عَانَتِهِ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدُ (وَلَمْ يَبْذُلْ) بِالْمُعْجَمَةِ: أَيْ يُعْطِ (جِزْيَةً) بَعْدَ طَلَبِنَا لَهَا مِنْهُ (أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ) سَوَاءٌ أَعْتَقَ الْعَبْدَ ذِمِّيٌّ أَمْ مُسْلِمٌ، وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَتِيقَ الْمُسْلِمِ لَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لِحُرْمَةِ وَلَائِهِ (وَإِنْ بَذْلَهَا) مَنْ ذُكِرَ (عُقِدَ لَهُ) وَلَا يَكْفِي عَقْدُ أَبٍ وَسَيِّدٍ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ أَدْخَلَهُ فِي عَقْدِهِ إذَا بَلَغَ أَوْ عَتَقَ كَأَنْ قَالَ قَدْ الْتَزَمْتُ هَذَا عَنِّي وَعَنْ ابْنِي إذَا بَلَغَ، أَوْ عَبْدِي إذَا عَتَقَ (وَقِيلَ عَلَيْهِ) أَيْ الصَّبِيِّ (كَجِزْيَةِ أَبِيهِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَقْدٍ اكْتِفَاءً بِعَقْدِ أَبِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فَيُعْقَدُ لَهُ عَقْدٌ مُسْتَأْنَفٌ، وَيُسَاوَمُ كَغَيْرِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِالْكَمَالِ وَلِوُجُوبِ جِزْيَةٍ أُخْرَى، وَمَرَّ أَنَّ إعْطَاءَهَا فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الْتِزَامِهَا، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ حَوْلَ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ وَاحِدًا لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ أَخَذُ الْجِزْيَةِ، وَيَسْتَوْفِيَ مَا لَزِمَ التَّابِعَ فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ الَّذِي اتَّفَقَ الْكَمَالُ فِي أَثْنَائِهِ إنْ رَضِيَ التَّابِعُ بِذَلِكَ أَوْ يُؤَخِّرَهُ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي فَيَأْخُذَهُ مَعَ جِزْيَةِ الْمَتْبُوعِ فِي آخِرِهِ، لِئَلَّا يَخْتَلِفَ أَوَاخِرُ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَهُمَا بِحَوْلٍ فَيَأْخُذُ مَا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ عَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ بِدِينَارٍ صَحَّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةَ حَقْنِ الدَّمِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْحَقْنَ مُمْكِنٌ بِدِينَارٍ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَالَحَ السَّفِيهَ مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ صَحَّ صِيَانَةً لِرُوحِهِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ صَوْنَ الدَّمِ فِي الْجِزْيَةِ يَحْصُلُ بِالدِّينَارِ، وَصَوْنُ الرُّوحُ لَا يَحْصُلُ فِي الْقِصَاصِ إلَّا بِالزِّيَادَةِ، إذْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَبُولُ الدِّينَارِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ قَبُولُ الدِّيَةِ، وَلَوْ اخْتَارَ السَّفِيهُ أَنْ يَلْتَحِقَ بِالْمَأْمَنِ لَمْ يَمْنَعْهُ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ عَلَى مَالِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ هَرِمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ) ؛ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ، فَيَسْتَوِي فِيهَا أَرْبَابُ الْأَعْذَارِ وَغَيْرُهُمْ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ إنْ قُلْنَا لَا يُقْتَلُونَ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ (وَ) عَلَى (فَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ) وَلَوْ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ كَالْغَنِيِّ فِي حَقْنِ الدَّمِ وَالسُّكْنَى (فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ) وَكَذَا حُكْمُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا تَعَامَلَ الْمُعْسِرُ، وَيُطَالَبُ إذَا أَيْسَرَ، وَفِي قَوْلٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ إنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ لَهُ عَلَى الزَّمَنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ طَرِيقَانِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَا عَنْ تَفْسِيرِ الْفَقِيرِ هُنَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالرَّازِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ أَحَدُهُمَا مُسْتَحِقُّ الزَّكَاةِ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: مَنْ لَا يَمْلِكُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ، وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا، وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ،   [مغني المحتاج] فَاضِلًا عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ آخِرَ الْحَوْلِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْقَابِلُ لِلتَّقْرِيرِ. فَقَالَ (وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِجِزْيَةٍ أَمْ لَا لِشَرَفِهِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْ جَمِيعَ الْجَزِيرَةِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَجَلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ وَأَقَرَّهُمْ فِي الْيَمَنِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ بِالْإِقَامَةِ بَدَلَ الِاسْتِيطَانِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهَا مَنْعُ الِاسْتِيطَانِ وَلَا عَكْسَ، فَلَوْ أَرَادَ الْكَافِرُ أَنْ يَتَّخِذَ دَارًا بِالْحِجَازِ وَلَمْ يَسْكُنْهَا وَلَمْ يَسْتَوْطِنْهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا (وَهُوَ) أَيْ الْحِجَازُ (مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ) وَهِيَ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ: قِيلَ سُمِّيَتْ بِاسْمِ جَارِيَةٍ زَرْقَاءَ كَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ تَسْكُنُهَا (وَقُرَاهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ كَالطَّائِفِ وَوَجٍّ لِمَكَّةَ وَخَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ الْكَافِرِ (الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ) أَيْ الْحِجَازِ (الْمُمْتَدَّةِ) بَيْنَ هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْإِقَامَةُ فِيهَا عَادَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مُجْتَمَعِ النَّاسِ وَلَا مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْبُقْعَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ، فَأَمَّا الْبِقَاعُ الَّتِي مِنْ الْحَرَمِ، فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهَا قَطْعًا، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إقَامَةٍ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي جَزَائِرِهِ وَسَوَاحِلِهِ الْمَسْكُونَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَسْكُونَةِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَالُوا بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا، وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ، وَجَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ فِي الطُّولِ، وَفِي الْعَرْضِ مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ، وَسُمِّيَتْ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ لِإِحَاطَةِ بَحْرِ الْحَبَشَةِ وَبَحْرِ فَارِسَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ بِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 وَلَوْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، مِنْهُ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ أَذِنَ إنْ كَانَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا نَحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَا يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَيُمْنَعُ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ،   [مغني المحتاج] (وَلَوْ دَخَلَهُ) كَافِرٌ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ) مِنْهُ لِعَدَمِ إذْنِهِ لَهُ (وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ) لِجَرَاءَتِهِ وَدُخُولِ مَا لَيْسَ لَهُ دُخُولُهُ. فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ أُخْرِجَ وَلَمْ يُعَزَّرْ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَ) كَافِرٌ الْإِمَامَ فِي دُخُولِ الْحِجَازِ (أَذِنَ) لَهُ (إنْ كَانَ) فِي دُخُولِهِ (مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ) يُؤَدِّيهَا وَعَقْدِ ذِمَّةٍ وَهُدْنَةٍ (وَحَمْلِ مَا نَحْتَاجُ) نَحْنُ (إلَيْهِ) مِنْ طَعَامٍ وَمَتَاعٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ (فَإِنْ كَانَ) دُخُولُهُ (لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ) كَالْعِطْرِ (لَمْ يَأْذَنْ) لَهُ الْإِمَامُ فِي دُخُولِ الْحِجَازِ (إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا، وَقَدْرُ الْمَشْرُوطِ مَنُوطٌ بِرَأْيِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْقِبْطِ إذَا تَجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ عُشْرَ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ كَالْقَطِيفَةِ، وَيَأْخُذُ نِصْفَ الْعُشْرِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي حَمْلِهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا رَسُولًا أَوْ بِتِجَارَةٍ نُضْطَرُّ نَحْنُ إلَيْهَا. فَإِنْ لَمْ نُضْطَرَّ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ أَخَذَ شَيْءٍ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ عُشْرِهَا جَازَ وَيَجُوزُ دُونَهُ، وَفِي نَوْعٍ أَكْثَرَ مِنْ نَوْعٍ وَلَوْ أَعْفَاهُمْ جَازَ. فَإِنْ شَرَطَ عُشْرَ الثَّمَنِ أُمْهِلُوا إلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِجَارَتِهِمْ، وَمَا يُؤْخَذُ فِي الْحَوْلِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا مَرَّةً وَلَوْ تَرَدَّدَ، وَوُلَاةُ الْمِكَاسَةِ تَفْعَلُ بِالْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ، وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ تِجَارَةِ ذِمِّيِّ وَلَا ذِمِّيَّةٍ إلَّا إنْ شُرِطَ مَعَ الْجِزْيَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِ مُتَّجِرٍ دَخَلَ بِأَمَانٍ وَإِنْ دَخَلَ الْحِجَازَ، وَيُكْتَبُ لِمَنْ أُخِذَ مِنْهُ بَرَاءَةٌ حَتَّى لَا يُطَالَبَ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ الْحَوْلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الدُّخُولِ لِلتِّجَارَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ خَصَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالذِّمِّيِّ، وَقَالَ إنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ (وَ) إذَا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الدُّخُولِ (لَا يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَأَقَلَّ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يَحْسِبُ مِنْهَا يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا، وَيَشْتَرِطُ الْإِمَامُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ الدُّخُولِ وَلَا يُؤَخَّرُ لِقَضَاءِ دَيْنٍ، بَلْ يُوَكِّلُ مَنْ يَقْضِي عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَنْعِ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. أَمَّا لَوْ أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ، وَهَكَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ مَوْضِعَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ. (وَيُمْنَعُ) الْكَافِرُ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ (دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ بِدَلِيلِ، قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] أَيْ فَقْرًا بِانْقِطَاعِ التِّجَارَةِ عَنْكُمْ لِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ. وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ نُقِلَ، وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ، وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَإِلَّا نُقِلَ، فَإِنْ مَاتَ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ هُنَاكَ.   [مغني المحتاج] {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ لِلْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) وَالْإِمَامُ فِي الْحَرَمِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبٌ يَسْمَعُهُ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا إلَّا إلَيْهِ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ وَيُنْهِي إلَيْهِ، وَإِنَّ طَلَبَ مِنَّا الْمُنَاظَرَةَ لِيُسْلِمَ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ دُخُولِهِ إلَيْهِ بَيْنَ حَالِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى دُخُولِهِ الْحَرَمَ مَالًا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ، فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ وَصَلَ الْمَقْصَدَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى، أَوْ دُونَ الْمَقْصَدِ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى. قَاعِدَةٌ: كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ يَسْقُطُ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْعِوَضَ، وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى (وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ (نُقِلَ) مِنْهُ (وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) مِنْ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِدُخُولِهِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ) تَطْهِيرًا لِلْحَرَمِ مِنْهُ (فَإِنْ دُفِنَ) فِيهِ (نُبِشَ وَأُخْرِجَ) مِنْهُ إلَى الْحِلِّ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ نَبْشِهِ إذَا لَمْ يَتَهَرَّ، فَإِنْ تَهَرَّى تُرِكَ، وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ "، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقَدِمَ الْوَفْدُ عَلَيْهِ سَنَةَ عَشْرٍ وَفِيهِمْ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَأَنْزَلَهُمْ مَسْجِدَهُ وَنَاظَرَهُمْ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ (مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ) سَوَاءٌ خِيفَ مَعَ ذَلِكَ مَوْتُهُ أَمْ لَا (تُرِكَ) مُرَاعَاةً لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَعْظُمْ الْمَشَقَّةُ فِيهِ (نُقِلَ) مُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الدَّارِ (فَإِنْ مَاتَ) فِيهِ (وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ) إلَى الْحِلِّ لِتَقَطُّعِهِ مَثَلًا (دُفِنَ هُنَاكَ) لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ لَمْ يُدْفَنْ هُنَاكَ، فَإِنْ دُفِنَ تُرِكَ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي الذِّمِّيِّ. أَمَّا الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ فَلَا يُدْفَنُ فِيهِ، بَلْ تُغْرَى الْكِلَابُ عَلَى جِيفَتِهِ، فَإِنْ تَأَذَّى النَّاسُ بِرِيحِهِ وَوُرِيَ كَالْجِيفَةِ. . [فَصْل أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ] 1 ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْمَالُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ: فَصْلٌ: (أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ) : عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ، لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ وَغَنِيٍّ أَرْبَعَةً. وَلَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ، فَإِنْ أَبَوْا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ.   [مغني المحتاج] «عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمُعَافِرِ» وَهِيَ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِانْقِضَاءِ السَّنَةِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: اخْتَلَفَ قَوْمُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ أَوْ تَجِبُ بِانْقِضَائِهِ، وَبُنِيَ عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ تَسْقُطُ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَقْدِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ حَكَاهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْأَسْرَارِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْجِزْيَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ) أَيْ مُشَاحَّةُ الْكَافِرِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى يَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ، بَلْ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَيُسَنُّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ (حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ، وَ) مِنْ (غَنِيٍّ أَرْبَعَةً) وَمِنْ فَقِيرٍ دِينَارًا اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُتَصَرِّفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ لَهُمْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ. فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَأَطْلَقَ الشَّيْخَانِ اسْتِحْبَابَ الْمُمَاكَسَةِ، فَأَخَذَ شَيْخُنَا مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ كَمَا تَكُونُ فِي الْعَقْدِ تَكُونُ فِي الْأَخْذِ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْمُمَاكَسَةُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيِّ إلَخْ وَهَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ: أَيْ إذَا مَاكَسَهُمْ فِي الْعَقْدِ فَيَأْخُذُ إلَخْ، فَإِنْ أَبَى الْكَافِرُ عَقْدَهَا إلَّا بِدِينَارٍ. أُجِيبَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يُمَاكَسُ هُوَ وَلَا وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ. (وَلَوْ عُقِدَتْ) لِلْكَافِرِ ذِمَّةٌ (بِأَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ (ثُمَّ عَلِمُوا) بَعْدَ الْعَقْدِ (جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ) كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ عَلِمَ الْغَبَنَ (فَإِنْ أَبَوْا) بَذْلَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ، فَيُبَلَّغُونَ الْمَأْمَنَ كَمَا سَيَأْتِي، وَالثَّانِي لَا، وَيَقْنَعُ مِنْهُمْ بِالدِّينَارِ كَمَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَلَغُوا الْمَأْمَنَ، ثُمَّ عَادُوا وَطَلَبُوا الْعَقْدَ بِدِينَارٍ أُجِيبُوا إلَيْهِ كَمَا لَوْ طَلَبُوهُ أَوَّلًا. . تَنْبِيهٌ: لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ كَذَا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ كَذَا، وَأَطْلَقَ الشَّرْطَ صَحَّ وَاعْتُبِرَ الْغِنَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَصَايَا، وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ. وَتُؤْخَذُ بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الْآخِذُ وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا فِي الْمِيزَانِ، وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ، وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ،   [مغني المحتاج] وَغَيْرُهُ عِنْدَ الْأَخْذِ، فَإِنْ قُيِّدَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ بِوَقْتٍ اُتُّبِعَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي التَّوَسُّطِ أَوْ الْفَقِيرِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْ عُهِدَ لَهُ مَالٌ، وَكَذَا مَنْ غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ، وَقَالَ: أَسْلَمْتُ مِنْ وَقْتِ كَذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ. (وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ) أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ (أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ) وَلَهُ وَارِثٌ مُسْتَغْرِقٌ (أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ) مِنْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَفِي الثَّالِثَةِ (مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى) حَقِّ الْوَرَثَةِ وَ (الْوَصَايَا) كَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ إسْلَامِهِ كَمَا ذَكَرَتْهُ لِوُضُوحِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا فَتَرِكَتُهُ فَيْءٌ فَلَا مَعْنَى لَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ التَّرِكَةِ، ثُمَّ رَدِّهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَا يَسْتَغْرِقُ، وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ أُخِذَ مِنْ نَصِيبِ الْوَارِثِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْجِزْيَةُ، وَسَقَطَتْ حِصَّةُ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ آدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ حَتَّى تَكُونَ كَالزَّكَاةِ فَيُوَفَّى الْجَمِيعُ إنْ وَفَّتْ التَّرِكَةُ، وَإِلَّا ضَارَبَ الْإِمَامُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالْجِزْيَةِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهَا عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقِّ الْآدَمِيِّ فَتُقَدَّمُ هِيَ فِي قَوْلٍ، وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ فِي قَوْلٍ، وَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي قَوْلٍ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجِزْيَةَ غَلَبَ فِيهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا أُجْرَةٌ (أَوْ) أَسْلَمَ أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ أَوْ مَاتَ (فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ) لِمَا مَضَى، كَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالسُّكْنَى فَإِذَا سَكَنَ بَعْضَ الْمُدَّةِ وَجَبَ الْقِسْطُ (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْحَوْلُ فَيَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فِي أَثْنَاءِ الْعَامِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِسْطُ حِينَئِذٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَخْذِهِ. اهـ. وَحَمَلَ شَيْخِي النَّصَّ عَلَى مَا إذَا قُسِّمَ مَالُهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ شُهْبَةَ وَالْأُشْمُونِيُّ عَلَى عِبَارَةِ النَّصِّ وَقَالَا كَمَا حَكَاهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَالَ يَعْنِي الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَلَوْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَتَمَّ وَهُوَ مَجْنُونٌ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ بِالْقِسْطِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ بِقَوْلِهِ (وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الْآخِذُ) بِالْمَدِّ: أَيْ الْمُسْلِمُ (وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا) أَيْ الْجِزْيَةَ (فِي) كِفَّةِ (الْمِيزَانِ وَيَقْبِضُ الْآخِذُ) مِنْهُ الْجِزْيَةَ (لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّايِ، وَهُمَا مَجْمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وَكُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ وَحَوَالَةٌ عَلَيْهِ وَأَنْ يَضْمَنَهَا قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ   [مغني المحتاج] وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الصَّغَارَ فِي الْآيَةِ بِهَذَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَضْرِبُ كُلَّ لِهْزِمَةٍ ضَرْبَةً وَهُوَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكْفِيَ الضَّرْبُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ بِالْكَفِّ مَفْتُوحًا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيَقُولُ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ (وَكُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَةِ (مُسْتَحَبٌّ) لِسُقُوطِهِ بِتَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقِيلَ وَاجِبٌ) لِيَحْصُلَ الصَّغَارُ الْمَذْكُورُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ (لَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ (تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ) لِلْجِزْيَةِ (وَ) لَهُ (حَوَالَةٌ) بِهَا (عَلَيْهِ، وَأَنْ يَضْمَنَهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّغَارَ حَاصِلٌ بِالْتِزَامِهِ الْمَالَ وَانْقِيَادِهِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي، وَهُوَ الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ قَدْ يُفْهِمُ صِحَّةَ تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ بِهِ قَطْعًا، وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ طَرْدُ الْخِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ بِالصَّغَارِ وَأَقَرَّاهُ، فَلَوْ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لَشَمِلَ ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِالْأَدَاءِ عَنْ تَوْكِيلِهِ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الصَّغَارَ يُرَاعَى عِنْدَ الْأَدَاءِ، لَا عِنْدَ الْعَقْدِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا فِيمَا يُؤَدَّى بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ كَانَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ سَقَطَتْ الْإِهَانَةُ قَطْعًا (قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُحَرَّرِ (بَاطِلَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا لَا أَصْلَ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلَا نُقِلَ عَنْ فِعْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ (وَ) حِينَئِذٍ (دَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً) مِنْ دَعْوَى جَوَازِهَا، وَدَعْوَى وُجُوبِهَا أَشَدُّ خَطَأً مِنْ دَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: أَشَدُّ بُطْلَانًا لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ: بَاطِلَةٌ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَاطِلَةِ الْخَطَأَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ. وَقَالَ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ بِرِفْقٍ كَأَخْذِ الدُّيُونِ. اهـ. قَالَ الشَّارِحُ: وَفِيهِ تَحَمُّلٌ عَلَى الذَّاكِرِينَ لَهَا، وَلِلْخِلَافِ فِيهَا الْمُسْتَنِدِ إلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ فِي الْآيَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ . وَقَضِيَّةُ كَوْنِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ التَّحْرِيمُ. اهـ. وَتَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ بِالْبُطْلَانِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَيَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَجْبِيَ الْجِزْيَةَ وَعُشْرَ التِّجَارَةِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَيُسْتَحَبُّ) وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْجَوَازُ. (لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَارُّ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ، أَوْ كَانَ غَنِيًّا. لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً ظَاهِرَةً لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَغْنِيَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَدْ لَا يَبِيعُونَ مِنْهُمْ إذَا مَرُّوا بِهِمْ فَيَتَضَرَّرُونَ، فَإِذَا عَلِمُوا أَنَّ ضِيَافَتَهُمْ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةٌ بَادَرُوا إلَى الْبَيْعِ خَوْفًا مِنْ نُزُولِهِمْ عِنْدَهُمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ مِنْهَا، وَتُجْعَلُ عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لَا فَقِيرٍ فِي الْأَصَحّ، وَيَذْكُرُ عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا، وَجِنْسُ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرُهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فِي بَلَدِهِمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِيمَا إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَوْ صُولِحُوا فِي بِلَادِنَا وَانْفَرَدُوا فِي قَرْيَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَكَلَامُ كَثِيرٍ يَقْتَضِيهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَنْ يَشْرِطَ هُوَ الْمَفْعُولُ النَّائِبُ عَنْ فَاعِلِ يُسْتَحَبُّ: أَيْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اشْتِرَاطُ الضِّيَافَةِ لَا أَنَّهُ فَاعِلُ أَمْكَنَهُ وَيَكُونُ مَا ذُكِرَ (زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّمَلُّكِ، وَالضِّيَافَةَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَلَمْ يَجُزْ الِاكْتِفَاءُ بِهَا، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّغْدِيَةُ وَالتَّعْشِيَةُ عَنْ الْكَفَّارَةِ (وَقِيلَ يَجُوزُ) أَنْ تُحْسَبَ الضِّيَافَةُ (مِنْهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا الْجِزْيَةُ، وَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الضَّيْفُ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ (وَتُجْعَلُ) الضِّيَافَةُ (عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لَا) عَلَى (فَقِيرٍ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَيَعْجِزُ عَنْهَا. وَالثَّانِي عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْجِزْيَةِ (وَيَذْكُرُ) الْعَاقِدُ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الضِّيَافَةِ (عَدَدَ الضِّيفَانِ) بِكَسْرِ الضَّادِ جَمْعُ ضَيْفٍ، مِنْ ضَافَ إذَا مَالَ (رِجَالًا وَفُرْسَانًا) ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلْمُنَازَعَةِ وَأَنْفَى لِلْغَرَرِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ صَادِقٌ بِأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَأَنْ يَقُولَ: أَقْرَرْتُكُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَنِيِّ مِنْكُمْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَضِيَافَةَ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَجَّالَةً كَذَا وَفُرْسَانًا كَذَا، أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَأَنْ تُضَيِّفُوا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ مُسْلِمٍ، ثُمَّ هُمْ يُوَزِّعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَإِذَا تَفَاوَتُوا فِي الْجِزْيَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُفَاوِتَ بَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ فَيَجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ عِشْرِينَ مَثَلًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً، وَلَا يُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْغَنِيِّ أَطْعِمَةً فَاخِرَةً أَجْحَفَ بِهِ الضِّيفَانَ، وَإِنْ ازْدَحَمَ الضِّيفَانُ عَلَى الْمُضِيفِ لَهُمْ أَوْ عَكْسُهُ خُيِّرَ الْمُزْدَحَمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَتْ الضِّيفَانُ عَلَيْهِمْ بَدَءُوا بِالسَّابِقِ لِسَبْقِهِ، وَإِنْ تَسَاوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، وَلْيَكُنْ لِلضِّيفَانِ عَرِيفٌ يُرَتِّبُ أَمْرَهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (وَ) يُذْكَرُ (جِنْسُ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرُهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الضِّيفَانِ (كَذَا) مِنْ الْخُبْزِ، وَكَذَا مِنْ السَّمْنِ أَوْ الزَّيْتِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ طَعَامُهُمْ وَأُدْمُهُمْ نَفْيًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُمْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْحِنْطَةَ وَيَتَأَدَّمُونَ بِاللَّحْمِ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الشَّعِيرَ وَيَتَأَدَّمُونَ بِالْأَلْبَانِ أَضَافُوهُمْ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذِكْرِ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا سِوَاهُمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْفَوَاكِهِ لَا يَلْزَمُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانُوا يَأْكُلُونَهَا غَالِبًا فِي كُلِّ يَوْمٍ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي زَمَانِهَا، بِخِلَافِ الْفَوَاكِهِ النَّادِرَةِ وَالْحَلْوَاءِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْحَمَّامِ وَثَمَنُ الدَّوَاءِ، وَلَيْسَ لِلْأَضْيَافِ أَنْ تُكَلِّفَهُمْ مَا لَيْسَ بِغَالِبٍ مِنْ أَقْوَاتِهِمْ، وَلَا ذَبْحَ دَجَاجِهِمْ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 وَعَلَفَ الدَّوَابِّ، وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَمُقَامَهُمْ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى.   [مغني المحتاج] وَقَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا هُوَ بِخَطِّهِ، وَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِ الْوَاوِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَيُقَدَّمُ الطَّعَامُ وَالْأُدْمُ فَيَقُولُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا مِنْ الْخُبْزِ وَكَذَا مِنْ السَّمْنِ (وَ) يَذْكُرُ (عَلَفَ الدَّوَابِّ) وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَقَتٍّ وَحَشِيشٍ، وَيُرْجَعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ، وَلَا يَجِبُ الشَّعِيرُ وَنَحْوُهُ إلَّا مَعَ التَّصْرِيحِ بِهِ فَإِنْ ذَكَرَهُ بَيَّنَ قَدْرَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَعْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ دَوَابَّهُ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى النَّصِّ (وَ) يَذْكُرُ (مَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ) عَنْ أَهْلِهِ وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَسَاكِنِ مِنْهَا وَإِنْ ضَاقَتْ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجِبُ أَنْ تُعَلَّقَ الْأَبْوَابُ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا كَمَا شَرَطَهُ عُمَر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَهْلِ الشَّامِ (وَ) يَذْكُرُ (مُقَامَهُمْ) بِضَمِّ الْمِيمِ: أَيْ قَدْرَ إقَامَةِ الضِّيفَانِ. فِي الْحَوْلِ كَعِشْرِينَ يَوْمًا. أَمَّا بِفَتْحِهِ فَمَعْنَاهُ الْقِيَامُ (وَلَا يُجَاوِزُ) الْمُضِيفُ فِي الْمُدَّةِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا مَشَقَّةً، فَإِنْ وَقَعَ تَوَافُقٌ عَلَى زِيَادَةٍ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَنَقَلَ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اعْتَاضَ الْإِمَامُ عَنْ الضِّيَافَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِرِضَاهُمْ جَازَ، وَاخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَلِضَيْفِهِمْ حَمْلُ الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَكْرُمَةٌ، وَمَا هُنَا مُعَاوَضَةٌ، وَلَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْعِوَضِ، وَلَا طَعَامِ الْغَدِ، وَلَا طَعَامِ أَمْسِ الَّذِي لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضِّيَافَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الضِّيَافَةِ جَمَاعَةٌ أُجْبِرُوا عَلَيْهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ الْكُلُّ قُوتِلُوا، فَإِنْ قَاتَلُوا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، قَالَهُ مُجَلِّي. (وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ) مِنْ الْكُفَّارِ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ (نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ، لَا) بِاسْمِ (جِزْيَةٍ) وَقَدْ عَرَفُوهَا حُكْمًا وَشَرْطًا (فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى) ذَلِكَ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ وَاسْمُ الْجِزْيَةِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ بَعْثَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ تَنُوخُ وَنَهَرَا وَبَنُو تَغْلِبَ لَمَّا طَلَبَهَا مِنْهُمْ أَبَوْا دَفْعَهَا وَقَالُوا نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّي الْعَجَمُ، فَخُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، يُرِيدُونَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ إنَّهَا طُهْرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَسْتُمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَالُوا: تَأْخُذُ مَا شِئْتَ بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَأَبَى فَارْتَحَلُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَلْتَحِقُوا بِالرُّومِ، فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذَهَا جِزْيَةً بِاسْمِ الصَّدَقَةِ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَعَقَدَ لَهُمْ الذِّمَّةَ مُؤَبَّدًا، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُ مَا فَعَلَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، هَذَا إذَا تَيَقَّنَّا وَفَاءَهَا بِدِينَارٍ، وَإِلَّا فَلَا يُجَابُوا، وَلَوْ اقْتَضَى إجَابَتَهُمْ تَسْلِيمُ بَعْضٍ مِنْهُمْ عَنْ بَعْضِ مَا الْتَزَمُوهُ فَإِنَّهُمْ يُجَابُونَ، وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَلْتَزِمَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ وَغَرَضُنَا تَحْصِيلُ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَيَقُولُ الْإِمَامُ فِي صُورَةِ الْعَقْدِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ، وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَا مَخَاضٍ، وَعِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ وَخُمُسُ الْمُعَشَّرَاتِ، وَلَوْ وَجَبَ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ بَعْضَ نِصَابٍ لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] جَعَلْتُ عَلَيْكُمْ ضِعْفَ الصَّدَقَةِ، أَوْ صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ، أَوْ نَحْوُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَلِلْإِمَامِ إلَخْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ بَذْلِهِمْ الدِّينَارَ. نَعَمْ تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِقُوَّتِهِمْ وَضَعْفِنَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا أَبَوْا الدَّفْعَ إلَّا بِاسْمِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهَا جِزْيَةٌ حَقِيقَةً كَمَا سَيَأْتِي. . ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيَانِ التَّضْعِيفِ فَقَالَ (وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ، فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ) وَمِنْ عَشَرَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ سِتُّ شِيَاهٍ، وَمِنْ عِشْرِينَ ثَمَانِ شِيَاهٍ (وَ) مِنْ (خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) بَعِيرًا (بِنْتَا مَخَاضٍ) وَمِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاتَانِ، وَمِنْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعَانِ، وَمِنْ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ ثَمَانِ حِقَاقٍ، أَوْ عَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَلَا يُفَرِّقُ فَلَا يَأْخُذُ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَخَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ، كَمَا لَا يُفَرِّقُ فِي الزَّكَاةِ، كَذَا قَالَاهُ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَشْقِيصَ هُنَا بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَ) مِنْ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَمِنْ الرِّكَازِ خُمُسَانِ (وَخُمُسُ الْمُعَشَّرَاتِ) فِيمَا سُقِيَ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَالْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِهَا (وَلَوْ وَجَبَ) عَلَى كَافِرٍ (بِنْتَا مَخَاضٍ) مَثَلًا (مَعَ جُبْرَانٍ) كَأَنْ كَانَ عِنْدَهُ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَفَقَدَ بِنْتَيْ لَبُونٍ (لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ) عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ، وَلِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الْجُبْرَانَ تَارَةً يُؤْخَذُ وَتَارَةً يُدْفَعُ، وَلَوْ ضَعَّفْنَاهُ عِنْدَ الْأَخْذِ لَزِمَ أَنْ يُضَعَّفَ عِنْد الدَّفْعِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ قَطْعًا. وَالثَّانِي يُضَعَّفُ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْبَعَ شِيَاهِ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَوْ دَفَعَ حِقَّتَيْنِ بَدَلَ بِنْتَيْ لَبُونٍ لَمْ يُضَعَّفْ لَهُ الْجُبْرَانُ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْأَصَحِّ مُنَاقَشَةٌ، فَإِنَّ مُقَابِلَهُ سَاقِطٌ، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ غَلَطٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ. وَيُعْطِي الْإِمَامُ الْجُبْرَانَ مِنْ الْفَيْءِ كَمَا يَصْرِفُهُ إذَا أَخَذَهُ إلَى الْفَيْءِ (وَلَوْ كَانَ) مَا عِنْدَ الْكَافِرِ (بَعْضَ نِصَابٍ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ (لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ) مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ (فِي الْأَظْهَرِ) كَشَاةٍ مِنْ عِشْرِينَ وَنِصْفِ شَاةٍ مِنْ عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا وَرَدَ فِي تَضْعِيفِ مَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ لَا فِي إيجَابِ مَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَالثَّانِي يَجِبُ قِسْطُهُ رِعَايَةً لِلتَّضْعِيفِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إنْ لَمْ يُخَالِطْ غَيْرَهُ، فَإِنْ خَلَطَ عِشْرِينَ شَاةً بِعِشْرِينَ شَاةً لِغَيْرِهِ أَخَذَ مِنْهُ شَاةً إنْ ضَعَّفْنَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمَشْهُورِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْأَوْقَاصِ الَّتِي بَيْنَ النُّصُبِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ؟ وَجْهَانِ: فِي الْكِفَايَةِ قِيَاسُ بَابِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 ثُمَّ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ، فَلَا فَصْل يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ. يَلْزَمُنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ   [مغني المحتاج] الزَّكَاةِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَقِيَاسُ اعْتِبَارِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالتَّوَسُّطِ آخِرَ الْحَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ تَرْجِيحُ الثَّانِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (ثُمَّ الْمَأْخُوذُ) بِاسْمِ الزَّكَاةِ مُضَعَّفًا أَوْ غَيْرَ مُضَعَّفٍ (جِزْيَةٌ) وَإِنْ بُدِّلَ اسْمُهَا تُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ. فَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: هَؤُلَاءِ حَمْقَاءُ أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضَوْا بِالْمَعْنَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: جِزْيَةٌ هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ: بَعْدَ جِزْيَةٍ حَقِيقَةً، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، أَوْ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لِغَيْرِهِ، وَعَلَى كَوْنِ الْمَأْخُوذِ جِزْيَةً (فَلَا) يَنْقُصُ عَنْ دِينَارٍ حَتَّى لَوْ وَفَّى قَدْرَ الزَّكَاةِ بِلَا تَضْعِيفٍ أَوْ نِصْفَهَا بِالدِّينَارِ يَقِينًا لَا ظَنًّا كَفَى أَخْذُهُ، فَلَوْ كَثُرُوا وَعَسُرَ عَدَدُهُمْ لِمَعْرِفَةِ الْوَفَاءِ بِالدِّينَارِ لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، بَلْ يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ أَخْذِ دِينَارٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ تَضْعِيفُهَا، وَلَا تَنْصِيفُهَا، فَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا وَنَحْوُهُمَا عَلَى مَا يَرَوْنَهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ. وَلَا (يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ) كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى بِخِلَافِ الْفَقِيرِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَإِذَا شُرِطَ ضِعْفُ الصَّدَقَةِ وَزَادَ عَلَى دِينَارٍ، ثُمَّ سَأَلُوا إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ أُجِيبُوا عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْمِ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ. تَتِمَّةٌ: لَوْ صَالَحْنَاهُمْ وَأَبْقَيْنَا أَرْضَهُمْ عَلَى مِلْكِهِمْ وَضَرَبْنَا عَلَيْهَا خَرَاجًا يُؤَدُّونَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَنْ كُلِّ جَرِيبٍ كَذَا يَفِي ذَلِكَ الْخَرَاجُ بِالْجِزْيَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ فَالْمَأْخُوذُ جِزْيَةً يُصْرَفُ مَصْرِفَ الْفَيْءِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى، وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تُزْرَعْ الْأَرْضُ، أَوْ بَاعُوهَا، أَوْ وَهَبُوهَا مَا لَمْ يُسْلِمُوا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ كَمَا مَرَّ فَإِنْ اشْتَرَاهَا مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهَا فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ، وَالْخَرَاجُ بَاقٍ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْخَرَاجُ فِي مَوَاتٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ، لَا فِيمَا لَا يَذُبُّونَ عَنْهُ وَإِنْ أَحْيَوْهُ إلَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِمَّا يُحْيُونَهُ، وَإِنْ ضَرَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا وَيَسْكُنُونَهَا وَيُؤَدُّونَ كُلَّ سَنَةِ عَنْ كُلِّ جَرِيبٍ كَذَا فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدُ إجَارَةٍ فَلَا سَقَطَ بِإِسْلَامِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَبْلُغَ دِينَارًا وَالْجِزْيَةُ بَاقِيَةٌ فَتَجِبُ مَعَ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ الْأَرْضِ وَلَا هِبَتُهَا، وَلَهُمْ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُؤَجِّرُ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَرْضِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ. . [فَصْل فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ] [فَصْلٌ] فِي أَحْكَامِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا مَرَّ (يَلْزَمُنَا) بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ الصَّحِيحِ لِلْكُفَّارِ (الْكَفُّ عَنْهُمْ) نَفْسًا وَمَالًا، وَخَلَاصُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، وَاسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَرَّحَ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ وَقِيلَ إنْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ. وَنَمْنَعُهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ   [مغني المحتاج] فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْكَفُّ عَنْ خُمُورِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَسَائِرِ مَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُظْهِرُوهُ بَيْنَنَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا قِتَالَهُمْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ، وَالْإِسْلَامُ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فَكَذَا الْجِزْيَةُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرَ «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . (وَ) يَلْزَمُنَا (ضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا) أَيْ يَضْمَنُهُ الْمُتْلِفُ مِنَّا كَمَا يَضْمَنُ مَالَ الْمُسْلِمِ وَنَفْسَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمَالِ عَنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَمَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَظْهَرُوهُ أَمْ لَا، لَكِنْ مَنْ غَصَبَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ وَيَعْصَى بِإِتْلَافِهَا إلَّا إنْ أَظْهَرُوهَا، وَتُرَاقُ خَمْرُ مُسْلِمٍ اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ وَقَبَضَهَا وَلَا ثَمَنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا بِإِخْرَاجِهَا إلَيْهِ، وَلَوْ قَضَى الذِّمِّيُّ دَيْنَ مُسْلِمٍ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمِ قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي عَقِيدَتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ الْقَبُولُ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَبُولُهُ مَعَ الْعِلْمِ مَرْدُودٌ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ نَفْسًا وَمَالًا مَنْصُوبَانِ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ الْكَفِّ وَحُذِفَا مِنْ قَوْلِهِ وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ لِدَلَالَةِ مَا سَبَقَ، وَالتَّمْيِيزُ إذَا عُلِمَ جَازَ حَذْفُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَفُّ وَضَمَانُ مِنْ تَنَازُعِ الْعَامِلَيْنِ؛ لِأَنَّكَ إنْ أَعْمَلْتَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا أَضْمَرْتَ فِي الثَّانِي فَيَلْزَمُ وُقُوعُ التَّمْيِيزِ مَعْرِفَةً، وَإِنْ أَعْمَلْتَ الثَّانِي لَزِمَ الْحَذْفُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيَلْزَمُنَا اسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ وَاسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (وَ) يَلْزَمُنَا (دَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ) وَغَيْرِهِمْ (عَنْهُمْ) إذَا كَانُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّبِّ عَنْ الدَّارِ، وَمَنْعِ الْكُفَّارِ مِنْ طُرُوقِهَا (وَقِيلَ إنْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ) بِجِوَارِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ (لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ) عَنْهُمْ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ الذَّبُّ عَنَّا عِنْدَ طُرُوقِ الْعَدُوِّ لَنَا، وَالْأَصَحُّ اللُّزُومُ إنْ أَمْكَنَ إلْحَاقًا لَهُمْ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِصْمَةِ وَالصِّيَانَةِ. أَمَّا الْمُسْتَوْطِنُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ إذْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ، فَلَا يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ جَزْمًا إلَّا إنْ شُرِطَ الذَّبُّ عَنْهُمْ هُنَاكَ فَيَلْزَمُنَا وَفَاءً بِالشَّرْطِ. فَإِنْ لَمْ نَدْفَعْ عَنْهُمْ حَيْثُ لَزِمَنَا ذَلِكَ، فَلَا جِزْيَةَ لِمُدَّةِ عَدَمِ الدَّفْعِ. فَإِنْ ظَفِرَ الْإِمَامُ مِمَّنْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا وَجَدَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ إنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا مَالَنَا. (وَنَمْنَعُهُمْ) وُجُوبًا (إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ) وَبَيْعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلرُّهْبَانِ، وَبَيْتِ نَارٍ لِلْمَجُوسِ (فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ) كَبَغْدَادَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْقَاهِرَةِ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرَبَ مِنْهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ كَتَبَ إلَيْهِمْ كِتَابًا " أَنَّهُمْ لَا يَبْنُونَ فِي بِلَادِهِمْ وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ " وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةَ لَا يُحْدِثُونَهَا فِيهِ، وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ صُلْحًا بِشَرْطِ الْأَرْضِ لَنَا، وَشَرْطِ إسْكَانِهِمْ، وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ جَازَ، وَإِنْ أُطْلِقَ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ،   [مغني المحتاج] الصَّحَابَةِ. وَلِأَنَّ إحْدَاثَ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، فَلَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ بَنَوْا ذَلِكَ هُدِمَ، سَوَاءٌ أَشُرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا، وَلَوْ عَاقِدِهِمْ الْإِمَامُ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ إحْدَاثِهَا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ (أَوْ) بَلَدٍ (أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) كَالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْيَمَنِ، فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ أَيْضًا مِمَّا ذُكِرَ لِمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وُجِدَتْ كَنَائِسُ أَوْ نَحْوُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَجُهِلَ أَصْلُهَا بَقِيَتْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَرِّيَّةٍ فَاتَّصَلَ بِهَا عُمْرَانٌ مَا أَحْدَثُ مِنَّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ عُلِمَ إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بِنَائِهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُنَا هَدْمُهُ. هَذَا إذَا بُنِيَ ذَلِكَ لِلتَّعَبُّدِ. فَإِنْ بُنِيَ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ نُظِرَ، إنْ كَانَ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَطْ فَوَجْهَانِ: جَزَمَ صَاحِبُ الشَّامِلِ مِنْهُمَا بِالْجَوَازِ (وَمَا) أَيْ وَالْبَلَدُ الَّذِي (فُتِحَ عَنْوَةَ) كَمِصْرِ وَأَصْبَهَانَ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ (لَا يُحْدِثُونَهَا فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَيُمْتَنَعُ جَعْلُهَا كَنِيسَةً، وَكَمَا لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا لَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا إذَا انْهَدَمَتْ (وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكَنَائِسِ بِمِصْرَ. كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَا بِالْعِرَاقِ، وَالثَّانِي يُقَرُّونَ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ قَدْ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْقَائِمَةِ عِنْدَ الْفَتْحِ. أَمَّا الْمُنْهَدِمَةُ أَوْ الَّتِي هَدَمَهَا الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَوْلَى أَهْلُ حَرْبٍ عَلَى بَلْدَةِ أَهْلِ ذِمَّةٍ وَفِيهَا كَنَائِسُهُمْ. ثُمَّ اسْتَعَدْنَاهَا مِنْهُمْ عَنْوَةً أُجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيلَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ، قَالَهُ صَاحِبُ الْوَافِي: وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ (أَوْ) فُتِحَ الْبَلَدُ (صُلْحًا) كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ (بِشَرْطِ) كَوْنِ (الْأَرْضِ لَنَا وَشَرْطِ إسْكَانِهِمْ) فِيهَا بِخَرَاجٍ (وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ) مَثَلًا لَهُمْ (جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْبَلَدِ لَهُمْ فَعَلَى بَعْضِهِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ " يَقْتَضِي مَنْعَهُمْ مِنْ إحْدَاثِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ إذَا صُولِحُوا عَلَى إحْدَاثِهَا جَازَ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرَا خِلَافَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ مَا إذَا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ اهـ. وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْجَوَازِ الْمُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْمَنْعِ، إذْ الْجَوَازُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَوَازِ ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ (وَإِنْ) فُتِحَ الْبَلَدُ صُلْحًا بِشَرْطِ الْأَرْضِ لَنَا وَ (أُطْلِقَ) الصُّلْحُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إبْقَاءَ الْكَنَائِسِ وَلَا عَدَمَهُ (فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ) مِنْ إبْقَائِهَا فَيُهْدَمُ مَا فِيهَا مِنْ الْكَنَائِسِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي ضَرُورَةَ جَمِيعِ الْبَلَدِ لَنَا، وَالثَّانِي لَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا فِي عِبَادَتِهِمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 أَوْ لَهُمْ قُرِّرَتْ، وَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا، وَقِيلَ نَدْبًا مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ،   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ دُخُولُ كَنَائِسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ دُخُولَهُمْ إلَيْهَا، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْجَوَازُ بِالْإِذْنِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِيهَا صُورَةٌ. فَإِنْ كَانَ وَهِيَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ حَرُمَ هَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا وَإِلَّا جَازَ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِزَالَةِ، وَغَالِبُ كَنَائِسِهِمْ الْآنَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (أَوْ) فُتِحَ صُلْحًا بِشَرْطِ الْأَرْضِ (لَهُمْ) وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا (قُرِّرَتْ) كَنَائِسُهُمْ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ (وَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لَهُمْ فَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْبَلَدَ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ شِعَارِهِمْ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَأَعْيَادِهِمْ كَضَرْبِ نَاقُوسِهِمْ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ إيوَاءِ الْجَاسُوسِ وَتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ وَسَائِرِ مَا نَتَضَرَّرُ بِهِ فِي دِيَارِهِمْ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ جَوَّزْنَا أَيْضًا الْكَنَائِسَ، فَلَا مَنَعَ مِنْ تَرْمِيمِهَا إذَا اسْتُهْدِمَتْ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ، وَهَلْ يَجِبُ إخْفَاءُ الْعِمَارَةِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَطْيِينِهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ، وَتَجُوزُ إعَادَةُ الْجُدْرَانِ السَّاقِطَةِ، وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنِيسَةُ الْمُبْقَاةُ، فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إعَادَتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِحْدَاثٍ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ: وَلَا أَرَى الْفَتْوَى بِذَلِكَ. فَإِنَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَوْ نَحْوِهَا رَأَيْتُ فِي مَنَامِي رَجُلًا مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ زَرْقَاءُ، فَعِنْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ طَلَبَنِي ذَلِكَ الْعَالِمُ فَوَجَدْتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِيهِ، وَبِيَدِهِ كُرَّاسَةٌ فِي تَرْمِيمِ الْكَنَائِسِ، يُرِيدُ أَنْ يَنْتَصِرَ لِجَوَازِ التَّرْمِيمِ وَيَسْتَعِينَ بِي فَذَكَرْتُ وَاعْتَبَرْتُ. قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِنَا لَا نَمْنَعُهُمْ التَّرْمِيمَ، لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَائِزٌ، بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي يُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَا نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ وَلِيُّ الْأَمْرِ فِيهِ كَمَا يَأْذَنُ فِي الْأَشْيَاءِ الْجَائِزَةِ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى تَمْكِينِهِمْ التَّخْلِيَةُ وَعَدَمُ الْإِنْكَارِ كَمَا أَنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَوْ اشْتَرَوْهُمَا أَوْ اسْتَأْجَرُوا مَنْ يَكْتُبُهُمَا لَهُمْ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُمْ افْعَلُوا ذَلِكَ وَأَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَأَنْ يَعْمَلَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرُوا لَهُ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالتَّرْمِيمِ الْإِعَادَةُ لِمَا تَهَدَّمَ مِنْهَا لَا بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ. قَالَ: وَهَذَا مَدْلُولُ لَفْظِ الْإِعَادَةِ وَالتَّرْمِيمِ، وَمَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِنَقْلٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا التَّمْكِينُ وَالْحَقُّ عِنْدِي خِلَافُهُ اهـ. وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ، وَلَيْسَ لَهُمْ تَوْسِيعُهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْأُولَى. (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ الذِّمِّيُّونَ (وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ) لَهُمْ (عَلَى بِنَاءِ جَارٍ) لَهُمْ (مُسْلِمٍ) وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَلِيَتَمَيَّزَ الْبِنَاءَانِ، وَلِئَلَّا يُطَّلَعَ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا   [مغني المحتاج] عَوْرَاتِنَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى الْجَارُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ الدِّينِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مُعْتَدِلًا أَمْ فِي غَايَةِ الِانْخِفَاضِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْمَنْعِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى، فَلَوْ كَانَ قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بِنَاؤُهُ أَوْ أَنَّهُ هَدَمَهُ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ بِنَاءِ جِدَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى، لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ حَقُّهَا الَّذِي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ تُعَطَّلُ عَلَيْهِ بِإِعْسَارِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَارِ كَمَا قَالَ الْجُرْجَانِيِّ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ دُونَ جَمِيعِ الْبَلَدِ (وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ) أَيْضًا بَيْنَ بِنَاءِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} [آل عمران: 112] فَيَنْبَغِي اسْتِحْقَارُهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ تَمْيِيزُهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْمُلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عُلُوِّ الْإِسْلَامِ، وَلَا عُلُوَّ مَعَ الْمُسَاوَاةِ. تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ رَفْعُ تَصْوِيرٍ الْمَنْعُ بِالْإِحْدَاثِ، فَلَوْ مَلَكَ الذِّمِّيُّ دَارًا مُسَاوِيَةً أَوْ عَالِيَةً لَمْ يُكَلَّفْ هَدْمَهَا، وَكَذَا مَا بَنَوْهُ قَبْلَ أَنْ تُمْلَكَ بِلَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ طُلُوعِ سَطْحِهِ إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ مَأْمُونٌ، وَيُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ صِبْيَانِنَا، حَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ انْهَدَمَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ امْتَنَعَ الْعُلُوُّ وَالْمُسَاوَاةُ، وَلَوْ رَفَعَ بِنَاءَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَرْفَعَ بِنَاءَهُ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَخَّرْ هَدْمُ بِنَائِهِ بِذَلِكَ، فَلَوْ تَأَخَّرَ نَقَضَهُ حَتَّى رَفَعَ الْمُسْلِمُ بِنَاءَهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ النَّقْضِ بِذَلِكَ، وَلَوْ رَفَعَهُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِنَقْضِهِ فَبَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّ النَّقْضِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى حَوَاشِي كِفَايَتِهِ: يَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمُسْتَعِيرُ مَا بَنَاهُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ بَعْدَ رُجُوعِ الْمُعِيرِ. وَكَذَا بَيْعُ الْبِنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يُجَوِّزُوهُ انْبَنَى عَلَى مَنْ اشْتَرَى فَصِيلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، ثُمَّ اشْتَرَى الْأَرْضَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ؟ وَجْهَانِ. اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ النَّقْضُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِنَقْضِهِ إذَا بَاعَهُ لِمُسْلِمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَحَكَمْتُ أَيَّامَ قَضَائِي عَلَى يَهُودِيٍّ بِهَدْمِ مَا بَنَاهُ، وَبِالتَّنْقِيصِ عَنْ الْمُسَاوَاةِ لِجَارِهِ فَأَسْلَمَ فَأَقْرَرْته عَلَى بِنَائِهِ وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ، وَظَنِّي أَنِّي كُنْتُ قُلْتُ لَهُ إنْ أَسْلَمْتَ لَمْ أَهْدِمْهُ اهـ. بَلْ الْوَجْهُ عَدَمُ الْهَدْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 12] الْآيَةَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ دَارًا عَالِيَةً لَمْ يُمْنَعْ مِنْ سُكْنَاهَا بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي الْمُرْشِدِ، وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ مَلَكَ دَارًا لَهَا رَوْشَنٌ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُشْرَعُ لَهُ رَوْشَنٌ: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَوْ لَا يَجْرِي؛ لِأَنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَالرَّوْشَنُ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " الْمُسْلِمُ "، رَفْعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمْ فَفِي مَنْعِ عُلُوِّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ: وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ الْجَوَازُ (وَ) الْأَصَحُّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ لَمْ يُمْنَعُوا. وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ رُكُوبَ خَيْلٍ لَا حَمِيرٍ، وَبِغَالٍ نَفِيسَةٍ، وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ، وَلَا سَرْجٍ،   [مغني المحتاج] بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِطَرَفٍ مِنْ الْبَلَدِ، مُنْقَطِعٍ عَنْ الْعِمَارَةِ (لَمْ يُمْنَعُوا) مِنْ رَفْعِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ الْمُطَاوَلَةُ، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ عِنْدَ وُجُودِ بِنَاءِ مُسْلِمٍ وَلِامْتِنَاعِ خَوْفِ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْلَاءٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أَمَّا إذَا الْتَصَقَتْ دُورُ الْبَلَدِ مِنْ أَحَدِ جَوَانِبِهَا، فَإِنَّا نَعْتَبِرُ فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ فِيهِ بِنَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى بِنَاءِ مَنْ يُجَاوِرُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ بَقِيَّةِ الْجَوَانِبِ، إذْ لَا جَارَ لَهُمْ. (وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ) الذَّكَرُ الْمُكَلَّفُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ (رُكُوبَ خَيْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَأَمَرَ أَوْلِيَاءَهُ بِإِعْدَادِهَا لِأَعْدَائِهِ - وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . وَعَنَى بِهِ الْغَنِيمَةَ وَهُمْ مَغْنُومُونَ. وَرُوِيَ «الْخَيْلُ ظُهُورُهَا عِزٌّ» وَهُمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ. أَمَّا إذَا انْفَرَدُوا بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا لَمْ يُمْنَعُوا فِي أَقْرَبِ الْوَجْهَيْنِ إلَى النَّصِّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، قَالَ: وَلَوْ اسْتَعَنَّا بِهِمْ فِي حَرْبٍ حَيْثُ يَجُوزُ، فَالظَّاهِرُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ رُكُوبِهَا زَمَنَ الْقِتَالِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ رُكُوبِ الْخَيْلِ بَيْنَ النَّفِيسِ مِنْهَا وَالْخَسِيسِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، لَكِنْ اسْتَثْنَى الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْهَا الْبَرَازِينُ الْخَسِيسَةَ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي (لَا) رُكُوبَ (حَمِيرٍ) قَطْعًا وَلَوْ رَفِيعَةَ الْقِيمَةِ (وَ) لَا (بِغَالٍ نَفِيسَةٍ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا خَسِيسَةٌ، وَأَلْحَقَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْبِغَالَ النَّفِيسَةَ بِالْخَيْلِ، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، فَإِنَّ التَّجَمُّلَ وَالتَّعَاظُمَ بِرُكُوبِهَا أَكْثَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْخَيْلِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا تَوَقُّفَ عِنْدَنَا فِي الْفَتْوَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْكَبُهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي الْغَالِبِ إلَّا أَعْيَانُ النَّاسِ، أَوْ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ اهـ. وَيُمْنَع تَشَبُّهُهُمْ بِأَعْيَانِ النَّاسِ، أَوْ مَنْ يُتَشَبَّهُ بِهِمْ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: أَيْ بَرْذَعَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ (وَرِكَابِ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ) وَنَحْوِهِ (وَلَا سَرْجٍ) اتِّبَاعَا لِكِتَابِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَتَمَيَّزُوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ الرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مِنْ خَشَبٍ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَرْكَبُ عَرْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبِ وَاحِدٍ وَظَهْرَهُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَحْسُنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبَ إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ إلَى بَعِيدَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُمْنَعُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَمِنْ اللُّجُمِ الْمُزَيَّنَةِ بِالنَّقْدَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَعَلَّ مَنْعَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَضَرِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَسْفَارِ الْمَخُوفَةِ وَالطَّوِيلَةِ. أَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، حَكَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَأَقَرَّهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّحُوا أَنَّ النِّسَاءَ يُؤْمَرْنَ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ وَالتَّمْيِيزِ فِي الْحَمَّامِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ كَالضَّرُورِيِّ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 وَيُلْجَأُ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ. وَلَا يُوَقَّرُونَ، وَلَا يُصَدَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ. وَيُؤْمَرُ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ   [مغني المحتاج] الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ (وَيُلْجَأُ) الذِّمِّيُّ عِنْدَ زَحْمَةِ الْمُسْلِمِينَ (إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ) بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ» . أَمَّا إذَا خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ، قَالَ فِي الْحَاوِي: وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ. (وَلَا يُوَقَّرُونَ وَلَا يُصَدَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ) فِيهِ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّهُمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ ذَلِكَ. فَائِدَةٌ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ عَلَى الْمَلِكِ الْأَفْضَلِ بْنِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ، وَكَانَ إلَى جَانِبِهِ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَوَعَظَ الطُّرْطُوشِيُّ الْأَمِيرَ حَتَّى بَكَى، ثُمَّ أَنْشَدَ: يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ قُرْبَةٌ ... وَحُبُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ إنَّ الَّذِي شَرُفْتَ مِنْ أَجَلِهِ - أَيْ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزْعُمُ هَذَا - أَيْ النَّصْرَانِيُّ - أَنَّهُ كَاذِبُ فَأَقَامَهُ الْأَفْضَلُ مِنْ مَوْضِعِهِ، هَكَذَا كَانَتْ الْعُلَمَاءُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُلُوكِ. وَتَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّ مُخَالَطَتَهُ مَكْرُوهَةٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ، وَالْمَوَدَّةَ إلَى الْمِيلِ الْقَلْبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمِيلُ الْقَلْبِيُّ لَا اخْتِيَارَ لِلشَّخْصِ فِيهِ؟ . أُجِيبَ بِإِمْكَانِ رَفْعِهِ بِقَطْعِ أَسْبَابِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا مِيلُ الْقَلْبِ، كَمَا قِيلَ: الْإِسَاءَةُ تَقْطَعُ عُرُوقَ الْمَحَبَّةِ. (وَيُؤْمَرُ) الذِّمِّيُّ وَالذِّمِّيَّةُ الْمُكَلَّفَانِ فِي الْإِسْلَامِ وُجُوبًا (بِالْغِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ كَلٌّ مِنْهُمَا بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخَيَّاطَةُ عَلَيْهِ، كَالْكَتِفِ عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ ثَوْبِهِ وَيَلْبِسهُ، وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ، مَعْرُوفِينَ، فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزِهِمْ وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ: الْأَصْفَرُ، وَبِالنَّصَارَى: الْأَزْرَقُ وَالْأَكْهَبُ، وَيُقَالُ لَهُ الرَّمَادِيُّ، وَبِالْمَجُوسِ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْلَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ اهـ. وَيَكْفِي عَنْ الْخِيَاطَةِ الْعِمَامَةُ كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ الْآنَ. أَمَّا إذَا انْفَرَدُوا بِمَحَلَّةٍ فَلَهُمْ تَرْكُ الْغِيَارِ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَعْلِيَةِ الْبِنَاءِ (وَ) يُؤْمَرُ الذِّمِّيُّ أَيْضًا بِشَدِّ (الزُّنَّارِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 فَوْقَ الثِّيَابِ. وَإِذَا دَخَلَ حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ جَعَلَ فِي عُنُقِهِ خَاتَمَ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ وَنَحْوُهُ. وَيُمْنَعُ مِنْ إسْمَاعِهِ الْمُسْلِمِينَ شِرْكًا، وَقَوْلَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ، وَمِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ: خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ (فَوْقَ الثِّيَابِ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، هَذَا فِي الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَشُدُّهُ تَحْتَ الْإِزَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ مَعَ ظُهُورِ بَعْضِهِ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَلْوَانِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ أَوْلَى، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ لَبِسَ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً يُمَيِّزُهَا عَنْ قَلَانِسِنَا بِعَلَامَةٍ فِيهَا. (وَإِذَا دَخَلَ) الذِّمِّيُّ مُتَجَرِّدًا (حَمَّامًا) وَهُوَ مُذَكَّرٌ بِدَلِيلِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ مُذَكَّرًا فِي قَوْلِهِ (فِيهِ مُسْلِمُونَ أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ) بَيْنَ مُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ حَمَّامٍ (جَعَلَ) وُجُوبًا (فِي عُنُقِهِ خَاتَمَ حَدِيدٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا (أَوْ رَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَوْلُهُ (وَنَحْوُهُ) مَرْفُوعٌ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى خَاتَمٍ لَا رَصَاصٍ، وَأَرَادَ بِنَحْوِ الْخَاتَمِ الْجُلْجُلَ وَنَحْوَهُ، وَيَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى الرَّصَاصِ، وَيُرَادُ حِينَئِذٍ بِنَحْوِهِ النُّحَاسُ وَنَحْوُهُ، بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْخَاتَمُ طَوْقٌ يَكُونُ فِي الْعُنُقِ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ دُخُولِهِنَّ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ الْمَنْعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُنَّ أَجْنَبِيَّاتٌ فِي الدِّينِ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مَالَهُ بِهَذَا تَعَلُّقٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي دُخُولِ الْمُسْلِمَاتِ الْحَمَّامَ فِي بَابِ الْغُسْلِ. . فُرُوعٌ: لَوْ لَبِسَ الذِّمِّيُّ الْحَرِيرَ وَتَعَمَّمَ أَوْ تَطَيْلَسَ لَمْ يُمْنَعْ كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفِيعِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ التَّشَبُّهِ بِلِبَاسِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ، لَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعَاظُمِ وَالتِّيهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لَمَا فِيهِ مِنْ التَّطَاوُلِ وَالْمُبَاهَاةِ، وَتَجْعَلُ الْمَرْأَةُ خُفَّهَا لَوْنَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ، بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: وَلَا يَنْبَغِي لِفَعَلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَصُيَّاغِهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُشْرِكِينَ كَنِيسَةً أَوْ صَلِيبًا. وَأَمَّا نَسْجُ الزَّنَانِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ صَغَارًا لَهُمْ (وَيُمْنَعُ) الْكَافِرُ (مِنْ إسْمَاعِهِ الْمُسْلِمِينَ) قَوْلًا (شِرْكًا) كَقَوْلِهِمْ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا (وَقَوْلَهُمْ) بِالنَّصْبِ بِخَطِّهِ عَطْفًا عَلَى شِرْكًا (فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا وَعَلَى بَقِيَّةِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ) وَهُوَ مَا تَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ (وَعِيدٍ) وَمِنْ إظْهَارِ قِرَاءَتِهِمْ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَلَوْ فِي كَنَائِسِهِمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَإِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي الْعَقْدِ أَمْ لَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 وَلَوْ شُرِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فَخَالَفُوا لَمْ يُنْتَقَضْ الْعَهْدُ. وَلَوْ قَاتَلُونَا أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ انْتَقَضَ. وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ، أَوْ دَلَّ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ، أَوْ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُوءٍ   [مغني المحتاج] أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَمَتَى أَظْهَرُوا خُمُورَهُمْ أُرِيقَتْ، وَقِيَاسُهُ إتْلَافُ النَّاقُوسِ إذَا أَظْهَرُوهُ، وَإِذَا فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمْ، وَذَلِكَ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ عِنْدَهُمْ كَشَرْعِنَا، بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ بِشُرْبِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَفُهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِظْهَارِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَذَا إذَا انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. فُرُوعٌ: يُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ إظْهَارِ دَفْنِ مَوْتَاهُمْ، وَمِنْ النَّوْحِ وَاللَّطْمِ، وَمِنْ إسْقَاءِ مُسْلِمٍ خَمْرًا، وَمِنْ إطْعَامِهِ خِنْزِيرًا، وَمِنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ اسْتِبْذَالِهِمْ إيَّاهُمْ فِي الْخِدْمَةِ بِأُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ أَظْهَرُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عُزِّرُوا، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ (وَلَوْ شُرِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ) مِنْ إحْدَاثِ الْكَنِيسَةِ فَمَا بَعْدَهُ فِي الْعَقْدِ: أَيْ شَرْطُ نَفْيِهَا (فَخَالَفُوا) ذَلِكَ بِإِظْهَارِهَا (لَمْ يُنْتَقَضْ الْعَهْدُ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهَا بِخِلَافِ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَحَمَلُوا الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ عَلَى تَخْوِيفِهِمْ. (وَلَوْ قَاتَلُونَا) وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ (أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ) أَدَاءِ (الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ) عَلَيْهِمْ (انْتَقَضَ) عَهْدُهُمْ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ الِانْتِقَاضُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. أَمَّا إذَا كَانَتْ شُبْهَةٌ كَأَنْ أَعَانُوا طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَادْعُوَا الْجَهْلَ أَوْ صَالَ عَلَيْهِمْ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَلَصِّصِي الْمُسْلِمِينَ وَقُطَّاعِهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ دَفْعًا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ امْتِنَاعُهُمْ مِنْ أَصْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الدِّينَارِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَادِرِ. أَمَّا الْعَاجِزُ إذَا اُسْتُمْهِلَ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُهَا مِنْ الْمُوسِرِ قَهْرًا وَلَا يُنْتَقَضُ وَيُخَصُّ بِالْمُتَغَلِّبِ الْمُقَاتِلُ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنَّمَا يُؤْثَرُ عَدَمُ الِانْقِيَادِ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ يَتَعَلَّقُ بِقُوَّةٍ وَعِدَّةٍ وَنَصْبٍ لِلْقِتَالِ. وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ هَارِبًا فَلَا يُنْتَقَضُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. (وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ) مَعَ عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا حَالَ الزِّنَا، وَسَيَأْتِي جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ فَالْأَصَحُّ إلَخْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّانِي بِإِسْلَامِهَا كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى كَافِرَةٍ فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَأَصَابَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِذَلِكَ (أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ) أَيْ بِاسْمِهِ أَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ مُسْلِمٍ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا قَتْلًا يُوجِبُ قِصَاصًا، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ كَذِمِّيٍّ حُرٍّ قَتَلَ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا عَلَى مُسْلِمٍ (أَوْ دَلَّ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةٍ) أَيْ خَلَلٍ (لِلْمُسْلِمِينَ) الْمَوْجُودِ فِيهِمْ بِسَبَبِ ضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ آوَى جَاسُوسًا لَهُمْ (أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ) أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا أَوْ دَعَاهُ إلَى دِينِهِمْ (أَوْ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ) سَبَّ اللَّهَ أَوْ (ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامِهِ عَلَيْهِمْ (بِسُوءٍ) مِمَّا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَا اُنْتُقِضَ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ دَفْعُهُ، وَقَتْلُهُ أَوْ بِغَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ فِي الْأَظْهَرِ، بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ قَتْلًا وَرِقًّا وَمَنًّا وَفِدَاءً،   [مغني المحتاج] وَفَعَلُوا ذَلِكَ جَهْرًا (فَالْأَصَحُّ) فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ (أَنَّهُ إنْ شُرِطَ) عَلَيْهِمْ (انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَا اُنْتُقِضَ، وَإِلَّا فَلَا) يُنْتَقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِي يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا، لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَالثَّالِثُ لَا يُنْتَقَضُ مُطْلَقًا، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَحَ كَافِرَةً، ثُمَّ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ مُطْلَقًا، فَقَدْ يُسْلِمُ فَيَسْتَمِرُّ نِكَاحُهُ، أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَوْ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَبِيٍّ، فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا وَيُعَزَّرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الِانْتِقَاضَ بِذَلِكَ ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِزِنَاهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ تَحْتَ أَيْدِينَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ، وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً، وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ فِي شَرْطِ مَا ذُكِرَ وَعَدَمِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: يَجِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَشْرُوطٌ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهَذَا الْعَقْدُ فِي مُطْلَقِ الشَّرْعِ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ دَفْعُهُ) بِغَيْرِهِ (وَ) جَازَ أَيْضًا (قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] وَلَا يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ، إذْ لَا وَجْهَ لِتَبْلِيغِهِ مَأْمَنَهُ مَعَ نَصْبِهِ الْقِتَالَ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيمَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ مِنْ الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ كَمَا يَتَخَيَّرُ فِي الْأَسِيرِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ، فَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْجِهَادَ عِنْدَ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي كَانَتْ لَهَا ذِمَّةٌ ثُمَّ انْتَقَضَتْ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِهِمْ وَالسَّعْيِ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ (أَوْ) انْتَقَضَ عَهْدُهُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْقِتَالِ وَلَمْ يَسْأَلْ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ (لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ: أَيْ مَكَانًا يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ: أَقْرَبُ بِلَادِ الْحَرْبِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَلْزَمُنَا إلْحَاقُهُ بِبَلَدِهِ الَّذِي يَسْكُنُهُ فَوْقَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بِلَادِ الْكُفْرِ وَمَسْكَنِهِ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ يُحْتَاجُ لِلْمُرُورِ عَلَيْهِ (بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ قَتْلًا) وَأَسْرًا (وَرِقًا، وَمَنًّا، وَفِدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ كَالْحَرْبِيِّ. وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَلَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ: كَمَا لَوْ دَخَلَ بِأَمَانِ صَبِيٍّ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مَنْ دَخَلَ بِأَمَانِ صَبِيٍّ يَعْتَقِدُ لِنَفْسِهِ أَمَانًا، وَهَذَا فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ امْتَنَعَ الرِّقُّ. وَإِذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ نِسَائِهِمْ وَالصَّبِيَّانِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا اخْتَارَ ذِمِّيٌّ نَبْذَ الْعَهْدِ وَاللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَلَغَ الْمَأْمَنَ.   [مغني المحتاج] مَا أَوْجَبَ الِانْتِقَاضَ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا أَقَمْنَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ، صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِّ، وَمِثْلُهُ التَّعْزِيرُ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَنَّهُ صَلَبَ يَهُودِيًّا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ "، أَمَّا إذَا سَأَلَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ فَتَجِبُ إجَابَتُهُ (فَإِنْ أَسْلَمَ) مَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ (قَبْلَ الِاخْتِيَارِ) مِنْ الْإِمَامِ لِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ (امْتَنَعَ) الْقَتْلُ، وَ (الرِّقُّ) وَالْفِدَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِ الْإِمَامِ بِالْقَهْرِ، وَلَهُ أَمَانٌ مُتَقَدِّمٌ فَخَفَّ أَمْرُهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ تَعَيَّنَ مَنْ كَانَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ. (وَإِذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ نِسَائِهِمْ، وَ) أَمَانُ (الصَّبِيَّانِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ الْأَمَانُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ نَاقِضٌ فَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ، وَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ فِي دَارِنَا. وَالثَّانِي يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا تَبَعًا فَيَزُولُ بِزَوَالِ الْأَصْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ طَلَبُوا الرُّجُوعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. أُجِيبَ النِّسَاءُ دُونَ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِاخْتِيَارِهِمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ طَلَبَهُمْ مُسْتَحِقُّ الْحَضَانَةِ أُجِيبَ، فَإِنْ بَلَغُوا وَبَذَلُوا الْجِزْيَةَ فَذَاكَ، وَإِلَّا أُلْحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ. تَنْبِيهٌ: الْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ، وَالْمَجَانِينُ كَالصِّبْيَانِ وَالْإِفَاقَةُ كَالْبُلُوغِ (وَإِذَا اخْتَارَ ذِمِّيٌّ نَبْذَ الْعَهْدِ وَاللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَلَغَ) عَلَى الْمَذْهَبِ (الْمَأْمَنَ) السَّابِقَ تَفْسِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ خِيَانَةٌ، وَلَا مَا يُوجِبُ نَقْضَ عَهْدِهِ فَبَلَغَ مَكَانًا يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ إلَى بِلَادِهِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَمَانِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَإِنْ رَجَعَ لِلِاسْتِيطَانِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَلَوْ رَجَعَ وَمَاتَ فِي بِلَادِهِ وَاخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْإِمَامُ هَلْ انْتَقَلَ لِلْإِقَامَةِ فَهُوَ حَرْبِيٌّ، أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ. أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي رُجُوعِهِ إلَى بِلَادِهِ الْإِقَامَةُ. فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ عَاشَ إبْرَاهِيمُ لَعَتَقْت أَخْوَالَهُ، وَلَوَضَعْت الْجِزْيَةَ عَنْ كُلِّ قِبْطِيٍّ» وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ فِي أَهْلِ قَرْيَةِ أُمِّ إبْرَاهِيمَ فَسَامَحَهُمْ بِالْجِزْيَةِ إكْرَامًا لِسَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ: لَوْ عَاشَ إبْرَاهِيمُ لَكَانَ نَبِيًّا بَاطِلٌ. خَاتِمَةٌ: الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْتُبَ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ اسْمَ مَنْ عَقَدَ لَهُ وَدِينَهُ وَحِلْيَتَهُ، وَيَتَعَرَّضَ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ، وَيَصِفَ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ وَحَاجِبِيهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفِهِ وَأَسْنَانِهِ وَآثَارِ وَجْهِهِ إنْ كَانَ فِيهِ آثَارٌ وَلَوْنُهُ مِنْ سُمْرَةٍ وَشُقْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيَجْعَلَ لِكُلٍّ مِنْ طَوَائِفِهِمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 باب الهدنة عَقْدُهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيهَا، وَلِبَلْدَةٍ يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ أَيْضًا.   [مغني المحتاج] عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ لِيُعَرِّفَهُ بِمِنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ مِنْهُمْ أَوْ دَخَلَ فِيهِمْ. وَأَمَّا مَنْ يَحْضُرُهُمْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ، أَوْ يَشْتَكِي إلَى الْإِمَامِ مَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِّيفًا كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ فِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ. . [بَابُ الْهُدْنَةِ] ِ وَتُسَمَّى الْمُوَادَعَةَ وَالْمُعَاهَدَةَ وَالْمُسَالَمَةَ وَالْمُهَادَنَةَ، وَهِيَ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ. وَشَرْعًا مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعِينَةً بَعُوضٍ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِيهِمْ مَنْ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ وَمَنْ لَمْ يُقَرَّ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهُدُونِ، وَهُوَ السُّكُونُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، وَمُهَادَنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَقْدُهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ) كَالرُّومِ وَالْهِنْدِ (يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فِيهَا) أَيْ عَقْدِ الْهُدْنَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ، وَالْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْأُمُورَ الْعِظَامَ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِالْمَصَالِحِ مِنْ الْآحَادِ، وَأَقْدَرُ عَلَى التَّدْبِيرِ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَقُومُ إمَامُ الْبُغَاةِ مَقَامَ إمَامِ الْهُدْنَةِ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ مَنْعِ عَقْدِهَا مِنْ الْآحَادِ لِأَهْلِ إقْلِيمٍ مَنْعُ عَقْدِهَا لِلْكُفَّارِ مُطْلَقًا مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنْ تَعَاطَاهَا الْآحَادُ لَمْ يَصِحَّ، لَكِنْ لَا يُغْتَالُونَ بَلْ يَبْلُغُونَ الْمَأْمَنَ؛ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ أَمَانِهِ (وَ) عَقْدُهَا (لِبَلْدَةٍ) أَيْ كُفَّارِهَا (يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ) لِتِلْكَ الْبَلْدَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِتَفْوِيضِ مَصْلَحَةِ الْإِقْلِيمِ إلَيْهِ، وَلِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، وَالْمَفْسَدَةُ فِيهِ قَلِيلَةٌ لَوْ أَخْطَأَ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ (أَيْضًا) أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ الْهُدْنَةِ لِكُفَّارِ بَلْدَةٍ مِنْ الْإِمَامِ وَنَائِبِهِ أَيْضًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْقُصُورُ عَلَى بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَى مُهَادَنَةِ أَهْلِ بِلَادٍ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ وَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَدْ فُهِمَ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِعَقْدِهَا اعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، لَكِنْ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَا سَبَقَ فِي عَقْدِ الْأَمَانِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ: أَنَّ وَالِيَ الْإِقْلِيمِ لَا يُهَادِنُ جَمِيعَ أَهْلِ الْإِقْلِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْعِمْرَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ أَوْ رَجَاءِ إسْلَامِهِمْ أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا سَنَةً، وَكَذَا دُونَهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَلِضَعْفٍ تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ فَقَطْ،   [مغني المحتاج] الْإِمَامِ لِلْوَالِي فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ إذْنِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ الَّتِي فِي الرُّبْعِ الْمَسْكُونِ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَقَالِيمُهَا أَقْسَامُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا مَقْسُومَةٌ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى تَقْدِيرِ أَصْحَابِ الْهَيْئَةِ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ) وَلَا يَكْفِي انْتِفَاءُ الْمَفْسَدَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَادَعَتِهِمْ بِلَا مَصْلَحَةٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] ثُمَّ بَيَّنَ الْمَصْلَحَةَ بِقَوْلِهِ (كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ) لَنَا (وَأُهْبَةٍ، أَوْ) لَا لِضَعْفِنَا، بَلْ لِأَجْلِ (رَجَاءِ إسْلَامِهِمْ، أَوْ بَذْلِ جِزْيَةٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَحَاجَةِ الْإِمَامِ إلَى إعَانَتِهِمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَادَنَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَامَ الْفَتْحِ» وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَظْهِرًا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِرَجَاءِ إسْلَامِهِ، فَأَسْلَمَ قَبْلَ مُضِيِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ رَجَاءِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَضَعْفِنَا، لَا عَلَى الَّذِي يَلِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي إعَادَةُ الْجَارِ فِيهِ: أَيْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَارَةً تَكُونُ لِضَعْفِنَا لِقِلَّةِ الْعَدَدِ وَالْأُهْبَةِ، وَتَارَةً مَعَ قُوَّتِنَا، وَلَكِنْ لِرَجَاءِ إسْلَامِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِنَا ضَعْفٌ وَرَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِيهَا (جَازَتْ) وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) لِلْآيَةِ الْمَارَّةِ، وَلِمُهَادَنَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفْوَانَ كَمَا مَرَّ (لَا سَنَةً) فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُمْ فِيهَا بِلَا جِزْيَةٍ (وَكَذَا دُونَهَا) فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِزِيَادَتِهَا عَلَى مُدَّةِ السِّيَاحَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] هُوَ عَامٌّ إلَّا مَا خُصَّ لِدَلِيلٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لِنَقْصِهَا عَنْ مُدَّةِ الْجِزْيَةِ، وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى مَفْهُومِ الْآيَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النُّفُوسِ. أَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا، وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدِّيَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا الْجَوَازُ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْمُهَادَنَةَ مَعَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ (وَلِضَعْفٍ تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ) فَمَا دُونَهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ (فَقَطْ) فَيُمْتَنَعُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا غَايَةُ مُدَّةِ الْهُدْنَةِ، وَلَا يَجُوزُ الْوُصُولُ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَادَنَ قُرَيْشًا فِي الْحُدَيْبِيَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْوَى الْإِسْلَامُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا جَرَى ذَلِكَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَرَى فِي عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى عَشْرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعِبَارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 وَمَتَى زَادَ عَلَى الْجَائِزِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِطْلَاقُ الْعَهْدِ يُفْسِدُهُ وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنْ شَرَطَ مَنْعَ فَكِّ أَسْرَانَا، أَوْ تَرْكَ مَالِنَا لَهُمْ، أَوْ لِتُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ بِدُونِ دِينَارٍ، أَوْ بِدَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ. وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ.   [مغني المحتاج] الرَّوْضَةِ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشْرِ، لَكِنْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْحَاجَةُ بَاقِيَةٌ اُسْتُؤْنِفَ الْعَقْدُ، وَهَذَا صَحِيحٌ. وَأَمَّا اسْتِئْنَافُ عَقْدٍ إثْرَ عَقْدٍ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ فَغَرِيبٌ لَا أَحْسَبُ الْأَصْحَابَ يُوَافِقُونَ عَلَيْهِ أَصْلًا. انْتَهَى، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِذَا عَقَدَ لَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ ثُمَّ اسْتَقْوَيْنَا قَبْلَ فَرَاغِهَا تَمَّتْ لَهُمْ عَمَلًا بِالْعَقْدِ (وَمَتَى زَادَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي عَقْدِهَا (عَلَى) الصَّدْرِ (الْجَائِزِ) فِيهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ بِأَنْ زَادَ فِي حَالِ قُوَّتِنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ حَالِ ضَعْفِنَا عَلَى عَشْرِ سِنِينَ (فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) فِي عَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ مَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ، أَظْهَرُهُمَا يَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ فَقَطْ (وَإِطْلَاقُ الْعَهْدِ) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ فِيهِ (يُفْسِدُهُ) أَيْ عَقَدَ الْهُدْنَةِ لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمُنَافَاةِ مَقْصُودِهِ الْمَصْلَحَةَ. . ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ) أَيْ يُشْتَرَطُ خُلُوُّ عَقْدِ الْهُدْنَةِ مِنْ كُلِّ شَرْطٍ فَاسِدٍ (عَلَى الصَّحِيحِ) الْمَنْصُوصِ (بِأَنْ شَرَطَ مَنْعَ فَكِّ أَسْرَانَا) مِنْهُمْ (أَوْ تَرْكَ مَالِنَا) الَّذِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا: أَوْ مَالِ ذِمِّيٍّ (لَهُمْ أَوْ لِتُعْقَدَ لَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (ذِمَّةٌ بِدُونِ دِينَارٍ، أَوْ) لِتُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ (بِدَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ) وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِدُونِ، وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ انْحِصَارَ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِيمَا ذَكَرَهُ. وَلَيْسَ مُرَادًا، فَمِنْهُ مَا إذَا شَرَطَ أَنْ يُقِيمُوا بِالْحِجَازِ، أَوْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ، أَوْ يُظْهِرُوا الْخُمُورَ فِي دَارِنَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَلَوْ أَتَى الْمُصَنِّفُ بِكَافِ التَّشْبِيهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ كَانَ أَوْلَى. وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِ مَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] وَفِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إهَانَةٌ يَنْبُو الْإِسْلَامُ عَنْهَا. أَمَّا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى دَفْعِهِ بِأَنْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ الْأَسْرَى فَفَدَيْنَاهُمْ، أَوْ أَحَاطُوا بِنَا وَخِفْنَا الِاصْطِلَامَ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَصْحِيحُهُ وُجُوبُ الْبَذْلِ هُنَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ آخِرَ السِّيَرِ: إنَّ فَكَّ الْأَسْرَى مُسْتَحَبٌّ. انْتَهَى، وَحَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ اسْتِحْبَابَ فَكِّ الْأَسْرَى عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَاقَبُوا، فَإِنْ عُوقِبُوا وَجَبَ، وَحَمَلَ الْغَزِّيُّ الِاسْتِحْبَابَ عَلَى الْآحَادِ، وَالْوُجُوبَ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: إذَا عَقَدْنَا لَهُمْ عَلَى دَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَلْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ . قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عِبَارَةُ كَثِيرٍ تُفْهِمُ صِحَّتَهُ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالظَّاهِرُ بُطْلَانُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ انْتَهَى، وَلَا يَمْلِكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُمْ لِأَخْذِهِمْ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَعَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَقَالَ: أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ الْآنَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 وَمَتَى صَحَّتْ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَوْ يَنْقُضُوهَا بِتَصْرِيحٍ أَوْ قِتَالِنَا، أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لَنَا، أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، وَإِذَا انْتَقَضَتْ جَازَتْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ وَبَيَاتُهُمْ، وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضًا، وَإِنْ أَنْكَرُوا بِاعْتِزَالِهِمْ أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ الْإِمَامِ، بَلْ لَوْ قَالَ مَتَى شَاءَ فُلَانٌ وَهُوَ مُسْلِمٌ عَدْلٌ ذُو رَأْيٍ صَحَّ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَا شَاءَ فُلَانٌ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. . [فَصَلِّ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ] ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْهُدْنَةِ فَقَالَ (وَمَتَى صَحَّتْ وَجَبَ) عَلَى عَاقِدِهَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ (الْكَفُّ) وَدَفْعُ الْأَذَى مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (عَنْهُمْ) وَفَاءً بِالْعَهْدِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] أَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَلَا يَلْزَمُنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ وَلَا مَنْعُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهُدْنَةِ الْكَفُّ لَا الْحِفْظُ بِخِلَافِ الذِّمَّةِ. نَعَمْ إنْ أَخَذَ الْحَرْبِيُّونَ مَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَظَفِرْنَا بِهِ رَدَدْنَاهُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْنَا اسْتِنْقَاذُهُ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (حَتَّى تَنْقَضِيَ) مُدَّتُهَا (أَوْ يَنْقُضُوهَا) أَوْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ إذَا عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ إذَا عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] وَنَقْضُهُمْ لَهَا يَكُونُ مَعَ مَا مَرَّ آنِفًا (بِتَصْرِيحٍ) مِنْهُمْ (أَوْ قِتَالِنَا) حَيْثُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ. فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ كَأَنْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ مُكْرَهِينَ فَلَا يُنْتَقَضُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ (أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ) أَيْ خَلَلٍ (لَنَا) وَقَوْلُهُ (أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ) يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ ذِمِّيًّا فِي دَارِنَا أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلَا يَنْحَصِرُ الِانْتِقَاضُ فِيمَا ذَكَرَهُ، بَلْ تُنْتَقَضُ بِأَشْيَاءَ أُخَرَ، مِنْهَا لَوْ سَبُّوا اللَّهَ تَعَالَى أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلُّ مَا اُخْتُلِفَ فِي انْتِقَاضِ الذِّمَّةِ بِهِ تُنْتَقَضُ الْهُدْنَةُ جَزْمًا؛ لِأَنَّ الْهُدْنَةَ ضَعِيفَةٌ غَيْرُ مُتَأَكَّدَةٍ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ صَحَتْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمْ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ إنْذَارُهُمْ وَإِعْلَامُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ اغْتِيَالُهُمْ وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ الْعَقْدَ الثَّانِيَ فَاسِدًا، فَإِنْ كَانَ فَسَادٌ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَفْسَخْهُ، وَإِنْ كَانَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ فَسْخَهُ (وَإِذَا انْتَقَضَتْ) أَيْ الْهُدْنَةُ وَهُوَ بِبِلَادِهِمْ (جَازَتْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ وَبَيَاتُهُمْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَوَّلَهُ. وَهُوَ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف: 97] فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، سَوَاءٌ أَعْلِمُوا أَنَّهُ نَاقِضٌ أَمْ لَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُمْ صَارُوا حِينَئِذٍ كَمَا كَانُوا قَبْلَ الْهُدْنَةِ. أَمَّا إذَا كَانُوا بِبِلَادِنَا فَلَا نُقَاتِلُهُمْ: بَلْ نُبْلِغُهُمْ الْمَأْمَنَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ) الْهُدْنَةَ بِشَيْءٍ مِمَّا مَرَّ (وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ) عَلَيْهِمْ (بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ) بِأَنْ سَكَتُوا وَلَمْ يَعْتَزِلُوهُمْ (انْتَقَضَ فِيهِمْ) أَيْ الْبَاقِينَ (أَيْضًا) ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ يُشْعِرُ بِالرِّضَا فَجُعِلَ نَقْضًا مِنْهُمْ كَمَا أَنَّ هُدْنَةَ الْبَعْضِ وَسُكُوتَ الْبَاقِينَ هُدْنَةٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ فَلَيْسَ نَقْضُهُ مِنْ بَعْضِهِمْ نَقْضًا مِنْ الْكُلِّ لِقُوَّتِهِ وَضَعْفِ الْهُدْنَةِ (وَإِنْ أَنْكَرُوا بِاعْتِزَالِهِمْ) عَنْهُمْ (أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ) أَيْ إعْلَامِ الْبَعْضِ الْمُنْكَرِينَ الْإِمَامَ (بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 فَلَا، وَلَوْ خَافَ خِيَانَتَهُمْ فَلَهُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ إلَيْهِمْ وَيُبْلِغُهُمْ الْمَأْمَنَ، وَلَا يُنْبَذُ عَقْدُ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ. وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ، فَإِنْ شُرِطَ فَسَدَ الشَّرْطُ وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فَلَا) يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ النَّاقِضُ رَئِيسَهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165] فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ اعْتِزَالٍ أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ بِذَلِكَ فَنَاقِضُونَ بِخِلَافِ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا أَتَى بِمِثَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنْكَارٌ فِعْلِيٌّ، وَالثَّانِي قَوْلِيٌّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكَرِ النَّقْضِ بِيَمِينِهِ. (وَلَوْ خَافَ) الْإِمَامُ (خِيَانَتَهُمْ) بِظُهُورِ أَمَارَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْخَوْفِ لَا بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ (فَلَهُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ إلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الْآيَةَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الْخِيَانَةَ لَا يَجُوزُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ عَقْدَهَا لَازِمٌ (وَ) يُنْذِرهُمْ بَعْدَ نَبْذِ عَهْدِهِمْ، وَ (يُبْلِغُهُمْ) وُجُوبًا (الْمَأْمَنَ) بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ وَفَاءً بِالْعَهْدِ، وَسَبَقَ تَفْسِيرُ الْمَأْمَنِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ (وَلَا يُنْبَذُ عَقْدُ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ) بِتَحْرِيكِ الْهَاءِ: أَيْ بِمُجَرَّدِهَا عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْإِمَامِ خِيَانَتَهُمْ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ يُغَلَّبُ جَانِبُهُمْ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ إذَا طَلَبُوا، وَفِي الْهُدْنَةِ يُغَلَّبُ جَانِبُنَا، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. الثَّانِي أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ خِيَانَتُهُمْ أَمْكَنَهُ تَدَارُكهَا بِخِلَافِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ. الثَّالِثُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَبَّدٌ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ. (وَلَا يَجُوزُ) فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ (شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ) وَإِنْ أَسْلَمَتْ عِنْدنَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تُزَوَّجَ بِكَافِرٍ، وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْهَرَبِ مِنْهُمْ وَقَرِيبَةٌ مِنْ الِافْتِتَانِ لِنُقْصَانِ عَقْلِهَا وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهَا. تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، وَلَوْ أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ تَأْتِينَا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ جَاءَتْ إلَيْنَا كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (فَإِنْ شُرِطَ) فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ رَدُّ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ (فَسَدَ الشَّرْطُ) قَطْعًا، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا عَشِيرَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا (وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ لِفَسَادِ الشَّرْطِ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآكَدَ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: هَذَا هُوَ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّهُ ضَعَّفَهُ هُنَاكَ فَكَرَّرَ وَنَاقَضَ. وَسَلِمَتْ الرَّوْضَةُ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ عَبَّرَ أَوَّلًا بِالصَّحِيحِ، ثُمَّ أَحَالَ ثَانِيًا عَلَيْهِ اهـ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الشَّارِحُ فَقَالَ: وَأَشَارَ بِهِ: أَيْ بِالتَّعْبِيرِ بِالْأَصَحِّ إلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعَبَّرَ فِي صُوَرٍ تَقَدَّمَتْ بِالصَّحِيحِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ فِيهَا، فَلَا تَكْرَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 وَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَذْكُرْ رَدًّا فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ لَمْ يَجِبْ دَفْعُ مَهْرٍ إلَى زَوْجِهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ،   [مغني المحتاج] وَلَا تَخَالُفَ اهـ. وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمَةِ الْكَافِرَةُ، فَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهَا. (وَإِنْ شَرَطَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ لَهُمْ (رَدَّ مَنْ جَاءَ) مِنْهُمْ (مُسْلِمًا) إلَيْنَا (أَوْ) عَقَدَ، وَأَطْلَقَ بِأَنْ (لَمْ يَذْكُرْ رَدًّا) وَلَا عَدَمَهُ (فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ) مُسْلِمَةٌ (لَمْ يَجِبْ دَفْعُ مَهْرٍ) بِارْتِفَاعِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (إلَى زَوْجِهَا فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى يَشْمَلُهُ الْأَمَانُ، وَالثَّانِي، يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] : أَيْ مِنْ الْمُهُورِ، وَالْأَمْرُ فِيهِ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوبِ وَلِلنَّدْبِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَمَّا قَامِ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا غُرْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَهْرَ، فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً. ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يُسْتَحَقُّ الْمَهْرُ إذَا أَوْجَبْنَاهُ بِتِسْعِ شُرُوطٍ جَمَعَهَا الْمَاوَرْدِيُّ، وَهِيَ مُفَرَّقَةٌ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ. أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ زَوْجَهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَى زَوْجِهَا. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ سَاقَ إلَيْهَا مَهْرَهَا. الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ مُسْلِمَةً، أَوْ جَاءَتْ ذِمِّيَّةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ. الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً عَاقِلَةٌ. الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةَ الْحَيَاةِ، فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ طَلَبِهِ فَلَا. السَّادِسُ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ شَيْءٌ قَطْعًا، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ: بَحْثًا، وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ: عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. السَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مُقِيمَةً عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُقِيمًا عَلَى دِينِهِ لِيَكُونَ الْمَانِعُ مِنْهَا. الثَّامِنُ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا عَلَى النِّكَاحِ، فَلَوْ خَالَعْنَا بَعْدَ الطَّلَبِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ. التَّاسِعُ أَنْ تَكُونَ جَاءَتْ إلَى بَلَدٍ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَإِلَّا فَعَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ مَنْعُهَا حِسْبَةً، وَلَا يَغْرَمُونَ الْمَهْرَ وَلَا الْإِمَامُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ رَدًّا عَمَّا إذَا شُرِطَ تَرْكُ الرَّدِّ، فَإِنَّهُ لَا غُرْمَ قَطْعًا. (وَلَا يُرَدُّ) مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَيْنَا وَهُوَ (صَبِيٌّ) وَصَفَ الْإِسْلَامَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، طَلَبَهُ أَبَوَاهُ الْكَافِرَانِ أَمْ لَا (وَ) لَا يُرَدُّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلَيْنَا وَهُوَ (مَجْنُونٌ) بَالِغٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، طَرَأَ جُنُونُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، مُشْرِكًا أَمْ لَا لِضَعْفِهِمَا كَالنِّسَاءِ، وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِشَرْطِ رَدِّهِمَا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ رَجَّحَا فِي بَابِ اللَّقِيطِ أَنَّ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مُسْتَحَبَّةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 وَكَذَا عَبْدٌ وَحُرٌّ لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيُرَدُّ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ إلَيْهَا لَا إلَى غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَقْدِرَ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ وَالْهَرَبِ مِنْهُ،   [مغني المحتاج] وَاجِبَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا فِي دَارِنَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي جَوَازِ رَدِّهِ إلَى الْكُفْرِ، فَإِنَّهُمْ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ اسْتِمَالَتِهِ وَرَدِّهِ إلَى الْكُفْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ. ثُمَّ وَصَفَا الْكُفْرَ رُدَّا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَصِفَا شَيْئًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنْ وَصَفَا الْإِسْلَامَ لَمْ يَرُدَّا كَمَا لَوْ كَانَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، أَوْ وَقَعَ الْإِسْلَامُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْ الْجُنُونِ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ جُنُونِهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ أَيْضًا (وَكَذَا) لَا يُرَدُّ (عَبْدٌ) مُسْلِمٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ (وَ) كَذَا لَا يُرَدُّ (حُرٌّ لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَذَلُّ عِنْدَهُمْ كَالْعَبْدِ، وَقِيلَ يُرَدَّانِ لِقُوَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالرَّدِّ فِي الْحُرِّ، وَالْجُمْهُورُ بِعَدَمِهِ فِي الْعَبْدِ. أَمَّا الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ وَلَوْ مُكَاتَبَةً وَمُسْتَوْلَدَةً فَلَا تُرَدُّ قَطْعًا. . تَنْبِيهٌ: لَوْ هَاجَرَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ أَوْ بَعْدَهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً ثُمَّ أَسْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَ قَاهِرًا لِسَيِّدِهِ مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْقَهْرِ فَيَعْتِقُ، وَلِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَبِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نَفْسِهِ مَلَكَهَا، وَيَعْتِقُ أَيْضًا إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ هَاجَرَ قَبْلَ الْهُدْنَةِ لِوُقُوعِ قَهْرِهِ حَالَ الْإِبَاحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا فَلَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْظُورَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُسْلِمًا مُرَاغِمًا لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ وَيُهِينُهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ تَحْمِيهِ: بَلْ يُعْتِقُهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ وَلَاؤُهُ، وَكَالْمُهَاجَرَةِ الْهَرَبُ إلَى الْمَأْمَنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا هِجْرَتَهُ؛ لِأَنَّ بِهَا يُعْلَمُ عِتْقُهُ غَالِبًا. وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَتَبْقَى مُكَاتَبَةً إنْ لَمْ تُعْتَقْ، فَإِنْ أَدَّتْ نُجُومَ الْكِتَابَةِ عَتَقَتْ بِهَا وَوَلَاؤُهَا لِسَيِّدِهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ وَرَقَّتْ وَقَدْ أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ النُّجُومِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا قَبْلَهُ حَسَبَ مَا أَدَّتْهُ مِنْ قِيمَتِهَا، فَإِنْ وَفِيَ بِهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا عَتَقَتْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَوَلَاؤُهَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَسْتَرْجِعُ مِنْ سَيِّدِهَا الزَّائِدُ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا وُفِّيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُرَدُّ مَنْ) أَيْ حُرٌّ (لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ) أَنْ يُرَدَّ (إلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ أَبَا جَنْدَلٍ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو» ، كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ يَذُبُّونَ عَنْهُ وَيَحْمُونَهُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الِاعْتِبَارُ فِي الطَّلَبِ بِحُضُورِ الْعَشِيرَةِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ يَكْفِي بَعْثُ رَسُولِهِمْ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ؟ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. قَالَ: وَإِذَا شُرِطَ رَدُّ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ كَانَ الشَّرْطُ جَائِزًا، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْهِجْرَةُ يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّهِ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ ضَابِطٌ حَسَنٌ وَ (لَا) يَجُوزُ رَدُّهُ (إلَى غَيْرِهَا) أَيْ عَشِيرَتِهِ إذَا طَلَبَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ (إلَّا أَنْ يَقْدِرَ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ) لَهُ (وَالْهَرَبِ مِنْهُ) فَيُرَدُّ إلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ رَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَصِيرٍ لَمَّا جَاءَ فِي طَلَبِهِ رَجُلَانِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا فِي الطَّرِيقِ وَأَفْلَتَ الْآخَرُ رَوَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 وَمَعْنَى الرَّدِّ: أَنْ يُخْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَلَهُ قَتْلُ الطَّالِبِ، وَلَنَا التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ لَا التَّصْرِيحُ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَّا: لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ فَإِنْ أَبَوْا فَقَدْ نَقَضُوا، وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ شَرْطِ أَنْ لَا يَرُدُّوا.   [مغني المحتاج] الْبُخَارِيُّ أَمَّا إذَا لَمْ يَطْلُبْ أَحَدٌ فَلَا يُرَدُّ، أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا (وَمَعْنَى الرَّدِّ: أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ) أَيْ الْمَطْلُوبِ (وَبَيْنَ طَالِبِهِ) عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الشَّرْطِ، وَلَا تَبْعُدُ تَسْمِيَةُ التَّخْلِيَةِ رَدًّا كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ (وَلَا يُجْبَرُ) الْمَطْلُوبُ (عَلَى الرُّجُوعِ) إلَى طَالِبِهِ؛ لِأَنَّ إجْبَارَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْإِقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ رَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَصِيرٍ وَأَبَا جَنْدَلٍ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَطْلُوبَ (الرُّجُوعُ) إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ لَمْ يَجُزْ مَعَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتِنَاعَهُ وَلَا قَتَلَهُ طَالِبَهُ بَلْ سَرَّهُ مَا فَعَلَ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ (وَلَهُ قَتْلُ الطَّالِبِ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ لِقِصَّةِ أَبِي بَصِيرٍ (وَلَنَا) هُوَ صَادِقٌ بِالْإِمَامِ وَبِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ (التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ) أَيْ الْمَطْلُوبِ بِقَتْلِ طَالِبِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رُدَّ إلَى أَبِيهِ: اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنَّمَا هُمْ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ كَدَمِ كَلْبٍ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (لَا التَّصْرِيحُ) لَهُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي أَمَانٍ. نَعَمْ لَوْ أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَعْدَ عَقْدِ الْهُدْنَةِ لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى نَفْسِهِ أَمَانًا لَهُمْ وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (وَلَوْ شَرَطَ) عَلَيْهِمْ فِي الْهُدْنَةِ (أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَّا) رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ رَقِيقًا (لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ) بِالشَّرْطِ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِمْ. فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ رَدِّهِ فَنَاقِضُونَ لِلْعَهْدِ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ (وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ شَرْطِ أَنْ لَا يَرُدُّوا) وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَدُّ امْرَأَةً، فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ، حَيْثُ قَالَ لِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَقَدْ جَاءَ رَسُولًا مِنْهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْنَاهُ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا فَسُحْقًا سُحْقًا» وَلَكِنْ يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمُرْتَدَّةِ. فَإِنْ قِيلَ لِمَ غَرِمُوا وَلَمْ نَغْرَمْ نَحْنُ مَهْرَ الْمُسْلِمَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا عَلَيْنَا الِاسْتِتَابَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْنَا، وَأَيْضًا الْمَانِعُ جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا وَالزَّوْجُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ، الزَّوْجُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا بِالْإِسْلَامِ. خَاتِمَةٌ: يَغْرَمُونَ أَيْضًا قِيمَةَ رَقِيقٍ ارْتَدَّ دُونَ الْحُرِّ. فَإِنْ عَادَ الرَّقِيقُ الْمُرْتَدُّ إلَيْنَا بَعْدَ أَخْذِنَا قِيمَتَهُ رَدَدْنَاهَا عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَهْرِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ، وَالنِّسَاءَ لَا يَصِرْنَ زَوْجَاتٍ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَيْعٍ حَقِيقَةً، وَاغْتُفِرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ فَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيَغْرَمُ الْإِمَامُ لِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ مَا أُنْفِقَ مِنْ صَدَاقِهَا؛ لِأَنَّا بِعَقْدِ الْهُدْنَةِ خَلَّيْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَوْلَاهُ لَقَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى يَرُدُّوهَا اهـ. وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنْ يَكُونَ الْغُرْمُ لِزَوْجِهَا مُفَرَّعًا عَلَى الْغُرْمِ لِزَوْجِ الْمُسْلِمَةِ الْمُهَاجِرَةِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ الْمُهَادَنِينَ مِنْهُمْ لَا سَبْيُهُمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الصَّيْدِ] ِ هُوَ: مَصْدَرُ صَادَ يَصِيدُ صَيْدًا، ثُمَّ أُطْلِقَ الصَّيْدُ عَلَى الْمَصِيدِ. قَالَ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] (وَالذَّبَائِحُ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحَةٍ، وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَصْدَرًا أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمَعَ الذَّبَائِحَ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ الْجَوَارِحِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] ، وقَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وَالْمُذَكَّى مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَمِنْ السُّنَّةِ مَا سَنَذْكُرُهُ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى حِلِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَدَّمَ الذَّبَائِحَ فِي الْحُكْمِ عَلَى الصَّيْدِ عَكْسَ مَا فِي التَّرْجَمَةِ، لَكِنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ هَذَا الْكِتَابَ وَمَا بَعْدَهُ هُنَا وِفَاقًا لِلْمُزَنِيِّ، وَخَالَفَ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهُ آخِرَ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ تَبَعًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ وَهُوَ أَنْسَبُ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْأَنْسَبِيَّةِ أَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ اهـ. وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ: ذَبْحٌ، وَذَابِحٌ، وَذَبِيحَةٌ، وَآلَةٌ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ. فَقَالَ (ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ) الْبَرِّيِّ الْمُفِيدَةُ لِحِلِّ أَكْلِهِ إنْسِيًّا كَانَ الْحَيَوَانُ أَوْ وَحْشِيًّا تَأَنَّسَ تَحْصُلُ شَرْعًا بِطَرِيقَتَيْنِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إحْدَاهُمَا فِي قَوْلِهِ (بِذَبْحِهِ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (فِي حَلْقٍ) وَهُوَ أَعْلَى الْعُنُقِ (أَوْ) فِي (لَبَّةٍ) وَهِيَ بِلَامٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ: أَسْفَلُ الْعُنُقِ (إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ ذَكَاتَهُ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، فَهُوَ مَعْنَى الذَّبْحِ وَذَالُهُمَا مُعْجَمَةٌ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُمَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَسْمِيَةُ الْكُلِّ ذَبْحًا، وَيُخَالِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الْإِبِلِ لَا يُسَمَّى ذَبْحًا. أُجِيبَ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِالنَّحْرِ لَا تُنَافِي تَسْمِيَتَهُ ذَبْحًا، بَلْ تُسَمَّى نَحْرًا وَذَبْحًا، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَ فِي قَوْلِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَبِعَقْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (مُزْهِقٍ) لِلرُّوحِ (حَيْثُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ (كَانَ) الْعَقْرُ ذَكَاتَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ فِي الطَّرِيقَيْنِ الْجَنِينُ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ،   [مغني المحتاج] بِذَكَاةِ أُمِّهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الذَّكَاةِ اسْتِقْلَالًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْجَنِينِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . [فَصْلٌ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الذَّابِحُ] ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الذَّابِحُ. فَقَالَ (وَشَرْطُ ذَابِحٍ) أَيْ وَعَاقِرٍ (وَصَائِدٍ) لِغَيْرِ سَمَكٍ وَجَرَادٍ لِيَحِلَّ مَذْبُوحُهُ وَمَعْقُورُهُ وَمَصِيدُهُ (حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ) لِلْمُسْلِمِينَ بِكَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ. قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " إنَّمَا أُحِلَّتْ ذَبَائِحُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَسَوَاءٌ اعْتَقَدُوا إبَاحَتَهُ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَمْ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْكُفَّارِ كَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا مَصِيدُهُمْ وَلَا مَعْقُورُهُمْ لِعَدَمِ حِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 وَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: إنْ قُلْنَا: تَحِلُّ مُنَاكَحَةُ الْجِنِّ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ، وَبَقِيَّةُ الْحَيَوَانَاتِ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهَا لَوْ عَلِمَتْ الذَّبْحَ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّائِدِ كَوْنَهُ بَصِيرًا؛ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الذَّابِحِ كَوْنَهُ لَيْسَ مُحَرَّمًا فِي الْوَحْشِيِّ أَوْ الْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ، وَفِي الْمَذْبُوحِ كَوْنَهُ غَيْرَ صَيْدٍ حَرَمِيٍّ عَلَى حَلَالٍ أَوْ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُبَاحُ الذَّبِيحَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنَّ الْإِحْرَامَ مَانِعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ. أَمَّا صَائِدُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ مَيْتَتَهُمَا حَلَالٌ، فَلَا عِبْرَةَ بِالْفِعْلِ، وَلَا أَثَرَ لِلرِّقِّ فِي الذَّابِحِ (وَ) حِينَئِذٍ (تَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) وَإِنْ حُرِّمَ مُنَاكَحَتُهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوْ اصْطِيَادٍ حَرُمَ، وَلَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ، وَلَوْ انْعَكَسَ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا حَرُمَ.   [مغني المحتاج] الْمَذْكُورَةِ، وَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ ذَابِحٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ، وَاسْتَثْنَى الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُنَّ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُنَّ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُنَّ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الضَّابِطِ مَنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ لِنَقْصِهِ، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ يَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُنَّ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ أَنْ نَكَحَهُنَّ، فَالتَّحْرِيمُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَيْهِ، وَهُوَ رَأْسُ الْمُؤْمِنِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ فَلَا يُورِدُ ذَلِكَ إلَّا قَلِيلُ الْبَصِيرَةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُصَحَّحَ الِاسْتِثْنَاءُ بِأَنْ يُقَالَ زَوْجَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْرُمُ نِكَاحُهُنَّ وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُنَّ اهـ. وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ عَلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِشَيْءٍ فِيهِنَّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْظِيمًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ فَإِنَّهُ لِأَمْرٍ فِيهَا، وَهُوَ رِقُّهَا مَعَ كُفْرِهَا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حِلُّ ذَكَاةِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَقِيلَ تُكْرَهُ ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ الْأُضْحِيَّةَ، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى (وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ) أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى (مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوْ اصْطِيَادٍ) يَحْتَاجُ لِتَذْكِيَةٍ كَأَنْ أَمَرَّا سِكِّينًا عَلَى حَلْقِ شَاةٍ أَوْ قَتَلَا صَيْدًا بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ (حَرُمَ) الْمَذْبُوحُ وَالْمُصَادُ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ (وَلَوْ أَرْسَلَا) أَيْ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ (كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ) أَوْ أَحَدُهُمَا كَلْبًا وَالْآخَرُ سَهْمًا عَلَى صَيْدٍ (فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ) آلَةَ الْمَجُوسِيِّ فِي صُورَةِ السَّهْمَيْنِ أَوْ كَلْبُ الْمُسْلِمِ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ فِي صُورَةِ الْكَلْبَيْنِ (فَقَتَلَ) الصَّيْدَ (أَوْ) لَمْ يَقْتُلْهُ بَلْ (أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ) ثُمَّ أَصَابَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ سَهْمُهُ (حَلَّ) وَلَا يَقْدَحُ مَا وُجِدَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ شَاةً فَقَدَّهَا مَجُوسِيٌّ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ أَوْ سَهْمُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ وَضَمِنَهُ الْمَجُوسِيُّ لِلْمُسْلِمِ. (وَلَوْ انْعَكَسَ) مَا ذُكِرَ بِأَنْ سَبَقَ آلَةُ الْمَجُوسِيِّ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (أَوْ) لَمْ يَسْبِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (جَرَحَاهُ مَعًا) وَحَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِمَا (أَوْ جُهِلَ) ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ (أَوْ) جَرَحَاهُ (مُرَتَّبًا) بِأَنْ سَبَقَ آلَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ (وَ) لَكِنْ (لَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا) بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَإِهْمَالِهَا: أَيْ لَمْ يُقْتَلْ سَرِيعًا فَهَلَكَ بِهِمَا (حَرُمَ) الصَّيْدُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَكْسِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ سَبَقَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ فَأَمْسَكَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَجْرَحْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ كَلْبُ الْمُسْلِمِ يَحِلُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَلَا يَحِلُّ بِقَتْلِ كَلْبِ الْمُسْلِمِ، وَلَوْ أَثْخَنَ مُسْلِمٌ بِجِرَاحَتِهِ صَيْدًا فَقَدْ زَالَ امْتِنَاعُهُ وَمِلْكُهُ، فَإِذَا جَرْحَهُ مَجُوسِيٌّ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ حَرُمَ، وَعَلَى الْمَجُوسِيِّ قِيمَتُهُ مُثْخَنًا؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ بِجَعْلِهِ مَيْتَةً، وَلَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى ذَبْحٍ وَلَوْ أَمْسَكَ لَهُ صَيْدًا فَذَبَحَهُ أَوْ شَارَكَهُ فِي قَتْلِهِ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَهُوَ فِي حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ أَوْ شَارَكَهُ فِي رَدِّ الصَّيْدِ عَلَى كَلْبِ الْمُسْلِمِ بِأَنْ رَدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ، إذْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ فِي الْأَظْهَرِ وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى، وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ وَكَلْبٍ فِي الْأَصَحِّ. وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ،   [مغني المحتاج] الْمَقْصُودُ الْفِعْلُ، وَقَدْ حَصَلَ مِمَّنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَلَا غَيْرُهُ بِمَا ذُكِرَ، وَيَحِلُّ مَا اصْطَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ قَطْعًا، وَلَوْ أَرْسَلَ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ سَهْمَهُ عَلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقَعَ بِالصَّيْدِ، لَمْ يَحِلَّ نَظَرًا إلَى أَغْلَظِ الْحَالَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي حَالَتَيْ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَتَخَلَّلَتْ الرِّدَّةُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحِلَّ أَيْضًا. فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّبْحِ وَإِنْهَارِ الدَّمِ تَمْيِيزُ حَلَالِ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ مِنْ حَرَامِهِمَا وَتَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ لِبَقَاءِ دَمِهَا. (وَيَحِلُّ ذَبْحُ) وَصَيْدُ (صَبِيٍّ) مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ (مُمَيِّزٍ) ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا، فَانْدَرَجَ تَحْتَ الْأَدِلَّةِ كَالْبَالِغِ، (وَكَذَا) صَبِيٌّ (غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ) يَحِلُّ ذَبْحُهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ خَوْفًا عَنْ عُدُولِهِمْ عَنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَيُكْرَهُ كَأَعْمَى كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ، وَالثَّانِي لَا تَحِلُّ لِفَسَادِ قَصْدِهِمْ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَمْيِيزٌ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَ لَهُمَا أَدْنَى تَمْيِيزٍ حَلَّ قَطْعًا، قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَمَحَلُّ حِلِّ ذَبْحِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ، فَإِنْ لَمْ يُطِقْ لَمْ يَحِلَّ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، بَلْ الْمُمَيِّزُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْحُكْمَ فِيهِ كَذَلِكَ، وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. (وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى) لِمَا مَرَّ (وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ أَوْ كَلْبٍ) وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَارِحِ السِّبَاعِ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الصَّيْدَ فَصَارَ كَاسْتِرْسَالِ الْكَلْبِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي يَحِلُّ كَذَبْحِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْأَعْمَى يَقْتَضِي أَنَّ صَيْدَ مَنْ قَبْلَهُ حَلَالٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَلَيْسَ بِشَيْءِ اهـ. وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْأَعْمَى يَجْرِيَانِ فِي اصْطِيَادِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ وَإِنْ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الِاتِّحَادِ، وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي ذَبْحِ النَّائِمِ وَجْهَيْنِ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ عَدَمُ حِلِّهِ. وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ فَتَحِلُّ وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ كَالْمَجْنُونِ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: أَوْلَى النَّاسِ بِالذَّكَاةِ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، ثُمَّ الصَّبِيُّ الْمُسْلِمُ، ثُمَّ الْكِتَابِيُّ، ثُمَّ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ. انْتَهَى. قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فِي مَعْنَى الْأَخِيرَيْنِ. (وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ نَظِيرُ الْأَوَّلِ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَكَلْبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وَلِخَبَرِ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ» وَلِخَبَرِ «هُوَ: أَيْ الْبَحْرُ: الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّ ذَبْحَهُمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ. وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ إذَا أُكِلَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَ سَمَكَةٍ حَيَّة، فَإِنْ فَعَلَ   [مغني المحتاج] لَا يُمْكِنُ عَادَةً فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ سَوَاءٌ مَاتَا بِسَبَبٍ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الطَّافِي؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكَلَ مِنْ الْعَنْبَرِ، وَهُوَ الْحُوتُ الَّذِي طَفَا، وَكَانَ أَكْلُهُ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَلَوْ صَادَهُمَا) أَيْ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ (مَجُوسِيٌّ) ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ مَيْتَةً وَمَيْتَتُهُمَا حَلَالٌ كَمَا مَرَّ، وَلَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَلَوْ ذَبَحَ مَجُوسِيٌّ سَمَكَةً حَلَّتْ أَيْضًا، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَوْ قَتَلَهُمَا مَجُوسِيٌّ لَكَانَ أَوْلَى. وَأَمَّا قَتْلُ الْمُحْرِمِ الْجَرَادَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُسَنُّ ذَبْحُ كِبَارِ السَّمَكِ الَّذِي يَطُولُ بَقَاؤُهُ إرَاحَةً لَهُ، وَيُكْرَهُ ذَبْحُ صِغَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَعَبٌ بِلَا فَائِدَةٍ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ حِلُّ مَيْتَةِ السَّمَكِ مَا لَوْ وُجِدَتْ سَمَكَةٌ مَيِّتَةً فِي جَوْفِ أُخْرَى فَتَحِلُّ: كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتَغَيِّرَةً وَإِنْ لَمْ تَتَقَطَّعْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالرَّوْثِ وَالْقَيْءِ. (وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلٍّ) وَجُبْنٍ (وَفَاكِهَةٍ إذَا أُكِلَ مَعَهُ) مَيْتًا يَحِلُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ، وَأَلْحَقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اللَّحْمَ الْمُدَوِّدَ بِالْفَاكِهَةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إذَا سَهُلَ تَمْيِيزُهُ كَالتُّفَّاحِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ مَعَهُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ: أَيْ إذَا كَانَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَهُ أَكْلُهُ مُنْفَرِدًا فَيَحْرُمُ لِنَجَاسَتِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ، وَكَذَا لَوْ نَحَّاهُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ تَنَحَّى بِنَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ إمْكَانِ صَوْنِهِ عَنْهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَالثَّانِي يَحِلُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْهُ. وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ. تَنْبِيهٌ: حَقُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُذْكَرَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَثُرَ مِنْ الدُّودِ أَوْ لَا، وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَنَّهُ إذَا كَثُرَ وَغَيَّرَ يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يُنَجِّسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ وُقُوعَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَائِعِ عَنْ كَثْرَتِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيُقَاسَ بِالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الطَّعَامِ التَّمْرُ وَالْبَاقِلَاءُ الْمُسَوِّسَانِ إذَا طُبِخَا وَمَاتَ السُّوسُ فِيهِمَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ: وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالْفُولِ بِأَنَّ التَّمْرَ يُشَقُّ عَادَةً وَيُزَالُ مَا فِيهِ، بِخِلَافِ الْفُولِ لَكَانَ مُتَّجَهًا، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْعَسَلِ نَمْلٌ وَطُبِخَ جَازَ أَكْلُهُ، بِخِلَافِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي تَنْقِيَتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ ذُبَابَةٌ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ وَتَهَرَّتْ أَجْزَاؤُهَا فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ ذَلِكَ الطَّبِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَقْذَرُ، وَمِثْلُ الْوَاحِدَةِ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْقِدْرِ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ وَإِنْ قَلَّ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: حُرِّمَ أَكْلُ مَا فِيهَا لَا لِنَجَاسَتِهِ، بَلْ لِحُرْمَتِهِ، وَخَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ لِاسْتِهْلَاكِهِ. (وَلَا يَقْطَعُ) شَخْصٌ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (بَعْضَ سَمَكَةٍ حَيَّةٍ) أَوْ جَرَادَةٍ حَيَّةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّ عَيْشَهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ: كَمَا يُكْرَهُ قَلْيُهُ حَيًّا فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ لِمَا ذُكِرَ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 أَوْ بَلِعَ سَمَكَةً حَيَّةً حَلَّ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا رَمَى صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ بَعِيرًا نَدَّ، أَوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ، أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ. وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ فَكَنَادٍّ.   [مغني المحتاج] قَطَعَ بَعْضَ مَا ذُكِرَ وَبَلِعَ ذَلِكَ الْمَقْطُوعَ (أَوْ بَلِعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ فِي الْأَشْهَرِ (سَمَكَةً) أَوْ جَرَادَةً (حَيَّةً حَلَّ) مَا ذُكِرَ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمُبَانَ كَالْمَيْتَةِ، وَمَيْتَةُ هَذَا الْحَيَوَانِ حَلَالٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ قَتْلِهَا وَهُوَ جَائِزٌ. وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ الْمَقْطُوعُ كَمَا فِي غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَلَا الْمَبْلُوعُ لِمَا فِي جَوْفِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْأُولَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي أُبِينَ مَعَ بَقَاءِ حَيَاةِ السَّمَكَةِ أَوْ الْجَرَادَةِ. أَمَّا لَوْ قَطَعَ وَلَمْ يَبْقَ فِي الْبَاقِي حَيَاةٌ حَلَّ قَطْعًا، وَمَحَلُّهُ فِي الثَّانِيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ، فَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِلتَّدَاوِي جَازَ قَطْعًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. ثَانِيهَا: لَوْ أُكِلَ مَشْوِيُّ صِغَارِ السَّمَكِ بِرَوْثِهِ حَلَّ وَعُفِيَ عَنْ رَوْثِهِ لِعُسْرِ تَتَبُّعِهِ. وَأَمَّا كِبَارُهُ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ الرَّوْثِ مَعَهُ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. ثَالِثُهَا: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَيَّةً قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمَيْتَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً امْتَنَعَ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ رَوْثِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ شُهْبَةَ فِي الْكَبِيرَةِ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الصَّغِيرَةِ. (وَإِذَا رَمَى) بِسَهْمٍ (صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ) رَمَى (بَعِيرًا) إنْسِيًّا تَوَحَّشَ كَأَنْ (نَدَّ) بِفَتْحِ النُّونِ أَوَّلَهُ: أَيْ ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا (أَوْ) رَمَى (شَاةً) إنْسِيَّةً تَوَحَّشَتْ كَأَنْ (شَرَدَتْ بِسَهْمٍ) فِيهِ نَصْلٌ أَوْ لَهُ حَدٌّ، أَوْ بِسَيْفٍ، أَوْ رُمْحٍ، أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ) أَيْ الصَّيْدِ (جَارِحَةً) مِنْ سِبَاعٍ أَوْ طُيُورٍ (فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ) حَلْقًا أَوْ لَبَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (وَمَاتَ فِي الْحَالِ حَلَّ) فِي الْجَمِيعِ. أَمَّا فِي الْمُتَوَحِّشِ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا فِي الْبَعِيرِ النَّادِّ فَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعِيرًا نَدَّ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ: أَيْ قَتَلَهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَمَاتَ فِي الْحَالِ مَا لَوْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَأَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ وَلَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ: الِاعْتِبَارُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْإِصَابَةِ، فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَصَارَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ ثُمَّ أَصَابَ غَيْرَ الْمَذْبَحِ حَرُمَ أَوْ بِالْعَكْسِ حَلَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُتَوَحِّشًا عَنْ الصَّيْدِ الْمُسْتَأْنَسِ، فَهُوَ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ ذَبْحِهِ. (وَلَوْ تَرَدَّى) أَيْ سَقَطَ (بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ) أَوْ نَحْوِهَا (وَلَمْ يُمْكِنْهُ قَطْعُ حُلْقُومِهِ) وَمَرِيئِهِ (فَكَنَادٍّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ: أَيْ شَارِدٍ فِي حِلِّهِ بِالرَّمْيِ، وَكَذَا بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ فِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْبَصْرِيُّونَ فَتَصِيرُ أَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا مَذْبَحًا. أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ مَوْضِعُ الذَّبْحِ ظَاهِرًا فَلَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ إلَّا فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ. وَلَمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ. وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إلَى الزُّهُوقِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ. وَإِذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً أَوْ أَدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ بِأَنْ سَلَّ السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانٍ أَوْ امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ حَلَّ،   [مغني المحتاج] كَانَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِ الْمُحَرَّرِ الْمُتَرَدِّيَ بِالنَّادِّ أَنَّهُ يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ السَّهْمُ اسْتَدْرَكَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ) الْمُتَرَدِّي (بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ) عَلَيْهِ (وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ) وَهُوَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ نِسْبَةً لِرُويَانَ مِنْ بِلَادِ طَبَرِسْتَانَ عَبْدُ الْوَاحِدِ أَبُو الْمَحَاسِنِ شَافِعِيُّ زَمَانِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، الْقَائِلُ: لَوْ احْتَرَقَتْ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ أَمْلَيْتُهَا مِنْ حِفْظِي (وَالشَّاشِيُّ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٌ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ نَقَلَ عَدَمَ حِلِّ الْمُتَرَدِّي بِمَا ذَكَرَ عَنْ الرُّويَانِيِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ مَعَ الْقُدْرَةِ، بِخِلَافِ فِعْلِ الْجَارِحَةِ، وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فَوْقَ بَعِيرٍ فَغَرَزَ رُمْحًا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى نَفَذَ مِنْهُ إلَى الثَّانِي حَلَّا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالثَّانِي، قَالَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ بِثِقَلِ الْأَعْلَى لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ دَخَلَتْ الطَّعْنَةُ إلَيْهِ وَشَكَّ هَلْ مَاتَ بِهَا أَوْ بِالثِّقَلِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ (وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ) أَيْ النَّادِّ (بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِعَانَةٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ بِخَطِّهِ مِنْ الْعَوْنِ، وَتَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ مِنْ الْغَوْثِ (بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ) مَثَلًا (فَمَقْدُورٌ) أَيْ حُكْمُهُ كَحَيَوَانٍ مَقْدُورٍ (عَلَيْهِ) لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ وَتَعَسَّرَ ذَلِكَ كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْحَالِ (وَيَكْفِي فِي) الْحَيَوَانِ (النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي) السَّابِقَيْنِ، وَفِي الْوَحْشِيِّ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (جُرْحٌ يُفْضِي) غَالِبًا (إلَى الزُّهُوقِ) أَيْ الْمَوْتِ سَوَاءٌ أَذُفِّفَ الْجُرْحُ أَمْ لَا، وَهَذَا مَا نَسَبَهُ الرَّافِعِيُّ لِلْمُعْظَمِ وَالْمُصَنِّفُ لِلْأَكْثَرِينَ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ) فِي الرَّمْيِ بِسَهْمٍ جُرْحٌ (مُذَفِّفٌ) وَهُوَ الْمُسْرِعُ لِلْقَتْلِ، وَحَكَى هَذَا الْإِمَامُ عَنْ الْقَفَّالِ وَالْمُحَقِّقِينَ. أَمَّا إرْسَالُ الْكَلْبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَذْفِيفٌ جَزْمًا. (وَإِذَا أَرْسَلَ) الصَّائِدُ آلَةَ صَيْدٍ (سَهْمًا أَوْ كَلْبًا) مُعَلَّمًا (أَوْ طَائِرًا) مُعَلَّمًا (عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ) نَظَرْتَ (فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ) أَيْ الصَّائِدُ فِي الصَّيْدِ (حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً أَوْ أَدْرَكَهَا) أَيْ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ فِيهِ (وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْ الصَّائِدِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (سَلَّ السِّكِّينَ) عَلَى الصَّيْدِ، أَوْ ضَاقَ الزَّمَانُ، أَوْ مَشَى لَهُ عَلَى هَيْنَتِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ عَدْوًا، أَوْ اشْتَغَلَ بِتَوْجِيهِهِ لِلْقِبْلَةِ، أَوْ بِتَحْرِيفِهِ وَهُوَ مُنْكَبٌّ أَوْ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ، أَوْ بِتَنَاوُلِ السِّكِّينِ، أَوْ مَنَعَ مِنْهُ سَبُعٌ (فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانٍ) مِنْهُ لَذَبْحِهِ (أَوْ امْتَنَعَ) مِنْهُ (بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (حَلَّ) فِي الْجَمِيعِ، كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُدْرِكْ حَيَاتَهُ. نَعَمْ يُسَنُّ ذَبْحُهُ إذَا وَجَدَ فِيهِ حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونُ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ غُصِبَتْ أَوْ نَشِبَتْ فِي الْغِمْدِ حَرُمَ. وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ حَلَّا، وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ، أَوْ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا حُرِّمَ الْعُضْوُ وَحَلَّ الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ حَلَّ الْجَمِيعُ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَأَصَابَهُ وَمَاتَ لَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُهُ مَوْرِدًا لِلتَّقْسِيمِ، فَإِنَّ مِنْهَا إدْرَاكَهُ بِالْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ، وَالْمَيْتُ لَا حَيَاةَ فِيهِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: فَأَصَابَ ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ حَيًّا، وَلِلْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ قَرَائِنُ وَأَمَارَاتٌ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ فَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَمِنْ أَمَارَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ وَانْفِجَارُ الدَّمِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَرَكَةَ الشَّدِيدَةَ تَكْفِي وَحْدَهَا، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي حُصُولِهَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ ظَنٌّ فَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ (وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ الصَّائِدِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (لَا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ) أَوْ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً، أَوْ ذَبَحَ بِظَهْرِهَا خَطَأً (أَوْ غُصِبَتْ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ أَوَّلَهُ: أَيْ أَخَذَهَا مِنْهُ غَاصِبٌ (أَوْ نَشِبَتْ) بِفَتْحِ النُّونِ أَوَّلَهُ، وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ عَسُرَ إخْرَاجُهَا بِأَنْ تَعَلَّقَتْ (فِي الْغِمْدِ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ، وَهُوَ الْغِلَافُ كَمَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ فِي الْإِقْرَارِ (حَرُمَ) الصَّيْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِلتَّقْصِيرِ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ يُعَانِي الصَّيْدَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ الْآلَةَ فِي غِمْدٍ يُوَافِقُ، وَسُقُوطُهَا مِنْهُ وَسَرِقَتُهَا تَقْصِيرٌ. نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ لِلسِّكِّينِ غِمْدًا مُعْتَادًا فَنَشِبَتْ لِعَارِضٍ حَلَّ كَمَا يُفْهِمُهُ التَّعْبِيرُ بِالتَّقْصِيرِ؛ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ مَوْتِ الصَّيْدِ هَلْ قَصَّرَ فِي ذَبْحِهِ أَمْ لَا؟ حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْصِيرِ. فَائِدَةٌ: فِي السِّكِّينِ لُغَتَانِ: التَّذْكِيرُ، وَالتَّأْنِيثُ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا حَيْثُ قَالَ: مَعَهُ سِكِّينٌ، ثُمَّ قَالَ غُصِبَتْ، وَاسْتَعْمَلَ التَّذْكِيرَ فَقَطْ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ. (وَلَوْ رَمَاهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فَقَدَّهُ) أَيْ قَطَعَهُ (نِصْفَيْنِ) مَثَلًا (حَلَّا) أَيْ النِّصْفَانِ تَسَاوَيَا أَوْ تَفَاوَتَا لِحُصُولِ الْجُرْحِ الْمُذَفِّفِ؛ لَكِنْ إنْ كَانَتْ الَّتِي مَعَ الرَّأْسِ فِي صُورَةِ التَّفَاوُتِ أَقَلَّ حَلَّا بِلَا خِلَافٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الذَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ الْعَكْسُ حَلَّا أَيْضًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا سَلَّمَهُ (وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ) أَيْ الصَّيْدِ (عُضْوًا) كَيَدِهِ (بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ) أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْلِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ (حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ) أَيْ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَكَاةِ الصَّيْدِ كُلُّ الْبَدَنِ (أَوْ) أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا (بِغَيْرِ) أَيْ بِجُرْحٍ غَيْرِ (مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ، أَوْ) لَمْ يَذْبَحْهُ بَلْ (جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا) وَلَمْ يُثْبِتْهُ بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ فَمَاتَ (حُرِّمَ الْعُضْوُ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ (وَحَلَّ الْبَاقِي) لِوُجُودِ الذَّكَاةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَقِيَامِ الْمُذَفِّفِ مَقَامَهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ الْأَوَّلُ مُثْبِتًا بِغَيْرِ ذَبْحِهِ فَلَا يُجْزِئُ الْجُرْحُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ) الْأَوَّلِ (حَلَّ الْجَمِيعُ) الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ السَّابِقَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 وَقِيلَ يَحْرُمُ الْعُضْوُ. فَصْلٌ وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ قُدِرَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ، وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ وَالْمَرِيءِ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ، وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ عَصَى، فَإِنْ أَسْرَعَ فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] كَالذَّبْحِ لِلْجُمْلَةِ فَيَتْبَعُهَا الْعُضْوُ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ (وَقِيلَ) وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ (يَحْرُمُ الْعُضْوُ) ؛ لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ وَأَمَّا بَاقِي الْبَدَنِ فَيَحِلُّ جَزْمًا. . [فَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الذَّبِيحُ] ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الذَّبِيحُ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ فَقَالَ (وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ) إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ (قُدِرَ عَلَيْهِ) وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَقْتَ ابْتِدَاءِ ذَبْحِهِ تَحْصُلُ فِي الْأَصَحِّ (بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ مَخْرَجُ) أَيْ مَجْرَى (النَّفَسِ) خُرُوجًا وَدُخُولًا (وَ) بِقَطْعِ كُلِّ (الْمَرِيءِ) بِفَتْحِ مِيمِهِ وَهَمْزِ آخِرِهِ، وَيَجُوزُ تَسْهِيلُهُ (وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ) وَالشَّرَابِ مِنْ الْحَلْقِ إلَى الْمَعِدَةِ وَتَحْتَ الْحُلْقُومِ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تُفْقَدُ بِفَقْدِهِمَا. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِالْقَطْعِ عَمَّا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أَوْ غَيْرِهِ بِيَدِهِ، أَوْ بِبُنْدُقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ لَا يُسَمَّى ذَكَاةً بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ، لَا فِي مَعْنَى الْقَطْعِ، وَبِقَوْلِهِ قُدِرَ عَلَيْهِ عَمَّا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ: كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ عَمَّا لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَوْ يَسِيرًا فَلَا يَحِلُّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ابْتِدَاءِ الذَّبْحِ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَقَدْ يُخِلُّ فِي قَوْلِهِ: قُدِرَ عَلَيْهِ مَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْجَنِينِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ حِلَّهُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ) بِوَاوٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَتَيْنِ تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا (وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ) مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ، وَقِيلَ بِالْمَرِيءِ، وَهُمَا الْوَرِيدَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، فَهُوَ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا لَمْ يَجِبْ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُسَلَّانِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَيَبْقَى، وَمَا هَذَا شَأْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ كَسَائِرِ الْعُرُوقِ، وَلَا يُسَنُّ قَطْعُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ (وَلَوْ ذَبَحَهُ) أَيْ الْحَيَوَانَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ (مِنْ قَفَاهُ) أَوْ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ (عَصَى) بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ (فَإِنْ أَسْرَعَ) فِي ذَلِكَ (فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ، وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) أَوَّلَ قَطْعِهِمَا (حَلَّ) ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ صَادَفَتْهُ وَهُوَ حَيٌّ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ الْحَيَوَانِ ثُمَّ ذَكَّاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُسْرِعْ قَطْعَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بَلْ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ (فَلَا) يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَيْتَةً فَلَا يُفِيدُهُ الذَّبْحُ بَعْدَ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ شَخْصٌ حَيَوَانًا وَأَخْرَجَ آخَرُ أَمْعَاءَهُ أَوْ نَخَسَ خَاصِرَتَهُ مَعًا لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ، وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِمًا مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ،   [مغني المحتاج] التَّذْفِيفَ لَمْ يَتَمَحَّضْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: سَوَاءٌ أَكَانَ مَا قَطَعَ بِهِ الْحُلْقُومَ مِمَّا يُذَفِّفُ لَوْ انْفَرَدَ أَمْ كَانَ يُعِينُ عَلَى التَّذْفِيفِ وَلَوْ اقْتَرَنَ قَطْعُ الْحُلْقُومِ بِقَطْعِ رَقَبَةِ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهَا بِأَنْ أَجْرَى سِكِّينًا مِنْ الْقَفَا وَسِكِّينًا مِنْ الْحُلْقُومِ حَتَّى الْتَقَيَا فَهِيَ مَيْتَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ التَّذْفِيفَ إنَّمَا حَصَلَ بِذَبْحَيْنِ خِلَافَ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ الْحِلِّ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ جَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ قَطْعِ الْمَرِيءِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بِقَطْعِ الْمَذْبَحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، بَلْ يَكْفِي الظَّنُّ بِوُجُودِهَا بِقَرِينَةٍ، وَلَوْ عُرِفَتْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، فَلَوْ وَصَلَ بِجُرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ، ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تُتَيَقَّنُ، وَتَارَةَ تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ، فَإِنْ شَكَكْنَا فِي اسْتِقْرَارِهَا حَرُمَ لِلشَّكِّ فِي الْمُبِيحِ وَتَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ، فَإِنْ مَرِضَ أَوْ جَاعَ فَذَبَحَهُ، وَقَدْ صَارَ آخِرَ رَمَقٍ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَرِضَ بِأَكْلِ نَبَاتٍ مُضِرٍّ حَتَّى صَارَ آخِرَ رَمَقٍ كَانَ سَبَبًا يُحَالُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحِلَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي مَرَّةً وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْهِ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى، وَإِنْ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذَّكَاةِ قَطْعُ الْجِلْدِ الَّذِي فَوْقَ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ) لِيَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ دَاخِلَ الْجِلْدِ لِأَجْلِ جِلْدِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِلتَّعْذِيبِ. ثُمَّ إنْ أَسْرَعَ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ دَاخِلَ الْجِلْدِ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: الثَّعْلَبُ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. (وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ) فِي اللَّبَّةِ، وَهِيَ أَسْفَلُ الْعُنُقِ كَمَا مَرَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وَلِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ أَسْرَعُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ لِطُولِ عُنُقِهَا، وَقِيَاسُ هَذَا كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ مَا طَالَ عُنُقُهُ كَالنَّعَامِ وَالْإِوَزِّ وَالْبَطِّ. (وَ) يُسَنُّ (ذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ) وَنَحْوِهِمَا كَخَيْلٍ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ الْكَائِنَيْنِ أَعْلَى الْعُنُقِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَيَجُوزُ) بِلَا كَرَاهَةٍ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ (عَكْسُهُ) وَهُوَ ذَبْحُ إبِلٍ وَنَحْوِهَا وَنَحْرُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ وَنَحْوِهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَكُونَ) نَحْرُ (الْبَعِيرِ قَائِمًا) عَلَى ثَلَاثٍ (مَعْقُولَ) بِالتَّنْوِينِ بِخَطِّهِ (الرُّكْبَةِ) وَهِيَ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيْ قِيَامًا عَلَى ثَلَاثٍ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ: أَلِفَ الصُّفُوفَ فَلَا يَزَالُ كَأَنَّهُ ... مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَثِيرًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ، وَيُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى، وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ. وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، وَيُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ. وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ،   [مغني المحتاج] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَبَارِكًا، وَالنَّحْرُ الطَّعْنُ بِمَا لَهُ حَدٌّ فِي الْمَنْحَرِ، وَهُوَ الْوَهْدَةُ الَّتِي فِي أَعْلَى الصَّدْرِ، وَأَصْلِ الْعُنُقِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ إيجَابَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَاسْتِحْبَابَ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ مَخْصُوصٌ بِالذَّبْحِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي النَّحْرِ أَيْضًا، وَحَكَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْحَاوِي وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَ) أَنْ تَكُونَ (الْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ) حَالَ ذَبْحِ كُلٍّ مِنْهُمَا (مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ) أَمَّا الشَّاةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَضْجَعَهَا وَقِيسَ عَلَيْهَا الْبَقَرُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلَ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِهِ السِّكِّينَ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ الرَّأْسِ بِالْيَسَارِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الذَّابِحُ أَعْسَرَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ وَلَا يُضْجِعُهَا عَلَى يَمِينِهَا كَمَا أَنَّ مَقْطُوعَ الْيَمِينِ لَا يُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى (وَيُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى) بِلَا شَدٍّ لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا (وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ) لِئَلَّا تَضْطَرِبَ حَالَ الذَّبْحِ فَيَزِلَّ الذَّابِحُ. (وَ) يُسَنُّ لِلذَّابِحِ (أَنْ يُحِدَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (شَفْرَتَهُ) وَهِيَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ: سِكِّينٌ عَظِيمَةٌ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» . تَنْبِيهٌ: لَوْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ كَالٍّ حَلَّ بِشَرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ الْقَطْعُ إلَى قُوَّةِ الذَّابِحِ، وَأَنْ يَقْطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ قَبْلَ انْتِهَائِهَا إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَيُسَنُّ إمْرَارُ السِّكِّينِ بِقُوَّةِ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحُدَّ شَفْرَتَهُ وَالْبَهِيمَةُ تَنْظُرُ إلَيْهِ، وَأَنْ يَذْبَحَ حَيَوَانًا وَآخَرُ يَنْظُرُ إلَيْهِ، فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يُسَاقَ الْحَيَوَانُ إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ، وَأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْوَنُ عَلَى سُهُولَةِ سَلْخِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُبِينَ الرَّأْسَ، وَأَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ، وَأَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا مِنْهُ، وَأَنْ يُحَرِّكَهُ، وَأَنْ يَنْقُلَهُ إلَى مَكَانٍ حَتَّى تَخْرُجَ رُوحُهُ مِنْهُ (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُوَجِّهَ) الذَّابِحُ (لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْجِهَاتِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا لَا وَجْهَهَا لِيُمْكِنَهُ أَيْضًا هُوَ الِاسْتِقْبَالُ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِقْبَالُ لِلذَّابِحِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كُرِهَ كَالْبَوْلِ إلَى الْقِبْلَةِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ، وَلِهَذَا شُرِعَ فِيهَا التَّسْمِيَةُ. كَمَا قَالَ (وَأَنْ يَقُولَ) عِنْدَ ذَبْحِهَا (بِسْمِ اللَّهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] وَلَا تَجِبُ، فَلَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَلَّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ تَعَمَّدَ لَمْ تَحِلَّ. وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْلِهِ: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَأَبَاحَ الْمُذَكَّى وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ، وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -   [مغني المحتاج] لَا يُسَمُّونَ غَالِبًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «إنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ قَوْمَنَا حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا بِلِحَامٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَأْكُلُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: اُذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَجَازَ الْأَكْلَ مَعَ الشَّكِّ، وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّ أَوْ لَمْ يُسَمِّ» «وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى؟ فَقَالَ: اسْمُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ» وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْبَلَاغَةُ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لَيْسَ مَعْطُوفًا لِلتَّبَايُنِ التَّامِّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، إذْ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جَوَابًا لِمَكَانِ الْوَاوِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ حَالِيَّةً فَتَقَيَّدَ النَّهْيُ بِحَالِ كَوْنِ الذَّبْحِ فِسْقًا. وَالْفِسْقُ فِي الذَّبِيحَةِ مُفَسَّرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَجُوسَ الْفُرْسِ قَالُوا لِقُرَيْشٍ: تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَأَمَّا نَحْوُ خَبَرِ أَبِي ثَعْلَبَةَ «فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ، ثُمَّ كُلْ» فَأَجَابُوا عَنْهُ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ سَنُّ التَّسْمِيَةِ بِالذَّبْحِ، بَلْ تُسَنُّ عِنْدَ إرْسَالِ السَّهْمِ وَالْجَارِحَةِ إلَى صَيْدٍ، وَلَوْ عِنْدَ الْإِصَابَةِ بِالسَّهْمِ، وَالْعَضِّ مِنْ الْجَارِحَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، بَلْ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ اسْتِحْبَابَهَا عِنْدَ صَيْدِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ، وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقُولَ فِي التَّسْمِيَةِ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ، بَلْ لَوْ قَالَ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " كَانَ حَسَنًا، وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: " فَإِنْ زَادَ شَيْئًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَالزِّيَادَةُ خَيْرٌ " فَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُسَنُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ يُكَبِّرَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَبَعْدَهَا ثَلَاثًا، وَأَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك " (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 وَلَا يَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ. فَصْلٌ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ   [مغني المحتاج] اللَّهِ، فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ، وَكَرِهَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالُوا: لَا يُذْكَرُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْحَلِيمِيِّ " وَحَاشَا اللَّهِ أَنْ تُكْرَهَ الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ طَاعَةٍ أَوَقُرْبَةً ": بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهَا عَمْدًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَا يَقُلْ) أَيْ الذَّابِحُ وَالصَّائِدُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ، وَلَا (بِسْمِ اللَّهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) وَلَا بِاسْمِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَرِّ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِإِيهَامِهِ التَّشْرِيكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِنْ أَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ، وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ ذَلِكَ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى الْجَوَازَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ. قَالَ: وَقَدْ تَنَازَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ قَزْوِينَ فِيهِ هَلْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَهَلْ يَكْفُرُ أَوْ لَا؟ وَالصَّوَابُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَذْبَحُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَقَرُّبًا لَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا. أَمَّا لَوْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِرَفْعِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا لِعَدَمِ إيهَامِهِ التَّشْرِيكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّحْوِيِّ. أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ ذَلِكَ. . تَنْبِيهٌ: لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، بَلْ إنْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ لِذَلِكَ تَعْظِيمًا وَعِبَادَةً كَفَرَ كَمَا لَوْ سَجَدَ لَهُ لِذَلِكَ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: مَنْ ذَبَحَ لِلْجِنِّ وَقَصَدَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيَصْرِفَ شَرَّهُمْ عَنْهُ فَهُوَ حَلَالٌ، وَإِنْ قَصَدَ الذَّبْحَ لَهُمْ فَحَرَامٌ، وَإِنْ ذَبَحَ لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِلرُّسُلِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ جَازَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يَرْجِعُ قَوْلُ الْقَائِلِ أَهْدَيْتُ لِلْحَرَمِ أَوْ لِلْكَعْبَةِ، وَتَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ إذَا ذُبِحَتْ تَقَرُّبًا إلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِبْشَارَ بِقُدُومِهِ فَلَا بَأْسَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَةِ لِوِلَادَةِ الْمَوْلُودِ، وَعَدَّ الصَّيْمَرِيُّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَذْبَحَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ: أَيْ فَيُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ: فِي الْإِحْيَاءِ بِالتَّحْرِيمِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْآلَةُ مُتَرْجِمًا لِذَلِكَ بِفَصْلٍ فَقَالَ. [فَصْلٌ ذَبْحُ حَيَوَانٍ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ حَيَوَانٍ غَيْرِهِ] [فَصْلٌ] (يَحِلُّ ذَبْحُ) حَيَوَانٍ (مَقْدُورٍ عَلَيْهِ) بِقَطْعِ حُلْقُومِهِ وَمَرِيئِهِ (وَ) يَحِلُّ (جَرْحُ) حَيَوَانٍ (غَيْرِهِ) أَيْ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْهُ (بِكُلِّ مُحَدَّدٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الشَّدِيدَةِ: أَيْ لَهُ حَدٌّ (يَجْرَحُ) أَيْ يَقْطَعُ (كَحَدِيدٍ) أَيْ مُحَدَّدِ حَدِيدٍ (وَ) مُحَدَّدِ (نُحَاسٍ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَعْطُوفَاتِ (وَذَهَبٍ) وَفِضَّةٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ إلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ الْعِظَامِ. فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ أَوْ ثِقَلِ مُحَدَّدٍ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ أَوْ سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ،   [مغني المحتاج] وَرَصَاصٍ (وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَوْحَى لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَهُوَ تَعْبِيرٌ مَعْكُوسٌ، وَالصَّوَابُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَهِيَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ إلَخْ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ مَا يَحِلُّ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ بِقَوْلِهِ: ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ. (إلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ) أَيْ بَاقِي (الْعِظَامِ) مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ. أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ. وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعِظَامِ قِيلَ تَعَبُّدٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ لَا تَذْبَحُوا بِهَا فَإِنَّهَا تَنْجَسُ بِالدَّمِ، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنَجُّسِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا زَادَ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، فَلَوْ جَعَلَ نَصْلَ سَهْمٍ عَظْمًا فَقَتَلَ بِهِ صَيْدًا حَرُمَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّةِ النَّهْيِ عَنْ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ أَنَّهُ بِمَطْعُومِ الْآدَمِيِّ أَوْلَى كَأَنْ يَذْبَحَ بِحَرْفِ رَغِيفٍ مُحَدَّدٍ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ مَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ بِظُفْرِهَا أَوْ نَابِهَا حَلَالٌ، فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ. وَخَرَجَ بِمُحَدَّدٍ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ) بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ شَدِيدَةٍ: أَيْ شَيْءٍ ثَقِيلٍ (أَوْ ثِقَلٍ مُحَدَّدٍ) فَالْأَوَّلُ (كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ) وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ، وَذَلِكَ كَسَهْمٍ بِنَصْلٍ أَوْ حَدٍّ قَتَلَ بِثِقَلِهِ، وَمِنْهُ السِّكِّينُ الْكَالُّ إذَا ذَبَحَتْ بِالتَّحَامُلِ عَلَيْهَا. ثُمَّ أَشَارَ لِصُوَرٍ يَقَعُ الْمَوْتُ فِيهَا بِسَبَبَيْنِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) قَتَلَ بِنَحْوِ (سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ) أَيْ قَتَلَهُ بِهِمَا (أَوْ جَرَحَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ: أَيْ جَانِبُهُ (فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا) أَيْ الْجُرْحِ وَالتَّأْثِيرِ (أَوْ انْخَنَقَ) وَمَاتَ (بِأُحْبُولَةٍ) مَنْصُوبَةٍ لِذَلِكَ، وَهِيَ مَا تُعْمَلُ مِنْ الْحِبَالِ لِلِاصْطِيَادِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ حَرُمَ، وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ حَلَّ.   [مغني المحتاج] (أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ) فَجَرَحَهُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا (فَوَقَعَ بِأَرْضٍ) عَالِيَةٍ (أَوْ) طَرَفِ (جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَمَاتَ (حَرُمَ) الصَّيْدُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، أَمَّا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، فَلِأَنَّهَا مَوْقُوذَةٌ فَإِنَّهَا مِمَّا قُتِلَ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا حَدَّ لَهُ، وَأَمَّا مَوْتُهُ بِالسَّهْمِ وَالْبُنْدُقَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ مُبِيحٍ وَمُحَرِّمٍ، فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْمَيْتَاتِ، وَأَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ بِالْأُحْبُولَةِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] . وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ، فَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الشُّرَّاحِ فِي تَصْوِيرِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ جُرْحًا بَلْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ فَمَاتَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِعَدَمِ مُبِيحٍ يُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّرَهُ بِمَا إذَا جَرَحَهُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا وَوَقَعَ بِأَرْضٍ عَالِيَةٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهَا وَجَعَلَهُ مِنْ صُوَرِ الْمَوْتِ بِسَبَبَيْنِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يُدْرَى بِأَيِّهِمَا مَاتَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا حَمَلْتُ كَلَامَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ بِوُقُوعٍ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ كَانَ أَوْلَى، وَلَا بُدَّ فِي تَصْوِيرِ الْأَرْضِ وَالْجَبَلِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. أَمَّا إذَا أَنْهَاهُ السَّهْمُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا أَثَرَ لِصَدْمَةِ الْأَرْضِ وَالْجَبَلِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ سَقَطَ عَمَّا إذَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ، وَلَكِنْ تَدَحْرَجَ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِلَا خِلَافٍ. فَائِدَةٌ: أَفْتَى الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الرَّمْيَ بِالْبُنْدُقِ جَائِزٌ، وَلَكِنَّ مَحِلُّهُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْكَرْكِيِّ، فَإِنْ كَانَ يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْعَصَافِيرِ وَصِغَارِ الْوَحْشِ حَرُمَ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، فَإِنْ احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ (وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ) أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُؤَثِّرًا (فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ) قَبْلَ وُصُولِهِ الْأَرْضَ، أَوْ بَعْدَهُ (حَلَّ) ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا فَوَقَعَ عَلَى جَنْبَيْهِ لَمَّا أَصَابَهُ السَّهْمُ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الطَّائِرُ عَلَى شَجَرَةٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ فَسَقَطَ بِالْأَرْضِ. فَإِنْ سَقَطَ عَلَى غُصْنٍ، ثُمَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا لَوْ سَقَطَ عَلَى سَطْحٍ ثُمَّ عَلَى الْأَرْضِ وَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ، وَخَرَجَ بِالْأَرْضِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ حَلَّ إنْ لَمْ يَصْدِمْ جُدْرَانَهَا. . تَنْبِيهٌ: لَوْ رَمَى طَيْرَ الْمَاءِ، وَهُوَ فِيهِ فَأَصَابَهُ، وَمَاتَ حَلَّ، وَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِي الْمَاءِ، وَلَوْ فِي نَحْوِ سَفِينَةٍ حَلَّ، أَوْ فِي الْبَرِّ حَرُمَ إنْ لَمْ يُنْهِهِ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، وَلَوْ كَانَ الطَّيْرُ خَارِجَ الْمَاءِ فَرَمَاهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّامِي فِي الْمَاءِ أَمْ خَارِجَهُ حَرُمَ كَمَا فُهِمَ مِمَّا ذُكِرَ بِالْأَوْلَى، وَكَمَا هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً بِأَنْ تَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا وَتَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكَ الصَّيْدَ وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ.   [مغني المحتاج] الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ طَيْرَ الْبَرِّ لَيْسَ كَطَيْرِ الْمَاءِ فِيمَا ذُكِرَ، لَكِنَّ الْبَغَوِيَّ فِي تَعْلِيقِهِ جَعَلَهُ مِثْلَهُ، فَإِنْ حُمِلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي طَيْرِ الْمَاءِ فِي كَلَامِهِمَا عَلَى مَعْنَى فِي فَلَا مُخَالَفَةَ، وَهَذَا أَوْلَى، وَمَحِلُّ مَا مَرَّ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا لَمْ يَغْمِسْهُ السَّهْمُ فِي الْمَاءِ. سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَمْ فِي هَوَائِهِ. أَمَّا لَوْ غَمَسَهُ فِيهِ قَبْلَ إنْهَائِهِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَوْ انْغَمَسَ فِيهِ بِالْوُقُوعِ لِثِقَلِ جُثَّتِهِ فَمَاتَ فَهُوَ غَرِيقٌ لَا يَحِلُّ قَطْعًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا السَّاقِطُ فِي النَّارِ فَحَرَامٌ. (وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ) أَيْ أَكْلُ الْمُصَادِ بِالشَّرْطِ الْآتِي فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ جُرْحُهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، أَمَّا الِاصْطِيَادُ بِمَعْنَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْجَوَارِحِ، بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ تَيَسَّرَ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ وَذَبْحُهُ كَذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ، وَالْجَوَارِحُ جَمْعُ جَارِحٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا يَجْرَحُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِجَرْحِهِ الطَّيْرَ بِظُفْرِهِ، أَوْ نَابِهِ. ثُمَّ مَثَّلَ الْجَوَارِحَ بِقَوْلِهِ (كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) وَنَمِرٍ فِي السِّبَاعِ (وَبَازٍ وَشَاهِينِ) وَصَقْرٍ فِي الطَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] أَيْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَوْلُهُ فِي الْوَسِيطِ: فَرِيسَةُ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ حَرَامٌ غَلَطٌ مَرْدُودٌ؛ وَلَيْسَ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، بَلْ هُمَا كَالْكَلْبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَكُلُّ الْأَصْحَابِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا هُنَا بِعَدِّ النَّمِرِ فِي السِّبَاعِ الَّتِي يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَا، وَقَالَا فِي كِتَابِ الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاصْطِيَادِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ فِي نَمِرٍ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ، فَإِذَا كَانَ مُعَلَّمًا أَوْ أَمْكَنَ تَعْلِيمُهُ صَحَّ بَيْعُهُ (بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً) لِلْآيَةِ وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ (بِأَنْ تَنْزَجِرَ) أَيْ تَقِفَ (جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا) فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَبَعْدَهُ (وَ) أَنْ (تَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ) أَيْ تَهِيجَ بِإِغْرَائِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: " إذَا أَمَرْتَ الْكَلْبَ فَائْتَمَرَ وَإِذَا نَهَيْتَهُ فَانْتَهَى فَهُوَ كَلْبٌ مُكَلَّبٌ " حَكَاهُ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ رِوَايَةِ يُونُسَ (وَ) أَنْ (يُمْسِكَ) أَيْ يَحْبِسَ (الصَّيْدَ) عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُخَلِّيَهُ يَذْهَبُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا يَدْفَعَهُ عَنْهُ (وَلَا يَأْكُلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ كَجِلْدِهِ وَحَشْوَتِهِ وَأُذُنِهِ وَعَظْمِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ لَهُ أَوْ عَقِبَهُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَمَنْعُهُ الصَّائِدَ مِنْ الصَّيْدِ كَالْأَكْلِ مِنْهُ. أَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ قَتَلَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَعَادَ إلَيْهِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي الْقَطْعُ فِي تَنَاوُلِهِ الشَّعْرَ بِالْحِلِّ، إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ، وَفِيمَا ذُكِرَ تَذْكِيرُ الْجَارِحَةِ، وَسَيَأْتِي تَأْنِيثُهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى تَارَةً وَإِلَى اللَّفْظِ أُخْرَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يَظُنُّ تَأَدُّبَ الْجَارِحَة، وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ. فَيُشْتَرَطُ تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ، وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ، وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجِسٌ،   [مغني المحتاج] (وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى جَارِحَةِ السِّبَاعِ. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الضَّرْبَ لِتَتَعَلَّمَ تَرْكَ الْأَكْلِ، بِخِلَافِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا انْزِجَارُهَا بِالزَّجْرِ وَلَا إمْسَاكُهَا الصَّيْدَ لِصَاحِبِهَا، وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِي، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأُولَى، وَنَقَلَ عَنْ الْإِمَام أَنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي انْزِجَارِهَا بَعْدَ طَيَرَانِهَا، لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهَا أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ اعْتَبَرَهُ فِي الْبَسِيطِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ الْإِمَامِ بِلَفْظِ قِيلَ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَسُلَيْمٍ الرَّازِيِّ وَنَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ (وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ) الْمُعْتَبَرَةِ فِي التَّعْلِيمِ (بِحَيْثُ يَظُنُّ تَأَدُّبَ الْجَارِحَةِ) وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ، بَلْ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقِيلَ مَرَّتَيْنِ (وَلَوْ ظَهَرَ) بِمَا ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ (كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ) مَرَّةً كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْمَارِّ، وَلِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ شَرْطٌ فِي التَّعَلُّمِ ابْتِدَاءً، فَكَذَا دَوَامًا، وَالثَّانِي يَحِلُّ أَكْلُهُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ» وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ فِي رِجَالِهِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَإِنْ صَحَّ حَمْلٌ عَلَى مَا إذَا أَطْعَمَهُ صَاحِبُهُ مِنْهُ أَوْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَا قَتَلَهُ وَانْصَرَفَ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْأَكْلِ مَرَّةً كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَلَوْ تَكَرَّرَ الْأَكْلُ مِنْهُ حَرُمَ الْآخَرُ جَزْمًا، وَمَا أَكَلَ مِنْهُ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ الصَّيْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ بِالْأَكْلِ عَنْ التَّعْلِيمِ إذَا أَكَلَ مِمَّا أَرْسَلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ وَأَكَلَ لَمْ يُقْدَحْ فِي كَوْنِهِ مُعَلَّمًا قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ قَدْ يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَلْحَقُ بِهِ نَحْوُهُ مِمَّا مَرَّ مِنْ جِلْدِهِ وَعَظْمِهِ وَحَشْوَتِهِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ قَوْلَهُ (فَيُشْتَرَطُ) فِي هَذِهِ الْجَارِحَةِ (تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ انْعِطَافِ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْفَسَادَ مِنْ حِينَ الْأَكْلِ، وَلَمْ يَقُلْ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ التَّعْلِيمِ (وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ لِلصَّائِدِ، فَصَارَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مَنُوطٌ فِي الْحَدِيثِ بِالْأَكْلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجِسٌ) كَغَيْرِهِ مِمَّا يُنَجِّسُهُ الْكَلْبُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ. وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا لَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ لَمْ يَحِلَّ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ) كَوُلُوغِهِ، وَالثَّانِي يُعْفَى عَنْهُ لِلْحَاجَةِ، وَقَوَّاهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ) أَيْ الْمَعَضِّ سَبْعًا (بِمَاءٍ وَتُرَابٍ) فِي إحْدَاهُنَّ كَغَيْرِهِ (وَ) أَنَّهُ (لَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ) الْمَعَضُّ (وَيُطْرَحَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَالثَّانِي يَجِبُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي الْغَسْلُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ تَشَرَّبَ لُعَابَهُ، فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ. (وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا) وَلَمْ تَجْرَحْهُ (حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ، وَلِأَنَّهُ يَعْسُرُ تَعْلِيمُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَّا بِجُرْحٍ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ: كَالْقَتْلِ بِثِقَلِ السَّيْفِ أَوْ الرُّمْحِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ تَجْرَحْهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. أَمَّا إذَا جَرَحَتْهُ ثُمَّ تَحَامَلَتْ عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَطْعًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِثِقَلِهِ مَا لَوْ مَاتَ فَزِعًا مِنْ الْجَارِحَةِ أَوْ مِنْ عَدْوِهَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا، لَكِنَّ الثِّقَلَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ مَاتَ بِصَدْمَتِهَا أَوْ بِعَضِّهَا أَوْ بِقُوَّةِ إمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ كَانَ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَمَاتَ بِإِمْسَاكِهِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَكَانَ أَشْمَلَ، وَالْقَتْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ أَيْضًا، بَلْ لَوْ صَارَ بِالثِّقَلِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الذَّبْحِ قَصْدُ الْعَيْنِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ أَوْ قَصْدِ الْجِنْسِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْإِصَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَصْوِيرِهِمَا، فَعَلَى هَذَا (لَوْ كَانَ بِيَدِهِ) أَيْ شَخْصٍ (سِكِّينٌ) مَثَلًا (فَسَقَطَ) مِنْ يَدِهِ (وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ) مَثَلًا وَمَاتَ (أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ) مَثَلًا (وَهُوَ فِي يَدِهِ) سَوَاءٌ أَحَرَّكَهَا أَمْ لَا (فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا) أَوْ تَعَقَّرَ بِهِ صَيْدٌ (أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ) مُعَلَّمٌ (بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ) صَيْدًا (لَمْ يَحِلَّ) وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الذَّبْحِ وَقَصْدِهِ وَالْإِرْسَالِ (وَكَذَا لَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ) أَوْ غَيْرُهُ (فَزَادَ عَدْوُهُ لَمْ يَحِلَّ) الصَّيْدُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِاجْتِمَاعِ الِاسْتِرْسَالِ الْمَانِعِ وَالْإِغْرَاءِ الْمُبِيحِ فَغُلِّبَ جَانِبُ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي يَحِلُّ لِظُهُورِ أَثَرِ الْإِغْرَاءِ بِزِيَادَةِ الْعَدْوِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فَزَادَ عَدْوُهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَزِدْ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ جَزْمًا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْوَجْهَيْنِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إغْرَاءٌ وَزَجْرٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَ بِأَنْ انْزَجَرَ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَاصْطَادَ حَلَّ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ فَأَغْرَاهُ فَزَادَ عَدْوُهُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَالِكُهُ فَزَجَرَهُ ثُمَّ أَغْرَاهُ فَاسْتَرْسَلَ وَأَخَذَ صَيْدًا فَهُوَ لِلْفُضُولِيِّ؛ لِأَنَّهُ الْمُرْسِلُ، فَإِنْ زَجَرَهُ الْفُضُولِيُّ فَلَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ حَلَّ وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةً حَلَّتْ، وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً فَأَصَابَ غَيْرَهَا حَلَّتْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يَنْزَجِرْ أَوْ لَمْ يَزْجُرْهُ بَلْ أَغْرَاهُ فَزَادَ عَدْوُهُ وَأَخَذَ صَيْدًا فَهُوَ لِصَاحِبِ الْجَارِحِ، وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَخْذُ الصَّيْدِ مِنْ فَمِ جَارِحٍ مُعَلَّمٍ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ وَيَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ كَمَا لَوْ أَخَذَ فَرْخَ طَائِرٍ مِنْ شَجَرَةِ غَيْرِهِ لَا مِنْ فَمِ غَيْرِ مُعَلَّمٍ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ مَا صَادَهُ مِلْكُ صَاحِبِهِ تَنْزِيلًا لِإِرْسَالِهِ مَنْزِلَةَ نَصْبِ شَبَكَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا الصَّيْدُ، وَلَوْ أَرْسَلَهُ مُسْلِمٌ فَازْدَادَ عَدْوُهُ بِإِغْرَاءِ مَجُوسِيٍّ حَلَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِرْسَالِ لَا يَنْقَطِعُ بِالْإِغْرَاءِ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ حَرُمَ لِذَلِكَ. (وَلَوْ أَصَابَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ) مَثَلًا (حَلَّ) سَوَاءٌ اقْتَرَنَ الرِّيحُ بِابْتِدَاءِ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ هَجَمَ الرِّيحُ قَبْلَ خُرُوجِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ، إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ هُبُوبِهَا، بِخِلَافِ حَمْلِهَا الْكَلَامَ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ بِإِعَانَتِهَا إلَى أَنَّهُ لَوْ صَارَتْ الْإِصَابَةُ مَنْسُوبَةً إلَى الرِّيحِ خَاصَّةً لَمْ يَحِلَّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ أَوْ جِدَارًا أَوْ حَجَرًا فَازْدَلَفَ وَنَفَذَ فِيهِ أَوْ انْقَطَعَ الْوَتَرُ عِنْدَ نَزْعِ الْقَوْسِ فَصُدِمَ الْفَوْقُ فَارْتَمَى السَّهْمُ وَأَصَابَ الصَّيْدَ فِي الْجَمِيعِ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ فِعْلِ الرَّامِي مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لِلسَّهْمِ (وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا) مَثَلًا (لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إلَى غَرَضٍ) يَرْمِي إلَيْهِ (فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ) ذَلِكَ 7 السَّهْمُ (حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا مُعَيَّنًا وَلَا مُبْهَمًا. وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى قَصْدِ الْفِعْلِ دُونَ مَوْرِدِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ مَا ظَنَّهُ ثَوْبًا فَبَانَ حَلْقَ شَاةٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ قَصَدَ عَيْنًا، بِخِلَافِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ صَيْدٌ حَلَّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الِاعْتِبَارُ بِنِيَّةِ الِاصْطِيَادِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، فَلَوْ قَالَ: لَا بِقَصْدٍ لَكَانَ أَشْمَلَ، وَفِي مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى مَا لَا يُؤْكَلُ كَخِنْزِيرٍ فَأَصَابَ صَيْدًا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ الْكَلْبَ حَيْثُ لَا صَيْدَ فَاعْتَرَضَهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا) أَوْ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ فَأَصَابَ صَيْدًا حَلَّ (أَوْ) رَمَى (سِرْبَ) بِكَسْرِ السِّينِ: أَيْ قَطِيعَ (ظِبَاءٍ) وَنَحْوِهَا مِنْ الْوُحُوشِ (فَأَصَابَ وَاحِدَةً) مِنْ ذَلِكَ السِّرْبِ (حَلَّتْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِفِعْلِهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ السِّرْبَ، وَهَذِهِ مِنْهُ (وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً) مِنْ السِّرْبِ (فَأَصَابَ غَيْرَهَا) مِنْهُ (حَلَّتْ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْغَيْرُ عَلَى سَمْتِ الْأُولَى أَمْ لَا لِوُجُودِ قَصْدِ الصَّيْدِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ، وَلَوْ أَرْسَلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ، وَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِرْسَالِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ كَمَا فِي السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ تَكْلِيفُهُ تَرْكَ الْعُدُولِ، وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَوْ عَدَلَ فَتَبِعَهُ حَلَّ قَطْعًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حِلُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لِلْكَلْبِ بَعْدَ إرْسَالِهِ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَمْسَكَهُ ثُمَّ عَنَّ لَهُ آخَرُ فَأَمْسَكَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ مَوْجُودًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى صَيْدٍ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ قَصَدَ وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُحَرَّمًا، فَلَا يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَمَاتَ حَلَّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ مُبَاحًا. فُرُوعٌ: لَوْ رَمَى فِي ظُلْمَةٍ لَعَلَّهُ يُصَادِفُ صَيْدًا فَصَادَفَهُ وَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدًا صَحِيحًا، وَقَدْ يُعَدُّ مِثْلُهُ سَفَهًا وَعَبَثًا، وَلَوْ رَمَى شَاةً فَأَصَابَ مَذْبَحَهَا وَلَوْ اتِّفَاقًا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَقَطَعَهُ حَلَّتْ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الرَّمْيَ إلَيْهَا، وَلَوْ أَحَسَّ بِصَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَرَمَاهُ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ؛ لِأَنَّ لَهُ بِهِ نَوْعَ عِلْمٍ، وَلَا يَقْدَحُ هَذَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ بِرَمْيِ الْأَعْمَى، إذْ الْبَصِيرُ يَصِحُّ رَمْيُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْأَعْمَى. (وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ) الَّذِي أَرْسَلَهُ (وَالصَّيْدُ) قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ (ثُمَّ وَجَدَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (مَيِّتًا حَرُمَ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَلَا أَثَرَ لِتَلَطُّخِ الْكَلْبِ بِالدَّمِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْكَلْبَ جَرَحَهُ وَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ أُخْرَى (وَإِنْ جَرَحَهُ) الْكَلْبُ أَوْ أَصَابَهُ بِسَهْمٍ فَجَرَحَهُ جُرْحًا يُمْكِنُ إحَالَةُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ (وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يَحِلُّ حَمْلًا عَلَى أَنَّ مَوْتَهُ بِالْجُرْحِ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا، وَفِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ، وَثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِطُرُقِ حَسَنَةٍ، وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا؟ فَقَالَ: إذَا وَجَدْتَ فِيهِ أَثَرَ سَهْمِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَثَرُ سَبْعٍ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْ» فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَدَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي مَحِلِّ النِّزَاعِ اهـ.: أَيْ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ: أَيْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ، فَتَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَنْهَاهُ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَإِلَّا فَيَحِلُّ جَزْمًا، وَمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ غَيْرَ جُرْحِهِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ أَثَرَ صَدْمَةٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أُخْرَى حَرُمَ جَزْمًا. تَتِمَّةٌ: لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ نَظَائِرُ مِنْهَا مَا إذَا مَشَطَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَسَقَطَ مِنْهُ شَعْرٌ وَشَكَّ هَلْ انْتَتَفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 فَصْلٌ يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِضَبْطِهِ بِيَدِهِ، وَبِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ، وَبِإِزْمَانٍ وَكَسْرِ جَنَاحٍ، وَبِوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا،   [مغني المحتاج] بِالْمُشْطِ أَوْ كَانَ مُنْتَتَفًا؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَمِنْهَا إذَا قَدَّ مَلْفُوفًا وَمَرَّ مَا فِيهِ. وَمِنْهَا إذَا بَالَتْ ظَبْيَةٌ فِي مَاءٍ ثُمَّ ظَهَرَ تَغَيُّرُهُ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ نَجَاسَتُهُ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ، وَهَذَا يُقَوِّي الْوَجْهَ الثَّانِيَ. وَمِنْهَا إذَا جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَدْرِ هَلْ مَاتَ بِسَبَبِ جِرَاحَتِهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَالْأَصَحُّ فِيهَا وُجُوبُ الْأَرْشِ لَا كَمَالُ الْجَزَاءِ، إذْ الشَّكُّ فِيهِ أَوْجَبَ عَدَمَ وُجُوبِهِ، وَهَذَا يُقَوِّي الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ] [فَصْلٌ] فِيمَا يَمْلِكُ بِهِ الصَّيْدَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ. (يَمْلِكُ) الصَّائِدُ (الصَّيْدَ) غَيْرَ الْحَرَمِيِّ مُمْتَنِعًا كَانَ أَمْ لَا، إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ كَخَضْبٍ، وَقَصِّ جَنَاحٍ، وَقُرْطٍ وَصَائِدُهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَغَيْرُ مُرْتَدٍّ (بِضَبْطِهِ بِيَدِهِ) وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ، حَتَّى لَوْ أَخَذَ صَيْدًا لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَيُمْلَكُ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَخْذَهُ لِغَيْرِهِ نِيَابَةً عَنْهُ بِإِذْنِهِ مَلَكَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْهُ، بَلْ هُوَ ضَالَّةٌ أَوْ لُقَطَةٌ. وَأَمَّا الصَّيْدُ الْحَرَمِيُّ وَالصَّائِدُ الْمُحْرِمُ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُمَا فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَسَبَقَ فِي الرِّدَّةِ أَنَّ مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ مِنْ وَقْتِ الْأَخْذِ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ (وَ) يَمْلِكُ الصَّيْدَ أَيْضًا (بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ) أَيْ مُسْرِعٍ لِلْهَلَاكِ (وَبِإِزْمَانٍ وَكَسْرِ جَنَاحٍ) بِحَيْثُ يَعْجَزُ عَنْ الطَّيَرَانِ وَالْعَدْوِ جَمِيعًا، إنْ كَانَ مِمَّا يَمْتَنِعُ بِهِمَا وَإِلَّا فَبِإِبْطَالِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَصُّ الْجَنَاحِ كَكَسْرِهِ، وَيَكْفِي لِلتَّمَلُّكِ إبْطَالُ شِدَّةِ الْعَدْوِ وَجَعْلُهُ بِحَيْثُ يَسْهُلُ إلْحَاقُهُ وَأَخْذُهُ، وَلَوْ طَرَدَهُ فَوَقَفَ إعْيَاءً أَوْ جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَطَشًا لِعَدَمِ الْمَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ وُقُوفَهُ فِي الْأَوَّلِ اسْتِرَاحَةٌ وَهِيَ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي الثَّانِي لِعَدَمِ الْمَاءِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَطَشًا لِعَجْزِهِ عَنْ وُصُولِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْجِرَاحَةُ (وَ) يَمْلِكُ أَيْضًا (بِوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ) مِنْ الشَّبَكِ، وَهُوَ الْخَيْطُ (نَصَبَهَا) لِلصَّيْدِ فَيَمْلِكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَاضِرًا أَمْ غَائِبًا طَرَدَهُ إلَيْهَا طَارِدٌ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الشَّبَكَةُ مُبَاحَةً أَمْ مَغْصُوبَةً؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَأَمَرَهُ بِالصَّيْدِ كَانَ الصَّيْدُ لِمَالِكِ الْعَبْدِ بِخِلَافِهِ هُنَا. . أُجِيبَ بِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا، فَإِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ دَخَلَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ قَهْرًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ نَصَبَهَا عَمَّا لَوْ وَقَعَتْ الشَّبَكَةُ مِنْ يَدِهِ بِلَا قَصْدٍ، وَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ نَصَبَهَا لَهُ كَالْمُحَرَّرِ أَوْ لِلصَّيْدِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ نَصْبِهَا لَا يَكْفِي حَتَّى يَقْصِدَ نَصْبَهَا لِلصَّيْدِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا، فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 وَبِإِلْجَائِهِ إلَى مَضِيقٍ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ. وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي مِلْكِهِ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] قَطَعَهَا الصَّيْدُ فَانْفَلَتَ مِنْهَا صَارَ مُبَاحًا يَمْلِكُهُ مَنْ صَادَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تُثْبِتْهُ شَبَكَتُهُ، وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَانْفَلَتَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ ذَهَبَ الصَّيْدُ بِالشَّبَكَةِ نُظِرَتْ، فَإِنْ كَانَ عَلَى امْتِنَاعِهِ بِأَنْ يَعْدُوَ وَيَمْتَنِعَ مَعَهَا فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ ثِقَلُهَا يَبْطُلُ امْتِنَاعُهُ بِحَيْثُ لَا يَتَيَسَّرُ أَخْذُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِهَا (وَ) يَمْلِكُ أَيْضًا (بِإِلْجَائِهِ إلَى مَضِيقٍ) وَلَوْ مَغْصُوبًا (لَا يُفْلِتُ مِنْهُ) أَيْ لَا يَقْدِرُ الصَّيْدُ عَلَى التَّفَلُّتِ مِنْهُ كَبَيْتٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَإِنْ قَدَرَ الصَّيْدُ عَلَى التَّفَلُّتِ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُلْجِئُ، وَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ. تَنْبِيهٌ: يُفْلِتُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ بِخَطِّهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَضَبَطَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِحَصْرِ مِلْكِ الصَّيْدِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي بِنَائِهِ، وَقَصَدَ بِبِنَائِهِ تَعْشِيشَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ لِقَصْدِهِ ذَلِكَ، وَالضَّابِطُ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ صُوَرُ مِلْكِ الصَّيْدِ هُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إبْطَالُ امْتِنَاعِهِ وَحُصُولُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَانَ أَوْلَى لِيَسْلَمَ مِنْ الْبَسْطِ وَالْحَذْفِ، وَلَوْ دَخَلَ السَّمَكُ حَوْضًا لَهُ فَسَدَّ الْمَنْفَذَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا يُمْكِنُهُ تَنَاوُلُ مَا فِيهِ بِالْيَدِ مَلَكَهُ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَا فِيهِ إلَّا بِجَهْدٍ وَتَعَبٍ أَوْ إلْقَاءِ شَبَكَةٍ فِي الْمَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَصِيدُهُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ. فَرْعٌ: الدُّرَّةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي السَّمَكَةِ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ مِلْكٌ لِلصَّائِدِ إنْ لَمْ يَبِعْ السَّمَكَةَ. وَلِلْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا تَبَعًا لَهَا، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الثَّانِيَةِ لِلصَّائِدِ أَيْضًا كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا، وَمَا بَحَثَهُ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلِلْبَائِعِ، وَصُورَتُهُ إنْ ادَّعَاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْعٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَدَّعِهَا الْبَائِعُ فَلُقَطَةٌ، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا ذُكِرَ بِمَا إذَا صَادَ مِنْ بَحْرِ الْجَوْهَرِ وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُهَا، بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً. (وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ) اتِّفَاقًا (فِي مِلْكِهِ) أَوْ مُسْتَأْجَرٍ لَهُ أَوْ مُعَارٌ أَوْ مَغْصُوبٍ تَحْتَ يَدِ الْغَاصِبِ (وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ) وَلَا مَا حَصَلَ مِنْهُ كَبَيْضِهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ، وَالْقَصْدُ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ، لَكِنْ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي يَمْلِكُهُ كَوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَقْيُ الْأَرْضِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَوَحُّلُ الصَّيْدِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ فَهُوَ كَنَصْبِ الشَّبَكَةِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عَنْ الْإِمَامِ خِلَافَهُ، وَضَعَّفَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَجَمَعَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى سَقْيٍ اُعْتِيدَ الِاصْطِيَادُ بِهِ، وَمَا هُنَاكَ عَلَى خِلَافِهِ، وَهُوَ حَسَنٌ، وَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً وَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 وَمَتَى مَلَكَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِانْفِلَاتِهِ، وَكَذَا بِإِرْسَالِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] إنْ كَانَ الْحَفْرُ لِلصَّيْدِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَدَخَلَهَا سَمَكٌ هَلْ يَمْلِكُهُ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ مَنَافِعِهَا لَهُ، أَوْ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا؟ وَجْهَانِ فِي فُرُوقِ ابْنِ جَمَاعَةَ الْمَقْدِسِيِّ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَمَتَى مَلَكَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) عَنْهُ (بِانْفِلَاتِهِ) فَمَنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ سَوَاءٌ أَكَانَ يَدُورُ فِي الْبَلَدِ أَمْ الْتَحَقَ بِالْوُحُوشِ فِي الْبَرِّيَّةِ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ أَوْ شَرَدَتْ الْبَهِيمَةُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ انْفَلَتَ بِقَطْعِهِ مَا نُصِبَ لَهُ، فَإِنَّهُ يَعُودُ مُبَاحًا وَيَمْلِكُهُ مَنْ يَصْطَادُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَكَذَا) لَا يَزُولُ مِلْكُهُ (بِإِرْسَالِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ عَنْهُ لَا يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْهُ كَمَا لَوْ سَيَّبَ بَهِيمَتَهُ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَصِيدَهُ إذَا عَرَفَهُ. وَالثَّانِي يَزُولُ وَيَجُوزُ اصْطِيَادُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ. وَالثَّالِثُ إنْ قَصَدَ بِإِرْسَالِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ زَالَ مِلْكُهُ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي مَالِكٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ قَطْعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ إرْسَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِطُ بِالْمُبَاحِ فَيُصَادُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِفِعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [المائدة: 103] وَالْبَحِيرَةُ هِيَ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَالْوَصِيلَةُ النَّاقَةُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الْإِبِلِ. ثُمَّ تُثَنِّي أُنْثَى، وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ إذَا وَصَلَتْ أُنْثَى بِأُنْثَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ، وَالْحَامُ فَحْلُ الْإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ، فَإِذَا قُضِيَ ضِرَابُهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا إذَا خِيفَ عَلَى وَلَدِ الصَّيْدِ بِحَبْسِ مَا صَادَهُ مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْإِرْسَالِ صِيَانَةً لِرُوحِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْغَزَالَةِ الَّتِي أَطْلَقَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهَا لَمَا اسْتَجَارَتْ بِهِ، وَحَدِيثُ الْحُمَّرَةِ - بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الَّتِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَدِّ فَرْخَيْهَا إلَيْهَا لَمَّا أُخِذَا، وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ، وَمَحِلُّ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي صَيْدِ الْوَلَدِ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْكُولًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ. وَلَوْ قَالَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ عِنْدَ إرْسَالِهِ: أَبَحْتُهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ، أَوْ أَبَحْتُهُ فَقَطْ: كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ بِلَا ضَمَانٍ، وَلَهُ إطْعَامُ غَيْرِهِ مِنْهُ. بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَيْضًا، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ، وَهَلْ يَحِلُّ إرْسَالُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. لَكِنْ أَفْتَى شَيْخِي بِالْأَوَّلِ. وَأَمَّا كِسَرُ الْخُبْزِ وَالسَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا الَّتِي يَطْرَحُهَا مَالِكُهَا فَالْأَرْجَحُ فِيهَا أَنَّ آخِذَهَا يَمْلِكُهَا وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَحْوَالِ السَّلَفِ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا فَرْقَ فِي السَّنَابِلِ بَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا الزَّكَاةُ أَمْ لَا نَظَرًا لِأَحْوَالِ السَّلَفِ،، وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَمَنْ دَبَغَهُ مَلَكَهُ وَيَزُولُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ، فَإِنْ اخْتَلَطَ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا، وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ بَاعَاهُمَا وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] اخْتِصَاصُ الْمُعْرَضِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاخْتِصَاصِ يَضْعُفُ بِالْإِعْرَاضِ (لَزِمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرَ. (وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ) مِنْ بُرْجِهِ (إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ) وَفِيهِ حَمَامٌ لَهُ (لَزِمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرَ (رَدُّهُ) إنْ تَمَيَّزَ عَنْ حَمَامِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ كَالضَّالَّةِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِرَدِّهِ إعْلَامُ مَالِكِهِ بِهِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَخْذِهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، لَا رَدُّهُ حَقِيقَةً، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا إذَا أَخَذَهُ. قَالَ: فَإِنْ تَرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ نُظِرَ إنْ طَلَبَهُ صَاحِبُهُ فَلَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لَمْ يَضْمَنْ وَنَسَبَهُ لِنَصِّ الْمُخْتَصَرِ. فَرْعٌ: لَوْ وُجِدَ مِنْ الْحَمَامَيْنِ فَرْخٌ أَوْ بَيْضٌ فَهُوَ لِمَالِكِ الْأُنْثَى فَقَطْ (فَإِنْ اخْتَلَطَ) حَمَامُ بُرْجَيْهِمَا (وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمِلْكِ فِيهِ، فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَبِيعِ مِلْكَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ امْتِنَاعُ بَيْعِ الْجَمِيعِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ الْهُجُومُ عَلَى بَيْعِ الْكُلِّ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَكِنْ لَوْ فُرِضَ ذَلِكَ فَهَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَصِحُّ فِي الَّذِي يَمْلِكُهُ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ (وَيَجُوزُ) بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ لِمَالِهِ مِنْهُ (لِصَاحِبِهِ) مَعَ الْجَهْلِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى التَّسَامُحِ بِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ، وَلِهَذَا صَحَّحُوا الْقِرَاضَ وَالْجَعَالَةَ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْجَهَالَةِ. وَالثَّانِي مَا يُغْتَفَرُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ (فَإِنْ بَاعَاهُمَا) أَيْ الْحَمَامَيْنِ لِثَالِثٍ (وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ) لَهُمَا (وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ صَحَّ) وَوُزِّعَ الثَّمَنُ عَلَى أَعْدَادِهِمَا، فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِائَتَانِ وَلِلْآخَرِ مِائَةٌ كَانَ الثَّمَنُ أَثْلَاثًا، وَلَوْ بَاعَا لِثَالِثٍ بَعْضَ الْعَيْنِ صَحَّ أَيْضًا بِالْجُزْئِيَّةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ جُهِلَ الْعَدَدُ وَالْقِيمَةُ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ عُلِمَ وَلَمْ تَسْتَوِ الْقِيمَةُ (فَلَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَعْرِفُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ. تَنْبِيهٌ: إذَا مَنَعْنَا الْبَيْعَ فِي صُورَةِ الْمَتْنِ فَالْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِمَا لِثَالِثٍ أَنْ يَبِيعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِكَذَا فَيَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا. أَوْ يُوَكِّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ فَيَبِيعَ الْجَمِيعَ بِثَمَنٍ فَيَقْتَسِمَاهُ، أَوْ يَصْطَلِحَا فِي الْمُخْتَلَطِ عَلَى شَيْءٍ بِأَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ يَبِيعَاهُ لِثَالِثٍ فَيَصِحَّ الْبَيْعُ. فُرُوعٌ: لَوْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَخْلُوطِ بِحَمَامِهِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ أَوْ مُبَاحًا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ فَإِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ ذَفَّفَ الْأَوَّلُ فَلَهُ، وَإِنْ أَزْمَنَ فَلَهُ، ثُمَّ إنْ ذَفَّفَ الثَّانِي بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ فَهُوَ حَلَالٌ، وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، وَإِنْ ذَفَّفَ لَا بِقَطْعِهِمَا أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ، وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ،   [مغني المحتاج] الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُبَاحٌ، وَلَوْ اخْتَلَطَ حَمَامٌ مَمْلُوكٌ بِحَمَامٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ أَوْ انْصَبَّ مَاءُ مِلْكٍ فِي نَهْرٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى أَحَدٍ الِاصْطِيَادُ وَالِاسْتِقَاءُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمَالِكِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَا لَا يَنْحَصِرُ لَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَاطِهِ بِمَا يَنْحَصِرُ، أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمَةٌ بِنِسَاءٍ غَيْرِ مَحْصُورَاتٍ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ مِنْهُنَّ وَلَوْ كَانَ الْمُبَاحُ مَحْصُورًا حَرُمَ ذَلِكَ كَمَا يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ فِي نَظِيرِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى الْمَحْصُورِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَوْ اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أَوْ دُهْنٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمِهِ أَوْ دُهْنِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَمَيَّزَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَصَرَفَهُ إلَى مَا يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهِ وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي بِمَا أَرَادَ جَازَ لِلضَّرُورَةِ كَحَمَامَةٍ لِغَيْرِهِ اخْتَلَطَتْ بِحَمَامِهِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُهُ بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ إلَّا وَاحِدَةً، كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ تَمْرَةُ غَيْرِهِ بِتَمْرِهِ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَجْتَنِبَ طَيْرَ الْبُرُوجِ وَبِنَاءَهَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الِازْدِحَامِ بِالْجُرْحِ عَلَى الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ اثْنَانِ) وَلِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: الْحَالُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَقَعَ الْجُرْحَانِ (مُتَعَاقِبَانِ، فَإِنْ ذَفَّفَ) أَيْ قَتَلَ (الثَّانِي) مِنْهُمَا الصَّيْدَ (أَوْ أَزْمَنَ) بِأَنْ أَزَالَ امْتِنَاعَهُ (دُونَ الْأَوَّلِ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَذْفِيفٌ وَلَا إزْمَانٌ (فَهُوَ لِلثَّانِي) ؛ لِأَنَّ جُرْحَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي امْتِنَاعِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ بِجُرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا حِينَئِذٍ (وَإِنْ ذَفَّفَ الْأَوَّلُ فَلَهُ) الصَّيْدُ لِمَا مَرَّ، وَلَهُ عَلَى الثَّانِي أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ إنْ كَانَ؛ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ (وَإِنْ أَزْمَنَ) الْأَوَّلُ (فَلَهُ) الصَّيْدُ لِإِزْمَانِهِ إيَّاهُ (ثُمَّ) يُنْظَرُ (إنْ ذَفَّفَ الثَّانِي بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ فَهُوَ حَلَالٌ) أَكْلُهُ لِحُصُولِ الْمَوْتِ بِفِعْلِ ذَابِحٍ (وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ) أَرْشٌ وَهُوَ (مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا، كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَإِنْ ذَفَّفَ) الثَّانِي (لَا بِقَطْعِهِمَا) أَيْ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ (أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ) أَصْلًا (وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِاجْتِمَاعِ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ فِي الذَّبْحِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ (وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ مِلْكَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ زَمِنًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ جُرْحُهُ مُذَفِّفًا، فَإِنْ جُرِحَ بِلَا تَذْفِيفٍ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، لَكِنْ اسْتَدْرَكَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ سَلِيمًا عَشَرَةً وَزَمِنًا تِسْعَةً وَمَذْبُوحًا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ لِحُصُولِ الزُّهُوقِ بِفِعْلِهِمَا فَيُوَزَّعُ الدِّرْهَمُ الْفَائِتُ بِهَا عَلَيْهِمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيَلْزَمُهُ نِصْفُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ، وَإِنْ تَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ وَذَبَحَهُ بَعْدَ جُرْحِ الثَّانِي لَزِمَ الثَّانِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 وَإِنْ جَرَحَا مَعًا وَذَفَّفَا أَوْ أَزْمَنَا فَلَهُمَا، وَإِنْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْآخَرِ فَلَهُ، وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ وَأَزْمَنَ آخَرُ وَجُهِلَ السَّابِقُ حَرُمَ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] الْأَرْشُ إنْ حَصَلَ بِجُرْحِهِ نَقْصٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ بَلْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الثَّانِيَ يَضْمَنُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ امْتَنَعَ مِنْ تَدَارُكِ مَا تَعَرَّضَ لِلْفَسَادِ بِجِنَايَةِ الْجَانِي مَعَ إمْكَانِ التَّدَارُكِ وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُزْمِنًا؛ لِأَنَّ تَفْرِيطَ الْأَوَّلِ صَيَّرَ فِعْلَهُ إفْسَادًا؛ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْجُرْحُ الثَّانِي وَتُرِكَ الذَّبْحُ كَانَ الصَّيْدُ مَيْتَةً، وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ مَثَلًا: قِيمَةُ الصَّيْدِ عَشَرٌ فَنَقَصَ بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَاحِدٌ وَبِالثَّانِي وَاحِدٌ، ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَتُجْمَعُ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَقِيمَتُهُ قَبْلَ الْجُرْحِ الثَّانِي فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ تِسْعَةَ عَشَرَ، فَيُقْسَمُ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَاهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ. فَحِصَّةُ الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ ضَامِنًا عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ، وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ عَشَرَةٍ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَالِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جَرَحَا مَعًا وَذَفَّفَا) بِجُرْحِهِمَا (أَوْ أَزْمَنَا) بِهِ (فَلَهُمَا) الصَّيْدُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ بِجُرْحِهِمَا سَوَاءٌ تَفَاوَتَ الْجُرْحَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا أَمْ لَا، كَانَ فِي الْمَذْبَحِ أَمْ لَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَالِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ) جَرَحَا مَعًا، وَ (ذَفَّفَ) فِي مَذْبَحٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْآخَرِ فَلَهُ) أَيْ الْمُذَفِّفِ أَوْ الْمُزْمِنِ الصَّيْدُ لِانْفِرَادِهِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآخَرِ لِوُقُوعِ جِرَاحَتِهِ حِينَ كَانَ مُبَاحًا. تَنْبِيهٌ: لَوْ جُهِلَ كَوْنُ التَّذْفِيفِ أَوْ الْإِزْمَانِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ تَوَرُّعًا مِنْ مَظِنَّةِ الشُّبْهَةِ، فَلَوْ عُلِمَ تَأْثِيرُ أَحَدِهِمَا وَشُكَّ فِي تَأْثِيرِ الْآخَرِ وَقَفَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ الْحَالُ أَوْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا قُسِمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَسُلِّمَ النِّصْفُ الْآخَرُ لِمَنْ أَثَّرَ جُرْحُهُ فَيَخْلُصُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّيْدِ، وَلِلْآخَرِ رُبْعُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْغَزَالِيِّ تَرْجِيحَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ أَنَّهُ لَا وَقْفَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْحَالِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ) فِي غَيْرِ مَذْبَحٍ (وَأَزْمَنَ آخَرُ) مُرَتَّبًا (وَجُهِلَ السَّابِقُ) مِنْهُمَا (حَرُمَ) الصَّيْدُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ سَبْقُ التَّذْفِيفِ فَيَحِلُّ، أَوْ تَأَخُّرُهُ فَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ إلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ لَا يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ تَأَخُّرِ الْإِزْمَانِ. أَمَّا لَوْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَذْبَحِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ قَطْعًا وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْجُرْحَيْنِ مُهْلِكٌ لَوْ انْفَرَدَ، فَإِذَا جُهِلَ السَّابِقُ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْمُزْمِنُ لَهُ أَوَّلًا فَلِكُلٍّ تَحْلِيفُ صَاحِبِهِ. فَإِنْ حَلَفَا اقْتَسَمَاهُ وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَهُوَ لَهُ، وَلَهُ عَلَى النَّاكِلِ أَرْشُ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: الِاعْتِبَارُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ بِالْإِصَابَةِ، لَا بِابْتِدَاءِ الرَّمْيِ، كَمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي كَوْنِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ، فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِإِصَابَتِهِ فِي الْمَذْبَحِ، وَإِنْ رَمَاهُ وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ وَأَصَابَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ حَلَّ مُطْلَقًا. خَاتِمَةٌ: لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فَأَزْمَنَهُ الْكَلْبُ ثُمَّ ذَبَحَهُ السَّهْمُ حَلَّ، وَإِنْ أَزْمَنَهُ. السَّهْمُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْكَلْبُ حَرُمَ، وَلَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا حَلَّ أَكْلُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ وَجُهِلَ ذَابِحُ الشَّاةِ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ كَمَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ تَحِلَّ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ. أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجُوسٌ فَتَحِلُّ، وَفِي مَعْنَى الْمَجُوسِ كُلُّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ. [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] 1 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ هِيَ   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الضَّحْوَةِ، وَسُمِّيَتْ بِأَوَّلِ زَمَانِ فِعْلِهَا، وَهُوَ الضُّحَى، وَفِيهَا لُغَاتٌ: ضَمُّ هَمْزِهَا وَكَسْرُهُ، وَتَشْدِيدُ يَائِهَا وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحٍ، وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ بِفَتْحِ ضَادِهَا وَكَسْرِهِ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا، وَيُقَال أَيْضًا إضْحَاةٌ بِكَسْرِ هَمْزِهَا وَضَمِّهَا وَجَمْعُهَا أَضْحًى بِالتَّنْوِينِ كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَا، فَهَذِهِ ثَمَانِ لُغَاتٍ فِيهَا. وَهِيَ مَا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] فَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ دِينِ اللَّهِ، وقَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] عَلَى أَشْهَرِ الْأَقْوَالِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةُ الْعِيدِ، وَبِالنَّحْرِ الضَّحَايَا، وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» وَالْأَمْلَحُ قِيلَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ، وَقِيلَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ، وَقِيلَ الَّذِي تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَخَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ عَمَلٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ، إنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ حَدِيثَ «عَظِّمُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا عَلَى الصِّرَاطِ مَطَايَاكُمْ» لَكِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ. (هِيَ) أَيْ التَّضْحِيَةُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 122 سُنَّةٌ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْتِزَامٍ.   [مغني المحتاج] وَغَيْرِهِمَا لَا الْأُضْحِيَّةُ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهِ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّنَا. أَمَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَاجِبَةٌ لِحَدِيثِ «أُمِرْتُ بِالنَّحْرِ وَهُوَ سُنَّةٌ لَكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْكُمْ» . قَالَ فِي الْعُدَّةِ: وَهِيَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِذَا فَعَلَهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَفَى عَنْ الْجَمِيعِ، وَإِلَّا فَسُنَّةُ عَيْنٍ وَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا مَرَّ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ تَرَى النَّاسُ ذَلِكَ وَاجِبًا " وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَالْمُخَاطَبُ بِهَا الْمُسْلِمُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْتَطِيعُ، وَكَذَا الْمُبَعَّضُ إذَا مَلَكَ مَالًا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ، قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ صَدَقَةٍ اهـ. . وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَمَّا يَحْتَاجُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَكِسْوَةِ فَصْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّهُ وَقْتُهَا، كَمَا أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَةَ الْعِيدِ وَقْتُ زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَاشْتَرَطُوا فِيهَا أَنْ تَكُونَ فَاضِلَةً عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَهِيَ مِنْهُ تَبَرُّعٌ، فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي سَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يُضَحَّى عَمَّا فِي الْبَطْنِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ سُنِّيَّتَهَا تَتَعَلَّقُ بِمَنْ يُولَدُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ، فَمَنْ كَانَ حَمْلًا ذَلِكَ الْوَقْتِ، ثُمَّ انْفَصَلَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ مَا بَعْدَهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَخَرَّجْتُهُ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ. تَنْبِيهٌ: شَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَهْلَ الْبَوَادِي وَالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَالْحَاجَّ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى فِي مِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَبِهَذَا رُدَّ عَلَى الْعَبْدَرِيِّ قَوْلُهُ إنَّهَا لَا تُسَنُّ لِلْحَاجِّ بِمِنًى، وَأَنَّ الَّذِي يَنْحَرُهُ بِهَا هَدْيٌ لَا أُضْحِيَّةٌ، فَيُكْرَهُ لِلْقَادِرِ تَرْكُهَا، وَ (لَا تَجِبُ) لِمَا مَرَّ (إلَّا بِالْتِزَامٍ) كَسَائِرِ الْقُرَبِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ هِيَ سُنَّةٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَلِلتَّلْوِيحِ بِمُخَالَفَةِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ أَوْجَبَهَا عَلَى مُقِيمٍ بِالْبَلَدِ مَالِكٍ لِنِصَابٍ زَكَوِيٍّ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ لَا تَصِيرُ بِهِ أُضْحِيَّةً؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ لَا تَحْصُلُ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِنِيَّةِ الْعِتْقِ أَوْ الْوَقْفِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " الْتِزَامٍ " اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الِالْتِزَامِ وَرُدَّ عَلَيْهِ مَا لَوْ اُلْتُزِمَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَا تَجِبُ، وَمَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الشَّاةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً كَمَا هُوَ أَقْيَسُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَجْمُوعِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّعْيِينِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا قَبْلَ الْمِلْكِ فَيَلْغُو كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُ شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ اشْتَرَى شَاةً لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ، هَذَا إنْ قَصَدَ الشُّكْرَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ، فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ فَنَذْرُ لَجَاجٍ وَسَيَأْتِي، وَإِنْ أَرَادَ خُصُوصَ الِالْتِزَامِ بِالنَّذْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 123 وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ. وَأَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا   [مغني المحتاج] الرَّوْضَةِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً أَوْ هَذِهِ أُضْحِيَّةً، فَإِنَّهُ يَجِبُ إنْ عُلِّقَ بِشِفَاءِ مَرِيضٍ قَطْعًا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَذْرٍ، بَلْ أَلْحَقَهُ الْأَصْحَابُ بِالتَّحْرِيرِ وَالْوَقْفِ. (وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا (أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبِطِ وَالْعَانَةِ وَغَيْرِهَا، بَلْ سَائِرُ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالشَّعْرِ كَمَا حَكَاهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيِّ: وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَتْ إزَالَتُهُ وَاجِبَةً كَخِتَانِ الْبَالِغِ وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، وَالْجَانِي بَعْدَ الطَّلَبِ، وَمَا كَانَتْ إزَالَتُهُ مُسْتَحَبَّةً كَخِتَانِ الصَّبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: التَّضْحِيَةُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ مُمْتَنِعَةٌ، إذْ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِهِ، وَالْأُضْحِيَّةُ تَبَرُّعٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ. أُجِيبَ بِأَنَّ التَّضْحِيَةَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَوْ ضَحَّى شَخْصٌ وَأَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي الثَّوَابِ جَازَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَبِقَوْلِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ، وَعِبَارَاتُ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ، وَهَذَا لَمْ يُرِدْهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: لَوْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَمْ تُكْرَهْ لَهُ الْإِزَالَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ دَخَلَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَخْذُ شَعْرِهِ، وَظُفْرُهُ مَمْنُوعٌ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، إذْ لَا يَخْلُو الشَّهْرُ مِنْ يَوْمِ جُمُعَةٍ. أَمَّا الْمُحْرِمُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ يَوْمُ النَّحْرِ لَا بَأْسَ بِالْحَلْقِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَزْمِ التَّضْحِيَةِ فِي بَقِيَّتِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي مَعْنَى مُرِيدِ الْأُضْحِيَّةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَهْدِيَ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ إلَى الْبَيْتِ بَلْ أَوْلَى، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ سُرَاقَةَ، قَالَ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ حَتَّى يُضَحِّيَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ بِأَعْدَادٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِذَبْحِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ بَقَاءُ النَّهْيِ إلَى آخِرِهَا اهـ. وَالْأَوْجَهُ زَوَالُهَا بِالْأَوَّلِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَى آخِرِهَا، وَلَوْ أَخَّرَ النَّاذِرُ التَّضْحِيَةَ بِمُعَيَّنٍ إلَى انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَالْأَرْجَحُ بَقَاءُ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا قَضَاءً. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَذْبَحَهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ الرَّجُلُ (بِنَفْسِهِ) إنْ أَحْسَنَ الذَّبْحَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ بِمَشْهَدٍ مِنْ أَهْلِهِ لِيَفْرَحُوا بِالذَّبْحِ وَيَتَمَتَّعُوا بِاللَّحْمِ، وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْأُضْحِيَّةُ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرَاتِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَالسُّنَّةُ لَهَا أَنْ تُوَكِّلَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ التَّوْكِيلِ لِكُلِّ مَنْ ضَعُفَ عَنْ الذَّبْحِ مِنْ الرِّجَالِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ، وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ لِلْأَعْمَى وَكُلِّ مَنْ تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 124 فَلْيَشْهَدْهَا. وَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ. وَشَرْطُ إبِلٍ أَنْ يَطْعَنَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَبَقَرٍ وَمَعْزٍ فِي الثَّالِثَةِ، وَضَأْنٍ فِي الثَّانِيَةِ. وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى.   [مغني المحتاج] الْأُضْحِيَّةَ بِنَفْسِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَلْيَشْهَدْهَا) لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: قُومِي إلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا يُغْفَرُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ» . قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «هَذَا لَكَ وَلِأَهْلِ بَيْتِكَ، فَأَهْلُ ذَلِكَ أَنْتُمْ أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُدْيَةَ فَنَحَرَ مَا غَبَرَ: أَيْ بَقِيَ» ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كِتَابِيٍّ وَصَبِيٍّ وَأَعْمَى قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَاسْتِنَابَةُ الْحَائِضِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُضَحِّيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بَدَنَةً فِي الْمُصَلَّى، وَأَنْ يَنْحَرَهَا بِنَفْسِهِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ بَدَنَةٌ فَشَاةٌ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَإِنْ ضَحَّى عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِ ضَحَّى حَيْثُ شَاءَ. (وَلَا تَصِحُّ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ، قَالَ الشَّارِحُ: مِنْ حَيْثُ التَّضْحِيَةُ بِهَا: أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ حِلُّ ذَبْحِهَا وَأَكْلُ لَحْمِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ (إلَّا مِنْ) (إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ) بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا، وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانِ فَتَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ كَالزَّكَاةِ، فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ النَّعَمِ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَغَيْرِهِ وَالظِّبَاءُ وَغَيْرُهَا. تَنْبِيهٌ: الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مِنْ النِّعَمِ يُجْزِئُ هُنَا، وَفِي الْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَعْلَى الْأَبَوَيْنِ سِنًّا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا حَتَّى يُعْتَبَرَ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ بُلُوغُهُ سَنَتَيْنِ وَيَطْعَنُ فِي الثَّالِثَةِ، وَهُوَ مُرَادُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِقَوْلِهِ: بُلُوغُهُ ثَلَاثَ سِنِينَ إلْحَاقًا لَهُ بِأَعْلَى السِّنِينَ بِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي قَدْرِ سِنِّ ذَلِكَ. فَقَالَ (وَشَرْطُ إبِلٍ أَنْ يَطْعَنَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَبَقَرٍ وَمَعْزٍ فِي) السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ، وَضَأْنٍ فِي) السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي الضَّأْنِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَجْذَعَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ: أَيْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ لَا يُجْزِئُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَالْمَنْقُولُ فِي الرَّافِعِيِّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَالْبَغَوِيِّ: الْإِجْزَاءُ، وَلِعُمُومِ خَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ «ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ» : أَيْ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي أَسْبَقُهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. (وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى) أَيْ التَّضْحِيَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَثُرَ نَزَوَانُ الذَّكَرِ وَوِلَادَةُ الْأُنْثَى. نَعَمْ التَّضْحِيَةُ بِالذَّكَرِ أَفْضَلُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَنُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْهَدْيِ عَنْ الشَّافِعِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 125 وَخَصِيٌّ. وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ.   [مغني المحتاج] أَنَّ الْأُنْثَى أَحْسَنُ مِنْ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهَا أَرْطَبُ لَحْمًا وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ نَزَوَانُهُ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَثُرَ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ لِإِجْزَاءِ الْخُنْثَى فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَكِلَاهُمَا يُجْزِئُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: تَفْضِيلُ الذَّكَرِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ، وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الْأُنْثَى لِاحْتِمَالِ الذُّكُورَةِ. (وَ) يَجُوزُ (خَصِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَأْجُوَّينِ» أَيْ خَصِيَّيْنِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا، وَالْخَصِيُّ مَا قُطِعَ خُصْيَتَاهُ: أَيْ جِلْدَتَا الْبَيْضَتَيْنِ، مُثَنَّى خُصْيَةٍ، وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرِ، وَالْخُصْيَتَانِ الْبَيْضَتَانِ، وَجَبْرُ مَا قُطِعَ مِنْهُ زِيَادَةُ لَحْمِهِ طِيبًا وَكَثْرَةً. نَعَمْ الْفَحْلُ أَفْضَلُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ضِرَابٌ. (وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ) يُجْزِئُ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَنْ سَبْعَةٍ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَسَوَاءٌ اتَّفَقُوا فِي نَوْعِ الْقُرْبَةِ أَمْ اخْتَلَفُوا، كَمَا إذَا قَصَدَ بَعْضُهُمْ التَّضْحِيَةَ، وَبَعْضُهُمْ الْهَدْيَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ اللَّحْمَ وَبَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَلَهُمْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ قِسْمَةُ إفْرَازٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ إجْزَاءُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ بِالتَّضْحِيَةِ، بَلْ لَوْ لَزِمَتْ شَخْصًا سَبْعُ شِيَاهٍ بِأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَمُبَاشَرَةِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ جَازَ عَنْ ذَلِكَ بَعِيرٌ أَوْ بَقَرَةٌ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ جَزَاءَ الصَّيْدِ، فَلَا تُجْزِئُ الْبَقَرَةُ أَوْ الْبَعِيرُ عَنْ سَبْعَةِ ظِبَاءٍ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ فَرُوعِيَ فِيهِ الصُّورَةُ. (وَالشَّاةُ) الْمُعَيَّنَةُ تُجْزِئُ (عَنْ وَاحِدٍ) فَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ أَوْ عَنْهُ وَأَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ، وَعَلَيْهِمَا حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ» وَهِيَ فِي الْأَوْلَى سُنَّةُ كِفَايَةٍ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ تَتَأَتَّى بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَالِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِذَلِكَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ فِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً، وَلَكِنْ الثَّوَابُ فِيمَا ذُكِرَ لِلْمُضَحِّي خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ كَمَا فِي الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَوْلَا مَا قَدَّرْتُهُ الِاشْتِرَاكَ فِي شَاتَيْنِ مُشَاعَتَيْنِ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَلِذَا يُقَالُ: لَوْ اشْتَرَكَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ فِي بَقَرَتَيْنِ مُشَاعَتَيْنِ أَوْ بَعِيرَيْنِ كَذَلِكَ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 126 وَأَفْضَلُهَا بَعِيرٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ ضَأْنٌ ثُمَّ مَعْزٌ، وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَعِيرٍ، وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَعِيرٍ. وَشَرْطُهَا سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ يَنْقُصُ لَحْمًا   [مغني المحتاج] يَجُزْ عَنْهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَمْ يَخُصَّهُ سُبْعُ بَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ إبِلٍ وَغَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ أَنْوَاعِ الْأُضْحِيَّةِ بِالنَّظَرِ لِإِقَامَةِ شِعَارِهَا (بَعِيرٌ) أَيْ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ لَحْمًا، وَالْقَصْدُ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْفُقَرَاءِ (ثُمَّ بَقَرَةٌ) ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْبَدَنَةِ أَكْثَرُ مِنْ لَحْمِ الْبَقَرَةِ غَالِبًا، وَفِي الْخَبَرِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً» . قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَهَذِهِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَقَدْ رَأَيْتُهَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَلَعَلَّ نُسَخَهُ مُخْتَلِفَةٌ (ثُمَّ ضَأْنٌ ثُمَّ مَعْزٌ) لِطِيبِ الضَّأْنِ عَلَى الْمَعْزِ وَبَعْدَ الْمَعْزِ الْمُشَارَكَةُ كَمَا سَيَأْتِي، فَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بَعْدَ الْمَعْزِ سَاقِطٌ. أَمَّا بِالنَّظَرِ لِلَّحْمِ، فَلَحْمُ الضَّأْنِ خَيْرُهَا (وَسَبْعُ شِيَاهٍ) مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ (أَفْضَلُ مِنْ بَعِيرٍ) أَوْ بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ أَطْيَبُ وَلِكَثْرَةِ الدَّمِ الْمُرَاقِ، وَقِيلَ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْهُمَا لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ؛ وَقَدْ يُؤَدِّي التَّعَارُضُ فِي مِثْل هَذَا إلَى التَّسَاوِي وَلَمْ يَذْكُرُوهُ (وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَعِيرٍ) لِلِانْفِرَادِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَطِيبِ اللَّحْمِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ الشَّاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي بَعِيرٍ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ: كَمَا لَوْ شَارَكَ وَاحِدٌ خَمْسَةً فِي بَعِيرٍ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي تَفَقُّهًا، لَكِنَّ الشَّارِحَ قَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِهَا فَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى قَدْرِهَا يَكُونُ أَفْضَلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ بَدَلَ شَاةٍ وَاجِبَةٍ فَالزَّائِدُ عَلَى السُّبْعِ تَطَوُّعٌ فَلَهُ صَرْفُهُ مَصْرِفَ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ مِنْ إهْدَاءٍ وَتَصَدُّقٍ. تَنْبِيهٌ: اسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ بِنَوْعٍ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِكْثَارِ الْعَدَدِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، فَلَوْ كَانَ مَعَهُ دِينَارٌ وَوَجَدَ بِهِ شَاةً سَمِينَةً وَشَاتَيْنِ دُونَهَا فَالشَّاةُ أَفْضَلُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَأَرَادَ عِتْقَ مَا يَشْتَرِي بِهَا فَعَبْدَانِ خَسِيسَانِ أَفْضَلُ مِنْ عَبْدٍ نَفِيسٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا اللَّحْمُ، وَلَحْمُ السَّمِينِ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ، وَالْمَقْصُودُ فِي الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ مِنْ الرِّقِّ، وَتَخْلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى مِنْ تَخْلِيصِ وَاحِدٍ، وَكَثْرَةُ اللَّحْمِ خَيْرٌ مِنْ كَثْرَةِ الشَّحْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَحْمًا رَدِيئًا، وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّمِينِ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَاسْتَحَبُّوا تَسْمِينَهَا، فَالسَّمِينَةُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا. ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الذَّوَاتِ، وَأَمَّا فِي الْأَلْوَانِ، فَالْبَيْضَاءُ أَفْضَلُ، ثُمَّ الصَّفْرَاءُ، ثُمَّ الْعَفْرَاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا، ثُمَّ الْحَمْرَاءُ، ثُمَّ الْبَلْقَاءُ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ، قِيلَ لِلتَّعَبُّدِ، وَقِيلَ لِحُسْنِ الْمَنْظَرِ، وَقِيلَ لِطِيبِ اللَّحْمِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ خَبَرَ «لَدَمُ عَفْرَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» . (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ الْمُجْزِئَةِ (سَلَامَةٌ مِنْ) كُلِّ (عَيْبٍ) بِهَا (يَنْقُصُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ بِخَطِّهِ (لَحْمًا) أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُؤْكَلُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 127 فَلَا تُجْزِي عَجْفَاءُ، وَمَجْنُونَةٌ، وَمَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ، وَذَاتُ عَرَجٍ وَعَوَرٍ وَمَرَضٍ وَجَرَبٍ بَيِّنٍ،   [مغني المحتاج] فَإِنَّ مَقْطُوعَ الْأُذُنِ أَوْ الْأَلْيَةِ لَا يُجْزِئُ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَحْمٍ، فَلَوْ قَالَ مَا يَنْقُصُ مَأْكُولًا لَكَانَ أَوْلَى، وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْصِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَالِ كَقَطْعِ بَعْضِ أُذُنٍ، أَوْ فِي الْمَآلِ كَعَرَجٍ بَيِّنٍ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ أَوْ نَحْوُهُ، فَاعْتُبِرَ مَا يَنْقُصُهُ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِيهِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ فِي وُقُوعِهَا عَلَى وَجْهِ الْأُضْحِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ، فَلَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِمَعِيبَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ، أَوْ قَالَ جَعَلْتُهَا أُضْحِيَّةً وَجَبَ ذَبْحُهَا فِدْيَةً، وَيُفَرَّقُ لَحْمُهَا صَدَقَةً وَلَا تُجْزِئُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَتَخْتَصُّ بِوَقْتِ النَّحْرِ وَتَجْرِي مَجْرَى الْأُضْحِيَّةِ فِي الصَّرْفِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ إجْزَاءِ التَّضْحِيَةِ بِالْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُهْزِلُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ وَغَيْرُهُمْ، وَفِي بُيُوعِ الرَّوْضَةِ وَصَدَاقِهَا مَا يُوَافِقُهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِهَا مِنْ نَقْصِ اللَّحْمِ يَنْجَبِرُ بِالْجَنِينِ، فَهُوَ كَالْخَصِيِّ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ لَا يَبْلُغُ حَدَّ الْأَكْلِ كَالْمُضْغَةِ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّحْمِ لَا تَجْبُرُ عَيْبًا بِدَلِيلِ الْعَرْجَاءِ السَّمِينَةِ، وَيَلْحَقُ بِهَا قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ لِنَقْصِ لَحْمِهَا وَالْمُرْضِعُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى شَرْطِ سَلَامَتِهَا مِنْ الْعَيْبِ، قَوْلُهُ (فَلَا تَجْزِيء عَجْفَاءُ) أَيْ ذَاهِبَةُ الْمُخِّ مِنْ شِدَّةِ هُزَالِهَا، وَالْمُخُّ دُهْنُ الْعِظَامِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» مَأْخُوذَةٌ مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ، وَهُوَ الْمُخُّ: أَيْ لَا مُخَّ لَهَا (وَ) لَا (مَجْنُونَةٌ) وَهِيَ الَّتِي تَدُورُ فِي الْمَرْعَى وَلَا تَرْعَى إلَّا قَلِيلًا فَتَهْزُلُ، وَتُسَمَّى أَيْضًا التَّوْلَاءَ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهَا (وَ) لَا (مَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ) وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لِذَهَابِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ دُونَ الثُّلُثِ أَجْزَأَ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَنْعَ كُلِّ الْأُذُنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَمَنْعَ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ، وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، بِخِلَافِ فَاقِدَةِ الضَّرْعِ أَوْ الْأَلْيَةِ أَوْ الذَّنَبِ خِلْقَةً فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُذُنَ عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ. أَمَّا فِي الْأَوَّلَيْنِ فَكَمَا يُجْزِئُ ذِكْرُ الْمَعْزِ. وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَقِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ هِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مِنْ الْمَخْلُوقَةِ بِلَا أُذُنٍ. أَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ بِقَطْعٍ وَلَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُ، أَوْ بِقَطْعِ بَعْضِ لِسَانٍ فَإِنَّهُ يَضُرُّ لِحُدُوثِ مَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ اللَّحْمِ، وَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ شَلَلَ الْأُذُنِ كَفَقْدِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا، وَلَا يَضُرُّ قَطْعُ فِلْقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ كَفَخِذٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعُضْوِ فَلَا تُجْزِئُ لِنُقْصَانِ اللَّحْمِ (وَ) لَا (ذَاتُ عَرَجٍ) بَيِّنٍ، وَلَوْ حَدَثَ تَحْتَ السِّكِّينِ (وَ) لَا ذَاتُ (عَوَرٍ) بَيِّنٍ وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَدَقَةُ (وَ) لَا ذَاتُ (مَرَضٍ) بَيِّنٍ (وَ) لَا ذَاتُ (جَرَبٍ) وَقَوْلُهُ (بَيِّنٍ) رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعِ كَمَا تَقَرَّرَ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ. فَإِنْ قِيلَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 128 وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُهَا وَلَا فَقْدُ قَرْنٍ وَكَذَا شَقُّ أُذُنٍ وَثَقْبُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ يَضُرُّ يَسِيرُ الْجَرَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ مَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ   [مغني المحتاج] لَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِ الْعَوَرِ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ الْعَوْرَاءِ عَلَى فَاقِدَةِ الْبَصَرِ مِنْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: أَصْلُ الْعَوَرِ بَيَاضٌ يُغَطِّي النَّاظِرَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا فَلَا يَضُرُّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْبَيِّنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُهَا) أَيْ يَسِيرُ الْأَرْبَعِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي اللَّحْمِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ إجْزَاءِ الْعَمْيَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَتُجْزِئُ الْعَمْشَاءُ، وَهِيَ ضَعِيفَةُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ غَالِبًا وَالْمَكْوِيَّةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ، وَالْعَشْوَاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا تُبْصِرُ لَيْلًا؛ لِأَنَّهَا تُبْصِرُ وَقْتَ الرَّعْيِ غَالِبًا (وَلَا) يَضُرُّ (فَقْدُ قَرْنٍ) خِلْقَةً، وَتُسَمَّى الْجَلْحَاءَ، وَلَا كَسْرُهُ مَا لَمْ يَعِبْ اللَّحْمَ، وَإِنْ دَمِيَ - بِالْكَسْرِ - لِأَنَّ الْقَرْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَبِيرُ غَرَضٍ، فَإِنْ عِيبَ اللَّحْمُ ضَرَّ كَالْجَرَبِ وَغَيْرِهِ، وَذَاتُ الْقَرْنِ أَوْلَى لِخَبَرِ «خَيْرُ الضَّحِيَّةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَلِأَنَّهَا أَحْسَنُ مَنْظَرًا بَلْ يُكْرَهُ غَيْرُهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الِاعْتِلَافِ وَنَقْصِ اللَّحْمِ، فَلَوْ ذَهَبَ الْكُلُّ ضَرَّ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَهَابَ الْبَعْضِ إذَا أَثَّرَ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ: وَيُجْزِئُ مَكْسُورُ سِنٍّ أَوْ سِنَّيْنِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَكَذَا) لَا يَضُرُّ (شَقُّ أُذُنٍ وَ) لَا (خَرْقُهَا وَ) لَا (ثَقْبُهَا فِي الْأَصَحِّ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْقُطَ مِنْ الْأُذُنِ شَيْءٌ بِذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ بِذَلِكَ مِنْ لَحْمِهَا شَيْءٌ، وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِالشَّرْقَاءِ، وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَوْ عَلَى مَا أُبِينَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالشَّرْقِ، وَالثَّانِي يَضُرُّ لِظَاهِرِ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ. تَنْبِيهٌ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَرْقِ وَالثَّقْبِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَلَا وَجْهَ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَسَّرَ الْخَرْقَ بِالثَّقْبِ (قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ) وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: إنَّهُ قَضِيَّةُ مَا أَوْرَدَهُ الْمُعْظَمُ صَرِيحًا وَدَلَالَةً، وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْجَدِيدِ (يَضُرُّ يَسِيرُ الْجَرَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ، وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ كَالْمَرَضِ، وَفِي مَعْنَى الْجَرَبِ الْبُثُورُ وَالْقُرُوحُ. (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) أَيْ التَّضْحِيَةِ (إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ يَوْمَ النَّحْرِ) وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (ثُمَّ مَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ) خَفِيفَتَيْنِ (وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَقَعْ أُضْحِيَّةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَوَّلُ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نُصَلِّي، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرُ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَفُوا بِعَرَفَةَ فِي الثَّامِنِ غَلَطًا وَذَبَحُوا فِي التَّاسِعِ ثُمَّ بَانَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُمْ تَبَعًا لِلْحَجِّ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 129 وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ آخِرَ التَّشْرِيقِ. قُلْتُ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ، وَالشَّرْطُ طُلُوعُهَا ثُمَّ مُضِيُّ قَدْرِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ نَذَرَ مُعَيَّنَةً فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ.   [مغني المحتاج] عَنْ الدَّارِمِيِّ، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحَجَّ يُجْزِئُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، فَكَذَا الْأُضْحِيَّةُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ خَفِيفَتَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْخِفَّةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ خَاصَّةً، وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ فَلَوْ قَالَ خَفِيفَاتٍ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا، وَوَقَعَ فِي مَنَاسِكِ الْمُصَنِّفِ مُعْتَدِلَيْنِ بَدَلَ خَفِيفَتَيْنِ، وَاسْتُغْرِبَ (وَيَبْقَى) وَقْتُ التَّضْحِيَةِ (حَتَّى تَغْرُبَ) الشَّمْسُ (آخِرَ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ الْعَاشِرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: يَوْمَانِ بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ غَلَطًا حُسِبَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ، وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ وَالتَّضْحِيَةُ لَيْلًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ، قِيلَ الْمَعْنَى فِيهِ خَوْفُ الْخَطَأِ فِي الْمَذْبَحِ، وَقِيلَ: إنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَحْضُرُونَ لِلْأُضْحِيَّةِ بِاللَّيْلِ حُضُورَهُمْ بِالنَّهَارِ (قُلْتُ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ) فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ (وَالشَّرْطُ طُلُوعُهَا، ثُمَّ مُضِيُّ قَدْرِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِمَنْ قَالَ يَدْخُلُ بِالطُّلُوعِ. قَالَ هُنَا: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ عَقِبَهُ، وَمَنْ قَالَ بِالِارْتِفَاعِ يَعْتَبِرُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمُحَرَّرُ جَزَمَ هُنَاكَ بِالطُّلُوعِ وَهُنَا بِالِارْتِفَاعِ، فَلِهَذَا اسْتَدْرَكَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنَّ ارْتِفَاعَ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ، وَقَالَ: تَعْجِيلُ النَّحْرِ مَطْلُوبٌ فَلَا يُؤَخَّرُ. (وَمَنْ نَذَرَ) أُضْحِيَّةً (مُعَيَّنَةً فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ) الْبَقَرَةِ مَثَلًا، أَوْ جَعَلْتُهَا أُضْحِيَّةً، أَوْ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، أَوْ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ تَعَالَى زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا وَ (لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ) السَّابِقِ بَيَانُهُ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتٍ يَلْقَاهُ بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا بِهَذَا اللَّفْظِ أُضْحِيَّةً فَتَعَيَّنَ ذَبْحُهَا وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِلْعَامِ الْقَابِلِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ فِيهَا إلَى الْمَسَاكِينِ، وَلِهَذَا لَوْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ فَلَا يُضْمَنُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّ مُسْتَحِقِّيهَا بَاقُونَ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " فَقَالَ " إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى جَعْلَ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَدَنَةِ أُضْحِيَّةً وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَّةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةَ كَنُطْقِ النَّاطِقِ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 130 فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَتْلَفَهَا لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا وَيَذْبَحَهَا فِيهِ.   [مغني المحتاج] قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ يَكُونُ بِخِلَافِهِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ التَّأْقِيتُ أَيْضًا، فَيَلْزَمُهُ ذَبْحُهَا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ: أَيْ لِتَقَعَ أَدَاءً، وَإِلَّا فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْ هَذَا الْوَقْتِ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا بَعْدَهُ وَيَكُونُ قَضَاءً كَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ، وَأَحْكَامُهَا خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ حُكْمُ التَّلَفِ وَالْإِتْلَافِ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَلِفَتْ) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ الْمُعَيَّنَةُ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَقْتِ، أَوْ فِيهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهَا وَلَمْ يُقَصِّرْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَهِيَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا، فَإِنْ تَعَدَّى وَبَاعَهَا اسْتَرَدَّهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً وَرَدَّ ثَمَنَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي اسْتَرَدَّ أَكْثَرَ قِيمَتِهَا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ كَالْغَاصِبِ، وَالْبَائِعُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَشْتَرِي الْبَائِعُ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ مِثْلَ التَّالِفَةِ جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا، فَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ عَنْ تَحْصِيلِ مِثْلِهَا وَفَّى الْقِيمَةَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ اشْتَرَى الْمِثْلَ بِالْقِيمَةِ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ نِيَّتِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ أُضْحِيَّةٌ صَارَ الْمِثْلُ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ أُضْحِيَّةٌ فَيَجْعَلُهُ أُضْحِيَّةً، وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ لِلْمَنَافِعِ؛ فَإِنْ أَجَرَهَا وَسَلَّمَهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَتَلِفَتْ عِنْدَهُ بِرُكُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ ضَمِنَهَا الْمُؤَجِّرُ بِقِيمَتِهَا، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. نَعَمْ إنْ عَلِمَ الْحَالَ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُجْرَةَ وَالْقِيمَةَ. وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَتُصْرَفُ الْأُجْرَةُ مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ كَالْقِيمَةِ فَيَفْعَلُ بِهَا مَا يُفْعَلُ بِهَا وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَأَمَّا إعَارَتُهَا فَجَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهَا ارْتِفَاقٌ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِارْتِفَاقُ بِهَا لِلْحَاجَةِ بِرِفْقٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ فِيمَا تَلِفَ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ يَدَ مُعِيرِهِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَكَذَا هُوَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَمِنْ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَتْلَفَ قَبْلَ وَقْتِ الذَّبْحِ، فَإِنْ دَخَلَ وَقْتُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهَا وَتَلِفَتْ ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ: أَيْ كَمَا يَضْمَنُ مُعِيرُهُ لِذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَتْلَفَهَا) أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَهَا بِالْقِيمَةِ كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ فَيَأْخُذُهَا مِنْهُ النَّاذِرُ وَيَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِهَا مِثْلَهَا اشْتَرَى دُونَهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ إذَا أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، فَإِنَّ النَّاذِرَ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا يُعْتِقُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَمُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ هُوَ الْعَبْدُ وَقَدْ هَلَكَ وَمُسْتَحِقُّوا الْأُضْحِيَّةِ بَاقُونَ، فَإِذَا كَانَتْ الْمُتْلَفَةُ ثَنِيَّةً مِنْ الضَّأْنِ مَثَلًا فَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ مِنْ ثَمَنِهَا أُخِذَ عَنْهَا جَذَعَةٌ مِنْ الضَّأْنِ، ثُمَّ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ، ثُمَّ دُونَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ سَهْمٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، ثُمَّ لَحْمٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَحْمُ جِنْسِ الْمَنْذُورَةِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِالدَّرَاهِمِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ أَتْلَفَهَا النَّاذِرُ أَوْ قَصَّرَ (لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا) جِنْسًا وَنَوْعًا وَسِنًّا (وَيَذْبَحَهَا فِيهِ) أَيْ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ الْمَذْكُورِ لِتَعَدِّيهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا فَقَطْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ مِثْلَهَا إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ يَلْزَمُهُ الْأَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ وَمِنْ قِيمَةِ مِثْلِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 131 وَإِنْ نَذَرَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِيهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] يَوْمَ النَّحْرِ: كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ الذَّبْحَ وَتَفْرِقَةَ اللَّحْمِ وَقَدْ فَوَّتَهُمَا، وَبِهَذَا فَارَقَ إتْلَافَ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِ الْمُتْلَفَةِ لِرُخْصٍ حَدَثَ اشْتَرَى كَرِيمَةً، أَوْ مِثْلَ الْمُتْلَفَةِ وَأَخَذَ بِالزَّائِدِ أُخْرَى إنْ وَفَّى بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوَفِّ بِهَا تَرَتَّبَ الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ وَلَمْ تَفِ الْقِيمَةُ بِمَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ. وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالزَّائِدِ الَّذِي لَا يَفِي بِأُخْرَى، وَأَنْ لَا يَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا وَيَأْكُلَهُ، وَفِي مَعْنَاهُ بَدَلُ الزَّائِدِ الَّذِي يَذْبَحُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ أَنَّهُ مِلْكُهُ قَدْ أَتَى بِبَدَلِ الْوَاجِبِ كَامِلًا، وَإِنْ ذَبَحَهَا النَّاذِرُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ اللَّحْمِ، وَلَزِمَهُ أَيْضًا أَنْ يَذْبَحَ فِي وَقْتِهَا مِثْلَهَا بَدَلًا عَنْهَا، وَإِنْ بَاعَهَا فَذَبَحَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْوَقْتِ أَخَذَ الْبَائِعُ مِنْهُ اللَّحْمَ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْأَرْشَ وَضَمَّ إلَيْهِ الْبَائِعُ مَا يَشْتَرِي بِهِ الْبَدَلَ، وَلَوْ ذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْأَرْشُ، وَهَلْ يَعُودُ اللَّحْمُ مِلْكًا أَوْ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الضَّحَايَا؟ وَجْهَانِ: فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ اشْتَرَى النَّاذِرُ بِهِ وَبِالْأَرْشِ الَّذِي يَعُودُ مِلْكًا أُضْحِيَّةً وَذَبَحَهَا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَهُوَ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - الظَّاهِرُ فَرَّقَهُ وَاشْتَرَى بِالْأَرْشِ أُضْحِيَّةً إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ نَذَرَ فِي ذِمَّتِهِ) مَا يُضَحِّي بِهِ كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ (ثُمَّ عَيَّنَ) الْمَنْذُورَ كَعَيَّنْت هَذَا الْبَعِيرَ لِنَذْرِي (لَزِمَهُ ذَبْحُهُ) أَيْ مَا عَيَّنَهُ (فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أُضْحِيَّةً فِي الذِّمَّةِ، وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ، وَقِيلَ لَا تَتَأَقَّتُ لِثُبُوتِهَا فِي الذِّمَّةِ كَدَمِ الْجُبْرَانَاتِ (فَإِنْ تَلِفَتْ) أَيْ الْمُعَيَّنَةُ عَنْ النَّذْرِ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ (بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْمُعَيَّنُ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْإِبْدَالُ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ. النَّوْعُ الثَّانِي حُكْمُ التَّعْيِيبِ، فَإِذَا حَدَثَ فِي الْمَنْذُورَةِ الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً عَيْبٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّضْحِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ بِتَقْصِيرٍ مِنْ النَّاذِرِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهَا أَجْزَأَهُ ذَبْحُهَا فِي وَقْتِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِسَبَبِ التَّعْيِيبِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ تَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ مَا الْتَزَمَهُ بِتَقْصِيرِهِ وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا دَرَاهِمَ أَيْضًا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا أُضْحِيَّةً أُخْرَى، إذْ مِثْلُ الْمَعِيبَةِ لَا يُجْزِئُ أُضْحِيَّةً، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهَا لَمْ تُجْزِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ ذَبْحِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْبَحَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَأَنْ يَذْبَحَ بَدَلَهَا سَلِيمَةً، وَلَوْ ذَبَحَ الْمَنْذُورَةَ فِي وَقْتِهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ لَحْمَهَا حَتَّى فَسَدَ لَزِمَهُ شِرَاءُ بَدَلِ اللَّحْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ أُخْرَى لِحُصُولِ إرَاقَةِ الدَّمِ وَلَكِنْ لَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ، هَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ لَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ وَلَوْ حَالَةَ الذَّبْحِ بَطَلَ تَعْيِينُهَا وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْأَصْلُ فِي ذِمَّتِهِ. النَّوْعُ الثَّالِثُ حُكْمُ ضَلَالُ الْمَنْذُورَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ ضَلَّتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ، فَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ ذَبَحَهَا فِي الْحَالِ قَضَاءً وَصَرَفَهَا مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا، وَعَلَيْهِ طَلَبُهَا إلَّا إنْ كَانَ بِمُؤْنَةٍ، وَإِنْ قَصَّرَ حَتَّى ضَلَّتْ لَزِمَهُ طَلَبُهَا وَلَوْ بِمُؤْنَةٍ، قَالَا: وَمِنْ التَّقْصِيرِ تَأْخِيرُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 132 وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ، وَكَذَا إنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا أُضْحِيَّةً فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ نَوَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ أَوْ ذَبْحِهِ.   [مغني المحتاج] الذَّبْحِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا عُذْرٍ، وَخُرُوجُ بَعْضِهَا لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ كَمَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُوسَعِ لَا يَأْثَمُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا ذُهُولٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِيهَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ وَلَمْ يَذْبَحْ حَتَّى تَلِفَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَحْوَهُ، وَقَالَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ قَالَ شَيْخُنَا: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ إثْمِ مَنْ مَاتَ وَقْتَ الصَّلَاةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ اهـ. وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالْإِتْلَافِ فَإِنَّهَا فِي الضَّلَالِ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا، بِخِلَافِهَا فِيمَا مَضَى لَا تُجْزِئُ. وَالْأَوْجَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الضَّلَالِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ عَيَّنَ شَاةً عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ ذَبَحَ غَيْرَهَا مَعَ وُجُودِهَا فَفِي إجْزَائِهَا خِلَافٌ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. وَلَوْ ضَلَّتْ هَذِهِ الْمُعَيَّنَةُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَذَبَحَ غَيْرَهَا أَجْزَأَتْهُ، فَإِنْ وَجَدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَبْحُهَا، بَلْ يَتَمَلَّكُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ) لِلتَّضْحِيَةِ (عِنْدَ الذَّبْحِ) لِلْأُضْحِيَّةٍ (إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ) أَمَّا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا عِنْدَ الذَّبْحِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَوَّلِ الْفِعْلِ، وَهَذَا وَجْهٌ. وَالْأَصَحُّ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ جَوَازُ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ صُدُورُ النِّيَّةِ بَعْدَ تَعْيِينِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الزَّكَاةِ حَيْثُ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ بَعْدَ إفْرَازِ الْمَالِ وَقَبْلَ الدَّفْعِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ دُخُولُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ لَا فَرْقَ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ (وَكَذَا إنْ) عَيَّنَ كَأَنْ (قَالَ: جَعَلْتُهَا) أَيْ الشَّاةَ مَثَلًا (أُضْحِيَّةً) يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ ذَبْحِهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَكْفِي تَعْيِينُهَا؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ فِيهَا. وَالثَّانِي قَالَ: يَكْفِي تَعْيِينُهَا. تَنْبِيهٌ: مَا رَجَّحَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الْمُعَيَّنَةِ إذَا جَوَّزْنَا التَّقْدِيمَ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْكَلُ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا سَبَقَ مِنْ التَّعْيِينِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ الْهَدْيَ الْمُعَيَّنَ فُضُولِيٌّ فِي الْوَقْتِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمَالِكُ اللَّحْمَ وَفَرَّقَهُ عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَ كَإِزَالَةِ الْخَبَثِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَاكَ فِي التَّعْيِينِ بِالنَّذْرِ، وَهُنَا فِي التَّعْيِينِ بِالْجَعْلِ، وَهِيَ صِيغَةٌ مُنْحَطَّةٌ عَنْ صِيغَةِ النَّذْرِ (وَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ نَوَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ) مَا يُضَحِّي بِهِ (أَوْ) عِنْدَ (ذَبْحِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 133 وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ، وَإِطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ، لَا تَمْلِيكُهُمْ، وَيَأْكُلُ ثُلُثًا، وَفِي قَوْلٍ نِصْفًا،   [مغني المحتاج] وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ وَكَّلَ كَافِرًا فِي الذَّبْحِ فَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي الظَّاهِرِ اهـ. وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الذَّبْحِ، وَقَدْ صَحَّحَ خِلَافَهُ فِيمَا مَضَى، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ، وَقَدْ يُوهِمُ أَيْضًا عَدَمَ جَوَازِ النِّيَّةِ مِنْ الْوَكِيلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ. أَمَّا إذَا وَكَّلَ مُسْلِمًا مُمَيِّزًا وَفَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِصِحَّتِهَا مِنْهُ. . النَّوْعُ الرَّابِعُ حُكْمُ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَحِّي (الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ) ضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ قِيَاسًا عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] أَيْ الشَّدِيدَ الْفَقْرِ، وَفِي الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا قِيلَ بِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج: 36] فَجَعَلَهَا لَنَا، وَمَا جُعِلَ لِلْإِنْسَانِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَرْكِهِ وَأَكْلِهِ قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَنْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ كَمَيِّتٍ بِشَرْطِهِ الْآتِي فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ، فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا غَرِمَ بَدَلَهُ (وَ) لَهُ (إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ) الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ: أَنَّ الْقَانِعَ الْفَقِيرُ، وَالْمُعْتَرَّ الزَّائِرُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَانِعَ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرَّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَيَحُومُ حَوْلَهُ، وَقِيلَ الْقَانِعُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَسْأَلُ، يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعًا بِفَتْحِ عَيْنِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ إذَا سَأَلَ وَقَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ. قَالَهُ الشَّاعِرُ: الْعَبْدُ حُرٌّ إنْ قَنِعْ وَالْحُرُّ عَبْدٌ إنْ طَمَعْ ... فَاقْنَعْ وَلَا تَطْمَعْ فَمَا شَيْءٌ يَشِينُ سِوَى الطَّمَعْ (لَا تَمْلِيكُهُمْ) مِنْهَا شَيْئًا، فَلَا يَجُوزُ بَلْ يُرْسَلُ إلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أُضْحِيَّةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا. أَمَّا الْفُقَرَاءُ فَيَجُوزُ تَمْلِيكُهُمْ مِنْهَا وَيَتَصَرَّفُونَ فِيمَا مَلَكُوهُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ (وَيَأْكُلُ ثُلُثًا) عَلَى الْجَدِيدِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] وَأَمَّا الثُّلُثَانِ، فَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِهِمَا. وَقِيلَ: وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ: يُهْدِي لِلْأَغْنِيَاءِ ثُلُثًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِثُلُثٍ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا شَيْئًا (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ يَأْكُلُ (نِصْفًا) وَيَتَصَدَّقُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] فَجَعَلَهَا عَلَى قِسْمَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 134 وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهَا، وَالْأَفْضَلُ بِكُلِّهَا إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ: أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَلَا عَلَى النِّصْفِ عَلَى الْقَدِيمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَكْلُ هَذَا الْقَلِيلِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَيَانِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَكْلِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ تَضْحِيَةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهَا) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ لَحْمِهَا بِحَيْثُ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَلَوْ وَاحِدًا بِخِلَافِ سَهْمِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ يَسِيرٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يَكُونَ نِيئًا لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ مَنْ يَأْخُذُهُ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ، فَلَا يَكْفِي جَعْلُهُ طَعَامًا وَدُعَاءُ الْفُقَرَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي تَمَلُّكِهِ لَا فِي أَكْلِهِ، وَلَا تَمْلِيكُهُمْ لَهُ مَطْبُوخًا، وَلَا تَمْلِيكُهُمْ غَيْرَ اللَّحْمِ مِنْ جِلْدٍ وَكِرْشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا الْهَدِيَّةُ عَنْ التَّصَدُّقِ، وَلَا الْقَدْرُ التَّافِهُ مِنْ اللَّحْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا كَوْنُهُ قَدِيدًا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَكَلَ وَلَدَهَا كُلَّهُ جَازَ، وَلَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ جَازَ كَالْحُرِّ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ، وَخَصَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِغَيْرِ سَيِّدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَرَفَهُ إلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهِ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَيَكْفِي فِي الثَّوَابِ إرَاقَةُ الدَّمِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَكَلَهَا غَرِمَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى شِقْصِ أُضْحِيَّةٍ أَمْ يَكْفِي صَرْفُهُ إلَى اللَّحْمِ وَتَفْرِقَتِهِ؟ وَجْهَانِ: فِي الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَجَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ تَأْخِيرُ الذَّبْحِ وَتَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَنْ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْوَاجِبِ (وَالْأَفْضَلُ) التَّصَدُّقُ (بِكُلِّهَا) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ (إلَّا) لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ (لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا) عَمَلًا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَلِلِاتِّبَاعِ كَمَا مَرَّ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْأَكْلَ، وَإِذَا أَكَلَ الْبَعْضَ وَتَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ، وَالتَّصَدُّقِ بِالْبَعْضِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ. . تَنْبِيهٌ: لَا يُكْرَهُ الِادِّخَارُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، وَيُنْدَبُ إذَا أَرَادَ الِادِّخَارَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ثُلُثِ الْأَكْلِ، وَقَدْ كَانَ الِادِّخَارُ مُحَرَّمًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. ثُمَّ أُبِيحَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَاجَعُوهُ فِيهِ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ فَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالدَّافَّةُ جَمَاعَةٌ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ قَدْ أَفْحَمَتْهُمْ - أَيْ أَهْلَكَتْهُمْ - السَّنَةُ فِي الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ الدَّافَّةُ النَّازِلَةُ. وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ بَلَدِهَا كَمَا فِي نَقْلِ الزَّكَاةِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: قَدْ صَحَّحُوا فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ جَوَازَ نَقْلِ الْمَنْذُورَةِ، وَالْأُضْحِيَّةُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَمْتَدُّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا شُعُورَ لِلْفُقَرَاءِ بِهَا حَتَّى تَمْتَدَّ أَطْمَاعُهُمْ إلَيْهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 135 وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ، وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ وَشُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا.   [مغني المحتاج] النَّوْعُ الْخَامِسُ: الِانْتِقَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ بِقَوْلِهِ (وَيَتَصَدَّقُ) الْمُضَحِّي فِي أُضْحِيَّةٍ تَطَوَّعَ (بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ) كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا مَرَّ كَأَنْ يَجْعَلَهُ دَلْوًا أَوْ نَعْلًا أَوْ خُفًّا لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ، أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجِلْدِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: قَصْرُ الْمُصَنِّفِ الِانْتِفَاعَ عَلَى الْمُضَحِّي نَفْسِهِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ وَبَيْعُهُ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» وَإِعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ إعَارَتُهُ كَمَا لَهُ إعَارَتُهَا كَمَا مَرَّ، وَالْقَرْنُ مِثْلُ الْجِلْدِ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ عَلَيْهَا إنْ تُرِكَ إلَى الذَّبْحِ ضَرَّ بِهَا لِلضَّرُورَةِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِانْتِفَاعِ الْحَيَوَانِ بِهِ فِي دَفْعِ الْأَذَى، وَانْتِفَاعِ الْمَسَاكِينِ بِهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَالتَّصَدُّقُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجِلْدِ، وَكَالصُّوفِ فِيمَا ذُكِرَ الشَّعْرُ وَالْوَبَرُ (وَوَلَدُ) الْأُضْحِيَّةِ (الْوَاجِبَةِ) الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ أَوْ بِهِ، أَوْ عَنْ نَذْرٍ فِي ذِمَّتِهِ (يُذْبَحُ) حَتْمًا كَأُمِّهِ وَيُفَرَّقُ سَوَاءٌ مَاتَتْ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلَةً عِنْدَ التَّعْيِينِ أَمْ حَمَلَتْ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْحَامِلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُضَحِّي (أَكْلُ كُلِّهِ) قِيَاسًا عَلَى اللَّبَنِ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الْغَزَالِيِّ وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ، قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا قُلْنَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ الْوَاجِبَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَالْغَزَالِيُّ مِمَّنْ يُجَوِّزُ الْأَكْلَ مِنْ الْمُعَيَّنَةِ، فَلِهَذَا جَوَّزَ أَكْلَ جَمِيعِ الْوَلَدِ، فَإِذًا الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْكِتَابِ مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِتَابِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ مَنْعُ أَكْلِ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْوَلَدُ لَا يُسَمَّى أُضْحِيَّةً لِنَقْصِ سِنِّهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَبْحُهُ تَبَعًا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُعْطَى التَّابِعُ حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَكْلُ الْوَلَدِ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا كَذَلِكَ هَذَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَلَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ يَكْفِي التَّصَدُّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِبَعْضِهِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ. أَمَّا وَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا فَيَجُوزُ أَكْلُهُ كَمَا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ وَلَدَ هَدْيٍ وَعَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فَلْيَحْمِلْهُ عَلَى الْأُمِّ أَوْ غَيْرِهَا لِيَبْلُغَ الْحَرَمَ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (وَ) لَهُ (شُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا) عَنْ وَلَدِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيَدُلُّ لِلْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} [الحج: 33] . قَالَ النَّخَعِيُّ: إنْ احْتَاجَ إلَى ظَهْرِهَا رَكِبَ، وَإِنْ حَلَبَ لَبَنَهَا شَرِبَ، وَلَهُ سَقْيُ غَيْرِهِ بِلَا عِوَضٍ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَطْعًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 136 وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقٍ، فَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ وَقَعَتْ لَهُ. وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إذْنٍ. وَلَا تَضْحِيَةَ عَنْ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَا عَنْ مَيِّتٍ إنْ لَمْ يُوصِ بِهَا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَاجِبَةِ، وَلِذَا صَوَّرَهَا فِي الْمَجْمُوعِ بِالْمَنْذُورَةِ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهَا فَكَيْفَ يَشْرَبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ، وَالْمَنْقُولُ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبَةِ وَغَيْرِهَا وَفَرَّقَ مَنْ مَنَعَ أَكْلَ وَلَدِ الْوَاجِبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُرْبِ اللَّبَنِ بِأَنَّ بَقَاءَ اللَّبَنِ مَعَهَا يَضُرُّهَا، وَبِأَنَّ اللَّبَنَ يَسْتَخْلِفُ مَعَ الْأَوْقَاتِ فَمَا يُتْلِفُهُ يَعُودُ فَيُسَامَحُ بِهِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَهُ لَفَسَدَ. (وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقٍ) كُلِّهِ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ (سَيِّدُهُ) فِيهَا وَضَحَّى وَكَانَ غَيْرَ مُكَاتَبٍ (وَقَعَتْ لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَقَعُ عَنْ السَّيِّدِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْعَبْدِ نِيَابَةً عَنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ خُصُوصَ كَوْنِهَا مِنْ الْعَبْدِ بَطَلَ وَبَقِيَ عُمُومُ الْإِذْنِ لَهُ فِي التَّضْحِيَةِ فَوَقَعَتْ عَنْ السَّيِّدِ، أَوْ أَنَّ السَّيِّدَ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ فَوَّضَ النِّيَّةَ لِلْعَبْدِ فَنَوَى عَنْ السَّيِّدِ. (وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَقَعَتْ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمُكَاتَبِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ. أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَيُضَحِّي بِمَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ كَالْحُرِّ الْكَامِلِ. (وَلَا تَضْحِيَةَ) أَيْ لَا تَقَعُ (عَنْ الْغَيْرِ) الْحَيِّ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تُفْعَلَ عَنْ الْغَيْرِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذَا صُوَرٌ: إحْدَاهَا تَضْحِيَةُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ تَحْصُلُ بِهَا سُنَّةُ الْكِفَايَةِ لَهُمْ كَمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ بَقِيَّتِهِمْ إذْنٌ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْعُدَّةِ: لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِ أُضْحِيَّتِهِ وَذَبَحَ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ. ثَانِيهَا الْمُعَيَّنَةُ بِالنَّذْرِ إذَا ذَبَحَهَا أَجْنَبِيٌّ وَقْتَ التَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا تَقَعُ الْمَوْقِعَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، فَيُفَرِّقُ صَاحِبَهَا لَحْمَهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِعْلُهُ كَرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَلِأَنَّ ذَبْحَهَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَمَا مَرَّ، فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ. ثَالِثًا تَضْحِيَةُ الْإِمَامِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ: أَيْ عِنْدَ سَعَتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ. رَابِعُهَا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَا تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْحَمْلِ كَمَا لَا يُخْرَجُ عَنْهُ الْفِطْرَةُ، وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَأَفْهَمَ جَوَازَهَا عَنْهُمْ مِنْ مَالِ الْوَلِيِّ، حَيْثُ امْتَنَعَتْ، فَإِنْ كَانَتْ الشَّاةُ مُعَيَّنَةً وَقَعَتْ عَنْ الْمُضَحِّي، وَإِلَّا فَلَا. (وَلَا) تَضْحِيَةَ (عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يُوصِ بِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَإِنْ أَوْصَى بِهَا جَازَ، فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَالْحَاكِمِ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَكَبْشَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ، فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا» ، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 137 فَصْلٌ يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ، وَجَارِيَةٍ بِشَاةٍ.   [مغني المحتاج] وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا، وَقِيلَ تَصِحُّ التَّضْحِيَةُ عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَهِيَ تَصِحُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَنْفَعُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ النَّيْسَابُورِيَّ أَحَدَ أَشْيَاخِ الْبُخَارِيِّ خَتَمَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلَافِ خَتْمَةً وَضَحَّى عَنْهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ. [فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ] ِ مِنْ عَقَّ يَعُقُّ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي عَلَى الْمَوْلُودِ حِينَ وِلَادَتِهِ، وَشَرْعًا مَا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ: أَيْ يُشَقُّ وَيُقْطَعُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَالْأَخْبَارِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً، لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلسَّائِلِ عَنْهَا: «لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ» فَقَالَ الرَّاوِي كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِانْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ، وَلَا تُحْسَبُ قَبْلَهُ، بَلْ تَكُونُ شَاةَ لَحْمٍ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَةِ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَفْرَطَ فِي الْعَقِيقَةِ رَجُلَانِ الْحَسَنُ قَالَ إنَّهَا بِدْعَةٌ، وَاللَّيْثُ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ، ثُمَّ لَمَّا نَشَأَ دَاوُد بَعْدَ الشَّافِعِيِّ وَافَقَ اللَّيْثَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» وَلِأَنَّهَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَا نَذْرٍ فَلَمْ تَجِبْ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ إظْهَارُ الْبِشْرِ بِالنِّعْمَةِ وَنَشْرِ النَّسَبِ وَالْأَصْلُ فِي اسْتِحْبَابِهَا أَخْبَارٌ كَخَبَرِ «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» وَكَخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ وَالْعَقِّ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي الْأَوَّلِ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الثَّانِي حَسَنٌ. وَمَعْنَى مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يُعَقَّ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى أَحْمَدَ. (يُسَنُّ) لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ فَرْعِهِ بِتَقْدِيرِ فَقْرِهِ (أَنْ يَعُقَّ عَنْ) مَوْلُودٍ (غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ) مُتَسَاوِيَتَيْنِ (وَ) عَنْ (جَارِيَةٍ بِشَاةٍ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 138 وَسِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا، وَالْأَكْلُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْأُضْحِيَّةِ،   [مغني المحتاج] «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأُنْثَى عَلَى النِّصْفِ تَشْبِيهًا بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا اسْتِبْقَاءُ النَّفْسِ، وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا» وَكَالشَّاةِ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، فَلَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ، أَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِيهَا جَازَ، سَوَاءٌ أَرَادُوا كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَوْ بَعْضُهُمْ الْعَقِيقَةَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَالْأُنْثَى الْخُنْثَى كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَتَتَعَدَّدُ الْعَقِيقَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَقَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَقَدْ قُلْتُمْ إنَّهَا إنَّمَا تُسَنُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ أَبَاهُمَا بِذَلِكَ، أَوْ أَعْطَاهُ مَا عَقَّ بِهِ، أَوْ أَنَّهُمَا كَانَا فِي نَفَقَةِ جَدِّهِمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُسْرِ أَبَوَيْهِمَا أَمَّا مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ تَبَرُّعٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلُودِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُهُمْ اسْتِحْبَابَ الْعَقِيقَةِ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأُمِّ أَنْ تَعُقَّ عَنْ وَلَدِهَا مِنْ زِنًا، وَفِيهِ بُعْدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعَارِ، وَأَنَّهُ لَوْ وَلَدَتْ أَمَتُهُ مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ مُعْسِرٍ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ عَقِّهِ اُسْتُحِبَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعُقَّ عَنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا. . تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَاجِزًا عَنْ الْعَقِيقَةِ حِينَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ بِهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّابِعِ اُسْتُحِبَّتْ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ مَعَ بَقِيَّةِ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَيْ أَكْثَرِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا، وَفِيمَا إذَا أَيْسَرَ بِهَا بَعْدَ السَّابِعِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ تَرْجِيحُ مُخَاطَبَتِهِ بِهَا، وَلَا يَفُوتُ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُوسِرِ بِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ، فَإِنْ بَلَغَ سُنَّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ نَفْسِهِ تَدَارُكًا لِمَا فَاتَ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ بَاطِلٌ وَيُسَنُّ أَنْ يُعَقَّ عَمَّنْ مَاتَ قَبْلَ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنَ مِنْ الذَّبْحِ. (وَ) جِنْسُهَا وَ (سِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا) مِنْ الْعَيْبِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا (وَالْأَكْلُ) وَقَدْرُ الْمَأْخُوذِ مِنْهَا وَالِادِّخَارُ (وَالتَّصَدُّقُ) وَالْإِهْدَاءُ مِنْهَا وَتَعْيِينُهَا إذَا عُيِّنَتْ وَامْتِنَاعُ بَيْعِهَا (كَالْأُضْحِيَّةِ) الْمَسْنُونَةِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا، فَأَشْبَهَتْ الْأُضْحِيَّةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 139 وَيُسَنُّ طَبْخُهَا، وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ. وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ وَيُسَمَّى فِيهِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا زِدْته لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْأُضْحِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُسَنُّ طَبْخُهَا) كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ السُّنَّةُ، وَتُطْبَخُ بِحَلْوَى تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْمَوْلُودِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ» . تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسَنُّ طَبْخُهَا وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا نِيئًا؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ضِيَافَةٌ عَامَّةٌ مِنْ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ، وَلِهَذَا إذَا أَهْدَى لِلْغَنِيِّ مِنْهَا شَيْئًا مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا بِحَامِضٍ، إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ، وَحَمْلُهَا مَطْبُوخَةً مَعَ مَرَقَتِهَا لِلْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ دُعَائِهِمْ إلَيْهَا، وَلَا بَأْسَ بِنِدَاءِ قَوْمٍ إلَيْهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ طَبْخِهَا رِجْلُ الشَّاةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى لِلْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَعَلَتْ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَلَا يُكْسَرُ) مِنْهَا (عَظْمٌ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ، بَلْ يُقْطَعُ كُلُّ عَظْمٍ مِنْ مِفْصَلِهِ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْمَوْلُودِ، فَإِنْ كَسَرَهُ لَمْ يُكْرَهْ إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ، بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى تَنْبِيهٌ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَوْ عَقَّ عَنْهُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ هَلْ يَتَعَلَّقُ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِعَظْمِ السُّبْعِ أَوْ بِعِظَامِ جَمِيعِ الْبَدَنَةِ؟ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ عَقِيقَةً هُوَ السُّبْعُ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْأَقْرَبُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ إنْ تَأَتَّى قِسْمَتُهَا بِغَيْرِ كَسْرٍ فَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِلْعَقِيقَةِ فِيهِ حِصَّةٌ. (وَ) يُسَنُّ (أَنْ تُذْبَحَ) الْعَقِيقَةُ (يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ) أَيْ الْمَوْلُودِ وَيُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ وَلَدَتْ لَيْلًا حُسِبَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَنْ يَقُولَ الذَّابِحُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك عَقِيقَةُ فُلَانٍ لِخَبَرٍ وَرَدَ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَيُكْرَهُ لَطْخُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ بِدَمِهَا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمْ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِقُوا عَلَيْهِ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» ، بَلْ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ ثُمَّ يُغْسَلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَيُسَنُّ لَطْخُ رَأْسِهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْخُلُوفِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُسَمَّى فِيهِ) أَيْ السَّابِعِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ أَوَّلَ الْفَصْلِ، وَلَا بَأْسَ بِتَسْمِيَتِهِ قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ أَنَّ السُّنَّةَ تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ أَوْ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَاسْتَدَلَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ، وَحَمَلَ الْبُخَارِيُّ أَخْبَارَ يَوْمِ الْوِلَادَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ، وَأَخْبَارَ يَوْمِ السَّابِعِ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ شَارِحُهُ وَهُوَ جَمْعٌ لَطِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ اُسْتُحِبَّ تَسْمِيَتُهُ، بَلْ يُسَنُّ تَسْمِيَةُ السَّقْطِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى سُمِّيَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَخَارِجَةَ وَطَلْحَةَ وَهِنْدَ وَيُسَنُّ أَنْ يُحَسَّنَ اسْمُهُ لِخَبَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 140 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ» . وَأَفْضَلُ الْأَسْمَاءِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ زَادَ أَبُو دَاوُد وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ وَمُرَّةُ» وَتُكْرَهُ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ، كَشَيْطَانٍ وَظَالِمٍ وَشِهَابٍ وَحِمَارٍ وَكُلَيْبٍ، وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ عَادَةً، كَنَجِيحٍ وَبَرَكَةَ لِخَبَرِ «لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَك أَفْلَحَ وَلَا نَجِيحًا وَلَا يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا فَإِنَّك إذَا قُلْت أَثَمَّ هُوَ؟ قَالَ لَا» ، وَيُسَنُّ أَنْ تُغَيَّرَ الْأَسْمَاءُ الْقَبِيحَةُ وَمَا يُتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةٌ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ تُزَكِّي نَفْسَهَا، فَسَمَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْنَبَ» ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ التَّسْمِيَةُ بِسِتِّ النَّاسِ أَوْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا تُعْرَفُ السِّتُّ إلَّا فِي الْعَدَدِ، وَمُرَادُ الْعَوَامّ بِذَلِكَ سَيِّدَةٌ، وَلَا تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَشَاهَانْ شَاهْ، وَمَعْنَاهُ مَلِكُ الْأَمْلَاكِ، وَلَا مَلِكَ الْأَمْلَاكِ إلَّا اللَّهُ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ التَّحْرِيمَ فِي قَاضِي الْقُضَاةِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ حَاكِمُ الْحُكَّامِ، وَفِي مِنْهَاجِ الْحَلِيمِيِّ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقُولُوا الطَّبِيبَ وَقُولُوا الرَّفِيقَ فَإِنَّمَا الطَّبِيبُ اللَّهُ» وَإِنَّمَا سُمِّيَ الرَّفِيقَ، لِأَنَّهُ يَرْفُقُ بِالْعَلِيلِ وَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَيس وَطَه خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ} [الحشر: 23] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ التَّوْحِيدِ مِنْ النَّارِ وَأَوَّلُ مَنْ يَخْرُجُ مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْ وَافَقَ اسْمُهُ اسْمَ نَبِيٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَا السَّلَامُ وَأَنْتُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنَا الْمُؤْمِنُ، فَيُخْرِجُهُمْ مِنْ النَّارِ بِبَرَكَةِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ» وَفِي كِتَابِ الْخَصَائِصِ لِابْنِ سَبْعٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَلَا لِيَقُمْ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدَهُمْ بِمُحَمَّدٍ فَقَدْ جَهِلَ» وَقَالَ مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِمْ اسْمُ مُحَمَّدٍ إلَّا رُزِقُوا رِزْقَ خَيْرٍ، قَالَ ابْنُ رَشِيدٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا عَرَفُوا ذَلِكَ بِالتَّجْرِبَةِ أَوْ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ، وَالتَّسْمِيَةُ بِعَبْدِ النَّبِيِّ قَدْ تَجُوزُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّسْمِيَةُ لَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَالَ الْأَكْثَرُونَ إلَى الْمَنْعِ مِنْهُ خَشْيَةَ التَّشْرِيكِ لِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَاعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّسَمِّي بِعَبْدِ الْكَعْبَةِ وَعَبْدِ الْعُزَّى قِيلَ شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ مَا اسْمُك؟ قَالَ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 141 وَيُحْلَقَ رَأْسُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَيُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً.   [مغني المحتاج] الْحَارِثُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْك أَسْمَاءُ بَنِي آدَمَ حَتَّى تَسَمَّيْت بِاسْمِ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْك الْأَسْمَاءُ حَتَّى تَسَمَّيْت بِاسْمِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ اسْمَهُ الْحَارِثُ، وَيَحْرُمُ تَلْقِيبُ الشَّخْصِ بِمَا يَكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ، وَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِنِيَّةِ التَّعْرِيفِ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا بِهِ، فَالْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ لَا يُنْهَى عَنْهَا، فَقَدْ لُقِّبَ الصِّدِّيقُ بِعَتِيقٍ، وَعُمَرُ بِالْفَارُوقِ، وَحَمْزَةُ بِأَسَدِ اللَّهِ، وَخَالِدٌ بِسَيْفِ اللَّهِ، وَمَا زَالَتْ الْأَلْقَابُ الْحَسَنَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَّا مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا هَذَا مِنْ التَّوَسُّعِ حَتَّى لَقَّبُوا السَّفَلَةَ بِالْأَلْقَابِ الْعَلِيَّةِ. وَهَبْ الْعُذْرَ مَبْسُوطًا، فَمَا أَقُولُ فِي تَلْقِيبِ مَنْ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ فِي قَبِيلٍ وَلَا دَبِيرٍ بِفُلَانِ الدِّينِ هِيَ لَعَمْرُ اللَّهِ الْغُصَّةُ الَّتِي لَا تُسَاغُ، وَمَعْنَى اللَّقَبِ اسْمُ مَا يُدْعَى الِاسْمُ بِهِ يُشْعِرُ بِضَعَةِ الْمُسَمَّى أَوْ رِفْعَتِهِ وَالْمَقْصُودُ بِهِ الشُّهْرَةُ، فَمَا كَانَ مَكْرُوهًا نُهِيَ عَنْهُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى أَهْلُ الْفَضْلِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَدٌ وَأَمَّا التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَقَدْ قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ. وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا مُبْتَدِعٌ، لِأَنَّ الْكُنْيَةَ لِلتَّكْرِمَةِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، بَلْ أُمِرْنَا بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ أَوْ تَعْرِيفٍ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُكَنَّى مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ، وَيُسَنُّ لِوَلَدِ الشَّخْصِ وَتِلْمِيذِهِ وَغُلَامِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ، وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُكَنِّيَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ لَا يُعْرَفَ بِغَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ أَشْهَرَ مَنْ الِاسْمِ. (وَ) يُسَنُّ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ الْمَوْلُودِ أَنْ (يُحْلَقَ رَأْسُهُ) كُلُّهَا لِمَا مَرَّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ (بَعْدَ ذَبْحِهَا) أَيْ الْعَقِيقَةِ كَمَا فِي الْحَاجِّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَوْلُودِ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي كَرَاهَتِهِ فِيهَا تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْحَلْقِ يَوْمَ السَّابِعِ، وَجَزَمَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِكَوْنِهِ فِيهِ، وَلِذَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ كَمَا فَعَلَ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَا يَكْفِي حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَا تَقْصِيرُ الشَّعْرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ، فَفِي اسْتِحْبَابِ إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَيْهِ احْتِمَالَانِ (وَ) أَنْ (يُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ) أَيْ الشَّعْرِ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) وَفِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِضَّةٌ، وَفِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِضَّةٌ، فَهِيَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقِيسَ بِالْفِضَّةِ الذَّهَبُ، وَبِالذَّكَرِ الْأُنْثَى، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الذَّهَبَ أَفْضَلُ مِنْ الْفِضَّةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ الْمُتَيَسِّرَةُ إذْ ذَاكَ، فَتَعْبِيرُهُمْ بِمَا ذُكِرَ بَيَانٌ لِدَرَجَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ تَنْبِيهٌ: مَنْ لَمْ يَفْعَلْ بِشَعْرِهِ مَا ذُكِرَ يَنْبَغِي لَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهُ هُوَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ كَانَ شَعْرُ الْوِلَادَةِ بَاقِيًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ يَوْمَ الْحَلْقِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ احْتَاطَ وَأَخْرَجَ الْأَكْثَرَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 142 وَيُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ، وَيُحَنَّكَ بِتَمْرٍ.   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لَا أَدْرِي رُخْصَةً فِي تَثْقِيبِ أُذُنِ الصَّبِيَّةِ لِأَجْلِ تَعْلِيقِ حُلِيِّ الذَّهَبِ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ فِيهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جُرْحٌ مُؤْلِمٌ، وَمِثْلُهُ مُوجِبٌ لِلْقِصَاصِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ. وَالتَّزَيُّنُ بِالْحُلِيِّ غَيْرُ مُهِمٍّ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا فَهُوَ حَرَامٌ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ اهـ. فَإِنْ قِيلَ فِي الْبُخَارِيِّ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ مِنْ أَقْرَاطِهِنَّ وَخَوَاتِيمِهِنَّ فِي حِجْرِ بِلَالٍ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا عَلَى التَّثْقِيبِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَثْقِيبَ آذَانِ الْبَنَاتِ لِلزِّينَةِ جَائِزٌ وَيُكْرَهُ لِلصِّبْيَانِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَثْقِيبِ آذَانِ الصِّبْيَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وُلِدَ أَبُو إِسْحَاقَ مَثْقُوبَ الْأُذُنَيْنِ فَمَضَى جَدِّي إلَى الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ يَكُونُ ابْنُك رَأْسًا إمَّا فِي الْخَيْرِ وَإِمَّا فِي الشَّرِّ. (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ) الْيُمْنَى وَيُقَامُ فِي الْيُسْرَى (حِينَ يُولَدُ) لِخَبَرِ ابْنِ السَّنِيِّ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» أَيْ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ وَلْيَكُنْ إعْلَامُهُ بِالتَّوْحِيدِ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ إلَى الدُّنْيَا كَمَا يُلَقَّنُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ طَرْدِ الشَّيْطَانِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ، وَأَنْ يَقُولَ فِي أُذُنِهِ - أَيْ الْيُمْنَى -: إنِّي أُعِيذُهَا بِك وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا عَلَى سَبِيلِ التِّلَاوَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِلَفْظِ الْآيَةِ بِتَأْوِيلِ إرَادَةِ النَّسَمَةِ وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ رَزِينٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ أَيْ أُذُنِهِ الْيُمْنَى سُورَةَ الْإِخْلَاصِ» (وَ) أَنْ (يُحَنَّكَ) الْمَوْلُودُ (بِتَمْرٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَإِنْ خَصَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالذِّكْرِ فَيُمْضَغُ وَيُدَلَّكُ بِهِ حَنَكُهُ، وَيَفْتَحُ فَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرٌ فَيُحَنِّكُهُ بِحُلْوٍ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِابْنِ أَبِي طَلْحَةَ حِينَ وُلِدَ وَتَمَرَاتٍ فَلَاكَهُنَّ ثُمَّ فَغَرَ فَاهُ ثُمَّ مَجَّهُ فِي فِيهِ فَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حُبُّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُحَنِّكُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فَامْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَأَنْ يُهَنَّأَ الْوَالِدُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي الْمَوْهُوبِ لَك وَشَكَرْت الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشَدَّهُ وَرُزِقَتْ بِرَّهُ، وَأَنْ يَرُدَّ هُوَ عَلَى الْمُهَنِّئِ، فَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك أَوْ أَجْزَلَ اللَّهُ ثَوَابَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ آكَدُ الدِّمَاءِ الْمَسْنُونَةِ الْهَدَايَا، ثُمَّ الضَّحَايَا، ثُمَّ الْعَقِيقَةُ، ثُمَّ الْعَتِيرَةُ، ثُمَّ الْفَرْعُ، وَالْعَتِيرَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ، وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ أَيْضًا، وَالْفَرَعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوَّلُ نَتَاجِ الْبَهِيمَةِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا وَيُكْرَهَانِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» . خَاتِمَةٌ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَدَّهِنَ غِبًّا بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ -: أَيْ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ بِحَيْثُ يَجِفُّ الْأَوَّلُ، وَأَنْ يَكْتَحِلَ وِتْرًا لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةً، وَأَنْ يَحْلِقَ الْعَانَةَ، وَيُقَلِّمَ الظُّفْرَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 143 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَيَنْتِفَ الْإِبِطَ، وَيَجُوزُ حَلْقُ الْإِبِطِ، وَنَتْفُ الْعَانَةِ وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ وَالسُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَفِي الْمَرْأَةِ نَتْفُهَا وَالْخُنْثَى مِثْلُهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ، وَكَيْفِيَّةُ التَّقْلِيمِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُسَبِّحَةِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا أَشْرَفُ، إذْ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ فِي التَّشَهُّدِ، ثُمَّ الْوُسْطَى لِكَوْنِهَا عَنْ يَمِينِ الْمُسَبِّحَةِ إذَا نَزَلَتْ الْأَرْضَ عَلَى سِمَتِهَا مَبْسُوطَةَ الْكَفِّ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ الْخِنْصَرِ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى، ثُمَّ بِنْصِرِهَا، ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ السَّبَّابَةِ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، ثُمَّ بِمَا بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى، وَأَنْ يَقُصَّ الشَّارِبَ حَتَّى يُبَيِّنَ حَدَّ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَمْرِ بِحَفِّ الشَّوَارِبِ مَحْمُولٌ عَلَى حَفِّهَا مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَتَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدِ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ، وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ، وَأَنْ يَغْسِلَ مَعَاطِفَ الْأُذُنِ وَصِمَاخَهَا فَيُزِيلَ مَا فِيهِ مِنْ الْوَسَخِ بِالْمَسْحِ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَنْ يَغْسِلَ دَاخِلَ الْأَنْفِ تَيَامُنًا فِي كُلِّ الْمَذْكُورَاتِ، وَأَنْ يُخَضِّبَ الشَّعْرَ الشَّائِبَ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ، وَهُوَ بِالسَّوَادِ حَرَامٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْتَنِبُوا السَّوَادَ إلَّا لِمُجَاهِدٍ فِي الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ» وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِ لِلرَّجُلِ حَرَامٌ إلَّا لِعُذْرٍ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسَنُّ لَهَا مُطْلَقًا، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ احْتِيَاطًا، وَيُسَنُّ فَرْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَتَمْشِيطُهُ بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ» وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ حَلْقُ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْهُ. وَأَمَّا حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنَظُّفَ، وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْهُنَهُ وَيُرَجِّلَهُ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُكْرَهُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَيُكْرَهُ نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوَّلَ طُلُوعِهَا إيثَارًا لِلْمُرُودَةِ، وَنَتْفُ الشَّيْبِ وَاسْتِعْجَالُ الشَّيْبِ بِالْكِبْرِيتِ أَوْ غَيْرِهِ طَلَبًا لِلشَّيْخُوخَةِ، وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَتَشْعِيثُهَا إظْهَارًا لِلزُّهْدِ وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ لِلتَّزَيُّنِ وَالتَّصَنُّعِ، وَالنَّظَرُ فِي سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إعْجَابًا وَافْتِخَارًا، وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِذَارَيْنِ مِنْ الصُّدْغِ. وَالنَّقْصُ مِنْهُمَا، وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ وَهُمَا طَرَفَا الشَّارِبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا يَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» . [كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ] 1 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 144 كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ حَيَوَانُ الْبَحْرِ السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ،   [مغني المحتاج] كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ جَمْعُ طَعَامٍ أَيْ بَيَانُ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ، إذْ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ؛ لِأَنَّ فِي تَنَاوُلِ الْحَرَامِ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» . وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] وقَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ، فَكَيْفَ يَقُولُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ. فَائِدَةٌ اسْمُ الطَّيِّبِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْحَلَالُ وَمِنْهُ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] ، وَالطَّاهِرُ وَمِنْهُ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ، وَمَا لَا أَذًى فِيهِ كَقَوْلِهِمْ هَذَا يَوْمٌ طَيِّبٌ، وَمَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ كَقَوْلِهِمْ هَذَا طَعَامٌ طَيِّبٌ (حَيَوَانُ الْبَحْرِ) وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ وَعَيْشُهُ خَارِجَهُ كَعَيْشِ الْمَذْبُوحِ، مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ رِئَةٌ كَأَنْوَاعِ السَّمَكِ، وَمِنْهُ مَا لَهُ رِئَةٌ كَالضُّفْدَعِ فَإِنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ فَائِدَةٌ رَوَى الْقَزْوِينِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي الْأَرْضِ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ» وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ " لِلَّهِ تَعَالَى ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ، أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ، وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ " (السَّمَكُ مِنْهُ) أَيْ مَا هُوَ بِصُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ (حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ) حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ كَصَدْمَةِ حَجَرٍ أَوْ ضَرْبَةِ صَيَّادٍ أَوْ انْحِسَارِ مَاءٍ رَاسِبًا كَانَ أَوْ طَافِيًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] أَيْ مَصِيدُهُ وَمَطْعُومُهُ، وَقَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ طَعَامُهُ مَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ الْعَنْبَرِ أَنَّهُمْ وَجَدُوهُ بِشَاطِئِ الْبَحْرِ مَيْتًا فَأَكَلُوا مِنْهُ، وَقَدَّمُوا مِنْهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلَ مِنْهُ. نَعَمْ إنْ انْتَفَخَ الطَّافِي بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ السَّقَمُ يَحْرُمُ لِلضَّرُورَةِ، قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَالشَّاشِيُّ تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى مَوْتِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَقَدْ مَرَّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ أَنَّهُ يَحِلُّ بَلْعُ سَمَكَةٍ حَيَّةً، وَأَنَّهُ يَحِلُّ قَلْيُ صِغَارِ السَّمَكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَقَّ جَوْفُهُ وَيُعْفَى عَمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 145 وَكَذَا غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا: كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ وَمَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ: كَضِفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ وَحَيَّةٍ حَرَامٌ.   [مغني المحتاج] فِيهِ، وَأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَمَكَةٌ فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ حَلَّ أَكْلُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْقَيْءِ (وَكَذَا غَيْرُهُ) أَيْ السَّمَكِ مِمَّا لَيْسَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ حَلَالٌ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْمَارَّيْنِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " كُلُّ دَابَّةٍ تَمُوتُ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ ذَكَّاهَا اللَّهُ لَكُمْ " (وَقِيلَ لَا) يَحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَمَكًا، وَالْأَوَّلُ يَقُولُ يَسُمَّاهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الذَّكَاةُ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَرِيحٌ فِي انْقِسَامِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ إلَى سَمَكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ السَّمَكَ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِهَا، وَلِهَذَا أَوَّلْت قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ مَا هُوَ بِصُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَقَوْلَهُ وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ مَا لَيْسَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ الْمَشْهُورَةِ (وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ) كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (حَلَّ) أَكْلُهُ مَيِّتًا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُؤْكَلْ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ (فَلَا) يَحِلُّ (كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ) اعْتِبَارًا لِمَا فِي الْبَحْرِ بِمَا فِي الْبَرِّ، وَلِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُ فَأُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَرِّ يَحِلُّ لِحَدِيثِ الْعَنْبَرِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحِ أَمَّا إذَا ذُبِحَ مَا أُكِلَ شَبَهُهُ فِي الْبَرِّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ جَزْمًا، وَلَوْ كَانَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَحَيَوَانِ الْبَرِّ، وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مَذْبُوحًا فَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا أُكِلَ مَيِّتًا كَمَا قَدَّرْته. (وَمَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدَعٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ مَعَ فَتْحِ الدَّالِ، وَكَسْرُهَا بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الضَّادِ مَعَ كَسْرِ الدَّالِ وَضَمُّهَا مَعَ فَتْحِ الدَّالِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمَسِيحِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا عَظْمَ لَهُ (وَسَرَطَانٍ) وَيُسَمَّى أَيْضًا عَقْرَبَ الْمَاءِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَحْرٍ (وَحَيَّةٍ) وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَدَخَلَتْ الْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ جِنْسِهِ كَدَجَاجَةٍ وَعَقْرَبٍ وَتِرْسَةٍ وَهِيَ اللَّجَأَةُ، وَسُلَحْفَاةٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِمُهْمَلَةِ سَاكِنَةٍ وَتِمْسَاحٍ (حَرَامٌ) لِلسُّمِّيَّةِ فِي الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَلِلِاسْتِخْبَاثِ فِي غَيْرِهِمَا، وَلِأَنَّ التِّمْسَاحَ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ الْقِرْشِ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَيُقَالُ لَهُ اللَّخَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، لَكِنْ أَجَابَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ بِحِلِّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَفِي تَحْرِيمِ النِّسْنَاسِ - بِكَسْرِ النُّونِ - وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي التَّحْرِيمُ وَهُوَ عَلَى خِلْقَةِ النَّاسِ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ جِنْسٌ مِنْ الْخَلْقِ يَثِبُ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَكَلَّمُ، وَمَتَى ظَفِرَ بِالْإِنْسَانِ قَتَلَهُ يُوجَدُ فِي جَزَائِرِ الصِّينِ، يَنْقُرُ كَمَا يَنْقُرُ الطَّيْرُ، وَفِي الْمُحْكَمِ أَنَّهُ سَبُعٌ مِنْ أَخْبَثِ السِّبَاعِ تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ الْحَيَّةَ الَّتِي لَا تَعِيشُ إلَّا فِي الْمَاءِ حَلَالٌ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِتَحْرِيمِهَا هِيَ وَغَيْرِهَا مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ الْبَحْرِيَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ قُلْت الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعَ، وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 146 وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ وَالْخَيْلُ، وَبَقَرُ وَحْشٍ   [مغني المحتاج] مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنِّسْنَاسِ عَلَى غَيْرِ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّامِلِ بَعْدَ نَقْلِهِ نُصُوصَ الْحِلِّ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْ بَعْضُهُمْ يَحِلُّ جَمِيعُ مَا فِيهِ إلَّا الضِّفْدَعَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ اهـ. وَالنَّهْيُ هُوَ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " لَا تَقْتُلُوا الضَّفَادِعَ فَإِنْ نَعِيقَهَا تَسْبِيحٌ " وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّمَا حَرُمَ لِأَنَّهُ كَانَ جَارَ اللَّهِ بِالْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَرْشُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ عَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى ذَوَاتُ السُّمُومِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى أَكْلُ الدنيلس فِي مِصْرَ وَالسَّرَطَانِ فِي الشَّامِ اهـ. أَمَّا السَّرَطَانُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا الدنيلس فَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَعُلَمَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْبَحْرِ، وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ أَصْلُ السَّرَطَانِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهُ، وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ لَمْ يَأْتِ عَلَى تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَصِحَّ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ يُؤْكَلُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ. (وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] (وَالْخَيْلُ) وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ، وَقِيلَ مُفْرَدُهُ خَائِلٌ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» وَفِيهِمَا عَنْ أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «نَحْرنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُنْكَرٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد مَنْسُوخٌ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى التَّحْرِيمِ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ مَعَ أَنَّهُ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ مَرْدُودٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلُحُومُ الْحُمُرِ إنَّمَا حُرِّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ بِالِاتِّفَاقِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الصَّحَابَةُ فِي الْآيَةِ تَحْرِيمًا لَا لِلْحُمُرِ وَلَا لِغَيْرِهَا، فَإِنَّهَا لَوْ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَيْلِ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْحُمُرِ، وَهُمْ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْهَا، بَلْ امْتَدَّتْ الْحَالُ إلَى يَوْمِ خَيْبَرَ فَحُرِّمَتْ. وَأَيْضًا الِاقْتِصَارُ عَلَى رُكُوبِهَا وَالتَّزَيُّنِ بِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ (وَبَقَرُ وَحْشٍ) وَهُوَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْمَعْزِ الْأَهْلِيَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 147 وَحِمَارُهُ، وَظَبْيٌ وَضَبُعٌ وَضَبٌّ وَأَرْنَبٌ وَثَعْلَبٌ وَيَرْبُوعٌ وَفَنَكٌ وَسَمُّورٌ،   [مغني المحتاج] وَقُرُونُهَا أَصْلَابٌ جِدًّا تَمْنَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهَا (وَحِمَارُهُ) أَيْ الْوَحْشِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الثَّانِي «كُلُوا مِنْ لَحْمِهِ وَأَكَلَ مِنْهُ» وَقِيسَ بِهِ الْأَوَّلُ، وَلَا فَرْقَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَيْنَ أَنْ يُسْتَأْنَسَ أَوْ يَبْقَى عَلَى تَوَحُّشِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْأَهْلِيِّ بَيْنَ الْحَالَيْنِ (وَظَبْيٌ) وَظَبْيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَضَبُعٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ سُكُونُهَا اسْمٌ لِلْأُنْثَى لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَحِلّ أَكْلُهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَمَا زَالَ النَّاسُ يَأْكُلُونَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَلِأَنَّ نَابَهَا ضَعِيفٌ لَا تَتَقَوَّى وَلَا تَعِيشُ بِهِ، وَهُوَ مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَمُ حَتَّى يُصَادَ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ وَتَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضِبْعَانُ (وَضَبٌّ) لِأَنَّهُ «أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ أَحَرَامٌ هُوَ؟ . قَالَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْهُ إنْ صَحَّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَهُوَ حَيَوَانٌ لِلذَّكَرِ مِنْهُ ذَكَرَانِ، وَلِلْأُنْثَى فَرْجَانِ لَا تَسْقُطُ أَسْنَانُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ (وَأَرْنَبٌ) بِالتَّنْوِينِ بِخَطِّهِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِلَا تَنْوِينٍ لِمَنْعِ صَرْفِهِ، وَهُوَ وَاحِدُ الْأَرَانِبِ، وَحَيَوَانٌ شِبْهُ الْعَنَاقِ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ عَكْسُ الزَّرَافَةِ يَطَأُ الْأَرْضَ عَلَى مُؤَخَّرِ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّهُ «بُعِثَ بِوَرِكِهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبِلَهُ وَأَكَلَ مِنْهُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَبَا حَنِيفَةَ ذَلِكَ فَحَرَّمَهَا مُحْتَجًّا بِأَنَّهَا تَحِيضُ كَالضَّبُعِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَهُ أَيْضًا (وَثَعْلَبٌ) بِمُثَلَّثَةٍ أَوَّلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحُصَيْنِ، وَالْأُنْثَى ثَعْلَبَةٌ، وَكُنْيَتهَا أُمُّ هُوَيْلٍ (وَيَرْبُوعٌ) لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ، وَأَوْجَبَ فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا قَتَلَهُ جَفْرَةً، وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ الْفَأْرَ، قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ أَبْيَضُ الْبَطْنِ أَغْبَرُ الظَّهْرِ بِطَرَفِ ذَنَبِهِ شَعَرَاتٌ وَوَقَعَ لِلدَّمِيرِيِّ فِي شَرْحِهِ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (وَفَنَكٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يُؤْخَذُ مِنْ جِلْدِهِ الْفَرْوُ لِلِينِهِ وَخِفَّتِهِ (وَسَمُّورٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ السِّنَّوْرَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُ ذَلِكَ، وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ ثَعَالِبِ التُّرْكِ تَتِمَّةٌ يَحِلُّ أَيْضًا الْقُنْفُذُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَبْرُ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا، وَالدُّلْدُلُ وَهُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ بَيْنَ الدَّالَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ دَابَّةٌ قَدْرُ السَّخْلَةِ ذَاتُ شَوْكٍ طِوَالٍ يُشْبِهُ السِّهَامَ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ عَظِيمُ الْقَنَافِذِ، وَابْنُ عُرْسٍ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 148 وَيَحْرُمُ بَغْلٌ وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ   [مغني المحتاج] رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ، وَجَمْعُهُ بَنَاتُ عُرْسٍ، وَالْحَوَاصِلُ جَمْعُ حَوْصَلَةٍ، وَيُقَالُ لَهُ حَوْصَلٌ، وَهُوَ طَائِرُ أَبْيَضُ أَكْبَرُ مِنْ الْكَرْكِيِّ، ذُو حَوْصَلَةٍ عَظِيمَةٍ يُتَّخَذُ مِنْهَا فَرْوٌ، وَيَكْثُرُ بِمِصْرَ، وَيُعْرَفُ بِهَا بِالْبَجَعِ، وَالْقَاقِمُ بِضَمِّ الْقَافِ الثَّانِيَةِ دُوَيْبَّةٌ يُتَّخَذُ جِلْدُهَا فَرْوًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. (وَيَحْرُمُ بَغْلٌ) لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَإِنَّهُ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ فَرَسًا كَانَ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْحِمَارِ، أَوْ حِمَارًا كَانَ الذَّكَرُ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْفَرَسِ، فَإِنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ وَحْشِيٍّ، أَوْ بَيْنَ فَرَسٍ وَبَقَرٍ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ (وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ) وَإِنْ تَوَحَّشَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو زِيَادٍ، وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ مَحْمُودٍ (وَكُلُّ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا يَعْدُو عَلَى الْحَيَوَانِ وَيَتَقَوَّى بِنَابِهِ (وَ) ذِي (مِخْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ ظُفْرٍ (مِنْ الطَّيْرِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَعَنْ الثَّانِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ فَذُو النَّابِ (كَأَسَدٍ) وَذَكَرَ لَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ خَمْسَمِائَةِ اسْمٍ، وَزَادَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ مِائَةَ اسْمٍ وَثَلَاثِينَ اسْمًا (وَنَمِرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ، وَبِإِسْكَانِ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ أَخْبَثُ مِنْ الْأَسَدِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّرِهِ وَاخْتِلَافِ لَوْنِ جَسَدِهِ، يُقَالُ تَنَمَّرَ فُلَانٌ أَيْ تَنَكَّرَ وَتَغَيَّرَ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ غَالِبًا إلَّا غَضْبَانَ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ ذَا قَهْرٍ، وَسَطَوَاتٍ عَتِيدَةٍ، وَوَثَبَاتٍ شَدِيدَةٍ، إذَا شَبِعَ نَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَرَائِحَةُ فِيهِ طَيِّبَةٌ. (وَذِئْبٍ) بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يَلْتَحِمُ عِنْدَ السِّفَادِ كَالْكَلْبِ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالِانْفِرَادِ وَالْوَحْدَةِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو جَعْدَةٍ، وَالْأُنْثَى ذِيبَةٌ، وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى فَرِيسَةٍ شَبِعَ مِنْهَا، وَيَنَامُ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَالْأُخْرَى يَقْظَى حَتَّى تَكْتَفِيَ الْعَيْنُ النَّائِمَةُ مِنْ النَّوْمِ، ثُمَّ يَفْتَحُهَا وَيَنَامُ بِالْأُخْرَى لِيَحْتَرِسَ بِالْيَقْظَى وَيَسْتَرِيحَ بِالنَّائِمَةِ، وَفِيهِ حَاسَّةُ الشَّمِّ يَشُمُّ الشَّيْءَ مِنْ فَرْسَخٍ، وَإِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ دَخَلَ وَكَرِهَ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ حَتَّى يَطِيبَ الْهَوَاءُ، فَإِذَا جَاعَ مَصَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْجُوعُ، وَيَخْرُجُ أَسْمَنَ مَا كَانَ، وَيَسْفِدُ الذَّكَرُ الْأُنْثَى مُضْطَجِعَةً عَلَى الْأَرْضِ، وَتَضَعُ جَرْوَهَا قِطْعَةَ لَحْمٍ غَيْرَ مُمَيَّزِ الْجَوَارِحِ، فَلَا تَزَالُ تَلْحَسُهُ حَتَّى تَتَمَيَّزَ أَعْضَاؤُهُ (وَدُبٍّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو حَيْدٍ، وَالْأُنْثَى دِبَّةٌ (وَفِيلٍ) وَجَمْعُهُ فِيلَةٌ وَأَفْيَالٌ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَالْفِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ وَاسْمُهُ مَحْمُودٌ، وَالذَّكَرُ يَنْزُو إذَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَتَحْمِلُ الْأُنْثَى لِسَنَتَيْنِ، وَهُوَ صَاحِبُ حِقْدٍ، وَلِسَانُهُ مَقْلُوبٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَكَلَّمَ، وَيَخَافُ مِنْ الْهِرَّةِ خَوْفًا شَدِيدًا، وَفِيهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْبَلُ بِهِ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْلِيمَ، وَيُعَمِّرُ كَثِيرًا، وَالْهِنْدُ تُعَظِّمُهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ (وَقِرْدٍ) وَجَمْعُهُ قِرَدَةٌ وَقُرُودٌ، وَهُوَ حَيَوَانٌ قَبِيحٌ مَلِيحٌ ذَكِيٌّ سَرِيعُ الْفَهْمِ تَلِدُ الْأُنْثَى فِي الْبَطْنِ الْوَاحِدَةِ الْعَشَرَةَ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ فِي غَالِبِ حَالَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَضْحَكُ وَيَضُرُّ وَيَتَنَاوَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 149 وَبَازٍ وَشَاهِينِ وَصَقْرٍ وَنَسْرٍ وَعُقَابٍ وَكَذَا ابْنُ آوَى وَهِرَّةُ وَحْشٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحِدَأَةٍ وَفَأْرَةٍ   [مغني المحتاج] الشَّيْءَ بِيَدِهِ، وَيَأْنَسُ بِالنَّاسِ، وَالذَّكَرُ شَدِيدُ الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِنَاثِ، وَمِنْ ذِي النَّابِ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْفَهْدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِهَا، وَالْبَبْرُ بِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ، وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ السِّبَاعِ يُعَادِي الْأَسَدَ مِنْ الْعَدْوِ لَا مِنْ الْمُعَادَاةِ، وَيُقَالُ لَهُ الْفُرَانِقُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ، شَبِيهٌ بِابْنِ آوَى (وَ) ذِي الْمِخْلَبِ نَحْوِ (بَازٍ) مِنْ أَشَدِّ الْحَيَوَانِ وَأَضْيَقِهِ خَلْقًا، وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَيُقَالُ فِي التَّثْنِيَةِ بَازَانِ، وَفِي الْجَمْعِ بُزَاةٌ (وَشَاهِينِ) هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَصَقْرٍ وَنَسْرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ، وَيُقَالُ بِتَثْلِيثِهَا (وَعُقَابٍ) وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحَجَّاجِ تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ جَوَارِحِ الطَّيْرِ لِاسْتِخْبَاثِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ يُكْرَهُ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الصَّقْرَ قَسِيمًا لِلْبَازِي وَالشَّاهِينِ، وَأَنْكَرَهُ فِي تَحْرِيرِ التَّنْبِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهَا صُقُورٌ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. وَيُجَابُ عَنْهُ هُنَا بِمَا أَجَابَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذِي الْمِخْلَبِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَالْيَرْبُوعُ (وَكَذَا ابْنُ آوَى) بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ، وَهُوَ فَوْقَ الثَّعْلَبِ وَدُونَ الْكَلْبِ طَوِيلُ الْمَخَالِبِ، فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَشَبَهٌ مِنْ الثَّعْلَبِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى عُوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَلَا يَعْوِي إلَّا لَيْلًا إذَا اسْتَوْحَشَ وَبَقِيَ وَحْدَهُ، وَصِيَاحُهُ يُشْبِهُ صِيَاحَ الصِّبْيَانِ (وَهِرَّةُ وَحْشٍ) يَحْرُمَانِ (فِي الْأَصَحِّ) . أَمَّا ابْنُ آوَى فَلِأَنَّهُ مُسْتَخْبَثٌ، وَلَهُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ، وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَوَجْهُ حِلِّهِ أَنَّ نَابَهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْهِرَّةُ فَلِأَنَّهَا تَعْدُو بِنَابِهَا فَتُشْبِهُ الْأَسَدَ، وَوَجْهُ حِلِّهَا أَنَّهَا حَيَوَانٌ يَنْقَسِمُ إلَى أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ، فَيَحِلُّ الْوَحْشِيُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ الْأَهْلِيُّ كَالْحِمَارِ، وَاحْتَرَزَ بِالْوَحْشِيَّةِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا سَبُعٌ، وَقِيلَ تَحِلُّ لِضَعْفِ نَابِهَا تَنْبِيهٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهِرَّةٌ وَحَذَفَ لَفْظَ وَحْشٍ لَكَانَ أَشْمَلَ وَأَخْصَرَ انْتَهَى. وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْهُ بِاخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ كَمَا عُلِمَ مِنْ التَّقْرِيرِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ الْجَزْمَ بِحُرْمَتِهَا وَأَمَّا ابْنُ مُقْرِضٍ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الدَّلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَلَا يَحْرُمُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ، هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَحِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ غَلَّطَهُ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ أَكْهَلُ اللَّوْنِ، طَوِيلُ الظَّهْرِ، أَصْغَرُ مِنْ الْفَأْرِ يَقْتُلُ الْحَمَامَ، وَيَقْرِضُ الثِّيَابَ وَأَمَّا النِّمْسُ الَّذِي يَأْوِي الْخَرَابَ مِنْ الدُّورِ وَنَحْوِهَا، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْقِرَدَةِ فَيَحْرُمُ، لِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ الدَّجَاجَ فَهُوَ كَابْنِ آوَى. (وَيَحْرُمُ) أَكْلُ (مَا نُدِبَ قَتْلُهُ) لِإِيذَائِهِ (كَحَيَّةٍ) وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (وَعَقْرَبٍ) اسْمٌ لِلْأُنْثَى، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ (وَغُرَابٍ أَبْقَعَ) وَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِهِ يُوهِمُ حِلَّ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَحِدَأَةٍ) بِوَزْنِ عِنَبَةٍ (وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزَةِ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ خَرَابٍ وَجَمْعُهَا فِئَرَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 150 وَكُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ، وَكَذَا رَخَمَةٌ وَبُغَاثَةٌ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ وَتَحْرِيمُ بَبَّغَاء   [مغني المحتاج] بِالْهَمْزِ (وَكُلِّ سَبُعٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ (ضَارٍ) بِالتَّخْفِيفِ - أَيْ عَادٍ، وَالْبُرْغُوثِ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَالزُّنْبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ، وَالْبَقِّ، وَالْقَمْلِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «خَمْسٌ تُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْغُرَابُ، وَالْحِدَأَةُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ» بَدَلُ الْعَقْرَبِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِيَ مَعَ الْخَمْسِ، وَقِيسَ بِهِنَّ الْبَاقِي لِإِيذَائِهَا، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ مَا ذُكِرَ إسْقَاطٌ لِحُرْمَتِهِ وَمَنْعٌ مِنْ اقْتِنَائِهِ، وَلَوْ أُكِلَ لَجَازَ اقْتِنَاؤُهُ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ تَحْرِيمِ مَا أُمِرَ بِقَتْلِهِ الْبَهِيمَةُ الْمَأْكُولَةُ اللَّحْمِ إذَا وَطِئَهَا الْآدَمِيُّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الزِّنَا مَعَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ بِالضَّارِي عَنْ نَحْوِ الضَّبُعِ وَالثَّعْلَبِ مِمَّا نَابُهُ ضَعِيفٌ، فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ إنَّمَا نُدِبَ قَتْلُهَا لِإِيذَائِهَا كَمَا مَرَّ، إذْ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَمَا فِيهِ نَفْعٌ وَمَضَرَّةٌ لَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِنَفْعِهِ، وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهِ، وَيُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَالْخَنَافِسِ جَمْعُ خُنْفُسَاءَ بِضَمِّ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَالْجِعْلَانِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو جِعْرَانٍ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ تَعَضُّ بَعْضَ الْبَهَائِمِ فِي فَرْجِهَا فَتَهْرُبُ، وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْخُنْفُسَاءِ، شَدِيدَةُ السَّوَادِ، فِي بَطْنِهَا لَوْنُ حُمْرَةٍ، لِلذَّكَرِ قَرْنَانِ وَالرَّخَمُ وَالْكَلْبُ غَيْرُ الْعَقُورِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ (وَكَذَا رَخَمَةٌ) وَهِيَ طَائِرٌ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ قَيْسٍ لِخُبْثِ غِذَائِهَا (وَبُغَاثَةٌ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ؛ لِأَنَّهَا كَالْحِدَأَةِ، وَهِيَ طَائِرٌ أَبْيَضُ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ أَصْغَرُ مِنْ الْحِدَأَةِ لَهُ مِخْلَبٌ ضَعِيفٌ. تَنْبِيهٌ يَحْرُمُ أَيْضًا النَّهَّاسُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ طَائِرٌ صَغِيرٌ يَنْهَسُ اللَّحْمَ بِطَرَفِ مِنْقَارِهِ، وَأَصْلُ النَّهْسِ أَكْلُ اللَّحْمِ بِطَرَفِ الْأَسْنَانِ وَأَمَّا النَّهْشُ بِالْمُعْجَمَةِ فَهُوَ الْأَكْلُ بِجَمِيعِهَا فَتَحْرُمُ الطُّيُورُ الَّتِي تَنْهَسُ كَالسِّبَاعِ الَّتِي تَنْهَشُ لِاسْتِخْبَاثِهَا (وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ) وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرَّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ يَأْكُلُ الزَّرْعَ فَأَشْبَهَ الْفَوَاخِتَ وَالثَّانِي نَظَرَ إلَى أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَمَّا مَا عَدَا الْأَبْقَعَ وَغُرَابَ الزَّرْعِ فَأَنْوَاعٌ أَحَدُهَا الْعَقْعَقُ وَيُقَالُ لَهُ الْقَعْقَعُ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، طَوِيلُ الذَّنْبِ، قَصِيرُ الْجَنَاحِ، عَيْنَاهُ يُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ، صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ، كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ. ثَانِيهَا الْغُدَافُ الْكَبِيرُ، وَيُسَمَّى الْغُرَابَ الْجَبَلِيَّ، لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ، فَهَذَانِ حَرَامَانِ لِخُبْثِهِمَا. ثَالِثُهَا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ، وَهُوَ أَسْوَدُ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ، وَهَذَا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ بِحِلِّهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِحِلِّهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ، وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ (وَ) الْأَصَحُّ (تَحْرِيمُ بَبَّغَاءٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا، وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَبِالْقَصْرِ طَائِرٌ أَخْضَرُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، لَهُ قُوَّةٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأَصْوَاتِ وَقَبُولِ التَّلْقِينِ قَالَ ابْنُ مُطَرِّفٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمُ ذَكَرٍ مِنْ لَفْظِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 151 وَطَاوُوسٍ، وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ وَكَرْكِيٌّ وَبَطٌّ وَإِوَزٌّ وَدَجَاجٌ وَحَمَامٌ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ   [مغني المحتاج] (وَ) يَحْرُمُ (طَاوُوسٌ) وَهُوَ طَائِرٌ فِي طَبْعِهِ الْعِفَّةُ وَحُبُّ الزَّهْوِ بِنَفْسِهِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْإِعْجَابُ بِرِيشِهِ وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ يُتَشَاءَمُ بِهِ، وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ وَمَا قَبْلَهُ خُبْثُهُمَا وَالثَّانِي يَمْنَعُ ذَلِكَ. تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ أَيْضًا مُلَاعِبُ ظِلِّهِ، وَهُوَ طَائِرٌ يَسْبَحُ فِي الْجَوِّ مِرَارًا كَأَنَّهُ يَنْصَبُّ عَلَى طَائِرٍ، وَالضُّبُوعُ وَهُوَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَيَقُولُ فِي صَيْحِهِ صَدَا أَوْ قِيَاد فَيَخْتَصُّ بِالذَّكَرِ، وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ الْحِرَابِ وَأُمُّ الصِّبْيَانِ، وَيُقَالُ لَهَا غُرَابُ اللَّيْلِ، وَتَحْرِيمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِخْبَاثِهَا (وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَضَوْا فِيهَا إذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ بِبَدَنَةٍ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْبَيْضِ، وَلَيْسَتْ بِطَائِرٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي طَبَائِعِ الْحَيَوَانِ وَإِنْ كَانَتْ تَبِيضُ، وَلَهَا جَنَاحٌ وَرِيشٌ (وَ) يَحِلُّ (كَرْكِيٌّ) قَطْعًا، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ شَاذٌّ، وَهُوَ طَائِرٌ كَبِيرٌ مَعْرُوفٌ، كُنْيَتُهُ أَبُو نُعَيْمٍ، وَفِي طَبْعِهِ التَّحَارُسُ بِالنَّوْبَةِ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا كَبُرَ أَبَوَاهُ عَالَهُمَا، وَلَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إلَّا بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ وَيُعَلِّقُ الْأُخْرَى، وَإِذَا وَضَعَهُمَا وَضْعًا خَفِيفًا مَخَافَةَ أَنْ تَخْسِفَ الْأَرْضُ بِهِ. (وَ) يَحِلُّ طَيْرُ الْمَاءِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ مِنْهَا (بَطٌّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (وَإِوَزٌّ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ. تَنْبِيهٌ عَطْفُهُ عَلَى الْبَطِّ يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، وَفَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِوَزَّ بِالْبَطِّ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِهِ: الْبَطُّ هُوَ الْإِوَزُّ الَّذِي لَا يَطِيرُ تَنْبِيهٌ جَمِيعُ طُيُورِ الْمَاءِ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ إلَّا اللَّقْلَقَ، وَهُوَ طَيْرٌ طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْخَبَائِثَ وَيَصُفُّ فَلَا يَحِلُّ لِاسْتِخْبَاثِهِ وَرُوِيَ " كُلْ مَا رَفَّ وَدَعْ مَا صَفَّ " (وَ) يَحِلُّ (دَجَاجٌ) بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ، وَلَيْسَتْ الْهَاءُ لِلتَّأْنِيثِ، وَحِلُّهُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ إنْسِيُّهُ وَوَحْشِيُّهُ، " وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَهُ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ (وَ) يَحِلُّ (حَمَامٌ) بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَاحِدَتُهُ حَمَامَةٌ، وَلَيْسَتْ الْهَاءُ فِيهَا لِلتَّأْنِيثِ (وَهُوَ) عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ نَقْلًا عَنْ الْعَرَبِ ذَوَاتُ الْأَطْوَاقِ كَالْفَوَاخِتِ وَالْقَمَارِيِّ، وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَالشَّافِعِيِّ نَقْلًا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ (كُلُّ مَا عَبَّ) أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ بِأَنْ شَرِبَ جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ (وَهَدَرَ) أَيْ رَجَّعَ الصَّوْتَ تَنْبِيهٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى وَصْفِهِ بِالْهَدِيرِ مَعَ الْعَبِّ، فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ، وَلِهَذَا اقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْعَبِّ، وَيَحِلُّ الْوَرَشَانُ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ ذَكَرُ الْقُمْرِيِّ، وَقِيلَ طَائِرٌ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ الْفَاخِتَةِ وَالْحَمَامَةِ، وَيَحِلُّ الْقَطَا جَمْعُ قَطَاةٍ، وَهُوَ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ، وَالْحَجَلُ بِالْفَتْحِ جَمْعُ حَجَلَةٍ وَهُوَ طَائِرٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ كَالْقَطَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَيُسَمَّى دَجَاجَ الْبَرِّ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 152 وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبِ وَصَعْوَةٍ وَزُرْزُورٍ، لَا خُطَّافٌ، وَنَمْلٌ وَنَحْلٌ وَذُبَابٌ وَحَشَرَاتٌ كَخُنْفُسَاءَ   [مغني المحتاج] أُدْرِجَتْ فِي الْحَمَامِ (وَ) يَحِلُّ كُلُّ (مَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَصَى وَفَرَّ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَعْقُوبَ، وَالْأُنْثَى عُصْفُورَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَبَيْنَهُمَا نُونٌ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ بَعْدَ تَحْتَانِيَّةٍ وَهُوَ الْهَزَارُ (وَصَعْوَةٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ صِغَارُ الْعَصَافِيرِ الْمُحْمَرَّةِ الرَّأْسِ (وَزُرْزُورٍ) وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ طَائِرٌ مِنْ نَوْعِ الْعُصْفُورِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِزَرْزَرَتِهِ أَيْ تَصْوِيتِهِ، وَنُغَرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ عُصْفُورٌ صَغِيرٌ أَحْمَرُ الْأَنْفِ، وَبُلْبُلٍ بِضَمِّ الْبَاءَيْنِ، وَكَذَا الْحُمَّرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُقَالُ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الْبُلْبُلَ النُّغَرَةَ وَالْحُمْرَةَ. وَ (لَا) يَحِلُّ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ، وَهُوَ أُمُورٌ مِنْهَا (خُطَّافٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ، وَجَمْعُهُ خَطَاطِيفُ، وَيُسَمَّى زُوَّارُ الْهِنْدِ، وَيُعْرَفُ عِنْدَ النَّاسِ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ؛ لِأَنَّهُ زَهِدَ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَقْوَاتِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّ عَيْنَهُ تُقْلَعُ فَتَعُودُ، وَلَا يُفْرِخُ فِي عُشٍّ عَتِيقٍ حَتَّى يُطَيِّنَهُ بِطِينٍ جَدِيدٍ وَأَمَّا الْخُفَّاشُ وَيُقَالُ لَهُ الْوَطْوَاطُ فَقَطَعَ الشَّيْخَانِ بِتَحْرِيمِهِ مَعَ جَزْمِهِمَا فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بِوُجُوبِ قِيمَتِهِ إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ فِي الْحَرَمِ مَعَ تَصْرِيحِهِمَا بِأَنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا هُنَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْخُطَّافَ وَالْخُفَّاشَ مُتَغَايِرَانِ، وَاعْتَرَضَا بِأَنَّ الْخُفَّاشَ وَالْخُطَّافَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوَطْوَاطُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَ. أُجِيبَ بِأَنَّ كِلَيْهِمَا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ، بَلْ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ، فَفِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّ الْخُطَّافَ عُرْفًا هُوَ طَائِرٌ أَسْوَدُ الظَّهْرِ، أَبْيَضُ الْبَطْنِ يَأْوِي الْبُيُوتَ فِي الرَّبِيعِ، وَأَمَّا الْوَطْوَاطُ، وَهُوَ الْخُفَّاشُ فَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ لَا رِيشَ لَهُ يُشْبِهُ الْفَأْرَةَ، يَطِيرُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلِهَذَا أَفْرَدَهُمَا الْفُقَهَاءُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ أَطْلَقَ اللُّغَوِيُّونَ اسْمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمِنْهَا هُدْهُدٌ وَصُرَدٌ، وَهُوَ بِالْحُرُوفِ الْمُهْمَلَةِ طَائِرٌ فَوْقَ الْعُصْفُورِ يَصِيدُ الْعَصَافِيرَ (وَنَمْلٌ) وَكُنْيَتُهُ أَبُو مَشْغُولٍ، وَالْوَاحِدُ نَمْلَةٌ، وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مَارِنٍ، سُمِّيَتْ نَمْلَةً لِتَنَمُّلِهَا وَهُوَ كَثْرَةُ حَرَكَتِهَا وَقِلَّةُ قَوَائِمِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي قَتْلِ النَّمْلِ الْمُرَادُ بِهِ النَّمْلُ السُّلَيْمَانِيُّ وَهُوَ الْكَبِيرُ أَمَّا الصَّغِيرُ فَفِي الِاسْتِقْصَاءِ نَقْلًا عَنْ إيضَاحِ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُؤْذٍ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَيْضًا وَوَافَقَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَنَحْلٌ) وَهُوَ ذُبَابُ الْعَسَلِ، وَالْوَاحِدَةُ نَحْلَةٌ (وَذُبَابٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَهُوَ أَجْهَلُ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْهَلَكَةِ، وَضَرَبَ اللَّهُ بِهِ الْمَثَلَ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ (وَ) لَا تَحِلُّ (حَشَرَاتٌ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ، وَصِغَارُ هَوَامِّهَا الْوَاحِدَةُ حَشَرَةٌ بِالتَّحْرِيكِ (كَخُنْفُسَاءَ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحُ ثَالِثِهِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهِ وَبِالْمَدِّ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْفَسْوِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ مِنْهَا بَنَاتُ وَرْدَانَ وَحِمَارُ قَبَّانَ وَالصِّرْصَارُ، وَتَحْرُمُ ذَوَاتُ السَّمُومِ وَالْإِبَرِ وَالْوَزَغُ بِأَنْوَاعِهَا لِاسْتِخْبَاثِهَا، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهَا، وَوَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِهَا وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 153 وَدُودٍ. وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ. وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ، وَطِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ، وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا،   [مغني المحتاج] وَيَحْرُمُ سَامٌّ أَبْرَصُ وَهُوَ كِبَارُ الْوَزَغِ وَالْعِضَاهِ، وَهِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ دُوَيْبَّةٌ أَكْبَرُ مِنْ الْوَزَغِ، وَاللُّحَكَا بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُوَيْبَّةٌ كَأَنَّهَا سَمَكَةٌ مَلْسَاءُ مُشَرَّبَةٌ بِحُمْرَةٍ تُوجَدُ فِي الرَّمْلِ، فَإِذَا أَحَسَّتْ بِالْإِنْسَانِ دَارَتْ بِالرَّمْلِ وَغَاصَتْ فِيهِ (وَدُودٍ) جَمْعُ دُودَةٍ وَجَمْعُ الْجَمْعِ دِيدَانٌ وَهُوَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ تَدْخُلُ فِيهَا الْأَرَضَةُ، وَدُودُ الْقَزِّ وَالدُّودُ الْأَخْضَرُ يُوجَدُ عَلَى شَجَرِ الصَّنَوْبَرِ، وَدُودُ الْفَاكِهَةِ، وَتَقَدَّمَ حِلُّ أَكْلِ دُودِ الْخَلِّ وَالْفَاكِهَةِ مَعَهُ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى مِنْ الْحَشَرَاتِ الْقُنْفُذَ، وَأُمَّ حُبَيْنٍ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ فِي آخِرَ وَالْوَبْرُ وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ. (وَكَذَا) لَا يَحِلُّ (مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ) كَمُتَوَلَّدٍ بَيْنَ كَلْبٍ وَشَاةٍ إذَا تَحَقَّقْنَا ذَلِكَ بِأَنْ رَأَيْنَا كَلْبًا نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ، فَلَوْ لَمْ نَرَ ذَلِكَ وَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ نَحْوُهُ، وَمِنْ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ السِّبْعُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ فِيهِ شِدَّةُ الضَّبُعِ، وَجَرَاءَةُ الذِّئْبِ أَسْرَعُ مِنْ الرِّيحِ عَدْوًا كَثِيرُ الْوَثَبَاتِ، وَالْبَغْلُ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ كَمَا مَرَّ، وَالزَّرَافَةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا كَمَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الضَّمُّ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ، وَبِتَحْرِيمِهَا جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ التَّحْرِيمَ، وَحَكَى أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِحِلِّهَا وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، وَحَكَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَتَتِمَّةِ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا، وَمَنْقُولُ اللُّغَةِ أَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ مِنْ الْوَحْشِ، وَاقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ نِسْبَتَهُ لِلنَّصِّ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ سَهْوٌ، وَصَوَابُهُ الْعَكْسُ اهـ. وَهَذَا الْخِلَافُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُتَوَلَّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ، فَمَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّهَا مِمَّا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهَا لَا تَتَقَوَّى بِنَابِهَا، وَأَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَرَهَا، وَظَنَّ أَنَّهَا تَتَقَوَّى بِهِ كَسَائِرِ السِّبَاعِ، وَقِيلَ إنَّ الَّذِي فِي التَّنْبِيهِ الزَّرَّاقَةُ بِالْقَافِ، وَهُوَ حَيَوَانٌ يَتَقَوَّى بِنَابِهِ غَيْرُ الَّذِي يُسَمَّى الزَّرَافَةَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. (وَمَا) أَيْ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي (لَا نَصَّ فِيهِ) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، لَا خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَا وَرَدَ فِيهِ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ (إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ) أَيْ ثَرْوَةٍ وَخِصْبٍ (وَ) أَهْلُ (طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ) أَكْثَرِ (الْعَرَبِ) سُكَّانُ بِلَادٍ أَوْ قُرًى (فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ، وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا) يَحِلُّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبِ، وَالتَّحْرِيمَ بِالْخَبِيثِ، وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَخْبِثُهُ كُلُّ الْعَالَمِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَادَةً لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْضَهُمْ، وَالْعَرَبُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا، وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الْيَسَارِ الْمُحْتَاجُونَ، وَبِسَلِيمَةٍ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 154 وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ. وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ حَرُمَ أَكْلُهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ. قُلْت: الْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] غَيْرِ تَمْيِيزٍ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ، وَبِحَالِ الرَّفَاهِيَةِ حَالُ الضَّرُورَةِ، فَلَا عِبْرَةَ بِهَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ جَمْعٍ مِنْهُمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ وَيُرْجَعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ، فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ أَوْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِطَابَتِهِ اُتُّبِعَ الْأَكْثَرُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ قُطْبُ الْعَرَبِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَا تَرْجِيحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اعْتَبَرْنَا قُرْبَ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا أَوْ طَعْمًا، فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُشْبِهُهُ فَحَلَالٌ لِآيَةِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ، وَانْدَفَعَ بِمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ اعْتِرَاضُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَمْ يَسْتَقِمْ فَقَدْ حُكِمَ بِحِلِّ الثَّعْلَبِ، وَتَحْرِيمِ الْبَبَّغَاءِ وَالطَّاوُوسِ، وَلَيْسَ فِيهَا نَصُّ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ أَوْ قَوْلُ عَالِمٍ فَقَوْلُ الْعَالِمِ لَيْسَ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ، وَإِنْ أُرِيدَ نَصُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ نَصُّ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَصٌّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ (وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا) أَيْ الْعَرَبُ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ (وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ) لَهُ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْمِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ) مِنْ الْحَيَوَانِ فِي الصُّورَةِ أَوْ الطَّبْعِ أَوْ الطَّعْمِ فِي اللَّحْمِ، فَإِنْ تَسَاوَى الشَّبَهَانِ أَوْ فُقِدَ مَا يُشْبِهُهُ حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُكْمِ الْحَيَوَانِ الْحَرَامِ أَخَذَ مِنْ حُكْمِ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ. فَقَالَ (وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ) مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَدَجَاجٍ، وَلَوْ يَسِيرًا (حَرُمَ أَكْلُهُ) أَيْ اللَّحْمِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا، وَشُرْبِ لَبَنِهَا وَرُكُوبِهَا كَمَا قَالَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَيُقَالُ الْجَلَّالَةُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجَلَّةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهِيَ الْعَذِرَةُ وَالْبَعْرُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَالْحُكْمُ مَنُوطٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّغَيُّرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّحْرِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَإِطْلَاقُهُ هُنَا التَّعْبِيرَ يَشْمَلُ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ، وَقَيَّدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِالرَّائِحَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَإِنَّ تَغَيُّرَ الطَّعْمِ أَشَدُّ (وَقِيلَ يُكْرَهُ) لِنَتْنِ لَحْمِهَا (قُلْت الْأَصَحُّ يُكْرَهُ) كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَنْ إيرَادِ أَكْثَرِهِمْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ النَّهْيَ، إنَّمَا هُوَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ كَمَا لَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ الْمُذَكَّى وَتَرَوَّحَ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِاللَّحْمِ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 155 فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ حَلَّ. وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلٍّ وَدِبْسٍ ذَائِبٍ حَرُمَ.   [مغني المحتاج] لَحْمِهَا وَلَبَنِهَا وَبَيْضِهَا فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ وِفَاقًا وَخِلَافًا، بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ يَنْبَغِي تَعَدِّي الْحُكْمِ إلَى شَعْرِهَا وَصُوفِهَا الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهَا، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا اهـ. وَيُكْرَهُ رُكُوبُهَا بِلَا حَائِلٍ (فَإِنْ عُلِفَتْ) عَلَفًا (طَاهِرًا) أَوْ مُتَنَجِّسًا كَشَعِيرٍ أَصَابَهُ مَاءٌ نَجِسٌ أَوْ نَجِسُ الْعَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ (فَطَابَ) لَحْمُهَا بِزَوَالِ رَائِحَتِهِ (حَلَّ) مَا ذُكِرَ، وَإِنْ عُلِفَتْ دُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى. وَأَمَّا خَبَرُ " حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا " وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَلَفِ الطَّاهِرِ، فَجَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَخَرَجَ بِعُلِفَتْ مَا لَوْ غُسِلَتْ هِيَ أَوْ لَحْمُهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا أَوْ طُبِخَ لَحْمُهَا فَزَالَ التَّغَيُّرُ؛ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَزُولُ، وَكَذَا بِمُرُورِ الزَّمَانِ كَمَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ غَيْرُهُ تَزُولُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الْمَرْوَزِيُّ، تَبَعًا لِلْقَاضِي وَقَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ نَظِيرُ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِذَلِكَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا فِي مُرُورِ الزَّمَانِ عَلَى اللَّحْمِ فَلَوْ مَرَّ عَلَى الْجَلَّالَةِ أَيَّامٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَأْكُلَ طَاهِرًا أَيْ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا مَرَّ حَلَّتْ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْعَلَفُ بِطَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَلَفٍ، وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَلَّ الْمُرَادُ زَوَالُ التَّحْرِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْكَرَاهَةِ عَلَى الثَّانِي، فَلَوْ قَالَ لَمْ يُكْرَهُ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ الْحِلُّ يُجَامِعُ الْكَرَاهَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ حِلًّا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ. فُرُوعٌ لَوْ رَبَّى سَخْلَةً بِلَبَنِ كَلْبَةٍ أَوْ خِنْزِيرَةٍ كَانَتْ كَالْجَلَّالَةِ، وَلَوْ غَذَّى شَاةً نَحْوَ عَشْرِ سِنِينَ بِمَالٍ حَرَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ أَكْلُهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ شَاةٍ عُلِفَتْ بِعَلَفٍ مَغْصُوبٍ مِنْ الْوَرَعِ، وَلَا يَحْرُمُ تَرْكُ الْوَرَعِ، وَلَا تُكْرَهُ الثِّمَارُ الَّتِي سُقِيَتْ بِالْمِيَاهِ النَّجِسَةِ وَلَا حَبُّ زَرْعٍ نَبَتَ فِي نَجَاسَةٍ كَزِبْلٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، إذْ لَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَثَرُهَا، وَقَضِيَّةُ مَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ مَتَى ظَهَرَ التَّغَيُّرُ فِيهَا كُرِهَتْ، وَلَا يُكْرَهُ بَيْضٌ سُلِقَ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَلَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ أَوْ الْبَيْضُ لَمْ يَنْجَسْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَطْعًا، وَيَحِلُّ أَكْلُ النَّقَانِقِ وَالشَّوِيِّ وَالْهَرَائِسِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو مِنْ الدَّمِ غَالِبًا. فَائِدَةٌ قِيلَ إنَّ الْكَلْبَ إذَا عَضَّ حَيَوَانًا وَذُبِحَ مَنْ أَكَلَ مِنْهُ كَلْبٌ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ. (وَلَوْ تَنَجَّسَ) مَائِعٌ (طَاهِرٌ كَخَلٍّ) وَدُهْنٍ (وَدِبْسٍ ذَائِبٍ) بِمُعْجَمَةٍ (حَرُمَ) تَنَاوُلُهُ لِحَدِيثِ الْفَأْرَةِ الْمَارِّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْلِفَ الْمُتَنَجِّسُ دَابَّتَهُ. وَلَوْ وَقَعَ فِي قِدْرِ طَبِيخٍ جُزْءٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ، وَخَالَفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ: الْمُخْتَارُ الْحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ. وَلَوْ تَحَقَّقَ إصَابَةُ رَوْثِ الْفِئْرَانِ الْقَمْحَ عِنْدَ دَرْسِهِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَيُسَنُّ غَسْلُ الْفَمِ مِنْ أَكْلِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 156 وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ مَكْرُوهٌ، وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ.   [مغني المحتاج] كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (وَمَا كُسِبَ) أَيْ الْمَكْسُوبُ (بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ؛ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ) لِنَجِسٍ كَزِبْلٍ (مَكْرُوهٌ) لِلْحُرِّ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ اكْتَسَبَهُ رَقِيقٌ (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ، وَ) أَنْ (يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ) وَلَا يُكْرَهُ لِلرَّقِيقِ، وَإِنْ كَسَبَهُ حُرٌّ (وَ) يَعْلِفَهُ (نَاضِحَهُ) وَهُوَ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ يُسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَحُكْمُ سَائِرِ الدَّوَابِّ كَذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَاعْلِفْهُ نَاضِحَك» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَالْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْحُرِّ وَدَنَاءَةُ غَيْرِهِ، وَصَرَفَ النَّهْيَ عَنْ الْحُرْمَةِ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ الْأَخْذُ حَرُمَ الْإِعْطَاءُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَأُجْرَةِ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، كَأَنْ أَعْطَى الشَّاعِرَ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ أَوْ الظَّالِمَ لِئَلَّا يَمْنَعَهُ حَقَّهُ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ، فَإِنَّ الْإِثْمَ عَلَى الْآخِذِ دُونَ الْمُعْطِي فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيسَ بِالْحِجَامَةِ غَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا تَحْصُلُ بِهِ مُخَامَرَةُ النَّجَاسَةِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ يُفْهِمُ جَوَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَلْبُوسًا أَوْ نَحْوَهُ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ التَّعْمِيمُ بِوُجُوهِ الْإِنْفَاقِ حَتَّى التَّصَدُّقِ بِهِ وَقَالَ فِي الذَّخَائِرِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ أَوْ شُبْهَةٌ وَالْكُلُّ لَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَخُصُّ نَفْسَهُ بِالْحَلَالِ، فَإِنَّ التَّبِعَةَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ آكَدُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُهُ وَالْعِيَالُ لَا تَعْلَمُهُ. ثُمَّ قَالَ إنَّ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ وَأَهْلَهُ سَوَاءٌ فِي الْقُوتِ وَالْمَلْبَسِ دُونَ سَائِرِ الْمُؤَنِ مِنْ أُجْرَةِ حَمَّامٍ وَقِصَارَةِ ثَوْبٍ وَعِمَارَةِ مَنْزِلٍ وَفَحْمِ تَنُّورٍ وَشِرَاءِ حَطَبٍ وَدُهْنِ سِرَاجٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُؤَنِ، وَلَوْ غَلَبَ الْحَرَامُ فِي يَدِ السُّلْطَانِ قَالَ الْغَزَالِيُّ حَرُمَتْ عَطِيَّتُهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ لَا التَّحْرِيمُ مَعَ أَنَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَرَى عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَلَوْ كَانَتْ الصَّنْعَةُ دَنِيئَةً بِلَا مُخَامَرَةِ نَجَاسَةٍ كَفَصْدٍ وَحِيَاكَةٍ لَمْ تُكْرَهْ، إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَامَرَةُ نَجَاسَةٍ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِكَرَاهَةِ مَا مَرَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ الْعِلَّةُ دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ كَسْبَ الصُّوَّاغِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُخْلِفُونَ الْوَعْدَ وَيَقَعُونَ فِي الرِّبَا لِبَيْعِهِمْ الْمَصُوغَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ، وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ " مَا " فِي كَلَامِهِ مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ، إذْ لَوْ كَانَتْ مَوْصُولَةً لَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَكْسُوبَ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَنَفْسُ الْمَكْسُوبِ لَا يُوصَفُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، إنَّمَا تَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ بِالْكَسْبِ. فُرُوعٌ أَفْضَلُ مَا أَكَلْت مِنْهُ كَسْبُك مِنْ زِرَاعَةٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ، وَلِخَبَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 157 وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ. وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا   [مغني المحتاج] «لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ مِنْ صِنَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ، ثُمَّ مِنْ تِجَارَةٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا،. وَيَحْرُمُ تَنَاوُلُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ وَالسُّمِّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ كَالْأَفْيُونِ، وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ، وَرُبَّمَا يَقْتُلُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] لَكِنَّ قَلِيلَهُ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِلتَّدَاوِي بِهِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَيَحِلُّ أَكْلُ كُلِّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ لِآيَةِ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32] إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ دُبِغَ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] أَمَّا جِلْدُ الْمُذَكَّاةِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ دُبِغَ وَإِلَّا مَا اُسْتُقْذِرَ كَالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ لِاسْتِقْذَارِهِ، وَإِلَّا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَيْرَ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِ الصَّيْدِ. وَفِي حِلِّ أَكْلِ بِيضِ مَا لَا يُؤْكَلُ خِلَافٌ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ حَلَّ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ، بِخِلَافِ الْمَنِيِّ، وَمَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَى الْمَنْعِ، وَيَحْرُمُ النَّبَاتُ الْمُسْكِرُ وَإِنْ لَمْ يُطْرِبْ لِإِضْرَارِهِ بِالْعَقْلِ، وَلَا حَدَّ فِيهِ إنْ لَمْ يُطْرِبْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْرَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ أَسْكَرَ لِلضَّرُورَةِ، وَمَا لَا يُسْكِرُ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحْدَهُ. (وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا) أَوْ عَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ، سَوَاءٌ أَشْعَرَ أَمْ لَا (فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ) بِالْمُعْجَمَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَكَاتُهَا بِذَبْحِهَا، أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ عَلَيْهَا لِحَدِيثِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَذَكَاتُهَا ذَكَاةٌ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحِلَّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لَحُرِّمَ ذَكَاتُهَا مَعَ ظُهُورِ الْحَمْلِ كَمَا لَا تُقْتَلُ الْحَامِلُ قَوَدًا أَمَّا إذَا خَرَجَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَسْكُنَ عَقِبَ ذَبْحِ أُمِّهِ، فَلَوْ اضْطَرَبَ فِي الْبَطْنِ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَرْوَزِيُّ وَقَالَا بِالْحِلِّ مُطْلَقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْأَصْحَابِ إذَا مَاتَ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَكَاتِهَا مَيْتَةٌ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ وَالْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَيْهِ اهـ. وَعَلَى هَذَا لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلُّ الْحِلِّ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ، فَلَوْ ضَرَبَ حَامِلًا عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَ الْجَنِينُ مُتَحَرِّكًا فَسَكَنَ حَتَّى ذُبِحَتْ أُمُّهُ فَوُجِدَ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجِهِ فِي الْعُدَّةِ وَغَيْرِهَا فَيَحِلُّ إنْ مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، وَشَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَخْرُجَ مُضْغَةً مُخَلَّقَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَقَةً لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّهُ دَمٌ وَلَوْ لَمْ تَتَخَطَّطْ الْمُضْغَةُ لَمْ تَحِلَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ يَعْنِي لَوْ كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا. (وَمَنْ خَافَ) مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ (عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا) أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ طُولَ مُدَّتِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 158 وَوَجَدَ مُحَرَّمًا لَزِمَهُ أَكْلُهُ. وَقِيلَ يَجُوزُ. فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ،   [مغني المحتاج] أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ، أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ عَنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَأْكُلُهُ، وَيُسَمَّى هَذَا الْخَائِفُ مُضْطَرًّا (وَوَجَدَ مُحَرَّمًا) كَمَيْتَةٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَطَعَامِ الْغَيْرِ (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ، وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِأَكْلِ الْحَلَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خَوْفُ حُصُولِ الشَّيْنِ الْفَاحِشِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَخَوْفِ طُولِ الْمَرَضِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مِمَّا يُخَافُ مِنْهُ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ، بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ، بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ اضْطَرَّتْ امْرَأَةٌ إلَى طَعَامٍ وَامْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بِوَطْئِهَا زِنًا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَاَلَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ بِخِلَافِ إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ فِيهَا إلَى نَفْسِ الْمُحَرَّمِ وَتَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، وَهَذَا الِاضْطِرَارُ لَيْسَ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمُحَرَّمُ وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَقَدْ لَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، إذْ قَدْ يُصِرُّ عَلَى الْمَنْعِ بَعْدَ وَطْئِهَا. (وَقِيلَ) : لَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ أَكْلُ الْمُحَرَّمِ، بَلْ (يَجُوزُ) تَرْكُهُ وَأَكْلُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِسْلَامُ لِلصَّائِلِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلصَّائِلِ يُؤْثِرُ مُهْجَةَ غَيْرِهِ عَلَى مُهْجَتِهِ طَلَبًا لِلشَّهَادَةِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَ وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمُحَرَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ كَمَيْتَةِ شَاةٍ وَحِمَارٍ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ فِي حَيَاتِهِ كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ كَحِمَارٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ مَيْتَةِ الطَّاهِرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي صَحَّحَهُ لَيْسَ وَجْهًا ثَابِتًا فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ اهـ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ وَجْهٌ ثَابِتٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي. (فَإِنْ تَوَقَّعَ) مُضْطَرٌّ (حَلَالًا قَرِيبًا) أَيْ عَلَى قُرْبٍ (لَمْ يَجُزْ) قَطْعًا (غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ) لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ، وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] قِيلَ أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ أَيْ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 159 وَإِلَّا فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ، وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا إنْ اقْتَصَرَ. وَلَهُ أَكْلُ آدَمِيٍّ وَقَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ. قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ حَلَالًا قَرِيبًا (فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ لَهُ تَنَاوُلَ قَلِيلِهِ فَجَازَ لَهُ الشِّبَعُ كَالْمُذَكِّي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّبَعِ أَنْ يَمْلَأَ جَوْفَهُ حَتَّى لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا، بَلْ الْمُرَادُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَكْسِرَ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ جَائِعٍ (وَالْأَظْهَرُ) لَا يَشْبَعُ بَلْ يَجِبُ (سَدُّ الرَّمَقِ) فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ، فَلَا يُبَاحُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا) أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتَهُ (إنْ اقْتَصَرَ) عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَتُبَاحُ لَهُ الزِّيَادَةُ، بَلْ تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ رَجَا الْوُصُولَ إلَى الْحَلَالِ يَبْدَأُ وُجُوبًا بِلُقْمَةٍ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى يَأْكُلَهَا لِتَتَحَقَّقَ الضَّرُورَةُ،. وَإِذَا وَجَدَ الْحَلَالَ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا لَزِمَهُ الْقَيْءُ - أَيْ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ، فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ حَتَّى شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا إنْ تَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحِقِّ، إذْ الْمَالُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. (وَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ كَمَا قَيَّدَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَأَقَرَّهُ وَمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرًا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ، بَلْ لَنَا وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مُسْلِمًا. تَنْبِيهٌ حَيْثُ جَوَّزْنَا أَكْلَ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ، وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَمَشْوِيًّا. (وَ) لَهُ (قَتْلُ مُرْتَدٍّ) وَأَكْلُهُ (وَ) قَتْلُ (حَرْبِيٍّ) بَالِغٍ وَأَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ، وَلَهُ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ، لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ وَتَأَدُّبًا مَعَهُ وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ (لَا) قَتْلُ (ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ) وَمُعَاهَدٍ (وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ) وَحَرْبِيَّةٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمْ (قُلْت الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَعْصُومَيْنِ، وَمَنْعُ قَتْلِهِمَا فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ لَا لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلِهَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِمَا الْكَفَّارَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 160 وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ وَغَرِمَ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ. فَإِنْ آثَرَ مُسْلِمًا جَازَ، أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ إطْعَامُ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مَجَانِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرِقَّائِهِمْ وَخَنَاثَاهُمْ كَصِبْيَانِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ حَرْبِيَّيْنِ أَكَلَ الْبَالِغَ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ إيجَابُ ذَلِكَ فَلْتُسْتَثْنَ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ جَوَازَ قَتْلِ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ لِلْأَكْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شُبِّهَ بِالصَّبِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحِلُّ الْإِبَاحَةِ إذَا لَمْ نَسْتَوْلِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ، لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ. (وَلَوْ وَجَدَ) مُضْطَرٌّ (طَعَامَ غَائِبٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُحْرَزٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ (أَكَلَ) مِنْهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ (وَغَرِمَ) بَدَلَ مَا أَكَلَهُ مِنْ قِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَمِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ لِحَقِّ الْغَائِبِ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ أَمْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَقُومُ مَقَامَ الْأَعْيَانِ نَعَمْ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ بِالْمَفَازَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَاءِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُمْتَنِعِ، وَمَالُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا كَانَ وَلِيُّهُمَا غَائِبًا حُكْمُهُ حُكْمُ مَالِ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَهُوَ فِي مَالِهِمَا كَالْكَامِلِ تَنْبِيهٌ: فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ وَالْقَدْرِ الْمَأْكُولِ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ الْغَائِبُ مُضْطَرًّا يَحْضُرُ عَنْ قُرْبٍ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ (أَوْ) طَعَامَ (حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ) إلَيْهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ) - بِمُعْجَمَةٍ - لِغَيْرِهِ (إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ) بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ لِحَدِيثِ «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَإِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ الْخِضْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَيَاتِهِ وَنُبُوَّتِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ مُضْطَرٍّ مَيْتَةٌ كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ مُضْطَرٍّ آخَرَ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ خِلَافًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا تَنْبِيهٌ هَلْ الْمُرَادُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْهُ عَنْ سَدِّ الرَّمَقِ أَوْ الشِّبَعِ؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ حِفْظًا لِلْمُهْجَتَيْنِ. وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرَّيْنِ وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا وَتَسَاوَيَا فِي الضَّرُورَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالصَّلَاحِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ اُحْتُمِلَ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَسِّمَهُ عَلَيْهِمَا اهـ. وَالثَّانِي أَوْجَهُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى كَوَالِدٍ وَقَرِيبٍ أَوْ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ إمَامًا مُقْسِطًا، قُدِّمَ الْفَاضِلُ عَلَى الْمَفْضُولِ، وَلَوْ تُسَاوَيَا وَمَعَهُ رَغِيفٌ مَثَلًا لَوْ أَطْعَمَهُ لِأَحَدِهِمَا عَاشَ يَوْمًا، وَإِنْ قَسَّمَهُ بَيْنَهُمَا عَاشَا نِصْفَ يَوْمٍ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ الْمُخْتَارُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ (فَإِنْ آثَرَ) بِالْمَدِّ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضْطَرًّا (مُسْلِمًا) مَعْصُومًا (جَازَ) بَلْ يُسَنُّ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ، وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالْبَهِيمَةُ، وَبِالْمَعْصُومِ مُرَاقُ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ (أَوْ) وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ (غَيْرَ مُضْطَرٍّ) لَهُ (لَزِمَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُضْطَرِّ (إطْعَامُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 161 مُضْطَرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَهُ قَهْرُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ، وَإِلَّا فَبِنَسِيئَةٍ،   [مغني المحتاج] مُضْطَرٍّ) مَعْصُومٍ (مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَوْ نَحْوِهِ كَمُعَاهَدٍ، وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلضَّرُورَةِ النَّاجِزَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ كَالْحَرْبِيِّ تَنْبِيهٌ يَجِبُ إطْعَامُ الْبَهِيمَةِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِ صَاحِبِ الطَّعَامِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَلَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ كَلْبٌ مُبَاحُ الْمَنْفَعَةِ جَائِعٌ وَشَاةٌ لَزِمَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ لِإِطْعَامِ الْكَلْبِ، وَيَحِلُّ أَكْلُهَا لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ مَالِكَ الطَّعَامِ أَوْ وَلِيَّهُ فِي أَخْذِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي الْحَالِ مِنْ بَذْلِهِ بِعِوَضٍ لِمُضْطَرٍّ مُحْتَرَمٍ (فَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ (قَهْرُهُ) عَلَى أَخْذِهِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ الْمَانِعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (وَإِنْ قَتَلَهُ) وَلَا يَجِبُ قِتَالُهُ كَالصَّائِلِ بَلْ أَوْلَى أَيْ إذَا كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُسْلِمًا كَمَا هُوَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلِأَنَّ عَقْلَ الْمَالِكِ أَوْ وَلِيَّهُ وَدِينَهُ يَبْعَثَانِهِ عَلَى الْإِطْعَامِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْأَمْرُ مَوْكُولًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَدْفَعُ ضَرَرَهُ بِهِ، وَهُوَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ، إلَّا أَنْ يَخْشَى الْهَلَاكَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلْمُمْتَنِعِ إنْ قَتَلَهُ، وَلَا تُؤْخَذُ لَهُ دِيَةٌ، وَيُقْتَصُّ لَهُ إنْ قَتَلَهُ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ وَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، إذْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْلٌ مُهْلِكٌ، لَكِنْ يَأْثَمُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ قَهْرِ الذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ وَإِنْ قَتَلَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ إلَّا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَهْرُهُ وَلَا قَتْلُهُ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُسَلَّطُ عَلَى مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ، فَالْحَيُّ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا يَخْتَصُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِإِطْعَامٍ، بَلْ لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَزِمَهُ أَخْذُ الثَّوْبِ مِنْ مَالِكِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا مِثْلَهُ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ. (وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَالِكَ أَوْ وَلِيَّهُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ (بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ) ذَلِكَ الْعِوَضُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْعِوَضُ (فَبِنَسِيئَةٍ) وَلَا يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ مَجَّانًا وَلَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ لَهُ نَسِيئَةً عِنْدَ عَدَمِ حُضُورِ مَالِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهِ، وَفَائِدَةُ الْحُلُولِ جَوَازُ الْمُطَالَبَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَالَ فِي أَخْذِهِ مِنْهُ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ اُبْذُلْهُ بِعِوَضٍ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ بِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ غُبِنَ فِي شِرَائِهِ، أَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ وَقَهْرِهِ لَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الِالْتِزَامِ فَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِثَمَنِ مِثْلٍ، فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ هِبَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ، أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فِي مَكَانِهِ وَزَمَانِهِ، أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا وَمَعَهُ ثَمَنُهُ، أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ حَتَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 162 فَلَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ. وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ، أَوْ مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا فَالْمَذْهَبُ أَكْلُهَا.   [مغني المحتاج] بِإِزَارِهِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا إلَّا إنْ خَشِيَ التَّلَفَ بِالْبَرْدِ (فَلَوْ أَطْعَمَهُ) أَيْ الْمُضْطَرَّ (وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا) بَلْ سَكَتَ عَنْهُ (فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ) حَمْلًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الطَّعَامِ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ وَالثَّانِي عَلَيْهِ الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ الْمَالِكُ بِالْإِبَاحَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَتْ قَرِينَةُ إبَاحَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ فَلَا عِوَضَ قَطْعًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْتِزَامِ عِوَضِ الطَّعَامِ فَقَالَ أَطْعَمْتُك بِعِوَضٍ فَقَالَ بَلْ مَجَّانًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ خَلَّصَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ بِوُقُوعِهِ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ بَلْ يَلْزَمُهُ تَخْلِيصُهُ بِلَا أُجْرَةٍ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِتَقْدِيرِهَا لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَذْلُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ مَجَّانًا فَهَلْ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ ضِيقٍ فَلَا يَجِبُ كَمَا هُنَا، أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِعِوَضٍ مُطْلَقًا؟ خِلَافٌ نَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ الْأَصْحَابِ الْأَوَّلَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْوَجْهُ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْفُونِيُّ وَالْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ بَذْلُ مَالٍ فَلَا يُكَلَّفُ بَذْلَهُ بِلَا مُقَابِلٍ بِخِلَافِ تَخْلِيصِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ، وَلَوْ أُوجِرَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرُّ قَهْرًا، أَوْ أُوجِرَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ إبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا أَنَّهُ لَا عِوَضَ فَيَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَرُغِّبَ فِيهَا. (وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ) الْغَائِبِ (أَوْ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ (مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا) مَأْكُولًا غَيْرَ مَذْبُوحٍ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَذْبَحُهُ (فَالْمَذْهَبُ) يَجِبُ (أَكْلُهَا) . أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ بِالنَّصِّ وَإِبَاحَةَ مَالِ الْغَيْرِ بِالِاجْتِهَادِ، وَالنَّصُّ أَقْوَى، وَلِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِيهَا تَحْرِيمَ ذَبْحِ الصَّيْدِ وَتَحْرِيمَ أَكْلِهِ، وَفِي الْمَيْتَةِ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ، وَمَا خَفَّ تَحْرِيمُهُ أَوْلَى وَالثَّانِي يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَالصَّيْدَ وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَجِسٌ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَالثَّانِيَ طَاهِرٌ فِيهِ الضَّمَانُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأُولَى أَوْجَهُ، وَيُقَالُ أَقْوَالٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ، وَالثَّالِثُ قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ، وَفِيهَا طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا يَذْبَحُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ مَيْتَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ مَالِكُ الطَّعَامِ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيْعِ أَصْلًا أَوْ إلَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا يُتَغَابَنُ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ فِي الْأُولَى، وَيَجُوزُ لَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَسُنَّ لَهُ الشِّرَاءُ بِالزِّيَادَةِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ مِثْلُ الْمَيْتَةِ فِي ذَلِكَ صَيْدُ الْحَرَمِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، فَإِنْ ذَبَحَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ أَوْ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ صَارَ مَيْتَةً فَيَتَخَيَّرُ الْمُضْطَرُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَيْتَةٌ، وَلَا مُرَجِّحَ وَلَا قِيمَةَ لِلَحْمِهِ كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ، وَفِي الصَّيْدِ وَطَعَامِ الْغَيْرِ وُجُوهٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 163 وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ لِأَكْلِهِ. قُلْت: الْأَصَحُّ جَوَازُهُ، وَشَرْطُهُ فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ، وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ لِغَيْرِهِ وَمِنْ مَعْصُومٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] أَحَدُهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ يَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ لِبِنَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ ثَانِيهَا يَتَعَيَّنُ الطَّعَامُ ثَالِثُهَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ وَجَدَ الْمَرِيضُ طَعَامًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَضُرُّهُ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ فِي مَرَضِهِ فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ دُونَهُ، وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ شُرْبُ الْبَوْلِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ النَّجِسِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ أَخَفُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ طَارِئَةٌ. (وَالْأَصَحُّ) حَيْثُ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا يَأْكُلُهُ (تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ) كَجُزْءٍ مِنْ فَخْذِهِ (لِأَكْلِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْهَلَاكُ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (الْأَصَحُّ جَوَازُهُ) لِأَنَّهُ إتْلَافُ بَعْضِهِ لِاسْتِبْقَاءِ كُلِّهِ، فَأَشْبَهَ قَطْعَ الْيَدِ بِسَبَبِ الْأَكَلَةِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْجَوَازِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا (فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا) مِمَّا مَرَّ (وَ) الْأَمْرُ الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ) مِنْ الْخَوْفِ فِي تَرْكِ الْأَكْلِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ حَرُمَ جَزْمًا فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَطْعِ السِّلْعَةِ الْجَوَازُ عِنْدَ تَسَاوِي الْخَطَرَيْنِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ السِّلْعَةَ لَحْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَدَنِ وَفِي قَطْعِهَا إزَالَةُ الشَّيْنِ وَتَوَقُّعُ الشِّفَاءِ وَدَوَامُ الْبَقَاءِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُدَاوَاةِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ فِيهِ إفْسَادًا وَتَغْيِيرًا لِبِنْيَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُدَاوَاةِ، وَلِهَذَا قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلَّ الْقَطْعِ هُنَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَقْطُوعُ يَجُوزُ قَطْعُهُ فِي غَيْرِ الْإِضْرَارِ، فَإِنْ كَانَ كَالسِّلْعَةِ وَالْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ حَيْثُ جَازَ قَطْعُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ قَطْعًا (وَيَحْرُمُ) جَزْمًا عَلَى شَخْصٍ (قَطْعُهُ) أَيْ بَعْضِ نَفْسِهِ (لِغَيْرِهِ) مِنْ الْمُضْطَرِّينَ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْبَعْضِ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا، وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ بَلْ يَجِبُ (وَ) يَحْرُمُ عَلَى مُضْطَرٍّ أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً (مِنْ) حَيَوَانٍ (مَعْصُومٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ. خَاتِمَةٌ تَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ الْمُبَاحِ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ، هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ، وَأَوْقَاتِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّفَاخُرَ وَالتَّكَاثُرَ، بَلْ تَطْيِيبَ خَاطِرِ الضَّيْفِ وَالْعِيَالِ، وَقَضَاءَ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ وَفِي إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةِ مَذَاهِبُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا لِئَلَّا تَطْغَى، إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثُهَا لِرَوْحانِيَّتِهَا قَالَ وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي إعْطَاءِ الْكُلِّ سَلَاطَةً عَلَيْهِ وَفِي مَنْعِهِ بَلَادَةً، وَيُسَنُّ الْحُلْوُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ عَلَى الْأَكْلِ، وَيُسَنُّ تَقْلِيلُهُ، وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ إذَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 164 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فَلَا، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ الطَّعَامِ الْحَلَالِ إذَا كَانَ الطَّعَامُ لَهُ أَمَّا فِي طَعَامِ مَضِيفِهِ فَإِنْ عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ كَمَا مَرَّ فِي الْوَلِيمَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَسْفَلِ الصَّحْفَةِ، وَيُكْرَهُ مِنْ أَعْلَاهَا، أَوْ وَسَطِهَا، وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ الْأَكْلِ فَيَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبُّنَا» بِرَفْعِهِ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِيَّةِ، وَبِنَصْبِهِ بِالِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ، وَبِجَرِّهِ بِالْبَدَلِ مِنْ لِلَّهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا» . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 165 كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ هُمَا سُنَّةٌ:   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ] ِ. كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا، مِنْ السَّبْقِ بِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقَ أَيْ تَقَدَّمَ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْمَالُ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ أَهْلِ السِّبَاقِ (وَالْمُنَاضَلَةِ) عَلَى السِّهَامِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْمُرَامَاةُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُغَالَبَةِ، يُقَالُ نَاضَلْته فَنَضَلْته كَغَالَبْتُه فَغَلَبْته وَوَزْنًا وَمَعْنًى وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ، وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ، وَالسِّبَاقُ يَكُونُ فِي الْخَيْلِ وَالرَّمْيِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17] . قِيلَ مَعْنَاهُ نَنْتَضِلُ بِالسِّهَامِ، فَعَلَى هَذَا، التَّرْجَمَةُ بِالْمُسَابِقَةِ كَافٍ لِشُمُولِ الْأَمْرَيْنِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي التَّنْبِيهِ، وَهَذَا الْبَابُ لَمْ يَسْبِقْ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدٌ إلَى تَصْنِيفِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ (هُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ ذَوِي الْأَعْذَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْأَعْرَجِ يَقْصِدُ التَّأَهُّبَ لِلْجِهَادِ (سُنَّةٌ) أَيْ مَسْنُونٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَفَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» . وَلِخَبَرِ أَنَسٍ «كَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ» ،. وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، لِأَنَّهُمَا مِنْ وَسَائِلِ الْجِهَادِ، وَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 166 وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا. وَتَصِحُّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ، وَكَذَا مَزَارِيقَ وَرِمَاحٍ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ، وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ عَلَى الْمَذْهَبِ. لَا عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ   [مغني المحتاج] لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْأَمْرُ بِالْمُسَابَقَةِ يَقْتَضِيهِ، قَالَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَاوِيهِمَا فِي مُطْلَقِ السُّنَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُنَاضَلَةُ آكَدَ، فَفِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا «ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا» ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ السَّهْمَ يَنْفَعُ فِي السِّعَةِ وَالضِّيقِ كَمَوَاضِعِ الْحِصَارِ بِخِلَافِ الْفَرَسِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الضِّيقِ، بَلْ قَدْ يَضُرُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى» فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْجِهَادِ فَهُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قَصَدَ بِهِمَا مُحَرَّمًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ حَرُمَا، أَمَّا النِّسَاءُ فَصَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ لَهُنَّ وَأَقَرَّاهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَابَقَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا) بِالْوَجْهِ الْآتِي؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْغِيبًا لِلِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْمَارِّ، وَهُوَ لَا سَبَقَ إلَخْ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ السَّابِقُ. (وَتَصِحُّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ) عَرَبِيَّةٍ، وَهِيَ النُّبَلُ وَعَجَمِيَّةٍ، وَهِيَ النُّشَّابُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَصْلٍ (وَكَذَا مَزَارِيقَ) جَمْعُ مِزْرَاقٍ، وَهُوَ رُمْحٌ صَغِيرٌ (وَرِمَاحٍ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (وَرَمْيٍ) بِالْجَرِّ بِخَطِّهِ (بِأَحْجَارٍ) بِمِقْلَاعٍ أَوْ يَدٍ (وَمَنْجَنِيقٍ) أَيْ الرَّمْيِ بِهِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ عَكْسُ الْمُتَقَدِّمِ (وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ) غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا يُشْبِهُهُ كَالرَّمْيِ بِالْمِسَلَّاتِ وَالْإِبَرِ، وَالتَّرَدُّدِ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي الْإِبْرَةِ، وَجَوَازُهُ فِي الْمِسَلَّةِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِرَمْيِهَا النِّكَايَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ السَّهْمِ اهـ. وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ وَوَرَدَ وَقُطِعَ بِالْأَوَّلِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ الْمُدَاحَاةِ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ فَبَاطِلَةٌ قَطْعًا وَإِشَالَةُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ، وَيُسَمَّى الْعِلَاجَ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَأَمَّا النَّقَافُ فَلَا نَقْلَ فِيهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي حَالِ الْمُسَابَقَةِ، وَقَدْ يُمْنَعُ خَشْيَةَ الضَّرَرِ؛ إذْ كُلٌّ يَحْرِصُ عَلَى إصَابَةِ صَاحِبِهِ كَاللِّكَامِ،. وَ (لَا) تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ (عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ) وَالْكُرَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَتُجْمَعُ عَلَى كُرَيْنِ وَهَاؤُهَا عِوَضٌ عَنْ وَاوٍ جِسْمٌ مُحِيطٌ بِهِ سَطْحٌ فِي دَاخِلِهِ نُقْطَةٌ، وَالصَّوْلَجَانُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ، هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ لِأَنَّ الصَّادَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 167 وَبُنْدُقٍ وَسِبَاحَةٍ وَشِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ، وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ، وَمَعْرِفَةِ مَا فِي يَدِهِ، وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَى خَيْلٍ، وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ فِي الْأَظْهَرِ، لَا طَيْرٌ وَصِرَاعٌ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا، لَازِمٌ   [مغني المحتاج] وَتُجْمَعُ عَلَى صَوَالِجَةَ (وَ) لَا عَلَى (بُنْدُقٍ) يُرْمَى بِهِ إلَى حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا (وَ) لَا عَلَى (سِبَاحَةٍ) فِي الْمَاءِ (وَ) لَا عَلَى (شِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَالْمُهْمَلِ (وَ) لَا عَلَى (خَاتَمٍ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا خَيْتَامٌ وَخَاتَامٌ (وَ) لَا عَلَى (وُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ، وَ) لَا عَلَى (مَعْرِفَةِ مَا فِي يَدِهِ) مِنْ شَفْعٍ وَوَتْرٍ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَبِالسُّفُنِ وَالزَّوَارِقِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ هَذَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ، وَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ عَلَى قَوْمٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْحَاوِي الْجَوَازُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ وَهُوَ أَقْرَبُ (وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ) بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ (عَلَى خَيْلٍ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ» . تَنْبِيهٌ سَكَتَ كَالْمُحَرَّرِ عَنْ الْإِبِلِ، وَهِيَ كَالْخَيْلِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْعَرَبُ تُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَشَدَّ الْقِتَالِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَعَجَبٌ سُكُوتُهُمَا عَنْهَا مَعَ قَوْلِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَجْهَانِ فِي اخْتِصَاصِ الْخَيْلِ بِمَا يُسْهَمُ لَهُ، وَهُوَ الْجَذْعُ أَوْ الثَّنِيُّ أَوْ يَطَّرِدُ فِي الصَّغِيرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ عِنْدَنَا جَوَازُهَا عَلَى مَا يُعْتَادُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا قَالَ أَمَّا غَيْرُهَا فَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا لَا تُظْهِرُ فَرُوسِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ السَّبَقِ عَلَيْهَا (وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ) تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ قَالَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُهُ الْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ إلَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ غَيْرُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ وَالثَّانِي قَصْرُ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ؛ لِأَنَّهَا الْمُقَاتَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا أَمَّا بِغَيْرِهِ فَيَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْكِلَابِ، وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ، وَمُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ بِلَا خِلَافٍ لَا بِعِوَضٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ سَفَهٌ، وَمَنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَ (لَا) عَلَى (طَيْرٍ) جَمْعُ طَائِرٍ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ (وَصِرَاعٍ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَوَهِمَ مَنْ ضَمَّهَا، فَلَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ وَالثَّانِي تَجُوزُ أَمَّا الطَّيْرُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْحَرْبِ لِإِنْهَاءِ الْأَخْبَارِ، وَأَمَّا الصِّرَاعُ «فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَارَعَ رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الطَّيْرِ تَافِهَةٌ فَلَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ أَوْ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ أَنْ يُرِيَهُ شِدَّتَهُ لِيُسْلِمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا صَرَعَهُ فَأَسْلَمَ رَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ جَازَ جَزْمًا، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ كَالشِّبَاكِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبَقَرِ فَتَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا الْغَطْسُ فِي الْمَاءِ، فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا) أَيْ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ (لَازِمٌ) أَيْ لِمَنْ الْتَزَمَ الْعِوَضَ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا فَجَائِزٌ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا مِنْ جَانِبٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 168 لَا جَائِزٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ، وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَعْدَهُ، وَلَا زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ فِيهِ، وَلَا فِي مَالٍ. وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ عِلْمُ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا، وَتَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ وَيَتَعَيَّنَانِ،   [مغني المحتاج] وَجَائِزًا مِنْ جَانِبٍ كَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ (لَا جَائِزٌ) لِيُصَرِّحَ بِمُقَابِلِ الْأَظْهَرِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ كَعَقْدِ الْجَعَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ كَرَدِّ الْآبِقِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِعِوَضٍ مِنْهُمَا بِمُحَلِّلٍ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَجَائِزٌ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَزَيْفٌ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعَقْدِ اعْتِبَارُ الْإِيجَازِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا، وَعَلَى لُزُومِهِ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) إذَا الْتَزَمَا الْمَالَ، وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ (فَسْخُهُ) لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ نَعَمْ إنْ بَانَ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ عَيْبٌ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ (وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِيهِ (وَ) لَا (بَعْدَهُ) فَاضِلًا كَانَ أَوْ مَفْضُولًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِي الْفَاضِلِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْآخَرُ وَيَسْبِقَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَةُ اللُّزُومِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ وَيَسْبِقَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّ نَفْسِهِ (وَلَا زِيَادَةٌ وَ) لَا (نَقْصٌ فِيهِ) أَيْ الْعَمَلِ (وَلَا فِي مَالٍ) مُلْتَزَمٍ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَيَسْتَأْنِفَا عَقْدًا جَدِيدًا إنْ وَافَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ، وَعَلَى الْجَوَازِ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلِغَيْرِهِ الْفَسْخُ بِلَا عَيْبٍ كَالْمُحَلِّلِ. (وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ) أَيْ شُرُوطُهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا عَشَرَةٌ أَوَّلُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عُدَّةً لِلْقِتَالِ كَمَا مَرَّ. ثَانِيهَا (عِلْمُ الْمَوْقِفِ) الَّذِي يَبْتَدِئَانِ الْجَرْيَ مِنْهُ (وَ) عِلْمُ (الْغَايَةِ) الَّتِي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ الْغَايَةَ صُورَتَانِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ إمَّا بِتَعْيِينِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَإِمَّا مَسَافَةٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا مَذْرُوعَةٍ أَوْ مَشْهُورَةٍ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُعَيِّنَا الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ، وَيَقُولَا إنْ اتَّفَقَ السَّبْقُ عِنْدَهَا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَغَايَتُنَا مَوْضِعُ كَذَا فَيَجُوزُ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا غَايَةً وَشَرَطَا الْمَالُ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (وَ) ثَانِيهمَا (تَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا) أَيْ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، فَلَوْ شُرِطَ تَقَدُّمُ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَقَدُّمُ غَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ فَرُوسِيَّةِ الْفَارِسَيْنِ وَجَوْدَةُ جَرْيِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبْقُ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الدَّابَّةِ (وَ) ثَالِثُهَا (تَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ) مَثَلًا لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ سَيْرِهِمَا، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعْيِينَ، وَيَكْفِي وَصْفُهُمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكْفِي وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ (وَيَتَعَيَّنَانِ) بِالتَّعَيُّنِ، فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُمَا وَلَا أَحَدِهِمَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، فَإِنْ وَقَعَ هَلَاكٌ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ الْمَوْصُوفِ كَالْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 169 وَإِمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ. وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا. وَمِنْ أَحَدِهِمَا فَيَقُولُ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْمَوْتِ ذَهَابُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ الْعَمَى (وَ) رَابِعُهَا (إمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْفَرَسَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ، أَوْ فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لَمْ يَجُزْ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْإِمْكَانِ الْغَالِبُ، فَإِنْ أَمْكَنَ نَادِرًا لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَلَا بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا بَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَقَارُبِهِمَا، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِ كَعَتِيقٍ وَهَجِينٍ مِنْ الْخَيْلِ، وَنَجِيبٍ وَبُخْتِيٍّ مِنْ الْإِبِلِ، وَخَامِسُهَا أَنْ يَرْكَبَا الْمَرْكُوبَيْنِ وَلَا يُرْسِلَاهُمَا، فَلَوْ شَرَطَا إرْسَالَهُمَا لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْفِرَانِ بِهِ وَلَا يَقْصِدَانِ الْغَايَةَ بِخِلَافِ الطُّيُورِ إذَا جَوَّزْنَا الْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ لَهَا هِدَايَةً إلَى قَصْدِ الْغَايَةِ، وَسَادِسُهَا أَنْ يَقْطَعَ الْمَرْكُوبَانِ الْمَسَافَةَ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِلَا انْقِطَاعٍ وَتَعَبٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، وَسَابِعُهَا تَعَيُّنُ الرَّاكِبَيْنِ، فَلَوْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُرْكِبَ دَابَّتَهُ مَنْ شَاءَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرَّاكِبَانِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّاكِبِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَثَامِنُهَا الْمَالُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ بَعْضُهُ كَذَا وَبَعْضُهُ كَذَا، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَفَتْ رُؤْيَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ بِغَيْرِ مَالٍ كَكَلْبٍ، وَلَا مَالٌ مَجْهُولٌ كَثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَالٌ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَاهُ عِوَضًا جَازَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. (وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ) أَيْ إخْرَاجُهُ فِي الْمُسَابَقَةِ (مِنْ غَيْرِهِمَا) أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ (بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ) وَأَخْصَرُ وَأَشْمَلُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ (مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ) كَذَا هَذَا مَقُولُ الْإِمَامِ، وَيَكُونُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (أَوْ) مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا (فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا) هَذَا مَقُولُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِ الْفُرُوسِيَّةِ وَإِعْدَادِ أَسْبَابِ الْقِتَالِ؛ وَلِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي طَاعَةٍ. (وَ) يَجُوزُ أَيْضًا شَرْطُ الْمَالِ (مِنْ أَحَدِهِمَا) فَقَطْ (فَيَقُولُ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك) لِانْتِفَاءِ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَاسِعُهَا: الْمُحَلِّلُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِنْ شَرَطَ) أَيْ شَرَطَا فِي عَقْدِ الْمُسَابَقَةِ (أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ) هَذَا الشَّرْطُ (إلَّا بِمُحَلِّلٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ بِخَطِّهِ مَنْ أَحَلَّ جَعَلَ الْمُمْتَنِعَ حِلًّا؛ لِأَنَّهُ يُحِلُّ الْعَقْدَ يُخْرِجُهُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ (فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا) يَغْنَمُ إنْ سَبَقَ، وَلَا يَغْرَمُ إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 170 فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ، وَإِنْ جَاءَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ، وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ، وَقِيلَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا، وَشُرِطَ لِلثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ، وَدُونُهُ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] سُبِقَ، فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَفَرَسَيْهِمَا عَمَّا لَوْ كَانَ ضَعِيفًا عَنْهُمَا أَوْ أَفْرَهَ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَالْكُفْءُ مُثَلَّثُ الْكَافِ الْمُسَاوِي وَالنَّظِيرُ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مُحَلِّلٌ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، بَلْ يَكْفِي الْمُحَلِّلُ لِجَمَاعَةٍ وَإِنْ كَثُرُوا، وَقَوْلُهُ فَرَسُهُ مِثَالٌ، فَإِنَّ كُلَّ مَا تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ لِلْمُحَلِّلِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَهُ أَرْبَعَةٌ، هَذَا، وَأَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْعَقْدِ كَفَرَسَيْهِمَا، وَأَنْ لَا يُخْرِجَ شَيْئًا، وَأَنْ يَأْخُذَ إنْ سَبَقَ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَأْخُذَ لَمْ يُخْرِجْ، وَهَذَا الرَّابِعُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ) سَوَاءٌ أَجَاءَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا لِسَبْقِهِ لَهُمَا (وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ) لِعَدَمِ سَبْقِهِ لَهُمَا وَعَدَمِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ (وَإِنْ جَاءَ) الْمُحَلِّلُ (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ (فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ (وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ) عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَقَاهُ (وَقِيلَ هُوَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ) اقْتِصَارًا لِتَحْلِيلِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) لِسَبْقِهِ الِاثْنَيْنِ، وَالثَّانِي لَهُ وَلِلْمُحَلِّلِ لِسَبْقِهِمَا الْآخَرَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجُوزُ مَا أَخْرَجَهُ. تَنْبِيهٌ: الصُّوَرُ الْمُمْكِنَةُ فِي الْمُحَلِّلِ ثَمَانِيَةٌ: أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، أَوْ يَسْبِقَاهُ وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، أَوْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونَ مَعَ أَوَّلِهِمَا أَوْ ثَانِيهِمَا أَوْ يَجِيءَ الثَّلَاثَةُ مَعًا، وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ. (وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا) وَبَاذِلُ الْمَالِ غَيْرُهُمْ (وَشُرِطَ لِلثَّانِي) مِنْهُمْ (مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجْتَهِدُ فِي السَّبْقِ لِوُثُوقِهِ بِالْمَالِ سَبَقَ أَوْ لَمْ يَسْبِقْ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ وَيَسْعَى أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا، فَإِنْ شُرِطَ لِلثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ الْكُلُّ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْفِسْكِلُ وَهُوَ الْأَخِيرُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاوِيَ مَنْ قَبْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ لَهُ دُونَ مَا شُرِطَ لِمَنْ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ (وَ) إنْ شُرِطَ لِلثَّانِي مِنْهُمْ (دُونَهُ) أَيْ أَقَلُّ مِنْ الْأَوَّلِ (يَجُوزُ) بَلْ يُسْتَحَبُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ لِيَفُوزَ بِالْأَكْثَرِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ يَكْسَلُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفُوزُ بِشَيْءٍ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَلَوْ كَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا وَشُرِطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِوَى الْفِسْكِلِ مِثْلُ الْمَشْرُوطِ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَامْتَنَعَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَعَاشِرُهَا اجْتِنَابُ شَرْطٍ مُفْسِدٍ، فَإِنْ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 171 وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ، وَخَيْلٍ بِعُنُقٍ، وَقِيلَ بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا. وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ مُبَادَرَةٌ   [مغني المحتاج] إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ بِشَرْطِ أَنْ تُطْعِمَهُ أَصْحَابَك فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ. تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَلَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَسْمَاءِ خَيْلِ السِّبَاقِ، وَعَدَّهَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَشَرَةً، نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَهِيَ مُجَلٌّ وَمُصَلٍّ تَالِي ... وَالْبَارِعُ الْمُرْتَاحُ بِالتَّوَالِي ثُمَّ حَظِيٌّ عَاطِفٌ وَمُؤَمَّلُ ... ثُمَّ السُّكَيْتُ وَالْأَخِيرُ الْفِسْكِلُ وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ: وَجُمْلَةُ خَيْلِ السَّبْقِ تُسْمَى بِحِلْيَةٍ ... وَتَرْتِيبُهَا مِنْ بَعْدِ ذَا أَنَا وَاصِفُ مُجَلٌّ مُصَلٍّ ثُمَّ تَالٍ فَبَارِعُ ... فَمُرْتَاجُهَا ثُمَّ الْحَظِيُّ فَعَاطِفُ مُؤَمَّلُهَا ثُمَّ اللَّطِيمُ سُكَيْتُهَا ... وَالْآتِي أَخِيرًا فُسْكُلٌ وَهُوَ تَائِفُ وَالْفِسْكِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ، وَيُقَالُ بِضَمِّهِمَا، وَيُقَالُ فِيهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ حَادِيَ عَشَرَ سَمَّاهُ الْمُقَرْدِحَ، وَالْفُقَهَاءُ قَدْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى رِكَابِ الْخَيْلِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ السَّبْقُ، فَقَالَ (وَسَبْقُ إبِلٍ) أَيْ وَنَحْوِهَا كَفِيَلَةٍ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (بِكَتِفٍ) وَعَبَّرَ فِيهَا كَأَصْلِهَا تَبَعًا لِلنَّصِّ، وَالْجُمْهُورُ بِكَتَدٍ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَهُوَ مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ، يُسَمَّى الْكَاهِلَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْ الرُّبَيِّعِ أَنَّهُ الْكَتِفُ وَلِكَوْنِهِ أَشْهَرَ مِنْ الْكَتَدِ، عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْكَتَدُ هُوَ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ وَالظَّهْرِ، وَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَ) سَبْقُ (خَيْلٍ) أَيْ وَنَحْوِهَا كَبِغَالٍ (بِعُنُقٍ) فَمَتَى سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِكَتِفِهِ أَوْ عُنُقِهِ أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ الْغَايَةِ فَهُوَ السَّابِقُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرْفَعُ أَعْنَاقَهَا فِي الْعَدْوِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا، وَالْخَيْلُ تَمُدُّهَا فَاعْتُبِرَ بِهَا تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا اسْتَوَى الْفَرَسَانِ فِي خِلْقَةِ الْعُنُقِ طُولًا وَقِصَرًا، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَسَبَقَ الْأَقْصَرُ عُنُقًا أَوْ الْأَطْوَلُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ السَّابِقُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ رَفَعَتْ الْخَيْلُ أَعْنَاقَهَا فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَالْإِبِلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْفُورَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (وَقِيلَ) يُعْتَبَرُ السَّبْقُ (بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا) أَيْ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَدْوَ بِالْقَوَائِمِ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ عِنْدَ الْإِمَامِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُطْلِقَا الْعَقْدَ بَلْ شَرَطَا فِي السَّبْقِ أَقْدَامًا مَعْلُومَةً، فَإِنَّ السَّبْقَ لَمْ يَحْصُلْ بِمَا دُونَهَا، وَلَوْ سَبَقَ وَاحِدٌ فِي وَسَطِ الْمَيْدَانِ وَالْآخَرُ فِي آخِرِهِ فَهُوَ السَّابِقُ، وَلَوْ عَثَرَ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ أَوْ وَقَفَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَتَقَدَّمَ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ سَابِقًا أَوْ بِلَا عِلَّةٍ فَمَسْبُوقٌ لَا إنْ وَقَفَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ، وَيُسَنُّ جَعْلُ قَصَبَةٍ فِي الْغَايَةِ يَأْخُذُهَا السَّابِقُ لِيَظْهَرَ سَبْقُهُ. (وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ) أَيْ لِصِحَّتِهَا (بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ) فِيهَا (مُبَادَرَةٌ) ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 172 وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ، أَوْ مُحَاطَّةٌ، وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا، وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ فَمَنْ زَادَ بِعَدَدِ كَذَا فَنَاضِلٌ، وَبَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ، وَمَسَافَةِ الرَّمْيِ،   [مغني المحتاج] وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَيْ يَسْبِقَ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ (بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ) مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ، فَمَنْ أَصَابَهُ نَاضِلٌ لِمَنْ أَصَابَ أَرْبَعَةً مِنْ عِشْرِينَ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْهَا خَمْسَةً فَلَا نَاضِلَ مِنْهُمَا (أَوْ) بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ فِي الْمُنَاضَلَةِ (مُحَاطَّةٌ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ (وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا) مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَرْمِي عِشْرِينَ مَثَلًا (وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ) أَيْ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنْ الْإِصَابَاتِ (فَمَنْ زَادَ) فِيهَا (بِعَدَدِ كَذَا) كَخَمْسٍ (فَنَاضِلٌ) لِلْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعِشْرِينَ خَمْسَةً وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرُ شَيْئًا، فَهَلْ يُقَالُ الْأَوَّلُ نَاضِلٌ أَوْ لَا؟ إنْ قِيلَ نَعَمْ انْتَقَضَ حَدُّ الْمُحَاطَّةِ لِكَوْنِهَا لَا تُقَابَلُ وَلَا طَرْحَ، وَإِنْ قِيلَ لَا اُحْتِيجَ إلَى نَقْلٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا النَّضْلَ بِوَاحِدَةٍ وَطُرِحَ الْمُشْتَرَكُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْمُحَاطَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ وَلَيْسَ مُرَادًا تَنْبِيهٌ: مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعَرُّضِ لِكَوْنِ الرَّمْيِ مُبَادَرَةً أَوْ مُحَاطَّةً تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِأَنَّهَا الْغَالِبُ مِنْ الْمُنَاضَلَةِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ عَدَدِ الرَّمْيِ فِي عَقْدِ مُحَاطَّةٍ أَوْ مُبَادَرَةٍ إلَّا إذَا تَوَافَقَا عَلَى رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَرَطَا الْمَالَ لِمُصِيبِهَا فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ (وَ) يُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ مُبَادَرَةً أَوْ مُحَاطَّةً (بَيَانُ عَدَدِ نُوَّابِ الرَّمْيِ) بَيْنَ الرَّامِيَيْنِ لِيَنْضَبِطَ الْعَمَلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُنَاضَلَةَ كَالْمَيْدَانِ فِي الْمُسَابَقَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا رَمْيَ سَهْمٍ سَهْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا تَقَدُّمَ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ سِهَامِهِ، وَلَوْ أَطْلَقَا صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى رَمْيِ سَهْمٍ سَهْمٍ. كَذَا قَالَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَيَانَ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَا سَهْمًا سَهْمًا صَحَّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ (وَ) بَيَانُ عَدَدِ (الْإِصَابَةِ) كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِصَابَةِ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ حِذْقُ الرَّامِي وَجَوْدَةُ رَمْيِهِ تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إنْ امْتَنَعَتْ الْإِصَابَةُ عَادَةً لِصِغَرِ الْغَرَضِ أَوْ كَثْرَةِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ كَعَشَرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ نَدَرَتْ كَإِصَابَةِ تِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ تُيُقِّنَتْ كَإِصَابَةِ حَاذِقٍ وَاحِدٍ مِنْ مِائَةٍ، وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ عَدَدِ الْإِصَابَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَا نَرْمِي عَشَرَةً، فَمَنْ أَصَابَ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ فَنَاضِلٌ لَا يَكْفِي، وَجَزَمَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَ) بَيَانُ (مَسَافَةِ الرَّمْيِ) وَهِيَ مَا بَيْنَ مَوْقِفِ الرَّامِي وَالْغَرَضِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا، وَبَيَانُهَا إمَّا بِالذُّرْعَانِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ غَالِبَةٌ، وَإِلَّا فَيَنْزِلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 173 وَقَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا إلَّا أَنْ يَعْقِدَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ مِنْ قَرْعٍ، وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ بِلَا خَدْشٍ، أَوْ خَزْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ خَسْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ مَرْقٍ، وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ،   [مغني المحتاج] هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَوْ تَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا، وَلَمْ يَقْصِدَا غَرَضًا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُرَاعَى لِلْبُعْدِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي شِدَّةِ الْقَوْسِ وَرَزَانَةِ السَّهْمِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوُصُولُ إلَى الْغَرَضِ مُمْكِنًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِصَابَةُ فِيهَا نَادِرَةً عَلَى الْأَرْجَحِ قَالَا: وَقَدَّرَ الْأَصْحَابُ الْمَسَافَةَ الَّتِي يَقْرُبُ تَوَقُّعُ الْإِصَابَةِ فِيهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَمَا يَتَعَذَّرُ فِيهَا بِمَا فَوْقَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَمَا يَنْدُرُ فِيهَا بِمَا بَيْنَهُمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي مَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (وَ) بَيَانُ (قَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا) وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ (إلَّا أَنْ يَعْقِدَ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِخَطِّهِ (بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ) وَلَا يُحْتَاجُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْغَرَضِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَسَافَةِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي عَوْدُهُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَعْنِي مَسَافَةَ الرَّمْيِ وَقَدْرَ الْغَرَضِ لِيُوَافِقَ تَرْجِيحَ الرَّوْضَةِ الْمُتَقَدِّمَ، وَالْغَرَضُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُرْمَى إلَيْهِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ قِرْطَاسٍ، وَالْهَدَفُ مَا يُرْفَعُ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْغَرَضُ وَالرُّقْعَةُ عَظْمٌ وَنَحْوُهُ يُجْعَلُ وَسَطَ الْغَرَضِ، وَالدَّارَةُ نَقْشٌ مُسْتَدِيرٌ كَالْقَمَرِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهِ قَدْ يُجْعَلُ بَدَلَ الرُّقْعَةِ فِي وَسَطِ الْغَرَضِ أَوْ الْخَاتَمِ وَهُوَ نَقْشٌ فِي وَسَطِ الدَّارَةِ، وَقَدْ يُقَالُ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالرُّقْعَةُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْإِصَابَةِ مَعْلُومًا هَلْ هُوَ الْهَدَفُ وَالْغَرَضُ أَوْ الدَّارَةُ؟ فَإِنْ أُغْفِلَ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْغَرَضِ مَحِلًّا لِلْإِصَابَةِ، وَإِنْ شُرِطَتْ الْإِصَابَةُ فِي الْهَدَفِ وَهُوَ تُرَابٌ يُجْمَعُ أَوْ حَائِطٌ يُبْنَى سَقَطَ اعْتِبَارُ الْغَرَضِ، وَلَزِمَ وَصْفُ الْهَدَفِ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ، أَوْ فِي الْغَرَضِ لَزِمَهُ وَصْفُهُ أَوْ فِي الدَّارَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْغَرَضِ، وَلَزِمَ وَصْفُ الدَّارَةِ اهـ. وَلَوْ شَرَطَ إصَابَةَ الْخَاتَمِ أُلْحِقَ بِالنَّادِرِ (وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ) أَيْ كَيْفِيَّتَهُ وَإِصَابَةَ الْغَرَضِ (مِنْ قَرْعٍ) بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَرْعِهِ الْغَرَضَ (وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ الْغَرَضُ الَّذِي تُقْصَدُ إصَابَتُهُ، وَأَصْلُهُ الْجِلْدُ الْبَالِي، وَقِيلَ هُوَ جِلْدَةٌ تُلْصَقُ عَلَى وَجْهِ الْهَدَفِ (بِلَا خَدْشٍ) لَهُ (أَوْ) مِنْ (خَزْقٍ) بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ (وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ) أَيْ السَّهْمُ الشَّنَّ (وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ) بِأَنْ يَعُودَ (أَوْ) مِنْ (خَسْقٍ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ (وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ) وَلَوْ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ النَّصْلِ أَوْ مَعَ وُقُوعِهِ فِي ثُقْبٍ قَدِيمٍ، وَلَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَخْرِقُ لَوْ أَصَابَ مَوْضِعًا صَحِيحًا (أَوْ) مِنْ (مَرْقٍ) بِسُكُونِ الرَّاءِ (وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ) وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشَّنِّ الْمُعَلَّقِ اهـ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهَا وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ الْخَرْمَ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 174 فَإِنْ أَطْلَقَا اقْتَضَى الْقَرْعَ، وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ وَبِشَرْطِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْم، فَإِنْ عُيِّنَ لَغَا، وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ بِالرَّمْيِ.   [مغني المحتاج] يُصِيبَ طَرَفَ الْغَرَضِ فَيَخْرِمَهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ صِفَةٌ لَهَا لَا لِلرَّمْيِ فَعَجَبٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا فِي الْكِتَابِ، فَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ مُرَادًا مُطْلَقًا، بَلْ كُلُّ صِفَةٍ يُغْنِي عَنْهَا مَا بَعْدَهَا، فَالْقَرْعُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَزْقُ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْخَزْقُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَسْقُ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ الْخَزْقِ وَالْخَسْقِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ وَالْأَزْهَرِيِّ حَيْثُ جَعَلَا الْخَازِقَ بِالزَّايِ لُغَةً فِي الْخَاسِقِ بِالسِّينِ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ هُوَ عُرْفُ الرُّمَاةِ (فَإِنْ أَطْلَقَا) الْعَقْدَ كَفَى، وَ (اقْتَضَى الْقَرْعَ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ (وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ) أَيْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي (يَجُوزُ) مِنْهَا (عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ) فَيُخْرِجُ عِوَضَ الْمُنَاضَلَةِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ، أَوْ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَيَقُولُ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ ارْمِيَا كَذَا، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ كَذَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا نَرْمِي كَذَا فَإِنْ أَصَبْت أَنْتَ مِنْهَا كَذَا فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ أَصَبْتهَا أَنَا فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَبِشَرْطِهِ) إلَى أَنَّ الْعِوَضَ إذَا شَرَطَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ يَكُونُ رَمْيُهُ كَرَمْيِهِمَا فِي الْقُوَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ يَأْخُذُ مَالَهُمَا إنْ غَلَبَهُمَا وَلَا يَغْرَمُ إنْ غُلِبَ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي الْمُنَاضَلَةِ (تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْمٍ) لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الرَّامِي بِخِلَافِ الْمَرْكُوبِ فِي الْمُسَابَقَةِ (فَإِنْ عُيِّنَ) شَيْءٌ مِنْهُمَا (لَغَا) ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ (وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ) مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ سَوَاءٌ أَحَدَثَ فِيهِ خَلَلٌ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْمَرْكُوبِ كَمَا مَرَّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ " بِمِثْلِهِ " عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ كَالْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالرِّضَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِهِ أَرْمَى (فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَفْسَدَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الرَّامِي، فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ أَحْوَالٌ خَفِيَّةٌ تُحْوِجُهُ إلَى الْإِبْدَالِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعٍ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الرَّامِي كَمَا مَرَّ، فَإِذَا أَطْلَقَا صَحَّ الْعَقْدُ، ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى نَوْعٍ فَذَاكَ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ جَانِبٍ وَآخَرَ مِنْ جَانِبٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ، وَلَا تَتَنَاوَلُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الصُّورَةَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَغَا وَمَا بَعْدَهُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي تَعْيِينِ النَّوْعِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ النَّوْعَ، أَمَّا اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَيُشْتَرَطُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَسِهَامٍ مَعَ رِمَاحٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ) مِنْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ (بِالرَّمْيِ) لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فِيهِ حَذَرًا مِنْ اشْتِبَاهِ الْمُصِيبِ بِالْمُخْطِئِ كَمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَاهُ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَالثَّانِي، لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 175 وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ يَخْتَارَانِ أَصْحَابًا جَازَ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ اخْتَارَ غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ   [مغني المحتاج] وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَيْهِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَةٍ لَهُ تَأَخَّرَ عَنْ الْآخَرِ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ شُرِطَ تَقْدِيمُهُ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُنَاضَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي وَالرَّمْيُ فِي غَيْرِ النَّوْبَةِ لَاغٍ، وَلَوْ جَرَى بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَا تُحْسَبُ الزِّيَادَةُ لَهُ إنْ أَصَابَ، وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَوْقِفِ، فَلَوْ شُرِطَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ لِلْغَرَضِ فَسَدَ الْعَقْدُ. (وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ) تَثْنِيَةُ زَعِيمٍ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ (يَخْتَارَانِ) قَبْلَ عَقْدِهِمَا مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ (أَصْحَابًا) أَيْ حِزْبًا، وَكَانَ انْتِصَابُهُمَا بِرِضَا ذَلِكَ الْجَمْعِ (جَازَ) وَيَكُونُ كُلُّ حِزْبٍ فِي الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَحَدَ الْجَمَاعَةِ، وَلِلْجَوَازِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ حِزْبٍ زَعِيمٌ، فَلَا يَكْفِي زَعِيمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى وَاحِدٌ طَرَفَيْ الْبَيْعِ. الثَّانِي تَعْيِينُ الْأَصْحَابِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَيَخْتَارَانِ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الْعَدَدُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمْعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا لِئَلَّا يَأْخُذَ الْحُذَّاقَ. الثَّالِثُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الْحِزْبَيْنِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْعَدَدِ، بَلْ لَوْ رَمَى وَاحِدٌ سَهْمَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ اثْنَيْنِ جَازَ. الرَّابِعُ إمْكَانُ قِسْمَةِ السِّهَامِ عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ، فَإِنْ تَحَزَّبُوا ثَلَاثَةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ لِلسِّهَامِ ثُلُثٌ صَحِيحٌ كَالثَّلَاثِينَ، وَإِنْ تَحَزَّبُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعٌ صَحِيحٌ كَالْأَرْبَعِينَ، وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَمَنْ أَحَدِهِمَا، وَمِنْهُمَا، لَكِنْ بِمُحَلِّلٍ، وَهُوَ حِزْبٌ ثَالِثٌ يُكَافِئُ كُلَّ حِزْبٍ فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا) أَيْ الْأَصْحَابِ (بِقُرْعَةٍ) وَلَا أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمِيعَ الْحِزْبِ أَوَّلًا، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ أَوْ الَّذِي اخْتَارَهُ قَدْ يَجْمَعُ الْحُذَّاقَ فِي جَانِبٍ وَضِدَّهُمْ فِي الْآخَرِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الزَّعِيمَانِ فِيمَنْ يَخْتَارُ أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ ضُمَّ حَاذِقٌ إلَى غَيْرِهِ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَأُقْرِعَ فَلَا بَأْسَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ رَضِيَا بِمَنْ أَخْرَجَتْهُ، وَعَقَدَا عَلَيْهِ يَنْبَغِي جَوَازُهُ اهـ. وَبَعْدَ تَمْيِيزِ الْأَصْحَابِ وَتَرَاضِي الْحِزْبَيْنِ يَتَوَكَّلُ كُلُّ زَعِيمٍ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْعَقْدِ وَيَعْقِدَانِ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ يَرْمِي مَعَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا يَعْرِفُهُ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مَعْرِفَةُ الزَّعِيمَيْنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْرِفَ الْأَصْحَابُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، وَابْتِدَاءُ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ كَابْتِدَاءِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ فُلَانٌ وَيُقَابِلَهُ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ فُلَانٌ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ كُلِّ حِزْبٍ إلَى زَعِيمِهِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّعِيمِ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْحِزْبِ رَامِيًا، بَلْ تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ، وَلِهَذَا قَالَ (فَإِنْ اخْتَارَ) زَعِيمٌ (غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ) أَيْ لَمْ يُحْسِنْ رَمْيًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 176 بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي قَوْلَا الصَّفْقَةِ، فَإِنْ صَحَّحْنَا فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَدَ الْعَقْدُ. وَإِذَا نَضَلَ حِزْبٌ قُسِمَ الْمَالُ بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ، وَقِيلَ بِالسَّوِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ،   [مغني المحتاج] أَصْلًا (بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ) بِإِزَائِهِ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي، كَمَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ (وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي) مِنْ الْحِزْبَيْنِ (قَوْلَا) تَفْرِيقِ (الصَّفْقَةِ) أَظْهَرُهُمَا تُفَرَّقُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ (فَإِنْ صَحَّحْنَا) الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِلتَّبْعِيضِ (فَإِنْ أَجَازُوا) الْعَقْدَ (وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ) أَيْ فِي تَعْيِينِ مَنْ (يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَدَ الْعَقْدُ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ، هَذَا إذَا قُلْنَا سَقَطَ وَاحِدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ، وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ كَمَا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ الَّذِي عَيَّنَهُ الزَّعِيمُ فِي مُقَابَلَتِهِ، لِأَنَّ أَحَدَ الزَّعِيمَيْنِ يَخْتَارُ وَاحِدًا، وَيَخْتَارُ الْآخَرُ وَاحِدًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ مَعَ الْإِبْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عُذْرٌ عَظِيمٌ اهـ. وَعَلَى هَذَا لَا فَسْخَ وَلَا مُنَازَعَةَ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مُقَابِلُهُ، أَمَّا إذَا بَانَ ضَعِيفَ الرَّمْيِ أَوْ قَلِيلَ الْإِصَابَةِ فَلَا فَسْخَ، وَلَوْ بَانَ فَوْقَ مَا ظَنُّوهُ فَلَا فَسْخَ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ، وَلَوْ اخْتَارَ مَجْهُولًا ظَنَّهُ غَيْرَ رَامٍ فَبَانَ رَامِيًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ أَيْضًا. . تَنْبِيهٌ لَوْ تَنَاضَلَ غَرِيبَانِ لَا يَعْرِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ جَازَ، فَإِنْ بَانَا غَيْرَ مُتَكَافِئَيْنِ فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي الْبُطْلَانُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الشَّرْطِ (وَإِذَا نَضَلَ) أَيْ غَلَبَ فِي الْمُنَاضَلَةِ (حِزْبٌ) مِنْ الْحِزْبَيْنِ الْآخَرَ (قُسِّمَ الْمَالُ) الْمَشْرُوطُ (بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ) لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِهَا، فَمَنْ لَا إصَابَةَ لَهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ أَخَذَ بِحَسَبِ إصَابَتِهِ (وَقِيلَ) يُقْسَمُ الْمَالُ (بِالسَّوِيَّةِ) بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا أَنَّ الْمَنْضُولِينَ يَغْرَمُونَ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْأَشْبَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْأَشْبَهَ الْأَوَّلُ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ سَبْقُ قَلَمٍ تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَقْسِمُوا عَلَى الْإِصَابَةِ فَالشَّرْطُ مُتَّبَعٌ، وَلَوْلَا أَنَّ الْخِلَافَ مُحَقَّقٌ لَأَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى هَذَا (وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ لَا بِالْفَوْقِ مَثَلًا وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَتَرِ مِنْ السَّهْمِ، فَإِنْ أَصَابَ حُسِبَ عَلَيْهِ، لَا لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 177 فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ أَوْ قَوْسٌ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ بِهِ حُسِبَ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ. وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ فَثَقَبَ وَثَبَتَ ثُمَّ سَقَطَ، أَوْ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: النَّضْلُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِالْمُهْمَلَةِ: أَيْ بِطَرَفِ النَّصْلِ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّكَبَاتِ الَّتِي تَطْرَأُ عِنْدَ الرَّمْيِ وَتُشَوِّشُهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّهْمَ مَتَى وَقَعَ مُتَبَاعِدًا عَنْ الْغَرَضِ تَبَاعُدًا مُفْرِطًا إمَّا مُقَصِّرًا عَنْهُ أَوْ مُجَاوِزًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِسُوءِ الرَّمْيِ حُسِبَ عَلَى الرَّامِي وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ السَّهْمُ لِيَرْمِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِنَكْبَةٍ عَرَضَتْ أَوْ خَلَلٍ فِي آلَةِ الرَّمْيِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ (فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ) بِانْقِطَاعِهِ حَالَ رَمْيِهِ (أَوْ قَوْسٌ) بِانْكِسَارِهِ حَالَ رَمْيِهِ، لَا بِتَقْصِيرِهِ وَسُوءِ رَمْيِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ) كَحَيَوَانٍ (انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْغَرَضَ (حُسِبَ لَهُ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ مَعَ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُصِبْ الْغَرَضَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ (لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ) لِعُذْرِهِ فَيُعِيدُ رَمْيَهُ، فَإِنْ قَصَّرَ أَوْ أَسَاءَ رَمْيَهُ حُسِبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ نِصْفَيْنِ بِلَا تَقْصِيرٍ فَأَصَابَ إصَابَةً شَدِيدَةً بِالنِّصْفِ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ مَعَ الِانْكِسَارِ يَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَغَايَةِ الْحِذْقِ بِخِلَافِ إصَابَتِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لَا يُحْسَبُ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ انْكِسَارٌ، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالشَّدِيدَةِ أَنَّ الضَّعِيفَةَ لَا تُحْسَبُ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهَا تُحْسَبُ، وَإِنْ أَصَابَ بِالنِّصْفَيْنِ حُسِبَ ذَلِكَ إصَابَةً وَاحِدَةً كَالرَّمْيِ دَفْعَةً بِسَهْمَيْنِ إذَا أَصَابَ بِهِمَا، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ فَانْدَلَقَ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ. وَلَوْ سَقَطَ السَّهْمُ بِالْإِغْرَاقِ مِنْ الرَّامِي بِأَنْ بَالَغَ بِالْمَدِّ حَتَّى دَخَلَ النَّصْلُ مِقْبَضَ الْقَوْسِ، وَوَقَعَ السَّهْمُ عِنْدَهُ فَكَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ وَانْكِسَارِ الْقَوْسِ، لِأَنَّ سُوءَ الرَّمْيِ أَنْ يُصِيبَ غَيْرَ مَا قَصَدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا (وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ) فِيمَا إذَا كَانَ 973 الشَّرْطُ الْقَرْعَ (فَأَصَابَ) السَّهْمُ (مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ) عَنْ إصَابَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ الْخَزْقَ فَثَبَتَ السَّهْمُ وَالْوَضْعُ فِي صَلَابَةِ الْغَرَضِ حُسِبَ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُصِبْ مَوْضِعَهُ (فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ) إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الْعَارِضِ قَالَ الشَّارِحُ وَمَا بَعْدُ لَا مَزِيدَ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَوْ أَصَابَ الْغَرَضَ، فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ، لَا لَهُ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ اهـ. دُفِعَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ إصَابَةِ الْغَرَضِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ يُحْسَبُ عَلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى إذَا لَمْ يُصِبْهُ وَوَجْهُ الدَّفْعِ إمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَرَأَتْ الرِّيحُ بَعْدَ رَمْيِهِ فَنَقَلَتْ الْغَرَضَ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، وَالرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا نَقَلَتْهُ قَبْلَ رَمْيِهِ فَنُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ، فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَلَفِ وَتَرٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ بِخِلَافِ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. (وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ) فَرَمَى أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ السَّهْمَ (فَثَقَبَ وَثَبَتَ، ثُمَّ سَقَطَ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 178 لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ حُسِبَ لَهُ.   [مغني المحتاج] لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ) وَلَوْ بِلَا ثَقْبٍ (حُسِبَ لَهُ) لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، فَلَوْ خَدَشَهُ وَلَمْ يَثْقُبْهُ فَلَيْسَ بِخَاسِقٍ، وَكَذَا إنْ ثَقَبَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَظْهَرِ. خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْغَرَضِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ إصَابَةٍ وَخَطَإٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْدَحَا الْمُصِيبَ، وَلَا أَنْ يَذُمَّا الْمُخْطِئَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالنَّشَاطِ، وَتَنْفَسِخُ الْمُنَاضَلَةُ بِمَوْتِ الرَّامِي كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الْمُسَابَقَةِ بِمَوْتِ الْفَرَسِ، لَا بِمَوْتِ الْفَارِسِ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهَا عَلَى الْفَرَسِ، وَيَتَوَلَّى الْمُسَابَقَةَ الْوَارِثُ عَنْهُ الْخَاصُّ، وَإِلَّا فَالْعَامُّ، وَيُؤَخَّرُ الرَّمْيُ فِي الْمُنَاضَلَةِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَنْضُولُ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ حُبِسَ عَلَى ذَلِكَ وَعُزِّرَ، وَكَذَا النَّاضِلُ إنْ تَوَقَّعَ صَاحِبُهُ إدْرَاكَهُ، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ رَمْيِ صَاحِبِهِ مِنْ التَّبَاطُؤِ بِالرَّمْيِ، وَلَا يُدْهَشُ اسْتِعْجَالًا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُسَابَقَةُ أَوْ الْمُنَاضَلَةُ بِالصَّبِيِّ بِمَالِهِ وَإِنْ اسْتَفَادَ بِهِمَا التَّعَلُّمَ نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ وَقَدْ رَاهَقَ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَدْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الدِّيوَانِ وَكَذَا فِي السَّفِيهِ الْبَالِغِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، لَوْ عَقَدَا فِي الصِّحَّةِ وَدَفَعَا الْعِوَضَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَالْعِوَضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأُجْرَةِ، أَوْ عَقَدَا فِي الْمَرَضِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَعِوَضُ الْمِثْلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا وَلَا مُحَابَاةَ فِيهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ بَذْلُ مَالٍ عَلَى حَطِّ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ، وَلَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ الْمَشْرُوطِ لِأَجْنَبِيٍّ فِيمَا غَرِمَ الْمُنَاضِلُ أَوْ غَنِمَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ وَالْغُنْمَ فِي ذَلِكَ مُسَبَّبَانِ عَنْ الْعَمَلِ، وَهَذَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يَعْمَلُ، وَلَا أَنْ تُحْسَبَ لِأَحَدِهِمَا الْإِصَابَةُ بِإِصَابَتَيْنِ، وَلَا أَنْ يُحَطَّ مِنْ إصَابَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي، وَلَوْ سَأَلَ أَحَدُهُمَا وَضْعَ الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ عِنْدَ عَدْلٍ وَالْآخَرُ تَرْكَهُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ عَيْنٌ. أُجِيبَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ اخْتَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَدْلًا اخْتَارَ الْحَاكِمُ عَدْلًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ لَا؟ . وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - الثَّانِي، وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَدْلِ وَإِنْ جَرَتْ بِهَا عَادَةٌ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْغَسَّالِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْمُحَلِّلِ لَزِمَ تَوَسُّطُهُ، فَإِنْ تَنَازَعَ الْمُتَسَابِقَانِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَذِيَّةِ صَاحِبِهِ بِالتَّبَجُّحِ وَالْفَخْرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ حَمْلِ أَحَدِهِمَا فِي يَدِهِ مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَثُّ الْفَرَسِ فِي السِّبَاقِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ اللِّجَامِ، وَلَا يَجْلُبُ عَلَيْهِ بِالصِّيَاحِ لِيَزِيدَ عَدْوُهُ، لِخَبَرِ «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ» . قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذُكِرَ فِي مَعْنَى الْجَنَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْنُبُونَ الْفَرَسَ حَتَّى إذَا قَارَبُوا الْأَمَدَ تَحَوَّلُوا عَنْ الْمَرْكُوبِ الَّذِي كُرِهَ بِالرُّكُوبِ إلَى الْجَنِيبَةِ فَنَهَوْا عَنْهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 179 كتاب الإيمان   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] ِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ. وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيَمِينُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ، وَسُمِّيَ الْعُضْوُ بِالْيَمِينِ لِوُفُورِ قُوَّتِهِ، قَالَ تَعَالَى: {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] أَيْ بِالْقُوَّةِ. وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ يُقَوِّي الْحِنْثَ عَلَى الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ سُمِّيَ يَمِينًا، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تَحْفَظُ الشَّيْءَ عَلَى الْحَالِفِ، كَمَا تَحْفَظُهُ الْيَدُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ، أَوْ مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ، صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ، وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا كَمَا سَيَأْتِي، وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ، الثَّابِتُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ، لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ، وَفَارَقَ انْعِقَادَهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَامْتِنَاعَ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ، وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] وَأَخْبَارٌ مِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَحْلِفُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَوْلِهِ: «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ، قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 180 لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ، وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ.   [مغني المحتاج] قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْيَمِينُ، وَالْقَسَمُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْحَلِفُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ. تَنْبِيهٌ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ضَابِطَ الْحَالِفِ اسْتِغْنَاءً بِمَا سَبَقَ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ، وَالْأَضْبَطُ أَنْ يُقَالَ: مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا يَمِينُ اللَّغْوِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ، فَقَالَ (لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ) بِأَنْ يَحْلِفَ بِمَا مَفْهُومُهُ الذَّاتُ أَوْ الصِّفَةُ، فَالذَّاتُ (كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ) بِجَرٍّ أَوْ نَصْبٍ أَوْ رَفْعٍ، سَوَاءٌ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَالصِّفَةُ كَقَوْلِهِ (وَرَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ مَالِكِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ (وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ) أَيْ بِقُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ (وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَالْإِلَهِ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَعْقُودَةٌ بِمَنْ عَظُمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ، وَإِطْلَاقُ هَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى: فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَوَحَقِّ النَّبِيِّ، وَجِبْرِيلَ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْكَعْبَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» وَرُوِيَ " فَقَدْ أَشْرَكَ " حُمِلَ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى. (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) فِي هَذَا الْقَسَمِ (لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ غَيْرَهُ، وَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا مِنْ صَرَاحَةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَأَنَّهُ إنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ يُقْبَلْ هُوَ الْمَعْرُوفُ، لَكِنْ ذَكَرَا عِنْدَ حُرُوفِ الْقَسَمِ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَنَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا قُبِلَ مِنْهُ هُنَا إرَادَةُ غَيْرِ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْعَتَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِجْرَاءِ لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ، بِخِلَافِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَدَعْوَاهُ فِيهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَا يُقْصَدُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْيَمِينِ لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 181 وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالرَّحِيمِ، وَالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ، وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ: كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ   [مغني المحتاج] فَائِدَةٌ: التَّوْرِيَةُ فِي الْأَيْمَانِ نَافِعَةٌ، وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعَاوَى، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَمِنْ التَّوْرِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ، وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ، وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَبِالْآخِرَةِ آخِرَةَ الْإِسْلَامِ، وَمَا ذَكَرْتُ فُلَانًا: أَيْ مَا قَطَعْتُ ذَكَرَهُ، وَمَا عَرَفْتُهُ مَا جَعَلْتُ عَرِيفًا، وَمَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً: أَيْ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَمَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً: أَيْ كُبَّةً مِنْ غَزْلٍ، وَلَا فَرُّوجَةً أَيْ دُرَّاعَةً، وَلَا فِي بَيْتِي فُرُشٌ: أَيْ صِغَارُ الْإِبِلِ، وَلَا حَصِيرٌ: أَيْ الْمِلْكُ، وَمَا لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ: أَيْ سَفِينَةٌ، وَمَا عِنْدِي كَلْبٌ: أَيْ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السَّيْفِ، وَكُلُّ هَذَا يَجْمَعُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً مِنْ الْكَذِبِ» وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي الْمَعَارِيضِ مَا يُغْنِي الْمُسْلِمَ عَنْ الْكَذِبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: مَا أُحِبُّ بِمَعَارِيضِ الْكَلَامِ حُمُرَ الْوَحْشِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا سِرًّا مِنْ أَهْلِهِ، فَوَطِئَهَا لَيْلَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَكَرِهَ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُهُ. فَقَالَ: إنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ - عَلَيْهَا السَّلَامُ - كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي مَنْزِلِهِ أَحَدٌ إلَّا اغْتَسَلَ، وَاغْتَسَلَ هُوَ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ مَرْيَمُ تَغْتَسِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ،. وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ خَطَّ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا، فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَا يُرِيدُ دُخُولَهُ عَلَيْهِ قَالَ لِلْجَارِيَةِ قَوْلِي: هُوَ فِي الْمَسْجِدِ،. وَحَضَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَجْلِسَ الْمَهْدِيِّ فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ، ثُمَّ نَهَضَ وَتَرَكَ نَعْلَهُ كَالنَّاسِي لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَخَذَهُ، وَخَرَجَ فَلَمْ يَرَهُ بَعْدَهَا. (وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) وَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ مُقَيَّدًا (كَالرَّحِيمِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ) وَالْجَبَّارِ وَالْمُتَكَبِّرِ وَالْقَاهِرِ وَالْقَادِرِ وَالْحَقِّ (وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ) سَوَاءٌ أَقَصَدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ تَعَالَى. فَائِدَةٌ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ بَلْ لِلْكَمَالِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ: زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ، فِي الرُّجُولِيَّةِ، وَكَذَا هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ: أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ، وَالْعَلِيمُ: أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ، وَكَذَا تَتِمَّةُ الْأَسْمَاءِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ (غَيْرَهُ) تَعَالَى فَيُقْبَلُ، وَلَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مُقَيَّدًا: كَرَحِيمِ الْقَلْبِ، وَخَالِقِ الْكَذِبِ وَرَازِقِ الْجَيْشِ. قَالَ تَعَالَى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] وَقَالَ: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] وَرَبِّ الْإِبِلِ (وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ) تَعَالَى (وَفِي غَيْرِهِ) اسْتِعْمَالُهُ (سَوَاءٌ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ) وَكَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 182 وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةِ، وَالصِّفَةُ كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ. وَلَوْ قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ فَيَمِينٌ   [مغني المحتاج] (وَالْعَالِمِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَالْحَيِّ) الْغَنِيِّ وَالْكَرِيمِ (لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءً أَشْبَهَتْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَاهُ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ (وَالصِّفَةُ) الذَّاتِيَّةُ (كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ) تَعَالَى (وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ) بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بِالظَّاهِرِ بَدَلَ الْمُضْمَرِ فِي السِّتَّةِ؛ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْصُوفًا بِهَا فَأَشْبَهَتْ الْأَسْمَاءَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي جُمْلَتُهَا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ ثَمَانِيَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ: حَيَاةٌ وَعِلْمٌ قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ ... كَلَامٌ وَإِبْصَارٌ وَسَمْعٌ مَعَ الْبَقَا تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الصِّفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ جَمِيعُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ سَوَاءٌ الْمُشْتَقُّ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالسَّمِيعِ، وَالْبَصِيرِ، وَالْعَالِمِ، وَالْقَادِرِ، وَالْمُشْتَقُّ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِفَتَيْ الذَّاتِ، وَالْفِعْلِ أَنَّ الْأُولَى مَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَزَلِ، وَالثَّانِيَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ فِيمَا لَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ يُقَالُ: عَالِمٌ فِي الْأَزَلِ، وَلَا يُقَالُ: رَازِقٌ فِي الْأَزَلِ إلَّا تَوَسُّعًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ) أَيْ يُرِيدَ (بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ) كَمَا يُقَالُ: اغْفِرْ لَنَا عِلْمَكَ فِينَا: أَيْ مَعْلُومَك بِهِ (وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ) كَمَا يُقَالُ: اُنْظُرْ لِقُدْرَةِ اللَّهِ: أَيْ مَقْدُورِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَعْلُومِ اللَّهِ وَمَقْدُورِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَمَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ صِفَةٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَنْعَ قَوْلِهِمْ: سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ. قَالَ: لِأَنَّ التَّوَاضُعَ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا، وَلَا يُعْبَدُ إلَّا الذَّاتُ، وَمَنَعَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالْمَعْبُودُ مَجْمُوعُهُمَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ؛ إذْ يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِثْلُ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَهُوَ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: عَايَنْتُ عَظَمَةَ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءَهُ، وَيُشِيرُ إلَى أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَدْ يُرَادُ، بِالْجَلَالِ وَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ظُهُورُ أَثَرِهَا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِالْكَلَامِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ. (وَلَوْ قَالَ) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ (وَحَقِّ اللَّهِ) بِالْجَرِّ (فَيَمِينٌ) إنْ نَوَى الْيَمِينَ قَطْعًا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَمِينِ، فَنَزَلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: وَمَعْنَاهُ وَحَقِّيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ، لِأَنَّ الْحَقَّ مَا لَا يُمْكِنُ جُحُودُهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 183 إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِبَادَاتِ. وَحُرُوفُ الْقَسَمِ بَاءٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ: كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ، وَتَخْتَصُّ التَّاءُ بِاَللَّهِ تَعَالَى.   [مغني المحتاج] اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَقُّ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: 51] وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ، فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِالْحَقِّ (الْعِبَادَاتِ) الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَلَيْسَتْ صِفَةً لَهُ تَعَالَى، فَإِنْ رَفَعَ الْحَقَّ أَوْ نَصَبَهُ فَكِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ، وَالْإِلَهِيَّةِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَلَوْ حَلَفَ الْمُسْلِمُ بِآيَةٍ مَنْسُوخَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ: وَكِتَابِ اللَّهِ أَوْ قُرْآنِ اللَّهِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. قَالَا: وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَالْقُرْآنِ أَوْ الْمُثْبَتِ فِي الْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ أَوْ الصَّلَاةَ، وَبِقَوْلِهِ: وَالْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَرَقَ أَوْ الْجِلْدَ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: يَقْتَضِي كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّالِبِ الْغَالِبِ يَمِينٌ صَرِيحَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِجْلَابِ. مَنَافِعِهِ وَاسْتِدْفَاعِ مَضَارِّهِ، قَالَ: وَسَمَاعِي مِنْ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْجَمَّالِ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ خَلِيفَةِ الْحَكَمِ الْعَزِيزِ بِمِصْرَ أَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ لَا يُشْرَعُ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، وَيُوَجِّهُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ طَالِبًا غَالِبًا فَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَمْ تَرِدْ تَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ اهـ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَانَ الْجَمَالُ يَحْيَى مِنْ صُدُورِ الشَّافِعِيَّةِ نَائِبًا عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنِ رَزِينٍ، قَالَ لَهُ يَوْمًا قَاضِي الْقُضَاةِ: لَوْ أَرَدْتُ عَزَلْتُكَ قَالَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي طَاهِرٍ فَحَصَلَتْ لَهُ حَالَةٌ. فَقَالَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ يَذْكُرُهَا. فَقُلْت أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ نَائِبَ حُكْمٍ وَلَا يَعْزِلَنِي أَحَدٌ. فَقَالَ لَك ذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحُكَّامِ مِنْ تَغْلِيظِ الْأَيْمَانِ وَتَوْكِيدِهَا إذَا حَلَّفُوا الرَّجُلَ أَنْ يَقُولُوا: بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَجَازَ فِي أَسْمَائِهِ الْمُخْزِي وَالْمُضِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [التوبة: 2] وَقَالَ: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ} [المدثر: 31] . (وَحُرُوفُ الْقَسَمِ) ثَلَاثَةٌ (بَاءٌ) مُوَحَّدَةٌ (وَوَاوٌ، وَتَاءٌ) فَوْقَانِيَّةٌ لِاشْتِهَارِهَا فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا (كَ بِاَللَّهِ، وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَلِفَ نَحْوَ اللَّهِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ، وَسَيَأْتِي كِنَايَةً، وَالْأَصْلُ الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ، ثُمَّ الْوَاوُ ثُمَّ التَّاءُ الْفَوْقِيَّةُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لِإِبْدَالِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ الْوَاوِ وَالْوَاوِ مِنْ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَلِدُخُولِهَا عَلَى الْمُضْمَرِ كَالْمُظْهَرِ تَقُولُ: حَلَفْتُ بِكَ، وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَالْوَاوُ تَخْتَصُّ بِالْمُظْهَرِ (وَتَخْتَصُّ التَّاءُ) الْفَوْقِيَّةُ (بِاَللَّهِ تَعَالَى) ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لَمَّا كَانَتْ الْأَصْلُ فِي الْقَسَمِ، وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا عَنْ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ، فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ سِوَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: إنَّ التَّاءَ وَإِنْ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا فَلَمْ تَدْخُلْ إلَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 184 وَلَوْ قَالَ أَللَّهُ وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَلَوْ قَالَ أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ   [مغني المحتاج] عَلَى اسْمٍ وَاحِدٍ فَقَدْ بُورِكَ لَهَا فِي اخْتِصَاصِهَا بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ وَأَجَلِّهَا فَلَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ اللَّهِ: أَيْ لُغَةً فَلَا يُقَالُ: تَرَبِّكَ. وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: حَكَى الْأَخْفَشُ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: تَالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ شَاذًّا، فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ قُبِلَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ أَوْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَنَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ كَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ أَوْ اعْتَصَمْت أَوْ وَاَللَّهِ الْمُسْتَعَانِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَيَخْتَصُّ بِاَللَّهِ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الشَّائِعَ أَنَّ فِعْلَ الِاخْتِصَاصِ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ فِي الْمَشْهُورِ، وَذَلِكَ فِي التَّاءِ لَا فِي اللَّهِ وَإِنْ جَازَ دُخُولُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْبَاءُ وَالْوَاوُ، وَعِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ غَيْرُ التَّاءِ، وَهُوَ مُدَافِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ. (وَلَوْ) حَذَفَ الْحَالِفُ حَرْفَ الْقَسَمِ وَ (قَالَ: آللَّهِ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ بِدُونِهَا (وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ) أَوْ سَكَّنَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ) لَهَا، وَاللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الرَّفْعِ لَا لَحْنَ فِيهِ، فَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالْجَرُّ بِحَذْفِهِ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ إلَّا فِي الْقَسَمِ وَالتَّسْكِينِ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِلَا نِيَّةٍ، سَوَاءٌ أَرَفَعَ أَمْ نَصَبَ أَمْ جَرَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَمْنَعُ صَرَاحَةَ الْيَمِينِ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: فَاَللَّهِ بِالْفَاءِ أَوْ يَا اللَّهِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا كَانَ كِنَايَةً، وَجْهُ كَوْنِهِ يَمِينًا فِي الثَّانِيَةِ بِحَذْفِ الْمُنَادَى، وَكَأَنَّهُ قَالَ: يَا قَوْمُ أَوْ يَا رَجُلُ. ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْيَمِينَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْقَاضِي قُلْ: وَاَللَّهِ، فَقَالَ تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَمْ يُحْسَبْ يَمِينًا لِمُخَالَفَتِهِ التَّحْلِيفَ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ يَمِينًا فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ: تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ، فَقَالَ: بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ، أَوْ قُلْ: بِاَللَّهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهَا. قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا لَحْنٌ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ مُخَالَفَةُ صَوَابِ الْإِعْرَابِ، بَلْ هَذِهِ كَلِمَةٌ أُخْرَى، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَيْسَ هُوَ لَحْنًا بَلْ لُغَةً، حَكَاهَا الزَّجَّاجِيُّ: وَهِيَ شَائِعَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ يَمِينًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَوْ اسْتَحْضَرَ النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لَمَا قَالَ مَا قَالَ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا، وَيُحْمَلُ حَذْفُ الْأَلْفِ عَلَى اللَّحْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الرُّطُوبَةِ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِنِيَّةٍ. (وَلَوْ قَالَ: أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ) أَوْ آلَيْتُ أَوْ أُولِي (أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ) الرَّاجِحُ لِكُلِّ الصُّوَرِ (لَأَفْعَلَنَّ) كَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 185 فَيَمِينٌ إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ قَالَ قَصَدْتُ خَبَرًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا صُدِّقَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا.   [مغني المحتاج] (فَيَمِينٌ) قَطْعًا (إنْ نَوَاهَا) لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ، لَا سِيَّمَا ذَلِكَ وَقَدْ نَوَاهُ (أَوْ أَطْلَقَ) فِي الْأَصَحِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] وَقِيلَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ أَقْسَمْتُ لِلْمَاضِي، وَأُقْسِمُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِاَللَّهِ مَا لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَاهُ (وَإِنْ قَالَ: قَصَدْتُ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي السَّابِقَةِ (خَبَرًا مَاضِيًا) أَيْ الْإِخْبَارَ عَنْ يَمِينٍ مَاضِيَةٍ، (أَوْ) أَرَدْتُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ السَّابِقَةِ (مُسْتَقْبَلًا) أَيْ يَمِينًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (صُدِّقَ بَاطِنًا) أَيْ دِينَ فِيهِ قَطْعًا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ (وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ) لِاحْتِمَالِ مَا نَوَاهُ، وَفِي قَوْلٍ: لَا، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ لِظُهُورِ اللَّفْظِ فِي الْإِنْشَاءِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ يَمِينٌ مَاضِيَةٌ وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي إرَادَتِهَا قَطْعًا. (وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ (لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ) كَذَا (وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ) لِاشْتِهَارِهِ فِي أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَيُسَنُّ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُهُ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَارُ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، فَإِنْ لَمْ يَبَرَّهُ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ أَوْ لَمْ يُرِدْ يَمِينًا، بَلْ التَّشَفُّعَ إلَيْهِ أَوْ أَطْلَقَ (فَلَا) يَكُونُ يَمِينًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ، وَلَا الْمُخَاطَبُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي فِعْلِهِ، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ، وَرُدَّ السَّائِلُ بِهِ لِحَدِيثِ «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» وَخَبَرِ «مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَعْطُوهُ» . فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِاَللَّهِ، فَقَالَ آخَرُ: يَمِينِي فِي يَمِينِكَ أَوْ يَلْزَمُنِي مَا يَلْزَمُكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لِخُلُوِّ ذَلِكَ عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَإِنْ قَالَ: الْيَمِينُ لَازِمَةٌ لِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي وَهِيَ بَيْعَةُ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّ الْبَيْعَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُصَافَحَةِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَمْ يُوجَدْ وَالْكِنَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَضَمَّنُ إيقَاعًا، وَأَمَّا فِي الْتِزَامٍ فَلَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ فَيَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّ لِلْكِنَايَةِ مَدْخَلًا فِيهِمَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي بِطَلَاقِهَا وَعَتَاقِهَا وَحَجِّهَا وَصَدَقَتِهَا، فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا حُكْمَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ، وَالْبَاقِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. وَقَوْلُ الْحَالِفِ: لَاهَا اللَّهِ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي اللُّغَةِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ، وَقَوْلُهُ: وَاَيْمُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَشْهُرُ مِنْ كَسْرِهَا وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ، وَيَجُوزُ قَطْعُهَا، وَأَيْمُنِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا إذَا أُطْلِقَ: لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي اللُّغَةِ وَوَرَدَ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 186 وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ.   [مغني المحتاج] الْخَبَرِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَقَوْلُهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ، وَالْحَيَاةُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ كُلٌّ مِنْهَا كَذَلِكَ، سَوَاءٌ أَضَافَ الْمَعْطُوفَاتِ إلَى الضَّمِيرِ كَمَا مَثَّلَ، أَمْ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ، وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدَنَا بِهِ، وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا، وَقَدْ فُسِّرَ بِهَا الْأَمَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِالْكُلِّ انْعَقَدَتْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تَأْكِيدٌ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِيهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا كَانَ يَمِينًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا. (وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ) أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ (أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ أَوْ مِنْ الْكَعْبَةِ (فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) لِخُلُوِّهِ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ بِهِ، وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَالتَّلَفُّظُ بِهِ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَذْكَارِ. هَذَا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الرِّضَا بِالتَّهَوُّدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ كَفَرَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُهُ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ، فَفِي الْمُهِمَّاتِ: الْقِيَاسُ تَكْفِيرُهُ إذَا عَرِيَ عَنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ، وَكَلَامُ الْأَذْكَارِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْأَذْكَارِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ اهـ. وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وَيُسَنُّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ كُلِّ تَكَلُّمٍ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَوْنُ الْحَالِفِ قَاصِدًا مَعْنَاهَا (وَ) حِينَئِذٍ (مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا) أَيْ الْيَمِينِ (بِلَا قَصْدٍ) لِمَعْنَاهَا (لَمْ تَنْعَقِدْ) يَمِينُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَلَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ رَفْعَهُ كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 187 وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ. وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ.   [مغني المحتاج] وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً؛ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ. وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَوْ ادَّعَى سَبْقَ لِسَانِهِ فِي إيلَاءٍ أَوْ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ. تَنْبِيهٌ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: " بِلَا قَصْدٍ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ ". (وَتَصِحُّ) الْيَمِينُ (عَلَى مَاضٍ) كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا أَوْ فَعَلْتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة: 74] ثُمَّ إنْ كَانَ عَامِدًا فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وَهُوَ يَعُمُّ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، وَتَعَلُّقُ الْإِثْمِ لَا يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، بَلْ وَفِيهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّهَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: يُعَزَّرُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، فَإِنْ جَهِلَ فَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي، وَحَيْثُ صَدَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِصِدْقِهِ مُوَافَقَةُ مَا قَصَدَهُ إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ، وَلَوْ خَالَفَ الظَّاهِرَ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ حَاكِمٌ فَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَاكِمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ (وَ) عَلَى (مُسْتَقْبَلٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» وَيُسْتَثْنَى مُمْتَنِعُ الْحِنْثِ لِذَاتِهِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ فِيهِ لَا تَنْعَقِدُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ بِخِلَافِ مُمْتَنِعِ الْبِرِّ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قَيَّدَ مُمْتَنِعَ الْبِرِّ بِزَمَنٍ كَلَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ غَدًا هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ؟ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا، وَسَيَأْتِي. (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (مَكْرُوهَةٌ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] أَيْ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجَزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهِ. قَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: مَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، إذْ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُبَاحٌ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ تَجِبُ (إلَّا فِي طَاعَةٍ) مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ الْيَمِينَ الْوَاقِعَةَ فِي دَعْوَى إنْ كَانَتْ صِدْقًا فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَذَا لَوْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِتَوْكِيدِ كَلَامٍ وَتَعْظِيمِ أَمْرٍ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَضَابِطُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْيَمِينِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ. وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ، وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ إذَا نَكَلَ فَيَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ حَلَفَ، وَإِنْ شَاءَ نَكَلَ، وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 188 فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ عَصَى وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ، وَكَفَّارَةٌ أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ، وَقِيلَ الْحِنْثُ.   [مغني المحتاج] عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ، فَإِنْ كَانَ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ. دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ الْخَصْمِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. (فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ) كَتَرْكِ الصُّبْحِ (أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ) كَالسَّرِقَةِ (عَصَى) بِحَلِفِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى: الْوَاجِبُ الَّذِي يُمْكِنُ سُقُوطُهُ كَالْقِصَاصِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ بِالْعَفْوِ. الثَّانِيَةُ: الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي بِهَذَا الْحَلِفِ (وَلَزِمَهُ) عِنْدَ عِصْيَانِهِ (الْحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعْصِيَةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» . تَنْبِيهٌ إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا: كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، فَإِنَّ لَهُ طَرِيقًا سِوَاهُ: كَأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبَرِّئَهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مَعَ بَقَاءِ التَّعْظِيمِ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ أَطَاعَ بِالْيَمِينِ، وَعَصَى بِالْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ بِهِ الْكَفَّارَةُ. (أَوْ) حَلَفَ عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَسُنَّةِ الضُّحَى (أَوْ) عَلَى (فِعْلِ مَكْرُوهٍ) كَالْتِفَاتِهِ بِوَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ (سُنَّ حِنْثُهُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْإِقَامَةَ عَلَيْهَا مَكْرُوهَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] نَزَلَتْ فِي الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِرَّ مِسْطَحًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى رَبِّ وَبَرَّهُ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ بِأَنَّ يَمِينَهُ تَضَمَّنَ طَاعَةً، وَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى قَوْلِهِ: " لَا أَزِيدُ " فَكَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ. تَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا، فَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} [الأعراف: 32] وَقِيلَ: طَاعَةٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ، وَقِيلَ: يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُورِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالضَّيِّقِ وَالسَّعَةِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ. (أَوْ) عَلَى (تَرْكِ مُبَاحٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ فِعْلِهِ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ (فَالْأَفْضَلُ) لَهُ (تَرْكُ الْحِنْثِ) بَلْ يُسَنُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] (وَقِيلَ:) الْأَفْضَلُ لَهُ (الْحِنْثُ) لِيَنْتَفِعَ الْفُقَرَاءُ بِالْكَفَّارَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَذًى لِلْغَيْرِ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقٍ يُكْرَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 189 وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ قِيلَ: وَحَرَامٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ.   [مغني المحتاج] ذَلِكَ، فَالْأَفْضَلُ الْحِنْثُ قَطْعًا، وَعَقْدُ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ. تَنْبِيهٌ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ، وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَمَّا كَانَ وُجُوبًا وَتَحْرِيمًا وَنَدْبًا وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً، لَكِنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ فِي الْمُبَاحِ: الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ، فِيهِ تَغَيُّرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ. (وَلَهُ) أَيْ الْحَالِفِ (تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ) مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ (عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ) وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَعْجِيلُهُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يَحْنَثَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " عَلَى حِنْثٍ " عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ. أَمَّا الصَّوْمُ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَاحْتَرَزَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ (وَقِيلَ: وَ) لَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى حِنْثٍ (حَرَامٍ) كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ (قُلْتُ: هَذَا) الْوَجْهُ (أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ الَّذِي، جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنْ يَتَطَرَّقَ بِهِ لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، وَالتَّعْجِيلُ رُخْصَةٌ فَلَا تَلِيقُ بِالْعَاصِي، لِأَنَّ الْحَظْرَ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ مِنْ حِنْثِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبَعْدَهَا، فَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةٌ. تَنْبِيهٌ إذَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَلَوْ قَدَّمَ الْعِتْقَ اُشْتُرِطَ فِي إجْزَائِهِ بَقَاءُ الْعَتِيقِ حَيًّا مُسْلِمًا إلَى الْحِنْثِ، فَلَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ حِنْثِهِ كَأَنْ عَتَقَهُ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: أَعْتَقْت عَبْدِي عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْت أَجْزَأَهُ، وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ حَنِثْت غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَإِنْ حَنِثَ غَدًا أُعْتِقَ، وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْتُ فَبَانَ حَانِثًا وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا. نَعَمْ إنْ حَنِثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ حَلَفْتُ وَحَنِثْتُ فَبَانَ حَالِفًا لَمْ يُجْزِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِلشَّكِّ فِي الْحَلِفِ. (وَ) لَهُ تَقْدِيمُ (كَفَّارَةِ ظِهَارٍ) بِغَيْرِ صَوْمٍ كَمَا مَرَّ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ (عَلَى الْعَوْدِ) فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَصَوَّرُوا التَّقْدِيمَ عَلَى الْعَوْدِ بِمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَبِمَا إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الظِّهَارِ رَجْعِيًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 190 وَقَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ. وَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ. فَصْلٌ يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ، وَإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ، وَكِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إزَارٍ لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَةٍ،   [مغني المحتاج] ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَ. أَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَقِبَ الظِّهَارِ عَنْهُ، فَهُوَ تَكْفِيرٌ مَعَ الْعَوْدِ لَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْعِتْقِ عَوْدٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " عَلَى الْعَوْدِ " عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا. (وَ) لَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ (قَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ) مِنْهُ بَعْدَ حُصُولِ الْجُرْحِ وَتَقْدِيمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجُرْحِ. (وَ) لَهُ أَيْضًا تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ عَلَى (مَنْذُورٍ مَالِيٍّ) عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشِّفَاءِ كَالزَّكَاةِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ، وَمَا صَحَّحَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَأَعْتَقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَالْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَالِيَّةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ الْجَوَازُ اهـ. وَخَرَجَ بِالْمَالِيِّ الْبَدَنِيُّ كَالصَّوْمِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ. تَتِمَّةٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ عَلَيْهَا نَعَمْ إنْ جُوِّزَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ جَازَ تَقْدِيمُهَا لِوُجُودِ السَّبَبِ. [فَصَلِّ صِفَةُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ] فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ، مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ، وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا (يَتَخَيَّرُ) الْمُكَفِّرُ (فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ) فِيهَا (كَالظِّهَارِ) أَيْ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ كَفَّارَتُهُ بِالصِّفَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِهِ مِنْ كَوْنِهَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ (وَ) بَيْنَ (إطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ) أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ) كَالْفِطْرَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ هُنَا (وَ) بَيْنَ (كِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً) مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ (كَقَمِيصٍ، أَوْ عِمَامَةٍ؛ أَوْ إزَارٍ) أَوْ رِدَاءٍ، أَوْ طَيْلَسَانٍ، أَوْ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ، أَوْ مِقْنَعَةٍ، أَوْ جُبَّةٍ، أَوْ قَبَاءٍ، أَوْ دِرْعٍ مِنْ صُوفٍ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّ لَهُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الدِّرْعَ يَكْفِي، وَهُوَ سَهْوٌ (لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ) وَمُكْعَبٍ، وَهُوَ الْمَدَاسُ، وَنَعْلٍ (وَمِنْطَقَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَقَلَنْسُوَةٍ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 191 وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَقُطْنٌ، وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لِامْرَأَةٍ، وَرَجُلٍ وَلَبِيسٍ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] كِسْوَةً كَدِرْعٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَيُجْزِئُ فَرْوٌ وَلِبَدٌ اُعْتِيدَ فِي الْبَلَدِ لُبْسُهُمَا، وَلَا يُجْزِئُ التُّبَّانُ وَهُوَ سِرْوَالٌ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ، وَلَا الْخَاتَمُ، وَالتِّكَّةُ، وَالْعِرْقِيَّةُ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ لِشَيْخِنَا أَنَّهَا تَكْفِي، وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهَا، وَحَمَلَهُ شَيْخِي عَلَى الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْحَابِ (وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَّتُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِسْوَةِ (لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَ) يَجُوزُ (قُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ) وَشَعْرٌ وَصُوفٌ مَنْسُوجٌ كُلٌّ مِنْهَا (لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ) لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَلَبِيسٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ بِمَعْنَى مَلْبُوسٍ (لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ) فَإِنْ ذَهَبَتْ بِحَيْثُ صَارَ مُسْحَقًا لَمْ يَجُزْ، وَلَا بُدَّ مَعَ بَقَاءِ قُوَّتِهِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كَانَ لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَدُومُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ نَجِسُ الْعَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ، وَيُجْزِئُ الْمُتَنَجِّسُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِنَجَاسَتِهِ، وَيَجُوزُ مَا غُسِلَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ لِانْطِلَاقِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ، وَكَوْنِهِ يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا لِآيَةِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً ثَوْبًا طَوِيلًا لَمْ يُجْزِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ قِطَعًا ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قِطْعَةٍ تُسَمَّى كِسْوَةً، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: عَشَرَةَ مَسَاكِينَ مَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامُ خَمْسَةٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ التَّخْيِيرُ لِلْعَبْدِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ بَلْ بِالصَّوْمِ كَالْمُعْسِرِ، فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ لَمْ يُجْزِهِ مَعَ الْيَسَارِ، وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ أَقَلُّ الْخِصَالِ قِيمَةً، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَخْيِيرَ إلَّا إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهَا (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ) كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ (الثَّلَاثَةِ) الْمَذْكُورَةِ (لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) . تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَنْ يَجِدُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَقَطْ، وَلَا يَجِدُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَا: وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ، فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ، وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ، وَلَهُ أَخْذُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابُ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ، وَالتَّكْفِيرُ بِالْمَالِ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ. (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. وَالثَّانِي يَجِبُ؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ " ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 192 وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً، وَقُلْنَا يَمْلِكُ، بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ وَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَامَ بِلَا إذْنٍ، أَوْ وُجِدَا بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ،   [مغني المحتاج] وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ كَمَا أَوْجَبْنَا قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْلِهِ: " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا "، وَلِأَنَّ مِنْ قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ الظِّهَارُ وَالْقَتْلُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ آيَةَ الْيَمِينِ نَسَخَتْ مُتَتَابِعَاتٍ تِلَاوَةً وَحُكْمًا، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا، بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا، وَبِأَنَّ الْمُطْلَقَ هَهُنَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَصْلَيْنِ يَجِبُ التَّتَابُعُ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ فِي التَّتَابُعِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخِرِ، لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ: حَمْلُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ (وَإِنْ غَابَ مَالُهُ) إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ أَوْ دُونَهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ (انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الصَّوْمُ إذَا لَمْ يَجِدْ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُتَمَتِّعُ إذَا أُعْسِرَ بِالدَّمِ بِمَكَّةَ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بِبَلَدِهِ مَالٌ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ هُنَاكَ اُعْتُبِرَتْ بِمَكَّةَ فَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِهَا، وَالْقُدْرَةُ هُنَا اُعْتُبِرَتْ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ تَيَقَّنَ حَيَاتَهُ جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ، بِخِلَافِ مُنْقَطِعِ الْخَبَرِ فِي الْأَصَحِّ (وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ (إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً) لِيُكَفِّرَ بِهِمَا أَوْ مَلَّكَهُ مُطْلَقًا وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ (وَقُلْنَا: يَمْلِكُ) بِالتَّمْلِيكِ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: " سَيِّدُهُ " يَقْتَضِي أَنَّ تَمْلِيكَ غَيْرِ السَّيِّدِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا سَوَاءٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مَا إذَا مَلَّكَهُ رَقِيقًا لِيَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهَا، لِامْتِنَاعِ الْوَلَاءِ لِلْعَبْدِ، وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْعَبْدِ. فَإِنْ قِيلَ يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أُطْلِقَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقِنُّ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ: وَقُلْنَا: يَمْلِكُ وَالْمُكَاتَبُ يَمْلِكُ قَطْعًا، وَلَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِي التَّكْفِيرِ بِالْإِعْتَاقِ فَأَعْتَقَ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ نَقَلَا هُنَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِذَلِكَ (بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ فِي ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ ضَرَّهُ) الصَّوْمُ لِشِدَّةِ حَرٍّ، أَوْ طُولِ نَهَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَكَانَ يَضْعُفُ عَنْ الْعَمَلِ بِسَبَبِهِ (وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (صَامَ بِلَا إذْنٍ) وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي لِصُدُورِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ عَنْ إذْنِ السَّيِّدِ (أَوْ وُجِدَا) أَيْ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ (بِلَا إذْنٍ) مِنْهُ (لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ) مِنْهُ قَطْعًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ وَاجِبًا أَمْ جَائِزًا أَمْ مَمْنُوعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي السَّبَبِ، وَحَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنْ صَامَ بِلَا إذْنٍ أَجْزَأَهُ: كَمَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 193 وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْحَلِفِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَا عِتْقٍ. [فَصْلٌ] حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا فَلْيَخْرُجْ فِي الْحَالِ،   [مغني المحتاج] بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ، أَوْ حَجَّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْحَجِّ (وَإِنْ أَذِنَ) لَهُ (فِي أَحَدِهِمَا) فَقَطْ (فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ) إذْنِ السَّيِّدِ لَهُ فِي (الْحَلِفِ) فَإِذَا حَلَفَ بِإِذْنِهِ وَحَنِثَ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِي الْحَلِفِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِالْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَانِعَةٌ مِنْهُ، فَلَيْسَ إذْنُهُ فِيهَا إذْنًا فِي الْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَةِ، وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَأَحَالَا الْمَسْأَلَةَ هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، بَلْ قِيلَ: إنَّ مَا فِي الْمُحَرَّرِ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْحِنْثِ إلَى الْحَلِفِ، لَكِنَّ الْمُحَرَّرَ يَتْبَعُ الْبَغَوِيَّ كَثِيرًا كَمَا اُسْتُقْرِئَ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْبَغَوِيُّ صَحَّحَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْحَلِفِ وَخَرَجَ بِيَضُرُّهُ الصَّوْمُ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّهُ فَلَهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَبِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَرَّرْ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَاجِزٌ (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) وَلَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِيَسَارِهِ كَمَا أَنَّهُ إذَا وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ أَوْ الثَّوْبِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَيَمِّمًا أَوْ عَارِيًّا (لَا عِتْقٍ) لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَالِكُ بَعْضِهِ: إذَا أَعْتَقْت عَنْ كَفَّارَتِكَ فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ قُبَيْلَ إعْتَاقِك عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ مَعَهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى قَطْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَلِلسَّيِّدِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِالْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ إذْ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهُوَ وَالْحُرُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ وَلَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ لِنَقْصِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوَلَاءِ. [فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى لَا يُقِيمُ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا] [فَصْلٌ] فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَالدُّخُولِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: إذَا (حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا) أَيْ دَارًا مُعَيَّنَةً (أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا) وَهُوَ فِيهَا عِنْدَ الْحَلِفِ (فَلْيَخْرُجْ فِي الْحَالِ) بِبَدَنِهِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ وَإِنْ بَقِيَ أَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فَإِنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي خُرُوجِهِ عَدْوًا، وَلَا هَرْوَلَةً، وَلَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِهَا الْقَرِيبِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ مِنْ السَّطْحِ فَخَرَجَ مِنْهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ بِالصُّعُودِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ نِيَّةُ التَّحَوُّلِ لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاكِنِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَعُودَ، وَيُومِئُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَيَخْرُجُ بِبَدَنِهِ مُتَحَوِّلًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُتَوَطِّنِ فِيهَا قَبْلَ حَلِفِهِ، فَلَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 194 فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ: كَجَمْعِ مَتَاعٍ وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ   [مغني المحتاج] دَخَلَهَا لِيَنْظُرَ إلَيْهَا هَلْ يَسْكُنُهَا أَوْ لَا، فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا وَخَرَجَ فِي الْحَالِ لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكُونِ الْحُلُولُ، لَا ضِدُّ الْحَرَكَةِ (فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ) وَإِنْ قَلَّ كَمَا لَوْ وَقَفَ لِيَشْرَبَ مَثَلًا. وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: " مَكَثَ سَاعَةً " لَمْ يُرِدْ بِهِ السَّاعَةَ الزَّمَانِيَّةَ، بَلْ مَتَى مَكَثَ حَنِثَ (وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ) لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ سُكْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ، إذْ السُّكْنَى تُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ كَالِابْتِدَاءِ، يُقَالُ: سَكَنَ شَهْرًا، وَتُسْتَعْمَلُ مَعَ الْمَتَاعِ وَدُونَهُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بِلَا عُذْرٍ مَا لَوْ مَكَثَ لِعُذْرٍ كَأَنْ أُغْلِقَ عَلَيْهِ الْبَابُ، أَوْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ، أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ خَرَجَ، أَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخُرُوجِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَفَاتَتْ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ جَارٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَوَجَدَهَا حَائِضًا اهـ. وَلَوْ حَدَثَ عَجْزُهُ عَلَى الْخُرُوجِ بَعْدَ حَلِفِهِ فَكَالْمُكْرَهِ (وَإِنْ اشْتَغَلَ) بَعْدَ الْحَلِفِ (بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَجَمْعِ مَتَاعٍ، وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ، وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ) بِمُكْثِهِ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَدَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا وَإِنْ طَالَ مُقَامُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ وَقَفَ فِيهَا لِغَلْقِ أَبْوَابِهِ وَإِحْرَازِ مَالِهِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْ يَسْتَنِيبُهُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُرَاعَى فِي لُبْثِهِ لِثِقَلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ مِنْ غَيْرِ إرْهَاقٍ وَلَا اسْتِعْجَالٍ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى مَبِيتِ لَيْلَةٍ لِحِفْظِ مَتَاعٍ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى أَصَحِّ احْتِمَالَيْ ابْنِ كَجٍّ. تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ لُبْسَ الثَّوْبِ، وَقَيَّدَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِثَوْبِ الْخُرُوجِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِلُبْسِ ثِيَابٍ تَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ التَّجَمُّلِ الَّتِي تُلْبَسُ لِلْخُرُوجِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ عَادَ إلَيْهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا حَالًا لِنَقْلِ مَتَاعٍ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الشَّاشِيُّ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ، وَهَذَا يُوَافِقُ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ عَادَ لِزِيَارَةِ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْكُثْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ تَعْلِيقِ الْبَغَوِيِّ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالُوا: فِيمَا لَوْ عَادَ الْمَرِيضُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا فَإِنَّهُ إنْ قَعَدَ عِنْدَهُ حَنِثَ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَهُ مَارًّا فِي خُرُوجِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا خَرَجَ ثُمَّ عَادَ: أَيْ فَلَا يُعَدُّ سَاكِنًا؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّكْنَى زَالَ عَنْهُ وَثَمَّ لَمْ يَخْرُجْ: أَيْ فَاسْمُ السُّكْنَى بَاقٍ عَلَيْهِ، وَلَهُ وَجْهٌ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ حَلَفَ خَارِجَهَا ثُمَّ دَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يَمْكُثْ، فَإِنْ مَكَثَ حَنِثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِجَمْعِ مَتَاعٍ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ حَلِفِهِ فَوْرًا ثُمَّ اجْتَازَهَا كَأَنْ دَخَلَ مِنْ بَابٍ وَخَرَجَ مِنْ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا بِلَا غَرَضٍ حَنِثَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ أَرَادَ بِلَا أَسْكُنُهَا لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِهِ مَسْكَنًا. (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا (فِي هَذِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 195 الدَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلِكُلِّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا وَهُوَ فِيهَا أَوْ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ فَلَا حِنْثَ بِهَذَا،   [مغني المحتاج] الدَّارِ) أَوْ لَا يَسْكُنُ مَعِي فِيهَا، أَوْ لَا سَكَنْتُ مَعَهُ (فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا) مِنْهَا (فِي الْحَالِ) (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ الْمُسَاكَنَةِ، فَإِنْ مَكَثَ سَاعَةً حَنِثَ إلَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَقْلِ مَتَاعٍ، أَوْ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِيءُ مَا سَبَقَ مِنْ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْخُرُوجِ بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ وَعَدَمِهَا وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْمَحْلُوفُ عَلَى عَدَمِ مُسَاكَنَتِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ حَانُوتٍ وَنَحْوِهَا، وَمَكَثَ الْحَالِفُ فِي الدَّارِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُرْفِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ) مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلِكُلِّ جَانِبٍ) مِنْ الدَّارِ (مَدْخَلٌ) لَا يَحْنَثُ (فِي الْأَصَحِّ) لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَنَسَبَاهُ إلَى الْجُمْهُورِ، وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَنَقَلَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ بِفِعْلِ الْحَالِفِ أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِفِعْلِهِمَا أَوْ بِأَمْرِهِمَا، فَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ غَيْرِ الْحَالِفِ إمَّا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ قَطْعًا كَمَا اقْتَضَاهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: " فِي هَذِهِ الدَّارِ " عَمَّا لَوْ أَطْلَقَ الْمُسَاكَنَةَ، وَنَوَى أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ، وَلَوْ فِي الْبَلَدِ حَنِثَ بِمُسَاكَنَتِهِ وَلَوْ فِيهِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَوْضِعًا حَنِثَ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، فَإِنْ سَكَنَا فِي بَيْتَيْنِ يَجْمَعُهُمَا صَحْنٌ وَمَدْخَلُهُمَا وَاحِدٌ حَنِثَ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ، لَا إنْ كَانَ الْبَيْتَانِ مِنْ خَانٍ وَلَوْ صَغِيرًا فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ اتَّحَدَ فِيهِ الْمَرَافِقُ وَتَلَاصَقَ الْبَيْتَانِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِسُكْنَى قَوْمٍ، وَبُيُوتُهُ تَنْفَرِدُ بِأَبْوَابٍ وَمَغَالِيقَ فَهُوَ كَالدَّرْبِ، وَلَا إنْ كَانَا مِنْ دَارِ كَبِيرَةٍ، وَإِنْ تَلَاصَقَا فَلَا حِنْثَ لِذَلِكَ، بِخِلَافِهِمَا فِي صَغِيرَةٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْكَبِيرَةِ، لَا فِي الْخَانِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ بَيْتٍ فِيهَا غَلَقٌ وَمَرْقًى، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا أَوْ سَكَنَا فِي صُفَّتَيْنِ فِي الدَّارِ، أَوْ بَيْتٍ وَصُفَّةٍ حَنِثَ، وَلَوْ انْفَرَدَ فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ بِحُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةِ الْمَرَافِقِ كَالْمَرْقَى وَالْمَطْبَخِ وَالْمُسْتَحَمِّ وَبَابِ الْحُجْرَةِ فِي الدَّارِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ انْفَرَدَ مِنْهُمَا بِحُجْرَةٍ كَذَلِكَ فِي دَارٍ، وَبِقَوْلِهِ: جِدَارٌ عَمَّا لَوْ أَرْخَى بَيْنَهُمَا سِتْرًا وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي جَانِبٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَطْعًا. قَالَ الْمُتَوَلِّي: إلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ، فَإِنَّهُ إذَا أَحْدَثَ حَاجِزًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَسْكَنُ. (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا) أَيْ الدَّارَ (وَهُوَ فِيهَا، أَوْ لَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (وَهُوَ خَارِجٌ) (فَلَا حِنْثَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (بِهَذَا) الْمَذْكُورِ مِنْ دُخُولٍ أَوْ خُرُوجٍ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ الِانْفِصَالُ مِنْ خَارِجٍ إلَى دَاخِلٍ وَالْخُرُوجُ عَكْسُهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدَامَةِ، فَلِهَذَا لَا يُسَمَّى دُخُولًا وَلَا خُرُوجًا. نَعَمْ إنْ نَوَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ الِاجْتِنَابَ فَأَقَامَ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ، أَوْ نَوَى بِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَدَمَ نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ حَنِثَ بِنَقْلِهِمَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُ هَذِهِ الْعَيْنَ وَهُوَ مَالِكُهَا فَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 196 أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ حَنِثَ. قُلْت: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ، وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ، وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَزَوَّجُ) وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ (أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ) وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ (أَوْ لَا يَلْبَسُ) وَهُوَ لَابِسٌ (أَوْ لَا يَرْكَبُ) وَهُوَ رَاكِبٌ (أَوْ لَا يَقُومُ) وَهُوَ قَائِمٌ (أَوْ لَا يَقْعُدُ) وَهُوَ قَاعِدٌ (فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ) الْمُتَّصِفَ بِهَا مِنْ التَّزَوُّجِ إلَى آخِرِهَا (حَنِثَ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ (قُلْت: تَحْنِيثُهُ) أَيْ الْمُحَرَّرِ بِمَسَائِلِ اسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: لَبِسْتُ يَوْمًا وَرَكِبْتُ يَوْمًا، وَهَكَذَا الْبَاقِي وَ (بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ) لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَجْزُومِ بِهِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (لِذُهُولٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَهُوَ نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ؛ إذْ لَا يُقَالُ: تَزَوَّجْتُ شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ قَبُولُ الْعَقْدِ. وَأَمَّا وَصْفُ الشَّخْصِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ نَاكِحًا فُلَانَةَ مُنْذُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ اسْتِمْرَارُهَا عَلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ، وَلَا يُقَالُ: تَطَهَّرْت شَهْرًا بَلْ مِنْ شَهْرٍ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا لَمْ يَنْوِ الِاسْتِدَامَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ بِيَمِينِهِ، قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ، وَلَوْ نَوَى بِاللُّبْسِ شَيْئًا مُبْتَدَأً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ (وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ) فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَطَيَّبُ، إذْ لَا يُقَالُ: تَطَيَّبْتُ شَهْرًا، وَلِهَذَا لَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَاسْتَدَامَ لَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ (وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ، وَصَلَاةٌ) بِأَنْ يَحْلِفَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَنَّهُ فِيهَا، أَوْ كَانَ أَخْرَسَ وَحَلَفَ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا عَلَى الْأَصَحِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ إشْكَالٍ، إذْ يُقَالُ؛ صُمْتُ شَهْرًا وَصَلَّيْت لَيْلَةً، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ انْعِقَادُ النِّيَّةِ، وَالصَّوْمَ كَذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِي التَّزَوُّجِ: إنَّهُ قَبُولُ النِّكَاحِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ إحْرَامًا صَحِيحًا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ بِالتَّحَرُّمِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكُلُّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لَا تَكُونُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ زَيْدًا فَاسْتَدَامَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِالْحِنْثِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ شَرِكَةً مُبْتَدَأَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ فَاسْتَدَامَ حَنِثَ قَطْعًا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَغْصِبُ شَيْئًا لَمْ يَحْنَثْ بِاسْتِدَامَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ يُقَالُ: غَصَبْتُهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ. . أُجِيبَ بِأَنَّ (يَغْصِبَ) يَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبَلًا، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أُنْشِئُ غَصْبًا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: غَصَبَهُ شَهْرًا فَمَعْنَاهُ: غَصَبَهُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا كَمَا أُوِّلَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] أَيْ أَمَاتَهُ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ أَوْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَصْبِ شَهْرًا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ غَاصِبًا بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي فَمَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ قَاصِدًا بِحَلِفِهِ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ فَرَجَعَ فَوْرًا أَوْ وَقَفَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مُسَافِرٌ أَيْضًا، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 197 وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ دَاخِلَ الْبَابِ، أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ لَا بِدُخُولِ طَاقٍ قُدَّامَ الْبَابِ، وَلَا بِصُعُودِ سَطْحٍ غَيْرِ مُحَوَّطٍ وَكَذَا مُحَوَّطٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا حَنِثَ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ حَنِثَ،   [مغني المحتاج] وَهُوَ ذُهُولٌ عَنْ الْمَنْقُولِ، فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَعَلَّلَهُ لِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي تَرْكِ السَّفَرِ، وَهَذَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَلَامُهُ فِيمَا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. (وَمَنْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا) مُعَيَّنَةً (حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ) لَهَا، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (دَاخِلَ الْبَابِ) الَّذِي لَا ثَانِيَ بَعْدَهُ، فَهُوَ بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ (أَوْ) كَانَ (بَيْنَ بَابَيْنِ) لِأَنَّهُ مِنْ الدَّارِ، وَمَنْ جَاوَزَ الْبَابَ عُدَّ دَاخِلًا، وَ (لَا) يَحْنَثُ (بِدُخُولِ طَاقٍ) لِلدَّارِ (قُدَّامَ الْبَابِ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا لَا يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَهُ: إنَّهُ دَخَلَهَا، وَفَسَّرَ الرَّافِعِيُّ الطَّاقَ بِالْمَعْقُودِ خَارِجَ الْبَابِ، وَهُوَ مَا يُعْمَلُ لِبَعْضِ أَبْوَابِ الْأَكَابِرِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلطَّاقِ بَابٌ يُغْلَقُ كَالدَّارِ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي: هُوَ مِنْ الدَّارِ مُسَقَّفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُسَقَّفٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ؛ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْعُرْفِ لَيْسَ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ خَارِجًا عَنْ الْعُرْفِ (وَلَا) يَحْنَثُ جَزْمًا (بِصُعُودِ سَطْحٍ) مِنْ خَارِجِهَا (غَيْرِ مُحَوَّطٍ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلَ الدَّارِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ يَقِي الدَّارَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، فَهُوَ كَحِيطَانِهَا (وَكَذَا) سَطْحٌ (مُحَوَّطٌ) مِنْ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعِ بِخَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَحْنَثُ بِصُعُودِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِإِحَاطَةِ حِيطَانِ الدَّارِ بِهِ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّطْحُ مُسَقَّفًا كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَإِلَّا حَنِثَ قَطْعًا إذَا كَانَ يَصْعَدُ إلَيْهِ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَتِهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَقَّفُ بَعْضَهُ وَدَخَلَ فِي الْمَكْشُوفِ. وَقَالَ: إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمُ الْحِنْثِ وَيُرَدُّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ (وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ) فِيهَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهُوَ مُعْتَكِفٌ وَلَمْ يُعَدَّ خُرُوجًا مُبْطِلًا لِلِاعْتِكَافِ (فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا) وَبَاقِي بَدَنِهِ خَارِجٌ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى دَاخِلًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا عَمَّا لَوْ أَدْخَلَ رِجْلًا فَقَطْ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا، وَعَلَى الْخَارِجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، فَإِنْ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّاخِلَةِ فَقَطْ بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ الْخَارِجَةَ لَمْ يَسْقُطْ فَهُوَ كَمَا لَوْ اعْتَمَدَ عَلَيْهَا كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ، وَمَا لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ فِيهَا، وَهُوَ قَاعِدٌ خَارِجَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ دَاخِلًا، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِحَبْلٍ أَوْ جِذْعٍ فِي هَوَائِهَا وَأَحَاطَ بِهِ بُنْيَانُهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَا إحْدَاهُمَا، لِأَنَّهُ يُعَدُّ دَاخِلًا، فَإِنْ ارْتَفَعَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ بُنْيَانِهَا لَمْ يَحْنَثْ (وَلَوْ انْهَدَمَتْ فَدَخَلَ، وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ حَنِثَ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْهَا كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 198 وَإِنْ صَارَتْ فَضَاءً أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ، لَا بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ، وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ   [مغني المحتاج] وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ: إنْ بَقِيَتْ أُصُولُ الْحِيطَانِ وَالرُّسُومِ حَنِثَ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَقَاءُ شَاخِصٍ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، فَإِنَّ الْأَسَاسَ هُوَ الْبِنَاءُ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ تَحْتَ الْجِدَارِ الْبَارِزِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالْمُصَنِّفَ لَمْ يُمْعِنَا النَّظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ بَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ وَعَدَمِهِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ. فَقَالَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ: إذَا انْهَدَمَتْ فَصَارَتْ سَاحَةً لَمْ يَحْنَثْ. أَمَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا تُسَمَّى مَعَهُ دَارًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا. تَنْبِيهٌ كُلُّ هَذَا إذَا قَالَ: لَا أَدْخَلُ هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْخَلُ هَذِهِ حَنِثَ بِالْعَرْصَةِ، وَإِنْ قَالَ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِفَضَاءِ مَا كَانَ دَارًا، وَهَذِهِ تَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْلِهَا بِقَوْلِهِ دَارًا، لَكِنَّ مُرَادَهُ هَذِهِ الدَّارُ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُ فِي كَلَامِهِ مُعَيَّنَةً (وَإِنْ صَارَتْ) تِلْكَ الدَّارُ الْمَحْلُوفُ عَلَى دُخُولِهَا (فَضَاءً) بِالْمَدِّ وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا السَّاحَةَ الْخَالِيَةَ مِنْ بِنَاءٍ (أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا لِزَوَالِ مُسَمَّى الدَّارِ وَحُدُوثِ اسْمٍ آخَرَ لَهَا. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِ انْحِلَالُ الْيَمِينِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ أُعِيدَتْ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ أُعِيدَتْ بِآلَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا الْأُولَى فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الْحِنْثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا مُخْتَارًا وَلَا مُكْرَهًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَمَلًا بِتَعْلِيقِهِ فَلَوْ انْقَلَبَ الْحَالِفُ مِنْ نَوْمِهِ بِجَنْبِ الدَّارِ فَحَصَلَ فِيهَا أَوْ حُمِلَ إلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ لَمْ يَحْنَثْ، إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْأُولَى وَلَا فِعْلَ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ حُمِلَ إلَيْهَا بِأَمْرِهِ حَنِثَ كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَدَخَلَهَا. (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا) أَيْ دَارٍ (يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ) سَوَاءً أَكَانَ مَالِكًا لَهَا عِنْدَ الْحَلِفِ أَمْ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ: لَا أَدْخَلُ دَارَ الْعَبْدِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْكَنِهِ الْآنَ، بَلْ بِمَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ، أَوْ دَارًا تُعْرَفُ بِهِ كَدَارِ الْعَدْلِ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا (بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ) وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَتِهَا وَوَقْفٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَانَ إقْرَارًا لَهُ بِالْمِلْكِ حَتَّى لَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِهِ مَا يَسْكُنُهَا لَمْ يُقْبَلْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ بِغَيْرِهَا خِلَافًا لِلْقَاضِي فِي قَوْلِهِ إنَّهُ إذَا حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَسْكَنِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِدَارِهِ (مَسْكَنَهُ) فَيَحْنَثُ بِالْمُعَارِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُعْرَفْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ اقْتَرَنَتْ بِهِ النِّيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الْمُرَادُ بُيُوتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي يَسْكُنَّهَا (وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ) زَيْدٌ (وَلَا يَسْكُنُهُ) لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي دَارِ زَيْدٍ حَقِيقَةً، هَذَا إذَا كَانَ يَمْلِكُ الْجَمِيعَ. فَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 199 إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَبَاعَهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا فَدَخَلَ وَكَلَّمَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَقُولَ دَارِهِ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا دَامَ مِلْكُهُ.   [مغني المحتاج] بَعْضَ الدَّارِ فَظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَثُرَ نَصِيبُهُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ، الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِدَارِهِ (مَسْكَنَهُ) فَلَا يَحْنَثُ بِمَا لَا يَسْكُنُهُ عَمَلًا بِقَصْدِهِ. تَنْبِيهٌ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: بِمَا يَمْلِكُهُ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ، وَلَكِنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ كَانَ بِالْبَلَدِ دَارٌ أَوْ سُوقٌ أَوْ حَمَّامٌ مُضَافٌ إلَى رَجُلٍ كَسُوقِ أَمِيرِ الْجُيُوشِ بِمِصْرَ، وَخَانِ الْخَلِيلِيِّ، وَسُوقِ يَحْيَى بِبَغْدَادَ، وَخَانِ يَعْلَى بِقَزْوِينَ، وَسُوقِ السَّخِيِّ بِدِمَشْقَ، وَدَارِ الْأَرْقَمِ بِمَكَّةَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَكَذَا دَارُ الْعَقِيقِيِّ بِدِمَشْقَ اهـ. وَدَارُ الْعَقِيقِيِّ هِيَ الْمَدْرَسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ. قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ، فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ تُضَافُ إلَيْهِ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ عَلَى الْمِلْكِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْرِيفِ. (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ) مَثَلًا (أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَبَاعَهُمَا) أَيْ الدَّارَ وَالْعَبْدَ أَوْ بَعْضَهُمَا بَيْعًا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ بَعْضِهِمَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ (أَوْ طَلَّقَهَا) أَيْ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَدَخَلَ) الدَّارَ (وَكَلَّمَ) الْعَبْدَ أَوْ الزَّوْجَةَ (لَمْ يَحْنَثْ) تَغْلِيبًا لِلْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ دَارِهِ وَلَمْ يُكَلِّمْ عَبْدَهُ وَلَا زَوْجَتَهُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ وَكَلَّمَ الزَّوْجَةَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ بِالْبَيْعِ لِأَجْلِ خِيَارِ مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ حَنِثَ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ وَفَسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ فَيَتَبَيَّنُ حِنْثُ الْحَالِفِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فَأَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ بَعْضِهِمَا بَدَلَ فَبَاعَهُمَا لَكَانَ أَوْلَى وَأَعَمَّ لِتَدْخُلَ الْهِبَةُ وَغَيْرُهَا (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْحَالِفُ (دَارِهِ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ، اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ بِمَا ذَكَرَ (مَا دَامَ مِلْكُهُ) عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ مَعَ الْإِشَارَةِ إذَا دَخَلَ الدَّارَ أَوْ كَلَّمَ الْعَبْدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ، وَمِثْلُ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ الْعَبْدِ مَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدًا فَكَلَّمَ مُبَعَّضًا، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ حُرًّا أَوْ لَا يُكَلِّمُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بُسْرَةً وَلَا رُطَبَةً فَأَكَلَ مُنَصَّفَةً، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ اشْتَرَى زَيْدٌ بَعْدَ الدَّارِ دَارًا أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ الْحَالِفُ بِدُخُولِهَا إنْ أَرَادَ الدَّارَ الْأُولَى، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ تَكُونُ فِي مِلْكِهِ حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ جَرَى عَلَيْهَا مِلْكُهُ حَنِثَ بِهِمَا، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْبَابِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الْإِضَافَةَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا يُمْلَكُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمَالِكِ أَوْ بِمَا لَا يَمْلِكُ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ، حَنِثَ بِالْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ وَبِالْمُتَجَدِّدِ اعْتِبَارًا بِالْمَالِكِ، وَإِنْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ وَلَدَ فُلَانٍ حَنِثَ بِالْمَوْجُودِ دُونَ الْمُتَجَدِّدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَمِينَ تَنْزِلُ عَلَى مَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 200 وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي، وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَلَا يَحْنَثُ بِمَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ.   [مغني المحتاج] صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ شَعْرَ فُلَانٍ فَحَلَقَهُ فَنَبَتَ شَعْرٌ آخَرُ فَمَسَّهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ هَذَا أَصْلُ الشَّعْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ هُوَ غَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ يَصِحُّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِلْكُهُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ دَامَ، وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَالْخَبَرُ أَوْ الِاسْمُ مَحْذُوفٌ. (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا) أَيْ الدَّارَ (مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ) مِنْ مَحِلِّهِ (وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا) أَيْ الدَّارِ (لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي) أَيْ بِالدُّخُولِ مِنْ الْمَنْفَذِ الثَّانِي (وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ فِيهِمَا حَمْلًا لِلْيَمِينِ عَلَى الْمَنْفَذِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدُّخُولِ دُونَ الْمَنْصُوصِ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي عَكْسُهُ حَمْلًا عَلَى الْمَنْصُوبِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَمْلًا عَلَى الْمَنْفَذِ وَالْمَنْصُوبِ مَعًا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يَسُدَّ الْأَوَّلَ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ بِمَا إذَا سَدَّ الْأَوَّلَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَمِلَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مِنْ ذَا الْبَابِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ عَمَّا لَوْ قَالَ: لَا أَدْخُلُهَا مِنْ بَابِهَا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْبَابِ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ بَابِهَا. فَرْعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ عَلَى سَرْجِ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَرَكِبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ) أَوْ لَا يَسْكُنُ (بَيْتًا) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (حَنِثَ) بِالدُّخُولِ أَوْ السُّكْنَى (بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ) أَوْ قَصَبٍ مُحْكَمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ خَيْمَةٍ) وَنَحْوِهَا؛ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ حَضَرِيًّا أَمْ بَدَوِيًّا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخَيْمَةَ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا اُتُّخِذَتْ مَسْكَنًا، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِيضَاحِ. قَالَ: فَأَمَّا مَا يَتَّخِذُهَا الْمُسَافِرُ وَالْمُجْتَازُ لِدَفْعِ الْأَذَى فَلَا تُسَمَّى بَيْتًا، وَمَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْهَا انْصَرَفَ إلَيْهَا، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا تَلَفَّظَ بِالْبَيْتِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَلَوْ حَلَفَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ خَانَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَجَمَ لَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَبْنِيِّ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ (وَلَا يَحْنَثُ) عَلَى الْمَذْهَبِ (بِمَسْجِدٍ) وَكَعْبَةٍ (وَ) بَيْتٍ (حَمَّامٍ) وَرَحًى (وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ) لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بَيْتًا عُرْفًا، فَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ الْمَسْجِدِ بَيْتًا، فِي قَوْله تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وَلَا بِتَسْمِيَةِ الْكَعْبَةِ بَيْتًا، فِي قَوْله تَعَالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 201 أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ حَنِثَ، وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ، فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي. قُلْت: وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا بِسَاطًا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عِنْدَ سِرَاجٍ فَجَلَسَ عِنْدَ الشَّمْسِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا سِرَاجًا. تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْغَارَ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فِي غَارٍ لَمْ يُتَّخَذْ لِلسُّكْنَى. فَأَمَّا مَا اُتُّخِذَ مِنْ ذَلِكَ مَسْكَنًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُرَادُ بِالْكَنِيسَةِ مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ. أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَيْتًا فِي الْكَنِيسَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ قَطْعًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ سَاحَةِ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَنَحْوِهِمَا. وَكَذَا الْإِيوَانُ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْنَثُ بِدُخُولِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمَا. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ) عَالِمًا بِذَلِكَ ذَاكِرًا لِلْحَلِفِ مُخْتَارًا (حَنِثَ) مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ (وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ) كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّلَامِ الْآتِيَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْتَنِعُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا، وَيَصِحُّ سَلَّمْتُ عَلَيْكُمْ إلَّا زَيْدًا، وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ دَارًا، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً يَفْتَرِقُ الْمُتَبَايِعَانِ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ (فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ) أَيْ زَيْدٍ فِي الْبَيْتِ (فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي) وَالْجَاهِلِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْأَصَحُّ فِيهِمَا عَدَمُ الْحِنْثِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا أَطْلَقَ، فَإِنْ قَالَ: لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ عَامِدًا وَلَا نَاسِيًا حَنِثَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ نَاسِيًا قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ (قُلْت: وَلَوْ) . (حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ) وَعَلِمَ بِهِ (وَاسْتَثْنَاهُ) لَفْظًا أَوْ نِيَّةً (لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأُولَى جَزْمًا، وَلَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا عَلَيْهِ (وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يُخَصَّصْ، وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْجَمِيعِ وَلِلْبَعْضِ، فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ قَصَدَهُ حَنِثَ قَطْعًا أَوْ جَهِلَهُ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ. تَنْبِيهٌ يَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ 6530 سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ وَزَيْدٌ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ بِهِ كَذَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ السَّلَامُ الْخَاصُّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْأُنْسُ وَزَوَالُ الْهِجْرَانِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّلَامِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ. قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَخَذَهُ مِنْ الشَّامِلِ وَهُوَ بَحْثٌ لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ اهـ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ التَّحَلُّلَ أَوْ أَطْلَقَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَا قَالَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 202 [فَصْلٌ] حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا، لَا طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً،   [مغني المحتاج] الرَّافِعِيُّ خَارِجٌ عَنْ الْعُرْفِ. ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَمْ لَا كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمُفْهِمَةِ اهـ. وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ سَلَامَهُ، فَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعُدَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سَلَامَ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ. [فَصَلِّ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] [فَصْلٌ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ، إذَا (حَلَفَ) شَخْصٌ (لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ) أَوْ الرَّأْسَ أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا (وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا) وَهِيَ رُءُوسُ الْغَنَمِ قَطْعًا، وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ، وَإِنْ اُخْتُصَّ بَعْضُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ (لَا) بِرُءُوسِ (طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ) وَخَيْلٍ (إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً) لِكَثْرَتِهَا وَاعْتِيَادِ أَهْلِهَا فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَرُءُوسِ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَالِفُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً، بَلْ تُبَاعُ فِي غَيْرِهِ مُفْرَدَةً حَنِثَ عَلَى الْأَقْوَى فِي الرَّوْضَةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي مَوْضِعٍ ثَبَتَ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ كَخُبْزِ الْأَرُزِّ. قَالَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ، وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَأَصْلِهِ، وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا انْتَشَرَ الْعُرْفُ بِحَيْثُ بَلَغَ الْحَالِفَ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ اهـ. أَمَّا إذَا نَوَى شَيْئًا مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى مُسَمَّى الرَّأْسِ حَنِثَ بِكُلِّ رَأْسٍ وَإِنْ لَمْ تُبَعْ وَحْدَهَا، وَإِنْ قَالَ: لَا آكُلُ رُءُوسَ الشَّوَى حَنِثَ بِرُءُوسِ الْغَنَمِ فَقَطْ، دُونَ رُءُوسِ غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: حَنِثَ بِرُءُوسٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ جَمْعٍ مِنْ الرُّءُوسِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي فُرُوعِهِ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ، أَوْ صَرِيحَهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ، حَتَّى لَوْ أَكَلَ رَأْسًا أَوْ بَعْضَهُ حَنِثَ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ: لَا أَدْرِي مَاذَا بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ، إنْ اتَّبَعَ اللَّفْظَ فَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِكُلِّ رَأْسٍ، وَإِنْ اتَّبَعَ الْعُرْفَ، فَأَصْحَابُ الْقُرَى لَا يَعُدُّونَ الْخِيَامَ بُيُوتًا، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ. وَأَجَابَ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ تَارَةً، وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِهَا وَشُمُولِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ، وَتَارَةً يَتْبَعُ الْعُرْفَ إذَا اشْتَهَرَ وَاطَّرَدَ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ نَحْوَهُ فَقَالَ: قَاعِدَةُ الْأَيْمَانِ الْبِنَاءُ عَلَى الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَضْطَرِبْ، فَإِذَا اضْطَرَبَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ اهـ. وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَيْدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 203 وَالْبَيْضُ يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ لَا سَمَكٍ وَجَرَادٍ. وَاللَّحْمُ عَلَى نَعَمٍ وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ لَا سَمَكٍ   [مغني المحتاج] لَشَمِلَ رَأْسَ سَمَكٍ وَطَيْرٍ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَيْدٌ، وَيَجُوزُ فِي طَيْرٍ وَمَا بَعْدَهُ الرَّفْعُ أَيْضًا، وَيُقَالُ لِبَيَّاعِ الرُّءُوسِ رَآَّسٌ، وَالْعَامَّةُ يَقُولُونَ رَوَّاسٌ (وَالْبَيْضُ) جَمْعُ بَيْضَةٍ (يُحْمَلُ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا (عَلَى) بَيْضٍ (مُزَايِلٍ) أَيْ مُفَارِقٍ (بَائِضَهُ فِي الْحَيَاةِ كَدَجَاجٍ) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ: أَيْ بَيْضِهِ وَبَيْضِ إوَزٍّ وَبَطٍّ (وَنَعَامَةٍ وَحَمَامٍ) وَعَصَافِيرَ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ تَمْثِيلِهِ التَّخْصِيصَ بِبَيْضِ الْمَأْكُولِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي، فَقَالَ: وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ حِلُّ أَكْلِهِ بِلَا خِلَافٍ، إذَا قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: عَلَى مُزَايِلٍ بَائِضَهُ أَيْ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا الْمُزَايَلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الدَّجَاجَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا بَيْضٌ مُتَصَلِّبٌ حَنِثَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْحِنْثِ بَيْنَ أَكْلِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ بِخِلَافٍ مَا إذَا أَكَلَهُ فِي شَيْءٍ لَا تَظْهَرُ صُورَتُهُ فِيهِ كَالنَّاطِفِ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَيَاضِ الْبَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ. قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَسْعُودِيُّ لَمَّا تَوَقَّفَ الْقَفَّالُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ. ثُمَّ لَقِيَ رَجُلًا فَحَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ، فَإِذَا هُوَ بَيْضٌ، فَقَالَ: يُتَّخَذُ مِنْهُ النَّاطِفُ وَيُؤْكَلُ وَيَكُونُ قَدْ أَكَلَ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْبَيْضَ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ (لَا) بَيْضِ (سَمَكٍ) وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْبَطَارِخِ (وَ) لَا بَيْضِ (جَرَادٍ) فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ، عَلَى أَكْلِ الْبَيْضِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْبَطْنِ، وَلَوْ بِيعَ بَيْضُ السَّمَكِ مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ، وَهُوَ الْبَطَارِخُ، وَلَا يَحْنَثُ بِخُصْيَةِ شَاةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَكَمَا سَبَقَ فِي الرُّءُوسِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي، وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَصَارِينِ السَّمَكِ الْمَمْلُوحِ مَعَ بَيْضِهِ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَوِيَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ. (وَ) يُحْمَلُ (اللَّحْمُ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (عَلَى) لَحْمِ (نَعَمٍ) مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (وَ) لَحْمِ (خَيْلٍ) وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةُ كَأَصْلِهَا، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (وَ) لَحْمُ (وَحْشٍ وَطَيْرٍ) مَأْكُولَيْنِ لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْ مُذَكَّاهَا، سَوَاءٌ أَكَلَهُ نِيئًا أَمْ لَا، وَلَا يَحْنَثُ بِلَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالْمَيْتَةِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ، وَلِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمَأْكُولِ شَرْعًا، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَالِفِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ حِلَّ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ وَإِلَّا فَلَا، وَ (لَا) عَلَى لَحْمِ (سَمَكٍ) وَجَرَادٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي الْعُرْفِ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا بَلْ سَمَكًا، كَمَا لَا يَحْنَثُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِسَاطًا. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ لَحْمَ السَّمَكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَجْرِيَ عَادَةُ نَاحِيَتِهِ بِبَيْعِ لَحْمِهِ مُفْرَدًا أَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 204 وَشَحْمِ بَطْنٍ، وَكَذَا كَرِشٍ وَكَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ فِي الْأَصَحّ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَشَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ، وَأَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ، وَأَنَّ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ لَيْسَا شَحْمًا وَلَا لَحْمًا، وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا، وَالدَّسَمُ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ،   [مغني المحتاج] لَا، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ. هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ (وَ) لَا (شَحْمِ بَطْنٍ) وَشَحْمِ عَيْنٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا اللَّحْمَ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ (وَكَذَا كَرِشٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ لِلْحَيَوَانِ كَالْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ (وَكَبِدٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا (وَطِحَالٍ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (وَقَلْبٍ) وَرِئَةٍ وَمِعًى (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لَيْسَتْ لَحْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَذَا الثَّدْيُ وَالْخُصْيَةُ فِي الْأَقْرَبِ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: وَلَا يَحْنَثُ بِقَانِصَةِ الدَّجَاجَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الِاسْمِ. فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " الْعَقْلُ فِي الْقَلْبِ وَالرَّحْمَةُ فِي الْكَبِدِ وَالرَّأْفَةُ فِي الطِّحَالِ " (وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ) أَيْ اللَّحْمِ (لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِمَا، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا إلَّا مُضَافًا، فَيُقَالُ: لَحْمُ رَأْسٍ، وَلَحْمُ لِسَانٍ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَحْمِ الْخَدِّ وَالْأَكَارِعِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأُذُنُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ غَالِبًا، لِأَنَّهُ جِنْسٌ غَيْرُ اللَّحْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرِّبَا (وَ) يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ أَيْضًا (شَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ) وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ لَحْمٌ أَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ، وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ نَظَرًا إلَى اسْمِ الشَّحْمِ. قَالَ تَعَالَى: (حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) أَيْ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْهُ فَسَمَّاهُ شَحْمًا، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا (لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَحْمٌ، وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُهُ لِمَا مَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ شَحْمٌ. أَمَّا شَحْمُ الْبَطْنِ فَيَحْنَثُ بِهِ جَزْمًا (وَ) الْأَصَحُّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (أَنَّ الْأَلْيَةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (وَالسَّنَامَ) بِفَتْحِ السِّينِ (لَيْسَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (شَحْمًا وَلَا لَحْمًا) لِأَنَّهُمَا يُخَالِفَانِ كُلًّا مِنْهُمَا فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ. فَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ أَوْ الشَّحْمَ لَا يَحْنَثُ بِهِمَا (وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا، وَ) السَّنَامُ (لَا يَتَنَاوَلُهَا) لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَنَقْرَأُ الْأَلْيَةَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ (وَالدَّسَمُ) وَهُوَ الْوَدَكُ (يَتَنَاوَلُهُمَا) أَيْ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ (وَ) يَتَنَاوَلُ (شَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ) لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الدُّهْنَ بِكَوْنِهِ يُؤْكَلُ عَادَةً لِيَخْرُجَ مَا لَا يُؤْكَلُ عَادَةً كَدُهْنِ خُرُوجٍ أَوْ شَرْعًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 205 وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا. وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ لَا آكُلُ هَذِهِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا،   [مغني المحتاج] كَدُهْنِ مَيْتَةٍ وَهُوَ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَدْخَلَ الْمُصَنِّفُ شَحْمَ الظَّهْرِ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُ لَحْمٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّسَمِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ سَمِينًا صَارَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّسَمِ، وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ الدَّسَمُ عَلَى كُلِّ لَحْمٍ، وَخَرَجَ بِالدُّهْنِ أُصُولُهُ كَالسِّمْسِمِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اللَّبَنَ فِي الدَّسَمِ مَعَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَرِبَ لَبَنًا. ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا» . أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إنَّهُ دَسَمٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَكَلَ مِنْهُ الدَّسَمَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ وَلَا يَحْنَثُ بِدُهْنِ السِّمْسِمِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دُهْنًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَفِي مَعْنَاهُ دُهْنُ جَوْزٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهِمَا (وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا) فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ اسْمِ الْبَقَرِ، وَلِهَذَا جَعَلُوهُمَا فِي بَابِ الرِّبَا جِنْسًا وَاحِدًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَقَرُ الْوَحْشِ فِي الْأَصَحِّ لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حِمَارًا فَرَكِبَ حِمَارًا وَحْشِيًّا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لِلرُّكُوبِ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ بِخِلَافِ الْأَكْلِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ هُنَا تَنَاوُلُ الْغَنَمِ لِلْمَعْزِ لِمَا مَرَّ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً لَمْ يَحْنَثْ بِمُذَكَّاةٍ وَلَا بِسَمَكٍ وَجَرَادٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَمًا فَأَكَلَ كَبِدًا أَوْ طِحَالًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا فَأَكَلَ شِيرَازًا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ يَغْلِي فَيَسْخَنُ جِدًّا وَيَصِيرُ فِيهِ حُمُوضَةٌ، أَوْ دُوغًا وَهُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَبَنٌ ثَخِينٌ نُزِعَ زَبَدُهُ وَذَهَبَتْ مَائِيَّتُهُ، أَوْ مَاشَتًا وَهُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ، وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ: لَبَنُ ضَأْنٍ مَخْلُوطٍ بِلَبَنِ مَعْزٍ حَنِثَ لِصِدْقِ اسْمِ اللَّبَنِ عَلَى ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ نَعَمٍ أَوْ مِنْ صَيْدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ خَيْلٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ لُوزًا، وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالزَّايِ شَيْءٌ بَيْنَ الْجُبْنِ وَاللَّبَنِ الْجَامِدِ نَحْوُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ فِي بِلَادِ مِصْرَ قَرِيشَةً، أَوْ مَصْلًا، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا أَقِطًا أَوْ غَيْرَهُ جَعَلُوا اللَّبَنَ فِي وِعَاءٍ مِنْ صُوفٍ أَوْ خُوصٍ أَوْ كِرْبَاسٍ وَنَحْوِهِ فَيَنِزُّ مَاؤُهُ فَهُوَ الْمَصْلُ، أَوْ جُبْنًا، وَتَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَابِ السَّلَمِ أَوْ كَشْكًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ، أَوْ أَقِطًا أَوْ سَمْنًا، إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ اللَّبَنِ، وَأَمَّا الزَّبَدُ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ فَلَهُ حُكْمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْقِشْطَةُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، وَالسَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالدُّهْنُ مُتَغَايِرَةٌ، فَالْحَلِفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِالْبَاقِي لِلِاخْتِلَافِ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ لَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللِّبَا، وَهُوَ أَوَّلُ اللَّبَنِ وَيَحْدُثُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا يُحْلَبُ قَبْلَهَا. (وَلَوْ) (قَالَ) فِي حَلِفِهِ (مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ) مَثَلًا (لَا آكُلُ هَذِهِ) (حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخَبْزِهَا) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ. هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَمِيعِ، وَقَالُوا: لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَمْ يَحْنَثْ بِبَعْضِهِ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 206 وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا، وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلَا بُسْرًا، وَلَا عِنَبٌ زَبِيبًا وَكَذَا الْعَكُوسُ. وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ، أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ يُفْهِمُ الْحِنْثَ فِيمَا إذَا بَقِيَ مَا لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُهُ وَأَكْلُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحِنْطَةَ إذَا طُحِنَتْ يَبْقَى فِي ثُقُوبِ الرَّحَى مِنْهَا بَقِيَّةُ دَقِيقٍ وَيَطِيرُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا عُجِنَ يَبْقَى فِي الْمِعْجَنِ غَالِبًا مِنْهَا بَقِيَّةٌ، وَإِذَا أَكَلَ الْخُبْزَ يَبْقَى مِنْهُ فُتَاتٌ صَغِيرٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي الْحِنْثِ بِأَكْلِ خُبْزِهَا عِنْدَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ وَيَطْرَحُ الْعُرْفَ. وَقَدْ حَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ. قَالَ: وَكُنْتُ أَجْلِسُ كَثِيرًا فِي مَجْلِسِ الشَّاشِيِّ يَعْنِي صَاحِبَ الْحِلْيَةِ، فَيَأْتِي إلَيْهِ الرَّجُلُ يَقُولُ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا أَلْبِسَ هَذَا الثَّوْبَ، وَقَدْ احْتَجْتُ إلَى لُبْسِهِ، فَيَقُولُ: سَلْ مِنْهُ خَيْطًا فَيَسُلُّ مِنْهُ خَيْطًا مِقْدَارَ الشِّبْرِ أَوْ الْأُصْبُعِ. ثُمَّ يَقُولُ: الْبَسْ لَا شَيْءَ عَلَيْكَ اهـ. وَعَلَى هَذَا إذَا تَحَقَّقَ ذَهَابُ مَا ذَكَرَ لَا يَحْنَثُ (وَلَوْ) صَرَّحَ فِي حَلِفِهِ بِالْإِشَارَةِ مَعَ اسْمٍ كَأَنْ (قَالَ: لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً) مَعَ بَقَاءِ حَيَاتِهَا (وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَزُلْ. فَإِنْ هُرِسَتْ فِي طَبْخِهَا لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْحِنْطَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا) بِضَمِّ الْخَاءِ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ أَخَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَأَنْ قَالَ: لَا آكُلُ الْحِنْطَةَ هَذِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ (وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ حَلَفَ عَلَى أَكْلِهِ (تَمْرًا وَلَا بُسْرًا) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَلَا بَلَحًا (وَلَا) يُتَنَاوَلُ (عِنَبٌ زَبِيبًا، وَكَذَا الْعَكُوسُ) لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ التَّمْرِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، وَكَذَا الْبَاقِي لِاخْتِلَافِهِمَا اسْمًا وَصِفَةً. تَنْبِيهٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا فَأَكَلَ مُنَصِّفًا، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ حَنِثَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ غَيْرَ الرُّطَبِ مِنْهُ فَقَطْ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ الرُّطَبَ مِنْهُ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: ثَمَرُ النَّخْلِ أَوَّلُهُ طَلْعٌ وَكَافُورٌ، ثُمَّ خَلَالٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ، ثُمَّ بَلَحٌ، ثُمَّ بُسْرٌ، ثُمَّ رُطَبٌ، ثُمَّ تَمْرٌ، فَإِذَا بَلَغَ الْإِرْطَابُ نِصْفَ الْبُسْرَةِ قِيلَ مُنَصِّفَةٌ، فَإِنْ بَدَا مِنْ ذَنَبِهَا وَلَمْ يَبْلُغْ النِّصْفَ قِيلَ مُذَنِّبَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ، وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ بُسْرَةٌ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَضَمِّهَا، وَالْجَمْعُ بُسْرٌ بِضَمِّ السِّينِ وَبُسُرَاتٌ، وَأَبْسَرَ النَّخْلُ صَارَ ثَمَرُهُ بُسْرًا، وَهَلْ يَتَنَاوَلُ الْبُسْرُ الْمُشَدَّخَ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَرَطَّبْ بِنَفْسِهِ، بَلْ عُولِجَ حَتَّى تَرَطَّبَ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي مِصْرَ بِالْمَعْمُولِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي رُطَبٍ فَأَحْضَرَ إلَيْهِ مُشَدَّخًا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرُّطَبِ. (وَلَوْ) (قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ) أَيْ صَارَ تَمْرًا (فَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ) وَأَطْلَقَ (فَكَلَّمَهُ شَيْخًا) (فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الِاسْمِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 207 وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزٍّ وَبَاقِلَّا وَذُرَةً وَحِمَّصٍ، فَلَوْ ثَرَدَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ،   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِبَقَاءِ الصُّورَةِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الصِّفَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ هَذَا اللَّحْمَ فَجَعَلَهُ شِوَاءً وَأَكَلَهُ. أَمَّا إذَا قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَكْلِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ وَكَلَامِ هَذَا الشَّخْصِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَإِنْ تَبَدَّلَتْ الصِّفَةُ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي نَظَائِرِ هَذَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَصَارَ رُطَبًا، أَوْ الْعِنَبِ فَصَارَ زَبِيبًا، أَوْ الْعَصِيرِ فَصَارَ خَمْرًا، أَوْ هَذِهِ الْخَمْرِ فَصَارَ خَلًّا، أَوْ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ السَّخْلَةِ أَوْ الْخَرُوفِ فَصَارَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَعَتَقَ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: شَيْخًا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ بَالِغًا يَحْنَثُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَالِغِ لَدَلَّ عَلَى الشَّيْخِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى سَخْلَةٍ لَا آكُلُ مِنْ لَحْمِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ. (وَالْخُبْزُ) فِي حَلِفِهِ عَلَى أَكْلِهِ (يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (وَأَرُزٍّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ (وَبَاقِلَّا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ اسْمٌ لِلْفُولِ (وَذُرَةً) بِإِعْجَامِ الذَّالِ بِخَطِّهِ وَهِيَ الدُّهْنُ، وَتَكُونُ سَوْدَاءَ وَبَيْضَاءَ (وَحِمَّصٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُهَا، وَسَائِرُ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْضُهَا مَعْهُودًا بِبَلَدِهِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ خُبْزٌ وَاللَّفْظُ بَاقٍ عَلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْعُمُومِ، وَعَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصًا لِوُجُودِ الِاسْمِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ لَمْ يَعْهَدْهُ بِبَلَدِهِ، وَخُبْزُ الْمَلَّةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الرَّمَادُ الْحَارُّ كَغَيْرِهِ (فَلَوْ ثَرَدَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفًا (فَأَكَلَهُ حَنِثَ) وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَهُ بِلَا مَضْغٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا هُنَا، وَفِي الطَّلَاقِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَلْعِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ فَعُدَّ ذَلِكَ تَنَاقُضًا. وَأَجَابَ شَيْخِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا فِي الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ، وَالْبَلْعُ فِيهَا لَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ، وَالْبَلْعُ فِيهَا يُسَمَّى أَكْلًا، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَهُ فِي مَرَقَةٍ حَسْوًا؛ أَيْ مَائِعًا يُشْرَبُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، أَوْ فَتِيتَا وَهُوَ الْخُبْزُ يُفَتُّ فِي الْمَاءِ بِحَيْثُ يَبْقَى فِيهِ كَالْحَسْوِ فَشَرِبَ الْحَسْوَ أَوْ الْفَتِيتَ، وَيُقَالُ فِيهِ الْفَتُوتَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا لَمْ يَحْنَثْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُسَمَّى خُبْزًا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ الْيَابِسَ ثُمَّ أَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ كَالدَّقِيقِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْجَوْزَيْنَقِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِالْجَوْزِ، وَمِثْلُهُ اللَّوْزَيْنَقِ، وَهُوَ الْقَطَائِفُ الْمَحْشُوَّةُ بِاللُّوزِ. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَقْلِيٌّ، وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الضَّابِطَ فِي الْخُبْزِ كُلُّ مَا خُبِزَ لَا مَا قُلِيَ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: فَأَمَّا الْبُقْسُمَاطُ وَالْبَسِيسُ وَالرُّقَاقُ وَبَيْضٌ لِذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: أَمَّا الْبُقْسُمَاطُ فَسَمَّاهُ الْجَوْهَرِيُّ خُبْزًا، وَالرُّقَاقُ فِي مَعْنَاهُ. نَعَمْ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ خُبْزًا. وَأَمَّا الْبَسِيسُ فَهُوَ أَنْ يُلَتَّ السَّوِيقُ أَوْ الدَّقِيقُ أَوْ الْأَقِطُ الْمَطْحُونُ بِالسَّمْنِ أَوْ بِالزَّيْتِ ثُمَّ يُؤْكَلُ، مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَأَنْشَدَ عَلَيْهِ: لَا تَخْبِزْ خُبْزًا ... وَبَسًّا بَسًّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 208 وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ حَنِثَ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ. أَوْ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ، أَوْ شَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ. أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا حَنِثَ،   [مغني المحتاج] وَإِذَا عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا وَاسْتِدْلَالًا قَطَعْتُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْبَسِيسِ اهـ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَظْهَرُ الْحِنْثُ بِالرُّقَاقِ وَالْبُقْسُمَاطِ، وَكَذَا بِبَسِيسٍ أَوْ خُبْزٍ، لَا إنْ قُلِيَ بِشَيْرَجٍ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِمَا يُخْبَزُ مَا يَتَعَاطَاهُ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ أَنَّهُمْ يَعْجِنُونَ دَقِيقًا وَيَخْبِزُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ ثُمَّ يَبُسُّونَهُ بِغِرْبَالٍ وَنَحْوِهِ وَيُضِيفُونَ إلَيْهِ سَمْنًا، وَقَدْ يُزَادُ عَسَلًا أَوْ سُكَّرًا اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا إنْ قُلِيَ فِيهِ إشَارَةً إلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَيْهِ يَحْنَثُ بِالْكُنَافَةِ وَلَا يَحْنَثُ بِالزَّلَابِيَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ رَجَّحَ الْأُشْمُونِيُّ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ أَنَّ الْبُقْسُمَاطَ وَنَحْوَهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، لَا مَا يُخْبَزُ وَيُقْلَى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي الْحِنْثُ فِي الْجَمِيعِ إنْ اعْتَمَدْنَا اللُّغَةَ، وَعَدَمُهُ إنْ اعْتَمَدْنَا الْعُرْفَ (وَ) الْأَفْعَالُ الْمُخْتَلِفَةُ الْأَجْنَاسِ كَالْأَعْيَانِ لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالشُّرْبُ لَيْسَ أَكْلًا وَلَا عَكْسَهُ، فَعَلَى هَذَا (لَوْ) (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ، أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ) مَبْلُولَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ أَكْلًا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ اسْمِ الْأَكْلِ الْمَضْغُ، بَلْ يَكْفِي الْبَلْعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَلَوْ ثَرَدَهُ (وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فِي مَاءٍ) أَوْ مَائِعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى انْمَاعَ (فَشَرِبَهُ فَلَا) لِعَدَمِ الْأَكْلِ. فَإِنْ كَانَ خَائِرًا بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالْيَدِ حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ) أَيْ السَّوِيقَ (فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا وَلَا يَشْرَبُهُ فَذَاقَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ شَيْئًا فَمَضَغَهُ وَلَفَظَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الذَّوْقَ مَعْرِفَةُ الطَّعْمِ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ فَأَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ وَبَلَغَ جَوْفَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَذُقْ، أَوْ لَا يُطْعَمُ حَنِثَ بِالْإِيجَارِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَأَجْعَلَنَّهُ لِي طَعَامًا وَقَدْ جَعَلَهُ لِي طَعَامًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ أَوْ الرُّمَّانَ فَامْتَصَّهُ وَلَمْ يَزْدَرِدْ شَيْئًا مِنْ تُفْلِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَصَبُ كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ) كَالزَّيْتِ (وَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ) (حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يُؤْكَلُ (أَوْ شَرِبَهُ فَلَا) يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ بِالثَّانِيَةِ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ الْأُولَى لِعَدَمِهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السُّكَّرَ فَوَضَعَهُ بِفِيهِ وَذَابَ وَابْتَلَعَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اتَّخَذَ مِنْهُ إلَّا إنْ نَوَى، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي التَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَنَحْوِهِمَا. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا) بِمُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَذَابَ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 209 وَإِنْ شَرِبَ ذِائْبًا فَلَا، وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً. وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ   [مغني المحتاج] يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو. فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يُشْبِهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مَا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَلَا يَحْنَثُ كَمَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ هَهُنَا آكِلٌ لَهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِآكِلٍ مَا اشْتَرَاهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرِبَ) هـ ذَائِبًا (فَلَا) يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ) وَهِيَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ: دَقِيقٌ يُلَتُّ بِسَمْنٍ وَيُطْبَخُ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: سُمِّيَتْ بِذَاكَ؛ لِأَنَّهَا تُعْصَدُ بِآلَةٍ أَيْ تُلْوَى (حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً) بِحَيْثُ يَرَى جُرْمَهُ بِأَنْ بَقِيَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ فَشَرِبَهُ صَرْفًا حَنِثَ وَإِنْ مَزَجَهُ بِغَيْرِهِ حَنِثَ إنْ غَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَمْ يَحْنَثْ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا فَيَنْبَغِي كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَوْ جَعَلَ الْخَلَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي سِكْبَاجٍ فَظَهَرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ حَنِثَ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ فَلَا. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْكُوزِ فَجَعَلَ مَاءَهُ فِي غَيْرِهِ وَشَرِبَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَعَلَّقَتْ بِالشُّرْبِ مِنْ الْكُوزِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَشَرِبَ مِنْ مَائِهِ فِي كُوزٍ حَنِثَ فِي الْأَوَّلِ وَبَرَّ فِي الثَّانِي وَإِنْ قَلَّ مَا شَرِبَهُ، أَوْ حَلَفَ لَا أَشْرَبُ أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، أَوْ الْإِدَاوَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ شُرْبًا فِي زَمَانٍ وَإِنْ طَالَ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَبَرَّ فِي الْحَالِ فِي الثَّانِي بِشُرْبِ بَعْضِهِ، بَلْ بِشُرْبِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُعَرَّفٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَلَوْ قَالَ لَا أَشْرَبُ مَاءَ النِّيلِ، أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ، أَوْ الْغَدِيرِ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَكْسُ ذَلِكَ: سَبْقُ قَلَمٍ اهـ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا حَنِثَ فِي الْغَدِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الصُّعُودِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَدًا حَنِثَ فِي الْحَالِ، وَلَأَشْرَبَنَّ مَا فِي هَذَا الْكُوزِ وَكَانَ فَارِغًا وَهُوَ عَالِمٌ بِفَرَاغِهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ زَيْدًا وَهُوَ عَالِمٌ بِمَوْتِهِ حَنِثَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَانْصَبَّ مِنْهُ قَبْلَ إمْكَانِ شُرْبِهِ فَكَالْمُكْرَهِ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَ مِنْهُ بَرَّ إنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّهُ مِنْ الْكُوزِ فَصَبَّهُ فِي مَاءٍ وَشَرِبَهُ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَبَرَّ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ مِنْ الْكُوزِ فِيهَا، وَلَمْ يَشْرَبْهُ جَمِيعَهُ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَفَارَقَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَمْسِ وَهُوَ صَادِقٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ فِيهِ الْحِنْثُ بِأَنَّ الْحَلِفَ ثَمَّ مُحْتَمِلٌ لِلْكَذِبِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فُرَاتًا، أَوْ مِنْ مَاءٍ فُرَاتٍ حَنِثَ بِالْمَاءِ الْعَذْبِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ لَا بِالْمِلْحِ، أَوْ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ حُمِلَ عَلَى النَّهْرِ الْمَعْرُوفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حَنِثَ بِكُلِّ مَاءٍ حَتَّى مَاءِ الْبَحْرِ وَشُرْبِ مَاءِ الثَّلْجِ وَالْجُمْدِ لَا أَكْلِهِمَا، فَشُرْبُهُمَا غَيْرُ أَكْلِهِمَا، وَأَكْلُهُمَا غَيْرُ شُرْبِهِمَا وَالثَّلْجُ غَيْرُ الْجُمْدِ. (وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا (رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ) وَتُفَّاحٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 210 وَأُتْرُجٌّ وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ. قُلْتُ: وَلَيْمُونٌ وَنَبْقٌ وَكَذَا بِطِّيخٌ وَلُبُّ فُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَغَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] وَسَفَرْجَلٌ وَكُمَّثْرَى وَمِشْمِشٌ وَخَوْخٌ (وَأُتْرُجٌّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَيُقَالُ فِيهِ أُتْرُنْجٌ بِالنُّونِ وَتُرُجٌّ (وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ) كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَتِينٍ يَابِسٍ وَمُفَلَّقٍ وَخَوْخٍ وَمِشْمِشٍ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ مَا يُتَفَكَّهُ بِهَا أَيْ مَا يُتَنَعَّمُ بِأَكْلِهَا أَوْ لَا يَكُونُ قُوتًا كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي شُمُولِ الْفَاكِهَةِ لِلزَّيْتُونِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ الشُّمُولِ، وَشَرَطَ الزُّبَيْدِيُّ فِي الْفَاكِهَةِ النُّضْجَ. قَالَ: فَلَوْ تَنَاوَلَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَنُضْجِهِ وَطِيبِهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي حَانِثًا، وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ رَأَيْته؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْغِذَاءِ وَلَا الطَّعَامِ، بَلْ هُوَ كَوَرَقِ الشَّجَرِ لَا يَدْخُلُ فِي التَّفَكُّهِ اهـ. وَجَزَمَ بِهَذَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ دُخُولِ الْبَلَحِ وَالْحُصْرُمِ فِي ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْبَلَحِ فِي غَيْرِ الَّذِي احْمَرَّ وَاصْفَرَّ وَحَلَا وَصَارَ بُسْرًا، أَوْ تَرَطَّبَ بَعْضُهُ وَلَمْ يَصِرْ رُطَبًا. فَأَمَّا مَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تَوَقُّفَ أَنَّهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ لِأَجْلِ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] وَمَيَّزَ الْعِنَبَ عَنْ الْفَاكِهَةِ فِي سُورَةِ عَبَسَ، وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايِرَةَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ: وَهُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ: {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَمَنْ قَالَ: لَيْسَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَهْذِيبِهِ: لَا تَعَلُّقَ فِيهَا لِمَنْ أَخْرَجَ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ مِنْ الْفَاكِهَةِ؛ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلَمَّا عَطَفَ عَلَيْهَا أَشْعَرَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَدْخُلَا فِي قَوْلِهِ فَاكِهَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا خُرُوجُهُمَا مِنْ جِنْسِ الْفَاكِهَةِ كُلِّهَا وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، فَإِنَّهَا فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ، وَهِيَ تَعُمُّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَلَيْمُونٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِثْبَاتِ النُّونِ فِي آخِرِهِ، الْوَاحِدَةُ لَيْمُونَةٌ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَغَلِطَ مَنْ نَفَى النُّونَ مُنْكِرًا عَلَى الْمُصَنِّفِ إثْبَاتَهَا. وَقَالَ الْمَعْرُوفُ: لَيْمُو بِحَذْفِ النُّونِ، وَمِثْلُهُ النَّارِنْجُ وَمَحِلُّهُ فِي الطَّرِيِّينَ كَمَا قَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ فَالْمُمَلَّحُ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ، وَالْيَابِسُ مِنْهُمَا أَوْلَى بِذَلِكَ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الطَّرِيَّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَاكِهَةٍ عُرْفًا، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بِهِ بَعْضُ الْأَطْعِمَةِ كَالْخَلِّ (وَ) يَدْخُلُ أَيْضًا فِي فَاكِهَةٍ (نَبْقٌ) طَرِيَّةٌ وَيَابِسَةٌ، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِكَسْرِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي خَطِّهِ: ثَمَرُ حَمْلِ السِّدْرِ (وَكَذَا بِطِّيخٌ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا (وَلُبُّ فُسْتُقٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا بِخَطِّهِ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْوَاحِدَةُ فُسْتُقَةٌ (وَ) لُبُّ (بُنْدُقٍ) بِمُوَحَّدَةٍ وَدَالٍ مَضْمُومَتَيْنِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِالْفَاءِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَغَيْرُهُمَا) مِنْ اللُّبُوبِ كَلُبِّ لَوْزٍ وَجَوْزٍ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 211 لَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ وَجَزَرٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ يَابِسٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ. وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى.   [مغني المحتاج] الْبِطِّيخُ فَلِأَنَّ لَهُ نُضْجًا وَإِدْرَاكًا كَالْفَوَاكِهِ. وَأَمَّا اللُّبُوبُ فَإِنَّهَا تُعَدُّ مِنْ يَابِسِ الْفَوَاكِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ فَاكِهَةً، وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَا قِثَّاءٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَبِمُثَلَّثَةٍ مَعَ الْمَدِّ (وَ) لَا (خِيَارٌ، وَ) لَا (بَاذِنْجَانٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ (وَ) لَا (جَزَرٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ لَا الْفَوَاكِهِ فَأَشْبَهَتْ الْبَقْلَ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِثَّاءَ غَيْرُ الْخِيَارِ، وَهُوَ الشَّائِعُ عُرْفًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّ الْقِثَّاءَ مَعَ الْخِيَارِ جِنْسَانِ، لَكِنَّهُ نَقَلَ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّ الْقِثَّاءَ الْخِيَارُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. قَالَ الْفَزَارِيّ: وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَكُونُ مِنْ الْفَاكِهَةِ مَعَ أَنَّ لُبَّ الْفُسْتُقِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِجَعْلِ الْخِيَارِ فِي أَطْبَاقِ الْفَاكِهَةِ دُونَ الْفُسْتُقِ وَالْبُنْدُقِ (وَلَا يَدْخُلُ فِي) حَلِفِهِ عَلَى عَدَمِ أَكْلِ (الثِّمَارِ) بِمُثَلَّثَةٍ (يَابِسٌ) مِنْهَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ بِخِلَافِ الْفَاكِهَةِ وَيَدْخُلُ فِيهَا يَابِسُهَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الثَّمَرَ اسْمٌ لِلرَّطْبِ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَصَوَّبَ، الْبُلْقِينِيُّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْيَابِسِ أَيْضًا. وَقَالَ أَهْلُ الْعُرْفِ: يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا ثَمَرًا بَعْدَ الْيُبْسِ (وَلَوْ أَطْلَقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ) فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَاحِدًا مِنْهَا (لَمْ يَدْخُلْ) فِي حَلِفِهِ (هِنْدِيٌّ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِلْمُخَالَفَةِ فِي الصُّورَةِ وَالطَّعْمِ، وَكَذَا لَا يَتَنَاوَلُ الْخِيَارُ خِيَارَ الشِّنْبَرِ، وَالْبِطِّيخُ الْهِنْدِيُّ هُوَ الْأَخْضَرُ، وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِهِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ، فَإِنَّ إطْلَاقَ الْبِطِّيخِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْأَخْضَرِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ بِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا. (وَالطَّعَامُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ (يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى) لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] . تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّعَامَ لَا يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ دَاخِلًا فِي اسْمِ الطَّعَامِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ هُنَاكَ، وَالْحَلْوَى كُلُّ مَا اُتُّخِذَ مِنْ نَحْوِ عَسَلٍ وَسُكَّرٍ مِنْ كُلِّ حُلْوٍ، وَلَيْسَ جِنْسُهُ حَامِضًا كَدِبْسٍ وَقَنْدٍ وَفَانِيدٍ، لَا عِنَبَ وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانَ، أَمَّا السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُمَا فَلَيْسَ بِحَلْوَى بِدَلِيلِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ» فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَلْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْقُودَةً فَلَا يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْحَلْوَى بِغَيْرِ الْمَعْمُولِ بِخِلَافِ الْحُلْوِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَفِي اللَّوْزَيْنَجِ وَالْجَوْزَيْنَجِ وَجْهَانِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 212 وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ. [فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ]   [مغني المحتاج] الْحِنْثُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَهُمَا حَلْوَى. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِثْلُهُ مَا يُقَالُ لَهُ الْمُكَفَّنُ وَالْخُشْكَنَانُ وَالْقَطَائِفُ، وَإِذَا قُصِرَتْ الْحَلْوَى كُتِبَتْ بِالْيَاءِ وَإِلَّا فَبِالْأَلِفِ. فَائِدَةٌ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَلْبُ الْمُؤْمِنِ حُلْوٌ يُحِبُّ الْحَلْوَى» وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي كَوْنِ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرَ. وَقَالَ عُرْفُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ: أَنَّ الطَّعَامَ هُوَ الْمَطْبُوخُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ، وَمَنْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْفَوَاكِهِ عُدَّ مِنْ الْحَمْقَى وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إلَى اللُّغَةِ إنْ لَمْ يُعَضِّدْهَا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ. قَالَ: وَنُقِلَ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ إطْلَاقُ الطَّعَامِ عَلَى الْبُرِّ، فَإِنْ كَانَ عُرْفُهُمْ هَذَا حُمِلَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَيْهِ اهـ. وَهَلْ يَدْخُلُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَاللَّحْمُ فِي الْقُوتِ لِمَنْ يَعْتَادُ كُلًّا مِنْهَا أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَدَمُ دُخُولِهَا إذَا لَمْ يُعْتَدْ اقْتِيَاتُهَا بِبَلَدِ الْحَالِفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْحَالِفُ يَقْتَاتُهَا، وَمِنْ الْأُدْمِ الْفُجْلُ، وَالثِّمَارُ، وَالْبَصَلُ، وَالْمِلْحُ، وَالْخَلُّ، وَالشَّيْرَجُ، وَالتَّمْرُ (وَلَوْ) تَعَارَضَ الْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ الْمُشْتَهِرَةُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ لَوْ (قَالَ) الْحَالِفُ (لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا) فَيَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عُرْفًا، وَكَذَا شَحْمُهَا وَكَبِدُهَا وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى اللَّحْمِ (دُونَ وَلَدٍ) لَهَا (وَلَبَنٍ) مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا حَمْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَارَفَةِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مَسْمُوطًا حَنِثَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ الْمَجَازُ مُشْتَهِرًا قُدِّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَرْجُوحَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) لَا آكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ) مِنْهَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِهِ (دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ) مِنْهَا حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَغْصَانَ وَالْأَوْرَاقَ لَا تُرَادُ فِي الْعُرْفِ، وَالْجُمَّارُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ كَالتَّمْرِ قَالَ: وَإِنْ أُكِلَ الْوَرَقُ فِي بَلْدَةٍ أَكْلًا مُتَعَارَفًا كَوَرَقِ بَعْضِ شَجَرِ الْهِنْدِ، فَقَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهُ وَأَنَّهُ مِثْلُ الْحَلْوَى وَأَحْسَنُ فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا اهـ. فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ يَكُونُ كَالْجُمَّارِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَإِنَّمَا قَالُوا فِي التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِتَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَجَازُ رَاجِحًا، وَالْحَقِيقَةُ تُتَعَاهَدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ: كَمَا لَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْكَرْعِ بِفِيهِ، وَإِذَا غَرَفَ بِإِنَاءٍ وَشَرِبَ فَهُوَ مَجَازٌ، لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ الْكُوزِ لَا مِنْ النَّهْرِ. لَكِنَّهُ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادَرُ، وَالْحَقِيقَةُ قَدْ تُرَادُ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّعَاءِ وَغَيْرُهُمْ يَكْرَعُ بِفِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْأُخْرَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ. فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ يَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ الْمَاءَ بِيَدِهِ أَمْ فِي إنَاءٍ فَشَرِبَ أَوْ كَرَعَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكَرْعِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 213 فَصْلٌ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّهَا فَاخْتَلَطَتْ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ. أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا. أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا حَنِثَ، أَوْ لَا   [مغني المحتاج] [فَصَلِّ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ] [فَصْلٌ] فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ: لَوْ حَلَفَ لَا يَشَمُّ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا - الرَّيْحَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ حَنِثَ بِشَمِّ الصَّيْمَرَانِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْمِيمِ: الرَّيْحَانُ الْفَارِسِيِّ لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَإِنْ شَمَّ الْوَرْدَ وَالْيَاسَمِينَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَشْمُومٌ لَا رَيْحَانٌ، وَمِثْلُهُ الْبَنَفْسَجُ وَالنَّرْجِسُ وَالزَّعْفَرَانُ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْمَشْمُومِ حَنِثَ بِذَلِكَ دُونَ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْعَنْبَرِ؛ لِأَنَّهَا طِيبٌ لَا مَشْمُومٌ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ لَمْ يَحْنَثْ بِدُهْنِهِمَا. (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ) الْمُعَيَّنَةَ (فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً) . قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: أَوْ أَكَلَ الْغُرَابُ مَثَلًا مِنْهُ وَاحِدَةً (لَمْ يَحْنَثْ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَرَعُ أَنْ يُكَفِّرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَكَلَهَا أَوْ أَكَلَ الْكُلَّ حَنِثَ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَحْنَثُ بِآخِرِ تَمْرَةٍ يَأْكُلُهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ فَالْعِدَّةُ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ وَقْتِ اشْتِغَالِهِ بِالْأَكْلِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ إلَّا بَعْضَ تَمْرَةٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ ذَكَرَهَا لَعُلِمَ مِنْهَا حُكْمُ تَرْكِ جَمِيعِ التَّمْرَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّهَا) أَيْ التَّمْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ (فَاخْتَلَطَتْ) بِتَمْرِ كُلِّهِ (لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَتْرُوكَةُ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا. أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِطْ بِهِ كُلِّهِ كَأَنْ وَقَعَتْ فِي جَانِبٍ مِنْ الصُّبْرَةِ فَأَكَلَ ذَلِكَ الْجَانِبَ. بَرَّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ التَّمْرَةُ مُتَمَيِّزَةً عَنْ أَكْثَرِ التَّمْرِ وَهُنَاكَ قَلِيلٌ يُشْبِهُهَا بَرَّ بِأَكْلِ جَمِيعِ مَا يُشْبِهُهَا وَالضَّابِطُ حُصُولُ الْيَقِينِ بِأَكْلِهَا. (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ) (فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا) لِتَعَلُّقِ يَمِينِهِ بِالْجَمِيعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: لَا آكُلُهَا فَتَرَكَ مِنْهَا حَبَّةً لَمْ يَحْنَثْ. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ) وَأَطْلَقَ (لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْهُمَا شَيْئًا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَلَوْ أَتَى بِوَاوِ الْعَطْفِ بَدَلًا عَنْ التَّثْنِيَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهَذَا الثَّوْبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ (فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا) أَيْ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ (أَوْ مُرَتَّبًا) بِأَنْ لَبِسَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ قَلَعَهُ ثُمَّ لَبِسَ الْآخَرَ (حَنِثَ) لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ مَعًا لِلِاتِّحَادِ فِي الزَّمَانِ وِفَاقًا لِثَعْلَبٍ وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ ابْنِ مَالِكٍ خِلَافُهُ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجِرَاحِ (أَوْ) قَالَ فِي حَلِفِهِ: أَنَّهُ (لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 214 أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا،   [مغني المحتاج] أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ، حَتَّى لَوْ حَنِثَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ حَتَّى إذَا وُجِدَ كَفَّرَ أُخْرَى؛ لِأَنَّ إدْخَالَ حَرْفِ الْعَطْفِ وَتَكْرِيرَ " لَا " بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَيُخَالِفُ مَا لَوْ حَذَفَ لَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ جَعْلِهِمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَالشَّيْئَيْنِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ الْحِنْثِ، فَإِذَا أَدْخَلَ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةٍ وَلَيْسَ إلَّا إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ النُّحَاةُ: إنَّ النَّفْيَ بِلَا لِنَفْيِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَدُونَهَا لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ دِرْعًا، وَهِيَ مِنْ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجَوْهَرِيُّ فِيهَا التَّذْكِيرَ وَالتَّأْنِيثَ هَذَا فِي دِرْعِ الرَّجُلِ. وَأَمَّا دِرْعُ الْمَرْأَةِ فَمُذَكَّرٌ بِاتِّفَاقٍ، أَوْ جَوْشَنًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، أَوْ خُفًّا، أَوْ نَعْلًا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، أَوْ خَاتَمًا، أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ نَحْوَهَا مِنْ سَائِرِ مَا يَلْبَسُ حَنِثَ لِصِدْقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ سَابِغٌ كُلُّهُ. وَالثَّانِي إلَى نِصْفِ الْفَخِذِ وَإِلَى نِصْفِ الْعَضُدِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ بِقَمِيصٍ وَرِدَاءٍ وَسَرَاوِيلَ وَجُبَّةٍ وَقُبَاءَ وَنَحْوِهَا، مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ سَوَاءٌ لَبِسَهُ بِالْهَيْئَةِ الْمُعْتَادَةِ أَمْ لَا بِأَنْ ارْتَدَى، أَوْ اتَّزَرَ بِالْقَمِيصِ، أَوْ تَعَمَّمَ بِالسَّرَاوِيلِ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالثَّوْبِ، لَا بِالْجُلُودِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْحَلْيِ لِعَدَمِ اسْمِ الثَّوْبِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةٍ يَعْتَادُونَ لُبْسَ الْجُلُودِ ثِيَابًا فَيُشَبَّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَا وَلَا يَحْنَثُ بِوَضْعِ الثَّوْبِ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا بِافْتِرَاشِهِ تَحْتَهُ، وَلَا بِتَدَثُّرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى لُبْسًا وَإِنَّمَا حُرِّمَ افْتِرَاشُ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِعْمَالٍ فَكَانَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى رِدَاءٍ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّدَاءَ فِي يَمِينِهِ، بَلْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَّعَهُ قَمِيصًا وَلَبِسَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى لُبْسِهِ ثَوْبًا فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا مُنْكَرًا أَوْ مُعَرَّفًا كَهَذَا الْقَمِيصِ فَارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ حَنِثَ لِتَحَقُّقِ اسْمِ اللُّبْسِ وَالْقَمِيصِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَلِفِ عَلَى لُبْسِ الثَّوْبِ، لَا إنْ ارْتَدَى أَوْ اتَّزَرَ بِهِ بَعْدَ فَتْقِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْقَمِيصِ، فَلَوْ أَعَادَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأُولَى فَكَالدَّارِ الْمُعَادَةِ بِنَقْضِهَا وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهَا، وَلَوْ قَالَ: لَا أَلْبِسُ هَذَا الثَّوْبَ وَكَانَ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً فَجَعَلَهُ نَوْعًا آخَرَ كَسَرَاوِيلَ حَنِثَ بِلُبْسِهِ؛ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا دَامَ بِتِلْكَ الْهَيْئَةِ، أَوْ لَا أَلْبِسُ هَذَا الْقَمِيصَ، أَوْ الثَّوْبَ قَمِيصًا فَارْتَدَى بِهِ، أَوْ اتَّزَرَ، أَوْ تَعَمَّمَ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ صِدْقِ الِاسْمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أَلْبِسُهُ وَهُوَ قَمِيصٌ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ خَاتَمًا أَوْ مِخْنَقَةَ لُؤْلُؤٍ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْخُنَاقِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، وَالْمُخَنَّقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعُ الْمِخْنَقَةِ مِنْ الْعُنُقِ، أَوْ تَحَلَّى بِالْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوَاهِرِ وَلَوْ مِنْطَقَةً مُحَلَّاةً، وَسِوَارًا، وَخَلْخَالًا، وَدُمْلُجًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حُلِيًّا، وَلَا يَحْنَثُ بِسَيْفٍ مُحَلًّى؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 215 أَوْ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ فِي الْغَدِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ، وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ حَنِثَ، وَإِنْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَمُكْرَهٍ. أَوْ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ فَلْيَقْضِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ   [مغني المحتاج] لَيْسَ حُلِيًّا، وَيَحْنَثُ بِالْخَرَزِ وَالسَّبَجِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ، وَهُوَ الْخَرَزُ الْأَسْوَدُ، وَبِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ التَّحَلِّيَ بِهَا كَأَهْلِ السُّودَانِ وَأَهْلِ الْبَوَادِي، وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا فَجَعَلَهُ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ مِنْ أَصَابِعِهِ حَنِثَتْ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ مُطْلَقًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الرَّاجِحُ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ اللُّبْسِ وَصِدْقِ الِاسْمِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا أَوْ الْوُسْطَى أَوْ السُّفْلَى. (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ (وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ) أَوْ بَعْضُهُ (فِي الْغَدِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَ) إنْ تَلِفَ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ فَفِي حِنْثِهِ (قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ) أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الْبِرِّ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قَالُوا قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ أَرَادُوا بِهِ مَا إذَا حَلَفَ بِاخْتِيَارِهِ ثُمَّ أُكْرِهَ عَلَى الْحِنْثِ. أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَطْعًا، وَشَمِلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَبْلَهُ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى مَا إذَا تَلِفَ قَبْلَ الْغَدِ. وَالثَّانِيَةُ: مَا إذَا تَلِفَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَالْأُولَى لَا يَحْنَثُ فِيهَا قَطْعًا. وَالثَّانِيَةُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَيْهَا، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ، فَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَفِي صُورَةِ التَّلَفِ إذَا لَمْ يُنْسَبْ إلَى تَقْصِيرٍ فِي تَلِفَهُ، فَلَوْ أَتْلَفَتْهُ هِرَّةٌ أَوْ صَغِيرٌ مَثَلًا مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ حَنِثَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَوْ بَعْضَهُ (بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ) عَالِمًا عَامِدًا مُخْتَارًا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَأْتِيَ الْغَدَاءُ كَمَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ، وَعَلَى هَذَا هَلْ حِنْثُهُ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِ الْأَكْلِ مِنْ الْغَدِ أَوْ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْإِمَامُ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَاف فِيمَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ عَنْ كَفَّارَتِهِ عَلَى قَضِيَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ دُونَ الْأَصَحِّ (وَإِنْ تَلِفَ) الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ (أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) قَبْلَ الْغَدِ (فَكَمُكْرَهٍ) لِمَا مَرَّ، وَالْأَظْهَرُ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ. (أَوْ) قَالَ مُخَاطِبًا لِشَخْصٍ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ: وَاَللَّهِ (لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ) أَوْ مَعَهُ، أَوْ مَعَ الِاسْتِهْلَالِ، أَوْ عِنْدَهُ، أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ، أَوْ مَعَ رَأْسِهِ، أَوْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (فَلْيَقْضِ) الْحَقُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ) الَّذِي قَبْلَهُ لِوُقُوعِ هَذَا اللَّفْظِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 216 فَإِنْ قَدِمَ أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ، قَدْرُ إمْكَانِهِ حَنِثَ، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَفْرُغْ لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا فَلَا حِنْثَ.   [مغني المحتاج] عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ، وَيُعْرَفُ إمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ الْعَدَدِ، لَكِنْ لَفْظَةُ عِنْدَ أَوْ مَعَ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يُقْدَرُ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يَتَسَامَحَ فِيهِ وَيَقْنَعَ بِالْمُمْكِنِ أَوْ يُقَالَ: الْتَزَمَ مُحَالًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهَذَا لَا ذَاهِبَ إلَيْهِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي (فَإِنْ قَدِمَ) قَضَاءُ الْحَقِّ عَلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ (أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إمْكَانِهِ) أَيْ قَضَاءِ الْحَقِّ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَكَذَا لَوْ مَضَى زَمَنُ الشُّرُوعِ وَلَمْ يَشْرَعْ مَعَ الْإِمْكَانِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ زَمَنِ الْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّ الْمَالَ وَيَتَرَصَّدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَقْضِيَهُ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَأَقْضِيَنَّ غَدًا وَنَوَى أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ الْغَدِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقَضَائِهِ قَبْلَهُ، فَيَجِيءُ مِثْلُهُ هُنَا، فَيُسْتَثْنَى هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ قَدِمَ، وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ: أَرَدْت بِقَوْلِي: عِنْدَ إلَيَّ فَفِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ: مُخْتَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْهُمَا الْقَبُولُ فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ) أَوْ الْوَزْنِ، أَوْ الْعَدِّ (حِينَئِذٍ) أَيْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ فِي مُقَدِّمَةِ الْقَضَاءِ كَحَمْلِ الْكَيْلِ أَوْ الْمِيزَانِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا كَانَ أَوْلَى لِفَهْمِ الشُّرُوعِ فِي غَيْرِهَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى (وَلَمْ يَفْرُغْ) مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَكِيلِ مَعَ تَوَاصُلِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ (لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ مِيقَاتِهِ، فَإِنْ حَصَلَتْ فَتَرَاتٌ لَا يُعَدُّ الْكَيْلُ أَوْ نَحْوُهُ فِيهَا مُتَوَاصِلًا حَنِثَ حَيْثُ لَا عُذْرَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حُمِلَ الْحَقُّ إلَيْهِ حِينَ الْغُرُوبِ وَمَنْزِلُهُ بَعِيدٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَمْضِيَ اللَّيْلَةُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْهِلَالِ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ عَنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَبَانَ كَوْنُهَا مِنْ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ كَالْمُكْرَهِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَلَوْ رَأَى الْهِلَالَ بِالنَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ، فَلَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى الْغُرُوبِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ) اللَّهَ تَعَالَى أَوْ حَمِدَهُ أَوْ هَلَّلَهُ أَوْ كَبَّرَهُ، وَكَذَا لَوْ دَعَا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِخِطَابِ الْآدَمِيِّ (أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا) فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ (فَلَا حِنْثَ) بِذَلِكَ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامًا يَحْنَثُ بِسَمَاعِهِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَرَأَ مِنْ التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ الْيَوْمَ أَوْ الْإِنْجِيلِ لَمْ يَحْنَثْ لِلشَّكِّ فِي أَنَّ الَّذِي قَرَأَهُ مُبَدَّلٌ أَوْ لَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَا يَعْلَمُهُ مُبَدَّلًا كَأَنْ قَرَأَ جَمِيعَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ النَّفْسِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا أَوْ صَلَّى وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 217 أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا فِي الْجَدِيدِ.   [مغني المحتاج] كَلَامٌ حَقِيقَةً، وَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا يَعُدُّونَهُ مُخَاطَبَةً لِلنَّاسِ. فَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا (أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) وَسَمِعَ كَلَامَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ قَالَا: وَلَوْ كَانَ سَلَامُ الصَّلَاةِ (حَنِثَ) أَمَّا عَدَمُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فَقَدْ مَرَّ، وَأَمَّا عَدَمُ كَلَامِهِ فَلِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِ بِالسَّلَامِ، فَلَوْ قَصَدَ التَّحَلُّلَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْبَابِ، وَالْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ كَلَّمَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ السَّلَامِ مُوَاجَهَةً خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَبَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ عَدَمَ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ هُنَاكَ تُصَدِّقُهُ. وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ الْمُوَاجَهَةَ أَيْضًا، فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ تَعْرِيضٌ لَهُ وَلَمْ يُوَاجِهْهُ كَيَا حَائِطُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمُرَادُ. بِالْكَلَامِ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ نَائِمٌ بِكَلَامٍ يُوقِظُ مِثْلَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ، يَسْمَعُ كَلَامَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، سَمِعَ كَلَامَهُ أَمْ لَا (وَإِنْ) (كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا) بِعَيْنٍ أَوْ رَأْسٍ (فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ (فِي الْجَدِيدِ) حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ النَّفْيِ عَنْ ذَلِكَ. فَيُقَالُ مَا كَلَّمَهُ وَلَكِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29] وَفِي الْقَدِيمِ نَعَمْ، حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] فَاسْتَثْنَى الْوَحْيَ وَالرِّسَالَةَ مِنْ التَّكَلُّمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْهُ، وقَوْله تَعَالَى: {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنْ الْكَلَامِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْجَدِيدِ، وَحَمَلَ مَا نُقِلَ عَنْ الْقَدِيمِ عَلَى مَا إذَا نَوَى فِي يَمِينِهِ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُرَاسَلَةَ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَ النِّيَّةِ يَحْنَثُ قَطْعًا وَهُوَ وَاضِحٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَجَازَ تَجُوزُ إرَادَتُهُ بِالنِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ إشَارَةِ النَّاطِقِ وَالْأَخْرَسِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُقِيمَتْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقَامَ النُّطْقِ لِلضَّرُورَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتُعُقِّبَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْأَخْرَسَ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَهُ بِالْإِشَارَةِ حَنِثَ، وَبِمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَاطِقٍ فَخَرَسَ، وَأَشَارَ بِالْمَشِيئَةِ طَلُقَتْ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَرَسَ مَوْجُودٌ فِيهِ قَبْلَ الْحَلِفِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 218 وَلَوْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ. أَوْ لَا مَالَ لَهُ حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ،   [مغني المحتاج] الْكَلَامَ مَدْلُولُهُ اللَّفْظُ فَاعْتُبِرَ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى بِاللَّفْظِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَسَمِ وَالنُّشُوزِ أَنَّ هِجْرَانَ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَرَامٌ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، فَإِذَا كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ ارْتَفَعَ الْهِجْرَانُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ أَوْ كَانَتْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِهِمَا وَتَضَمَّنَتْ فِي الْحَالَيْنِ الْأُلْفَةَ بَيْنَهُمَا لَا إنْ كَانَ فِيهِمَا إيذَاءٌ وَإِيحَاشٌ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْإِثْمُ، وَلَا إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحُضُورِ وَلَمْ تَكُنْ الْمُوَاصَلَةُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْهِجْرَانِ بِذَلِكَ. (وَلَوْ) (قَرَأَ) الْحَالِفُ (آيَةً أَفْهَمَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ (بِهَا مَقْصُودَهُ) نَحْوَ: (اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمَنِينَ) عِنْدَ طَرْقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ الْبَابَ (وَقَصَدَ قِرَاءَةً) فَقَطْ أَوْ مَعَ إفْهَامِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ إفْهَامَهُ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ، وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الْحِنْثِ، وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ أَوْ سَبَّحَ لِسَهْوِهِ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ حَنِثَ بِمَا قَرَأَ وَلَوْ بَعْضَ آيَةٍ، أَوْ لَيَتْرُكَنَّ الصَّوْمَ أَوْ الْحَجَّ أَوْ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ حَنِثَ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ فِي كُلٍّ مِنْهَا، وَإِنْ فَسَدَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا وَحَاجًّا وَمُعْتَكِفًا وَمُصَلِّيًا بِالشُّرُوعِ لَا بِالشُّرُوعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَصُورَةُ انْعِقَادِ الْحَجِّ فَاسِدًا أَنْ يُفْسِدَ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا، وَتَصْوِيرُهُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِ مُجَامِعًا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى وَجْهٍ مَرْجُوحٍ، إذْ الْأَصَحُّ عَدَمُ انْعِقَادِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ أَوْ لَا أُصَلِّي صَلَاةً حَنِثَ بِالْفَرَاغِ مِنْهَا وَلَوْ مِنْ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَمِمَّنْ يُومِئُ إلَّا إنْ أَرَادَ صَلَاةً مُجْزِئَةً، فَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَطَوَافٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَفَّالُ: وَلَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَبَادِرَةٍ عُرْفًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي أَنَّهُ يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَ زَيْدٍ فَحَضَرَ الْجُمُعَةَ فَوَجَدَهُ إمَامًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ جُمُعَةٍ غَيْرِ هَذِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى الصَّلَاةِ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ. وَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ فَأَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَيَحْنَثُ أَوْ لَا يَؤُمُّ زَيْدًا فَصَلَّى زَيْدٌ خَلْفَهُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ شَعَرَ بِهِ وَهُوَ فِي فَرِيضَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إكْمَالُهَا، وَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ فِيهِ مَا مَرَّ. (أَوْ) (لَا مَالَ لَهُ) وَأَطْلَقَ (حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ وَإِنْ قَلَّ) وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ (حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ) لِصِدْقِ اسْمِ الْمَالِ عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 219 وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمَا وَصَّى بِهِ، وَدَيْنٍ حَالٍّ، وَكَذَا مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ، لَا مُكَاتَبٌ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ فَالْبِرُّ بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إيلَامٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ ضَرْبًا شَدِيدًا،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ بِكُلِّ نَوْعٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ تَقْسِيمِ الْمَالِ إلَى أَعْيَانٍ وَمَنَافِع، لَكِنْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةً بِوَصِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْأَعْيَانُ اهـ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَإِنْ قَلَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَمَوَّلِ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ قَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِالْمُتَمَوَّلِ وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَوْلُهُ: " وَثَوْبٍ " مَجْرُورٌ بِحَتَّى عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ قَبْلَهُ، وَشَرْطُ جَمْعٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ، فِي عَطْفِهَا عَلَى الْمَجْرُورِ إعَادَةَ عَامِلِ الْجَرِّ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى بِثَوْبٍ (وَ) حَتَّى (مُدَبَّرٍ) لَهُ (وَ) رَقِيقٍ لَهُ (مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) أَمَّا مُدَبَّرُ مُوَرِّثِهِ الَّذِي تَأَخَّرَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَدُخُولِ دَارٍ أَوْ الَّذِي أَوْصَى مُوَرِّثُهُ بِإِعْتَاقِهِ. فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ (وَ) حَتَّى (مَا وَصَّى بِهِ) الْحَالِفُ مِنْ رَقِيقٍ وَغَيْرِهِ (وَدَيْنٍ حَالٍّ) وَلَوْ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَالْأُجْرَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا عَلَى جَاحِدٍ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ (وَكَذَا) دَيْنٌ (مُؤَجَّلٌ) يَحْنَثُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْحِنْثِ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، دَيْنُهُ عَلَى مَدِينٍ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، وَدَيْنُهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ أَوْ ضَالٌّ أَوْ مَغْصُوبٌ أَوْ مَسْرُوقٌ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ هَلْ يَحْنَثُ بِهِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيهَا، وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ بَقَاءَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا أَوْجَهُ، وَيَحْنَثُ بِمُسْتَوْلَدَتِهِ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا وَأَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا (لَا مُكَاتَبٍ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يَحْنَثُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا ذُكِرَ فَهُوَ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَالثَّانِي: يَحْنَثُ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَيَحْنَثُ بِهِ وَلَا يَحْنَثُ بِمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ وَلَا بِاسْتِحْقَاقِ قِصَاصٍ، فَلَوْ كَانَ قَدْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ بِمَالٍ حَنِثَ، فَإِنْ نَوَى نَوْعًا مِنْ الْمَالِ اخْتَصَّ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا مِلْكَ لَهُ حَنِثَ بِمَغْصُوبٍ مِنْهُ وَآبِقٍ وَمَرْهُونٍ لَا بِزَوْجَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ وَلَا بِزَيْتٍ نَجَسٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَنْهُ بِالتَّنَجُّسِ كَمَوْتِ الشَّاةِ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا عَبْدَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمُكَاتَبِهِ كِتَابَةً صَحِيحَةً تَنْزِيلًا لِلْكِتَابَةِ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ. (أَوْ) حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ) (فَالْبِرُّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِخَطِّهِ فِي يَمِينِهِ يَتَعَلَّقُ (بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا) فَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ وَرَفْعُهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِيهِ (إيلَامٌ) لِصِدْقِ الِاسْمِ بِدُونِهِ، إذْ يُقَالُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الزَّجْرُ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) أَوْ يَنْوِيَ (ضَرْبًا شَدِيدًا) أَوْ نَحْوِهِ كَمُبَرِّحٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيلَامُ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي الْإِيلَامُ وَحْدَهُ كَوَضْعِ حَجَرٍ ثَقِيلٍ عَلَيْهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا حَدَّ يَقِفُ عِنْدَهُ فِي تَحْصِيلِ الْبِرِّ، وَلَكِنَّ الرُّجُوعَ إلَى مَا يُسَمَّى شَدِيدًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ لَا مَحَالَةَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَضْرُوبِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 220 وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ، وَعَضٌّ، وَخَنْقٌ، وَنَتْفُ شَعَرٍ ضَرْبًا، قِيلَ وَلَا لَطْمٌ وَوَكْزٌ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً أَوْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ، أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ أَلَمُ الْكُلِّ قُلْت: وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ (وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَحْلُوفِ عَلَى ضَرْبِهِ (وَ) لَا (عَضٌّ، وَ) لَا (خَنِقٌ) بِكَسْرِ النُّونِ بِخَطِّهِ مَصْدَرُ خَنَقَهُ: عَصْرُ عُنُقِهِ (وَنَتْفُ شَعَرٍ) بِفَتْحِ عَيْنِهِ (ضَرْبًا) فَلَا يَبِرُّ الْحَالِفُ عَلَى ضَرْبِ زَيْدٍ مَثَلًا بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا عُرْفًا، وَيَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ (قِيلَ: وَلَا لَطْمٌ) وَهُوَ ضَرْبُ الْوَجْهِ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ (وَ) لَا (وَكْزٌ) وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ مُطَبَّقَةً. قَالَ تَعَالَى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] أَيْ لَا يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهُمَا ضَرْبًا، وَالْأَصَحُّ يُسَمَّى، وَمِثْلُ ذَلِكَ الرَّفْسُ وَاللَّكْمُ أَوْ الصَّفْعُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَبِرِجْلِهِ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْمَاءُ الضَّرْبِ. تَنْبِيهٌ: يَبِرُّ الْحَالِفُ بِضَرْبِ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلٌّ لِلضَّرْبِ، لَا بِضَرْبِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ (أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، أَوْ) مِائَةَ (خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً) مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ السِّيَاطِ أَوْ الْخَشَبِ (وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً) وَاحِدَةً بَرَّ لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا تَكْفِي السِّيَاطُ عَنْ الْخَشَبِ وَعَكْسِهِ (أَوْ) ضَرَبَهُ (بِعِثْكَالٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ عُرْجُونٍ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعِثْكَالِ (مِائَةُ شِمْرَاخٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ (بَرَّ) الْحَالِفُ (إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ) مِنْ الشَّمَارِيخِ بِأَنْ عَايَنَ إصَابَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ بِأَنْ بَسَطَهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَالْحَصِيرِ (أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ) مِنْهَا (عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ) أَيْ الْمَضْرُوبَ بِهَا (أَلَمُ الْكُلِّ) أَيْ ثِقَلُهُ فَإِنَّهُ يَبِرُّ أَيْضًا، وَإِنْ حَالَ ثَوْبٌ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَمْنَعُ تَأَثُّرَ الْبَشَرَةِ بِالضَّرْبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] فَإِنَّ الضِّغْثَ هُوَ الشَّمَارِيخُ الْقَائِمَةُ عَلَى السَّاقِ، وَيُسَمَّى الْعِثْكَالَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ شَرْعُ مِنْ قَبْلِنَا، فَقَدْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا تَقْرِيرُهُ فِي قِصَّةِ الزَّانِي الضَّعِيفِ كَمَا قَدَّمْنَاهَا فِي بَابِ الزِّنَا، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، هَلْ هُوَ شَرْعٌ لَنَا أَوْ لَا؟ وَقَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّهُ يَبِرُّ فِي قَوْلِهِ: مِائَةَ سَوْطٍ بِالْعُثْكَالِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَبِرُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سِيَاطًا، وَإِنَّمَا يَبِرُّ بِسِيَاطِ مَجْمُوعَةٍ بِشَرْطِ عِلْمِهِ إصَابَتَهَا بَدَنُهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَيْضًا إنْ تَرَاكَمَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ الشَّدِّ كَيْفَ كَانَ يَحْصُلُ بِهِ أَلَمُ الثِّقَلِ؟ وَلَكِنْ صَوَّرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنْ تَكُونَ مَشْدُودَةَ الْأَسْفَلِ مَحْلُولَةَ الْأَعْلَى وَاسْتُحْسِنَ (قُلْت: وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ الْإِصَابَةُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ، وَلَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 221 أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا. أَوْ لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ فَهَرَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ لَمْ يَحْنَثْ، قُلْت: الصَّحِيحُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ فَارَقَهُ أَوْ وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ وَكَانَا مَاشِيَيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ احْتَالَ عَلَى غَرِيمٍ ثُمَّ فَارَقَهُ أَوْ أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ حَنِثَ،   [مغني المحتاج] تَخَلُّفِ بَعْضِهَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَلَمْ يَدْخُلْ وَمَاتَ زَيْدٌ وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ حَيْثُ يَحْنَثُ عَلَى النَّصِّ بِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ، وَالْمَشِيئَةِ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهَا، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَخَرَجَ قَوْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ. تَنْبِيهٌ: الشَّكُّ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ تَرَجَّحَ عَدَمُ إصَابَةِ الْكُلِّ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمَ الْبِرِّ (أَوْ) حَلَفَ (لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمِائَةِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ الْعِثْكَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَدَدَ لِلضَّرَبَاتِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مِائَةُ ضَرْبَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَهَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَالِي فِي ذَلِكَ أَوْ لَا، ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، وَابْنِ الصَّلَاحِ الثَّانِي، وَهُوَ أَوْجَهُ. (أَوْ) قَالَ لِغَرِيمِهِ: وَاَللَّهِ (لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ) حَقِّي مِنْك (فَهَرَبَ) مِنْهُ غَرِيمُهُ (وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ) لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِعُذْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ (قُلْت: الصَّحِيحُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ) وَلَمْ يَتَّبِعْهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ مَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ بِالْمَقَامِ مُفَارِقٌ (وَإِنْ فَارَقَهُ) الْحَالِفُ مُخْتَارًا ذَاكِرًا لِلْيَمِينِ (أَوْ) لَمْ يُفَارِقْهُ بَلْ (وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ) غَرِيمُهُ (وَكَانَا مَاشِيَيْنِ) وَهَذِهِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ (أَوْ أَبْرَأَهُ) الْحَالِفُ مِنْ الْحَقِّ (أَوْ احْتَالَ) بِهِ (عَلَى غَرِيمٍ) لِلْغَرِيمِ أَوْ أَحَالَ هُوَ بِهِ عَلَى غَرِيمِهِ (ثُمَّ فَارَقَهُ، أَوْ أَفْلَسَ) أَيْ ظَهَرَ أَنْ غَرِيمَهُ مُفْلِسٌ (فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ إلَى أَنْ يُوسِرَ (حَنِثَ) فِي الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَلِتَفْوِيتِهِ فِي الثَّالِثَةِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَفِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ الْحَوَالَةَ وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ اسْتِيفَاءٌ فَلَيْسَتْ اسْتِيفَاءً حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هِيَ كَالِاسْتِيفَاءِ فِي الْحُكْمِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ وَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّهِ، فَحِينَئِذٍ يَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا قَصَدَهُ وَلَا يَحْنَثُ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّى، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً، فَإِنْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِمُفَارَقَتِهَا، فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ، وَالْأَصَحُّ لَا حِنْثَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَكَانَا مَاشِيَيْنِ عَمَّا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ وَابْتَدَأَ الْغَرِيمُ بِالْمَشْيِ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ الْمَشْيُ، وَهُوَ فِعْلُ الْغَرِيمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اسْتَوْفَى مِنْ وَكِيلِ غَرِيمِهِ أَوْ مِنْ مُتَبَرِّعٍ بِهِ وَفَارَقَهُ حَنِثَ إنْ كَانَ قَالَ مِنْك، وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ، فَإِنْ قَالَ: لَا تُفَارِقُنِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي أَوْ حَتَّى تُوفِيَنِي حَقِّي فَفَارَقَهُ الْغَرِيمُ عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ الْحَالِفُ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ فِرَاقَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِ الْغَرِيمِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْمُفَارَقَةِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 222 وَإِنْ اسْتَوْفَى وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ نَاقِصًا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ عَالِمٌ، وَفِي غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ. أَوْ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى وَتَمَكَّنَ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ، وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ، فَإِنْ عُزِلَ فَالْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَى الثَّانِي،   [مغني المحتاج] فَإِنْ نَسِيَ الْغَرِيمُ الْحَلِفَ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ فَفَارَقَ فَلَا حِنْثَ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَمْكَنَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ قَالَ: لَا نَفْتَرِقُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك حَقِّي حَنِثَ بِمُفَارَقَةِ أَحَدُهُمَا الْآخَرُ عَالِمًا مُخْتَارًا، وَكَذَا إنْ قَالَ لَا افْتَرَقْنَا حَتَّى أَسْتَوْفِيَ مِنْك لِصِدْقِ الِافْتِرَاقِ بِذَلِكَ، فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ (وَإِنْ) (اسْتَوْفَى) الْحَالِفُ حَقَّهُ مِنْ غَرِيمِهِ (وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ) أَيْ مَا اسْتَوْفَاهُ (نَاقِصًا) نَظَرْت (إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ) مِنْهُ (لَمْ يَحْنَثْ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ قَلِيلًا يَتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِالْأَوَّلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسَ حَقِّهِ بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ خَالِصَةً فَخَرَجَ مَا أَخَذَ مَغْشُوشًا أَوْ نُحَاسًا (حَنِثَ عَالِمٌ) بِحَالِ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ لِلْمُفَارَقَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ الْعَالِمِ، وَهُوَ الْجَاهِلُ بِالْحَالِ (الْقَوْلَانِ) فِي حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي، أَظْهَرُهُمَا لَا حِنْثَ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَوْلَيْنِ لِلْعَهْدِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ، فَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ: وَلَا عَهْدَ مُقَدَّمٌ يُحِيلُ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ حَلَفَ الْغَرِيمُ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُوفِيَك حَقَّك فَسَلَّمَهُ لَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ أَوَّلًا، اسْتَوْفَيْت حَقَّك مِنِّي فَأَخَذَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَذَهُ عَالِمًا مُخْتَارًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطِي مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا. (أَوْ) حَلَفَ (لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي) أَوْ لَا أَرَى لُقَطَةً أَوْ ضَالَّةً إلَّا رَفَعَهَا إلَيْهِ (فَرَأَى) الْحَالِفُ ذَلِكَ (وَتَمَكَّنَ) مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ (فَلَمْ يَرْفَعْ) ذَلِكَ (حَتَّى مَاتَ) الْحَالِفُ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الرَّفْعِ، بَلْ لَهُ الْمُهْلَةُ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ الْقَاضِي، فَمَتَى رَفَعَهُ إلَيْهِ بَرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّفْعِ أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا بِذَلِكَ فَيُخْبِرَهُ، لِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ إخْبَارُهُ، وَالْإِخْبَارُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَلَوْ رَأَى الْمُنْكَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِهِ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا رَأَى الْقَاضِيَ يَتَعَاطَى الْمُنْكَرَ أَوْ يُقَالُ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَا يَتَنَاوَلُ الْقَاضِي؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ، وَيَظْهَرُ الثَّانِي (وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى التَّعْرِيفِ بِأَلْ (فَإِنْ عُزِلَ) قَاضِي الْبَلَدِ وَتَوَلَّى غَيْرُهُ (فَالْبِرُّ) يَحْصُلُ (بِالرَّفْعِ إلَى) الْقَاضِي (الثَّانِي) وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَوْجُودِ حَالَةَ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلْجِنْسِ، وَيُشْتَرَطُ فِي رَفْعِ الْمُنْكَرِ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَبَرَّ إذْ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ مُوجِبِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ قَاضِيَانِ، كَفَى الرَّفْعُ إلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنْ اخْتَصَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَاحِيَةٍ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 223 أَوْ إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ، أَوْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَرَآهُ ثُمَّ عُزِلَ فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَتَرَكَهُ وَإِلَّا فَكَمُكْرَهٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ [فَصْلٌ] حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ،   [مغني المحتاج] فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَصَّ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ قَاضِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا فَاعِلُ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ إذَا دَعَاهُ، إذْ رَفَعَ الْمُنْكَرَ إلَى الْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ بِهِ كَمَا مَرَّ لَا بِوُجُوبِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ (أَوْ) حَلَفَ لَا رَأَى مُنْكَرًا (إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ) (بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ) فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِ لِصِدْقِ الِاسْمِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَاضِيًا حَالَ الْيَمِينِ أَمْ وُلِّيَ بَعْدَهُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ (أَوْ) إلَّا رَفَعَهُ (إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ) هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ اسْمِ عَلَمٍ لِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ (فَرَآهُ) أَيْ الْمُنْكَرَ (ثُمَّ) لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى (عُزِلَ) الْقَاضِي (فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ) رَأَى الْمُنْكَرَ وَ (أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ) إلَيْهِ (فَتَرَكَهُ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، إنَّهُ إذَا عُزِلَ لَمْ يَبِرَّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَعْزُولٌ وَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ تَمَكَّنَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وُلِّيَ ثَانِيًا وَالْيَمِينُ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُوَلَّى بَانَ الْحِنْثُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ هُنَا بِدَوَامِ كَوْنِهِ قَاضِيًا وَالدَّيْمُومَةُ تَنْقَطِعُ بِالْعَزْلِ، وَغَفَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ. فَأَجَابَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَزْلٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ (فَكَمُكْرَهٍ) وَالْأَظْهَرُ عَدَمُ الْحِنْثِ. تَنْبِيهُ: جُعِلَا مِنْ صُوَرِ عَدَمِ الْإِمْكَانِ الْمَرَضُ وَالْحَبْسُ وَمَا إذَا جَاءَ إلَى بَابِ الْقَاضِي فَحُجِبَ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ يَحْنَثَ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) مَا دَامَ قَاضِيًا (بَرَّ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ) قَطْعًا إنْ نَوَى عَيْنَهُ وَذَكَرَ الْقَضَاءَ لِلتَّعْرِيفِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ أَطْلَقَ نَظَرَ إلَى التَّعْيِينِ وَوَجْهِ مُقَابَلَةِ النَّظَرِ إلَى الصِّفَةِ. [فَصْلٌ] فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا: إذَا (حَلَفَ) شَخْصٌ أَنَّهُ (لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي) مَثَلًا وَأَطْلَقَ (فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ) حَنِثَ قَطْعًا لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ (أَوْ غَيْرِهِ) بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ (حَنِثَ) عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَشْمَلُهُ. تَنْبِيهٌ: مُطْلَقُ الْحَلِفِ عَلَى الْعُقُودِ يَنْزِلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا، فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُخَالِفْ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ فَاسِدًا، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ، كَمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 224 وَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ لِغَيْرِهِ.   [مغني المحتاج] الْعِبَادَاتُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا إلَّا الْحَجُّ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَا لَا يَقْبَلُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ، وَلَا الْمُسْتَوْلَدَةَ ثُمَّ أَتَى بِصُورَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ مُضَافًا إلَى مَا ذَكَرَهُ حَنِثَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا (وَلَا يَحْنَثُ) الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ الْبَيْعِ مِثْلًا إذَا أَطْلَقَ (بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ) الْبَيْعَ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّاهُ الْحَالِفُ بِنَفْسِهِ عَادَةً أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ) وَإِنْ فَعَلَهُ الْوَكِيلُ بِحَضْرَتِهِ وَأَمَرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا: سَلِّمْ إلَيْهِ فَسَلَّمَ طَلُقَتْ، وَكَانَ تَمْكِينُهَا مِنْ الْمَالِ إعْطَاءً، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ بِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ يَتَعَلَّقُ بِاللَّفْظِ فَاقْتُصِرَ عَلَى فِعْلِهِ. وَأَمَّا فِي الْخُلْعِ فَقَوْلُهَا لِوَكِيلِهَا سَلِّمْ إلَيْهِ بِمَثَابَةِ خُذْهُ فَلَاحَظُوا الْمَعْنَى، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَ، ثُمَّ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ فَعَلَهَا، فَوَجَدَ ذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ، وَهُوَ الْمُوَقِّعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَوَّضَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَعْتِقُ عَبْدًا فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ صَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْحِنْثَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ إعْتَاقٌ كَمَا أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَعَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَطْلِيقٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْيَمِينَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُنَزَّلَةٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ مَجَّانًا (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ (أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ) فَيَحْنَثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ فِيمَا ذَكَرَ فِي مَسَائِلِ الْفَصْلِ كُلِّهَا عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ وَكَانَ وَكَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ مَالِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْوِكَالَةِ السَّابِقَةِ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ) أَيْ الْحَالِفِ النِّكَاحَ (لِغَيْرِهِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ عَدَمَ الْحِنْثِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا أُطْلِقَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْكِحَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَنِثَ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ، وَإِنْ نَوَى مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ اتَّبَعَ. فُرُوع: لَوْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا نَظَرْت إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَأَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِمَنْ يُزَوِّجُهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ مُطَلَّقَتَهُ فَوَكَّلَ فِي رَجْعَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 225 أَوْ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بِإِذْنِهِ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا. أَوْ لَا يَهَبُ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إنْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] يَحْنَثُ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا الرَّجْعَةُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَمْ اسْتِدَامَةٌ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ، ثُمَّ جُنَّ فَعَقَدَ لَهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ إذْنِهِ فِيهِ، ذَكَرْته بَحْثًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ لَا يَضْرِبُ زَيْدًا، فَأَمَرَ الْجَلَّادُ بِضَرْبِهِ فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي بَيْتَهُ، فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ فَبَنَاهُ فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ حَلَّاقًا فَحَلَقَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ، وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْهِ، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ) مَثَلًا (فَبَاعَهُ) بَيْعًا صَحِيحًا بِأَنْ بَاعَهُ (بِإِذْنِهِ) أَوْ لِظَفَرٍ أَوْ إذْنِ حَاكِمٍ لِحَجْرٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ إذْنِ الْوَلِيِّ لِحَجْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ (حَنِثَ) لِصِدْقِ اسْمِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَشَمِلَ مَا ذَكَرْته (وَإِلَّا) بِأَنْ بَاعَهُ بَيْعًا غَيْرَ صَحِيحٍ (فَلَا) حِنْثَ لِفَسَادِ الْبَيْعِ، وَهُوَ فِي الْحَلِفِ مُنَزَّلٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَذِكْرُ الْبَيْعِ مِثَالٌ، وَإِلَّا فَسَائِرُ الْعُقُودِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّحِيحَ، وَكَذَا الْعِبَادَاتُ إلَّا الْحَجَّ الْفَاسِدَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَقَعُ النَّظَرُ فِي إلْحَاقِ الْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمَا كَالصَّحِيحَيْنِ فِي حُصُولِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إلْحَاقِهِمَا بِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِإِذْنِ وَكِيلِ زَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَالُ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِجَهْلِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ إلَى زَيْدٍ مَالًا فَوَكَّلَ الْحَالِفُ رَجُلًا فِي الْبَيْعِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ الْوَكِيلُ زَيْدًا فِي بَيْعِ ذَلِكَ فَبَاعَهُ حَنِثَ الْحَالِفُ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَالُ الْحَالِفِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ، وَقَدْ فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْجَهْلُ أَوْ النِّسْيَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ لِلْفِعْلِ لَا فِي غَيْرِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ التَّعْلِيقَ. أَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَنْعَ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ وَكَّلَ فِيهِ أَجْنَبِيًّا، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ إنْ شِئْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ أَوْ شَاءَتْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ صِفَةٍ، وَهُوَ الْمُطَلِّقُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْنَثُ. وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: لَا حِنْثَ، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَهَبُ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ مَثَلًا (فَأَوْجَبَ لَهُ) الْهِبَةَ (فَلَمْ يَقْبَلْ) (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَتِمَّ، وَيَجْرِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَكَذَا إنْ قَبِلَ) الْهِبَةَ (وَلَمْ يَقْبِضْ) لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْهِبَةِ نَقْلُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَلِفِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْهِبَةِ عَدَمُ التَّبَرُّعِ عَلَى الْغَيْرِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ عِنْدَ عَدَمِ الْقَبْضِ. قَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ: وَلَا يَحْنَثُ بِالْهِبَةِ لِعَبْدِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 226 وَيَحْنَثُ بِعُمْرَى وَرُقْبَى، وَصَدَقَةٍ لَا إعَارَةٍ، وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] الْعَبْدِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا بِمُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَبَضَهَا بِلَا خِلَافٍ، لَكِنْ مَتَى يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي: أَحَدُهُمَا: حَالَةُ الْقَبْضِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ، وَالثَّانِي: مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْقَبْضَ دَالٌّ عَلَى الْمِلْكِ حَالَةَ الْهِبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَيَحْنَثُ) مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ (بِعُمْرَى وَرُقْبَى) وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي الْهِبَةِ (وَصَدَقَةٍ) تَطَوُّعًا وَهَدِيَّةٍ مَقْبُوضَةٍ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ خَاصَّةٌ مِنْ الْهِبَةِ. أَمَّا الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَ (لَا) يَحْنَثُ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ (إعَارَةٍ) وَضِيَافَةٍ، إذْ لَا مِلْكَ فِيهِمَا (وَوَصِيَّةٍ) لِأَنَّهَا تُمْلَكُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْمَيِّتِ لَا يَحْنَثُ (وَوَقْفٍ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَصَدَّقُ) حَنِثَ بِالصَّدَقَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا عَلَى فَقِيرٍ وَغَنِيٍّ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَيَحْنَثُ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِرَقَبَتِهِ، وَ (لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الصَّدَقَةِ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ كَعَكْسِهِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَخَصُّ، فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ، وَلَيْسَ كُلُّ هِبَةٍ صَدَقَةً. نَعَمْ إنْ نَوَاهَا بِهِ حَنِثَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ، وَيَحْنَثُ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِهِ فِيمَا مَرَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الشَّكْلَ غَيْرُ مُنْتَجٍ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ، إذْ مَحْمُولُ الصُّغْرَى صَدَقَةٌ لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَمَوْضُوعُ الْكُبْرَى صَدَقَةٌ تَقْتَضِيه كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا. فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَ لَا يَبِرُّهُ حَنِثَ بِجَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ كَإِبْرَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِعْتَاقِهِ وَهِبَتِهِ وَإِعَارَتِهِ. لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُعَدُّ بِرًّا عُرْفًا، لَا بِإِعْطَائِهِ الزَّكَاةَ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا أَوْ لَا يُشَارِكُ فَقَارَضَ. قَالَ الْخُوَارِزْمِيُّ: حَنِثَ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرٌ بَعْدَ حُصُولِ الرِّبْحِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، أَوْ لَا يَتَوَضَّأُ فَتَيَمَّمَ لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَذْبَحُ الْجَنِينَ فَذَبَحَ شَاةً فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ حَنِثَ؛ لِأَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاتُهُ، أَوْ لَا يَذْبَحُ شَاتَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ يُرَاعَى فِيهَا الْعَادَةُ، وَفِي الْعَادَةِ لَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ ذَبْحٌ لِشَاتَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَقْرَبُ، أَوْ لَا يَقْرَأُ فِي مُصْحَفٍ فَفَتَحَهُ وَقَرَأَ فِيهِ حَنِثَ، أَوْ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةً حَادِثَةً فِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، أَوْ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ وَهُوَ مَبْرِيٌّ فَكُسِرَ ثُمَّ بُرِيَ فَكَتَبَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَتْ الْأُنْبُوبَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْأُولَى لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةُ حَالَ الْحَلِفِ، وَالْقَلَمُ فِي الثَّانِيَةِ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ قَلَمًا، أَوْ لَا آكُلُ الْيَوْمَ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً فَاسْتَدَامَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَطَعَ الْأَكْلَ قَطْعًا بَيِّنًا ثُمَّ عَادَ حَنِثَ، وَإِنْ قَطَعَ لِشُرْبٍ أَوْ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إلَى آخَرَ، أَوْ انْتِظَارِ مَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَلَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 227 أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ سَلَمًا، وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ. أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ أَخَذَهَا بِشُفْعَةٍ.   [مغني المحتاج] يَطُلْ الْفَصْلُ لَمْ يَحْنَثْ. (أَوْ) (لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (مَعَ غَيْرِهِ) شَرِكَةً مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يَخْتَصَّ زَيْدٌ بِشِرَائِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: اشْتَرَاهُ فُلَانٌ بَلْ بَعْضُهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ لِزَيْدٍ وَكِيلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بِقِسْمَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا أَوْ بِصُلْحٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا (وَكَذَا لَوْ قَالَ) لَا آكُلُ (مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ) لَمْ يَحْنَثْ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْحَالِفِ الِامْتِنَاعُ عَمَّا ثَبَتَ لِزَيْدٍ مِنْهُ شِرَاءٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ (وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (سَلَمًا) أَوْ إشْرَاكًا أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ مُرَابَحَةً، لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الشِّرَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي السَّلَمِ مُنَاقِضٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي بَابِهِ مِنْ عَدَمِ انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السَّلَمِ بَيْعًا فِي الْحَقِيقَةِ أَنْ يَصِحَّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بَلْ بِلَفْظِ السَّلَمِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّ التَّوْلِيَةَ وَالْإِشْرَاكَ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ وَلَا يَصِحَّانِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ هَذِهِ بُيُوعٌ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُ بِالْعَامِّ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الزَّائِدِ عَلَى الْعَامِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لِغَيْرِهِ، أَوْ اشْتَرَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ، أَوْ بَاعَ بَعْضَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ حَنِثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا مَلَكَهُ زَيْدٌ بِإِرْثٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ، أَوْ رَجَعَ إلَيْهِ بِرَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ، أَوْ خُلِّصَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا، وَكَذَا الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ مَوْضُوعٌ لِلرِّضَا بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَلَا بِمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ (وَلَوْ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ) بِأَكْلِهِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ (حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ) بِأَنْ يَأْكُلَ قَدْرًا صَالِحًا كَالْكَفِّ وَالْكَفَّيْنِ، لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّ فِيهِ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، بِخِلَافِ عَشْرِ حَبَّاتٍ وَعِشْرِينَ حَبَّةً. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَإِنَّ اخْتِلَاطَهُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ كَذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَمَلَكَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ بِالشِّرَاءِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ مِثْلُهُ الظَّنَّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ طَعَامًا اشْتَرَاهُ أَوْ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا الْأُولَى فَفِي تَحْنِيثِهِ بِالْبَعْضِ تَوَقُّفٌ لِإِعْطَاءِ اللَّفْظِ الْجَمِيعَ، لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَهُ الْجَمِيعُ، لَا سِيَّمَا إذَا قَصَدَهُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت طَعَامًا يَشْتَرِيه شَائِعًا أَوْ خَالِصًا حَنِثَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ. (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ الْحَالِفُ (بِدَارٍ أَخَذَهَا) زَيْدٌ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا (بِشُفْعَةٍ) لِفَقْدِ الِاسْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي الْوَضْعِ وَالْعُرْفِ، إذْ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، وَيَتَصَوَّرُ أَخْذُ الْكُلِّ بِالشُّفْعَةِ فِي صُورَتَيْنِ: الْأُولَى: فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ، وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 228 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] بِهَا دَارَ جَارِهِ وَيَحْكُمُ لَهُ بِهَا حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ وَقُلْنَا: يَحِلُّ لَهُ بَاطِنًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمْلِكَ شَخْصٌ نِصْفَ دَارٍ وَيَبِيعَ شَرِيكُهُ النِّصْفَ الْآخَرَ فَيَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَتَصِيرَ الدَّارُ جَمِيعُهَا لَهُ، ثُمَّ يَبِيعُ الْآخَرُ النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ بِالشُّفْعَةِ شَائِعًا، ثُمَّ يَبِيعُهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ، لَكِنْ فِي عَقْدَيْنِ. . خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ: لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ فُلَانٌ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ، فَخَرَجَ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ حَنِثَ، أَوْ بِإِذْنٍ فَلَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذْنَهُ لِحُصُولِ الْإِذْنِ، وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَالَتَيْ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ وَادَّعَى الْإِذْنَ لَهَا وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِخُرْجَةِ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ لِهَذَا الْيَمِينِ جِهَةُ بِرٍّ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِإِذْنٍ، وَجِهَةُ حِنْثٍ، وَهِيَ الْخُرُوجُ بِلَا إذْنٍ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَقْتَضِي النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَ لَهَا جِهَتَانِ وَوُجِدَتْ إحْدَاهُمَا انْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْيَوْمَ الدَّارَ وَلَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ فِي الْيَوْمِ بَرَّ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْلَ الرَّغِيفِ، وَإِنْ أَكَلَهُ بَرَّ وَإِنْ دَخَلَ الدَّارَ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْتِ لَابِسَةً حَرِيرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ غَيْرَ لَابِسَةٍ لَهُ لَا تَنْحَلُّ حَتَّى يَحْنَثَ بِالْخُرُوجِ ثَانِيًا لَابِسَةً لَهُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى جِهَتَيْنِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخُرُوجٍ مُقَيَّدٍ، فَإِذَا وُجِدَ وَقَعَ الطَّلَاقُ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِلَفْظِ كُلَّمَا أَوْ كُلَّ وَقْتٍ لَمْ تَنْحَلَّ بِخَرْجَةٍ وَاحِدَةٍ، وَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ: أَذِنْت لَك فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت، وَلَوْ قَالَ: لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَك فَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ فَخَرَجَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يُعْنَى لِعَيْنِهِ، بَلْ لِلْإِذْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ فُلَانٌ فَبَاعَهُ ثَوْبًا وَأَبْرَأَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ حَابَاهُ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ، وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ حَنِثَ بِلُبْسِهِ إلَّا أَنْ يُبَدِّلَهُ قَبْلَ لُبْسِهِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَلْبَسُ الْغَيْرُ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَدَّدَ عَلَيْهِ النِّعَمَ غَيْرُهُ فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ فَشَرِبَ لَهُ مَاءً بِلَا عَطَشٍ، أَوْ أَكَلَ لَهُ طَعَامًا، أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ، أَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا سَدَاهُ مِنْ غَزْلِهَا وَلُحْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِهِ، لَا بِثَوْبٍ خِيطَ بِخَيْطٍ مِنْ غَزْلِهَا؛ لِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِمَّا غَزَلَتْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ بَعْدَ الْيَمِينِ، أَوْ لَا أَلْبَسُ مِمَّا تَغْزِلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا غَزَلَتْهُ قَبْلَ الْيَمِينِ، أَوْ قَالَ: لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ بِمَا غَزَلَتْهُ وَبِمَا تَغْزِلُهُ لِصَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لَهُمَا. أَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ إلَخْ. هَذَا مَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ أَفْضَلَهَا أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا سَهَا عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ يَسْتَأْنِسُ لَهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَلَعَلَّهُ أَوَّلُ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا. وَقَالَ الْبَارِزِيُّ: عِنْدِي أَنَّ الْبِرَّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَفْضَلَ صَلَوَاتِك عَدَدَ مَعْلُومَاتِك اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَحْوَطُ لِلْحَالِفِ أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 229 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] يَأْتِيَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَا قِيلَ أَنَّهُ أَفْضَلُ أَنْ تُقْرَنَ الصَّلَاةُ بِالسَّلَامِ وَإِلَّا فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَلَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ. أَوْ حَلَفَ لَا يَزُورُ فُلَانًا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا لَمْ يَحْنَثْ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ، أَوْ لَا يُدْخِلُ بَيْتَهُ صُوفًا فَأَدْخُلَ شَاةً عَلَيْهَا صُوفٌ وَمِثْلُهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّوفُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا، أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ بَيْضًا فَأَدْخَلَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ وَلَوْ فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يُظِلُّهُ سَقْفٌ. حَنِثَ بِاسْتِظْلَالِهِ بِالْأَزَجِّ. أَوْ حَلَفَ لَا يُفْطِرُ حَنِثَ بِأَكْلٍ وَجِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُفْطِرُ، لَا بِرِدَّةِ وَحَيْضٍ وَدُخُولِ لَيْلٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُفْطِرُ عَادَةً كَجُنُونٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا. أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ فِي نِكَاحِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا فَتَزَوَّجَهَا حَنِثَ. أَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ سِرًّا فَتَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ، وَإِنْ شَهِدَ فِيهِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ فَرَكِبَ ظَهْرَ إنْسَانٍ وَاجْتَازَ بِهِ النَّهْرَ وَنَحْوَهُ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذَا الْبَيْتَ، أَوْ لَا يَصْطَادُ مَا دَامَ زَيْدٌ وَالِيًا أَوْ فُلَانٌ قَاضِيًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَعُزِلَ فُلَانٌ ثُمَّ وُلِّيَ لَمْ يَحْنَثْ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، صَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ،. أَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِأَنْ قَالَ. إنْ لَمْ أَقْضِهِ مِنْك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَقَالَ صَاحِبُهُ: إنْ أَعْطَيْته الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ جَبْرًا فَلَا يَحْنَثَانِ، وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الْعَشَاءِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَقَدْرُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ، وَوَقْتُ السُّحُورِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْغَدْوَةُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الِاسْتِوَاءِ، وَالضَّحْوَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ حِينِ زَوَالِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إلَى الِاسْتِوَاءِ، وَالصَّبَاحُ مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى. أَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ، أَوْ أَعْظَمَهُ، أَوْ أَجَلَّهُ فَلْيَقُلْ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، زَادَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ: فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي: أَوَّلُ الذِّكْرِ سُبْحَانَك، أَوْ حَلَفَ لَيَحْمِدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ، أَوْ بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، يُقَالُ: إنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَقَالَ: قَدْ عَلَّمَك اللَّهُ مَجَامِعَ الْحَمْدِ، وَفَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ يُوَافِي نِعَمَهُ بِقَوْلِهِ: أَيْ يُلَاقِيهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهَا، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِقَوْلِهِ: أَيْ يُسَاوِي مَزِيدَ نِعَمِهِ: أَيْ يَقُومُ بِشُكْرِ مَا زَادَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ يَفِي بِهَا وَيَقُومُ بِحَقِّهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى هَذَا. . [كِتَابُ النَّذْرِ] 1 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 230 كِتَابُ النَّذْرِ   [مغني المحتاج] كِتَابُ النَّذْرِ وَهُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا. لُغَةً: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَشَرْعًا: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ كَفَّارَةٌ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وقَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» . تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفُوا هَلْ النَّذْرُ مَكْرُوهٌ أَوْ قُرْبَةٌ؟ نُقِلَ الْأَوَّلُ عَنْ النَّصِّ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ وَقَالَ: إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» وَنُقِلَ الثَّانِي عَنْ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيِّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: النَّذْرُ تَقَرُّبٌ فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَجْمُوعِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: النَّذْرُ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلُهُ: سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيُعَضِّدُهُ النَّصُّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] أَيْ يُجَازِي عَلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ: وَهُوَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْقُرْبَةِ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَهُوَ يَزِيدُ عَلَى النَّفْلِ سَبْعِينَ دَرَجَةً كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ عَنْ حِكَايَةِ الْإِمَامِ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بِمَا الْتَزَمَهُ، أَوْ أَنَّ لِلنَّذْرِ تَأْثِيرًا كَمَا يَلُوحُ بِهِ الْخَبَرُ، أَوْ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَيْءٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 231 وَهُوَ ضَرْبَانِ نَذْرُ لَجَاجٍ: كَإِنْ كَلَّمْتُهُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ، وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَفِي قَوْلٍ مَا الْتَزَمَ، وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا شَاءَ. قُلْت: الثَّالِثُ   [مغني المحتاج] وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْمَكْرُوهُ الْتِزَامُ الْقُرْبَةِ، إذْ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ. وَأَرْكَانُ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ: نَاذِرٌ، وَصِيغَةٌ، وَمَنْذُورٌ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ. أَمَّا النَّاذِرُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالِاخْتِيَارُ، وَنُفُوذُ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَنْذُرُهُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلِالْتِزَامِ إلَّا السَّكْرَانَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ أَوْ الْتِزَامُهَا، وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا مُكْرَهٌ لِخَبَرِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَنَذْرِ السَّفِيهِ الْقُرَبَ الْمَالِيَّةَ الْعَيْنِيَّةَ كَعِتْقِ هَذَا الْعَبْدِ. وَيَصِحُّ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي الْقُرَبِ الْبَدَنِيَّةِ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِمَا فِي الذِّمَّةِ، فَيَصِحُّ نَذْرُهُمَا الْمَالِيُّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا، وَيَصِحُّ نَذْرُ الرَّقِيقِ الْمَالِيَّ فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَمَا لَا يَصِحَّ ضَمَانُهُ فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي النَّذْرِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي قُرْبَةٍ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُ نَذْرِهِ الْحَجَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُشْبِهُ أَنَّ غَيْرَ الْحَجِّ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ فَلَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَتَنْعَقِدُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُهُ بِكِنَايَةِ النَّاطِقِ مَعَ النِّيَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالِانْعِقَادِ بِهَا مَعَ الْبَيْعِ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ (ضَرْبَانِ) أَحَدُهُمَا: (نَذْرُ لَجَاجٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ، وَهُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ حَالَ الْغَضَبِ، وَيُقَالُ لَهُ يَمِينُ اللَّجَاجِ، وَالْغَضَبِ وَيَمِينُ الْغَلَقِ، وَنَذْرُ الْغَلَقِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَقْصِدَ النَّاذِرُ مَنْعَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثُّ عَلَيْهِ أَوْ يُحَقِّقُ خَبَرًا أَوْ غَضَبًا بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ (كَإِنْ كَلَّمْتُهُ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا، أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ، أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْته (فَلِلَّهِ عَلَيَّ) أَوْ فَعَلَيَّ (عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ) أَوْ نَحْوُهُ كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَصَلَاةٍ (وَفِيهِ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّجَاجُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (وَفِي قَوْلٍ) يَجِبُ عَلَى النَّاذِرِ فِي ذَلِكَ (مَا الْتَزَمَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى» وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ عِبَادَةً عِنْدَ مُقَابَلَةِ شَرْطٍ فَتَلْزَمُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ (وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا) أَيْ الْأَمْرَيْنِ (شَاءَ) أَيْ النَّاذِرُ فَيَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ اخْتَرْت، حَتَّى لَوْ اخْتَارَ مُعَيَّنًا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ (قُلْت) هَذَا (الثَّالِثُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 232 أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ، وَنَذْرُ تَبَرُّرٍ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ نِقْمَةٌ كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ،   [مغني المحتاج] الشَّرْحِ (أَظْهَرُ، وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ) بَلْ لَمْ يُورِدْ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْهُمْ غَيْرَهُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ، وَالْيَمِينُ مِنْ حَيْثُ الْمَنْعُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مُوجِبَيْهِمَا وَلَا إلَى تَعْطِيلِهِمَا فَوَجَبَ التَّخْيِيرُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ أَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ مِنْ صُوَرِ اللَّجَاجِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لَكِنْ هُنَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْبِهُ الْيَمِينَ لَا النَّذْرَ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ قُرْبَةٍ، وَمَثَّلَ بِالْعِتْقِ وَالصَّوْمِ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ، وَالْعِتْقُ لَا يُحْلَفُ بِهِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامِ كَقَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقٌ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ، فَلَوْ قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَفَعَلَهُ عَتَقَ الْعَبْدُ قَطْعًا، أَوْ قَالَ: وَالْعِتْقِ أَوْ وَالطَّلَاقِ بِالْجَرِّ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ، وَتَعْبِيرُهُ بِأَوْ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ، فَقَالَ: إنْ كَلَّمْته فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَعِتْقٌ وَحَجٌّ وَأَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ (وَلَوْ قَالَ:) (إنْ دَخَلْت) الدَّارَ (فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، أَوْ) كَفَّارَةُ (نَذْرٍ) (لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ) فِي الصُّورَتَيْنِ، وَهِيَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. أَمَّا الْأُولَى فَبِالِاتِّفَاقِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَمَّا إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَلَا الْحَلِفِ، وَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مِمَّا يَلْتَزِمُ فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرٍ مَعْطُوفٌ عَلَى يَمِينٍ كَمَا قَدَّرْت كَفَّارَةً فِي كَلَامِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى كَفَّارَةٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، نَبَّهَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ نَذْرٌ صَحَّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَنَصُّ الْبُوَيْطِيِّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ كَأَنْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ قَالَ: ابْتِدَاءً فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينِ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَ) الضَّرْبُ الثَّانِي (نَذْرُ تَبَرُّرٍ) وَهُوَ تَفَعُّلٌ، مِنْ الْبِرِّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاذِرَ طَلَبَ بِهِ الْبِرَّ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَوْعَانِ كَمَا فِي الْمَتْنِ. أَحَدُهُمَا: نَذْرُ الْمُجَازَاةِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ (بِأَنْ يَلْتَزِمَ) النَّاذِرُ (قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ) لَهُ (نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ) عَنْهُ (نِقْمَةٌ كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي) أَوْ ذَهَبَ عَنِّي كَذَا (فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا) مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 233 وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ أَقْوَامًا عَاهَدُوا وَلَمْ يُوفُوا، فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة: 75] الْآيَةَ، وَلِلْحَدِيثِ الْمَارِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ النِّعْمَةَ. وَخَصَّصَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِمَا يَحْصُلُ عَلَى نُذُورٍ، فَلَا يَصِحُّ فِي النِّعَمِ الْمُعْتَادَةِ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ سُجُودُ الشُّكْرِ لَهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ طَرَدَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَهُوَ أَفْقَهُ اهـ. وَخَرَجَ بِالْحُدُوثِ اسْتِمْرَارُ النِّعْمَةِ وَهُوَ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمَنْذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَالِيًّا كَمَا قَالَاهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ، وَإِنْ كَانَا صَحَّحَا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي بَابِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ شَيْئًا إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضَهُ فَشُفِيَ. ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَذَرَ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا؟ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا هُنَاكَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْيَقِينِ، وَهُنَا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إنَّمَا وَجَبَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ) النَّاذِرُ (بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ) أَيْ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ (عَلَيَّ صَوْمٌ) أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ (لَزِمَهُ) مَا الْتَزَمَهُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ الْعِوَضِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ. نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ التَّبَرُّكَ أَوْ وَقَعَ حُدُوثُ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا، فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْأُولَى وَشَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ. فَائِدَةٌ: الصِّيغَةُ إنْ احْتَمَلَتْ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَنَذْرَ التَّبَرُّعِ رَجَعَ فِيهَا إلَى قَصْدِ النَّاذِرِ، فَالْمَرْغُوبُ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ، وَضَبَطُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ، وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ، وَتَارَةً بِالنَّفْيِ بِالْإِثْبَاتِ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: صَلِّ فَيَقُولَ: لَا أُصَلِّي. وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا، وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لَجَاجًا فَإِنَّهُ لَا يَبِرُّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ، وَالْإِثْبَاتِ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ: إنْ شَرِبْت الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يُتَصَوَّرُ لَجَاجًا فَقَطْ، وَالنَّفْيُ فِي الْمَعْصِيَةِ كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ مِنْ الشُّرْبِ فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الشُّرْبِ، فَيَقُولَ: إنْ لَمْ أَشْرَبْ فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 234 وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، وَلَا وَاجِبٍ، وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ، أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ   [مغني المحتاج] كَسْرِ شَهْوَتِي فَعَلَيَّ كَذَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ: إنْ أَكَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا يُرِيدُ: إنْ يَسَّرَ اللَّهُ لِي فَعَلَيَّ كَذَا، وَاللَّجَاجُ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا، وَفِي الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ: إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَبَيَّنَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ) كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِحَدِيثِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» ، فَلَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْ خَبَرِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا، فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ. تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَذُكِرَ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ، وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ (وَلَا) يَصِحُّ نَذْرُ (وَاجِبٍ) عَلَى الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْخُصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: كَالصُّبْحِ أَوْ صَوْمِ أَوَّلِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِهِ. أَمَّا وَاجِبُ الْعَيْنِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَيُصْبِحُ كَمَا إذَا نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِذَا تَوَضَّأَ لِصَلَاةٍ عَنْ حَدَثٍ خَرَجَ بِهِ عَنْ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَأَمَّا وَاجِبُ الْكِفَايَةِ فَالْأَصَحُّ لُزُومُهُ بِالنَّذْرِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، سَوَاءٌ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى بَذْلِ مَالٍ وَمُقَاسَاةِ مَشَقَّةٍ كَالْجِهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى أَمْ لَا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُمْ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ الَّذِي هُوَ الْأَحَدُ الْمُبْهَمُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَاجِبٌ عَيْنًا. وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مُعَيَّنَةً مِنْ خِصَالِهِ هَلْ يَنْعَقِدُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا أَعْلَاهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكُلِّيَّةِ، رَجَّحَ شَيْخُنَا الْأَوَّلَ، وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ: إنَّهُ الْقِيَاسُ، وَالْقَاضِي الثَّالِثَ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَصَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَلَا يُغَيَّرُ (وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ) كَأَكْلٍ وَنَوْمٍ (أَوْ تَرْكَهُ) كَأَنْ لَا يَأْكُلَ الْحَلْوَى (لَمْ يَلْزَمْهُ) الْفِعْلُ وَلَا التَّرْكُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 235 لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ.   [مغني المحتاج] وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ، فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ. قَالَ: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ «الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِك بِالدُّفِّ، فَقَالَ لَهَا: أَوْفِ بِنَذْرِك» ، بِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ السُّرُورُ لِلْمُسْلِمِينَ بِقُدُومِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَغَاظَ الْكُفَّارَ، وَأَرْغَمَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ مِنْ الْقُرَبِ، وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ ضَرْبُهُ فِي النِّكَاحِ لِيَخْرُجَ عَنْ مَعْنَى السِّفَاحِ؛ وَفُسِّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمُبَاحُ بِمَا لَمْ يُرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ: وَاسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا كَنَوْمٍ وَأَكْلٍ، وَسَوَاءٌ أَقُصِدَ بِالنَّوْمِ النَّشَاطُ عَلَى التَّهَجُّدِ، وَبِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّوَابَ عَلَى الْقَصْدِ لَا الْفِعْلِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا كَانَ مَنْدُوبًا، وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، لِأَنَّ الْهِبَةَ وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا انْعِقَادُ النَّذْرِ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؟ . ثُمَّ اسْتَدْرَكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ نَذْرِ الْمُبَاحِ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يُوَافِقُ الْأَوَّلُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك أَوْ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَكَلَامُ الْمَتْنِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ، وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ كَصَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرِ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ هَلْ يَنْعَقِدُ أَوْ لَا؟ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي يُفْهِمُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا، لِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ، وَالْمَكْرُوهَ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَنْعَقِدُ، فَالْمَكْرُوهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، أَمَّا إذَا لَمْ يَخَفْ بِهِ فَوْتَ حَقٍّ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ، فَإِذَا نَذَرَ صَوْمًا بَعْدَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُسْتَحَقٌّ لِغَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ رَمَضَانُ أَدَاءً وَقَضَاءً وَالْعِيدَانِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَكَفَّارَةٌ تَقَدَّمَتْ نَذْرَهُ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ صَامَ عَنْهَا وَفَدَى عَنْ النَّذْرِ، وَيَقْضِي فَائِتَ رَمَضَانَ، ثُمَّ إنْ كَانَ فَوَاتُهُ بِلَا عُذْرٍ فَدَى عَنْ صَوْمِ النَّذْرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 236 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] قَضَاءَ مَا يُفْطِرُهُ مِنْ الدَّهْرِ، فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَفَرَ نُزْهَةٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ عَلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ، وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّهُ الصَّوْمَ عَنْهُ حَيًّا لَمْ يَصِحَّ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِرًّا أَمْ لَا، عَجَزَ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ مَنَعَ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ الْمَنْذُورِ بِحَقٍّ سَقَطَ الصَّوْمُ عَنْهَا وَلَا فِدْيَةَ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ الصَّوْمُ عَنْهَا وَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ إنْ لَمْ تَصُمْ، وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِيهِ فَلَمْ تَصُمْ تَعَدِّيًا فَدَتْ. فُرُوعٌ: لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَا الصَّلَاةُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا، وَلَا نَذْرُ التَّيَمُّمِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ وَإِنْ نَذَرَ الْوُضُوءَ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى التَّجْدِيدِ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا، وَإِنْ نَذَرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَزِمَهُ، وَيَكْفِيه فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ وُضُوءُ الْحَدَثِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ انْعَقَدَ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَإِلَّا فَلَا. أَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي الْفَرْضِ فِي الْمَرَضِ إنْ تَضَرَّرَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِلَّا انْعَقَدَ، أَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّفْلِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرَرِ انْعَقَدَ. . وَلَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي الْمَرَضِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ. وَإِنْ نَذَرَ أَنْ لَا يَفِرَّ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْكُفَّارِ وَقَدَرَ عَلَى مُقَاوَمَتِهِمْ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ نَذَرَ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ الِالْتِزَامُ لَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ بِهَذَا الدِّينَارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَضَافَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَإِنْ قَالَ: إنْ مَلَكْت عَبْدًا، أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ عَبْدًا، أَوْ إنْ مَلَكْتُهُ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَشْتَرِيَ عَبْدًا وَأُعْتِقَهُ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ الْتَزَمَ قُرْبَةً فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، وَفِي الْأَخِيرَةِ مَالُكَ لِلْعَبْدِ، وَقَدْ عَلَّقَهُ بِصِفَتَيْنِ الشِّفَاءِ وَالدُّخُولِ، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا يَعْتَبِرُ فِيهِ عَلَيَّ، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، وَمَلَكْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّقَرُّبَ بِقُرْبَةٍ، بَلْ عَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ هُوَ مَالِكًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَغَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، وَمَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ أَوْ فَهُوَ حُرٌّ انْعَقَدَ نَذْرُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ بِشِقَّيْهَا. وَلَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لِلنَّاسِ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ بِهِمْ فِي زَمَنِ الْجَدْبِ، وَأَنْ يَؤُمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَيَخْطُبَ بِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ غَيْرُ الْإِمَامِ لَزِمَهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَوْ مُنْفَرِدًا، فَإِنْ نَذَرَ الِاسْتِسْقَاءَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ. كَذَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَعِبَارَةُ الْجُرْجَانِيِّ عَنْ النَّصِّ لَوْ نَذَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ مَعَ النَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ، فَقَوْلُهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِسْقَائِهِ بِالنَّاسِ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُطْبَةِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَلَزِمَهُ الْقِيَامُ فِيهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 237 وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ نُدِبَ تَعْجِيلُهَا، فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ وَجَبَ، وَإِلَّا جَازَ. أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ وَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ،   [مغني المحتاج] الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ. (وَلَوْ) (نَذَرَ) كِسْوَةَ يَتِيمٍ لَمْ يَجُزْ كِسْوَةُ يَتِيمٍ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْيَتِيمِ فِي الشَّرْعِ لِلْمُسْلِمِ. أَوْ نَذَرَ (صَوْمَ أَيَّامٍ) مَعْدُودَةٍ مُعَيَّنَةٍ (نُدِبَ تَعْجِيلُهَا) مُسَارَعَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ نُدِبَ ذَلِكَ، مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ صَوْمُ كَفَّارَةٍ سَبَقَتْ النَّذْرَ، وَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ وَتُقَدَّمُ عَلَى النَّذْرِ، فَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ وَجَبَ تَعْجِيلُهَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، فَلَوْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَالْمُجَاهِدِ وَالْمُسَافِرِ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالصَّوْمِ فَالْأَوْلَى التَّأْخِيرُ لِزَوَالِ، الْمَانِعِ، لَا سِيَّمَا إنْ وُجِدَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّذْرِ، وَلَوْ خَشِيَ النَّاذِرُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الصَّوْمَ عَجَزَ عَنْهُ مُطْلَقًا إمَّا لِزِيَادَةِ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ لِهَرَمٍ لَزِمَهُ التَّعْجِيلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً تَعَيَّنَتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْدُودَةً كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ قَيَّدَهَا بِكَثِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْجَمْعِ (فَإِنْ قَيَّدَ) نَذْرَ صَوْمِ الْأَيَّامِ (بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ) (وَجَبَ) ذَلِكَ عَمَلًا بِالْتِزَامِهِ. أَمَّا الْمُوَلَّاةُ فَقَطْعًا، وَأَمَّا التَّفْرِيقُ فَعَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِي صِيَامِ التَّمَتُّعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِتَفْرِيقٍ وَلَا مُوَالَاةٍ (جَازَ) أَيْ التَّفْرِيقُ وَالْمُوَالَاةُ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ، لَكِنَّ الْمُوَالَاةَ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ. (أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ) كَسَنَةِ كَذَا أَوْ سَنَةٍ مِنْ الْغَدِ، أَوْ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ كَذَا (صَامَهَا) عَنْ نَذْرِهِ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ (وَأَفْطَرَ) مِنْهَا (الْعِيدَ) أَيْ يَوْمَيْهِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى (وَالتَّشْرِيقَ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وُجُوبًا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ (وَصَامَ) شَهْرَ (رَمَضَانَ) مِنْهَا (عَنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ (وَلَا قَضَاءَ) عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ، فَإِذَا أَطْلَقَ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَدْخُلَ فِي نَذْرِهِ (وَإِنْ) (أَفْطَرَتْ) أَيْ امْرَأَةٌ فِي سَنَةٍ نَذَرَتْ صِيَامَهَا (بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ) (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِأَيَّامِهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الزَّمَانَ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ، وَإِنَّمَا أَفْطَرَتْ لِمَعْنًى فِيهَا فَتَقْضِي كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْمُرْشِدُ فَتَبِعَهُمْ الْمُحَرَّرُ (قُلْت) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ) قَضَاءُ زَمَنِ أَيَّامِهَا (وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ أَيَّامَهُمَا لَا تَقْبَلُ الصَّوْمَ فَلَا تَدْخُلُ بِالنَّذْرِ كَالْعِيدِ، وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ، وَنَازَعَ فِي نَقْلِ الثَّانِي عَنْ الْجُمْهُورِ. تَنْبِيهٌ: الْإِغْمَاءُ فِي ذَلِكَ كَالْحَيْضِ (وَإِنْ) (أَفْطَرَ) النَّاذِرُ مِنْ السَّنَةِ (يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ) أَثِمَ، وَ (وَجَبَ قَضَاؤُهُ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ (وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ) لِأَنَّ التَّتَابُعَ إنَّمَا كَانَ لِلْوَقْتِ كَمَا فِي رَمَضَانَ، لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ، بَلْ لَوْ أَفْطَرَ جَمِيعَ السَّنَةِ لَمْ يَجِبْ الْوَلَاءُ فِي قَضَائِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 238 فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ، وَلَا يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ وَيَقْضِيهَا تِبَاعًا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ، وَلَا يَقْطَعُهُ حَيْضٌ، وَفِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يَجِبْ. أَوْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِعُذْرِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْضِ اخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا أَيَّامُ الْمَرَضِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي النَّذْرِ لِاسْتِثْنَائِهَا شَرْعًا، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَقَالُوا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي صَوْمِ الْأَثَانِينَ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ كَجٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِهِ أَيْ فَهُوَ كَعُذْرِ السَّفَرِ بِخِلَافِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْحَيْضِ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي السَّنَةِ التَّتَابُعُ (فَإِنْ شَرَطَ) فِيهَا (التَّتَابُعَ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُهَا مُتَتَابِعًا (وَجَبَ) اسْتِئْنَافُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ مَعَ التَّعْيِينِ لَغْوٌ. (أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ هِلَالِيَّةٍ (غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ) فِيهَا (التَّتَابُعَ) (وَجَبَ) وَفَاءٌ بِمَا الْتَزَمَهُ (وَلَا يَقْطَعُهُ) أَيْ التَّتَابُعَ فِيهَا (صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ) لِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ شَرْعًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَنْ فَرْضِهِ عَمَّا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ عَنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ وَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُع قَطْعًا (وَيَقْضِيهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَوْمَ سَنَةٍ وَلَمْ يَصُمْهَا (تِبَاعًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وَلَا (مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ) عَمَلًا بِشَرْطِ التَّتَابُعِ، وَقِيلَ لَا يَقْضِي كَالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ، وَالْمُطْلَقَ إذَا عُيِّنَ قَدْ يُبَدَّلُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ، فَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ الَّتِي تَقْبَلُ الصَّوْمَ مِنْ سَنَةٍ مُتَتَابِعَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا، وَإِنْ نَوَى عَدَدًا يَبْلُغُ سَنَةً كَأَنْ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِذَا أَطْلَقَ النَّاذِرُ السَّنَةَ حُمِلَتْ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ شَرْعًا (وَلَا يَقْطَعُهُ) أَيْ التَّتَابُعَ فِي السَّنَةِ لَوْ كَانَ النَّاذِرُ لَهَا امْرَأَةً (حَيْضٌ) وَنِفَاسٌ أَيْ زَمَنُهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (وَ) لَكِنْ (فِي قَضَائِهِ) وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ (الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي قَضَاءِ زَمَنِ الْحَيْضِ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَجِبُ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ لُزُومُهُ كَمَا فِي رَمَضَانَ، بَلْ أَوْلَى وَفَرَضَهُ فِي الْحَيْضِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لِسَفَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ كَفِطْرِهِ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ السَّنَةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (لَمْ يَجِبْ) أَيْ التَّتَابُعُ فِيهَا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ فَيَصُومُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا. (أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ (يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا) (لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ) الْوَاقِعَةُ فِيهِ غَالِبًا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ جَزْمًا؛ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَشْمَلُهَا لِسَبْقِ وُجُوبِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 239 وَكَذَا الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ فِي الْأَظْهَرِ، فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ صَامَهُمَا، وَيَقْضِي أَثَانِيهِمَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ. قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَتَقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي الْأَظْهَرِ. أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ. أَوْ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَقَعَ قَضَاءً.   [مغني المحتاج] وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ فِيهِ خَمْسَةُ أَثَانِينَ فَفِي قَضَاءِ الْخَامِسِ الْقَوْلَانِ فِي الْعِيدِ كَمَا قَالَ (وَكَذَا الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ) إنْ اتَّفَقَ شَيْءٌ مِنْهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يَقْضِي أَبَدًا (فِي الْأَظْهَرِ) قِيَاسًا عَلَى أَثَانِي رَمَضَانَ. وَالثَّانِي: يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الِاثْنَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ لَازِمٍ. تَنْبِيهٌ: أَثَانِي بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ جَمْعُ اثْنَيْنِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَجْمَعَهُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْوَاحِدِ قُلْت أَثَانِينَ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَثَانِينَ، بَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ، وَعَنْ النَّحَّاسِ أَنَّ أَثَانِيَ بِحَذْفِ النُّونِ أَكْثَرُ مِنْ أَثَانِينَ بِإِثْبَاتِهَا. قَالَ الشَّارِحُ: وَكَانَ وَجْهُ حَذْفِ النُّونِ التَّبَعِيَّةَ لِحَذْفِهَا مِنْ الْمُفْرَدِ، وَوَجْهُ إثْبَاتِهَا أَنَّهَا مَحَلُّ الْإِعْرَابِ بِخِلَافِهَا فِي الْمُفْرَدِ، وَظَاهِرٌ عَلَى الْحَذْفِ بَقَاءُ سُكُونِ الْيَاءِ كَمَا نَقَلَ عَنْ ضَبْطِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ: أَيْ وَلَاءً (لِكَفَّارَةٍ) أَوْ لِنَذْرٍ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ وَقْتًا (صَامَهُمَا وَيَقْضِي أَثَانِيَهِمَا) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ) أَيْ نَذْرَ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْكَفَّارَةُ لَوْ تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته (وَتَقْضِي) الْمَرْأَةُ فِي نَذْرِهَا صَوْمَ الْأَثَانِي (زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَاقِعٌ فِي الْأَثَانِي (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ فِيهِ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ نَذْرِهَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَمَا فِي الْعِيدِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَرْجِيحُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ اسْتِدْرَاكِهِ هُنَا عَنْ الْمُحَرَّرِ اكْتِفَاءً بِاسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ حَيْثُ قَالَ: قُلْت الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ وَلَوْ كَانَ لَهَا عَادَةً غَالِبَةً، فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي لَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا فِي مُفْتَتَحِ الْأَمْرِ، وَتَقْضِي مَا فَاتَ بِالْمَرَضِ. (أَوْ) نَذَرَ (يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ) عَنْهُ (قَبْلَهُ) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرٌ عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَفَعَلَهُ صَحَّ وَكَانَ قَضَاءً. (أَوْ) نَذَرَ (يَوْمًا) عَيَّنَهُ (مِنْ أُسْبُوعٍ) أَيْ جُمُعَةٍ (ثُمَّ نَسِيَهُ) (صَامَ آخِرَهُ) أَيْ الْأُسْبُوعِ (وَهُوَ الْجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ) أَيْ الْيَوْمُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْجُمُعَةَ (وَقَعَ) صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (قَضَاءً) عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْأُسْبُوعِ وَيَوْمَ السَّبْتِ أَوَّلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 240 وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إتْمَامَهُ لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ» وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِهِ وَفِي مَجْمُوعِهِ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ: سُمِّيَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، لِأَنَّهُ ثَانِي الْأَيَّامِ، وَالْخَمِيسِ، لِأَنَّهُ خَامِسُ الْأُسْبُوعِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ فَيَكُونُ آخِرُهُ السَّبْتَ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنَّهُ حَدِيثٌ تَكَلَّمَ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ كَعْبٍ، وَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ فَجَعَلَهُ مَرْفُوعًا، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالتَّوَارِيخِ مِنْ أَنَّ بَدْءَ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ لَا فِي السَّبْتِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «خَلَقَ الْأَرْضَ يَوْمَ الْأَحَدِ» وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ: وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ حَتَّى يَصُومَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأُسْبُوعِ لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ الصَّلَاةِ فِي جَمِيعِ لَيَالِي الْعَشْرِ لِأَجْلِ الْإِبْهَامِ، وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا يَنْعَقِدُ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ صِحَّةِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ. وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ نَذْرَ الْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ كَمَا مَرَّ فَلَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّهُ كَانَ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ وَصَامَ أَحَدَهُمَا وَنَسِيَ الْآخَرَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ أُسْبُوعٍ وَنَسِيَهُ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ رُبَّمَا يَتَعَيَّنُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ إلَّا قَلِيلُ الْفَهْمِ أَوْ مُعَانِدٌ. (وَمَنْ) (شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ) أَوْ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ طَوَافِهِ، أَوْ اعْتِكَافِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ (فَنَذَرَ إتْمَامَهُ) (لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ النَّفَلَ عِبَادَةٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَكَّنَهُ مِنْ إبْطَالِهِ بَعْدَ انْعِقَادِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الِانْعِقَادِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي اللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ اللُّزُومِ فِي الصَّوْمِ إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، فَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ، فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِهِ الْوَفَاءُ بِهِ قَوْلَانِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ اللُّزُومَ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَنَا صَوْمٌ وَاجِبٌ يَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ إلَّا هَذَا. وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: الْمَشْهُورُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ تُفْهِمُهُ لِقَوْلِهِ: مَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 241 وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ يَوْمٌ. أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ يَوْمٌ آخَرُ عَنْ هَذَا،   [مغني المحتاج] أَصْبَحَ صَائِمًا عَنْ تَطَوُّعٍ (وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ) نَذْرُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ (وَقِيلَ) يَنْعَقِدُ وَ (يَلْزَمُهُ يَوْمٌ) ؛ لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ مَعْهُودًا شَرْعًا فَلَزِمَهُ يَوْمٌ كَامِلٌ. تَنْبِيهٌ: يَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَذَرَ بَعْضَ رَكْعَةٍ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ نُسُكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ بِبَعْضِ نُسُكٍ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِهِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نُسُكًا كَالطَّلَاقِ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ طَوَافٍ فَيَنْبَغِي بِنَاؤُهُ، هَلْ يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ؟ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى، وَإِنْ نَذَرَ سَجْدَةً لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْبَةً بِلَا سَبَبٍ، بِخِلَافِ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ فِي عَامِهِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ كَأَنْ كَانَ عَلَى مِائَةِ فَرْسَخٍ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا الْتَزَمَهُ. (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَصُومَ (يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ) (فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ) لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ. وَالثَّانِي: لَا، لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ قُدُومَهُ غَدًا فَيَنْوِي صَوْمَهُ لَيْلًا (فَإِنْ قَدِمَ) زَيْدٌ (لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ) أَوْ تَشْرِيقٍ (أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِالْيَوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الصَّوْمَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَقَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا اُسْتُحِبَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَصُومَ صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَجْلِ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ يَوْمًا آخَرَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (أَوْ) قَدِمَ زَيْدٌ (نَهَارًا وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ) فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ (يَوْمٌ آخَرَ) قَضَاءً (عَنْ هَذَا) الْمَنْذُورِ وَهُوَ صَوْمُ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَيُسَنُّ قَضَاءُ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمًا مُسْتَحَقَّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ: وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ صَامَهُ عَنْ نَذْرٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ يَنْعَقِدُ أَيْ مَعَ الْإِثْمِ وَيَقْضِي نَذْرَ هَذَا الْيَوْمِ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ مُفْطِرٌ إفْطَارُهُ بِتَنَاوُلِهِ مُفْطِرًا، أَوْ بِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ. نَعَمْ إنْ أَفْطَرَ لِجُنُونٍ طَرَأَ عَلَيْهِ فَلَا قَضَاءَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ هَلْ يَتَبَيَّنُ وُجُوبُ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْقُدُومِ وَأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ وَلَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بِيَوْمٍ كَامِلٍ؟ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ نَهَارًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ وَإِنْ اقْتَضَى مَا ذُكِرَ لُزُومُ يَوْمٍ وَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِقُدُومِهِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ، فَإِنْ سَبَقَ فِيهِ بَيْعُ الْعَبْدِ فِي الْأَوَّلِ وَمَوْتُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْأَوَّلِ لِتَبَيُّنِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ، وَلَا إرْثَ فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 242 أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ يَجِبُ تَتْمِيمُهُ وَيَكْفِيه، وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ فَقَدِمَا فِي الْأَرْبِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي الْآخَرَ. [فَصْلٌ] نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إتْيَانَهُ فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ   [مغني المحتاج] إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بَائِنًا، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ بَعْدَ الْيَوْمِ صَحَّ مَا ذُكِرَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا مَا لَوْ صَامَهُ عَنْ الْقُدُومِ بِأَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا بِخَبَرِ ثِقَةٍ مَثَلًا فَبَيَّتَ الصَّوْمَ، وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ لِبِنَائِهِ عَلَى أَصْلٍ مَظْنُونٍ (أَوْ) قَدِمَ زَيْدٌ (وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (صَائِمٌ نَفْلًا) وَقُدُومُ زَيْدٍ قَبْلَ الزَّوَالِ (فَكَذَلِكَ) يَجِبُ صَوْمُ يَوْمٍ آخَرَ عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ، وَالنَّفَلُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ فِي لُزُومِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ (وَقِيلَ) لَا، بَلْ (يَجِبُ تَتْمِيمُهُ) بِقَصْدِ كَوْنِهِ عَنْ النَّذْرِ (وَيَكْفِيه) عَنْ نَذْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لُزُومَ الصَّوْمِ مِنْ وَقْتِ قُدُومِهِ، وَيَكُونُ أَوَّلُهُ تَطَوُّعًا وَآخِرُهُ فَرْضًا: كَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ إتْمَامَهُ (وَلَوْ قَالَ:) (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ قُدُومِهِ (فَقَدِمَا) أَيْ زَيْدٌ وَعَمْرٌو (فِي الْأَرْبِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ) لِسَبْقِهِ (وَيَقْضِي الْآخَرَ) لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي وَقْتِهِ، فَلَوْ صَامَ الْخَمِيسَ عَنْ النَّذْرِ الثَّانِي أَثِمَ وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ النَّذْرِ عَنْ غَيْرِهِ وَيَقْضِي يَوْمًا آخَرَ مِنْ النَّذْرِ الْآخَرِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسَ قُدُومِهِ صَحَّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْمَجْمُوعِ، هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ شُهْبَةَ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، ثُمَّ قَالَ: مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ قَالَ يَصِحُّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ سَهْوًا اهـ. وَلَعَلَّ نُسَخَهُ مُخْتَلِفَةٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ مَثَلًا كَمَا مَرَّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: كَلَامُ الْأَئِمَّةِ نَاطِقٌ بِأَنَّ هَذَا النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرٍ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ، فَلَوْ كَانَ قُدُومُهُ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ يَهْوَاهَا أَوْ أَمْرَدَ يَعْشَقُهُ أَوْ نَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِهِ بِالْمُعَلَّقِ، وَاَلَّذِي يَشِطُّ كَوْنُهُ قُرْبَةَ الْمُلْتَزَمِ لَا الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ، وَهُوَ قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا. [فَصَلِّ فِيمَنْ نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا] [فَصْلٌ] فِي نَذْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَأْتِي. إذَا (نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ) تَعَالَى وَقَصَدَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَهُوَ الْكَعْبَةُ أَوْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الْحَرَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (أَوْ) لَمْ يَنْذِرْ الْمَشْيَ لِبَيْتِ اللَّهِ بَلْ نَذَرَ (إتْيَانَهُ) فَقَطْ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 243 عُمْرَةٍ، فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ،   [مغني المحتاج] عُمْرَةٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ قَصْدَهُ بِنُسُكٍ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَجِبُ ذَلِكَ حَمْلًا لِلنَّذْرِ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ، وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى وَاجِبِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا نَوَاهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَجَّ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى يَصْدُقُ بِبَيْتِهِ الْحَرَامِ وَبِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ، وَعَرَفَاتٌ مِنْ الْحِلِّ فَهِيَ كَبَلَدٍ آخَرَ، وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ كَالصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَوْ مِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ دَارِ أَبِي جَهْلٍ أَوْ الْخَيْزُرَانِ لَزِمَهُ إتْيَانُ الْحَرَمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تُتِمُّ فِي إتْيَانِهِ بِنُسُكِهِ، وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَنْ الْوَاجِبِ كَمَا مَرَّ، وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْكِنَةِ وَنَحْوِهَا فِي تَنْفِيرِ الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ فِي نَذْرِهِ: بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ لَزِمَهُ أَيْضًا، وَيَلْغُو النَّفْيُ، وَإِنْ صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمَ الصِّحَّةِ مُعَلِّلًا لَهَا بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يُنَافِيه، وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ الْإِتْيَانَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَيَلْغُو نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ لَا يَجِبُ قَصْدُهُ بِالنُّسُكِ فَلَمْ يَجِبْ إتْيَانُهُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَيُفَارِقُ لُزُومَ الِاعْتِكَافِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ فَضِيلَةٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمُلْتَزِمَةِ فَالْإِتْيَانُ بِخِلَافِهِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْإِتْيَانِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ وَافَقَ فِي الْمَشْيِ وَخَالَفَ فِي الْإِتْيَانِ، وَقَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْقُرْبَةِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] فَجَعَلَ الرُّكُوبَ صِفَةً لَهُ كَالْمَشْيِ (فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ) إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ الذَّهَابَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْمَشْيَ، بَلْ لَهُ الرُّكُوبُ قَطْعًا (وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ) إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا) وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَشْيِ (فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ جَعْلَهُ وَصْفًا لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ مُتَتَابِعًا. أَمَّا الْعَاجِزُ فَلَا يَلْزَمُهُ مَشْيٌ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُ الْقَادِرَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ فِي جِنْسِهِ مَشْيٌ بِالشَّرْعِ فَلَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ. تَنْبِيهٌ: أَصْلُ الْخِلَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ أَوْ الْمَشْيَ؟ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَفْضَلِيَّةُ الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ رَاكِبًا، وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ مُؤْنَةٍ وَإِنْفَاقٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي: أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْيِ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ، وَالْأَجْرُ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ. وَأُجِيبَ عَنْ حَجِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا بِأَنَّهُ لَوْ مَشَى فِي حَجِّهِ لَمَشَى جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ مَعَهُ إلَّا بِجَهْدٍ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، وَالثَّالِثُ: هُمَا سَوَاءٌ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ، إذَا عَرَفْت هَذَا فَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ الْمَشْيِ وَاضِحٌ عَلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الرُّكُوبِ. أَمَّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ هُوَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الرُّكُوبِ فَلَا يَجِبُ الْمَشْيُ، وَهُوَ مَا اقْتَضَى كَلَامَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 244 فَإِنْ كَانَ قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ، وَإِنْ قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ دَمٌ.   [مغني المحتاج] الرَّوْضَةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ النَّذْرِ تَرْجِيحُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا يَلْزَمُ أَصْلُ الْعِبَادَةِ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالصِّفَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِيهَا إذَا شُرِطَتْ كَمَنْ شَرَطَ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ إذَا قُلْنَا: الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ الرُّكُوبِ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي أَوَائِلِ النَّذْرِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ نَاصٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ الْمَشْرُوطُ إلَّا إذَا جَعَلْنَا الْمَشْيَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوبِ، لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ هُنَا مِنْ الرَّوْضَةِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ لِلرَّافِعِيِّ عَلَى لُزُومِ الْمَشْيِ: الصَّوَابُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ لُزُومَ الْمَشْيِ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ مَقْصُودًا مَعَ كَوْنِهِ مَفْضُولًا، وَلَئِنْ سَلِمَ كَوْنُهُ مَقْصُودًا فَلَا يَمْنَعُ الْعُدُولَ إلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَصَلَّى قَائِمًا؟ . قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الرُّكُوبُ وَالْمَشْيُ نَوْعَانِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ، كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْفِضَّةِ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالتَّصَدُّقِ بِالذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ. وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ كَانَ) (قَالَ) فِي نَذْرِهِ (أَحُجُّ مَاشِيًا) أَوْ أَمْشِي حَاجًّا وَأَطْلَقَ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (فَمَنْ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ (حَيْثُ يُحْرِمُ) مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَشْيَ فِي الْحَجِّ، وَابْتِدَاءُ الْحَجِّ مِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِالْمَشْيِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ لَزِمَهُ (وَإِنْ) (قَالَ) فِي نَذْرِهِ (أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) الْحَرَامِ أَوْ إلَى الْحَرَمِ مَاشِيًا (فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ) يَمْشِي (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولُ لَفْظِهِ. وَالثَّانِي يَمْشِي مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْحَرَامُ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ بَيْتِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا مَرَّ (وَإِذَا) (أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ) عَلَى النَّاذِرِ (فَرَكِبَ لِعُذْرٍ) وَهُوَ أَنْ يَنَالَهُ بِهِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (أَجْزَأَهُ) نُسُكُهُ رَاكِبًا عَنْ نَذْرِهِ مَاشِيًا قَطْعًا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ» (وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. وَالثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَصَلَّى قَاعِدًا لِلْعَجْزِ، وَفَرْقُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ بِالْمَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ عَمَّا إذَا لَمْ نُوجِبْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ (أَوْ) رَكِبَ (بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ) الْحَجُّ رَاكِبًا (عَلَى الْمَشْهُورِ) مَعَ عِصْيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا هَيْئَةً الْتَزَمَهَا وَتَرْكُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاحْتِسَابِ فَصَارَ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ. وَالثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا الْتَزَمَ، وَقَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ عَادَ إلَيْهِمَا لِأَنَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ مَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 245 وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا اسْتَنَابَ. وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ لَزِمَهُ،   [مغني المحتاج] الْعُذْرِ فَبِدُونِهِ أَوْلَى. وَالثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا مَرَّ، وَالدَّمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ شَاةٌ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَحَتَّى يَفْرُغَ مِنْ نُسُكِهِ أَوْ يُفْسِدَهُ وَفَرَاغُهُ مِنْ حَجِّهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ التَّحَلُّلَيْنِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ حَتَّى يَرْمِيَ أَوْ يَبِيتَ؛ لِأَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ الْحَجِّ خُرُوجَ السَّلَامِ الثَّانِي مِنْ الصَّلَاةِ، وَمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَوَقُّفِهِ عَلَى الرَّمْيِ ضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ خَطَأٌ. قَالَا: وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي خِلَالِ أَعْمَالِ النُّسُكِ لِغَرَضِ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَهُ الرُّكُوبُ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَلَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مَاشِيًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي أَعْمَالِ تُحَلِّلُ الْفَوَاتِ، وَلَا فِي النُّسُكِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ عَنْ أَنْ يُجْزِئَهُ عَنْ نَذْرِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَى رِجْلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا لَزِمَهُ إلَّا إنْ أَرَادَ إلْزَامَ رِجْلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِنْ أَلْزَمَ رَقَبَتَهُ أَوْ نَفْسَهُ ذَلِكَ لَزِمَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ عَنْ الذَّاتِ وَإِنْ قَصَدَ الْتِزَامَهُمَا، وَلَوْ نَذَرَ الْحَجَّ حَافِيًا لَزِمَهُ الْحَجُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَفَاءُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْحَفَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ، وَهُوَ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ أَيْ إذَا أُمِنَ مِنْ تَلْوِيثِ نَجَاسَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ مَشَقَّةٌ، وَيُنْدَبُ الْحَفَاءُ أَيْضًا فِي الطَّوَافِ. (وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ) إنْ كَانَ قَادِرًا (فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ (اسْتَنَابَ) غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ أَوْ جُعْلٍ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْحَجِّ: إذَا كَانَ الْمَعْضُوبُ بِمَكَّةَ أَوْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا لَمْ تَجُزْ الِاسْتِنَابَةُ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تَكْثُرُ عَلَيْهِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ نَذَرَ الْمَعْضُوبُ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ. قَالَ: بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ الصَّحِيحُ الْحَجَّ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْضُوبَ أَيِسَ مِنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، وَالصَّحِيحُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ الْحَجِّ بِمَالِهِ. قَالَ: فَإِنْ بَرِئَ الْمَعْضُوبُ لَزِمَهُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ. (وَيُنْدَبُ) لِلنَّاذِرِ (تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ) سِنِي (الْإِمْكَانِ) مُبَادَرَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَإِنْ خَشِيَ الْعَضْبَ لَوْ أَخَّرَ لَزِمَتْهُ الْمُبَادَرَةُ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ (فَإِنْ تَمَكَّنَ) مِنْ التَّعْجِيلِ (فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ مِنْ مَالِهِ) لِقَصِيرِهِ. أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ (وَإِنْ) (نَذَرَ الْحَجَّ عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ) فِعْلُهُ فِيهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ يُمْكِنُهُ مِنْهَا الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ (لَزِمَهُ) فِيهِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فِي تَعْيِينِ الزَّمَانِ فِي الْعِبَادَاتِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ كَالصَّوْمِ وَلَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ، فَإِنْ أَخَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: عَامَهُ عَمَّا إذَا لَمْ يُقَيِّدُهُ بِعَامِهِ فَيَلْزَمُهُ فِي أَيِّ عَامٍ شَاءَ، وَبِقَوْلِهِ وَأَمْكَنَهُ عَمَّا إذَا نَذَرَ حَجَّ السَّنَةِ وَلَا زَمَانَ يَسَعُ الْإِتْيَانَ بِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 246 فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ، أَوْ عَدُوٌّ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ وَجَبَ الْقَضَاءُ.   [مغني المحتاج] فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَعَذُّرِ اللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِلنَّذْرِ حَجٌّ آخَرُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ فَتَلْزَمُهُ صَلَاةٌ أُخْرَى، وَيُقَدِّمُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى حَجَّةِ النَّذْرِ، وَمَحَلُّ انْعِقَادِ نَذْرِهِ ذَلِكَ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْفَرْضِ. فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ أَوْ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَذَلِكَ إذْ لَا يَنْعَقِدُ نُسُكٌ مُحْتَمَلٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ) كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَأَفْطَرَ فِيهَا بِعُذْرِ الْمَرَضِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي، وَالنِّسْيَانُ وَخَطَأُ الطَّرِيقِ وَالضَّلَالُ فِيهِ كَالْمَرَضِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْقَضَاءِ إذَا مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ خُرُوجِ النَّاسِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ أَوْ لَمْ يَجِدْ رُفْقَةً وَكَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَا يَتَأَتَّى لِلْآحَادِ سُلُوكُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ حَجٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْأُمِّ اهـ. وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْمَرَضِ غَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ عِنْدَ خُرُوجِ الْقَافِلَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ عَقْلُهُ فِي وَقْتٍ لَوْ خَرَجَ فِيهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ كَمَا لَا تَسْتَقِرُّ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِالنِّسْبَةِ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ (أَوْ) مَنَعَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ (عَدُوٌّ) أَوْ سُلْطَانٌ وَحْدَهُ أَوْ رَبُّ دَيْنٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ حَتَّى مَضَى إمْكَانُ الْحَجِّ تِلْكَ السَّنَةِ (فَلَا) قَضَاءَ عَلَيْهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَكَانِ الْعُذْرِ، وَيُفَارِقُ الْمَرَضَ لِاخْتِصَاصِهِ بِجَوَازِ التَّحَلُّلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ الْمَرَضِ. وَالثَّانِي وَهُوَ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ بَابَ النَّذْرِ أَوْسَعُ مِنْ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ حَجَّاتٍ كَثِيرَةٍ لَزِمَتْهُ، وَلَا يَجِبُ بِالشَّرْعِ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً. أَمَّا إذَا صَدَّهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ صَدًّا عَامًّا بَعْدَمَا أَحْرَمَ. قَالَ الْإِمَامُ: أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِلصَّدِّ فَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَنْصُوصِ. وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّدَّ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، فَإِنَّ هَذَا الْمَحَلَّ تَتَوَقَّفُ فِيهِ الطَّلَبَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَإِنَّهُ سَاقَ الْكَلَامَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَامٍّ وَلَا خَاصٍّ فَتَنَبَّهْ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ عَشْرَ حَجَّاتٍ مَثَلًا وَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ، وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ حَجَّةٍ فِيهَا قُضِيَتْ مِنْ مَالِهِ وَحْدَهَا، وَالْمَعْضُوبُ يَسْتَنِيبُ فِي الْعَشْرِ، فَقَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فِيهَا فِي سَنَةٍ فَيَقْضِي الْعَشْرَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ مَالُهُ بِهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ إلَّا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. (أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ) مُعَيَّنٍ لَمْ يُنْهِ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ فِيهِ (فَمَنَعَهُ) مِنْ ذَلِكَ (مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ) (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِتَعَيُّنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 247 أَوْ هَدْيًا لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا.   [مغني المحتاج] الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَالْحَجِّ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ كَمَا مَرَّ فِيهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ، وَقَدْ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مَعَ الْعَجْزِ فَلَزِمَا بِالنَّذْرِ، وَالْحَجُّ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَكَذَا حُكْمُ النَّذْرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى الْمَنْعِ مِنْ النِّيَّةِ فَإِنَّهَا بِالْقَلْبِ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى الْأَصَحِّ وَالصَّلَاةُ يُمْكِنُ فِعْلُهَا مَعَ الْإِكْرَاهِ بِإِمْرَارِ أَفْعَالِهَا عَلَى قَلْبِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ نَادِرٌ كَمَا فِي الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ؟ . أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِالْأَسِيرِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ يَأْكُلُ خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى التَّلَبُّسِ بِهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا. فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى كَبَقِيَّةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ. أَمَّا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ أَوْ الصَّوْمَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَقَدْ مَرَّ أَنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ صَحَّ فِعْلُ الْمَنْذُورِ فِيهِمَا. (أَوْ) نَذَرَ (هَدْيًا) أَيْ أَنْ يَهْدِيَ شَيْئًا سَمَّاهُ مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهَا كَأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاةً أَوَثَوْبًا إلَى مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ (لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ) أَوْ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ (وَ) لَزِمَهُ (التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَرِيبًا كَانَ أَوْ مُسْتَوْطِنًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَتَفْرِقَةُ ثَمَنِهِ وَيَنْزِلُ بِعَيْنِهِ مَنْزِلَةَ الْأُضْحِيَّةِ وَالشَّاةِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَالظِّبَاءِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيًّا، فَإِنْ ذَبَحَهُ لَمْ يَجُزْ، إذْ لَا قُرْبَةَ فِي ذَبْحِهِ لِعَدَمِ إجْزَائِهِ أُضْحِيَّةً، وَغَرِمَ الْأَرْشَ إنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالذَّبْحِ وَتَصَدَّقَ بِاللَّحْمِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْهَدْيِ قَدْ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَالَ: شَيْئًا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى، وَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْحَرَمِ بَدَلًا عَنْ مَكَّةَ لِيَسْتَغْنِيَ عَمَّا زِدْته فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ حَمْلَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَكَّةَ، بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ الْحَرَمِ، وَقَوْلُهُ: حَمْلُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ فِيمَا سَهُلَ نَقْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. أَمَّا مَا تَعَذَّرَ نَقْلُهُ مِمَّا أَهْدَاهُ كَالدَّارِ أَوْ تَعَسَّرَ كَحَجَرِ الرَّحَى فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلُ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ، وَهَلْ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ لَا فَقَدْ يَرْغَبُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا؟ . وَجْهَانِ: فِي الْكِفَايَةِ يَنْبَغِي الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ رَاغِبٌ بِالزِّيَادَةِ، وَقَوْلُهُ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِمَّا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ وَلَا هَدِيَّتُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ دُهْنٍ نَجِسٍ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ: مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِصِحَّةِ التَّصَدُّقَ بِهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا جِلْدَ الْمَيِّتَةِ قَبْلَ الدَّبَّاغِ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَرْجَحُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُهْدَى لِآدَمِيٍّ اهـ. وَهَذَا أَظْهَرُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِهِ مَا لَوْ عَسُرَ التَّصَدُّقُ بِهِ حَيْثُ وَجَبَ التَّعْمِيمُ بِهِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُفَرَّقُ ثَمَنَهُ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي الْحَرَمِ وَمَحَلُّ النَّذْرِ سَوَاءٌ تَخَيَّرَ بَيْنَ حَمْلِهِ وَبَيْعِهِ بِالْحَرَمِ وَبَيْنَ حَمْلِ ثَمَنِهِ، أَوْ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 248 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ تَعَيُّنٍ، وَمَا لَوْ نَوَى النَّاذِرُ اخْتِصَاصَ الْكَعْبَةِ بِالْمَنْذُورِ، فَإِنْ كَانَ شَمْعًا أَشْعَلَهُ فِيهَا، أَوْ دُهْنًا أَوْقَدَهُ فِي مَصَابِيحِهَا، أَوْ طِيبًا طَيَّبَهَا بِهِ، أَوْ مَتَاعًا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا بَاعَهُ وَصَرَفَ ثَمَنَهُ فِي مَصَالِحِهَا. أَمَّا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ حَمْلًا عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ، فَإِنْ عَيَّنَ عَنْ نَذْرِهِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً تَعَيَّنَتْ بِشُرُوطِ الْأُضْحِيَّةِ، فَلَا يُجْزِئُ فَصِيلٌ وَلَا عِجْلٌ وَلَا سَخْلَةٌ. وَإِنْ تَعَيَّبَ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمُعَيَّنُ عَنْ نَذْرِهِ تَحْتَ السِّكِّينِ عِنْدَ الذَّبْحِ لَمْ يَجُزْ كَالْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِهِ مَا لَمْ يُذْبَحْ، وَقِيلَ يُجْزِئُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ، وَبِالْوُصُولِ إلَيْهِ حَصَلَ الْإِهْدَاءُ، وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَقْلِ الْهَدْيِ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِنَقْلِ الْبَاقِي كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَزِمَهُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ فِيهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ، وَفِي الْإِبَانَةِ أَنَّهُ إنْ قَالَ أُهْدِي هَذَا فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: جَعَلْته هَدْيًا فَلَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَجْلِ مُؤْنَةِ النَّقْلِ، وَنَسَبَهُ فِي الْبَحْرِ لِلْقَفَّالِ وَاسْتَحْسَنَهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَكِنَّ مُقْتَضَى جَعْلِهِ هَدْيًا أَنْ يُوصِلَهُ كُلَّهُ الْحَرَمَ فَلْيَلْتَزِمْ مُؤْنَتَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أُهْدِي اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا عَلَفُ الْحَيَوَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاةً مَثَلًا وَنَوَى ذَاتَ عَيْبٍ أَوْ سَخْلَةً أَجْزَأَهُ هَذَا الْمَنْوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُلْتَزَمُ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيًّا، فَإِنْ أَخْرَجَ بَدَلَهُ تَامًّا فَهُوَ أَفْضَلُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ إهْدَاءُ مَا ذُكِرَ إلَى أَغْنِيَاءِ الْحَرَمِ، نَعَمْ لَوْ نَذَرَ نَحْرَهُ لَهُمْ خَاصَّةً، وَاقْتَرَنَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ الْقُرْبَةِ كَأَنْ تَتَأَسَّى بِهِ الْأَغْنِيَاءُ لَزِمَهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَيُسَنُّ لِمَنْ أَهْدَى شَيْئًا مِنْ الْبُدْنِ أَوْ الْبَقَرِ أَنْ يُشْعِرَهَا أَيْ يَجْرَحَهَا بِشَيْءٍ لَهُ حَدٌّ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْيُمْنَى وَأَنْ يُقَلِّدَهَا بِعُرَى الْقُرَبِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْخُيُوطِ الْمَفْتُولَةِ وَالْجُلُودِ، وَيُقَلِّدَ الْغَنَمَ وَلَا يُشْعِرَهَا، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْإِعْلَامُ بِأَنَّهُ هَدْيٌ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ، فَإِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ الْمَحِلِّ نَحَرَهُ وُجُوبًا فِي الْمَنْذُورِ، وَنَدْبًا فِي غَيْرِهِ وَغَمَسَ الْمُقَلَّدَ بِهِ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهُ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِرُفْقَتِهِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَنْذُورِ، وَالْمُرَادُ بِرُفْقَتِهِ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَرْهُ حَتَّى مَاتَ مَعَ تَمَكُّنِهِ ضَمِنَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ حِينَئِذٍ وَمِنْ مِثْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِبَدَنَةٍ وَقَيَّدَهَا بِالْإِبِلِ أَوْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ تَعَيَّنَتْ الْبَدَنَةُ مِنْ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَيْضًا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَهِيَ فِي الْإِبِلِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، فَإِنْ عُدِمَتْ وَقَدْ أَطْلَقَ نَذْرَهُ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَسَبْعُ شِيَاهٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالسَّبْعِ شِيَاهٍ، وَإِنْ عُدِمَتْ وَقَدْ قَيَّدَ نَذْرَهُ بِهَا لَفْظًا أَوْ نِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا بَقَرَةً، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ عَدَمَ اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، بَلْ اللَّفْظُ عِنْد الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ وَمَعْهُودِهِ لَا تَقْوِيمَ فِيهِ، فَإِنْ فَضَلَ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْءٌ اشْتَرَى بِهِ بَقَرَةً أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَشَاةٌ أَوْ شِقْصًا مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَاحِدًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 249 أَوْ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ. أَوْ صَوْمًا فِي بَلَدٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَكَذَا صَلَاةً   [مغني المحتاج] مِنْهُمَا تَصَدَّقَ بِالْفَاضِلِ دَرَاهِمَ، فَإِنْ عُدِمَتْ الْبَقَرَةُ اشْتَرَى سَبْعَ شِيَاهٍ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ، وَلَوْ وَجَدَ بِقِيمَةِ الْبَدَنَةِ ثَلَاثَ شِيَاهٍ أَتَمَّ السَّبْعَةَ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ نَذَرَ شَاةً فَذَبَحَ بَدَلَهَا بَدَنَةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: إذَا نَذْرَهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَفِي كَوْنِ كُلِّهَا فَرْضًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ، عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهِ. (أَوْ) نَذَرَ (التَّصَدُّقَ) بِشَيْءٍ (عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ) مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا (لَزِمَهُ) ذَلِكَ وَفَاءً بِالْتِزَامِهِ وَصَرْفِهِ لِمَسَاكِينِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ كَالزَّكَاةِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَهْلِ الْبَلَدِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالْمَسَاكِينِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ بِعَدَمِ جَوَازِ وَضْعِ الْمَنْذُورِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ يُفْهِمُ أَيْضًا أَنَّ غَيْرَ الْحَرَمِ لَا يُنْذَرُ فِيهِ إلَّا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ بِهِ تَعَيَّنَ ذَبْحُهَا مَعَ التَّفْرِقَةِ فِيهِ لِتَضَمُّنِهَا التَّفْرِقَةَ فِيهِ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ وَالتَّفْرِقَةَ أَوْ نَوَاهَا بِبَلَدٍ غَيْرِ الْحَرَمِ تَعَيَّنَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَسِيلَةٌ إلَى التَّفْرِقَةِ الْمَقْصُودَةِ، فَلَمَّا جَعَلَ مَكَانَهُ مَكَانَهَا اقْتَضَى تَعَيُّنَهُ تَبَعًا. وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي الْحَرَمِ وَالتَّفْرِقَةَ فِي غَيْرِهِ تَعَيَّنَ الْمَكَانَانِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قُرْبَةٌ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بِسِكِّينٍ وَلَوْ مَغْصُوبًا وَنَذَرَ التَّفْرِقَةَ فِيهَا فِي الْحَرَمِ تَعَيَّنَ مَكَانُ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ إذْ لَا قُرْبَةَ فِي الذَّبْحِ خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَا فِي الذَّبْحِ بِسِكِّينٍ مُعَيَّنٍ وَلَوْ فِي الْحَرَمِ، وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِالْحَرَمِ فَقَطْ لَزِمَهُ النَّحْرُ بِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الذَّبْحِ فِي النَّذْرِ مُضَافًا إلَى الْحَرَمِ يُشْعِرُ بِالْقُرْبَةِ، وَلِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ عِبَادَةٌ مَعْهُودَةٌ وَلَزِمَهُ التَّفْرِقَةُ فِيهِ حَمْلًا عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ. وَإِنْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِأَفْضَلَ بَلَدٍ تَعَيَّنَتْ مَكَّةَ لِلذَّبْحِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ الْبِلَادِ. وَلَوْ نَذَرَ لِمُعَيَّنٍ بِدَرَاهِمَ مَثَلًا كَانَ لَهُ مُطَالَبَةُ النَّاذِرِ بِهَا إنْ لَمْ يُعْطِهِ كَالْمَحْصُورِينَ مِنْ الْفُقَرَاءِ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالزَّكَاةِ الَّتِي وَجَبَتْ، فَإِنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ بَرِئَ النَّاذِرُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى قَبُولِ غَيْرِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِخِلَافِ مُسْتَحِقِّ النَّذْرِ، وَأَيْضًا الزَّكَاةُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَأُجْبِرُوا عَلَى قَبُولِهَا خَوْفَ تَعْطِيلِهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ. (أَوْ) نَذَرَ (صَوْمًا فِي بَلَدٍ) مَثَلًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ، وَ (لَمْ يَتَعَيَّنْ) أَيْ الصَّوْمُ فِيهِ فَلَهُ الصَّوْمُ فِي غَيْرِهِ، سَوَاءٌ الْحَرَمُ وَغَيْرُهُ كَمَا أَنَّ الصَّوْمَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ جُبْرَانٍ وَاجِبِ الْإِحْرَامِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنْ عَيَّنَ الْحَرَمَ تَعَيَّنَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ رَجَّحَ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرَبِ تَتَضَاعَفُ فِيهِ، فَالْحَسَنَةُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَالتَّضْعِيفُ قُرْبَةٌ (وَكَذَا) (صَلَاةً) نَذَرَهَا فِي بَلَدٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا وَيُصَلِّي فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ صَلَاةَ الْفَرَائِضِ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَهَا مَسْجِدٌ، وَإِنْ عَيَّنَهُ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي مَسْجِدٍ بِنَاءً عَلَى صِفَاتِهَا تَفَرَّدَ بِالِالْتِزَامِ بِخِلَافِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 250 إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَفِي قَوْلٍ: " وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى ". قُلْت: الْأَظْهَرُ تَعْيِينُهُمَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا فَيَوْمٌ،   [مغني المحتاج] النَّفْلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَدَاءَ الْفَرِيضَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ (إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ لِعِظَمِ فَضْلِهِ وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ وَصَحَّ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعُ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الطَّوَافِ فَقَطْ، جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ حَرَمَ مَكَّةَ كَمَسْجِدِهَا فِي الْمُضَاعَفَةِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ فَصَلَّى فِي أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ، لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ زِيَادَةَ فَضِيلَةِ (وَفِي قَوْلٍ: وَ) إلَّا (مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى) فَيَتَعَيَّنَانِ لِلصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ فِيهِمَا (قُلْت: الْأَظْهَرُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (تَعْيِينُهُمَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِاشْتِرَاكِ الثَّلَاثَةِ فِي عِظَمِ الْفَضِيلَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ مَمْنُوعٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ صَلَّى مَا نَذَرَهُ بِالْمَسْجِدَيْنِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَقُومُ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى، وَلَا عَكْسَ عَلَى النَّصِّ وَسَكَتَ عَنْ نَذْرِهِ الِاعْتِكَافَ لِتَقَدُّمِهِ فِي بَابِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِدِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَلَوْ نَذَرَ أَلْفَ صَلَاةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً لَا تَجْزِيهِ أَلْفُ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ عَدَلَتْ بِهَا كَمَا أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لَا تَجْزِيهِ، وَإِنْ عَدَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَلَا يَلْحَقُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدُ قُبَاءَ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ صَلَاةً فِيهِ كَعُمْرَةٍ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي فُرُوعٍ يُظْهِرُ بِهَا أَنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ وَاجِبُ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزُهُ؟ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَى، وَرَجَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ الثَّانِيَ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ تَرْجِيحُ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ، وَبَدَأَ مِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ بِنَذْرِ الصَّوْمِ. فَقَالَ (أَوْ) نَذَرَ (صَوْمًا مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَدٍ بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ (فَيَوْمٌ) يُحْمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَالصَّوْمُ لَا يَكُونُ أَقَلُّ مِنْهُ وَالْمُتَيَقِّنُ يَوْمٌ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ إذَا حَمَلْنَا النَّذْرَ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 251 أَوْ أَيَّامًا فَثَلَاثَةٌ. أَوْ صَدَقَةً فِيمَا كَانَ.   [مغني المحتاج] أَقَلَّ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ ابْتِدَاءُ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. أُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ بِدَلِيلِ وُجُوبِ يَوْمٍ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَعِنْدَ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ، وَبُلُوغِ الصَّبِيِّ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَذَرَ صَوْمًا كَثِيرًا أَوْ طَوِيلًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ كَمَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي الْكَافِي، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ حِينًا أَوْ دَهْرًا (أَوْ) نَذَرَ (أَيَّامًا) أَيْ صَوْمَهَا (فَثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، أَوْ شُهُورًا فَقِيَاسُهُ ثَلَاثَةٌ، وَقِيلَ: أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا لِكَوْنِهِ جَمْعَ كَثْرَةٍ، وَلَوْ عَرَّفَ الْأَشْهُرَ احْتَمَلَ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ إرَادَةَ السَّنَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَجِبُ التَّبْيِيتُ فِي صَوْمِ النَّذْرِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ صَحَّ إنْ كَانَ صَوْمُهُ أَفْضَلَ مِنْ فِطْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا. (أَوْ) نَذَرَ (صَدَقَةً فِيمَا) أَيْ تَصَدَّقَ بِأَيِّ شَيْءٍ (كَانَ) مِمَّا يُتَمَوَّلُ كَدَانِقٍ وَدُونَهُ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا يَتَقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ كَمَا أَنَّهُ أَقَلُّ وَاجِبٍ فِي زَكَاةِ الْمَالِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْخُلَطَاءَ قَدْ يَشْتَرِكُونَ فِي نِصَابٍ فَيَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمْ شَيْءٌ قَلِيلٌ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِمَالٍ عَظِيمٍ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي تَعْلِيقِهِ: لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ، وَأَيُّ قَدْرٍ تَصَدَّقَ بِهِ أَجْزَأَهُ، قَالَ: وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ يُوجِبُ فِيهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَ الْفُقَرَاءَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الصَّدَقَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْء، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحِبَّ الْفُقَرَاءَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الصَّدَقَةُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ خُبْزًا لِلتَّصَدُّقِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِخُبْزٍ قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ نَظَرًا لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا هِيَ التَّصَدُّقُ لَا الشِّرَاءُ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَغْوٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الْتِزَامٍ، فَإِنْ عَلَّقَ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ بِدُخُولٍ مَثَلًا كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَنَذْرُ لَجَاجٍ. فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ بِهِ مَرْغُوبًا فِيهِ كَقَوْلِهِ: إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ دُخُولَ الدَّارِ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَرَادَ ذَلِكَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقَ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ تَبَرُّرٍ، وَلَوْ قَالَ بَدَلُ صَدَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَصَدَّقَ بِكُلِّ مَالِهِ عَلَى الْغُزَاةِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَلْفٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالنِّيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَسَاكِينَ وَلَا دَرَاهِمَ وَلَا تَصَدُّقًا وَلَا غَيْرَهَا وَلَوْ نَوَى التَّصَدُّقَ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَكَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْعَقِدَ نَذْرُهُ وَيُعَيِّنَ أَلْفًا مِمَّا يُرِيدُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَشُفِيَ وَالْمَرِيضُ فَقِيرٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ جَازَ إعْطَاؤُهُ مَا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَا كَالزَّكَاةِ، وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ الْغَنِيِّ جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ جَائِزَةٌ وَقُرْبَةٌ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 252 أَوْ صَلَاةً فَرَكْعَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ رَكْعَةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا. أَوْ عِتْقًا فَعَلَى الْأَوَّلِ رَقَبَةُ كَفَّارَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي رَقَبَةٌ. قُلْت: الثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،   [مغني المحتاج] لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِتَصْرِيحِهِ بِمَا يُنَافِيه. (أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً فَرَكْعَتَانِ) تَكْفِي عَنْ نَذْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ (وَفِي قَوْلٍ) : تَكْفِيه (رَكْعَةٌ) وَاحِدَةٌ حَمْلًا عَلَى جَائِزِهِ، وَلَا تَكْفِيه عَلَى الْقَوْلَيْنِ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى صَلَاةً، وَلَا صَلَاةَ جِنَازَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَيْنًا، وَإِنْ حَصَلَ تَعْيِينٌ فَعَارَضَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا النَّذْرُ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) الْمَبْنِيِّ عَلَى السُّلُوكِ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ (يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ (مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ (وَعَلَى الثَّانِي) الْمَبْنِيُّ عَلَى السُّلُوكِ عَلَى جَائِزِ الشَّرْعِ (لَا) يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أُطْلِقَ، فَإِنْ قَالَ: أُصَلِّي قَاعِدًا فَلَهُ الْقُعُودُ قَطْعًا، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِرَكْعَةٍ فَتُجْزِئُهُ قَطْعًا، لَكِنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْهُ. فُرُوعٌ: لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ بِتَشَهُّدَيْنِ فَفِي الْإِجْزَاءِ طَرِيقَانِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ جَوَازُهُ اهـ. وَهَذَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكُ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَالْقَائِلُ بِالْجَوَازِ قَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةٍ فَتَصَدَّقَ بِعِشْرِينَ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ: وَيُمْكِنُ بِنَاؤُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ إنْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ لَمْ يُجْزِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا، وَإِلَّا أَجْزَأَهُ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِمَا وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ الْبِنَاءَ الْمَذْكُورَ لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَيْفَ صَلَّاهَا، فَإِنْ صَلَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ فَيَأْتِي بِتَشَهُّدَيْنِ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ، هَذَا إنْ نَذَرَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ نَذَرَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَزِمَتَاهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَفْضَلُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَلَوْ نَذَرَ صَلَاتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَلَا يُجْزِيه فِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إذَا لَمْ يُنْذِرْهُ عَلَيْهَا بِأَنْ نَذَرَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ نَذَرَهُ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ فِعْلُهُ عَلَيْهَا، لَكِنْ فِعْلُهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْلَى. (أَوْ) نَذَرَ (عِتْقًا) وَأَطْلَقَ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) الْمَبْنِيِّ عَلَى مَا سَبَقَ يَلْزَمُهُ (رَقَبَةُ كَفَّارَةٍ) وَهِيَ مَا سَبَقَ فِي بَابِهَا مُؤْمِنَةٌ سَلِيمَةٌ مِنْ عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ (وَعَلَى الثَّانِي) الْمَبْنِيُّ عَلَى مَا سَبَقَ يَكْفِيهِ (رَقَبَةٌ) وَلَوْ مَعِيبَةً وَكَافِرَةً لِصِدْقِ الِاسْمِ (قُلْت: الثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ) وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَاكْتَفَى بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْعِتْقَ مِنْ بَابِ الْغَرَامَاتِ الَّتِي يَشُقُّ إخْرَاجُهَا، فَكَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا هُوَ الْأَقَلُّ ضَرَرًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ تَحْرِيرُهُ: قَوْلُ التَّنْبِيهِ أَوْ عِتْقًا كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 253 أَوْ عِتْقَ كَافِرَةٍ مَعِيبَةٍ أَجْزَأَهُ كَامِلَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ نَاقِصَةً تَعَيَّنَتْ. أَوْ صَلَاةً قَائِمًا لَمْ يَجُزْ قَاعِدًا، بِخِلَافِ عَكْسِهِ. أَوْ طُولَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ. أَوْ سُورَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ الْجَمَاعَةَ لَزِمَهُ.   [مغني المحتاج] أَنْكَرَهُ لِجَهْلِهِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: إعْتَاقًا لَكَانَ أَحْسَنَ اهـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْعَجَبُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ إعْتَاقًا فَغَيَّرَهَا إلَى خِلَافِ الْأَحْسَنِ (أَوْ) نَذَرَ (عِتْقَ) رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أَوْ سَلِيمَةٍ لَمْ تُجْزِهِ الْكَافِرَةُ وَالْمَعِيبَةُ، أَوْ عِتْقَ رَقَبَةٍ (كَافِرَةٍ مَعِيبَةٍ أَجْزَأَهُ) أَيْ كَفَاهُ عَنْهَا رَقَبَةٌ (كَامِلَةٌ) لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ، وَذِكْرُ الْكُفْرِ وَالْعَيْبِ لَيْسَ لِلتَّقَرُّبِ، بَلْ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النَّاقِصِ فَصَارَ كَمَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ رَدِيئَةٍ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَيِّدَةِ (فَإِنْ عَيَّنَ) رَقَبَةً (نَاقِصَةً) بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ الْكَافِرَةَ أَوْ الْمَعِيبَةَ (تَعَيَّنَتْ) فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ خَيْرًا مِنْهَا؛ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهَا. تَنْبِيهٌ: مَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ عِتْقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْكُفْرَ صِفَةً لَهُ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْمُعَيَّنَةِ بِنَفْسِ النَّذْرِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إبْدَالُهَا إنْ تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا، وَإِنْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلَى أُخْرَى، بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْفُقَرَاءِ وَهُمْ مَوْجُودُونَ، قَالَهُ فِي الْبَيَانِ. (أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً) حَالَةَ كَوْنِهِ (قَائِمًا) (لَمْ يَجُزْ) فِعْلُهَا حَالَةَ كَوْنِهِ (قَاعِدًا) مَعَ الْقُدْرَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ عَلَى الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ مَا الْتَزَمَهُ، أَمَّا مَعَ الْمَشَقَّةِ لِنَحْوِ كِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عَلَى الْأَصَحِّ (بِخِلَافِ عَكْسِهِ) وَهُوَ نَذْرُ الصَّلَاةِ قَاعِدًا، فَيَجُوزُ قَائِمًا لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُفْهَمُ أَنَّ لَهُ الْقُعُودَ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ، فَفِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ ذُكِرَا بَعْدَ ذَلِكَ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَوْرَاقٍ عَنْ الْإِمَامِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَوْ نَذَرَ إتْمَامَ الصَّلَاةِ أَوْ قَصْرِهَا صَحَّ إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلَ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ نَذَرَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثَ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ صَحَّ وَلَزِمَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا. (أَوْ) نَذَرَ (طُولَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَمِثْلُهُ طُولُ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا فِي مَكَان لَمْ يُحْصَرْ جَمْعُهُ، أَوْ حُصِرُوا وَلَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ التَّطْوِيلَ حِينَئِذٍ مَكْرُوهٌ. (أَوْ) نَذَرَ (سُورَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ) نَذَرَ (الْجَمَاعَةَ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَقَوْلُهُ (لَزِمَهُ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَاعَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ، وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ مَا ذُكِرَ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا. وَقَالَ: فَالْقَوْلُ بِأَنَّ صِحَّتَهُ هُنَا مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا فِي الْفَرَائِضِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِذَلِكَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قُيِّدَا بِذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأَ فِي مَحَلِّ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ قَامَ لَهَا نَاسِيًا لَمْ تُحْسَبْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ خَالَفَ فِي الْوَصْفِ الْمُلْتَزَمِ كَأَنْ صَلَّى فِي الْأَخِيرَةِ مُنْفَرِدًا سَقَطَ عَنْهُ خِطَابُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 254 وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُ النَّذْرِ بِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً كَعِيَادَةٍ، وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، وَالسَّلَامِ.   [مغني المحتاج] الشَّرْعِ فِي الْأَصْلِ وَبَقِيَ الْوَصْفُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَانِيًا مَعَ وَصْفِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ تَبَعًا لِلْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: يَسْقُطُ عَنْهُ نَذْرُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَصْفَ وَلَا يُمْكِنُهُ قَضَاؤُهُ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ نَقُلْ: إنَّ الْفَرْضَ الْأَوْلَى، وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ الثَّانِي. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَ فِي نَذْرِهِ الظُّهْرَ مَثَلًا. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا ذَكَرَ فِيهِ الْفَرْضَ اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. (وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُ النَّذْرِ بِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً كَعِيَادَةٍ) لِمَرِيضٍ (وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، وَالسَّلَامِ) عَلَى الْغَيْرِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ إذَا دَخَلَ بَيْتًا خَالِيًا وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَزِيَارَةِ الْقَادِمِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهَا، وَالْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا، فَهِيَ كَالْعِبَادَاتِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى أَوْضَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالٌ وَأَخْلَاقٌ مُسْتَحْسَنَةٌ رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا لِعُمُومِ فَائِدَتِهَا، وَيَصِحُّ نَذْرُ فِعْلِ الْمَكْتُوبَةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَقِيَامِ التَّرَاوِيحِ، وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ، وَالطَّوَافِ، وَسَتْرِ الْكَعْبَةِ وَلَوْ بِالْحَرِيرِ، وَتَطْيِيبِهَا، وَصَرْفِ مَالِهِ فِي شِرَاءِ سِتْرِهَا وَتَطْيِيبِهَا، فَإِنْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ بَعْثُهُ إلَى الْقِيَمِ لِيَصْرِفَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَصِحُّ نَذْرُ تَطْيِيبِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، لِأَنَّ تَطْيِيبَهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ فَلَزِمَ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ، بِخِلَافِ الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا كَمَشَاهِدِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَجِبُ جِنْسُهَا بِالشَّرْعِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ قَطْعًا كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ فِي الضَّابِطِ لَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إبْطَالُ رُخْصَةٍ لِلشَّرْعِ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُفْطِرَ فِي السَّفَرِ فِي رَمَضَانَ، وَأَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ أَيْ إذَا كَانَ الْفِطْرُ أَوْ الْقَصْرُ أَفْضَلَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَأَوْرَدَ عَلَى الضَّابِطِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعَجِّلَ زَكَاةَ مَالِي، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ انْعِقَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. نَعَمْ حَيْثُ قُلْنَا: إنَّهُ يُنْدَبُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ كَأَنْ اشْتَدَّتْ حَاجَةُ الْمُسْتَحَقِّينَ لَهَا، أَوْ الْتَمَسُوهَا مِنْ الْمُزَكِّي، أَوْ قَدِمَ السَّاعِي قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ صِحَّةُ نَذْرِهِ. . خَاتِمَةٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ لَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِثْلُهُ، فَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ عَشَرَةٍ، وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ لَزِمَهُ عِشْرُونَ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَيَجِيءُ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِدِينَارٍ جَازَ صَرْفُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ عَلَى الْمُبْتَدَعَةِ أَوْ الرَّافِضَةِ جَازَ صَرْفُهُ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، أَوْ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ جَازَ صَرْفُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ. وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ وَلَدِي فَإِنْ لَمْ يَجُزْ فَشَاةٌ مَكَانَهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ وَفَاءُ مَا نَذْرَهُ فِي كُفْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَوْفِ بِنَذْرِك» مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. وَلَوْ قَالَ: أَحَدُ هَذَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 255 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لِلْفُقَرَاءِ فَهُوَ نَذْرٌ إنْ أَرَادَهُ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا أَعْطَاهُمْ الْآخَرَ فَإِنْ أَرَادَ الْإِقْرَارَ بِأَنَّ لَهُمْ أَحَدَهُمَا وَالْآخَرُ مِلْكُهُ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَيَّنَهُ لَهُمْ قَبْلَ قَوْلِهِ، أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْآخَرِ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ ثُمَّ نَذَرَ عِتْقَهُ إنْ رَدَّ اللَّهُ غَائِبَهُ انْعَقَدَ النَّذْرَانِ، فَإِنْ حَصَلَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، كَذَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ، وَاَلَّذِي فِيهَا عَنْهُ أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ شَفَى اللَّهُ الْمَرِيضَ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَالْعَبْدُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عَنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ مَاتَ انْعَقَدَ وَأُعْتِقَ الْعَبْدُ عَنْهُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ، وَهَذَا أَوْجَهُ. وَلَوْ نَذَرَ مَنْ يَمُوتُ أَوْلَادُهُ عِتْقَ رَقِيقٍ إنْ عَاشَ لَهُ وَلَدٌ فَعَاشَ وَلَدٌ أَكْثَرَ مِنْ أَوْلَادِهِ الْمَوْتَى وَلَوْ قَلِيلًا لَزِمَهُ الْعِتْقُ،. وَمَنْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا لِإِسْرَاجِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ وَقَفَ مَا يَشْتَرِيَانِ بِهِ مِنْ غَلَّتِهِ صَحَّ كُلٌّ مِنْ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ أَوْ غَيْرَهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَفِي إيقَادِ الشُّمُوعِ لَيْلًا عَلَى الدَّوَامِ وَالْمَصَابِيحِ الْكَثِيرَةِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَاف. وَأَمَّا الْمَنْذُورُ لِلْمُشَاهَدِ الَّذِي يَبِيتُ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ، فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ بِذَلِكَ التَّنْوِيرَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ الْبُقْعَةَ أَوْ يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا فَهُوَ نَوْعُ قُرْبَةٍ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَ أَيْ الصِّحَّةُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ، أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا، أَوْ نُسِبَتْ إلَيْهِ، فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ. قَالَ: وَحُكْمُ الْوَقْفِ كَالنَّذْرِ فِيمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى، فَإِنْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَدَّ إلَى مَالِكِهِ وَإِلَى وَارِثِهِ بَعْدَهُ، فَإِنْ جُهِلَ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: الْمُهْدَى إلَى الْمَسَاجِدِ مِنْ زَيْتٍ أَوْ شَمْعٍ إنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ نَذْرٌ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى جِهَةِ النَّذْرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ أَفْرَطَ فِي الْكَثْرَةِ، وَإِنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا عَلَى وَفْقِ إذْنِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَجُوِّزَ أَنَّ بَاذِلَهُ مَاتَ فَقَدْ بَطَلَ إذْنُهُ وَوَجَبَ رَدُّهُ إلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ وَارِثٌ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُ الْمُهْدَى أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمَنْذُورِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، أَوْ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ، فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، أَوْ فِي أَحَبِّ الْأَوْقَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ نَذْرُهُ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ وَيَكُونُ كَنَذْرِهِ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى بِعِبَادَةٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَقِيلَ: يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ يُصَلِّي دَاخِلَ الْبَيْتِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا، فَإِنْ انْفَرَدَ بِهَا وَاحِدٌ فَقَدْ قَامَ بِعِبَادَةٍ هِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَهِيَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالطَّيْرِ وَغَيْرِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْبَيْتَ لَا يَخْلُو عَنْ طَائِفِ مَلَكٍ أَوْ غَيْرِهِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 256 كتاب القضاء   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْقَضَاءِ] بِالْمَدِّ: أَيْ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ، وَجَمْعُهُ أَقْضِيَةٌ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٌ، وَهُوَ لُغَةً: إحْكَامُ الشَّيْءِ وَإِمْضَاؤُهُ، وَمِنْهُ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4] وَفَرَاغُهُ مِنْهُ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] أَيْ قَتَلَهُ، وَفَرَغَ مِنْهُ، وَإِتْمَامُهُ، وَمِنْهُ: {لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: 60] لِيَتِمَّ الْأَجَلُ. وَشَرْعًا الْخُصُومَةُ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ هُوَ إظْهَارُ حُكْمِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُفْتِي، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، وَسُمِّيَ الْقَضَاءُ حُكْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْحِكْمَةِ الَّتِي تُوجِبُ وَضْعَ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ يَكُفُّ الظَّالِمَ عَنْ ظُلْمِهِ، أَوْ مِنْ إحْكَامِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ حَكَمَةُ اللِّجَامِ لِمَنْعِهِ الدَّابَّةَ مِنْ رُكُوبِهَا رَأْسِهَا، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحِكْمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ هَذَا أَيْضًا لِمَنْعِهَا النَّفْسَ مِنْ هَوَاهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَمِنْ الْكِتَابِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقَوْله تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 105] وَمِنْ السُّنَّةِ أَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهَا «فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «إذَا جَلَسَ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلَكَيْنِ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوَفِّقَانِهِ، فَإِنْ عَدَلَ أَقَامَا، وَإِنْ جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ» . قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ. أَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ، بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْحَقَّ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، سَوَاءٌ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا، وَهِيَ مَرْدُودَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 257 هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.   [مغني المحتاج] كُلُّهَا، وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ، وَاَللَّذَانِ فِي النَّارِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ» فَالْقَاضِي الَّذِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ لَا اعْتِبَارَ بِحُكْمِهِمَا، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى فِعْلِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا. وَقَدْ اسْتَقْضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَوَلِيَهُ سَادَاتٌ وَتَوَرَّعَ عَنْهُ مِثْلُهُمْ، وَوَرَدَ مِنْ التَّرْغِيبِ وَالتَّحْذِيرِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَنْصِبٌ عَظِيمٌ إذَا قَامَ الْعَبْدُ بِحَقِّهِ، وَلَكِنَّهُ خَطِرٌ وَالسَّلَامَةُ فِيهِ بَعِيدَةٌ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ كَتَبَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ إلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَمَّا كَانَ قَاضِيًا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ: " إنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْمَرْءَ عَمَلُهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّك جُعِلْت طَبِيبًا تُدَاوِي، فَإِنْ كُنْت تُبْرِئُ فَنِعِمَّا لَك، وَإِنْ كُنْت مُطَبِّبًا فَاحْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ أَحَدًا فَتَدْخُلَ النَّارَ "، فَمَا بَالُك بِمَنْ لَيْسَ بِطَبِيبٍ وَلَا مُطَبِّبٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ: أَنَا نَذِيرٌ لِمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةُ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ. فَإِنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ يُؤْخَذُ بِالْقَبُولِ، وَكَلَامَ الْقُضَاةِ تَسْرِي إلَيْهِ الظُّنُونُ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرٌ فِي وَقَائِعَ جُزْئِيَّةٍ، فَالْعِلْمُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي التَّحْذِيرِ عَنْهُ «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُكْرَهُ لَهُ الْقَضَاءُ، أَوْ يَحْرُمُ عَلَى مَا سَيَأْتِي (هُوَ) أَيْ قَبُولُ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ مِنْ الْإِمَامِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ فِي النَّاحِيَةِ. أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَلِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَقْدِرُ الْإِمَامُ عَلَى فَصْلِ الْخُصُومَاتِ بِنَفْسِهِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ «وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَأَنَا شَابٌّ لَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ فَضَرَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِهِ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ، قَالَ: فَوَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا شَكَكْت فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَاسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَى مَكَّةَ وَالِيًا وَقَاضِيًا، وَقَلَّدَ مُعَاذًا قَضَاءَ الْيَمَنِ وَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ إنْسَانًا إلَى الْبَحْرَيْنِ: وَبَعَثَ عُمَرُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى الْبَصْرَةِ، فَلَوْ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 258 فَإِنْ تَعَيَّنَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ. وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ، وَكَانَ يَتَوَلَّاهُ فَلِلْمَفْضُولِ الْقَبُولُ، وَقِيلَ: لَا، وَيُكْرَهُ طَلَبُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ،   [مغني المحتاج] يَكْفِ وَاحِدٌ، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ اسْتِحْبَابُ نَصْبِ الْقُضَاةِ فِي الْبُلْدَانِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ إذَا قَامَ بِالْفَرْضِ مَنْ يَصْلُحُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ امْتَنَعُوا أَثِمُوا وَأَجْبَرَ الْإِمَامُ أَحَدَ الصَّالِحِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَخَرَجَ بِقَبُولِ التَّوْلِيَةَ إيقَاعُهَا لِلْقَاضِي مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ حَتَّى يُسْأَلَ لِأَنَّهَا مِنْ الْحُقُوقِ الْمُسْتَرْعَاةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ فِي كُلِّ مَسَافَةِ عَدْوَى قَاضِيًا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ مَسَافَةِ قَصْرٍ مُفْتِيًا، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَأَمَّا إيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَإِنْ تَرَافَعَا إلَى النَّائِبِ فَإِيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إذَا كَانَ فِيهِ تَعْطِيلٌ وَتَطْوِيلُ نِزَاعٍ. (فَإِنْ) (تَعَيَّنَ) لِلْقَضَاءِ وَاحِدٌ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ بِأَنْ لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ (لَزِمَهُ طَلَبُهُ) إنْ لَمْ يُعْرَضْ عَلَيْهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يُعْذَرُ لِخَوْفِ مَيْلٍ مِنْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيُقْبَلَ وَيُحْتَرَزَ مِنْ الْمَيْلِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ وُجُوبِ الطَّلَبِ إذَا ظَنَّ الْإِجَابَةَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهَا لِمَا عَلِمَ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَأَئِمَّتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ، فَإِنْ امْتَنَعَ عَصَى، وَلِلْإِمَامِ إجْبَارُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُضْطَرُّونَ إلَى عِلْمِهِ وَنَظَرِهِ فَأَشْبَهَ صَاحِبَ الطَّعَامِ إذَا مَنَعَهُ الْمُضْطَرُّ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ بِامْتِنَاعِهِ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فَاسِقًا، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ أَوَّلًا، فَإِذَا تَابَ أُجْبِرَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَفْسُقُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ غَالِبًا إلَّا مُتَأَوِّلًا لِلتَّحْذِيرَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْبَابِ وَاسْتِشْعَارِهِ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ، وَعَدَمِ اعْتِمَادِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ. وَكَيْفَ يَفْسُقُ مَنْ امْتَنَعَ مُتَأَوِّلًا تَأْوِيلًا سَائِغًا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُنْجِيَ لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ عَدَمُ التَّلَبُّسِ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَقَدْ يَرَى هُوَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ إلَّا بِاعْتِرَافِهِ، فَالْوَجْهُ عَدَمُ فِسْقِهِ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِ خَوْفًا عَلَى دِينِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْبَاطِنَةِ الْخَفِيَّةِ عَلَيْنَا، بَلْ وَلَا يُعْصِي بِذَلِكَ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ خَلَا الزَّمَانُ عَنْ إمَامٍ رَجَعَ النَّاسُ إلَى الْعُلَمَاءِ، فَإِنْ كَثُرَ عُلَمَاءُ النَّاحِيَةِ فَالْمُتَّبَعُ أَعْلَمُهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوْا وَتَنَازَعُوا أُقْرِعَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْقَضَاءِ وَاحِدٌ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ مَعَهُ نَظَرْت (فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ) لِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ مِنْهُ (وَكَانَ) الْأَصْلَحُ (يَتَوَلَّاهُ) أَيْ يَرْضَى بِتَوْلِيَتِهِ (فَلِلْمَفْضُولِ) الْمُتَّصِفِ بِصِفَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ غَيْرُ الْأَصْلَحِ (الْقَبُولُ) لِلتَّوْلِيَةِ إذَا بَذَلَ لَهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: لَا) يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُكْرَهُ طَلَبُهُ) لِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ (وَقِيلَ: يَحْرُمُ) وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّصْبُ جَائِزًا، فَكَيْفَ يَحْرُمُ طَلَبُ الْجَائِزِ؟ ، وَنَظِيرُ هَذَا سُؤَالُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ الْإِعْطَاءُ بِاخْتِيَارِ الْمُعْطِي فَالسُّؤَالُ كَالْعَدَمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَحْرُمُ طَلَبُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 259 وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ الْقَبُولُ. وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إنْ كَانَ خَامِلًا يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ أَوْ مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ يَتَوَلَّاهُ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِرِضَاهُ بِالتَّوْلِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا فَكَالْعَدِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ لَا عُذْرَ، فَإِنْ كَانَ لِكَوْنِ الْمَفْضُولِ أَطْوَعَ فِي النَّاسِ أَوْ أَقْرَبَ لِلْقُلُوبِ، أَوْ كَانَ الْأَفْضَلُ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا انْعَقَدَ لِلْمَفْضُولِ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَإِنْ كَانَ) غَيْرُهُ (مِثْلَهُ) وَسُئِلَ بِلَا طَلَبٍ (فَلَهُ الْقَبُولُ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ، وَقَدْ امْتَنَعَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا سَأَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَضَاءَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعُرِضَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ النَّيْسَابُورِيِّ قَضَاءُ نَيْسَابُورَ، فَاخْتَفَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَوَرَدَ كِتَابُ السُّلْطَانِ بِتَوْلِيَةِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ عَشِيَّةَ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ: أُشَاوِرُ نَفْسِي اللَّيْلَةَ وَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَأَتَوْا عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَوَجَدُوهُ مَيِّتًا، وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَتْلِ اخْتَرْت الْقَتْلَ وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا اسْتَدْعَاهُ الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ، وَحَكَى الْقَاضِي الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْوَزِيرَ ابْنَ الْفُرَاتِ طَلَبَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ خَيْرَانَ لِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ فَهَرَبَ مِنْهُ فَخَتَمَ عَلَى دُورِهِ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا قِيلَ فِيهِ: وَطَيَّنُوا الْبَابَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ ... عِشْرِينَ يَوْمًا لِيَلِيَ فَمَا وَلِي وَقَالَ بَعْضُ الْقُضَاةِ: وَلَيْت الْقَضَاءَ وَلَيْتَ الْقَضَاءَ ... لَمْ يَكُ شَيْئًا تَوَلَّيْته فَأَوْقَفَنِي فِي الْقَضَاءِ الْقَضَاءُ ... وَمَا كُنْت قِدْمًا تَمَنَّيْته وَقَالَ آخَرُ: فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ قَاضِيًا ... وَيَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَة تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَهُ الْقَبُولُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَقَالَ الْإِمَامُ وَالرَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ، فَإِنَّ أَهَمَّ الْغَنَائِمِ حَفِظَ السَّلَامَةَ اهـ. وَقَضِيَّتُهُ مَنْعُ الْإِقْدَامِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَلْ قَطَعَ فِي الذَّخَائِرِ بِوُجُوبِ الِامْتِنَاعِ. (وَيُنْدَبُ) لَهُ (الطَّلَبُ) لِلْقَضَاءِ (إنْ كَانَ خَامِلًا) أَيْ غَيْرَ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ (يَرْجُو بِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (نَشْرَ الْعِلْمِ) لِتَحْصُلَ الْمَنْفَعَةُ بِنَشْرِهِ إذَا عَرَفَهُ النَّاسُ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ خَامِلًا، لَكِنْ كَانَ (مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ) فَإِذَا وُلِّيَ حَصَلَ لَهُ كِفَايَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِسَبَبٍ هُوَ طَاعَةٌ لِمَا فِي الْعَدْلِ مِنْ جَزِيلِ الثَّوَابِ، وَفِي هَذَا إشْعَارٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَسَيَأْتِي إيضَاحُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ الطَّلَبُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ الْحُقُوقُ مُضَاعَةً لِجَوْرٍ أَوْ عَجْزٍ، أَوْ فَسَدَتْ الْأَحْكَامُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 260 وَإِلَّا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ. قُلْت: وَيُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ بِالنَّاحِيَةِ.   [مغني المحتاج] بِتَوْلِيَةِ جَاهِلٍ فَيُقْصَدُ بِالطَّلَبِ تَدَارُكُ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ يُوسُفَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَنَّهُ طَلَبَ، فَقَالَ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} [يوسف: 55] وَإِنَّمَا طَلَبَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ لَا مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَامِلًا، بَلْ مَشْهُورًا وَلَا مُحْتَاجًا لِلرِّزْقِ بَلْ مَكْفِيًّا بِهِ (فَالْأَوْلَى) لَهُ (تَرْكُهُ) أَيْ طَلَبِ الْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَيَنْشُرُ الْعِلْمَ وَالْفُتْيَا (قُلْت:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَيُكْرَهُ) لَهُ حِينَئِذٍ الطَّلَبُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَكَذَا قَبُولُ التَّوْلِيَةِ أَيْضًا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ، وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي التَّحْذِيرِ وَامْتِنَاعِ السَّلَفِ مِنْهُ، وَالثَّانِي لَا كَرَاهَةَ فِي طَلَبٍ وَلَا قَبُولٍ، بَلْ هُمَا خِلَافُ الْأُولَى. تَنْبِيهٌ: أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَقْسَامِ الطَّلَبِ التَّحْرِيمَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَمَا إذَا قَصَدَ انْتِقَامًا مِنْ الْأَعْدَاءِ أَوْ اكْتِسَابًا بِالِارْتِشَاءِ، وَجُعِلَ مِنْ الْمَكْرُوهِ طَلَبُهُ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ، وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى الْحُرْمَةِ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ مُوَلًّى، فَإِنْ كَانَ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحَقِّ الْقَضَاءِ فَكَالْمَعْدُومِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لَهُ فَطَلَبُ عَزْلِهِ حَرَامٌ وَلَوْ كَانَ دُونَ الطَّالِبِ، وَتَبْطُلُ بِذَلِكَ عَدَالَةُ الطَّالِبِ، فَإِنْ عُزِلَ وَوُلِّيَ الطَّالِبُ نَفَذَ حُكْمُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ. أَمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَنْفُذُ، وَهَذَا فِي الطَّلَبِ بِلَا بَذْلِ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ نَظَرَ إنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْبَاذِلِ الْقَضَاءُ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُسَنُّ لَهُ جَازَ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ، وَلَكِنَّ الْآخِذَ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ، وَهَذَا كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُسَنَّ طَلَبُهُ لَمْ يَجُزْ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى، وَيَجُوزُ لَهُ الْبَذْلُ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ لِئَلَّا يُعْزَلَ، وَالْآخِذُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى وَنُسِبَ إلَى الْغَلَطِ، وَأَمَّا بَذْلُ الْمَالِ لِعَزْلِ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْقَضَاءِ فَمُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْهُ، وَلَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ، وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ الْقَضَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ، فَإِنْ عَزَلَهُ وَوَلَّى الْبَاذِلَ نَفَذَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ. أَمَّا عِنْدَ تَمَهُّدِ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَوْلِيَتُهُ بَاطِلَةٌ وَالْمَعْزُولُ عَلَى قَضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ، وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ. (وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّعْيِينِ) لِلْقَضَاءِ (وَعَدَمِهِ) بِبَلْدَةٍ (بِالنَّاحِيَةِ) وَكَذَا فِي وُجُوبِ الطَّلَبِ وَالْقَبُولِ وَعَدَمِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ طَلَبٌ وَلَا قَبُولٌ لَهُ فِي غَيْرِ نَاحِيَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَرْكِ الْوَطَنِ، وَفَارَقَ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهَا وَالْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ وَالْقَضَاءُ لَا غَايَةَ لَهُ مَعَ قِيَامِ حَاجَةِ بَلَدِ الْمُعَيَّنِ إلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِنَاحِيَةٍ صَالِحَانِ وَوُلِّيَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةٍ لَيْسَ بِهَا صَالِحٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْمُقَلِّدِ الْآنَ حُكْمُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأَصْلَحِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 261 وَشَرْطُ الْقَاضِي مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ حُرٌّ ذَكَرٌ عَدْلٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ   [مغني المحتاج] الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ: الْمُقَلِّدُ إذَا بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا، فَقَدْ اُعْتُبِرَ أَعْلَى الْمُقَلِّدِينَ، وَإِنْ كَانَ قُيِّدَ بِالِاجْتِهَادِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يُشْتَرَطُ لِتَوْلِيَةِ الْقَاضِي، فَقَالَ (وَشَرْطُ الْقَاضِي) أَيْ مَنْ يُوَلَّى قَاضِيًا (مُسْلِمٌ) أَيْ إسْلَامٌ وَكَذَا الْبَاقِي، وَهَذَا الشَّرْطُ دَاخِلٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، فَلَا يُوَلَّى كَافِرٌ عَلَى مُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلَا سَبِيلَ أَعْظَمُ مِنْ الْقَضَاءِ، وَلَا عَلَى كُفَّارٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ فَصْلُ الْأَحْكَامِ، وَالْكَافِرُ جَاهِلٌ بِهَا، وَأَمَّا جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِنَصْبِ حَاكِمٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّمَا هِيَ رِيَاسَةٌ وَزَعَامَةٌ لَا تَقْلِيدُ حُكْمٍ وَقَضَاءٍ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ بِإِلْزَامِهِ بَلْ بِالْتِزَامِهِمْ، وَلَا يُلْزَمُونَ بِالتَّحَاكُمِ عِنْدَهُ (مُكَلَّفٌ) أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ، فَلَا يُوَلَّى صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ، وَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ لِنَقْصِهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَكْفِي الْعَقْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ حَتَّى يَكُونَ صَحِيحَ الْفِكْرِ، جَيِّدَ الْفَطِنَةِ، بَعِيدًا عَنْ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ، يَتَوَصَّلُ بِذَكَائِهِ إلَى وُضُوحِ الْمُشْكِلِ وَحَلِّ الْمُعْضِلِ (حُرٌّ) فَلَا يُوَلَّى رَقِيقٌ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لِنَقْصِهِ كَالشَّهَادَةِ بَلْ أَوْلَى (ذَكَرٌ) فَلَا تُوَلَّى امْرَأَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَنْعَهَا وَلَوْ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ جَوَّزَهُ حِينَئِذٍ وَعَلَى ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ حَيْثُ جَوَّزَهُ مُطْلَقًا، وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ وُلِّيَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا لَمْ يَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ. أَمَّا إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ (عَدْلٌ) وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ بَيَانُهُ، فَلَا يُوَلَّى فَاسِقٌ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّظَرِ فِي مَالِ وَلَدِهِ مَعَ وُفُورِ شَفَقَتِهِ فَنَظَرُهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَأَنْ يَكُونَ الْقَاضِي كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْقَضَاءِ التَّصَرُّفُ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْقَبُولِ إلَّا فِيمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَلَا يُوَلَّى مُبْتَدَعٌ أَيْضًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَلَا مَنْ يُنْكِرُ الْإِجْمَاعَ أَوْ أَخْبَارَ الْآحَادِ أَوْ الِاجْتِهَادَ الْمُتَضَمِّنَ إنْكَارُهُ إنْكَارَ الْقِيَاسِ (سَمِيعٌ) وَلَوْ بِصِيَاحٍ فِي أُذُنِهِ، فَلَا يُوَلَّى أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ (بَصِيرٌ) فَلَا يُوَلَّى أَعْمَى وَلَا مَنْ يَرَى الْأَشْبَاحَ، وَلَا يَعْرِفُ الصُّوَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الصُّوَرَ إذَا قَرُبَتْ مِنْهُ صَحَّ، وَخَرَجَ بِالْأَعْمَى الْأَعْوَرُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ، وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَعْمَى، وَلِذَلِكَ قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 262 نَاطِقٌ كَافٍ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ، وَنَاسِخَهُ   [مغني المحتاج] مَالِكٌ بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَعْمَى. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ دُونَ الْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ثُمَّ عَمِيَ قَضَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ - وَاسْتَثْنَى أَيْضًا لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ عَلَى حُكْمِ أَعْمَى، فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ (نَاطِقٌ) فَلَا يُوَلَّى أَخْرَسُ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ (كَافٍ) لِلْقِيَامِ بِأُمُورِ الْقَضَاءِ، فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ، وَمُخْتَلُّ نَظَرٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِالْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَكُونُ ضَعِيفَ النَّفْسِ جَبَانًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَكُونُ عَالِمًا دَيِّنًا وَنَفْسُهُ ضَعِيفَةٌ عَنْ التَّنْفِيذِ وَالْإِلْزَامِ وَالسَّطْوَةِ فَيُطْمَعُ فِي جَانِبِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلِلْوِلَايَةِ شَرْطَانِ، الْعِلْمُ بِأَحْكَامِهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا وَتَرْكِ مَفَاسِدِهَا، فَإِذَا فُقِدَ الشَّرْطَانِ حَرُمَتْ الْوِلَايَةُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا لَا تَتَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَلِينَ مَالَ يَتِيمٍ» وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا الشَّرْطَ خَارِجًا بِقَوْلِهِ (مُجْتَهِدٌ) فَلَا يُوَلَّى الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا الْمُقَلِّدِ، وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِغَوَامِضِهِ، وَقَاصِرٌ عَنْ تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى فَلِلْقَضَاءِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ إسْلَامٌ وَتَكْلِيفٌ. وَكَذَا مَا بَعْدَهُمَا فَيَأْتِي بِالْمَصْدَرِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِسْلَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُمَا لَا الشَّخْصُ نَفْسُهُ، أَوْ أَنْ يَقُولَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا إلَخْ بِنَصْبِ الْجَمِيعِ عَلَى خَبَرِ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ كَقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: يُشْتَرَطُ فِي الْإِمَامِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا (وَهُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ آيَاتِهَا وَلَا أَحَادِيثِهَا الْمُتَعَلِّقَاتِ بِهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. وَآيُ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَعَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ عَدَدَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةٍ كَعَدَدِ الْآيِ، وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَمَا تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، تُسْتَنْبَطُ مِنْ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوِهِمَا، وَالثَّانِي بِأَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ، لَا تَكَادُ تَخْلُو عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَأَدَبٍ شَرْعِيٍّ وَسِيَاسَةٍ دِينِيَّةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ. وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْخَفَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ عَنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ (وَ) يَعْرِفُ (خَاصَّهُ وَعَامَّهُ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ نَظَرًا لِمَا، وَالْخَاصُّ خِلَافُ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَيَعْرِفُ الْعَامَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَالْخَاصَّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَمُطْلَقَهُ وَمُقَيَّدَهُ (وَمُجْمَلَهُ) وَهُوَ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ (وَمُبَيَّنَهُ) وَهُوَ الْمُتَّضِحُ دَلَالَتَهُ وَيَعْرِفُ نَصَّهُ وَظَاهِرَهُ (وَنَاسِخَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 263 وَمَنْسُوخَهُ، وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ، وَالْمُتَّصِلَ وَالْمُرْسَلَ، وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَلِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا، وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا وَالْقِيَاسَ، بِأَنْوَاعِهِ   [مغني المحتاج] وَمَنْسُوخَهُ) فَيَعْرِفُ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ، وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ وَعَكْسُهُ، وَيَعْرِفُ الْمُتَشَابِهَ وَالْمُحْكَمَ (وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ) أَيْ الْآحَادِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْد تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ، فَيُقَدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ، وَالْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْمُبَيَّنَ عَلَى الْمُجْمَلِ، وَالنَّاسِخَ عَلَى الْمَنْسُوخِ، وَالْمُتَوَاتِرَ عَلَى الْآحَادِ. تَنْبِيهٌ: أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَا. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ أَسْبَابَ النُّزُولِ (وَ) يَعْرِفَ (الْمُتَّصِلَ) مِنْ السُّنَّةِ (وَالْمُرْسَلَ) مِنْهَا، وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا غَيْرُ الْمُتَّصِلِ (وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا) بِنَصْبِهِمَا عَلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَوَصَّلُ إلَى تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثٍ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى قَبُولِهِ. أَمَّا مَا أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ تَوَاتَرَتْ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يُكْتَفَى فِي عَدَالَةِ رُوَاتِهِ بِتَعْدِيلِ إمَامٍ مَشْهُورٍ عُرِفَ صِحَّةُ مَذْهَبِهِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: هَذَا مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ مَنْ شَرَطَ فِي التَّعْدِيلِ اثْنَيْنِ اهـ. وَلَا بُدَّ مَعَ الْعَدَالَةِ مِنْ الضَّبْطِ (وَ) يَعْرِفُ (لِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا) بِنَصْبِهِمَا أَيْضًا عَلَى التَّمْيِيزِ، وَأَرَادَ بِالنَّحْوِ مَا يَشْمَلُ الْبِنَاءَ وَالْإِعْرَابَ وَالتَّصْرِيفَ لِوُرُودِ الشَّرِيعَةِ بِهِ، وَلِأَنَّ بِهِ يَعْرِفُ عُمُومَ اللَّفْظِ وَخُصُوصَهُ وَإِطْلَاقَهُ وَتَقْيِيدَهُ وَإِجْمَالَهُ وَبَيَانَهُ وَصِيَغَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالْأَسْمَاءَ وَالْأَفْعَالَ وَالْحُرُوفَ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَ) يَعْرِفُ (أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا) لِئَلَّا يَقَعَ فِي حُكْمٍ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ فِيهَا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فِيهَا إمَّا بِعِلْمِهِ بِمُوَافَقَةِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ فِي عَصْرِهِ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ (وَ) يَعْرِفُ (الْقِيَاسَ) صَحِيحَهُ وَفَاسِدَهُ (بِأَنْوَاعِهِ) الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي وَالْأَدْوَنَ لِيَعْمَلَ، بِهَا، فَالْأَوَّلُ كَقِيَاسِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ، وَالثَّانِي كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ: كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبِرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِجَامِعِ الطَّعْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ حَتَّى يَكُونَ فِي النَّحْوِ كَسِيبَوَيْهِ، وَفِي اللُّغَةِ كَالْخَلِيلِ، بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَةُ جُمَلٍ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّ هَذَا سَهْلٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنَّ الْعُلُومَ قَدْ دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ اهـ. . وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلٌ مُصَحَّحٌ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ غَالِبِ الْأَحْكَامِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 264 فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا أَوْ   [مغني المحتاج] كَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ وَلَا بَعْضَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالْأَخْذِ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ وَكَالِاسْتِصْحَابِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَبِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، فَقَدْ حَكَى فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطَهُ، وَبِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْكِتَابَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيِّ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَكْتُبَ لِغَيْرِهِ وَيُكْتَبَ إلَيْهِ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ رُبَّمَا حَرَّفَ الْقَارِئُ بِخِلَافِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ عَدَمَ الْكِتَابَةِ فِي حَقِّهِ مُعْجِزَةٌ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مَنْقَصَةٌ، وَبِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ، وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا تُشْتَرَطُ، ثُمَّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ بِمَذْهَبِ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ، وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِيه الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ، كَمَا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْقَفَّالِ: إنَّ الْعَصْرَ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجْتَهِدٌ قَائِمٌ بِالْقَضَاءِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ يَرْغَبُونَ عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، أَوْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْقَفَّالُ نَفْسُهُ كَانَ يَقُولُ لِلسَّائِلِ فِي مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ: أَتَسْأَلُنِي عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَمْ مَا عِنْدِي؟ . وَقَالَ هُوَ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ إسْنَادُ مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ، بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ، فَمَا هَذَا كَلَامُ مَنْ يَدَّعِي زَوَالَ رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْمَذْهَبِ. فُرُوعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَبَعَّضَ الِاجْتِهَادُ بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ، فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَمُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالتُّقَى أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ النَّسَبِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَا حِلْمٍ وَتَثَبُّتٍ وَلِينٍ وَفَطِنَةٍ وَيَقَظَةٍ وَكِتَابَةٍ وَصِحَّةِ حَوَاسٍّ وَأَعْضَاءٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِلُغَةِ الْبَلَدِ الَّذِي يَقْضِي لِأَهْلِهِ، قَنُوعًا سَلِيمًا مِنْ الشَّحْنَاءِ، صَدُوقًا، وَافِرَ الْعَقْلِ، ذَا وَقَارٍ وَسَكِينَةٍ، وَإِذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَهْلِيَّةَ أَحَدٍ وَلَّاهُ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ حَالِهِ كَمَا اخْتَبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعَاذًا. وَلَوْ وَلَّى مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الصَّالِحِ لَهُ وَالْعِلْمِ بِالْحَالِ أَثِمَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَوْلَى بِفَتْحِهَا، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهِ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ (فَإِنْ) (تَعَذَّرَ) فِي رَجُلٍ (جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ) السَّابِقَةِ (فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا) مُسْلِمًا (أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 265 مُقَلِّدًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ. وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ إذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ، فَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا غَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ كَالْقَاضِي،   [مغني المحتاج] مُقَلِّدًا نَفَذَ) بِالْمُعْجَمَةِ (قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ تَقْيِيدُهُ بِالْفَاسِقِ - أَيْ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ - أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ إذَا وَلِيَا بِالشَّوْكَةِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِنُفُوذِهِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ دُونَ الْكَافِرِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْأَهْلِ طَرَفٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلِلْعَادِلِ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ الْأَمِيرِ الْبَاغِي، فَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ ذَلِكَ لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ. فَقَالَتْ: إنْ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ خِيَارُهُمْ قَضَى لَهُمْ شِرَارُهُمْ. (وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ إذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) لِيَكُونَ أَسْهَلَ لَهُ وَأَسْرَعَ إلَى فَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ الرَّعِيَّةِ (فَإِنْ نَهَاهُ) عَنْ الِاسْتِخْلَافِ (لَمْ يَسْتَخْلِفْ) وَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ إنْ كَانَتْ تَوْلِيَتُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ غَيْرِهِ، فَإِنْ اسْتَخْلَفَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ خَلِيفَتِهِ، فَإِنْ تَرَاضَى الْخَصْمَانِ بِحُكْمِهِ الْتَحَقَ بِالْمُحَكِّمِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهِ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِخْلَافُهُ لِفَسَادِهِ وَلَا غَيْرِهِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ: وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ فِيهِ وَلَا تَنْظُرَ فِيهِ بِنَفْسِك. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا تَقْلِيدُ اخْتِيَارٍ وَمُرَاعَاةٍ وَلَيْسَ بِتَقْلِيدِ حُكْمٍ وَلَا نَظَرٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْتَمَلُ فِي هَذَا إبْطَالُ التَّوْلِيَةِ، كَمَا لَوْ قَالَتْ لِلْوَلِيِّ: أَذِنْت لَك فِي تَزْوِيجِي وَلَا تُزَوِّجْ بِنَفْسِك انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ وَلِيَّ النِّكَاحِ ثَابِتٌ لَهُ الْوِلَايَةُ، وَهِيَ تُرِيدُ أَنْ تَنْفِيَهَا عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ (فَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ الْإِمَامُ الْوِلَايَةَ لِشَخْصٍ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى بَعْضِهِ (اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ (لَا) فِي (غَيْرِهِ) وَهُوَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ الْعَجْزِ مَا لَا يَرَاهُ الْمُسْتَخْلِفُ فِي مَذْهَبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مُخَالِفًا لِيَعْقِدَ مَا لَا يَرَاهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَا وَلَّى فِيهِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْقَادِرُ عَلَى مَا وَلِيَهُ لَا يَسْتَخْلِفُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَسْتَخْلِفُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْإِمَامِ بِجَامِعِ النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَجْزِ الْمُقَارَنَ. أَمَّا الطَّارِئُ كَمَا لَوْ مَرِضَ الْقَاضِي، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ لِشُغْلٍ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ قَطْعًا، قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَعَمَّمَ أَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يُعَمَّمْ لَهُ فِي الْإِذْنِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَصَّصَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ (وَشَرْطُ) الشَّخْصِ (الْمُسْتَخْلَفِ) بِفَتْحِ اللَّامِ بِخَطِّهِ (كَالْقَاضِي) فِي شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ قَاضٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 266 إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ: كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ. وَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَانِ رَجُلًا فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِهِ جَوَازُ اسْتِخْلَافِ أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّ مَحَلَّهُ إنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِ. أَمَّا إذَا فَوَّضَ الْإِمَامُ لِشَخْصٍ اخْتِيَارَ قَاضٍ فَلَا يَخْتَارُ وَلَدَهُ وَلَا وَالِدَهُ، كَمَا لَا يَخْتَارُ نَفْسَهُ. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ قَوْلَهُ (إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ) شَخْصٌ (فِي أَمْرٍ خَاصٍّ: كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ الْأَمْرِ الْخَاصِّ مِنْ شَرَائِطِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمَتْنِ بِاشْتِرَاطِهِ، أَيْضًا بِأَنَّ خِلَافَ الِاسْتِخْلَافِ يَجْرِي أَيْضًا فِي الْأَمْرِ الْخَاصِّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنْ قَطَعَ الْقَفَّالُ بِالْجَوَازِ، وَفِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ مَا يُوَافِقُهُ وَحَيْثُ جَازَ الِاسْتِخْلَافُ فَاسْتَخْلَفَ شَافِعِيٌّ مُخَالِفًا أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَحْكُمَ) الْخَلِيفَةُ (بِاجْتِهَادِهِ) إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا (أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّام بِخَطِّهِ (إنْ كَانَ مُقَلِّدًا) بِكَسْرِهَا حَيْثُ يَنْفُذُ قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص: 26] وَالْحَقُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِهِ وَالْمُقَلِّدُ مُلْحَقٌ بِمَنْ يُقَلِّدُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِمُعْتَقِدِهِ فَلِذَلِكَ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهُ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ اسْتَخْلَفَهُ (خِلَافَهُ) أَيْ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِخْلَافُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ اجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَهُ الْإِمَامُ فِي تَوْلِيَةِ الْقَاضِي لَمْ تَصِحَّ تَوْلِيَتُهُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ: لَا تَحْكُمْ فِي كَذَا فِيمَا يُخَالِفُهُ فِيهِ جَازَ وَحَكَمَ فِي غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَادِثِ، كَقَوْلِهِ: لَا تَحْكُمْ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ. (وَلَوْ) (حَكَّمَ) بِكَافٍ مُشَدَّدَةٍ (خَصْمَانِ رَجُلًا) غَيْرَ قَاضٍ (فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى) مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ (جَازَ مُطْلَقًا) عَلَى التَّفَاصِيلِ الْآتِيَةِ (بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ) وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِجَمْعٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَكَانَ إجْمَاعًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ خَصْمَانِ يُوهِمُ اعْتِبَارَ الْخُصُومَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا. فَإِنَّ التَّحْكِيمَ يَجْرِي فِي النِّكَاحِ. فَلَوْ قَالَ: اثْنَانِ كَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ: فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ: فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ لِيَتَنَاوَلَ التَّعْزِيرَ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْحَدِّ فِي ذَلِكَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ عَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ قَطْعًا، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِيَّةِ الْأَهْلِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيُشْتَرَطُ فِي صِفَةِ الْقَاضِي. نَعَمْ يُسْتَثْنَى التَّحْكِيمُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ تَحْكِيمُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ جَوَازِ التَّحْكِيمِ الْوَكِيلَيْنِ، فَلَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا، بَلْ الْمُعْتَبَرُ تَحْكِيمُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَالْوَلِيَّيْنِ، فَلَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكِّمِ يَضُرُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 267 وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: بِشَرْطِ عَدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ. وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ بِهِ فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] بِأَحَدِهِمَا، وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ لَا يَكْفِي رِضَاهُ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَكِّمِ يَضُرُّ بِغُرَمَائِهِ، وَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَعَامِلُ الْقِرَاضِ لَا يَكْفِي تَحْكِيمُهُمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمَالِكِ، وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ لَا أَثَرَ لِتَحْكِيمِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ طَرِيقٍ (لَا يَجُوزُ) التَّحْكِيمُ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ (وَقِيلَ) أَيْ وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ (بِشَرْطِ عَدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ) لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ) أَيْ وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ (يَخْتَصُّ) جَوَازُ التَّحْكِيمِ (بِمَالٍ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ (دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا) كَلِعَانٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِخَطَرِ أَمْرِهَا فَتُنَاطُ بِنَظَرِ الْقَاضِي وَمَنْصِبِهِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ حُكْمُهُ فِي مَالٍ صَحَّ فِي غَيْرِهِ كَالْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَأْتِي التَّحْكِيمُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحْكِيمُ (وَ) الْمُحَكَّمُ (لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ بِهِ) قَبْلَ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ رِضَا الْخَصْمَيْنِ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْوِلَايَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ اشْتِرَاطِ الرِّضَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ الْقَاضِي، فَلَوْ تَحَاكَمَ الْقَاضِي مَعَ شَخْصٍ عِنْدَ مُحَكَّمٍ لَمْ يُشْتَرَطْ رِضَا الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ، وَرَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةٌ، فَلَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ،. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ فَيَحْسُنُ الْبِنَاءُ (فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ) بِحُكْمِهِ (فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ. وَيُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ الرِّضَا إلَى تَمَامِ الْحُكْمِ (وَ) حِينَئِذٍ (إنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ) تَمَامِ (الْحُكْمِ) وَلَوْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالشُّرُوعِ فِيهِ (امْتَنَعَ الْحُكْمُ) لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الرِّضَا (وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ) كَحُكْمِ الْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَكَذَا فِي لُزُومِهِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْبِسَ، بَلْ غَايَتُهُ الْإِثْبَاتُ وَالْحُكْمُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّرْسِيمُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ: وَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ أُبَّهَةَ الْوِلَايَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ فَلَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً، إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 268 وَلَوْ نَصَبَ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ جَازَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ فِي الْأَصَحِّ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ.   [مغني المحتاج] قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَحْكُمُ لِنَحْوِ وَلَدِهِ مِمَّنْ يُتَّهَمُ فِي حَقِّهِ وَلَا عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا فِي الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَيَمْضِي حُكْمُ الْمُحَكَّمِ كَالْقَاضِي، وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا بِمَا يُنْقَضُ بِهِ قَضَاءُ غَيْرِهِ. فَرْعٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَى اثْنَيْنِ، فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَيُفَارِقُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ. (وَلَوْ) (نَصَبَ) الْإِمَامُ بِبَلَدٍ (قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ) مِنْهُ يَحْكُمُ فِيهِ (أَوْ زَمَانٍ) كَيَوْمِ كَذَا (أَوْ نَوْعٍ) مِنْ الْحُكْمِ كَأَنْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا يَحْكُمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْآخَرَ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ (جَازَ) لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا يَحْكُمُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَآخَرَ يَحْكُمُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَصَمَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَمْ يَفْصِلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْخُصُومَةَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثَالِثٍ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقِسْ بِهَذَا مَا يُشْبِهُهُ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ) كُلًّا مِنْ الْقَاضِيَيْنِ بِمَا ذَكَرَ بَلْ عَمَّمَ وِلَايَتَهُمَا فَيَجُوزُ (فِي الْأَصَحِّ) كَنَصْبِ الْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ) فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَلَّى الْإِمَامُ مُقَلِّدَيْنِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ، وَقُلْنَا: تَجُوزُ وِلَايَةُ الْمُقَلِّدِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافٍ؛ لِأَنَّ إمَامَهُمَا وَاحِدٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ لِلْإِمَامِ الْوَاحِدِ قَوْلَانِ فَيَرَى أَحَدُهُمَا الْعِلْمَ بِقَوْلٍ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالِاخْتِلَافِ. أَجَابَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَحْكُمُ بِمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ فِي الْمُقَلِّدِ الصِّرْفِ، وَعِنْدَ تَصْرِيحِ ذَلِكَ الْإِمَامِ بِتَصْحِيحِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالتَّرْجِيحِ وَإِلْحَاقِ مَا لَمْ يَقِفَا فِيهِ عَلَى نَصٍّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بِمَا هُوَ مَنْصُوصٌ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَهَهُنَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ وَالِاخْتِلَافُ وَيَخْتَلِفُ النَّظَرُ فَيَتَّجِهُ الْمَنْعُ أَيْضًا. أَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ اسْتِقْلَالَهُمَا وَلَا اجْتِمَاعَهُمَا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى إثْبَاتِ الِاسْتِقْلَالِ تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا يَجُوزُ، وَيُفَارِقُ نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ تَعْيِينَهُمَا بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ جَائِزٌ. فَحُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ، وَإِنْ طَلَبَ الْقَاضِيَانِ خَصْمًا بِطَلَبِ خَصْمَيْهِ لَهُ مِنْهُمَا أَجَابَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بِالطَّلَبِ، فَإِنْ طَلَبَاهُ مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ. أُجِيبَ الطَّالِبُ لِلْحَقِّ دُونَ الْمَطْلُوبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ تُسَاوَيَا بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَتَحَاكُمِهِمَا فِي قِسْمَةِ مِلْكٍ أَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صَدَاقٍ اخْتِلَافًا يُوجِبُ تَخَالُفَهُمَا تَحَاكَمَا عِنْدَ أَقْرَبِ الْقَاضِيَيْنِ إلَيْهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِمَا عَمِلَ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طُولِ النِّزَاعِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 269 [فَصْلٌ] جُنَّ قَاضٍ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَمِيَ أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَكَذَا لَوْ فُسِّقَ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي نَصْبِ الْقَاضِيَيْنِ يَجْرِي أَيْضًا فِي أَكْثَرَ مِنْ قَاضِيَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ يَقِلَّ عَدَدُهُمْ، فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا وَلَمْ يَحُدُّوا الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ بِشَيْءٍ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُنَاطَ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ قَلَّدَهُ: أَيْ الْإِمَامُ بَلَدًا وَسَكَتَ عَنْ نَوَاحِيهَا، فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِإِفْرَادِهَا عَنْهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ جَرَتْ بِإِضَافَتِهَا دَخَلَتْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُرْفُ رُوعِيَ أَكْثَرُهَا عُرْفًا، فَإِنْ اسْتَوَيَا رُوعِيَ أَقْرَبُهُمَا عَهْدًا. [فَصَلِّ فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ] [فَصْلٌ] فِيمَا يَعْرِضُ لِلْقَاضِي مِمَّا يَقْتَضِي عَزْلَهُ أَوْ انْعِزَالَهُ (جُنَّ قَاضٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَوْ تَقَطَّعَ كَمَا يَقْتَضِيه إطْلَاقُهُمْ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْبُغَاةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَزَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَكْثَرُ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْأُمُورِ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ. قِيلَ: وَقِيَاسُهُ فِي الْقَاضِي كَذَلِكَ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَمِيَ) وَفِي مَعْنَى الْعَمَى الْخَرَسُ وَالصَّمَمُ (أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ) مُخِلٍّ بِالضَّبْطِ (لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ) فِي حَالٍ مِمَّا ذُكِرَ لِانْعِزَالِهِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَمْنَعُ مِنْ وِلَايَةِ الْأَبِ، فَالْحَاكِمُ أَوْلَى. تَنْبِيهَاتٌ: أَحَدُهَا يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ قَضَاءِ الْأَعْمَى مَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَتَعْدِيلَهَا ثُمَّ عَمِيَ فَإِنَّ قَضَاءَهُ يَنْفُذُ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إشَارَةٍ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا انْعَزَلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، بَلْ لَوْ عَادَ بَصَرُهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَزِلْ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ لِمَا عَادَ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ: ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ. أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ وَأَوْلَى. قَالَ: وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الرُّتْبَةَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ الْيَوْمَ غَالِبًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَيُشْبِهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لَهُ أَدْنَى تَغَفُّلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ فَيُقْدَحُ فِي وِلَايَتِهِ مَا عَسَاهُ يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. الثَّالِثُ: الْمَرَضُ الْمُعْجِزُ لَهُ عَنْ النَّهْضَةِ وَالْحُكْمِ يَنْعَزِلُ بِهِ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، فَإِنْ رُجِيَ أَوْ عَجَزَ عَنْ النَّهْضَةِ دُونَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْعَزِلْ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. الرَّابِعُ لَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ قَاضِيًا، فَفِي الْبَحْرِ يَنْعَزِلُ، وَمَحِلُّهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إذَا تَعَمَّدَ وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي الْإِخْفَاءِ. الْخَامِسُ: لَوْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ كَوْنَهُ قَاضِيًا لَمْ يَنْعَزِلْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَكَذَا لَوْ فُسِّقَ) لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَيَنْعَزِلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ الْمُنَافِي لِلْوِلَايَةِ. وَالثَّانِي يَنْفُذُ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِحُدُوثِ الْفِتَنِ وَاضْطِرَابِ الْأُمُورِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 270 فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلِلْإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ، وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ لِتَقَدُّمِهَا فِي فَصْلِ الْإِيصَاءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذُكِرَتْ هُنَاكَ لِلِانْعِزَالِ، وَهُنَا لِعَدَمِ نُفُوذِ الْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِانْعِزَالِ، وَإِنْ كُنْتُ قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ قَاضِي الضَّرُورَةِ. أَمَّا هُوَ إذَا وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ وَالْقَاضِي فَاسِقٌ فَزَادَ فِسْقُهُ، فَلَا يَنْعَزِلُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ إحْرَامِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ إنَّمَا بَطَلَتْ لِشُمُولِ النَّصِّ لَهَا، وَهُوَ حَتَّى يَجِدَ رِيحًا أَوْ يَسْمَعَ صَوْتًا. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِفَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةٍ أَنَّ الزَّائِلَ الْعَائِدَ كَاَلَّذِي لَمْ يَعُدْ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ) السَّابِقَةُ مِنْ جُنُونٍ وَمَا بَعْدَهُ ثُمَّ عَادَتْ الْأَهْلِيَّةُ (لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ) بِلَا تَوْلِيَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَطَلَ لَمْ يَنْقَلِبْ إلَى الصِّحَّةِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي؛ تَعُودُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ تَوْلِيَةٍ كَالْأَبِ إذَا جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ. تَنْبِيهٌ لَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ ثُمَّ عَادَتْ، فَإِنْ كَانَ نَظَرُهُ مَشْرُوطًا فِي أَصْلِ الْوَقْفِ عَادَتْ وِلَايَتُهُ جَزْمًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ لِقُوَّتِهِ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَزْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ. (وَ) يَجُوزُ (لِلْإِمَامِ) (عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ) لَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ، وَيَكْفِي فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْوَسِيطِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَمِنْ الظَّنِّ كَثْرَةُ الشَّكَاوَى مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إذَا كَثُرَتْ الشَّكَاوَى مِنْهُ وَجَبَ عَزْلُهُ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَلَ إمَامًا يُصَلِّي بِقَوْمٍ بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ وَقَالَ: لَا يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَهَا أَبَدًا» وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي إمَامِ الصَّلَاةِ جَازَ فِي الْقَاضِي، بَلْ أَوْلَى. نَعَمْ إنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ. أَمَّا ظُهُورُ خَلَلٍ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ، فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ (أَوْ لَمْ يَظْهَرْ) مِنْهُ خَلَلٌ (وَ) لَكِنَّ (هُنَاكَ) مَنْ هُوَ (أَفْضَلُ مِنْهُ) تَحْصِيلًا لِتِلْكَ الْمَزِيَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ لَا تَنْعَقِدُ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَدْ تَمَّتْ فَلَا يُقْدَحُ فِيهَا مَا يَحْدُثُ (أَوْ) كَانَ هُنَاكَ (مِثْلُهُ) أَيْ أَوْ دُونَهُ (وَ) لَكِنْ (فِي عَزْلِهِ بِهِ) لِلْمُسْلِمِينَ (مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عَزْلِهِ مَصْلَحَةٌ (فَلَا) يَجُوزُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ يُصَانُ عَنْهُ. وَهَذَا قَيْدٌ فِي الْمِثْلِ لَا فِي الْأَفْضَلِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ أَيْضًا بِعَدَمِ الْفِتْنَةِ فِي عَزْلِهِ، فَقَالَ: أَوْ مِثْلُهُ، وَفِي عَزْلِهِ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةٌ، وَلَيْسَ فِي عَزْلِهِ فِتْنَةٌ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ، وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَصْلَحَةً مِنْ وَجْهِ آخَرَ، وَ (لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ) مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ الْإِمَامِ. وَالثَّانِي: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 271 وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرَ عَزْلِهِ.   [مغني المحتاج] لَا لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْأَوَّلِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي عَزْلِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَمَتَى كَانَ الْعَزْلُ فِي مَحِلِّ النَّظَرِ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ وَيَحْكُمُ بِنُفُوذِهِ. وَلَوْ وَلَّى الْإِمَامُ قَاضِيًا ظَانًّا مَوْتَ الْقَاضِي الْأَوَّلِ أَوْ فِسْقَهُ فَبَانَ حَيًّا أَوْ عَدْلًا لَمْ يَقْدَحْ فِي وِلَايَةِ الثَّانِي كَذَا قَالَاهُ، وَقَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ انْعِزَالُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ لَا أَنَّهُ ضَمَّهُ إلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ عَدَمُ انْعِزَالِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ هَلْ هِيَ عَزْلٌ لِلْأَوَّلِ؟ وَجْهَانِ وَلِيَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَزْلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا، ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ فَلَيْسَ بِعَزْلٍ لِلْأَوَّلِ قَطْعًا مَعَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ أَضْعَفُ مِنْ تَصَرُّفِ الْقَاضِي، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِمَامِ عَنْ الْقَاضِي مَعَ خَلِيفَتِهِ فَلَهُ عَزْلُهُ بِلَا مُوجِبٍ بِنَاءً عَلَى انْعِزَالِهِ بِمَوْتِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: إلَّا أَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَلَا يَعْزِلُ نَفْسَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يَنْعَزِلُ. تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الْعَزْلِ مَحِلُّهُ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ. أَمَّا الْخَاصُّ. فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ إفْتَاءِ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ: وَلَا يَنْعَزِلُ أَرْبَابُ الْوَظَائِفِ الْخَاصَّةِ كَالْإِمَامَةِ، وَالْأَذَانِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالطَّلَبِ، وَالنَّظَرِ بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِيهِ، وَقَاسَهُ عَلَى الْجُنْدِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ، وَفِيهِ كَلَامٌ لِلسُّبْكِيِّ ذَكَرْتُهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِيَ (لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرَ عَزْلِهِ) وَفِي قَوْلِهِ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْعَزِلُ كَأَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكِيلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ عِظَمُ الضَّرَرِ فِي نَقْضِ أَقْضِيَتِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَقَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ عَلِمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ مَعْزُولٌ لَمْ يُنَفِّذْ حُكْمَهُ لَهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ بَاطِنًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي النِّكَاحِ. نَعَمْ لَوْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ كَانَ كَالتَّحْكِيمِ. تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ خَبَرِ الْعَزْلِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَنْبَغِي إلْحَاقُ ذَلِكَ بِخَبَرِ التَّوْلِيَةِ أَيْ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ، بَلْ أَوْلَى حَتَّى يُعْتَبَرَ شَاهِدَانِ وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ، وَلَا يَكْفِي الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي خَبَرُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ عَبْدًا وَامْرَأَةً اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ التَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ، بِأَنَّ التَّوْلِيَةَ فِيهَا إقْدَامٌ عَلَى الْأَحْكَامِ فَيُحْتَاطُ لَهَا، وَالْعَزْلُ فِيهِ تَوَقُّفٌ عَنْهَا، وَهُوَ أَحْوَطُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَلَمْ يَبْلُغْ نُوَّابَهُ لَا يَنْعَزِلُونَ حَتَّى يَبْلُغَهُمْ الْخَبَرُ وَتَبْقَى وِلَايَةُ أَصْلِهِمْ مُسْتَمِرَّةً حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَيَسْتَمِرُّ مَا رَتَّبَ لَهُ عَلَى سَدِّ الْوَظِيفَةِ لِسَدِّهَا بِنُوَّابِهِ. قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي عَكْسِهِ -: أَيْ فِيمَا لَوْ بُلِّغَ النَّائِبُ قَبْلَ أَصْلِهِ أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يَبْلُغَ أَصْلَهُ خَبَرُ الْعَزْلِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ كَمَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَصْلِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 272 وَإِذَا كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ، وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالِهِ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيِّتٍ وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِكَ أَوْ أَطْلَقَ،   [مغني المحتاج] قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ اهـ. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ فِي الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ حَتَّى يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ وَالنَّائِبُ قَاضٍ فَيَنْعَزِلُ بِبُلُوغِ الْخَبَرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَلَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيًا بِبَلَدٍ فَحَكَمَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ السُّلْطَانَ وَلَّاهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ: كَمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ وَبَاعَهُ، ثُمَّ عَلِمَ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ وَغَيْرَهُ قَالُوا: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا. اهـ. وَالظَّاهِرُ عَدَمُ نُفُوذِ حُكْمِهِ لِاشْتِرَاطِ قَبُولٍ مِنْ الْقَاضِي وَأَخْذًا مِمَّا بَحَثَهُ فِي قَاضٍ أَقْدَمَ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا بِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، قَالَ: لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ يَفْسُقُ وَيَخْرُجُ عَنْ الْوِلَايَةِ. (وَإِذَا) عَلَّقَ الْإِمَامُ عَزْلَ الْقَاضِي بِقِرَاءَةِ كِتَابٍ كَأَنْ (كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَكَذَا لَوْ طَالَعَهُ وَفَهِمَ مَا فِيهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ (وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ بِالْعَزْلِ لَا قِرَاءَتُهُ بِنَفْسِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْعَزِلُ نَظَرًا إلَى صُورَةِ اللَّفْظِ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ عَزَلْتُكَ أَوْ أَنْتَ مَعْزُولٌ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ مَا لَمْ يَأْتِهِ الْكِتَابُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ لَوْ جَاءَهُ بَعْضُ الْكِتَابِ فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ إنْ انْمَحَى مَوْضِعُ الْعَزْلِ لَا يَنْعَزِلُ وَإِلَّا انْعَزَلَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ انْعِزَالِ نُوَّابِ الْقَاضِي. فَقَالَ (وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ) أَيْ الْقَاضِي (وَانْعِزَالِهِ) نَائِبُهُ الْمُقَيَّدُ، وَهُوَ كُلُّ (مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي شَغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيِّتٍ) أَوْ غَائِبٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ فِي حَادِثَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَضَايَا الْجُزْئِيَّةِ كَالْوَكِيلِ، وَالْمُرَادُ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ نَصَّبَ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي وَانْعِزَالِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْإِذْنُ مُقَيَّدًا بِالنِّيَابَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْأَصْلُ لَمْ يَبْقَ النَّائِبُ. اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِعَزْلٍ، بَلْ يَنْتَهِي بِهِ الْقَضَاءُ (وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ) بِمَا ذَكَرَهُ، وَهَذَا (إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي هَذِهِ لِلْمُعَاوَنَةِ، وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ فَبَطَلَتْ الْمُعَاوَنَةُ (أَوْ) إنْ (قِيلَ لَهُ) أَيْ قَالَ لَهُ الْإِمَامُ (اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِكَ، أَوْ أَطْلَقَ) لَهُ الِاسْتِخْلَافَ لِظُهُورِ غَرَضِ الْمُعَاوَنَةِ وَبُطْلَانِهَا بِبُطْلَانِ وِلَايَتِهِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ انْعِزَالِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ، فَإِنْ قَالَ: اسْتَخْلِفْ فُلَانًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِالتَّعْيِينِ وَجَعَلَهُ سَفِيرًا، أَشَارَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 273 فَإِنْ قَالَ اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا. وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَلَا نَاظِرُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ. وَلَا يَقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ انْعِزَالِهِ: حَكَمْت بِكَذَا،   [مغني المحتاج] وَالرُّويَانِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (فَإِنْ قَالَ:) أَيْ قَالَ الْإِمَامُ لَهُ (اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا) يَنْعَزِلُ الْخَلِيفَةُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ. وَالْأَوَّلُ سَفِيرٌ فِي التَّوْلِيَةِ. وَالثَّانِي يَنْعَزِلُ مُطْلَقًا كَالْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ. وَالثَّالِثُ: لَا مُطْلَقًا رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ. تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ انْعِزَالُ نُوَّابِ قَاضِي الْإِقْلِيمِ الْكَبِيرِ بِمَوْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْإِمَامُ اسْتَخْلِفْ عَنِّي وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: نُوَّابُ الْقَاضِي الْكَبِيرِ كَقَاضِي خُرَاسَانَ يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِهِ، وَعَزْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ قُضَاةِ الْإِمَامِ. قَالَ: وَجَعَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قُضَاةُ وَالِي الْإِقْلِيمِ كَقُضَاةِ الْإِمَامِ، مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ الْإِمَامُ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَالْمَنْصُوبِينَ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ. (وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ) وَغَيْرُهُ مِمَّنْ وَلِيَ أَمْرًا عَامًّا كَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ (بِمَوْتِ الْإِمَامِ) وَانْعِزَالِهِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِي تَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ، وَفَرَّقَ فِي الْحَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلِيفَةِ الْقَاضِي بِأَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَنِيبُ الْقُضَاةَ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِ وَالْقَاضِي يَسْتَنِيبُ خَلِيفَتَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الْفَرْقِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَ خَلِيفَتَهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ عَزْلُ الْقَاضِي بِغَيْرِ مُوجِبٍ اهـ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَأَفْتَى بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ بِانْعِزَالِ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْوَكِيلَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، وَهَذَا جُمُودٌ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَذُهُولٌ عَنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ بِصَوَابٍ بَلْ غَلَطٌ (وَلَا) يَنْعَزِلُ (نَاظِرُ يَتِيمٍ، وَ) نَاظِرُ (وَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ) وَانْعِزَالِهِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَبْوَابُ الْمَصَالِحِ. تَنْبِيهٌ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَفَوَّضَ النَّظَرَ فِيهِ لِوَاحِدٍ. ثُمَّ تَوَلَّى قَاضٍ جَدِيدٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ انْعِزَالُهُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ آلَ إلَى الْقَاضِي الْجَدِيدِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ كَمَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِزَيْدٍ. ثُمَّ لِعَمْرٍو فَنَصَّبَ زَيْدٌ لِنَفْسِهِ نَائِبًا فِيهِ. ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ نَائِبُهُ لَا مَحَالَةَ وَيَصِيرُ النَّظَرُ لِعَمْرٍو، فَلْيُحْمَلْ إذًا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا آلَ النَّظَرُ إلَى الْقَاضِي لِكَوْنِ الْوَاقِفِ لَمْ يَشْرُطْ نَاظِرًا، أَوْ انْقَرَضَ مَنْ شَرَطَ لَهُ، أَوْ خَرَجَ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَيَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَثِيرًا. فَإِذَا انْقَرَضَتْ الذُّرِّيَّةُ يَكُونُ النَّظَرُ فِيهِ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ كَذَا يُوَلِّيهِ مَنْ شَاءَ مِنْ نُقَبَائِهِ وَنُوَّابِهِ فَإِذَا آلَ النَّظَرُ إلَى قَاضٍ فَوَلَّى النَّظَرَ لِشَخْصٍ، فَهَلْ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ ذَلِكَ الْقَاضِي أَوْ انْعِزَالِهِ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ انْعِزَالِهِ. (وَلَا يَقْبَلُ) (قَوْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي (بَعْدَ انْعِزَالِهِ) كُنْتُ (حَكَمْت بِكَذَا) لِفُلَانٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ، فَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ، نَعَمْ لَوْ انْعَزَلَ بِالْعَمَى قَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْعَزَلَ بِالْعَمَى فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِبْصَارِ، وَقَوْلُهُ: حَكَمْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ قَالَ: صَرَفْتُ مَالَ الْوَقْفِ لِجِهَتِهِ أَوْ عِمَارَتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 274 فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَيُقْبَلُ، قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ: حَكَمْت بِكَذَا. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَكَمَعْزُولٍ.   [مغني المحتاج] الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْحَالُ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ الْمُرْضِعَةُ أَنَّهَا أَرْضَعَتْ وَلَمْ تُطَالِبْ بِأُجْرَةٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهَا عَلَى فِعْلِهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَتُهَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فِيهِمَا، وَاحْتُرِزَ بِحُكْمِهِ عَمَّا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ بِكَذَا، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ عَلَى إقْرَارٍ سَمِعَهُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَعَ آخَرَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ وَحْدَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَطْعًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: (أَوْ) شَهِدَ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ) وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى نَفْسِهِ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْمُرْضِعَةِ إذَا شَهِدَتْ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ فِعْلَ نَفْسِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " جَائِزِ الْحُكْمِ " تَأْكِيدٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ، وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ جَزْمًا نَظَرًا لِبَقَاءِ التُّهْمَةِ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا قُلْنَا: لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُ الْحَاكِمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُكْمِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُكُومَةِ حَاكِمٍ مِنْ الْحُكَّامِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا. (وَيُقْبَلُ،) (قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ: حَكَمْت بِكَذَا) حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ نِسَاءُ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قُبِلَ قَوْلُهُ بِلَا حُجَّةٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا مَا لَوْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا قَالُوهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهَدِ مُطْلَقًا، أَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ. أَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِي قَبُولِهِ وَقْفَةٌ. وَقَدْ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ وَأَفْتَيْتُ فِيمَنْ سُئِلَ مِنْ قُضَاةِ الْعَصْرِ عَنْ مُسْتَنَدِ قَضَائِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا كَمَا هُوَ كَثِيرٌ أَوْ غَالِبٌ. قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ مَا ذُكِرَ فِي قَرْيَةٍ أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ. أَمَّا فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ كَبَغْدَادَ فَلَا لِأَنَّا نَقْطَعُ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ وَإِلَى مَا قَالَهُ يُشِيرُ تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِالْقَرْيَةِ. وَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا وَأَنْكَرَا لَمْ يَلْتَفِتْ لِإِنْكَارِهِمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْقَاضِي (فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَكَمَعْزُولٍ) فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ ثَمَّ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ بَلَدُ قَضَائِهِ، وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ الْمُعَدِّ لِلْحُكْمِ وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الطَّبَقَاتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 275 وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا. وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا أُحْضِرَ. وَقِيلَ: لَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ، فَإِنْ أُحْضِرَ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحِيطُ بِهَا السُّوَرُ وَالْبِنَاءُ الْمُتَّصِلُ دُونَ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي امْرَأَةً فِي الْبَلَدِ وَهُوَ بِالْمَزَارِعِ أَوْ الْبَسَاتِينِ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْحُكَّامِ يَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ. وَالْأَحْوَطُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْبَلَدِ اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَلَوْ قَالَ الْمَعْزُولُ لِلْأَمِينِ: أَعْطَيْتُك الْمَالَ أَيَّامَ قَضَائِي لِتَحْفَظَهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ الْأَمِينُ بَلْ لِفُلَانٍ صُدِّقَ الْمَعْزُولُ، وَهَلْ يَغْرَمُ الْأَمِينُ لِمَنْ عَيَّنَهُ هُوَ قَدْرُ ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمَنْعُ، فَإِنْ قَالَ لَهُ الْأَمِينُ: لَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا بَلْ هُوَ لِفُلَانٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُمَا كَانَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ، وَقَالَهُ فِي الذَّخَائِرِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِكَذَا. (وَلَوْ) (ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَهِيَ بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ دَفَعَ لِمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْحَقِّ أَوْ يَمْتَنِعْ عَنْ الْحُكْمِ بِهِ (أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا) أَيْ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَعْطَاهُ لِفُلَانٍ، وَمُعْتَقَدُهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا (أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا) كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ غَصْبًا لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَحْضُرَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَإِذَا حَضَرَ فَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَسَائِرِ الْأُمَنَاءِ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِمَا جِنَايَةً وَلِعُمُومِ خَبَرِ «الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَقِيلَ: بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ التَّحْلِيفِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا فِيمَنْ عُزِلَ مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ. أَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ وَشَاعَ جَوْرُهُ وَخِيَانَتُهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ لَوْ حَضَرَ إنْسَانٌ إلَى الْقَاضِي الْجَدِيدِ، وَتَظَلَّمَ مِنْ الْمَعْزُولِ وَطَلَبَ إحْضَارَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يُبَادِرْ بِإِحْضَارِهِ بَلْ يَقُولُ مَا تُرِيدُ مِنْهُ؟ . فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا أَحْضَرَهُ، وَلَا يَجُوزُ إحْضَارُهُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الدَّعْوَى، إذْ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ ابْتِذَالَهُ بِالْحُضُورِ. (وَإِنْ) (قَالَ) الشَّخْصُ (حَكَمَ) عَلَيَّ الْقَاضِي (بِعَبْدَيْنِ) أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقَيْنِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: أَيْ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَا أُطَالِبُهُ بِالْغُرْمِ (وَلَمْ يَذْكُرْ) رِشْوَةً وَلَا (مَالًا أُحْضِرَ) الْمَعْزُولُ لِيُجِيبَ عَنْ دَعْوَاهُ (وَقِيلَ: لَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الشَّرْعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا بَيِّنَةً (فَإِنْ أُحْضِرَ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَادَّعَى عَلَيْهِ (وَأَنْكَرَ) بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ أَصْلًا، أَوْ لَمْ أَحْكُمْ إلَّا بِشَهَادَةِ حُرَّيْنِ (صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينُ الشَّرْعِ فَيُصَانُ مَنْصِبُهُ عَنْ الْحَلِفِ وَالِابْتِذَالِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 276 قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى قَاضٍ جَوْرٌ فِي حُكْمٍ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ.   [مغني المحتاج] بِالْمُنَازَعَاتِ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْمَعْزُولِ أَنْ يَكُونَ مُؤْتَمَنًا، وَالْمُؤْتَمَنُ كَالْمُودِعِ يَحْلِفُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ اخْتَلَفَ تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ، فَقَدْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الرَّوْضَةِ، وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ هُنَا فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ، قَالَ الْفَارِقِيُّ: وَمَحِلُّ الْخِلَافِ، إذَا عَلِمَ الشَّاهِدَانِ وَإِلَّا فَيَنْظُرُ فِيهِمَا لِيَعْرِفَ حَالَهُمَا. قَالَ الْغَزِّيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْفَسَقَةِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ قَدْ يَطْرَأُ عَلَى الْعَبْدِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَلَوْ) (اُدُّعِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى قَاضٍ) حَالَ وِلَايَتِهِ (جَوْرٌ فِي حُكْمٍ) أَوْ اُدُّعِيَ عَلَى شَاهِدٍ زُورٌ، وَأُرِيدَ تَحْلِيفُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى (لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ) بِهِ فَلَا يَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَمِينَانِ شَرْعًا، وَلَوْ فُتِحَ بَابُ التَّحْلِيفِ لَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْثُوقًا بِهِ وَإِلَّا حَلَفَ، وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ مَنْعِ التَّحْلِيفِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ إلَخْ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَمَالِ الْقَاضِي وَوُجُودِ أَهْلِيَّتِهِ التَّامَّةِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ غَالِبَ مَنْ يَلِي الْقَضَاءَ فِي عَصْرِنَا، لَوْ حَلَفَ الْوَاحِدُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً عَلَى عَدَمِ جَوْرِهِ فِي الْحُكْمِ وَارْتِشَائِهِ لَمْ يَرُدَّهُ ذَلِكَ عَنْ الْحِرْصِ عَلَى الْقَضَاءِ وَدَوَامِ وِلَايَتِهِ مَعَ ذَلِكَ، بَلْ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ وَتَهَافُتُهُ عَلَيْهِ وَطَلَبُهُ هُوَ وَغَيْرَهُ (فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ) اهـ. هَذَا فِي زَمَانِهِ فَلَوْ أَدْرَكَ زَمَانَنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَشْتَرِطُ الْبَيِّنَةَ مَعَ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لِقَصْدِ تَحْلِيفِهِ وَإِنْ سُمِعَتْ لِأَجْلِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ لَا مَحَالَةَ (وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ) تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَى قَاضٍ (بِحُكْمِهِ) بَلْ يُخَاصِمُهُ نَفْسَهُ (حَكَمَ بَيْنَهُمَا) فِيهَا (خَلِيفَتُهُ، أَوْ) قَاضٍ آخَرُ (غَيْرُهُ) كَآحَادِ الرَّعَايَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِمَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ وَلَا يَخِلُّ بِمَنْصِبِهِ وَلَا يُوجِبُ عَزْلُهُ، وَإِلَّا فَاقْطَعْ بِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ وَلَا يَحْلِفُ وَلَا طَرِيقَ لِلْمُدَّعِي حِينَئِذٍ إلَّا الْبَيِّنَةَ. ثُمَّ قَالَ: بَلْ أَقُولُ لِكُلِّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَادَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا وَفِي إنْكَارِ ذَلِكَ الْعَدْلِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ وَتَأْوِيلٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَخِلُّ بِعَدَالَتِهِ فَيَسْمَعُهَا وَيَقْبَلُهَا بِيَمِينٍ كَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مِنْ الْمُدَّعِي تَعَنُّتٌ فَيَدْفَعُهُ، وَإِنْ كَانَ إنْكَارُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَّا قَادِحًا فِيهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي فِي ذَلِكَ وَطَلَبَ تَحْلِيفِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه وَالْحَالَةَ هَذِهِ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ مِنْ عَدَالَتِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ. تَتِمَّةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى مُتَوَلٍّ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا أَوْ مَعْزُولًا سُمِعَتْ وَلَا يَحْلِفُ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَعْزُولِ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ هُنَا كَمَا مَرَّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 277 [فَصْلٌ] لِيَكْتُب الْإِمَامُ لِمَنْ يُوَلِّيهِ وَيُشْهِدْ بِالْكِتَابِ شَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ يُخْبِرَانِ بِالْحَالِ، وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ فِي الْأَصَحِّ   [مغني المحتاج] [فَصَلِّ آدَابِ الْقَضَاءِ] [فَصْلٌ] فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا (لِيَكْتُب الْإِمَامُ) نَدْبًا (لِمَنْ يُوَلِّيهِ) الْقَضَاءَ بِبَلَدٍ مَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ فِي كِتَابٍ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. " وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لِأَنَسٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ وَخَتَمَ بِخَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَجِبْ ذَلِكَ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكْتُبْ لِمُعَاذٍ، بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى وَصِيَّتِهِ» ، وَإِذَا كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابَ الْعَهْدِ بِالْوِلَايَةِ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى الْقِيَامِ بِهِ وَيَعِظُهُ فِيهِ وَيُعَظِّمُهُ، وَيُوصِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمُشَاوَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَفَقُّدِ الشُّهُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي مَعْنَى الْإِمَامِ الْقَاضِي الْكَبِيرُ إذَا اسْتَخْلَفَ فِي أَعْمَالِهِ الْبَعِيدَةِ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَلِّمَ كِتَابَ عَهْدِهِ إلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ خَوْفًا مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ وَيَقُولُ لَهُ: هَذَا عَهْدِي وَحُجَّتِي عِنْدَ اللَّهِ. (وَيُشْهِدْ) نَدْبًا (بِالْكِتَابِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ بِمَا تَضْمَنَّهُ مِنْ التَّوْلِيَةِ (شَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ) الَّذِي تَوَلَّاهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ (يُخْبِرَانِ) أَهْلَ الْبَلَدِ (بِالْحَالِ) مِنْ التَّوْلِيَةِ وَغَيْرِهَا، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ: وَأَشْهَدَ عَلَى التَّوْلِيَةِ شَاهِدَيْنِ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، إذْ الِاعْتِمَادُ عَلَى التَّوْلِيَةِ دُونَ الْكِتَابِ وَعِنْدَ إشْهَادِهِمَا يَقْرَآنِ الْكِتَابَ أَوْ يَقْرَأَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا قَرَأَهُ الْإِمَامُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدَانِ إلَى أَنْ يَنْظُرَا فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ قَرَأَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدَانِ فِيهِ لِيَعْلَمَا أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَرَأَهُ الْقَارِئُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ. وَلَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يَكْتُبْ كَفَى فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشُّهُودِ، فَإِذَا أَخْبَرُوا أَهْلَ الْبَلَدِ لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ. تَنْبِيهٌ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: يُخْبِرَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّهَادَاتِ، إذْ لَيْسَ هُنَاكَ قَاضٍ تُؤَدَّى عِنْدَهُ الشَّهَادَةُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ قَاضٍ آخَرُ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ مِنْ نَصْبِ أَتْبَاعِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ اعْتِبَارَ حَقِيقَةِ الشَّهَادَةِ وَلَا شَكَّ فِيهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَدَارُ عَلَى الْإِخْبَارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّهَادَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ اهـ. وَالظَّاهِرُ هُوَ إطْلَاقُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ (وَتَكْفِي) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ عَنْ إخْبَارِهِمَا بِالتَّوْلِيَةِ (الِاسْتِفَاضَةُ) بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْإِشْهَادَ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ جَرَيَانُ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 278 لَا مُجَرَّدُ كِتَابٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيَبْحَثُ الْقَاضِي عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ وَعُدُولِهِ، وَيَدْخُلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَنْزِلُ وَسَطَ الْبَلَدِ. وَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الْحَبْسِ،   [مغني المحتاج] مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْبَلَدِ الْقَرِيبِ، وَلَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (لَا مُجَرَّدُ كِتَابٍ) بِهَا بِلَا إشْهَادٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ فَلَا يَكْفِي (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ. وَفِي وَجْهٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي يَكْفِي لِبُعْدِ الْجَرَاءَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْقَاضِي لَهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ، فَإِنْ صَدَّقُوهُ فَفِي وُجُوبِ طَاعَتِهِ وَجْهَانِ، وَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْوَكَالَةِ عَدَمُ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَنْكَرَ تَوْلِيَتَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَعَلَّ وُجُوبَهَا أَشْبَهُ، وَفِي الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ مَا يُعَضِّدُهُ: أَيْ وَلِأَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِحَقٍّ عَلَيْهِمْ. (وَيَبْحَثُ) بِرَفْعِ الْمُثَلَّثَةِ (الْقَاضِي) قَبْلَ دُخُولِهِ بَلَدَ التَّوْلِيَةِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَنْ فِيهِ (عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ وَعُدُولِهِ) وَالْمُزَكِّينَ سِرًّا وَعَلَانِيَةً لِيَدْخُلَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِحَالِ مَنْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُمْ فَيَسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُرُوجِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَحِينَ يَدْخُلُ. تَنْبِيهٌ يَنْدُبُ إذَا وُلِّيَ أَنْ يَدْعُوَ أَصْدِقَاءَهُ الْأُمَنَاءَ لِيُعْلِمُوهُ عُيُوبَهُ فَيَسْعَى فِي زَوَالِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الْبَابِ الثَّانِي فِي جَامِعِ أَدَبِ الْقَضَاءِ (وَيَدْخُلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) صَبِيحَتَهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَدِينَةَ فِيهِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى فَإِنْ تَعَسَّرَ فَالْخَمِيسُ، وَإِلَّا فَالسَّبْتُ وَأَنْ يَدْخُلَ فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، فَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِهَا» وَلِأَنَّهُ أَهْيَبُ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ لَهُ وَظِيفَةٌ مِنْ وَظَائِفِ الْخَيْرِ كَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ، أَوْ ذِكْرٍ، أَوْ صَنْعَةٍ مِنْ الصَّنَائِعِ، أَوْ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَوَّلَ النَّهَارِ إنْ أَمْكَنَهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا، أَوْ إنْشَاءَ أَمْرٍ كَعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ (وَيَنْزِلُ وَسَطَ الْبَلَدِ) بِفَتْحِ السِّينِ فِي الْأَشْهَرِ لِيُسَاوِيَ أَهْلَهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ، هَذَا إذَا اتَّسَعَتْ خُطَّتُهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِلَّا نَزَلَ حَيْثُ تَيَسَّرَ. قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَوْضِعٌ يَعْتَادُ النُّزُولَ فِيهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِذَا دَخَلَ نَهَارًا قَصَدَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ ثُمَّ أَمَرَ بِالنِّدَاءِ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَنْظُرْ مَا رُفِعَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ لِيَكُونَ قَدْ أَخَذَ فِي الْعَمَلِ وَاسْتَحَقَّ رِزْقَهُ اهـ. وَهَذَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّزْقَ مِنْ يَوْمِ الْوِلَايَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ يَوْمِ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى عَمَلِهِ، فَإِذَا وَصَلَ وَنَظَرَ اسْتَحَقَّ، وَإِنْ وَصَلَ وَلَمْ يَنْظُرْ فَإِنْ تَصَدَّى لِلنَّظَرِ اسْتَحَقَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ كَالْأَجِيرِ إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ. وَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّ لَمْ يَسْتَحِقَّ اهـ ثُمَّ إنْ شَاءَ قَرَأَ الْعَهْدَ فَوْرًا، وَإِنْ شَاءَ وَاعَدَ النَّاسَ لِيَوْمٍ يَحْضُرُونَ فِيهِ لِيَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شُهُودٌ شَهِدُوا ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ. (وَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الْحَبْسِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ عَذَابٌ، فَيَنْظُرُ هَلْ يَسْتَحِقُّونَهُ أَوْ لَا؟ . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 279 فَمَنْ قَالَ حُبِسْت بِحَقٍّ أَدَامَهُ، أَوْ ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِأَهْلِ الْحَبْسِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْعَهْدِ يَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ، وَهُوَ مَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَهُ مِنْ الْمَحَاضِرِ، وَهِيَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، وَالسِّجِلَّاتِ - وَهِيَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْحُكْمِ - وَحُجَجَ الْأَيْتَامِ وَأَمْوَالَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحُجَجِ الْمُودَعَةِ فِي الدِّيوَانِ كَحُجَجِ الْأَوْقَافِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ فَيَتَسَلَّمُهَا لِيَحْفَظَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا. وَهَذَا التَّقْدِيمُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْآدَابِ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَقَرَّهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ مَا دَعَتْ إلَيْهِ مَصْلَحَةٌ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، وَإِنَّمَا قُدِّمَ عَلَى أَهْلِ الْحَبْسِ مَا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ عَذَابٌ لِأَنَّهُ أَهَمُّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْهُمْ أَيْضًا كُلُّ مَا كَانَ أَهَمُّ مِنْهُ كَالنَّظَرِ فِي الْمَحَاجِيرِ وَالْجَائِعِينَ الَّذِينَ تَحْتَ نَظَرِهِ، وَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي التَّرِكَاتِ وَغَيْرِهَا، وَمَا أَشْرَفَ مِنْ الْأَوْقَافِ وَأَمْلَاكِ مَحَاجِيرِهِ عَلَى السُّقُوطِ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْفَوْرُ فِي تَدَارُكِهِ. وَكَيْفِيَّةُ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ أَنْ يَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِي يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ أَلَا إنَّ الْقَاضِيَ فُلَانًا يَنْظُرُ فِي أَمْرِ الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ وَيَبْعَثُ إلَى الْحَبْسِ أَمِينًا مِنْ أُمَنَائِهِ يَكْتُبُ فِي رِقَاعٍ أَسْمَاءَهُمْ وَمَا حُبِسَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ وَمَنْ حُبِسَ لَهُ فِي رُقْعَةٍ، فَإِذَا جَلَسَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ وَحَضَرَ النَّاسُ نَصَبَ تِلْكَ الرِّقَاعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَأْخُذُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَيَنْظُرُ فِي اسْمِ الْمُثْبَتِ فِيهَا، وَيَسْأَلُ عَنْ خَصْمِهِ، فَمَنْ قَالَ: أَنَا خَصْمُهُ بَعَثَ مَعَهُ ثِقَةً إلَى الْحَبْسِ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ وَيُخْرِجَهُ، وَهَكَذَا يُحْضِرُ مِنْ الْمَحْبُوسِينَ بِقَدْرِ مَا يَعْرِفُ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَحْتَمِلُ النَّظَرَ فِي أَمْرِهِمْ، وَيَسْأَلُهُمْ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ عَنْ سَبَبِ حَبْسِهِمْ. (فَمَنْ قَالَ حُبِسْت بِحَقٍّ) فَعَلَ بِهِ مُقْتَضَاهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ، أَوْ تَعْزِيرًا وَرَأَى إطْلَاقَهُ فَعَلَ، أَوْ مَالًا أَمَرَهُ بِأَدَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوفِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ (أَدَامَهُ) إلَى الْحَبْسِ وَإِلَّا نُودِيَ عَلَيْهِ: لِاحْتِمَالِ خَصْمٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ أُطْلِقَ (أَوْ) قَالَ حُبِسْتُ (ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ) إنْ كَانَ حَاضِرًا أَنَّهُ حَبَسَهُ بِحَقٍّ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا صُدِّقَ الْمَحْبُوسُ بِيَمِينِهِ وَأُطْلِقَ، وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ بِيَمِينِهِ وَلَا يُكَلَّفُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ مَعَهُ حُجَّةً سَابِقَةً، وَهِيَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَبَسَهُ (فَإِنْ كَانَ) خَصْمُهُ (غَائِبًا) عَنْ الْبَلَدِ طَالَبَهُ بِكَفِيلِهِ أَوْ رَدَّهُ إلَى الْحَبْسِ وَ (كَتَبَ إلَيْهِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إلَى قَاضِي بَلَدِ خَصْمِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: إلَى خَصْمِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لِيَحْضُرَ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أُطْلِقَ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّ إحْضَارَهُ مِنْ الْعَجَائِبِ إذْ يَصِيرُ الْمَحْبُوسُ الْمَطْلُوبُ طَالِبًا لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَلَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا، وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلْزَامَهُ بِالْحُضُورِ، بَلْ إعْلَامَهُ بِذَلِكَ لِيَلْحَقَ بِحُجَّتِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 280 ثُمَّ فِي الْأَوْصِيَاءِ، فَمَنْ ادَّعَى وِصَايَةً سَأَلَ عَنْهَا وَعَنْ حَالِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَمَنْ وَجَدَهُ فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ، أَوْ ضَعِيفًا عَضَّدَهُ بِمُعِينٍ.   [مغني المحتاج] فِي إدَامَةِ حَبْسِ الْمَحْبُوسِ إنْ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةٌ، وَيَكْفِي الْمُدَّعِي إقَامَةُ بَيِّنَةٍ بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ الَّذِي حَبَسَ بِهِ أَوْ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. (ثُمَّ) بَعْدَ النَّظَرِ فِي أَهْلِ الْحَبْسِ يَنْظُرُ (فِي) حَالِ (الْأَوْصِيَاءِ) عَلَى الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَالسُّفَهَاءِ، لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِمَالِهِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُمْ أَوْلَى مِمَّا بَعْدَهُمْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَبْدَأُ فِي الْأَوْصِيَاءِ وَنَحْوِهِمْ بِمَنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْبُوسِينَ أَنَّ الْمَحَابِيسَ يَنْظُرُ لَهُمْ، وَالْأَوْصِيَاءَ وَنَحْوَهُمْ يَنْظُرُ عَلَيْهِمْ. تَنْبِيهٌ سَبِيلُ تَصَرُّفِهِ فِي مَالٍ عِنْدَهُ لِيَتِيمٍ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ كَتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، إذْ الْعِبْرَةُ بِمَكَانِ الطِّفْلِ لَا الْمَالِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْوِصَايَةِ عِنْدَهُ بِطَرِيقِهِ (فَمَنْ ادَّعَى) مِنْهُمْ (وِصَايَةً) بِكَسْرِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا اسْمٌ مِنْ أَوْصَيْتُ لَهُ جَعَلْتُهُ وَصِيًّا (سَأَلَ عَنْهَا) مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ هَلْ ثَبَتَتْ وِصَايَةٌ بِهَا أَوْ لَا؟ (وَ) سَأَلَ (عَنْ حَالِهِ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ، وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ (وَ) عَنْ (تَصَرُّفِهِ) فِيهَا، فَإِنْ قَالَ: صَرَفْتُ مَا أَوْصَى بِهِ، فَإِنْ كَانَ لِمُعَيَّنٍ لَمْ يَعْتَرِضْ لَهُ، وَهُوَ - كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - ظَاهِرٌ إنْ كَانُوا أَهْلًا لِلْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ كَانُوا مَحْجُورِينَ فَلَا أَوْ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، وَهُوَ عَدْلٌ أَمْضَاهُ أَوْ فَاسِقٌ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ، وَلَوْ فَرَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ لِمُعَيَّنِينَ نَفَذَ أَوْ لِعَامَّةٍ ضَمِنَ، وَإِذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ بَاقِيًا تَحْتَ يَدِ الْوَصِيِّ (فَمَنْ وَجَدَهُ) عَدْلًا قَوِيًّا أَقَرَّهُ أَوْ (فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ) وُجُوبًا وَوَضَعَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَنَاءِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ مِمَّنْ شَكَّ فِي عَدَالَتِهِ، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَمَانَةُ، وَقِيلَ: يَنْزَعُ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَالَتُهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَمَحِلُّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَعَ الشَّكِّ جَزْمًا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا عَدَلَ الشَّاهِدُ ثُمَّ شَهِدَ وَاقِعَةً أُخْرَى بِحَيْثُ طَالَ الزَّمَانُ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِزْكَاءِ؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوِصَايَةَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ ثَبَتَ الْحَالُ فِيهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ، وَلَوْ كَلَّفْنَا الْوَصِيَّ ذَلِكَ لَأَضْرَرْنَا بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِاشْتِغَالِ الْوَصِيِّ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ عَدَالَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الشَّاهِدُ (أَوْ) وَجَدَهُ عَدْلًا (ضَعِيفًا) عَنْ الْقِيَامِ بِهَا لِكَثْرَةِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ (عَضَّدَهُ) أَيْ قَوَّاهُ (بِمُعِينٍ) وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ. ثُمَّ بَعْدَ الْأَوْصِيَاءِ يَبْحَثُ عَنْ أُمَنَاءِ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِينَ عَلَى الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا فَيَعْزِلُ مَنْ فَسَقَ مِنْهُمْ وَيُعِينُ الضَّعِيفَ بِآخَرَ، وَلَهُ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ يَشَاءُ مِنْ الْأُمَنَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ وَيُوَلِّي غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ، لِأَنَّ الْأُمَنَاءَ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ وَأُخِّرُوا عَنْ الْأَوْصِيَاءِ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ فِيهِمْ أَبْعَدُ؛ لِأَنَّ نَاصِبَهُمْ الْقَاضِي، وَهُوَ لَا يُنَصِّبُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ، ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَمُتَوَلِّيهَا، وَعَنْ الْخَاصَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 281 وَيَتَّخِذُ مُزَكِّيًا مُكَاتِبًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ، وَيُسْتَحَبُّ فِقْهٌ، وَوُفُورُ عَقْلٍ، وَجَوْدَةُ خَطٍّ.   [مغني المحتاج] تَئُولُ لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيُنْظَرُ هَلْ آلَتْ إلَيْهِمْ، وَهَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ مِنْهُمْ لِصِغَرٍ أَوْ نَحْوِهِ؟ وَيَبْحَثُ أَيْضًا عَنْ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ يَجُوزُ وَلَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَعَنْ الضَّوَالِّ فَيَحْفَظُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُفْرَدَةً عَنْ أَمْثَالِهَا وَلَهُ خَلْطُهَا بِمِثْلِهَا إنْ ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ أُودِعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِذَا ظَهَرَ مَالِكُهَا غَرِمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا وَيُقَدِّمُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِمَّا ذَكَرَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ، وَيَسْتَخْلِفُ فِيمَا إذَا عَرَضَتْ حَادِثَةٌ حَالَ شُغْلِهِ بِهَذِهِ الْمُهِمَّاتِ مَنْ يَنْظُرُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِيهِ. (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَتَّخِذُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ (مُزَكِّيًا) بِزَايٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِيُعَرِّفَهُ حَالَ مَنْ يَجْهَلُ مِنْ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْبَحْثُ عَنْهُمْ وَسَيَأْتِي شَرْطُهُ آخِرَ الْبَابِ. تَنْبِيهٌ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُزَكِّي الْجِنْسَ، وَلَوْ قَالَ: مُزَكِّينَ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ حَاكِمًا فِي الْجُرْحِ. (وَ) يَتَّخِذُ (كَاتِبًا) لِتَوَقُّعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْحُكْمِ وَالِاجْتِهَادِ وَالْكِتَابَةُ تَشْغَلُهُ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُتَّابٌ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ اتِّخَاذُهُ إذَا لَمْ يَطْلُبَ أُجْرَةً أَوْ طَلَبَ، وَكَانَ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِئَلَّا يَتَغَالَى فِي الْأُجْرَةِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْكَاتِبِ (مُسْلِمًا عَدْلًا) فِي الشَّهَادَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْجِيلِيِّ لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ، إذْ قَدْ يَغْفُلُ الْقَاضِي عَنْ قِرَاءَةِ مَا يَكْتُبُهُ أَوْ يَقْرَؤُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ وَكَوْنُهُ (عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ) وَكُتُبٍ حُكْمِيَّةٍ لِئَلَّا يُفْسِدَهَا حَافِظًا لِئَلَّا يَغْلَطَ فَلَا يَكْفِي مَنْ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ، وَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ. أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِخَاصَّةِ أَمْرِهِ فَيَسْتَكْتِبُ فِيهِ مَنْ شَاءَ. تَنْبِيهٌ أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الْكَاتِبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ شَيْئًا، بَلْ يَتَّخِذُ الْقَاضِي مَا يَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ، وَقَوْلُهُ: مَحَاضِرَ مَجْرُورٌ بِالْفَتْحَةِ جَمْعُ مَحْضَرٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ مَا جَرَى لِلْمُتَحَاكِمِينَ فِي الْمَجْلِسِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ أَوْ تَنْفِيذُهُ سُمِّيَ سِجِلًّا، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَحْضَرُ عَلَى السِّجِلِّ (وَيُسْتَحَبُّ) فِي الْكَاتِبِ (فِقْهٌ) زَائِدٌ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ الْجَهْلِ. أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهَا فَشَرْطٌ، وَهَذَا مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَ إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ الِاسْتِحْبَابَ وَإِطْلَاقِ الْمَاوَرْدِيُّ الِاشْتِرَاطَ (وَوُفُورُ عَقْلٍ) زَائِدٌ عَلَى الْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ لِئَلَّا يُخْدَعَ وَيُدَلَّسَ عَلَيْهِ. أَمَّا الْعَقْلُ التَّكْلِيفِيُّ فَشَرْطٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَعِفَّةٌ عَنْ الطَّمَعِ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ (وَجَوْدَةُ خَطٍّ) أَيْ يَكُونُ خَطُّهُ حَسَنًا وَاضِحًا مَعَ ضَبْطِهِ الْحُرُوفَ وَتَرْتِيبِهَا فَلَا يَتْرُكُ فُسْحَةً يُمْكِنُ إلْحَاقُ شَيْءٍ فِيهَا وَتَفْصِيلُهَا فَلَا يَكْتُبُ سَبْعَةً مِثْلَ تِسْعَةٍ وَلَا ثَلَاثًا مِثْلَ ثَلَاثِينَ لِئَلَّا يَقَعَ الْغَلَطُ وَالِاشْتِبَاهُ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْخَطُّ الْحَسَنُ يَزِيدُ الْحَقَّ وُضُوحًا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ حَاسِبًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَقَاسِمِ وَالْمَوَارِيثِ فَصِيحًا عَالِمًا بِلُغَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 282 وَمُتَرْجِمًا، وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ، وَحُرِّيَّةٌ، وَعَدَدٌ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ أَعْمَى، وَاشْتِرَاطُ عَدَدٍ فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ.   [مغني المحتاج] الْخُصُومِ، وَأَنْ يُجْلِسَ كَاتِبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُمْلِيَهُ مَا يُرِيدُ وَلِيَرَى مَا يَكْتُبُهُ. (وَ) يَتَّخِذُ (مُتَرْجِمًا) يُفَسِّرُ لِلْقَاضِي لُغَةَ الْمُتَخَاصِمِينَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ لَا يَعْرِفُ لُغَتَهُمَا فَلَا بُدَّ مِمَّنْ يُطْلِعُهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي اتِّخَاذُهُ عَلَى أَيِّ لُغَةٍ، فَإِنَّ اللُّغَاتِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ وَيَبْعُدُ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يُحِيطُ بِجَمِيعِهَا وَأَبْعَدُ مِنْهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ كُلِّ لُغَةٍ اثْنَيْنِ لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ اللُّغَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي عِلْمِهِ، وَفِيهِ عُسْرٌ أَيْضًا (وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ، وَحُرِّيَّةٌ، وَعَدَدٌ) وَلَفْظُ شَهَادَةٍ كَالشَّاهِدِ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا: أَشْهَدُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَا، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَفَى فِي تَرْجَمَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الزِّنَا رَجُلَانِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ) تَرْجَمَةِ (أَعْمَى) ؛ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرُ اللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهُ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الْوَجْهَ الثَّانِي. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَجْلِسِ إلَّا الْخَصْمَانِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ قَطْعًا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ (وَ) الْأَصَحُّ (اشْتِرَاطُ عَدَدٍ فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ) كَالْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ عَيْنَ اللَّفْظِ كَمَا أَنَّ ذَاكَ يَنْقُلُ مَعْنَاهُ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمُسْمِعَ لَوْ غَيَّرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ وَالْحَاضِرُونَ بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ أَصَمَّيْنِ أَيْضًا اُشْتُرِطَ الْعَدَدُ قَطْعًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ. تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ فِي الْمُسْمِعِ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعْمَى قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَيَكْتَفِي بِإِسْمَاعِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْمَالِ قِيَاسًا عَلَيْهِ أَيْضًا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي إسْمَاعِ قَاضٍ إلَى التَّصْوِيرِ بِالنَّقْلِ عَنْ الْخَصْمِ إلَى الْقَاضِي، وَأَمَّا إسْمَاعُ الْخَصْمِ الْأَصَمِّ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي وَالْخَصْمُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ، وَكَالْأَصَمِّ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ لُغَةَ خَصْمِهِ أَوْ الْقَاضِي، وَأَشَارَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي إسْمَاعِ قَاضٍ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَمَمٌ يَسْمَعُ مَعَهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ. أَمَّا إنْ لَمْ يَسْمَعْ أَصْلًا لَمْ تَصِحَّ وِلَايَتُهُ كَمَا مَرَّ فِي شَرْطِ الْقَاضِي. فُرُوعٌ: لِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ أَخَذَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ مِمَّا يَلِيقُ بِحَالِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَتَفَرَّغَ لِلْقَضَاءِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ وَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَاجِدُ الْكِفَايَةَ، وَيُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ إذَا كَانَ مُكْتَفِيًا تَرْكُ الْأَخْذِ، وَمَحِلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمُكْتَفِي وَلِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ صَالِحٌ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ،. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْزَقَ الْقَاضِي مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 283 وَيَتَّخِذُ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ، وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَلِتَعْزِيرٍ.   [مغني المحتاج] وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ، وَفَارِقُ نَظِيرِهِ فِي الْمُؤْذَنِ بِأَنَّ ذَاكَ لَا يُوَرِّثُ فِيهِ تُهْمَةً وَلَا مَيْلًا؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ لَا يَخْتَلِفُ، وَفِي الْمُفْتِي بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْهُ. فَإِنْ قِيلَ الرَّافِعِيُّ رَجَّحَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ جَوَازَهُ وَهُنَا عَدَمَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْمُحْتَاجِ وَمَا هُنَا فِي غَيْرِهِ. وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَثَمَنُ الْوَرِقِ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْمَحَاضِرَ وَالسِّجِلَّاتِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ إلَى مَا هُوَ أَهَمُّ فَعَلَى مَنْ لَهُ الْعَمَلُ مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ إنْ شَاءَ كِتَابَةَ مَا جَرَى فِي خُصُومَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ يُعْلِمُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتُبْ مَا جَرَى فَقَدْ يَنْسَى شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَحَكَّمَ نَفْسَهُ. وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ خَيْلٍ وَغِلْمَانٍ وَدَارٍ وَأَمْتِعَةٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ؛ لِبُعْدِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ النُّبُوَّةِ الَّتِي كَانَتْ سَبَبًا لِلنَّصْرِ بِالرُّعْبِ فِي الْقُلُوبِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُطَعْ وَتَعَطَّلَتْ الْأُمُورُ، وَيَرْزُقُ الْإِمَامُ أَيْضًا فِي بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ، وَالْمُفْتِي، وَالْمُحْتَسِبِ، وَالْمُؤَذِّنِ، وَإِمَامِ الصَّلَاةِ، وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقَاسِمِ، وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَكَاتِبِ الصُّكُوكِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ لَمْ يُنْدَبْ أَنْ يُعَيِّنَ قَاسِمًا وَلَا كَاتِبًا وَلَا مُقَوِّمًا وَلَا مُتَرْجِمًا وَلَا مُسْمِعًا وَلَا مُزَكِّيًا، وَذَلِكَ لِئَلَّا يُغَالُوا بِالْأُجْرَةِ. (وَيَتَّخِذُ دِرَّةً) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (لِلتَّأْدِيبِ) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهَمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُؤَدِّبُ بِالسَّوْطِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَهُ ذَلِكَ إنْ أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.: قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ أَهْيَبَ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِي حِفْظِي مِنْ شَيْخِنَا أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ مَا ضَرَبَ بِهَا أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ (وَ) يَتَّخِذُ (سِجْنًا) (لِأَدَاءِ حَقٍّ) اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الْآدَمِيِّ (وَلِتَعْزِيرٍ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اشْتَرَى دَارًا بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَجَعَلَهَا سِجْنًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ امْتَنَعَ مَدْيُونٌ مِنْ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ تَخَيَّرَ الْقَاضِي بَيْنَ بَيْعِ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبَيْنَ سَجْنِهِ لِيَبِيعَ مَالَ نَفْسِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَا يُسْجَنُ وَالِدٌ بِدَيْنِ وَلَدِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ لِعَمَلٍ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي السِّجْنِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، وَنَفَقَةُ الْمَسْجُونِ فِي مَالِهِ، وَكَذَا أُجْرَةُ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ، وَلَوْ اسْتَشْعَرَ الْقَاضِي مِنْ الْمَحْبُوسِ الْفِرَارَ مِنْ حَبْسِهِ، فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى حَبْسِ الْجَرَائِمِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ، وَلَوْ سُجِنَ لِحَقِّ رَجُلٍ فَجَاءَ آخَرُ، وَادَّعَى عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ. ثُمَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 284 وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ فَسِيحًا بَارِزًا مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ لَائِقًا بِالْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ لَا مَسْجِدًا.   [مغني المحتاج] رَدَّهُ، وَالْحَبْسُ لِمُعْسِرٍ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ لَهُ، وَيَتَّخِذُ أَعْوَانًا ثِقَاتٍ. قَالَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ: وَأُجْرَةُ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ خَصْمُهُ مِنْ الْحُضُورِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ بِالِامْتِنَاعِ. (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ) (مَجْلِسِهِ) أَيْ الْقَاضِي (فَسِيحًا) لِأَنَّ الضَّيِّقَ يَتَأَذَّى مِنْهُ الْخُصُومُ (بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ وَغَرِيبٍ (مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ، وَفِي الشِّتَاءِ فِي كَنٍّ، وَيَكُونُ مَصُونًا أَيْضًا مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِي مِنْ نَحْوِ الرَّوَائِحِ وَالدُّخَانِ وَالْغُبَارِ (لَائِقًا بِالْوَقْتِ) فَيَجْلِسُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ فَيَجْلِسُ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ. وَفِي الشِّتَاءِ فِي كَنٍّ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ مَصُونًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَائِقًا بِالْوَقْتِ لَا يَتَأَذَّى فِيهِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ نَفْسَ اللَّائِقِ لَا صِفَةً أُخْرَى كَانَ أَوْلَى، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ، قَوْلُهُ (وَالْقَضَاءِ) كَأَنْ يَكُونُ دَارًا (لَا مَسْجِدًا) فَيُكْرَهُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْقَاضِي لَا يَخْلُو عَنْ اللَّغَطِ وَارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ، وَقَدْ يَحْتَاجُ لِإِحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ وَالدَّوَابِّ، وَالْمَسْجِدُ يُصَانُ عَنْ ذَلِكَ وَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ سَمِعَ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: إنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، إنَّمَا بُنِيَتْ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ» ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ خُلَفَائِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا إذَا احْتَاجَ لِلْجُلُوسِ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونِهَا مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا، بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيُنَصِّبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ إقَامَتُهَا فِيهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ كَدَكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ، وَأَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلَّ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَأَنْ لَا يَتَّكِئَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ جُلُوسِهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ، وَالْأَوْلَى مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» . قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 285 وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ، وَكُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خُلُقُهُ فِيهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ.   [مغني المحتاج] فِي الْأَذْكَارِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ وَقَّاصٍ: وَسَمِعْتُ أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَقُولُهُ إذَا خَرَجَ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَزِيدُ فِيهِ: أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي بِالْعِلْمِ، وَزَيِّنِي بِالْحِلْمِ، وَأَلْزِمْنِي التَّقْوَى حَتَّى لَا أَنْطِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ، وَأَنْ يَأْتِيَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ رَاكِبًا، وَيَسْتَعْمِلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَيَنْدُبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا. (وَيُكْرَهُ) لَهُ (أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ، وَ) فِي (كُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خَلْقُهُ فِيهِ) كَالْمَرَضِ، وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَشِدَّةِ الْحُزْنِ، وَالسُّرُورِ، وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ " لَا يَقْضِي " وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ مَهْمُومٌ وَلَا مُصَابٌ، وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَجَالٌ وَغَيْرُهُ لَمْ يَبْعُدْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ لِلَّهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَإِنْ اسْتَثْنَى الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ الْغَضَبَ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ، وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنْ قَضَى مَعَ تَغَيُّرِ خُلُقِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِقِصَّةِ الزُّبَيْرِ الْمَشْهُورَةِ،. وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا حَيْثُ لَا زَحْمَةَ وَقْتَ الْحُكْمِ لِخَبَرِ «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ حَجَبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةً لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ، وَالْبَوَّابُ وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ، وَيَدْخُلُ عَلَى الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ كَالْحَاجِبِ فِيمَا ذَكَرَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَنْ وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِلِ النَّاسِ - أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ، فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ. (وَيُنْدَبُ) عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي حُكْمٍ (أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ. أَمَّا الْحُكْمُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 286 وَأَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِنَفْسِهِ. وَلَا يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَمْ يُهْدِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ حَرُمَ قَبُولُهَا، وَإِنْ كَانَ يُهْدَى وَلَا خُصُومَةَ جَازَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ،   [مغني المحتاج] الْمَعْلُومُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ فَلَا. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِفْتَاءِ فَيَدْخُلُ الْأَعْمَى وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَيَخْرُجُ الْفَاسِقُ وَالْجَاهِلُ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَا يُشَاوِرُ مَنْ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ: وَإِذَا أَشْكَلَ الْحُكْمُ تَكُونُ الْمُشَاوَرَةُ وَاجِبَةً، وَإِلَّا فَمُسْتَحَبَّةً اهـ. وَقَوْلُهُ: لَا يُشَاوِرُ مَنْ دُونَهُ فِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ، فَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَفْضُولِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْفَاضِلِ، وَيَرُدُّهُ أَيْضًا مُشَاوَرَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) يُنْدَبُ (أَنْ لَا يَشْتَرِيَ، وَ) لَا (يَبِيعَ بِنَفْسِهِ) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحَابَى فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى مَنْ يُحَابِيهِ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ، وَالْمُحَابَاةُ فِيهَا رِشْوَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ. تَنْبِيهٌ عَطْفُ هَذَيْنِ عَلَى مَا قَبْلَهُمَا يُفْهِمُ كَوْنَهُمَا خِلَافَ الْأُولَى، لَكِنَّ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُمَا مَكْرُوهَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَغَيْرُهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ إجَارَةٍ وَغَيْرِهَا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بَلْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ، وَلَا أَمْرِ صَنْعَتِهِ، بَلْ يَكِلُهُ إلَى غَيْرِهِ تَفْرِيغًا لِقَلْبِهِ. وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ مُعَامَلَةَ أَبْعَاضِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ، وَمَا قَالَهُ لَا يَأْتِي مَعَ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ. (وَ) يُنْدَبُ أَنْ (لَا يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ) كَيْ لَا يُحَابَى أَيْضًا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ، وَالْمُعَامَلَةُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، فَإِنْ عُرِفَ وَكِيلُهُ اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا عَقَدَ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ لِمَنْ عَامَلَهُ خُصُومَةٌ أَنَابَ نَدْبًا غَيْرَهُ فِي فَصْلِهَا خَوْفَ الْمَيْلِ إلَيْهِ (فَإِنْ) (أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ) فِي الْحَالِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَمْ لَا، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ لَا (أَوْ لَمْ) يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَكِنَّهُ لَمْ (يُهْدِ) لَهُ (قَبْلَ وِلَايَتِهِ) الْقَضَاءَ ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ هَدِيَّةً (حَرُمَ) عَلَيْهِ (قَبُولُهَا) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِخَبَرِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَرَوَى «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» . وَرَوَى «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ» وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ، وَيَنْكَسِرُ بِهَا قَلْبُ خَصْمِهِ، وَمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ سَبَبُهُ خَلَلٌ وَقَعَ فِي نُسَخِ الرَّافِعِيِّ السَّقِيمَةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا، وَلَا يَمْلِكُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لَوْ قَبِلَهَا وَيَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ (وَإِنْ كَانَ يُهْدَى) إلَيْهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا خُصُومَةَ) لَهُ (جَازَ) قَبُولُهَا إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ (بِقَدْرِ الْعَادَةِ) السَّابِقَةِ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ فِي صِفَةِ الْهَدِيَّةِ وَقَدْرِهَا، وَلَوْ قَالَ كَالْعَادَةِ دَخَلَتْ الصِّفَةُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 287 وَالْأَوْلَى أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا.   [مغني المحتاج] وَذَلِكَ لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ عَنْ سَبَبِ الْوِلَايَةِ، فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ (وَالْأَوْلَى) إنْ قَبِلَهَا (أَنْ) يَرُدَّهَا أَوْ (يُثِيبَ عَلَيْهَا) أَوْ يَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا. أَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْمُعْتَادِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَعْهَدْ مِنْهُ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ، لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَذْهَبِ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الذَّخَائِرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزِّيَادَةُ - أَيْ بِجِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ - حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا حَدَّثَتْ بِالْوِلَايَةِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَعَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْقِيَاسَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَإِنْ زَادَ فِي الْمَعْنَى كَأَنْ أَهْدَى مَنْ عَادَتُهُ قُطْنٌ حَرِيرًا فَقَدْ قَالُوا: يَحْرُمُ أَيْضًا، لَكِنْ هَلْ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَصِحُّ مِنْهَا بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمُعْتَادِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَاسْتَظْهَرَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا، وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ، وَكَذَا الصَّدَقَةُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَالزَّكَاةُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الدَّفْعُ إلَيْهِ، وَالْعَارِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ حُكْمُهَا كَالْهَدِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَنْبِيهٌ قَبُولُ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ، وَهِيَ مَا يُبْذَلُ لَهُ لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَوْ لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي يَأْخُذُ عَلَيْهِ الْمَالَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَأَخْذَ الْمَالَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَرَامٌ، أَوْ بِحَقٍّ فَلَا يَجُوزُ تَوْقِيفُهُ عَلَى الْمَالِ إنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَرُوِيَ «إنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ، وَإِذَا أَخَذَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ» ، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقِيلَ: إذَا أَخَذَهَا مُسْتَحِلًّا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ وَسَبَبٌ مُوصِلٌ إلَيْهِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ. فُرُوعٌ: لَيْسَ لِلْقَاضِي حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَالَةَ الْخُصُومَةِ، وَلَا حُضُورُ وَلِيمَتِهِمَا، وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْوِلَايَةِ لِخَوْفِ الْمَيْلِ، وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ تَخْصِيصَهُ، وَيُنْدَبُ إجَابَةُ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إنْ عَمَّمَ الْمُولِمُ النِّدَاءَ لَهَا وَلَمْ يَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَيَتْرُكُ الْجَمِيعَ، وَيُكْرَهُ لَهُ حُضُورُ وَلِيمَةٍ اُتُّخِذَتْ لَهُ خَاصَّةً، أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ وَدُعِيَ فِيهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ اُتُّخِذَتْ لِلْجِيرَانِ أَوْ لِلْعُلَمَاءِ وَهُوَ فِيهِمْ، وَلَا يُضَيِّفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ، دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يُلْحِقُ فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِيَ وَالْوَاعِظَ وَمُعَلِّمَ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ. وَلِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَيَزِنَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا، وَأَنْ يُعِيدَ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ، وَيَزُورَ الْقَادِمِينَ وَلَوْ كَانُوا مُتَخَاصِمِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعْمِيمُ أَتَى بِمُمْكِنِ كُلِّ نَوْعٍ وَخَصَّ مَنْ عَرَفَهُ وَقَرُبَ مِنْهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَائِمِ إذَا كَثُرَتْ بِأَنَّ أَظْهَرَ الْأَغْرَاضِ فِيهَا الثَّوَابُ لَا الْإِكْرَامُ، وَفِي الْوَلَائِمِ بِالْعَكْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ، أَوْ بِتَيَقُّنِ الْقَاضِي مِنْهُ بِأَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى يَوْمَ كَذَا فِي بَلَدِ كَذَا وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 288 وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ وَشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] رَآهُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي غَيْرِهِ فَيُعَزِّرُهُ بِمَا يَرَاهُ وَيُشَهِّرُهُ، وَلَا تَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا لِاحْتِمَالِ زُورِهَا، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إقَامَتُهَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَوَانِعِ حُكْمِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ (وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِهِ كَقَوْلِهِ: حَكَمْتَ بِالْجَوْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا تَتَضَمَّنُ حُكْمَهُ فِيهَا لِنَفْسِهِ وَيَنْفُذُ: الْأُولَى أَنْ يَحْكُمَ لِمَحْجُورِهِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَأَنْ يَضْمَنَ اسْتِيلَاءَهُ عَلَى الْمَالِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَتَصَرُّفَهُ فِيهِ، وَفِي مَعْنَاهُ حُكْمُهُ عَلَى مَنْ فِي جِهَتِهِ مَالٌ لِوَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ. الثَّانِيَةُ: الْأَوْقَافُ الَّتِي شَرْطُ النَّظَرِ فِيهَا لِلْحَاكِمِ، أَوْ صَارَ فِيهَا النَّظَرُ إلَيْهِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِانْقِرَاضِ نَاظِرِهَا الْخَاصِّ لَهُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا وَمُوجَبِهَا وَإِنْ تَضَمَّنَ الْحُكْمَ لِنَفْسِهِ فِي الِاسْتِيلَاءِ أَوْ التَّصَرُّفِ. الثَّالِثَةُ: لِلْإِمَامِ الْحُكْمُ بِانْتِقَالِ مِلْكٍ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ اسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ بِجِهَةِ الْإِمَامَةِ، وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ بِهِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ يَصْرِفُ إلَيْهِ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ وَنَحْوِهَا (وَ) لَا (رَقِيقِهِ) بِالْجَرِّ أَيْ لَا يَحْكُمُ لَهُ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ مَالٍ لِلتُّهْمَةِ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُ أَيْضًا صُوَرًا. أُولَاهَا: حُكْمُهُ لِرَقِيقِهِ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ قَبْلَ رِقِّهِ بِأَنْ جَنَى مُلْتَزَمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ نَقَضَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ. قَالَ: وَيُوقَفُ الْمَالُ إلَى عِتْقِهِ، فَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فَيْءٌ. ثَانِيهَا: الْعَبْدُ الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ الْخَارِجُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا قُلْنَا: إنَّ كَسْبَهُ لَهُ دُونَ الْوَارِثِ وَكَانَ الْوَارِثُ حَاكِمًا فَلَهُ الْحُكْمُ بِطَرِيقِهِ. ثَالِثُهَا: الْعَبْدُ الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ (وَ) لَا (شَرِيكِهِ) يَحْكُمُ لَهُ (فِي) الْمَالِ (الْمُشْتَرَكِ) بَيْنَهُمَا لِلتُّهْمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الشَّرِيكِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ) لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ فَيُشْبِهُ قَضَاءَهُ لَهُمْ قَضَاءَهُ لِنَفْسِهِ وَرَقِيقُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَرَقِيقُ أَحَدِهِمَا فِي الْمُشْتَرَكِ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَسِيرُ الْبَيِّنَةِ فَلَا تَظْهَرُ مِنْهُ تُهْمَةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ عِنْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. أَمَّا قَضَاؤُهُ بِالْعِلْمِ فَلَا يَنْفُذُ قَطْعًا، وَاحْتَرَزَ بِالْحُكْمِ لِمَنْ ذَكَرَ عَنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ وَآخَذْنَاهُ بِهِ هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ حُكْمٌ؟ . وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي، وَلَوْ حَكَمَ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِهِ، أَوْ لِأَصْلِهِ عَلَى فَرْعِهِ أَوْ عَكْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يُنْفِذَ حُكْمَ أَبِيهِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ. قَالَ: وَقِيلَ يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ اهـ. وَيَظْهَرُ الْجَوَازُ لِمَا ذُكِرَ، وَفِي جَوَازِ حُكْمِهِ بِشَهَادَةِ ابْنٍ لَهُ لَمْ يُعَدَّ لَهُ شَاهِدَانِ. وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخَصْمُ لَا الشَّاهِدُ وَالثَّانِي: لَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ الْأَرْجَحُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلُهُ، فَإِنْ عَدَّلَهُ شَاهِدَانِ حَكَمَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 289 وَيْحُكُمْ لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرَ، وَكَذَا نَائِبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ، الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ لَزِمَهُ.   [مغني المحتاج] بِشَهَادَتِهِ وَكَابْنِهِ فِي ذَلِكَ سَائِرِ أَبْعَاضِهِ (وَيْحُكُمْ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (وَلِهَؤُلَاءِ) الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ حَيْثُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ خُصُومَةُ (الْإِمَامِ أَوْ قَاضٍ آخَرَ) مُسْتَقِلٍّ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ فِي بَلَدِهِ أَمْ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ (وَكَذَا نَائِبُهُ) يَحْكُمُ لَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) كَبَقِيَّةِ الْحُكَّامِ. وَالثَّانِي: لَا لِلتُّهْمَةِ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُوهِمُ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْعِ الْحُكْمِ لِمَنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَهُوَ وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ. (وَإِذَا) (أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) عِنْدَ الْقَاضِي بِالْمُدَّعِي بِهِ (أَوْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ (فَحَلَفَ الْمُدَّعِي) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً (وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ) فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ (أَوْ) عَلَى (يَمِينِهِ) فِي صُورَةِ النُّكُولِ، أَوْ عَلَى مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ (أَوْ) سَأَلَ (الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ) عِنْدَهُ (وَ) سَأَلَ أَيْضًا (الْإِشْهَادَ بِهِ) (لَزِمَهُ) إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ: إنْ قُلْنَا لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَقْضِي بِهِ فَرُبَّمَا نَسِيَ أَوْ انْعَزَلَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ وَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ أَيْضًا يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتَ حَقِّهِ، وَلَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ الْإِشْهَادَ بِإِحْلَافِهِ لِيَكُونَ حُجَّةً لَهُ فَلَا يُطَالِبُهُ مَرَّةً أُخْرَى لَزِمَهُ إجَابَتُهُ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحُكْمُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِسُؤَالِ الْمُدَّعِي عَلَى الْأَصَحِّ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْحُكْمُ لِمَنْ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ وَهُوَ وَلِيُّهُ فَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سُؤَالِ أَحَدٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ صِيغَةَ الْحُكْمِ اللَّازِمِ، وَصِيغَتُهُ قَوْلُهُ: حَكَمْتُ عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ بِكَذَا، أَوْ قَضَيْتُ بِكَذَا، أَوْ نَفَّذْتُ الْحُكْمَ بِهِ، أَوْ أَلْزَمْتُ الْخَصْمَ بِهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ: كَأَمْضَيْتُهُ أَوْ أَجَزْتُهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: ثَبَتَ عِنْدِي أَوْ صَحَّ، أَوْ وَضَحَ لَدَيَّ، أَوْ سَمِعْتُ الْبَيِّنَةَ، أَوْ قَبِلْتُهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، وَكَذَا مَا يُكْتَبُ عَلَى ظَهْرِ الْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَوَرَدَ هَذَا الْكِتَابُ عَلَيَّ فَقَبِلْتُهُ قَبُولَ مِثْلِهِ وَأُلْزِمْتُ الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ، وَلَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ مِنْ تَعْيِينِ مَا يَحْكُمُ بِهِ وَمَنْ يَحْكُمُ لَهُ، لَكِنْ قَدْ يُبْتَلَى الْقَاضِي بِظَالِمٍ يُرِيدُ مَا لَا يَجُوزُ وَيَحْتَاجُ إلَى مُلَايَنَتِهِ فَرَخَّصَ فِي رَفْعِهِ بِمَا يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ أَسْعَفَهُ بِمُرَادِهِ. مِثَالُهُ: أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً وَالدَّاخِلُ بَيِّنَةً وَالْقَاضِي يَعْلَمُ بِفِسْقِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُلَايَنَتِهِ وَطَلَبَ هُوَ الْحُكْمَ بِنَاءً عَلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَتِهِ، فَيَكْتُبُ: حَكَمْتُ بِمَا هُوَ مُقْتَضَى الشَّرْعِ فِي مُعَارَضَتِهِ بَيِّنَةَ فُلَانٍ الدَّاخِلِ وَفُلَانٍ الْخَارِجِ وَقَرَّرْتُ الْمَحْكُومَ بِهِ فِي يَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ وَسَلَّطَتْهُ عَلَيْهِ وَمَكَّنْتُهُ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 290 أَوْ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ، وَقِيلَ: تَجِبُ.   [مغني المحتاج] التَّصَرُّفِ. وَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ إجَابَةُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي شَرَعَ فِيمَا يُسَنُّ لَهُ فِيهِ الْإِجَابَةُ، وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ (أَوْ) سَأَلَ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ (أَنْ يَكْتُبَ لَهُ) فِي قِرْطَاسٍ أَحْضَرَهُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، أَوْ) أَنْ يَكْتُبَ لَهُ (سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ) بِهِ (اُسْتُحِبَّ) لِلْقَاضِي (إجَابَتُهُ) فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُذَكِّرٌ (وَقِيلَ تَجِبُ) كَالْإِشْهَادِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُثْبِتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدُّيُونُ الْمُؤَجَّلَةُ وَالْوُقُوفُ وَغَيْرُهُمَا، نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَتْ الْحُكُومَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ التَّسْجِيلُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَشُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَكَالْمُدَّعِي فِي اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ لِأَلْفَاظِ الْحُكْمِ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي التَّسْجِيلَاتِ مَرَاتِبُ؛ أَدْنَاهَا الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ: ثُبُوتُ اعْتِرَافٍ مَثَلًا بِجَرَيَانِ الْبَيْعِ، وَثُبُوتُ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَثُبُوتُ نَفْسِ الْجَرَيَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ صِحَّةُ الدَّعْوَى وَقَبُولُ الشَّهَادَةِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ سَمِعْتُ الْبَيِّنَةَ وَقَبِلْتُهَا، وَلَا إلْزَامَ فِي ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ إلْزَامٌ، وَأَعْلَاهَا الثُّبُوتُ مَعَ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ أَنْوَاعٌ سِتَّةٌ: الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ مَثَلًا، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ مَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَأَدْنَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ هَذَا السَّادِسُ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ حُكْمًا بِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ، وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِيهَا وَجَوَازُ النَّقْلِ فِي الْبَلَدِ، وَأَعْلَاهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ، أَعْنِي الْأَوَّلَيْنِ. وَأَمَّا هَذَانِ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَى مِنْ الْآخَرِ، بَلْ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ، فَفِي شَيْءٍ يَكُونُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَعْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ، وَفِي شَيْءٍ يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، فَإِذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِيهَا وَحَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا كَانَ حُكْمُهُ بِهَا أَعْلَى مِنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجَبِ. مِثَالُهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ، فَالشَّافِعِيُّ يَرَى صِحَّتَهُ، وَالْحَنَفِيُّ يَرَى فَسَادَهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ كَانَ حُكْمُهُ بِهَا أَعْلَى مِنْ حُكْمِهِ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْأَوَّلِ حُكْمٌ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ قَصْدًا، وَفِي الثَّانِي يَكُونُ حُكْمُهُ بِهَا ضِمْنًا؛ لِأَنَّهُ فِي الثَّانِي إنَّمَا حَكَمَ قَصْدًا بِتَرَتُّبِ أَثَرِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ، وَاسْتَتْبَعَ هَذَا الْحُكْمَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الشَّيْءِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَمِثْلُ هَذَا تَعْلِيقُ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى نِكَاحِهَا، فَالشَّافِعِيُّ يَرَى بُطْلَانَهُ، وَالْمَالِكِيُّ يَرَى صِحَّتَهُ، فَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ مَالِكِيٌّ صَحَّ، وَاسْتَتْبَعَ حُكْمُهُ بِهِ الْحُكْمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إذَا وُجِدَ السَّبَبُ؛ وَهُوَ النِّكَاحُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَوَجِّهًا إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَصْدًا لَا ضِمْنًا فَيَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ لَمْ يُوجَدْ، فَهُوَ حُكْمٌ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 291 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] فَلَا يُمْنَعُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَحْكُمَ بَعْدَ النِّكَاحِ بِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُتَّفَقًا عَلَى صِحَّتِهِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِهَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ: أَيْ يَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فِيهِ أَعْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. مِثَالٌ: التَّدْبِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، فَإِذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِصِحَّتِهِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ مَانِعًا لِلشَّافِعِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّ حُكْمَهُ بِذَلِكَ يَكُونُ حُكْمًا بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ، فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ حُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ، وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِمُوجَبِ التَّدْبِيرِ حُكْمًا بِصِحَّةِ بَيْعِهِ حَتَّى لَا يَحْكُمَ الْحَنَفِيُّ بِفَسَادِهِ؟ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأُشْمُونِيُّ لَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ لَيْسَ مِنْ مُوجَبِ التَّدْبِيرِ، بَلْ التَّدْبِيرُ لَيْسَ مَانِعًا مِنْهُ وَلَا مُقْتَضِيًا لَهُ. نَعَمْ جَوَازُ بَيْعِهِ مِنْ مُوجَبَاتِ الْمِلْكِ، فَلَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ الْمِلْكِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ حِينَئِذٍ قَدْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ضِمْنًا، وَمِثْلُ التَّدْبِيرِ بَيْعُ الدَّارِ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَوْ اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّتِهِ كَانَ حُكْمُهُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ كَانَ حُكْمُهُ بِهِ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ إجَارَةٍ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِفَسْخِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ، وَإِنْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ فِيهَا بِالْمُوجَبِ فَالظَّاهِرُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ أَنَّ حُكْمَهُ يَكُونُ مَانِعًا لِلْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِالْمُوجَبِ قَدْ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِانْسِحَابِ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ ضِمْنًا. فَإِنْ قِيلَ: حُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمٌ بِالْمَوْتِ قَبْلَ وُجُودِهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا كَمَا مَرَّ فِي حُكْمِ الْمَالِكِيِّ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ حُكْمٌ وَقَعَ ضِمْنًا؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيهِ وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ وَقَعَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَصْدًا لِانْحِصَارِ مُوجَبِ التَّعْلِيقِ فِيهِ، وَهُمْ يَغْتَفِرُونَ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يَغْتَفِرُونَ فِي الْقَصْدِيَّاتِ، قَالَ الْأُشْمُونِيُّ: هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَقَدْ بَانَ لَكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ وَعَكْسُهُ، وَهَذَا غَالِبٌ لَا دَائِمٌ فَقَدْ يَتَجَرَّدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ، مِثَالُ تَجَرُّدِ الصِّحَّةِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ وَلَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ، وَمِثَالُ تَجَرُّدِ الْمُوجَبِ الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ عَلَى نَحْوِ خَمْرٍ فَإِنَّهُمَا فَاسِدَانِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا أَثَرُهُمَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ وَالْعِتْقِ وَلُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَيُحْكَمُ فِيهِمَا بِالْمُوجَبِ دُونَ الصِّحَّةِ، وَكَذَا الرِّبَا وَالسَّرِقَةُ وَنَحْوُهُمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ دُونَ الصِّحَّةِ، وَيَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ مَثَلًا كَمَا أَوْضَحْتُهُ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحِيَازَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ وَصِحَّةِ صِيغَتِهِ فِي مَذْهَبِ الْحَاكِمِ. وَقَالَ ابْنُ قَاسِمٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ شُهْبَةَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَسْتَدْعِي صِحَّةَ الصِّيغَةِ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ، وَالْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ذَلِكَ، وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ صَادِرًا فِي مَحِلِّهِ، وَفَائِدَتُهُ فِي الْأَثَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ حَاكِمٌ كَانَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، وَصِيغَةُ وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ حَتَّى لَا يَحْكُمَ بِبُطْلَانِهَا مَنْ يَرَى الْإِبْطَالَ، وَلَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّةِ وَقْفِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا لِمَا وَقَفَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ أَنْ يُعْلِمَ الْخَصْمَ بِأَنَّ الْحُكْمَ مُوجَبُهُ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَى مَيِّتٍ بِإِقْرَارِهِ حَيًّا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 292 وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَهُ، وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ. وَإِذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ بَانَ خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ.   [مغني المحتاج] (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (نُسْخَتَانِ) بِمَا وَقَعَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبَا ذَلِكَ (إحْدَاهُمَا) تُعْطَى (لَهُ) أَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ غَيْرُ مَخْتُومَةٍ لِيَنْظُرَ فِيهَا وَيَعْرِضَهَا عَلَى الشُّهُودِ لِئَلَّا يَنْسَوْا (وَ) النُّسْخَةُ (الْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) مَخْتُومَةً مَكْتُوبًا عَلَى رَأْسِهَا اسْمُ الْخَصْمَيْنِ وَيَضَعُهَا فِي حِرْزٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلتَّذَكُّرِ، وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً وَدَفَعَهَا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَمْ يُؤْمَنْ ضَيَاعُهَا وَمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِضَمِّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ مَحَاضِرُ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ تَوَلَّى أَخْذَهُ بِنَفْسِهِ وَنَظَرَ أَوَّلًا إلَى خَتْمِهِ وَعَلَامَتِهِ. تَنْبِيهٌ مَا يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَيُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ، وَقَدْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيُقَالُ: الْإِجْمَاعُ يَصْدُرُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَالْقِيَاسُ يُرَدُّ إلَى أَحَدِهِمَا، وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ إنْ لَمْ يَنْتَشِرْ فِي الصَّحَابَةِ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْخَطَأِ، لَكِنْ يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخِرِ، وَإِذَا كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي شَيْءٍ كَاخْتِلَافِ سَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنْ انْتَشَرَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ فِي الصَّحَابَةِ وَوَافَقُوهُ فَإِجْمَاعٌ حُرٌّ فِي حَقِّهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ سَكَتُوا فَحُجَّةٌ إنْ انْقَرَضُوا وَإِلَّا فَلَا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخَالِفُوهُ لِأَمْرٍ عَرَضَ لَهُمْ. قَالَا: وَالْحَقُّ مَعَ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْفُرُوعِ قَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ: وَفِي الْأُصُولِ وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ مَأْجُورٌ لِقَصْدِهِ (وَإِذَا) تَقَرَّرَ ذَلِكَ ثُمَّ (حَكَمَ) قَاضٍ (بِاجْتِهَادِهِ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ (ثُمَّ بَانَ) حُكْمُهُ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ) الْمُتَوَاتِرَةِ، أَوْ الْآحَادِ (أَوْ) خِلَافَ (الْإِجْمَاعِ، أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ) وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ يَبْعُدُ تَأْثِيرُهُ كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ لِلْوَالِدَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَمَا فَوْقَ الذَّرَّةِ بِهَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَكَذَا مَا قُطِعَ فِيهِ بِالْمُسَاوَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى كَقِيَاسِ الْأُمَّةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ وَغَيْرِ السَّمْنِ مِنْ الْمَائِعَاتِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ وُقُوعِ الْفَأْرَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَرُبَّمَا خَصَّ بَعْضُهُمْ اسْمَ الْجَلِيِّ بِمَا كَانَ الْفَرْعُ فِيهِ أَوْلَى بِحُكْمِ الْأَصْلِ، وَسُمِّيَ مَا كَانَ مُسَاوِيًا وَاضِحًا (نَقَضَهُ هُوَ) أَيْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُرْفَعُ إلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَيَتَتَبَّعُ أَحْكَامَهُ لِنَقْضِهَا (وَ) نَقَضَهُ (غَيْرُهُ) أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَتَبُّعُ أَحْكَامِ غَيْرِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ الْفَارِقِيُّ وَعَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَى جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ، فَأَمَّا النَّقْضُ لِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ فَبِالْإِجْمَاعِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ، فَقَدْ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُفَاضِلُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ فِي الدِّيَةِ لِتَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُ الْخَبَرُ فِي التَّسْوِيَةِ فَنَقَضَ حُكْمَهُ، رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ. وَقَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 293 لَا خَفِيٍّ.   [مغني المحتاج] فِيمَنْ رَدَّ عَبْدًا بِعَيْبٍ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ خَرَاجَهُ، فَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» فَرَجَعَ، وَقَضَى بِأَخْذِ الْخَرَاجِ مِنْ الَّذِي أَخَذَهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَنَقَضَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَضَاءَ شُرَيْحٍ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ بِأَنَّ الْمَالَ لِلْأَخِ مُتَمَسِّكًا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 12] قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِاجْتِهَادِهِ مَا إذَا كَانَ مُقَلِّدًا وُلِّيَ لِلضَّرُورَةِ، وَحَكَمَ بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ مُقَلِّدًا لِوَجْهٍ ضَعِيفٍ، فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا نَصَّ إمَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْفَتْوَى. قَالَ: وَيَجِبُ نَقْضُهُ، وَلَا شَكَّ فِي نَقْضِ مَا صَدَرَ مِنْ مُقَلِّدٍ غَيْرِ مُتَبَحِّرٍ بِخِلَافِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ. تَنْبِيهٌ صِيغَةُ النَّقْضِ نَقَضْتُهُ وَفَسَخْتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَأَبْطَلْتُهُ، وَلَوْ قَالَ هَذَا بَاطِلٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَوَجْهَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَقْضًا، وَفِي تَعْبِيرِهِمْ بِنَقْضٍ وَانْتَقَضَ مُسَامَحَةً، إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَى الْقَاضِي إعْلَامُ الْخَصْمَيْنِ بِصُورَةِ الْحَالِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُسَجِّلَ بِالنَّقْضِ كَمَا سَجَّلَ بِالْحُكْمِ لِيَكُونَ التَّسْجِيلُ الثَّانِي مُبْطِلًا لِلْأَوَّلِ كَمَا صَارَ الثَّانِي نَاقِضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَجَّلَ بِالْحُكْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِسْجَالُ بِالنَّقْضِ، وَإِنْ كَانَ الْإِسْجَالُ بِهِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ (لَا) إنْ بَانَ خِلَافُ قِيَاسٍ (خَفِيٍّ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومٍ جَلِيٍّ، وَأَرَادَ بِالْخَفِيِّ مَا لَا يُزِيلُ احْتِمَالَ الْمُفَارَقَةِ وَلَا يَبْعُدُ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الطَّعْمِ، فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لَهُ؛ لِأَنَّ الظُّنُونَ الْمُتَعَادِلَةَ لَوْ نُقِضَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ لَمَا اسْتَمَرَّ حُكْمٌ وَلَشَقَّ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَمَشْهُورٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ بِحِرْمَانِ الْأَخِ الشَّقِيقِ فِي الْمُشَرِّكَةِ. ثُمَّ شَرَّكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْ قَضَاءَهُ الْأَوَّلَ، وَقَالَ: ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا، وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي. وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمَفْقُودِ زَوْجُهَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَبِنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَبِنَفْيِ بَيْعِ الْعَرَايَا، وَبِمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِمُثْقَلٍ، وَبِصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ، وَجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، نُقِضَ قَضَاؤُهُ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِحْسَانِ فَاسِدٍ، وَذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي جَعْلِ الْمَفْقُودِ مَيِّتًا مُطْلَقًا أَوْ حَيًّا كَذَلِكَ فِي الْأُولَى، وَالْحَاكِمُ الْمُخَالِفُ جَعَلَهُ فِيهَا مَيِّتًا فِي النِّكَاحِ دُونَ الْمَالِ، وَلِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فِي عِصْمَةِ النُّفُوسِ فِي الرَّابِعَةِ، وَلِظُهُورِ الْأَخْبَارِ فِي خِلَافِ حُكْمِهِ فِي الْبَقِيَّةِ وَبُعْدِهَا عَنْ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 294 وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا.   [مغني المحتاج] وَاقْتَصَرَ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ نَفْسِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَقِيلَ: لَا يُنْقَضُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ يَمِيلُ إلَيْهِ، وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَاسِدُ أَنْ يُسْتَحْسَنَ شَيْءٌ لِأَمْرٍ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ أَوْ لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرُمُ مُتَابَعَتُهُ. أَمَّا إذَا اُسْتُحْسِنَ الشَّيْءُ لِدَلِيلٍ يَقُومُ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَيَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَلَا يُنْقَضُ، وَلَوْ قَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَفَاسِقٍ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ كَمُعْظَمِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ فِي الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تُنْقَضُ، وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ بِحَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مَعَ الْجَهْلِ أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. (وَالْقَضَاءُ) فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ، فَلَا يُحِلُّ هَذَا الْحُكْمُ حَرَامًا وَلَا عَكْسَهُ، فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَمْ يَحْصُلْ بِحُكْمِهِ الْحِلُّ بَاطِنًا، سَوَاءٌ الْمَالُ وَغَيْرُهُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعَ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ نِكَاحًا لَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ وَالْهَرَبُ مَا أَمْكَنَهَا. فَإِنْ أُكْرِهَتْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَاهُ، وَحَمَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى مَا إذَا رُبِطَتْ وَإِلَّا فَالْوَطْءُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحِلَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَفِي حَدِّهِ بِالْوَطْءِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَابْنُ الْمُقْرِي عَدَمُ الْحَدِّ: لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَجْعَلُهَا مَنْكُوحَةً بِالْحُكْمِ، فَيَكُونُ وَطْؤُهُ وَطْئًا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا تَمْكِينُهُ وَقَصَدَهَا دَفَعَتْهُ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبُضْعِ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلَعَلَّهُ مِمَّنْ يَرَى الْإِبَاحَةَ، فَكَيْفَ يَسُوغُ دَفْعُهُ وَقَتْلُهُ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلدَّفْعِ وَالْمُوجِبَ لَهُ انْتِهَاكُ الْفَرْجِ الْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ صَالَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ عَلَى بُضْعِ امْرَأَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دَفْعُهُ بَلْ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقًا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بَاطِنًا إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ وَيَبْقَى التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا لَا النَّفَقَةُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَلَوْ نَكَحَتْ آخَرَ فَوَطِئَهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ فَشُبْهَةٌ، وَتَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ أَوْ عَالِمًا أَوْ نَكَحَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَوَطِئَ فَكَذَا فِي الْأَشْبَهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ، أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ صَادِقٍ فَيَنْفُذُ الْحُكْمُ فِيهِ بَاطِنًا أَيْضًا قَطْعًا إنْ كَانَ فِي مَحِلِّ اتِّفَاقِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 295 وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ   [مغني المحتاج] وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ فِي مَحِلِّ اخْتِلَافِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لِتَتَّفِقَ الْكَلِمَةُ وَيَتِمَّ الِانْتِفَاعُ، فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِشَفَاعَةِ الْجِوَارِ أَوْ بِالْإِرْثِ بِالرَّحِمِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ بِهِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالِاجْتِهَادُ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى غَيْرِهِ،. وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي لَا الشَّاهِدُ كَشَافِعِيٍّ شَهِدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِذَلِكَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِشَهَادَتِهِ بِذَلِكَ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ بِنَفْسِ الْجِوَارِ وَهُوَ جَائِزٌ. ثَانِيهِمَا: أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، وَيَنْبَغِي عَدَمُ جَوَازِهِ لِاعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ اهـ وَهَذَا لَا يَأْتِي مَعَ تَعْلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ. (وَلَا يَقْضِي) الْقَاضِي (بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ) كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِزَوْجِيَّةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةً أَوْ طَلَاقًا بَائِنًا، فَلَا يَقْضِي بِالْبَيِّنَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ لَكَانَ قَاطِعًا بِبُطْلَانِ حُكْمِهِ وَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمٌ. تَنْبِيهٌ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ بِوَجْهٍ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِالشَّهَادَةِ الْمُخَالِفَةِ لِعِلْمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَنَا خِلَافًا فِي أَنَّ الْأَوْجُهَ هَلْ تَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ أَوْ لَا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ فَلَا تَقْدَحْ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لَا يَعْلَمُ صِدْقَهُمَا وَلَا كِذْبَهُمَا يَكُونُ قَاضِيًا بِخِلَافِ عِلْمِهِ، فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ نَافِذٌ جَزْمًا، فَلَوْ عَبَّرَ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ بِلَا يَقْضِي بِمَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ كَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ يَنْدَرِجُ فِيهِ حُكْمُهُ بِخِلَافِ عَقِيدَتِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ فِيهِ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُبْرَمُ مِنْ حَاكِمٍ بِمَا يَعْتَقِدُهُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ) وَلَوْ عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِمَا يُفِيدُ الظَّنَّ وَهُوَ الشَّاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ فَبِالْعِلْمِ أَوْلَى، وَعَلَى هَذَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْمَالِ قَطْعًا، وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ، وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي وَصَحَّ لَدَيَّ كَذَا قُبِلَ قَطْعًا مَعَ احْتِمَالِ التُّهْمَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ. قَالَ الرَّبِيعُ: كَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ وَلَا يَبُوحُ بِهِ مَخَافَةَ قُضَاةِ السُّوءِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنْكِرِ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لَهُ تَمْلِيكَ مَا ادَّعَاهُ وَحَكَمْتُ عَلَيْكَ بِعِلْمِي، فَإِنْ تَرَكَ أَحَدٌ هَذَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ، وَشَرَطَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ كَوْنَ الْحَاكِمِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِالْعِلْمِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي، وَلَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ جَزْمًا لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَشَرِيكِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَمَا الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ أَهُوَ الْيَقِينُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ أَوْ غَلَبَةُ الظَّنِّ مُطْلَقًا؟ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، فَمَتَى تَحَقَّقَ الْحَاكِمُ طَرِيقًا تُسَوِّغُ الشَّهَادَةَ لِلشَّاهِدِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِهَا كَمُشَاهَدَةِ الْقَرْضِ وَالْإِبْرَاءِ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 296 إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْت أَوْ شَهِدْتَ بِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَتَذَكَّرَ،   [مغني المحتاج] اسْتِصْحَابِ حُكْمِهِمَا، وَكَمُشَاهَدَةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ مُدَّةً طَوِيلَةً بِلَا مُعَارِضٍ وَكَخَبِرَةِ بَاطِنِ الْمُعْسِرِ وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الظُّنُونِ وَمَا يَقَعُ فِي الْقُلُوبِ بِلَا أَسْبَابٍ لَمْ يَشْهَدْ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهَا هَذَا كُلُّهُ فِيمَا عِلْمُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ. أَمَّا مَا عِلْمُهُ بِالتَّوَاتُرِ فَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ ثَمَّ التُّهْمَةُ، فَإِذَا شَاعَ الْأَمْرُ زَالَتْ، وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ التَّوَاتُرِ الظَّاهِرِ لِكُلِّ أَحَدٍ كَوُجُودِ بَغْدَادَ فَيَقْضِي بِهِ قَطْعًا وَبَيْنَ التَّوَاتُرِ الْمُخْتَصِّ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى خِلَافِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ مَا لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي الْإِبْرَاءَ فَذَكَرَهُ لِلْمُقِرِّ، فَقَالَ: أَعْرِفُ صُدُورَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَدَيْنُهُ بَاقٍ عَلَيَّ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ مَا عَلِمَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ قَدْ أَقَرَّ بِمَا يَدْفَعُ عِلْمَ الْقَاضِي، قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُوَ فِقْهٌ وَاضِحٌ اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى خِلَافِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْخَصْمِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْإِبْرَاءِ قَدْ يَرْفَعُ حُكْمَ الْإِبْرَاءِ فَصَارَ الْعَمَلُ بِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بِالْإِقْرَارِ الْمُتَقَدِّمِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ مَحِلِّ الْخِلَافِ بِالْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ صُوَرٌ. أَحَدُهَا: مَا لَوْ أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ بِشَيْءٍ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ قَطْعًا، لَكِنَّهُ قَضَاءٌ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالْعِلْمِ. ثَانِيهَا: لَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ اسْتِحْقَاقَ مَنْ طَلَبَ الزَّكَاةَ جَازَ الدَّفْعُ لَهُ ثَالِثُهَا: لَوْ عَايَنَ الْقَاضِي اللَّوْثَ كَانَ لَهُ اعْتِمَادُهُ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ. رَابِعُهَا: أَنْ يُقِرَّ عِنْدَهُ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ يَدَّعِي زَوْجِيَّتَهَا. خَامِسُهَا: أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ أَبَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ غَيْرُهُ (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْمُحَارَبَةِ وَالشُّرْبِ، فَلَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَيُنْدَبُ سَتْرُهَا وَالتَّعْزِيرَاتِ الْمُعَلَّقَةِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا عَلِمَ الْقَاضِي مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ. ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ فَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ بِعِلْمِهِ وَيُرَتِّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا مَا إذَا اعْتَرَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ سِرًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَنْ يَكُونَ اعْتِرَافُهَا بِحُضُورِ النَّاسِ، وَخَرَجَ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْزِيرَاتِهِ حُقُوقُهُ الْمَالِيَّةُ فَيَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، وَلَوْ قَامَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِ عِلْمِهِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِذَا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ، إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِهِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةَ النَّادِرَةَ مَعَ فِسْقِهِ الظَّاهِرِ وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ قَطْعًا. (وَلَوْ) (رَأَى) قَاضٍ أَوْ شَاهِدٌ (وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ) عَلَى إنْسَانٍ بِشَيْءٍ (أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْت أَوْ شَهِدْتَ بِهَذَا) (لَمْ يَعْمَلْ) الْقَاضِي (بِهِ) أَيْ بِمَضْمُونِ خَطِّهِ (وَلَمْ يَشْهَدْ) أَيْ الشَّاهِدُ بِمَضْمُونِ خَطِّهِ (حَتَّى يَتَذَكَّرَ) كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ حَكَمَ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 297 وَفِيهِمَا وَجْهٌ فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ عِنْدَهُمَا وَلَهُ الْحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ مُوَرِّثِهِ إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِخَطٍّ مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ.   [مغني المحتاج] شَهِدَ بِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ وَتَشَابُهِ الْخُطُوطِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إذَا أَمْكَنَ الْيَقِينُ لَا يُعْتَمَدُ الظَّنُّ، وَلَا يَكْفِي تَذَكُّرُ أَصْلِ الْقَضِيَّةِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا شَهِدَ غَيْرُهُ عَنْهُ بِأَنَّ فُلَانًا حَكَمَ بِكَذَا اعْتَمَدُوهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ جَهْلَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ بَعِيدًا قَدَحَ فِي صِدْقِ الشُّهُودِ وَأَفْهَمَ الْعَمَلَ بِهِ عِنْدَ التَّذَكُّرِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَفِيهِمَا) أَيْ الْعَمَلِ وَالشَّهَادَةِ (وَجْهٌ فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ) مِنْ سِجِلٍّ وَيَحْضُرُ (عِنْدَهُمَا) أَيْ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُدَاخِلْهُ رِيبَةٌ لِبُعْدِ التَّحْرِيفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِاحْتِمَالِهِ (وَلَهُ) أَيْ الشَّخْصِ (الْحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ) لَهُ عَلَى غَيْرِهِ (أَوْ) عَلَى (أَدَائِهِ) لِغَيْرِهِ (اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ مُوَرِّثِهِ) أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا أَوْ عَلَيْهِ لَهُ كَذَا (إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ) اعْتِضَادًا بِالْقَرِينَةِ وَاحْتَجَّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لِجَوَازِ الْيَمِينِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِحَلِفِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى جَوَازُ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ بِظَنٍّ مُؤَكِّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِغَيْرِ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ بِخِلَافِ الْحَلِفِ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ، وَيُبَاحُ بِغَالِبِ الظَّنِّ، وَضَبَطَ الْقَفَّالُ الْوُثُوقَ بِخَطِّ الْأَبِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ بِكَوْنِهِ بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ فِي التَّذْكِرَةِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا لَمْ يَجِدْ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ، بَلْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ التَّرِكَةِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: مُوَرِّثِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ خَطُّ مُكَاتَبِهِ الَّذِي مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابَةِ، وَخَطُّ مَأْذُونِهِ الْقِنِّ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَخَطُّ مُعَامِلِهِ فِي الْقِرَاضِ وَشَرِيكِهِ فِي التِّجَارَةِ كَذَلِكَ عَمَلًا بِالظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ، وَكَذَا الْخَطُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ الْإِخْبَارُ مِنْ عَدْلٍ مِثْلِهِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ. (وَالصَّحِيحُ جَوَازُ) (رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِخَطٍّ مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ) وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ لِعَمَلِ الْعُلَمَاءِ بِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِخَطِّهِ أَمْ بِخَطِّ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ كَالشَّهَادَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِي الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، وَمِنْ الْفَرْعِ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ الرَّاوِيَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ يَرْوِي كَذَا، وَلَا يَقُولُ الشَّاهِدُ: حَدَّثَنِي فُلَانٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ بِكَذَا، وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَرْوِيَ بِإِجَازَةٍ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ الْمُحَدِّثُ بِخَطِّهِ إنْ عَرَفَ هُوَ خَطَّهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْخَطِّ، فَيَقُولُ: أَخْبَرَنِي فُلَانٌ كِتَابَةً أَوْ فِي كِتَابِهِ أَوْ كَتَبَ إلَيَّ بِكَذَا، وَيَصِحُّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَجَزْتُك مَرْوِيَّاتِي أَوْ نَحْوَهَا كَمَسْمُوعَاتِي، بَلْ لَوْ قَالَ: أَجَزْتُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَنْ أَدْرَكَ زَمَانِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَكُلِّ أَحَدٍ صَحَّ وَلَا يَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَجَزْتُ أَحَدَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا مَرْوِيَّاتِي وَنَحْوَهَا أَوْ أَجَزْتُكَ أَحَدَ هَذِهِ الْكُتُبِ لِلْجَهْلِ بِالْمَجَازِ لَهُ فِي الْأُولَى وَبِالْمَجَازِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا بِقَوْلِ أَجَزْتُ مَنْ سَيُولَدُ بِمَرْوِيَّاتِي مَثَلًا لِعَدَمِ الْمَجَازِ لَهُ، وَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَتَكْفِي الرِّوَايَةُ بِكِتَابَةٍ وَنِيَّةِ إجَازَةٍ كَمَا تَكْفِي مَعَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ مَعَ سُكُوتِهِ وَإِذَا كَتَبَ الْإِجَازَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 298 [فَصْلٌ] لِيُسَوِّ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ، وَقِيَامٍ لَهُمَا، وَاسْتِمَاعٍ، وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ، وَجَوَابِ سَلَامٍ وَمَجْلِسٍ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ.   [مغني المحتاج] [فَصَلِّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ] [فَصْلٌ] فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَتْبَعُهَا (لِيُسَوِّ) الْقَاضِي حَتْمًا عَلَى الصَّحِيحِ (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ) فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، بَلْ يَأْذَنُ لَهُمَا فِي الدُّخُولِ. تَنْبِيهٌ الْخَصْمُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمِيعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يُثَنِّيهِ وَيَجْمَعُهُ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّثْنِيَةِ هُنَا، وَعَلَى الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ: وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ. أَمَّا الْخَصِمُ بِكَسْرِ الصَّادِ، فَهُوَ الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ (وَ) فِي (قِيَامٍ لَهُمَا) فَيَقُومُ لَهُمَا أَوْ يَتْرُكُ، وَكَرِهَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْقِيَامَ لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ شَرِيفًا وَالْآخَرُ وَضِيعًا، فَإِذَا قَامَ لَهُمَا عَلِمَ الْوَضِيعَ أَنَّ الْقِيَامَ لِأَجْلِ خَصْمِهِ فَيَزْدَادُ الشَّرِيفُ تِيهًا وَالْوَضِيعُ كَسْرًا، فَتَرْكُ الْقِيَامِ لَهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ قَالَ: فَلَوْ دَخَلَ الْخَصْمُ ذُو الْهَيْئَةِ فَظَنَّ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَاكَمٍ فَقَامَ لَهُ فَلْيَقُمْ لِخَصْمِهِ أَوْ يَعْتَذِرْ بِأَنَّهُ قَامَ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَشْعُرْ بِكَوْنِهِ خَصْمًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْآخَرُ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ قَامَ وَإِلَّا اعْتَذَرَ (وَاسْتِمَاعٍ) لِكَلَامِهِمَا وَنَظَرٍ إلَيْهِمَا (وَ) فِي (طَلَاقَةِ وَجْهٍ) لَهُمَا (وَ) فِي (جَوَابِ سَلَامٍ) مِنْهُمَا إنْ سَلَّمَا مَعًا وَلَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَيَتْرُكُ الْآخَرَ، فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ أَوْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا مَعًا إذَا سَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرَاهُ هُنَا لَا يُوَافِقُ مَا جَزَمَا بِهِ فِي السِّيَرِ مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، فَإِذَا حَضَرَ جَمْعٌ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوا ذَلِكَ هُنَا حَذَرًا مِنْ التَّخْصِيصِ وَتَوَهُّمِ الْمَيْلِ (وَ) فِي (مَجْلِسٍ) لَهُمَا بِأَنْ يَجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْلَى، وَمِثْلُ مَا ذَكَرَهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِفَضِيلَةٍ غَيْرِهَا وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ، وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَلِيُقْبِلْ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ بِلَا مَزْحٍ وَلَا تَشَاوُرٍ وَلَا نَهْرٍ وَلَا صِيَاحٍ مَا لَمْ يَتْرُكَا أَدَبًا وَيُنْدَبُ أَنْ يَجْلِسَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَتَمَيَّزَا وَلِيَكُونَ اسْتِمَاعُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَسْهَلَ، وَإِذَا جَلَسَا تَقَارَبَا إلَّا أَنْ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَةً غَيْرَ مَحْرَمٍ فَيَتَبَاعَدَانِ (وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ (رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى السُّوقِ فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا فَعَرَفَهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 299 وَإِذَا جَلَسَا فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَأَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي. فَإِذَا ادَّعَى طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ،   [مغني المحتاج] عَلِيٌّ، فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا شُرَيْحًا، فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ وَجَلَسَ شُرَيْحٌ أَمَامَهُ إلَى جَنْبِ النَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا شُرَيْحُ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي ذَهَبَتْ مِنِّي مُنْذُ زَمَانٍ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ مَا أُكَذِّبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الدِّرْعُ دِرْعِي؟ . فَقَالَ شُرَيْحٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنِّي أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْتُهُ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَيُشْبِهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْتَ الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ. تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّمْيِيزِ بِالْوُجُوبِ، وَهُوَ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ الْأَغْلَبِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَصَرَّحَ سُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ بِالْجَوَازِ، وَعِبَارَتُهُ الَّتِي نَقَلَهَا ابْنُ شُهْبَةَ عَنْهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ الْمُسْلِمَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُرْتَدًّا، فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ، وَتَعَجَّبَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ، فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لِرَفْعِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ. (وَإِذَا) حَضَرَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ (جَلَسَا) أَوْ وَقَفَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) عَنْهُمَا حَتَّى يَتَكَلَّمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَضَرَا لِيَتَكَلَّمَا (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمُدَّعِيَ (لِيَتَكَلَّمْ الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا هَابَاهُ وَلَهُ إنْ عَرَفَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَكَلَّمْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ طَالَ سُكُوتُهُمَا بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْ هَيْبَةٍ وَتَحْرِيرِ كَلَامٍ وَنَحْوِهَا قَالَ مَا خَطْبُكُمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أُقِيمَا مِنْ مَكَانِهِمَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَوْلَى بِالْخَصْمِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْقَاضِيَ فِي الْكَلَامِ. (فَإِذَا) (ادَّعَى) أَحَدُهُمَا دَعْوًى صَحِيحَةً (طَالَبَ خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ) وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَبِذَلِكَ تَنْفَصِلُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ؟ أَوْ خَرَجَ مِنْ دَعْوَاهُ إنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُدَّعِي مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الذِّمِّيُّ اسْتِئْجَارَ الْأَمِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ أَوْ كَنْسِ بَيْتِهِ، وَكَدَعْوَى الْمَعْرُوفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 300 فَإِنْ أَقَرَّ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ، وَأَنْ يَسْكُتَ، فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] بِالْعَيْبِ وَجَرِّ ذَوِي الْأَقْدَارِ لِمَجْلِسِ الْقُضَاةِ وَاسْتِحْلَافِهِمْ لِيَفْتَدُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ (فَإِنْ أَقَرَّ) بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ فِي ثُبُوتِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ حُكْمًا عَلَى وُجُوبِ الْحَقِّ جَلِيَّةٌ إذْ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرٌ، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلِلْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَنْكَرَ) الدَّعْوَى، وَهِيَ مِمَّا لَا يَمِينَ فِيهَا فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي (فَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ) وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَوْ شَاهِدٌ مَعَ يَمِينٍ؟ فَإِنْ كَانَ الْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ قَالَ لَهُ أَتَحْلِفُ وَيَقُولُ لِلزَّوْجِ الْمُدَّعِي عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا أَتُلَاعِنُهَا، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ جَمِيعَ ذَلِكَ (وَ) لِلْقَاضِي (أَنْ) لَا يَسْتَفْهِمَ الْمُدَّعِي عَنْ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ (يَسْكُتَ) تَحَرُّزًا عَنْ اعْتِقَادِ مَيْلِهِ إلَى الْمُدَّعِي. نَعَمْ إنْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْكُتُ، بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى، وَإِنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ (فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ) وَأَقَامَهَا فَذَاكَ (وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنْ تَوَرَّعَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَقَرَّ سَهَّلَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُدَّعِي وَاسْتَغْنَى عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ حَلَفَ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَظْهَرَ خِيَانَتَهُ وَكَذِبَهُ فَلَهُ فِي طَلَبِ تَحْلِيفِهِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ أَوْ النَّظَرِ أَوْ الْوَكَالَةِ أَوْ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مُكَاتَبًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِئَلَّا يَحْلِفَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ لِحَاكِمٍ يَرَى مَنْعَ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَرَدَّ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي فَلَا يَرْفَعُ غَرِيمَهُ إلَّا لِمَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَنْفَصِلَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ (أَوْ) قَالَ (لَا بَيِّنَةَ لِي) وَأَطْلَقَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ وَحَلَّفَهُ (ثُمَّ أَحْضَرَهَا) (قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ بَيِّنَةً أَوْ نَسِيَ، ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ، وَالثَّانِي: لَا لِلْمُنَاقَضَةِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلًا كَكُنْتُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، وَنَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةً، ثُمَّ أَحْضَرَهَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمُنَاقَضَةِ، وَلَوْ قَالَ: شُهُودِي فَسَقَةٌ أَوْ عَبِيدٌ فَجَاءَ بِعُدُولٍ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ هِيَ الَّتِي نَسَبَ إلَيْهَا ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً عَنْ قُرْبٍ. فَقَالَ: هَذِهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ جَهِلْتَهَا أَوْ نَسِيتُهَا غَيْرُ تِلْكَ ثُمَّ عَلِمْتُهَا أَوْ تَذَكَّرْتَهَا، فَيُشْبِهُ أَنْ تُقْبَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ حُرِّيَّةُ الْمُحْضَرِينَ وَعَدَالَتُهُمْ مَشْهُورَةً. . تَنْبِيهٌ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي بَعْدَ ظُهُورِ وَجْهِ الْحُكْمِ نَدْبُ الْخَصْمَيْنِ إلَى صُلْحٍ يُرْجَى، وَيُؤَخِّرُ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 301 وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، فَإِنْ جَهِلَ أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ وَيُقَدَّمُ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ، وَنِسْوَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرُوا مَا لَمْ يَكْثُرُوا، وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ إلَّا بِدَعْوَى.   [مغني المحتاج] الْحُكْمَ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ بِرِضَاهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَيَا. (وَإِذَا) (ازْدَحَمَ) فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي (خُصُومٌ) مُدَّعُونَ (قُدِّمَ) حَتْمًا (الْأَسْبَقُ) فَالْأَسْبَقُ مِنْهُمْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ جَاءُوا مُتَرَتِّبِينَ وَعُرِفَ السَّابِقُ؛ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ كَمَا لَوْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ، وَالْعِبْرَةُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي. تَنْبِيهٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحِلُّ وُجُوبِ تَقْدِيمِ السَّابِقِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَى الْقَاضِي فَصْلُ الْخُصُومَاتِ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ (فَإِنْ جَهِلَ) الْأَسْبَقَ مِنْهُمْ (أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ، وَقُدِّمَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، إذْ لَا مُرَجِّحَ، فَإِنْ آثَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا جَازَ، هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْإِقْرَاعُ، فَإِنْ كَثُرُوا أَوْ عَسُرَ الْإِقْرَاعُ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي رِقَاعٍ وَجَعَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيُقَدِّمَ صَاحِبَهَا، كَذَا قَالَاهُ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْإِقْرَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ حَتْمًا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَرِيضٌ يَتَضَرَّرُ بِالصَّبْرِ لِنَوْبَتِهِ فَالْأَوْلَى لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمُهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ مَطْلُوبًا، وَلَا يُقَدِّمُهُ إنْ كَانَ طَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مَجْبُورٌ وَالطَّالِبَ مُجْبِرٌ. تَنْبِيهٌ لَا يُقَدِّمُ الْقَاضِي بَعْضَ الْمُدَّعِينَ عَلَى بَعْضٍ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ أَشَارَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (وَيُقَدَّمُ) نَدْبًا عَلَى الْمُخْتَارِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ (مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ) أَيْ مُتَهَيِّئُونَ لِلسَّفَرِ خَائِفُونَ مِنْ انْقِطَاعِهِمْ إنْ تَأَخَّرُوا عَلَى مُقِيمِينَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالتَّخَلُّفِ، وَأَشَارَ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَ) يُقَدَّمُ (نِسْوَةٌ) عَلَى رِجَالٍ طَلَبًا لِسِتْرِهِنَّ (وَإِنْ تَأَخَّرُوا) أَيْ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسْوَةُ فِي الْمَجِيءِ إلَى الْقَاضِي، وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ (مَا لَمْ يَكْثُرُوا) فَإِنْ كَثُرُوا بَلْ أَوْ سَاوَوْا كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ، أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مُسَافِرِينَ أَوْ نِسْوَةً فَالتَّقْدِيمُ بِالسَّبَقِ أَوْ الْقُرْعَةِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ إطْلَاقُهُ الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسْوَةَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا بَحَثَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمُدَّعِينَ، وَالْخَنَاثِي مَعَ الرِّجَالِ كَالنِّسْوَةِ، وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُقِيمَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْقِيَاسُ إلْحَاقُ الْعَجُوزِ بِالرِّجَالِ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ وَالنِّسْوَةِ الْحَصْرَ فِيهِمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمَرِيضُ كَمَا سَبَقَ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَهُ مَرِيضٌ بِلَا مُتَعَهِّدٍ، وَتَقْدِيمُ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، وَالِازْدِحَامُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ كَالِازْدِحَامِ عَلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضًا وَلَوْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِلَّا فَالْخِيرَةُ إلَى الْمُفْتِي أَوْ الْمُدَرِّسِ (وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ) أَيْ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (إلَّا بِدَعْوَى) وَاحِدَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُدَّعَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 302 وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ، لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ. وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ فَعَرَفَ عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ   [مغني المحتاج] عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَوْعَبَ الْمَجْلِسَ بِدَعَاوِيهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ يَحْضُرُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَيَنْتَظِرُ فَرَاغَ دَعْوَى الْحَاضِرِينَ ثُمَّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. الثَّانِيَةُ: إنْ بَقِيَ وَقْتٌ وَلَمْ يَضْجَرْ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَالنِّسْوَةِ، وَالْأَرْجَحُ تَقْدِيمُهُمْ بِدَعَاوِيهِمْ إنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا تَضُرُّ بِالْمُقِيمِينَ فِي الْأُولَى وَبِالرِّجَالِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ طَالَتْ قُدِّمَ مَنْ ذُكِرَ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونٌ فِيهَا، وَقَدْ يُقْنَعُ بِوَاحِدَةٍ وَيُؤَخَّرُ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَحْضُرَ، هَذَا مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْدِيمِ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ مَمْنُوعٌ، بَلْ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يَسْمَعَ فِي عَدَدٍ لَا يَضُرُّ بِالْبَاقِينَ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ - أَيْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ أَوْ النِّسَاءِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ، وَإِذَا قَدَّمْنَا بِوَاحِدَةٍ فَالْمُرَادُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا التَّقْدِيمُ بِالدَّعْوَى وَجَوَابُهَا وَفَصْلُ الْحُكْمِ فِيهَا. نَعَمْ إنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِانْتِظَارِ بَيِّنَةٍ، أَوْ تَزْكِيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَمِعَ دَعْوَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يَحْضُرَ هُوَ بِبَيِّنَتِهِ فَيَشْتَغِلَ حِينَئِذٍ بِإِتْمَامِ خُصُومَتِهِ، وَلَا وَجْهَ لِتَعْطِيلِ الْخُصُومِ، ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ: أَنَا الْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا إلَى الدَّعْوَى لَمْ تُقْطَعْ دَعْوَاهُ، بَلْ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ، ثُمَّ يَدَّعِيَ إنْ شَاءَ، وَإِلَّا ادَّعَى مَنْ بَعَثَ مِنْهُمَا الْعَوْنَ خَلْفَ الْآخَرِ، وَكَذَا مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَحْضَرَ الْآخَرَ لِيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ادَّعَى. (وَيَحْرُمُ) عَلَى الْقَاضِي (اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ، إذْ قَدْ يَتَحَمَّلُ الشَّهَادَةَ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ ضَاعَ الْحَقُّ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَإِنْ عَيَّنَ شُهُودًا وَقَبِلَ غَيْرَهُمْ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَإِذَا) (شَهِدَ) عِنْدَ الْقَاضِي (شُهُودٌ فَعَرَفَ) فِيهِمْ (عَدَالَةً، أَوْ فِسْقًا) (عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فِيهِمْ فَيَقْبَلُ مَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْدِيلٍ وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ، وَيَرُدُّ مَنْ عَرَفَ فِسْقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَحْثٍ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ هَذَا فِي الْعَدَالَةِ فِي غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ. أَمَّا هُمَا فَفِيهِمَا وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الْجَوَازِ مَا لَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِعَدَالَتِهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ تَزْكِيَتَهُ لَهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي فِي الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا (وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ) أَيْ طَلَبُ الْقَاضِي مِنْهُمْ التَّزْكِيَةَ، وَهِيَ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ، سَوَاءٌ أَطَلَبَهُ الْخَصْمُ أَمْ لَا، طَعَنَ فِي الشُّهُودِ أَمْ لَا، اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِمْ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِمْ فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ شَرْطِهَا نَعَمْ لَوْ صَدَّقَهُمَا الْخَصْمُ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ قَضَى بِإِقْرَارِهِ ` لَا بِالْبَيِّنَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 303 بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَبْعَثَ بِهِ مُزَكِّيًا ثُمَّ يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّيَ بِمَا عِنْدَهُ، وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ جَهِلَ إسْلَامَ الشُّهُودِ رَجَعَ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ، بِخِلَافِ جَهْلِهِ بِحُرِّيَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ مَعْرُوفَانِ بِالْعَدَالَةِ وَاعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِمَا شَهِدَا بِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى مُسْتَنِدًا إلَى الشَّهَادَةِ، هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ وَأَقَرَّهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الزِّنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ اعْتِبَارُ الْأَسْبَقِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَقَوْلُ ابْنِ شُهْبَةَ: وَالصَّحِيحُ اسْتِنَادُهُ إلَى الْمَجْمُوعِ مَمْنُوعٌ. ثُمَّ بَيَّنَ صُورَةَ الِاسْتِزْكَاءِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (يَكْتُبَ) الْقَاضِي (مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالْمَشْهُودُ لَهُ، وَ) الْمَشْهُودُ (عَلَيْهِ) مِنْ اسْمٍ وَكُنْيَةٍ إنْ اُشْتُهِرَ بِهَا، وَوَلَاءٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ، وَاسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَسُوقِهِ وَمَسْجِدِهِ لِئَلَّا يُشْتَبَهُ بِغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّاهِدِ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ كَبِغْضَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ، فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ مَشْهُورًا وَحَصَلَ التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ اُكْتُفِيَ بِهِ (وَكَذَا قَدْرُ) الْمَشْهُودِ بِهِ مِنْ (الدَّيْنِ) وَغَيْرِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَالثَّانِي: لَا يَكْتُبُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ لَا بِالصَّحِيحِ، وَأَنْ يَقُولَ: وَكَذَا مَا شَهِدُوا بِهِ لِيُعْلَمَ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَالنِّكَاحُ وَالْقَتْلُ وَغَيْرُهَا، وَلِيُسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَ) أَنْ (يَبْعَثَ بِهِ) أَيْ بِمَا كَتَبَهُ (مُزَكِّيًا) هُوَ نَصْبٌ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ إلَى مُزَكٍّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْقَاضِي مُزَكُّونَ وَأَصْحَابُ مَسَائِلَ، فَالْمُزَكُّونَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ لِيُبَيِّنُوا حَالَ الشُّهُودِ، وَأَصْحَابُ الْمَسَائِلِ هُمْ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّينَ لِيَبْحَثُوا وَيَسْأَلُوا، وَرُبَّمَا فَسَّرَ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ فِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْمُزَكِّينَ اهـ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَكْتُبُ لِكُلِّ مُزَكٍّ كِتَابًا وَيَدْفَعُهُ إلَى صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ وَيُخْفِي كُلَّ كِتَابٍ عَنْ غَيْرِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ يَبْعَثُهُ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يَسْعَى الْمَشْهُودُ لَهُ فِي التَّزْكِيَةِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فِي الْجَرْحِ (ثُمَّ) إنْ عَادَ إلَيْهِ الرُّسُلُ بِجُرْحٍ مِنْ الْمُزَكِّينَ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ وَكَتَمَ الْجُرْحَ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي فِي الشُّهُودِ أَوْ عَادُوا إلَيْهِ بِتَعْدِيلٍ لَمْ يَحْكُمْ بِقَوْلِهِمْ بَلْ (يُشَافِهُهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُزَكِّيَ) الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ (بِمَا عِنْدَهُ) مِنْ حَالِ الشُّهُودِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَقَعُ بِشَهَادَتِهِ وَيُشِيرُ إلَى الْمُزَكِّي لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ الْغَلَطَ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ، وَلَا يَقْتَصِرُ الْمُزَكِّي عَلَى الْكِتَابَةِ لِلْقَاضِي مَعَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: تَكْفِي كِتَابَتُهُ) لَهُ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ مُشَافَهَةٍ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَصْحَابُهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْآنَ مِنْ أَكْفَائِهِمْ بِرُؤْيَةِ سِجِلِّ الْعَدَالَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُزَكِّي وَاحِدًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ بَلْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرُ. تَنْبِيهٌ مَنْ نَصَبَ أَرْبَابَ الْمَسَائِلِ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى أَنْ يُنْهِيَ إلَى الْقَاضِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 304 وَشَرْطُهُ كَشَاهِدٍ مَعَ مَعْرِفَةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَتِهِ،   [مغني المحتاج] وَحْدَهُ ذَلِكَ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَالْحُكْمُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْقَاضِي صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَشَهِدَ بِمَا بَحَثَهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَقَدْ تَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، بَلْ إنْ وَلِيَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ فَحُكْمُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَحْثِ فَبَحَثَ وَوَقَفَ عَلَى حَالِ الشَّاهِدِ وَشَهِدَ بِهِ، فَالْحُكْمُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، لَكِنْ يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَةِ مُزِكِّينَ وَإِعْلَامِهِ مَا عِنْدَهُمَا فَهُوَ رَسُولٌ مَحْضٌ فَلْيَحْضُرَا وَيَشْهَدَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ لَا يُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ. اهـ. فَقَدْ رُفِعَ بِذَلِكَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ أَوْ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ، وَاعْتَذَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَوْنِهِ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ لَا لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّينَ لَا يُكَلَّفُونَ الْحُضُورَ، وَيُعْتَبَرُ فِيمَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجُرْحِ وَالتَّعْدِيلِ صِفَاتُ الْقُضَاةِ. (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُزَكِّي الَّذِي يَشْهَدُ بِالْعَدَالَةِ مَثَلًا (كَشَاهِدٍ) أَيْ كَشَرْطِهِ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ شَهَادَةِ الْأَبِ بِتَعْدِيلِ الِابْنِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ (مَعَ مَعْرِفَةِ) أَسْبَابِ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) لِئَلَّا يَجْرَحَ الْعَدْلَ وَيُزَكِّيَ الْفَاسِقَ (وَخُبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا (أَوْ مُعَامَلَةٍ) وَنَحْوِهَا، فَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اثْنَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمَا إنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا، ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا فَأَتَيَا بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا؟ . قَالَ: بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، قَالَ: هَلْ كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا؟ . قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ عَامَلْتَهُمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهِمَا أَمَانَاتُ الرِّجَالِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلْ صَاحِبْتَهُمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الْحَالِ إلَّا إذَا عَلِمَ مِنْ عَدَالَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إلَّا بَعْدَ الْخُبْرَةِ فَيَعْتَمِدُهُ، وَلَا يَعْتَبِرُ فِي خُبْرَةِ الْبَاطِنِ التَّقَادُمُ فِي مَعْرِفَتِهَا، بَلْ يَكْتَفِي بِشِدَّةِ الْفَحْصِ وَلَوْ غَرِيبًا يَصِلُ الْمُزَكِّي بِفَحْصِهِ إلَى كَوْنِهِ خَبِيرًا بِبَاطِنِهِ فَحِينَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ بِاسْتِفَاضَةٍ شَهِدَ بِهَا. وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: مَنْ يَعْدِلُهُ عَنْ الشَّاهِدِ بِالْجَرْحِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْخُبْرَةُ الْبَاطِنَةُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا مُفَسِّرًا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ شُرُوطِ الشَّاهِدِ مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ، أَمَّا مَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَيَعْتَبِرُ فِيهِ صِفَاتِ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: " وَخُبْرَةِ " هُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: مَعَ مَعْرِفَةِ، وَجَوَّزَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ رَفْعَهُ بِالْعَطْفِ عَلَى خَبَرِ قَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ خِبْرَةٌ (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَتِهِ) مِنْ الْمُزَكِّي، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ لِكَذَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 305 وَأَنَّهُ يَكْفِي: هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَيَّ وَلِي، وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ، وَيَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُعَايَنَةَ أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ، وَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ. فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ: عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُهَا، بَلْ يَكْفِي أَعْلَمُ وَأَتَحَقَّقُ وَهُوَ شَاذٌّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَكْفِي) مَعَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ قَوْلُ الْمُزَكِّي (هُوَ عَدْلٌ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ (وَقِيلَ) وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (يَزِيدُ) عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ (عَلَيَّ وَلِي) لِأَنَّ قَوْلَهُ: هُوَ عَدْلٌ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُزِيلُ الِاحْتِمَالَ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَأْكِيدٌ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي جَمَاعَةٌ وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ عَدَالَتُهُمْ، فَأَخْبَرَ نَائِبَ الْقَاضِي أَنَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ عَدْلَانِ، فَإِنْ عَيَّنَهُمَا حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا (وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ) صَرِيحًا كَقَوْلِهِ: هُوَ زَانٍ أَوْ قَاذِفٌ أَوْ سَارِقٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ الْبِدْعَةِ الْمُنْكَرَةِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْجَرْحِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا؛ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ لِيَفْعَلَ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، وَيَكْفِي ذِكْرُ بَعْضِ أَسْبَابٍ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا بِالْأَسْبَابِ اكْتَفَى بِإِطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوبِ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ سُؤَالُهُ عَنْ السَّبَبِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَطْلَبِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجْ فِي التَّعْدِيلِ إلَى بَيَانِ سَبَبِ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهَا كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَلَا يَجْعَلُ الْجَارِحَ بِذِكْرِ الزِّنَا قَاذِفًا، وَإِنْ انْفَرَدَ؛ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ فَهُوَ فِي حَقِّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ، بِخِلَافِ شُهُودِ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعَةِ، فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى السَّتْرِ فَهُمْ مُقَصِّرُونَ، وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ: أَنَا مَجْرُوحٌ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يُعَيِّنُهُ الْقَاضِي لِذَلِكَ (وَيَعْتَمِدُ) الْجَارِحُ (فِيهِ) أَيْ الْجَرْحِ (الْمُعَايَنَةَ) كَأَنْ رَآهُ يَزْنِي أَوْ السَّمَاعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا إذَا سَمِعَهُ يَقْذِفُ إنْسَانًا أَوْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ (أَوْ الِاسْتِفَاضَةَ) عَنْهُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَجْرَحُهُ أَوْ التَّوَاتُرُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ مَثَلًا بِشَرْطِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِذَلِكَ، وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ وَنَحْوِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ: نَعَمْ، فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُهُ يَزْنِي أَوْ سَمِعْتُهُ يَقْذِفُ أَوْ نَحْوُ ذَاكَ، وَثَانِيهِمَا وَهُوَ الْأَقْيَسُ: لَا، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَيُحْكَى هَذَا عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ. تَنْبِيهٌ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ يُفِيدُ التَّوَقُّفُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْمَجْرُوحِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُصَنِّفُ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَيُقَدَّمُ) الْجَرْحُ أَيْ بَيِّنَتُهُ (عَلَى) بَيِّنَةِ (التَّعْدِيلِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْجَارِحِ أَكْثَرَ أَمْ لَا لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا، فَإِنَّ بَيِّنَةَ التَّعْدِيلِ ثَبَتَ أَمْرُهَا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَسْبَابِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَدَالَةِ وَخَفِيَ عَلَيْهَا مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْجَارِحِ مِنْ السَّبَبِ الَّتِي جَرَحَتْهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَقِّ وَبَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ. (فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ) بِكَسْرِ الدَّالِ بِخَطِّهِ (عَرَفْتُ سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 306 وَأَصْلَحَ قُدِّمَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ، وَقَدْ غَلِطَ.   [مغني المحتاج] وَأَصْلَحَ قُدِّمَ) قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْجَارِحِ لِأَنَّ مَعَهُ حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِجَرَيَانِ التَّوْبَةِ وَصَلَاحِ الْحَالِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجَارِحُ. تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إحْدَى مَسْأَلَتَيْنِ تُقَدَّمُ فِيهِمَا بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ، وَالثَّانِيَةُ: لَوْ جُرِحَ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِآخَرَ فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُ الْبَلَدَيْنِ، بَلْ لَوْ كَانَا فِي بَلَدٍ وَاخْتَلَفَ الزَّمَانُ فَكَذَلِكَ اهـ. وَحَاصِلُ الْأَمْرِ تَقْدِيمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ مَنْ جَرْحٍ أَوْ تَعْدِيلٍ. وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ فِي وَاقِعَةٍ ثُمَّ شَهِدَ فِي أُخْرَى وَطَالَ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ اسْتَبْعَدَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ طَلَبَ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ طُولَ الزَّمَنِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ، وَلَوْ عُدِّلَ فِي مَالٍ قَلِيلٍ هَلْ يَعْمَلُ بِذَلِكَ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ فِي شَهَادَتِهِ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتَجَزَّأُ؟ ، وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، فَمَنْ قُبِلَ فِي دِرْهَمٍ قُبِلَ فِي الْأَلْفِ، نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَلَوْ عُدِّلَ الشَّاهِدُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِشَهَادَتِهِ إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ، إذْ لَيْسَ هَذَا قَضَاءٌ بِعِلْمٍ، بَلْ بِبَيِّنَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ. (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ) (قَوْلُ) الْخَصْمِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ عَارِفٌ بِالتَّعْدِيلِ أَهْلٌ لِلْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ (هُوَ) أَيْ الشَّاهِدُ (عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ) عَلَيَّ فِي شَهَادَتِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِزْكَاءَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي التَّعْدِيلِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا مُقَابِلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَوْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، بَلْ اعْتِرَافُهُ بِعَدَالَتِهِ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ غَلِطَ. خَاتِمَةٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَمَنْعَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي قَبْلَ التَّزْكِيَةِ أَنْ يُفَرِّقَ شُهُودًا أَرْبَابَ تُهَمٍ أَوْ تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ لِخِفَّةِ عَقْلٍ وَجَدَهَا فِيهِمْ وَيَسْأَلُ كُلًّا مِنْهُمْ عَنْ زَمَانِ مَحِلِّ الشَّهَادَةِ عَامًا وَشَهْرًا وَيَوْمًا أَوْ غَدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً، وَعَمَّنْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ كُتِبَ بِحِبْرٍ أَوْ مِدَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيُسْتَدَلَّ عَلَى صِدْقِهِمْ إنْ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَإِلَّا فَيَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ، وَإِذَا أَجَابَهُ أَحَدُهُمْ لَمْ يَدَعْهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ حَتَّى يَسْأَلَهُمْ لِئَلَّا يُخْبِرَهُمْ بِجَوَابِهِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ التَّفْصِيلِ وَرَأَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ عُقُوبَةَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَعَظَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَفْصِلُوا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَبْقَى مِنْ رِيبَةٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ لَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِزْكَاءِ وَالْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 307 بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ هُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَ بَيِّنَةٌ.   [مغني المحتاج] يَرْتَبْ فِيهِمْ وَلَا تَوَهَّمَ غَلَطَهُمْ فَلَا يُفَرِّقْهُمْ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الْخَصْمُ تَفْرِيقَهُمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَضًّا مِنْهُمْ انْتَهَى. [بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ] (بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ وَتَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ وَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ إمَّا مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ أَوْ وَكِيلِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (هُوَ جَائِزٌ) بِشَرْطِهِ الْآتِي لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأَسْفِعِ - بِالْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ - مَالٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا، فَإِنَّا بَايِعُوا مَالَهُ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ: لَكِ أَنْ تَأْخُذِي، أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكِ أَوْ نَحْوَهُ، وَلَمْ يَقُلْ: خُذِي؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَقْطَعُ، فَلَمَّا قَطَعَ كَانَ حُكْمًا. كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدٌ الْمُبَايَعَةَ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي النَّفَقَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِفْتَاءً قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَلِّفْهَا، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومَ بِهِ لَهَا، وَلَمْ تَجْرِ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ، وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ أَنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَسْمُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْغَائِبِ، فَلْيَجِبْ الْحُكْمُ بِهَا كَالْبَيِّنَةِ الْمَسْمُوعَةِ عَلَى الْحَاضِرِ السَّاكِتِ، وَأَيْضًا فَالْحُكْمُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ جَائِزٌ، وَهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ إضَاعَةً لِلْحُقُوقِ الَّتِي نُدِبَ الْحُكَّامُ إلَى حِفْظِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْجِزُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْوَفَاءِ عَنْ الْغَيْبَةِ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْغَائِبِ مَا إذَا أَحْضَرَهُ الْمَجْلِسَ فَهَرَبَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَيَقْضِي بِهَا عَلَى الْغَائِبِ (إنْ) بَيَّنَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِي بِهِ وَقَدْرَهُ وَنَوْعَهُ وَوَصْفَهُ وَقَالَ: إنِّي طَالِبٌ بِحَقِّي وَ (كَانَ) لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ) وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يَقْضِي فِيهِ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لِقَصْدِ ثُبُوتِ الْحَقِّ، وَطَرِيقُهُ مَحْصُورَةٌ فِي إقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَالْأَوَّلَانِ مَفْقُودَانِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ كَلَامُهُ يُوهِمُ جَوَازَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ الْبَيِّنَةِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى. وَقَالَ: الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 308 وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ. وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ.   [مغني المحتاج] يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ لِيَشْمَلَ عِلْمُ الْقَاضِي الْوَاقِعَةَ إذَا سَوَّغْنَا الْحُكْمَ؛ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: (وَادَّعَى الْمُدَّعِي) عَلَى الْغَائِبِ (جُحُودَهُ) أَيْ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِالْجُحُودِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي جُحُودَهُ لِمَا كَانَ حَاضِرًا فَالْقَضَاءُ فِي الْحَالِ لَا يَرْتَبِطُ بِجُحُودِ مَاضٍ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْجُحُودِ. تَنْبِيهٌ: يَقُومُ مَقَامَ الْجُحُودِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا وَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً فَادَّعَى الثَّمَنَ عَلَى الْبَائِعِ الْغَائِبِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجُحُودَ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى جُحُودِهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ (فَإِنْ قَالَ هُوَ) أَيْ الْغَائِبُ (مُقِرٌّ) وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ لَغَتْ دَعْوَاهُ وَ (لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) لِتَصْرِيحِهِ بِالْمُنَافِي لِسَمَاعِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ. تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ أَرَادَ بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي بِذَلِكَ لِحَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ، فَلَوْ كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنِهِ لِيُوَفِّيَهُ الْقَاضِي حَقَّهُ سُمِعَتْ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ، وَزَادَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ صُوَرًا أُخَرَ. أَحَدُهَا: لَوْ قَالَ: هُوَ مُقِرٌّ وَلَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ وَحُكِمَ بِهَا. ثَانِيهَا: إذَا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ: أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَقُلْ هُوَ مُقِرٌّ الْآنَ بِخِلَافِ صُورَةِ الْقَفَّالِ؟ قُلْنَا: قَوْلُهُ: أَقَرَّ يَقْتَضِي دَوَامَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ إقْرَارٍ لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِقْلَالِ. ثَالِثُهَا: لَوْ كَانَ الْغَائِبُ لَا يَقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ هُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَكَذَا الْمُفْلِسُ يُقِرُّ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعِي فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَتَهُ لَا يَضُرُّهُ قَوْلُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى. قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُدَّعِي بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِجُحُودِ الْغَائِبِ وَلَا لِإِقْرَارِهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ بَيِّنَتُهُ (تُسْمَعُ) لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ، فَيَجْعَلُ غَيْبَتَهُ كَسُكُوتِهِ. وَالثَّانِي: لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي) (نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ) عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا. قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوَجُّهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 309 وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ إنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ.   [مغني المحتاج] وَعَدَمِهِ انْتَهَى، فَقَوْلُ ابْنِ الْمُقْرِي: أَنَّ نَصْبَهُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ. (وَيَجِبُ) عَلَى الْقَاضِي (أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ (بَعْدَ) إقَامَةِ (الْبَيِّنَةِ) أَيْ وَتَعْدِيلِهَا وَقَبْلَ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ (إنَّ الْحَقَّ) الَّذِي لِي عَلَى الْغَائِبِ (ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ) إلَى الْآنَ وَأَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا احْتِيَاطًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رُبَّمَا ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ مِنْهُ، هَذَا أَقَلُّ مَا يَكْفِي وَالْأَكْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا اعْتَاضَ، وَلَا اسْتَوْفَى، وَلَا أَحَالَ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ جِهَتِهِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ فَيُحَلِّفَهُ عَلَى ثُبُوتِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ وَوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ اهـ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذِكْرُ لُزُومِ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لِتَأْجِيلٍ وَنَحْوِهِ (وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ) تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ إنْ كَانَ لَهُ دَافِعٌ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ وُجُوبِ التَّحْلِيفِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ حَاضِرٌ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَمِّ الْيَمِينِ إلَى الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَيَجْرِيَانِ) هَذَانِ الْوَجْهَانِ (فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ) أَوْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّدَارُكِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي الْحَلِفِ طَلَبُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ. تَنْبِيهٌ قَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ هُنَا وَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ، فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ وَلِيِّهِمَا فَتَكُونُ الدَّعْوَى عَلَى الْوَلِيِّ. أَمَّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِمَا كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَيُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى الْيَمِينِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ التَّعَرُّضُ لِصِدْقِ الشُّهُودِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ هُنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّحْلِيفِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَأَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ فِي إلْحَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْغَائِبِ فِي الْحَلِفِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى الْمُتَوَارِي أَوْ الْمُتَعَزِّزِ لَا يَحْلِفُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي. فُرُوعٌ: لَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ أَوْ كَمُلَ النَّاقِصُ، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ مِنْ قَادِحٍ فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ مُعَارِضَةِ بَيِّنَتِهِ بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ أَمْ لَا، وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمٌ لِمُوَلِّيهِ شَيْئًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَيِّمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 310 وَلَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى غَائِبٍ فَلَا تَحْلِيفَ. وَلَوْ حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ.   [مغني المحتاج] شَخْصٍ آخَرَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ كَمَالِ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ ثُمَّ يَحْكُمَ لَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُمَا السُّبْكِيُّ، وَقَالَ: الْوَجْهُ أَنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ وَلَا يُنْتَظَرُ كَمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ ضَيَاعُ الْحَقِّ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى إنْسَانٍ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ. (وَلَوْ) (ادَّعَى وَكِيلٌ) عَنْ غَائِبٍ بِحَقٍّ (عَلَى غَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَقُلْنَا كَمَا سَبَقَ بِوُجُوبِ التَّحْلِيفِ بَعْدَهَا (فَلَا تَحْلِيفَ) عَلَى الْوَكِيلِ، بَلْ يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَا يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَلَوْ وَقَّفْنَا الْأَمْرَ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ لَانْجَرَّ الْأَمْرُ إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوَكَالَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَالٌ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ خِلَافُهُ إنْ كَانَ الْمَالُ فِي مَحِلِّ عَمَلِهِ، وَقَدْ يَحْمِلُ قَوْلَهُ هُنَاكَ عَلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَيَزُولُ الْإِشْكَالُ، ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ. فَقَالَ (وَلَوْ) (حَضَرَ) أَيْ كَانَ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) حَاضِرًا فَادَّعَى عَلَيْهِ وَكِيلُ شَخْصٍ غَائِبٍ بِحَقٍّ (وَ) أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ (قَالَ لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك) الْغَائِبُ عَمَّا ادَّعَيْته عَلَيَّ (أَمَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالتَّسْلِيمِ) لِلْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْوَكِيلِ وَلَا يُؤَخِّرُ الْحَقَّ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ، وَيُمْكِنُ ثُبُوتُ الْإِبْرَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ حُجَّةٌ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ الصَّبِيِّ دَيْنًا لِلصَّبِيِّ. فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَدَّعِيهِ مَا هُوَ قَضَاءٌ لِدَيْنِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ مَا أَثْبَتَهُ الْقَيِّمُ، بَلْ يَقْضِيهِ فِي الْحَالِ، وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِتْلَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ كَمَالِ الْمُدَّعَى لَهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ قَيِّمَ الصَّبِيِّ ادَّعَى دَيْنًا لَهُ عَلَى حَاضِرٍ رَشِيدٍ اعْتَرَفَ بِهِ، وَلَكِنْ ادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطِ صَدْرٍ مِنْ الصَّبِيِّ، وَهُوَ إتْلَافُهُ فَلَا يُؤَخِّرُ الِاسْتِيفَاءَ لِلْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَمَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَقَامَ قَيِّمُ الطِّفْلِ بَيِّنَةً وَقُلْنَا بِوُجُوبِ التَّحْلِيفِ فَيَنْظُرُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطِّفْلِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَائِبٍ وَمَجْنُونٍ لَا يُعْمَلُ بِهَا حَتَّى يَحْلِفَ مُقِيمُهَا عَلَى الْمُسْقِطَاتِ الَّتِي يَتَصَوَّرُ دَعْوَاهَا مِنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ فَلَمْ تَتِمَّ الْحُجَّةُ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ وَحْدَهَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ. تَنْبِيهٌ لَوْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الْوَكِيلِ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُوَكِّلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْحَقِّ. أُجِيبَ إلَيْهِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 311 وَإِذَا ثَبَتَ مَالٌ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُ مَالٌ قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ فَيُنْهِي سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ، أَوْ حُكْمًا لِيَسْتَوْفِيَ.   [مغني المحتاج] لَا يَحْلِفُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْلِيفِهِ هُنَا تَحْلِيفُهُ ثَمَّ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ هُنَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ يَقْتَضِي اعْتِرَافُهُ بِهِ سُقُوطَ مُطَالَبَتِهِ لِخُرُوجِهِ بِاعْتِرَافِهِ فِيهَا عَنْ الْوَكَالَةِ فِي الْخُصُومَةِ بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ، فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْوَكِيلِ، وَفِي مَعْنَى الْإِبْرَاءِ دَعْوَى عِلْمِهِ بِالْوَفَاءِ وَنَحْوِهِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَنْتَ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَلِي عَلَيْهِ كَذَا وَادَّعَى عَلَيْكَ وَأُقِيمَ بِهِ بَيِّنَةٌ فَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ وَكِيلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لَهُ فَكَيْفَ تُقَامُ بَيِّنَةٌ بِهَا قَبْلَ دَعْوَاهُ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَرَادَ أَنْ لَا يُخَاصِمَ فَلْيَعْزِلْ نَفْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي وَكِيلٌ وَلَا يَقُولُ: لَسْتُ بِوَكِيلٍ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لِبَيِّنَةٍ قَدْ تَقُومُ عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ. (وَإِذَا) (ثَبَتَ) عِنْدَ حَاكِمٍ (مَالٌ عَلَى غَائِبٍ) وَحَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ (وَلَهُ مَالٌ) حَاضِرٌ وَطَلَبَهُ الْمُدَّعِي (قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَامْتَنَعَ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْضِيه وَلَا يُطَالِبُ بِكَفِيلٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدَّفْعِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ (فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ) مِنْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ أَوْ سَأَلَ إنْهَاءَ حُكْمٍ (إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ) لِذَلِكَ إنْ عَلِمَ مَكَانَ الْغَائِبِ مُسَارَعَةً إلَى قَضَاءِ الْحُقُوقِ (فَيُنْهِي) إلَيْهِ (سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ الْمَالَ) وَيَكْتُبُ فِي صِفَةِ إنْهَائِهَا: سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَادِلَةً قَامَتْ عِنْدِي بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَأَحْكُمُ بِهَا وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِبُعْدِ الْمَسَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ) يُنْهِي إلَيْهِ (حُكْمًا) إنْ حَكَمَ (لِيَسْتَوْفِيَ) الْمَالَ، وَيُكْتَبُ فِي إنْهَاءِ الْحُكْمِ: قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَى فُلَانٍ لِفُلَانٍ بِكَذَا وَحَكَمْتُ لَهُ بِهِ فَاسْتَوْفِ حَقَّهُ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو لِذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي بَلَدٍ وَخَصْمُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُهُ حَمْلُهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ وَلَا حَمْلُ الْخَصْمِ إلَى بَلَدِ الْبَيِّنَةِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بُعْدُ الْمَسَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي. تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ لِإِنْهَاءِ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الْأُولَى: سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ. وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُ الْحَاكِمِ: ثَبَتَ عِنْدِي وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْأُولَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَالثَّالِثَةُ: الْحُكْمُ بِالْحَقِّ وَهُوَ أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ وَتَسْتَلْزِمُ مَا قَبْلَهَا، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يُرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحُكْمُ هُوَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَإِذًا تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ بِمُحَرَّرٍ، وَقَوْلُهُ: إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مُعَيَّنًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 312 وَالْإِنْهَاءُ أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمُهُ،   [مغني المحتاج] إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ كَتَبَ لِمُعَيَّنٍ فَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ عِنْدَ غَيْرِهِ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَأَمْضَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: سَمَاعُ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ وَلَمْ يُعَدِّلْهَا وَفَوَّضَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَيُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَكَتَبَ لِيَقْضِيَ لَهُ بِمُوجِبِ عِلْمِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعُدَّةِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ هُوَ كَالشَّاهِدِ، وَالشَّهَادَةُ لَا تَتَأَدَّى بِالْكِتَابَةِ، وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ جَوَازُهُ، وَيَقْضِي بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا جَوَّزْنَا الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ عِلْمِهِ إخْبَارٌ عَنْ قِيَامِ الْحُجَّةِ فَلْيَكُنْ كَإِخْبَارِهِ عَنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ فِي الْعُدَّةِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ اهـ. وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُنَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْمُقْرِي عَكْسَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ، وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ. (وَالْإِنْهَاءُ: أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ) أَيْ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ خَاصَّةً، أَوْ بِالْحُكْمِ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ يُؤَدِّيَانِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرَ، وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا وَلَكِنْ أَنْشَأَ الْحُكْمَ بِحُضُورِهِمَا فَلَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَيُسْتَحَبُّ) مَعَ الْإِشْهَادِ (كِتَابٌ بِهِ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَفَائِدَةُ الْكِتَابِ لِيَذْكُرَ الشَّاهِدُ الْحَالَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَاهُ (يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ) وَالْمَحْكُومُ لَهُ مِنْ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكُنْيَتِهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِلْيَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِيَسْهُلَ التَّمْيِيزُ، وَيَذْكُرُ أَسْمَاءَ شُهُودِ الْكِتَابِ وَتَارِيخِهِ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْغَائِبُ بَدَلَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِيَتَنَاوَلَ الثُّبُوتَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْحُكْمِ (وَيَخْتِمُهُ) أَيْ الْكِتَابَ نَدْبًا حِفْظًا لِلْكِتَابَةِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَخَتْمُ الْكِتَابِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ شَارِحُ الْبُخَارِيِّ رَوَى الْبُخَارِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ، فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» ، وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ خَوْفًا عَلَى كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ، وَيَكُونُ الْخَتْمُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّاهِدِ بِحَضْرَتِهِ، وَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمَا أَنِّي كَتَبْتُ إلَى فُلَانٍ بِمَا سَمِعْتُمَا، وَيَضَعَانِ خَطَّهُمَا فِيهِ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي وَأَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَيَدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ نُسْخَةً أُخْرَى بِلَا خَتْمٍ لِيُطَالِعَاهَا، وَيَتَذَاكَرَا عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَمِنْ صِفَةِ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ - عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ - فُلَانٌ، وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِكَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ هُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقَدْ عُدِّلَا عِنْدِي وَحَلَّفْتُ الْمُدَّعِي وَحَكَمْتُ لَهُ بِالْمَالِ فَسَأَلَنِي أَنْ أُكْتَبَ إلَيْكَ فِي ذَلِكَ فَأَجَبْتُهُ وَأَشْهَدْتُ بِالْكِتَابِ فُلَانًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 313 وَيَشْهَدَانِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ، فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا فَقَالَ لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنْ كَانَ أُحْضِرَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ وَتُرِكَ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَى الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا.   [مغني المحتاج] وَفُلَانًا، وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي الْعِنْوَانِ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَلَدَ الْغَائِبِ كَتَبَ الْكِتَابَ مُطْلَقًا إلَى كُلِّ مَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ مَنْ بَلَغَهُ عَمِلَ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي شُهُودِ الْكِتَابِ وَالْحُكْمِ ظُهُورُ عَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَلَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِتَعْدِيلِ الْكَاتِبِ إيَّاهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا حَمَلَا الْكِتَابَ إلَى بَلَدِ الْغَائِبِ أَخْرَجَاهُ إلَيْهِ لِيَقِفَ عَلَى مَا فِيهِ (وَيَشْهَدَانِ) عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ مِنْ الْحُكْمِ، أَوْ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْحُكْمِ (إنْ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ الْمُحْضَرُ لِلْقَاضِي الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) اعْتَرَفَ بِهِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، وَ (فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي) هَذَا (الْكِتَابِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُسَمَّى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِنَفْسِهِ وَالْأَصْلُ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ، وَلَا يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ اللُّزُومِ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ. نَعَمْ إنْ أَجَابَ بِلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ وَأَرَادَ الْحَلِفَ عَلَيْهِ مُكِّنَ (وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُفِيدُ إنْكَارُهُ، وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى عَيْنِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ حُكِمَ عَلَيْهِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ يَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، وَلَا يُبَالَغُ فِي الْبَحْثِ وَالِاسْتِزْكَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ (فَإِنْ أَقَامَهَا) أَيْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ الْمَكْتُوبَ فِي الْكِتَابِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَسَبُهُ (فَقَالَ) الْغَائِبُ صَحِيحٌ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، لَكِنْ (لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ) بِهَذَا الْحَقِّ (لَزِمَهُ الْحُكْمُ) بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ يُتَلَفَّتْ لِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) شَخْصٌ آخَرُ (مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ) الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَعَ الْإِشْكَالُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَإِنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ عَاصَرَهُ وَكَانَ حَاضِرًا (أُحْضِرَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ) الْمُشَارِكُ لَهُ (بِالْحَقِّ طُولِبَ) بِهِ (وَتُرِكَ الْأَوَّلُ) لِبَيَانِ أَنَّ الْغَلَطَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي، وَإِلَّا فَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَا إذَا كَذَبَ الْمُقِرُّ لَهُ وَقَدْ سَبَقْتُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْمُشَارِكُ لَهُ بِالْحَقِّ (بَعَثَ) الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَى) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ) أَيْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ (وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا) وَيُنْهِيهَا لِبَلَدِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زِيَادَةً عَلَى الصِّفَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَنْكَشِفَ بِتَمْيِيزِ شُهُودِ الْأَصْلِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 314 وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إمْضَائِهِ إذَا عَادَ إلَى وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا أَمْضَاهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ كَتَبَ سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ، وَيُسَمِّيهَا الْقَاضِي إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُعَاصَرَةِ إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى كِتَابَةِ الصِّفَةِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ مُسْتَأْنَفٍ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الزَّائِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِدَعْوَى وَحَلِفٍ. (وَلَوْ) (حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ) لِلْمُدَّعِي الْحَاضِرِ (فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ) عَلَى الْغَائِبِ (فَفِي إمْضَائِهِ) أَيْ تَنْفِيذِهِ (إذَا عَادَ إلَى) مَحِلِّ (وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) وَقَدْ مَرَّ فَيَحْكُمُ، وَخَرَجَ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا فِي غَيْرِ بَلَدِهِمَا وَأَخْبَرَهُ بِحُكْمِهِ فَلَيْسَ لَهُ إمْضَاؤُهُ إذَا عَادَ لِمَحِلِّ وِلَايَتِهِ، وَبِحُكْمِهِ مَا لَوْ شَافَهَهُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ فَلَا يَقْضِي بِهَا إذَا عَادَ إلَى مَحِلِّ وِلَايَتِهِ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هُنَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي مَحِلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا يَحْصُلُ لِلسَّامِعِ بِهِ عِلْمٌ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِلْإِنْشَاءِ فِي تَخْرِيجِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، بِخِلَافِ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ لَا يُحَصِّلُ عِلْمًا بِوُقُوعِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَسْلُكَ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ، فَاخْتَصَّ سَمَاعُهَا بِمَحِلِّ الْوِلَايَةِ (وَلَوْ نَادَاهُ) وَهُمَا كَائِنَانِ (فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا) أَيْ قَالَ قَاضِي بَلَدِ الْحَاضِرِ وَهُوَ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ لِقَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ فِي طَرَفِ وِلَايَتِهِ حَكَمْتُ بِكَذَا عَلَى فُلَانٍ الَّذِي بِبَلَدِكَ (أَمْضَاهُ) أَيْ نَفَّذَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْكِتَابَةِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضِيَانِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: إنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا فَإِنَّهُ يُمْضِيهِ إذَا أَخْبَرَهُ بِهِ نَائِبُهُ فِي الْبَلَدِ وَعَكْسِهِ (وَإِنْ اقْتَصَرَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ) بِلَا حُكْمٍ (كَتَبَ) بِهَا إلَى بَلَدِ الْغَائِبِ فَيَقُولُ فِي كِتَابِهِ لَهُ (سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ) ابْنِ فُلَانٍ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ بِهِ بِكَذَا وَكَذَا لِيَتَوَلَّى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحُكْمَ عَلَيْهِ (وَيُسَمِّيهَا الْقَاضِي) الْكَاتِبُ حَتْمًا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهَا (إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا) لِيَبْحَثَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَنْ عَدَالَتِهَا وَغَيْرِهَا حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَدَّلَهَا (فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ) لِلْبَيِّنَةِ وَيَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ اكْتِفَاءً بِتَعْدِيلِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لَهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ تَعْدِيلِهَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ، وَصَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا يُسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا يَقْضِي بِقَوْلِهِمْ. تَنْبِيهٌ لَوْ أَقَامَ الْخَصْمُ بَيِّنَةً بِجَرْحِ الشُّهُودِ قُدِّمَتْ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ، وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الِاسْتِمْهَالُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيُقِيمَ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي أَوْ قَضَيْتُ الْحَقَّ وَاسْتُمْهِلَ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَذْهَبَ إلَى بَلَدِهِمْ وَأَجْرَحَهُمْ فَإِنِّي لَا أَتَمَكَّنُ مِنْ جَرْحِهِمْ إلَّا هُنَاكَ، أَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ هُنَاكَ دَافِعَةٌ لَمْ يُمْهَلْ، بَلْ يُؤْخَذُ الْحَقُّ مِنْهُ، فَإِنْ أَثْبَتَ جَرْحًا أَوْ دَفْعًا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 315 وَالْكِتَابُ بِالْحُكْمِ يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ. [فَصْلٌ] ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ سَمِعَ بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلْمُدَّعِي وَيَعْتَمِدُ فِي الْعَقَارِ حُدُودَهُ.   [مغني المحتاج] اسْتَرَدَّ، وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ حَيْثُ الْحُجَّةُ شَاهِدَانِ، فَإِذَا كَانَتْ شَاهِدًا وَيَمِينًا أَوْ يَمِينًا مَرْدُودَةً وَجَبَ بَيَانُهَا، فَقَدْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عِنْدَ الْمَنْهِيِّ إلَيْهِ (وَالْكِتَابُ) أَوْ الْإِنْهَاءُ بِدُونِهِ (بِالْحُكْمِ) (يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ) وَبُعْدِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ لِفَهْمِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَ) الْكِتَابُ (بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ) فَقَطْ (لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ) وَهِيَ كَمَا سَيَأْتِي مَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى الْمُعْتَبَرَةِ بِأَنَّهَا الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا الْمُبَكِّرُ لِمَوْضِعِهِ لَيْلًا لَا الْمُعْتَبَرَةُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالثَّانِي يُقْبَلُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ أَيْضًا، وَفَارَقَ عَلَى الْأَوَّلِ الْإِنْهَاءَ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الِاسْتِيفَاءُ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْحُجَّةِ، إذْ يَسْهُلُ اخْتِصَارُهَا مَعَ الْقُرْبِ وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَسَافَةِ بِمَا بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ، لَا بِمَا بَيْنَ الْقَاضِي الْمَنْهِيِّ وَالْغَرِيمِ. [فَصَلِّ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا] [فَصْلٌ] فِي بَيَانِ الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا. إذَا (ادَّعَى) عِنْدَ قَاضٍ (عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ لَا (يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا) بِغَيْرِهَا (كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ) بِالشُّهْرَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ كَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ بِمَعْرُوفِينَ بِتَغْلِيبِ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى، وَلَكِنَّهُ غَلَّبَ غَيْرَ الْعَاقِلِ الْأَكْثَرِ عَلَى الْعَاقِلِ الْأَقَلِّ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ الْمُقَدَّرِ قَوْلُهُ (سَمِعَ) الْقَاضِي (بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ) بِذَلِكَ (إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ (لِلْمُدَّعِي) بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا فَرْقَ فِي مَسَائِلِ الْفَصْلِ بَيْنَ حُضُورِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَغَيْبَتِهِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ نَظَرًا لَغَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي أَوْ خَارِجًا عَنْهَا كَمَا أَنَّ قَضَاءَهُ يَنْفُذُ عَلَى الْخَارِجِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِنَسَبِهِ وَصِفَتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ بِحَقَائِقِ الْقَضَاءِ: قَاضِي قَرْيَةٍ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى بِقَاعِ الدُّنْيَا فِي دَائِرَةِ الْآفَاقِ وَيَقْضِي عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا (وَيَعْتَمِدُ) الْمُدَّعِي (فِي) دَعْوَى (الْعَقَارِ) الَّذِي لَمْ يُشْتَهَرْ (حُدُودَهُ) الْأَرْبَعَةَ لِيَتَمَيَّزَ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ ذِكْرِ حُدُودِهِ كُلِّهَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَإِلَّا اكْتَفَى بِمَا يُعْلَمُ بِهِ مِنْهَا كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 316 أَوْ لَا يُؤْمَنُ فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَيُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي الْوَصْفِ وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ، وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ فَيَأْخُذُهُ وَيَبْعَثُهُ إلَى الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ،   [مغني المحتاج] يُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ، وَيَجِبُ ذِكْرُ الْبُقْعَةِ وَالسِّكَّةِ، وَهَلْ هُوَ فِي أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا أَوْ وَسَطِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْعَقَارُ، وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِدُونِهَا، هَذَا كُلُّهُ إذَا تَوَقَّفَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْحُدُودِ، فَلَوْ حَصَلَ التَّعْرِيفُ بِاسْمٍ وُضِعَ لَهَا لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا كَدَارِ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ كَفَى كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الدَّعَاوَى. وَإِنْ ادَّعَى أَشْجَارًا فِي بُسْتَانٍ ذَكَرَ حُدُودَهُ الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ بِدُونِهَا، وَعَدَدَ الْأَشْجَارِ وَمَحَلَّهَا مِنْ الْبُسْتَانِ وَمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَالضَّابِطُ التَّمْيِيزُ (أَوْ) كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ (لَا يُؤْمَنُ) اشْتِبَاهُهَا كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا (فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ) عَلَى صِفَتِهَا مَعَ غَيْبَتِهَا، وَهِيَ غَائِبَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا كَالْعَقَارِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ تَتَشَابَهُ (وَ) عَلَى الْأَظْهَرِ (يُبَالِغُ الْمُدَّعِي فِي) اسْتِقْصَاءِ (الْوَصْفِ) لِلْمُدَّعَى بِهِ الْمِثْلِيِّ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ (وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ) فِي الْمُتَقَوِّمِ وُجُوبًا فِيهِمَا، وَيُنْدَبُ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ الْمِثْلِيَّ وَأَنْ يُبَالِغَ فِي وَصْفِ الْمُتَقَوِّمِ. تَنْبِيهٌ مَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا، وَمَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الدَّعَاوَى مِنْ وُجُوبِ وَصْفِ الْعَيْنِ بِصِفَةِ السَّلَمِ دُونَ قِيمَتِهَا مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً هُوَ فِي عَيْنٍ حَاضِرَةٍ بِالْبَلَدِ يُمْكِنُ إحْضَارُهَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ كَلَامَهُمَا هُنَا يُخَالِفُ مَا فِي الدَّعَاوَى، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَعَ اعْتِمَادِهِ مَا فِي الدَّعَاوَى كَلَامُ الْمَتْنِ فِي غَيْرِ النَّقْدِ. أَمَّا هُوَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّحَّةِ وَالتَّكْسِيرِ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ) إذَا سَمِعَ بَيِّنَةَ الصِّفَةِ (لَا يَحْكُمُ بِهَا) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَعَ خَطَرِ الِاشْتِبَاهِ وَالْجَهَالَةِ بَعِيدٌ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِهَا. تَنْبِيهٌ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ: أَيْ إذَا قُلْنَا بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، فَفِي الْحُكْمِ بِهَا قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يَحْكُمُ بِهَا لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يَحْكُمُ وَلَا نَظَرَ إلَى خَطَرِ الِاشْتِبَاهِ. ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَظْهَرِ فَقَالَ (بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ) تِلْكَ الْبَيِّنَةُ (بِهِ فَيَأْخُذُهُ) أَيْ يَنْزِعُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا وَجَدَهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْكِتَابُ (وَيَبْعَثُهُ إلَى) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا) أَيْ الشُّهُودُ أَوَّلًا (عَلَى عَيْنِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ لِيَحْصُلَ الْيَقِينُ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ تَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِسَمَاعِ بَيِّنَةِ الصِّفَةِ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَكْتُبُ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ مُجَرَّدِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَوْ مَعَ الْحُكْمِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 317 وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُدَّعِي بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ. أَوْ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ أُمِرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ،   [مغني المحتاج] طَرِيقِهِ قَوْلَانِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ (يُسَلِّمُهُ إلَى الْمُدَّعِي) بَعْدَ أَنْ يُحَلِّفَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّ الْمَالَ هُوَ الَّذِي شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ (بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي احْتِيَاطًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى إذَا لَمْ تُعِينُهُ الْبَيِّنَةُ طُولِبَ بِرَدِّهِ، وَقِيلَ: لَا يَكْفُلُهُ بِبَدَنِهِ، بَلْ يَكْفُلُهُ بِقِيمَةِ الْمَالِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى الْعَيْنِ حِينَ تَسْلِيمِهَا بِخَتْمٍ لَازِمٍ لِئَلَّا تُبَدَّلَ بِمَا يَقَعُ بِهِ اللَّبْسُ عَلَى الشُّهُودِ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا جَعَلَ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةً وَخَتَمَ عَلَيْهَا، وَأَخْذُ الْكَفِيلِ وَاجِبٌ، وَالْخَتْمُ مُسْتَحَبٌّ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخَتْمِ أَنْ لَا تُبَدَّلَ الْمَأْخُوذَةُ، فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِأَمَةٍ تَحْرُمُ خَلْوَةُ الْمُدَّعِي بِهَا بَعَثَهَا مَعَ أَمِينٍ فِي الرُّفْقَةِ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِعَيْنِهَا. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْبَعْثِ حَيْثُ لَمْ يُبْدِ الْخَصْمُ دَافِعًا، فَإِنْ أَبْدَاهُ بِأَنْ أَظْهَرَ عَيْنًا أُخْرَى مُشَارِكَةً فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) ذَهَبَ الشُّهُودُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَ (شَهِدُوا) عِنْدَهُ (بِعَيْنِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ حَكَمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَ (كَتَبَ) إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ (بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إرْسَالِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ (فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْمُدَّعَى بِهِ وَالْإِحْضَارُ لَهُ إلَى مَكَانِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَلِهَذَا كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَتُهُ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ إنْ كَانَتْ لَهُ مَنْفَعَةٌ كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَ مَنْفَعَتَهُ عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. (أَوْ) كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا (غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ) لِلْحُكْمِ (لَا) عَنْ (الْبَلَدِ) (أُمِرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ - أَيْ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَصْمَ أَوْ مَنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ (بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ) أَيْ يَسْهُلُ (إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ) أَيْ عَلَيْهَا لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ بُعْدُ الْمَسَافَةِ وَكَثْرَةُ الْمَشَقَّةِ. أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ كَالْعَقَارِ فَيَحُدُّهُ الْمُدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِتِلْكَ الْحُدُودِ، فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ: نَعْرِفُ الْعَقَارَ بِعَيْنِهِ وَلَا نَعْرِفُ الْحُدُودَ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ يَحْضُرُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِالْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّعْوَى حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا. هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَقَارُ مَشْهُورًا بِالْبَلَدِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَحْدِيدِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا مَا يَعْسُرُ إحْضَارُهُ كَالشَّيْءِ الثَّقِيلِ أَوْ مَا أُثْبِتَ فِي الْأَرْضِ أَوْ رُكِّزَ فِي الْجِدَارِ وَأَوْرَثَ قَلْعُهُ ضَرَرًا فَكَالْعَقَارِ، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِتَيَسُّرِ إحْضَارِهِ دُونَ الْإِمْكَانِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ وُجُوبَ الْإِحْضَارِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مَشْهُودَةً لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إحْضَارِهَا، وَكَذَا إذَا عَرَفَهَا الْقَاضِي وَحَكَمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 318 وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ. وَإِذَا وَجَبَ إحْضَارٌ فَقَالَ لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ فَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً كُلِّفَ الْإِحْضَارَ وَحُبِسَ عَلَيْهِ وَلَا يُطْلَقُ إلَّا بِإِحْضَارِ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ، وَلَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي هَلْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةً أَمْ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ، أَنَّ الْغَائِبَةَ عَنْ الْبَلَدِ لَا يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا وَإِنْ قَرُبَتْ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْغَائِبَةُ عَنْ الْبَلَدِ بِمَوْضِعٍ يَجِبُ الْإِعْدَاءُ إلَيْهِ كَاَلَّتِي فِي الْبَلَدِ لِاشْتِرَاكِ الْحَالَيْنِ فِي إيجَابِ الْحُضُورِ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ (وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ) لِعَيْنٍ غَائِبَةٍ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَإِنْ سُمِعَتْ الدَّعْوَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ السَّمَاعُ حَالَ غَيْبَتِهَا عَنْ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا كَمَا لَا تُسْمَعُ فِي غَيَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ، بَلْ إنْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا أُمِرَ بِإِحْضَارِهَا لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهَا إنْ أَقَرَّ بِاشْتِمَالِ يَدِهِ عَلَيْهَا، وَحَيْثُ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ بِالْوَصْفِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ. تَنْبِيهٌ مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ عَدَمِ السَّمَاعِ بِالصِّفَةِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ غَصَبَ عَبْدًا بِصِفَةِ كَذَا فَمَاتَ الْعَبْدُ اسْتَحَقَّ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ قِيمَتَهُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهَذَا مَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ لِصَاحِبِ الْعُدَّةِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمَا الْأَوَّلِ. (وَإِذَا) (وَجَبَ إحْضَارُ) الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ (فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ) (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عَيْنٍ تَحْتَ يَدِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ يَجُوزُ (لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا هَلَكَتْ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ إنَّمَا يَدَّعِي الْقِيمَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ادَّعَى الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ يُضْمَنُ بِهِ (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (فَحَلَفَ الْمُدَّعِي، أَوْ) لَمْ يَنْكُلْ، بَلْ (أَقَامَ) الْمُدَّعِي (بَيِّنَةً) حِينَ إنْكَارِهِ بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْصُوفَةَ كَانَتْ بِيَدِهِ (كُلِّفَ الْإِحْضَارَ) لِلْمُدَّعَى بِهِ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا سَبَقَ (وَ) إنْ امْتَنَعَ وَلَمْ يُبْدِ عُذْرًا (حُبِسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْإِحْضَارِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ (وَلَا يُطْلَقُ) مِنْ الْحَبْسِ (إلَّا بِإِحْضَارِ) الْمُدَّعَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا حُبِسَ عَلَيْهِ (أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ) لَهُ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ نَاقَضَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَقْبَلْ قَوْلَهُ لَخَلَدَ عَلَيْهِ الْحَبْسُ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا أَطْلَقَ دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ أَسْنَدَهَا إلَى جِهَةٍ خَفِيَّةٍ كَسَرِقَةٍ. أَمَّا لَوْ أَسْنَدَهَا إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَكْلِيفُهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ بِهِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ جَزَمَ بِالدَّعْوَى (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي) عَلَى مَنْ غَصَبَ عَيْنًا مِنْهُ - أَيْ تَرَدَّدَ - بِأَنْ تَسَاوَى عِنْدَهُ الطَّرَفَانِ أَوْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا (هَلْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ) الْمُدَّعَى بِهَا (فَيَدَّعِي قِيمَةَ) عَيْنِهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، أَوْ مِثْلًا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً (أَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 319 لَا فَيَدَّعِيهَا فَقَالَ غَصَبَ مِنِّي كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَقِيلَ لَا بَلْ يَدَّعِيهَا وَيُحَلِّفُهُ ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتَهُ أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِحْضَارَ فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُدَّعِي. [فَصْلٌ] الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ   [مغني المحتاج] لَا فَيَدَّعِيهَا) أَيْ الْعَيْنَ نَفْسَهَا (فَقَالَ) فِي صِفَةِ دَعْوَاهُ (غَصَبَ مِنِّي) فُلَانٌ (كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ) إلَيَّ (وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا يَلْزَمُهُ (سُمِعَتْ دَعْوَاهُ) مَعَ التَّرَدُّدِ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ إنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ وَلَا بَدَلُهَا، فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى التَّرَدُّدِ أَوْ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ (وَقِيلَ: لَا) تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَلَى التَّرَدُّدِ (بَلْ يَدَّعِيهَا) أَيْ الْعَيْنَ (وَيُحَلِّفُهُ) عَلَيْهَا (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (يَدَّعِي الْقِيمَةَ) أَوْ الْمِثْلَ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ هَذَانِ الْوَجْهَانِ (فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ) فَطَالَبَهُ بِهِ (فَجَحَدَهُ) الدَّلَّالُ (وَشَكَّ) الدَّافِعُ (هَلْ بَاعَهُ) الدَّلَّالُ (فَيَطْلُبُ) مِنْهُ (الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتَهُ) يَطْلُبُهَا (أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ) مِنْهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ يَدَّعِي عَلَى الدَّلَّالِ رَدَّ الثَّوْبِ أَوْ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ أَتْلَفَهُ، وَيَحْلِفُ الْخَصْمُ يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُ الثَّوْبِ وَلَا ثَمَنِهِ وَلَا قِيمَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي يَدَّعِي الْعَيْنَ فِي دَعْوَى، وَالثَّمَنَ فِي أُخْرَى، وَالْقِيمَةَ فِي أُخْرَى، فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى التَّرَدُّدِ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ الدَّلَّالُ بَاعَهُ، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ، وَالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ جَامِعَةً لِذَلِكَ، وَالْقَاضِي إنَّمَا سَمِعَ الدَّعْوَى الْمُتَرَدِّدَةَ حَيْثُ اقْتَضَتْ الْإِلْزَامَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ أَتَى بِبَقِيَّةِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمْ يَسْمَعْهَا الْحَاكِمُ، فَإِنَّ فِيهَا مَا لَا إلْزَامَ بِهِ، قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (وَ) إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ عَنْ الْمَجْلِسِ (حَيْثُ أَوْجَبْنَا) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْإِحْضَارَ) لِلْمُدَّعَى بِهِ فَأَحْضَرَهُ (فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي) (اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ) أَيْ الْإِحْضَارِ (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِتَعَدِّيهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُدَّعِي (فَهِيَ) أَيْ مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْمَالِ إلَى مَحَلِّهِ (عَلَى الْمُدَّعِي) لِتَعَدِّيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ، بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي الطَّرِيقِ بِانْهِدَامِ دَارٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُدَّعِي بِلَا خِلَافٍ. [فَصَلِّ ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ] [فَصْلٌ] فِي ضَابِطِ الْغَائِبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ غَيْبَتِهِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ) عَلَيْهِ (وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ) بِمُوجَبِهَا (مَنْ) هُوَ كَائِنٌ (بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 320 الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا، وَقِيلَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَيُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّرِهِ. وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَمَنْعُهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَسْتَعِدْهَا   [مغني المحتاج] الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ) الَّذِي بَكَّرَ مِنْهُ (لَيْلًا) بَعْدَ فَرَاغِ الْمُحَاكِمِ كَمَا بَيَّنَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَا فِي إيجَابِ الْحُضُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ بِمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ فِي اللَّيْلِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْهَا، يَعُودُ عَلَى الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ وَالْمَسَافَةُ الْبَعِيدَةُ لَيْسَتْ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا، بَلْ الَّتِي لَا يَصِلُ إلَيْهَا لَيْلًا مَنْ يَخْرُجُ بُكْرَةً مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى بَلَدِ الْحَاكِمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ قَالَ: مُبَكِّرٌ مِنْهَا لَاسْتَقَامَ، وَهُوَ مُرَادُهُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: لَيْلًا يُرِيدُ أَوَائِلَ اللَّيْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَنْتَهِي بِهِ سَفَرُ النَّاسِ غَالِبًا (وَقِيلَ) هِيَ (مَسَافَةُ قَصْرٍ) ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ (وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ) وَهِيَ دُونَ الْبَعِيدَةِ بِوَجْهَيْهَا بِحُكْمِهِ (كَحَاضِرٍ) فِي الْبَلَدِ (فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ) عَلَيْهِ (وَ) لَا (يُحْكَمُ) عَلَيْهِ (بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّرِهِ) وَعَجْزُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ عَنْ إحْضَارِهِ بِنَفْسِهِ وَبِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ وَبِغَيْرِ نَصْبِ وَكِيلٍ يُنْكِرُ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ كَالْغَائِبِ وَإِلَّا لَاتَّخَذَ النَّاسُ ذَرِيعَةً إلَى إبْطَالِ الْحَقِّ، وَهَلْ يَحْلِفُ لَهُ الْمُدَّعِي يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ كَالْغَائِبِ أَوْ لَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْحُضُورِ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ هَذَا احْتِيَاطٌ لِلْقَضَاءِ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِالثَّانِي، وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْخَارِجُ عَنْ الْبَلَدِ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَالْبُعْدُ وَالْقُرْبُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَيَجُوزُ أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَيُحْكَمَ وَيُكَاتَبَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَالْأَظْهَرُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَشْهُورِ (جَوَازُ) (الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي) عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ نَحْوِ (قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ الْمَالَ (وَمَنْعُهُ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى) أَوْ تَعْزِيرٍ لَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالدَّرْءِ لِاسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّضْيِيقِ لِاحْتِيَاجِهِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْعَى فِي دَفْعِهِ وَلَا يُوَسَّعُ بَابُهُ، وَالثَّالِثُ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَالْأَمْوَالِ، وَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِآدَمِيٍّ كَالسَّرِقَةِ يُقْضَى فِيهَا عَلَى الْغَائِبِ بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةِ كَحَقِّ الْآدَمِيِّ. (وَلَوْ) (سَمِعَ) قَاضٍ (بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ) أَوْ عَلَى صَبِيٍّ فَبَلَغَ عَاقِلًا أَوْ عَلَى مَجْنُونٍ فَأَفَاقَ (قَبْلَ الْحُكْمِ) فِي الْجَمِيعِ (لَمْ يَسْتَعِدْهَا) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعِيدَهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْأَصْلِ إذَا حَضَرُوا بَعْدَ شَهَادَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ، وَقَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَلٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 321 بَلْ يُخْبِرُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ جَرْحٍ. وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ وُلِّيَ وَجَبَتْ الِاسْتِعَادَةُ. وَإِذَا اُسْتُعْدِيَ عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ أَحْضَرَهُ   [مغني المحتاج] وَلَا حُكْمَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ (بَلْ يُخْبِرُهُ) أَيْ مَنْ ذُكِرَ بِالْحَالِ (وَيُمَكِّنُهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (مِنْ جَرْحٍ) فِيهَا وَمَا يَمْنَعُ شَهَادَتَهَا عَلَيْهِ كَعَدَاوَةٍ وَيُمْهَلُ لِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَأَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ، فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ، وَالْجَرْحُ يَوْمَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الْجَرْحَ اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا قَالَاهُ وَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ يَوْمَ الشَّهَادَةِ، بَلْ لَوْ جَرَحَهَا قَبْلَهَا وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَكَذَلِكَ، فَإِنْ مَضَتْ لَمْ يُؤَثِّرْ الْجَرْحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ سَفِيهًا لِدَوَامِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا. (وَلَوْ) (عُزِلَ) قَاضٍ (بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ، ثُمَّ وُلِّيَ) (وَجَبَتْ الِاسْتِعَادَةُ) قَطْعًا، وَلَا يَحْكُمُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ لِبُطْلَانِهِ بِالْعَزْلِ. تَنْبِيهٌ لَوْ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، ثُمَّ عَادَ فَلَهُ الْحُكْمُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ. ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِ مَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ. فَقَالَ (وَإِذَا اُسْتُعْدِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ أَعْدَى يُعْدِي: أَيْ يُزِيلُ الْعُدْوَانَ، وَهُوَ الظُّلْمُ: كَأَشْكَاهُ أَزَالَ شَكْوَاهُ (عَلَى) خَصْمٍ صَالِحٍ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ عَنْهَا (حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ) أَيْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي كَذِبَهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ عُرِفَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً أَمْ لَا (أَحْضَرَهُ) وُجُوبًا إقَامَةً لِشِعَارِ الْأَحْكَامِ وَلَزِمَهُ الْحُضُورُ رِعَايَةً لِمَرَاتِبِ الْحُكَّامِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لَا أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ يَقْضِيَ الْحَقَّ إلَى الطَّالِبِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُحْضِرُ ذَوِي الْمُرُوآتِ فِي دَارِهِ لَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ مَنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَكَانَ يَتَعَطَّلُ بِحُضُورِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي التَّفْلِيسِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْمُهَذَّبِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ بِعَدَمِ حَبْسِ مَنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ. وَقَالَ: لَا يُعْتَرَضُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى إحْضَارِهِ الْبَرْزَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً أَوْ حَبْسِهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَهَا أَمَدٌ يُنْتَظَرُ، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَفِي الزَّوَائِدِ عَنْ الْعُدَّةِ أَنَّ الْمُسْتَعْدَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَةِ وَالْمُرُوءَةِ وَتَوَهَّمَ الْحَاكِمُ أَنَّ الْمُسْتَعْدِيَ يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ وَأَذَاهُ لَا يُحْضِرُهُ، وَلَكِنْ يُنْفِذُ إلَيْهِ مَنْ يُسْمِعُ الدَّعْوَى تَنْزِيلًا لِصِيَانَتِهِ مَنْزِلَةَ الْمُخَدَّرَةِ وَجَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ كَغَيْرِهِ فِي إحْضَارِ الْخَصْمِ، لَكِنْ لَا يُحْضِرُ إذَا صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ حَتَّى تَفْرُغَ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِنَّهُ يُحْضِرُهُ وَيَكْسِرُ عَلَيْهِ سَبْتَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُقَاسُ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيُّ فِي الْأَحَدِ. أَمَّا إذَا دَعَاهُ الْخَصْمُ إلَى حَاكِمٍ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ فَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ، بَلْ الْوَاجِبُ أَدَاءُ الْحَقِّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَالْبَيَانِ الْحُضُورُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: 51] ، وَحَمَلَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْأَوَّلَ، عَلَى مَا إذَا قَالَ: لِي عَلَيْك كَذَا فَاحْضُرْ مَعِي إلَى الْحَاكِمِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ وَفَاءُ الدَّيْنِ. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 322 بِدَفْعِ خَتْمٍ طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ، فَإِنْ امْتَنَعَ بِلَا عُذْرٍ أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَعَزَّرَهُ.   [مغني المحتاج] قَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَك مُحَاكَمَةٌ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا لِيَخْرُجَ عَنْهَا فَيَلْزَمُهُ الْحُضُورُ اهـ. وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَظْهَرُ، وَيُحْضِرُ الْقَاضِي الْخَصْمَ الْمَطْلُوبَ إحْضَارُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ (بِدَفْعِ خَتْمٍ) أَيْ مَخْتُومِ (طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِلْمُدَّعِي يَعْرِضُهُ عَلَى الْخَصْمِ وَلْيَكُنْ نَقْشُ الْخَتْمِ: أَجِبْ الْقَاضِي فُلَانًا، وَكَانَ هَذَا أَوَّلًا عَادَةُ قُضَاةِ السَّلَفِ، ثُمَّ هُجِرَ وَاعْتَادَ النَّاسُ الْآنَ الْكِتَابَةَ فِي الْكَاغَدِ وَهُوَ أَوْلَى (أَوْ) أَحْضَرَهُ إنْ لَمْ يُجِبْ بِمَا مَرَّ (بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ) مِنْ الْأَعْوَانِ بِبَابِ الْقَاضِي يُسَمَّوْنَ فِي زَمَانِنَا بِالرُّسُلِ صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ، وَمُؤْنَةُ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إنْ لَمْ يُرْزَقْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ مُرَادًا وَلِذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ إنْ لَمْ يُجِبْ بِمَا مَرَّ، فَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُرْسِلُ الْخَتْمَ أَوَّلًا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعَثَ إلَيْهِ الْعَوْنَ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ أُجْرَتِهِ مِنْهُ - أَيْ فَإِنَّ أُجْرَةَ الْعَوْنِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُرْزَقْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ. نَعَمْ يَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يَكُونَ مُؤْنَةُ مَنْ أَحْضَرَهُ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحُضُورِ يَبْعَثُ الْخَتْمَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي، وَفِي الْحَاوِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ خَتْمِ الطِّينِ وَالْمُرَتَّبِ إنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْخَصْمِ وَضَعْفِهِ (فَإِنْ) (امْتَنَعَ) الْمَطْلُوبُ مِنْ الْحُضُورِ (بِلَا عُذْرٍ) أَوْ سُوءِ أَدَبٍ بِكَسْرِ الْخَتْمِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ بِقَوْلِ الْعَوْنِ الثِّقَةِ (أَحْضَرَهُ) وُجُوبًا (بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ) وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ مُؤْنَتُهُمْ لِامْتِنَاعِهِ (وَعَزَّرَهُ) بِمَا يَرَاهُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْ تَعْزِيرِهِ إنْ رَآهُ، فَإِنْ اخْتَفَى نُودِيَ بِإِذْنِ الْقَاضِي عَلَى بَابِ دَارِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سُمِّرَ بَابُهُ أَوْ خُتِمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَطَلَبِ الْخَتْمِ سَمَّرَهُ أَوْ خَتَمَهُ إجَابَةً إلَيْهِ إنْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ أَنَّهَا دَارُهُ، وَلَا يُرْفَعُ الْمِسْمَارُ وَلَا الْخَتْمُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْحُكْمِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَنَّ مَحَلَّ التَّسْمِيرِ أَوْ الْخَتْمِ إذَا كَانَ لَا يَأْوِيهَا غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ وَلَا إلَى إخْرَاجِ مَنْ فِيهَا، فَإِنْ عَرَفَ مَوْضِعَهُ بَعَثَ إلَيْهِ النِّسَاءَ، ثُمَّ الصِّبْيَانَ، ثُمَّ الْخُصْيَانَ يَهْجُمُونَ الدَّارَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَيْهِ، وَيَبْعَثُ مَعَهُمْ عَدْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ فَإِذَا دَخَلُوا الدَّارَ وَقَفَ الرِّجَالُ فِي الصَّحْنِ وَأَخَذَ غَيْرُهُمْ فِي التَّفْتِيشِ. قَالُوا: وَلَا هُجُومَ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا تَعَذَّرَ حُضُورُهُ بَعْدَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ، وَهَلْ يُجْعَلُ امْتِنَاعُهُ كَالنُّكُولِ فِي رَدِّهِ الْيَمِينَ؟ الْأَشْبَهُ نَعَمْ، لَكِنْ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إعَادَةِ النِّدَاءِ عَلَى بَابِهِ ثَانِيًا بِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ بَعْدَ النِّدَاءِ الثَّانِي حُكِمَ بِنُكُولِهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ لِعُذْرٍ: كَخَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ حَبْسِهِ، أَوْ مَرَضٍ بَعَثَ إلَيْهِ نَائِبَهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، أَوْ وَكَّلَ الْمَعْذُورُ مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُ، وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهِ مَنْ يُحَلِّفُهُ إنْ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَعْرُوفِ النَّسَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا سَمِعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَحَكَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ كَالْغَيْبَةِ فِي سَمَاعِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 323 أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ، أَوْ فِيهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً وَيَكْتُبُ إلَيْهِ، أَوْ لَا نَائِبَ فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ لَيْلًا.   [مغني المحتاج] صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ. (أَوْ) كَانَ الِاسْتِعْدَاءُ عَلَى (غَائِبٍ فِي غَيْرِ) مَحَلِّ (وِلَايَتِهِ) أَيْ الْقَاضِي (فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَحْضَرَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إجَابَتُهُ، بَلْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَنْهَى السَّمَاعَ، وَإِنْ شَاءَ حَكَمَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي عَلَى مَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ) عَلَى غَائِبٍ (فِيهَا) أَيْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ) الْقَاضِي لِمَا فِي إحْضَارِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ هُنَاكَ (بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً) عَلَيْهِ بِذَلِكَ (وَيَكْتُبُ) بِسَمَاعِهَا (إلَيْهِ) أَيْ نَائِبِهِ لِيَحْكُمَ بِهَا لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يُكَلَّفُ الْحُضُورَ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لِمَا مَرَّ أَنَّ الْكِتَابَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوَى (أَوْ لَا نَائِبَ) لَهُ هُنَاكَ (فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ) لَكِنْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَصِحَّةِ سَمَاعِهَا (وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ) إلَى مَوْضِعِهِ (لَيْلًا) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعَدِّي لِمَنْ طَلَبَ خَصْمًا مِنْهَا لِإِحْضَارِ خَصْمِهِ - أَيْ يُقَوِّيهِ أَوْ يُعِينُهُ. وَالثَّانِي: إنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُكْمُ الْحَاضِرِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. وَالثَّالِثُ يُحْضِرُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، وَهَذَا مَا اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحَهُ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَدْعَى الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي قَضِيَّةٍ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلِئَلَّا يُتَّخَذَ السَّفَرُ طَرِيقًا لِإِبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَلَيْسَ فِي قَضِيَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَحْضَرَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي إحْضَارِهِ. وَيَبْعَثُ الْقَاضِي إلَى بَلَدِ الْمَطْلُوبِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ إحْضَارِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَائِبٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَتَوَسَّطُ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَكْتُبُ إلَيْهِ أَنْ يَتَوَسَّطَ وَيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا، وَاشْتَرَطَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَابْنُ يُونُسَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ الشَّيْخَانِ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ: يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْقَضِيَّةُ مِمَّا تَنْفَصِلُ بِصُلْحٍ فَيَكْفِي وُجُودُ مُتَوَسِّطٍ مُطَاعٍ يُصْلِحُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفَصِلُ بِصُلْحٍ فَلَا بُدَّ مِنْ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِيُفَوِّضَ إلَيْهِ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِصُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: لَيْلًا يَتَنَاوَلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّابِطُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ اللَّيْلِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَكَذَا هُوَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ فِي سَوَالِبِ الْوِلَايَةِ اهـ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ فِي الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 324 وَأَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا تُحْضَرُ، وَهِيَ مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ.   [مغني المحتاج] عَلَى حَاضِرٍ. قَوْلَهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ) الْحَاضِرَةَ (لَا تُحْضَرُ) لِلدَّعْوَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ مُضَارِعُ أُحْضِرَ - أَيْ لَا تُكَلَّفُ الْحُضُورَ لِلدَّعْوَى عَلَيْهَا صَرْفًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَلَمْ يَطْلُبْهَا لِكَوْنِهَا مُخَدَّرَةً، وَرَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ ظَاهِرًا لِكَوْنِهَا بَرْزَةً، كَذَا اُسْتُدِلَّ بِهِ وَنُظِرَ فِيهِ، وَلَا تُكَلَّفُ أَيْضًا الْحُضُورَ لِلتَّحْلِيفِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْيَمِينِ تَغْلِيظٌ بِالْمَكَانِ فَإِنْ كَانَ أُحْضِرَتْ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الدَّعَاوَى، بَلْ تُوَكِّلُ أَوْ يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهَا نَائِبَهُ فَتُجِيبُ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ إنْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ أَنَّهَا هِيَ، أَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ مَحَارِمِهَا أَنَّهَا هِيَ، وَإِلَّا تَلَفَّعَتْ بِنَحْوِ مِلْحَفَةٍ وَخَرَجَتْ مِنْ السِّتْرِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَعِنْدَ الْحَلِفِ تَحْلِفُ فِي مَكَانِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْمُخَدَّرَةُ (مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ) مُتَكَرِّرَةٍ كَشِرَاءِ خُبْزٍ وَقُطْنٍ وَبَيْعِ غَزْلٍ وَنَحْوِهَا بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ أَصْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لَمْ تَخْرُجْ إلَّا قَلِيلًا لِحَاجَةٍ كَزِيَارَةٍ وَحَمَّامٍ وَعَزَاءٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا تَحْضُرُ كَغَيْرِهَا وَبِهِ جَزَمَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَغَيْرُ الْمُخَدَّرَةِ وَهِيَ الْبَرْزَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ يُحْضِرُهَا الْقَاضِي، لَكِنْ يَبْعَثُ إلَيْهَا مَحْرَمًا لَهَا أَوْ نِسْوَةً ثِقَاتٍ لِتَخْرُجَ مَعَهُمْ بِشَرْطِ أَمْنِ الطَّرِيقِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَتْ بَرْزَةً ثُمَّ لَزِمَتْ التَّخَدُّرَ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ: حُكْمُهَا حُكْمُ الْفَاسِقِ يَتُوبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ سَنَةٍ فِي قَوْلٍ، أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي قَوْلٍ اهـ. وَفَرَّقَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ الْمُخَدَّرَةِ بِرِفْعَةِ بَعْلِهَا وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلتَّخْدِيرِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ اهـ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّخْدِيرِ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ الْأَغْلَبُ مِنْ حَالِ نِسَائِهِمْ التَّخْدِيرُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ - أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَهَذَا أَوْلَى. خَاتِمَةٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُهِمَّةٍ: لِلْقَاضِي أَنْ يُشْهِدَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عَلَى كِتَابِ حُكْمٍ كَتَبَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عَلَى كِتَابِ حُكْمٍ كَتَبَهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَالْحُكْمُ كَالْإِشْهَادِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ لَا بَأْسَ بِهَا، وَقَوْلُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلِ فِي الْخُصُومَةِ: كُنْت عَزَلْت وَكِيلِي قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، لَا يُبْطِلُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ، بِخِلَافِ الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ يُبْطِلُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْغَائِبِ بَاطِلٌ. وَلَيْسَ لِمَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً بِكِتَابٍ حُكْمِيٍّ أَرْسَلَهُ بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ، وَخَرَجَ بِهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي الطَّرِيقِ عَنْ الْقَاضِي الْمَقْصُودِ إلَّا إنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ بِأَنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ شَاهِدَيْنِ يَحْضُرَانِ بِالْكِتَابِ وَيَشْهَدَانِ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَقْصُودِ أَوْ شَهِدَ بِهِ عِنْدَ قَاضٍ فَيَضْمَنُهُ وَيَكْتُبُ بِهِ لِلْقَاضِي الْمَقْصُودِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا وَلَا شُهُودًا وَطَلَبَ أُجْرَةً لِخُرُوجِهِ إلَى الْقَاضِي الْمَقْصُودِ لَمْ يُعْطَ غَيْرَ النَّفَقَةِ وَكِرَاءَ الدَّابَّةِ، بِخِلَافِ سُؤَالِهِ الْأُجْرَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَيُعْطَاهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 325 باب القسمة   [مغني المحتاج] وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ وَالْقَنَاعَةَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إشْهَادِ غَيْرِهِ، وَهُنَا التَّحَمُّلُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْحَقَّ مِنْ الْخَصْمِ وَسَأَلَهُ الْخَصْمُ الْإِشْهَادَ عَلَى الْمُدَّعِي بِذَلِكَ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يُطَالِبُ بِإِلْزَامِ مَا حَكَمَ بِهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ الْكِتَابَ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ كَمَا لَا يَلْزَمُ مَنْ اسْتَوْفَى مِنْ غَرِيمِهِ مَا لَهُ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ أَوْ مَنْ بَاعَ غَيْرَهُ شَيْئًا لَهُ بِهِ حُجَّةٌ أَنْ يُعْطِيَهُ الْحُجَّةَ؛ لِأَنَّهَا غَالِبًا تَكُونُ مِلْكَهُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ اسْتِحْقَاقُهُ فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَلِلْقَاضِي إقْرَاضُ مَالٍ لِلْغَائِبِ مِنْ ثِقَةٍ لِيَحْفَظَهُ فِي الذِّمَّةِ، وَلَهُ بَيْعُ حَيَوَانِهِ لِخَوْفِ هَلَاكِهِ وَنَحْوِهِ كَغَصْبِهِ، وَلَهُ إجَارَتُهُ إنْ أَمِنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ، وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ أَجَّرَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَلِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْقَاضِي كَانَ بِنِيَابَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَمَالُ مَنْ لَا تُرْجَى مَعْرِفَتُهُ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ وَصَرْفُ ثَمَنِهِ فِي الْمَصَالِحِ وَلَهُ حِفْظُهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ صَرْفُهُ فِي الْمَصَالِحِ لَا حِفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلنَّهْبِ وَمَدِّ أَيْدِي الظَّلَمَةِ إلَيْهِ. [بَاب الْقِسْمَةِ] ِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ مِنْ بَعْضٍ، وَالْقَسَّامُ الَّذِي يَقْسِمُ الْأَشْيَاءَ بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ لَبِيدٌ: فَارْضَ بِمَا قَسَمَ الْمَلِيكُ فَإِنَّمَا ... قَسَمَ الْمَعِيشَةَ بَيْنَنَا قَسَّامُهَا وَوَجْهُ ذِكْرِهَا فِي خِلَالِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ الْقَسَّامِ لِلْحَاجَةِ إلَى قِسْمَةِ الْمُشْتَرَكَاتِ، بَلْ الْقَاسِمُ كَالْحَاكِمِ فَحَسُنَ الْكَلَامُ فِي الْقِسْمَةِ مَعَ الْأَقْضِيَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] وَخَبَرُ «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَرْبَابِهَا» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 326 قَدْ يَقْسِمُ الشُّرَكَاءُ أَوْ مَنْصُوبُهُمْ أَوْ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ. وَشَرْطُ مَنْصُوبِهِ: ذَكَرٌ حُرٌّ عَدْلٌ، يَعْلَمُ الْمِسَاحَةَ وَالْحِسَابَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ وَجَبَ قَاسِمَانِ، وَإِلَّا فَقَاسِمٌ، وَفِي قَوْلٍ اثْنَانِ.   [مغني المحتاج] لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَخَلَّصُ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاخْتِلَافِ الْأَيْدِي (قَدْ يَقْسِمُ) الْمُشْتَرَكَ (الشُّرَكَاءُ) بِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ (أَوْ) يَقْسِمُهُ (مَنْصُوبُهُمْ) أَيْ وَكِيلُهُمْ (أَوْ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ) أَوْ هُوَ نَفْسُهُ أَوْ الْمُحَكِّمُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ لَوْ وَكَّلَ بَعْضُهُمْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْسِمَ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: إنْ وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يُفْرِزَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ، وَفِي هَذَا لَا يُمْكِنُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكَّلِ جُزْءًا وَاحِدًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، وَإِنْ وَكَّلَ جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ أَحَدَهُمْ أَنْ يَقْسِمَ عَنْهُمْ وَيَرَى فِيمَا يَأْخُذُهُ بِالْقِسْمَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَأْيَهُ لَمْ يَجُزْ. وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُوَكِّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكِيلًا عَنْ نَفْسِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ. (وَشَرْطُ مَنْصُوبِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (ذَكَرٌ حُرٌّ عَدْلٌ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ كَالْحَاكِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَاكِمَ يَنْظُرُ فِي الْحُجَّةِ وَيَجْتَهِدُ، ثُمَّ يُلْزِمُ بِالْحُكْمِ: كَذَلِكَ الْقَسَّامُ أَيْضًا مِسَاحَةً وَتَقْدِيرًا، ثُمَّ يُلْزِمُ بِالْإِفْرَازِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ وِلَايَةٌ وَمَنْ لَا يَتَّصِفُ بِمَا ذُكِرَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ. تَنْبِيهٌ اُعْتُبِرَ فِي الْمُحَرَّرِ التَّكْلِيفُ، وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِدُخُولِهِ فِي الْعَدَالَةِ كَدُخُولِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ بَدَلَ عَدْلٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَاسْتُفِيدَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالنُّطْقِ وَالضَّبْطِ، إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ (يَعْلَمُ الْمِسَاحَةَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ مَسَحَ الْأَرْضَ ذَرَعَهَا، وَعِلْمُ الْمِسَاحَةِ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ (وَالْحِسَابَ) لِاسْتِدْعَائِهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَإِنَّمَا شُرِطَ عِلْمُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا آلَةُ الْقِسْمَةِ كَمَا أَنَّ الْفِقْهَ آلَةُ الْقَضَاءِ، وَاعْتَبَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ الطَّمَعِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأُمِّ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّقْوِيمِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الثَّانِي كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِيَانِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا رَجَعَ إلَى إخْبَارِ عَدْلَيْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَاعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ فِي قِسْمَتَيْ التَّعْدِيلِ وَالرَّدِّ دُونَ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: مَنْصُوبُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَنْصُوبِ الشُّرَكَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَتُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَالَةُ أَيْضًا، وَمُحَكِّمُهُمْ كَمَنْصُوبِ الْإِمَامِ (فَإِنْ) (كَانَ فِيهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ (تَقْوِيمٌ) هُوَ مَصْدَرُ قَوَّمَ السِّلْعَةَ: قَدَّرَ قِيمَتَهَا (وَجَبَ قَاسِمَانِ) لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَوِّمِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَقْوِيمٌ (فَقَاسِمٌ) وَاحِدٌ فِي الْأَظْهَرِ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ طَرِيقٍ (اثْنَانِ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 327 وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ فَيُعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ، وَيَقْسِمُ. وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رِزْقَ مَنْصُوبِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُجْرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، فَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ وَسَمَّى كُلٌّ قَدْرًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى الْحِصَصِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى   [مغني المحتاج] كَالْمُقَوِّمَيْنِ، وَمَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ شَاهِدٌ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ تَلْزَمُ بِنَفْسِ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي الْحُقُوقَ لِأَهْلِهَا، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ، وَقَالَ لَمْ نَجِدْ نَصًّا صَرِيحًا يُخَالِفُهُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَنْصُوبِ الْإِمَامِ فَلَوْ فَوَّضَ الشُّرَكَاءُ الْقِسْمَةَ إلَى وَاحِدٍ غَيْرِهِمْ بِالتَّرَاضِي جَازَ قَطْعًا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ. يَكْفِي وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَرْصٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ قَالَ الْإِمَامُ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ كَالتَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَالْمُقَوِّمُ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ لَهُ كَالشَّاهِدِ وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاسِمُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ وَجَبَ تَعَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَنِدُ إلَى عَمَلٍ مَحْسُوسٍ. (وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ) بِأَنْ يُفَوِّضَ لَهُ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ فِيهِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ (فَيُعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا (وَيَقْسِمُ) بِنَفْسِهِ، وَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ فِي التَّقْوِيمِ بِعِلْمِهِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. (وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رِزْقَ مَنْصُوبِهِ) إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وُجُوبًا إذَا كَانَ فِيهِ سِعَةٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَيَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِعْلَ ذَلِكَ، وَلَا يُزَادُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ مَصْرِفٌ أَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفِ (فَأُجْرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ) إنْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ جَمِيعُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَهُمْ، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى الطَّالِبِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ حِينَئِذٍ نَصْبُ قَاسِمٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ يَدَعُ النَّاسَ يَسْتَأْجِرُونَ مَنْ شَاءُوا لِئَلَّا يُغَالِيَ الْمُعَيَّنُ فِي الْأُجْرَةِ أَوْ يُوَاطِئَهُ بَعْضُهُمْ فَيَحِيفَ، كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (فَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ وَسَمَّى كُلٌّ) مِنْهُمْ (قَدْرًا لَزِمَهُ) سَوَاءٌ تَسَاوَوْا فِيهِ أَمْ تَفَاضَلُوا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسَاوِيًا بِالْأُجْرَةِ مِثْلَ حِصَّتِهِ أَمْ لَا، وَلْيَسْتَأْجِرُوا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يَقُولُوا اسْتَأْجَرْنَاك لِتَقْسِمَ بَيْنَنَا كَذَا بِدِينَارٍ عَلَى فُلَانٍ وَدِينَارَيْنِ عَلَى فُلَانٍ أَوْ يُوَكِّلُوا مَنْ يَعْقِدُ لَهُمْ كَذَلِكَ، فَلَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِعَقْدٍ لِإِفْرَازِ نَصِيبِهِ وَتَرَتَّبُوا كَمَا قَالَاهُ أَوْ لَمْ يَتَرَتَّبُوا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا صَحَّ إنْ رَضِيَ الْبَاقُونَ، بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ أَحَدُهُمْ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَصِيلًا وَوَكِيلًا وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى عَقْدِ الْبَاقِينَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. نَعَمْ لَهُمْ ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ كُلًّا عَقَدَ لِنَفْسِهِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ (وَإِلَّا) بِأَنْ سَمَّوْا أُجْرَةً مُطْلَقَةً فِي إجَارَةِ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ (فَالْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى) قَدْرِ (الْحِصَصِ) الْمَأْخُوذَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْمُشْتَرَكِ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ طَرِيقٍ حَاكِيَةٍ لِقَوْلَيْنِ الْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ (عَلَى) عَدَدِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 328 الرُّءُوسِ ثُمَّ مَا عَظُمَ الضَّرَرُ فِي قِسْمَتِهِ كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ وَزَوْجَيْ خُفٍّ إنْ طَلَبَ الشُّرَكَاءُ كُلُّهُمْ قِسْمَتَهُ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي، وَلَا يَمْنَعُهُمْ إنْ قَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ مَنْفَعَتُهُ كَسَيْفٍ يُكْسَرُ وَمَا يَبْطُلُ نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ   [مغني المحتاج] (الرُّءُوسِ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي النَّصِيبِ الْقَلِيلِ كَالْعَمَلِ فِي الْكَثِيرِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ ذَكَرَهَا الْمَرَاوِزَةُ، وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَزْمُ بِالْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهِيَ أَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، إذْ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ، فَلَوْ أُلْزِمَ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لَرُبَّمَا اُسْتُوْعِبَ قِيمَةُ نَصِيبِهِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِالْمَنْقُولِ وَاحْتَرَزْنَا بِالْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِصَصِ الْأَصْلِيَّةِ فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، فَإِنَّ الْأُجْرَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَدْرِهَا، بَلْ عَلَى قَدْرِ الْمَأْخُوذِ قِلَّةً وَكَثْرَةً؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْكَثِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْقَلِيلِ، هَذَا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلِلْمُوَزِّعِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. تَنْبِيهٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالٍ الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْقِسْمَةِ غِبْطَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ إلَيْهَا وَاجِبَةٌ وَالْأُجْرَةُ مِنْ الْمُؤَنِ التَّابِعَةِ لَهَا، وَعَلَى الْوَلِيِّ طَلَبُ الْقِسْمَةِ لَهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ فِيهَا غِبْطَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَطْلُبُهَا، وَإِنْ طَلَبَهَا الشَّرِيكُ أُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ فِيهَا غِبْطَةٌ وَكَالصَّبِيِّ الْمَجْنُونُ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ. وَلَوْ دَعَا الشُّرَكَاءُ الْقَاسِمَ وَلَمْ يُسَمُّوا لَهُ أُجْرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَمَا لَوْ دَفَعَ شَخْصٌ ثَوْبَهُ لِقَصَّارٍ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ أُجْرَةً أَوْ الْحَاكِمَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ كَاتِبًا لِكِتَابَةِ صَكٍّ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ آخِرَ الشُّفْعَةِ. (ثُمَّ مَا) أَيْ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي (عَظُمَ الضَّرَرُ فِي قِسْمَتِهِ) (كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ وَزَوْجَيْ) أَيْ فَرْدَيْ (خُفٍّ) وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ (إنْ طَلَبَ الشُّرَكَاءُ كُلُّهُمْ قِسْمَتَهُ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي) إلَيْهَا جَزْمًا وَيَمْنَعُهُمْ مِنْهَا إنْ بَطُلَتْ مَنْفَعَتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي زَوْجَيْ خُفٍّ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ لِلرَّافِعِيِّ شَاهِدًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَلَا سَلَفًا فِي ذَلِكَ فِي الطَّرِيقَيْنِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَنْتَفِعُ بِفَرْدَةِ الْخُفِّ كَأَنْ يَكُونَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَالْأَصْحَابُ لَا يَنْظُرُونَ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ النَّادِرَةِ (وَلَا يَمْنَعُهُمْ إنْ قَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ مَنْفَعَتُهُ) أَيْ الْمَقْسُومِ بِالْكُلِّيَّةِ (كَسَيْفٍ يُكْسَرُ) لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ مِمَّا صَارَ إلَيْهِ مِنْهُ عَلَى حَالِهِ، أَوْ بِاِتِّخَاذِهِ سِكِّينًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يُجِيبُهُمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْقَاضِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَلَيْسَ لَهُ التَّمْكِينُ مِنْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ثُمَّ جُوِّزَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ رُخْصَةٌ لِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ. فَإِنْ قِيلَ أَيْضًا: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ مُعَيَّنٍ مِنْ إنَاءٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ شَرْعًا. أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ بَيْعِ الْمُعَيَّنِ أَنْ لَا يَحْصُلَ هُنَاكَ نَقْصٌ بِسَبَبِ تَسْلِيمِهِ، وَهُوَ لَوْ بَاعَهُ نِصْفًا شَائِعًا مِنْ ذَلِكَ جَازَ، ثُمَّ لَهُمْ الْقِسْمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ. (وَمَا يَبْطُلُ) بِقِسْمَتِهِ (نَفْعُهُ الْمَقْصُودُ) مِنْهُ (كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ) طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ مَا ذُكِرَ، وَامْتَنَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 329 لَا يُجَابُ طَالِبُ قِسْمَتِهِ فِي الْأَصَحّ، فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيْنِ. أُجِيبَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى، وَالْبَاقِي لِآخَرَ فَالْأَصَحُّ إجْبَارُ صَاحِبِ الْعُشْرِ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ دُونَ عَكْسِهِ. وَمَا لَا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ قِسْمَتُهُ أَنْوَاعٌ:   [مغني المحتاج] بَعْضُهُمْ (لَا يُجَابُ طَالِبُ قِسْمَتِهِ) جَبْرًا (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي: يُجَابُ لِأَجْلِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ. تَنْبِيهٌ فِي لَفْظِ صَغِيرَيْنِ تَغْلِيبُ الْأَوَّلِ الْمُذَكَّرِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْحَمَّامِ مُذَكَّرٌ عَلَى الثَّانِي الْمُؤَنَّثِ، فَإِنَّ الطَّاحُونَةَ وَهِيَ الرَّحَى كَمَا فِي الصِّحَاحِ مُؤَنَّثَةٌ (فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ (حَمَّامَيْنِ) أَوْ طَاحُونَتَيْنِ (أُجِيبَ) طَالِبُ قِسْمَةِ ذَلِكَ وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى إحْدَاثِ بِئْرٍ أَوْ مُسْتَوْقَدٍ وَتَيَسَّرَ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ مَعَ تَيَسُّرِ تَدَارُكِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ قَرِيبٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَإِنَّمَا تَيَسَّرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَا يَلِي ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ مَوَاتًا، فَلَوْ كَانَ مَا يَلِيهِ وَقْفًا أَوْ شَارِعًا أَوْ مِلْكًا لِمَنْ لَا يَسْمَحُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا، وَحِينَئِذٍ يُجْزَمُ بِنَفْيِ الْإِجْبَارِ، وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَهَا وَلَوْ بِإِحْدَاثِ مَرَافِقَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَاعَ دَارًا لَا مَمَرّ لَهَا مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ فَهَلَّا كَانَتْ الْقِسْمَةُ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ فِي الْحَالِ وَلَمْ يُمْكِنْ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ (وَلَوْ كَانَ) (لَهُ) مَثَلًا (عُشْرُ دَارٍ لَا يَصْلُحُ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ: أَيْ الْعُشْرُ (لِلسُّكْنَى، وَالْبَاقِي لِآخَرَ) يَصْلُحُ لَهَا وَلَوْ بِضَمِّ مَا يَمْلِكُهُ بِجِوَارِهِ (فَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (إجْبَارُ صَاحِبِ الْعُشْرِ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ) ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَضَرَرُ صَاحِبِ الْعُشْرِ لَا يَنْشَأُ مِنْ مُجَرَّدِ الْقِسْمَةِ، بَلْ سَبَبُهُ قِلَّةُ نَصِيبِهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِضَرَرِ شَرِيكِهِ (دُونَ عَكْسِهِ) وَهُوَ عَدَمُ إجْبَارِ صَاحِبِ الْبَاقِي بِطَلَبِ صَاحِبِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ مُتَعَنِّتٌ. وَالثَّانِي: يُجْبَرُ لِيَتَمَيَّزَ مِلْكُهُ، أَمَّا إذَا صَلُحَ الْعُشْرُ وَلَوْ بِالضَّمِّ فَيُجْبَرُ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّعَنُّتِ حِينَئِذٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ نِصْفُ دَارٍ لِخَمْسَةٍ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ لِوَاحِدٍ فَطَلَبَ الْآخَرُ الْقِسْمَةَ. أُجِيبَ، وَحِينَئِذٍ فَلِكُلٍّ مِنْ الْخَمْسَةِ الْقِسْمَةُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ كَانَ الْعُشْرُ الَّذِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَصْلُحُ مَسْكَنًا لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ فَائِدَةً لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ، وَلَوْ بَقِيَ حَقُّ الْخَمْسَةِ مُشَاعًا ثُمَّ طَلَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْقِسْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ الْبَاقُونَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَضُرُّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ طَلَبَ أَوَّلًا الْخَمْسَةُ نَصِيبَهُمْ مُشَاعًا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ كَعَشْرَةٍ فَطَلَبَ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ إفْرَازَ نَصِيبِهِمْ مُشَاعًا أُجِيبُوا؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِنَصِيبِهِمْ كَمَا كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُطْلَقَ الِانْتِفَاعِ لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ. (وَمَا لَا يَعْظُمُ) فِي قِسْمَتِهِ (ضَرَرُهُ قِسْمَتُهُ أَنْوَاعٌ) ثَلَاثَةٌ عِنْدَ الْمَرَاوِزَةِ: قِسْمَةُ أَجْزَاءٍ، وَقِسْمَةُ تَعْدِيلٍ، وَقِسْمَةُ رَدٍّ؛ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ إمَّا أَنْ تَتَسَاوَى الْأَنْصِبَاءُ فِيهِ إلَى إعْطَاءِ شَيْءٍ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أَوْ لَا. الْأَوَّلُ الرَّدُّ. وَالثَّانِي التَّعْدِيلُ، وَنَوْعَانِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ: قِسْمَةُ رَدٍّ، وَقِسْمَةٌ لَا رَدَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 330 أَحَدُهَا بِالْأَجْزَاءِ كَمِثْلِيٍّ وَدَارٍ مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ، وَأَرْضٍ مُشْتَبِهَةِ الْأَجْزَاءِ فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ كَيْلًا وَوَزْنًا وَذَرْعًا بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ إنْ اسْتَوَتْ، وَيَكْتُبُ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمَ شَرِيكٍ أَوْ جُزْءًا مُمَيَّزًا بِحَدٍّ أَوْ جِهَةٍ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ مُسْتَوِيَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُهَا مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا رُقْعَةً عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ إنْ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ فَيُعْطِي   [مغني المحتاج] فِيهَا، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ. وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ. فَقَالَ (أَحَدُهَا) الْقِسْمَةُ (بِالْأَجْزَاءِ) وَتُسَمَّى قِسْمَةُ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى رَدِّ شَيْءٍ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَلَا إلَى تَقْوِيمٍ (كَمِثْلِيٍّ) مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ حَدُّ الْمِثْلِيِّ فِي الْغَصْبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَتُشْتَرَطُ السَّلَامَةُ فِي الْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ، فَإِنَّ الْحَبَّ الْمَعِيبَ وَالنَّقْدَ الْمَغْشُوشَ مَعْدُودَانِ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ بِالْمَغْشُوشَةِ فَهِيَ مِثْلِيَّةٌ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْمُعَامَلَةِ بِهَا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَ) مِثْلُ (دَارٍ مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ، وَ) مِثْلُ (أَرْضٍ مُشْتَبِهَةِ الْأَجْزَاءِ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَالثِّيَابُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي لَا تَنْقُصُ بِالْقَطْعِ (فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ) عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْصِبَةُ مُتَفَاوِتَةً إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلِيَنْتَفِعَ الطَّالِبُ بِمَالِهِ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِاتِّفَاقِ الْأَبْنِيَةِ فِي الدَّارِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ فِي شَرْقِيِّ الدَّارِ صُفَّةٌ وَبَيْتٌ، وَكَذَلِكَ فِي غَرْبِيِّهَا (فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ كَيْلًا) فِي الْمَكِيلِ (وَوَزْنًا) فِي الْمَوْزُونِ (وَذَرْعًا) فِي الْمَذْرُوعِ كَالْأَرْضِ الْمُتَسَاوِيَةِ، أَوْ عَدًّا فِي الْمَعْدُودِ وَقَوْلُهُ (بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِ تُعَدَّلُ، هَذَا (إنْ اسْتَوَتْ) تِلْكَ الْأَنْصِبَاءُ، كَمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَتُجْعَلُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ ثَلَاثُ رِقَاعٍ (وَيَكْتُبُ) مَثَلًا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ (فِي كُلِّ رُقْعَةٍ) إمَّا (اسْمَ شَرِيكٍ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (أَوْ جُزْءًا) مِنْ الْأَجْزَاءِ (مُمَيَّزًا) عَنْ الْبَقِيَّةِ (بِحَدٍّ أَوْ جِهَةٍ) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَتُدْرَجُ) الرُّقَعُ (فِي بَنَادِقَ) مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ (مُسْتَوِيَةٍ) وَزْنًا وَشَكْلًا لِئَلَّا تَسْبِقَ الْيَدُ لِإِخْرَاجِ الْكَبِيرَةِ وَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِصَاحِبِهَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ فِي الْبَنَادِقِ، وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْجُوَيْنِيِّ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ أَنَّهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، لَا الْوُجُوبِ، وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَنَقَلَا فِي بَابِ الْعِتْقِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ كَدَوَاةٍ وَقَلَمٍ وَحَصَاةٍ. ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ، إذْ لَا حِيفَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ بِالْحَالِ، وَأَيَّدَهُ الرَّافِعِيُّ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (ثُمَّ يُخْرِجُهَا) : أَيْ الرِّقَاعَ (مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا) بَعْدَ أَنْ تُجْعَلَ فِي حُجْرَةٍ مَثَلًا، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْكِتَابَ وَالْأَدْرَاجَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هُنَا: مَنْ لَمْ يَحْضُرْ هُنَالِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَبِيٌّ وَنَحْوُهُ كَعَجَمِيٍّ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ (رُقْعَةً) إمَّا (عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ) مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ (إنْ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ) فِي الرِّقَاعِ كَزَيْدٍ وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ (فَيُعْطِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 331 مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ، أَوْ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ إنْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جُزِّئَتْ الْأَرْضُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ وَقُسِّمَتْ كَمَا سَبَقَ، وَيُحْتَرَزُ عَنْ تَفْرِيقِ حِصَّةِ وَاحِدٍ.   [مغني المحتاج] مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ) فِي تِلْكَ الرُّقْعَةِ وَيَتَعَيَّنُ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يُخْرِجُ رُقْعَةً أُخْرَى عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي يَلِيهِ فَيُعْطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فِي الرُّقْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إنْ كَانُوا ثَلَاثَةً (أَوْ) يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا رُقْعَةً (عَلَى اسْمِ زَيْدٍ) مَثَلًا (إنْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ) فِي الرِّقَاعِ أَيْ أَسْمَاءَ الْأَجْزَاءِ فَيُخْرِجُ رُقْعَةً فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى اسْمِ بَكْرٍ، وَيَتَعَيَّنُ الْجُزْءُ الثَّالِثُ لِخَالِدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَخْتَصُّ بِقِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ، بَلْ يَأْتِي فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ إذَا عُدِّلَتْ الْأَجْزَاءُ بِالْقِيمَةِ. تَنْبِيهٌ الِاعْتِبَارُ فِي الْبُدَاءَةِ بِوَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَالْأَجْزَاءِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْقَسَّامِ فَيَقِفُ عَلَى أَيْ طَرَفٍ شَاءَ وَيُسَمِّي مَنْ شَاءَ، فَإِنَّ الْمُحَكِّمَ فِي الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْقُرْعَةُ فَلَا تُهْمَةَ (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ (كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ) فِي أَرْضٍ مَثَلًا (جُزِّئَتْ الْأَرْضُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ) وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ (وَقُسِّمَتْ) أَيْ الْأَرْضُ (كَمَا سَبَقَ) وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ كَتْبِهِ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ وَكَتْبِهِ الْأَجْزَاءَ، لَكِنَّ الْمُصَحَّحَ كَتْبِهِ أَسْمَاءَهُمْ دُونَ كَتْبِهِ الْأَجْزَاءَ، وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، وَبِهِ يَتَبَيَّنُ سُلُوكُ كُلٍّ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَاقْتِضَاءُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ كَتْبُ الْأَسْمَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ أَوْ أَخْرَجَ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَرُبَّمَا خَرَجَ لِصَاحِبِ السُّدُسِ الْجُزْءُ الثَّانِي أَوْ الْخَامِسُ فَيُفَرَّقُ مِلْكُ مَنْ لَهُ النِّصْفُ أَوْ الثُّلُثُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ (وَيُحْتَرَزُ) إذَا كَتَبَ الْأَجْزَاءَ (عَنْ تَفْرِيقِ حِصَّةِ وَاحِدٍ) بِأَنْ لَا يَبْدَأَ بِصَاحِبِ السُّدُسِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ، بَلْ بِصَاحِبِ النِّصْفِ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْأَوَّلُ أَخَذَ الثَّلَاثَةَ وَلَاءً، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ الثَّانِي أَخَذَهُ وَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَإِعْطَاؤُهُ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ تَحَكُّمٌ فَلِمَ لَا أُعْطِي اثْنَانِ بَعْدَهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَالْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَوْ يُقَالُ: لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا، بَلْ يَتْبَعُ نَظَرَ الْقَاسِمِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، أَوْ خَرَجَ لَهُ الثَّالِثُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ بِاسْمِ الْآخَرِينَ أَوْ الرَّابِعُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَالْأَخِيرَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَوْ الْخَامِسُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَيَتَعَيَّنُ السَّادِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَالْأَوَّلَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، أَوْ السَّادِسُ أَخَذَهُ مَعَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُخْرِجُ رُقْعَةً أُخْرَى بِاسْمِ أَحَدِ الْآخَرِينَ وَلَا يُخْفِي الْحُكْمَ، أَوْ بِصَاحِبِ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَخَذَهُمَا، أَوْ الْخَامِسُ أَوْ السَّادِسُ فَكَذَلِكَ، ثُمَّ يُخْرِجُ بِاسْمِ أَحَدِ الْآخَرِينَ، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الثَّالِثُ أَخَذَهُ مَعَ الثَّانِي، وَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السَّادِسِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ، أَوْ الرَّابِعُ أَخَذَهُ مَعَ الْخَامِسِ، وَتَعَيَّنَ السَّادِسُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ، هَذَا إذَا كَتَبَ فِي سِتِّ رِقَاعٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ثَلَاثِ رِقَاعٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 332 الثَّانِي بِالتَّعْدِيلِ كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسْبِ قُوَّةِ إنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ دَارَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ فَطَلَبَ جَعْلَ كُلٍّ لَوَاحِدٍ فَلَا إجْبَارَ،   [مغني المحتاج] رُقْعَةٌ فَيُخْرِجُ رُقْعَةً عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ الثَّانِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيه وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ النِّصْفِ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ أَوَّلًا لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَخَذَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَالْخَامِسُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ، وَإِنْ خَرَجَ الرَّابِعُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَهُ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَإِنْ خَرَجَ الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ لَمْ يَخْفَ الْحُكْمُ مِمَّا مَرَّ، وَلَا يُخْرِجُ السِّهَامَ عَلَى الْأَسْمَاءِ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ: وَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى زَائِدَةً عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا سُرْعَةُ خُرُوجِ اسْمِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ حَيْفًا لِتَسَاوِي السِّهَامِ، لَكِنَّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى هِيَ الْمُخْتَارَةُ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبَيْ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مَزِيَّةً بِكَثْرَةِ الْمِلْكِ، فَكَانَ لَهُمَا مَزِيَّةٌ بِكَثْرَةِ الرِّقَاعِ. النَّوْعُ (الثَّانِي) الْقِسْمَةُ (بِالتَّعْدِيلِ) بِأَنْ تُعَدَّلَ السِّهَامُ بِالْقِسْمَةِ، وَهُوَ قِسْمَانِ مَا يُعَدُّ فِيهِ الْمَقْسُومُ شَيْئًا وَاحِدًا، وَمَا يُعَدُّ فِيهِ شَيْئَيْنِ، فَالْأَوَّلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ إنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ) وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يَخْتَلِفُ جِنْسُ مَا فِيهَا كَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ، وَدَارٌ بَعْضُهَا حَجَرٌ وَبَعْضُهَا لَبِنٌ، فَإِذَا كَانَتْ لِاثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ وَقِيمَةُ ثُلُثِهَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا ذُكِرَ كَقِيمَةِ ثُلُثَيْهَا الْخَالِي عَنْ ذَلِكَ جُعِلَ الثُّلُثُ سَهْمًا وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا وَأُقْرِعَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ بِالْبُسْتَانِ فُهِمَ مِنْهُ مَا مَثَّلَ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جُعِلَتْ سِتَّةُ أَسْهُمٍ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْمِسَاحَةِ (وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ) مِنْ الشُّرَكَاءِ (عَلَيْهَا فِي الْأَظْهَرِ) إلْحَاقًا لِلتَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ بِالتَّسَاوِي فِي الْأَجْزَاءِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَالْمَنَافِعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ بِحَسَبِ الْمَأْخُوذِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ أَمْكَنَ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ كَأَرْضَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَجْزَاءِ. ثُمَّ أَشَارَ لِلْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ التَّعْدِيلِ، وَهُوَ مَا يُعَدُّ فِيهِ الْمَقْسُومُ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ) (اسْتَوَتْ قِيمَةُ دَارَيْنِ، أَوْ حَانُوتَيْنِ) مَثَلًا لِاثْنَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ (فَطَلَبَ) كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (جَعْلَ كُلٍّ) مِنْ الدَّارَيْنِ أَوْ الْحَانُوتَيْنِ (لَوَاحِدٍ) بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ دَارًا أَوْ حَانُوتًا وَلِشَرِيكِهِ كَذَلِكَ (فَلَا إجْبَارَ) فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَتَجَاوَرَا أَمْ تَبَاعَدَا لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْأَبْنِيَةِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ الدَّارَيْنِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارَانِ لَهُمَا بِمِلْكِ الْقَرْيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِمَا وَشَرِكَتُهُمَا بِالنِّصْفِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْقَرْيَةِ، وَاقْتَضَتْ الْقِسْمَةُ نِصْفَيْنِ جَعْلَ كُلِّ دَارٍ نَصِيبًا فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي الْحَانُوتَيْنِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي دَكَاكِينَ صِغَارٍ مُتَلَاصِقَةٍ لَا تَحْتَمِلُ آحَادُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 333 أَوْ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ مِنْ نَوْعٍ أُجْبِرَ، أَوْ نَوْعَيْنِ فَلَا الثَّالِثُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِئْرٌ أَوْ شَجَرٌ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَيَرُدُّ مَنْ يَأْخُذُهُ قِسْطَ قِيمَتِهِ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ، وَهُوَ بَيْعٌ، وَكَذَا التَّعْدِيلُ عَلَى   [مغني المحتاج] الْقِسْمَةَ وَتُسَمَّى الْعَضَائِدُ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ أَعْيَانِهَا. أُجِيبَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَإِنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ بِالْقِسْمَةِ، وَيُنَزَّلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْخَانِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْبُيُوتِ وَالْمَسَاكِنِ. قَالَ الْجِيلِيُّ: وَمَحَلُّهُمَا إذَا لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ بِالْقِسْمَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ جَزْمًا (أَوْ) اسْتَوَتْ قِيمَةُ (عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ) أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَشْجَارٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعُرُوضِ (مِنْ نَوْعٍ) وَأَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ (أُجْبِرَ) الْمُمْتَنِعُ إنْ زَالَتْ الشَّرِكَةُ بِالْقِسْمَةِ كَثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَالْآخَرَيْنِ مِائَةٌ وَكَثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ مُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، وَذَلِكَ لِعِلَّةِ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا. أَمَّا إذَا بَقِيَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْبَعْضِ كَعَبْدَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الْآخَرِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ لِيَخْتَصَّ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْخَسِيسِ بِهِ وَيَبْقَى لَهُ رُبُعُ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ لَا إجْبَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَرْتَفِعُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ اسْتَثْنَاهَا مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْأَوْلَى عَدَمُ اسْتِثْنَائِهَا، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَبِيدٍ وَثِيَابٍ مَعْطُوفٌ عَلَى دَارَيْنِ إذْ تَقْدِيرُهُ أَوْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا اسْتِثْنَاءَ (أَوْ) مِنْ (نَوْعَيْنِ) كَعَبْدَيْنِ تُرْكِيٍّ وَهِنْدِيٍّ أَوْ جِنْسَيْنِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ (فَلَا) إجْبَارَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَطَا وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَتَمْرٍ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَكُلِّ جِنْسٍ، وَإِنَّمَا يُقْسَمُ مِثْلُ هَذَا بِالتَّرَاضِي. تَنْبِيهٌ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَةِ عُلْوٍ وَسُفْلٍ مِنْ دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا لَا عَلَى قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ عَلَى جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالْآخَرُ لِآخَرَ، وَاللَّبِنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ إنْ اسْتَوَتْ قَوَالِبُهُ فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةُ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَالتَّعْدِيلُ. النَّوْعُ (الثَّالِثُ) الْقِسْمَةُ (بِالرَّدِّ) (بِأَنْ) يَحْتَاجَ فِي الْقِسْمَةِ إلَى رَدِّ مَالِ أَجْنَبِيٍّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ كَأَنْ (يَكُونَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ) مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ (بِئْرٌ أَوْ شَجَرٌ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ) وَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يُعَادِلُ ذَلِكَ إلَّا بِضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ (فَيَرُدُّ مَنْ يَأْخُذُهُ) بِالْقِسْمَةِ الَّتِي أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ (قِسْطَ قِيمَتِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الشَّجَرِ مِثَالُهُ قِيمَةُ كُلِّ جَانِبٍ أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْبِئْرِ أَوْ الشَّجَرِ أَلْفٌ فَاقْتَسَمَا رَدَّ آخِذُ مَا فِيهِ الْبِئْرُ أَوْ الشَّجَرُ خَمْسَمِائَةٍ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ يَضْبِطُ قِيمَةَ مَا اُخْتُصَّ بِهِ ذَلِكَ الطَّرَفُ، ثُمَّ يَقْسِمُ الْأَرْضَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْجَانِبَ تِلْكَ الْقِيمَةَ، فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا التَّعْبِيرِ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ تِلْكَ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْقِسْطَ (وَلَا إجْبَارَ فِيهِ) أَيْ نَوْعِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ مَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ فَكَانَ كَغَيْرِ الْمُشْتَرَكِ (وَهُوَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ قِسْمَةِ الرَّدِّ (بَيْعٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَقِيلَ بَيْعٌ فِي الْقَدْرِ الْمُقَابِلِ بِالْمَرْدُودِ، وَفِيمَا سِوَاهُ الْخِلَافُ فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ (وَكَذَا التَّعْدِيلُ) بَيْعٌ أَيْضًا (عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 334 الْمَذْهَبِ، وَقِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ إفْرَازٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَلَوْ تَرَاضَيَا   [مغني المحتاج] الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ لِلْحَاجَةِ كَبَيْعِ الْحَاكِمِ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ (وَقِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ إفْرَازٌ) تُبَيِّنُ أَنَّ مَا خَرَجَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَثَلًا هُوَ الَّذِي كَانَ مَلَكَهُ لَا بَيْعٌ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمَا دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ وَلَمَا جَازَ الِاعْتِمَادُ فِيهَا عَلَى الْقُرْعَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا بَيْعٌ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابَيْ الرِّبَا وَزَكَاةِ الْمُعَشَّرَاتِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ إلَّا وَكَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا اقْتَسَمَا بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا كَانَ لَهُ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ بِمَالِهِ فِي حِصَّتِهِ. تَنْبِيهٌ حَيْثُ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ ثَبَتَ فِيهَا أَحْكَامُهُ مِنْ الْخِيَارَيْنِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى لَفْظِ بَيْعٍ أَوْ تَمَلُّكٍ، وَيَقُومُ الرِّضَا مَقَامَهُمَا فَيُشْتَرَطُ فِي الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَامْتَنَعَتْ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَمَا عَقَدَتْ النَّارُ أَجْزَاءَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَإِنْ قُلْنَا: إفْرَازٌ جَازَ ذَلِكَ. وَيُقْسَمُ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فِي الْإِفْرَازِ، وَلَوْ كَانَتْ قِسْمَتُهُمَا عَلَى الشَّجَرِ خَرْصًا لَا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ، فَلَا يُقْسَمُ عَلَى الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ وَتُقْسَمُ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً وَحْدَهَا، وَلَوْ إجْبَارًا، سَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بَعْلًا أَوْ قَصِيلًا أَمْ حَبًّا مُشْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ الْقُمَاشِ فِي الدَّارِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا بِخِلَافِهِمَا أَوْ مَعَ الزَّرْعِ قَصِيلًا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ لَا الزَّرْعُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَهَا، وَهُوَ بَذْرٌ بَعْدُ أَوْ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَلَا يُقْسَمُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا إفْرَازًا كَمَا لَوْ جَعَلْنَاهَا بَيْعًا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأُولَى قِسْمَةُ مَجْهُولٍ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ قِسْمَةُ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ، وَعَلَى الثَّانِي بَيْعُ طَعَامٍ وَأَرْضٌ بِطَعَامٍ وَأَرْضٍ، وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ فِي قِسْمَةٍ هِيَ بَيْعٌ لَا إفْرَازٌ وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ فِي مَمْلُوكٍ عَنْ وَقْفٍ إنْ قُلْنَا: هِيَ إفْرَازٌ، لَا إنْ قُلْنَا: هِيَ بَيْعٌ مُطْلَقًا أَوْ إفْرَازٌ وَفِيهَا رَدٌّ مِنْ الْمَالِكِ فَلَا تَصِحُّ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِامْتِنَاعِ بَيْعِ الْوَقْفِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ بِإِزَاءِ مِلْكِهِ جُزْءًا مِنْ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَدٌّ أَوْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ مِنْ أَرْبَابِ الْوَقْفِ صَحَّتْ، وَلَغَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قِسْمَةُ وَقْفٍ فَقَطْ بِأَنْ قُسِمَ بَيْنَ أَرْبَابِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا إذَا صَدَرَ الْوَقْفُ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ كَمَا تَجُوزُ قِسْمَةُ الْوَقْفِ مَعَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ رَاجِحٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَأَفْتَيْت بِهِ. قَالَ شَيْخُنَا: وَكَلَامُهُ مُتَدَافِعٌ فِيمَا إذَا صَدَرَ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلَيْنِ أَوْ عَكْسِهِ، وَالْأَقْرَبُ فِي الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْجَوَازُ، وَفِي الثَّانِي عَدَمُهُ. (وَيُشْتَرَطُ فِي) قِسْمَةِ (الرَّدِّ الرِّضَا) فِي ابْتِدَاءِ الْقُرْعَةِ جَزْمًا، وَ (بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْصُلُ بِالْقُرْعَةِ فَافْتَقَرَ إلَى التَّرَاضِي بَعْدَ خُرُوجِهَا كَقَبْلِهِ وَقِيلَ: يَلْزَمُ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْأَكْثَرُ بَدَلُ مَا يُقَابِلُ الزَّائِدَ كَالْقِسْمَةِ الْمُجْبَرِ عَلَيْهَا. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ اُعْتُبِرَ التَّرَاضِي فِي ابْتِدَائِهَا بِخِلَافِ الْإِجْبَارِ (وَلَوْ تَرَاضَيَا) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 335 بِقِسْمَةِ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ اُشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ فِي الْأَصَحِّ، كَقَوْلِهِمَا رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ. وَلَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ غَلَطٍ أَوْ حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ نُقِضَتْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَاهُ وَاحِدٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ.   [مغني المحتاج] أَيْ الشَّرِيكَانِ فَأَكْثَرُ (بِقِسْمَةِ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ اُشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ) خُرُوجِ (الْقُرْعَةِ) (فِي الْأَصَحِّ) وَصِيغَةُ الرِّضَا (كَقَوْلِهِمَا رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ) أَوْ بِهَذَا (أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ) ؛ لِأَنَّ الرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَوَجَبَ أَنْ يُنَاطَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَتَبِعَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خَلَلٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ هُوَ قِسْمَةُ الرَّدِّ فَقَطْ، وَقَدْ ذَكَرَهَا قَبْلَهَا بِلَا فَاصِلَةٍ، وَجَزَمَ بِاشْتِرَاطِ الرِّضَا فَلَزِمَ التَّكْرَارُ مَعَ جَزْمِهِ أَوَّلًا، وَحِكَايَةِ الْخِلَافِ ثَانِيًا. ثَانِيهَا: أَنَّهُ عَبَّرَ بِ الْأَصَحِّ فَاقْتَضَى قُوَّةَ الْخِلَافِ، وَفِي الرَّوْضَةِ عَبَّرَ بِالصَّحِيحِ فَاقْتَضَى ضَعْفَ مُقَابِلِهِ، ثَالِثُهَا أَنَّهُ عَكَسَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا الْخِلَافَ إلَّا فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ، فَقَالَ: وَالْقِسْمَةُ الَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا جَرَتْ بِالتَّرَاضِي هَلْ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ فِيهَا؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ مِنْهُمَا التَّكْرَارَ اهـ وَقَالَ فِي التَّوْشِيحِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنْ يَكْتُبَ مَا فِيهِ إجْبَارٌ فَكَتَبَ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ مَا الْإِجْبَارُ فِيهِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْإِجْبَارِ. ثُمَّ سَقَطَتْ الْأَلِفُ فَقُرِئَتْ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ، وَبِهَذَا يَزُولُ التَّكْرَارَ أَوْ التَّنَاقُضُ وَالتَّعَاكُسُ اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ اُعْتُرِضَ قَوْلُهُ: لَا إجْبَارَ فِيهِ بِأَنَّ صَوَابَهُ عَكْسُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ الْقِسْمَةُ الَّتِي يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا جَرَتْ بِالتَّرَاضِي إلَخْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا انْتَفَى فِيهِ الْإِجْبَارُ مِمَّا هُوَ مَحَلُّهُ الَّذِي هُوَ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ وَالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَصَرْحُ فِي الْمُرَادِ مِمَّا فِي الْمُحَرَّرِ اهـ. فَقَوْلُ: الشَّارِحِ وَهُوَ: أَيْ الْمُرَادُ لَا عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ، وَكَوْنُهُ أَصْرَحُ؛ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ فِيهِ بِالرِّضَا وَعَدَمِ الْإِجْبَارِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْإِجْبَارِ لَازِمًا لَهَا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ أَصَرْحُ مِنْ اللَّازِمِ. (وَلَوْ) (ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَبِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ الشَّاهِدِ وَيَمِينٍ (غَلَطٍ) وَلَوْ غَيْرُ فَاحِشٍ (أَوْ) ثَبَتَ (حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ) (نُقِضَتْ) تِلْكَ الْقِسْمَةُ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى ظُلْمِ الْقَاضِي أَوْ كَذِبِ الشُّهُودِ. تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ بِالْحُجَّةِ لَكَانَ أَعَمَّ لِيَشْمَلَ مَا ذُكِرَ (فَإِنْ) (لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ) وَلَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِغَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ (وَادَّعَاهُ) أَيْ الْغَلَطَ أَوْ الْحَيْفَ (وَاحِدٌ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَبَيَّنَ قَدْرَ مَا ادَّعَاهُ (فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى خَصْمِهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَنَفَعَهُ فَأَنْكَرَ كَانَ لَهُ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ حَلَفَ مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى الْقَاسِمِ بِذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ كَمَا لَا يَحْلِفُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَمْ يَظْلِمْ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ الْقَاسِمُ وَصَدَّقُوهُ نُقِضَتْ الْقِسْمَةُ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ لَمْ تُنْقَضْ، وَرَدَّ الْأُجْرَةَ كَالْقَاضِي يَعْتَرِفُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 336 وَلَوْ ادَّعَاهُ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ، فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى. قُلْت: وَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ نُقِضَتْ إنْ ثَبَتَ، وَإِلَّا فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا بَطَلَتْ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، أَوْ مِنْ النَّصِيبَيْنِ مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ بَقِيَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] بِالْغَلَطِ أَوْ الْحَيْفِ فِي الْحُكْمِ إنْ صَدَّقَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ رَدَّ الْمَالَ الْمَحْكُومَ بِهِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَغَرِمَ الْقَاضِي لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بَدَلَ مَا حَكَمَ بِهِ، وَقَوْلُ الْقَاسِمِ فِي قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ حَالَ وِلَايَتِهِ قَسَمْت كَقَوْلِ الْقَاضِي وَهُوَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت فَيُقْبَلُ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ، بَلْ لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ أُجْرَةً إذَا ذَكَرَ فِعْلَهُ. (وَلَوْ) (ادَّعَاهُ) أَيْ الْغَلَطَ أَوْ الْحَيْفَ (فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ) بِأَنْ نَصَبَا قَاسِمًا أَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَرَضِيَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ (وَقُلْنَا: هِيَ) أَيْ قِسْمَةُ التَّرَاضِي (بَيْعٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ) وَعَلَى هَذَا (فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى) وَإِنْ تَحَقَّقَ الْغَبْنُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِتَرْكِ الزِّيَادَةِ لَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَبْنٍ، وَالثَّانِي لَهَا أَثَرٌ فَتَنْقُضُ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَاضَيَا لِاعْتِقَادِهِمَا أَنَّهَا قِسْمَةُ عَدْلٍ فَبَانَ خِلَافُهُ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ رِبَوِيًّا وَتَحَقَّقَ الْغَلَطُ أَوْ الْحَيْفُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ بَاطِلَةٌ لَا مَحَالَةَ لِلرِّبَا، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَإِنْ قُلْنَا) إنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي (إفْرَازٌ نُقِضَتْ) تِلْكَ الْقِسْمَةُ بِادِّعَاءِ الْغَلَطِ فِيهَا (إنْ ثَبَتَ) الْغَلَطُ بِبَيِّنَةٍ (وَإِلَّا فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذَا الْحُكْمُ يُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ الْمُحَرَّرِ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إيضَاحًا. (وَلَوْ) (اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا) كَالرُّبْعِ (بَطَلَتْ) تِلْكَ الْقِسْمَةُ (فِيهِ) أَيْ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ (وَفِي الْبَاقِي) بَعْدَهُ (خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ الصِّحَّةُ وَثَبَتَ الْخِيَارُ، وَالثَّانِي: الْبُطْلَانُ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ (أَوْ) لَمْ يُسْتَحَقَّ بَعْضُ الْمَقْسُومِ شَائِعًا (مِنْ النَّصِيبَيْنِ) قَدْرٌ (مُعَيَّنٌ) حَالَةَ كَوْنِهِ (سَوَاءٌ بَقِيَتْ) تِلْكَ الْقِسْمَةُ فِي الْبَاقِي (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ مِنْ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ (بَطَلَتْ) تِلْكَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى لِكُلِّ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ قَدْرَ حَقِّهِ، بَلْ يَحْتَاجُ أَحَدُهُمَا إلَى الرُّجُوعِ عَلَى الْآخَرِ وَتَعُودُ الْإِشَاعَةُ. تَنْبِيهٌ أَرَادَ بِبُطْلَانِهَا ظَاهِرًا وَإِلَّا فَبِالِاسْتِحْقَاقِ بَانَ أَنْ لَا قِسْمَةَ، وَاسْتَثْنَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْغَنِيمَةِ عَيْنٌ لِمُسْلِمٍ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَظْهَرْ أَمْرُهَا إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، بَلْ يُعَوَّضُ مَنْ وَقَعَتْ فِي نَصِيبِهِ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَلَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا إنْ كَثُرَ الْجُنْدُ، فَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا كَعَشَرَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُنْقَضَ، إذْ لَا عُسْرَ فِي إعَادَتِهَا. خَاتِمَةٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ مُهِمَّةٍ: تُقْسَمُ الْمَنَافِعُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ كَمَا تُقْسَمُ الْأَعْيَانُ مُهَايَأَةً الجزء: 6 ¦ الصفحة: 337 وَاَللَّهُ أَعْلَمُ   [مغني المحتاج] مُيَاوَمَةً وَمُشَاهَرَةً وَمُسَانَهَةً وَعَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يَزْرَعَ هَذَا مَكَانًا مِنْ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا مَكَانًا آخَرَ مِنْهُ، لَكِنْ لَا إجْبَارَ فِي الْمُنْقَسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي طُلِبَتْ قِسْمَةُ مَنَافِعِهَا فَلَا تُقْسَمُ إلَّا بِالتَّوَافُقِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ تُعَجِّلُ حَقَّ أَحَدِهِمَا وَتُؤَخِّرُ حَقَّ الْآخَرِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا فِي الْمَنَافِعِ الْمَمْلُوكَةِ بِحَقِّ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ. أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَيُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ، إذْ لَا حَقَّ لِلشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْمُهَايَأَةِ وَتَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِأَحَدِهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَنْ الْمُهَايَأَةِ، فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْهَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَ الْمُسْتَوْفِي لِلْآخَرِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا اسْتَوْفَى كَمَا إذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَوْفِي أَحَدُهُمَا مَنْفَعَتَهَا، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْمُهَايَأَةِ وَأَصَرَّا عَلَى ذَلِكَ أَجَّرَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِمَا وَلَا يَبِيعُهَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَامِلَانِ وَلَا حَقَّ لِغَيْرِهِمَا فِيهَا. وَلَا تَجُوزَ الْمُهَايَأَةُ فِي ثَمَرِ الشَّجَرِ لِيَكُونَ لِهَذَا عَامًا، وَلِهَذَا عَامًا، وَلَا فِي لَبَنِ الشَّاةِ مَثَلًا لِيَحْلُبَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبَوِيٌّ مَجْهُولٌ، وَطَرِيقُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنْ يُبِيحَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مُدَّةً، وَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ لِضَرُورَةِ الشَّرِكَةِ مَعَ تَسَامُحِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ جَمَاعَةً إلَى قِسْمَةِ شَيْءٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ حَتَّى يُقِيمُوا عِنْدَهُ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِمْ، سَوَاءٌ اتَّفَقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ أَوْ تَنَازَعُوا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ فَقَدْ يَدَّعُونَ الْمِلْكَ مُحْتَجِّينَ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي، وَيُقْبَلُ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَكَذَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الدُّيُونِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الذِّمَمِ؛ لِأَنَّهَا: إمَّا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، أَوْ إفْرَازُ مَا فِي الذِّمَّةِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ إفْرَازُ مَا فِي الذِّمَّةِ لِعَدَمِ قَبْضِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ لِأَحَدِهِمَا وَمَا فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو لِلْآخَرِ لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدٌ مِنْهُمَا بِمَا قَبَضَهُ. وَلَوْ تَقَاسَمَ شَرِيكَانِ ثُمَّ تَنَازَعَا فِي بَيْتٍ أَوْ قِطْعَةِ أَرْضٍ وَقَالَ: كُلٌّ هَذَا مِنْ نَصِيبِي وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: يَحْلِفُ ذُو الْيَدِ وَلِمَنْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَفْسَخَ. وَلَوْ تَقَاسَمَا دَارًا وَبَابُهَا فِي قَسْمِ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْتَطْرِقُ إلَى نَصِيبِهِ مِنْ بَابٍ يَفْتَحُهُ إلَى شَارِعٍ فَمَنَعَهُ السُّلْطَانُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْقِسْمَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ خِلَافًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَلَا يُقَاسِمُ الْوَلِيُّ مَحْجُورَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَوَلِيِّهِ حِنْطَةٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 338 كِتَابُ الشَّهَادَاتِ شَرْط الشَّاهِد مسلم حر   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] ِ جَمْعُ شَهَادَةٍ مَصْدَرُ شَهِدَ، مِنْ الشُّهُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ وَالشَّاهِدُ حَامِلُ الشَّهَادَةِ وَمُؤَدِّيهَا؛ لِأَنَّهُ مُشَاهِدٌ لِمَا غَابَ عَنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنْ الْإِعْلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: 18] أَيْ أَعْلَمَ وَبَيَّنَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وقَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] وَهُوَ أَمْرُ إرْشَادٍ، لَا وُجُوبٍ وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَيْسَ لَك إلَّا شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَخَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ، فَقَالَ لِلسَّائِلِ: تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. وَأَمَّا خَبَرُ: «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَخْرِجُ بِهِمْ الْحُقُوقَ وَيَدْفَعُ بِهِمْ الظُّلْمَ» فَضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: شَاهِدٌ، وَمَشْهُودٌ لَهُ، وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ، وَمَشْهُودٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ، وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَقَدْ بَدَأَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ (شَرْطُ الشَّاهِدِ) أَيْ شُرُوطُهُ (مُسْلِمٌ) وَلَوْ بِالتَّبَعِيَّةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَبُولِهِ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ، وَلِأَحْمَدَ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَيْسَ مِنَّا وَلِأَنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يُؤْمَنُ الْكَذِبُ مِنْهُ عَلَى خَلْقِهِ. (حُرٌّ) وَلَوْ بِالدَّارِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 339 مُكَلَّفٌ   [مغني المحتاج] فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَقِيقٍ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا. (مُكَلَّفٌ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَجْنُونٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا صَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 340 عَدْلٌ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ. (عَدْلٌ) فَلَا تُقْبَلُ مِنْ فَاسِقٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 341 ذُو مُرُوءَةٍ   [مغني المحتاج] (ذُو مُرُوءَةٍ) بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ سُهُولَةٍ، وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ لَا حَيَاءَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 342 غَيْرُ مُتَّهَمٍ.   [مغني المحتاج] لَهُ، وَمَنْ لَا حَيَاءَ لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا. (غَيْرُ مُتَّهَمٍ) فِي شَهَادَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 343 وَشَرْطُ   [مغني المحتاج] وَالرِّيبَةُ حَاصِلَةٌ بِالتُّهَمِ وَلِمَا رَوَى الْحَاكِمُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَلَا ذِي الْحِنَّةِ» وَالظِّنَّةُ: التُّهْمَةُ، وَالْحِنَّةُ: الْعَدَاوَةُ. تَنْبِيهٌ بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ شُرُوطٌ لَمْ يَذْكُرْهَا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ يَقِظًا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّوْبَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ. (وَشَرْطُ) تَحَقُّقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 344 الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى   [مغني المحتاج] (الْعَدَالَةِ) وَهِيَ لُغَةً التَّوَسُّطُ، وَشَرْعًا (اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ) أَيْ كُلٍّ مِنْهَا (وَ) اجْتِنَابُ (الْإِصْرَارِ عَلَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 345 صَغِيرَةٍ. وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ عَلَى الصَّحِيحِ،   [مغني المحتاج] صَغِيرَةٍ) مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ، وَفَسَّرَ جَمَاعَةٌ الْكَبِيرَةَ بِأَنَّهَا: مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَقِيلَ: هِيَ الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ، وَيَذْكُرُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمِيلُ، وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ اهـ. ؛ لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَلَا حَدَّ فِيهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ: هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِهَا بِقَرِينَةِ التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، هَذَا ضَبْطُهَا بِالْحَدِّ وَأَمَّا بِالْعَدِّ فَأَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إنَّهَا إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ، أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي فَمِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ، فَمِنْ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ أَوْقَاتِهَا بِلَا عُذْرٍ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ، وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَمْنُ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَالزِّنَا، وَاللِّوَاطُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَإِنْ قَلَّ، وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ، وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا يَبْلُغُ رُبُعَ مِثْقَالٍ كَمَا يُقْطَعُ بِهِ فِي السَّرِقَةِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ بِلَا عُذْرٍ، وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَطْعُ الرَّحِمِ، وَالْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْدًا وَسَبُّ الصَّحَابَةِ، وَأَخْذُ الرِّشْوَةِ، وَالنَّمِيمَةُ وَأَمَّا الْغِيبَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَمِنْ الصَّغَائِرِ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ، وَكَذِبٌ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ وَالْإِشْرَافُ عَلَى بُيُوتِ النَّاسِ، وَهَجْرُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَكَثْرَةُ الْخُصُومَاتِ إلَّا إنْ رَاعَى حَقَّ الشَّرْعِ فِيهَا، وَالضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالنِّيَاحَةُ، وَشَقُّ الْجَيْبِ فِي الْمُصِيبَةِ. وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ الْفُسَّاقِ إينَاسًا لَهُمْ، وَإِدْخَالُ مَجَانِينَ وَصِبْيَانٍ وَنَجَاسَةٍ يَغْلِبُ تَنْجِيسُهُمْ الْمَسْجِدَ، وَاسْتِعْمَالُ نَجَاسَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَبِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ، أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ. إلَّا أَنْ تَغْلِبَ طَاعَتُهُ مَعَاصِيهِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ فَلَا تَنْتَفِي عَدَالَتُهُ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِانْتِفَاءَ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ عَطْفُ الْإِصْرَارِ عَلَى الْكَبَائِرِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ كَبِيرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ كَمَا أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَةِ كُفْرًا فَائِدَةٌ فِي الْبَحْرِ: لَوْ نَوَى الْعَدْلُ فِعْلَ كَبِيرَةٍ غَدًا كَزِنًا لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ فَاسِقًا بِخِلَافِ نِيَّةِ الْكُفْرِ. (وَيَحْرُمُ) (اللَّعِبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (بِالنَّرْدِ) (عَلَى الصَّحِيحِ) لِخَبَرِ «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَهُوَ عَلَى هَذَا صَغِيرَةٌ (وَ) الثَّانِي: يُكْرَهُ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 346 وَيُكْرَهُ بِشِطْرَنْجٍ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَقِمَارٌ. وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ وَسَمَاعُهُ. وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ   [مغني المحتاج] (يُكْرَهُ بِشِطْرَنْجٍ) وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الشِّطْرَنْجَ، وَهُوَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ مُعْجَمًا وَمُهْمَلًا وُضِعَ لِصِحَّةِ الْفِكْرِ وَالتَّدْبِيرِ فَهُوَ يُعِينُ عَلَى تَدْبِيرِ الْحُرُوبِ وَالْحِسَابِ وَالنَّرْدُ مَوْضُوعُهُ مَا يُخْرِجُهُ الْكَعْبَانِ أَيْ الْحَصَى وَنَحْوُهُ كَالْأَزْلَامِ، وَأَمَّا اللَّعِبُ بِالطَّابِ، فَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْدَةَ فِيهِ عَلَى مَا تُخْرِجُهُ الْجَرَائِدُ الْأَرْبَعُ وَقَالَ غَيْرُهُ بِالْكَرَاهَةِ كَالشِّطْرَنْجِ؛ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ مَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى إخْرَاجِ الْكَعْبَيْنِ فَكَالنَّرْدِ، أَوْ عَلَى الْفِكْرِ فَكَالشِّطْرَنْجِ (فَإِنْ) (شُرِطَ فِيهِ) أَيْ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ (مَالٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) عَلَى أَنَّ مَنْ غَلَبَ مِنْ اللَّاعِبَيْنِ فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا (فَقِمَارٌ) فَيَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِنْ شُرِطَ مِنْ جَانِبِ أَحَدِ اللَّاعِبَيْنِ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ؛ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حَرَامٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ بِتَأْوِيلٍ، وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهِ فُحْشٌ أَوْ تَأْخِيرُ فَرِيضَةٍ عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا، وَكَذَا سَهْوًا كَلَعِبٍ بِهِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَحَرَامٌ أَيْضًا لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَكَذَا إذَا لَعِبَ بِهِ مَعَ مُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا الْحَزَّةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزَّايِ: قِطْعَةُ خَشَبٍ يُحْفَرُ فِيهَا حُفَرٌ فِي ثَلَاثَةِ أَسْطُرٍ يُجْعَلُ فِيهَا حَصًى صِغَارٌ وَيُلْعَبُ بِهَا وَتُسَمَّى الْمُنَقِّلَةُ، وَقَدْ تُسَمَّى الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَالْقَرَقُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ، وَيُقَالُ: بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ: أَنْ يَخُطَّ فِي الْأَرْضِ خَطٌّ مُرَبَّعٌ وَيُجْعَلُ فِي وَسَطِهِ خَطَّانِ كَالصَّلِيبِ، وَيُجْعَلُ عَلَى رُءُوسِ الْخُطُوطِ حَصًى صِغَارٌ تُقَلَّبُ بِهَا، فَفِيهَا وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الرَّافِعِيِّ السَّابِقِ الْجَوَازُ، وَجَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى أَنَّهُمَا كَالنَّرْدِ. وَيَجُوزُ اللَّعِبُ بِالْخَاتَمِ، وَيُكْرَهُ بِالْمَرَاجِيحِ وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَرَاهَةَ اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ. قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: هَذَا حَيْثُ لَمْ يَسْرِقْ اللَّاعِبُ طُيُورَ النَّاسِ، فَإِنْ فَعَلَ حَرُمَ وَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ، وَاِتِّخَاذُ الْحَمَامِ لَلْفِرَاخِ وَالْبَيْضِ وَالْأُنْسِ بِهَا، وَحَمْلُ الْبَطَائِقِ عَلَى أَجْنِحَتِهَا جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَيَحْرُمُ كَمَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الدُّيُوكِ وَالْكِلَابِ وَتَرْقِيصُ الْقُرُودِ وَنِطَاحُ الْكِبَاشِ، وَالتَّفَرُّجُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَةِ، وَاللَّعِبُ بِالصُّوَرِ، وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهَا. (وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ) بَلْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ مَنْدُوبٌ لِأَخْبَارٍ صَحِيحَةٍ وَرَدَتْ بِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَنْشِيطِ الْإِبِلِ لِلسَّيْرِ وَإِيقَاظِ النَّائِمِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَبِالْمَدِّ بِخَطِّهِ، وَكَذَا فِي الْمُحْكَمِ وَالصِّحَاحِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْحَاءِ، وَيُقَالُ: فِيهِ حَدْوٌ أَيْضًا، وَهُوَ مَا يُقَالُ خَلْفَ الْإِبِلِ مِنْ رَجَزِ شِعْرٍ وَغَيْرِهِ، ذَكَرَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الدِّينَوَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَادِيَةِ فَأَضَافَهُ رَجُلٌ، فَرَأَى عِنْدَهُ عَبْدًا أَسْوَدَ مُقَيَّدًا فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَقَالَ مَوْلَاهُ: إنَّهُ ذُو صَوْتٍ طَيِّبٍ وَكَانَتْ لَهُ عِيسٌ فَحَمَّلَهَا أَحْمَالًا ثَقِيلَةً وَحَدَأَهَا فَقَطَعَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي يَوْمٍ، فَلَمَّا حَطَّتْ أَحْمَالَهَا مَاتَتْ كُلُّهَا قَالَ: فَشَفَعْت فِيهِ فَشَفَّعَنِي، ثُمَّ سَأَلْته أَنْ يَحْدُوَ لِي فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَسَقَطْت لِوَجْهِي مِنْ طِيبِ صَوْتِهِ حَتَّى أَشَارَ إلَيْهِ مَوْلَاهُ بِالسُّكُوتِ (وَ) يُبَاحُ (سَمَاعُهُ) أَيْضًا وَاسْتِمَاعُهُ، لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ «حَرِّكْ بِالْقَوْمِ فَانْدَفَعَ يَرْتَجِزُ» . (وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ) وَهُوَ بِالْمَدِّ، وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 347 بِلَا آلَةٍ، وَسَمَاعُهُ. وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مِنْ شِعَارِ الشَّرَبَةِ كَطُنْبُورٍ وَعُودٍ وَصَنْجٍ وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ وَاسْتِمَاعُهَا، لَا يَرَاعٍ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] يُقْصَرُ، وَبِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَهُوَ وَاَللَّهِ الْغِنَاءُ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ. هَذَا إذَا كَانَ (بِلَا آلَةٍ) مِنْ الْمَلَاهِي الْمُحَرَّمَةِ (وَ) يُكْرَهُ (سَمَاعُهُ) كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ اسْتِمَاعُهُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى. أَمَّا مَعَ الْآلَةِ فَحَرَامَانِ، وَاسْتِمَاعُهُ بِلَا آلَةٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، فَإِنْ خِيفَ مِنْ اسْتِمَاعِهِ مِنْهَا أَوْ مِنْ أَمْرَدَ فِتْنَةٌ فَحَرَامٌ قَطْعًا. فَائِدَةٌ الْغِنَاءُ مِنْ الصَّوْتِ مَمْدُودٌ، وَمِنْ الْمَالِ مَقْصُورٌ. تَنْبِيهٌ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ مَسْنُونٌ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِدَارَةِ لِلْقِرَاءَةِ بِأَنْ يَقْرَأَ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ قِطْعَةً، ثُمَّ الْبَعْضُ قِطْعَةً بَعْدَهَا، وَلَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْآيَةِ لِلتَّدْبِيرِ، وَلَا بِاجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَا بِقِرَاءَتِهِ بِالْأَلْحَانِ، فَإِنْ أَفْرَطَ فِي الْمَدِّ وَالْإِشْبَاعِ حَتَّى وَلَّدَ حُرُوفًا مِنْ الْحَرَكَاتِ أَوْ أَسْقَطَ حُرُوفًا حَرُمَ، وَيَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ، وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَيُسَنُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ، وَتَدَبُّرُهَا، وَالْبُكَاءُ عِنْدَهَا، وَاسْتِمَاعُ شَخْصٍ حَسَنِ الصَّوْتِ، وَالْمُدَارَسَةُ، وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَدَثِ. (وَيَحْرُمُ) (اسْتِعْمَالُ) أَوْ اتِّخَاذُ (آلَةٍ مِنْ شِعَارِ الشَّرَبَةِ) جَمْعُ شَارِبٍ وَهُمْ الْقَوْمُ الْمُجْتَمِعُونَ عَلَى الشَّرَابِ الْحَرَامِ، وَاسْتِعْمَالُ الْآلَةِ هُوَ الضَّرْبُ بِهَا (كَطُنْبُورٍ) بِضَمِّ الطَّاءِ، وَيُقَالُ الطِّنْبَارُ (وَعُودٍ وَصَنْجٍ) وَهُوَ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: صُفْرٌ يُضْرَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَتُسَمَّى الصَّفَّاقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عَادَةِ الْمُخَنَّثِينَ (وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَا يُضْرَبُ بِهِ مَعَ الْأَوْتَارِ (وَ) يَحْرُمُ (اسْتِمَاعُهَا) أَيْ الْآلَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ يُطْرِبُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ وَالْمَعَازِفَ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَعَازِفُ آلَاتُ اللَّهْوِ، وَمِنْ الْمَعَازِفِ الرَّبَابُ وَالْجُنْكُ (لَا) اسْتِعْمَالُ (يَرَاعٍ) وَهُوَ الشَّبَّابَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخُلُوِّ جَوْفِهَا، فَلَا تَحْرُمُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَشِّطُ عَلَى السَّيْرِ فِي السَّفَرِ (قُلْت: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ تَبِعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ الْغَزَالِيَّ، وَمَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ دَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ بِتَحْرِيمِهِ وَبَحَثَ جَوَازَ اسْتِمَاعِ الْمَرِيضِ إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ بِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ فِي مَرَضِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خِلَافًا لِلْعُلَمَاءِ فِي السَّمَاعِ بِالْمَلَاهِي وَبِالدُّفِّ وَالشَّبَّابَةِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: السَّمَاعُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ مُنْكَرٌ وَضَلَالَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَهَلَةِ وَالشَّيَاطِينِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ فَقَدْ كَذَبَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 348 وَيَجُوزُ دُفٌّ لِعُرْسٍ وَخِتَانٌ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ. وَيَحْرُمُ ضَرْبُ الْكُوبَةِ، وَهِيَ طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ.   [مغني المحتاج] وَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ يَزِيدُ فِي الذَّوْقِ فَهُوَ جَاهِلٌ أَوْ شَيْطَانٌ، وَمَنْ نَسَبَ السَّمَاعَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا، وَيُدْخَلُ فِي زُمْرَةِ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَلَيْسَ هَذَا طَرِيقَةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِزْبِهِ وَأَتْبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ طَرِيقَةُ أَهْلِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْبَاطِلِ، وَيُنْكَرُ عَلَى هَذَا بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالْقَلْبِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِإِبَاحَةِ السَّمَاعِ فَذَاكَ حَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ دُفٌّ وَشَبَّابَةٌ، وَلَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، وَلَا مَنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ. (وَيَجُوزُ دُفٌّ) بِضَمِّ الدَّالِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَدْفِيفِ الْأَصَابِعِ عَلَيْهِ (لِعُرْسٍ) لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» (وَ) يَجُوزُ (خِتَانٌ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ صَوْتَ دُفٍّ بَعَثَ، فَإِنْ كَانَ فِي النِّكَاحِ أَوْ الْخِتَانِ سَكَتَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمَا عَمِلَ بِالدِّرَّةِ " (وَكَذَا غَيْرُهُمَا) أَيْ الْعُرْسِ وَالْخِتَانِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِإِظْهَارِ السُّرُورِ كَوِلَادَةٍ، وَعِيدٍ، وَقُدُومِ غَائِبٍ، وَشِفَاءِ مَرِيضٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ الْمَدِينَةَ مِنْ بَعْضِ مَغَازِيهِ جَاءَتْهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت إنْ رَدَّك اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ، فَقَالَ لَهَا: إنْ كُنْت نَذَرْت فَأَوْفِ بِنَذْرِك» وَلِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ إظْهَارُ السُّرُورِ. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يُسْتَحَبُّ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَوَقْتِ الْعَقْدِ وَالزِّفَافِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِأَثَرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَارِّ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ ضَرْبَ الدُّفِّ فِي أَمْرٍ مُهِمٍّ مِنْ قُدُومِ عَالِمٍ أَوْ سُلْطَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (وَإِنْ كَانَ) (فِيهِ) أَيْ الدُّفِّ (جَلَاجِلُ) لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِجَلَاجِلَ فَعَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ. تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ الْمُرَادَ بِالْجَلَاجِلِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: الْمُرَادُ بِهِ الصُّنُوجُ: جَمْعُ صَنْجٍ، وَهِيَ الْحِلَقُ الَّتِي تُجْعَلُ دَاخِلَ الدُّفِّ، وَالدَّوَائِرُ الْعِرَاضُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ صُفْرٍ وَتُوضَعُ فِي خُرُوقِ دَائِرَةِ الدُّفِّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَمَا يَقْتَضِيه إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْحَلِيمِيِّ فِي تَخْصِيصِهِ لَهُ بِالنِّسَاءِ. (وَيَحْرُمُ) (ضَرْبُ الْكُوبَةِ) (وَهِيَ) بِضَمِّ كَافِهَا وَسُكُونِ وَاوِهَا (طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ) وَاسِعُ الطَّرَفَيْنِ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّشْبِيهُ بِمَنْ يَعْتَادُ ضَرْبَهُ وَهُمْ الْمُخَنَّثُونَ، وَمُحَرَّمٌ اسْتِمَاعُهَا أَيْضًا لِمَا مَرَّ فِي آلَةِ الْمَلَاهِي. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ إبَاحَةُ مَا عَدَاهَا مِنْ الطُّبُولِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّ مُرَادَهُمْ مَا عَدَا طُبُولِ اللَّهْوِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِتَحْرِيمِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 349 لَا الرَّقْصُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ الْمُخَنِّثِ. وَيُبَاحُ قَوْلُ شَعْرٍ وَإِنْشَادُهُ إلَّا أَنْ يَهْجُوَ   [مغني المحتاج] طُبُولِ اللَّهْوِ الْعِمْرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: تَفْسِيرُ الْكُوبَةِ بِالطَّبْلِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: غَلِطَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا الطَّبْلُ، بَلْ هِيَ النَّرْدُ اهـ. لَكِنْ فِي الْمُحْكَمِ الْكُوبَةُ: الطَّبْلُ وَالنَّرْدُ، فَجَعَلَهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْسُنُ التَّغْلِيطُ. (لَا الرَّقْصُ) فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَرَكَاتٍ عَلَى اسْتِقَامَةٍ أَوْ اعْوِجَاجٍ، وَلَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ، بَلْ يُبَاحُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - يَسْتُرُهَا حَتَّى تَنْظُرَ إلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ وَيَرْفِسُونَ» وَالرَّفْسُ: الرَّقْصُ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذْ ذَاكَ صَغِيرَةً، أَوْ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ، لَا إلَى أَبْدَانِهِمْ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَفَّالُ وَفِي الْإِحْيَاءِ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِوَجْدٍ فَيَجُوزُ - أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارٍ فَلَا يُوصَفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانُوا مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِلَّا فَنَجِدُ أَكْثَرَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْسَ مَوْصُوفًا بِهَذَا، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الرَّقْصُ لَا يَتَعَاطَاهُ إلَّا نَاقِصُ الْعَقْلِ، وَلَا يَصْلُحُ إلَّا لِلنِّسَاءِ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ إبَاحَتِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ) (يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ الْمُخَنِّثِ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا، وَبِالْمُثَلَّثَةِ: مَنْ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ فِي حَرَكَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ فَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَأَقَرَّهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خِلْقَةً فَلَا إثْمَ. وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى: مَا يُفْعَلُ فِي وَفَاءِ النِّيلِ مِنْ رَجُلٍ يُزَيَّنُ بِزِينَةِ امْرَأَةٍ، وَيُسَمُّونَهُ عَرُوسَةُ الْبَحْرِ، فَهَذَا مَلْعُونٌ فَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إزَالَةِ ذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْهُ. (وَيُبَاحُ) (قَوْلُ شَعْرٍ) أَيْ إنْشَاؤُهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْشَادُهُ) وَاسْتِمَاعُهُ؛ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ: مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَرَ دَمَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، فَوَرَدَ إلَى الْمَدِينَةِ مُسْتَخْفِيًا، وَقَامَ إلَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُمْتَدِحًا فَقَالَ: - بَانَتْ سُعَادُ: إلَى آخِرِهَا - فَرَضِيَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ بُرْدَةً ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُعَاوِيَةُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» . قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهِيَ الَّتِي مَعَ الْخُلَفَاءِ إلَى الْيَوْمِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَمِعْت شِعْرَ الْهُذَلِيِّينَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الشِّعْرُ كَلَامٌ، حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ» ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ صُوَرًا لَا يُبَاحُ فِيهَا قَوْلُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ فِي قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَهْجُوَ) وَلَوْ بِمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ لِلْإِيذَاءِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ مُسْلِمٍ «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» . تَنْبِيهٌ مَحَلُّ تَحْرِيمِ الْهِجَاءِ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ: أَيْ غَيْرِ مَعْصُومٍ جَازَ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 350 أَوْ يُفْحِشَ، أَوْ يُعَرِّضَ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَالْمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ،   [مغني المحتاج] صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ حَسَّانَ بِهَجْوِ الْكُفَّارِ» بَلْ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَمِثْلُهُ فِي جَوَازِ الْهَجْوِ الْمُبْتَدِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ، وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ هَجْوِ الْكَافِرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمِ الْمُعَيَّنِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ عَدَمُ جَوَازِ لَعْنِهِ، فَإِنَّ اللَّعْنَ الْإِبْعَادُ مِنْ الْخَيْرِ، وَلَاعِنُهُ لَا يَتَحَقَّقُ بُعْدُهُ مِنْهُ، فَقَدْ يُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرٍ، بِخِلَافِ الْهَجْوِ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُفْحِشَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ بِأَنْ يُجَاوِزَ الشَّاعِرُ الْحَدَّ فِي الْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ وَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ، وَلَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ: لَا تَكَادُ تَجِدُ مَدَّاحًا إلَّا رَذْلًا، وَلَا هَجَّاءً إلَّا بَذْلًا (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُعَرِّضَ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ يُشَبِّبَ (بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ) غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ، وَهُوَ ذِكْرُ صِفَاتِهَا مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ وَصُدْغٍ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُعَيَّنَةِ عَنْ التَّشْبِيبِ بِمُبْهَمَةٍ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ وَإِنْشَادُهُ قَصِيدَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ التَّشْبِيبَ صَنْعَتُهُ وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ لَا تَخْصِيصُ الْمَذْكُورِ. أَمَّا حَلِيلَتُهُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَلَا يَحْرُمُ التَّشْبِيبُ بِهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَدَمَ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ، وَلَوْ شَبَّبَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِمَّا حَقُّهُ الْإِخْفَاءُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِسُقُوطِ مُرُوءَتِهِ، وَكَذَا لَوْ وَصَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِأَعْضَائِهَا الْبَاطِنَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا شَبَّبَ بِغُلَامٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَعْشَقُهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: يَفْسُقُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَاعْتُبِرَ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ التَّعْيِينُ كَالْمَرْأَةِ، وَهَذَا أَوْلَى، وَلَيْسَ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ كَلَيْلَى تَعْيِينًا. (وَالْمُرُوءَةُ) لِلشَّخْصِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا أَنَّهَا (تَخَلُّقٌ) لِلْمَرْءِ (بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ) مِنْ أَبْنَاءِ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشَّرْعِ وَآدَابِهِ (فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعُرْفِيَّةَ قَلَّمَا تَنْضَبِطُ، بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، فَإِنَّ الْفِسْقَ يَسْتَوِي فِيهِ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ، بِخِلَافِ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ، وَقِيلَ: الْمُرُوءَةُ التَّحَرُّزُ عَمَّا يُسْخَرُ مِنْهُ وَيُضْحَكُ بِهِ، وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ عَنْ الْأَدْنَاسِ، وَلَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خُلُقُ أَمْثَالِهِ خُلُقُ الْحَيَاءِ كالقرندلية مَعَ فَقْدِ الْمُرُوءَةِ فِيهِمْ، وَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 351 فَالْأَكْلُ فِي سُوقٍ، وَالْمَشْيُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قُبَاءَ وَقَلَنْسُوَةٍ حَيْثُ لَا يُعْتَادُ، وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ   [مغني المحتاج] أَشَرْت إلَى رَدِّ هَذَا بِقَوْلِي: مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشَّرْعِ وَآدَابِهِ (فَالْأَكْلُ) وَالشُّرْبُ (فِي سُوقٍ) لِغَيْرِ سُوقِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ وَلِغَيْرِ مَنْ لَمْ يَغْلِبْهُ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ. وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الْأَكْلِ فِي السُّوقِ مَنْ أَكَلَ دَاخِلَ حَانُوتٍ مُسْتَتِرًا، وَفِيهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ (وَالْمَشْيُ) فِي السُّوقِ (مَكْشُوفَ الرَّأْسِ) أَوْ الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ مِثْلُهُ وَلِغَيْرِ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ. أَمَّا الْعَوْرَةُ فَكَشْفُهَا حَرَامٌ (وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ) لَهُ (بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَوْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْهَا مِنْ صَدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُهُمْ وَلَوْ وَاحِدًا فَلَوْ عَبَّرَ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ كَانَ أَوْلَى. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ الَّذِينَ يَسْتَحْيِي مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَالتَّقْبِيلُ الَّذِي يُسْتَحْيَا مِنْ إظْهَارِهِ، فَلَوْ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ بِحَضْرَةِ جَوَارِيهِ، أَوْ بِحَضْرَةِ زَوْجَاتٍ لَهُ غَيْرُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَقَرَنَ فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّقْبِيلِ أَنْ يَحْكِيَ مَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الْخَلْوَةِ مِمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي النِّكَاحِ بِكَرَاهَتِهِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ حَرَامٌ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَمَتَهُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَأَنَّهُ تَقْبِيلُ اسْتِحْسَانٍ لَا تَمَتُّعٍ، أَوْ فَعَلَهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَضُرُّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَمَدُّ الرِّجْلِ عِنْدَ النَّاسِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَقُبْلَةِ أَمَتِهِ بِحَضْرَتِهِمْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْتَشِمُهُ، فَلَوْ كَانَ بِحَضْرَةِ إخْوَانِهِ أَوْ نَحْوِهِمْ: كَتَلَامِذَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ (وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ) بَيْنَهُمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ، وَخَرَجَ بِالْإِكْثَارِ مَا لَمْ يُكْثِرْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعًا لَا تَصَنُّعًا كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُهُ الْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةَ بِالْإِكْثَارِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَدَاهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالْإِكْثَارِ، بَلْ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الَّذِي يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِهِ تَكَرُّرًا دَالًّا عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ: أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةُ وَالْمُرُوءَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّ الْعَدْلَ مَنْ لَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْمُرُوءَةِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا تَلْخِيصُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْإِكْثَارِ فِي الْجَمِيعِ (وَلُبْسُ فَقِيهٍ قُبَاءَ) بِالْمَدِّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ أَطْرَافِهِ، وَلُبْسُ جَمَّالٍ لُبْسَ الْقُضَاةِ (وَقَلَنْسُوَةٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ، وَبِضَمِّ الْقَافِ مَعَ السِّينِ: مَا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ، هَذَا (حَيْثُ) أَيْ فِي بَلَدٍ (لَا يُعْتَادُ) لِلْفَقِيهِ لُبْسُهَا، وَقَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ لُبْسُهُمَا لِلْفَقِيهِ بِأَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِمَا، فَأَشْعَرَ بِأَنَّ لُبْسَهُمَا فِي الْبَيْتِ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 352 الشِّطْرَنْجِ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ سَمَاعِهِ، وَإِدَامَةُ رَقْصٍ يُسْقِطُهَا، وَالْأَمْرُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمَاكِنِ، وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ وَدَبْغٍ مِمَّنْ لَا تَلِيقُ بِهِ تُسْقِطُهَا، فَإِنْ اعْتَادَهَا وَكَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَمَّا قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ شُرُوطِ الشَّاهِدِ كَوْنَهُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ بِتُهْمَةٍ تَرُدُّ شَهَادَتَهُ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ   [مغني المحتاج] الشِّطْرَنْجِ) بِحَيْثُ يُشْغِلُهُ عَنْ مُهِمَّاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُحَرِّمُهُ، وَيُرْجَعُ فِي قَدْرِ الْإِكْبَابِ لِلْعَادَةِ. أَمَّا الْقَلِيلُ مِنْ لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ فَلَا يَضُرُّ فِي الْخَلْوَةِ، بِخِلَافِ قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ هَادِمٌ لِلْمُرُوءَةِ وَالْإِكْبَابُ عَلَى لَعِبِ الْحَمَامِ كَالْإِكْبَابِ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ (أَوْ) عَلَى (غِنَاءٍ أَوْ سَمَاعِهِ) أَيْ اسْتِمَاعِهِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى، سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ أَمْ لَا، وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْإِكْبَابُ عَلَى إنْشَادِ الشِّعْرِ وَاسْتِنْشَادِهِ حَتَّى يَتْرُكَ بِهِ مُهِمَّاتِهِ، وَكَذَا اتِّخَاذُ جَارِيَةٍ أَوْ غُلَامٍ لِلْغِنَاءِ لِلنَّاسِ وَالْكَسْبِ بِالشِّعْرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا: وَالْغِنَاءُ قَدْ لَا يُزْرِي بِمَنْ يَلِيقُ بِهِ، فَلَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ (وَإِدَامَةُ) أَيْ إكْثَارُ (رَقْصٍ) وَقَوْلُهُ (يُسْقِطُهَا) أَيْ الْمُرُوءَةَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ خَبَرُ قَوْلِهِ: فَالْأَكْلُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (وَالْأَمْرُ فِيهِ) أَيْ مُسْقِطِ الْمُرُوءَةِ (يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمَاكِنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعُرْفِ، فَقَدْ يُسْتَقْبَحُ مِنْ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي حَالٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي قُطْرٍ دُونَ آخَرَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَحَمْلُ الْمَاءِ وَالْأَطْعِمَةِ إلَى الْبَيْتِ شُحًّا لَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ التَّارِكِينَ لِلتَّكَلُّفِ خَرْمُ مُرُوءَةٍ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَنْ يَلِيقُ بِهِ وَمَنْ يَفْعَلُهُ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَالتَّقَشُّفُ فِي الْأَكْلِ، وَاللُّبْسِ كَذَلِكَ. تَنْبِيهٌ يُرْجَعُ فِي قَدْرِ الْإِكْثَارِ لِلْعَادَةِ، وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِمْ مَا ذُكِرَ بِالْكَثْرَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا عَدَاهَا، لَكِنَّ ظَاهِرَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ التَّقْيِيدَ فِي الْكُلِّ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يُعَدُّ لَهَا خَارِمًا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَغَيْرِهِ، فَالْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ السُّوقِيِّ مَرَّةً فِي السُّوقِ لَيْسَ كَالْمَشْيِ فِيهِ مَكْشُوفًا (وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ) مُبَاحَةٌ (كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ) لِزِبْلٍ وَنَحْوِهِ (وَدَبْغٍ) وَنَحْوِهَا: كَقَيِّمِ حَمَّامٍ وَحَارِسٍ وَقَصَّابٍ وَإِسْكَافٍ وَنَخَّالٍ (مِمَّنْ لَا تَلِيقُ) هَذِهِ الْحِرْفَةُ (بِهِ) وَقَوْلُهُ (تُسْقِطُهَا) أَيْ الْمُرُوءَةَ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ خَبَرُ قَوْلِهِ: وَحِرْفَةُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: دَنِيئَةٌ بِالْهَمْزِ مِنْ الدَّنَاءَةِ، وَهِيَ السَّاقِطَةُ، وَبِتَرْكِهِ مِنْ الدُّنُوِّ بِمَعْنَى الْقَرِيبِ (فَإِنْ اعْتَادَهَا) مَعَ مُحَافَظَةِ مُخَامِرِ النَّجَاسَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا فِي أَثْوَابٍ طَاهِرَةٍ (وَكَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ، فَلَا) يُسْقِطُهَا (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّرُ بِذَلِكَ، وَهِيَ حِرْفَةٌ مُبَاحَةٌ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهَا، وَلَوْ رُدَّتْ بِهَا الشَّهَادَةُ لَرُبَّمَا تُرِكَتْ فَتُعَطِّلُ النَّاسَ. وَالثَّانِي تُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ فِي اخْتِيَارِهِ لَهَا مَعَ اتِّسَاعِ طُرُقِ الْكَسْبِ إشْعَارًا بِقِلَّةِ الْمُرُوءَةِ. تَنْبِيهٌ هَذَا التَّقْيِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ. وَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْقَيْدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَيَّدَ بِصَنْعَةِ آبَائِهِ بَلْ يُنْظَرُ هَلْ تَلِيقُ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 353 وَالتُّهْمَةُ أَنْ يَجُرَّ إلَيْهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَغَرِيمٍ لَهُ مَيِّتٍ أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ،   [مغني المحتاج] هُوَ أَمْ لَا؟ ، ثُمَّ إنَّهُ هُنَا وَافَقَ الْمُحَرَّرَ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ، وَاعْتُرِضَ جَعْلُهُمْ الْحِرْفَةَ الدَّنِيئَةَ مِمَّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ مَعَ حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ. أَمَّا الْحِرْفَةُ غَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَالْمُنَجِّمِ وَالْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ وَالْمُصَوِّرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لِأَنَّ شِعَارَهُمْ التَّلْبِيسُ عَلَى الْعَامَّةِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الصَّنَائِعِ الْكَذِبَ وَخَلْفَ الْوَعْدِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى التَّكَسُّبُ بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبَدَانِ بَاطِلَةٌ، وَذَلِكَ قَادِحٌ فِي الْعَدَالَةِ، لَا سِيَّمَا إذَا مَنَعْنَا أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّحَمُّلِ أَوْ كَانَ يَأْخُذُ وَلَا يَكْتُبُ فَإِنَّ نُفُوسَ شُرَكَائِهِ لَا تَطِيبُ لِذَلِكَ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَأَسْلَمُ طَرِيقٍ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَرَقًا مُشْتَرَكًا وَيَكْتُبُ وَيَقْسِمُ عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ثَمَنِ وَرَقِهِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمُقْرِئِينَ وَالْوُعَّاظِ. فُرُوعٌ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَمُسْتَحَبَّاتِ الصَّلَاةِ تَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ لِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَإِشْعَارِهِ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْمُهِمَّاتِ، وَمَحَلُّ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْحَاضِرِ أَمَّا مَنْ يُدِيمُ السَّفَرَ: كَالْمَلَّاحِ وَالْمُكَارِي وَبَعْضِ التُّجَّارِ فَلَا، وَيَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ مُدَاوَمَةُ مُنَادَمَتِهِ مُسْتَحِلَّ النَّبِيذِ وَالسُّفَهَاءِ، وَكَذَا كَثْرَةُ شُرْبِهِ إيَّاهُ مَعَهُمْ لِإِخْلَالِ ذَلِكَ بِالْمُرُوءَةِ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهَا السُّؤَالُ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ طَافَ مُكْثِرُهُ بِالْأَبْوَابِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى كَسْبٍ مُبَاحٍ يَكْفِيه؛ لِحِلِّ الْمَسْأَلَةِ حِينَئِذٍ، إلَّا إنْ أَكْثَرَ الْكَذِبَ فِي دَعْوَى الْحَاجَةِ أَوْ أَخَذَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ فَيَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ فِي الثَّانِيَةِ قَلِيلًا اُعْتُبِرَ التَّكْرَارُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ،. (وَالتُّهْمَةُ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ بِخَطِّهِ فِي الشَّخْصِ (أَنْ) (يَجُرَّ إلَيْهِ) بِشَهَادَتِهِ (نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ) بِهَا (ضَرَرًا) وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ مَا قِيلَ: إنَّ كَلَامَهُ أَشْعَرَ بِعَوْدِ ضَمِيرٍ إلَيْهِ لِلشَّاهِدِ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ أَنْ يَجُرَّ الشَّاهِدُ. إلَى الشَّاهِدِ، وَفِيهِ قَلَاقَةٌ، وَأَيْضًا فَالنَّفْعُ يَنْجَرُّ لِلْمُسَمَّى لَا لِلِاسْمِ، فَلَوْ قَالَ: أَنْ يَجُرَّ إلَى نَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعَ عَنْهَا كَانَ أَوْلَى اهـ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِصُوَرٍ مِنْ جَرِّ النَّفْعَ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَوْ لَا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَشْهَدُ بِهِ فَهُوَ لَهُ (وَمُكَاتَبِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي مَالِهِ عُلْقَةً؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الْعَوْدِ إلَيْهِ بِعَجْزٍ أَوْ تَعْجِيزٍ. نَعَمْ لَوْ شَهِدَ بِشِرَاءِ شِقْصٍ لِمُشْتَرِيهِ، وَفِيهِ شُفْعَةٌ لِمُكَاتَبِهِ قُبِلَتْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (وَغَرِيمٍ لَهُ مَيِّتٍ) وَإِنْ لَمْ تَسْتَغْرِقْ تَرِكَتُهُ الدُّيُونَ (أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لِلْغَرِيمِ شَيْئًا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا بِنَفَقَتِهَا فَشَهِدَتْ لَهُ بِدَيْنٍ وَتُقْبَلُ لِغَرِيمِهِ الْمُوسِرِ، وَكَذَا الْمُعْسِرِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَالْمَوْتِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ أَوْ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَالِهِ لِغُرَمَائِهِ حَالَ الشَّهَادَةِ، وَخَرَجَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 354 وَبِمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ. وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ. وَبِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ، وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثٍ لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَتُرَدُّ شَهَادَةُ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ. وَغُرَمَاءِ مُفْلِسٍ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ.   [مغني المحتاج] بِحَجْرِ الْفَلَسِ حَجْرُ السَّفَهِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِمَا. نَعَمْ لَوْ شَهِدَ غَرِيمُ الْمُرْتَدِّ بِمَالٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ أَشَدُّ مِنْ الْمُفْلِسِ، وَقَرِيبٌ مِنْ الْمَيِّتِ (وَ) تُرَدُّ شَهَادَتُهُ أَيْضًا (بِمَا هُوَ) وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ أَوْ (وَكِيلٌ فِيهِ) وَلَوْ بِدُونِ جُعْلٍ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ سَلْطَنَةَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. تَنْبِيهٌ يَلْحَقُ بِمَنْ ذُكِرَ شَهَادَةُ الْوَدِيعِ لِلْمُودِعِ وَالْمُرْتَهِنِ لِلرَّاهِنِ لِاقْتِضَائِهَا دَوَامَ يَدِهِمَا، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ الْقَبُولَ فِيمَا إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ وَشَهِدَ، وَلَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُخَاصِمْ، فَإِنْ خَاصَمَ ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْبَلْ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ لِغَيْرِهِ الْقَطْعَ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْوَكِيلِ لِمُوَكَّلِهِ بِمَا لَيْسَ وَكِيلًا فِيهِ، وَلَكِنْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ كَمَا فَعَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ مَنْ وُكِّلَ فِي شَيْءٍ بِخُصُومَةٍ أَوْ تَعَاطَى عَقْدًا فِيهِ أَوْ حَفِظَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا بِاسْتِيفَاءِ مَالِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِنَفْسِ مَا وُكِّلَ فِيهِ (وَ) تُرَدُّ شَهَادَتُهُ (بِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ) بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا الْغُرْمَ عَنْ نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مَنْ ضَمِنَهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ غَرِيمُهُ الْمَيِّتُ أَوْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، وَمَنْ ضَمِنَهُ أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ. . (وَ) تُرَدُّ شَهَادَةُ وَارِثٍ عِنْدَ الشَّهَادَةِ (بِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ) قَبْلَ انْدِمَالِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْأَرْشُ بِهِ، وَلَيْسَ مُوَرِّثُهُ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ لِحَجْبٍ مَثَلًا قُبِلَتْ، وَلَا يَضُرُّ زَوَالُ الْحَجْبِ وَارِثَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ (وَلَوْ) (شَهِدَ لِمُوَرِّثٍ لَهُ) غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ (مَرِيضٍ) مَرَضَ مَوْتٍ (أَوْ جَرِيحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ) (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي: قَالَ: لَا كَالْجِرَاحَةِ لِلتُّهْمَةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْجِرَاحَةَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَبَعْدَ الِانْدِمَالِ يُقْبَلُ قَطْعًا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. نَعَمْ لَوْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الشَّهَادَة الْجَالِبَةِ لِلنَّفْعِ شَرَعَ فِي الدَّافِعَةِ لِلضَّرَرِ. فَقَالَ (وَتُرَدُّ شَهَادَةُ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ) يَحْمِلُونَهُ مِنْ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، بِخِلَافِ شُهُودِ إقْرَارٍ بِذَلِكَ أَوْ شُهُودِ عَمْدٍ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهَا هُنَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ هُنَاكَ مَا يَجِبُ تَقْيِيدُهُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا رَدُّ جِرَاحَةِ الْمُوَرِّثِ، وَهُوَ فِيمَا قَبْلَ الِانْدِمَالِ. ثَانِيهِمَا رَدُّ الْعَاقِلَةِ، وَهُوَ فِيمَا يَتَحَمَّلُونَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ هُنَا عَلَى الصَّوَابِ، وَبِأَنَّهُ هُنَاكَ ذَكَرَهَا لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ وَذَكَرَهَا هُنَا لِلتَّمْثِيلِ. تَنْبِيهٌ لَوْ شَهِدَا لِمُوَرِّثِهِمَا فَمَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ شَاهِدَانِ لِأَنْفُسِهِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَ) تُرَدُّ شَهَادَةُ (غُرَمَاءِ مُفْلِسٍ) حُجِرَ عَلَيْهِ (بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ) ظَهَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 355 وَلَوْ شَهِدَا لِاثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ فَشَهِدَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُقْبَلُ لِأَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ وَتُقْبَلُ عَلَيْهِمَا   [مغني المحتاج] يَدْفَعُونَ بِهَا ضَرَرَ الْمُزَاحَمَةِ. تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ لِلْغَرِيمِ الشَّاهِدِ رَهْنٌ بِدَيْنِهِ وَلَا مَالِ لِلْمُفْلِسِ غَيْرُهُ أَوْ لَهُ مَالٌ وَيُقْطَعُ بِأَنَّ الرَّهْنَ يُوفِي الدَّيْنَ الْمَرْهُونَ بِهِ فَيُقْبَلُ لِفَقْدِ ضَرَرِ الْمُزَاحَمَةِ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِيهِ اهـ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ التَّعْلِيلِ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ شَخْصٍ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَمَنْ أَوْصَى لَهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَدْيُونِ بِمَوْتِ الْمَدِينِ. (وَلَوْ) (شَهِدَا) أَيْ شَاهِدَانِ (لِاثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ) مِنْ تَرِكَةٍ (فَشَهِدَا) أَيْ الِاثْنَانِ (لِلشَّاهِدَيْنِ) لَهُمَا (بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ) (قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ) لِانْفِصَالِ كُلٍّ عَنْ شَهَادَةِ الْأُخْرَى، وَلَا تَجُرُّ شَهَادَتُهُ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاطَأَةِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا. تَنْبِيهٌ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِ الْقَافِلَةِ لِبَعْضٍ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ بِمِثْلِ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ الْبَعْضُ الْآخَرُ إذَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَخَذَ مَالَ فُلَانٍ، فَإِنْ قَالَ: أَخَذَ مَالَنَا لَمْ تُقْبَلْ، وَلَا تُقْبَلْ شَهَادَةُ خُنْثَى بِمَالٍ لَوْ كَانَ ذَكَرًا لَاسْتَحَقَّ فِيهِ كَوَقْفِ الذُّكُورِ. (وَ) مِمَّا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ الْبَعْضِيَّةَ، وَحِينَئِذٍ (لَا تُقْبَلُ لِأَصْلٍ) لِلشَّاهِدِ وَإِنْ عَلَا (وَلَا فَرْعٍ) لَهُ وَإِنْ سَفَلَ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، فَفِي الصَّحِيحِ «فَاطِمَةُ مِنِّي» وَكَذَا لَا تُقْبَلُ لِمُكَاتَبِ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَلَا لِمَأْذُونِهِمَا. تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَنْعُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَإِنْ خَالَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبْعِيَّ قَدْ تَعَارَضَ فَظَهَرَ الصِّدْقُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ، وَلَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا شَهَادَتُهُ لَهُ بِالرُّشْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي حِجْرِهِ أَمْ لَا، وَإِنْ أَخَذْنَا بِإِقْرَارِهِ بِرُشْدِ مَنْ فِي حِجْرِهِ. ثَانِيهِمَا: مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ إشْهَادِ الْأَصْلِ لَفَرْعِهِ وَعَكْسِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ضِمْنِيًّا، فَإِنْ كَانَ صَحَّ وَيَتَّضِحُ بِصُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: مَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ نَسَبَ وَلَدٍ فَأَنْكَرَ فَشَهِدَ أَبُوهُ مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ وَلَدُهُ قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْأَبِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ الشَّهَادَةُ لِحَفِيدِهِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ النَّسَبِ. ثَانِيَتُهُمَا: مَا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ شِرَاءَ عَبْدٍ فِي يَدِ زَيْدٍ مِنْ عَمْرٍو بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ عَمْرٌو مِنْ زَيْدٍ صَاحِبِ الْيَدِ وَقَبَضَهُ وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ جَمِيعَ ذَلِكَ فَشَهِدَ ابْنَاهُ لِلْمُدَّعِي بِمَا يَقُولُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّهَادَةِ فِي الْحَالِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا. (وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي عُقُوبَةٍ أَمْ لَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ عَدَاوَةٌ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 356 وَكَذَا عَلَى أَبِيهِمَا بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا أَوْ قَذْفِهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَإِذَا شَهِدَ لِفَرْعٍ وَأَجْنَبِيٍّ قُبِلَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: وَتُقْبَلُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَلِأَخٍ وَصَدِيقٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ،   [مغني المحتاج] جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (وَكَذَا) تُقْبَلُ مِنْ فَرَعَيْنَ (عَلَى أَبِيهِمَا بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا أَوْ قَذْفِهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِضَعْفِ تُهْمَةِ نَفْعِ أُمِّهِمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَرَادَ طَلَّقَهَا أَوْ نَكَحَ عَلَيْهَا مَعَ إمْسَاكِهَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ فَإِنَّهَا تَجُرُّ نَفْعًا إلَى الْأُمِّ، وَهُوَ انْفِرَادُهَا بِالْأَبِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ عَلَى أَبِيهِمَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا حِسْبَةً أَوْ بَعْدَ دَعْوَى الضَّرَّةِ. أَمَّا لَوْ ادَّعَى الْأَبُ الطَّلَاقَ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ لِإِسْقَاطِ نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ فَشَهِدَا لَهُ فَهُنَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِلْأَبِ لَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِقَوْلِهِ فِي دَعْوَاهُ الْخُلْعَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. (وَإِذَا) (شَهِدَ) بِحَقٍّ (لِفَرْعٍ) أَوْ أَصْلٍ لَهُ (وَأَجْنَبِيٍّ) كَأَنْ شَهِدَ بِرَقِيقٍ لَهُمَا كَقَوْلِهِ: هُوَ لِأَبِي وَفُلَانٍ، أَوْ عَكْسِهِ (قُبِلَتْ) تِلْكَ الشَّهَادَةُ (لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَظْهَرِ) مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَالثَّانِي: لَا تُفَرَّقُ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ. (قُلْت) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَتُقْبَلُ) الشَّهَادَةُ (لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ) لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْأَجِيرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَعَكْسِهِ. تَنْبِيهٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ لِذَلِكَ بِحُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ عَلَى أَهْلِ الْإِفْكِ كَمَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَلِفَرْعِهِ، وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَارِثٌ لَا يُحْجَبُ فَأَشْبَهَ الْأَبَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ مَا إذَا شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لَهُمَا عَمَّا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ قَطْعًا إذْ لَا تُهْمَةَ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا بِزِنَاهَا فَلَا تُقْبَلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِيَانَتَهَا فِرَاشَهُ. (وَ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (لِأَخٍ) مِنْ أَخِيهِ، وَكَذَا مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاشِي، وَإِنْ كَانُوا يَصِلُونَهُ وَيَبَرُّونَهُ (وَصَدِيقٍ) مِنْ صَدِيقِهِ، وَهُوَ مَنْ صَدَقَ فِي وِدَادِك بِأَنْ يُهِمَّهُ مَا أَهَمَّكَ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَقَلِيلٌ ذَلِكَ - أَيْ فِي زَمَانِهِ - وَنَادِرٌ فِي زَمَانِنَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِضَعْفِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ تُهْمَةَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، أَمَّا شَهَادَةُ كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ عَلَى الْآخَرِ فَمَقْبُولَةٌ جَزْمًا. (وَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَةٌ (مِنْ عَدُوٍّ) عَلَى عَدُوِّهِ لِحَدِيثِ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْغِمْرُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْغِلُّ، وَهُوَ الْحِقْدُ، وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الظَّاهِرَةُ؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: «سَيَأْتِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إخْوَانُ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ» الجزء: 6 ¦ الصفحة: 357 وَهُوَ مَنْ يُبْغِضُهُ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ، وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ، وَتُقْبَلُ لَهُ، وَكَذَا عَلَيْهِ فِي عَدَاوَةِ دِينٍ كَكَافِرٍ وَمُبْتَدِعٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ.   [مغني المحتاج] قِيلَ لِنَبِيِّ اللَّهِ أَيُّوبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْك مِمَّا مَرَّ بِك. قَالَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا، فَنَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنْ ذَلِكَ (وَهُوَ) أَيْ الْعَدُوُّ (مَنْ يُبْغِضُهُ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ) سَوَاءٌ أَطَلَبَهَا لِنَفْسِهِ أَمْ لِغَيْرِهِ أَمْ لَا (وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ) لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيُخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ عَادَى مَنْ يُسْتَشْهَدُ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي خِصَامِهِ وَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى رَدِّهَا، وَلَوْ أَفْضَتْ الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ رُدَّتْ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ هَذَا الضَّابِطُ لَخَّصَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: ذِكْرُ الْبُغْضِ لَيْسَ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ غَيْرُ الْبَغْضَاءِ قَالَ تَعَالَى: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} [الممتحنة: 4] وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَغْضَاءَ بِالْقَلْبِ وَالْعَدَاوَةَ بِالْفِعْلِ وَهِيَ أَغْلَظُ، فَلَا يُفَسَّرُ الْأَغْلَظُ بِالْأَخَفِّ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْأَشْبَهُ فِي الضَّابِطِ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ، فَمَنْ عَدَّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ. فَرْعٌ: حُبُّ الرَّجُلِ لِقَوْمِهِ لَيْسَ عَصَبِيَّةً حَتَّى تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لَهُمْ بَلْ تُقْبَلُ مَعَ أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ وَهِيَ أَنْ يُبْغِضَ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ لَا تَقْتَضِي الرَّدَّ بِمُجَرَّدِهَا، وَإِنْ أَجْمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى أَعْدَاءِ قَوْمِهِ وَوَقَعَ مَعَهَا فِيهِمْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ (وَتُقْبَلُ لَهُ) أَيْ الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ وَتُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ لَهُ أَيْضًا لَا تَزْكِيَتُهُ لِشَاهِدٍ شَهِدَ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَخَرَجَ بِالْعَدُوِّ أَصْلُ الْعَدُوِّ وَفَرْعُهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، إذْ لَا مَانِعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (وَكَذَا) تُقْبَلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَدُوِّ (فِي عَدَاوَةِ دِينٍ كَكَافِرٍ) شَهِدَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ (وَمُبْتَدِعٍ) شَهِدَ عَلَيْهِ سُنِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ الدِّينِيَّةَ لَا تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْعَالِمُ لِجَمَاعَةٍ: لَا تَسْمَعُوا الْحَدِيثَ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَخْلِطُ أَوْ لَا تَسْتَفْتُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْفَتْوَى لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا نُصْحٌ لِلنَّاسِ، نَصّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا بِعَدَاوَةٍ وَلَا غِيبَةٍ إنْ كَانَ يَقُولُهُ لِمَنْ يَخَافُ أَنْ يَتَّبِعَهُ وَيُخْطِئَ بِاتِّبَاعِهِ. (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ) بِبِدْعَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا نُفَسِّقُهُ بِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَنْ لَمْ يُكَفَّرْ بِبِدْعَتِهِ وَمَنْ يُكَفَّرُ بِهَا، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ جُمْلَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مُنْكِرُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 358 لَا مُغَفَّلٍ   [مغني المحتاج] وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» فَجَعَلَ الْكُلَّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مُنْكِرُو حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ وَعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْدُومِ وَبِالْجُزْئِيَّاتِ لِإِنْكَارِ بَعْضِ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ ضَرُورَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ وَلَا خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ، وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي الْخَطَّابِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ كَانَ يَقُولُ بِإِلَهِيَّةِ أَبِي جَعْفَرٍ الصَّادِقِ. ثُمَّ ادَّعَى إلَهِيَّةً لِنَفْسِهِ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكَذِبَ كُفْرٌ، وَأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا يَكْذِبُ فَيُصَدِّقُونَهُ عَلَى مَا يَقُولُ وَيَشْهَدُونَ لَهُ بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ. هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرُوا فِي شَهَادَتِهِمْ مَا يَنْفِي احْتِمَالَ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ، فَإِنْ بَيَّنُوا مَا يَنْفِي الِاحْتِمَالَ كَأَنْ قَالُوا: سَمِعْنَاهُ يُقِرُّ لَهُ بِكَذَا أَوْ رَأَيْنَاهُ يُقْرِضُهُ كَذَا قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَبِّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ قَالَ بِخِلَافِ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَإِنَّهُ كَافِرٌ - أَيْ لِأَنَّهُ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ فِي تَكْفِيرِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ نُكَفِّرْهُ فَهُوَ فَاسِقٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ سَبَّ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُغَلَّطُ فَيُقَالُ: شَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ اهـ. فَجَعَلَ مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ غَلَطًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَنُقِلَ عَنْ جَمْعٍ التَّصْرِيحُ بِهِ وَأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ أَوْ لَعَنَهُمْ أَوْ كَفَّرَهُمْ فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ غَيْرِ الْخَطَّابِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْمَالَ وَالدَّمَ وَغَيْرَهُمَا، وَنَقَلَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَنَقَلَا فِي بَابِ الْبُغَاةِ عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ إذَا اسْتَحَلُّوا دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى وَاجِبَةٍ، وَمُحَرَّمَةٍ، وَمَنْدُوبَةٍ، وَمَكْرُوهَةٍ، وَمُبَاحَةٍ. قَالَ وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ كَالِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ النَّحْوِ أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَمُحَرَّمَةٌ كَمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ وَالرَّافِضَةِ. قَالَ: وَالرَّدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ. أَيْ لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ مَنْ أَحْدَثَ فِي الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي قَوَاعِدِ الْمَنْدُوبِ فَمَنْدُوبَةٌ كَبِنَاءِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ، وَكُلُّ إحْسَانٍ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، أَوْ فِي قَوَاعِدِ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهٌ كَزَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقِ الْمَصَاحِفِ، أَوْ فِي قَوَاعِدِ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ كَالْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْدَثَاتُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ: وَالثَّانِي مَا أُحْدِثَ مِنْ الْخَيْرِ فَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ. وَ (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مُغَفَّلٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 359 لَا يَضْبِطُ. وَلَا مُبَادِرٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ   [مغني المحتاج] لَا يَضْبِطُ) أَصْلًا أَوْ غَالِبًا لِعَدَمِ التَّوَثُّقِ بِقَوْلِهِ. أَمَّا مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا وَالْأَغْلَبُ فِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ فَتُقْبَلُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ تَعَادَلَ غَلَطُهُ وَضَبْطُهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ كَمَنْ غَلَبَ غَلَطُهُ. تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الرَّدِّ فِيمَنْ غَلَطُهُ وَضَبْطُهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ مُفَسَّرَةً، فَإِنْ فَسَّرَهَا وَبَيَّنَ وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَمَكَانِهِ قُبِلَتْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ قَالَ الْإِمَامُ: وَالِاسْتِفْصَالُ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْقَاضِي غَفْلَةً فِي الشُّهُودِ حَتْمٌ، وَكَذَا إنْ رَابَهُ أَمْرٌ، وَإِذَا اسْتَفْصَلَهُمْ وَلَمْ يُفَصِّلُوا بَحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُغَفَّلِينَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ. قَالَ وَمُعْظَمُ شَهَادَةِ الْعَوَامّ يَشُوبُهَا غِرَّةٌ وَسَهْوٌ وَجَهْلٌ، وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا فَيَتَعَيَّنُ الِاسْتِفْصَالُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ الِاسْتِفْصَالُ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ تَبَيُّنُ تَثَبُّتِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ. (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مُبَادِرٍ) بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى جَزْمًا، وَكَذَا بَعْدَهَا وَقَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلتُّهْمَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الذَّمِّ لَهُمْ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا تُسْمَعُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ. تَنْبِيهٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ اخْتَبَأَ وَجَلَسَ فِي زَاوِيَةٍ مُخْتَبِئًا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إلَيْهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُخْبِرَ الْخَصْمَ أَنِّي شَهِدْت عَلَيْك لِئَلَّا يُبَادِرَ إلَى تَكْذِيبِهِ فَيَعْذُرُهُ الْقَاضِي وَلَوْ قَالَ رَجُلَانِ مَثَلًا لِثَالِثٍ: تَوَسَّطْ بَيْنَنَا لِنَتَحَاسَبَ وَلَا تَشْهَدْ عَلَيْنَا بِمَا جَرَى، فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَتَرْكُ الدُّخُولِ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ. ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْمُبَادِرِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ) مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَجْرِ، سَوَاءٌ أَسَبَقَهَا دَعْوَى أَمْ لَا، كَانَتْ فِي غَيْبَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ (فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى) الْمُتَمَحِّضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهَا (وَفِيمَا لَهُ) أَيْ فِي الَّذِي لِلَّهِ (فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ) وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْآدَمِيِّ (كَطَلَاقٍ) بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَنَقَلَا عَنْ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْ الْمَالِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا تُسْمَعُ لِثُبُوتِ الطَّلَاقِ دُونَ الْمَالِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالرَّاجِحُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ حَقُّ آدَمِيٍّ دُونَ الْفِرَاقِ، (وَعِتْقٍ) غَيْرِ ضِمْنِيٍّ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعِتْقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، عَبْدًا أَوْ أَمَةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ دُونَ الْعَبْدِ. أَمَّا الضِّمْنِيُّ كَمَنْ شَهِدَ لِشَخْصٍ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ، وَالْعِتْقُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 360 وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ، وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا، وَحَدٍّ لَهُ، وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَتَى حَكَمَ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ أَنْ يَشْهَدَ بِخُصُوصِهِ، فَلَوْ شَهِدَ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ فَالْمَنْقُولُ فِي الِاسْتِيلَادِ الْقَبُولُ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ وَالتَّعْلِيقُ بِصِفَةٍ وَالْكِتَابَةُ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا فَفَارَقَتْ الِاسْتِيلَادَ بِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِهَا، وَتَصِحُّ شَهَادَتُهُ بِالْعِتْقِ الْحَاصِلِ بِشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَالتَّدْبِيرِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ (وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ النَّفْسِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا (وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ صِيَانَةِ الْفَرْجِ وَاسْتِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ، وَلِمَا فِي الثَّانِي مِنْ الصِّيَانَةِ بِقَصْدِ التَّعَفُّفِ بِالنِّكَاحِ، وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ (وَحَدٍّ لَهُ) تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَكَذَا حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ (وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ فِي وَصْلِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، إذْ الشَّرْعُ أَكَّدَ الْأَنْسَابَ وَمَنَعَ قَطْعَهَا فَضَاهَى الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ. وَالثَّانِي لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِيهِ. تَنْبِيهٌ يُلْتَحَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ الْإِحْصَانُ، وَالتَّعْدِيلُ، وَالزَّكَوَاتُ، وَالْكَفَّارَاتُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْكُفْرُ، وَالْإِسْلَامُ، وَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْوَقْفُ إذَا عَمَّتْ جِهَتُهُمَا وَلَوْ أُخِّرَتْ الْجِهَةُ الْعَامَّةُ، فَيَدْخُلُ نَحْوُ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ دَارًا عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَرَثَتُهُ وَتَمَلَّكُوهَا، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ حِسْبَةً قَبْلَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِهِ بِوَقْفِيَّتِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ آخِرَهُ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، لَا إنْ خُصَّتْ جِهَتُهُمَا فَلَا تُقْبَلُ فِيهَا لِتَعَلُّقِهِمَا بِحُظُوظٍ خَاصَّةٍ، وَاحْتُرِزَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ كَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْبُيُوعِ، وَالْأَقَارِيرِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِهِ أَعْلَمَهُ الشَّاهِدُ بِهِ لِيَسْتَشْهِدَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ، أَوْ أَنَّهُ أَخُو فُلَانَةَ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَا: إنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ، أَوْ أَنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا، وَكَيْفِيَّةُ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ أَنَّ الشُّهُودَ يَجِيئُونَ إلَى الْقَاضِي وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَأَحْضِرْهُ لِنَشْهَدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ ابْتَدَءُوا وَقَالُوا: فُلَانٌ زَنَى فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ هَلْ تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَاهَا؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْعِرَاقِيِّينَ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ وَالْإِثْبَاتِ، بَلْ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ: أَنَّهَا تُسْمَعُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا فَصَّلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ: إنَّهَا تُسْمَعُ إلَّا فِي مَحْضِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَمَتَى) (حَكَمَ) قَاضٍ (بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا) عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِمَا (كَافِرَيْنِ، أَوْ عَبْدَيْنِ) (أَوْ صَبِيَّيْنِ) أَوْ امْرَأَتَيْنِ، أَوْ خُنْثَيَيْنِ، أَوْ بَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ (نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ) لِتَيَقُّنِ الْخَطَأِ فِيهِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 361 وَكَذَا فَاسِقَانِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، أَوْ فَاسِقٌ تَابَ   [مغني المحتاج] وَالْمُرَادُ إظْهَارُ الْبُطْلَانِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ، فَكَيْفَ نُقِضَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الصُّورَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ لَا يَعْتَقِدُ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَحَكَمَ بِشَهَادَةِ مَنْ ظَنَّهُمَا حُرَّيْنِ فَلَا اعْتِدَادَ بِمِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ فِي الْوِلَايَاتِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ (وَكَذَا فَاسِقَانِ) ظَهَرَ فِسْقُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِهِمَا (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ دَلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ. وَالثَّانِي: لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَقَبُولَ بَيِّنَةِ فِسْقِهِمَا بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ، وَعُورِضَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاجْتِهَادِ يُنْقَضُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَعَ أَنَّ عَدَالَتَهُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالِاجْتِهَادِ. تَنْبِيهٌ قَيَّدَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ النَّقْضَ بِمَا إذَا كَانَ الْفِسْقُ ظَاهِرًا غَيْرَ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُجْتَهَدًا فِيهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ لَمْ يُنْقَضْ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى فِسْقِهِمَا مُطْلَقَيْنِ وَلَمْ يُسْنِدَا إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ لَمْ يُنْقَضْ الْقَضَاءُ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ ثُمَّ فَسَقَا، أَوْ ارْتَدَّا قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى، وَيُشْعِرُ بِخُبْثٍ كَامِنٍ، وَلِأَنَّ الْفِسْقَ يَخْفَى غَالِبًا، فَرُبَّمَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ عَمِيَا أَوْ خَرِسَا أَوْ جُنَّا أَوْ مَاتَا حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا؛؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُوقِعُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى، بَلْ يَجُوزُ تَعْدِيلُهُمَا بَعْدَ حُدُوثِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَيَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَلَوْ فَسَقَا أَوْ ارْتَدَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَالِ اُسْتُوْفِيَ، كَمَا لَوْ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْمَالِ الْحُدُودُ فَلَا تُسْتَوْفَى، وَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ الْحُكْمِ: بَانَ لِي أَنَّهُمَا كَانَا فَاسِقَيْنِ وَلَمْ تَظْهَرْ بَيِّنَةٌ بِفِسْقِهِمَا نُقِضَ حُكْمُهُ إنْ جَوَّزْنَا قَضَاءَهُ بِالْعِلْمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَمْ يُتَّهَمْ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: أُكْرِهْت عَلَى الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمَا وَأَنَا أَعْلَمُ فِسْقَهُمَا قُبِلَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْإِكْرَاهِ، وَلَوْ بَانَا وَالِدَيْنِ، أَوْ وَلَدَيْنِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، أَوْ عَدُوَّيْنِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، أَوْ عَدُوَّيْنِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْتَقَضَ الْحُكْمُ أَيْضًا، كَمَا لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ، وَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ: كُنْت يَوْمَ الْحُكْمِ فَاسِقًا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يُلْتَفَت إلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ كُنَّا عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَاسِقَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ بَانَ لِي فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِصِفَةِ نَفْسِهِ مِنْهُ بِصِفَةِ غَيْرِهِ، فَتَقْصِيرُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَكْثَرُ. (وَلَوْ) (شَهِدَ كَافِرٌ) مُعْلِنٌ بِكُفْرِهِ أَوْ مُرْتَدٌّ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ (أَوْ عَبْدٌ، أَوْ صَبِيٌّ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ) بِإِسْلَامٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بُلُوغٍ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ لَا يُعَيَّرُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ (أَوْ) شَهِدَ (فَاسِقٌ تَابَ) مِنْ فِسْقِهِ، أَوْ عَدُوٌّ تَابَ مِنْ عَدَاوَتِهِ، أَوْ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ ثُمَّ عَادَتْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 362 فَلَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِهَا بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ، وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ،   [مغني المحتاج] مُرُوءَتُهُ، أَوْ سَيِّدٌ لِمُكَاتَبِهِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، أَوْ مَخْفِيُّ الْكُفْرِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ (فَلَا) تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ يُعَيَّرُ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ (وَتُقْبَلُ) (شَهَادَتُهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا حَالَ فِسْقِهِ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ بِغَيْرِهَا (بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِهَا لِتَرْوِيجِ شَهَادَتِهِ، وَعَوْدِ وِلَايَتِهِ، فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ ذَلِكَ لَيُقَوِّيَ مَا ادَّعَاهُ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْقَذَفَةِ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [آل عمران: 89] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} [النساء: 16] (وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (بِسَنَةٍ) لِأَنَّ لِمُضِيِّهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ أَثَرًا بَيِّنًا فِي تَهْيِيجِ النُّفُوسِ لِمَا تَشْتَهِيه، فَإِذَا مَضَتْ عَلَى السَّلَامَةِ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِحُسْنِ السَّرِيرَةِ، وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّارِعُ السَّنَةَ فِي الْعُنَّةِ وَفِي مُدَّةِ التَّغْرِيبِ وَالزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ، وَهَلْ السَّنَةُ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ؟ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ، رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا الثَّانِيَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ. وَاسْتُثْنِيَ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاخْتِبَارِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَخْفِيُّ الْفِسْقِ إذَا تَابَ وَأَقَرَّ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ لِلْحَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ التَّوْبَةَ عَمَّا كَانَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ إلَّا عَنْ صَلَاحٍ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ عَصَى الْوَلِيُّ بِالْعَضْلِ ثُمَّ تَابَ زُوِّجَ فِي الْحَالِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَمِنْهَا شَاهِدُ الزِّنَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ تَمَامِ الْعَدَدِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى اسْتِبْرَاءٍ بَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْحَالِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمِنْهَا نَاظِرُ الْوَقْفِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ إذَا فَسَقَ ثُمَّ تَابَ عَادَتْ وِلَايَتُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ. وَمِنْهَا الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقَضَاءِ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ. وَمِنْهَا قَاذِفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ لِمَفْهُومِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ. وَمِنْهَا الصَّبِيُّ إذَا فَعَلَ مَا يَقْتَضِي فِسْقَ الْبَالِغِ ثُمَّ تَابَ وَبَلَغَ تَائِبًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الِاخْتِبَارُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ. وَمِنْهَا لَوْ حَصَلَ خَلَلٌ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ زَالَ احْتَاجَ الْفَرْعُ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ ثَانِيًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الْمُدَّةَ. وَمِنْهَا الْمُرْتَدُّ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ عَدْلًا قَبْلَ الرِّدَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ كَالْفَاسِقِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ أَتَى بِضِدِّ الْكُفْرِ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ احْتِمَالٌ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا زَنَى ثُمَّ تَابَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَيْسَتْ مُضَافَةً لِلْمَعْصِيَةِ بِحَيْثُ تَنْفِيهَا، وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إسْلَامَ الْمُرْتَدِّ بِمَا إذَا أَسْلَمَ مُرْسَلًا، فَإِنْ أَسْلَمَ عِنْدَ تَقْدِيمِ الْقَتْلِ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ كَالرَّافِعِيِّ عَلَى الْفِسْقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا تَابَ عَمَّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 363 وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ فَيَقُولُ الْقَاذِفُ قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ. قُلْت: وَغَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ يُشْتَرَطُ إقْلَاعٌ، وَنَدَمٌ، وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ، وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِبْرَاءٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَهُ وَجْهٌ، فَإِنَّ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ صَارَ بِاعْتِيَادِهِ سَجِيَّةً لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِبَارِ حَالِهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِبْرَاءِ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْعَدَاوَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَذْفًا أَمْ لَا كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ (وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ) قِيَاسًا عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الرِّدَّةِ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ (فَيَقُولُ الْقَاذِفُ) مَثَلًا فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْقَذْفِ (قَذْفِي) فُلَانًا (بَاطِلٌ) أَوْ مَا كُنْت مُحِقًّا فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ، وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ) لِيَنْدَفِعَ عَارُ الْقَذْفِ، وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَقُولَ كَذَبْت، فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْكَذِبِ فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: قَذْفِي بَاطِلٌ صَرِيحٌ فِي إكْذَابِ نَفْسِهِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ، فَكَانَ الْأَوْلَى إتْيَانَهُ بِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَالْجُمْهُورِ، وَهِيَ الْقَذْفُ بَاطِلٌ: أَيْ قَذْفُ النَّاسِ بَاطِلٌ. أُجِيبَ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى تَجْوِيزِ نِيَابَةٍ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14] أَيْ الدِّينَ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَذْفِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيذَاءِ أَوْ عَلَى الشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ عَدَدُ الشُّهُودِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي هَذَا إلَّا كَذَّابٌ جَرَيَانُهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي انْتَهَى، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: ظَاهِرٌ فِيمَنْ قَذَفَ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي وَاتَّصَلَ قَذْفُهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ اعْتَرَفَ، وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْقَاضِي أَصْلًا، بَلْ فِي جَوَازِ إتْيَانِهِ الْقَاضِيَ وَإِعْلَامِهِ لَهُ بِالْقَذْفِ نَظَرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ وَإِشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ (وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ) يَقُولُ الشَّاهِدُ فِيهَا عَلَى وِزَانِ مَا مَرَّ شَهَادَتِي بَاطِلَةٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهَا، وَلَا أَعُودُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ وَلَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَقُولُ: كَذَبْت فِيمَا قُلْت وَلَا أَعُودُ إلَى مِثْلِهِ وَأَقَرَّاهُ (قُلْت) كَالرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (وَ) الْمَعْصِيَةُ (غَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ) كَالسَّرِقَةِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ (يُشْتَرَطُ) فِي التَّوْبَةِ مِنْهَا (إقْلَاعٌ) عَنْهَا (وَنَدَمٌ) عَلَيْهَا (وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ) لَهَا (وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ) مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ، وَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ لَمُسْتَحَقِّهَا، وَيَرُدُّ الْمَغْصُوبَ إنْ بَقِيَ وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْ يَسْتَحِلُّ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ وَيُعْلِمُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحِقٌّ أَوْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ سَلَّمَهَا إلَى قَاضٍ أَمِينٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهَا وَيُؤَدِّي الْغُرْمَ أَوْ يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ، وَالْمُعْسِرُ يَنْوِي الْعَزْمَ إذَا قَدِرَ، فَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا طُولِبَ فِي الْآخِرَةِ إنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ كَأَنْ اسْتَدَانَ لِإِعَانَةٍ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِلَّا فَإِنْ اسْتَدَانَ لِحَاجَةٍ فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ، فَهُوَ جَائِزٌ إنْ رَجَا الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ حِينَئِذٍ، وَالرَّجَاءُ فِي اللَّهِ تَعَالَى تَعْوِيضُ خَصْمِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 364 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْخُرُوجِ مِنْ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ بَدَلَ الرَّدِّ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الرَّدَّ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهَا وَإِقْبَاضَ الْبَدَلِ عِنْدَ التَّلَفِ، وَيَشْمَلَ الْمَالَ وَالْعَرَضَ وَالْقِصَاصَ، فَلَا بُدَّ فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ مِنْ التَّمْكِينِ أَوْ طَلَبِ الْعَفْوِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَجَبَ إعْلَامُهُ بِالْقِصَاصِ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي قَتَلْت أَبَاك وَلَزِمَنِي الْقِصَاصُ فَاقْتَصَّ إنْ شِئْت، وَكَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ. وَأَمَّا لِغِيبَةٍ فَإِنْ بَلَغَتْ الْمُغْتَابَ اُشْتُرِطَ أَنْ يَأْتِيَهُ وَيَسْتَحِلَّ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسُّرٍ لِغَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ. وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ كَفَى النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ كَمَا قَالَهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْلَالِهِ إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ، وَهَلْ يَكْفِي الِاسْتِحْلَالُ مِنْ الْغِيبَةِ الْمَجْهُولَةِ؟ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ اهـ. وَلَكِنَّهُمَا إنَّمَا سَبَقَا فِي كِتَابِ الضَّمَانِ وَلَمْ نُرْجِعْ مِنْهُمَا شَيْئًا وَرَجَّحَ فِي الْأَذْكَارِ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ، وَالْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ. قَالَ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ بِالْمُسَامَحَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، وَفِي كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَازِ، وَحَدِيثُ كَلَامِ الْأَذْكَارِ فِي بَابِ الضَّمَانِ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ أَظْهَرُ. وَالْحَسَدُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيَفْرَحَ بِمُصِيبَتِهِ كَالْغِيبَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِيهَا. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: الْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إخْبَارُ الْمَحْسُودِ، وَلَوْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهِ لَمْ يَبْعُدْ التَّنْبِيهُ الثَّانِي قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ رَدَّ الظُّلَامَةِ تُوقِفُ التَّوْبَةَ فِي الْقِصَاصِ عَلَى تَسْلِيمِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا نَدِمَ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِلْقِصَاصِ، وَكَانَ تَأَخُّرُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً أُخْرَى تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهَا وَلَا يَقْدَحُ فِي الْأُولَى. التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ أَمْكَنَ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إنْ تَعَلَّقَتْ بِآدَمِيٍّ أَعَمَّ مِمَّا تَمَحَّضَ حَقًّا لَهُ أَوْ لَمْ يَتَمَحَّضْ، وَفِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَالْمُرَادُ الَّتِي يَجِبُ إخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْآدَمِيِّ يُخْرِجُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ: إنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ الْقَوْلِيَّةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ، بَلْ يَكْفِي الْقَوْلُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ رُكْنٌ فِي التَّوْبَةِ لِكُلِّ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ فِعْلِيَّةً، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْمَعْصِيَةِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَهُ أَنْ يُظْهِرَهُ وَيُقِرَّ بِهِ لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ، فَإِنْ ظَهَرَ فَقَدْ فَاتَ السَّتْرُ فَيَأْتِي الْحَاكِمَ وَيُقِرُّ بِهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ. التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ: إنَّ كَلَامَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّوْبَةِ، وَقَدْ قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِرَاحِ فَلْيُرَاجَعْ. التَّنْبِيهُ السَّادِسُ: مَنْ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ أَوْ مَظَالِمُ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الْوَرَثَةِ طَالَبَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ لَا آخِرَ وَارِثٍ كَمَا قِيلَ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْوَارِثِ أَوْ أَبْرَأَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي خَرَجَ عَنْ مَظْلَمَةٍ غَيْرِ الْمَطْلِ. التَّنْبِيهُ السَّابِعُ: تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ صَغِيرَةً عَلَى الْفَوْرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَتَصِحُّ مِنْ ذَنْبٍ دُونَ ذَنْبٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَتْ وَتَكَرَّرَ الْعَوْدُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 365 [فَصْلٌ] لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ إلَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ   [مغني المحتاج] وَلَا تَبْطُلُ بِهِ، بَلْ هُوَ مُطَالَبٌ بِالذَّنْبِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ كُلَّمَا ذَكَرَ الذَّنْبَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ: إنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّوْبَةِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ كَوْنَهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ تَابَ عَنْ مَعْصِيَةٍ مَالِيَّةٍ لِفَقْرِهِ أَوْ شُحِّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ، وَكَوْنَهَا قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْغَرْغَرَةِ أَوْ الِاضْطِرَارِ بِظُهُورِ الْآيَاتِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: التَّنْبِيهُ التَّاسِعُ: إنَّ سُقُوطَ الذَّنْبِ بِالتَّوْبَةِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَسُقُوطُ الْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ مَعَ النَّدَمِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَتَائِبٌ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ إسْلَامُ الْكَافِرِ تَوْبَةً مِنْ كُفْرِهِ، وَإِنَّمَا تَوْبَتُهُ نَدَمُهُ عَلَى كُفْرِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إيمَانُهُ بِلَا نَدَمٍ فَيَجِبُ مُقَارَنَةُ الْإِيمَانِ لِلنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ اهـ. وَإِنَّمَا كَانَ تَوْبَةُ الْكَافِرِ مَقْطُوعًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُجَامِعُ الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةُ قَدْ تُجَامِعُ التَّوْبَةَ. [فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ] [فَصْلٌ] فِي بَيَانِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَهَادَةُ الرِّجَالِ وَتَعَدُّدُ الشُّهُودِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ) وَاحِدٍ (إلَّا فِي هِلَالِ) شَهْرِ (رَمَضَانَ) فَيُحْكَمُ بِهِ فِيهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ ذَكَرَهَا هُنَا مَعَ تَقَدُّمِهِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا لِبَيَانِ الْحَصْرِ. وَأَوْرَدَ عَلَى الْحَصْرِ مَسَائِلَ: مِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ مَثَلًا فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِرُؤْيَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ إذَا قُلْنَا: يَثْبُتُ بِهِ رَمَضَانُ؟ حَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ عَنْ الْبَحْرِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ الْوُجُوبَ. وَمِنْهَا مَا فِي الْمَجْمُوعِ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَشَهِدَ عَدْلٌ بِإِسْلَامِهِ لَمْ يَكْفِ فِي الْإِرْثِ، وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَوَابِعِهَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي هِلَالِ رَمَضَانِ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْقَبُولِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْمَنْعِ. وَمِنْهَا مَا سَبَقَ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ لَوْثٌ، وَمِنْهَا مَا سَبَقَ فِيهِ أَيْضًا فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ الِاكْتِفَاءُ بِخَارِصٍ وَاحِدٍ: أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخَرْصَ شَهَادَةٌ، وَمِنْهَا ثُبُوتُ هِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْقِيَاسُ الْقَبُولُ، وَإِنْ كَانَ الْأَشْهَرُ خِلَافَهُ، وَمِنْهَا ثُبُوتُ شَوَّالٍ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَتِهِ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَإِنَّا نُفْطِرُ فِي الْأَصَحِّ، وَمِنْهَا مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ يَكْفِي قَوْلُ الْعَوْنِ بِامْتِنَاعِ الْغَرِيمِ مِنْ الْحُضُورِ فِي التَّعْزِيرِ، وَمِنْهَا الْمُسْمِعُ لِلْخَصْمِ كَلَامَ الْقَاضِي أَوْ الْخَصْمِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. (وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 366 وَلَلْإِقْرَارِ بِهِ اثْنَانِ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَةٌ، وَلِمَالٍ وَعَقْدٍ مَالِيٍّ كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ وَأَجَلٍ: رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ   [مغني المحتاج] «أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ نَعَمْ» وَلِأَنَّهُ لَا يَقُومُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلَيْنِ، وَلِأَنَّ الزِّنَا مِنْ أَغْلَظِ الْفَوَاحِشِ فَغُلِّظَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالزِّنَا إذَا قَالُوا: حَانَتْ مِنَّا الْتِفَاتَةٌ، فَرَأَيْنَا أَوْ تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا لِغَيْرِ الشَّهَادَةِ فُسِّقُوا بِذَلِكَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنْ أَطْلَقُوا لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْسِرُوا إنْ تَيَسَّرَ، وَإِلَّا فَلَا يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، وَمَحَلُّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُمْ عَلَى مَعَاصِيهِمْ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ فَاقِدِهَا فِي فَرْجِهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ أَوْ كَالْأُصْبُعِ فِي الْخَاتِمِ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ اللِّوَاطُ فِي ذَلِكَ كَالزِّنَا، وَكَذَا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ كَالْجِمَاعِ وَنُقْصَانُ الْعُقُوبَةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَدَدِ كَمَا فِي زِنَا الْأَمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَوَطْءُ الْمَيِّتَةِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ وَطْءُ الشَّبَهِ إذَا قَصَدَ بِالدَّعْوَى بِهِ الْمَالَ أَوْ شَهِدَ بِهِ حِسْبَةً، وَمُقَدِّمَاتُ الزِّنَا كَقُبْلَةٍ وَمُعَانَقَةٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةٍ. بَلْ الْأَوَّلُ بِقَيْدِهِ الْأَوَّلِ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ، وَسَيَأْتِي، وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى ذِكْرِ مَا يُعْتَبَرُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا مِنْ قَوْلِ الشُّهُودِ: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ إلَخْ. (وَ) يُشْتَرَطُ (لَلْإِقْرَارِ بِهِ) أَيْ الزِّنَا (اثْنَانِ) (فِي الْأَظْهَرِ) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِيرِ وَمِثْلُهُ مَا شُبِّهَ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ (وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَةٌ) كَفِعْلِهِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَتَحَتَّمُ حَدُّهُ بِخِلَافِ الْمُعَايِنِ، فَلِذَلِكَ غُلِّظَتْ بَيِّنَتُهُ (وَ) يُشْتَرَطُ (لِمَالٍ) عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ (وَعَقْدٍ مَالِيٍّ) وَفَسْخِهِ (كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ) وَصُلْحٍ وَرَهْنٍ وَشُفْعَةٍ وَمُسَابَقَةٍ وَحُصُولِ السَّبَقِ (وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ) لِمَجْلِسٍ أَوْ شَرْطٍ (وَأَجَلٍ) وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا (رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاسْتَشْهِدُوا} [النساء: 15] أَيْ فِيمَا يَقَعُ لَكُمْ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَكَانَ عُمُومُ الْأَشْخَاصِ فِيهِ مُسْتَلْزِمًا لِعُمُومِ الْأَحْوَالِ الْمُخْرِجِ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْأَرْبَعَةُ، وَمَا لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى فِي تَسْهِيلِ ذَلِكَ كَثْرَةُ جِهَاتِ الْمُدَايَنَاتِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا، وَفُهِمَ مِنْ التَّخْيِيرِ قَبُولُ الْمَرْأَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ غَيْرَ مُرَادٍ، وَالْخُنْثَى هُنَا كَالْأُنْثَى. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 367 وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رِجَالٌ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَمَوْتٍ وَإِعْسَارٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَانِ. وَمَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ النِّسَاءُ أَوْ لَا يَرَاهُ رِجَالٌ غَالِبًا كَبَكَارَةٍ وَوِلَادَةٍ وَحَيْضٍ وَرَضَاعٍ وَعُيُوبٍ تَحْتَ   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الشَّرِكَةَ وَالْقِرَاضَ، لَكِنْ رَجَّحَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ اشْتِرَاطُ رَجُلَيْنِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ رَامَ مُدَّعِيهمَا إثْبَاتَ التَّصَرُّفِ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَاهِدَيْنِ، أَوْ إثْبَاتِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ ثَبَتَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، إذْ الْمَقْصُودُ الْمَالُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْعَقْدِ الْمَالِيِّ قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْفُسُوخَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَجَعْلُهُ الْإِقَالَةَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْعَقْدِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّهَا بَيْعٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فَسْخٌ، وَعَطْفُهُ الْحَوَالَةَ عَلَى الْبَيْعِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهَا بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَلَوْ قَالَ: وَعَقْدٌ مَالِيٌّ وَزَادَ وَفَسْخُهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ كَانَ أَوْلَى. (وَلِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الزِّنَا وَنَحْوِهِ. وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ (مِنْ) مُوجِبِ (عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى) كَالرِّدَّةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ (أَوْ) مِنْ عُقُوبَةٍ (لِآدَمِيٍّ) كَقَتْلِ نَفْسٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ وَقَذْفٍ (وَ) كَذَا (مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رِجَالٌ غَالِبًا) مِنْ غَيْرِ الْعُقُوبَاتِ (كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ) وَعَتَاقٍ وَوَلَاءٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ بِالْأَشْهُرِ وَبُلُوغٍ وَإِيلَاءٍ وَظِهَارٍ (وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَجُرْحٍ) لِلشَّاهِدِ (وَتَعْدِيلٍ) لَهُ (وَمَوْتٍ وَإِعْسَارٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةِ: رَجُلَانِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى شَهَادَةِ الرَّجُلَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْوِصَايَةِ، وَتَقَدَّمَ خَبَرٌ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ " مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَلَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ " وَقِيسَ بِالْمَذْكُورَاتِ غَيْرِهَا مِمَّا شَارَكَهَا فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَلَا نَظَرَ إلَى رُجُوعِ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ إلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُمَا الْوِلَايَةُ لَا الْمَالُ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ النِّكَاحِ مَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ نَكَحَهَا وَطَلَّقَهَا وَطَلَبَتْ، شَطْرَ الصَّدَاقِ، أَوْ أَنَّهَا زَوْجَةُ فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَطَلَبَتْ الْإِرْثَ، فَيَثْبُتُ مَا ادَّعَتْهُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النِّكَاحُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْمَالُ كَمَا حَكَيَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الدَّعَاوَى عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ، وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، وَمِنْ الطَّلَاقِ مَا لَوْ كَانَ بِعِوَضٍ وَادَّعَاهُ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا طَلَاقٌ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَمِنْ الْإِسْلَامِ مَا لَوْ ادَّعَاهُ وَاحِدٌ مِنْ الْكُفَّارِ قَبْلَ أَسْرِهِ وَأَقَامَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْمُفَادَاةِ دُونَ نَفْيِ الْقَتْلِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ أَنَّهُ يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ مِنْ الْوَارِثِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ تُوُفِّيَ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إثْبَاتُ الْمِيرَاثِ ثُمَّ اسْتَغْرَبَهُ. (وَمَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ النِّسَاءُ) غَالِبًا (أَوْ لَا يَرَاهُ رِجَالٌ غَالِبًا كَبَكَارَةٍ) وَثُيُوبَةٍ وَقَرْنٍ وَرَتْقٍ (وَوِلَادَةٍ وَحَيْضٍ وَرَضَاعٍ وَعُيُوبٍ) لِلنِّسَاءِ (تَحْتَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 368 الثِّيَابِ يَثْبُتُ بِمَا سَبَقَ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ.   [مغني المحتاج] الثِّيَابِ) كَجِرَاحَةٍ عَلَى فَرْجِهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَاسْتِهْلَالِ وَلَدٍ (يَثْبُتُ بِمَا سَبَقَ) أَيْ بِرَجُلَيْنِ وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ) مُفْرَدَاتٍ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَضَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَةِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ، وَقِيسَ بِمَا ذُكِرَ غَيْرُهُ مِمَّا شَارَكَهُ فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُنَّ فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدَاتٍ، فَقَبُولُ الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ بِالْحَيْضِ صَرِيحٌ فِي إمْكَانِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عَلَى حَيْضِهَا فَقَالَتْ: حِضْت وَأَنْكَرَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الدَّمَ وَإِنْ شُوهِدَ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ حَيْضٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَصَرَّحَا بِمِثْلِهِ فِي الدِّيَاتِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ حَمْلُهُ عَلَى تَعَسُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، لَا التَّعَذُّرِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا مُنَافَاةَ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه أَنَّهَا تُقْبَلُ مِنْ النِّسْوَةِ لِمُمَارَسَتِهِنَّ ذَلِكَ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيِّ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ، وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَقَيَّدَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ مَسْأَلَةَ الرَّضَاعِ بِمَا إذَا كَانَ الرَّضَاعُ مِنْ الثَّدْيِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ إنَاءٍ حُلِبَ فِيهِ اللَّبَنُ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِهِ، لَكِنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ بِأَنَّ هَذَا اللَّبَنَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ غَالِبًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: تَحْتَ الثِّيَابِ عَمَّا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ الْعَيْبَ فِي وَجْهِ الْحُرَّةِ وَكَفَّيْهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ، وَفِي وَجْهِ الْأَمَةِ وَمَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا وَمَا قَبْلَهُ إنَّمَا يَأْتِيَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ النَّظَرِ إلَى ذَلِكَ. أَمَّا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْأُولَى وَالْمُصَنِّفُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَتُقْبَلُ النِّسَاءُ فِيهِ مُفْرَدَاتٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا الرِّجَالُ غَالِبًا وَإِنْ قُلْنَا بِحُرْمَةِ نَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَحَارِمِهَا وَزَوْجِهَا، وَيَجُوزُ نَظَرُ الْأَجْنَبِيِّ لِوَجْهِهَا لِتَعْلِيمٍ وَمُعَامَلَةٍ وَتَحَمُّلِ شَهَادَةٍ. وَقَدْ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ نَقْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عُيُوبَ النِّسَاءِ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا الرِّجَالُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِمَا اهـ. أَيْ فَلَا تُقْبَلُ النِّسَاءُ الْخُلَّصُ فِي الْأَمَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِمَا مَرَّ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَمَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ النِّسَاءُ غَالِبًا إلَخْ يُفْهِمُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِنَّ لَا يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ النِّسْوَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ تَسْمَعُهُ غَالِبًا كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ: وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الرَّضَاعِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَرْبَعٍ لَعُلِمَ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالنِّسْوَةِ؛ لِأَنَّ التَّاءَ لَا تَثْبُتُ مَعَ الْمَعْدُودِ الْمُؤَنَّثِ. وَأَمَّا الْخُنْثَى فَيُحْتَاطُ فِي أَمْرِهِ عَلَى الْمُرَجَّحِ فَلَا يَرَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ رِجَالٌ وَلَا نِسَاءٌ، وَفِي وَجْهٍ يُسْتَصْحَبُ حُكْمُ الصِّغَرِ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ بِالْعُيُوبِ الْمَعْرِفَةُ بِالطِّبِّ كَمَا حَكَاهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 369 وَمَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، وَمَا ثَبَتَ بِهِمْ ثَبَتَ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوَهَا، وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَتَعْدِيلِهِ،   [مغني المحتاج] الرَّافِعِيُّ فِي التَّهْذِيبِ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِضَابِطٍ يُعْرَفُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَمَا لَا يَثْبُتُ بِهِمَا فَقَالَ (وَ) كُلُّ (مَا لَا يَثْبُتُ) مِنْ الْحُقُوقِ (بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْأَقْوَى لَا يَثْبُتُ بِمَا دُونَهُ. فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ اللَّوْثُ فِي قَتْلِ عَمْدٍ، فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْيَمِينَ الْمُتَّحِدَةَ لَا الْمُتَعَدِّدَةَ (وَ) كُلُّ (مَا ثَبَتَ بِهِمْ) أَيْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَأَتَى بِالضَّمِيرِ مُذَكَّرًا تَغْلِيبًا لَهُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ (ثَبَتَ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي خِلَافِيَّاتِهِ حَدِيثَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَنْسَخُ الْقُرْآنَ اهـ. وَالْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا مِنْهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَكَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَّالِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ (إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوَهَا) بِنَصْبِ نَحْوَ بِخَطِّهِ عَطْفًا عَلَى عُيُوبٍ كَرَضَاعٍ، فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ خَطِرَةٌ بِخِلَافِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ تَقْيِيدَ إطْلَاقِهِ بِالْحُرَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ فَيَثْبُتُ فِيهَا بِذَلِكَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَوْرَدَ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِيمَا ذَكَرَهُ التَّرْجَمَةَ فِي الدَّعْوَى بِالْمَالِ أَوْ الشَّهَادَةِ بِهِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا مَدْخَلَ لِلشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِيهَا؛؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ مَعْنَى لَفْظِ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدِ (وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ) مِنْ الْحُقُوقِ (بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ) فِي الْمَالِ جَزْمًا وَفِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسْوَةُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ وَقِيَامِهِمَا مَقَامَ رَجُلٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِوُرُودِهِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ مَسْأَلَةِ الِاكْتِفَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي) فِيهَا (بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَ) بَعْدَ (تَعْدِيلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَوَّى جَانِبُهُ حِينَئِذٍ، وَالْيَمِينُ أَبَدًا فِي جَانِبِ الْقَوِيِّ، وَفَارِقُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ عَلَى شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ بِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الرَّجُلِ قَطْعًا، وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ الْقَضَاءُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعًا أَوْ بِالشَّاهِدِ فَقَطْ وَالْيَمِينُ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ؟ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 370 وَيَذْكُرُ فِي حَلِفِهِ صِدْقَ الشَّاهِدِ. فَإِنْ تَرَكَ الْحَلِفَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا فَقَالَ رَجُلٌ: هَذِهِ مُسْتَوْلَدَتِي عَلِقَتْ بِهَذَا فِي مِلْكِي وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ، لَا نَسَبُ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتُهُ فِي الْأَظْهَرِ.   [مغني المحتاج] أَقْوَالٌ: أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَغْرَمُ النِّصْفَ، وَعَلَى الثَّانِي الْكُلَّ، وَعَلَى الثَّالِثِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَيَذْكُرُ) حَتْمًا (فِي حَلِفِهِ صِدْقَ الشَّاهِدِ) لَهُ، وَاسْتِحْقَاقَهُ لِمَا ادَّعَاهُ، فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ شَاهِدِي صَادِقٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ، وَأَنَا مُسْتَحِقٌّ لِكَذَا. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ وَصِدْقِ الشَّاهِدِ، وَحَكَى الْإِمَامُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَعَرُّضُهُ فِي يَمِينِهِ لِصِدْقِ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَإِشْهَادَهُ حُجَّتَانِ مُخْتَلِفَتَا الْجِنْسِ، فَاعْتُبِرَ ارْتِبَاطُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى لِيَصِيرَا كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ. (فَإِنْ) (تَرَكَ) الْمُدَّعِي (الْحَلِفَ) بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ) (فَلَهُ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَرَّعُ عَنْ الْيَمِينِ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الدَّعْوَى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ شَاهِدِهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَعُذِرَ، وَالْيَمِينُ إلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ (فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَعَّى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ أَوْ نَكَلَ الْمُدَعَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الَّتِي امْتَنَعَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ بِالشَّاهِدِ وَهَذِهِ لِقُوَّةِ جِهَتِهِ بِنُكُولِ الْمُدَعَّى عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ تِلْكَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا فِي الْمَالِ وَهَذِهِ يُقْضَى بِهَا فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحَلِفَ فَلَا يَعُودُ إلَيْهِ، وَعُورِضَ بِمَا مَرَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَمْ يَحْلِفْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعَاوَى. (وَلَوْ كَانَ) (بِيَدِهِ) أَيْ شَخْصٍ (أَمَةٌ وَوَلَدُهَا) يَسْتَرِقُّهُمَا (فَقَالَ) لَهُ (رَجُلٌ: هَذِهِ مُسْتَوْلَدَتِي عَلِقَتْ) مِنِّي (بِهَذَا) الْوَلَدِ (فِي مِلْكِي وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ) بِذَلِكَ (ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَوْلَدَةِ حُكْمُ الْمَالِ فَتُنْزَعُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَتُسَلَّمُ إلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ، وَإِذَا مَاتَ حُكِمَ بِعِتْقِهَا بِإِقْرَارِهِ لَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْكِتَابِ وَالرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَثْبُتُ بِالْحُجَّةِ النَّاقِصَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي الدَّعْوَى وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِي عَلَى حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ إلَى الْآنَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ زَالَ عَنْهَا بِبَيْعٍ بَعْدَ اسْتِيلَادِهَا بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهِيَ مَرْهُونَةٌ رَهْنًا لَازِمًا وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي الْوَطْءِ وَكَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ الِاسْتِيلَادُ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا الْجَانِيَةُ. . أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الدَّعْوَى (لَا نَسَبُ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتُهُ) فَلَا يَثْبُتَانِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ نَاقِصَةٌ، وَالثَّانِي: يَثْبُتَانِ تَبَعًا فَيُنْزَعُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَيَكُونُ حُرًّا نَسِيبًا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَبْقَى الْوَلَدُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ، وَفِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الْمُدَّعِي بِالْإِقْرَارِ مَا مَرَّ فِي بَابِهِ، فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 371 وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ غُلَامٌ فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَ لِي وَأَعْتَقْتُهُ وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ فَالْمَذْهَبُ انْتِزَاعُهُ وَمَصِيرُهُ حُرًّا. وَلَوْ ادَّعَتْ وَرَثَةٌ مَالًا لِمُوَرِّثِهِمْ وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَلَا يُشَارَكُ فِيهِ وَيَبْطُلُ حَقُّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ بِنُكُولِهِ إنْ حَضَرَ وَهُوَ كَامِلٌ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ   [مغني المحتاج] يَثْبُتْ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّ الْوَلَاءِ لِلسَّيِّدِ، أَوْ بَالِغًا وَصَدَّقَهُ ثَبَتَ فِي الْأَصَحِّ. (وَلَوْ كَانَ) (بِيَدِهِ غُلَامٌ) يَسْتَرِقُّهُ (فَقَالَ) لَهُ (رَجُلٌ كَانَ لِي) هَذَا الْغُلَامُ (وَأَعْتَقْتُهُ) وَأَنْتَ تَسْتَرِقُّهُ ظُلْمًا (وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ) بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ لَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِذَلِكَ (فَالْمَذْهَبُ انْتِزَاعُهُ) مِنْ يَدِهِ (وَمَصِيرُهُ حُرًّا) لَا بِالشَّهَادَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ بَلْ بِإِقْرَارِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ: وَإِنْ تَضَمَّنَ اسْتِلْحَاقُهُ الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ قَوْلًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِاسْتِيلَادِ بِنَفْيِ ذَلِكَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا يَدَّعِي مِلْكًا وَحُجَّتُهُ تَصْلُحُ لِإِثْبَاتِهِ، وَالْعِتْقُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ. (وَلَوْ) (ادَّعَتْ وَرَثَةُ) الْمَيِّتِ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ (مَالًا) عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً (لِمُوَرِّثِهِمْ وَأَقَامُوا) عَلَيْهِ (شَاهِدًا) بِالْمَالِ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتُوا مَوْتَهُ وَوِرَاثَتَهُمْ مِنْهُ (وَحَلَفَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ) (أَخَذَ) الْحَالِفُ (نَصِيبَهُ) فَقَطْ (وَلَا يُشَارَكُ فِيهِ) أَيْ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا مِنْ الْغَائِبِينَ وَلَا مِنْ الْحَاضِرِينَ النَّاكِلِينَ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ تَمَّتْ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ هُنَا، وَنَصَّ فِي الصُّلْحِ أَنَّهُمَا لَوْ ادَّعَيَا دَارًا أَوْ إرْثًا وَصَدَّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَكَذَّبَ الْآخَرَ شَارَكَ الْمُكَذِّبُ الْمُصَدِّقَ، فَخَرَّجَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ قَوْلًا هُنَا أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَالِفُ يُشَارِكُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ عَلَى الشُّيُوعِ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْمَنْصُوصِ هُنَا، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الثُّبُوتَ هُنَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا الشَّرِكَةَ لَمَلَّكْنَا الشَّخْصَ بِيَمِينِ غَيْرِهِ، وَهُنَاكَ الثُّبُوتُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. ثُمَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إقْرَارُ الْمُصَدِّقِ بِأَنَّهُ إرْثٌ، وَبِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ هُنَا قَادِرٌ عَلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ بِيَمِينِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ كَالتَّارِكِ لِحَقِّهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الْمَالِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَحْلِفُ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ إشْعَارٌ بِخِلَافِهِ (وَيَبْطُلُ حَقُّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ بِنُكُولِهِ) عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (إنْ حَضَرَ) فِي الْبَلَدِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ (وَهُوَ كَامِلٌ) بِبُلُوغٍ وَعَقْلٍ حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَ نُكُولِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ وَلَا مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ يُقِيمُهُ، وَهَلْ لَهُ ضَمُّ شَاهِدِهِ إلَى الْأَوَّلِ لِيُحْكَمَ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ أَقَامَ مُدَّعٍ شَاهِدًا مَعَهُ فِي خُصُومَةٍ، ثُمَّ مَاتَ وَأَقَامَ وَارِثُهُ شَاهِدًا آخَرَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْبِنَاءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ الدَّعْوَى وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ الْجَزْمُ بِالْأَوَّلِ. أَمَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ نُكُولِهِ فَلِوَارِثِهِ الْحَلِفُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ: إنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ مُورِثِهِ مَا يُبْطِلُ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ إعَادَةُ الشَّهَادَةِ (فَإِنْ كَانَ) مَنْ لَمْ يَحْلِفْ (غَائِبًا أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 372 صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ، فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ حَلَفَ وَأَخَذَ بِغَيْرِ إعَادَةِ شَهَادَةٍ. وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ كَزِنًا وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ إلَّا بِالْإِبْصَارِ.   [مغني المحتاج] صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي الْمَجْنُونِ عَلَى أَنَّهُ يُوقَفُ نَصِيبُهُ، وَفِي مَعْنَاهُ الصَّبِيُّ وَالْغَائِبُ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَعْنَى النَّصِّ، فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: أَرَادَ التَّوَقُّفَ عَنْ الْحُكْمِ لَهُ إلَى إفَاقَتِهِ فَيَحْلِفَ وَيَأْخُذَ أَوْ يَمْتَنِعَ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُوقَفُ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَلَى حَلِفِهِ (فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ) بِأَنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ (حَلَفَ وَأَخَذَ) حِصَّتَهُ (بِغَيْرِ إعَادَةِ شَهَادَةٍ) وَاسْتِئْنَافِ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَالشَّاهِدَ لِلْمَيِّتِ قَدْ وُجِدَا بِإِقَامَةِ الْكَامِلِ مِنْ الْوَرَثَةِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى لَا عَنْ جِهَةِ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ اشْتَرَيْتُ أَنَا وَأَخِي الْغَائِبُ مِنْك كَذَا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ هُنَاكَ مِنْ تَجْدِيدِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ، وَلَا يُؤْخَذُ نَصِيبُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ أَوْ الْغَائِبِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَالْوَارِثُ خَلِيفَتُهُ وَفِي غَيْرِهِ الْحَقُّ لِأَشْخَاصٍ، فَلَا يَدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةٍ. قَالَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَاضِرُ الْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يَشْعُرْ بِالْحَالِ كَالصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ فِي بَقَاءِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْكَامِلِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُ الشَّاهِدِ بِمَا يَقْتَضِي رَدَّ شَهَادَتِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ فَوَجْهَانِ، أَوْجَهُهُمَا كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ دُونَ الْحَالِفِ، وَمَحَلُّ مَوْضِعِ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى إعَادَةِ الشَّهَادَةِ فِي حَالَتَيْ تَغَيُّرِ الشَّاهِدِ وَعَدَمِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: فِيمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ قَدْ ادَّعَى بِجَمِيعِ الْحَقِّ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَدْ ادَّعَى بِحِصَّتِهِ فَقَطْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُسْتَنِدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْعِلْمِ. فَقَالَ (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ كَزِنًا) وَشُرْبِ خَمْرٍ (وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ) وَرَضَاعٍ وَاصْطِيَادٍ وَإِحْيَاءٍ وَكَوْنِ الْيَدِ عَلَى مَالٍ (إلَّا بِالْإِبْصَارِ) لَهُ مَعَ فَاعِلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ بِهِ إلَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ مِنْ الْغَيْرِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ» إلَّا أَنَّ مِنْ الْحُقُوقِ مَا اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالظَّنِّ الْمُؤَكَّدِ لِتَعَذُّرِ الْيَقِينِ فِيهِ وَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهِ كَالْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ يَقِينًا، وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةُ وَالْإِعْسَارُ. تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ الْبُلْقِينِيُّ صُوَرًا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْأَعْمَى عَلَى الْفِعْلِ، الْأُولَى: الزِّنَا إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ذَكَرٍ دَاخِلٍ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ صَبِيٍّ مَثَلًا فَأَمْسَكَهُمَا وَلَزِمَهُمَا حَتَّى شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِمَا عَرَفَهُ بِمُقْتَضَى وَضْعِ الْيَدِ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ الرُّؤْيَةِ. الثَّانِيَةُ: الْغَصْبُ وَالْإِتْلَافُ لَوْ جَلَسَ الْأَعْمَى الجزء: 6 ¦ الصفحة: 373 وَتُقْبَلُ مِنْ أَصَمَّ، وَالْأَقْوَالُ كَعَقْدٍ يُشْتَرَطُ سَمْعُهَا وَإِبْصَارُ قَائِلِهَا، وَلَا يُقْبَلُ أَعْمَى إلَّا أَنْ يُقِرَّ فِي أُذُنِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضٍ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ حَمَلَهَا بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ شَهِدَ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُوفَيْ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ،   [مغني المحتاج] عَلَى بِسَاطٍ لِغَيْرِهِ فَغَصَبَهُ غَاصِبٌ أَوْ أَتْلَفَهُ فَأَمْسَكَهُ الْأَعْمَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْبِسَاطَ وَتَعَلَّقَ حَتَّى شَهِدَ بِمَا عَرَفَهُ جَازَ. الثَّالِثَةُ: الْوِلَادَةُ: إذَا وَضَعَتْ الْعَمْيَاءُ يَدَهَا عَلَى قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَخَرَجَ مِنْهَا الْوَلَدُ وَهِيَ وَاضِعَةٌ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهِ إلَى تَكَامُلِ خُرُوجِهِ وَتَعَلَّقَتْ بِهِمَا حَتَّى شَهِدَتْ بِوِلَادَتِهَا مَعَ غَيْرِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا. (وَتُقْبَلُ) فِي الْفِعْلِ (مِنْ أَصَمَّ) لِإِبْصَارِهِ، وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ النَّظَرِ لِفَرْجَيْ الزَّانِيَيْنِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا هَتَكَا حُرْمَةَ أَنْفُسِهِمَا، وَسَكَتَ عَنْ الْأَخْرَسِ وَسَبَقَ حُكْمُ شَهَادَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ شُرُوطِ الشَّاهِدِ (وَالْأَقْوَالُ كَعَقْدٍ) وَفَسْخٍ وَطَلَاقٍ وَإِقْرَارٍ (يُشْتَرَطُ) فِي الشَّاهِدِ بِهَا (سَمْعُهَا) فَلَا تُقْبَلُ مِنْ أَصَمَّ بِهَا (وَإِبْصَارُ قَائِلِهَا) حَالَ تَلَفُّظِهِ بِهَا حَتَّى لَوْ نَطَقَ بِهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُهُ لَمْ يَكْفِ، وَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بِبَابِ بَيْتٍ فِيهِ اثْنَانِ فَقَطْ فَسَمِعَ تَعَاقُدَهُمَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَفَى مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، زَيَّفَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمُوجِبَ مِنْ الْقَابِلِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ هَذَا مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ يَسْكُنُ بَيْتًا وَنَحْوَهُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ جَارَهُ فَسَمِعَ أَحَدَهُمَا يَقُولُ: بِعْنِي بَيْتَك الَّذِي يَسْكُنُهُ فُلَانٌ الشَّاهِدُ أَوْ الَّذِي فِي جِوَارِهِ أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْقَابِلَ فِي زَاوِيَةٍ وَالْمُوجِبَ فِي أُخْرَى أَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ بِمُفْرَدِهِ وَالشَّاهِدُ جَالِسٌ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. قَالَ الْحُسْبَانِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْبَيْتِ وَحْدَهُ وَالْآخَرُ مَعَهُ عَلَى بَابِهِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهُ حَالَةَ النُّطْقِ (وَلَا يُقْبَلُ) شَهَادَةُ (أَعْمَى) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَصَرِ لِجَوَازِ اشْتِبَاهِ الْأَصْوَاتِ، وَقَدْ يُحَاكِي الْإِنْسَانُ صَوْتَ غَيْرِهِ (إلَّا) صُورَةَ الضَّبْطِ، وَهِيَ (أَنْ يُقِرَّ) شَخْصٌ (فِي أُذُنِهِ) بِنَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَالٍ لِشَخْصٍ مَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ (فَيَتَعَلَّقُ) الْأَعْمَى (بِهِ) وَيَضْبِطُهُ (حَتَّى يَشْهَدَ) عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ (عِنْدَ قَاضٍ بِهِ) فَيُقْبَلُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ حَسْمًا لِلْبَابِ. تَنْبِيهٌ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَى مُتَرْجِمًا أَوْ مُسْمِعًا. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا ثَبَتَ بِالتَّسَامُعِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَعْيِينٍ، وَإِشَارَةٍ بِأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَجُوزُ بِالظَّنِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى زَوْجَتِهِ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهِمَا كَغَيْرِهَا خِلَافًا لِمَا بَحْثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى ذَلِكَ (وَلَوْ حَمَلَهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ فِي مُحْتَاجٍ لِلْبَصَرِ (بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ شَهِدَ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُوفَيْ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ) لِإِمْكَانِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا؛ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 374 وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَهُ وَاسْمَهُ وَنَسَبَهُ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ إشَارَةً، وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ، فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَشْهَدْ عَنَدَ مَوْتِهِ وَغَيْبَتِهِ.   [مغني المحتاج] لِفُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ بِكَذَا، بِخِلَافِ مَجْهُولِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ. نَعَمْ لَوْ عَمِيَ وَيَدُهُمَا أَوْ يَدُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا مَعَ تَمْيِيزِهِ لَهُ مِنْ خَصْمِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لِمَعْرُوفِ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا بَحْثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُولَى، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُ الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ (وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَهُ وَاسْمَهُ وَنَسَبَهُ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ إشَارَةً) لَا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ فَقَطْ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ بِهِمَا (وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ) وَدَفْنِهِ (بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ) لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِذَلِكَ (فَإِنْ جَهِلَهُمَا) أَيْ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا (لَمْ يَشْهَدْ عَنَدَ مَوْتِهِ) وَدَفْنِهِ (وَغَيْبَتِهِ) فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُدْفَنْ أُحْضِرَ لِيُشَاهِدَ صُورَتَهُ، وَيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنْ كَانَ بِالْبَلَدِ وَلَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُهُ بِإِحْضَارِهِ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ حُضُورُ الشَّاهِدِ إلَيْهِ، فَإِنْ دُفِنَ لَمْ يَحْضُرْ إذْ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَإِنْ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صُورَتُهُ جَازَ نَبْشُهُ اهـ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهَذَا احْتِمَالٌ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَالْمُرَادُ بِالنَّسَبِ اسْمُ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، فَإِنْ عُرِفَ اسْمُهُ وَاسْمُ أَبِيهِ دُونَ جَدِّهِ شَهِدَ بِذَلِكَ وَلَمْ تُفِدْ شَهَادَتُهُ بِهِ إلَّا إنْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَمَارَاتٍ يَتَحَقَّقُ بِهَا نَسَبُهُ بِأَنْ يَتَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ حِينَئِذٍ كَذَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ غَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُفِيدُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا حَصَلَتْ الْمَعْرِفَةُ بِذَلِكَ. وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ لَقَبٍ خَاصٍّ بِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى السُّلْطَانِ بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ عَلَى سُلْطَانِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ ذِكْرَ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَحِلْيَتِهِ وَصَنْعَتِهِ: وَإِذَا حَصَلَ الْإِعْلَامُ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ اكْتَفَى بِهِ اهـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَبِهَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى عُتَقَاءِ السُّلْطَانِ وَالْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا تَعْرِفُ أَنْسَابَهُمْ غَالِبًا، فَيُكْتَفَى بِذَكَرِ أَسْمَائِهِمْ مَعَ مَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ بِهِ مِنْ أَوْصَافِهِمْ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ قَالَ: وَقَدْ اعْتَمَدْتُ عَلَى شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ التَّاجِرِ الْمُتَوَفَّى فِي وَقْتِ كَذَا الَّذِي كَانَ سَاكِنًا فِي الْحَانُوتِ الْفُلَانِيِّ إلَى وَقْتِ وَفَاتِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُنْ فِي ذَلِكَ الْحَانُوتِ فِي هَذَا الْوَقْتِ غَيْرُهُ وَحَكَمْتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَالْمَدَارُ عَلَى ذِكْرِ مَا يُعْرَفُ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ، قَالَ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُجَرَّدِ الِاسْمِ قَدْ تَنْفَعُ عِنْدَ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ، فَلَوْ تَحَمَّلَهَا عَلَى مِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، وَقَالَ لَهُ اسْمِي وَنَسَبِي كَذَا لَمْ يَعْتَمِدْهُ، فَلَوْ اسْتَفَاضَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ بَعْدَ تَحَمُّلِهَا عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي غِيبَتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ كَمَا لَوْ عَرَفَهُمَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَمْ يَشْهَدْ فِي غِيبَتِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بِالسَّمَاعِ مِنْ عَدْلَيْنِ كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَيَأْتِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 375 وَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ شَهَادَةٍ عَلَى مُتَنَقِّبَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا، فَإِنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ بِاسْمٍ وَنَسَبٍ جَازَ، وَيَشْهَدُ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِمَا يَعْلَمُ، وَلَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَكَّلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ كَانَتْ شَهَادَةٌ بِالْوَكَالَةِ وَالنَّسَبِ جَمِيعًا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالرُّويَانِيُّ. (وَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ شَهَادَةٍ عَلَى مُتَنَقِّبَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا) فَإِنَّ الْأَصْوَاتَ تَتَشَابَهُ، فَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهَا وَلَمْ يَرَهَا بِأَنْ كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْحَائِلُ الرَّقِيقُ عَلَى الْأَصَحِّ تَنْبِيهٌ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَى الْمُتَنَقِّبَةِ لِيُؤَدِّيَ مَا تَحَمَّلَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَعْرِفَةِ صَوْتِهَا، أَمَّا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ امْرَأَةً مُتَنَقِّبَةً أَقَرَّتْ يَوْمَ كَذَا لِفُلَانٍ بِكَذَا، فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي حَضَرَتْ وَأَقَرَّتْ يَوْمَ كَذَا هِيَ هَذِهِ ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ أَقَرَّ بِكَذَا وَقَامَتْ أُخْرَى عَلَى أَنَّ الْحَاضِرَ هُوَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ثَبَتَ الْحَقُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ تَحَقَّقَ صَوْتَهَا مِنْ وَرَاءِ نِقَابٍ كَثِيفٍ وَلَازَمَهَا حَتَّى أَدَّى عَلَى عَيْنِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا كَنَظِيرِهِ مِنْ الْأَعْمَى. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَضَبَطَ الْمُصَنِّفُ مُتَنَقِّبَةً بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ، ثُمَّ نُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ، ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ شَدِيدَةٍ، وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَتْنِ ضَبَطَهُ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ، ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ، ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ خَفِيفَةٍ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ فَقَالَ بِنُونٍ، ثُمَّ تَاءٍ مِنْ انْتَقَبَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (فَإِنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا، أَوْ بِاسْمٍ وَنَسَبٍ جَازَ) التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا، وَلَا يَضُرُّ النِّقَابُ، بَلْ يَجُوزُ كَشْفُ الْوَجْهِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ (وَيَشْهَدُ) الْمُتَحَمِّلُ عَلَى الْمُتَنَقِّبَةِ (عِنْدَ الْأَدَاءِ بِمَا يَعْلَمُ) مِمَّا ذُكِرَ فَيَشْهَدُ فِي الْعِلْمِ بِعَيْنِهَا إنْ حَضَرَتْ، وَفِي صُورَةِ عِلْمِهِ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا إنْ غَابَتْ أَوْ مَاتَتْ وَدُفِنَتْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُشِفَ وَجْهُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ عَلَيْهَا وَضَبَطَ حِلْيَتَهَا وَكَشَفَهُ أَيْضًا عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَيَجُوزُ اسْتِيعَابُ وَجْهَهَا بِالنَّظَرِ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَنْظُرَ مَا يَعْرِفُهَا بِهِ فَقَطْ، فَإِنْ عَرَفَهَا بِالنَّظَرِ إلَى بَعْضِهِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَرَّةٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِالِاسْتِيعَابِ أَمْ لَا، إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ لِلتَّكْرَارِ (وَلَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ مُتَنَقِّبَةً أَمْ لَا (بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ) أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ (عَلَى الْأَشْهَرِ) الْمُعَبَّرِ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي أَنَّ التَّسَامُعَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ جَمَاعَةٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ، وَقِيلَ بِتَعْرِيفِ عَدْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّسَبِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُمَا (وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ الْأَشْهَرُ، وَهُوَ التَّحَمُّلُ بِمَا ذُكِرَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ مُرَادَهُ الْعَمَلُ عَلَى التَّحَمُّلِ بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُمَا وَجْهَانِ، وَقَدْ سَبَقَ لِلْمُصَنِّفِ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ، وَهِيَ تَقْتَضِي الْمَيْلَ إلَيْهِ وَلَمْ يُصَرِّحَا بِذَلِكَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، بَلْ نَقَلَا عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 376 وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عَيْنِهِ بِحَقٍّ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي التَّسْجِيلَ سَجَّلَ الْقَاضِي بِالْحِلْيَةِ لَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، مَا لَمْ يَثْبُتَا، وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى نَسَبٍ مِنْ أَبٍ أَوْ قَبِيلَةٍ، وَكَذَا أُمٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَمَوْتٌ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعَ وَسَاقَا الثَّانِيَ مَسَاقَ الْأَوْجُهِ الضَّعِيفَةِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ عَمَلَ الْأَصْحَابِ، بَلْ عَمَلَ بَعْضِ الشُّهُودِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ: أَيْ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ. (وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عَيْنِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِحَقٍّ فَطَلَبَ الْمُدَّعِي التَّسْجِيلَ) بِذَلِكَ (سَجَّلَ الْقَاضِي) عَلَيْهِ جَوَازًا (بِالْحِلْيَةِ) فَيَكْتُبُ حَضَرَ رَجُلٌ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَمِنْ حِلْيَتِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ وَيَذْكُرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُحَلَّى مِنْ أَوْصَافِهِ الظَّاهِرَةِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ، وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَعَجَلَةٍ لِلِّسَانِ وَثِقَلِهِ وَمَا فِي الْعَيْنِ مِنْ الْكُحْلِ وَالشُّهْلَةِ، وَمَا فِي الشَّعْرِ مِنْ جُعُودَةٍ وَسُبُوطَةٍ وَبَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، و (لَا) يُسَجِّلُ الْقَاضِي بِذَلِكَ (بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ مَا لَمْ يَثْبُتَا) بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِعِلْمِهِ، وَلَا يَكْفِي فِيهِمَا قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَلَا إقْرَارُ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الشَّخْصِ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ، وَيَثْبُتَانِ بِبَيِّنَةِ حِسْبَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِعِلْمِهِ سَجَّلَ بِهِمَا، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْإِنْسَانِ بِإِقْرَارِهِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ. . ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إبْصَارُ الشَّاهِدِ وَيَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ، فَقَالَ (وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ) أَيْ الِاسْتِفَاضَةِ (عَلَى نَسَبٍ) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ (مِنْ أَبٍ) فَيَشْهَدُ أَنَّ هَذَا ابْنَ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ بِنْتَ فُلَانٍ (أَوْ قَبِيلَةٍ) فَيَشْهَدُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا،؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرُّؤْيَةِ فِيهِ، فَإِنَّ غَايَةَ الْمُمْكِنِ أَنْ يُشَاهِدَ الْوِلَادَةَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ، بَلْ الظَّاهِرَ فَقَطْ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ إلَى الْأَجْدَادِ الْمُتَوَفِّينَ وَالْقَبَائِلِ الْقَدِيمَةِ فَسُومِحَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا مِمَّا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. تَنْبِيهٌ: ذِكْرُ الْأَبِ وَالْقَبِيلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْمُحَرَّرُ (وَكَذَا أُمٌّ) يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالتَّسَامُعِ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْأَبِ وَإِنْ كَانَ النَّسَبُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْأَبِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِإِمْكَانِ رُؤْيَةِ الْوِلَادَةِ. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الِاسْتِفَاضَةِ فِي التَّحَمُّلِ أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ بِنَسَبِهِ يَنْتَسِبُ إلَى الشَّخْصِ أَوْ الْقَبِيلَةِ، وَالنَّاسَ يَنْسُبُونَهُ إلَى ذَلِكَ، وَامْتَدَّ ذَلِكَ مُدَّةً، وَلَا يُقَدَّرُ بِسَنَةٍ، بَلْ الْعِبْرَةُ بِمُدَّةٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكْتَفِي بِالِانْتِسَابِ وَنِسْبَةِ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُمَا مَا يُورِثُ تُهْمَةً، فَإِنْ أَنْكَرَ النَّسَبَ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي نَسَبِهِ، وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ: هَذَا ابْنِي لِصَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ وَصَدَّقَهُ الْكَبِيرُ، أَوْ أَنَا ابْنُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِنَسَبِهِ، وَلَوْ سَكَتَ الْمَنْسُوبُ الْكَبِيرُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالنَّسَبِ (وَ) كَذَا (مَوْتٌ) يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَالنَّسَبِ وَلِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا مَا يَخْفَى، وَمِنْهَا مَا يَظْهَرُ، وَقَدْ يَعْسُرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا فَجَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ، وَفِي وَجْهٍ مِنْ طَرِيقٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 377 لَا عِتْقٌ وَوَلَاءُ وَوَقْفٌ وَنِكَاحٌ وَمِلْكٌ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ فِي الْجَمِيعِ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَشَرْطُ التَّسَامُعِ سَمَاعُهُ مِنْ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ،   [مغني المحتاج] الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ، و (لَا) يَثْبُتُ بِالتَّسَامُعِ (عِتْقٌ، وَ) لَا (وَلَاءُ وَ) لَا (وَقْفٌ) عَلَى جِهَةٍ عَامَّةِ أَوْ مُعَيَّنٍ (وَ) لَا (نِكَاحٌ، وَ) لَا (مِلْكٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مُشَاهَدَةَ هَذِهِ الصُّوَرِ مُتَيَسِّرَةٌ، وَأَسْبَابُهَا غَيْرُ مُتَعَدِّدَةٍ (قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ) مِنْ الْأَصْحَابِ (فِي الْجَمِيعِ الْجَوَازُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِذَا طَالَتْ مُدَّتُهَا عَسُرَ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ابْتِدَائِهَا فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِهَا بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَنَّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِنْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا مُسْتَنَدَ غَيْرُ السَّمَاعِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ فِي الْوَقْفِ هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِهِ، وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ: لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ شُرُوطُ الْوَقْفِ وَتَفَاصِيلِهِ، بَلْ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى مَدْرَسَةٍ مَثَلًا وَتَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الشُّرُوطِ صَرَفَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهَا اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ الْأَرْجَحُ فِيهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ؛ لِأَنَّ فُلَانًا وَقَّفَهُ. قَالَ: وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَإِنْ شَهِدَ بِهَا مُنْفَرِدَةً لَمْ تَثْبُتْ بِهَا، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ اهـ. وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ وَغَيْرُهُ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ شَيْخُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَيْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَبَقِيَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ صُوَرٌ أُخَرُ: مِنْهَا الْقَضَاءُ، وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ، وَالرُّشْدُ، وَالْإِرْثُ، وَاسْتِحْقَاقُ الزَّكَاةِ، وَالرَّضَاعُ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ وَحَيْثُ ثَبَتَ النِّكَاحُ بِالتَّسَامُعِ لَا يَثْبُتُ الصَّدَاقُ بِهِ، بَلْ يَرْجِعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَلَا يَكْفِي الشَّاهِدُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَقُولَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ كَذَا، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا، بَلْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ ابْنُهُ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا سَمِعَ مِنْ النَّاسِ، بَلْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالشَّهَادَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِهِ تَرَدُّدٌ فِي الشَّهَادَةِ، فَإِنْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةٍ أَوْ حِكَايَةِ حَالٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَةَ وَلَدَتْ فُلَانًا، أَوْ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ فُلَانًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ الْإِبْصَارُ، وَبِالْقَوْلِ الْإِبْصَارُ وَالسَّمْعُ (وَشَرْطُ التَّسَامُعِ) الَّذِي تَسْتَنِدُ الشَّهَادَةُ إلَيْهِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ (سَمَاعُهُ) أَيْ الْمَشْهُودِ بِهِ (مِنْ جَمْعٍ) كَثِيرٍ (يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ) أَيْ تَوَافُقُهُمْ (عَلَى الْكَذِبِ) بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّهَادَةِ اعْتِمَادُ الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا يُعْدَلُ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهِ إلَى ظَنٍّ يَقْرُبُ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ الطَّاقَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 378 وَقِيلَ يَكْفِي مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ يَدٍ وَلَا بَيْدٍ، وَتَصَرُّفٍ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَتَجُوزُ فِي طَوِيلَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَشَرْطُهُ تَصَرُّفُ مُلَّاكٍ مِنْ سُكْنَى وَهَدْمٍ وَبِنَاءٍ وَبَيْعٍ وَرَهْنٍ، وَتُبْنَى شَهَادَةُ الْإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنَ وَمَخَائِلِ الضُّرِّ والْإِضَاقَةِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ عَدَالَةٌ وَلَا حُرِّيَّةٌ وَلَا ذُكُورَةٌ وَهُوَ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوَاتُرِ (وَقِيلَ: يَكْفِي) سَمَاعُهُ (مِنْ عَدْلَيْنِ) فَقَطْ إذَا سَكَنَ الْقَلْبُ إلَى خَبَرِهِمَا؛؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْتَمِدُ قَوْلَهُمَا، فَكَذَا الشَّاهِدُ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ، وَقِيلَ: يَكْفِي وَاحِدٌ إذَا سَكَنَ إلَيْهِ الْقَلْبُ. (وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ يَدٍ) أَوْ تَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ، إذْ قَدْ يَكُونُ عَنْ إجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ (وَلَا بَيْدٍ وَتَصَرُّفٍ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ) عُرْفًا بِلَا اسْتِفَاضَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ غَيْرِهِ (وَتَجُوزُ فِي) مُدَّةٍ (طَوِيلَةٍ) عُرْفًا بِلَا مُعَارَضَةِ مُنَازِعٍ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْمِلْكُ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُوجَدَانِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَوَكِيلٍ وَغَاصِبٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَى الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ اسْتِفَاضَةٌ وَإِلَّا جَازَتْ الشَّهَادَةُ قَطْعًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الرَّقِيقُ فَلَيْسَ لِمَنْ رَأَى صَغِيرًا فِي يَدِ مَنْ يَسْتَخْدِمُهُ وَيَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ مُدَّةً طَوِيلَةً أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَقُولُ هُوَ عَبْدِي أَوْ يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ ذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ بَابِ اللَّقِيطِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَكَانَ الْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَوُقُوعُ الِاسْتِخْدَامِ فِي الْأَحْرَارِ كَثِيرٌ (وَ) التَّصَرُّفُ الْمُنْضَمُّ إلَى الْيَدِ (شَرْطُهُ) فِي عَقَارٍ (تَصَرُّفُ مُلَّاكٍ) فِيهِ جَمْعُ مَالِكٍ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ بِقَوْلِهِ (مِنْ سُكْنَى وَهَدْمٍ وَبِنَاءٍ) وَدُخُولٍ وَخُرُوجٍ (وَبَيْعٍ) وَفَسْخٍ بَعْدَهُ (وَرَهْنٍ) وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ مَعَ عَدَمِ النَّكِيرِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ بَلْ وَاحِدٌ مِنْهَا كَافٍ. قَالَا: وَلَا يَكْفِي التَّصَرُّفُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يُثِيرُ الظَّنَّ لِقَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ (وَتُبْنَى شَهَادَةُ الْإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنَ) خَفِيَّةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْمُعْسِرِ (وَ) عَلَى (مخائل الضُّرِّ) جَمْعُ مَخِيلَةٍ مِنْ خَالَ بِمَعْنَى ظَنَّ - أَيْ مَا يُظَنُّ بِهَا مَا ذُكِرَ، وَالضَّرُّ بِالْفَتْحِ خِلَافُ النَّفْعِ، وَبِالضَّمِّ الْهُزَالُ وَسُوءُ الْحَالِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا (و) عَلَى مخائل (الْإِضَاقَةِ) مَصْدَرُ أَضَاقَ الرَّجُلُ ذَهَبَ مَالُهُ، وَالضِّيقُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ مَصْدَرُ ضَاقَ الشَّيْءُ، وَبِالْفَتْحِ جَمْعُ الضَّيِّقَةِ. وَهُوَ الْفَقْرُ وَسُوءُ الْحَالِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوَصُّلُ إلَى الْيَقِينِ، بَلْ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ مِنْ حَالِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُرَاقَبَتِهِ فِي خَلَوَاتِهِ وَحَالَةِ ضَمِّهَا وَمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْسَارِ بِشِدَّةِ صَبْرِهِ عَلَى الضَّرَرِ وَالْإِضَاقَةِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّفْلِيسِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَا لِجَوَازِ إقْدَامِ الشَّاهِدِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 379 [فَصْلٌ] تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النِّكَاحِ،   [مغني المحتاج] تَتِمَّةٌ: لَا يَثْبُتُ دَيْنٌ بِاسْتِفَاضَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي قَدْرِهِ كَذَا عَلَّلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِلْكَ الْحِصَصِ مِنْ الْأَعْيَانِ لَا يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ. قَالَ: وَثُبُوتُ الدَّيْنِ بِالِاسْتِفَاضَةِ قَوِيٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنَّفِ تَرْجِيحُهُ كَمَا رَجَّحَ ثُبُوتَ الْوَقْفِ وَنَحْوَهُ بِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَمَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْحَلِفُ عَلَى خَطِّ الْأَبِ دُونَ الشَّهَادَةِ. [فَصْلٌ] فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا وَكِتَابَةِ الصَّكِّ، وَتُطْلَقُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَحَمُّلِهَا كَشَهِدْتُ بِمَعْنَى تَحَمَّلْتُ، وَعَلَى أَدَائِهَا كَشَهِدْتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَعْنَى أَدَّيْت، وَعَلَى الْمَشْهُودِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَتَحَمَّلْتُ شَهَادَةً يَعْنِي الْمَشْهُودَ بِهِ فَيَكُونُ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ (تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النِّكَاحِ) لِتَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْإِشْهَادُ لِتَوَقُّفِ الِانْعِقَادِ عَلَيْهِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 380 وَكَذَا الْإِقْرَارُ، وَالتَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ،   [مغني المحتاج] الْكُلُّ أَثِمُوا، وَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَمَّ غَيْرُهُمَا لَمْ يَتَعَيَّنَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَمَّلَ جَمَاعَةٌ وَطَلَبَ الْأَدَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (وَكَذَا الْإِقْرَارُ وَالتَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ) وَغَيْرُهُ كَطَلَاقٍ، وَعِتْقٍ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 381 وَكِتَابَةِ الصَّكِّ فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] وَرَجْعَةٍ (وَكِتَابَةِ الصَّكِّ) وَهُوَ الْكِتَابُ، فَالتَّحَمُّلُ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَكِتَابَةُ الصُّكُوكِ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي تَحْصِينِ الْحُقُوقِ، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ أَنْ يَكْتُبَ لِلْخَصْمِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ حَكَمَ بِهِ، وَلِأَنَّهَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فِي حِفْظِ الْحَقِّ وَالْمَالِ وَلَهَا أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي التَّذَكُّرِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ لِصِحَّةِ مَا ذُكِرَ بِدُونِ إشْهَادٍ. تَنْبِيهٌ: التَّقْيِيدُ بِالتَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ كَالطَّلَاقِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، ثُمَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّحَمُّلِ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ لَزِمَهُ إذَا كَانَ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ مُعْتَقِدًا لِصِحَّةِ مَا يَتَحَمَّلُهُ وَحَضَرَهُ الْمُتَحَمِّلُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَجْمِعَ الشُّرُوطِ فَلَا وُجُوبَ. قَالَ الْقَاضِي جَزْمًا، أَوْ دُعِيَ لِلتَّحَمُّلِ فَلَا وُجُوبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ كَانَ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً أَوْ قَاضِيًا يُشْهِدُهُ عَلَى أَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَتَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّ كَوْنِ التَّحَمُّلِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إذَا كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 382 وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ، فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَقَالَ احْلِفْ مَعَهُ عَصَى، وَإِنْ كَانَ شُهُودٌ، فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ لَزِمَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ إنْ كَانَ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِلَّا فَلَا،   [مغني المحتاج] الْمُتَحَمِّلُونَ كَثِيرِينَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ وَاضِحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَقْتَضِيه اهـ. وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْحُدُودِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ فِي السِّيَرِ، وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ كِتَابَةُ الصَّكِّ وَرَسْمُ الشَّهَادَةِ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَلَهُ أَخْذُهَا كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي تَحَمُّلِهِ إذَا دُعِيَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَأُجْرَةُ رَسْمِ الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي أُجْرَةِ التَّحَمُّلِ وَلَهُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ حَبْسُهُ عِنْدَهُ لِلْأُجْرَةِ كَالْقَصَّارِ فِي الثَّوْبِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ حَرَامٌ لِلْآيَةِ: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ أَدَاؤُهَا (وَ) عَلَى هَذَا (إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ) بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا أَوْ مَاتَ غَيْرُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ أَوْ غَابَ، وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ (لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ) إنْ دُعِيَا لَهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] أَيْ لِلْأَدَاءِ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي فَرْضًا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ (فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (وَامْتَنَعَ الْآخَرُ) بِلَا عُذْرٍ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ صَاحِبِهِ أَمْ قَبْلَهُ (وَقَالَ) لِلْمُدَّعِي (احْلِفْ مَعَهُ عَصَى) وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى الْحُكْمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ؛ لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ فَلَا يُفَوَّتُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ شَاهِدَا رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَقَالَا لَهُ: احْلِفْ عَلَى رَدِّهَا عَصَى (وَإِنْ كَانَ) فِي الْقَضِيَّةِ (شُهُودٌ) كَأَرْبَعَةٍ (فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) عَلَيْهِمْ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِالْبَعْضِ كَالْجِهَادِ، فَإِذَا قَامَ بِهَا اثْنَانِ مِنْهُمْ سَقَطَ الْجُرْحُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْكُلُّ عَصَوْا، سَوَاءٌ طَلَبَهُمْ الْمُدَّعِي مُجْتَمَعِينَ أَمْ مُتَفَرِّقِينَ، وَالْمَدْعُوُّ أَوَّلًا أَعْظَمُهُمْ إثْمًا؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَمَا لَوْ أَجَابَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ يَكُونُ أَعْظَمُهُمْ أَجْرًا (فَلَوْ طَلَبَ) الْمُدَّعِي الْأَدَاءَ (مِنْ اثْنَيْنِ) مِنْهُمْ بِأَعْيَانِهِمَا (لَزِمَهُمَا) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى التَّوَاكُلِ، وَالثَّانِي لَا كَالْمُتَحَمِّلِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ هُنَاكَ طَلَبَهُمَا لِتَحَمُّلِ أَمَانَةٍ وَهُنَا لِأَدَائِهَا، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا لَوْ طَلَبَهُ مِنْ وَاحِدٍ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّاهُ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ إبَاءَ الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي اللُّزُومِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا عُلِمَتْ رَغْبَةُ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِامْتِنَاعِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي الْقَضِيَّةِ (إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ) الْأَدَاءُ (إنْ كَانَ فِيمَا) أَيْ فِي حَقٍّ (يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي الْمَطْلُوبُ إلَيْهِ يَرَى بِذَلِكَ كَمَا قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَرَى ذَلِكَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الشَّاهِدِ امْرَأَتَانِ فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَمَّا كَانَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ السَّابِقِ مُفَصَّلًا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 383 وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ إلَّا مَنْ تَحَمَّلَ قَصْدًا لَا اتِّفَاقًا، وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ شُرُوطٌ: أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَقِيلَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، قِيلَ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَمْ يَجِبْ،   [مغني المحتاج] (وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ إلَّا مَنْ) أَيْ شَاهِدًا (تَحَمَّلَ قَصْدًا لَا اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ عِنْدَهُ فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا كَثَوْبٍ طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: فِيمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ كَالْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا فِيهِ خَطَرٌ كَمَا لَوْ سَمِعَ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ استفرشها، أَوْ عَفَا عَنْ قِصَاصٍ ثُمَّ طَلَبَهُ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ جَزْمًا وَإِنْ لَمْ يَتَحَمَّلْهُ قَصْدًا. (وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ شُرُوطٌ) أَحَدُهَا (أَنْ يُدْعَى) الشَّاهِدُ إلَيْهِ (مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى) فَأَقَلَّ وَهِيَ الَّتِي يَتَمَكَّنُ الْمُبَكِّرُ إلَيْهَا مِنْ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ كَمَا مَرَّ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِثْبَاتِ وَتَعَذُّرِهِ، فَلَوْ دُعِيَ مِمَّا فَوْقَهَا لَمْ يَجِبْ لِلضَّرَرِ وَإِمْكَانِ الْإِثْبَاتِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا إذَا دَعَاهُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ فِي عَمَلِهِ، فَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ فِي عَمَلِهِ أَوْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِبَ حُضُورُهُ، وَقَدْ اسْتَحْضَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الشُّهُودَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ مِنْ الشَّامِ أَيْضًا. قَالَ شَيْخُنَا: وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ دُونَ غَيْرِهِ ا. هـ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قِصَّةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ عُمَرَ أَجْبَرَهُمْ عَلَى الْحُضُورِ، فَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ، وَمَتَى كَانَ الْقَاضِي فِي الْبَلَدِ فَالْمَسَافَةُ قَرِيبَةٌ كَمَا قَطَعَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُدْعَى يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ. أَمَّا هِيَ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْوُجُوبُ مُسَارَعَةً لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، إذْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ (وَقِيلَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) وَهَذَا مَزِيدٌ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ، فَإِنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِلْأَدَاءِ لِبُعْدِهَا (وَ) الشَّرْطُ الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ) الْمَدْعُوُّ (عَدْلًا، فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) كَشَارِبِ خَمْرٍ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الظَّاهِرِ لِلنَّاسِ وَالْخَفِيِّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ يَتَّجِهُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ فِيهِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ. قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ (قِيلَ) (أَوْ) دُعِيَ ذُو فِسْقٍ (مُخْتَلَفٍ فِيهِ) كَشُرْبِ نَبِيذٍ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ الْأَدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَرُّضِ نَفْسِهِ مِنْ إسْقَاطِ عَدَالَتِهِ بِمَا لَا يَرَاهُ مُسْقِطًا فِي اعْتِقَادِهِ، وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَإِنْ عُهِدَ مِنْ الْقَاضِي رَدُّ الشَّهَادَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ عَدَمُ اللُّزُومِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا مَنْ يُفَسِّقُ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَمْتَنِعُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ مُقَلَّدِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 384 وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُهَا.   [مغني المحتاج] مِثْلِ هَذَا الْجَوَازِ بَعِيدٌ، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْعَدْلِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَيْعٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَهُوَ لَا يَرَاهُ أَوَّلًا؟ وَجْهَانِ: أَفْقَهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْجَوَازُ، وَالْبَيْعُ مِثَالٌ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ. فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ مَعَ الْمُجْمَعِ عَلَى فِسْقِهِ عَدْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ فِيمَا عَدَاهُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الشَّاهِدُ مِنْ الْأَدَاءِ حَيَاءً مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ عَصَى وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ إلَى أَنْ تَصِحَّ تَوْبَتُهُ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي: شَاهِدِي مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِي عِنَادًا فَأَحْضِرْهُ لِيَشْهَدَ لَمْ يُجِبْهُ إلَى ذَلِكَ: لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ لَمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِالِامْتِنَاعِ بِزَعْمِهِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقُلْ عِنَادًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ (وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ) الْمَدْعُوُّ (مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ) كَخَوْفِهِ عَلَى مَالِهِ، أَوْ تَعَطُّلِ كَسْبِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَّا إنْ بَذَلَ لَهُ قَدْرَ كَسْبِهِ، أَوْ طَلَبَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ وَكَتَخْدِيرِ الْمَرْأَةِ، وَكَذَا كُلُّ عُذْرٍ يَسْقُطُ عَنْهُ بِهِ الْجُمُعَةُ (فَإِنْ كَانَ) الْمَدْعُوُّ مَعْذُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَدَاءُ وَ (أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) غَيْرَهُ (أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي) إلَيْهِ (مَنْ يَسْمَعُهَا) دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ حَصْرِهِ الشُّرُوطَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ قَاضِيًا وَعَدَمُ كَوْنِهِ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ دُعِيَ إلَى أَمِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ كَوَزِيرٍ وَعَلِمَ حُصُولَ الْحَقِّ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ عِنْدَهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَيَنْبَغِي كَمَا فِي التَّوْضِيحِ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْلُصُ إلَّا عِنْدَهُ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُهُمْ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَصِلُ بِهِ لِلْحَقِّ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّ مُنْصَبَّ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْقَضَاءِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ أَيْضًا إذَا دُعِيَ إلَى قَاضٍ جَائِرٍ، أَوْ امْتَنَعَتْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَمِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الشَّهَادَةِ شَهِدُوا وَإِلَّا فَلَا، إلَّا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا حَدٌّ عَلَى غَيْرِ الشَّاهِدِ مِثْلُ أَنْ لَا يَكْمُلَ النِّصَابُ إلَّا بِهِ إنَّهُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ ابْنُ سُرَاقَةَ: وَرُبَّمَا أَثِمَ الشَّاهِدُ بِالْأَدَاءِ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَتَلَ كَافِرًا وَالْحَاكِمُ عِرَاقِيٌّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ وَكَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَفْرَغَ، وَلَوْ رَدَّ قَاضٍ شَهَادَتَهُ لِجُرْحِهِ ثُمَّ دُعِيَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا إلَيْهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا، وَلَوْ دُعِيَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِشَهَادَتَيْنِ بِحَقَّيْنِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ فِي إجَابَةِ مَنْ شَاءَ مِنْ الدَّاعِيَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا قَدَّمَ مَا يَخَافُ فَوْتَهُ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ فَوْتٌ تَخَيَّرَ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُحْتَمَلُ الْإِقْرَاعُ وَهُوَ أَوْجَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 385 [فَصْلٌ] تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ، وَفِي عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ،   [مغني المحتاج] تَتِمَّةٌ: لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَخْذُ رِزْقٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ. وَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ كَالْقَاضِي وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مُطْلَقًا، وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ ذَلِكَ بِلَا تَفْصِيلٍ، وَلَهُ بِكُلِّ حَالٍ أَخْذُ أُجْرَةٍ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إنْ دُعِيَ لَهُ، فَإِنْ تَحَمَّلَ بِمَكَانِهِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ لِلْأَدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ عِوَضًا، وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَفَارَقَ التَّحَمُّلُ بِأَنَّ الْأَخْذَ لِلْأَدَاءِ يُورِثُ تُهْمَةً قَوِيَّةً مَعَ أَنَّ زَمَنَهُ يَسِيرٌ وَلَا تَفُوتُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوَّمَةٌ، بِخِلَافِ زَمَنِ التَّحَمُّلِ إلَّا إنْ دُعِيَ مِنْ مَسَافَةِ عَدْوَى فَأَكْثَرَ فَلَهُ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ وَأُجْرَةُ الْمَرْكُوبِ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ. نَعَمْ لِمَنْ فِي الْبَلَدِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهَا، وَلَهُ صَرْفُ مَا يُعْطِيه لَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ إلَى غَيْرِ النَّفَقَةِ وَالْأُجْرَةِ، وَكَذَا مَنْ أَعْطَى شَيْئًا فَقِيرًا لِيَكْسُوَ بِهِ نَفْسَهُ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِغَيْرِ الْكُسْوَةِ، ثُمَّ إنْ مَشَى الشَّاهِدُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الرُّكُوبِ، قَدْ تَنْخَرِمُ الْمُرُوءَةُ فَيَظْهَرُ امْتِنَاعُهُ فِيمَنْ هَذَا شَأْنُهُ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِبَلَدَيْنِ، بَلْ قَدْ يَأْتِي فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، فَيُعَدُّ ذَلِكَ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ إلَّا أَنْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ، أَوْ يَفْعَلَهُ تَوَاضُعًا. [فَصْلٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا] [فَصْلٌ] فِي جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا (تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَتَعَذَّرُ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ حَقٌّ لَازِمٌ فَيُشْهَدُ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلِأَنَّهَا طَرِيقٌ تُظْهِرُ الْحَقَّ كَالْإِقْرَارِ فَيُشْهَدُ عَلَيْهَا، لَكِنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ (فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ) لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ إحْصَانٍ كالأقارير وَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَالرَّضَاعِ وَالْوِلَادَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ، سَوَاءٌ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَوَقْفِ الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ وَذِي الْحَجَّةِ لِلْحَجِّ (وَفِي) إثْبَاتِ (عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. أَمَّا الْعُقُوبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَخَرَجَ مِنْهُ قَوْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْآدَمِيِّ، وَدُفِعَ التَّخْرِيجُ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ بِالْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فِيمَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ فَكَالْحَدِّ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ تَنْبِيهٌ: يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ ثُبُوتِ إحْصَانِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ مَنْعُ ثُبُوتِ بُلُوغِهِ؛؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعُقُوبَةِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِحْصَانِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَنْ لِعَانِهِ مِنْ إيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُلَاعِنْ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 386 وَتَحَمُّلِهَا بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ فَيَقُولُ: أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا، وَأُشْهِدُك أَوْ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ، أَوْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي هَذَا وَجْهٌ،   [مغني المحتاج] عَلَى الشَّهَادَةِ بِانْتِقَاضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ لِيُخَيَّرَ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ أُمُورٍ فِيهَا الْقَتْلُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِمَامِ بِاخْتِيَارِ الْقَتْلِ، وَعَلَى الْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ بِقَتْلِ مَنْ نَزَلَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَعَلَى الْحَاكِمِ بِإِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي. فَرْعٌ: يَجُوزُ إشْهَادُ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَتْنِ وَصَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ (وَتَحَمُّلِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ لَهُ أَسْبَابٌ ثَلَاثَةٌ: السَّبَبُ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ) الْأَصْلُ - أَيْ يَلْتَمِسَ مِنْهُ رِعَايَةَ الشَّهَادَةِ وَحِفْظِهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ نِيَابَةٌ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْإِذْنُ (فَيَقُولُ) الْأَصْلُ لِلْفَرْعِ (أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا) أَيْ بِأَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا (وَأُشْهِدُك) عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ أَشْهَدْتُك عَلَى شَهَادَتِي (أَوْ) يَقُولُ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) أَوْ إذَا شَهِدْتُ عَلَى شَهَادَتِي فَقَدْ أَذِنْتُ لَك فِي أَنْ تَشْهَدَ بِهِ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي وَعَنْ شَهَادَتِي، لَكِنَّهُ أَتَمُّ، فَقَوْلُهُ: أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي تَحْمِيلٌ، وَقَوْلُهُ: وَعَنْ شَهَادَتِي إذْنٌ فِي الْأَدَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَدِّهَا عَنِّي. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ اسْتِرْعَاءُ الْأَصْلِ شَرْطٌ كَمَا يُفْهِمُ كَلَامُهُ، بَلْ مَتَى صَحَّ الِاسْتِرْعَاءُ لَمْ يَخْتَصَّ التَّحَمُّلُ بِالْمُسْتَرْعِي، بَلْ لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَا يَكْفِي أَعْلَمَك وَأَخْبَرَك بِكَذَا وَنَحْوُهُمَا، كَمَا لَا يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي. السَّبَبُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) بِأَنْ (يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ) أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ، كَمَا أَنَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ. السَّبَبُ الثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) بِأَنْ يَسْمَعَهُ (يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا عَنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَقَرْضٍ، فَإِذَا بَيَّنَ سَبَبَ الشَّهَادَةِ جَازَ لِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ؛؛ لِأَنَّ إسْنَادَهُ إلَى السَّبَبِ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْوَعْدِ وَالتَّسَاهُلِ (وَفِي هَذَا) السَّبَبِ الْأَخِيرِ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِاحْتِمَالِ التَّوَسُّعُ فِيهِ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عِنْدَ قَاضٍ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ بِعَدَمِ الْكِفَايَةِ أَيْضًا، وَوَرَدَ عَلَى حَصْرِهِ الْأَسْبَابَ فِيمَا ذَكَرَهُ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا إذَا سَمِعَهُ يُؤَدِّي عِنْدَ الْمُحَكَّمِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَفْصِلَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ بِجَوَازِ التَّحْكِيمِ أَوْ لَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عِنْدَهُ إلَّا وَهُوَ جَازِمٌ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ الِاكْتِفَاءُ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ أَمِيرٍ أَوْ وَزِيرٍ بِنَاءً عَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 387 وَلَا يَكْفِي سَمَاعُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا، وَلِيُبَيِّن الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَى شَهَادَةِ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ، وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ.   [مغني المحتاج] وُجُوبَ أَدَائِهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ؛؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَقْدَمُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْوَزِيرِ إلَّا وَهُوَ جَازِمٌ بِثُبُوتِ الْمَشْهُودِ بِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْكَبِيرِ الَّذِي دَخَلَ فِي الْقَضِيَّةِ بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ، وَيَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا قَالَ فِي مَحَلِّ حُكْمِهِ حَكَمْت بِكَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ إقْرَارَهُ بِالْحُكْمِ. وَمِنْهَا لَوْ كَانَ حَاكِمَا أَوْ مُحَكَّمًا فَشَهِدَا عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى (وَلَا يَكْفِي) جَزْمًا (سَمَاعُ قَوْلِهِ) أَيْ الْأَصْلِ (لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا) وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ الشَّهَادَةِ الَّتِي فِي مَعْرِضِ الْإِخْبَارِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ وَعْدٍ وَعَدَهُ إيَّاهُ، وَيُشِيرُ بِكَلِمَةِ عَلَى إلَى أَنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ تَقْتَضِي الْوَفَاءَ بِهَا (وَلِيُبَيِّن) الشَّاهِدُ (الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ) لِلشَّهَادَةِ (جِهَةَ التَّحَمُّلِ) فَإِنْ اسْتَرْعَاهُ الْأَصْلُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ بَيَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكَّمِ، أَوْ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْمَشْهُودَ بِهِ إلَى سَبَبِهِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَحَمَّلَهَا بِهِ فَيَعْرِفُ الْقَاضِي صِحَّتَهَا وَفَسَادَهَا، إذْ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ الْجَهْلُ بِجِهَةِ التَّحَمُّلِ (فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ) جِهَةَ التَّحَمُّلِ كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا (وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ) بِمَعْرِفَةِ شَرَائِطِ التَّحَمُّلِ (فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ، وَلَكِنْ يُنْدَبُ أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ ثَبَتَ هَذَا الْمَالُ، وَهَلْ أَخْبَرَك بِهِ الْأَصْلُ أَوْ لَا؟ . وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَقَالَ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي صِفَةِ شَاهِدِ الْأَصْلِ وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ، فَقَالَ (وَلَا يَصِحُّ) (التَّحَمُّلُ عَلَى شَهَادَةِ) شَخْصٍ (مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ) بِفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ كَرِقٍّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَعَادَهَا فَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا وَإِنْ كَانَ كَامِلًا فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ تُقْبَلْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ) أَيْ لَا تُقْبَلُ 2 شَهَادَتُهُنَّ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِنَّ وَإِنْ كَانَتْ الْأُصُولُ أَوْ بَعْضُهُمْ نِسَاءٌ وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي وِلَادَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مَالٍ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ تُثْبِتُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا مَا شَهِدَ بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْمُحَرَّرِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّقَائِقِ: لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ فَإِنَّهَا تُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ قَبْلَ هَذَا: إنَّ مَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا تَحَمُّلُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ صَحَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 388 فَإِنْ مَاتَ الْأَصْلُ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ شَهَادَةَ الْفَرْعِ. وَإِنْ حَدَثَ رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ مَنَعَتْ، وَجُنُونُهُ كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ قُبِلَتْ. وَيَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ،   [مغني المحتاج] تَحَمُّلُهُ، وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْلٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فَأَرَادَ ذُو الْحَقِّ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ هَذَا الْفَرْعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ لَا تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فَرْعَانِ فَلَهُ الْحَلِفُ مَعَهُمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (فَإِنْ مَاتَ الْأَصْلُ أَوْ) حَدَثَ بِهِ مَانِعٌ لَا يَقْدَحُ كَأَنْ (غَابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ) ذَلِكَ (شَهَادَةَ الْفَرْعِ) أَيْ أَدَاءَهَا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا، كَمَا سَيَأْتِي بِشَرْطِهِ وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ. (وَإِنْ) (حَدَثَ) بِالْأَصْلِ مَانِعٌ قَادِحٌ، وَهُوَ (رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (مَنَعَتْ) هَذِهِ الْقَوَادِحُ وَمَا أَشْبَهَهَا شَهَادَةَ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَهْجُمُ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ الْفِسْقُ يُورِثُ الرِّيبَةَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالرِّدَّةُ تُشْعِرُ بِخُبْثٍ فِي الْعَقِيدَةِ، وَالْعَدَاوَةُ بِضَغَائِنَ كَانَتْ مُسْتَكِنَّةً وَلَيْسَ لِمُدَّةِ ذَلِكَ ضَبْطٌ فَيُعْطَفُ إلَى حَالَةِ التَّحَمُّلِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَدَثَ الْفِسْقُ أَوْ الرِّدَّةُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ، وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: عَدْلَانِ شَهِدَا بِشَيْءٍ عِنْدَ الْقَاضِي وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا لِفِسْقِ غَيْرِهِمَا، وَلَا أَثَرَ لِحُدُوثِ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ فِي الْفِسْقِ وَالرِّدَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي حَدٍّ لِآدَمِيٍّ، أَوْ قِصَاصٍ لَمْ يُسْتَوْفَ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُسْتَوْفَ كَالرُّجُوعِ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْعَدَاوَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ (وَجُنُونُهُ) أَيْ الْأَصْلُ إذَا كَانَ مُطْبَقًا وَخَرَسُهُ وَعَمَاهُ (كَمَوْتِهِ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوقِعُ رَيْبَهُ فِي الْمَاضِي وَالثَّانِي يَمْنَعُ كَالْفِسْقِ. تَنْبِيهٌ: كَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَاضِرًا فَلَا يَشْهَدُ الْفَرْعُ بَلْ يُنْتَظَرُ زَوَالُ الْإِغْمَاءِ لِقُرْبِ زَوَالِهِ، قَالَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ كُلُّ مَرَضٍ يُتَوَقَّعُ قُرْبُ زَوَالِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّوَابُ الْفَرْقُ لِبَقَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ انْتَهَى، وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرْنَا إفَاقَةَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ فَانْتِظَارُ الْمَرِيضِ الْأَهْلِ أَوْلَى بِلَا شَكٍّ. (وَلَوْ) (تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ) أَوْ كَافِرٌ (أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ) بِعَدَالَةٍ فِي الْأَوَّلِ، وَإِسْلَامٍ فِي الثَّانِي، وَحُرِّيَّةٍ فِي الثَّالِثِ، وَبُلُوغٍ فِي الرَّابِعِ (قُبِلَتْ) حِينَئِذٍ شَهَادَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْأَصْلِ إذَا تَحَمَّلَ وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ أَدَّى بَعْدَ كَمَالِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا بُدَّ مِنْ عَدَدِ الْفَرْعِ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مِمَّا يُقْبَلُ فِيهَا الْوَاحِدُ كَهِلَالِ رَمَضَانَ. (وَيَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ) فَرْعَيْنِ (عَلَى الشَّاهِدَيْنِ) الْأَصْلِيَّيْنِ كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى مُقِرَّيْنِ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَشْهَدَ كُلٌّ مِنْ الْفَرْعَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَصْلَيْنِ، وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ عَلَى هَذَا وَوَاحِدٌ عَلَى الْآخَرِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 389 وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ اثْنَانِ. وَشَرْطُ قَبُولِهَا تَعَذُّرُ أَوْ تَعَسُّرُ الْأَصِيلِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمًى، أَوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ، أَوْ غَيْبَةٌ لِمَسَافَةِ عَدْوَى، وَقِيلَ قَصْرٍ.   [مغني المحتاج] قَطْعًا وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ وَلَا يَكْفِي أَيْضًا أَصْلٌ شَهِدَ مَعَ فَرْعٍ عَلَى الْأَصْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الْبَيِّنَةِ لَا يَقُومُ بِالْآخَرِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: يَكْفِي شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مَقَامُ رَجُلٍ (وَفِي قَوْلٍ) صَحَّحَهُ جَمْعٌ (يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) مِنْ الْأُصُولِ (اثْنَانِ) ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا عَلَى وَاحِدٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَتِهِ فَلَا تَقُومُ مَقَامَ شَهَادَةِ غَيْرِهِ. (وَشَرْطُ) شَهَادَةِ الْفَرْعِ فِي (قَبُولِهَا تَعَذُّرُ أَوْ تَعَسُّرُ الْأَصْلِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمًى) لَا تُسْمَعُ مَعَهُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى. وَهَذَانِ مِثَالَانِ لِلتَّعَذُّرِ، وَمِثْلُهُمَا الْجُنُونُ الْمُطْبِقُ وَالْخَرَسُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ، فَلَوْ قَالَ كَالْمَوْتِ كَانَ أَوْلَى (أَوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ) مَشَقَّةً ظَاهِرَةً بِأَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِهِ تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَخَوْفٍ مِنْ غَرِيمٍ وَسَائِرِ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ، كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ ضَابِطِ الْمَرَضِ هُنَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَهُوَ بَعِيدٌ نَقْلًا وَعَقْلًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ إلْحَاقَهُ سَائِرَ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ بِالْمَرَضِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ أَكَلَ مَالَهُ رِيحٌ كَرِيهَةٌ عُذِرَ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ هُنَا بِأَنَّ أَكْلَ شُهُودِ الْأَصْلِ ذَلِكَ يُسَوِّغُ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشُقُّ مَعَهُ الْحُضُورُ (أَوْ غَيْبَةٌ لِمَسَافَةِ عَدْوَى. وَقِيلَ) لِمَسَافَةِ (قَصْرٍ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْبَلَدِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لِمَسَافَةِ عَدْوَى نَسَبَ فِيهِ إلَى سَبْقِ الْقَلَمِ، وَصَوَابُهُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى كَمَا هُوَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْمُسَوِّغَ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ غَيْبَةُ الْأَصْلِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، فَكَيْفَ يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرْعِ مَعَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَصْلِ؟ ، وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ هُنَا تَكْرَارًا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَوْتَ الْأَصْلِ وَغَيْبَتَهُ وَمَرَضَهُ لَا يَمْنَعُ شَهَادَةَ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي بَيَانِ طَرَيَانِ الْعُذْرِ، وَهَذَا فِي الْمُسَوِّغِ لِلشَّهَادَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ شُرُوطِ الْغَيْبَةِ شُهُودُ التَّزْكِيَةِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْمَسَائِلِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ الْمُزَكَّى مَعَ حُضُورِ الْمُزَكِّينَ فِي الْبَلَدِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي فَصْلِ التَّزْكِيَةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ. وَلَوْ شَهِدَ الْفَرْعُ فِي غَيْبَةِ الْأَصْلِ ثُمَّ حَضَرَ، أَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَنِّي تَحَمَّلْتُ أَوْ نَسِيتُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِهَا لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْأُولَى وَالرِّيبَةِ فِيمَا عَدَاهَا أَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ كَذَّبَ بِهِ الْأَصْلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يُنْقَضْ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَظْهَرُ أَنْ يَجِيءَ تَغْرِيمُهُمْ وَالتَّوَقُّفُ فِي اسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ مَا يَأْتِي فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ كَذَّبَهُ قَبْلَهُ فَيُنْقَضُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَفَقُّهًا إلَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَشْهَدَهُ فَلَا يُنْقَضُ، وَاسْتَثْنَى الشَّيْخَانِ بَحْثًا مِنْ الْأَعْذَارِ مَا يَعُمُّ الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ كَالْمَطَرِ وَالْوَحْلِ الشَّدِيدِ فَلَا تُسْمَعُ مَعَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 390 وَأَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَهُمْ الْفُرُوعُ، فَإِنْ زَكَّوْهُمْ قُبِلَ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ لَمْ يَجُزْ. [فَصْلٌ] رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ   [مغني المحتاج] شَهَادَةُ الْفَرْعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ مُشَارَكَةَ غَيْرُهُ لَهُ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ، فَلَوْ تَجَشَّمَ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ وَأَدَّى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ اهـ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ كَلَامِهِمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ مِنْهُ - أَيْ لَا تَلْزَمُهُ - فَمَنْ تَجَشَّمَ الْمَشَقَّةَ مِنْهُمَا وَحَضَرَ وَأَدَّى قُبِلَتْ، فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ ذَلِكَ وَحَيْثُ أَمْكَنَ حَمْلُ الْعِبَارَةِ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ، وَلَوْ مَعَ الْبُعْدِ كَانَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ بَاطِلًا خُصُوصًا مَنْ عَظُمَتْ مَرْتَبَتُهُ فِي الْعِلْمِ. (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ) وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا لِيَعْرِفَ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ وَيَتَمَكَّنَ الْخَصْمُ مِنْ الْجُرْحِ إنْ عَرِفَهُ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ قَاضِيًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَشْهَدَنِي قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ مِصْرَ أَوْ الْقَاضِي الَّذِي بِهَا وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَلَيْسَ بِهَا سِوَاهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالصَّوَابُ فِي وَقْتِنَا وُجُوبُ تَعْيِينِ الْقَاضِي أَيْضًا لِمَا لَا يَخْفَى (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ (أَنْ يُزَكِّيَهُمْ الْفُرُوعُ) بَلْ لَهُمْ إطْلَاقُ الشَّهَادَةِ وَالْقَاضِي يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ، وَلَا يَلْزَمُ الْفَرْعُ أَنْ يَتَعَرَّضَ فِي شَهَادَتِهِ لِصِدْقِ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ حَيْثُ يَتَعَرَّضُ لِصِدْقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُهُ (فَإِنْ زَكَّوْهُمْ) وَهُمْ أَهْلٌ لِلتَّعْدِيلِ غَيْرُ مُتَّهَمِينَ (قُبِلَ) ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي وَاقِعَةٍ وَزَكَّى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ عَدَالَةَ الثَّانِي فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ مِنْ تَتِمَّةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ شَرَطَ بَعْضُهُمْ التَّعَرُّضَ لَهَا، وَهُنَاكَ قَامَ الشَّاهِدُ الْمُزَكَّى بِإِحْدَى شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ قِيَامُهُ بِالثَّانِي (وَلَوْ) (شَهِدُوا) أَيْ الْفُرُوعُ (عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ) يَذْكُرُونَهُمْ (وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ) (لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَعْرِفُ جُرْحَهُمْ لَوْ سَمَّوْهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَسُدُّ بَابَ الْجُرْحِ عَلَى الْخَصْمِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَّرَهَا لِيُفِيدَ أَنَّ تَزْكِيَةَ الْفُرُوعِ لِلْأُصُولِ وَإِنْ جَازَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمْ بِالِاسْمِ وَلَوْ قَدَّمَهُ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ. . تَتِمَّةٌ: لَوْ اجْتَمَعَ أَصْلٌ وَفَرْعُ أَصْلٍ آخَرَ قُدِّمَ عَلَيْهِمَا فِي الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ يَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ. [فَصْلٌ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ] [فَصْلٌ] فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَنْ شَهَادَتِهِمْ. إذَا (رَجَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ) أَوْ تَوَقَّفُوا فِيهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 391 قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ، أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ اُسْتُوْفِيَ، أَوْ عُقُوبَةٍ فَلَا، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ. فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَوْفَى قِصَاصًا أَوْ قَتْلِ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمِ زِنًا أَوْ جَلْدِهِ وَمَاتَ وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا فَعَلَيْهِمْ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ.   [مغني المحتاج] وَ (قَبْلَ الْحُكْمِ) (امْتَنَعَ) الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ أَعَادُوهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي عُقُوبَةٍ أَمْ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَدْرِي أَصَدَقُوا فِي الْأَوَّلِ أَوْ فِي الثَّانِي فَيَنْتَفِي ظَنُّ الصِّدْقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ كَذِبَهُمْ ثَابِتٌ لَا مَحَالَةَ إمَّا فِي الشَّهَادَةِ أَوْ الرُّجُوعِ، وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْكَذَّابِ، وَلَا يَفْسُقُونَ بِرُجُوعِهِمْ إلَّا إنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا شَهَادَةَ الزُّورِ فَيَفْسُقُونَ، وَلَوْ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فِي زِنًا حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ، وَإِنْ قَالُوا: غَلِطْنَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْيِيرِ وَكَانَ حَقُّهُمْ التَّثَبُّتُ وَكَمَا لَوْ رَجَعُوا عَنْهَا بَعْدَ الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ التَّصْرِيحُ بِهِ فَيَقُولُ: رَجَعْتُ عَنْ شَهَادَتِي، فَلَوْ قَالَ: أَبْطَلْت شَهَادَتِي أَوْ فَسْخَتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا فَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهُ؟ وَلَوْ قَالُوا لِلْحَاكِمِ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ: تَوَقَّفْ عَنْ الْحُكْمِ. ثُمَّ قَالُوا لَهُ: اُحْكُمْ فَنَحْنُ عَلَى شَهَادَتِنَا حَكَمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ رُجُوعَهُمْ وَلَا بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُمْ، وَإِنْ شَكَّ فَقَدْ زَالَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْ أَهْلٍ جَازِمٍ، وَالتَّوَقُّفُ الطَّارِئُ قَدْ زَالَ (أَوْ) رَجَعُوا (بَعْدَهُ) أَيْ الْحُكْمِ (وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ) فِي شَهَادَةٍ بِهِ أَوْ عَقْدٍ وَلَوْ نِكَاحٍ نَفَذَ الْحُكْمُ بِهِ وَ (اُسْتُوْفِيَ) الْمَالُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ قَدْ تَمَّ، وَلَيْسَ هَذَا مَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِالرُّجُوعِ. وَأَمَّا الْفُسُوخُ فَتَسْتَمِرُّ عَلَى إمْضَائِهَا (أَوْ) رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ (عُقُوبَةٍ) فِي شَهَادَةٍ بِهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ زِنًا وَحَدِّ قَذْفٍ (فَلَا) يَسْتَوْفِي تِلْكَ الْعُقُوبَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَالرُّجُوعُ شُبْهَةٌ (أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْمَحْكُومِ بِهِ (لَمْ يُنْقَضْ) أَيْ الْحُكْمُ لِتَأَكُّدِ الْأَمْرِ وَلِجَوَازِ صِدْقِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ، وَكَذِبِهِمْ فِي الرُّجُوعِ وَعَكْسِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ. (فَإِنْ كَانَ) (الْمُسْتَوْفَى) عُقُوبَةً كَأَنْ كَانَ (قِصَاصًا) فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ (أَوْ قَتْلِ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمِ زِنًا أَوْ جَلْدِهِ) بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ لِضَمِيرِ الزِّنَا، وَلَوْ حَذَفَهُ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِيَشْمَلَ جَلْدَ قَذْفٍ وَشُرْبٍ (وَمَاتَ) الْمَجْلُودُ أَوْ قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، ثُمَّ رَجَعُوا (وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا) شَهَادَةً أَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ تَعَمَّدْت وَلَا أَعْلَمُ حَالَ صَاحِبِي مَعَ قَوْلِهِمْ: عَلِمْنَا أَنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ بِقَوْلِنَا (فَعَلَيْهِمْ قِصَاصُ) غَائِلَةٍ إنْ جَهِلَ الْوَلِيُّ تَعَمُّدَهُمْ وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَتْنِ فِي الْجِنَايَاتِ وَسَيَأْتِي (أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ) فِي مَالِهِمْ مُوَزَّعَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِتَسَبُّبِهِمْ إلَى إهْلَاكِهِ، وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ: تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ صَاحِبِي فَلَا قِصَاصَ لِانْتِفَاءِ تَمَحُّضِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ، بَلْ يَلْزَمُهُمَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: تَعَمَّدْت وَصَاحِبِي أَخْطَأَ أَوْ قَالَ تَعَمَّدْت وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ لَا، وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْت. وَقَالَ صَاحِبُهُ: أَخْطَأْت فَلَا قِصَاصَ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي، وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 392 وَعَلَى الْقَاضِي قِصَاصٌ إنْ قَالَ تَعَمَّدْت، وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ فَعَلَى الْجَمِيعِ قِصَاصٌ إنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، فَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَيْهِمْ نِصْفٌ. وَلَوْ رَجَعَ مُزَكٍّ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ، أَوْ وَلِيٌّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ أَوْ مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ،   [مغني المحتاج] وَلَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِعَمْدِهِمَا وَالْآخَرُ بِعَمْدِهِ وَخَطَأِ صَاحِبِهِ اُقْتُصَّ مِنْ الْأَوَّلِ لِاعْتِرَافِهِ بِتَعَمُّدِهِمَا جَمِيعًا دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ إلَّا بِشَرِكَةِ مُخْطِئٍ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِمْ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِنَا، بَلْ يُحَدُّونَ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا حَدَّ الْقَذْفِ، ثُمَّ يُرْجَمُونَ، وَلَا يَضُرُّ فِيهِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَا قَدْرِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ. قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ ذَلِكَ تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ، وَقِيلَ: يُقْتَلُونَ بِالسَّيْفِ وَرَجَّحَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ إلَّا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَنَشْئِهِمْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ، وَإِنْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا فِي شَهَادَتِنَا فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ مُوَزَّعَةٌ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ إنْ كَذَّبَتْهُمْ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمْ لَا يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ مَا لَمْ تُصَدِّقْهُمْ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُمْ فَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ، وَكَذَا إنْ سَكَتَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، فَإِنْ صَدَّقَتْهُمْ لَزِمَهُ الدِّيَةُ. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَوْا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَعْرِفُ خَطَأَهُمْ هَلْ لَهُمْ تَحْلِيفُهَا أَوْ لَا؟ رَأْيَانِ: أَوْجَهُهُمَا أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ غَرِمَتْ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ التَّحْلِيفِ. (وَعَلَى الْقَاضِي) الرَّاجِعِ دُونَ الشُّهُودِ (قِصَاصٌ) أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ (إنْ قَالَ: تَعَمَّدْت) الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، فَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْتُ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ (وَإِنْ) (رَجَعَ هُوَ) أَيْ الْقَاضِي (وَهُمْ) أَيْ الشُّهُودُ (فَعَلَى الْجَمِيعِ قِصَاصٌ) أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ (إنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا) ذَلِكَ لِاعْتِرَافِهِمْ بِالتَّسَبُّبِ فِي قَتْلِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا (فَإِنْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا فَعَلَيْهِ) أَيْ الْقَاضِي (نِصْفُ دِيَةٍ، وَعَلَيْهِمْ) أَيْ الشُّهُودِ (نِصْفٌ) مِنْهَا تَوْزِيعًا عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ اهـ. وَرُدَّ الْقِيَاسُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ، بِخِلَافِ الشُّهُودِ، وَبِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ وَحْدَهُمْ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَلَوْ) (رَجَعَ مُزَكٍّ) وَحْدَهُ عَنْ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ وَلَوْ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ) بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ يُلْجِئُ الْقَاضِيَ إلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إلَى الْقَتْلِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلِمْتُ كَذِبَهُمْ وَقَوْلِهِ عَلِمْتُ فِسْقَهُمْ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ، وَإِنْ قَالَ الْقَفَّالُ: مَحَلُّهُ إذَا قَالَ عَلِمْتُ كَذِبَهُمْ، فَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُ فِسْقَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُصَدَّقُونَ مَعَ فِسْقِهِمْ (أَوْ) رَجَعَ (وَلِيٌّ) لِلدَّمِ (وَحْدَهُ) دُونَ الشُّهُودِ (فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ) بِكَمَالِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ (أَوْ) رَجَعَ (مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ) يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 393 وَقِيلَ: هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي فَرَجَعَا دَامَ الْفِرَاقُ وَعَلَيْهِمْ مَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ وَطْءٍ.   [مغني المحتاج] الدِّيَةُ عَلَى الْوَلِيِّ وَحْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِلْمُبَاشَرَةِ وَهُمْ مَعَهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ (وَقِيلَ: هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ) لِتَعَاوُنِهِمْ فِي الْقَتْلِ فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ، وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ فَعَلَيْهِمْ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ عَلَى الْوَلِيِّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالشُّهُودُ كَانَ عَلَى كُلٍّ الثُّلُثُ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَقِيلَ: هُوَ هُمْ كَالشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: شُرَكَاءُ يُوهِمُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي الضَّمَانِ مُطْلَقًا. (وَلَوْ) (شَهِدَا) عَلَى شَخْصٍ (بِطَلَاقٍ بَائِنٍ) سَوَاءٌ أَكَانَ بِعِوَضٍ أَمْ بِثَلَاثٍ أَمْ قَبْلَ الدُّخُولِ (أَوْ رَضَاعٍ) مُحَرِّمٍ (أَوْ لِعَانٍ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْبَيْنُونَةُ كَالْفَسْخِ بِعَيْبٍ (وَفَرَّقَ الْقَاضِي) فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (فَرَجَعَا) عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِمَا ذُكِرَ (دَامَ الْفِرَاقُ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الرُّجُوعِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُرَدُّ الْحُكْمُ بِقَوْلٍ مُحْتَمَلٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: دَامَ الْفِرَاقُ لَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِهِ فِي الرَّضَاعِ وَاللِّعَانِ، فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ دَامَ بِنَفَذَ، أَوْ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْفِرَاقُ كَانَ أَوْلَى (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ الشُّهُودِ الرَّاجِعِينَ لِلزَّوْجِ (مَهْرُ مِثْلٍ) وَلَوْ قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ بَعْدَ إبْرَاءِ الزَّوْجَةِ زَوْجِهَا مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا فَوَّتَاهُ عَلَيْهِ (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ) حُكْمُ الْقَاضِي بِالْفِرَاقِ (قَبْلَ وَطْءٍ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ عَلَى الزَّوْجِ. وَالْأَوَّلُ نَظَرَ إلَى بَدَلِ الْبُضْعِ الْمُفَوَّتِ بِالشَّهَادَةِ إذْ النَّظَرُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى الْمُتْلَفِ لَا إلَى مَا قَامَ بِهِ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ سَوَاءٌ أَدَفَعَ إلَيْهَا الزَّوْجُ الْمَهْرَ أَمْ لَا، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الدَّيْنِ لَا يَغْرَمُونَ قَبْلَ دَفْعِهِ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ هُنَا تَحَقَّقَتْ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَرْضَعَتْ زَوْجَتُهُ الْكَبِيرَةُ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَزِمَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَقَطْ فَهَلَّا كَانَ هُوَ الْأَصَحُّ هُنَا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ فُرْقَةَ الرَّضَاعِ حَقِيقَةٌ فَلَا تُوجِبُ إلَّا النِّصْفَ كَالْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ، وَهُنَا النِّكَاحُ بَاقٍ بِزَعْمِ الزَّوْجِ وَالشُّهُودِ لَكِنَّهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبُضْعِ فَغَرِمُوا قِيمَتَهُ كَالْغَاصِبِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَغْصُوبِ. وَخَرَجَ بِالْبَائِنِ الرَّجْعِيِّ فَلَا غُرْمَ فِيهِ عَلَيْهِمْ إذْ لَمْ يُفَوِّتُوا عَلَيْهِ شَيْئًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا غَرِمَا كَمَا فِي الْبَائِنِ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمَا لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا إذَا أَمْكَنَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ فَتَرَكَهَا بِاخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَدَارُكِ دَفْعِ مَا يَعْرِضُ بِجِنَايَةِ الْغَيْرِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ جَرَحَ شَاةَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَذْبَحْهَا مَالِكُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَلَيْهِمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ كَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّ " عَلَيْهِمْ " أَخَصْرُ مِنْ " عَلَيْهِمَا " إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ، وَلَوْ قَالُوا فِي رُجُوعِهِمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ كَانَ رَجْعِيًّا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَرْجَحُ عِنْدِي أَنَّهُمْ يَغْرَمُونَ؛ لِأَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَيْهِ مِلْكَ الرَّجْعَةِ الَّذِي هُوَ كَمِلْكِ الْبُضْعِ قَالَ: وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْغُرْمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَشَمِلَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 394 وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ وَفَرَّقَ فَرَجَعَا فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ فَلَا غُرْمَ. وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ غَرِمُوا فِي الْأَظْهَرِ، وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ الْغُرْمُ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ نِصَابٌ فَلَا غُرْمَ، وَقِيلَ يَغْرَمُ قِسْطَهُ، وَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ   [مغني المحتاج] إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْبَائِنَ مَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْمَشْهُودُ بِهِ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْحَاوِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَنَعُوهُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبُضْعِ كَالثَّلَاثِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَجِبُ قَسْطُ الطَّلْقَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ بِالرُّجُوعِ عَنْ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ صُوَرٌ: الْأُولَى: إذَا قَالَ الزَّوْجُ بَعْدَ الْإِنْكَارِ: إنَّهُمْ مُحِقُّونَ فِي شَهَادَتِهِمْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَمْ بَعْدَهُ. الثَّانِيَةُ: إذَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَّا بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ عَلَى زَعْمِهِ فِي بَقَاءِ عِصْمَتِهِ فَإِنَّهُ لَا غُرْمَ لِتَقْصِيرِهِ بِالْبَيْنُونَةِ بِاخْتِيَارِهِ. الثَّالِثَةُ إذَا لَمْ يَرْجِعُوا إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُمْ لَا يَغْرَمُونَ لِوَرَثَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بُضْعِهِ وَلَا حَيْلُولَةَ هُنَا. الرَّابِعَةُ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قِنًّا فَلَا غُرْمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَلَا لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِزَوْجَةِ عَبْدِهِ، فَلَوْ كَانَ مُبَعَّضًا غَرِمَ لَهُ الْمَشْهُودُ بِقِسْطِ الْحُرِّيَّةِ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَالظَّاهِرُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلْحَاقُ ذَلِكَ بِالْإِكْسَابِ فَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ قِنًّا وَبَعْضُهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُبَعَّضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبُضْعِ نَشَأَ مِنْ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ،. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ فَالْأَرْجَحُ أَنَّ لِوَلِيِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ تَغْرِيمَهُمْ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إنْكَارٌ. (وَلَوْ) (شَهِدَا بِطَلَاقٍ) بَائِنٍ (وَفَرَّقَ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ لَمْ يُفَرِّقْ كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى (فَرَجَعَا) عَنْ شَهَادَتِهِمَا (فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ) مُحَرَّمٌ أَوْ نَحْوُهُ كَلِعَانٍ أَوْ فَسْخٍ (فَلَا غُرْمَ) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تُفَوِّتْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا، وَلَوْ غَرِمَا قَبْلَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ شَيْئًا اسْتَرَدَّا مَا غَرِمَاهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَجَعَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالِاسْتِرْدَادِ يَنْبَغِي أَنْ تَغْرَمَ مَا اسْتَرَدَّ؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَخَذَهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ. (وَلَوْ) (رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ) عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ وَدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ (غَرِمُوا) بَدَلَهُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ قَالُوا: أَخْطَأْنَا لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ بِشَهَادَتِهِمْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْيَدِ أَوْ الْإِتْلَافِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ صَدَّقَهُمْ الْخَصْمُ فِي الرُّجُوعِ عَادَتْ الْعَيْنُ إلَى مَنْ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَلَا غُرْمَ (وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا سَوَاءٌ أَكَانُوا أَقَلَّ الْحُجَّةِ أَوْ زَادُوا عَلَيْهِ كَخَمْسَةٍ فِي الزِّنَا وَثَلَاثَةٍ فِي الْقَتْلِ (وُزِّعَ عَلَيْهِمْ الْغُرْمُ) بِالسَّوِيَّةِ عِنْدَ اتِّحَادِ نَوْعِهِمْ (أَوْ) رَجَعَ (بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ) مِنْهُمْ (نِصَابٌ) كَأَنْ رَجَعَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ كَالْعِتْقِ (فَلَا غُرْمَ) عَلَى مَنْ رَجَعَ لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ فَكَأَنَّ الرَّاجِعَ لَمْ يَشْهَدْ (وَقِيلَ: يَغْرَمُ) الرَّاجِعُ (قِسْطَهُ) مِنْ النِّصَابِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْجَمِيعِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ فَوَّتَ قِسْطًا فَيَغْرَمُ مَا فَوَّتَ (وَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ) بَعْدَ رُجُوعِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 395 وَلَمْ يَزِدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فَقِسْطٌ، وَإِنْ زَادَ فَقِسْطٌ مِنْ النِّصَابِ، وَقِيلَ مِنْ الْعَدَدِ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ أَوْ وَأَرْبَعٌ فِي رَضَاعٍ فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثَانِ، فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَوْ ثِنْتَانِ فَلَا غُرْمَ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ شَهِدَ هُوَ وَأَرْبَعٌ بِمَالٍ فَقِيلَ كَرَضَاعٍ، وَالْأَصَحُّ هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ، سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُنَّ،   [مغني المحتاج] بَعْضِهِمْ (وَلَمْ يَزِدْ الشُّهُودُ عَلَيْهِ) أَيْ النِّصَابِ كَأَنْ شَهِدَ فِي الزِّنَا أَرْبَعَةٌ، وَفِي مَالٍ أَوْ قَتْلِ اثْنَانِ (فَقِسْطٌ) يَلْزَمُ الرَّاجِعَ مِنْهُمْ، فَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمَا ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، أَوْ أَرْبَعَةٌ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمْ لَزِمَ الرَّاجِعَ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَعَلَيْهِ الرُّبْعُ (وَإِنْ زَادَ) عَدَدُ الشُّهُودِ عَلَى النِّصَابِ، كَمَا إذْ رَجَعَ مِنْ الْخَمْسَةِ فِي الزِّنَا اثْنَانِ أَوْ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي غَيْرِهِ اثْنَانِ (فَقِسْطٌ مِنْ النِّصَابِ) فِي الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا غُرْمَ إذَا بَقِيَ نِصَابٌ فَيَجِبُ النِّصْفُ عَلَى الرَّاجِعِينَ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحُجَّةِ (وَقِيلَ) قِسْطٌ (مِنْ الْعَدَدِ) يَغْرَمُهُ الرَّاجِعُ مِنْهُمْ فَيَجِبُ الثُّلُثَانِ عَلَى الرَّاجِعِينَ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا نُقِصَ عَدَدُهَا زَالَ حُكْمُهَا وَصَارَ الضَّمَانُ مُتَعَلِّقًا بِالْإِتْلَافِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ (وَإِنْ) (شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) فِيمَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا (فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ) عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ رُبْعٌ؛ لِأَنَّهُمَا كَرَجُلٍ. تَنْبِيهٌ: الْخُنْثَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ (أَوْ) شَهِدَ رَجُلٌ (وَأَرْبَعٌ) مِنْ نِسَاءٍ (فِي رَضَاعٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ ثُمَّ رَجَعُوا (فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ، وَهُنَّ ثُلُثَانِ) وَتَنْزِلُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَنْزِلَةَ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ يَنْفَرِدُ بِهَا النِّسَاءُ فَلَا يَتَعَيَّنُ الرَّجُلُ لِلشَّطْرِ (فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَوْ ثِنْتَانِ) فَقَطْ (فَلَا غُرْمَ) عَلَى مَنْ رَجَعَ (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِمَا الثُّلُثُ كَمَا لَوْ رَجَعَ الْجَمِيعُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدَ مَعَ عَشْرَةِ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا غَرِمَ السُّدُسَ، وَعَلَى كُلِّ ثِنْتَيْنِ السُّدُسُ، فَإِنْ رَجَعَ مِنْهُنَّ ثَمَانٍ أَوْ هُوَ وَلَوْ مَعَ سِتٍّ فَلَا غُرْمَ عَلَى الرَّاجِحِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ رَجَعَ مَعَ سَبْعَةٍ غَرِمُوا الرُّبُعَ لِبُطْلَانِ رُبُعِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ رَجَعَ كُلُّهُنَّ دُونَهُ أَوْ رَجَعَ هُوَ مَعَ ثَمَانٍ غَرِمُوا النِّصْفَ لِبَقَاءِ نِصْفِ الْحُجَّةِ فِيهِمَا، أَوْ مَعَ تِسْعٍ غَرِمُوا ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ، وَإِنْ رَجَعَ كُلُّهُنَّ دُونَهُ غَرِمُوا نِصْفًا لِمَا مَرَّ. (وَإِنْ) (شَهِدَ هُوَ وَ) نِسَاءٌ (أَرْبَعٌ بِمَالٍ) ثُمَّ رَجَعُوا (فَقِيلَ كَرَضَاعٍ) فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الْغُرْمِ وَعَلَيْهِنَّ ثُلُثَاهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ كَالرَّضَاعِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسْوَةِ. فَإِنْ قِيلَ: تَشْبِيهُهُ بِالرَّضَاعِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ رُجُوعِ الْكُلِّ، فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ، هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ) ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُ الْبَيِّنَةِ، وَهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ مَعَ الرَّجُلِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ (سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُنَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ وَإِنْ كَثُرْنَ بِخِلَافِ الرَّضَاعِ يُنَافِيه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 396 وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ فَالْأَصَحُّ لَا غُرْمَ، وَأَنَّ شُهُودَ إحْصَانٍ أَوْ صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا.   [مغني المحتاج] (وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ) مِنْهُنَّ فَقَطْ (فَالْأَصَحُّ لَا غُرْمَ) عَلَيْهِمَا لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ. وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا رُبُعُ الْغُرْمِ؛ لِأَنَّهُمَا رُبُعُ الْبَيِّنَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ الْغُرْمُ، وَقَالَ هُنَا: يَجِبُ عَلَيْهَا الْخُمْسُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ شُهُودَ إحْصَانٍ) إذَا رَجَعُوا بَعْدَ رَجْمِ الْقَاضِي الزَّانِيَ دُونَ شُهُودِ الزِّنَا كَمَا صَوَّرَهَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، أَوْ مَعَهُمَا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي ذَلِكَ (أَوْ) شُهُودَ (صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ) عَلَى صِفَةٍ عَلَيْهَا إذَا رَجَعُوا بَعْدَ نُفُوذِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ دُونَ شُهُودِ التَّعْلِيقِ (لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا) . أَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِمُوجَبِ عُقُوبَةٍ، وَإِنَّمَا وَصَفُوهُ بِصِفَةِ كَمَالٍ. وَأَمَّا شُهُودُ الصِّفَةِ مَعَ شُهُودِ التَّعْلِيقِ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِطَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ، وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا صِفَةً. وَالثَّانِي: يَغْرَمُونَ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الزِّنَا وَالْإِحْصَانِ جَمِيعًا، فَالْقَتْلُ لَمْ يُسْتَوْفَ إلَّا بِهِمْ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَقَعَ بِقَوْلِهِمْ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ اهـ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ أَرْجَحُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُزَكِّيَ يَغْرَمُ، فَهَلَّا كَانَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَالصِّفَةِ كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُزَكِّيَ مُعِينٌ لِلشَّاهِدِ الْمُتَسَبِّبِ فِي الْقَتْلِ وَمَقُولِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فِي الْإِحْصَانِ أَوْ الصِّفَةِ. وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا مَرْدُودَيْ الشَّهَادَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ حُكْمَهُ يَبِينُ بُطْلَانُهُ فَتَعُودُ الْمُطَلَّقَةُ بِشَهَادَتِهِمْ زَوْجَةً، وَالْمُعْتَقَةُ بِهَا أَمَةً، فَإِنْ اُسْتُوْفِيَ بِهَا قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاضِي الضَّمَانُ، وَلَوْ حَدًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مَالًا تَالِفًا ضَمِنَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ غَائِبًا غَرِمَ الْقَاضِي لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا أَيْسَرَ أَوْ حَضَرَ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَلَا عَلَى الْمُزَكِّي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَهَادَتِهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ تَابِعُونَ لِلشُّهُودِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِكِتَابَةِ رَقِيقٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ ظَاهِرًا هَلْ يَغْرَمَانِ الْقِيمَةَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ أَوْ نَقْصَ النُّجُومِ عَنْهَا لِأَنَّهُ الْفَائِتُ؟ . وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي، أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، أَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ بِأَلْفٍ وَمَهْرُهَا أَوْ قِيمَتُهَا أَلْفَانِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا أَلْفًا، وَقِيلَ: يَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ، أَوْ شَهِدَا بِإِيلَادٍ أَوْ تَدْبِيرٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا الْقِيمَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَزُولُ بَعْدَهُ، أَوْ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا الْمَهْرَ أَوْ الْقِيمَةَ بَعْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ، أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَا لَهَا مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 397 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] نَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ الْأَلْفُ دُونَهُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقِيلَ: لَا يَغْرَمَانِ شَيْئًا وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ فِي وَقْتٍ وَاثْنَانِ بِالْوَطْءِ فِي وَقْتٍ بَعْدَهُ وَاثْنَانِ بِالتَّعْلِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ كُلٌّ عَمَّا شَهِدَ بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَ مَنْ شَهِدَ بِالْعَقْدِ وَالْوَطْءِ مَا غَرِمَهُ الزَّوْجُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ نِصْفٌ بِالْعَقْدِ وَنِصْفٌ بِالْوَطْءِ، وَلَا يَغْرَمُ مَنْ شَهِدَ بِالتَّعْلِيقِ شَيْئًا، وَلَا مَنْ أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ بِالْوَطْءِ. وَلَوْ رَجَعَ فُرُوعٌ أَوْ أُصُولٌ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ غَرِمُوا وَإِنْ رَجَعُوا كُلُّهُمْ فَالْغَارِمُ الْفَرْعُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ إشْهَادَ الْأُصُولِ وَيَقُولُونَ: كَذَبْنَا فِيمَا قُلْنَا وَالْحُكْمُ وَقَعَ بِشَهَادَتِهِمْ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَخْصٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ مِائَةٍ وَآخَرُ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَالثَّالِثُ عَنْ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَالرَّابِعُ عَنْ أَرْبَعِمِائَةٍ، فَالرُّجُوعُ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ حُجَّةٌ عَنْ مِائَتَيْنِ دُونَ الْمِائَتَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِبَقَاءِ الْحُجَّةِ فِيهِمَا، فَمِائَةٌ يَغْرَمُهَا الْأَرْبَعَةُ بِاتِّفَاقِهِمْ، قَالَ الشَّيْخَانِ: وَثَلَاثَةُ أَرْبَعِمِائَةٍ يَغْرَمُهَا غَيْرُ الْأَوَّلِ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، وَالرُّبُعُ الْآخَرُ لَا غُرْمَ فِيهِ لِبَقَاءِ رُبُعِ الْحُجَّةِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا يَغْرَمُونَ نِصْفَ الْمِائَةِ، وَمَا ذُكِرَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ مِمَّا رَجَعَ عَنْهُ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ وَعَلَيْهِ النِّصْفُ الْآخَرُ لَا غُرْمَ فِيهِ، وَيَغْرَمُ مُتَعَمِّدٌ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ بِاعْتِرَافِهِ إذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَإِلَّا دَخَلَ التَّعْزِيرُ فِيهِ إنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ، أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدٌّ. وَلَوْ اسْتَوْفَى الْمَشْهُودُ لَهُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ مَالًا ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْخَصْمِ، أَوْ شَهِدَا بِإِقَالَةٍ مِنْ عَقْدٍ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ عَادَ إلَيْهِ مَا غَرِمَهُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الشَّاهِدُ إنْ رَجَعْنَا، وَلَكِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرُجُوعِهِمَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 398 كتاب الدعوى وَالْبَيِّنَاتُ   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الدَّعْوَى] هِيَ لُغَةً الطَّلَبُ وَالتَّمَنِّي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ، وَتُجْمَعُ عَلَى دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا. قِيلَ سُمِّيَتْ دَعْوَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي يَدْعُو صَاحِبَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِيَخْرُجَ مِنْ دَعْوَاهُ. وَشَرْعًا إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ (وَالْبَيِّنَاتُ) جَمْعُ بَيِّنَةٍ وَهُمْ الشُّهُودُ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِهِمْ يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ، وَأَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الدَّعْوَى وَجَمَعَ الْبَيِّنَاتِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى وَاحِدَةٌ وَالْبَيِّنَاتُ مُخْتَلِفَةٌ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ لِدَعْوَاهُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَكُلِّفَ الْحُجَّةَ الْقَوِيَّةَ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 399 تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ وَقَذْفٍ. وَإِنْ اسْتَحَقَّ عَيْنًا فَلَهُ أَخْذُهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً   [مغني المحتاج] وَجَانِبُ الْمُنْكِرِ قَوِيٌّ فَاكْتُفِيَ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ قَوِيَّةٌ وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ؛؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ مُتَّهَمٌ فِي يَمِينِهِ بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْخُصُومَاتُ تَدُورُ عَلَى خَمْسَةٍ: الدَّعْوَى، وَالْجَوَابِ، وَالْيَمِينِ، وَالنُّكُولِ، وَالْبَيِّنَةِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالْأُولَى. فَقَالَ: (تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ) (فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ، وَ) حَدِّ (قَذْفٍ) فَلَا يَسْتَقِلُّ صَاحِبُهَا بِاسْتِيفَائِهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَالِاحْتِيَاطِ فِي إثْبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا، فَلَوْ خَالَفَ وَاسْتَوْفَى بِدُونِ ذَلِكَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ فِي الْقِصَاصِ دُونَ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا سَبَقَ لِلْمُصَنَّفِ فِي بَابِهِ، نَعَمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْ وَجَبَ لَهُ تَعْزِيرٌ أَوْ حَدُّ قَذْفٍ وَكَانَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ السُّلْطَانِ كَانَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: لَوْ انْفَرَدَ بِحَيْثُ لَا يُرَى يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْ الْقَوَدِ، لَا سِيَّمَا إذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: عِنْدَ قَاضٍ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلَى السَّيِّدُ يَسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى رَقِيقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا وَكَذَلِكَ الْمُحَكَّمُ إذَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ، وَكَذَا الْوَزِيرُ وَالْأَمِيرُ وَنَحْوُهُمَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُمَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَتَقْيِيدُهُ بِالْعُقُوبَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ كَعُيُوبِ النِّكَاحِ وَالْعُنَّةِ وَالْفَسْخِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَالِاحْتِيَاجِ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْحُكْمِ فِيهَا مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَالدَّعْوَى عِنْدَهُ مَا خَرَجَ الْمَالُ عَنْ هَذَا إلَّا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِالْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْقَاضِي صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَتْلُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ قَذْفُهُ، إذْ الْحَقُّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُقْتَلُ بِشَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى حِسْبَةٍ بَلْ فِي سَمَاعِهَا خِلَافٌ مَرَّ. ثَانِيَتُهُمَا: قَتْلُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ دَعْوَى؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَفَّقُ عَلَى طَلَبٍ، وَتَمْثِيلُهُ بِالْقِصَاصِ وَالْقَصْدِ يُفْهِمُ التَّصْوِيرَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَأَنَّ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْقَاضِي أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ. نَعَمْ لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا وَأَرَادَ الْقَاذِفُ تَحْلِيفَهُ أَوْ تَحْلِيفَ وَارِثِهِ الطَّالِبِ أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالُوا: وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ. (وَإِنْ) (اسْتَحَقَّ) شَخْصٌ (عَيْنًا) تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ (فَلَهُ) أَوْ وَلِيِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (أَخْذُهَا) مُسْتَقِلًّا بِالْأَخْذِ بِلَا رَفْعٍ لِقَاضٍ وَبِلَا عِلْمِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ لِلضَّرُورَةِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) مِنْ أَخْذِهَا (فِتْنَةً) أَوْ ضَرَرًا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ اسْتَحَقَّ عَيْنًا يُخْرِجُ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 400 وَإِلَّا وَجَبَ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ، أَوْ دَيْنًا عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْأَدَاءِ طَالَبَهُ بِهِ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ لَهُ، أَوْ عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ إنْ فَقَدَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ، أَوْ مُنْكِرٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ. وَقِيلَ يَجِبُ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ،   [مغني المحتاج] مُقْتَضَى عِبَارَاتِهِمْ إذْ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ لِمَالِكِ الْعَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ حَقِيقَةً، وَأُلْحِقَ بِهِ وَلِيُّ غَيْرِ الْكَامِلِ كَمَا مَرَّ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ كَمَا قَدَّرْتُهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَوْ عَيْنًا غُصِبَتْ مِنْهُ، وَكَذَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ بِيَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعَةِ أَوْ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْعَابِ بِظَنِّ الذَّهَابِ بَلْ سَبِيلُهُ الطَّلَبُ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَافَ فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا (وَجَبَ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ لَهُ إلْزَامُ الْحُقُوقِ كَمُحْتَسِبٍ وَأَمِيرٍ، لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا عِنْدَهُ، وَالرَّفْعُ تَقْرِيبُ الشَّيْءِ فَمَعْنَى رَفْعِ الشَّيْءِ لِقَاضٍ قُرْبُهُ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ تَكْلِيفُ الْمُدَّعِي الرَّفْعَ حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ، بَلْ الْمُرَادُ امْتِنَاعُ اسْتِقْلَالِهِ بِالْأَخْذِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي وَهِيَ أَحْسَنُ (أَوْ) لَمْ يَسْتَحِقَّ عَيْنًا بَلْ (دَيْنًا) حَالًّا (عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْأَدَاءِ) لَهُ (طَالَبَهُ بِهِ) لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ (وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ لَهُ) أَيْ الْمَدِينِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الدَّفْعِ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ إسْقَاطُ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ إجْبَارًا، فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَزِمَهُ رَدُّهُ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ. فَإِذَا اتَّفَقَ الْحَقَّانِ جَاءَ التَّقَاصُّ (أَوْ) دَيْنًا اسْتَحَقَّهُ (عَلَى مُنْكِرٍ) لَهُ (وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) بِهِ (أَخَذَ) جَوَازًا (جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ) إنْ ظَفِرَ بِهِ اسْتِقْلَالًا لِعَجْزِهِ عَنْ أَخْذِهِ إلَّا كَذَلِكَ (وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ إنْ فَقَدَهُ) أَيْ جِنْسَ حَقِّهِ وَاسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِلضَّرُورَةِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِهِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ الْمُتَوَلِّي الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ، فَإِنْ وَجَدَهُ لَمْ يَعْدِلْ إلَى غَيْرِهِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: تَقْدِيمُ أَخْذِ غَيْرِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَدِينُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ مَيِّتًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَا يَأْخُذُ إلَّا قَدْرَ حِصَّتِهِ بِالْمُضَارَبَةِ إنْ عَلِمَهَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، (أَوْ) دَيْنًا اسْتَحَقَّهُ (عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ أَوْ مُنْكِرٍ، وَلَهُ) عَلَيْهِ (بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ) يَأْخُذُ حَقَّهُ اسْتِقْلَالًا مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الدَّيْنِ إنْ وَجَدَهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ إنْ فَقَدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَقِيلَ يَجِبُ) فِيهِمَا (الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ) كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُ الْحَقِّ بِالْمُطَالَبَةِ وَالتَّقَاضِي. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُؤْنَةً وَمَشَقَّةً وَتَضْيِيعَ زَمَانٍ. هَذَا كُلُّهُ فِي دَيْنِ الْآدَمِيِّ. أَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ، إذَا امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ أَدَائِهَا وَظَفِرَ الْمُسْتَحِقُّ بِجِنْسِهَا مِنْ مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَغَفَلَ عَنْ هَذَا مَنْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْفُقَرَاءُ أَوْ لَا إلْحَاقًا لَهَا بِالدُّيُونِ، وَأَمَّا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 401 وَإِذَا جَازَ الْأَخْذُ فَلَهُ كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ الْمَالَ إلَّا بِهِ، ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ يَتَمَلَّكُهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ، وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ   [مغني المحتاج] الْمَنْفَعَةُ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى عَيْنٍ فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْهَا بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا وَكَالدَّيْنِ إنْ وَرَدَتْ عَلَى ذِمَّةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ (وَإِذَا جَازَ) لِلْمُسْتَحِقِّ (الْأَخْذُ) مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِقَاضٍ (فَلَهُ) حِينَئِذٍ (كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ الْمَالَ) هُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِلُ إلَى الْمَالِ (إلَّا بِهِ) ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا اسْتَحَقَّ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا فَوَّتَهُ كَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالٍ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا كَانَ الْحِرْزُ لِلدَّيْنِ وَغَيْرُ مَرْهُونٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ كَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَةٍ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا فِي جِدَارِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ قَطْعًا أَيْ لِأَنَّهُ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْغَرِيمِ، وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْكَسْرِ وَالنَّقْبِ غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي؛ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا يَصِلُ الْمَالَ إلَّا بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِرًّا مُمْتَنِعًا أَمْ مُنْكِرًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ لَوْ خُصِّصَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى الْأَخْذِ بِالْحَاكِمِ كَمَا فِي صُورَةِ الْجُحُودِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدَرَ عَلَى خَلَاصِ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ، فَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْحَاكِمِ عِنْدَ الْمُكْنَةِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ كُلْفَةً مِنْ نَقْبِ الْجِدَارِ وَكَسْرِ الْبَابِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّائِلَ يَدْفَعُ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ اهـ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. فَرْعٌ: لَوْ غَصَبَ مِنْهُ نَجَاسَةً يَخْتَصُّ بِهَا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَسِرْجِينٍ وَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَجَحَدَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَكْسِرُ بَابًا وَلَا يَنْقُبُ جِدَارًا؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الدَّمِيرِيُّ (ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ) إلَى الْحَقِّ (يَتَمَلَّكُهُ) بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالتَّمَلُّكِ وَقَعَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إحْدَاثِ تَمَلُّكٍ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ، وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يَقْصِدُ أَخْذَ حَقِّهِ، وَإِذَا وُجِدَ الْقَصْدُ مُقَارِنًا كَفَى وَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. وَجَمَعَ شَيْخُنَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ عَلَى صِفَةِ حَقِّهِ أَيْ أَوْ دُونَهُ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الْمُكَسَّرَةِ عَنْ الصَّحِيحَةِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، أَيْ كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ عَنْ الْمُنْكَسِرَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَغَيْرِ الْجِنْسِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ (وَ) الْمَأْخُوذُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ جِنْسِ حَقِّهِ أَيْ أَوْ أَعْلَى مِنْ صِفَتِهِ (يَبِيعُهُ) بِنَفْسِهِ مُسْتَقِلًّا لِلْحَاجَةِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي آخَرِ الطَّلَاقِ (وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 402 وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ، وَلَا يَأْخُذُ فَوْقَ حَقِّهِ إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ. وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطَّلِعْ الْقَاضِي عَلَى الْحَالِ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَزْمًا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيِّنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَقِلُّ مَعَ وُجُودِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ. قَالَ: بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِخِلَافِهَا، وَخَصَّ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَ بِهِ بِبَيْعِهِ لِلْغَيْرِ. أَمَّا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا، وَلِأَنَّهُ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ يُسَلِّطُهُ عَلَى الْبَيْعِ كَمَا يُسَلِّطُهُ عَلَى الْأَخْذِ؛ فَإِذَا بَاعَهُ فَيَبِعْهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ. ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ جِنْسَ حَقِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدُ الْبَلَدِ (وَالْمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ) أَيْ الْآخِذِ (فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ) بِالْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهِ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ إلَى حِينِ تَلَفِهِ كَالْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ، بَلْ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَامِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ، وَلِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إذَا أَخَذَ ثَوْبَ غَيْرِهِ لِدَفْعِ الْحَرِّ وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ فَكَذَا هُنَا، وَالثَّانِي لَا يَضْمَنُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِلتَّوَثُّقِ، وَالتَّوَصُّلُ إلَى الْحَقِّ كَالْمُرْتَهِنِ، وَإِذْنُ الشَّارِعِ فِي الْأَخْذِ يَقُومُ مَقَامَ إذْنِ الْمَالِكِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ إلَى بَيْعِ مَا أَخَذَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ قَصَّرَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَلَوْ انْخَفَضَتْ الْقِيمَةُ وَارْتَفَعَتْ وَتَلِفَ فَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بِالْأَكْثَرِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إذَا تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَيْعِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ فَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ قَطْعًا، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ. أَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ يَدٍ قَطْعًا لِحُصُولِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ عَنْ حَقِّهِ كَمَا سَبَقَ اهـ. وَالْمُصَنِّفُ أَطْلَقَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ تَجْدِيدِ مِلْكِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ قَبْلَ بَيْعِهِ أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ زِيَادَةً قَبْلَ الْبَيْعِ كَانَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فَإِنْ بَاعَ مَا أَخَذَهُ وَتَمَلَّك ثَمَنَهُ، ثُمَّ وَفَّاهُ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ رَدَّ إلَيْهِ قِيمَتَهُ كَغَاصِبٍ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (وَلَا يَأْخُذُ) الْمُسْتَحِقُّ (فَوْقَ حَقِّهِ) (إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ) عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ ضَمِنَ الزَّائِدَ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ إلَّا بِمَتَاعٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى حَقِّهِ أَخَذَهُ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا بِحَقِّهِ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ قَدْرِ حَقِّهِ. ثُمَّ إنْ تَعَذَّرَ بَيْعُ قَدْرِ حَقِّهِ فَقَطْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَأَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ قَدْرَ حَقِّهِ، وَرَدَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى غَرِيمِهِ بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ بَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَرَدَّ مَا زَادَ كَذَلِكَ. (وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ) كَأَنْ يَكُونَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دَيْنٌ وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ مِثْلُهُ، فَلِزَيْدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ بَكْرٍ مَالَهُ عَلَى عَمْرٍو، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ رَدُّ عَمْرٍو تَصَرُّفَ زَيْدٍ بِالْأَخْذِ وَعَدَمِ حُسْبَانِ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ عَلَى بَكْرٍ، وَلَا إقْرَارُ بَكْرٍ لِعَمْرٍو، وَلَا جُحُودُ بَكْرٍ اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 403 وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُوَافِقُهُ، فَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ فَقَالَ أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ، وَقَالَتْ مُرَتَّبًا مُدَّعٍ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لِلْمَسْأَلَةِ شُرُوطٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَظْفَرَ بِمَالِ الْغَرِيمِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَرِيمَ الْغَرِيمِ جَاحِدًا أَوْ مُمْتَنِعًا أَيْضًا، وَعَلَى الِامْتِنَاعِ يُحْمَلُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ. الثَّالِثُ: أَنْ يُعْلِمَ الْآخِذُ الْغَرِيمَ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ حَتَّى إذَا طَالَبَهُ الْغَرِيمُ بَعْدُ كَانَ هُوَ الظَّالِمُ. الرَّابِعُ: أَنْ يُعْلِمَ غَرِيمَ الْغَرِيمِ وَحِيلَتُهُ أَنْ يُعْلِمَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. فَإِذَا طَالَبَهُ أَنْكَرَ، فَإِنَّهُ بِحَقٍّ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ دَيْنٍ لَهُ عَلَى آخَرَ جَاحِدًا لَهُ بِشُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ لَهُ عَلَيْهِ قَدْ أَدَّى وَلَمْ يَعْلَمُوا أَدَاءَهُ، وَلِأَحَدِ الْغَرِيمَيْنِ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ مِثْلُ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ جَحَدَ حَقَّ الْآخَرِ إنْ جَحَدَ الْآخَرُ حَقَّهُ لِيَحْصُلَ التَّقَاصُّ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ النَّقْدَيْنِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ دُونَ مَا لَلْآخَرِ عَلَيْهِ جَحَدَ مِنْ حَقِّهِ بِقَدْرِهِ، وَالْمُدَّعِي لُغَةً: مِنْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا، سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ) اصْطِلَاحًا (مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ) وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. (وَ) الْأَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُوَافِقُهُ) أَيْ يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ لَوْ سَكَتَ خُلِّيَ وَلَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ لَا يُخَلِّي وَلَا يَكْفِيه السُّكُوتُ، فَإِذَا ادَّعَى زَيْدٌ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ عَمْرٍو فَأَنْكَرَ فَزَيْدٌ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ مِنْ بَرَاءَةِ عَمْرٍو، وَلَوْ سَكَتَ تُرِكَ وَعَمْرٌو يُوَافِقُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، وَلَوْ سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَزَيْدٌ مُدَّعٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَلَا يَخْتَلِفُ مُوجِبُهُمَا غَالِبًا، وَقَدْ يَخْتَلِفُ كَالْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ (فَإِذَا) (أَسْلَمَ زَوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ، فَقَالَ) الزَّوْجُ (أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ) بَيْنَنَا (بَاقٍ، وَقَالَتْ) أَيْ الزَّوْجَةُ أَسْلَمْنَا (مُرَتَّبًا) فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا (فَهُوَ) عَلَى الْأَظْهَرِ (مُدَّعٍ) لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِسْلَامَيْنِ مَعًا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَهِيَ مُدَّعًى عَلَيْهَا، وَعَلَى الثَّانِي هِيَ مُدَّعِيَةٌ، وَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ تُرِكَتْ وَهُوَ لَا يُتْرَكُ لَوْ سَكَتَ لِزَعْمِهَا انْفِسَاخَ النِّكَاحِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَحْلِفُ الزَّوْجَةُ وَيَرْتَفِعُ النِّكَاحُ، وَعَلَى الثَّانِي يَحْلِفُ الزَّوْجُ وَيَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ، وَاَلَّذِي صَحَّحَاهُ فِي نِكَاحِ الْمُشْرِكِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مَرْجُوحٍ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا جُعِلَ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الْعِصْمَةِ قَوِيَ جَانِبُهُ، فَكَانَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ قَوِيَ جَانِبُهُ فَكَانَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَسْلَمْتِ قَبْلِي فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا وَلَا مَهْرَ لَكِ، وَقَالَتْ: بَلْ أَسْلَمْنَا مَعًا صُدِّقَ فِي الْفُرْقَةِ بِلَا يَمِينٍ، وَفِي الْمَهْرِ بِيَمِينِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَصُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَزْعُمُ سُقُوطَ الْمَهْرِ، فَإِذَا سَكَتَتْ وَلَا بَيِّنَةَ جُعِلَتْ نَاكِلَةً وَحَلَفَ هُوَ وَسَقَطَ الْمَهْرُ، وَالْأَمِينُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مُدَّعٍ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ الرَّدَّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ لِغَرَضِ الْمَالِكِ، وَقَدْ ائْتَمَنَهُ فَلَا يَحْسُنُ تَكْلِيفُهُ بَيِّنَةَ الرَّدِّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي لَوْ سَكَتَ تُرِكَ، وَفِي التَّحَالُفِ كُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا. . الجزء: 6 ¦ الصفحة: 404 وَمَتَى ادَّعَى نَقْدًا اُشْتُرِطَ بَيَانُ جِنْسٍ وَنَوْعٍ وَقَدْرٍ وَصِحَّةٌ وَتَكَسُّرٌ إنْ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا قِيمَةٌ، أَوْ عَيْنًا تَنْضَبِطُ كَحَيَوَانٍ وَصَفَهَا بِصِفَةِ السَّلَمِ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَهَا ذِكْرُ الْقِيمَةَ، فَإِنْ تَلِفَتْ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ وَجَبَ ذِكْرُ الْقِيمَةِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ أَنَّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى سِتَّةَ شُرُوطٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا، وَذَكَرْت بَاقِيَهَا فِي الشَّرْحِ (وَ) ذُكِرَ مِنْهَا هُنَا شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَعَلَيْهِ (مَتَى) (ادَّعَى) شَخْصٌ دَيْنًا (نَقْدًا) أَوْ غَيْرَهُ مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا (اُشْتُرِطَ) فِيهِ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى (بَيَانُ جِنْسٍ) لَهُ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (وَنَوْعٍ) لَهُ كَخَالِصٍ أَوْ مَغْشُوشٍ (وَقَدْرٍ) كَمِائَةٍ، وَصِفَةٍ يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ (وَ) يُشْتَرَطُ فِي النَّقْدِ أَيْضًا شَيْئَانِ (صِحَّةٌ وَتَكَسُّرٌ إنْ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا قِيمَةُ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ ظَاهِرِيَّةٍ صِحَاحٍ أَوْ مُكَسَّرَةٍ، فَلَا يَكْفِي إطْلَاقُ النَّقْدِ، وَإِنْ غَلَبَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفَارَقَ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ بِأَنَّ زَمَنَ الْعَقْدِ يُقَيِّدُ صِفَةَ الثَّمَنِ بِالْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِزَمَنِ الدَّعْوَى لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا. نَعَمْ مُطْلَقُ الدِّينَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ وَزْنِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مُطْلَقُ الدِّرْهَمِ. أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَةُ النَّقْدِ بِالصِّحَّةِ وَالتَّكَسُّرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِمَا، لَكِنْ اسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ دَيْنَ السَّلَمِ فَاعْتَبَرَا بَيَانَهُمَا فِيهِ (أَوْ) لَمْ يَدَّعِ الشَّخْصُ دَيْنًا، بَلْ ادَّعَى (عَيْنًا تَنْضَبِطُ) بِالصِّفَةِ مُتَقَوِّمَةً كَانَتْ (كَحَيَوَانٍ) وَثِيَابٍ أَوْ مِثْلِيَّةٍ كَحُبُوبٍ (وَصَفَهَا) وُجُوبًا (بِصِفَةِ السَّلَمِ) السَّابِقَةِ فِي بَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَ الصِّفَةِ الْقِيمَةِ فِي الْأَصَحِّ (وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَهَا) أَيْ صِفَةِ السَّلَمِ (ذِكْرُ الْقِيمَةِ) لِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمَوْصُوفَةِ، فَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ بِالصِّفَاتِ كَالْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَجَبَ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فَيَقُولُ: جَوْهَرٌ قِيمَتُهُ كَذَا، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ، وَاسْتَثْنَى مَا لَوْ غَصَبَ غَيْرُهُ مِنْهُ عَيْنًا فِي بَلَدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فِي آخَرَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَلَكِنْ لِنَقْلِهَا مُؤْنَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُسْتَحَقَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَإِذَا رَدَّ الْعَيْنَ رَدَّ الْقِيمَةَ، وَيُبَيِّنُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ النَّاحِيَةَ وَالْبَلَدَ وَالْمَحَلَّةَ وَالسِّكَّةَ وَالْحُدُودَ، وَأَنَّهُ فِي يَمْنَةٍ دَاخِلِ السِّكَّةِ أَوْ يَسْرَتِهِ أَوْ صَدْرِهَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْقِيمَةِ كَمَا عُلِمَ كَمَا مَرَّ. وَهَذَا إنْ بَقِيَتْ الْعَيْنُ (فَإِنْ تَلِفَتْ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ) بِكَسْرِ الْوَاوِ (وَجَبَ) مَعَ ذَلِكَ (ذِكْرُ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عِنْدَ التَّلَفِ، فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ شَيْءٍ مَعَهَا مِنْ الصِّفَاتِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، لَكِنْ يَجِبُ ذِكْرُ الْجِنْسِ فَيَقُولُ: عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً لَمْ يَجِبْ ذِكْرُ قِيمَةٍ، وَيَكْفِي الضَّبْطُ بِالصِّفَاتِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ التَّالِفُ سَيْفًا مُحَلًّى ذَكَرَ قِيمَتَهُ بِالذَّهَبِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ فِضَّةً، وَبِالْفِضَّةِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ذَهَبًا. وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِهِمَا قُوِّمَ بِأَحَدِهِمَا لِلضَّرُورَةِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الرَّوْضَةِ هُنَا تَبَعًا لِأَصْلِهِ، وَاخْتَلَفَ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْغَصْبِ، فَقَالَ هُنَاكَ إنَّ تِبْرَ الْحُلِيِّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَيَبِيعُهُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَقَالَ أَصْلُهُ أَنَّ الْمُحَلَّى يَضْمَنُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الرِّبَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْعُقُودِ لَا فِي الْغَرَامَاتِ اهـ. وَيُقَوَّمُ مَغْشُوشُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 405 أَوْ نِكَاحًا لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يَقُولُ نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا إنْ كَانَ يُشْتَرَطُ.   [مغني المحتاج] كَعَكْسِهِ إذَا قُلْنَا: إنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فَيَدَّعِي مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ نَقْدِ كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا دِرْهَمًا أَوْ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ نَقْدِ كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا دِينَارًا، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا مِثْلِيَّةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِقِيمَتِهَا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْمُدَّعَى بِهِ مَسَائِلُ تَصِحُّ الدَّعْوَى فِيهَا بِالْمَجْهُولِ مِنْهَا الْإِقْرَارُ وَلَوْ بِنِكَاحٍ كَالْإِقْرَارِ بِهِ، وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ تَحَرُّزًا عَنْ ضَيَاعِهَا، وَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْجَهْلَ فَكَذَا دَعْوَاهَا، وَمِنْهَا فَرْضُ الْمُفَوَّضَةِ؛ لِأَنَّهَا تَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الْبَيَانُ، وَمِثْلُهُ الْمُتْعَةُ وَالْحُكُومَةُ وَالرَّضْخُ وَخَطُّ الْكِتَابَةِ وَالْغُرَّةُ وَالْإِبْرَاءُ الْمَجْهُولُ فِي إبِلِ الدِّيَةِ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ فِيهَا. وَمِنْهَا حَقُّ مَمَرٍّ أَوْ إجْرَاءُ الْمَاءِ فِي أَرْضٍ جُدِّدَتْ اكْتِفَاءً بِتَحْدِيدِ الْأَرْضِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَمِنْهَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهَا. فَرْعٌ: لَوْ أَحْضَرَ وَرَقَةً فِيهَا دَعْوَاهُ، ثُمَّ ادَّعَى مَا فِي الْوَرَقَةِ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِمَا مَرَّ هَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ الْأَوَّلُ إذَا قَرَأَهُ الْقَاضِي أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ. وَالشَّرْطُ الثَّانِي الْمَذْكُورُ هُنَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تَلْزَمُهُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ هِبَةً أَوْ بَيْعًا أَوْ دَيْنًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا الْغَرَضُ مِنْهُ تَحْصِيلُ الْحَقِّ فَلْيَذْكُرْ فِي دَعْوَاهُ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ كَأَنْ يَقُولَ: وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ أَوْ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْأَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ مَنْ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، وَلَوْ قَصَدَ بِالدَّعْوَى رَفْعَ الْمُنَازَعَةِ لَا تَحْصِيلَ الْحَقِّ، فَقَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِي، وَهُوَ يَمْنَعْنِيهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ (أَوْ) لَمْ يَدَّعِ دَيْنًا وَلَا عَيْنًا، بَلْ ادَّعَى (نِكَاحًا لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ) فِيهِ (عَلَى الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ (بَلْ) يُقَيَّدُ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ (يَقُولُ نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْعَدَالَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِوَلِيٍّ عَدْلٍ، لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُرَادُ بِالْمُرْشِدِ مَنْ دَخَلَ فِي الرُّشْدِ أَيْ صَلُحَ لِلْوِلَايَةِ، وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الْعَدْلِ وَالْمَسْتُورِ وَالْفَاسِقِ إذَا قُلْنَا يَلِي: أَيْ أَوْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ بِالشَّوْكَةِ (وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ وَشَاهِدَيْنِ بِغَيْرِ وَصْفِهِمَا بِالْعَدَالَةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ نِكَاحُ عَقْدٍ بِمَسْتُورَيْنِ إلَى حَاكِمٍ لَمْ يُنْقَضْ. نَعَمْ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ احْتَاجَ الْحَاكِمُ إلَى التَّزْكِيَةِ (وَرِضَاهَا إنْ كَانَ يُشْتَرَطُ) بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِآدَمِيٍّ، وَإِذَا وَقَعَ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ فَاحْتِيطَ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِ كَالْمَالِ، وَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاءُ ذِكْرِ الْمَوَانِعِ كَالرِّدَّةِ وَالرَّضَاعِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ بِمَا مَرَّ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الشُّرُوطَ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا لِيَصِحَّ الْعَقْدُ، وَالْمَوَانِعُ يُعْتَبَرُ عَدَمُهَا، وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ فَاكْتَفَى بِهِ، وَلِأَنَّهَا كَثِيرَةٌ يَعْسُرُ ضَبْطُهَا. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 406 فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذِكْرِ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلٍ وَخَوْفِ عَنَتٍ، أَوْ عَقْدًا مَالِيًّا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ، فَيَكْفِي فِي الدَّعْوَى بِهَا أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ زَوْجَتِي، وَإِنْ ادَّعَى اسْتِمْرَارَ نِكَاحِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ مَا يَقْتَضِي تَقْرِيرُهُ حِينَئِذٍ، وَلَا بُدَّ فِيمَا إذَا كَانَ سَفِيهًا أَوْ عَبْدًا مِنْ قَوْلِهِ نَكَحْتُهَا بِإِذْنِ وَلِيِّي أَوْ مَالِكِي، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ، وَالدَّعْوَى تَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى وَلِيِّهَا الْمُجْبِرِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إقْرَارِهِمَا بِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا عَنْ تَصْحِيحِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لِلزَّوْجِ لَا لَهَا، ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ جَانِحُونَ إلَى تَرْجِيحِ السَّمَاعِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِذَا ادَّعَتْ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّفْصِيلِ وَعَدَمِهِ مَا فِي اشْتِرَاطِهِ فِي دَعْوَى الزَّوْجِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَفْصِيلٌ فِي إقْرَارِهَا بِنِكَاحٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، وَيُشْتَرَطُ تَفْصِيلُ الشُّهُودِ بِالنِّكَاحِ تَبَعًا لِلدَّعْوَى. وَلَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُمْ: وَلَا نَعْلَمُهُ فَارَقَهَا، وَهِيَ إِلَى الْيَوْمِ زَوْجَتُهُ (فَإِنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْمُدَّعِي نِكَاحَهَا (أَمَةً) أَوْ مُبَعَّضَةً وَالزَّوْجُ حُرٌّ (فَالْأَصَحُّ) يَجِبُ مَعَ مَا سَبَقَ (وُجُوبُ ذِكْرِ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلٍ) أَيْ مَهْرٍ يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً (وَ) وُجُوبُ ذِكْرِ (خَوْفِ عَنَتٍ) أَيْ الزِّنَا الْمُشْتَرَطَيْنِ فِي جَوَازِ نِكَاحِ مَنْ بِهَا رِقٌّ؛ لِأَنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا كَالدِّمَاءِ، وَقِيَاسُ هَذَا وُجُوبُ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي الشُّرُوطِ مِنْ كَوْنِهِ لَا حُرَّةً تَحْتَهُ تَصْلُحُ، وَكَوْنِ الْأَمَةِ مُسْلِمَةً إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِعَدَمِ الْمَوَانِعِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ (أَوْ) لَمْ يَدَّعِ نِكَاحًا، بَلْ ادَّعَى (عَقْدًا مَالِيًّا) (كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ) لَمْ يُشْتَرَطْ تَفْصِيلٌ، وَ (كَفَى الْإِطْلَاقُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ حُكْمًا مِنْ النِّكَاحِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ بِخِلَافِهِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ كَالنِّكَاحِ. وَالثَّالِثُ: إنْ تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِجَارِيَةٍ وَجَبَ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّقْيِيدُ بِالصِّحَّةِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْوَسِيطِ اشْتِرَاطُهُ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِ بُيُوعِ الْكُفَّارِ فَإِذَا تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً وَتَقَايَضُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ بِإِلْزَامِ حَاكِمِهِمْ فَإِنَّا نُمْضِيهَا عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْجِزْيَةِ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذِكْرِ الشُّرُوطِ. وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعِي عَلَى خَصْمِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَيْنَهُمَا مُخَالَطَةٌ وَلَا مُعَامَلَةٌ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ فَتَصِحُّ دَعْوَى دَنِيءٍ عَلَى شَرِيفٍ وَإِنْ شَهِدَتْ قَرَائِنُ الْحَالِ بِكَذِبِهِ كَأَنْ ادَّعَى ذِمِّيٌّ اسْتِئْجَارَ أَمِيرٍ أَوْ فَقِيهٍ لِعَلَفِ دَوَابِّهِ، وَكَنْسِ بَيْتِهِ. (وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) بِحَقٍّ (فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي) عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَكْلِيفُ حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ، بَلْ هُوَ كَالطَّعْنِ فِي الشُّهُودِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: إذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِعَيْنٍ لِشَخْصٍ، وَقَالَتْ الْبَيِّنَةُ لَا نَعْلَمُهُ بَاعَهَا وَلَا وَهَبَهَا فَيَحْلِفُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، ثُمَّ تُدْفَعُ إلَيْهِ الثَّانِيَةُ إذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِإِعْسَارِ الْمَدْيُونِ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ تَحْلِيفُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 407 فَإِنْ ادَّعَى أَدَاءً أَوْ إبْرَاءً أَوْ شِرَاءَ عَيْنٍ أَوْ هِبَتَهَا وَإِقْبَاضَهَا حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِهِ. وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عِلْمَهُ بِفِسْقِ شَاهِدِهِ أَوْ كَذِبَهُ فِي الْأَصَحِّ.   [مغني المحتاج] فِي الْأَصَحِّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فِي الْبَاطِنِ (فَإِنْ ادَّعَى) بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مُسْقِطًا لَهُ كَأَنْ ادَّعَى (أَدَاءً) لَهُ (أَوْ إبْرَاءً) مِنْهُ فِي الدَّيْنِ (أَوْ شِرَاءَ عَيْنٍ) مِنْ مُدَّعِيهَا (أَوْ هِبَتَهَا وَإِقْبَاضَهَا) مِنْهُ (حَلَّفَهُ) خَصْمُهُ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ مَا تَأَدَّى مِنْهُ الْحَقُّ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا بَاعَهُ الْعَيْنَ، وَلَا وَهَبَهُ إيَّاهَا. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى حُدُوثَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ، وَكَذَا بَيْنَهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِ إمْكَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِهِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى بَعْدَ الْحُكْمِ حُدُوثَهُ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْأَدَاءَ مَا لَوْ قَالَ الْأَجِيرُ عَلَى الْحَجِّ قَدْ حَجَجْت، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيِّنَةٌ وَلَا يَمِينٌ، قَالَهُ الزَّبِيلِيُّ: قَالَ: كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَادَّعَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا قُبِلَ مِنْهَا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَلَا يَمِينَ، وَشَمِلَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْإِبْرَاءَ مَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَبْرَأَهُ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ نَفْسِ الدَّعْوَى لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا تَصْوِيرُ صُلْحٍ عَلَى إنْكَارٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ عَلَى نَفْيِهِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ تَوْفِيَةَ الدَّيْنِ أَوَّلًا، بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ثُمَّ يَسْتَوْفِي وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَكَذَا لَوْ) (ادَّعَى) الْخَصْمُ (عِلْمَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (بِفِسْقِ شَاهِدِهِ) الَّذِي أَقَامَهُ (أَوْ كَذِبَهُ) فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَيْضًا عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ (فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ. وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ عَلَيْهِ حَقًّا، وَإِنَّمَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَمْرًا لَوْ ثَبَتَ لِنَفْعِهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْبَيِّنَةِ أَيْ فَقَطْ عَمَّا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعِي قَبْلَ ذَلِكَ إمَّا مَعَ شَاهِدٍ أَوْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ كَمَا صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ يُعَرِّضُ فِيهِ الْحَالِفُ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْحَقَّ فَلَا يَحْلِفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْجِيلِيُّ فِي الْإِعْجَازِ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: إذَا ادَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ مَالًا أَوْ قَتْلًا وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ يُحْكَمْ لَهُ حَتَّى يَحْلِفَ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ إلَى الْآنِ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، وَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى امْرَأَةٍ وَطْئًا فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَفْيِ الْبَكَارَةِ فَيَحْلِفُ مَعَهَا لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْبَكَارَةِ، وَإِذَا أَقَامَ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِمَالٍ ادَّعَاهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ أَنَّك تَسْتَحِقُّ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يُكَذِّبْ الشُّهُودَ، وَلَكِنْ قَالَ بَاطِنُهُ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْآنَ، وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَقَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِي وَأَقَامَ بَيِّنَةً حَلَفَ مَعَهَا أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ، وَإِذَا ادَّعَى الْوَدِيعُ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّبَبِ حَلَفَ عَلَى الْهَلَاكِ بِهِ، وَفِي الْجِرَاحِ فِي الْعُضْوِ الْبَاطِنِ إذَا قَالَ: إنَّهُ كَانَ صَحِيحًا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً حَلَفَ مَعَهَا، وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ حَلَفَ مَعَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ نَظَرٌ، وَمِنْهَا مَا الْحَلِفُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 408 وَإِذَا اسْتَمْهَلَ لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، أَوْ رِقَّ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ فِي يَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْتِنَادَهَا إلَى الْتِقَاطٍ.   [مغني المحتاج] فِيهِ مُسْتَحَبٌّ لَا مُسْتَحَقٌّ اهـ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَوْضِعِ السَّابِعِ وَبِالِاسْتِحْبَابِ إلَى الثَّامِنِ. (وَإِذَا اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ مَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ (لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ) فِيهَا اُسْتُفْسِرَ إنْ كَانَ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مَا لَيْسَ بِدَافِعٍ دَافِعًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَارِفًا، فَإِنْ عَيَّنَّ جِهَةً مِنْ نَحْوِ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ كَانَ عَارِفًا (أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ لَا يَعْظُمُ الضَّرَرُ فِيهَا، وَمُقِيمُ الْبَيِّنَةِ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى مِثْلِهَا لِلْفَحْصِ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَوْ أَحْضَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِ الشُّهُودَ وَلَمْ يَعْدِلُوا أُمْهِلَ ثَلَاثًا لِلتَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِظْهَارٌ لِبَيِّنَةٍ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمُدَّةِ لَمْ يُمْهَلْ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَلَوْ حَضَرَ فِي الثَّلَاثِ بِشَاهِدٍ وَاسْتُمْهِلَ بِالثَّانِي أُمْهِلَ ثَلَاثَةً مُسْتَقْبِلَةً كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ أَبْوَابِ الْكِتَابَةِ أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ وَأَرَادَ الْعَبْدُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أُمْهِلَ ثَلَاثًا. قَالَ: وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَجْهَانِ. اهـ. وَقِيَاسُ مَا هُنَا الْوُجُوبُ، وَلَوْ عَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَحْوِ إبْرَاءٍ أَجَابَهُ إلَيْهِ لِتَيَسُّرِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الدَّيْنِ أَوَّلًا. (وَلَوْ) (ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ) عَاقِلٍ (فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ) بِالْأَصَالَةِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) بِيَمِينِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَسَبَقَ مِنْ مُدَّعِي رِقَّهُ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الرِّقِّ ظَاهِرًا كَاسْتِخْدَامٍ وَإِجَارَةٍ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ بِرِقٍّ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الرِّقِّ وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِهِ رَجَعَ الْمُدَّعِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ اعْتَرَفَ حَالَةَ الْخُصُومَةِ بِرِقِّهِ وَقَالَ: إنَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ، أَوْ اعْتَمَدَ فِي اعْتِرَافِهِ بِهِ ظَاهِرَ الْيَدِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حُرٌّ؛ أَيْ بِالْأَصَالَةِ كَمَا مَرَّ مَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتَنِي أَوْ أَعْتَقَنِي الَّذِي بَاعَنِي مِنْك أَوْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَمَا لَوْ قَالَ: أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ فَالْمُصَدَّقُ السَّيِّدُ لِاعْتِرَافِ الْعَبْدِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْيَدُ وَالْيَدُ عَلَيْهِ لِلسَّيِّدِ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الدَّعَاوَى تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ أَنَّ بَيِّنَةَ الرِّقِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُوَ إثْبَاتُ الرِّقِّ، وَنَقَلَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى (أَوْ) ادَّعَى (رِقَّ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ) (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمَجْنُونَ الْبَالِغَ كَالصَّغِيرِ، وَلَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَصَدَّقَهُ صَاحِبُ الْيَدِ كَفَى تَصْدِيقُهُ مَعَ حَلِفِ الْمُدَّعِي (أَوْ) ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ (فِي يَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ) بَعْدَ حَلِفِهِ (إنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْتِنَادَهَا) أَيْ يَدَ الْمُدَّعِي (إلَى الْتِقَاطٍ) كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ فِي دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ، وَإِنَّمَا حَلَفَ لِخَطَرِ شَأْنِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَا أَثَرَ لِإِنْكَارِهِ إذَا بَلَغَ بِهِ بَلْ يَسْتَمِرُّ الرِّقُّ، فَإِنْ اسْتَنَدَتْ إلَى الْتِقَاطٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ ذَكَرَهَا فِي اللَّقِيطِ فَهِيَ مُكَرَّرَةٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 409 فَلَوْ أَنْكَرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ، وَقِيلَ كَبَالِغٍ. وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فِي الْأَصَحِّ. [فَصْلٌ] أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى جُعِلَ كَمُنْكِرٍ نَاكِلٍ،   [مغني المحتاج] (فَلَوْ) (أَنْكَرَ الصَّغِيرُ) الرِّقَّ (وَهُوَ مُمَيِّزٌ) (فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ) ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ (وَقِيلَ) إنْكَارُهُ (كَبَالِغٍ) فِي إنْكَارِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِرِقِّهِ لِمُدَّعِيهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الِاسْتِنَادِ لَمْ يُؤَثِّرْ. (وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى) بِحَالٍ عَلَى مَنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعِي بِإِعْسَارِهِ، وَلَا دَعْوَى (دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ) وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلْزَامٌ وَمُطَالَبَةٌ فِي الْحَالِ فَيَفُوتُ نِظَامُ الدَّعْوَى. وَالثَّانِي: تُسْمَعُ مُطْلَقًا لِيَثْبُتَ فِي الْحَالِ وَيُطَالِبَ بِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَقَدْ يَمُوتُ مَنْ عَلَيْهِ فَتَتَعَجَّلُ الْمُطَالَبَةُ. وَالثَّالِثُ: إنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى عَلَى الْأَوَّلِ صُوَرٌ: الْأُولَى: إذَا كَانَ بَعْضُ الدَّيْنِ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَإِنَّ الدَّعْوَى تَصِحُّ بِهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: وَيَدَّعِي بِجَمِيعِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْمُطَالَبَةَ بِالْبَعْضِ وَيَكُونُ الْمُؤَجَّلُ تَبَعًا. فَإِنْ قِيلَ: الدَّعْوَى بِذَلِكَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ إذَا كَانَ قَلِيلًا كَدِرْهَمٍ مِنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ يَبْعُدُ الِاسْتِتْبَاعُ فِيهِ، وَبِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الدَّعْوَى لَمْ يُفِدْ، وَإِنْ قَالَ: يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ إلَيَّ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى وَكَانَ كَاذِبًا، وَإِنْ فَصَّلَ وَبَيَّنَ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ دَعْوَتَيْنِ فَأَيْنَ مَحَلُّ الِاسْتِتْبَاعِ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِتْبَاعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْكَثِيرِ تَابِعًا لِلْقَلِيلِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ الْمُؤَجَّلُ فِي عَقْدٍ كَمُسْلِمٍ وَقَصَدَ بِدَعْوَاهُ بِهِ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُسْتَحَقٌّ فِي الْحَالِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا. الثَّالِثَةُ: إذَا ادَّعَى عَلَى الْقَاتِلِ بِقَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُوجِبُ دِيَةً مُؤَجَّلَةٍ، فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ تُسْمَعْ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لُزُومُهُ لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَإِعْسَارِهِ آخِرَهُ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. تَتِمَّةٌ: تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ وَتَعَلُّقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ وَلَوْ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ نَاجِزَةٌ وَجَوَابُ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ الْآنَ، وَلَا يَجُوزُ إنْكَارُهُ اسْتِحْقَاقَهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ كَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جَدِّهِ، وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ خَصْمُهُ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَادَّعَى تَلَفَهُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْنَعُ مِنْهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُقِرُّ لَهُ عَلَى بَقَائِهِ وَطَالَبَهُ بِهِ. [فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ] إذَا (أَصَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى) لِغَيْرِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ (جُعِلَ) حُكْمُهُ (كَمُنْكِرٍ) لِلْمُدَّعَى بِهِ (نَاكِلٍ) عَنْ الْيَمِينِ، وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: أَجِبْ عَنْ دَعْوَاهُ وَإِلَّا جَعَلْتُك نَاكِلًا، فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ لِنَحْوِ دَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ شُرِحَ لَهُ، ثُمَّ حَكَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَسُكُوتُ الْأَخْرَسِ عَنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 410 فَإِنْ ادَّعَى عَشَرَةً فَقَالَ لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَ وَلَا بَعْضُهَا، وَكَذَا يَحْلِفُ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَنَاكِلٌ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ وَيَأْخُذُهُ. وَإِذَا ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ شُفْعَةً كَفَاهُ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الشِّقْصِ.   [مغني المحتاج] الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ لِلْجَوَابِ كَسُكُوتِ النَّاطِقِ، وَمَنْ لَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةً كَالْغَائِبِ، وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ أَصْلًا إنْ كَانَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ فَهُوَ كَالْأَخْرَسِ، وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْبَصِيرُ الْأَصَمُّ أَوْ الْأَخْرَسُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ كَاتِبًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ كِتَابَتُهُ دَعْوَى وَجَوَابًا كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُصِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُنْظَرُ (فَإِنْ ادَّعَى) عَلَيْهِ (عَشَرَةً) مَثَلًا (فَقَالَ) فِي جَوَابِهِ هِيَ عِنْدِي، أَوْ لَيْسَ لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَالَ (لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ) ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ (حَتَّى يَقُولَ) مُضَافًا لِمَا سَبَقَ (وَلَا بَعْضُهَا، وَكَذَا يَحْلِفُ) إنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْعَشَرَةِ مُدَّعٍ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا، فَاشْتُرِطَ مُطَابَقَةُ الْإِنْكَارِ وَالْيَمِينِ دَعْوَاهُ، وَقَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ إنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِمَجْمُوعِهَا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا، فَقَدْ تَكُونُ عَشَرَةً إلَّا حَبَّةً (فَإِنْ) (حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ) فِي حَلِفِهِ (عَلَيْهِ) (فَنَاكِلٌ) عَمَّا دُونَ الْعَشَرَةِ (فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ) وَإِنْ قَلَّ (وَيَأْخُذُهُ) أَيْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ دَعْوَى. نَعَمْ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْعَشَرَةِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْقَاضِي فِي تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَقُلْ: وَلَا شَيْءَ مِنْهَا فَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَا دُونَهَا إلَّا بَعْدَ تَجْدِيدِ دَعْوَى وَنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ لَمْ يُسْنِدْ الْمُدَّعِي إلَى عَقِيدٍ، فَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَيْهِ كَأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحًا بِخَمْسِينَ كَفَاهُ نَفْيُ الْعَقْدِ بِهَا وَالْحَلِفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تَحْلِفْ هِيَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا بِدَعْوَى جَدِيدَةٍ لَا تُنَاقِضُ مَا ادَّعَتْهُ، وَإِنْ ادَّعَى دَارًا بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي حَلِفِهِ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا كَفَاهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا فَأَنْكَرَ وَطَلَبَ مِنْهُ الْيَمِينَ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ وَأُعْطِي الْمَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي قَبُولُهُ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَهُ تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ بَعْدَ هَذَا، وَكَذَا لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا أَبْذُلُ الْمَالَ لَهُ بِلَا يَمِينٍ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَقُولَ لَهُ الْحَاكِمُ: إمَّا أَنْ تُقِرَّ بِالْحَقِّ أَوْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ نُكُولِكَ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُمَا. (وَإِذَا) (ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا) (كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ) عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى (لَا تَسْتَحِقُّ) أَنْتَ (عَلَيَّ شَيْئًا) أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك (أَوْ) ادَّعَى (شُفْعَةً) (كَفَاهُ) فِي الْجَوَابِ (لَا تَسْتَحِقُّ) أَنْتَ (عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ) عَلَيَّ (تَسْلِيمَ الشِّقْصِ) وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ تِلْكَ الْجِهَةِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْإِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ، وَعَرَضَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 411 وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ هَذَا، فَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ مَالِكُهُ كَفَاهُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ، فَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ وَادَّعَى الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا إنْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ جَحْدَهُ الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إِن ادَّعَيْت مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ، وَإِنْ ادَّعَيْتَ مَرْهُونًا فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ.   [مغني المحتاج] مَا أَسْقَطَ الْحَقَّ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ، فَلَوْ نَفَى السَّبَبَ كَذَبَ أَوْ اعْتَرَفَ وَادَّعَى الْمُسْقِطَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ قَدْ يَعْجِزُ عَنْهَا فَقُبِلَ الْإِطْلَاقُ لِلضَّرُورَةِ، وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي جَوَابِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ، وَقَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: لَا يَعُدُّونَ الشُّفْعَةَ مُسْتَحَقَّةً عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهَا كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ، فَالْجَوَابُ الْمُعْتَبَرُ لَا شُفْعَةَ لَك عِنْدِي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شُفْعَةً اهـ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَتْنِ. وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ أَنْتِ زَوْجَتِي. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً، فَلَا يَكْفِي فِي الْجَوَابِ لَا يَلْزَمُنِي التَّسْلِيمُ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّخْلِيَةُ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُنْكِرَ الْإِيدَاعَ أَوْ يَقُولَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَوْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ رَدَدْتُهَا (وَيَحْلِفُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى حَسَبِ) بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا: أَيْ قَدْرِ (جَوَابِهِ هَذَا) أَوْ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِهِ (فَإِنْ) تَبَرَّعَ، وَ (أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ) كَقَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ السَّابِقَةِ مَا أَقْرَضْتنِي كَذَا (حَلَفَ عَلَيْهِ) أَيْ نَفْيِ السَّبَبِ كَذَلِكَ لِيُطَابِقَ الْيَمِينُ الْإِنْكَارَ (وَقِيلَ: لَهُ الْحَلِفُ بِالنَّفْيِ الْمُطْلَقِ) كَمَا لَوْ أَجَابَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ رَاعَى مُطَابَقَةَ الْيَمِينِ لِلْجَوَابِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا أَجَابَ بِالْإِطْلَاقِ لَيْسَ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهِ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمُطْلَقِ جَازَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ. (وَلَوْ كَانَ) (بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا (مَالِكُهُ) أَوْ نَائِبُهُ (كَفَاهُ) فِي الْجَوَابِ (لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ) إلَيْكَ وَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْمِلْكِ (فَلَوْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ) لِلْمُدَّعِي (وَ) لَكِنْ (ادَّعَى) بَعْدَهُ (الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ) وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِدُونِهَا، لِأَنَّ الْيَدَ تُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا) أَنَّهُ (إنْ اعْتَرَفَ بِالْمِلْكِ) لِلْمُدَّعِي (جَحْدَهُ) بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ: أَيْ خَافَ أَنْ يَجْحَدَ الْمُدَّعِي (الرَّهْنَ وَالْإِجَارَةَ فَحِيلَتُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْ يَقُولَ) فِي الْجَوَابِ (إنْ ادَّعَيْت) عَلَيَّ (مِلْكًا مُطْلَقًا) عَنْ رَهْنٍ وَإِجَارَةٍ (فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ) لِمَا ادَّعَيْتَهُ عَلَيَّ (وَإِنْ ادَّعَيْتَ) عَلَيَّ مِلْكًا (مَرْهُونًا) عِنْدِي أَوْ مُسْتَأْجَرًا (فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ) عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ مُقِرًّا بِذَلِكَ، وَكَذَا يَقُولُ فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ وَخَافَ الرَّاهِنُ جُحُودَ الرَّهْنِ لَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّيْنِ قَالَ فِي الْجَوَابِ: إنْ ادَّعَيْت أَلْفًا لِي عِنْدَكَ بِهَا رَهْنٌ هُوَ كَذَا فَاذْكُرْهُ حَتَّى. أُجِيبَ، وَإِنْ ادَّعَيْت أَلْفًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 412 وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: لَيْسَ هِيَ لِي، أَوْ هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ، أَوْ هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ، أَوْ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ مَسْجِدِ كَذَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ وَلَا تُنْزَعُ مِنْهُ بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ سُئِلَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: أَوَّلًا بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْمِلْكِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ تَعَلُّقَ أَوَّلًا بِ خَافَ، وَلَا مَعْنَى لَهُ. (وَإِذَا) (ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا) عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا (فَقَالَ) فِي الْجَوَابِ (لَيْسَ هِيَ لِي) مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُضِفْهَا (أَوْ) أَضَافَهَا لِمَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ وَ (هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ) أَوْ لَا أُسَمِّيهِ (أَوْ) لِمَعْلُومٍ لَا يُمْكِنُنِي مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ كَقَوْلِهِ: (هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ) أَوْ الْمَجْنُونِ مِلْكٌ لَهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَحْجُورِهِ كَانَ أَوْلَى (أَوْ) قَالَ هِيَ (وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ) عَلَى (مَسْجِدِ كَذَا) وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ النَّاظِرُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ) عَنْهُ (وَلَا تُنْزَعُ) الْعَيْنُ (مِنْهُ) لِأَنَّ ظَاهِرَ الْيَدِ لِلْمِلْكِ وَمَا صَدَرَ مِنْهُ لَيْسَ بِمُزِيلٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ (بَلْ يُحَلِّفُهُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ) لِلْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ) بِهَا رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ الْمُدَّعِي وَتَثْبُتَ لَهُ الْعَيْنُ فِي الْأُولَتَيْنِ، وَفِيمَا لَوْ أَضَافَهَا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَالْبَدَلُ لِلْحَيْلُولَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي تَنْصَرِفُ عَنْهُ وَيَنْتَزِعُ الْحَاكِمُ الْعَيْنَ مِنْ يَدِهِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا أَخَذَهَا، وَإِلَّا حَفِظَهَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهَا. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ قَيْدٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُحَرَّرِ بَلْ يُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ اهـ. وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوْ يُحَلِّفَهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ لِنَفْسِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْقَاضِي مُجَلِّي وَغَيْرِهِ. (وَإِنْ) (أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ (لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ) بِالْبَلَدِ (يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ) (سُئِلَ) عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ صَدَّقَهُ) انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَ (صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ) أَيْ الْحَاضِرِ لِصَيْرُورَةِ الْيَدِ لَهُ، وَالْخُصُومَةُ إنَّمَا تَدُورُ بَيْنَ مُتَنَازِعَيْنِ. (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَوْلِهِ: يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ أَوْ يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ. الثَّانِي: كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَهُوَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَنْصَرِفُ إلَى وَلِيِّهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَصَدَّقَهُ، فَإِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ تَصْدِيقُهُ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: صَارَتْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ يُفْهِمُ انْصِرَافَهَا عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لِلْمُدَّعِي طَلَبُ يَمِينِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ الْبَدَلَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ) كَمَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ فِي كِتَابِهِ " الْإِقْرَارُ " وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِيُعِيدَ التَّصْرِيحَ بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ، وَهُوَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 413 وَقِيلَ: تُسَلَّمُ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي، وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا، وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، فَيَحْلِفُ مَعَهَا، وَقِيلَ عَلَى حَاضِرٍ.   [مغني المحتاج] قَوْلُهُ (وَقِيلَ تُسَلَّمُ إلَى يَدِ الْمُدَّعِي) إذْ لَا طَالِبَ لَهُ سِوَاهُ (وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الْحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ) لَهُ. (وَإِنْ) (أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ) عَنْ الْبَلَدِ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِ الْمُدَّعِي بِهِ (فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الْخُصُومَةِ عَنْهُ) إلَيْهِ لِمَا مَرَّ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرَقَبَةِ الْمُدَّعَى بِهِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفُ فِي الْأَصَحِّ بَلْ لَهُ تَحْلِيفُهُ كَمَا مَرَّ (وَيُوقَفُ الْأَمْرُ) فِي الْإِقْرَارِ بِالْمُدَّعَى بِهِ لِغَائِبٍ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ (حَتَّى يَقْدَمَ) ذَلِكَ (الْغَائِبُ) لِأَنَّ الْمَالَ بِظَاهِرِ الْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَائِبَ لَوْ قَدِمَ وَصَدَّقَ أَخَذَهُ، وَالثَّانِي: لَا تَنْصَرِفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ (فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى) لَهُ (بِهَا) وَسُلِّمَتْ لَهُ الْعَيْنُ. تَنْبِيهٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُتَهَافِتٌ؛ لِأَنَّ وَقْفَ الْأَمْرِ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ يُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَيَقْضِي لَهُ اهـ. وَبِمَا قَدَّرْتُهُ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ (وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ فَيَحْلِفُ) الْمُدَّعِي (مَعَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ صَارَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَقَالَا: إنَّهُ أَقْوَى وَأَلْيَقُ بِالْوَجْهِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَقِيلَ) بَلْ هُوَ قَضَاءٌ (عَلَى حَاضِرٍ) إذْ الْخُصُومَةُ مَعَهُ فَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ عَنْ تَرْجِيحِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَهُ. ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ رُدَّ إلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمُدَّعِي الْخُصُومَةَ مَعَهُ، وَإِنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّهَا لِلْغَائِبِ وَأَثْبَتَ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْغَائِبِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا إذَنْ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِوَكَالَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ سُمِعَتْ بَيِّنَتُهُ لَا لِتَثْبُتَ الْعَيْنُ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ، بَلْ لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ الْيَمِينُ وَتُهْمَةُ الْإِضَافَةِ إلَى الْغَائِبِ، سَوَاءٌ تَعَرَّضَتْ بَيِّنَتُهُ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَهَذِهِ الْخُصُومَةُ لِلْمُدَّعِي مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلِلْمُدَّعِي مَعَ الْغَائِبِ خُصُومَةٌ أُخْرَى، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هِيَ مَعِي رَهْنٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَإِجَارَةٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِلْغَيْرِ بِلَا نِيَابَةٍ. تَنْبِيهٌ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ انْصَرَفَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهَا وَإِنْ مَا أَقَرَّ بِهِ مَلَكَ الْمُقَرُّ لَهُ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ بِهِ لَهُ أَوْ يَنْكُلَ فَيَحْلِفَ وَيُغَرِّمَهُ الْقِيمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ، بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلثَّانِي، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالْعَيْنِ ثَانِيًا وَغَرِمَ لَهُ الْقِيمَةَ. ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْعَيْنِ أَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 414 وَمَا قُبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَمَا لَا كَأَرْشٍ فَعَلَى السَّيِّدِ.   [مغني المحتاج] حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُقِرِّ لَهُ رَدَّ الْقِيمَةَ وَأَخَذَ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِلْحَيْلُولَةِ، وَقَدْ زَالَتْ. فَرْعٌ: لَوْ ادَّعَى جَارِيَةً عَلَى مُنْكِرِهَا فَاسْتَحَقَّهَا بِحُجَّةٍ وَوَطِئَهَا وَأَوْلَدَهَا. ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ تَكُنْ زَانِيَةً بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْإِيلَادُ وَحُرِّيَّةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ بِأَنْ وَافَقَتْهُ الْجَارِيَةُ عَلَى ذَلِكَ، إذْ لَا يُرْفَعُ مَا حُكِمَ بِهِ بِرُجُوعٍ مُحْتَمَلٍ فَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ تَعْتَرِفْ هِيَ بِالزِّنَا وَيَلْزَمُهُ الْأَرْشُ إنْ نَقَصَتْ وَلَمْ يُوَلِّدْهَا، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ إنْ أَوْلَدَهَا وَلَا يَطَؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَتْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَوَقَفَ وَلَاؤُهَا إنْ مَاتَ قَبْلَ شِرَائِهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْيَدِ وَحَلَفَ أَنَّهَا لَهُ وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَيَأْتِي فِيهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا سَبَقَ هُوَ فِي جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُرِّ، فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا فَحُكْمُ جَوَابِ دَعْوَاهُ مَذْكُورٌ فِي قَاعِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ. (وَ) هِيَ (مَا قُبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ) لِآدَمِيٍّ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ (فَالدَّعْوَى) بِذَلِكَ (عَلَيْهِ، وَ) كَذَا (عَلَيْهِ) أَيْضًا (الْجَوَابُ) لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ السَّيِّدِ لِعَوْدِ أَثَرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُسْمَعُ فِيهَا الدَّعْوَى وَلَا يُطَالَبُ الْجَوَابُ كَمَا جَزَمَا بِهِ بَعْدُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَالِفِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَقًّا لِلْمُدَّعِي، وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَمْ يَأْذَنْ فِي الطَّلَبِ وَالْإِثْبَاتِ. تَنْبِيهٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى أَيْضًا عَلَى الرَّقِيقِ بِدَيْنِ مُعَامَلَةِ تِجَارَةٍ أَذِنَ فِيهَا سَيِّدُهُ. وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ دَعْوَى قَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ فِي مَحِلِّ لَوْثٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُقْسِمُ، وَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ، صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ فِي كِتَابِ الْقَسَامَةِ (وَمَا لَا) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ (كَأَرْشٍ) لِتَعْيِيبٍ أَوْ إتْلَافٍ (فَعَلَى السَّيِّدِ) الدَّعْوَى بِهِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا جَوَابُهَا؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُهَا حَقُّ السَّيِّدِ فَإِقْرَارُ الرَّقِيقِ فِيهَا لَا يُقْبَلُ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَفِي سَمَاعِهَا وَجْهَانِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْوَجْهُ أَنَّهَا تُسْمَعُ لِإِثْبَاتِ الْأَرْشِ فِي الذِّمَّةِ لَا لِتَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ. قَالَ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصْلَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ الْمُتَعَلِّقَ بِالرَّقَبَةِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ أَيْضًا، وَأَنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ بِالْمُؤَجَّلِ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمُؤَجَّلِ، وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ. تَتِمَّةٌ قَدْ تَكُونُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الرَّقِيقِ وَسَيِّدِهِ كَمَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ أَوْ الْمُكَاتَبَةِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى التَّزْوِيجِ، فَلَوْ أَقَرَّ سَيِّدُ الْمُكَاتَبَةِ بِالنِّكَاحِ حَلَفَتْ، فَإِنْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي حُكِمَ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّتْ فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ حَلَفَ السَّيِّدُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَحُكِمَ لَهُ بِالنِّكَاحِ وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُبَعَّضَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 415 [فَصْلٌ] تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ] فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلِفِ وَالتَّغْلِيظِ فِيهِ، وَفِي ضَابِطِ الْحَالِفِ (تُغَلَّظُ) نَدْبًا (يَمِينُ مُدَّعٍ) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَ) تُغَلَّظُ نَدْبًا أَيْضًا يَمِينُ (مُدَّعًى عَلَيْهِ) وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ تَغْلِيظَهَا (فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ) كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ، وَلِعَانٍ، وَقَوَدٍ، وَعِتْقٍ، وَإِيلَادٍ، وَوِصَايَةٍ، وَوَكَالَةٍ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّغْلِيظُ يَجْرِي فِي كُلِّ حَالَةٍ خَطَرٍ مِمَّا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْوِلَادَةُ وَالرَّضَاعُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا تَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيَجْرِي فِيهَا التَّغْلِيظُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَبُولُ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالنِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ لِقِلَّةِ خَطَرِهَا، بَلْ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا غَالِبًا، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِهَذَا الْجَوَابِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ، وَالْمَعْنَى فِي التَّغْلِيظِ أَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّعَدِّي، فَشُرِعَ التَّغْلِيظُ مُبَالَغَةً وَتَأْكِيدًا لِلرَّدْعِ، فَاخْتُصَّ بِمَا هُوَ مُتَأَكِّدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ: التَّغْلِيظُ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ، وَالْوَكَالَةُ فِي دِرْهَمٍ لَا تَزِيدُ عَلَى مِلْكِ الدِّرْهَمِ، فَلَا يَبْعُدُ مَنْعُ التَّغْلِيظِ فِيهَا، وَلَكِنْ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. (وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ) لَا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْصُوفُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ الْمُوَاسَاةَ فِيهِ. نَعَمْ لِلْقَاضِي ذَلِكَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ إنْ رَآهُ لِجَرَاءَةٍ يَجِدُهَا فِي الْحَالِفِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّغْلِيظُ فِي أَيِّ نِصَابٍ كَانَ مِنْ نَعَمٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ شَعِيرٍ وَذُرَةٍ وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةً تَحْدِيدًا، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ قِيمَةً، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالذَّهَبِ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ مَا قِيمَةُ أَحَدِهِمَا، وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ هُوَ نِصَابٌ غَلُظَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتُجَّ لِلتَّغْلِيظِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ، فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَقَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي وَلَوْ مَعَ شَاهِدٍ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ التَّغْلِيظَ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَعَبْدٍ خَسِيسٍ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ ادَّعَى عَلَى سَيِّدِهِ عِتْقًا أَوْ كِتَابَةً فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ لَيْسَ بِمَالٍ، لَا عَلَى سَيِّدِهِ إذَا حَلَفَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ مَالٍ قَلِيلٍ، وَتُغَلَّظُ فِي الْوَقْفِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا عَلَى الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 416 وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ. وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ،   [مغني المحتاج] وَأَمَّا الْخُلْعُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ وَحَلَفَتْ أَوْ نَكَلَتْ وَحَلَفَ هُوَ فَلَا تَغْلِيظَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَ وَحَلَفَ أَوْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ هِيَ غُلِّظَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَهَا الْفِرَاقُ وَقَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ. أَمَّا الْخُلْعُ بِالْكَثِيرِ فَتُغَلَّظُ فِيهِ مُطْلَقًا، وَلَا تُغَلَّظُ عَلَى حَالِفٍ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ مُسْتَحَبٌّ وَلَوْ كَانَ حَلِفُهُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ النَّصِّ، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهِ بِالطَّلَاقِ (وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ) بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَحُضُورِ جَمْعٍ (فِي) أَثْنَاءِ كِتَابِ (اللِّعَانِ) لَكِنْ لَا يُغَلَّظُ هُنَا بِحُضُورِ جَمْعٍ كَمَا صَوَّبَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ انْحِصَارُ التَّغْلِيظِ فِيمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يُنْدَبُ التَّغْلِيظُ بِزِيَادَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَيْضًا كَأَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ، أَوْ بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَوْقِيفٍ، وَلَمْ يَرِدْ تَوْقِيفٌ فِي الطَّالِبِ الْغَالِبِ. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ أَسْمَاءِ الْمُفَاعَلَةِ الَّذِي غَلَبَهُ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ دُونَ الصِّفَةِ، فَالْتَحَقَ بِالْأَفْعَالِ، وَإِضَافَةُ الْأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْقِيفٍ، وَلِذَلِكَ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْمِيدَاتِهِمْ وَتَمْجِيدَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالْأَحْوَطُ اجْتِنَابُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْحَالِفِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] وَيُحْضَرَ الْمُصْحَفُ وَيُوضَعَ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُطَرِّفٌ قَاضِي صَنْعَاءَ يُحَلِّفَانِ بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ وَعَلَيْهِ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ، وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَابِ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ مِنْ الْأُمِّ: وَقَدْ كَانَ مِنْ حُكَّامِ الْآفَاقِ مَنْ يَسْتَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ، وَذَلِكَ عِنْدِي حَسَنٌ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَهَذَا التَّغْلِيظُ مُسْتَحَبٌّ. هَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَنَجَّاهُ مِنْ الْغَرَقِ، أَوْ نَصْرَانِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَلَا يُحَلِّفُهُمْ بِمَا يَجْهَلُ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ كَذَا أَوْ أَنْزَلَ كَذَا لِرَسُولٍ وَكِتَابٍ لَا يَعْرِفُهُمَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْمَرِيضُ الَّذِي بِهِ مَرَضٌ شَاقٌّ وَالزَّمِنُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ لِعُذْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامُ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ بِقَوْلِهِ (وَيَحْلِفُ) الشَّخْصُ (عَلَى الْبَتِّ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْجَزْمُ (فِي فِعْلِهِ) إثْبَاتًا كَانَ أَوْ نَفْيًا؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ حَالَ نَفْسِهِ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهَا، فَيَقُولُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِثْبَاتِ وَاَللَّهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 417 وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ إنْ كَانَ إثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَلَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ أَبْرَأَنِي حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَوْ قَالَ جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ.   [مغني المحتاج] لَقَدْ بِعْتُ بِكَذَا أَوْ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا، وَفِي النَّفْيِ وَاَللَّهِ مَا بِعْتُ بِكَذَا وَلَا اشْتَرَيْتُ بِكَذَا. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ الْفِعْلُ مِنْهُ فِي جُنُونِهِ أَوْ إغْمَائِهِ أَوْ سُكْرِهِ الطَّافِحِ وَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَالِبِ (وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ) يَحْلِفُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الْبَتِّ (إنْ كَانَ إثْبَاتًا) كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ وَغَصْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ يُشْهَدُ بِهِ (وَإِنْ كَانَ نَفْيًا) مُطْلَقًا (فَعَلَى) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى (نَفْيِ الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا؛ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمُطْلَقَ يُعْسَرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ ذَلِكَ، فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ اُعْتُدَّ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ مَا ذُكِرَ فِي النَّفْيِ الْمُطْلَقِ. أَمَّا النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فَكَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِهِ كَمَا فِي آخِرِ الدَّعَاوَى مِنْ الرَّوْضَةِ فَيَحْلِفُ فِيهِ عَلَى الْبَتِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَصْرُ الْيَمِينِ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرٍ، وَقَدْ يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى تَحْقِيقِ مَوْجُودٍ لَا إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ اهـ. قَالَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ: وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَأُورِدَ عَلَى الضَّابِطِ الْمُودَعِ إذَا ادَّعَى تَلَفَ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَحْلِفْ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْمُودَعَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ: الِاخْتِصَارُ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ: يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ يَمِينٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِي الْقَاتِلَ ابْتِدَاءً (وَلَوْ) (ادَّعَى) عَلَى شَخْصٍ (دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَبْرَأَنِي) مُوَرِّثُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ (حَلَفَ) الْمُدَّعِي (عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ) مِمَّا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ قَوْلِهِ: أَبْرَأَنِي مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. قَالَا: وَكُلُّ مَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ يُشْتَرَطُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِلْعِلْمِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحِلُّهُ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمِثْلُ دَعْوَى الْبَرَاءَةِ دَعْوَى الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْحَوَالَةِ أَوْ الِاعْتِيَاضِ، ثُمَّ أَشَارَ لِاسْتِثْنَاءِ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى النَّفْيِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ) فِي الدَّعْوَى عَلَى سَيِّدٍ بِمَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ (جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا) وَأَنْكَرَ (فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ) أَيْ السَّيِّدِ (عَلَى الْبَتِّ) ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ وَفِعْلَهُ كَفِعْلِهِ وَلِذَلِكَ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 418 قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ. وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ،   [مغني المحتاج] وَالثَّانِي: عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَبْدِ الْعَاقِلِ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا حَلَفَ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ كَالْبَهِيمَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ أَمَرَ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَوْ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ السَّيِّدِ فِي كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَالْجَانِي هُوَ السَّيِّدُ فَيَحْلِفُ قَطْعًا (قُلْتُ:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك) عَلَى زَرْعِي مَثَلًا فَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ فَأَنْكَرَ مَالِكُهَا (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهَا وَضَمَانُ جِنَايَتِهَا بِتَقْصِيرِهِ فِي حِفْظِهَا لَا بِفِعْلِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحَالِفِ. تَنْبِيهٌ مَا أَطْلَقَهُ مِنْ حَلِفِ الْمَالِكِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ وَحْدَهَا أَوْ فِي يَدِ مَالِكِهَا. أَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْغَاصِبِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الدَّعْوَى وَالْيَمِينَ عَلَيْهِ دُونَ مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَيْضًا، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ: لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بِيَدِ أَجِيرٍ فَالدَّعْوَى وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْقَطْعِ فَإِنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتِّ الْيَقِينُ (وَ) حِينَئِذٍ (يَجُوزُ الْبَتُّ) فِي الْحَلِفِ (بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ) فِيهِ الْحَالِفُ (خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ) مَثَلًا إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِ الظَّنِّ، وَيُقَالُ: لَا يَحْصُلُ الظَّنُّ إلَّا إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ جَوَازَ الْحَلِفِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ، وَلَكِنْ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ حَتَّى يَتَذَكَّرَ. قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَقَدْ يُقَالُ لَا يُتَصَوَّرُ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ بِخِلَافِ خَطِّ الْأَبِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ انْحِصَارُ ذَلِكَ فِي خَطِّهِ وَخَطِّ أَبِيهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِهَذَا زِدْتُ مَثَلًا فِي كَلَامِهِ، إذْ نُكُولُ خَصْمِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ الْمُؤَكَّدُ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ قَالَ: كَاعْتِمَادِ خَطِّهِ إلَخْ كَانَ أَوْلَى. (وَتُعْتَبَرُ) فِي الْحَلِفِ (نِيَّةُ الْقَاضِي الْمُسْتَحْلِفِ) لِلْخَصْمِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُوَافِقًا لِلْقَاضِي فِي مَذْهَبِهِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ «الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحُمِلَ عَلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِحْلَافِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ نِيَّةُ الْحَالِفِ لَبَطَلَتْ فَائِدَةُ الْأَيْمَانِ وَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَقْصِدُ، فَإِذَا ادَّعَى حَنَفِيٌّ عَلَى شَافِعِيٍّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَالْقَاضِي يَعْتَقِدُ إثْبَاتَهَا، فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا عَلَيْهِ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ الْقَاضِي. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنَّفِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ بَدَلَ: الْقَاضِي لِيَشْمَلَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَالْمُحَكَّمَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحِلُّ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 419 فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا أَوْ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي لَمْ يَدْفَعْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ.   [مغني المحتاج] يَكُنْ الْحَالِفُ مُحِقًّا لِمَا نَوَاهُ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّتِهِ لَا بِنِيَّةِ الْقَاضِي اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْمُحِقِّ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ الْقَاضِي، فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ لَوْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَحَكَمَ عَلَى شَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ مِنْ أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَإِنَّهُ إنْ اُسْتُحْلِفَ فَحَلَفَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا أَثِمَ. أَمَّا إذَا حَلَّفَهُ الْغَرِيمُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ أَوْ حَلَّفَهُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ طَلَبِهِ فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْحَالِفِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ هُوَ بِنَفْسِهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ (فَلَوْ) (وَرَّى) الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ بِأَنْ قَصَدَ خِلَافَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عِنْدَ تَحْلِيفِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّحْلِيفِ كَقَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِرْهَمًا وَلَا دِينَارًا وَلَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ، فَدِرْهَمُ قَبِيلَةٍ وَدِينَارُ رَجُلٍ مَعْرُوفٍ وَمَا لَهُ قِبَلِي ثَوْبٌ وَلَا شُفْعَةٌ وَلَا قَمِيصٌ فَالثَّوْبُ الرُّجُوعُ وَالشُّفْعَةُ الْعَبْدُ وَالْقَمِيصُ غِشَاءُ الْقَلْبِ (أَوْ تَأَوَّلَ) بِأَنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ (خِلَافَهَا) أَيْ خِلَافَ نِيَّةِ الْقَاضِي كَحَنَفِيٍّ حَلَّفَ شَافِعِيًّا عَلَى شُفْعَةِ الْجِوَارِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ (أَوْ اسْتَثْنَى) الْحَالِفُ كَقَوْلِهِ عَقِبَ يَمِينِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ وَصَلَ بِاللَّفْظِ شَرْطًا كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ (بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي) ذَلِكَ (لَمْ يَدْفَعْ) مَا ذُكِرَ (إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِيَهَابَ الْخَصْمُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ صَحَّ تَأْوِيلُهُ لَبَطَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فِي اللُّغَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَصْوِيرُ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الْمَاضِي؟ إذْ لَا يُقَالُ: وَاَللَّهِ مَا أَتْلَفْت أَوْ مَا لَك عَلَيَّ شَيْءٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَوْجِيهُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى عَقْدِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى تَنْعَقِدُ يَمِينِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا إذَا وَجَّهَهُ إلَى نَفْسِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالشَّرْطِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُ إثْمَ الْيَمِينِ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لَحَلَفَ وَوَرَّى نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا حَيْثُ يُبْطِلُ بِهَا حَقَّ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ كَالْحَنَفِيِّ فَحَلَّفَهُ بِهِ نَفَعَتْهُ التَّوْرِيَةُ، كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فِي بَابِ التَّوْرِيَةِ اهـ. وَنُوزِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ تَصْوِيرُهَا بِأَنْ يَرَى الْقَاضِي ذَلِكَ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَنْ لَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُ بِالطَّلَاقِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ يَرَاهُ لَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَهُ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ ظَالِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّ الظَّالِمَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ فَيُنْكِرُ، فَإِنْ اكْتَفَى بِالْيَمِينِ فَلْيَحْلِفْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى التَّوْرِيَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَمِثْلُهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْمُعْسِرِ فَقَالَ: لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ وَنَوَى بِالِاسْتِحْقَاقِ التَّسْلِيمَ الْآنَ صَحَّ تَأْوِيلُهُ وَلَا يُؤَاخَذُ بِيَمِينِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ السَّابِقَةِ بَلْ خَصْمُهُ ظَالِمٌ بِمُطَالَبَتِهِ إنْ عَلِمَ، وَمُخْطِئٌ إنْ جَهِلَ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ عَمَّا إذَا سَمِعَ فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ وَيُعِيدُ الْيَمِينَ، وَإِنْ وَصَلَ بِهَا كَلَامًا لَمْ يَفْهَمْهُ الْقَاضِي مَنَعَهُ وَأَعَادَ الْيَمِينَ، فَإِنْ قَالَ: كُنْت أَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى. قِيلَ لَهُ: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 420 وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنْكَرَ حُلِّفَ، وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ، وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ. وَلَوْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ.   [مغني المحتاج] لَيْسَ هَذَا وَقْتَهُ. وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الْحَلِفِ وَكَيْفِيَّتِهِ شَرَعَ فِي ضَابِطِ الْحَلِفِ بِقَوْلِهِ (وَ) كُلُّ (مَنْ تَوَجَّهَتْ) أَيْ وَجَبَتْ (عَلَيْهِ يَمِينٌ) بِأَنْ أُلْزِمَ بِهَا فِي دَعْوَى صَحِيحَةٍ (لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا) أَيْ الدَّعْوَى (لَزِمَهُ) ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ (فَأَنْكَرَ حُلِّفَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ لِخَبَرِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ خَبَرُ «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: يَمِينٌ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ، وَصَوَابُهُ دَعْوَى كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ، وَقَوْلُهُ فَأَنْكَرَ يُبَيِّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ، وَقَدْ يَنْدَفِعُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ: وَتَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ الدَّعْوَى إلَى الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْلُبُ الْيَمِينَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى فِيمَا إذَا طَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَ الْمَقْذُوفِ أَوْ وَارِثِهِ: أَيْ الْمَطَالِبِ لَهُ أَنَّهُ مَا زَنَى، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى وَطَلَبَ الْيَمِينَ أَوْ طَلَبَهَا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى. أُجِيبَ إلَى تَحْلِيفِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، إذْ لَهُ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَدَّعِيَ الزِّنَا حَتَّى لَا يَكُونَ قَاذِفًا ثَانِيًا، لَكِنْ قَدْ يُحْتَاجُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ بِمَعْنَى طُلِبَتْ مِنْهُ. قَالَ: لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ فَأَنْكَرَ غَيْرُ مُتَّضِحٍ، فَإِنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا بَعْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْكَارِ اهـ. ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْمَقْذُوفُ أَوْ وَارِثُهُ حُدَّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْقَاذِفُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا بِحَلِفِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الزِّنَا، وَخَرَجَ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ نَائِبُ الْمَالِكِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ فَلَا يَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي ضَابِطِ الْحَلِفِ بِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ. ثُمَّ حَكَى ضَابِطَ الْمَتْنِ بِقِيلَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ شَرْحٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا اضْطِرَابَ حِينَئِذٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ ضَابِطًا لِكُلِّ حَالِفٍ، فَإِنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَا يَمِينُ الرَّدِّ وَلَا أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْحَالِفَ فِي جَوَابِ دَعْوَى أَصْلِيَّةٍ، وَأَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِاسْتِثْنَائِهِمْ مِنْهُ صُوَرًا كَثِيرَةً أَشَارَ فِي الْمَتْنِ لِبَعْضِهَا بِقَوْلِهِ (وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ) فِي حُكْمِهِ (وَلَا) يُحَلَّفُ (شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ) فِي شَهَادَتِهِ لِارْتِفَاعِ مَنْصِبِهِمَا عَنْ ذَلِكَ. وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِهِ فِي حُكْمِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ كَدَعْوَى مَالٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ، وَيَحْكُمُ فِيهِ خَلِيفَتُهُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ. (وَلَوْ) (قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ) وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ (لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ) أَمْرُهُ فِي الْخُصُومَةِ (حَتَّى يَبْلُغَ) فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْبُلُوغِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِهِ قُبِلَ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ يُثْبِتُ صِبَاهُ، وَصِبَاهُ يُبْطِلُ حَلِفَهُ، فَفِي تَحْلِيفِهِ إبْطَالُ تَحْلِيفِهِ. نَعَمْ الْكَافِرُ الْمَسْبِيُّ الْمُنْبَتُ إذَا قَالَ تَعَجَّلْت الْعَانَةَ حَلَفَ وُجُوبًا فِي الْأَظْهَرِ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةٌ لِلْبُلُوغِ، فَإِنْ نَكَلَ قُتِلَ وَلَوْ كَانَ الصِّبَا مِنْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا ادَّعَى لَهُ وَلِيُّهُ مَالًا، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ ادَّعَى لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 421 وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لَا بَرَاءَةً، فَلَوْ حَلَّفَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حَكَمَ بِهَا.   [مغني المحتاج] الْمَالَ بَالِغٌ فَلِلْوَلِيِّ طَلَبُ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ صَغِيرًا، فَإِنْ نَكَلَ لَا يُحَلَّفُ الْوَلِيُّ عَلَى صِبَاهُ، وَهَلْ يَحْلِفُ الصَّبِيُّ وَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَسِيرِ، وَيُسْتَثْنَى مَعَ اسْتِثْنَاءِ الْمُصَنِّفِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْمَرْأَةِ كَالدُّخُولِ فَادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَلَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ تَحْلِيفَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وُقُوعَ ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ، نَعَمْ إنْ ادَّعَتْ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِهَا كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّهُ. وَمِنْهَا مَا إذَا ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ الْوَطْءَ وَأُمِّيَّةَ الْوَلَدِ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَصْلَ الْوَطْءِ، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، وَصَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ التَّحْلِيفَ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَصَوَّبَ السُّبْكِيُّ حَمْلَ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ، فَإِنْ كَانَتْ لِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِيَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِهَا وَتُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَحْلِفُ. قَالَ: وَقَدْ قَطَعُوا بِتَحْلِيفِ السَّيِّدِ إذَا أَنْكَرَ الْكِتَابَةَ، وَكَذَا التَّدْبِيرُ إذَا قُلْنَا: إنَّ إنْكَارَهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَمِنْهَا مَا لَوْ طَالَبَ الْإِمَامُ السَّاعِيَ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ. فَقَالَ: لَمْ آخُذْ شَيْئًا لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ لَزِمَهُ، حَكَاهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ قَسَّمَ الْحَاكِمُ الْمَالَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ فَظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ وَقَالَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ أَنْتَ تَعْلَمُ وُجُوبَ دَيْنِي وَطَلَبَ يَمِينَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَمِنْهَا مَا لَوْ ادَّعَى مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ مُسْقِطًا لَمْ يَحْلِفْ إيجَابًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِ الدَّعْوَى لَزِمَهُ. تَنْبِيهٌ قَدْ يُفْهِمُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا فَأَنْكَرَ أَنَّ مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى: لَوْ ادَّعَى عَلَى مَنْ يَسْتَخْدِمُهُ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ إنْكَارِهِ الرِّقَّ لَمْ يُقْبَلْ، لَكِنْ فَائِدَةُ التَّحْلِيفِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّوْقِيتِ مِنْ تَغْرِيمِ الْقِيمَةِ لَوْ نَكَلَ. الثَّانِيَةُ: لَوْ جَرَى الْعَقْدُ بَيْنَ وَكِيلَيْنِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَحَالُفُهُمَا مَعَ أَنَّ إقْرَارَ الْوَكِيلِ لَا يُقْبَلُ، لَكِنْ فَائِدَتُهُ الْفَسْخُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَقَالَ (وَالْيَمِينُ) غَيْرُ الْمَرْدُودَةِ (تُفِيدُ قَطْعَ الْخُصُومَةِ) وَعَدَمَ الْمُطَالَبَةِ (فِي الْحَالِ) وَ (لَا) تُفِيدُ (بَرَاءَةً) لِذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا بَعْدَ مَا حَلَفَ بِالْخُرُوجِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ كَذِبَهُ» كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ بَرَاءَةً (فَلَوْ حَلَّفَهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (ثُمَّ أَقَامَ) الْمُدَّعِي (بَيِّنَةً) بِمُدَّعَاهُ شَاهِدَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَكَذَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَكَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ (حَكَمَ بِهَا) وَإِنْ نَفَاهَا الْمُدَّعِي حِينَ الْحَلِفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا إحْدَاهُمَا لَا كِلَاهُمَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَصَرَ حَقَّهُ فِي النَّوْعَيْنِ أَيْ لَا ثَالِثَ لَهُمَا - وَأَمَّا مَنْعُ جَمْعِهِمَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَنَكَلَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 422 وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقَضَى لَهُ وَلَا يَقْضِي بِنُكُولِهِ، وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا نَاكِلٌ   [مغني المحتاج] لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِدَعْوَاهُ: بَيِّنَتِي كَاذِبَةٌ أَوْ مُبْطِلَةٌ سَقَطَتْ وَلَمْ تَبْطُلْ دَعْوَاهُ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَلِفَهُ يُفِيدُ الْبَرَاءَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ الْوَدِيعَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فَإِنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ. فَرْعٌ: لَوْ اشْتَمَلَتْ دَعْوَى عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى أَنْوَاعٍ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. أُجِيبَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا يَمِينًا نُظِرَ، إنْ فَرَّقَهَا فِي الدَّعْوَى أُجِيبَ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَلَوْ) (قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الَّذِي طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ (قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً) عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفِي ثَانِيًا (فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي) قَبْلَ ذَلِكَ (مُكِّنَ) مِنْ تَحْلِيفِهِ الْمُدَّعِيَ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّهُ مَا حَلَّفَهُ، وَهَكَذَا فَيَدُورُ الْأَمْرُ وَلَا يَنْفَصِلُ، وَأُجِيبَ بِعَدَمِ سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَخَلَّصَ مِنْ الْخُصُومَةِ، فَلَوْ قَصَدَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الْأَصْلِ لَا يَمِينَ التَّحْلِيفِ الْمَرْدُودَةَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُمَا الْآنَ فِي دَعْوَى أُخْرَى. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ: حَلَّفَنِي عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَطْلَقَ. فَإِنْ قَالَ: حَلَّفَنِي عِنْدَكَ، فَإِنْ حَفِظَ الْقَاضِي ذَلِكَ لَمْ يُحَلِّفْهُ وَمَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ طَلَبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ حَلَّفَهُ وَلَا يَنْفَعُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى تَذَكَّرَ حُكْمَهُ أَمْضَاهُ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتَمِدُ غَيْرَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَسْتَفْسِرُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُحَلِّفُهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ كَتَحْلِيفِ الْقَاضِي، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ خَصْمُهُ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ النُّكُولِ وَحُكْمِهِ فَقَالَ (وَإِذَا) (نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ يَمِينٍ طُلِبَتْ مِنْهُ (حَلَفَ الْمُدَّعِي) الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ إلَيْهِ (وَقَضَى لَهُ) بِمُدَّعَاهُ (وَلَا يَقْضِي بِنُكُولِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} [المائدة: 108] أَيْ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَيْمَانِ الْوَاجِبَةِ، فَدَلَّ عَلَى نَقْلِ الْأَيْمَانِ مِنْ جِهَةٍ إلَى جِهَةٍ، الْمَعْنَى أَنَّ النُّكُولَ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزًا عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَلَا يَقْضِي مَعَ التَّرَدُّدِ. فُرُوعٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ، لَهُ تَوَقُّفُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْحَلِفِ، لَكِنَّ الْأَرْجَحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمُ التَّوَقُّفِ. (وَالنُّكُولُ) لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ نَكَلَ عَنْ الْعَدُوِّ وَعَنْ الْيَمِينِ جُبْنٌ. وَشَرْعًا (أَنْ يَقُولَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَيْهِ (أَنَا نَاكِلٌ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 423 أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ لَا أَحْلِفُ، فَإِنْ سَكَتَ حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ، وَقَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكِمَ بِنُكُولِهِ. وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ، وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ تُسْمَعْ.   [مغني المحتاج] عَنْهَا (أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ: لَا أَحْلِفُ) لِصَرَاحَتِهِمَا فِي الِامْتِنَاعِ فَيَرُدُّ الْيَمِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِالنُّكُولِ. تَنْبِيهٌ أُورِدَ عَلَى حَصْرِ الْمُصَنِّفِ النُّكُولُ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ: بِالرَّحْمَنِ، فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ نُكُولٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ قُلْ: بِاَللَّهِ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ، أَوْ تَاللَّهِ فَهَلْ هُوَ نُكُولٌ كَالصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا، وَنَسَبَهُ لِلنَّصِّ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ غَلَّظَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ وَامْتَنَعَ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ نُكُولًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ بِذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا فَلَا يَكُونُ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُ نَاكِلًا. وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي التَّغْلِيظِ اللَّفْظِيِّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَاكِلٌ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِهِ فِي الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ لَا اللَّفْظِيِّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ: قُلْ: تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فَقَالَ بِالْمُوَحَّدَةِ. قَالَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَفَّالِ: يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَأَشْهَرُ (فَإِنْ سَكَتَ) بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لَا لِدَهْشَةٍ وَنَحْوِهَا (حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ) كَمَا أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الِابْتِدَاءِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ هُنَا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، يُرَدُّ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي، وَلِلْخَصْمِ الْعَوْدُ إلَى الْحَلِفِ بَعْدَ نُكُولِهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِنُكُولِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَنْزِيلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي وَالْحُكْمُ كَقَوْلِهِ: جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، أَوْ نَكَّلْتُكَ بِالتَّشْدِيدِ، وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْرِضَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا سَكَتَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَا إذَا صَرَّحَ بِالنُّكُولِ، وَيُبَيِّنُ النُّكُولَ لِلْجَاهِلِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنْ نَكَلْت عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْكَ الْحَقَّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَلْقِينِ الدَّعْوَى، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَحَكَمَ بِنُكُولِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ لِتَقْصِيرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ عَنْ حُكْمِ النُّكُولِ (وَقَوْلُهُ) أَيْ الْقَاضِي فِي صُورَةِ السُّكُوتِ (لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. (وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) بِرَدِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْقَاضِي (فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ) يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي (وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِنُكُولِهِ تَوَصَّلَ لِلْحَقِّ فَأَشْبَهَ إقْرَارَهُ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ (لَمْ تُسْمَعْ) عَلَى الثَّانِي وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِإِقْرَارِهِ وَتُسْمَعُ عَلَى الْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَيْنًا أَوْ دَيْنًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " إبْرَاءٍ " أَنَّ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ فَقَطْ وَأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُسْمَعُ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 424 فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ، وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ أَبَدًا، وَإِنْ اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ لَمْ يُمْهَلْ. وَقِيلَ ثَلَاثَةً، وَلَوْ اُسْتُمْهِلَ فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ. وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ أَوْ ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ.   [مغني المحتاج] الْعَيْنِ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا. (فَإِنْ) (لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي) يَمِينَ الرَّدِّ (وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ) أَيْ لَمْ يُبْدِ عِلَّةً وَلَا عُذْرًا وَلَا طَلَبَ مُهْلَةٍ (سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ) الْمَرْدُودَةِ وَغَيْرِهَا لِإِعْرَاضِهِ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ (وَلَيْسَ لَهُ) فِي هَذَا الْمَجْلِسِ وَلَا غَيْرِهِ (مُطَالَبَةُ خَصْمِهِ) إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً، كَمَا لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) أَوْ سُؤَالِ فَقِيهٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْحَلِفُ أَوْ لَا (أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ) أَوْ بِأَنْ يَتَرَوَّى (أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا إضْرَارٌ بِالْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ بَعْدَهَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ (وَقِيلَ) يُمْهَلُ (أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ فَلَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَشَاءَ كَالْبَيِّنَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ لَا تُسَاعِدُهُ وَلَا تَحْضُرُ وَالْيَمِينُ إلَيْهِ، وَهَلْ هَذَا الْإِمْهَالُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ؟ وَجْهَانِ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ (وَإِنْ) (اُسْتُمْهِلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اُسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ) (لَمْ يُمْهَلْ) إلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ (وَقِيلَ:) يُمْهَلُ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ كَالْمُدَّعِي، وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ عَمَّا لَوْ اُسْتُمْهِلَ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى دَافِعٍ مِنْ أَدَاءً أَوْ إبْرَاءٍ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةً كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ الْبَابِ (وَلَوْ اسْتَمْهَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَيْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ (فِي ابْتِدَاءِ الْجَوَابِ) لِيُرَاجِعَ حِسَابَهُ وَنَحْوَهُ (أُمْهِلَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ شَاءَ الْمُدَّعِي. وَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ تَبَعًا لِلطَّاوُسِيِّ فِي التَّعْلِيقَةِ عَلَى الْحَاوِي وَالْبَارِزِيِّ: إنْ شَاءَ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَهُ التَّرْكُ بِالْكُلِّيَّةِ، ثُمَّ يَحْلِفُ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى، كَمَا لَوْ حَضَرَ مُوَكِّلُ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِلَا تَجْدِيدِ دَعْوَى، وَنُكُولُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ كَنُكُولِهِ عَنْ الْمَرْدُودَةِ، فَإِنْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ فَلَا يَنْفَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسَائِلَ تُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ فَقَالَ: (وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ) فِي مَالٍ نَعَمٍ أَوْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ (فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ) ، (أَوْ) لَمْ يَدَّعِ دَفْعَهَا بَلْ (ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ) بَعْدَ الْتِزَامِهِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ (وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ) بِأَنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَلَا رَدَّ عَلَى السَّاعِي وَالسُّلْطَانِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى مِلْكِ النِّصَابِ وَمُضِيِّ الْحَوْلِ الْوُجُوبُ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ أَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ بِمُقْتَضَى الْأَصْلِ، وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا بِالنُّكُولِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاصِّ الثَّانِي: لَا، إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 425 وَلَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دَيْنًا لَهُ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ لَمْ يُحَلَّفْ الْوَلِيُّ. وَقِيلَ: يُحَلِّفُ. وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ حُلِّفَ.   [مغني المحتاج] فَإِنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَمَنَعْنَا نَقْلَهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّ الْيَمِينِ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُتَقَدِّمُ فِي بَابِ زَكَاةِ النَّبَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ. تَنْبِيهٌ كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لَهُ حُكْمُ الزَّكَاةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ. قَالَ: وَمِنْهُ مَا لَوْ ادَّعَى وَلَدُ الْمُرْتَزِقَةِ الْبُلُوغَ بِالْإِنْزَالِ وَرَامَ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ فَالْأَصَحُّ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُعْطَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَهُوَ قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ حُجَّتَهُ الْيَمِينُ وَلَمْ تُوجَدْ، وَلَوْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مِثَالِ الزَّكَاةِ إلَى مِثَالِ الْجِزْيَةِ، وَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ وَقَالَ الْعَامِلُ: بَعْدَ تَمَامِهَا لَكَانَ التَّفْرِيعُ فِيهِ جَارِيًا عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَحْلِفُ إيجَابًا وَأَنَّهُ إذَا نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْقَاضِي أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَجَدَهُ فِي تَذْكِرَتِهِ، فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يُتْرَكَ؟ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي، وَهَكَذَا فِي الدَّعْوَى لِلْمَسْجِدِ أَوْ فِي وَقْفٍ عَامٍّ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ. ثُمَّ أَشَارَ لِمَا يُسْتَثْنَى مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ (وَلَوْ) (ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ) أَوْ مَجْنُونٍ (دَيْنًا) مَثَلًا (لَهُ) عَلَى إنْسَانٍ (فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (لَمْ يُحَلَّفْ الْوَلِيُّ) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْحَقِّ لِغَيْرِ الْحَالِفِ بَعِيدٌ فَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِمَا جَرَى مَحْضَرًا وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ (وَقِيلَ يُحَلَّفُ) مُطْلَقًا مَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّبِيُّ أَوْ يُفِقْ الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَوْفِي (وَقِيلَ: إنْ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ) أَيْ ادَّعَى ثُبُوتَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ (حُلِّفَ) ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ اهـ. وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِهِ، وَهِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ هُنَاكَ فَلْيُرَاجَعْ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَقَامَ الْوَلِيُّ شَاهِدًا هَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَفِيمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الصَّبِيِّ فَأَنْكَرَ وَفِي قَيِّمِ مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ ادَّعَى شَيْئًا فَأَنْكَرَ الْخَصْمُ وَنَكَلَ، وَلَوْ أَقَرَّ الْقَيِّمُ بِمَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ انْعَزَلْ وَأَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْقَيِّمَ قَبَضَهُ فَأَنْكَرَ حَلَفَ. تَتِمَّةٌ يَحْلِفُ السَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ لَهُ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ وَيَقُولُ لَهُ: وَيَلْزَمُك التَّسْلِيمُ إلَى وَلِيٍّ وَلَا يَقُلْ إلَيَّ، بِخِلَافِ وَلِيِّهِ فِي دَعْوَاهُ عَنْهُ، وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهَا بِالْمَالِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ، وَالتَّجْوِيزُ مِنْ قَوْلِ الْبُوَيْطِيِّ لَا الشَّافِعِيِّ، وَنُقِلَ الْمَنْعُ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 426 [فَصْلٌ] ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدٍ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتَا، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ، فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ، وَقَوْلٍ يُقْرَعُ، وَقَوْلٍ تُوقَفُ حَتَّى يَبِينَ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ،   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ] ِ: إذَا (ادَّعَيَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَيْنًا) وَهِيَ (فِي يَدٍ ثَالِثٍ) وَهُوَ مُنْكِرٌ لَهَا (وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً) بِهِمَا مُطْلَقَتَيْ التَّارِيخِ، أَوْ مُتَّفِقَتَيْهِ، أَوْ إحْدَاهُمَا مُطْلَقَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَرَّخَةٌ (سَقَطَتَا) لِتَنَاقُصِ مُوجِبَيْهِمَا فَأَشْبَهَ الدَّلِيلَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَلَا مُرَجِّحَ، فَعَلَى هَذَا كَأَنْ لَا بَيِّنَةَ وَيُصَارُ إلَى التَّحَالُفِ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا، فَإِنْ رَضِيَا بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِجَزْمِ الْإِمَامِ بِالْجَوَازِ وَإِنْ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ (وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوَّلَهُ: أَيْ الْبَيِّنَتَانِ صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَعَلَى هَذَا تُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ مَا يُفْعَلُ بِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَقْوَالُ الْآتِيَةُ (فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ) بَيْنَهُمَا: أَيْ يَكُونُ لِكُلٍّ نِصْفُهَا (وَ) فِي (قَوْلٍ يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا وَنُرَجِّحُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ (وَ) فِي (قَوْلٍ تُوقَفُ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا (حَتَّى يَبِينَ) الْأَمْرُ فِيهَا (أَوْ يَصْطَلِحَا) عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَشْكَلَ الْحَالُ فِيمَا يُرْجَى انْكِشَافُهُ فَيُوقَفُ كَمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ يُوقَفُ الْمِيرَاثُ وَلَمْ يُرَجِّحْ الْمُصَنِّفُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِتَفْرِيعِهَا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ، وَلَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْجُمْهُورِ تَرْجِيحُ الْوَقْفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي أَوَائِلِ التَّحَالُفِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ، قَدْ يَخْرُجُ بِهِ تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي النَّسَبِ، فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ لَا تَجِيءُ الْقِسْمَةُ وَلَا الْوَقْفُ وَكَذَا الْقُرْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، قِيلَ: وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ تَسْقُطُ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ إلَّا هَذَا (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ الْعَيْنُ الَّتِي ادَّعَاهَا اثْنَانِ (فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) (بَقِيَتْ) فِي يَدِهِمَا (كَمَا كَانَتْ) أَوَّلًا تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ التَّسَاقُطُ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهَا مِنْ الْآخَرِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْقِسْمَةِ وَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ، وَفِي الْقُرْعَةِ وَجْهَانِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ أَنْ تَشْهَدَ كُلُّ بَيِّنَةٍ بِجَمِيعِ الْعَيْنِ. فَأَمَّا إذَا شَهِدَ بِالنِّصْفِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَالْبَيِّنَتَانِ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحِلٍّ وَاحِدٍ، فَلَا تَجِيءُ أَقْوَالُ التَّعَارُضِ، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ كَمَا كَانَ لَا بِجِهَةِ التَّسَاقُطِ وَلَا بِجِهَةِ التَّرْجِيحِ بِالْيَدِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ السَّابِقُ مِنْهُمَا إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا لِلنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِهِ لِيَقَعَ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَحَيْثُ لَا بَيِّنَةَ تَبْقَى فِي يَدِهِمَا أَيْضًا سَوَاءٌ أَحَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَمْ نَكَلَ، وَلَوْ أَثْبَتَ أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ بِجَمِيعِهَا سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 427 وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةً وَهُوَ بَيِّنَةً قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ، وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ، وَقِيلَ: لَا وَلَوْ قَالَ الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك، فَقَالَ بَلْ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ الْخَارِجُ.   [مغني المحتاج] بِجَمِيعِهَا أَمْ بِالنِّصْفِ الَّذِي بِيَدِ الْآخَرِ، وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ نَكَلَ صَاحِبُهُ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ الْأَوَّلُ كَفَى الْآخَرَ يَمِينٌ لِلنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِعَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ مُلْقًى فِي طَرِيقٍ وَادَّعَيَاهَا، وَحُكْمُهَا أَنَّهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِمَا (وَلَوْ كَانَتْ) تِلْكَ الْعَيْنُ (بِيَدِهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا وَيُسَمَّى الدَّاخِلُ (فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةً وَ) أَقَامَ (هُوَ) بِهَا (بَيِّنَةً) (قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ) أَيْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَتُهُ بِيَدِهِ كَالْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا قِيَاسٌ، فَيَقْضِي لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ شَاهِدَيْنِ. تَنْبِيهٌ اقْتَضَى إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةِ صَاحِبِ الْيَدِ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَإِرْثٍ كَبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَاهُ فِيمَا إذَا ادَّعَيَا لَقِيطًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ صَاحِبُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا (وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ الدَّاخِلِ (إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) وَهُوَ الْخَارِجُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ إقَامَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً. تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ تُسْمَعُ مَعَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ تُعَدَّلْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِتَعَرُّضِ يَدِهِ لِلزَّوَالِ (وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ) أَيْ الدَّاخِلِ عَنْ الْعَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ (بِبَيِّنَةٍ) أَقَامَهَا الْخَارِجُ وَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي بِهَا (ثُمَّ أَقَامَ) الدَّاخِلُ (بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ) لِلْعَيْنِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِهِ (مُسْتَنِدًا) فِي الْغَايَةِ (إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ) مَعَ اسْتِدَامَتِهِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى (وَاعْتَذَرَ) عَنْ ذَلِكَ (بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ) مَثَلًا (سُمِعَتْ) بَيِّنَتُهُ (وَقُدِّمَتْ) عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ حُكِمَ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَسْتَنِدْ بَيِّنَتُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ بِمَا ذُكِرَ أَوْ نَحْوِهِ، فَلَا تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُدَّعٍ خَارِجٌ (وَقِيلَ: لَا) تُسْمَعُ فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، وَنَقَلَ عَنْهُ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ قَالَ: أَشْكَلَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لِمَا فِيهَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ وَتَرَدَّدَ فِيهَا جَوَابِي، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ (وَلَوْ) أَطْلَقَ الدَّاخِلُ دَعْوَى الْمِلْكِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَ (قَالَ) أَيْ قَيَّدَ (الْخَارِجُ) الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ (هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك، فَقَالَ) الدَّاخِلُ (بَلْ) هُوَ (مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) بِذَلِكَ (قُدِّمَ الْخَارِجُ) أَيْ بَيِّنَتُهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِالِانْتِقَالِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ الدَّاخِلُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ أَوْ أَجَّرَهُ لَهُ وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَكْسُ الْمَتْنِ، وَهُوَ لَوْ قَالَ الدَّاخِلُ: هُوَ مِلْكِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 428 وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا، وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ الِانْتِقَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا لَا تُرَجِّحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ،   [مغني المحتاج] اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً قُدِّمَ الدَّاخِلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْخَارِجُ هُوَ مِلْكِي وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي، وَقَالَ الدَّاخِلُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْ أَبِيكَ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَخَفِيَ التَّارِيخُ قُدِّمَ الدَّاخِلُ، وَلَوْ تَدَاعَيَا بَعِيرًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ مَتَاعٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ بِيَمِينِهِ لِانْفِرَادِهِ بِالِانْتِفَاعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَاعَيَا عَبْدًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ثَوْبٌ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ حَمْلِهِ عَلَى الْبَعِيرِ انْتِفَاعٌ بِهِ قَيَّدَهُ عَلَيْهِ، وَالْمَنْفَعَةُ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ لِلْعَبْدِ لَا لِصَاحِبِ الثَّوْبِ فَلَا يَدَ لَهُ، وَلَوْ تَدَاعَيَا جَارِيَةً حَامِلًا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لِأَحَدِهِمَا. قَالَ الْبَغَوِيّ: فَهِيَ لِصَاحِبِ الْحَمْلِ. (وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (ثُمَّ ادَّعَاهُ) لِنَفْسِهِ (لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهُ بِهِ (إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا) مِنْ الْمُقِرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ أَمْسِ بِشَيْءٍ يُطَالِبُ بِهِ الْيَوْمَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقْرَارِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُسْتَصْحَبُ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الِانْتِقَالُ، وَهَلْ يَكْفِي فِي دَعْوَى الِانْتِقَالِ أَنْ يَقُولَ: انْتَقَلَ إلَيَّ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؟ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ لِلْقَاضِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَخْبَارِ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: وَهَبْتُهُ لَهُ وَمِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِلُزُومِ الْهِبَةِ لِجَوَازِ اعْتِقَادِهِ لُزُومَهَا بِالْعَقْدِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَقْفٌ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ (وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ) قَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) (لَمْ يُشْتَرَطْ) فِي دَعْوَاهُ (ذِكْرُ الِانْتِقَالِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ فَتُرَجَّحُ بِالْيَدِ السَّابِقَةِ كَمَا مَرَّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ صُوَرِ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ إلَخْ، فَلَوْ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا كَانَ أَوْلَى. وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كَالْإِقْرَارِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمُقِرَّ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ إلَّا عَلَى التَّلَقِّي فِي الْحَالِ فَلَمْ يَتَسَلَّطْ أَثَرُهَا عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْمِلْكِ وَأُطْلِقَتْ. أَمَّا لَوْ أَضَافَتْ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مَقْبُوضَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْإِقْرَارِ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَزِيَادَةَ وَصْفِهِمْ مِنْ وَرَعٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا تُرَجِّحُ) بَيِّنَتَهُ، بَلْ يَتَعَارَضَانِ لِكَمَالِ الْحُجَّةِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقِ تَرْجِيحٍ كَالرِّوَايَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلشَّهَادَةِ نِصَابًا فَيُتَّبَعُ، وَلَا ضَبْطَ فِي الرِّوَايَةِ فَيُعْمَلُ بِأَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ (وَكَذَا لَوْ) (كَانَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ بَيِّنَةٌ هِيَ (رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ) بَيِّنَةٌ هِيَ (رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لَا يُرَجَّحُ الرَّجُلَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يُرَجَّحَانِ لِزِيَادَةِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِمَا، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ بِهِمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 429 فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ، وَلِلْآخَرِ مِنْ أَكْثَرَ، فَالْأَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ، وَلِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَلَوْ أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ وَأَرَّخَتْ أُخْرَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ،   [مغني المحتاج] مَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ بِإِجْمَاعٍ، وَفِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ خِلَافٌ. وَالثَّانِي: يَتَعَادَلَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ فِي الْمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يَدٌ، فَإِنْ كَانَ قُدِّمَ صَاحِبُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عَلَى الْأَصَحِّ لِلِاعْتِضَادِ بِالْيَدِ الْمَحْسُوسَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي تَرْجِيحِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ. (وَلَوْ) (شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ) فِي عَيْنٍ (مِنْ سَنَةٍ) إلَى الْآنَ (وَ) بَيِّنَةٌ (لِلْآخَرِ) بِمِلْكٍ (مِنْ أَكْثَرَ) مِنْ سَنَةٍ إلَى الْآنَ كَسَنَتَيْنِ (فَالْأَظْهَرُ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْمَذْهَبِ (تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ) ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي وَقْتٍ لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى وَفِي وَقْتٍ تُعَارِضُهَا فِيهِ الْأُخْرَى فَيَتَسَاقَطَانِ فِي مَحِلِّ التَّعَارُضِ، وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِيمَا قَبْلَ مَحِلِّ التَّعَارُضِ، وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ. وَالثَّانِي: لَا تَرْجِيحَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الشَّهَادَةِ الْمِلْكُ فِي الْحَالِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِيهِ. تَنْبِيهٌ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدٍ مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ رُجِّحَ قَطْعًا أَوْ فِي يَدٍ مُتَأَخِّرَةَ التَّارِيخِ فَسَيَأْتِي، وَصَوَّرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا شَهِدَا مَعَ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ، وَلِهَذَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ لَا تُسْمَعُ فَضْلًا عَنْ أَنْ تُرَجَّحَ (وَ) عَلَى تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ (لِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ) أَيْ يَوْمِ مِلْكِهِ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأُجْرَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَيْعِ وَالصَّدَاقِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَلَوْ أَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا الْمِلْكَ وَبَيَّنَتْ الْأُخْرَى سَبَبَهُ، أَوْ أَنَّ الثَّمَرَةَ مِنْ شَجَرَةٍ، أَوْ الْحِنْطَةَ مِنْ بَذْرِهِ قُدِّمَتْ عَلَى الْمُطْلَقَةِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَلِإِثْبَاتِهَا ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ لِصَاحِبِهَا. وَمَحِلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ يَدٍ وَإِلَّا فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ. (وَلَوْ) (أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ) شَهَادَتَهَا مِنْ تَارِيخٍ (وَأَرَّخَتْ) أَيْ قَيَّدَتْ (أُخْرَى) شَهَادَتَهَا مِمَّا أُرِّخَتْ بِهِ الْمُوَرَّخَةُ. وَقِيلَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تُقَدَّمُ الْمُؤَرَّخَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ. قَالَ: الْأَوَّلُ، لَكِنَّهَا لَا تَنْفِيهِ، وَفِي الشَّرْحِ حِكَايَةُ طَرِيقَيْنِ طَارِدٌ لِلْقَوْلَيْنِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَقَاطِعٌ بِالتَّسْوِيَةِ، وَكَيْفَ فُرِضَ؟ فَالظَّاهِرُ التَّسْوِيَةُ اهـ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْحَقِّ وَالْأُخْرَى بِالْإِبْرَاءِ وَأَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ كَمَا قَالَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 430 وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَ، وَأَنَّهَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يَقُولُوا وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ أَوْ وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ. وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ اسْتِصْحَابًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ   [مغني المحتاج] الْوُجُوبِ (وَ) الْمَذْهَبُ كَمَا يُشْعِرُ كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّهُ لَوْ) (كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَ) عَلَى صَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ لِتَسَاوِي الْبَيِّنَتَيْنِ فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ حَالًّا فَتَتَسَاقَطَانِ فِيهِ وَيَبْقَى مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْيَدُ وَمِنْ الْأُخْرَى الْمِلْكُ السَّابِقُ، وَالْيَدُ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَلِهَذَا لَا تُزَالُ بِهِ الْيَدُ. وَالثَّانِي: يُرَجَّحُ السَّبْقُ. وَالثَّالِثُ: يَتَسَاقَطَانِ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ، وَبِهِ يَتِمُّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ؛ فَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَذْهَبِ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَدُ لِصَاحِبِ مُتَقَدِّمَةِ التَّارِيخِ قُدِّمَ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَتْ مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ شَاهِدَةً بِوَقْفٍ وَالْمُتَأَخِّرَةُ الَّتِي مَعَهَا يَدٌ شَاهِدَةً بِمِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ، وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْيَدَ عَادِيَةٌ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِهَا عَلَى بَيْعٍ صَدَرَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَوْ بَعْضِهِمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ، فَهُنَاكَ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِالْوَقْفِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ، وَيُشْتَرَطُ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةٍ بِمِلْكٍ سَابِقٍ أَنْ تَسْتَصْحِبَهُ إلَى الْحَالِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (وَ) الْمَذْهَبُ (أَنَّهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ) بِكَسْرِ السِّينِ، أَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِ الشَّهْرِ الْمَاضِي مَثَلًا (وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ) تِلْكَ الشَّهَادَةُ (حَتَّى يَقُولُوا) مَعَ ذَلِكَ (وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ، أَوْ) يَقُولُوا (وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ) أَيْ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ السَّابِقِ لَا تُسْمَعُ فَكَذَا الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّهَا شَهِدَتْ لَهُ بِمَا لَمْ يَدَّعِهِ، وَفِي قَوْلٍ تُسْمَعُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ أَمْسِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ السَّمَاعِ مَسَائِلُ: الْأُولَى: مَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ شَخْصٍ بِيَدِهِ وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ وَذِكْرُ الْمِلْكِ السَّابِقِ وَقَعَ تَبَعًا. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْمَمْلُوكَ وَضَعَتْهُ أَمَتُهُ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ أَثْمَرَتْهَا نَخْلَتُهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِلْكِ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي الْحَالِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هُوَ كَالْبَيِّنَةِ بِالْمِلْكِ. الثَّالِثَةُ: إذَا شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ أَيْضًا وَذَكَرَ مَعَهُ مَا إذَا شَهِدَتْ أَنَّ هَذَا الطَّيْرَ مِنْ بَيْضِهِ وَالْآجُرَّ مِنْ طِينِهِ. الرَّابِعَةُ: إذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ وَرِثَهَا. قَالَ الْعِمْرَانِيُّ: حُكِمَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَذَكَرَ أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَالْمُزَنِيَّ نَقَلَا ذَلِكَ. الْخَامِسَةُ: إذَا شَهِدَتْ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَمْسِ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ قُبِلَتْ. السَّادِسَةُ: لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ اشْتَرَاهَا الْمُدَّعِي مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَقُولُوا وَهِيَ الْآنَ مِلْكُ الْمُدَّعِي قُبِلَتْ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ بِمِلْكٍ أَصْلًا بَلْ شَهِدَتْ عَلَى حَاكِمٍ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ الْمِلْكُ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: كَعَادَةِ الْمَكَاتِيبِ فِي هَذَا الزَّمَانِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَيُحْتَمَلُ التَّوَقُّفُ. (وَتَجُوزُ) (الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ) (اسْتِصْحَابًا لِمَا) أَيْ لِحُكْمٍ (سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 431 وَغَيْرِهِمَا. وَلَوْ شَهِدَتْ بِإِقْرَارِهِ أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ اُسْتُدِيمَ. وَلَوْ أَقَامَهَا بِالْمِلْكِ دَابَّةً أَوْ شَجَرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً، وَلَا وَلَدًا مُنْفَصِلًا وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ اشْتَرَى   [مغني المحتاج] وَغَيْرِهِمَا) اعْتِمَادًا عَلَى الِاسْتِصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ وَجَازَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ جَازَ زَوَالُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَمِدْ الِاسْتِصْحَابَ لَعَسِرَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَمْلَاكِ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَنُ، هَذَا إذَا أَطْلَقَ الشَّهَادَةَ، فَإِنْ صَرَّحَ فِي شَهَادَتِهِ بِاعْتِمَادِ الِاسْتِصْحَابِ لَمْ يُقْبَلْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يُقْبَلُ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِذِكْرِ الِاسْتِصْحَابِ تَرَدُّدٌ، أَيْ وَكَلَامُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِهِ، فَإِنْ قَالَا: لَا نَدْرِي هَلْ زَالَ أَوْ لَا؟ لَمْ تُقْبَلْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا صِيغَةُ مُرْتَابٍ بَعِيدَةٌ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. (وَلَوْ) (شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَمْسِ بِالْمِلْكِ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (اُسْتُدِيمَ) الْإِقْرَارُ أَيْ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى أَمْرٍ يَقِينِيٍّ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْخَصْمُ: كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ مِلْكَكَ أَمْسِ وَأَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ فَتُنْزَعُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَمْسِ وَفَارَقَتْ مَا لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ أَمْسِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ، وَالشَّاهِدُ بِالْمِلْكِ قَدْ يَتَسَاهَلُ وَيَعْتَمِدُ التَّخْمِينَ، فَإِذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْجَزْمُ فِي الْحَالِ ضَعُفَ. تَنْبِيهٌ الْأَصْلُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي الْمُطْلَقَةَ لَا تُوجِبُ قَبُولَ الْمِلْكِ لَهُ بَلْ تُظْهِرُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِلْكُهُ سَابِقًا عَلَى إقَامَتِهَا، وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ السَّبْقُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ يَكْفِي لِصِدْقِ الشُّهُودِ لَحْظَةً لَطِيفَةً؛ لِأَنَّ هَذَا تَقَدُّمٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الثَّمَرَةَ وَالنِّتَاجَ الْحَاصِلَيْنِ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ كَمَا قَالَ. (وَلَوْ) (أَقَامَهَا بِالْمِلْكِ دَابَّةً أَوْ شَجَرَةً) (لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً، وَلَا) يَسْتَحِقُّ (وَلَدًا مُنْفَصِلًا) عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْمَسْبُوقَةِ بِالْمِلْكِ، بَلْ يَبْقَيَانِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وَالْوَلَدَ لَيْسَا مِنْ أَجْزَاءِ الدَّابَّةِ وَالشَّجَرَةِ، وَلِذَلِكَ لَا يَتْبَعَانِهِمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ. تَنْبِيهٌ قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّمَرَةَ الْمَوْجُودَةَ بِأَنْ لَا تَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ لِكَوْنِهَا مُؤَبَّرَةً فِي ثَمَرِ النَّخْلِ، أَوْ بَارِزَةً فِي التِّينِ وَالْعِنَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرَةِ اسْتَحَقَّهَا مُقِيمُ الْبَيِّنَةِ بِمِلْكِ الشَّجَرَةِ. قَالَ: وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ، وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ، وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالظَّاهِرِ (وَيَسْتَحِقُّ حَمْلًا) مَوْجُودًا عِنْدَ الشَّهَادَةِ (فِي الْأَصَحِّ) تَبَعًا لِلْأُمِّ وَإِنْ لَمْ تَتَعَرَّضْ لَهُ الْبَيِّنَةُ. وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ بِوَصِيَّةٍ. تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَيِّنَةٍ مُطْلَقَةٍ، فَإِنْ تَعَرَّضَتْ لِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ ادَّعَاهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، فَمَا يَحْصُلُ مِنْ النِّتَاجِ وَالثَّمَرَةِ لَهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى وَقْتِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِ جِدَارٍ أَوْ شَجَرَةٍ كَانَتْ شَهَادَةً بِالْأُسِّ لَا الْمَغْرَسِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ. (وَلَوْ) (اشْتَرَى) شَخْصٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 432 شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَقِيلَ لَا إلَّا إذَا اُدُّعِيَ فِي مِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى الشِّرَاءِ. وَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ مَعَ سَبَبِهِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا، وَهُمْ سَبَبًا آخَرَ ضَرَّ.   [مغني المحتاج] (شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُؤَرَّخَةٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لِسَبَبِ الْمِلْكِ (رَجَعَ) الشَّخْصُ (عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ) وَإِنْ اُحْتُمِلَ انْتِقَالُهُ مِنْهُ أَيْ الْمُدَّعِي لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي عُهْدَةِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْتِقَالِهِ مِنْهُ إلَيْهِ فَيَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الْمَشْهُودُ بِهِ إلَى مَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا حُكِمَ بِبَقَاءِ الزَّوَائِدِ الْمُنْفَصِلَةِ لِلْمُدَّعِي كَمَا تَقَرَّرَ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَصْلِ (وَقِيلَ: لَا) يَرْجِعُ (إلَّا إذَا اُدُّعِيَ) بِضَمِّ الدَّالِ بِخَطِّهِ (فِي مِلْكٍ سَابِقٍ عَلَى الشِّرَاءِ) لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُدَّعِي، وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ الصَّوَابُ وَالْمَذْهَبُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَحَكَى الْقَاضِي الْحُسَيْنُ الْأَوَّلَ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَيْنِ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ جَامِعَةٌ لِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ النِّتَاجَ وَالثَّمَرَةَ وَالزَّوَائِدَ الْمُنْفَصِلَةَ كُلَّهَا، وَهُوَ قَضِيَّةُ صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ فَسَادِ الْبَيْعِ، وَهَذَا مُحَالٌ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَرَّرَ. تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: " مُطْلَقَةٍ " عَمَّا لَوْ اسْتَنَدَ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ فَيَرْجِعُ قَطْعًا، وَمَحِلُّ الرُّجُوعِ مَا لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِنْ صَدَّقَهُ أَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لَمْ يَرْجِعْ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَظْلُومٌ. نَعَمْ لَوْ صَدَّقَهُ. أَوْ قَالَ: هُوَ مِلْكِي عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ وَاعْتُمِدَ ظَاهِرُ الْيَدِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً بِعْنِي هَذِهِ الدَّارَ فَإِنَّهَا مِلْكُكَ. ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فِي الظَّاهِرِ. فَقَالَ: أَنَا حُرُّ الْأَصْلِ وَحَلَفَ فَحُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ وَكَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ صَرَّحَ فِي مُنَازَعَتِهِ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ فَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَلَى بَائِعِهِ عَمَّا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَانْتُزِعَ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِبَائِعِهِ، بَلْ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى بَائِعِهِ. (وَلَوْ) (ادَّعَى) شَخْصٌ (مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ) بِهِ (مَعَ) بَيَانِ (سَبَبِهِ) (لَمْ يَضُرَّ) مَا زَادُوهُ أَيْ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَابِعٌ لِلْمِلْكِ، وَلَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمِلْكُ، وَقَدْ وَافَقَتْ فِيهِ الْبَيِّنَةُ الدَّعْوَى. تَنْبِيهٌ لَا تُقَدَّمُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ السَّبَبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذِكْرَ السَّبَبِ مُرَجَّحٌ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا السَّبَبَ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ وَالِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَفَادَ الْمُدَّعِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ فَشَهِدُوا لَهُ بِذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ حِينَئِذٍ (وَإِنْ ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (سَبَبًا) لِلْمِلْكِ (وَهُمْ) أَيْ الشُّهُودُ ذَكَرُوا (سَبَبًا آخَرَ) لِلْمِلْكِ (ضَرَّ) ذَلِكَ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ بَلْ يُقْبَلُ عَلَى أَصْلِ الْمِلْكِ وَيَلْغُو السَّبَبُ وَهُوَ نَظِيرُ الْمُرَجَّحِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 433 فصل قَالَ آجَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ بِعَشْرَةٍ، فَقَالَ بَلْ جَمِيعَ الدَّارِ بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، وَفِي قَوْلٍ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ. وَلَوْ ادَّعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَوَزَنَ لَهُ ثَمَنَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ] ِ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: إذَا (قَالَ) وَاحِدٌ (آجَرْتُك هَذَا الْبَيْتَ) مِنْ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرَ كَذَا (بِعَشْرَةٍ فَقَالَ) الْآخَرُ (بَلْ) آجَرْتنِي (جَمِيعَ الدَّارِ) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ (بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا) بِمَا قَالَاهُ (بَيِّنَتَيْنِ) وَأُطْلِقَتَا أَوْ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ (تَعَارَضَتَا) لِتَكَاذُبِهِمَا فَيَسْقُطَانِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاسْتِعْمَالِ يُقْرَعُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا تَأْتِي الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ هُنَا فِي الْعَقْدِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَسَّمَ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، وَلَا الْوَقْفِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ بِمَنْصُوصٍ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ مُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ (تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ) لِاشْتِمَالِ بَيِّنَتِهِ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ اكْتِرَاءُ غَيْرِ الْبَيْتِ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُرَجَّحَةَ هِيَ الْمُشْعِرَةُ بِمَزِيدِ عِلْمٍ وَوُضُوحِ حَالِ أَحَدِ جَانِبَيْ مَا فِيهِ التَّنَافِي كَإِسْنَادٍ إلَى سَبَبٍ وَانْتِقَالٍ عَنْ اسْتِصْحَابٍ، وَأَصْلُ الزِّيَادَةِ هُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَةٌ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ كَأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ أَجَّرَ كَذَا سَنَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَالْأُخْرَى مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ، قُدِّمَ الْأَسْبَقُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ مِنْ الْعَقْدَيْنِ صَحِيحٌ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّهُ إنْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَى الدَّارِ صَحَّ وَلَغَا الْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الْبَيْتِ بَعْدُ، وَإِنْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَى الْبَيْتِ صَحَّ، وَالْعَقْدُ الْوَارِدُ عَلَى الدَّارِ بَعْدَهُ يَبْطُلُ فِي الْبَيْتِ، وَفِي بَاقِي الدَّارِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَلَوْ) (ادَّعَيَا) أَيْ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ (شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ) أَنْكَرَهُمَا (وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ) مِنْ ذَلِكَ الثَّالِثِ (وَوَزَنَ) بِفَتْحِ الزَّايِ (لَهُ ثَمَنَهُ) وَطَالَبَ بِتَسْلِيمِ مَا اشْتَرَاهُ ذَا الْيَدِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ) كَأَنْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي رَجَبٍ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي شَعْبَانَ (حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ) تَارِيخًا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ حَالَ السَّبْقِ وَيُطَالِبُهُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ. تَنْبِيهٌ وَزَنَ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِنَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ (وَإِلَّا) بِأَنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا (تَعَارَضَتَا) فَعَلَى الْأَصَحِّ يَتَسَاقَطَانِ وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا تَعَارُضَ فِي الثَّمَنَيْنِ فَيَلْزَمَانِهِ، هَذَا إذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ لِقَبْضِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ فُرِضَ التَّعَرُّضُ لَهُ فَلَا رُجُوعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ عُهْدَةُ مَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ، وَمَنْ شَهِدَ لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي الْآنَ أَوْ بِنَقْدِ الثَّمَنِ دُونَ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ شَهَادَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى سَابِقَةً؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 434 وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَأَقَامَاهُمَا، فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: مَاتَ عَلَى دِينِي، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ قُدِّمَ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ قَيَّدَتْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى تَعَارَضَتَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ تَعَارَضَتَا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ مَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَتْنِ حَيْثُ لَمْ يُصَدِّقْ الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ سُقُوطُ الْبَيِّنَتَيْنِ يُسَلَّمُ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْمُصَدَّقِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِي قَوْلِهِ. (وَلَوْ) (قَالَ: كُلٌّ مِنْهُمَا:) أَيْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِثَالِثٍ (بِعْتُكَهُ) أَيْ الثَّوْبَ مَثَلًا (بِكَذَا) وَهُوَ مِلْكِي (وَأَقَامَاهُمَا) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَهُ وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ (فَإِنْ) لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ كَأَنْ (اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا) لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ مِلْكًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِهَذَا وَحْدَهُ وَلِذَاكَ وَحْدَهُ وَسَقَطَتَا عَلَى الْأَصَحِّ فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا (وَإِنْ اخْتَلَفَ) تَارِيخُهُمَا وَمَضَى مِنْ الزَّمَنِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الثَّانِي ثُمَّ الْعَقْدُ الثَّانِي (لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي التَّارِيخِ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَاعَهُ وَاشْتَرَاهُ مِنْ الْآخَرِ فِي التَّارِيخِ الثَّانِي. أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ فَلَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ لِلتَّعَارُضِ (وَكَذَا إنْ أُطْلِقَتَا، أَوْ) أُطْلِقَتْ (إحْدَاهُمَا) وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُ أَيْضًا الثَّمَنَانِ (فِي الْأَصَحِّ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا فِي زَمَانَيْنِ. وَالثَّانِي يَقُولُ بِتَعَارُضِهِمَا كَمُتَّحِدَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِيَقِينٍ. (وَلَوْ) (مَاتَ) رَجُلٌ (عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَاتَ عَلَى دِينِي) فَأَرِثُهُ وَلَا بَيِّنَةَ (فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِهِ وَالْمُسْلِمُ يَدَّعِي انْتِقَالَهُ عَنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ) بِمَا قَالَاهُ فَلَا تَعَارُضَ، وَ (قُدِّمَ الْمُسْلِمُ) أَيْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ انْتِقَالُهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَالْأُخْرَى اسْتَصْحَبَتْ الْأَصْلَ، وَالنَّاقِلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَصْحِبَةِ، وَهَذَا أَصْلٌ يُسْتَعْمَلُ فِي تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ، كَمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ (وَإِنْ قَيَّدَتْ) بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ (أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى) وَهِيَ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ بِأَنْ قَيَّدَتْ بِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ النَّصْرَانِيَّةُ (تَعَارَضَتَا) لِتَنَاقُضِهِمَا، إذْ يَسْتَحِيلُ مَوْتُهُ عَلَيْهِمَا فَتَسْقُطَانِ وَكَأَنْ لَا بَيِّنَةَ فَيُصَدَّقُ النَّصْرَانِيُّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ كُفْرِ الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ قَيَّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ، وَيُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ بَيَانُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّنَصُّرُ كَثَالِثِ ثَلَاثَةٍ، وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ بَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ وَجْهَانِ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ إيرَادِ الْبَنْدَنِيجِيِّ الْمَنْعَ. ثُمَّ قَالَ: وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الِاشْتِرَاطَ سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْقَاضِي فِيمَا يُسْلِمُ بِهِ الْكَافِرُ (وَإِنْ) (لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ) . أَيْ الْمَيِّتِ (وَأَقَامَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ) (تَعَارَضَتَا) فَكَأَنْ لَا بَيِّنَةَ، وَسَوَاءٌ أَطْلَقَتَا أَمْ قَيَّدَتَا بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ أَمْ قَيَّدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَيُنْظَرُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 435 وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ الْمُسْلِمُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَاهُمَا قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ. فَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيِّنَتِهِ. وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ كُلٌّ مَاتَ عَلَى دِينِنَا صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ، وَفِي قَوْلٍ   [مغني المحتاج] إنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا أَثَرَ لِلْيَدِ بَعْدَ اعْتِرَافِ صَاحِبِ الْيَدِ بِأَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ يَأْخُذُهُ إرْثًا. تَنْبِيهٌ هَذَا التَّعَارُضُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِرْثِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّفْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُصَلِّي: أُصَلِّي عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَى الْكُفَّارِ. (وَلَوْ) (مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ) أَنَا (أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمِيرَاثُ) مُشْتَرَكٌ (بَيْنَنَا، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: بَلْ) أَسْلَمْت (قَبْلَهُ) فَلَا مِيرَاثَ لَك بَلْ هُوَ لِي (صُدِّقَ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُهُ عَلَى دِينِهِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ مَوْتِ الْأَبِ أَمْ أَطْلَقَا (وَإِنْ أَقَامَاهُمَا) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَاهُ (قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ) أَيْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلَةٌ وَبَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ مُسْتَصْحِبَةٌ لِدِينِهِ، فَمَعَ الْأُولَى زِيَادَةُ عِلْمٍ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ النَّصْرَانِيِّ مَا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْمَعُ تَنَصُّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِلَّا فَيَتَعَارَضَانِ، وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ بِأَنَّهَا عَلِمَتْ مِنْهُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّهَا لَمْ تُسْتَصْحَبْ، فَإِنْ قَالَتْ ذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّا لَوْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ النَّصْرَانِيِّ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُرْتَدًّا حَالَةَ مَوْتِ أَبِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرِّدَّةِ. (فَلَوْ) (اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ) فَالْمِيرَاثُ بَيْنَنَا (وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ) بَلْ مَاتَ (فِي شَوَّالٍ) فَالْمِيرَاثُ لِي وَلَا بَيِّنَةَ (صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ (وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُسْلِمِ) الَّتِي أَقَامَهَا (عَلَى بَيِّنَتِهِ) أَيْ النَّصْرَانِيِّ الَّتِي أَقَامَهَا؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ نَاقِلَةٌ مِنْ الْحَيَاةِ إلَى الْمَوْتِ فِي شَعْبَانَ، وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ لِلْحَيَاةِ إلَى شَوَّالٍ، نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ النَّصْرَانِيِّ بِأَنَّهَا عَايَنَتْهُ حَيًّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ تَعَارَضَتَا، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ بِيَمِينِهِ. (وَلَوْ) (مَاتَ) رَجُلٌ (عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَ) عَنْ (ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ) وَمِثْلُهُمَا الِابْنُ الْوَاحِدُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ (فَقَالَ كُلٌّ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ (مَاتَ عَلَى دِينِنَا) (صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ فِي الِابْتِدَاءِ تَبَعًا لِلْأَبَوَيْنِ فَيُسْتَصْحَبُ حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ (وَفِي قَوْلٍ) وَلَيْسَ مَنْصُوصًا، بَلْ مِنْ تَخْرِيجِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 436 يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا. وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سَالِمًا، وَأُخْرَى غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُ تَقْدِيمٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، وَإِنْ اتَّحَدَ أُقْرِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَتَا قِيلَ يُقْرَعُ، وَفِي قَوْلٍ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ. قُلْتُ: الْمَذْهَبُ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] ابْنِ سُرَيْجٍ (يُوقَفُ) الْأَمْرُ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا) عَلَى شَيْءٍ لِتَسَاوِي الْحَالَيْنِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَزُولُ بِالْبُلُوغِ. تَنْبِيهٌ لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْأَبَوَانِ مُسْلِمَيْنِ وَالِابْنَانِ كَافِرَيْنِ، وَقَالَ كُلَّ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ عُرِفَ لِلْأَبَوَيْنِ كُفْرٌ سَابِقٌ وَقَالَا: أَسْلَمْنَا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ أَوْ بَلَغَ بَعْدَ إسْلَامِنَا. وَقَالَ الِابْنَانِ: لَا وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الثَّالِثَةِ فَالْمُصَدَّقُ الِابْنَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ عَلَى الْكُفْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا كُفْرٌ سَابِقٌ أَوْ اتَّفَقُوا عَلَى وَقْتِ الْإِسْلَامِ فِي الثَّالِثَةِ فَالْمُصَدَّقُ الْأَبَوَانِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ فِي الْأُولَى، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصِّبَا فِي الثَّالِثَةِ. فَرْعٌ: لَوْ مَاتَ لِرَجُلٍ ابْنٌ وَزَوْجَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هُوَ وَأَخُو الزَّوْجَةِ فَقَالَ هُوَ: مَاتَتْ قَبْلَ الِابْنِ فَوَرِثْتهَا أَنَا وَابْنِي ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ فَوَرِثْتُهُ وَقَالَ أَخُوهَا: بَلْ مَاتَتْ بَعْدُ فَوَرِثَتْ الِابْنَ قَبْلَ مَوْتِهَا ثُمَّ وَرِثْتهمَا أَنَا وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ الْأَخُ فِي مَالِ أُخْتِهِ وَالزَّوْجُ فِي مَالِ ابْنِهِ بِيَمِينِهَا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا لَمْ يَرِثْ مَيِّتٌ مِنْ مَيِّتٍ، فَمَالُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَمَالُ الزَّوْجَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأَخِ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ تَعَارَضَتَا، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى مَوْتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا وَاخْتَلَفَا فِي مَوْتِ الْآخَرِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ صَدَقَ مَنْ ادَّعَاهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ. فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِذَلِكَ قُدِّمَ بَيِّنَةُ مَنْ ادَّعَاهُ قَبْلُ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَرَثَةُ مَيِّتٍ لِزَوْجَتِهِ كُنْتِ أَمَةً ثُمَّ عَتَقْتِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ كُنْتِ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ هِيَ: بَلْ عَتَقْتِ أَوْ أَسْلَمْت قَبْلُ، صُدِّقُوا بِأَيْمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ وَالْكُفْرِ، وَإِنْ قَالَتْ: لَمْ أَزَلْ حُرَّةً أَوْ مُسْلِمَةً صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا دُونَهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا. (وَلَوْ) (شَهِدَتْ) بَيِّنَةٌ عَلَى شَخْصٍ (أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ) الَّذِي مَاتَ فِيهِ (سَالِمًا، وَ) بَيِّنَةٌ (أُخْرَى) أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ الْمَذْكُورِ (غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهَا (ثُلُثُ مَالِهِ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ مَا زَادَ عَلَيْهِ (فَإِنْ اخْتَلَفَ) لِلْبَيِّنَتَيْنِ (تَارِيخُ تَقْدِيمٍ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ) مِنْهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُنْجَزَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يُقَدَّمُ فِيهِ الْأَسْبَقُ فَالْأَسْبَقُ، وَلِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ (وَإِنْ اتَّحَدَ) تَارِيخُهُمَا (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ مَزِيَّةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سُدُسَ الْمَالِ وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ عَتَقَ هُوَ وَنِصْفُ الْآخَرِ، وَإِنْ خَرَجَتْ لِلْآخَرِ عَتَقَ وَحْدَهُ (وَإِنْ أَطْلَقَتَا) أَوْ إحْدَاهُمَا (قِيلَ: يُقْرَعُ) بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ (وَفِي قَوْلٍ) مِنْ طَرِيقٍ (يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ) لِاسْتِوَائِهِمَا، وَالْقُرْعَةُ مُمْتَنِعَةٌ؛ لِأَنَّا لَوْ أَقْرَعْنَا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ يَخْرُجَ الرِّقُّ عَلَى السَّابِقِ فَيَلْزَمُهُ مِنْهُ إرْقَاقُ حُرٍّ وَتَحْرِيرُ رَقِيقٍ، وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (قُلْتُ: الْمَذْهَبُ يُعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَلَوْ قَالَ: قُلْتُ الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَكَانَ أَخْصَرَ، وَلَوْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 437 وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ، وَوَارِثَانِ حَائِزَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ ثَبَتَ لِغَانِمٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثَانِ فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فَيَعْتِقُ سَالِمٌ، وَمِنْ غَانِمٍ ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ.   [مغني المحتاج] شَهِدَتْ بَيِّنَتَانِ بِتَعْلِيقِ عِتْقِهِمَا بِمَوْتِهِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِهِمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أُقْرِعَ سَوَاءٌ أُطْلِقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَمْ أُرِّخَتَا. (وَلَوْ) (شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُهُ) أَيْ ثُلُثُ مَالِهِ (وَ) شَهِدَ (وَارِثَانِ) عَدْلَانِ (حَائِزَانِ) لِلتَّرِكَةِ (أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ، وَهُوَ ثُلُثُهُ) (ثَبَتَ) بِشَهَادَتِهِمَا الرُّجُوعُ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ (لِغَانِمٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِسَالِمٍ بَدَلًا يُسَاوِيهِ فَلَا تُهْمَةَ وَلَا نَظَرَ إلَى تَبْدِيلِ الْوَلَاءِ وَكَوْنِ الثَّانِي أَهْدَى لِجَمْعِ الْمَالِ فَيُورَثُ عَنْهُ لِبُعْدِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَخَرَجَ بِثُلُثِهِ مَا لَوْ كَانَ غَانِمٌ دُونَهُ كَالسُّدُسِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنَا لَهُ بَدَلًا، وَهُوَ نِصْفُ سَالِمٍ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ فَعَلَى مَا صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ صِحَّةِ التَّبْعِيضِ يَعْتِقُ نِصْفُ سَالِمٍ مَعَ كُلِّ غَانِمٍ، وَالْمَجْمُوعُ قَدْرُ الثُّلُثِ (فَإِنْ) (كَانَ الْوَارِثَانِ) الْحَائِزَانِ (فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ) عَنْ الْوَصِيَّةِ لِسَالِمٍ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ (فَيَعْتِقُ سَالِمٌ) بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ يَحْتَمِلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فِيهِ (وَ) يُعْتَقُ (مِنْ غَانِمٍ) قَدْرُ مَا يَحْتَمِلُهُ (ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ) وَكَأَنَّ سَالِمًا هَلَكَ أَوْ غَصَبَ مِنْ التَّرِكَةِ مُؤَاخَذَةً لِلْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ. تَنْبِيهٌ لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضَا لِلرُّجُوعِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، نَعَمْ إنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ عَتَقَ غَانِمٌ وَثُلُثَا سَالِمٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. تَتِمَّةٌ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: إنْ قُتِلْتُ أَوْ إنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْأُولَى أَوْ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِمَوْتِهِ حَتْفَ أَنْفِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَبِمَوْتِهِ فِي شَوَّالٍ فِي الثَّانِيَةِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْقَتْلِ فِي الْأُولَى وَبِحُدُوثِ الْمَوْتِ فِي رَمَضَانَ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُنْكِرٌ لِلْقَتْلِ، فَإِنْ أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً فِي الثَّانِيَةِ بِمَوْتِهِ فِي شَعْبَانَ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ، وَإِنْ عُلِّقَ عِتْقُ سَالِمٍ بِمَوْتِهِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي مَرَضِهِ وَعُلِّقَ عِتْقُ غَانِمٍ بِمَوْتِهِ فِي شَوَّالٍ أَوْ بِالْبُرْءِ مِنْ مَرَضِهِ فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمُوجِبِ عِتْقِهِمَا، فَهَلْ يَتَعَارَضَانِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ سَالِمٍ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ أَوْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا أَوْجُهٌ، أَظْهَرُهَا آخِرُهَا. [فَصْلٌ فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ] [فَصْلٌ] فِي شُرُوطِ الْقَائِفِ وَبَيَانِ إلْحَاقِهِ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ فِي بَابَيْ الْعِدَّةِ وَاللَّقِيطِ، وَالْقَائِفُ لُغَةً مُتَتَبِّعُ الْآثَارِ، وَالْجَمْعُ قَافَةٌ كَبَائِعٍ وَبَاعَةٌ، وَشَرْعًا مَنْ يُلْحِقُ النَّسَبَ بِغَيْرِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِمَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 438 شَرْطُ الْقَائِفِ: مُسْلِمٌ عَدْلٌ، مُجَرَّبٌ،   [مغني المحتاج] «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا بِهَا رُءُوسَهَا وَقَدْ بَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» فَإِقْرَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَافَةَ حَقٌّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ لَمَنَعَهُ مِنْ الْمُجَازَفَةِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يُسَرُّ إلَّا بِالْحَقِّ اهـ. وَسَبَبُ سُرُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا قَالَهُ مُجَزِّزٌ. أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَوِيلًا أَسْوَدَ أَقْنَى الْأَنْفِ، وَكَانَ زَيْدٌ قَصِيرًا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَخْنَسَ الْأَنْفِ، وَكَانَ طَعْنُهُمْ مَغِيظَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ كَانَا حِبَّيْهِ، فَلَمَّا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يَرَى إلَّا أَقْدَامَهُمَا سُرَّ بِهِ، نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّ زَيْدًا كَانَ أَبْيَضَ، وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ أُسَامَةَ كَانَ أَحْمَرَ أَشْقَرَ وَزَيْدٌ مِثْلُ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ، وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ دَعَا قَائِفَيْنِ فِي رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا مَوْلُودًا، وَشَكَّ أَنَسٌ فِي مَوْلُودٍ لَهُ فَدَعَا لَهُ قَائِفًا، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَبِقَوْلِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ: لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا مَرَّ، وَفِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ عَنْ بَعْضِ التُّجَّارِ أَنَّهُ وَرِثَ مِنْ أَبِيهِ مَمْلُوكًا أَسْوَدَ شَيْخًا. قَالَ: فَكُنْت فِي بَعْضِ أَسْفَارِي رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَالْمَمْلُوكُ يَقُودُهُ فَاجْتَازَ بِنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ فَأَمْعَنَ فِينَا نَظَرَهُ ثُمَّ قَالَ: مَا أَشْبَهَ الرَّاكِبَ بِالْقَائِدِ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَزَوَّجَنِي بِهَذَا الْمَمْلُوكِ فَوَلَدْتُكَ ثُمَّ فَكَّنِي وَاسْتَلْحَقَكَ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَحْكُمُ بِالْقِيَافَةِ وَتَفْخَرُ بِهَا وَتَعُدُّهَا مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِهَا، وَهِيَ وَالْفِرَاسَةُ غَرَائِزُ فِي الطِّبَاعِ يُعَانُ عَلَيْهَا الْمَجْبُولُ وَيَعْجِزُ عَنْهَا الْمَصْرُوفُ عَنْهَا، وَلِلْقَائِفِ شُرُوطٌ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ (شَرْطُ الْقَائِفِ) أَيْ شُرُوطُهُ (مُسْلِمٌ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ (عَدْلٌ) فَلَا يُقْبَلُ مِنْ فَاسِقٍ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ أَوْ قَاسِمٌ. تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إسْلَامٌ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَيَأْتِي بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِسْلَامُ لَا الشَّخْصُ، وَمَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا هُوَ حَسَنٌ وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ كَوْنَهُ بَصِيرًا نَاطِقًا وَانْتِفَاءَ الْعَدَاوَةِ عَنْ الَّذِي يَنْفِيهِ عَنْهُ، وَانْتِفَاءَ الْوَلَاءِ عَمَّنْ يَلْحَقُهُ بِهِ فَلَوْ عَبَّرَ بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا أَمْنَعُ قِيَافَةَ الْأَخْرَسِ إذَا فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ، وَفِي الْمَطْلَبِ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ سَمِيعًا، وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (مُجَرَّبٌ) بِفَتْحِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 439 وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُرٍّ ذَكَرٍ، لَا عَدَدٍ، وَلَا كَوْنِهِ مُدْلِجِيًّا، فَإِذَا تَدَاعَيَا مَجْهُولًا عُرِضَ عَلَيْهِ،   [مغني المحتاج] الرَّاءِ بِخَطِّهِ فِي مَعْرِفَةِ النَّسَبِ لِحَدِيثِ «لَا حَكِيمَ إلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَمَا لَا يُوَلَّى الْقَضَاءَ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ بِالْأَحْكَامِ، وَفَسَّرَ الْمُحَرَّرُ التَّجْرِبَةَ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَوْ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى كَذَلِكَ فِي نِسْوَةٍ فِيهِنَّ أُمُّهُ، فَإِنْ أَصَابَ فِي الْكُلِّ فَهُوَ مُجَرَّبٌ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ هَذَا مَعَ أَنَّ فِيهِ حُكْمَيْنِ أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّجْرِبَةِ ثَلَاثًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ مَعَ أُمِّهِ، وَقَدْ تَعْجَبُ مِنْ حَذْفِهِ لِذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مُنَازَعٌ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: لَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ الثَّلَاثِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ خِبْرَةٍ لَا عَنْ اتِّفَاقٍ، وَهَذَا قَدْ يَحْصُلُ بِدُونِ الثَّلَاثِ اهـ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا رَجَّحُوهُ فِي تَعْلِيمِ جَارِحَةِ الصَّيْدِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ الثَّانِي فَإِنَّ ذِكْرَ الْأُمِّ مَعَ النِّسْوَةِ لَيْسَ لِلتَّقَيُّدِ بَلْ، لِلْأَوْلَوِيَّةِ إذْ الْأَبُ مَعَ الرِّجَالِ كَذَلِكَ، وَكَذَا سَائِرُ الْعَصَبَةِ وَالْأَقَارِبِ عِنْدَ فَقْدِهِمَا. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: كَيْفِيَّةُ التَّجْرِبَةِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَدٌ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ هِيَ فِيهِنَّ فَيُصِيبُ فِي الْكُلِّ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ الْمُجَرَّبَ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَا تَبْقَى فَائِدَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَقَدْ يُصِيبُ فِي الرَّابِعَةِ اتِّفَاقًا فَلَا يُؤَثِّرُ بِالتَّجْرِبَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرَضَ مَعَ صِنْفِ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَصْنَافِ وَلَا يَخُصُّ بِهِ الرَّابِعَةَ، فَإِذَا أَصَابَ فِي الْكُلِّ قُبِلَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ اهـ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْإِمَامَ يَعْتَبِرُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، فَمَتَى حَصَلَتْ عُمِلَ بِمَا فِي الرَّوْضَةِ أَوْ بِمَا قَالَهُ الْبَارِزِيُّ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ (اشْتِرَاطُ حُرٍّ ذَكَرٍ) كَالْقَاضِي. وَالثَّانِي لَا كَالْمُفْتِي (لَا) اشْتِرَاطُ (عَدَدٍ) فَيَكْفِي قَوْلُ الْوَاحِدِ كَالْقَاضِي وَالْقَاسِمِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ كَالْمُزَكِّي وَالْمُقَوِّمِ (وَلَا كَوْنِهِ مُدْلِجِيًّا) أَيْ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَهُمْ رَهْطُ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ، بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ؛ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ فَمَنْ تَعَلَّمَهُ عَمِلَ بِهِ. وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَائِفًا يَقُوفُ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى بَنِي مُدْلِجٍ فِي ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى جَمَاعَةً بِنَوْعٍ مِنْ الْمَنَاصِبِ وَالْفَضَائِلِ كَمَا خَصَّ قُرَيْشًا بِالْإِمَامَةِ. ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَسْأَلَتَيْنِ يُعْرَضُ الْوَلَدُ فِيهِمَا عَلَى الْقَائِفِ بِقَوْلِهِ (فَإِذَا) (تَدَاعَيَا) أَيْ شَخْصَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَا وَلَدًا (مَجْهُولًا) صَغِيرًا لَقِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَمْ يُدْفَنْ (عُرِضَ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَائِفِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَمَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَهُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ كِتَابِ اللَّقِيطِ، وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ نَائِمًا أَوْ سَكْرَانَ سُكْرًا يُعْذَرُ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَمْ يُعْرَضْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّاحِي وَلَوْ انْتَسَبَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ عُمِلَ بِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 440 وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي وَطْءٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا مِنْهُمَا وَتَنَازَعَاهُ بِأَنْ وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً لَهُمَا أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ مَنْكُوحَةً فِي الْأَصَحِّ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ أَوْ لَا، وَالْأَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي اللَّقِيطِ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ الْتِقَاطٍ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِلَّا قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ إنْ تَقَدَّمَ اسْتِلْحَاقُهُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَصَحُّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ (وَكَذَا لَوْ) (اشْتَرَكَا) أَيْ رَجُلَانِ (فِي وَطْءٍ) لِامْرَأَةٍ (فَوَلَدَتْ وَلَدًا مُمْكِنًا) أَيْ مِنْ كُلٍّ (مِنْهُمَا وَتَنَازَعَاهُ) أَيْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا، وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَطْئَيْنِ حَيْضَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا مُكَلَّفًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، ثُمَّ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْوَطْءِ فِي صُوَرٍ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ) (وَطِئَا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ) كَأَنْ وَجَدَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فِرَاشِهِ فَظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ (أَوْ) بِأَنْ وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَةً (مُشْتَرَكَةً لَهُمَا، أَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطَلَّقَ فَوَطِئَهَا آخَرُ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، أَوْ) وَطِئَ (أَمَتَهُ فَبَاعَهَا فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ بِمَا تَقَدَّمَ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ لَكَانَ لَهُ قَلْبٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَنْعَقِدُ مِنْ مَاءِ شَخْصَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَاءُ الْمَرَّةِ وَانْعَقَدَ الْوَلَدُ مِنْهُ حَصَلَتْ عَلَيْهِ غِشَاوَةٌ تَمْنَعُ مِنْ اخْتِلَاطِ مَاءِ الثَّانِي بِمَاءِ الْأَوَّلِ كَمَا نُقِلَ عَنْ إجْمَاعٍ الْأَطِبَّاءِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي وَطْءٍ ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَكَانِ، بَلْ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ الْحَشَفَةُ كُلُّهَا وَأَنْزَلَ دَاخِلَ الْفَرْجِ كَانَ كَالْوَطْءِ، وَكَذَا الْإِنْزَالُ خَارِجَ الْفَرْجِ بِحَيْثُ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْفَرْجِ وَاسْتِدْخَالُ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ وَطِئَا بِشُبْهَةٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً لَهُمَا هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْمُشْتَرَكَةِ شُبْهَةٌ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ يَقَعَ الْوَطْآنِ فِي طُهْرٍ، فَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا حَيْضَةٌ فَهُوَ لِلثَّانِي، وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ ذِكْرُهُ لَهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِهَا (وَكَذَا لَوْ) (وَطِئَ) بِشُبْهَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (مَنْكُوحَةً) لِغَيْرِهِ نِكَاحًا صَحِيحًا وَوَلَدَتْ مُمْكِنًا مِنْهُ وَمِنْ زَوْجِهَا يُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ (فِي الْأَصَحِّ) فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ الزَّوْجُ لِلْإِلْحَاقِ، بَلْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الِاشْتِبَاهِ. وَالثَّانِي: يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ لِقُوَّةِ فِرَاشِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى الْوَطْءِ، وَلَا يَكْفِي اتِّفَاقُ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلُودِ حَقًّا فِي النَّسَبِ وَاتِّفَاقُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِهِ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَيُعْرَضُ بِتَصْدِيقِهِ إنْ بَلَغَ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمَتْنِ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةِ الْوَطْءِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَلَدِ الْمُكَلَّفِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 441 فَإِذَا وَلَدَتْ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْأَيْهِمَا وَادَّعَيَاهُ عُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَطْأَيْهِمَا حَيْضَةٌ فَلِلثَّانِي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَسَوَاءٌ فِيهِمَا اتَّفَقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً أَمْ لَا.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ لَوْ أَلْقَتْ سَقْطًا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ. قَالَ الْفُورَانِيُّ: إذَا ظَهَرَ فِيهِ التَّخْطِيطُ دُونَ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَمَةً وَبَاعَهَا أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ بَعْدَ الْوَطْءِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ هَلْ يَصِحُّ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ عَمَّنْ تَثْبُتُ؟ ، وَفِي الْحُرَّةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ عَمَّنْ كَانَ مُتَّهَمًا (فَإِذَا وَلَدَتْ) تِلْكَ الْمَوْطُوءَةُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ (لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ) وَكَذَا (مِنْ وَطْأَيْهِمَا وَادَّعَيَاهُ) أَيْ الْوَلَدَ (عُرِضَ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَائِفِ فَيَلْحَقُ مَنْ أَلْحَقَهُ بِهِ مِنْهُمَا. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَادَّعَيَاهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ لَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ نَكَلَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَطْأَيْهِمَا حَيْضَةٌ فَلِلثَّانِي) مِنْ الْوَاطِئَيْنِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حُصُولِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ عَنْهُ، وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّ فِرَاشَهُ لَمْ يَنْقَطِعْ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَهُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) (الْأَوَّلُ) مِنْهُمَا (زَوْجًا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) وَالثَّانِي مِنْهُمَا وَاطِئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الْوَطْءِ مَعَ فِرَاشِ النِّكَاحِ قَائِمٌ مَقَامَ نَفْسِ الْوَطْءِ، وَالْإِمْكَانُ حَاصِلٌ بَعْدَ الْحَيْضَةِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ زَوْجًا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ (وَسَوَاءٌ فِيهِمَا) أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ (اتَّفَقَا إسْلَامًا وَحُرِّيَّةً) بِكَوْنِهِمَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ (أَمْ لَا) كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَخْتَلِفُ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِ الْعَبْدِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَلَوْ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَأَقَامَ الذِّمِّيُّ بَيِّنَةً تَبِعَهُ نَسَبًا وَدِينًا، كَمَا لَوْ أَقَامَهَا الْمُسْلِمُ أَوْ لَحِقَهُ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا تَبِعَهُ نَسَبًا لَا دِينًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، فَلَا يَحْضُنُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ، أَوْ ادَّعَاهُ حُرٌّ وَعَبْدٌ وَأَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْعَبْدِ، أَوْ لَحِقَ بِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا لَحِقَهُ فِي النَّسَبِ وَكَانَ حُرًّا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَلَدٌ مِنْ حُرَّةٍ. تَنْبِيهٌ لَوْ عُدِمَ الْقَائِفُ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْحَالُ بِأَنْ تَحَيَّرَ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا وَيَخْتَارَ الِانْتِسَابَ إلَى أَحَدِهِمَا بِحَسَبِ الْمَيْلِ الَّذِي يَجِدُهُ وَيُحْبَسُ لِيَخْتَارَ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الِانْتِسَابِ إلَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مَيْلًا إلَى أَحَدِهِمَا فَيُوقَفُ الْأَمْرُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُ قَائِفِ إلَّا قَبْلِ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ لِسُقُوطِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَكَذَا لَا يُصَدَّقُ لِغَيْرِ الْآخَرِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ إمْكَانِ تَعَلُّمِهِ مَعَ امْتِحَانٍ لَهُ بِذَلِكَ. خَاتِمَةٌ لَوْ اسْتَلْحَقَ مَجْهُولًا نَسَبَهُ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَنْكَرَتْهُ زَوْجَتُهُ لَحِقَهُ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ دُونَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ زَوْجَةٍ أُخْرَى وَإِنْ ادَّعَتْهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ امْرَأَةٌ أُخْرَى وَأَنْكَرَهُ زَوْجُهَا وَأَقَامَ زَوْجُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 442 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] الْمُنْكِرَةِ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا فَيَسْقُطَانِ وَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهَا لَحِقَهَا، وَكَذَا زَوْجُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ خِلَافًا لِمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، أَوْ بِالرَّجُلِ لَحِقَهُ وَزَوْجَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ وَلَدَ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا، وَلَا يَسْقُطُ حُكْمُ قَائِفٍ بِقَوْلِ قَائِفٍ آخَرَ، وَلَوْ أَلْحَقَهُ قَائِفٌ بِالْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ، وَآخَرُ بِالْأَشْبَاهِ الْخَفِيَّةِ كَالْخَلْقِ وَتَشَاكُلِ الْأَعْضَاءِ فَالثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ حِذْقٍ وَبَصِيرَةٍ، وَلَوْ أَلْحَقَ الْقَائِفُ التَّوْأَمَيْنِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ أَلْحَقَ أَحَدَهُمَا بِأَحَدِهِمَا، وَالْآخَرَ بِالْآخَرِ بَطَلَ قَوْلُهُ حَتَّى يُمْتَحَنَ وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ فَيُعْمَلَ بِقَوْلِهِ، كَمَا لَوْ أَلْحَقَ الْوَاحِدَ بِاثْنَيْنِ، وَيَبْطُلُ أَيْضًا قَوْلُ قَائِفَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الْإِلْحَاقِ حَتَّى يُمْتَحَنَا وَيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُمَا، وَيَلْغُو انْتِسَابُ بَالِغٍ أَوْ تَوْأَمَيْنِ إلَى اثْنَيْنِ، فَإِنْ رَجَّعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ إلَى الْآخَرِ قُبِلَ، وَيُؤْمَرُ الْبَالِغُ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا، وَمَتَى أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَاهُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حَقًّا فِي النَّسَبِ فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِهِ وَيُنْفِقَانِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْقَائِفِ أَوْ يُنْتَسَبَ، وَيَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ مَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ عَلَى مَنْ لَحِقَهُ إنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَلَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ، وَيَقْبَلَانِ لَهُ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أَوْصَى لَهُ بِهَا فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَبُوهُ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ عَلَى الْمُطْلِقِ فَيُعْطِيهَا لَهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآخَرِ إنْ أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْآخَرِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ عُرِضَ عَلَيْهِ مَيِّتًا، لَا إنْ تَغَيَّرَ أَوْ دُفِنَ، وَإِنْ مَاتَ مُدَّعِيهِ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ مَعَ أَبِيهِ أَوْ أَخِيهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْعَصَبَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 443 كتاب العتق   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْعِتْقِ] ِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ، وَهُوَ لُغَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَتَقَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ، وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا طَارَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 444 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] وَاسْتَقَلَّ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا فُكَّ مِنْ الرِّقِّ خَلَصَ وَاسْتَقَلَّ. وَشَرْعًا: إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْآدَمِيِّ وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37]- أَيْ بِالْإِسْلَامِ - {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد الجزء: 6 ¦ الصفحة: 445 إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ   [مغني المحتاج] أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ» وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ، فَهُوَ مُحْتَبَسٌ بِهِ كَمَا تُحْبَسُ الدَّابَّةُ بِالْحَبْلِ فِي عُنُقِهَا، فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ الَّذِي كَانَ فِي رَقَبَتِهِ. فَائِدَةٌ: أَعْتَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً، وَنَحَرَ بِيَدِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، وَأَعْتَقَتْ عَائِشَةُ تِسْعًا وَسِتِّينَ، وَعَاشَتْ كَذَلِكَ، وَأَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ كَثِيرًا، وَأَعْتَقَ الْعَبَّاسُ سَبْعِينَ، وَأَعْتَقَ عُثْمَانُ وَهُوَ مُحَاصَرٌ عِشْرِينَ، وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا، وَاعْتَمَرَ أَلْفَ عُمْرَةٍ، وَحَجَّ سِتِّينَ حَجَّةً، وَحَبَسَ أَلْفَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَعْتَقَ ذُو الْكَلَاعِ الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ، وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَلِ الْجَنَّةِ» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ آمِينَ. وَالْعِتْقُ الْمُنْجَزُ مِنْ الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْمُعَلَّقُ، فَفِي الصَّدَاقِ مِنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَيْسَ عَقْدَ قُرْبَةٍ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَيْ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ تَعْلِيقَهُ الْعَارِي عَنْ قَصْدِ مَا ذُكِرَ كَالتَّدْبِيرِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرٌ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُعْتِقٌ، وَعَتِيقٌ، وَصِيغَةٌ. وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (إنَّمَا) (يَصِحُّ مِنْ) مَالِكٍ (مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ) أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالْوَلَاءِ مُخْتَارًا، وَمِنْ وَكِيلٍ أَوْلَى فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيهِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَيَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ، وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا، وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ، وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ) بِصِفَةٍ مُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَغَيْرِهَا كَالتَّدْبِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِعِوَضٍ أَيْضًا، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَكَذَا وَقْتُهُ نَفَذَ وَلَغَا التَّوْقِيتُ اهـ. وَإِذَا عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ وَيَمْلِكُهُ بِالتَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ (عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ) لَمْ تَعُدْ الصِّفَةُ، وَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يَقْتَضِي اعْتِبَارَ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ فِي تَعْلِيقِ الْإِعْتَاقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ عَلَى صِفَةٍ تُوجَدُ بَعْدَ الْفَكِّ، أَوْ يُحْتَمَلُ وُجُودُهَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 446 وَإضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ. وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ،   [مغني المحتاج] قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَكَذَا مِنْ مَالِكِ الْعَبْدِ الْجَانِي الَّتِي تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ، وَمِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ رِدَّةٍ (وَ) تَصِحُّ (إضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ) مُعَيَّنٍ مِنْ الرَّقِيقِ كَيَدِهِ أَوْ شَائِعٍ مِنْهُ كَرُبُعِهِ (فَيَعْتِقُ كُلُّهُ) سِرَايَةً كَنَظِيرِهِ فِي إطْلَاقٍ وَسَوَاءٌ الْمُوسِرُ وَغَيْرُهُ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَ عِتْقَهُ وَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ لَهُ. فَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ فَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى مَا أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلَى الْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ، وَلِذَا حَمَلَا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ أَصَحُّهُمَا يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ. وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِبْهَامُكِ حُرٌّ، فَقَطَعَ إبْهَامَهُ ثُمَّ دَخَلَ، فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُعْتِقُ رَقِيقًا فَأَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهٌ أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا فِي إعْتَاقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ الْوَكِيلُ نِصْفَهُ فَقَطْ مَثَلًا فَالْأَصَحُّ عِتْقُ ذَلِكَ النِّصْفِ فَقَطْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، لَكِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْقَطْعَ بِعِتْقِ الْكُلِّ، وَاسْتُشْكِلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ السِّرَايَةِ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَرِيكَهُ فِي عِتْقِ نَصِيبِهِ فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ النِّصْفَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْمُوَكَّلِ. قَالَ: فَإِذَا حُكِمَ بِالسِّرَايَةِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فِي الْعِتْقِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَكِيلِ، فَلَأَنْ يَسْرِيَ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْلَى، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ خَالَفَ مُوَكِّلَهُ فِيمَا مَرَّ وَكَانَ الْقِيَاسُ عَدَمُ النُّفُوذِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَى الْعِتْقِ نَفَّذْنَاهُ فِيمَا أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ وَلَمْ تَتَرَتَّبْ السِّرَايَةُ عَلَى مَا يَثْبُتُ عِتْقُهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ السِّرَايَةِ قَدْ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُبَاشَرَةِ فَيَفُوتُ غَرَضُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوَكِّلُهُ فِي عِتْقِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَوْ نَفَّذْنَا عِتْقَ بَعْضِهِ بِالسِّرَايَةِ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَكَانَ الْمَالِكُ يَحْتَاجُ إلَى نِصْفِ رَقَبَةٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا يُعْتِقَ النِّصْفَ فَقَطْ، فَإِنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يُمْكِنُ عِتْقُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا الْمُسْتَشْكَلُ بِهِ فَقَدْ وَافَقَ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَهُوَ إذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِنَفْسِهِ سَرَى الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْعَتِيقُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ. أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ وَمُؤَجَّرٍ، بِخِلَافِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَوَقْفٍ كَمَا مَرَّ وَكَرَهْنٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ بَيَانُهُ. وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ: الصِّيغَةُ وَهِيَ. إمَّا لَفْظٌ صَرِيحٌ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. فَقَالَ (وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُكَ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 447 وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا كِنَايَتُهُ، وَهِيَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لَا سُلْطَانَ، لَا سَبِيلَ، لَا خِدْمَةَ، أَنْتَ سَائِبَةٌ،   [مغني المحتاج] وَالسُّنَّةِ مُنَكَّرَيْنِ، وَيَسْتَوِي فِي أَلْفَاظِهِمَا الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ؛ لِأَنَّ هَزْلَهُمَا جِدٌّ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ صَرِيحٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَالثَّانِي: هُوَ كِنَايَةٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ، فَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] أَيْ مِنْ الْأَسْرِ، وَقِيلَ بِاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «فَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» . تَنْبِيهٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمَا اُشْتُقَّ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْفَكِّ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتَ تَحْرِيرٌ أَوْ إعْتَاقٌ أَوْ فَكٌّ كَانَ كِنَايَةً كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَلَاقٌ. فُرُوعٌ: لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ قَبْلَ إرْقَاقِهَا حُرَّةَ فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ لَهَا بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ، فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْحَالِ حُرَّةَ لَمْ تُعْتَقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ عَنْهُ إذَا طَالَبَهُ الْمُكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ لَمْ يُعْتَقْ بَاطِنًا، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَا ظَاهِرًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يَحِلُّهَا مِنْ وَثَاقٍ. ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَهَا مِنْ الْوِثَاقِ مَرْدُودٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ إخْبَارٌ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ، وَلَا يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ مَعَهُ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوِثَاقِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنْ يُقَالَ لَهُ أَمَتُك قَحْبَةٌ، فَيَقُولُ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الصِّفَةِ لَا الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَاحَمَتْهُ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتُهُ لَمْ تُعْتَقْ، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَتَهُ بِذَلِكَ تَوَرُّعًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اُفْرُغْ مِنْ عَمَلِكَ وَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ أَرَدْتُ حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ، وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا، وَرَأَى الْبُوشَنْجِيُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ الْإِنْشَاءِ وَالدُّعَاءِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ مِثْلُ هَذَا الْعَبْدِ، وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُعْتَقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّمَا يُعْتَقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِضَارِبِ عَبْدِهِ: عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُك لَمْ يُحْكَمْ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ (وَلَا يَحْتَاجُ) الصَّرِيحُ (إلَى نِيَّةٍ) لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جَدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ. أَمَّا قَصْدُ لَفْظِ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ احْتِيَاجِ الصَّرِيحِ لِنِيَّةِ مَعْلُومٍ مِنْ حُكْمِ الصَّرِيحِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا) أَيْ النِّيَّةِ (كِنَايَتُهُ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ أَيْ الْعِتْقِ، وَإِنْ احْتَفَتْ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ، فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّمْيِيزِ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ (وَهِيَ) أَيْ الْكِنَايَةُ (لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، لَا سُلْطَانَ) لِي عَلَيْكَ، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ، وَهِيَ (لَا سَبِيلَ، لَا خِدْمَةَ) لَا يَدَ لَا أَسْرَ وَنَحْوُهَا (أَنْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ (سَائِبَةٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 448 أَنْتَ مَوْلَايَ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ: أَنْتِ حُرَّةٌ، وَلِأَمَةٍ أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَ عِتْقُكَ إلَيْك أَوْ خَيَّرْتُك وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ،   [مغني المحتاج] أَنْتَ مَوْلَايَ) وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَزَلْت مِلْكِي أَوْ حُكْمِي عَنْكَ لِإِشْعَارِ مَا ذُكِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَا سَيِّدِي هَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الْإِمَامُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِغَيْرِ الْوَاقِعِ أَوْ خِطَابٌ بِلَفْظٍ وَلَا إشْعَارَ لَهُ بِالْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ هِيَ كَقَوْلِهِ كَمَا فَعَلَ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ الْحَصْرُ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَضَابِطُ الْكِنَايَةِ هُنَا كُلُّ لَفْظٍ يَتَضَمَّنُ زَوَالَ الْمِلْكِ أَوْ يُنْبِئُ عَنْ الْفُرْقَةِ كَالْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ) لِإِشْعَارِهَا بِإِزَالَةِ قَيْدِ الْمِلْكِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَنَوَى إعْتَاقَهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً لَمْ يُعْتَقْ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ تَشْمَلُ الزَّوْجَيْنِ، وَالرِّقَّ خَاصٌّ بِالْعَبْدِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمِكَ وَنَوَى الْعِتْقَ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْعِتْقُ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ لِلطَّلَاقِ يُخْرِجُ صَرَائِحَ وَكِنَايَاتٍ غَيْرَهُ، لَكِنْ الظَّاهِرُ صَرَائِحُهُ وَكِنَايَاتُهُ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَا خَوَاجَا لَمْ يُعْتَقْ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ مَنْ قَالَ: لِعَبْدِهِ جَزَاهُ اللَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ اهـ. وَلَعَلَّ هَذَا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ، وَفِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ يس: إذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي قَدِيمٍ حُرٌّ أَوْ كَتَبَ ذَلِكَ فِي وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْهُمْ مَنْ مَضَى لَهُ حَوْلٌ وَأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمَحْمُولُ اهـ. (وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ) لَهُ (أَنْتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ بِخَطِّهِ (حُرَّةٌ وَلِأَمَةٍ) لَهُ (أَنْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِخَطِّهِ أَيْضًا (حُرٌّ) (صَرِيحٌ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ عَلَى الْعِبَارَةِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي مُشَابَهَةِ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ فِي التَّعْوِيضِ وَالتَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ) (قَالَ) شَخْصٌ لِرَقِيقِهِ (عِتْقُكَ إلَيْك) أَيْ جَعَلْتُهُ (أَوْ خَيَّرْتُك) فِي إعْتَاقِك بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مِنْ التَّخْيِيرِ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: حَرَّرْتُكَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْ التَّحْرِيرِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ صَرِيحَةٌ، وَصَوَابُهُ حُرِّيَّتكَ مَصْدَرًا مُضَافًا كَاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ وَهُوَ الْعِتْقُ (وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَ) كَمَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَتَقَارَبَانِ، فَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ يَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا. تَنْبِيهٌ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَجَعَلْتُ عِتْقَكَ إلَيْكَ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ الْعَامِلَ يُوهِمُ عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. وَلِهَذَا قَيَّدْتُ الْعَامِلَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْبِيرُهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ مَعَ التَّفْوِيضِ بِالصَّرِيحِ، لَكِنْ صَرَّحَا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 449 أَوْ أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَهُ عَتَقَ فِي الْحَالِ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ. وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ.   [مغني المحتاج] الطَّلَاقِ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي التَّفْوِيضِ بِالْكِنَايَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: وَنَوَى قَيْدًا فِي الْأَخِيرَةِ خَاصَّةٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَجْلِسِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ، لَكِنْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ اشْتِرَاطُهُ حَيْثُ قَالَا: فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي الْحَالِ عَتَقَ وَاعْتُذِرَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مُرَادَهُ، مَجْلِسُ التَّخَاطُبِ لَا الْحُضُورِ (أَوْ) قَالَ لِعَبْدِهِ فِي الْإِيجَابِ (أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ) مَثَلًا فِي ذِمَّتِك (أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ) فِي الْحَالِ (أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ) فِي الِاسْتِيجَابِ (أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ) مَثَلًا (فَأَجَابَهُ) فِي الْحَالِ (عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ كَالْخُلْعِ بَلْ أَوْلَى لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى تَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْفِرَاقِ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ، وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةٌ نَازِعَةٌ إلَى الْجَعَالَةِ، وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُهُ تَمْلِيكًا، إذْ يُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيِّ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ فِي الْحَالِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَاهُ بَعْدَ هَذِهِ الصُّورَةِ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُك عَلَى كَذَا إلَى شَهْرٍ فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَالْعِوَضُ مُؤَجَّلٌ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً، فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا كَانَ فِي يَدِ عَبْدِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ اكْتَسَبَهَا، فَقَالَ السَّيِّدُ أَعْتَقْتُكَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: يُعْتَقُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْأَلْفُ مِلْكُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا كَسْبُ عَبْدِهِ. وَثَانِيهَا: يُعْتَقُ وَيَتَرَاجَعَانِ بِالْقِيمَةِ كَالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ. وَثَالِثُهَا: يُعْتَقُ وَالْأَلْفُ مِلْكُ السَّيِّدِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ بِتَمَامِ قِيمَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ (وَلَوْ) (قَالَ) لِرَقِيقِهِ (بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ) فِي ذِمَّتِك حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً تَرُدُّهَا بَعْدَ حُرِّيَّتِك (فَقَالَ: اشْتَرَيْت) (فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ) كَالْكِتَابَةِ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَثْبَتُ وَالْعِتْقَ فِيهِ أَسْرَعُ (وَيَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ عَقْدُ عَتَاقَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ لَا بَيْعٍ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ كَانَ بَيْعًا لَثَبَتَ فِيهِ. (وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ) لِعُمُومِ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَهَذَا عِتْقٌ غَلَبَ فِيهِ شَائِبَةُ الْعِتْقِ، وَقِيلَ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ. هَذَا إذَا بَاعَهُ نَفْسَهُ جَمِيعًا، فَلَوْ بَاعَهُ بَعْضَ نَفْسِهِ سَرَى عَلَى الْبَائِعِ إنْ قُلْنَا الْوَلَاءُ لَهُ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا وَلَاءَ لَهُ لَمْ يَسْرِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ. تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا عَنْ حَطِّ شَيْءٍ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْإِعْتَاقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَوْ قَالَ لِرَقِيقِهِ: وَهَبْتُكَ نَفْسَكَ وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ، أَوْ التَّمْلِيكَ فَكَذَلِكَ إنْ قَبِلَ فَوْرًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْكِتَابَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 450 وَلَوْ قَالَ لِحَامِلٍ أَعْتَقْتُكِ أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ عَتَقَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ دُونَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَالْحَمْلُ لِآخَرَ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ.   [مغني المحتاج] (وَلَوْ) (قَالَ لِحَامِلٍ:) أَيْ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ بِمَمْلُوكٍ لَهُ (أَعْتَقْتُكِ) وَأَطْلَقَ (أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ) (عَتَقَا) أَيْ عَتَقَتْ وَتَبِعَهَا فِي الْعِتْقِ حَمْلُهَا، وَلَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَانِ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَعِتْقُهُ بِالتَّبَعِيَّةِ لَا بِالسِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فِي الْأَشْقَاصِ لَا فِي الْأَشْخَاصِ، وَلِقُوَّةِ الْعِتْقِ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْأَخِيرَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُمَا يَعْتِقَانِ مَعًا لَا مُرَتَّبًا وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِيهِ، لَكِنْ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا لَوْ أَعْتَقَهَا فِي مَرَضِهِ وَالثُّلُثُ يَفِي بِهَا دُونَ الْحَمْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُعْتَقُ دُونَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ سَالِمًا، ثُمَّ غَانِمًا، وَكَانَ الْأَوَّلُ ثُلُثُ مَالِهِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرَتِّبَ هُوَ الْعِتْقَ أَوْ يُرَتِّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ. وَهُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي وَفِيهَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُعْتَقُ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَيِّتِ لَا يَسْرِي وَأَصَحُّهُمَا يُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ كَعُضْوٍ مِنْهَا (وَلَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْحَمْلَ الْمَمْلُوكَ لَهُ (عَتَقَ دُونَهَا) حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ. وَقِيلَ: تُعْتَقُ بِعِتْقِهِ كَعَكْسِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ بِعِتْقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا وَلَا يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَيْهَا بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَتْبَعُ الْفَرْعَ، وَإِنْ أَعْتَقَهُمَا عِتْقًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي مَحِلِّهِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ وَحْدَهُ إذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ كَمُضْغَةٍ كَأَنْ قَالَ: أَعْتَقْت مُضْغَتَك فَهُوَ لَغْوٌ كَمَا حَكَاهُ قُبَيْلَ التَّدْبِيرِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَأَقَرَّاهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قَالَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ كَمَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ، ثُمَّ الشَّرْطُ أَنْ يَنْفَصِلَ لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، وَأَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُشَبَّهِ لَا يُعْطِي حُكْمَ الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ وَبِالْمَعْدُومِ وَبِالنَّجَسِ تَوَسَّعُوا فِيهَا فَلَمْ يَشْرِطُوا فِي الْحَمْلِ نَفْخَ الرُّوحِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ: مُضْغَةُ هَذِهِ الْأَمَةِ حُرَّةٌ، فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ إقْرَارٌ بِانْعِقَادِ الْوَلَدِ حُرًّا وَتَصِيرُ الْأُمُّ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِيرَ حَتَّى يُقِرَّ بِوَطْئِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ وَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِشُبْهَةٍ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ وَصَوَابُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِوَطْئِهَا، وَبِأَنَّ هَذِهِ الْمُضْغَةَ مِنْهُ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: مُضْغَةُ أَمَتِي لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِقْرَارِ فَقَدْ تَكُونُ لِلْإِنْشَاءِ كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُ مُضْغَتَهَا أَيْ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا مَرَّ، وَمَا صَوَّبَهُ غَيْرُ كَافٍ أَيْضًا؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: عَلَقَتْ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ نَحْوَهُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ (وَلَوْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأَمَةُ الْحَامِلُ (لِرَجُلٍ، وَالْحَمْلُ لِآخَرَ) كَأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ (لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ) وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ اسْتِتْبَاعٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَالِكَيْنِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ: إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ حَيًّا عَتَقَ، وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ حَيًّا لَمْ يُعْتَقْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِحَائِلٍ فَحَمَلَتْ وَوَضَعَتْ حَيًّا عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 451 وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ الْبَاقِي لِشَرِيكِهِ، وَإِلَّا سَرَى إلَيْهِ، أَوْ إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ   [مغني المحتاج] وَلَدْت أَوَّلًا ذَكَرًا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ وَلَدْت أَوَّلًا أُنْثَى فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، ثُمَّ أُنْثَى أَعْتَقَ الذَّكَرَ فَقَطْ، أَوْ بِالْعَكْسِ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالذَّكَرُ؛ لِأَنَّهُ حَالُ عِتْقِ الْأُمِّ كَانَ جَنِينًا فَتَبِعَهَا، وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ مَعًا فَلَا عِتْقَ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الدَّارَ أَوَّلًا مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَدَخَلَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَتَقَ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْهَا أَحَدٌ بَعْدَهُ، وَلَوْ دَخَلَ اثْنَانِ ثُمَّ ثَالِثٌ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إذْ لَا يُوصَفُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ أَوَّلٌ. وَأُجِيبَ عَمَّا ذُكِرَ فِي الْمُسَابَقَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ مِنْ الْإِطْلَاقِ ثَمَّ، إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُخْرِجَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِهِ هُنَا إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ عِتْقٍ لَمْ يَلْتَزِمْهَا، فَإِنْ كَانَ قَالَ فِي هَذِهِ: أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ وَحْدَهُ حُرٌّ عَتَقَ الثَّالِثُ، وَلَوْ قَالَ: آخِرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ بَعْضٍ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ فَيَتَبَيَّنَ الْآخَرُ. (وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمْ كَافِرَيْنِ أَمْ مُخْتَلِفَيْنِ (عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ) أَوْ بَعْضَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (عَتَقَ نَصِيبُهُ) وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا (فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا) عِنْدَ الْإِعْتَاقِ (بَقِيَ الْبَاقِي) مِنْ الْعَبْدِ (لِشَرِيكِهِ) وَلَا يَسْرِي لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْآتِي (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُعْسِرًا (سَرَى) الْعِتْقُ عَلَيْهِ (إلَيْهِ) أَيْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْمُعْسِرِ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا ذَلِكَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ وَدَسْتُ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَسُكْنَى يَوْمٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَلَسِ وَيُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ، وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ (أَوْ) سَرَى (إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ) مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَأَعْتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ» وَأَمَّا رِوَايَةُ «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ يُسْتَسْعَى لِصَاحِبِهِ فِي قِيمَتِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» فَمُدْرَجَةٌ فِي الْخَبَرِ كَمَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ، أَوْ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَسْعَى لِشَرِيكِ الْمُعْتِقِ أَيْ يَخْدُمُهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِخْدَامُهُ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مُسْتَوْلَدًا بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَلَا سِرَايَةَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ حِصَّةُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ مَوْقُوفَةً لَمْ يُسْرِ الْمُعْسِرُ الْعِتْقَ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَبِهِ شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ جَمِيعُ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ عَلَى هَذَا الْمُوسِرِ كَمَا جَزَمَا بِهِ وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِنْ خَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 452 وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَفِي قَوْلٍ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَقَوْلٍ إنْ دَفَعَهَا بَانَ أَنَّهَا بِالْإِعْتَاقِ، وَاسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ يَسْرِي، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ،   [مغني المحتاج] وَعَتَقَ جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا نَصِيبُهُ عَتَقَ بِلَا سِرَايَةٍ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُوسِرِ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ (قِيمَةُ ذَلِكَ) الْقَدْرِ الَّذِي أَيْسَرَ لَهُ (يَوْمَ) أَيْ وَقْتَ (الْإِعْتَاقِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ أَوْ وَقْتُ سَبَبِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إذَا سَرَتْ لِنَفْسِهِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ لِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَإِجْبَارِهِ عَلَيْهَا، فَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الشَّرِيكُ فَلِلْعَبْدِ الْمُطَالَبَةُ، فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ طَالَبَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْعِتْقِ وَرَجَعَ أَهْلُ التَّقْوِيمِ أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ أَوْ طَالَ الْعَهْدُ صَدَقَ الْمُعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (وَتَقَعُ السِّرَايَةُ) الْمَذْكُورَةُ (بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ) فَتَنْتَقِلُ الْحِصَّةُ إلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ تَقَعُ السِّرَايَةُ بِهِ، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ " نَفْسِ " كَمَا حَذَفَهَا بَعْدُ فِي قَوْلِهِ إنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ كَانَ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَاتَبَهُ الشَّرِيكَانِ، ثُمَّ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالسِّرَايَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَإِنَّ فِي التَّعْجِيلِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ بِفَوَاتِ الْوَلَاءِ (وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ تَقَعُ السِّرَايَةُ (بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ) أَوْ الِاعْتِيَاضِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ فِي إزَالَةِ مِلْكِ الشَّرِيكِ قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضُ إضْرَارًا بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَفُوتُهُ لِهَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، فَلَا يَكْفِي الْإِبْرَاءُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَ) فِي (قَوْلٍ) السِّرَايَةُ مَوْقُوفَةٌ (إنْ دَفَعَهَا) أَيْ الْقِيمَةَ (بَانَ أَنَّهَا) أَيْ السِّرَايَةَ (بِالْإِعْتَاقِ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ يَضُرُّ السَّيِّدَ، وَالتَّأْخِيرَ إلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ يَضُرُّ بِالْعَبْدِ وَالتَّوَقُّفُ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَرِعَايَةِ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا تُخَصُّ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ (وَ) حِينَئِذٍ (اسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ) الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا (يَسْرِي) إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ، بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالنُّفُوذِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ عِتْقِهِمَا. وَإِيلَادُ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ كَالْعِتْقِ، نَعَمْ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَوْلِدُ أَصْلًا لِشَرِيكِهِ سَرَى كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُلُّهَا لَهَا (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) لِلْإِتْلَافِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا، وَهَلْ يُفْرَدُ أَوْ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ؟ خِلَافٌ اضْطَرَبَ التَّرْجِيحُ فِي نَظَائِرِهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الدُّخُولِ، وَهَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ مَهْرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ الْآتِي؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ. نَعَمْ إنْ أَنْزَلَ مَعَ الْحَشَفَةِ وَقُلْنَا بِمَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ مَعَ الْعُلُوقِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 453 وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ، وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ، وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ: أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ، وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ: إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك   [مغني المحتاج] فِي الْمَطْلَبِ الْوُجُوبُ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُوسِرِ عَمَّا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا، فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَسْرِي كَالْعِتْقِ، فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي مُسْتَوْلَدَتِهِمَا لِمُصَادَفَةِ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرُّ، وَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ مَهْرِهَا لِلْآخَرِ وَيَأْتِي فِيهِ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ (وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ) السَّابِقَةُ (فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ) وَالْعُلُوقُ هُنَا كَالْإِعْتَاقِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) الْأَظْهَرُ، وَهُوَ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ (وَ) عَلَى (الثَّانِي) وَهُوَ التَّبَيُّنُ (لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ) ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ فِي الْحَالِ فَيَكُونُ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِهِ، فَلَا تَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ. أَمَّا عَلَى الثَّانِي الْقَائِلِ بِحُصُولِ السِّرَايَةِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ، وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ فِي آخِرِ التَّدْبِيرِ (وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ) فَلَوْ دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ لَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ، فَلَا يَقْتَضِي السِّرَايَةَ وَلَا يَسْرِي أَيْضًا إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مُعْسِرٌ، وَلَا يَسْرِي أَيْضًا مِنْ بَعْضِهِ إلَى بَاقِيهِ فِيمَنْ مَلَكَهُ كُلَّهُ (وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ. وَالثَّانِي تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُوسِرٍ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا كَانَ مَنْ يَسْرِي عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ بَعْدَ أَنْ عَلَّقَ عِتْقَ حِصَّتِهِ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ وُجِدَتْ حَالَ الْحَجْرِ فَلَا سِرَايَةَ، وَفِي نَظِيرِهِ فِي حَجْرِ السَّفَهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ أَضْرَرْنَا بِالْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ السَّفِيهِ. (وَلَوْ) (قَالَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (لِشَرِيكِهِ الْمُوسِرِ: أَعْتَقْت نَصِيبَك فَعَلَيْك قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ) الشَّرِيكُ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي (صُدِّقَ) الْمُنْكِرُ (بِيَمِينِهِ) عَمَلًا بِالْأَصْلِ (فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ) إنْ حَلَفَ (وَيَعْتِقُ نَصِيبُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا) بِالرَّاجِحِ مِنْ أَنَّهُ (يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ) فِي الْحَالِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْمُنْكِرِ) وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْشِئْ عِتْقًا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِرَجُلٍ: إنَّك اشْتَرَيْتَ نَصِيبِي فَأَعْتَقْتَهُ فَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ نَصِيبَ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْرِي وَلَا يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَاسْتَحَقَّ الْقِيمَةَ وَلَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُ الْمُنْكِرِ أَيْضًا بِهَذَا الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مَا تَوَجَّهَتْ الدَّعْوَى نَحْوَهُ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلدَّعْوَى عَلَى إنْسَانٍ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ عَبْدَكَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَبْدِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: الْمُوسِرِ عَنْ الْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَ وَحَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ، فَلَوْ اشْتَرَى الْمُدَّعِي نَصِيبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا سِرَايَةَ فِي الْبَاقِي (وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ:) وَلَوْ مُعْسِرًا (إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 454 فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ، فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ عَنْهُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ. وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخَرَانِ نَصِيبَيْهِمَا   [مغني المحتاج] فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ) الْمَنْقُولُ لَهُ نَصِيبُهُ (وَهُوَ مُوسِرٌ) (سَرَى إلَى نَصِيبِ) الشَّرِيكِ (الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ) تَحْصُلُ (بِالْإِعْتَاقِ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ نَصِيبِ الْمُعَلِّقِ وَلَا يُعْتَقُ بِالتَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى النِّصْفِ تَعْلِيقٌ وَسِرَايَةٌ وَالسِّرَايَةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّهَا قَهْرِيَّةٌ لَا مَدْفَعَ لَهَا، وَمُوجِبُ التَّعْلِيقِ قَابِلٌ لِلدَّفْعِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: بَعْدَ نَصِيبِكَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ قَوْلَهُ: فَنَصِيبِي حُرٌّ كَانَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ أَنْ لَوْ قَالَ قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ، وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِالتَّبْيِينِ وَأُدِّيَتْ الْقِيمَةُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُوسِرِ عَنْ الْمُعْسِرِ فَلَا سِرَايَةَ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمُعَلِّقِ نَصِيبُهُ (وَلَوْ) (قَالَ) لِشَرِيكِهِ: إنْ أَعْتَقْت نَصِيبَكَ (فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ عِتْقِ نَصِيبِكَ (فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ) الْمَقُولُ لَهُ نَصِيبَهُ (فَإِنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ) مِنْهُمَا (عَنْهُ) الْمُنْجَزُ فِي الْحَالِ، وَالْمُعَلِّقِ قَبْلَهُ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ وَلَا سِرَايَةَ، وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْمُعَلِّقَ بِالْمُعْسِرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْآخَرِ بَيْنَ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ (وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ (وَكَذَا إنْ كَانَ) الْمُعَلِّقُ (مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ) وَهُوَ الْأَصَحُّ فَيَعْتِقُ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَإِلَّا) بِأَنْ صَحَّحْنَا الدَّوْرَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ (فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ) عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ إعْتَاقُ الْمَقُولِ لَهُ فِي نَصِيبِهِ لَعَتَقَ نَصِيبُ الْقَائِلِ. قَبْلَهُ، وَلَوْ عَتَقَ لَسَرَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى تَرْتِيبِ السِّرَايَةِ عَلَى الْعِتْقِ، وَلَوْ سَرَى لَبَطَلَ عِتْقُهُ، فَيَلْزَمُ مِنْ نُفُوذِهِ عَدَمُ نُفُوذِهِ، وَفِيمَا ذُكِرَ دَوْرٌ، وَهُوَ تَوَقُّفُ الشَّيْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَهُوَ دَوْرٌ لَفْظِيٌّ. تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ: نَصِيبِي حُرٌّ مَعَ عِتْقِ نَصِيبِك، أَوْ فِي حَالِ عِتْقِ نَصِيبِكَ فَأَعْتَقَهُ وَقُلْنَا: السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ فَفِي الْأَصَحِّ يَعْتِقُ عَلَى كُلٍّ نَصِيبُهُ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ الْمَعِيَّةِ الْمَانِعِ لِلسِّرَايَةِ. حَادِثَةٌ: سُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَتْ زَوْجَتُهُ أَنَّهُ عَوَّضَهَا إيَّاهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَأَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ فَهَلْ يَعْتِقُ وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهِ أَوْ لَا؟ فَقَالَ: يَعْتِقُ وَلَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِإِعْتَاقِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ. وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي الْمُؤَاخَذَةَ فِي نَصِيبِهَا وَعَدَمَ السِّرَايَةِ وَالثَّانِي: يَقْتَضِي السِّرَايَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ عَدَمُهَا، وَتُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا فِي إسْقَاطِ صَدَاقِهَا. وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُعْتِقُ (وَلَوْ) مَعَ التَّفَاوُتِ كَأَنْ (كَانَ عَبْدٌ) مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةٍ (لِرَجُلٍ) مِنْهُمْ (نِصْفُهُ وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخَرَانِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ بِخَطِّهِ (نَصِيبَهُمَا) بِالتَّثْنِيَةِ كَانَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 455 مَعًا عِتْقًا، فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَشَرْطُ السِّرَايَةِ إعْتَاقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ لَمْ يَسْرِ،   [مغني المحتاج] تَلَفُّظًا بِالْعِتْقِ (مَعًا) بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدُهُمَا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ، أَوْ وَكَّلَا وَكِيلًا فَأَعْتَقَهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ عَلَّقَاهُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَدُخُولِ الدَّارِ وَهُمَا مُوسِرَانِ (عِتْقًا) بِقَدْرِ الْوَاجِبِ (فَالْقِيمَةُ) لِلنِّصْفِ الَّذِي سَرَى الْعِتْقُ (عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ) عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمَا لَا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ التَّلَفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ: كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَاتِهِمَا الْمُخْتَلِفَةِ، وَكَمَا لَوْ وَضَعَ رَجُلَانِ فِي مَاءٍ لِغَيْرِهِمَا نَجَاسَةً فَإِنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي ضَمَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ وَضَعَ فِيهِ جَرْوًا وَالْآخَرُ جَرْوَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي الشُّفْعَةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ وَمَرَافِقِهِ كَالثَّمَرَةِ، وَهَذَا سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَقَطْ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ الثَّالِثِ قَطْعًا، فَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ بِدُونِ الْوَاجِبِ سَرَى إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحَسَبِ يَسَارِهِمَا، فَإِنْ تَفَاوَتَا فِي الْيَسَارِ سَرَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَجِدُ، وَإِنَّمَا ضَبَطَ الْمُصَنِّفُ الْآخِرَانِ بِكَسْرِ الْخَاءِ لِيُوَافِقَ قَوْلَ الْمُحَرَّرِ فَأَعْتَقَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ: فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. (وَشَرْطُ السِّرَايَةِ) أَيْ شُرُوطِهَا أَرْبَعَةٌ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُوهَمَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا كَمَا سَتَرَاهُ. أَحَدُهَا (إعْتَاقُهُ) أَيْ الْمَالِكِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ (بِاخْتِيَارِهِ) كَشِرَاءِ حُرٍّ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَقَبُولِ هِبَتِهِ أَوْ الْوَصِيَّةِ بِهِ. تَنْبِيهٌ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ مُقَابِلَ الْإِكْرَاهِ، بَلْ الْمُرَادُ السَّبَبُ فِي الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِالِاخْتِيَارِ عَنْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يُعْتَقُ فِيهِ الشِّقْصُ وَالْإِكْرَاهُ لَا عِتْقَ فِيهِ أَصْلًا، وَخَرَجَ بِاخْتِيَارِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ، أَوْ بَعْضَ أَصْلِهِ، وَإِنْ عَلَا (لَمْ يَسْرِ) عَلَيْهِ عِتْقُهُ إلَى بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ مِنْهُ يُعَدُّ إتْلَافًا، وَمَا لَوْ عَجَزَ مُكَاتَبٌ اشْتَرَى جُزْءَ بَعْضِ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ سَوَاءٌ أَعَجَزَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ أَمْ بِتَعْجِيزِ سَيِّدِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ. فَإِنْ قِيلَ: هُوَ مُخْتَارٌ فِي الثَّانِيَةِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا، وَمَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ اتَّهَبَ الْمُكَاتَبُ بَعْضَ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ وَعَتَقَ بِعِتْقِهِ لَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ بِاخْتِيَارِهِ، بَلْ ضِمْنًا، وَمَا لَوْ مَلَكَ شَخْصٌ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ وَبَاعَهُ بِثَوْبٍ مَثَلًا وَمَاتَ فَوَرِثَهُ أَخُوهُ وَرَدَّ الْأَخُ الثَّوْبَ بِعَيْبٍ وَجَدَهُ فِيهِ وَاسْتَرَدَّ الْبَعْضَ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَالرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الْخَاصَّةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ رَدُّ الثَّوْبِ لَا اسْتِرْدَادُ الْبَعْضِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَكِنْ الْمُصَحَّحُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا السِّرَايَةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي مِلْكِهِ بِالْفَسْخِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 456 وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَالْمَيِّتُ مُعْسِرٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبِهِ لَمْ يَسْرِ.   [مغني المحتاج] تَعْجِيزِ السَّيِّدِ مُكَاتَبَهُ بِأَنَّ الرَّدَّ يَسْتَدْعِي حُدُوثَ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ الشِّرَاءَ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ، وَمَا لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ كَالْإِرْثِ وَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِبَعْضِ ابْنِ أَخِيهِ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ الْقَبُولِ وَقَبِلَهُ الْأَخُ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَسْرِ؛ لِأَنَّهُ بِقَبُولِهِ يَدْخُلُ الْبَعْضُ فِي مِلْكِ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ. ثَانِي شُرُوطِ السِّرَايَةِ: أَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مَدْيُونًا وَاسْتَغْرَقَتْ الدُّيُونُ مَالَهُ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يُضَارِبَ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْمُضَارَبَةِ مَا بَقِيَ بِقِيمَةِ جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا أَخَذَ حِصَّتَهُ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى حُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ فَلَا يَسْرِي عَلَى مُعْسِرٍ (وَالْمَرِيضُ) أَيْضًا (مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ) فَإِنَّهُ إذَا عَتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ نَصِيبُهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ غَيْرُهُ فَلَا سِرَايَةَ، فَإِنْ خَرَجَ نَصِيبُهُ وَبَعْضُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا سِرَايَةَ فِي الْبَاقِي (وَالْمَيِّتُ) أَيْضًا (مُعْسِرٌ) مُطْلَقًا (فَلَوْ) (أَوْصَى) أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي رَقِيقٍ (بِعِتْقِ نَصِيبِهِ) مِنْهُ فَأَعْتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ (لَمْ يَسْرِ) إلَى بَاقِيهِ وَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ لِانْتِقَالِ الْمَالِ غَيْرِ الْمُوصَى بِهِ إلَى الْوَارِثِ. ثَالِثُ شُرُوطِ السِّرَايَةِ: أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهَا قَابِلًا لِلنَّقْلِ، فَلَا سِرَايَةَ فِي نَصِيبِ حُكْمٍ بِالِاسْتِيلَادِ فِيهِ، وَلَا إلَى الْحِصَّةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَلَا إلَى الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَزِمَ إعْتَاقُهُ بِمَوْتِ الْمَرِيضِ، أَوْ الْمُعَلِّقِ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ أَعْتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مُعْسِرًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لَا يَسْرِي إلَيْهِ بِعَكْسِهِ مَمْنُوعٌ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَعْضٍ مَرْهُونٍ، وَإِلَى بَعْضٍ مُدَبَّرٍ، وَإِلَى بَعْضٍ مُكَاتَبٍ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الشَّرِيكِ. رَابِعُ شُرُوطِ السِّرَايَةِ: أَنْ يَعْتِقَ نَصِيبُهُ أَوَّلًا لِيَعْتِقَ ثُمَّ يَسْرِيَ الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَلَوْ أُعْتِقَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ لَغَا، إذْ لَا مِلْكَ وَلَا تَبَعِيَّةَ، فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَرَى إلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ وَأَطْلَقَ فَهَلْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَلَى النِّصْفِ شَائِعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مِلْكِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعْتِقُ مَا يَمْلِكُهُ؟ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَعْتِقُ جَمِيعُهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَكَادُ يَظْهَرُ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ إلَّا فِي تَعْلِيقِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ. تَتِمَّةٌ أَمَةٌ حَامِلٌ مِنْ زَوْجٍ اشْتَرَاهَا ابْنُهَا الْحُرُّ وَزَوْجُهَا مَعًا وَهُمَا مُوسِرَانِ، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ أَوْصَى سَيِّدُهَا بِهَا لَهُمَا وَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ مَعًا فَتُعْتَقُ الْأَمَةُ عَلَى الِابْنِ، وَالْحَمْلُ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا وَلَا يُقَوَّمُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 457 فصل إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ عَتَقَ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي الْعِتْقِ بِالْبَعْضِيَّةِ] ِ (إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ) الثَّابِتَ النَّسَبِ (عَتَقَ) عَلَيْهِ. أَمَّا الْأُصُولُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ، وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ فَيُعْتِقَهُ الشِّرَاءُ لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ كَمَا فَهِمَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ قَوْلُهُ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ الذُّكُورَ مِنْهُمَا وَالْإِنَاثَ، عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا، مَلَكُوا اخْتِيَارًا أَوْ لَا، اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ، وَخَرَجَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُونَ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عَنْهُ وَأَمَّا خَبَرُ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ» فَضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ: إنَّهُ مُنْكَرٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ خَطَأٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ: يُعْتَقُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي آيَةِ الْمِيرَاثِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُعْتَقُ كُلُّ قَرِيبٍ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الثَّابِتَ النَّسَبِ مَا لَوْ وَلَدَتْ الْمَزْنِيُّ بِهَا وَلَدًا ثُمَّ مَلَكَهُ الزَّانِي لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَهْلِ التَّبَرُّعِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُمَا إذَا مَلَكَا ذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِمَا كَمَا سَيَأْتِي، وَوَقَعَ هُنَا التَّقْيِيدُ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ. قِيلَ: كَأَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يُقْصَدْ لِذَلِكَ مَفْهُومٌ مَمْنُوعٌ بَلْ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ صُوَرٍ: مِنْهَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَلَكَ أَصْلَهُ وَفَرْعَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ، وَكَانَ الْقَرِيبُ كَسُوبًا بِمَا يَقُومُ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ، وَإِذَا قَبِلَهُ مَلَكَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَلْ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ إذْ لَوْ عَتَقَ لَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَلَاءُ لِرَقِيقٍ. وَمِنْهَا مَا لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرَّ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِرْثَ وَالْوَلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِمَا، وَإِنَّمَا عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ الْمُبَعَّضِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَهْلٌ لِلْوَلَاءِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ مَلَكَ شَخْصٌ ابْنَ أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَوَرِثَهُ أَخُوهُ فَقَطْ، وَقُلْنَا: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ ابْنَهُ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ لَا يَرِدُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْحُرُّ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ الْحَمْلُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ انْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 458 وَلَا يَشْتَرِي لِطِفْلٍ قَرِيبَهُ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ وَصَّى لَهُ فَإِنْ كَانَ كَاسِبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ، وَيَعْتِقُ وَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا وَجَبَ الْقَبُولُ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مُوسِرًا حَرُمَ.   [مغني المحتاج] لَمْ يَرِثْ أَيْ لِأَنَّ عِتْقَهُ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَأُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَسَائِلُ الْمَرِيضِ الْأَتِيَّةُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ فَاشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَكَانَ مَعِيبًا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ رِضَاهُ بِعَيْبِهِ. (وَلَا يَشْتَرِي) الْوَلِيُّ (لِطِفْلٍ) أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (قَرِيبَهُ) الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَيْ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ، وَلَوْ قَالَ: لِمَحْجُورِهِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِالْغِبْطَةِ وَلَا غِبْطَةَ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُطَالَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ) (وَهَبَ لَهُ) أَيْ لِمَنْ ذُكِرَ (أَوْ) وَ (وَصَّى لَهُ) بِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ (كَاسِبًا) بِمَا يَفِي بِمُؤْنَتِهِ (فَعَلَى الْوَلِيِّ) وَلَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا (قَبُولُهُ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ مَعَ تَحْصِيلِ الْكَمَالِ لِأَصْلِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ تَوَقُّعِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ بِعَجْزٍ يَطْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَالْمَنْفَعَةُ مُحَقَّقَةٌ (وَيَعْتِقُ) عَلَى الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ (وَيُنْفِقُ) عَلَيْهِ (مِنْ كَسْبِهِ) لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْقَرِيبِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الْقَبُولِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ مُوسِرًا، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ مَنْ لَا يَكْتَسِبُ مِنْ الْأُصُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ، فَلَوْ عَبَّرَ بِمُوجِبِ النَّفَقَةِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَا بِالْكَسْبِ وَعَدَمِهِ لَكَانَ أَوْلَى، وَلَوْ أَوْصَى لِطِفْلٍ مَثَلًا بِجَدِّهِ وَعَمِّهِ الَّذِي هُوَ ابْنُ هَذَا الْجَدِّ حَيٌّ مُوسِرٌ لَزِمَ الْوَلِيَّ قَبُولُهُ، وَلَوْ كَانَ الْجَدُّ غَيْرَ كَاسِبٍ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَمِنْ صُوَرِ الْوَصِيَّةِ بِالْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدٌ بِحُرَّةٍ وَيُوَلِّدُهَا وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ يُوصِي سَيِّدُ الْعَبْدِ بِهِ لِابْنِهِ، وَمِنْ صُوَرِ الْوَصِيَّةِ بِالِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةً فَيُولِدُهَا فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِمَالِكِ الْأَمَةِ ثُمَّ يُوصِي سَيِّدُ الْوَلَدِ بِهِ لِأَبِيهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْقَرِيبُ كَاسِبًا نُظِرَ (فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ) أَوْ نَحْوُهُ (مُعْسِرًا وَجَبَ) عَلَى وَلِيِّهِ (الْقَبُولُ) إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ حِينَئِذٍ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يُوسِرُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ أَبَى الْوَلِيُّ قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ أَبَى قَبِلَ هُوَ الْوَصِيَّةَ إذَا كَمُلَ إلَّا الْهِبَةَ لِفَوَاتِهَا بِالتَّأْخِيرِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يُشْبِهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَبَى عَنْ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَكَانَ رَأَى أَنَّ الْقَرِيبَ يَعْجِزُ عَنْ قُرْبٍ أَوْ أَنَّ حِرْفَتَهُ كَثِيرَةُ الْكَسَادِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَ كَمَالِهِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَبَاهُ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا إذَا سَكَتَ (وَنَفَقَتُهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ قَرَابَةِ غَيْرِ الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ (فِي بَيْتِ الْمَالِ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلِأَنَّهُ مِنْ مَحَاوِيجِ الْمُسْلِمِينَ. أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَلِهَذَا يُقْطَعُ لِسَرِقَتِهِ، لَكِنْ الْإِمَامُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ عَلَى اللَّقِيطِ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ (أَوْ) كَانَ الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ (مُوسِرًا حَرُمَ) عَلَى وَلِيِّهِ الْقَبُولُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الصَّبِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ جَمِيعُ الْقَرِيبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ؛ فَلَوْ وُهِبَ لَهُ بَعْضُهُ وَهُوَ كَسُوبٌ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ مُوسِرٌ لَمْ يَقْبَلْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ مَلَكَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْرِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 459 وَلَوْ مَلَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ بِلَا عِوَضٍ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقِيلَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ فَمِنْ ثُلُثِهِ، وَلَا يَرِثُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَلَا يَعْتِقُ بَلْ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ،   [مغني المحتاج] عَلَى الْمَحْجُورِ فَتَجِبُ قِيمَةُ نَصِيبِ الشَّرِيكِ، وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ رُجِّحَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ وَيَعْتِقُ وَلَا يَسْرِي؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لِلسِّرَايَةِ بِالِاخْتِيَارِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَعَلَّلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ كَالْمُعْسِرِ. (وَلَوْ) (مَلَكَ) شَخْصٌ (فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ) الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ (بِلَا عِوَضٍ) كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ (عَتَقَ) عَلَيْهِ (مِنْ ثُلُثِهِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ وَخَرَجَ بِلَا مُقَابِلٍ فَأَشْبَهَ الْمُتَبَرِّعَ بِهِ، وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (وَقِيلَ) يُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ هُنَا، وَفِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهَا بِفَلَسٍ لَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا عَتَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ، قَالَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى (أَوْ) مَلَكَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ) بَلْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ (فَمِنْ ثُلُثِهِ) فَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ إلَّا مَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ بِالتَّفْرِيقِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ، وَقَوْلُهُ (وَلَا يَرِثُ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ حِينَئِذٍ وَصِيَّةٌ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِرْثِ فَالْأَبْعَدُ نَقْلُهُمَا، هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ، وَكَأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ. فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَيُحْتَمَلُ تَوَقُّفُ الْأَمْرِ إلَيْهَا، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَيْ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى عِتْقِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا، فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ عَلَى الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ، وَهَذَا خِلَافُ الَّذِي عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَرِثُ، أَمَّا إذَا اعْتَبَرْنَاهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَرَّ وَرِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَرِيضِ دَيْنٌ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) مُسْتَغْرِقٌ لِمَالِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ (فَقِيلَ: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ) ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَهُ يُؤَدِّي إلَى مِلْكِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ (وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ) إذْ لَا خَلَلَ فِيهِ (وَلَا يَعْتِقُ) مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْهُ (بَلْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ) وَيُلْغَزُ بِهَذَا، فَيُقَالُ: حُرٌّ مُوسِرٌ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْتَقُ، وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ بِإِذْنِهِ وَقَدْ رَكِبَهُ دَيْنُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْقِرَاضِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِالدُّيُونِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بِإِبْرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ إنْ خَرَجَ مِنْهُ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي الْأُولَى أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 460 أَوْ بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ، وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ. وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَتَقَ وَسَرَى، وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ. [فَصْلٌ] أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، عَتَقَ ثُلُثُهُ،   [مغني المحتاج] أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ فِيهِمَا وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا خَرَجَ مِنْ ثُلُثِ ذَلِكَ (أَوْ) مَلَكَ فِيهِ بِعِوَضٍ (بِمُحَابَاةٍ) مِنْ الْبَائِعِ كَأَنْ اشْتَرَى بِخَمْسِينَ وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً (فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ) فَيَكُونُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ خَمْسُونَ فِي هَذَا الْمِثَالِ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَجِيءُ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا مَلَكَهُ بِلَا عِوَضٍ هَلْ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؟ (وَالْبَاقِي) بَعْدَ قَدْرِهَا يُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ) جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْمُحَابَاةِ مِنْ الْبَائِعِ الْمُحَابَاةُ مِنْ الْمَرِيضِ كَأَنْ اشْتَرَاهُ بِمِائَةٍ وَهُوَ يُسَاوِي خَمْسِينَ فَقَدْرُهَا تَبَرُّعٌ مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ لَمْ يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِلَّا قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ فِي أَحَدِ أَوْجُهٍ اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَلَوْ) (وَهَبَ لِعَبْدٍ بَعْضَ قَرِيبٍ سَيِّدُهُ) الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ (فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ) الْعَبْدُ (بِهِ) أَيْ الْقَبُولِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (عَتَقَ) الْقَرِيبُ عَلَى السَّيِّدِ (وَسَرَى) عَلَيْهِ (وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ هِبَةٌ لِسَيِّدِهِ وَقَبُولَهُ كَقَبُولِ سَيِّدِهِ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ هُنَا، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ؛ وَلِهَذَا صَحَّحُوا أَنَّ السَّيِّدَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْيِ فِعْلِ عَبْدِهِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَسْرِي؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا كَالْإِرْثِ، وَفِيهَا كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ تَصْحِيحُهُ، اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مُبَعَّضًا وَلَا مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا عِتْقَ، أَوْ فِي نَوْبَةِ الرِّقِّ فَكَالْقِنِّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرِّيَّةِ لَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالرِّقِّ فِيهِ مَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لَمْ يُعْتَقْ مِنْ مَوْهُوبِهِ شَيْءٌ مَا دَامَتْ الْكِتَابَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ السَّيِّدِ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَلَمْ يَسْرِ، وَإِنْ عَجَّزَهُ السَّيِّدُ فَالْأَصَحُّ لَا سِرَايَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ التَّعْجِيزَ وَالْمِلْكُ حَصَلَ ضِمْنًا، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ. [فَصْلٌ فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ] [فَصْلٌ] فِي الْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبَيَانِ الْقُرْعَةِ. إذَا (أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ) عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ (عَتَقَ ثُلُثُهُ) وَرَقَّ ثُلُثَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ تَبَرُّعٌ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَصَايَا. تَنْبِيهٌ هَذَا إنْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ فَهَلْ يَمُوتُ كُلُّهُ رَقِيقًا أَوْ كُلُّهُ حُرًّا أَوْ ثُلُثُهُ حُرًّا وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ؟ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: هُنَا فِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الصَّيْدَلَانِيِّ الْأَوَّلُ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُعْتَقُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 461 فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ، وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ   [مغني المحتاج] هُنَا شَيْءٌ، وَنَقَلَا فِي الْوَصَايَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ تَصْحِيحَ الثَّانِي وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ، وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّالِثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ: وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَخَصَّ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ، فَإِنْ كَانَ مَاتَ عَنْ كَسْبٍ وَهُوَ مَثَلًا قِيمَتُهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِلتَّرِكَةِ مَثَلًا قِيمَتُهُ، وَإِنْ كَانَ نِصْفُ قِيمَتِهِ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ وَهَبَ فِي الْمَرَضِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَقْبَضَهُ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ رَقِيقًا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَوْتِهِ حُرًّا مَاتَ هُنَا عَلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَعَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ وُزِّعَتْ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ) (كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ (دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) (لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حِينَئِذٍ كَالْوَصِيَّةِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا. تَنْبِيهٌ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَدَمَ النُّفُوذِ لَكِنْ يُحْكَمُ بِإِعْتَاقِهِ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءِ الْمُسْتَحِقِّ نَفَذَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا: مِنْهَا مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبِ كَفَّارَةٍ. قِيلَ: فَالْأَرْجَحُ نُفُوذُهُ وَلَوْ أَمْكَنَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ بِبَعْضِ قِيمَتِهِ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى الدَّيْنِ. وَمِنْهَا الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ نَفَذَ مَعَ الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَمِنْهَا مَا إذَا أَبْرَأَ أَصْحَابَ الدَّيْنِ مِنْ دَيْنِهِمْ نَفَذَ الْعِتْقُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَغْرِقِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثُ بَاقِيهِ. (وَلَوْ) (أَعْتَقَ) شَخْصٌ (ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَرِقَّاءِ مَعًا كَأَعْتَقْتُكُمْ (لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ) عِنْدَ مَوْتِهِ (وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ) وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَهُمْ (عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فَتَعَيَّنَتْ طَرِيقًا، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً» وَالظَّاهِرُ تَسَاوِي الْأَثْلَاثِ فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 462 وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ، أَوْ ثُلُثُكُمْ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ أُقْرِعَ وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَهُ. وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٌ يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ، وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ، وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ، أَوْ الرِّقُّ رَقَّ وَأُخْرِجَتْ أُخْرَى بِاسْمٍ آخَرَ، يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا،   [مغني المحتاج] الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ عَبِيدَ الْحِجَازِ غَالِبًا لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُمْ. تَنْبِيهٌ شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَيِّتُ فِي الْقُرْعَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ رَقَّ الْآخَرَانِ وَبَانَ أَنَّهُ مَاتَ حُرًّا فَيُورَثُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ الْقُرْعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ طَارَ غُرَابٌ فَفُلَانٌ حُرٌّ أَوْ مَنْ وَضَعَ صَبِيٌّ يَدَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ لَمْ يَكْفِ (وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ، أَوْ) قَالَ (ثُلُثُكُمْ حُرٌّ) فَيُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِقُرْعَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَقُ ثُلُثُ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي هَاتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ كَإِعْتَاقِ كُلِّهِ (وَلَوْ) (قَالَ: أَعْتَقْت ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ) مِنْكُمْ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ، وَيُعْتَقُ وَاحِدٌ بِقُرْعَةٍ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَهُ) وَلَا إقْرَاعَ لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّبْعِيضِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، لَكِنْ تَشَوَّفَ الشَّارِعُ إلَى تَكْمِيلِ الْعِتْقِ يُوجِبُ اتِّبَاعَ الْخَبَرِ فِي إيقَاعِ الْقُرْعَةِ. تَنْبِيهٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَى الْمَوْتِ، فَإِنْ قَالَ: ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَلَا يُقْرَعُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَسْرِي، وَفُهِمَ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّصْوِيرِ بِمَا إذَا أَعْتَقَ الْأَبْعَاضَ مَعًا فَخَرَجَ مَا إذَا رَتَّبَهَا فَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ فَقَالَ: نِصْفُ غَانِمٍ حُرٌّ وَثُلُثُ سَالِمٍ حُرٌّ عَتَقَ ثُلُثَا غَانِمٍ وَلَا قُرْعَةَ، ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقُرْعَةِ وَالتَّجْزِئَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا فَقَالَ (وَالْقُرْعَةُ أَنْ يُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٌ) إذَا كَانَ الْعَبِيدُ ثَلَاثَةً كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ (يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ) مِنْهَا (رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ ضِعْفُ الْحُرِّيَّةِ، فَتَكُونُ الرِّقَاعُ عَلَى نِسْبَةِ الْمَطْلُوبِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ (وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ) مِنْ نَحْوِ شَمْعٍ (كَمَا سَبَقَ) فِي بَابِ الْقِسْمَةِ (وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَ) لَهُ (الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْ الرِّقُّ) لِوَاحِدٍ (رَقَّ وَأُخْرِجَتْ) رُقْعَةٌ (أُخْرَى بِاسْمٍ آخَرَ) فَإِنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الثَّالِثُ، وَإِنْ خَرَجَ لَهُ الرِّقُّ رَقَّ وَعَتَقَ الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْقُرْعَةِ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ طَرِيقًا آخَرَ لِلْقُرْعَةِ وَعَبَّرَ فِيهَا بِالْجَوَازِ فَقَالَ (يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ) فِي الرِّقَاعِ (ثُمَّ تُخْرَجُ رُقْعَةٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا) أَيْ الْبَاقِيَانِ. تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّرِيقَ الْأُولَى أَوْلَى لِتَعْبِيرِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالْجَوَازِ، لَكِنْ صَوَّبَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَغَيْرُهُمَا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِيهَا يُمْكِنُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 463 وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةَ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَآخَرُ مِائَتَانِ، وَآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ أُقْرِعَ بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا، أَوْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ، أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَمَنْ خَرَجَ تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَثَلَاثَةٍ مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا، وَالِاثْنَانِ جُزْءًا، وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا،   [مغني المحتاج] قَدْ يُحْوَجُ إلَى إعَادَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى رُقْعَتَيْنِ، فِي إحْدَاهُمَا عِتْقٌ، وَفِي الْأُخْرَى رِقٌّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي الرَّوْضَةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ احْتِيَاطٌ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّا إذَا أَخْرَجْنَا رُقْعَةً عَلَى عَبْدٍ فَخَرَجَ فِيهَا رِقٌّ يُحْتَاجُ إلَى إدْرَاجِهَا فِي بُنْدُقِهَا مَرَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ ثَلَاثٌ أَرْجَحَ مِنْ رُقْعَتَيْنِ لَا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ اهـ. وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ (وَإِنْ) اخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُمْ كَأَنْ (كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةَ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (مِائَةٌ، وَآخَرُ مِائَتَانِ، وَآخَرُ ثَلَاثُمِائَةٍ) (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ (بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ) بِأَنْ يُكْتَبَ فِي رُقْعَتَيْنِ رِقٌّ، وَفِي أُخْرَى عِتْقٌ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا) أَيْ الْبَاقِيَانِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَتِمُّ الثُّلُثُ (أَوْ لِلثَّالِثِ عَتَقَ ثُلُثَاهُ) وَرَقَّ بَاقِيهِ وَالْآخَرَانِ (أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ، ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ) فِي رُقْعَتَيْنِ (فَمَنْ خَرَجَ) الْعِتْقُ عَلَى اسْمِهِ مِنْهُمَا (تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ) وَإِنْ كَانَ ذَا الْمِائَتَيْنِ عَتَقَ نِصْفُهُ أَوْ ذَا الثَّلَاثِمِائَةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَرَقَّ الْبَاقِي الْآخَرُ. تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ يُوهِمُ تَعْيِينَ هَذَا الطَّرِيقِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجُوزُ الطَّرِيقُ الْآخَرُ وَإِنْ كَتَبَ فِي الرِّقَاعِ أَسْمَاءَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ اسْمُ ذِي الْمِائَةِ عَتَقَ وَتُمِّمَ الثُّلُثُ مِمَّنْ خَرَجَ اسْمُهُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْأَرِقَّاءُ (فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ) مَعًا فِي الْأَجْزَاءِ الثَّلَاثِ (كَسِتَّةٍ) أَوْ تِسْعَةٍ (قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا) فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ (اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ) وَفِي الْمِثَالِ الثَّانِي ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً وَفُعِلَ كَمَا سَبَقَ فِي الثَّلَاثَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقِيمَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سِتَّةٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٍ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ فَيُضَمُّ إلَى كُلِّ نَفِيسٍ خَسِيسٌ فَتَسْتَوِي الْأَجْزَاءُ عَدَدًا وَقِيمَةً (أَوْ) أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ (بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ) مِنْهُمْ (مِائَةٌ، وَ) قِيمَةُ (ثَلَاثَةٍ) مِنْهُمْ (مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا وَالِاثْنَانِ جُزْءًا وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا) وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ تَابَعَ الْمُصَنِّفُ الْمُحَرَّرَ فِي هَذَا الْمِثَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَإِنَّ السِّتَّةَ لَهَا ثُلُثٌ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا مِثَالُهُ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خَمْسَةٌ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 464 وَإِنْ تَعَذَّرَ بِالْقِيمَةِ كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ، أَوْ لِلِاثْنَيْنِ رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي قُلْتُ: أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ، وَقِيلَ إيجَابٍ،   [مغني المحتاج] وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَحِينَئِذٍ فَالْعِبَارَةُ مَعْكُوسَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ ثَلَاثَةٍ مِائَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ اهـ. وَاعْتَذَرَ الشُّرَّاحُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: وَفِي عِتْقِ الِاثْنَيْنِ إنْ خَرَجَ وَافَقَ ثُلُثُ الْعَدَدِ ثُلُثَ الْقِيمَةِ، فَقَوْلُهُ: دُونَ الْعَدَدِ صَادِقٌ بِبَعْضِ الْأَجْزَاءِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِلْمُثْبِتِ قَبْلَهُ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ. قَالَ: وَلَا يَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ بِالْعَدَدِ دُونَ الْقِيمَةِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ) تَوْزِيعُهُمْ (بِالْقِيمَةِ) مَعَ الْعَدَدِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَا لَقِيمَتِهِمْ ثُلُثٌ صَحِيحٌ (كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: وَاحِدٌ) جُزْءٌ (وَوَاحِدٌ) جُزْءٌ (وَاثْنَانِ) جُزْءٌ؛؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ) كُلُّهُ (ثُمَّ أُقْرِعَ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَيُحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهُ إنْ خَرَجَ لِلْوَاحِدِ فَعَتَقَ ثُلُثُهُ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ خَرَجَ لِاثْنَيْنِ فَكَيْفَ يُفْعَلُ؟ هَلْ يَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُهُ أَوْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا ثَانِيًا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ اهـ. وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لِلتَّعَرُّضِ لَهُ، فَإِنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقُرْعَةَ تُعَادُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَأَنَّهُمْ يُجَزَّءُونَ أَثْلَاثًا كَمَا مَرَّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ (أَوْ) خَرَجَ الْعِتْقُ (لِلِاثْنَيْنِ) الْمَجْمُوعَيْنِ جُزْءًا (رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ اللَّذَيْنِ خَرَجَ لَهُمَا رُقْعَةُ الْعِتْقِ (فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتِمُّ الثُّلُثُ (وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الثَّانِي) وَهُوَ الْقَارِعُ. ثَانِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى فَصْلِ الْأَمْرِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَثُلُثُ الْبَاقِي بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ، وَفِي بَعْضِهَا الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْقُرْعَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ فِي أَرْبَعِ رِقَاعٍ وَيُخْرِجَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ إلَى أَنْ يَتِمَّ الثُّلُثُ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ أَوَّلًا رُقْعَةٌ بِالْحُرِّيَّةِ عَتَقَ وَتُعَادُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْبَاقِينَ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ ثَانِيًا عَتَقَ ثُلُثُهُ (قُلْتُ) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّهُمْ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ بِحَيْثُ يَقْرَبُ مِنْ الثُّلُثِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ (وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِكُلِّ طَرِيقٍ مِنْ ذَلِكَ (وَقِيلَ) فِي (إيجَابٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَمَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 465 وَإِذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ مَالٌ وَخَرَجَ كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا، وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَرَجَ بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ أُقْرِعَ، وَمَنْ عَتَقَ بِقُرْعَةٍ حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ، وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ بَقِيَ رَقِيقًا قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ وَحُسِبَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ، لَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ،   [مغني المحتاج] فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وِفَاقًا لِلْقَاضِي وَلِلْإِمَامِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ (وَ) حِينَئِذٍ (إذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ) بَعْدَهَا (مَالٌ) آخَرُ لِلْمَيِّتِ جَهِلْنَاهُ وَقْتَ الْقُرْعَةِ (وَخَرَجَ) الْأَرِقَّاءُ (كُلُّهُمْ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا) أَيْ تَبَيَّنَ عِتْقُهُمْ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ، وَلِهَذَا قَالَ (وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ) وَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ كَوَلَدٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ وَجُلِدَ خَمْسِينَ كُمِّلَ حَدُّهُ إنْ كَانَ بِكْرًا، وَرُجِمَ إنْ كَانَ ثَيِّبًا، أَوْ لَوْ كَانَتْ أَمَةً زَوَّجَهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ بَطَلَ نِكَاحُهَا، وَلَوْ وَطِئَهَا الْوَارِثُ بِالْمِلْكِ لَزِمَهُ مَهْرُهَا، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَاعَ أَحَدَهُمْ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ بَطَلَ تَصَرُّفُهُ وَرَجَعَ الْمُؤَجَّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ (وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَهُوَ كَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا عَلَى ظَنِّ الصِّحَّةِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ (وَإِنْ) (خَرَجَ) مِنْ الثُّلُثِ (بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ) فِيمَا إذَا أُعْتِقَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَاحِدٌ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْعَبِيدِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهُوَ مَعَ الْأَوَّلِ. تَنْبِيهٌ لَوْ خَرَجَ بَعْضُ عَبْدٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى قَاعِدَةٍ (وَ) هِيَ كُلُّ (مَنْ عَتَقَ) مِنْ الْأَرِقَّاءِ (بِقُرْعَةٍ) (حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ) لَا مِنْ يَوْمِ الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهَا مُبَيِّنَةٌ لِلْعِتْقِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَهَا، بِخِلَافِ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ حِينَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ (وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ) سَوَاءٌ كَسَبَهُ فِي حَيَاةِ الْمُعْتِقِ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ (وَ) كُلُّ (مَنْ بَقِيَ) أَيْ اسْتَمَرَّ (رَقِيقًا) مِنْ الْأَرِقَّاءِ (قُوِّمَ يَوْمَ الْمَوْتِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ. تَنْبِيهٌ مَحِلُّ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ يَوْمِ الْمَوْتِ أَقَلَّ أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِأَقَلِّ الْقِيَمِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إلَى وَقْتِ قَبْضِ الْوَارِثِ التَّرِكَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْمَوْتِ أَقَلَّ فَالزِّيَادَةُ حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِمْ أَوْ وَقْتَ الْقَبْضِ أَقَلَّ فَمَا نَقَصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِمْ، فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ كَاَلَّذِي يُغْصَبُ أَوْ يَضِيعُ مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُوهُ (وَحُسِبَ) عَلَى الْوَارِثِ (مِنْ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ الْمَوْتِ) لِلْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْوَارِثِ (لَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ) أَيْ مَوْتِ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ بِيعَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 466 فَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ مِائَةٌ، وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً أُقْرِعَ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ رُبُعُهُ، وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ.   [مغني المحتاج] فِي الدَّيْنِ وَالْكَسْبِ لِلْوَارِثِ لَا يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْهُ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى مَا سَبَقَ قَوْلَهُ: (فَلَوْ) (أَعْتَقَ) فِي مَرَضِ مَوْتِهِ (ثَلَاثَةً) مَعًا (لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ) مِنْهُمْ (مِائَةٌ وَكَسَبَ أَحَدُهُمْ) قَبْلَ مَوْتِ الْمُعْتِقِ (مِائَةً) (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ (فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ الْمِائَةُ) الَّتِي اكْتَسَبَهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ عَتَقَ فَلَهُ كَسْبٌ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ وَرَقَّ الْآخَرَانِ (وَإِنْ خَرَجَ) الْعِتْقُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ الْكَاسِبِ (عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ) ثَانِيًا بَيْنَ الْكَاسِبِ، وَالْآخَرِ لِتَتْمِيمِ الثُّلُثِ (فَإِنْ خَرَجَتْ) أَيْ الْقُرْعَةُ (لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ) وَبَقِيَ ثُلُثَاهُ مَعَ الْكَاسِبِ وَكَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ، وَهُوَ مَثَلًا قِيمَةُ الْأَوَّلِ وَمَا عَتَقَ مِنْ الثَّانِي (وَإِنْ خَرَجَتْ) أَيْ الْقُرْعَةُ (لَهُ) أَيْ الْكَاسِبِ (عَتَقَ رُبُعُهُ وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُ مَا عَتَقَ، وَلَا يَبْقَى ذَلِكَ إلَّا بِمَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ رُبُعُهُ وَقِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَتَبِعَهُ مَنْ كَسْبُهُ قَدْرُهَا وَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى مِنْ كَسْبِهِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَبَقِيَ مِنْهُ مَا قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، وَبَقِيَ عَبْدٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَجُمْلَةُ التَّرِكَةِ الْمَحْسُوبَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، مِنْهَا قِيمَةُ الْعَبِيدِ ثَلَاثُمِائَةٍ. وَمِنْهَا كَسْبُ أَحَدِهِمْ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ، فَجُمْلَةُ مَا عَتَقَ قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَجُمْلَةُ مَا بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَأَمَّا رُبُعُ كَسْبِهِ فَغَيْرُ مَحْسُوبٍ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا عَتَقَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتَقَسَّطُ عَلَى مَا فِي الْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، فَمَا قَابَلَ مِائَةً مِنْ الْحُرِّيَّةِ كَانَ لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، وَمَا قَابَلَ مِائَةً مِنْ الرِّقِّ فَهُوَ لِلسَّيِّدِ فَتَزْدَادُ تَرِكَتُهُ بِذَلِكَ، وَبِازْدِيَادِهَا يَزْدَادُ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ فِي الْكَسْبِ فَتَنْقُصُ حِصَّةُ التَّرِكَةِ، فَدَارَتْ الْمَسْأَلَةُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا يَعْتِقُ مِنْهُ، وَطَرِيقُ اسْتِخْرَاجِهِ بِالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُحَرَّرُ، فَقَالَ: وَيُسْتَخْرَجُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ بِأَنْ يُقَالَ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ الثَّانِي شَيْءٌ، وَتَبِعَهُ مَنْ كَسْبُهُ مِثْلُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ، فَيَبْقَى لِلْوَارِثِ ثَلَاثُمِائَةٍ سِوَى شَيْئَيْنِ يَعْدِلُ مِثْلَيْ مَا أَعْتَقَا وَهُوَ مِائَةٌ وَشَيْءٌ، فَمِثْلَاهُ مِائَتَانِ وَشَيْئَانِ، وَذَلِكَ مُقَابِلُ ثَلَاثِمِائَةٍ سِوَى شَيْئَيْنِ فَتُجْبَرُ وَتُقَابَلُ، فَمِائَتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ مُقَابِلُ ثَلَاثِمِائَةٍ يُسْقِطُ الْمِائَتَيْنِ بِالْمِائَتَيْنِ فَتَبْقَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ فِي مُقَابَلَةِ مِائَةٍ، فَالشَّيْءُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الَّذِي عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ رُبُعُهُ، وَتَبِعَهُ مِنْ الْكَسْبِ رُبُعُهُ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنْ الثُّلُثِ اهـ كَلَامُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَتِمَّةٌ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ حُرٌّ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا، ثُمَّ حَيًّا لَمْ يُعْتَقْ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْمَجْهُولِ نَسَبُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُلَاطَفَةِ: أَنْتَ ابْنِي وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ بِمَا يَتَأَتَّى مَعَهُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَصَدَّقَهُ وَيَعْتِقُ فَقَطْ إنْ كَذَّبَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ لَغَا قَوْلُهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَكَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 467 فصل في الولاء مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ بِإِعْتَاقٍ أَوْ كِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ وَسِرَايَةٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ.   [مغني المحتاج] [فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ] (فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ) (فَصْلٌ فِي الْوَلَاءِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ لُغَةً الْقَرَابَةُ، مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُقَارَبَةُ، وَشَرْعًا عُصُوبَةٌ سَبَبُهَا زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهِيَ مُتَرَاخِيَةٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ، فَيَرِثُ بِهَا الْمُعْتَقُ، وَيَلِي أَمْرَ النِّكَاحِ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَيَعْقِلُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] إلَى قَوْلِهِ: {وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَاللُّحْمَةُ بِضَمِّ اللَّامِ الْقَرَابَةُ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَلَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ وُرِثَ لَاشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَلَاخْتَصَّ الِابْنُ الْمُسْلِمُ بِالْإِرْثِ بِهِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ الْمُسْلِمُ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ، فَأَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ عَنْهُمَا (مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ) أَوْ مُبَعَّضٌ (بِإِعْتَاقٍ) مُنْجَزٍ إمَّا اسْتِقْلَالًا أَوْ بِعِوَضٍ كَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ضِمْنًا كَقَوْلِهِ: اعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي. فَأَجَابَهُ، أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ وُجِدَتْ (أَوْ كِتَابَةٍ) بِأَدَاءِ نُجُومٍ (وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ) كَأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ مَلَكَهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (وَسِرَايَةٍ) كَمَا مَرَّ فِي عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ نَصِيبَهُ، أَوْ بِإِعْتَاقِ غَيْرِهِ رَقِيقَهُ عَنْهُ بِإِذْنِهِ (فَوَلَاؤُهُ لَهُ) إمَّا بِالْإِعْتَاقِ فَلِلْخَبَرِ السَّابِقِ، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَبْدَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا، لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 468 ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ، وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ، فَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ،   [مغني المحتاج] لَهُ لَا لِلْمَالِكِ. وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ سَائِبَةً أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَلَاؤُهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ كَنَسَبِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، لِأَنَّ الْمِلْكَ بِزَعْمِهِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ، وَإِنَّمَا عَتَقَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ. وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ كَافِرًا فَلَحِقَ الْعَتِيقُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ الثَّانِي فَوَلَاؤُهُ لِلثَّانِي. وَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْإِمَامُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِلْمُعْتِقِ. تَنْبِيهٌ: يَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَعَكْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا كَمَا ثَبَتَ عَلَقَةُ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَوَارَثَا. وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِعْتَاقِ كَإِسْلَامِ شَخْصٍ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ وَحَدِيثُ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ» قَالَ الْبُخَارِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ، وَكَالْتِقَاطٍ، وَحَدِيثُ «تَحُوزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ» ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَالْحَلِفِ وَالْمُوَالَاةِ (ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ) الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَمَنْ يَعْصِبُهُمْ الْعَاصِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ مَوْرُوثًا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ لِلْعَاصِبِ مَعَ وُجُودِ الْمُعْتِقِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ ثَابِتٌ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ. فِيمَا إذَا مَاتَ الْعَتِيقُ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَالْمُعْتِقُ حُرٌّ كَافِرٌ، وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ فَمِيرَاثُهُ لِلِابْنِ الْمُسْلِمُ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ لَكَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، بَلْ الْمُتَأَخَّرُ لَهُمْ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ فَوَائِدُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَيِّدَ الْعَصَبَةَ بِمَا زِدْتُهُ فِي كَلَامِهِ وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ) فَلَوْ كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنٌ وَبِنْتٌ وَرِثَ الذَّكَرُ دُونَهَا. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: (إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَأَوْلَادِهِ) وَإِنْ نَزَلُوا (وَعُتَقَائِهِ) وَإِنْ بَعُدُوا. تَنْبِيهٌ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إلَّا مِنْ مُعْتِقِهَا أَوْ مُنْتَمٍ إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ لِئَلَّا يُرَدَّ عَلَيْهِ وَلَدُ الْعَتِيقَةِ الَّذِي عَلِقَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ حُرٍّ أَصْلِيٍّ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي عِبَارَتِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْفَرَائِضِ، وَذَكَرهَا هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (فَإِنْ) (عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا) كَأَنْ اشْتَرَتْهُ (ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ) مِنْ النَّسَبِ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ (فَمَالُهُ) أَيْ الْعَتِيقِ (لِلْبِنْتِ) لَا لِكَوْنِهَا بِنْتَ مُعْتِقِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا لَا تَرِثُ بَلْ؛ لِأَنَّهَا مُعْتِقَةُ الْمُعْتِقِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ مِيرَاثِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ عَصَبَةٌ، فَإِنْ كَانَ كَأَخٍ وَابْنِ عَمٍّ، فَمِيرَاثُ الْعَتِيقِ لَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 469 وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ. وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ. وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ،   [مغني المحتاج] وَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعْت بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُمِائَةِ قَاضٍ، فَقَالُوا: إنَّ الْمِيرَاثَ لِلْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهَا أَقْرَبَ وَهِيَ عَصَبَةٌ لَهُ بِوَلَائِهَا عَلَيْهِ، وَوَجْهُ الْغَفْلَةِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ الْمُعْتِقُ. ثُمَّ عَصَبَتُهُ. ثُمَّ مُعْتِقُهُ. ثُمَّ عَصَبَاتُهُ، وَهَكَذَا، وَوَارِثُ الْعَبْدِ هَهُنَا عَصَبَةٌ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مُعْتِقِ مُعْتِقِهِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مَعَ وُجُودِهِ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى بَعْضِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَنِسْبَةُ غَلَطِ الْقُضَاةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَكَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ غَلَطِهِمْ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَخٌ وَأُخْتٌ أَبَاهُمَا، فَأَعْتَقَ الْأَبُ عَبْدًا وَمَاتَ. ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ، فَقَالُوا: مِيرَاثُهُ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ؛ لِأَنَّهُمَا مُعْتِقَا مُعْتِقِهِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا الْمِيرَاثُ لِلْأَخِ وَحْدَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِلَا وَارِثٍ يَرْجِعُ لِلْأَبِ وَالْعَبْدِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَبِ (وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَكْبَرُ الْجَمَاعَةِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْبِ دُونَ السِّنِّ، مِثَالُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِ ابْنِهِ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَّفَ ابْنًا، فَالْوَلَاءُ لِعَمِّهِ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْوَارِثَ لِأَبِيهِ، فَلَوْ مَاتَ الْآخَرُ وَخَلَفَ تِسْعَةَ بَنِينَ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الْعَشَرَةِ بِالسَّوِيَّةِ. (وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ) فَعَتَقَ (فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) لِأَحَدٍ (إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ) فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِ أَحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ مَنْ أَعْتَقَهُ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ أُصُولِهِ، فَاخْتَصَّ بِالْوَلَاءِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَلِدَ رَقِيقُهُ رَقِيقًا مِنْ رَقِيقٍ أَوْ حُرٍّ فَأُعْتِقَ الْوَلَدُ وَأُعْتِقَ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ اسْتِرْسَالِ الْوَلَاءِ عَلَى أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَأَحْفَادِهِ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ صُورَةً أُخْرَى وَهِيَ مَنْ أَبُوهُ حُرٌّ أَصْلِيٌّ، فَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ لِلْأَبِ وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، فَكَذَا الْفَرْعُ، فَإِنَّ ابْتِدَاءَ حُرِّيَّةِ الْأَبِ تُبْطِلُ دَوَامَ الْوَلَاءِ لِمَوَالِي الْأُمِّ كَمَا سَيَأْتِي فَدَوَامُهَا أَوْلَى بِأَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتُهَا لَهُمْ، أَمَّا عَكْسُهُ وَهُوَ مُعْتَقٌ تَزَوَّجَ بِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، فَفِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْوَلَدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلنَّسَبِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، فَحُرِّيَّتُهَا تَمْنَعُ الْوَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ كَالْأَبِ، وَلَا وَلَاءَ عَلَى ابْنِ حُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ مَاتَ أَبُوهُ رَقِيقًا، فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ، فَهَلْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ أَمْ لَا؟ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً، فَكَذَا بَعْدَهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ وَجْهَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ، وَمَنْ وُلِدَ بَيْنَ حُرَّيْنِ، ثُمَّ رَقَّ أَبَوَاهُ، ثُمَّ زَالَ رِقُّهُمَا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نِعْمَةَ الْإِعْتَاقِ لَمْ تَشْمَلْهُ لِحُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي. ثُمَّ أَشَارَ لِوَلَاءِ الِانْجِرَارِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى الْأُمِّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَتَقَ بِإِعْتَاقِ أُمِّهِ (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ) الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ (إلَى مَوَالِيهِ) أَيْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ فَرْعُ النَّسَبِ، وَالنَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ دُونَ الْأُمَّهَاتِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِمَوَالِي الْأُمِّ لِعَدَمِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَإِذَا أَمْكَنَ عَادَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 470 وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، وَقِيلَ يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ أَبَاهُ جُرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ إلَيْهِ، وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ..   [مغني المحتاج] إلَى مَوْضِعِهِ. تَنْبِيهٌ: مَعْنَى الِانْجِرَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ مِنْ وَقْتِ عِتْقِ الْأَبِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ، فَإِذَا انْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَمْ يَرْجِعْ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ، بَلْ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ لَحِقَ مَوَالِي الْأَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبُوا هَلْ يَعُودُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأُمِّ؟ حَكَى ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَمَحِلُّ الِانْجِرَارِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتِقُ الْأَبِ هُوَ الِابْنَ نَفْسَهُ، فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ وَلَاءَ الِابْنِ بَاقٍ لِمَوَالِي أُمِّهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الْجَدُّ انْجَرَّ) الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ (إلَى مَوَالِيهِ) أَيْ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ فِي النَّسَبِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ انْجِرَارٌ (فَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ) الْوَلَاءُ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ أَيْضًا لِمَا مَرَّ (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ) أَيْ الْجَدِّ (انْجَرَّ) مِنْ مَوَالِي الْجَدِّ (إلَى مَوَالِيهِ) أَيْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ إنَّمَا جَرَّهُ لِكَوْنِ الْأَبِ كَانَ رَقِيقًا، فَإِذَا عَتَقَ كَانَ أَوْلَى بِالْجَرِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ، وَإِذَا انْقَرَضَ مَوَالِي الْأَبِ لَا يَعُودُ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ، وَلَا إلَى مَوَالِي الْأُمِّ بَلْ يَبْقَى لِبَيْتِ الْمَالِ (وَقِيلَ) لَا يَنْجَرُّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ بَلْ (يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرَّ إلَى مَوَالِي الْجَدِّ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَنْجَرَّ لِبَقَاءِ الْأَبِ رَقِيقًا، فَإِذَا مَاتَ زَالَ الْمَانِعُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْجَدِّ أَبُو الْأَبِ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَنْجَرُّ مِنْ مُعْتَقِي الْأُمِّ إلَى مُعْتَقِ أَبِي الْأُمِّ بِلَا خِلَافٍ (وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ) الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي أَبِيهِ بِسَبَبِ رِقِّ أُمِّهِ (أَبَاهُ) وَعَتَقَ عَلَيْهِ (جُرَّ وَلَاءُ إخْوَتِهِ) لِأَبِيهِ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِمْ (إلَيْهِ) أَيْ الْوَلَدِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ، سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أُمِّهِ أَمْ مِنْ مُعْتَقَةٍ أُخْرَى (وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ) جُرَّ مِنْ مَوَالِي أُمِّهِ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْمُحَرَّرِ كَإِخْوَتِهِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْأَبَ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَسْقُطُ وَيَصِيرُ كَحُرٍّ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ (قُلْت) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ: (الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ) أَيْ وَلَاءَ نَفْسِهِ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ إلَيْهِ، بَلْ يَسْتَمِرُّ الْوَلَاءُ لَهُمْ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَرَّهُ لَثَبَتَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَاءٌ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ أَوْ كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ وَأَخَذَ النُّجُومَ يَعْتِقُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ سَهْوٌ. خَاتِمَةٌ: لَوْ أَعْتَقَ عَتِيقٌ أَبَا مُعْتِقِهِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ أَعْتَقَ أَجْنَبِيٌّ أُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَاشْتَرَيَا أَبَاهُمَا فَلَا وَلَاءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَلَوْ خُلِقَ حُرٌّ مِنْ حُرَّيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 471 .. .... .... .... ..   [مغني المحتاج] أَصْلِيَّيْنِ وَأَجْدَادُهُ أَرِقَّاءُ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَغْرُورِ، وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَنَحْوِهِمَا. فَإِذَا عَتَقَتْ أُمُّ أُمِّهِ فَالْوَلَاءُ عَلَيْهِ لِمُعْتِقِهَا، فَإِنْ عَتَقَ أَبُو أُمِّهِ انْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأُبُوَّةِ أَقْوَى وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مَنْ انْجَرَّ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ أَعْتَقَ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ وَابْنٌ كَافِرٌ ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ بَعْدَ مَوْتِ مُعْتِقِهِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِ فَقَطْ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْآخَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَوَلَاؤُهُ لَهُمَا، وَلَوْ مَاتَ فِي حَيَاةِ مُعْتِقِهِ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 472 كتاب التدبير صَرِيحُهُ أَنْتَ حُرُّ بَعَدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا دَبَّرْتُكَ وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي.   [مغني المحتاج] [كِتَابُ التَّدْبِيرِ] ِ هُوَ لُغَةً: النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ وَشَرْعًا: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِالْمَوْتِ الَّذِي هُوَ دُبُرُ الْحَيَاةِ فَهُوَ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا وَصِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إعْتَاقٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ دُبُرُ الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تَدْبِيرَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ دَبَّرَ أَمْرَ حَيَاتِهِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَأَمْرَ آخِرَتِهِ بِعِتْقِهِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الشَّرْعُ، وَقِيلَ: إنَّهُ مُبْتَدَأٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ التَّدْبِيرُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ مِنْ الْوَصَايَا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَتَقْرِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَعَدَمُ إنْكَارِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، وَاسْمُ الْغُلَامِ يَعْقُوبُ، وَمُدَبِّرُهُ مَذْكُورٌ الْأَنْصَارِيُّ، وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ» وَنَسَبَهُ إلَى الْخَطَإِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَمَالِكٌ، وَمَحِلٌّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِهِ، وَهُوَ إمَّا صَرِيحٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا فَقَالَ (صَرِيحُهُ) الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ التَّدْبِيرِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ (أَنْتَ حُرٌّ) أَوْ حَرَّرْتُكَ (بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ) أَوْ عَتِيقٌ (أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي) وَنَحْوُ ذَلِكَ كَأَنْتَ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ مَوْتِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَهُوَ شَأْنُ الصَّرِيحِ (وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ لِاشْتِهَارِهِ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ مِنْ الْكِنَايَةِ وَهُوَ كِنَايَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ لَفْظِ الْعَتِيقِ وَالْحُرِّيَّةِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْتُهُ، وَلَوْ قَالَ مِثْلَ كَذَا كَانَ أَوْلَى. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَيَصِحُّ بِكِنَايَةٍ عِتْقٌ مَعَ نِيَّةٍ ك خَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي) نَاوِيًا الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْعِتْقِ فَدَخَلَتْهُ كِنَايَتُهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حَرَامٌ أَوْ مُسَيَّبٌ أَوْ مَالِكٌ نَفْسَكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمِلَةِ، وَيَصِحُّ أَيْضًا بِلَفْظِ التَّحْبِيسِ الَّذِي هُوَ مِنْ صَرَائِحِ الْوَقْفِ كَمَا نَقَلَاهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ عَنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ. تَنْبِيهٌ: لَوْ دَبَّرَ بَعْضَهُ نُظِرَ إنْ كَانَ مُبْهَمًا كَرُبُعِهِ صَحَّ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَلَا يَسْرِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 473 وَيَجُوزُ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي   [مغني المحتاج] كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ مُعَيَّنًا كَيَدِهِ لَغَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ لَسْت بِحُرٍّ لَا يَصِحُّ كَمِثْلِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِيمَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ جُهِلَتْ إرَادَتُهُ. فَإِنْ قَالَهُ فِي مَعْرِضِ الْإِنْشَاءِ عَتَقَ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْإِقْرَارِ فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْإِقْرَارِ. (وَيَجُوزُ) التَّدْبِيرُ مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَ (مُقَيَّدًا) بِشَرْطٍ فِي الْمَوْتِ بِمُدَّةٍ يُمْكِنُ بَقَاءُ السَّيِّدِ إلَيْهَا (كَإِنْ) أَوْ مَتَى (مِتُّ فِي ذَا الشَّهْرِ أَوْ) فِي ذَا (الْمَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ) قِيَاسًا عَلَى الْمُطْلَقِ، فَإِنْ مَاتَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، كَإِنْ مِتُّ بَعْدَ أَلْفِ سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَكُونُ تَدْبِيرًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَ) يَجُوزُ التَّدْبِيرُ أَيْضًا (مُعَلَّقًا) عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ (كَإِنْ) أَوْ إذَا أَوْ مَتَى (دَخَلْتُ) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتَى) ؛ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ تَعْلِيقَ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ (فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ، وَلَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا حَتَّى يَدْخُلَ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ الْمُعَلَّقَ قَسِيمُ الْمُقَيَّدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ قَسِيمُهُ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ (وَيُشْتَرَطُ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ (الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ) كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا تَدْبِيرَ وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ (فَإِنْ قَالَ) : إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ (إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ) الدَّارَ (فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ) فِي حُصُولِ الْعِتْقِ (دُخُولٌ بَعْدَ الْمَوْتِ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: هَذَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمَوْتِهِ وَحْدَهُ، وَهَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَدُخُولِ الدَّارِ بَعْدَهُ، وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ تَرْتِيبَ الدُّخُولِ، لَكِنْ نَقْلًا عَنْ الْبَغَوِيِّ الِاشْتِرَاطُ أَيْضًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا قُبَيْلَ الْخُلْعِ مَا يُوَافِقُهُ وَخَالَفَ فِي الطَّلَاقِ، فَجَزَمَ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَكَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ وَتَأَخُّرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَأَشَارَ فِي التَّتِمَّةِ إلَى وَجْهٍ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَوَّلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الصَّوَابُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ هُنَا كَمَا هُنَاكَ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ (وَهُوَ) أَيْ الدُّخُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ (عَلَى التَّرَاخِي) لِاقْتِضَاءِ ثَمَّ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى ذَلِكَ تَرْكُ الْعَبْدِ عَلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى يَدْخُلَ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْوَارِثِ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحِلَّهُ قَبْلَ عَرْضِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 474 وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ. وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ مُتَّصِلَةً، وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ فَلِلتَّرَاخِي. وَلَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا: إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ.   [مغني المحتاج] كَنَظِيرِهِ فِي الْمَشِيئَةِ الْآتِيَةِ (وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ) وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ (قَبْلَ الدُّخُولِ) إذْ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُبْطِلَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ مَاتَ لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي إبْطَالُهُ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ وَلَهُ كَسْبُهُ قَبْلَهُ (وَلَوْ قَالَ) أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ مَثَلًا، أَوْ (إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ) بَعْدَ مَوْتِي (فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ) كَسْبُهُ، وَ (اسْتِخْدَامُهُ) وَإِجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ (فِي الشَّهْرِ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (لَا بَيْعُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُ تَعْلِيقِ الْمُوَرِّثِ، وَهَذَا أَيْضًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا تَدْبِيرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ، وَهَكَذَا كُلُّ تَعْلِيقٍ بِصِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ: إذَا شِئْتَ الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ شَاءَ فُلَانٌ، ثُمَّ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ. (وَلَوْ) (قَالَ) لِعَبْدِهِ (إنْ شِئْت فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ) (اُشْتُرِطَتْ الْمَشِيئَةُ) لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ فِي الصُّورَتَيْنِ، حَالَ كَوْنِهَا (مُتَّصِلَةً) اتِّصَالًا لَفْظِيًّا، بِأَنْ يُوجَدَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَقِبَ اللَّفْظِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَقْتَضِي جَوَابًا فِي الْحَالِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ كَالتَّمْلِيكِ وَالتَّمْلِيكُ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْحَالِ (وَإِنْ) (قَالَ: مَتَى) أَوْ مَتَى مَا أَوْ مَهْمَا (شِئْتَ) بَدَلَ إنْ شِئْتَ (فَلِلتَّرَاخِي) ؛ لِأَنَّ مَتَى مَوْضُوعَةٌ لِلزَّمَانِ فَاسْتَوَى فِيهَا جَمِيعُ الْأَزْمَانِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِ الْمَشِيئَةُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ بِهَا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ نَوَاهَا فَيُشْتَرَطُ بَعْدَهُ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ حِينَئِذٍ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إذَا قَالَ: فَإِذَا مِتُّ فَشِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ فَوْرُ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْأَصَحِّ، كَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْفَاءِ، فَإِنْ قَالَ فَإِذَا مِتُّ فَمَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتُّ إنْ شِئْتَ أَوْ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَشِيئَةَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حُمِلَ عَلَى الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَا سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ الَّتِي تَوَسَّطَ فِيهَا الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ، كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَوْ إذَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا حُمِلَ تَأْخِيرُ الشَّرْطِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَتُشْتَرَطُ الْمَشِيئَةُ هُنَا فَوْرًا بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَمَتَى لَمْ يَعْتَبِرْ الْفَوْرَ فِي الْمَشِيئَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ عُرِضَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْوَارِثِ بَيْعُهُ كَمَا مَرَّ. وَشَرْطُ التَّدْبِيرِ أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ) (قَالَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (لِعَبْدِهِمَا إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ) (لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ) وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ وَلَهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 475 وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ، وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ، وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إلَى دَارِهِمْ. وَلَوْ   [مغني المحتاج] التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ كَاسْتِخْدَامٍ أَوْ إجَارَةٍ، وَفِي كَسْبِهِ بَيْنَ مَوْتِ الشَّرِيكَيْنِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لِلْوَارِثِ خَاصَّةً، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ فَاكْتَسَبَ مَالًا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْإِعْتَاقِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لِلْعَبْدِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِتْقَ مُسْتَحَقٌّ حَالَةَ الِاكْتِسَابِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِهِ هُنَا، ثُمَّ عِتْقُهُ بِمَوْتِهِمَا مَعًا تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا عِتْقٌ بِتَدْبِيرٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ يُعَلِّقُهُ بِمَوْتِهِ، بَلْ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِ غَيْرِهِ، وَفِي مَوْتِهِمَا مُرَتَّبًا يَصِيرُ نَصِيبُ الْمُتَأَخِّرِ مَوْتًا مُدَبَّرًا دُونَ نَصِيبِ الْمُتَقَدِّمِ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّدْبِيرِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ) أَطْبَقَ جُنُونُهُ (وَ) لَا تَدْبِيرُ (صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمَا لِلتَّبَرُّعِ. أَمَّا إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ وَدَبَّرَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ جُنِنْتَ فَجُنَّ هَلْ يَعْتِقُ؟ . قَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ حَصَلَ فِي الصِّحَّةِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ لِلْجُنُونِ كَالْمُبْتَدَأِ فِيهِ اهـ. وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (وَكَذَا مُمَيِّزٍ) لَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَإِعْتَاقِهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ إذْ لَا تَضْيِيعَ فِيهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّدْبِيرِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ (وَ) حِينَئِذٍ (يَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ) وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِصِحَّةِ عِبَارَتِهِ وَلِوَلِيِّهِ الرُّجُوعُ فِي تَدْبِيرِهِ بِالْبَيْعِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَمِنْ مُفْلِسٍ وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَمِنْ مُبَعَّضٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا إسْلَامٌ (وَ) حِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْ (كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ وَتَعْلِيقُهُ الْعِتْقَ عَلَى صِفَةٍ، وَمِنْ سَكْرَانَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ حُكْمًا (وَتَدْبِيرُ الْمُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ) فَعَلَى الْأَظْهَرِ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ فَقَدْ سَبَقَتْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ. (وَلَوْ) (دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ) تَدْبِيرُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) صِيَانَةً لِحَقِّ الْعَبْدِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَقْبَلَةِ دُونَ الْمَاضِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ السَّابِقَيْنِ عَلَيْهَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَالثَّالِثُ الْبِنَاءُ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ (وَلَوْ ارْتَدَّ) الْعَبْدُ (الْمُدَبَّرُ) أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ (لَمْ يَبْطُلْ) تَدْبِيرُهُ وَإِنْ صَارَ دَمُهُ يُهْدَرُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِيهِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ الِاسْتِيلَادُ وَالْكِتَابَةُ بِهَا. ثُمَّ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِ عَتَقَ، وَلَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَيِّدُهُ حَيًّا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ، وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ عَتِيقِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي مَحِلِّهِ، وَلَوْ اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى مُدَبَّرٍ مُسْلِمٍ، ثُمَّ عَادَ إلَى يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ كَمَا كَانَ (وَلِحَرْبِيٍّ) دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ (حَمْلُ مُدَبَّرِهِ) الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ مِنْ دَارِنَا (إلَى دَارِهِمْ) وَلَوْ جَرَى التَّدْبِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْمُدَبَّرُ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَيَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ مَا أَثْبَتَهُ لَهُ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مُسْتَوْلَدَةِ الْحَرْبِيِّ كَمُدَبَّرِهِ فِيمَا مَرَّ، بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْخَارِجِ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ مُدَبَّرِهِ الْمُرْتَدِّ لِبَقَاءِ عُلْقَةِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ شِرَائِهِ. (وَلَوْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 476 كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ. وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ نُزِعَ مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ، وَصُرِفَ كَسْبُهُ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ. وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ. فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ كَأَبْطَلْته فَسَخْتُهُ نَقَضْتُهُ رَجَعْتُ فِيهِ صَحَّ إنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا   [مغني المحتاج] (كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ) مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صُوَرِ مِلْكِ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (فَدَبَّرَهُ) (نُقِضَ) أَيْ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ (وَبِيعَ عَلَيْهِ) لِمَا فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْإِذْلَالِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ، وَمَعْنَاهُ بِيعَ عَلَيْهِ وَنُقِضَ تَدْبِيرُهُ بِالْبَيْعِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَقَوْلُهُ نُقِضَ هَلْ مَعْنَاهُ إبْطَالُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ إبْطَالِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ، أَوْ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى لَفْظٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَلَا وَجْهَ لِتَوَقُّفِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ تَدْبِيرِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ بِهِ. (وَلَوْ) (دَبَّرَ كَافِرٌ) عَبْدًا (كَافِرًا فَأَسْلَمَ) الْعَبْدُ (وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ) بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ الْآتِي (نُزِعَ) الْعَبْدُ (مِنْ يَدِ سَيِّدِهِ) وَجُعِلَ عِنْدَ عَدْلٍ دَفْعًا لِلذُّلِّ عَنْهُ وَلَا يُبَاعُ بَلْ يَبْقَى مُدَبَّرًا لِتَوَقُّعِ الْحُرِّيَّةِ (وَصُرِفَ كَسْبُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إلَيْهِ) أَيْ سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَسْبٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ (وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ) عَلَيْهِ وَيُنْقَضُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ لَا يَبْقَى فِي يَدِ الْكَافِرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ لَحِقَ سَيِّدُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَبُعِثَ بِالْفَاضِلِ لَهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَسْلَمَ مُكَاتَبُ الْكَافِرِ لَمْ يُبَعْ، فَإِنْ عَجَزَ بِيعَ (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (بَيْعُ الْمُدَبَّرِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَيُسْتَثْنَى السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْوَلِيُّ بَيْعَهُ لِأَجْلِ إبْطَالِ التَّدْبِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ، كَمَا لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ جَزْمًا (وَالتَّدْبِيرُ) مُقَيَّدًا كَانَ أَوْ مُطْلَقًا (تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ) ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ تَعْلِيقٍ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ تَرْجِيحِ الْأَكْثَرِينَ (وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ) لِلْعَبْدِ بِعِتْقِهِ نَظَرًا إلَى اعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَالرَّبِيعُ، وَكَذَا الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ فَوْقَ الثَّلَاثِينَ نَصًّا، ثُمَّ بَسَطَ ذَلِكَ. (فَلَوْ) (بَاعَهُ) أَيْ السَّيِّدُ مُدَبَّرَهُ (ثُمَّ مَلَكَهُ) (لَمْ يَعُدْ التَّدْبِيرُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي عَوْدِ الْحِنْثِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ، وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَوْدِ الْحِنْثِ (وَلَوْ) (رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ك أَبْطَلْته) أَوْ (فَسَخْتُهُ) أَوْ (نَقَضْتُهُ) أَوْ (رَجَعْتُ فِيهِ) (صَحَّ إنْ قُلْنَا) بِالرُّجُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّدْبِيرَ (وَصِيَّةٌ) كَمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ قُلْنَا هُوَ تَعْلِيقُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 477 فَلَا. وَلَوْ عُلِّقَ مُدَبَّرٌ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ. وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ. وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ وَكِتَابَةُ مُدَبَّرٍ.   [مغني المحتاج] عِتْقٍ بِصِفَةٍ (فَلَا) يَصِحُّ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْقَوْلِ اللَّفْظُ أَوْ الْمُنْزَلُ مَنْزِلَتَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِيُدْخِلَ الْأَخْرَسَ الْمَفْهُومَ الْإِشَارَةِ، وَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ حَرْفَ الْعَطْفِ مِنْ الْمَعْطُوفَاتِ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِمْ: أَكَلْت سَمَكًا تَمْرًا لَحْمًا شَحْمًا. (وَلَوْ) (عُلِّقَ مُدَبَّرٌ) أَيْ عُلِّقَ عِتْقُهُ (بِصِفَةٍ) كَأَنْ قَالَ سَيِّدُهُ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ الْمُطْلَقِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ (صَحَّ) وَبَقِيَ التَّدْبِيرُ بِحَالِهِ كَمَا لَوْ دُبِّرَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ الْمَوْتِ وَالصِّفَةِ) تَعْجِيلًا لِلْعِتْقِ، فَإِنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ عَتَقَ بِهَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ. (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (وَطْءُ) أَمَةٍ (مُدَبَّرَةٍ) لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهَا كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ أَمَتَهُ وَكَانَ يَطَؤُهَا (وَلَا يَكُونُ) وَطْؤُهُ لَهَا (رُجُوعًا) عَنْ التَّدْبِيرِ سَوَاءٌ عَزَلَ عَنْهَا أَمْ لَا، هَذَا إنْ لَمْ يُولِدْهَا (فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ الدِّينُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَرَفَعَهُ بِالْأَقْوَى كَمَا رَفَعَ مِلْكُ الْيَمِينِ النِّكَاحَ (وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ بِالْمَوْتِ بِجِهَةٍ هِيَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ لَنَا مَا يَمْتَنِعُ التَّدْبِيرُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ إلَّا هَذِهِ الصُّورَةُ. (وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ) كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ عِتْقِهِ بِصِفَةٍ فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا فَيَعْتِقُ بِالْأَسْبَقِ مِنْ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ، فَإِنْ أَدَّى الْمَالَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَلَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَيَبْقَى التَّدْبِيرُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: عِنْدِي لَا تَبْطُلُ، وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، فَكَمَا لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الْكِتَابَةِ بِالْإِعْتَاقِ فَكَذَا بِالتَّدْبِيرِ. قَالَ أَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِالْبُطْلَانِ زَوَالَ الْعَقْدِ دُونَ سُقُوطِ أَحْكَامِهِ اهـ. وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَوَّلَ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِحْبَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِالْإِحْبَالِ حَتَّى يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا وَكَسْبُهَا مَعَ كَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الثُّلُثُ جَمِيعَهُ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَبْقَى مَا زَادَ مُكَاتَبًا وَسَقَطَ عَنْهُ مِنْ النُّجُومِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ إنْ عَتَقَ نِصْفُهُ فَنِصْفُ النُّجُومِ، أَوْ رُبُعُهُ فَرُبُعُهَا. (وَ) تَصِحُّ (كِتَابَةُ مُدَبَّرٍ) كَعَكْسِهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِتْقِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا فَيَكُونُ مُدَبَّرًا مُكَاتَبًا كَمَا مَرَّ، وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْ الْمَوْتِ وَأَدَاءِ النُّجُومِ فَإِنْ أَدَّاهَا عَتَقَ بِالْكِتَابَةِ، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ. قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَخْذًا مِنْ مُقَابِلِهِ فِيهَا الَّذِي جَرَى هُوَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 478 [فَصْلٌ] وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا دَامَ تَدْبِيرُهُ، وَقِيلَ: إنْ رَجَعَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ فَلَا، وَلَوْ دَبَّرَ حَمْلًا صَحَّ،   [مغني المحتاج] فَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَوَلَدُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ هُنَا لَاحِقَةٌ وَفِيمَا مَرَّ سَابِقَةٌ اهـ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ عُلِّقَ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنْ وُجُودِ الصِّفَةِ وَالْأَدَاءِ. تَتِمَّةٌ: تُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْ الْعَبْدِ بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّعْلِيقِ عَلَى السَّيِّدِ فِي حَيَاتِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ وَالْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الدَّعَاوَى، وَيُقْبَلُ عَلَى الرُّجُوعِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَهُوَ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا. [فَصَلِّ فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا] [فَصْلٌ] فِي حُكْمِ حَمْلِ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهَا بِصِفَةٍ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ. إذَا (وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ) وَلَدًا (مِنْ نِكَاحٍ أَوْ) مِنْ (زِنًا) أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ بِأَمَةٍ حَدَثَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَانْفَصَلَ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ (لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْبَلُ الرَّفْعَ فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالرَّهْنِ. وَالثَّانِي: يَثْبُتُ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ الْعِتْقِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ. أَمَّا إذَا لَمْ يَنْفَصِلْ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَإِنَّ الْحَمْلَ يَتْبَعُهَا قَطْعًا، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ قَطْعًا. (وَلَوْ) (دَبَّرَ حَامِلًا) وَأَطْلَقَ (ثَبَتَ لَهُ) أَيْ الْحَمْلُ (حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ) تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِي الْمَبْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ لَا يَثْبُتُ، وَيُعْرَفُ وُجُودُ الْحَمْلِ بِوَضْعِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ التَّدْبِيرِ، وَإِنْ وَضَعْتُهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ حِينَئِذٍ لَمْ يَتْبَعْهَا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ لَهَا زَوْجُهَا يَفْتَرِشُهَا فَلَا يَتْبَعُهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فَيَتْبَعُهَا، وَإِنْ انْفَصَلَ فِيهَا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهَا (فَإِنْ) (مَاتَتْ) أَيْ الْأُمُّ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ بَعْدَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ (أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا) بِالْقَوْلِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ (دَامَ تَدْبِيرُهُ) أَيْ الْحَمْلِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا لَوْ دَبَّرَ عَبْدَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَالرُّجُوعِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ (وَقِيلَ: إنْ رَجَعَ) وَأَطْلَقَ (وَهُوَ) أَيْ الْحَمْلُ (مُتَّصِلٌ) بِهَا (فَلَا) يَدُومُ تَدْبِيرُهُ بَلْ يَتْبَعُهَا فِي الرُّجُوعِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيهِ مَعْنَى الْعِتْقِ، وَالْعِتْقُ لَهُ قُوَّةٌ. أَمَّا لَوْ قَالَ: رَجَعْتُ عَنْ تَدْبِيرِهَا دُونَ تَدْبِيرِهِ فَإِنَّهُ يَدُومُ فِيهِ قَطْعًا (وَلَوْ) (دَبَّرَ) الْأُمَّ دُونَ حَمْلِهَا بِأَنْ اسْتَثْنَاهُ صَحَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَشَرَطَا أَنْ تَلِدَهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَلِدُ إلَّا حُرًّا وَإِنْ دَبَّرَ (حَمْلًا) بِمُفْرَدِهِ (صَحَّ) أَيْضًا كَمَا يَصِحُّ إعْتَاقُهَا دُونَهَا وَلَا تَتْبَعُهُ الْأُمُّ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 479 فَإِنْ مَاتَ عَتَقَ دُونَ الْأُمِّ، وَإِنْ بَاعَهَا صَحَّ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ. وَلَوْ وَلَدَتْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ، وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ. وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ، وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ قِنٍّ. وَيَعْتِقُ بِالْمَوْتِ مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ،   [مغني المحتاج] لِأَنَّ الْحَمْلَ تَابِعٌ فَلَا يَكُونُ مَتْبُوعًا (فَإِنْ مَاتَ) السَّيِّدُ (عَتَقَ) الْحَمْلُ (دُونَ الْأُمِّ) لِمَا مَرَّ (وَإِنْ بَاعَهَا) مَثَلًا حَامِلًا (صَحَّ) الْبَيْعُ (وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ تَدْبِيرِ الْحَمْلِ قَصَدَ الرُّجُوعَ أَمْ لَا، لِدُخُولِ الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ: دَبَّرَنِي حَامِلًا فَالْوَلَدُ حُرٌّ، أَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْأُولَى: بَلْ دَبَرَكَ حَائِلًا فَهُوَ قِنٌّ وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: بَلْ وَلَدْته قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ قِنٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ هَلْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ وَلَدَتْهُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَبَّرَةِ التَّدْبِيرَ لِوَلَدِهَا حِسْبَةً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ بِهِمَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِنَّةً وَادَّعَتْ عَلَى السَّيِّدِ ذَلِكَ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا. (وَلَوْ) (وَلَدَتْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهَا) بِصِفَةٍ وَلَدًا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا وَانْفَصَلَ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ (لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ) بِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْوَلَدِ كَالْوَصِيَّةِ وَالرَّهْنِ (وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ) الْوَلَدُ، وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ عَتَقَ الْحَمْلُ قَطْعًا، وَالْحَامِلُ عِنْدَ التَّعْلِيقِ كَالْحَامِلِ عِنْدَ التَّدْبِيرِ فَيَتْبَعُهَا الْحَمْلُ. (وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ) الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَا أَبَاهُ، فَكَذَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ (وَجِنَايَتُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ (كَجِنَايَةِ قِنٍّ) كَذَلِكَ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَتَلَ بِجِنَايَةٍ فَاتَ التَّدْبِيرُ أَوْ بِيعَ فِيهَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ، فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ بَقِيَ، وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ قَتَلَ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهِ عَبْدًا يُدَبِّرُهُ، وَلَوْ بِيعَ بَعْضُهُ فِي الْجِنَايَةِ بَقِيَ الْبَاقِي مُدَبَّرًا، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَقَدْ جَنَى الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَخْتَرْ فِدَاءَهُ فَمَوْتُهُ كَإِعْتَاقِ الْقِنِّ الْجَانِي. فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا عَتَقَ وَفُدِيَ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ وَيَفْدِيه بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ. وَالْأَرْشُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ إنْ اسْتَغْرَقَتْهُ الْجِنَايَةُ، وَإِلَّا فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَلَوْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ مَالِ الْجِنَايَةِ فَفَدَاهُ الْوَارِثُ مِنْ مَالِهِ فَوَلَاؤُهُ كُلُّهُ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَارِثِ إجَازَةٌ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يُتِمُّ بِهِ قَصْدَ الْمُورَثِ. (وَيَعْتِقُ) الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ (بِالْمَوْتِ) لِسَيِّدِهِ، لَكِنَّهُ مَحْسُوبٌ (مِنْ الثُّلُثِ كُلِّهِ) أَيْ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ كُلُّهُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (أَوْ) يَعْتِقُ (بَعْضُهُ) إنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ (بَعْدَ الدَّيْنِ) وَبَعْدَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ وَقَعَ التَّدْبِيرُ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ التَّرِكَةَ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ نِصْفَهَا وَالتَّرِكَةُ نَفْسَ الْمُدَبَّرِ فَقَطْ بِيعَ نِصْفُهُ فِي الدَّيْنِ وَعَتَقَ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالٌ سِوَاهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَالْحِيلَةُ فِي عِتْقِ جَمِيعِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِي بِيَوْمٍ، وَإِنْ مِتُّ فَجْأَةً فَقَبْلَ مَوْتِي بِيَوْمٍ، فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 480 وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ كَإِنْ دَخَلْت فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ احْتَمَلَتْ الصِّحَّةَ فَوُجِدَتْ فِي الْمَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ يَحْلِفُ. وَلَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ فَقَالَ: كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَقَالَ الْوَارِثُ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ،   [مغني المحتاج] لِأَحَدٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ لِتَقَدُّمِ عِتْقِهِ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ. تَنْبِيهٌ: مَسْأَلَةٌ سَبَقَتْ فِي الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عِتْقٌ عُلِّقَ بِالْمَوْتِ، وَذَكَرْتُ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَلَوْ) (عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ) أَيْ مَرَضِ الْمَوْتِ بِأَنْ لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِيهِ (كَإِنْ دَخَلْت) الدَّارَ (فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ) ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ (عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ) عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ كَمَا لَوْ نَجَزَ عِتْقَهُ (وَإِنْ احْتَمَلَتْ) الصِّفَةُ (الصِّحَّةَ) وَالْمَرَضَ بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ (فَوُجِدَتْ) تِلْكَ الصِّفَةُ (فِي الْمَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) يَكُونُ الْعِتْقُ (فِي الْأَظْهَرِ) اعْتِبَارًا بِحَالَةِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا بِإِبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ. وَالثَّانِي: يَكُونُ الْعِتْقُ مِنْ الثُّلُثِ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَنُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ وُجِدَتْ بِاخْتِيَارِهِ كَدُخُولِ الدَّارِ اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْعِتْقَ فِي مَرَضِهِ. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ تَفَقُّهًا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ. فَرْعٌ: لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ فَمَرِضَ وَعَاشَ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَمِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فَوُجِدَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ عَتَقَ اعْتِبَارًا بِحَالِ التَّعْلِيقِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا، وَلَوْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهُوَ مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَتَقَ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ وَالْفَلَسِ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ، بِخِلَافِ السَّفَهِ وَالْجُنُونِ. وَلَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَمَالُهُ غَائِبٌ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ لَمْ يَحْكُمْ بِعِتْقِ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَصِلَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الْغَائِبِ مِثْلَاهُ فَيُتَبَيَّنُ عِتْقُهُ مِنْ الْمَوْتِ وَيُوقَفُ كَسْبُهُ، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ دَيْنٌ وَثُلُثُهَا يَحْتَمِلُ الْمُدَبَّرَ فَأُبْرِئَ مِنْ الدَّيْنِ تُبُيِّنَ عِتْقُهُ وَقْتَ الْإِبْرَاءِ. (وَلَوْ) (ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ) سَيِّدُهُ (فَلَيْسَ) إنْكَارُهُ لَهُ (بِرُجُوعٍ) عَنْ التَّدْبِيرِ، وَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ بِالْقَوْلِ كَمَا أَنَّ جُحُودَ الرِّدَّةِ لَا يَكُونُ إسْلَامًا وَجُحُودَ الطَّلَاقِ لَا يَكُونُ رَجْعَةً (بَلْ يَحْلِفُ) السَّيِّدُ أَنَّهُ مَا دَبَّرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيَمِينُ، بَلْ لَهُ أَنْ يُسْقِطَ الْيَمِينَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ كُنْتُ دَبَّرْتُهُ فَقَدْ رَجَعْتُ إنْ جَوَّزْنَا الرُّجُوعَ بِالْقَوْلِ، فَإِنْ نَكِلَ حَلَفَ الْعَبْدُ، وَثَبَتَ تَدْبِيرُهُ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِتَدْبِيرِهِ. (وَلَوْ) (وُجِدَ) بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ (مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ) أَوْ نَحْوُهُ فِي يَدِهِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَارِثُ فِيهِ (فَقَالَ) الْمُدَبَّرُ (كَسَبْته بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ. وَقَالَ الْوَارِثُ) بَلْ كَسَبْته (قَبْلَهُ) (صُدِّقَ الْمُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ فَتَرَجَّحَ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ إذَا قَالَتْ وَلَدْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَقَالَ الْوَارِثُ: بَلْ قَبْلَهُ فَهُوَ قِنٌّ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ حُرِّيَّتَهُ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 481 وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ.   [مغني المحتاج] وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ (وَإِنْ أَقَامَا) أَيْ الْمُدَبَّرُ وَالْوَارِثُ (بَيِّنَتَيْنِ) بِمَا قَالَاهُ (قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ) أَيْ الْمُدَبَّرِ عَلَى النَّصِّ، وَقُطِعَ بِهِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ، وَلَوْ أَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَقَالَ كَانَ فِي يَدِي وَدِيعَةً لِرَجُلٍ وَمَلَكْتُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَيْضًا. وَلَوْ دَبَّرَ رَجُلَانِ أَمَتَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَحِقَهُ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا وَنِصْفَ مَهْرِهَا وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ شَرِيكُهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِهَا كَمَا مَرَّ، وَمَا فِي الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ مِنْ أَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ السِّرَايَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ وَيَلْغُو رَدُّ الْمُدَبَّرِ التَّدْبِيرَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. خَاتِمَةٌ: لَوْ دَبَّرَ السَّيِّدُ عَبْدًا، ثُمَّ مَلَّكَهُ أَمَةً فَوَطِئَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ مَلَكَهُ السَّيِّدُ سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ أَمْ لَا، وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ،. وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا لَمْ تَعْتِقْ إلَّا بِمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي حُكْمِ الصِّفَةِ إلَّا إنْ أَتَتْ بِهِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَوْ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَتْبَعُهَا فِي ذَلِكَ فَيَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ إرْقَاقُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقِيَاسِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إذَا عُلِّقَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ وَمُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَإِنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ عَتَقَ بِمَوْتِهِ، وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَهُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَإِنْ قَالَ: إنْ قَرَأْتَ قُرْآنًا وَمُتّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَرَأَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَمَاتَ السَّيِّدُ عَتَقَ وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3] : وَهَذَا الْخِطَابُ كَانَ بِمَكَّةَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ نَزَلَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ بِالْهَمْزِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالْقُرْآنَ بِغَيْرِ هَمْزٍ عِنْدَهُ اسْمُ جَمْعٍ كَمَا أَفَادَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَلُغَةُ الشَّافِعِيِّ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَالْوَاقِفُ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يَظُنُّهُ مَهْمُوزًا، وَإِنَّمَا يَنْطِقُ فِي ذَلِكَ بِلُغَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ لَا بِغَيْرِهَا، وَبِهَذَا اتَّضَحَ الْإِشْكَالُ. وَأُجِيبَ عَنْ السُّؤَالِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 482 كِتَابُ الْكِتَابَةِ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ،   [مغني المحتاج] [كِتَابُ الْكِتَابَةِ] ِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، وَالنَّجْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ مَالُ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ، وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مَعْدُولَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّيِّدَ بَاعَ مَالَهُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ وَالْكَسْبَ لَهُ. الثَّانِي: يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ مَالٌ ابْتِدَاءً. الثَّالِثُ: يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْمِلْكِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الرِّقِّ، لَكِنْ جَوَّزَهَا الشَّارِعُ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالسَّيِّدُ قَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ مَجَّانًا، وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ، فَإِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْكِتَابَةِ اسْتَفْرَغَ الْوُسْعَ وَتَنَاهَى فِي تَحْصِيلِ الِاكْتِسَابِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ، فَاحْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهَا كَمَا احْتَمَلَ الْجَهَالَةَ فِي رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجِعَالَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ عَبْدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَيَّةَ. (هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) لَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْمِلْكُ وَتَتَحَكَّمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ (إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا سَيَأْتِي (أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ) وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ، وَاعْتُبِرَتْ الْأَمَانَةُ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَا يُحَصِّلُهُ فَلَا يُعْتَقُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ لِيُوثَقَ بِتَحْصِيلِ النُّجُومِ، وَيُفَارِقُ الْإِيتَاءَ حَيْثُ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَالزَّكَاةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 483 قِيلَ أَوْ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ. وَصِيغَتُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا مُنَجَّمًا إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ التَّعْلِيقِ وَنَوَاهُ جَازَ، وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ، وَلَا نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ قَبِلْتُ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عَلَى كَسْبٍ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ أَيَّ كَسْبٍ كَانَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ يُوفِي مَا الْتَزَمَهُ مِنْ النُّجُومِ (قِيلَ أَوْ) طَلَبَهَا (غَيْرُ قَوِيٍّ) إذَا كَانَ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَتْ أَمَانَتُهُ أُعِينَ بِالصَّدَقَاتِ لِيُعْتَقَ. وَالْأَوَّلُ قَالَ: لَا يُوثَقُ بِذَلِكَ (وَلَا تُكْرَهُ) الْكِتَابَةُ (بِحَالٍ) وَإِنْ انْتَفَى الْوَصْفَانِ، بَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ، وَيُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ فَاسِقًا بِسَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَعَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ لَاكْتَسَبَ بِطَرِيقِ الْفِسْقِ فَإِنَّهَا تُكْرَهُ، بَلْ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهَا لِتَضَمُّنِهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْهَا وَقَدْ طَلَبَهَا سَيِّدُهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا كَعَكْسِهِ. وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ، وَرَقِيقٌ، وَسَيِّدٌ، وَعِوَضٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ (وَصِيغَتُهَا) أَيْ صِيغَةُ إيجَابِهَا الصَّرِيحِ مِنْ جَانِبِ السَّيِّدِ النَّاطِقِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ (كَاتَبْتُكَ) أَوْ أَنْتَ مُكَاتَبٌ (عَلَى كَذَا) كَأَلْفٍ (مُنَجَّمًا) مَعَ قَوْلِهِ (إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ يَصْلُحُ لِهَذَا وَلِلْمُخَارَجَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا، فَإِذَا قَالَ: فَإِذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ تَعَيَّنَ لِلْكِتَابَةِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ بِذَلِكَ (وَيُبَيِّنُ) وُجُوبًا قَدْرَ الْعِوَضِ وَصِفَتَهُ، وَ (عَدَدَ النُّجُومِ) وَقَدْرَهَا (وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ) وَالنَّقْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي النُّجُومِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ابْتِدَاءِ النُّجُومِ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ. تَنْبِيهٌ: النَّجْمُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُطْلَقُ عَلَى، الْمَالِ الْمُؤَدَّى فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَكْفِي ذِكْرُ نَجْمَيْنِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كِتَابَةِ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ التَّنْجِيمُ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ فَلِاتِّبَاعِ السَّلَفِ (وَلَوْ تَرَكَ) فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ (لَفْظَ التَّعْلِيقِ) لِلْحُرِّيَّةِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ: إذَا أَدَّيْتُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ (وَنَوَاهُ) بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا إلَخْ (جَازَ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعِتْقُ وَهُوَ يَقَعُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ جَزْمًا لِاسْتِقْلَالِ الْمُخَاطَبِ بِهِ. أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا أَدَّيْتُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ وَلَا نِيَّةٍ) لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ يَكْفِي كَالتَّدْبِيرِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ كَانَ مَعْلُومًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْكِتَابَةُ تَقَعُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ وَعَلَى الْمُخَارَجَةِ كَمَا مَرَّ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَ بَلْ مِثْلُهُ قَوْلُهُ: فَإِذَا بَرِئَتْ مِنْهُ أَوْ فَرَغَتْ ذِمَّتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يَكْفِي عَلَى الصَّحِيحِ التَّمْيِيزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ: وَتُعَامِلُنِي أَوْ أَضْمَنُ لَك أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْتَحِقُّ مِنِّي الْإِيتَاءَ أَوْ مِنْ النَّاسِ سَهْمَ الرِّقَابِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: إنَّهَا تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إنْ نَوَاهَا بِهِ فَتَكُونُ كِنَايَةً فَهُوَ ظَاهِرٌ (وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ) فَوْرًا فِي صِيغَةِ الْقَبُولِ (قَبِلْتُ) وَبِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 484 وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ وَإِطْلَاقٌ. وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلَاهُ صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ، وَإِنْ أَدَّى مِائَةً عَتَقَ ثُلُثَاهُ.   [مغني المحتاج] تَتِمُّ الصِّيغَةُ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ التَّعْلِيقُ بِالْأَدَاءِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ: وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ: قَبِلْت أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ أَجْنَبِيٌّ الْكِتَابَةَ مِنْ السَّيِّدِ لِيُؤَدِّيَ عَنْ الْعَبْدِ النُّجُومَ، فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِمُخَالَفَةِ مَوْضُوعِ الْبَابِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَدَّى عِتْقَ الْعَبْدِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالْقِيمَةِ وَرَدَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَتَنْعَقِدُ الْكِتَابَةُ بِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَ الْأَلْفُ ذِمَّتَهُ، وَقَوْلُ الْمُحَرَّرِ: وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا بَعْدَ الْقَبُولِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهُمَا الرَّقِيقُ وَالسَّيِّدُ فَقَالَ: (وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ) فِيهِمَا بِكَوْنِهِمَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ تَكَاتُبُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا مَسْلُوبَا الْعِبَارَةِ، وَلَا يُكَاتِبَانِ أَيْضًا، وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ فِي ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الْعَبْدِ إنْ صَدَرَتْ الْكِتَابَةُ مَعَهُ، فَإِنْ صَدَرَتْ عَلَيْهِ تَبَعًا فَلَا، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبٌ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّكْرَانَ الْعَاصِيَ بِسُكْرِهِ لَا تَصِحُّ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ تَكْلِيفِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (وَإِطْلَاقٌ) فِي التَّصَرُّفِ فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ عَبْدٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَلَا مِنْ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَنْهُ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ. تَنْبِيهٌ: اشْتِرَاطُ الْإِطْلَاقِ فِي الْعَبْدِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ اعْتِبَارُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لَا غَيْرُ، فَلَا يَضُرُّ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ الْأَدَاءُ مِنْ كَسْبِهِ، فَقَدْ يُؤَدَّى مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ التَّكْلِيفُ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِتْقِ وَتَرَكَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، فَإِنْ أُكْرِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ السَّيِّدِ أَعْمَى كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْإِبَانَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّيِّدِ حُرَّ الْكُلِّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُبَعَّضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ. (وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ) مَرَضَ الْمَوْتِ تُحْسَبُ (مِنْ الثُّلُثِ) وَإِنْ كَاتَبَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) عِنْدَ الْمَوْتِ (مِثْلَاهُ) أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ تَرِكَتِهِ (صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ) لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا خَلَفَهُ مِمَّا أَدَّاهُ الْعَبْدُ أَمْ لَا، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ (فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ) ذَلِكَ الْمَرِيضُ شَيْئًا (غَيْرَهُ وَأَدَّى) الْمُكَاتَبُ (فِي حَيَاتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (مِائَتَيْنِ) وَكَانَ كَاتَبَهُ عَلَيْهِمَا (وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ) كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وَهُمَا الْمِائَتَانِ (وَإِنْ أَدَّى مِائَةً) وَكَانَ كَاتَبَهُ عَلَيْهَا (عَتَقَ ثُلُثَاهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَالْجُمْلَةُ مِائَتَانِ فَيَنْفُذُ التَّبَرُّعُ فِي ثُلُثِ الْمِائَتَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 485 وَلَوْ كَاتَبَ مُرْتَدٌّ بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، فَإِنْ وَقَفْنَاهُ بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ. وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَرْهُونٍ، وَمُكْرًى. وَشَرْطُ الْعِوَضِ كَوْنُهُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، وَلَوْ مَنْفَعَةً،   [مغني المحتاج] وَهُوَ ثُلُثَا الْمِائَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ عَمَّا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَثُلُثُهُ مُكَاتَبٌ، فَإِنَّهُ أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ، وَلَا يَزِيدُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ لِبُطْلَانِهَا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا تَعُودُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ الْكِتَابَةَ فِي جَمِيعِهِ، فَإِنْ أَجَازَ فِي جَمِيعِهَا عَتَقَ كُلُّهُ أَوْ فِي بَعْضِهَا عَتَقَ مَا أَجَازَ وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَكَاتَبَ فِي الْمَرَضِ أَحَدَهُمَا وَبَاعَ الْآخَرَ نَسِيئَةً وَمَاتَ وَلَمْ يَحْصُلْ بِيَدِهِ ثَمَنٌ وَلَا نُجُومٌ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِ هَذَا، وَالْبَيْعُ فِي ثُلُثِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ، وَلَا يُزَادُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَالنُّجُومِ. (وَلَوْ) (كَاتَبَ) كَافِرٌ أَصْلِيٌّ رَقِيقَهُ صَحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ (مُرْتَدٌّ) رَقِيقَهُ (بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ فَإِنْ وَقَفْنَاهُ) وَهُوَ الْأَظْهَرُ (بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ) الْقَائِلِ بِإِبْطَالِ وَقْفِ الْعُقُودِ فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ لَا تَبْطُلُ بَلْ تُوقَفُ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا وَإِلَّا بُطْلَانَهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الرِّدَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُبْطِلُ طُرُوءُ رِدَّةِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا طُرُوءُ رِدَّةِ السَّيِّدِ بَعْدَهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ اعْتَدَّ بِمَا أَخَذَهُ حَالَ رِدَّتِهِ وَتَصِحُّ كِتَابَةُ عَبْدٍ مُرْتَدٍّ وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَوْ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ، وَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَمَا فِي يَدِهِ لِلسَّيِّدِ، وَلَوْ الْتَحَقَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَوَقَفَ مَالَهُ تَأَدَّى الْحَاكِمُ نُجُومَ مُكَاتَبِهِ وَعَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ أَوْ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ رَقَّ، فَإِنْ جَاءَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَ التَّعْجِيزُ. (وَلَا تَصِحُّ) (كِتَابَة مَرْهُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْبَيْعِ، وَالْكِتَابَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ فَتَنَافَيَا (وَ) لَا (مُكْرًى) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلِاكْتِسَابِ لِنَفْسِهِ وَلَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَلَا كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِطْلَاقُ الْعُمْرَانِيِّ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا. ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ فَقَالَ: (وَشَرْطُ الْعِوَضِ) فِي الْكِتَابَةِ (كَوْنُهُ دَيْنًا) نَقْدًا كَانَ أَوْ عِوَضًا مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يُورَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (مُؤَجَّلًا) لِيُحَصِّلَهُ وَيُؤَدِّيَهُ فَلَا تَصِحُّ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ خَالَفَ الْقِيَاسَ فِي وَصْفِهِ وَاتُّبِعَ فِيهِ سُنَنُ السَّلَفِ، وَالْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا إنَّمَا هُوَ التَّأْجِيلُ وَلَمْ يَعْقِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالَةً، وَلَوْ جَازَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَرْكِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ خُصُوصًا وَفِيهِ تَعْجِيلُ عِتْقِهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ جَوَازَ الْحُلُولِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامَيْنِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَجَلِ لَأَغْنَى عَنْ الدَّيْنِيَّةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى الْوَجِيزِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ، وَهَذَانِ وَصْفَانِ مَقْصُودَانِ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ إنْ كَانَ عَرْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْعِوَضُ (مَنْفَعَةً) كَبِنَاءِ دَارَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَنَافِعُ ثَمَنًا وَاحِدًا، وَالْمُرَادُ الْمَنْفَعَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 486 وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَقِيلَ: إنْ مَلَكَ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَة شَهْرٍ وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ صَحَّتْ   [مغني المحتاج] الَّتِي فِي الذِّمَّةِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَنْفَعَةِ وَحْدَهَا، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ حَالَّةً نَحْوَ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ تَخِيطَ لِي ثَوْبًا بِنَفْسِكَ فَلَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ ضَمِيمَةِ مَالٍ كَقَوْلِهِ: وَتُعْطِيَنِي دِينَارًا بَعْدَ انْقِضَائِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيمَةَ شَرْطٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ فَقَطْ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرَيْنِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ نَجْمٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمَا نَجْمٌ وَاحِدٌ وَلَا ضَمِيمَةَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ، إذْ يُشْتَرَطُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْعَقْدِ (وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَوْ جَازَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لَفَعَلُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَادِرُونَ إلَى الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ مَا أَمْكَنَ، وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ ضَمَّ النُّجُومَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّمُّ نَجْمَانِ، وَقِيلَ يَكْفِي نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ فِي شَرْحِ: مُسْلِمٍ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ اهـ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِنَجْمَيْنِ قَصِيرَيْنِ وَلَوْ فِي مَالٍ كَثِيرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالسَّلَمِ إلَى مُعْسِرٍ فِي مَالٍ كَثِيرٍ إلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَى الْمُكَاتَبِ عَقِبَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ صَحَّ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ وَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ بِقُدْرَتِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي السَّلَمِ الْحَالِّ. أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَيَصِحُّ فِيهِ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ (وَقِيلَ: إنْ) (مَلَكَ) السَّيِّدُ (بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ) (لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ) فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الْحَالِّ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَ وَلَوْ جَعَلَا مَالَ الْكِتَابَةِ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي مَلَكَهَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيُشْبِهُ الْقَطْعَ بِالصِّحَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الصِّحَّةِ. تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْعِوَضِ وَصِفَتِهِ وَأَقْدَارِ الْآجَالِ وَمَا يُؤَدِّي عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى نَقْدٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ مُفْرَدٌ أَوْ غَالِبٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ التَّبْيِينُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَرْضٍ وَصَفَهُ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي السَّلَمِ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى) مَنْفَعَةِ عَيْنٍ مَعَ غَيْرِهَا مُؤَجَّلًا نَحْوَ (خِدْمَة شَهْرٍ) مِنْ الْآنَ (وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ) أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ (صَحَّتْ) أَيْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ فِي الْحَالِّ وَالْمُدَّةِ لِتَقْرِيرِهَا وَالتَّوْفِيَةِ فِيهَا وَالدِّينَارُ وَالْخِيَاطَةُ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الِاسْتِحْقَاقُ حَصَلَ تَعَدُّدُ النُّجُومِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ حَالَّةً؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ قَادِرٌ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 487 أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا فَسَدَتْ، وَلَوْ قَالَ كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ وَعَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ،   [مغني المحتاج] عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْخِدْمَةِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى دِينَارَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ أَطْلَقُوا اشْتِرَاطَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْحَالِّ، وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ أَنْ تَتَّصِلَ الْخِدْمَةُ وَالْمَنَافِعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ بِالْعَقْدِ، فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ آخِرَ الشَّهْرِ، وَخِدْمَةِ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ الْمُلْتَزَمَةِ فِي الذِّمَّةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ انْقِضَائِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ مَثَلًا أَنَّهُ صَحَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ وَجْهٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ فِي أَثْنَائِهِ كَقَوْلِهِ: وَدِينَارٍ بَعْدَ الْعَقْدِ بِيَوْمٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْخِدْمَةِ بَلْ يَتْبَعُ فِيهَا الْعُرْفَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَا يَكْفِي إطْلَاقُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ يَقُولَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى مَنْفَعَةِ شَهْرٍ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ مَثَلًا فَمَرِضَ فِي الشَّهْرِ وَفَاتَتْ الْخِدْمَةُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي قَدْرِ الْخِدْمَةِ وَفُسِخَتْ فِي الْبَاقِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السَّلَمِ، فَلَوْ خَرِبَ الْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ أَدَّى فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ عَلَى قِيَاسِ مَا فِي السَّلَمِ (أَوْ) كَاتَبَهُ (عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا) أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كَذَا كَثَوْبٍ بِأَلْفٍ (فَسَدَتْ) أَيْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْتِيَاعِ كَذَا لَشَمِلَ صُورَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ) مَثَلًا (بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ) بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا كَأَنْ قَالَ لَهُ: يُؤَدِّي مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّانِي (وَعَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ) وَقَبِلَ الْعَبْدُ الْعَقْدَيْنِ إمَّا مَعًا كَقَبِلْتهُمَا أَوْ مُرَتَّبًا كَقَبِلْتُ الْكِتَابَةَ وَالْبَيْعَ أَوْ الْبَيْعَ وَالْكِتَابَةَ كَذَا قَالَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ تَقَدَّمَ خِطَابَ الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الرَّهْنِ (فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ) فَيَبْطُلُ لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُتَابَعَةِ سَيِّدِهِ، وَفِي قَوْلٍ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ أَيْضًا وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ: وَهُمَا قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الرَّاجِحَةُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهَا قَوْلٌ، وَقَوْلٌ بِالْبُطْلَانِ، وَهُمَا قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ، وَعَلَى صِحَّةِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ تَوَزَّعَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتَيْ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَمَا خَصَّ الْعَبْدَ يُؤَدِّيه فِي النَّجْمَيْنِ مَثَلًا، فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ مَثَلًا، وَبِعْتُكَ الثَّوْبَ بِأَلْفٍ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ قَطْعًا، لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنْ قَدَّمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى لَفْظِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ بَدَأَ بِطَلَبِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ إجَابَةِ السَّيِّدِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَهَذَا مَمْنُوعٌ، لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَيْعِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُبَايَعَةِ سَيِّدِهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ: مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَا إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ مُبَعَّضًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 488 وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدًا عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا، وَيُوَزِّعُ عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ، وَمَنْ عَجَزَ رَقَّ. وَتَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.   [مغني المحتاج] يَصِحُّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِفَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِبْطَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَدُ شِقَّيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُعَامَلَةِ السَّيِّدِ. قَالَ: وَيَجُوزُ مُعَامَلَةُ الْمُبَعَّضِ مَعَ السَّيِّدِ فِي الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا، وَفِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُوَ دَقِيقُ الْفِقْهِ (وَلَوْ) (كَاتَبَ عَبِيدًا) كَثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً (عَلَى عِوَضٍ) وَاحِدٍ كَأَلْفٍ (مُنَجَّمٍ) بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا (وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ) كَمَا إذَا قَالَ: كَاتَبْتُكُمْ عَلَى أَلْفٍ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَدَّيْتُمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ (فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعِوَضَيْنِ وَاحِدٌ وَالصَّادِرُ مِنْهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ (وَيُوَزِّعُ) الْمُسَمَّى (عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ) فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةً وَالْآخَرِ مِائَتَيْنِ وَالْآخَرِ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدْسُ الْمُسَمَّى، وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثُهُ، وَعَلَى الثَّالِثِ نِصْفُهُ (فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ) لِوُجُودِ الْأَدَاءِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الْبَاقِي (وَمَنْ عَجَزَ) أَوْ مَاتَ (رَقَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَهُمْ، وَمُقَابِلُ النَّصِّ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ بِبُطْلَانِ كِتَابَتِهِمْ. (وَتَصِحُّ) (كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ (فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ) أَيْ جَمِيعَ الْعَبْدِ الَّذِي بَعْضُهُ حُرٌّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِحُرِّيَّةِ بَعْضِهِ أَمْ مُعْتَقِدًا رَقَّ كُلُّهُ فَبَانَ حُرَّ الْبَعْضِ (صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ) مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى قِسْطَ الرَّقِيقِ مِنْ الْمُسَمَّى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ كُلُّهُ رَقِيقٌ اسْتِيعَابُ الْكِتَابَةِ لَهُ (وَ) حِينَئِذٍ (لَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ) هَذِهِ الْكِتَابَةُ (إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ) فِي كِتَابَتِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَنْقُصُ بِذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ الشَّرِيكُ (وَكَذَا إنْ أَذِنَ) الْغَيْرُ لَهُ فِيهَا (أَوْ كَانَ) ذَلِكَ الْبَعْضُ (لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَدُّدِ حَضَرًا وَسَفَرًا لِاكْتِسَابِ النُّجُومِ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْضُهُ رَقِيقًا فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ، وَأَيْضًا لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضُهُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبَاقِي فَإِنَّهُ مِنْ أَكْسَابِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ حُرًّا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الثَّانِيَةِ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْفَسَادِ فِي كِتَابَةِ الْبَعْضِ صُوَرٌ: مِنْهَا مَا لَوْ كَاتَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بَعْضَ عَبْدِهِ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثُ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ:. وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْعَبْدِ مَوْقُوفًا عَلَى خِدْمَةِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ فَكَاتَبَهُ مَالِكُ بَعْضِهِ قَالَ. الْأَذْرَعِيُّ: فَيُشْبِهُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِنَا فِي الْوَقْفِ إنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ مِلْكٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُقِفَ بَعْضُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ اهـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 489 وَلَوْ كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ وَجُعِلَ الْمَالُ عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا، فَلَوْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ، وَلَوْ أَبْرَأَ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَقُوِّمَ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا.   [مغني المحتاج] شَيْخُنَا خِلَافُهُ لِمُنَافَاتِهِ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ. وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَاتِبُ ذَلِكَ الْبَعْضَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَخَلَّفَ عَبْدًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا قَالَهُ فِي الْخِصَالِ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُمَا كَاتَبَاهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ. (وَلَوْ) تَعَدَّدَ السَّيِّدُ كَشَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ (كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا) مَنْ كَاتَبَهُ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ) جِنْسًا وَصِفَةً وَعَدَدًا وَأَجَلًا، وَفِي هَذَا إطْلَاقُ النَّجْمِ عَلَى الْمُؤَدَّى لِقَوْلِهِ (وَجُعِلَ الْمَالُ) الْمُكَاتَبُ عَلَيْهِ (عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا) سَوَاءٌ صَرَّحَا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَمْ لَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى انْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ نِسْبَةُ مِلْكَيْهِمَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الشَّرِيكَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ الَّذِي يُكَاتِبَانِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَفَتْ النُّجُومُ أَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي النُّجُومِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ (فَلَوْ) (عَجَزَ) الْعَبْدُ (فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا) وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ (وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ) الْعَقْدِ (فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ) فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِمَا مَرَّ (وَقِيلَ يَجُوزُ) بِالْإِذْنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِقِيلَ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَتَوَسَّعُونَ فِي جَعْلِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ أَوْجُهًا (وَلَوْ) (أَبْرَأَ) وَاحِدٌ مِمَّنْ كَاتَبَا الْعَبْدَ مَعًا (مِنْ نَصِيبِهِ) مِنْ النُّجُومِ (أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ (عَتَقَ نَصِيبُهُ) مِنْهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الِابْتِدَاءِ (وَقُوِّمَ) عَلَيْهِ (الْبَاقِي) مِنْهُ وَسَرَى الْعِتْقُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ (إنْ كَانَ مُوسِرًا) أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَلِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَأَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ فَلِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَاتَبَ جَمِيعَهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ النُّجُومِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ التَّقْوِيمَ وَالسِّرَايَةَ فِي الْحَالِ وَهُوَ قَوْلٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ عَنْهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَجَزَ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ فَحِينَئِذٍ يَسْرِي وَيُقَوَّمُ وَيَكُونُ كُلُّ الْوَلَاءِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ مَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ رَضِيَ الْأُخَرُ بِتَقْدِيمِهِ، إذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْقَبْضِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَالْأَدَاءِ مَاتَ مُبَعَّضًا، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّاهُمَا وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُصَدِّقِ وَلَمْ يَسِرْ، وَلِلْمُكَذِّبِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ نَصِيبِهِ أَوْ بِالنِّصْفِ مِنْهُ وَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا بِيَدِ الْمُصَدِّقِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 490 [فَصْلٌ] يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ. وَالْحَطُّ أَوْلَى،   [مغني المحتاج] وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُصَدِّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَى الْمُكَذِّبِ، وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَ الْجَمِيعِ لِأَحَدِهِمَا فَقَالَ لَهُ: بَلْ أَعْطَيْتَ كُلًّا مِنَّا نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْآخَرِ وَصُدِّقَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَ الْآخَرِ بِحَلِفِهِ. ثُمَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُقِرِّ نِصْفَ مَا أَخَذَ وَيَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ [فَصْلٌ] فِيمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمَا يُسَنُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَبَيَانِ حُكْمِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (يَلْزَمُ السَّيِّدَ) بَعْدَ صِحَّةِ كِتَابَةِ رَقِيقِهِ (أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ) الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ (أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ) بَعْدَ أَخْذِ النُّجُومِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] فُسِّرَ الْإِيتَاءُ بِمَا ذَكَرَ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا عَنْهُ فِي الْكِتَابَةِ لِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِ الْإِيتَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَيُعْمَلُ بِمَا اقْتَضَاهُ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ: الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ: أَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْهُ جُزْءًا آخَرَ مِنْ الْمَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ جُزْءًا مِنْهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُؤْتِهِ لَزِمَ الْوَارِثَ أَوْ وَلِيَّهُ الْإِيتَاءُ، فَإِنْ كَانَ النَّجْمُ بَاقِيًا تَعَيَّنَ مِنْهُ وَقُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ النَّجْمُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَصَايَا، وَإِنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فَالزَّائِدُ مِنْ الْوَصَايَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَبْرَأَ الرَّقِيقَ عَنْ جَمِيعِ النُّجُومِ لَا يَجِبُ الْإِيتَاءُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي الصَّدَاقِ لِزَوَالِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا لَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: وَاسْتَثْنَى الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ صُورَتَيْنِ لَا يَلْزَمُ الْإِيتَاءُ فِيهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، أَوْ يُكَاتِبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّجُومِ إلَّا الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي الْإِيتَاءِ لَا يَسْقُطُ وَلَا يَحْصُلُ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَطَّ أَصْلٌ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، لَكِنْ يَرْفَعُهُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ وَيَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا. (وَالْحَطُّ) عَنْ الْمُكَاتَبِ (أَوْلَى) مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَوْلًا وَفِعْلًا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إعَانَتُهُ لِيَعْتِقَ، وَالْإِعَانَةُ فِي الْحَطِّ مُحَقَّقَةٌ، وَفِي الدَّفْعِ مَوْهُومَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَهُوَ وَجْهٌ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 491 وَفِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ، وَأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ، وَإِلَّا فَالسُّبُعُ. وَيَحْرُمُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ، وَلَا حَدَّ فِيهِ،   [مغني المحتاج] وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْحَطَّ أَصْلٌ وَالْإِيتَاءَ بَدَلٌ عَنْهُ (وَ) الْحَطُّ أَوْ الدَّفْعُ (فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافٍ، وَذَلِكَ مِنْ آخِرِ نَجْمِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) مِنْ الْمَالِ (وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ) قِلَّةً وَكَثْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّ هَذَا مِنْ الْمُعْضِلَاتِ، فَإِنَّ إتْيَانَ فِلْسٍ لِمَنْ كُوتِبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تُبْعِدُ إرَادَتَهُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] أَنَّهَا رُبُعُ الْكِتَابَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى النَّدْبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالثَّانِي لَا يَكْفِي مَا ذَكَرَ وَيَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْمَالِ فَيَجِبُ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ قَدَّرَهُ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادٍ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَاتَبَ شَرِيكَانِ مَثَلًا عَبْدًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ بِالْكِتَابَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ) أَيْ الْحَطِّ أَوْ الدَّفْعِ (قَبْلَ الْعِتْقِ) لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُعَانٌ بِمَالَيْنِ زَكَاةٍ وَإِيتَاءٍ، فَلَمَّا كَانَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ الْإِيتَاءُ. وَالثَّانِي بَعْدَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ، وَيَجُوزُ مِنْ أَوَّلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ كَمَا نَقُولُ: الْفِطْرَةُ تَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَوَقْتُ الْجَوَازِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقِيلَ: يَجِبُ بِالْعِتْقِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْعِتْقِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ. وَقِيلَ: إنَّهُ يَتَضَيَّقُ إذَا بَقِيَ مِنْ النَّجْمِ الْأَخِيرِ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَوْ يُؤْتِيهِ إيَّاهُ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ صَادِقَةٌ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلٍّ لَوْ أَخَّرَ عَنْ الْعِتْقِ أَثِمَ وَكَانَ قَضَاءً، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَالْعِتْقِ لَكِنْ يَكُونُ قَضَاءً فِيهِ تَسَمُّحٌ (وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ) أَيْ حَطُّ قَدْرِ رُبُعِ مَالٍ الْكِتَابَةِ إنْ سَمَحَ بِهِ السَّيِّدُ (وَإِلَّا فَالسُّبُعُ) رَوَى حَطَّ الرُّبُعِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَرَوَى عَنْهُ رَفْعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى حَطَّ السُّبُعِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: بَقِيَ بَيْنَهُمَا حَطُّ السُّدُسِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ. (وَيَحْرُمُ) عَلَى السَّيِّدِ (وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ) كِتَابَةً صَحِيحَةً لِاخْتِلَالِ مِلْكِهِ فِيهَا بِدَلِيلِ خُرُوجِ اكْتِسَابِهَا عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ مِلْكَهُ عَنْهَا كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَطَأَهَا فَسَدَ الْعَقْدُ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ (وَلَا حَدَّ) عَلَى السَّيِّدِ (فِيهِ) أَيْ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَكَذَا هِيَ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْوَطْءِ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 492 وَيَجِبُ مَهْرٌ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ. وَوَلَدُهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ،   [مغني المحتاج] قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إنَّهُ يَحْرُمُ مِنْهَا كُلُّ اسْتِمْتَاعٍ قَالَ: وَكَذَا الْمُبَعَّضَةُ. وَأَمَّا النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَنَظَرُ الْمُكَاتَبِ أَيْ الْمُبَعَّضِ إلَى سَيِّدَتِهِ فَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (وَيَجِبُ) عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا (مَهْرٌ) وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ وُجُوبُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الصَّدَاقِ هَذَا حَيْثُ لَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ثَانِيًا بَعْدَ قَبْضِهَا الْمَهْرَ وَجَبَ لَهَا مَهْرٌ ثَانٍ (وَالْوَلَدُ) الْحَاصِلُ مِنْ وَطْءِ السَّيِّدِ (حُرٌّ) نَسِيبٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ (وَلَا تَجِبُ) عَلَيْهِ (قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِانْعِقَادِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا قِيمَتُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلٍ يَأْتِي أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِهِ الْأَظْهَرِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ (وَصَارَتْ) بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ (مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً) فَيَكُونُ لِعِتْقِهَا سَبَبَانِ، وَلَا يُبْطِلُ الِاسْتِيلَادُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِتْقُ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً أَنَّهَا مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى كِتَابَتِهَا، وَإِلَّا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ: وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةٌ مُكَاتَبَةٌ كَانَ أَوْلَى، فَإِنْ أَدَّتْ النُّجُومَ عَتَقَتْ عَنْ الْكِتَابَةِ وَتَبِعَهَا كَسْبُهَا وَوَلَدُهَا (فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ عَنْ الِاسْتِيلَادِ وَعَتَقَ مَعَهَا أَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ عَجْزِهَا عَتَقَتْ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَعْتِقُ عَنْ الْكِتَابَةِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ مُنْجِزًا أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَيَتْبَعُهَا كَسْبُهَا وَأَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ. تَنْبِيهٌ: وَطْءُ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ حَرَامٌ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا جَزْمًا، فَإِنْ أَحْبَلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا. وَمَنْ كَاتَبَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْءُ بِنْتِهَا الَّتِي تَكَاتَبَتْ عَلَيْهَا، وَيَلْزَمُهُ بِهِ الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَمِنْ بَاقِي كَسْبِهَا وَيُوقَفُ الْبَاقِي، فَإِنْ عَتَقَتْ مَعَ الْأُمِّ فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِلْمُكَاتَبِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْأُمَّ، وَلَا قِيمَةُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهَا، وَتَعْتِقُ إمَّا بِعِتْقِ أُمِّهَا أَوْ مَوْتِ سَيِّدِهَا (وَوَلَدُهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ الْحَادِثُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ (مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ) (فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهَا فَيُوقَفُ أَمْرُهُ عَلَى رِقِّهَا وَحُرِّيَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) لِلسَّيِّدِ، إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ. وَالثَّانِي هُوَ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 493 وَالْحَقُّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا، فَلَوْ قَتَلَ فَقِيمَتُهُ لِذِي الْحَقِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَكَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَيْهِ، وَمَا فَضَلَ وُقِفَ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ. وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْجَمِيعَ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مُكَاتَبٌ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا، وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَهُ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا، وَالْمُرَادُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ إذَا عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ. أَمَّا إذَا رَقَّتْ ثُمَّ عَتَقَتْ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْكِتَابَةِ الْأُولَى لَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ إرَادَةَ مَا سَبَقَ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هَذَا فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ صُوَرٌ إحْدَاهَا: أَنَّ لِلسَّيِّدِ مُكَاتَبَتَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَهُ كِتَابَتُهُ تَبَعِيَّةً. الثَّانِيَةُ: أَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ. الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَتْ أُنْثَى فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْحَقُّ فِيهِ) أَيْ الْوَلَدِ (لِلسَّيِّدِ) كَمَا أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَهُ (وَفِي قَوْلٍ لَهَا) أَيْ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ لَهَا. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ هَذَا التَّرْجِيحِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مِنْ عَبْدِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ جَارِيَتِهِ يَعْنِي فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْأُمِّ قَطْعًا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ وَهْمٌ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ جَارِيَتَهُ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إنَّمَا جَاءَهُ الرِّقُّ مِنْ أُمِّهِ لَا مِنْ رِقِّ أَبِيهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُهَا انْتَهَى وَهَذَا أَوْجَهُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَتَلَ) الْوَلَدَ (فَقِيمَتُهُ لِذِي الْحَقِّ) مِنْهُمَا، فَإِنْ قُلْنَا: لِلسَّيِّدِ فَقِيمَتُهُ لَهُ كَقِيمَةِ الْأُمِّ، أَوْ لِلْأُمِّ فَلَهَا تَسْتَعِينُ بِهَا فِي أَدَاءِ النُّجُومِ (وَالْمَذْهَبُ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ (أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا دُونَ نَفْسِهِ (وَ) أَنَّ (كَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَمَا فَضَلَ) عَنْ ذَلِكَ (وُقِفَ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ) كَمَا أَنَّ كَسْبَ الْأُمِّ إذَا عَتَقَتْ يَكُونُ لَهَا، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يُوقَفُ بَلْ يُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهَا. هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِيهِ لِسَيِّدِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَنَّهُ لَهَا فَيَكُونُ لَهَا مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَغَيْرِهِ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَفِ بِمُؤْنَتِهِ فَعَلَى السَّيِّدِ مُؤْنَتُهُ فِي الْأُولَى وَبَقِيَّتُهَا فِي الثَّانِيَةِ وَيُصَدَّقُ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَكُونَ رَقِيقًا لَهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَقْتِ الْكِتَابَةِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ كَأَصْلِهَا، وَلِأَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ مِلْكِهِ وَهِيَ تَدَّعِي حُدُوثَ مَانِعٍ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى. يَبْلُغَ الْوَلَدُ وَيَحْلِفَ وَقِيلَ: إنَّ الْأُمَّ تَحْلِفُ، فَإِنْ شَهِدَ لِلسَّيِّدِ بِدَعْوَاهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ قُبِلْنَ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا. (وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ) لِلسَّيِّدِ (الْجَمِيعَ) مِنْ النُّجُومِ لِحَدِيثِ «الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» وَفِي مَعْنَى أَدَائِهِ حَطُّ الْبَاقِي عَنْهُ الْوَاجِبِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَالْحَوَالَةُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 494 وَلَوْ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ حَلَفَ السَّيِّدُ. وَلَوْ خَرَجَ الْمُؤَدَّى مُسْتَحَقًّا رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ أَنْتَ حُرٌّ.   [مغني المحتاج] بِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَاتَبَهُ مُطْلَقًا وَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْعِتْقِ صَحَّ، وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ أَنَّهُ إذَا أَدَّى النَّجْمَ الْأَوَّلَ عَتَقَ وَبَقِيَ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ الْعِتْقِ صَحَّ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ. (وَلَوْ) (أَتَى) الْمُكَاتَبُ (بِمَالٍ فَقَالَ) لَهُ (السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ) أَيْ لَا تَمْلِكُهُ (وَلَا بَيِّنَةَ) لَهُ بِذَلِكَ (حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ) مَمْلُوكٌ لَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْيَدِ (وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ) حِينَئِذٍ (تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ قَدْرِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَأْمُرُ السَّيِّدَ بِأَخْذِهِ وَهُوَ يُقِرُّ بِكَوْنِهِ حَرَامًا؟ . أُجِيبَ بِأَنَّا لَمْ نَأْمُرْهُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا، بَلْ خَيَّرْنَاهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِبْرَاءَ فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْقَبْضَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَالَ: هُوَ لِلْمُكَاتَبِ قُبِلَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ صَدَّقَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَالِكًا أَوْ عَيَّنَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أُقِرَّ فِي يَدِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ (فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي) وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ إنْ أَدَّى الْكُلَّ (فَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ) عَنْ الْحَلِفِ (حَلَفَ السَّيِّدُ) أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكُهُ لِغَرَضِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحَرَامِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَ كَمَا إذَا أَتَى إلَيْهِ بِلَحْمٍ فَقَالَ: هَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكًّى فَقَالَ بَلْ مُذَكًّى صُدِّقَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلَا بَيِّنَةَ عَمَّا لَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ بَيِّنَةً عَلَى مَا يَقُولُهُ فَلَا يُجْبَرُ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا وَلَا بِيَمِينِهِ مِلْكٌ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ، وَلَا يَسْقُطُ بِحَلِفِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ مَنْ عَيَّنَهُ. (وَلَوْ خَرَجَ) أَيْ ظَهَرَ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ كَوْنُ (الْمُؤَدَّى) مِنْ النُّجُومِ أَوْ بَعْضِهَا (مُسْتَحَقًّا) بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَإِلْزَامِ الْحَاكِمِ لَا بِإِقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ (رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ أَنْ يَرْجِعَ بِمُسْتَحَقِّهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ) لِبُطْلَانِ الْأَدَاءِ، فَإِنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ بَانَ أَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا وَأَنَّ مَا تَرَكَ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْوَرَثَةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالنَّجْمِ الْأَخِيرِ، فَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِ وَدَفَعَ الْأَخِيرَ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ تُبُيِّنَ بِخُرُوجِ غَيْرِهِ مُسْتَحَقًّا كَوْنُهُ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِبَعْضِ النُّجُومِ. (وَإِنْ كَانَ) السَّيِّدُ (قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ) لِلْمُكَاتَبِ (أَنْتَ حُرٌّ) أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ أَيْضًا فِي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 495 وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ. وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَهُ شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ   [مغني المحتاج] الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَهُوَ صِحَّةُ الْأَدَاءِ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَلَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ عِنْدَ أَخْذِهِ يُوهِمُ التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا قَالَهُ مُتَّصِلًا بِقَبْضِ النُّجُومِ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَنْتَ حُرٌّ إنَّمَا يَقْبَلُ تَنْزِيلَهُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِمُوجِبِ الْقَبْضِ إذَا رَتَّبَ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَوْ انْفَصَلَ عَنْ الْقَرَائِنِ لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ قَالَا: وَهَذَا تَفْصِيلٌ قَوِيمٌ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ بِهِ، لَكِنْ فِي الْوَسِيطِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ حُرِّيَّتِهِ أَوْ ابْتِدَاءً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَبْضِ النُّجُومِ أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ اهـ. وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ أَدَاءِ النُّجُومِ. قَالَ: فَإِنْ قَصَدَ إنْشَاءَ الْعِتْقِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَحِلُّ عَدَمِ عِتْقِهِ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِمَا جَرَى، فَلَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِخُرُوجِ الْمَدْفُوعِ مُسْتَحَقًّا بَلْ يَعْتِقُ عَنْ جِهَةِ الْكِتَابَةِ وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَأَوْلَادُهُ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَبْرَأْتنِي طَلَّقْتُكِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَجْهُولٍ فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ مَجْهُولٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ: أَعْتَقْتَنِي بِقَوْلِكَ أَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ السَّيِّدُ إنَّمَا أَرَدْتُ بِمَا أَدَّيْت صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ. قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ طَلَّقْتَ امْرَأَتَك. فَقَالَ: نَعَمْ طَلَّقْتُهَا. ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا قُلْتُهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي جَرَى طَلَاقٌ، وَقَدْ أَفْتَى الْفُقَهَاءُ بِخِلَافِهِ وَلَوْ نَازَعَتْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. (وَإِنْ خَرَجَ) الْمُؤَدَّى مِنْ النُّجُومِ (مَعِيبًا) وَلَمْ يَرْضَ السَّيِّدُ بِهِ (فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُ الْمَعِيبِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ حُصُولَ الْعِتْقِ بِالْأَخْذِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَخْذِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَكَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ نَفَذَ الْعِتْقُ، وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَثَبَتَ حُصُولُهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: مِنْ وَقْتِ الرِّضَا. (وَلَا يَتَزَوَّجُ) الْمُكَاتَبُ (إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَمَا مَرَّ (وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَخَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فِي الطَّلْقِ فَمَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ كَمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَزَوَائِدِهَا فِي مُعَامَلَاتِهِ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِهِ بِالْإِذْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ مَنْعُ مِلْكِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّ تَسَرِّيَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَمْلِيكِ الْعَبْدِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ. فَإِذًا لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَبْوَابِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَطْءِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ أَخَصُّ مِنْ الْوَطْءِ لِاشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَالْحَجْبِ فِيهِ. (وَلَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ) تَوَسُّعًا فِي طُرُقِ الِاكْتِسَابِ (فَإِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 496 وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ، وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا، وَلَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَطَؤُهَا فَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. وَلَوْ عَجَّلَ النُّجُومَ لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ غَرَضٌ كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ،   [مغني المحتاج] وَطِئَهَا) أَيْ جَارِيَتَهُ عَلَى خِلَافِ مَنْعِهِ مِنْهُ (فَلَا حَدَّ) عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَكَذَا لَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ (وَالْوَلَدُ) الْحَاصِلُ مِنْ وَطْئِهِ (نَسِيبٌ) لَاحِقٌ بِهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ (فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ) أَيْ قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ أَوْ مَعَهُ (أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ) لَكِنْ (لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ وَطْئِهِ (تَبِعَهُ) الْوَلَدُ (رِقًّا وَعِتْقًا) وَلَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِضَعْفِ مِلْكِهِ، بَلْ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ جَارِيَتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِ أَبِيهِ، فَإِنْ عَتَقَ عَتَقَ وَإِلَّا رَقَّ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ وَلَدَهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ (وَلَا تَصِيرُ) أُمُّهُ (مُسْتَوْلَدَةً) لِلْمُكَاتَبِ (فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِمَمْلُوكٍ فَأَشْبَهَتْ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ، وَالثَّانِي: تَصِيرُ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِكِتَابَتِهِ عَلَى أَبِيهِ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهِ فَثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ (وَ) أَمَّا (إنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ) فَيُنْظَرُ إنْ وَلَدَتْهُ (لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ الْوَطْءِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعِدَدِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِمَا فَوْقَ السِّتَّةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَكُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ صَحِيحٌ (وَكَانَ يَطَؤُهَا) وَوَقَعَ الْوَطْءُ مَعَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ وَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْوَطْءِ (فَهُوَ حُرٌّ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ) لِظُهُورِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا مَعَ الْعِتْقِ وَلَا بَعْدَهُ، أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ. (وَلَوْ) (عَجَّلَ) الْمُكَاتَبُ (النُّجُومَ) قَبْلَ مَحِلِّهَا (لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ) لِمَا عَجَّلَ (إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ) مِنْ قَبْضِهَا (غَرَضٌ) صَحِيحٌ (كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ) أَيْ مَالِ النُّجُومِ إلَى مَحِلِّهِ كَالطَّعَامِ الْكَثِيرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَطْلَقَ الْمُؤْنَةَ كَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِدُخُولِ مُؤْنَةِ الْعَلْفِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ (أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ) بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ بِأَنْ كَانَ زَمَنَ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ لِمَا فِي الْإِجْبَارِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْكِتَابَةَ فِي زَمَنِ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ وَعَجَّلَ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَزُولُ عِنْدَ الْمَحِلِّ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَوْفُ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ. تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُهُ بِالنُّجُومِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ أَحْضَرَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْهِيدِ سَبَبِ الْعِتْقِ، وَمِنْ الْأَغْرَاضِ مَا إذَا كَانَ طَعَامًا يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ رَطْبًا، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مِنْ الْأَغْرَاضِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ لَا زَكَاةَ فِيهِ. فَإِذَا جَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحِلِّ كَانَ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَهُ لِئَلَّا تَتَعَلَّقَ بِهِ الزَّكَاةُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ، وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 497 وَإِلَّا فَيُجْبَرُ فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي. وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَهَا لِيُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَأَبْرَأَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ، وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، فَلَوْ بَاعَ وَأَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ،   [مغني المحتاج] اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبْضِ النُّجُومِ (فَيُجْبَرُ) عَلَى قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ غَرَضًا ظَاهِرًا وَهُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أَوْ تَقْرِيبُهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِجْبَارَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَتَى الْمُكَاتَبُ بِمَالٍ. فَقَالَ السَّيِّدُ: هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا الْإِبْرَاءَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بِحُلُولِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ: (فَإِنْ أَبَى) قَبُولَهُ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ عَلَى مَا مَرَّ أَوْ كَانَ غَائِبًا (قَبَضَهُ الْقَاضِي) عَنْهُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ إنْ أَدَّى الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُمْتَنِعِينَ وَالْغَائِبِينَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ إلَّا سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَالنَّظَرُ لِلْغَائِبِ أَنْ يَبْقَى الْمَالَ فِي ذِمَّةِ الْمَلِيءِ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَصِيرَ أَمَانَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ. (وَلَوْ) (عَجَّلَ) الْمُكَاتَبُ (بَعْضَهَا) أَيْ النُّجُومِ (لِيُبْرِئَهُ) السَّيِّدُ (مِنْ الْبَاقِي) مِنْهَا (فَأَبْرَأَ) مَعَ الْأَخْذِ (لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الِالْتِمَاسُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ لِمَدِينِهِ اقْضِ أَوْ زِدْ، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي الدَّيْنِ وَفِي الْأَجَلِ، وَعَلَى السَّيِّدِ رَدُّ الْمَأْخُوذِ وَلَا عِتْقَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَبْضِ وَالْبَرَاءَةِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ لَا يَخْتَصُّ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ بَلْ سَائِرُ الدُّيُونِ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ. (وَلَا يَصِحُّ) (بَيْعُ النُّجُومِ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ لُزُومِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِتَطَرُّقِ السُّقُوطِ إلَيْهِ، فَالنُّجُومُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَهَذَا يُسْقِطُ مَا قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ بَيْعِ النُّجُومِ (وَلَا الِاعْتِيَاضُ) أَيْ الِاسْتِبْدَالُ (عَنْهَا) مِنْ الْمُكَاتَبِ كَأَنْ تَكُونَ النُّجُومُ دَنَانِيرَ فَيُعْطَى بَدَلَهَا دَرَاهِمُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَاهُ هُنَا تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ الْجَوَازِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ مَا هُنَاكَ وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا هُنَا فِي مَنْهَجِهِ (فَلَوْ) (بَاعَ) السَّيِّدُ النُّجُومَ (وَأَدَّى) الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ (إلَى الْمُشْتَرِي) (لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ تَضَمَّنَ الْبَيْعُ الْإِذْنَ فِي قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي مُقَابَلَةِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ فَلَمْ تُسَلَّمْ فَلَمْ يَبْقَ الْإِذْنُ، وَلَوْ سُلِّمَ بَقَاؤُهُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ، وَبِهِ عُلِّلَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبِضُ النُّجُومَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. نَعَمْ لَوْ بَاعَهَا وَأَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِفَسَادِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 498 وَيُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِي الْجَدِيدِ، فَلَوْ بَاعَ فَأَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ، وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ. وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ.   [مغني المحتاج] الْبَيْعِ عَتَقَ بِقَبْضِهِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ) وَعَلَى الثَّانِي مَا أَخَذَهُ يَقْبِضُهُ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِهِ (وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً (فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَرْفَعُ الْكِتَابَةَ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَيَبْقَى مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ كَالْعِتْقِ بِصِفَةٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ وَكَانَ رِضَاهُ فَسْخًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِهِ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ: مِنْهَا مَا إذَا بِيعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إعْتَاقُهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَالْحَالُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً، وَمِنْهَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ إذَا قَالَ: أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْبُطْلَانُ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الْبُطْلَانَ فَالْبُطْلَانُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ، وَمَعْنَى الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَعْتِقُ عَنْ السَّائِلِ، وَلَكِنْ يَقَعُ عَنْ الْمُعْتِقِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَلَا وَلَدُهُ، وَمِنْهَا إذَا جَنَى وَمِنْهَا إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ، فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأُمِّ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِيهَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِفَسَادِهَا لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. وَكَذَا إنْ جَهِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ (فَلَوْ) (بَاعَ) السَّيِّدُ رَقَبَةَ مُكَاتَبِهِ (فَأَدَّى) الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ (إلَى الْمُشْتَرِي) فَقَبَضَهَا (فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا بَاعَ نُجُومَهُ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ (وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ) فِيمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِنْ نَجَزَهَا فَكَبَيْعِهِ، وَإِلَّا فَتَصِحُّ إنْ عَلَّقَهَا عَلَى عَجْزِهِ. (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (بَيْعُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ وَ) لَا (إعْتَاقُ عَبْدِهِ، وَ) لَا (تَزْوِيجُ أَمَتِهِ) وَلَا التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ. تَنْبِيهٌ: مَسْأَلَةُ النِّكَاحِ مُكَرَّرَةٌ سَبَقَتْ فِي النِّكَاحِ (وَلَوْ) (قَالَ لَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (رَجُلٌ) مَثَلًا: (أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا) كَمِائَةٍ (فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ) كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَكَ عَلَى كَذَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِدَاءِ الْأَسِيرِ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 499 [فَصْلٌ] الْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَجَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ وَالْفَسْخُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ، وَلِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ اُسْتُحِبَّ إمْهَالُهُ، فَإِنْ أَمْهَلَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عُرُوضٌ أَمْهَلَهُ لِيَبِيعَهَا، فَإِنْ عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَمْهَلَهُ إلَى   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ ذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ وَأَطْلَقَ. أَمَّا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا، فَقَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عَنْ السَّائِلِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُعْتِقِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ. تَتِمَّةٌ: لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ عَتَقَ. وَيَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ عَنْ النُّجُومِ حَتَّى تَتْبَعَهُ أَكْسَابُهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَاءَ لَكَانَ عِتْقُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَنْهَا فَلَا تَتْبَعُهُ الْأَكْسَابُ. قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ. قَالَ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ قَصْدًا وَيَقْبَلُهُ ضِمْنًا. [فَصَلِّ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا] [فَصْلٌ] فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ وَبَيَانِ حُكْمِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهَا. (الْكِتَابَةُ) الصَّحِيحَةُ (لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ) أَيْ جَانِبِ (السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا) ؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِحَظِّ مُكَاتَبِهِ لَا لِحَظِّهِ فَكَانَ فِيهَا كَالرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ. أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ اللُّزُومِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يَعْجِزَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ الْأَدَاءِ) عِنْدَ الْمَحِلِّ لِنَجْمٍ أَوْ بَعْضِهِ غَيْرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِيتَاءِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ: قَدْ عَجَزْتُ عَنْ الْأَدَاءِ أَوْ يَقُولَ السَّيِّدُ فَسَخْتُ الْكِتَابَةَ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ. تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: مَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. فَإِنْ قِيلَ: إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. الثَّانِيَةُ: إذَا حَلَّ النَّجْمُ وَالْمُكَاتَبُ غَائِبٌ وَلَمْ يَبْعَثْ الْمَالَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُحَطُّ عَنْهُ أَوْ يُبْذَلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ. لَكِنْ يَرْفَعُ الْمُكَاتَبُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُلْزِمَ السَّيِّدَ بِالْإِيتَاءِ وَالْمُكَاتَبَ بِالْأَدَاءِ (وَ) الْكِتَابَةُ (جَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، الجزء: 6 ¦ الصفحة: 500 إحْضَارِهِ إنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ مِنْهُ. وَلَا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ،   [مغني المحتاج] وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ) أَيْ مَا يَفِي بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهَا لَهُ فَأَشْبَهَ الْمُرْتَهِنَ كَذَا قَالُوهُ، وَاعْتُرِضَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ السَّيِّدِ مِنْ النُّجُومِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتِقِ كَالْمُضْمَحِلِّ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ (فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ) أَيْ قَالَ: أَنَا عَاجِزٌ عَنْ كِتَابَتِي مَعَ تَرْكِ الْأَدَاءِ (فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ) عَلَيْهِ (وَ) لَهُ (الْفَسْخُ) لِلْكِتَابَةِ عَلَى التَّرَاخِي إنْ شَاءَ (بِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا لِاجْتِهَادٍ فِيهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْحَاكِمُ (وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ) إنْ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُ، وَحُلُولُ النُّجُومِ وَالْعَجْزُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَمَتَى فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ فَازَ السَّيِّدُ بِمَا أَخَذَهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يَتَمَلَّكَ لُقَطَتَهُ، كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ (وَلِلْمُكَاتَبِ) أَيْضًا (الْفَسْخُ) لَهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، كَمَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْسَخَ الرَّهْنَ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي بَقَائِهَا. (وَلَوْ) (اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ) سَيِّدَهُ (عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ) لِعَجْزٍ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ (إمْهَالُهُ) إعَانَةً لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ (فَإِنْ) (أَمْهَلَ) السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ (ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ) لِسَبَبٍ مِمَّا مَرَّ (فَلَهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَقَدْ غَلِطَ مَنْ فَهِمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلْعَبْدِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (عُرُوضٌ) وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ غَيْرَهَا، وَاسْتَمْهَلَ لِبَيْعِهَا (أَمْهَلَهُ) وُجُوبًا (لِيَبِيعَهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْهِلْهَا لَفَاتَ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ (فَإِنْ) لَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا فَوْرًا كَأَنْ (عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِمْهَالِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا جَوَازُ الْفَسْخِ وَصَحَّحَاهُ (وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا) وَاسْتَمْهَلَ لِإِحْضَارِهِ (أَمْهَلَهُ) السَّيِّدُ وُجُوبًا (إلَى إحْضَارِهِ إنْ كَانَ) غَائِبًا فِيمَا (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ (فَلَا) يَجِبُ الْإِمْهَالُ لِطُولِ الْمُدَّةِ. تَنْبِيهٌ: يُمْهَلُ لِإِحْضَارِ دَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَإِحْضَارِ مَالٍ مُودَعٍ. (وَلَوْ) (حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ) أَيْ الْمُكَاتَبُ (غَائِبٌ) وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ غَابَ بَعْدَ حُلُولِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ (فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ) لِلْكِتَابَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِالْغَيْبَةِ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وَالْإِذْنُ قَبْلَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ لَهُ فِي اسْتِمْرَارِهَا إلَى مَا بَعْدَهُ، وَيَفْسَخُ بِنَفْسِهِ وَيُشْهِدُ، لِئَلَّا يُكَذِّبَهُ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ الْفَسْخُ بِالْحَاكِمِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ لَكِنْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْكِتَابَةِ بِحُلُولِ النَّجْمِ وَالتَّعَذُّرِ لِتَحْصِيلِ النَّجْمِ، وَحَلِفِ السَّيِّدِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَكِيلِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا أَنْظَرَهُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَالتَّحْلِيفُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ غَرِيبٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَمْ أَرَ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِحَدِّ هَذِهِ الْغَيْبَةِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 501 وَيُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَلَا بِالْحَجَرِ. بِجُنُونِ السَّيِّدِ، وَيَدْفَعُ إلَى وَلِيِّهِ، وَلَا يَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَلَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ فَلِوَارِثِهِ قِصَاصٌ، فَإِنْ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ قَتَلَ خَطَأً أَخَذَهَا مِمَّا مَعَهُ،   [مغني المحتاج] وَالْبَعِيدَةِ، وَقَيَّدَهَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ قِيَاسُ تَنْزِيلِ غَيْبَتِهِ كَغَيْبَةِ الْمَالِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: وَالْقِيَاسُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى اهـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ (فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ) لِلنَّجْمِ (مِنْهُ) وَيُمَكِّنُ الْقَاضِي السَّيِّدَ مِنْ الْفَسْخِ، وَإِنْ عَاقَ الْمُكَاتَبَ عَنْ حُضُورِهِ مَرَضٌ أَوْ خَوْفٌ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّزَ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ، وَرُبَّمَا فَسَخَ الْكِتَابَةَ فِي غَيْبَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْلِيفِهِ لَا يَجْتَمِعَانِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ يُمَكِّنُ الْقَاضِي السَّيِّدَ: أَيْ لَا يَعْتَرِضُهُ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّحْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَفَّى أَوْ أَذِنَ فِيهِ يَحْتَاطُ كَمَا قَالُوا فِي الْحَاضِنَةِ يَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، فَإِنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ أَنْظَرَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ وَسَافَرَ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى إنْظَارِهِ لَمْ يُفْسَخْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، وَرُبَّمَا اكْتَسَبَ فِي السَّفَرِ مَا يَفِي بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَلَا يَفْسَخُ سَيِّدُهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ بِالْحَالِ. بَلْ بِكِتَابٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ سَيِّدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ كَتَبَ بِهِ قَاضِي بَلَدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ السَّيِّدِ لِيَفْسَخَ إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ السَّيِّدِ قَاضٍ وَبَعَثَ السَّيِّدُ إلَى الْمُكَاتَبِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ وَيَقْبِضُ مِنْهُ النُّجُومَ فَهَلْ هُوَ كَكِتَابِ الْقَاضِي فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ. (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ (بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ) كِتَابَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لَازِمًا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِجُنُونِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ فَسْخَهَا حَالَ جُنُونِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَفْسَخْ بِنَفْسِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِجَمِيعِ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ عَلَى الْغَائِبِ (وَ) حِينَئِذٍ (يُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا) لِيُعْتَقَ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَنَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الْغَائِبِ كَمَا مَرَّ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ تَأْدِيَةِ الْقَاضِي عَنْهُ إذَا رَأَى لَهُ مَصْلَحَةً فِي الْحُرِّيَّةِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ بِهَا لَمْ يُؤَدِّ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَهَذَا حَسَنٌ، لَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ السَّيِّدَ إذَا وَجَدَ مَالَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَاكِمَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْأَخْذِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ الْقَاضِي مَالًا فَسَخَ السَّيِّدُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَعَادَ بِالْفَسْخِ قِنًّا لَهُ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ كَأَنْ حَصَّلَهُ مِنْ قَبْلِ الْفَسْخِ دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ، وَنَقَضَ التَّعْجِيزَ وَعَتَقَ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَأَحْسَنَ الْإِمَامُ إذْ خَصَّ نَقْضَ التَّعْجِيزِ بِمَا إذَا ظَهَرَ الْمَالُ بِيَدِ السَّيِّدِ وَإِلَّا فَهُوَ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ حِينَ تَعَذُّرِ حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا فَحَضَرَ بَعْدَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 502 فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَاقْتِصَاصُهُ وَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ قَتَلَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَطَعَهُ فَعُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ مِمَّا مَعَهُ وَمِمَّا سَيَكْسِبُهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ   [مغني المحتاج] الْفَسْخِ اهـ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَذَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ مُصَادِمٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِ ثُمَّ حُضُورِهِ، بِخِلَافِ وُجُودِهِ بِالْبَلَدِ، وَإِذَا قُلْنَا يَعْتِقُ يُطَالِبُهُ السَّيِّدُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ نَقْضِ التَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ بِمَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا فَلَا يُطَالِبْهُ بِذَلِكَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَقَامَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَفَاقَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَدَّى النُّجُومَ حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ وَأَنْفَقَ عَلَى عِلْمٍ بِحُرِّيَّتِهِ مُتَبَرِّعًا، فَلَوْ قَالَ: نَسِيتُ الْأَدَاءَ فَهَلْ يُقْبَلُ لِيَرْجِعَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الرُّجُوعِ أَيْضًا. (وَلَا) تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ (بِالْحَجْرِ) عَلَى الْمُكَاتَبِ بِسَفَهٍ وَارْتِفَاعُ الْحَجْرِ عَنْهُ كَإِفَاقَتِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ تَعْيِينَ الْقَاضِي فِي صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ أَدَّاهُ الْمَجْنُونُ لَهُ أَوْ اسْتَقَلَّ هُوَ بِأَخْذِهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ النُّجُومِ مُسْتَحَقٌّ. وَلَا تَنْفَسِخُ (بِجُنُونِ السَّيِّدِ) وَلَا بِمَوْتِهِ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَالرَّهْنِ (وَيَدْفَعُ) الْمُكَاتَبُ وُجُوبًا النُّجُومَ (إلَى وَلِيِّهِ) إذَا جُنَّ، وَإِلَى وَارِثِهِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ شَرْعًا (وَلَا يَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ فَاسِدٌ، وَلِلْمُكَاتَبِ اسْتِرْدَادُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ آخَرُ يُؤَدِّيهِ فَلِلْوَلِيِّ تَعْجِيزُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِإِغْمَاءِ السَّيِّدِ، وَلَا الْمُكَاتَبِ. (وَلَوْ) (قَتَلَ) الْمُكَاتَبُ (سَيِّدَهُ) عَمْدًا (فَلِوَارِثِهِ قِصَاصٌ) كَجِنَايَةِ عَمْدِ غَيْرِهِ (فَإِنْ عَفَا) عَنْهُ (عَلَى دِيَةٍ، أَوْ قَتَلَ) سَيِّدَهُ (خَطَأً أَخَذَهَا) أَيْ الدِّيَةَ (مِمَّا مَعَهُ) حَصَّلَهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَعَ الْمُكَاتَبِ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَكَذَلِكَ. فِي الْجِنَايَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَكْثَرَ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَهَلْ يَجِبُ تَمَامُ الْأَرْشِ أَوْ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ الْأَقَلِّ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَ الدِّيَةِ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكِتَابِ، وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ: إنَّ الْقَوَاعِدَ تَأْبَى الْأَوَّلَ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَعْتِقُهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَهَا، وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ وَجَبَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَقْطُوعِ بِهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) فِي يَدِهِ مَالٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَفِ بِالْأَرْشِ (فَلَهُ) أَيْ وَارِثِ سَيِّدِهِ (تَعْجِيزُهُ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَّزَهُ وَرَقَّ سَقَطَ عَنْهُ الْأَرْشُ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالثَّانِي: لَا يُعَجِّزُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَّزَ سَقَطَ مَالُ الْجِنَايَةِ، فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّعْجِيزِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ الرَّدَّ إلَى الرِّقِّ الْمَحْضِ (أَوْ) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 503 شَيْءٌ وَسَأَلَ الْمُسْتَحِقُّ تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَبِيعَ بِقَدْرِ الْأَرْشِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ. وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ وَإِبْقَاؤُهُ مُكَاتَبًا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ بَطَلَتْ وَمَاتَ رَقِيقًا. وَلِسَيِّدِهِ قِصَاصٌ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُكَافِئِ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ.   [مغني المحتاج] (قَطَعَ) الْمُكَاتَبُ (طَرَفَهُ) أَيْ سَيِّدِهِ (فَاقْتِصَاصُهُ وَالدِّيَةُ) لِلطَّرَفِ (كَمَا سَبَقَ) فِي قَتْلِهِ سَيِّدَهُ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ. تَنْبِيهٌ: جِنَايَتُهُ عَلَى طَرَفِ ابْنِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ عَمْدٍ فَكَجِنَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ. (وَلَوْ) (قَتَلَ) الْمُكَاتَبُ (أَجْنَبِيًّا أَوْ قَطَعَهُ) عَمْدًا (فَعُفِيَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ بِخَطِّهِ: أَيْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ (عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَ) قَتْلُهُ لَلْأَجْنَبِيِّ (خَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (أَخَذَ) الْمُسْتَحَقَّ (مِمَّا مَعَهُ) الْآنَ (وَمِمَّا سَيَكْسِبُهُ) بَعْدَ (الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ، وَإِذَا عَجَّزَهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِسِوَى الرَّقَبَةِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ جِنَايَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَإِذَا كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَجَبَ جَمِيعُ الْأَرْشِ مِمَّا فِي يَدِهِ كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ، بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. تَنْبِيهٌ: فِي إطْلَاقِ الْأَرْشِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ تَغْلِيبٌ فَلَا يُطَالِبُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ وَلَا يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيَفْدِي نَفْسَهُ بِالْأَقَلِّ بِلَا إذْنٍ، وَقَوْلُهُ مِمَّا سَيَكْسِبُهُ لَيْسَ هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ هُنَاكَ، وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا، وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَكْسِبُهُ مَا بَقِيَتْ كِتَابَتُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْقِصَاصِ هُنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِوُجُوبِهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ فَالْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَهُ الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ. (فَإِنْ) (لَمْ يَكُنْ مَعَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (شَيْءٌ) أَوْ كَانَ وَلَمْ يَفِ بِالْوَاجِبِ (وَسَأَلَ الْمُسْتَحِقُّ) لِلْأَرْشِ الْقَاضِيَ (تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي) الْمَسْئُولُ (وَبِيعَ) مِنْهُ (بِقَدْرِ الْأَرْشِ) فَقَطْ إنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْفِدَاءِ، وَإِلَّا فَكُلُّهُ. هَذَا كَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: كَلَامُ التَّنْبِيهِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّعْجِيزِ. بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالْبَيْعِ انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ، كَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَكِّ الرَّهْنِ اهـ. وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْجِزَ جَمِيعُهُ، ثُمَّ يَبِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاَلَّذِي يُفْهِمُهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَعْجِزُ الْبَعْضُ، وَلِهَذَا حَكَمُوا بِبَقَاءِ الْبَاقِي عَلَى كِتَابَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَعْجِزُ الْجَمِيعُ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فِي جَمِيعِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ التَّجْدِيدِ لِلضَّرُورَةِ اهـ. وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَهَذَا إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ بَيْعُ بَعْضِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِعَدَمِ رَاغِبٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَالْقِيَاسُ بَيْعُ الْجَمِيعِ لِلضَّرُورَةِ وَمَا فَضَلَ يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالنِّسْبَةِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 504 وَيَسْتَقِلُّ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ وَلَا خَطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ صَحَّ، فَإِنْ عَجَزَ وَصَارَ لِسَيِّدِهِ عَتَقَ،   [مغني المحتاج] لِلْقِنِّ (فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُقُوقِ، فَإِنْ أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَهَلْ يَسْرِي بَاقِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُوسِرًا؟ . قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ وَفِي الْبَحْرِ لَا يَسْرِي قَوْلًا وَاحِدًا اهـ وَمَا فِي الْبَحْرِ هُوَ الظَّاهِرُ. (وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ) بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ (وَإِبْقَاؤُهُ) عَلَى حَالِهِ (مُكَاتَبًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ حُقُوقِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّ قَبُولُ الْفِدَاءِ (وَلَوْ أَعْتَقَهُ) السَّيِّدُ (بَعْدَ الْجِنَايَةِ) وَنَفَّذْنَاهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (أَوْ أَبْرَأَهُ) بَعْدَهَا مِنْ النُّجُومِ (عَتَقَ وَلَزِمَهُ) أَيْ السَّيِّدَ (الْفِدَاءُ) بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ بَعْدَهَا فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ، وَلَوْ جَنَى جِنَايَاتٍ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ فَدَى نَفْسَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ تَبَرُّعًا لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ (وَلَوْ) (قَتَلَ الْمُكَاتَبُ) بَعْدَ اخْتِيَارِ سَيِّدِهِ الْفِدَاءَ لَزِمَ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَ (بَطَلَتْ) كِتَابَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ (وَمَاتَ رَقِيقًا) لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا، وَفَائِدَةُ الْحُكْمِ بِرِقِّهِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ مَا يَتْرُكُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا الْإِرْثِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ، وَسَوَاءٌ خَلَفَ وَفَاءً بِالنُّجُومِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا. (وَلِسَيِّدِهِ قِصَاصٌ عَلَى قَاتِلِهِ) الْمُتَعَمِّدِ (الْمُكَافِئِ) لَهُ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا أَوْ كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ عَمْدٍ (فَالْقِيمَةُ) هِيَ الْوَاجِبَةُ لَهُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى عَبْدِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحِلُّ مَا ذَكَرَ إذَا قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: هَذَا إذَا قَتَلَهُ، فَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ ضَمِنَهُ. قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: وَلَيْسَ لَنَا مَنْ لَا يَضْمَنُ شَخْصًا وَيَضْمَنُ طَرَفَهُ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِهِ، وَبَقَاؤُهَا مَعَ قَطْعِ طَرَفِهِ وَالْأَرْشُ مِنْ أَكْسَابِهِ. فَرْعٌ: لَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ بِوَصِيَّةٍ، ثُمَّ جَنَى عَلَى أَبِيهِ فَقَطَعَ طَرَفَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَبِ كَحُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَجُعِلَتْ حُرِّيَّتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى حُرِّيَّتِهِ. قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ: ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ مَسْأَلَةٌ يُقْتَصُّ فِيهَا مِنْ الْمَالِكِ لِلْمَمْلُوكِ إلَّا هَذِهِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ هَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ: فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقَتْلِ مَمْلُوكِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مِلْكَهُ شُبْهَةً وَهُوَ غَرِيبٌ اهـ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. (وَيَسْتَقِلُّ) الْمُكَاتَبُ (بِكُلِّ تَصَرُّفٍ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ) عَلَى غَيْرِ السَّيِّدِ (وَلَا خَطَرَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ بِحَظِّهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ بِعِوَضِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْعِتْقُ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ فِيهِ تَبَرُّعٌ كَصَدَقَةٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ فِيهِ خَطَرٌ كَقَرْضٍ وَبَيْعٍ نَسِيئَةً (فَلَا) يَسْتَقِلُّ بِهِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ نَسِيئَةً بَيْنَ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ قَدْ يُفْلِسُ وَالرَّهْنَ قَدْ يَتْلَفُ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ. هَذَا مَا ذَكَرَاهُ هُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. الْجَوَازَ بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ. مَا إذَا تَبَرَّعَ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ كَمَا يَأْتِي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 505 أَوْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا إذْنٍ، وَبِإِذْنٍ فِيهِ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ صَحَّ فَمُكَاتَبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَكِتَابَتُهُ بِإِذْنٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. [فَصْلٌ] الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ لِشَرْطٍ أَوْ عِوَضٍ، أَوْ أَجَلٍ فَاسِدٍ كَالصَّحِيحَةِ فِي اسْتِقْلَالَةِ بِالْكَسْبِ، وَفِي أَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَمَهْرِ شُبْهَةٍ،   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ التَّبَرُّعِ مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ مِمَّا الْعَادَةُ فِيهِ أَكْلُهُ وَعَدَمُ بَيْعِهِ لَهُ أَوْ إهْدَائِهِ لِغَيْرِهِ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ، وَمِمَّا فِيهِ خَطَرٌ مَا الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَيُفْعَلُ لِلْمَصْلَحَةِ كَتَوْدِيجِ الْبَهَائِمِ، وَقَطْعِ السِّلَعِ مِنْهَا، وَالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَخَتْنِ الرَّقِيقِ، وَقَطْعِ سِلَعِهِمْ الَّتِي فِي قَطْعِهَا خَطَرٌ، لَكِنْ فِي بَقَائِهَا أَكْثَرُ، وَلَهُ اقْتِرَاضٌ، وَأَخْذُ قِرَاضٍ، وَهِبَةٌ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ وَبَيْعُ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ نَقْدًا وَعَشْرَةٍ نَسِيئَةً، وَشِرَاءُ النَّسِيئَةِ بِثَمَنِ النَّقْدِ، وَلَا يَرْهَنُ بِهِ، وَلَا يُسْلِمُ الْعِوَضَ قَبْلَ الْمُعَوَّضِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَا يَقْبَلُ هِبَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا كَسُوبًا كِفَايَتُهُ فَيُسَنُّ قَبُولٌ ثُمَّ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَالْفَاضِلُ لِلْمُكَاتَبِ، فَإِنْ مَرِضَ قَرِيبُهُ أَوْ عَجَزَ لَزِمَ الْمُكَاتَبَ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِ مِلْكِهِ، وَإِنْ جَنَى بِيعَ فِيهَا وَلَا يَفْدِيهِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ (وَيَصِحُّ) مِمَّا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ (بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ كَالْمُرْتَهِنِ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ غَرَضَ الْعِتْقِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ دَيْنٍ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبٍ آخَرَ وَقَبِلَهُ مِنْهُ السَّيِّدُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ. تَنْبِيهٌ: اُسْتُثْنِيَ مِنْ إطْلَاقِهِ الصِّحَّةُ الْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ) مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ (صَحَّ) وَكَانَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُكَاتَبِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعَبِيدِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ وَرَقَّ (وَصَارَ) الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَصْلِ سَيِّدِهِ أَوْ فَرْعِهِ (لِسَيِّدِهِ عَتَقَ) عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ كُلُّهُ، فَإِذَا اشْتَرَى بَعْضَهُ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَلَا يَسْرِي كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْعِتْقِ (أَوْ) اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ مَنْ يَعْتِقُ (عَلَيْهِ) لَوْ كَانَ حُرًّا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ (لَمْ يَصِحَّ بِلَا إذْنٍ) مِنْ سَيِّدِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْعِتْقَ وَإِلْزَامِهِ النَّفَقَةَ (وَبِإِذْنٍ فِيهِ الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي تَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ (فَإِنْ صَحَّ) شِرَاءُ الْمُكَاتَبِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ (فَكَاتَبَ عَلَيْهِ) فَيَرِقُّ بِرِقِّهِ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ (وَلَا يَصِحُّ) (إعْتَاقُهُ) عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ (وَ) لَا (كِتَابَتُهُ بِإِذْنٍ) لَهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِتَضَمُّنِهِمَا الْوَلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ عَمَلًا بِالْإِذْنِ وَيُوقَفُ الْوَلَاءُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ. أَمَّا إعْتَاقُهُ عَنْ سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَيَصِحُّ بِالْإِذْنِ. تَتِمَّةٌ: وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عَنْ الدُّيُونِ وَلَا هِبَتُهُ مَجَّانًا وَلَا يُشْتَرَطُ الثَّوَابُ، وَلِأَنَّ فِي قَدْرِهِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 506 وَفِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ، وَكَالتَّعْلِيقِ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِإِبْرَاءٍ. وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ.   [مغني المحتاج] اخْتِلَافًا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِأَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بَعْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، وَفِيهِ خَطَرٌ، وَوَصِيَّتُهُ سَوَاءٌ أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ. [فَصَلِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ] [فَصْلٌ] فِي مُشَارَكَةِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ الصَّحِيحَةَ وَمُخَالَفَتِهَا لَهَا، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْكِتَابَةِ الْبَاطِلَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ) وَهِيَ مَا الْخَلَلُ فِي صِحَّتِهَا (لِشَرْطٍ) فَاسِدٍ فِيهَا كَشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا (أَوْ عِوَضٍ) فَاسِدٍ كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ (أَوْ أَجَلٍ فَاسِدٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ حُكْمُهَا (كَالصَّحِيحَةِ فِي اسْتِقْلَالَةِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (بِالْكَسْبِ) فَيَتَرَدَّدُ وَيَتَصَرَّفُ لِيُؤَدِّيَ النَّجْمَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهَا بِالْأَدَاءِ كَالصَّحِيحَةِ، وَالْأَدَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْكَسْبِ وَلَيْسَ لَنَا عَقْدٌ فَاسِدٌ يَمْلِكُ بِهِ كَالصَّحِيحِ إلَّا هَذَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ فَاسِدٌ يَعُودُ إلَى الثَّلَاثِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشَّرْطِ الصَّحِيحِ كَشَرْطِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَبِالْفَاسِدَةِ عَنْ الْبَاطِلَةِ، وَهِيَ مَا اخْتَلَّتْ صِحَّتُهَا بِاخْتِلَالِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا كَكَوْنِ صِيغَتِهِ مُخْتَلَّةً كَأَنْ فُقِدَ الْإِيجَابُ أَوْ الْقَبُولُ، أَوْ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مُكْرَهًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ عُقِدَتْ بِغَيْرِ مَقْصُودٍ كَدَمٍ، أَوْ بِمَا لَا يَتَمَوَّلُ فَإِنَّ حُكْمَهَا الْإِلْغَاءُ إلَّا فِي تَعْلِيقٍ مُعْتَبَرٍ مِمَّنْ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَلَا تُلْغَى فِيهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَاسِدَةِ وَالْبَاطِلَةِ وَهُمَا فِي الْعُقُودِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهَا هَذِهِ، وَمِنْهَا الْحَجُّ، وَمِنْهَا الْعَارِيَّةُ، وَمِنْهَا الْخُلْعُ (وَ) الْفَاسِدَةُ كَالصَّحِيحَةِ أَيْضًا (فِي أَخْذِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَمَهْرِ شُبْهَةٍ) فِي الْأَمَةِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الِاكْتِسَابِ. تَنْبِيهٌ: الشُّبْهَةُ مِثَالٌ فَالْوَاجِبُ بِعَقْدٍ مِنْ مُسَمًّى صَحِيحٍ أَوْ مَهْرِ مِثْلٍ بِسَبَبِ تَسْمِيَةٍ فَاسِدَةٍ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَفِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ) لِسَيِّدِهِ عِنْدَ الْمَحِلِّ لِوُجُودِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ، وَهُوَ لَا يَبْطُلُ فِي التَّعْلِيقِ بِفَاسِدٍ وَبِهَذَا خَالَفَتْ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ (وَ) فِي أَنَّهُ (يَتْبَعُهُ) إذَا عَتَقَ (كَسْبُهُ) الْحَاصِلُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ كَالصَّحِيحَةِ فِي الْعِتْقِ فَكَذَا فِي الْكَسْبِ. تَنْبِيهٌ: وَلَدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ جَارِيَتِهِ كَكَسْبِهِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَكَاتَبُ عَلَيْهِ فَإِذَا عَتَقَ تَبِعَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَيَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ كِتَابَةً فَاسِدَةً وَلَدُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ كَالْكَسْبِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ فَقَطْ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هِيَ كَالصَّحِيحَةِ أَيْضًا فِي أَنَّ نَفَقَتَهُ تَسْقُطُ عَنْ السَّيِّدِ إذَا اسْتَقَلَّ بِالْكَسْبِ بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ (كَالتَّعْلِيقِ) بِصِفَةٍ (فِي) حُكْمِهِ وَهُوَ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ فِيهَا (لَا يَعْتِقُ بِإِبْرَاءٍ) عَنْ النُّجُومِ لِعَدَمِ حُصُولِ الصِّفَةِ، وَفَارَقَ ذَلِكَ الْكِتَابَةَ الصَّحِيحَةَ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ عَلَى عَقْدِهَا الْمُعَاوَضَةُ، وَحُكْمُ الِاسْتِيفَاءِ وَالْإِبْرَاءِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَاحِدٌ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 507 وَتُخَالِفُهُمَا فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ، بَلْ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَهُوَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْإِبْرَاءِ بَلْ لَوْ أَدَّى الْغَيْرُ عَنْهُ تَبَرُّعًا أَوْ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ. (وَ) فِي أَنَّ الْكِتَابَةَ (تَبْطُلُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ) قَبْلَ الْأَدَاءِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَلَا يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْفَاسِدَةُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ. نَعَمْ إنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَوْ إلَى وَارِثِي بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ بَلْ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَارِثِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَوْتِ السَّيِّدِ دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَةَ تُوَافِقُ الصَّحِيحَةَ حَيْثُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الرَّقَبَةُ وَقَدْ فَاتَتْ. (وَ) فِي أَنَّهُ (تَصِحُّ) (الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ) وَإِنْ ظَنَّ السَّيِّدُ صِحَّةَ كِتَابَتِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ مِلْكَهُ ظَانًّا أَنَّهُ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى بِرَقَبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ. ثُمَّ إنْ عَلَّقَ الْوَصِيَّةَ عَلَى عَجْزِهِ صَحَّتْ فِي الْأَصَحِّ (وَ) فِي أَنَّهُ (لَا يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَالْقَبْضُ فِيهَا غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ. تَنْبِيهٌ: لَا تَنْحَصِرُ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَلْ تُخَالِفُ الْفَاسِدَةُ الصَّحِيحَةَ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ: مِنْهَا صِحَّةُ إعْتَاقِهِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْأَرْشِ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا جَنَى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّ لِلسَّيِّدِ مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْ تَسْلِيمِهَا نَهَارًا كَالْقِنَّةِ، وَمِنْهَا أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ إذَا حَلَفَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَانَ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِيهِ فَيُخْرِجُ عَنْهُ زَكَاتَهَا، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَمِنْهَا أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْإِحْرَامِ وَتَحْلِيلِهِ إذَا أَحْرَمَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ، وَمِنْهَا جَوَازُ وَطْءِ الْأَمَةِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يُوَكِّلَ السَّيِّدُ مَنْ يَقْبِضُ النُّجُومَ، وَلَا الْعَبْدُ مَنْ يُؤَدِّيهَا عَنْهُ رِعَايَةً لِلتَّعْلِيقِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْإِبْرَاءِ إذَا عَادَتْ إلَيْهِ، وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيتَاءِ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَاتَبَ عَبْدًا وَهَبَهُ لَهُ أَصْلُهُ كِتَابَةً فَاسِدَةً بَعْدَ قَبْضِهِ بِإِذْنِهِ كَانَ لِلْأَصْلِ الرُّجُوعُ وَيَكُونُ فَسْخًا، وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ الصَّادِرَةُ فِي الْمَرَضِ لَيْسَتْ مِنْ الثُّلُثِ لِأَخْذِ السَّيِّدِ الْقِيمَةَ عَنْ رَقَبَتِهِ، بَلْ هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمِنْهَا مَا إذَا زَوَّجَهَا بِعَبْدِهِ لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَجِبَ لَهَا مَهْرٌ بِوَطْءِ سَيِّدِهَا لَهَا، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْفِطْرَةِ، وَمِنْهَا تَمْلِيكُهُ لِلْغَيْرِ فَإِنَّ الصَّحِيحَةَ تُخَالِفُ الْفَاسِدَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقَدْ أَوْصَلَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ الصُّوَرَ الْمُخَالِفَةَ إلَى نَحْوِ سِتِّينَ صُورَةً، وَمَا ذَكَرَ مِنْهَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْ النُّكَتَ. (وَ) الْفَاسِدَةُ (تُخَالِفُهُمَا) أَيْ الصَّحِيحَةَ وَالتَّعْلِيقَ مَعًا (فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا) بِالْفِعْلِ كَالْبَيْعِ، وَبِالْقَوْلِ ك أَبْطَلْتُ كِتَابَتَهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعِوَضَ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِالْقَاضِي وَبِنَفْسِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، حَتَّى لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ الْمُسَمَّى بَعْدَ فَسْخِهَا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَهُوَ فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَتِهِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْمُعَاوَضَةُ ارْتَفَعَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ التَّعْلِيقِ، وَلَا يُبْطِلُهَا الْقَاضِي بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْإِبْطَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الجزء: 6 ¦ الصفحة: 508 فَإِنْ تَجَانَسَا فَأَقْوَالُ التَّقَاصِّ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْفَضْلِ بِهِ. قُلْتُ: أَصَحُّ أَقْوَالِ التَّقَاصِّ سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِالْآخَرِ بِلَا رِضًا، وَالثَّانِي بِرِضَاهُمَا، وَالثَّالِثُ بِرِضَا أَحَدِهِمَا، وَالرَّابِعُ لَا يَسْقُطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ، فَفِي التَّعْبِيرِ بِالْفَسْخِ عَنْ الْإِبْطَالِ تَجَوُّزٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْفَسْخَ بِالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَالَفَتْ فِيهِ الْفَاسِدَةُ كُلًّا مِنْ الصَّحِيحَةِ وَالتَّعْلِيقِ، بِخِلَافِهِ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَطَّرِدُ فِي الصَّحِيحَةِ أَيْضًا عَلَى إضْرَابٍ وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وَلَا يَأْتِي فِي التَّعْلِيقِ وَإِنْ كَانَ فَسْخُ السَّيِّدِ كَذَلِكَ وَعِتْقُ السَّيِّدِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ فَسْخٌ فَلَا تَسْتَتْبِعُ كَسْبًا وَلَا وَلَدًا (وَ) فِي (أَنَّهُ) أَيْ السَّيِّدَ (لَا يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ) مِنْ الْمُكَاتَبِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ (بَلْ يَرْجِعُ الْمُكَاتَبُ بِهِ) إنْ بَقِيَ، وَبِبَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ (إنْ) تَلِفَ، وَ (كَانَ مُتَقَوِّمًا) وَالْمُرَادُ بِالْمُتَقَوِّمِ مَا لَهُ قِيمَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَا قَسِيمُ الْمِثْلِيِّ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْخَمْرِ فَإِنَّ الْعَتِيقَ لَا يَرْجِعُ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ إلَّا إنْ كَانَ مُحْتَرَمًا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ وَكَانَ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ (وَهُوَ) أَيْ السَّيِّدُ يَرْجِعُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَدَّى وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ التَّلَفِ، وَلَوْ كَاتَبَ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ كَافِرًا كَذَلِكَ عَلَى فَاسِدٍ مَقْصُودٍ كَخَمْرٍ وَقَبَضَ فِي الْكُفْرِ فَلَا تَرَاجُعَ، وَلَوْ أَسْلَمَا وَتَرَافَعَا إلَيْنَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَبْطَلْنَاهَا، وَلَا أَثَرَ لِلْقَبْضِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْبَعْضِ فَكَذَلِكَ، فَلَوْ قَبَضَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَقَبْلَ إبْطَالِهَا عَتَقَ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، أَوْ قَبَضَ الْجَمِيعَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَكَذَلِكَ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى السَّيِّدِ بِشَيْءٍ لِلْخَمْرِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا الْمُرْتَدَّانِ فَكَالْمُسْلِمِينَ. (فَإِنْ) تَلِفَ مَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ مِنْ الرَّقِيقِ وَأَرَادَ كُلٌّ الرُّجُوعَ عَلَى الْآخَرِ، وَ (تَجَانَسَا) أَيْ وَاجِبَا السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ بِأَنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ الْمُكَاتَبُ لِلسَّيِّدِ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَعَلَى صِفَتِهِ (فَأَقْوَالُ التَّقَاصِّ) الْآتِيَةُ عَلَى الْأَثَرِ فِي زِيَادَةِ الْكِتَابِ (وَيَرْجِعُ) مِنْهُمَا (صَاحِبُ الْفَضْلِ) أَيْ الَّذِي دَيْنُهُ زَائِدٌ عَلَى دَيْنِ الْآخَرِ (بِهِ) أَيْ الْفَاضِلِ، وَلَمَّا سَكَتَ الْمُحَرَّرُ عَنْ الْأَصَحِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ (أَصَحُّ أَقْوَالِ التَّقَاصِّ سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِالْآخَرِ) مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ التَّسَاوِي فِيمَا مَرَّ (بِلَا رِضًا) ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَةَ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِمِثْلِ مَا لَهُ عَلَيْهِ عِنَادٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَالثَّانِي) مِنْ أَقْوَالِ التَّقَاصِّ سُقُوطُهُ (بِرِضَاهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ إبْدَالُ مَا فِي ذِمَّةٍ بِذِمَّةٍ فَأَشْبَهَ الْحَوَالَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ (وَالثَّالِثُ) سُقُوطُهُ (بِرِضَا أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، فَإِذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا فَقَدْ وَجَدَ الْقَضَاءَ مِنْهُ (وَالرَّابِعُ لَا يَسْقُطُ) وَإِنْ رَضِيَا (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْرَاءُ التَّقَاصِّ فِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ. وَلَكِنَّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 509 فَإِنْ فَسَخَهَا السَّيِّدُ فَلْيُشْهِدْ. فَلَوْ أَدَّى الْمَالَ فَقَالَ السَّيِّدُ: كُنْتُ فَسَخْت فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ الْعَبْدُ بِيَمِينِهِ. وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُ الْفَاسِدَةِ بِجُنُونِ السَّيِّدِ وَإِغْمَائِهِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ، لَا بِجُنُونٍ الْعَبْدِ.   [مغني المحتاج] الْمَذْهَبَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: أَنَّ الْمِثْلِيَّاتِ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ كَالطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ لَا يَقَعُ التَّقَاصُّ فِيهَا، وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّ مَا عَدَا الْأَثْمَانَ تُطْلَبُ فِيهِ الْمُعَايَنَةُ اهـ. وَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا تَقْيِيدُهُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ، فَفِي الْأُمِّ لَوْ أَحْرَقَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ مِائَةَ صَاعِ حِنْطَةٍ مِثْلَ حِنْطَتِهِ، وَالْحِنْطَةُ الَّتِي عَلَى الْمُكَاتَبِ حَالَّةٌ كَانَ تَقَاصًّا، وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْرَاءُ التَّقَاصِّ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الدَّيْنَانِ حُلُولًا وَأَجَلًا أَمْ لَا، وَلَكِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِجَعْلِ الْحَالِّ تَقَاصًّا عَنْ الْمُؤَجَّلِ لَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا بِمَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ عِتْقٌ فَفِي الْأُمِّ لَوْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَى مُكَاتَبِهِ وَجَبَ مِثْلُ النُّجُومِ، وَكَانَتْ مُؤَجَّلَةً، وَلَمْ يَكُنْ تَقَاصًّا إلَّا إنْ شَاءَ الْمُكَاتَبُ دُونَ سَيِّدِهِ اهـ. وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ بِرِضَا الْمُكَاتَبِ وَحْدَهُ فَبِرِضَاهُ مَعَ السَّيِّدِ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ فَوَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ التَّقَاصُّ، وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي لِانْتِفَاءِ الْمُطَالَبَةِ. وَلِأَنَّ أَجَلَ أَحَدِهِمَا قَدْ يَحِلُّ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْآخَرِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَهَذَا خَاصٌّ بِغَيْرِ مَا يُؤَدِّي إلَى الْعِتْقِ. أَمَّا مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ فَيَصِحُّ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقَاصَّ إنَّمَا يَكُونُ فِي النَّقْدَيْنِ فَقَطْ، بِشَرْطِ أَنْ يَتَّخِذَا جِنْسًا وَصِفَةً مِنْ صِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ وَحُلُولٍ وَأَجَلٍ، إلَّا إذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى الْعِتْقِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا - كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقِرَّيْنِ، فَإِنْ كَانَا سَلَمَيْنِ فَلَا تَقَاصَّ وَإِنْ تَرَاضَيَا لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُمَا. قَالَ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا مَنَعْنَا التَّقَاصَّ فِي الدَّيْنَيْنِ، وَهُمَا نَقْدَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، فَالطَّرِيقُ فِي وُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَا عَلَى الْآخَرِ، ثُمَّ يَجْعَلَ الْمَأْخُوذَ إنْ شَاءَ عَرْضًا عَمَّا عَلَيْهِ، وَيَرُدُّهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْعِوَضِ عَنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَائِزٌ، وَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ إلَى قَبْضِ الْعِوَضِ الْآخَرِ، أَوْ هُمَا عَرْضَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ فَلْيَقْبِضْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ قَبَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عِوَضٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ إلَّا إنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْعِوَضَ بِقَرْضٍ أَوْ إتْلَافٍ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا وَالْآخَرُ نَقْدًا أَوْ قَبَضَ الْعِوَضَ مُسْتَحِقُّهُ جَازَ لَهُ رَدُّهُ عِوَضًا عَنْ النَّقْدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنَ سَلَمٍ، لَا إنْ قَبَضَ النَّقْدَ مُسْتَحِقُّهُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَدُّهُ عِوَضًا عَنْ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ إلَّا إنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ فِي قَرْضٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْإِتْلَافِ أَوْ كَانَ ثَمَنًا، وَإِذَا امْتَنَعَ التَّقَاصُّ، وَامْتَنَعَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَدَايِنَيْنِ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ لِمَا عَلَيْهِ حُبِسَا حَتَّى يُسَلِّمَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّيِّدَ وَالْمُكَاتَبَ يُحْبَسَانِ إذَا امْتَنَعَا مِنْ التَّسْلِيمِ، وَهُوَ مُتَأَيَّدٌ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ. . وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَأَيَّدُ بِمَا ذَكَرَ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعَا مِنْ تَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ. أَمَّا لَوْ امْتَنَعَا مِنْهُ مَعَ امْتِنَاعِهِمَا مِمَّا مَرَّ فَلَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 510 وَلَوْ ادَّعَى كِتَابَةً فَأَنْكَرَهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَارِثُهُ صُدِّقَا، وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَوْ صِفَتِهَا تَحَالَفَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ مَا يَدَّعِيهِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا فَسَخَ الْقَاضِي. وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَعْضُ الْمَقْبُوضِ وَدِيعَةٌ عَتَقَ وَرَجَعَ هُوَ بِمَا أَدَّى، وَالسَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ، وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ، وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ صُدِّقَ السَّيِّدُ إنْ عُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ،   [مغني المحتاج] كَلَامُهُمْ. (فَإِنْ فَسَخَهَا) أَيْ الْفَاسِدَةَ (السَّيِّدُ فَلْيُشْهِدْ) بِالْفَسْخِ احْتِيَاطًا لَا وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خَوْفَ التَّجَاحُدِ وَالنِّزَاعِ. تَنْبِيهٌ: تَخْصِيصُ السَّيِّدِ بِذَلِكَ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ فِي فَسْخِ الْمُكَاتَبِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ كَالسَّيِّدِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. (فَلَوْ) (أَدَّى) الْعَبْدُ فِيهَا (الْمَالَ، فَقَالَ السَّيِّدُ) بَعْدَ ذَلِكَ (كُنْتُ فَسَخْت) الْكِتَابَةَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ (فَأَنْكَرَهُ) أَيْ أَنْكَرَ الْعَبْدُ أَصْلَ الْفَسْخِ أَوْ كَوْنَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ (صُدِّقَ الْعَبْدُ) الْمُنْكِرُ (بِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَسْخِ، وَعَلَى السَّيِّدِ الْبَيِّنَةُ. (وَالْأَصَحُّ) (بُطْلَانُ) الْكِتَابَةِ (الْفَاسِدَةِ بِجُنُونِ السَّيِّدِ وَإِغْمَائِهِ، وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ) بِسَفَهٍ. أَمَّا الْفَلَسُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْفَاسِدَةُ، بَلْ تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، فَإِذَا بِيعَ بَطَلَتْ، وَ (لَا) تَبْطُلُ بِجُنُونِ (الْعَبْدِ) وَإِغْمَائِهِ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِي الْكِتَابَةِ لَهُ لَا لِلسَّيِّدِ، وَلِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ اخْتِلَالُ عَقْلِ السَّيِّدِ دُونَ عَقْلِ الْعَبْدِ. وَالثَّانِي: بُطْلَانُهَا بِجُنُونِهِمَا وَإِغْمَائِهِمَا لِجَوَازِهَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ. وَالثَّالِثُ: لَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا التَّعْلِيقُ، وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ. تَنْبِيهٌ: لَفْظُ الْإِغْمَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَفُهِمَ الْجُنُونُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. (وَلَوْ) (ادَّعَى) الْعَبْدُ (كِتَابَةً فَأَنْكَرَهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَارِثُهُ) (صُدِّقَا) بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) وَالسَّيِّدُ عَلَى الْبَتِّ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: صُدِّقَ الْمُنْكِرُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ يَقْتَضِي إفْرَادَ الضَّمِيرِ. أَمَّا عَكْسُ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ بِأَنْ ادَّعَاهَا السَّيِّدُ وَأَنْكَرَهَا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قِنًّا وَيُجْعَلُ إنْكَارُهُ تَعْجِيزًا مِنْهُ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُكَ وَأَدَّيْتُ الْمَالَ وَعَتَقْت عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ. (وَلَوْ) (اخْتَلَفَا) أَيْ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ (فِي قَدْرِ النُّجُومِ) أَيْ فِي مِقْدَارِ مَا يُؤَدِّي فِي كُلِّ نَجْمٍ أَوْ فِي عَدَدِ النُّجُومِ أَوْ جِنْسِهَا (أَوْ صِفَتِهَا) وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ لِكُلٍّ بَيِّنَةٌ (تَحَالَفَا) عَلَى مَا مَرَّ فِي تَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النُّجُومِ بِمُضِيِّ الْأَوْقَاتِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ كَأَنْ قَالَ السَّيِّدُ: كَاتَبْتُكَ عَلَى نَجْمٍ، فَقَالَ: بَلْ عَلَى نَجْمَيْنِ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ فِي هَذَا الْمِثَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِيهِ (ثُمَّ) بَعْدَ التَّحَالُفِ (إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ مَا يَدَّعِيهِ) السَّيِّدُ (لَمْ تَنْفَسِخْ الْكِتَابَةُ فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ (بَلْ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا) عَلَى شَيْءٍ (فَسَخَ الْقَاضِي) الْكِتَابَةَ، وَالثَّانِي يَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَهَى إلَى التَّنَازُعِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 511 وَإِلَّا فَالْعَبْدُ. وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: وَضَعْتُ عَنْكَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ أَوْ قَالَ الْبَعْضَ، فَقَالَ بَلْ الْآخِرَ أَوْ الْكُلَّ صُدِّقَ السَّيِّدُ. وَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَعَبْدٍ فَقَالَ كَاتَبَنِي أَبُوكُمَا، فَإِنْ أَنْكَرَا صُدِّقَا، وَإِنْ صَدَّقَاهُ فَمُكَاتَبٌ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالْأَصَحُّ لَا يَعْتِقُ، بَلْ يُوقَفُ، فَإِنْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ، وَإِنْ عَجَزَ قُوِّمَ عَلَى الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَنَصِيبُهُ حُرٌّ، وَالْبَاقِي مِنْهُ قِنٌّ لِلْآخَرِ.   [مغني المحتاج] تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ الْقَاضِي لِلْفَسْخِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا تَبَعًا لِجَمْعٍ لَكِنَّهُمَا حَكَيَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ التَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَاضِي أَوْ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا هُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ عَنَّا الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْفَسْخَ هُنَا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بَلْ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْعُنَّةَ، بِخِلَافِهِ ثَمَّ. (وَإِنْ) (كَانَ) السَّيِّدُ (قَبَضَهُ) أَيْ مَا ادَّعَاهُ بِتَمَامِهِ (وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَعْضُ الْمَقْبُوضِ) وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ فِي الْعَقْدِ (وَدِيعَةٌ) لِي عِنْدَكَ وَلَمْ أَدْفَعْهُ عَنْ جِهَةِ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ (وَرَجَعَ هُوَ) أَيْ الْمُكَاتَبُ (بِمَا أَدَّى) جَمِيعَهُ (وَ) رَجَعَ (السَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّ الْعِتْقِ (وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ) بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْحَالُ إلَى ذَلِكَ بِتَلَفِ الْمُؤَدَّى، وَتُوجَدُ شُرُوطُ التَّقَاصِّ السَّابِقَةُ. (وَلَوْ) (قَالَ) السَّيِّدُ (كَاتَبْتُكَ وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ) بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ (فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ) وَقَالَ: بَلْ كُنْتَ كَامِلًا (صُدِّقَ السَّيِّدُ) بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (إنْ عُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ) لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِذَلِكَ وَضَعْفِ جَانِبِ الْعَبْدِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرُوا فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ، ثُمَّ قَالَ كُنْتُ مَحْجُورًا عَلَيَّ أَوْ مَجْنُونًا يَوْمَ زَوَّجْتُهَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ عُهِدَ لَهُ ذَلِكَ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ هُنَا. تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا كَانَ حَجْرُ السَّفَهِ طَارِئًا. أَمَّا إذَا كَانَ مُقَارِنًا لِلْبُلُوغِ فَلَمْ يُحْتَجْ لِقَوْلِهِ: إنْ عُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ سَبْقُهُ (فَالْعَبْدُ) الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِضَعْفِ جَانِبِ السَّيِّدِ حِينَئِذٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ السَّيِّدُ وَلَا قَرِينَةَ. (وَلَوْ) (قَالَ السَّيِّدُ:) كُنْت (وَضَعْتُ عَنْكَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ، أَوْ قَالَ:) وَضَعْتُ (الْبَعْضَ) مِنْ النُّجُومِ (فَقَالَ) الْمُكَاتَبُ: (بَلْ) النَّجْمَ (الْآخِرَ) وَضَعْتَهُ عَنِّي (أَوْ الْكُلَّ) أَيْ كُلَّ النُّجُومِ (صُدِّقَ السَّيِّدُ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِإِرَادَتِهِ وَفِعْلِهِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ اخْتِلَافِهِمَا هُنَا إذَا كَانَ النَّجْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَا فَائِدَةَ تَرْجِعُ إلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ. (وَلَوْ) (مَاتَ) شَخْصٌ (عَنْ ابْنَيْنِ وَعَبْدٍ فَقَالَ) الْعَبْدُ لَهُمَا (كَاتَبَنِي أَبُوكُمَا) ، (فَإِنْ أَنْكَرَا صُدِّقَا) بِيَمِينِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِكِتَابَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُمَا. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ ادَّعَى كِتَابَةً فَأَنْكَرَ السَّيِّدُ أَوْ وَارِثُهُ، وَلَكِنْ أَعَادَهَا مُبْتَدِئًا لِلتَّقْسِيمِ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ صَدَّقَاهُ) وَهُمَا أَهْلٌ لِلتَّصْدِيقِ، أَوْ نَكَلَا وَحَلَفَ الْعَبْدُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، أَوْ قَامَتْ بِكِتَابَتِهِ بَيِّنَةٌ (فَمُكَاتَبٌ) عَمَلًا بِقَوْلِهِمَا أَوْ بِيَمِينِهِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ بَيِّنَتِهِ. وَإِذَا أَرَادَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ احْتَاجَ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكِتَابَةِ الْعِتْقُ دُونَ الْمَالِ، وَلَوْ حَلَفَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 512 قُلْتُ: بَلْ الْأَظْهَرُ الْعِتْقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُهُ مُكَاتَبٌ، وَنَصِيبُ الْمُكَذِّبِ قِنٌّ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُصَدِّقُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا.   [مغني المحتاج] أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ ثَبَتَ الرِّقُّ فِي نَصِيبِ الْحَالِفِ، وَتُرَدُّ الْيَمِينُ فِي نَصِيبِ النَّاكِلِ (فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ) مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِ كِتَابَتِهِ بِطَرِيقٍ مِمَّا مَرَّ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ النُّجُومِ (فَالْأَصَحُّ لَا يَعْتِقُ) نَصِيبُهُ لِعَدَمِ تَمَامِ مِلْكِهِ (بَلْ يُوقَفُ) الْعِتْقُ فِيهِ (فَإِنْ أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (نَصِيبَ) الِابْنِ (الْآخَرِ عَتَقَ كُلُّهُ، وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ) ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِحُكْمِ كِتَابَتِهِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمَا بِالْعُصُوبَةِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْوَقْفِ قَوْلَهُ (وَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ نَصِيبِ الِابْنِ الْآخَرِ (قُوِّمَ) الْبَاقِي (عَلَى الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا) وَقْتَ التَّعْجِيزِ وَعَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَبَطَلَتْ كِتَابَةُ الْأَبِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الِابْنُ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُعْسِرًا (فَنَصِيبُهُ) الَّذِي أَعْتَقَهُ مِنْ الْمُكَاتَبِ (حُرٌّ وَالْبَاقِي مِنْهُ قِنٌّ لِلْآخَرِ) . تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: عَلَى الْمُعْتِقِ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَبْرَأَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ النُّجُومِ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَجْزِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَبْطُلُ بِالْعَجْزِ، وَالْعِتْقُ فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ لَا يَحْصُلُ بِالْإِبْرَاءِ (قُلْتُ) أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ: (بَلْ الْأَظْهَرُ) وَمُقْتَضَى مَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَقُولَ بَلْ الْمَذْهَبُ (الْعِتْقُ) فِي نَصِيبِهِ فِي الْحَالِ أَبْرَأَ أَوْ أَعْتَقَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ثُمَّ إنْ عَتَقَ نَصِيبُ الْآخَرِ بِأَدَاءٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ إبْرَاءٍ، فَالْوَلَاءُ لِلْأَبِ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِالْعُصُوبَةِ إلَيْهِمَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَإِنْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ الْآخَرُ عَادَ نَصِيبُهُ قِنًّا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ السِّرَايَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَالْأَظْهَرُ فِي الرَّوْضَةِ لَا سِرَايَةَ عَلَى الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ السَّابِقَةَ تَقْتَضِي حُصُولَ الْعِتْقِ فِيهِمَا وَالْمَيِّتُ لَا سِرَايَةَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ، وَالِابْنُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، وَوَقَعَ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ تَرْجِيحُ السِّرَايَةِ وَاعْتُرِضَ. ثُمَّ ذَكَرَ قَسِيمَ قَوْلِهِ: وَإِنْ صَدَّقَاهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الِابْنَيْنِ (فَنَصِيبُهُ) وَحْدَهُ (مُكَاتَبٌ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَاغْتُفِرَ التَّبْعِيضُ لِلضَّرُورَةِ (وَنَصِيبُ الْمُكَذِّبِ قِنٌّ) إذَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِكِتَابَةِ أَبِيهِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الرِّقِّ، وَيَكُونُ نِصْفُ الْكَسْبِ لَهُ، وَنِصْفُهُ لِلْمُكَاتَبِ يَصْرِفُهُ إلَى جِهَةِ النُّجُومِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُصَدِّقُ) أَيْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ) يَسْرِي الْعِتْقُ عَلَيْهِ إلَى نَصِيبِ الْمُكَذِّبِ، وَ (يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا) ؛ لِأَنَّ مُنْكِرَ الْكِتَابَةِ يَقُولُ: إنَّهُ رَقِيقٌ. فَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ثَبَتَتْ السِّرَايَةُ بِقَوْلِهِ. وَخَرَجَ بِ أَعْتَقَهُ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ النُّجُومِ أَوْ قَبَضَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي، وَفِي قَوْلٍ: لَا سِرَايَةَ فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ أَوْصَى السَّيِّدُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهَا تَعَيَّنَتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِنْسَانٍ وَيُسَلِّمُهَا الْمُكَاتَبُ إلَى الْمُوصَى لَهُ بِتَفْرِيقِهَا أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَهَا لِلْقَاضِي. ، وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَى الْوَارِثِ عَتَقَ عَلَيْهِ. وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ وَرِثَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا الْمُكَاتَبَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَ زَوْجَهُ أَوْ بَعْضَهُ. وَلَوْ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ زَوْجَتَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَلَكَ زَوْجَهُ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 513 كتاب أمهات الأولاد   [مغني المحتاج] [كِتَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] ِ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابَهُ بِأَبْوَابِ الْعِتْقِ رَجَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْتِقُهُ وَقَارِئَهُ وَشَارِحَهُ مِنْ النَّارِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُجِيرَنَا وَوَالِدِينَا وَمَشَايِخَنَا وَأَصْحَابَنَا وَجَمِيعَ أَهْلِينَا وَمُحِبِّينَا مِنْهَا. وَأَخَّرَ هَذَا الْبَابَ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ قَهْرِيٌّ مَشُوبٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ، وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي كَوْنِ الِاسْتِيلَادِ قُرْبَةً أَوْ لَا؟ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِيءَ فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ إنْ قُصِدَ بِهِ مُجَرَّدُ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً، أَوْ حُصُولُ وَلَدٍ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ قُرْبَةً، وَأُمَّهَاتٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ أُمٍّ، وَأَصْلُهَا أُمَّهَةٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى ذَلِكَ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ شَيْخُنَا: وَمَنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَمْعُ أُمَّهَةٍ أَصْلُ أُمٍّ فَقَدْ تَسَمَّحَ اهـ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الشَّارِحِ فَإِنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنَّ نُسَخَ الْجَوْهَرِيِّ مُخْتَلِفَةٌ، وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي أَنَّ الْهَاءَ فِي أُمَّهَاتٍ زَائِدَةٌ أَوْ أَصْلِيَّةٌ عَلَى قَوْلَيْنِ فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا زَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ أُمٌّ. وَلِقَوْلِهِمْ الْأُمُومَةُ، وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ لِقَوْلِهِمْ تَأَمَّهَتْ. فَإِذَا قُلْنَا بِالزِّيَادَةِ، فَهَلْ هَذَا الْجَمْعُ جَمْعٌ مَزِيدٌ فِيهِ بِالْإِضَافَةِ أَوْ جَمْعٌ مَزِيدٌ فِيهِ بِعَدَمِهَا؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْهَاءَ مَزِيدَةٌ فِي الْمُفْرَدِ أَوَّلًا، فَقِيلَ أُمَّهَةٌ، ثُمَّ جُمِعَتْ عَلَى أُمَّهَاتٍ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ تَابِعٌ لِلْمُفْرَدِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُفْرَدَ جُمِعَ عَلَى أُمَّاتٍ. ثُمَّ زِيدَتْ فِيهِ الْهَاءُ، وَهَذَا أَصَحُّ عَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ يُقَالُ فِيهَا أُمَّهَاتٌ وَأُمَّاتٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَكْثَرُ فِي النَّاسِ أَنْشَدَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] لِلْمَأْمُونِ بْنِ الرَّشِيدِ. وَإِنَّمَا أُمَّهَاتُ النَّاسِ أَوْعِيَةٌ ... مُسْتَوْدَعَاتٌ وَلِلْآبَاءِ أَبْنَاءُ وَالثَّانِي أَكْثَرُ فِي غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ رَدُّ الْأَوَّلِ إلَى هَذَا. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَهَذَا الْجَمْعُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ أُمَّ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْمُؤَنَّثَةِ بِغَيْرِ عَلَامَةٍ، لَكِنْ جَمَعُوهُ كَمَا جَمَعُوا سَمَاءً عَلَى سَمَوَاتٍ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ خَبَرُ «أَيُّمَا أَمَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 514 إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ.   [مغني المحتاج] عَنْ أَبِي مُوسَى «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْتِي السَّبَايَا وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ فَمَا تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسْمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ» فَفِي قَوْلِهِمْ وَنُحِبُّ أَثْمَانَهُنَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُنَّ بِالِاسْتِيلَادِ مُمْتَنِعٌ، وَخَبَرُهُمَا «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ " رَبَّهَا " أَيْ سَيِّدَهَا، فَأَقَامَ الْوَلَدَ مَقَامَ أَبِيهِ وَأَبُوهُ حُرٌّ فَكَذَا هُوَ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «لَمْ يَتْرُكْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً» ، قَالَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أُمَّ إبْرَاهِيمَ رَقِيقَةً وَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: تَتَوَقَّفُ دَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ثُبُوتُ حَيَاتِهَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ثَانِيهمَا: كَوْنُهُ لَمْ يُنْجِزْ عِتْقَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أُجِيبَ بِاسْتِمْرَارِ الْأَصْلِ (إذَا) (أَحْبَلَ) رَجُلٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ (أَمَتَهُ) أَيْ بِأَنْ عَلَقَتْ مِنْهُ وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا وَأَحْبَلَهَا الْكَافِرُ حَالَ إسْلَامِهِ قَبْلَ بَيْعِهَا عَلَيْهِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ كَأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِاسْتِدْخَالِهَا ذَكَرَهُ وَلَوْ كَانَ نَائِمًا، أَوْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ) كَمُضْغَةٍ ظَهَرَ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ: (عَتَقَتْ) مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي (بِمَوْتِ السَّيِّدِ) لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا أَيْ أَثْبَتَ لَهَا حَقَّ الْحُرِّيَّةِ - وَلَوْ كَانَ سَقْطًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا حُرٌّ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْبَلَ أَمَتَهُ، ثُمَّ مَاتَ رَقِيقًا قَبْلَ الْعَجْزِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ حُرًّا لَمْ تَعْتِقْ بِمَوْتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا أَمَةُ الْمُبَعَّضِ فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِاسْتِيلَادِهِ لَهَا أَوْ لَا؟ حَكَى الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ فِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ قَوْلَيْنِ، وَأَيَّدَ كَوْنَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ لِلْأَبِ الْمُبَعَّضِ بِالْوَلَدِ الْمُنْعَقِدِ مِنْهُ فِي أَمَةٍ فَرْعُهَا. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُبَعَّضَ لَا تَثْبُتُ لَهُ شُبْهَةُ الْإِعْفَافِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِهِ الرَّقِيقِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمُبَعَّضِ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اسْتَقَلَّ بِمِلْكِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي أَمَةِ الْمُبَعَّضِ الَّتِي مَلَكَهَا بِكَسْبِ الْحُرِّيَّةِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَرَى شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي النِّكَاحِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ النُّفُوذِ، وَأَحَالَ عَلَيْهِ هُنَا، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِيلَادِهِمَا أَيْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُبَعَّضِ أَمَتَهُمَا، فَإِيلَادُ أَمَةِ وَلَدِهِمَا بِالْأَوْلَى، وَنَقَلَ ابْنُ شُهْبَةَ نُفُوذَ اسْتِيلَادِهِ عَنْ النَّصِّ، وَبِقَوْلِنَا: كَافِرٌ أَصْلِيٌّ الْمُرْتَدُّ، فَإِنَّ إيلَادَهُ مَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَ نُفُوذُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَبِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَمَتَهُ أَمَةُ غَيْرِهِ، وَسَتَأْتِي، وَيَدْخُلُ فِي عِبَارَتِهِ الْأَمَةُ الَّتِي اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ؛ إنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يُجَزَّأُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِعْتَاقِهَا، إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ الْعِتْقِ بِذَلِكَ، لَا أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْبَلَ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَمْلِكُ بَعْضَهَا أَنَّهَا لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 515 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يَعْتِقُ نَصِيبُهُ فَقَطْ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي الْكُلِّ إذَا كَانَ مُوسِرًا كَمَا مَرَّ فِي الْعِتْقِ حَيْثُ قَالَ: وَاسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ يَسْرِي، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ: إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ أَوْ جَارِيَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا فَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَانْعَقَدَ حُرًّا لِوَطْءِ أُخْتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ السِّيَرِ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ تَتَبَعَّضُ فِي الْوَلَدِ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ، وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى دِيَةِ الْجَنِينِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا: وَلَوْ سَفِيهًا، الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ؛ إنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي نُفُوذِ إيلَادِهِ، فَرَجَّحَ نُفُوذَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ خِلَافَهُ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ سَبَقَ عَنْ الْحَاوِي وَالْغَزَالِيِّ النُّفُوذُ اهـ. وَكَوْنُهُ كَاسْتِيلَادِ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ أَشْبَهَ مِنْ كَوْنِهِ كَالْمَرِيضِ، فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالنُّفُوذِ شَبَّهَهُ بِالْمَرِيضِ، وَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِهِ يُشَبِّهُهُ بِالرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ، وَبِقَوْلِنَا أَوْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ، وَبِقَوْلِنَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَنِيَّهُ الْمُنْفَصِلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، وَهَلْ يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبُهُ أَوْ لَا؟ يَنْبَنِي عَلَى تَعْرِيفِ الْمُحْتَرَمِ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا حَالَ الْإِخْرَاجِ وَالِاسْتِدْخَالِ، وَجَرَى غَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الْإِخْرَاجِ فَقَطْ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ بِاسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ أَنْ يُوجَدَ الْإِنْزَالُ وَالِاسْتِدْخَالُ مَعًا فِي الزَّوْجِيَّةِ، فَلَوْ أَنْزَلَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاسْتَدْخَلَتْهُ أَوْ أَنْزَلَ وَهِيَ زَوْجَةٌ، ثُمَّ أَبَانَهَا وَاسْتَدْخَلَتْهُ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ اهـ. وَقِيَاسُهُ عَلَى هَذَا فِي السَّيِّدِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْزَالُ وَالِاسْتِدْخَالُ مَعًا فِي حَالِ السَّيِّدِيَّةِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ وَحَيْثُ ثَبَتَ النَّسَبُ ثَبَتَ الْإِرْثُ، وَهَلْ يَنْبَغِي إذَا كَانَتْ الْمُدْخِلَةُ أَمَةَ فَرْعِهِ أَنْ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ كَمَا لَوْ أَحْبَلَ الْأَصْلُ أَمَةَ فَرْعِهِ؟ الْأَوْجَهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ، إذْ لَا شُبْهَةَ مِلْكٍ حِينَئِذٍ، وَبِقَوْلِهِ: فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مَا لَوْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ كَأَنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ أَوْ وَضَعَتْ عُضْوًا وَبَاقِيه مُحْتَبِسٌ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ فَلَا تَعْتِقُ. وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الدَّارِمِيُّ، فَقَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا أَثَرَ لِخُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ مُتَّصِلًا كَانَ أَوْ مُنْفَصِلًا فِي انْقِضَاءِ عِدَّةٍ، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ أَحْكَامِ الْجَنِينِ لِعَدَمِ تَمَامِ انْفِصَالِهِ لَا فِي وُجُوبِ الْغُرَّةِ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِلَّا فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ إذَا خَرَّجَا رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ، وَإِلَّا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى أُمِّهِ إذَا مَاتَ بَعْدَ حَيَاتِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، لَكِنْ يَثْبُتُ لَهَا أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ، وَبِقَوْلِهِ: أَوْ مَا يَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ مَا إذَا وَضَعَتْ مُضْغَةً لَيْسَ فِيهَا تَخْطِيطٌ جَلِيٌّ وَلَا خَفِيٌّ، فَلَا يَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ بِذَلِكَ، وَلَوْ شَهِدَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ، وَلَوْ بَقِيَ لَتَخَطَّطَ. إذْ لَا تَجِبُ فِيهِ الْغُرَّةُ عَلَى الْمَنْصُوصِ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ فَأَنَّهَا تَنْقَضِي بِهِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى مَسْأَلَةُ النُّصُوصِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْعَدَدِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ هَلْ فِيهَا خَلْقُ آدَمِيٍّ أَوْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهَا ذَلِكَ، وَنَفَاهُ بَعْضُهُمْ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بِمَوْتِهِ مَا إذَا قَتَلَتْهُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَائِلِ الْوَصِيَّةِ كَحُلُولِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بِقَتْلِ رَبِّ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 516 أَوْ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا.   [مغني المحتاج] الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ: مَنْ تَعَجَّلَ بِشَيْءٍ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ كَقَتْلِ الْوَارِثِ الْمُوَرِّثَ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَيَظْهَرُ وُجُوبُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْفِعْلِ حَصَلَ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا الْمُبَعَّضَ عَمْدًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهَا حَالَ الْجِنَايَةِ رَقِيقَةٌ، وَالْقِصَاصُ يُعْتَبَرُ حَالَ الْجِنَايَةِ، وَالدِّيَةُ بِالزُّهُوقِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِجْحَافِ، وَأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِحَبِلَتْ كَانَ أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ عِتْقِهَا بِمَوْتِ السَّيِّدِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ مِنْ رَهْنٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ إطْلَاقِهِ هُنَا. وَلَوْ رَهَنَ جَارِيَةً ثُمَّ مَاتَ عَنْ أَبٍ فَاسْتَوْلَدَهَا الْأَبُ، قَالَ الْقَفَّالُ: لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، أَيْ إذَا كَانَ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ. وَمِنْهَا جَارِيَةُ التَّرِكَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ دَيْنٍ إذَا اسْتَوْلَدَهَا الْوَارِثُ لَمْ يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا. وَمِنْهَا الْجَارِيَةُ الَّتِي نَذَرَ مَالِكُهَا التَّصَدُّقَ بِالنِّصَابِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَمَضَى الْحَوْلُ قَبْلَ التَّصَدُّقِ بِهِ، وَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ. وَالثَّانِي: تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ اهـ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَاسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَجِيبٌ وَتَخْرِيجُهَا مِمَّا ذُكِرَ أَعْجَبُ، فَإِنَّ الْجَارِيَةَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ فَعَيَّنَهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا، وَأَمَّا إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ بَيْعُهَا وَالتَّصَدُّقُ بِثَمَنِهَا، وَلَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ فِيهَا. وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَةٍ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ إعْتَاقِهَا لَمْ يَنْفُذْ لِإِفْضَائِهِ إلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ. قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا. وَقَالَ: لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: بِشَرْطِ الْعِتْقِ إذَا مَاتَ قَبْلَهُ فَأَوْلَدَهَا الْوَارِثُ لَمْ يَنْفُذْ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَلَا مَهْرُهَا مِنْهُ. وَمِنْهَا الصَّبِيُّ الَّذِي اسْتَكْمَلَ تِسْعَ سِنِينَ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ الْوَلَدُ. قَالُوا: لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ وَثُبُوتِ اسْتِيلَادِ أَمَتِهِ، فَعَلَى كَلَامِهِمْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ، وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ لَا اسْتِثْنَاءَ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ الِاسْتِثْنَاءُ (أَوْ) أَحْبَلَ (أَمَةَ غَيْرِهِ) بِزِنًا أَوْ (بِنِكَاحٍ) لَا غُرُورَ فِيهِ بِحُرِّيَّةٍ (فَالْوَلَدُ) الْحَاصِلُ بِذَلِكَ (رَقِيقٌ) بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. أَمَّا إذَا غَرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ فَنَكَحَهَا وَأَوْلَدَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِ الْخِيَارِ وَالْإِعْفَافِ (وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ) . لِمَنْ أَحْبَلَهَا (إذَا مَلَكَهَا) لِانْتِفَاءِ الْعُلُوقِ بِحُرٍّ فِي مِلْكِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ نِكَاحِهِ لَكِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ الْوَلَدُ وَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ وَلَدِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا، وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الْعَقْلِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى يَعْقِلُ بِخِلَافِ الْأَبِ. وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ جَارِيَةَ أَجْنَبِيٍّ ثُمَّ مَلَكَهَا ابْنُهُ أَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الثَّابِتِ الدَّوَامُ، فَلَوْ اسْتَوْلَدَهَا الْأَبُ وَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَمَلَكَ ابْنُهُ لَهَا فِي الْأُولَى لَمْ يَنْفُذْ اسْتِيلَادُهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرِقِّ وَلَدِهِ حِينَ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 517 أَوْ بِشُبْهَةٍ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَهُ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ   [مغني المحتاج] نَكَحَهَا وَلِأَنَّ النِّكَاحَ حَاصِلٌ مُحَقَّقٌ فَيَكُونُ وَاطِئًا بِالنِّكَاحِ لَا بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ النِّكَاحِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ الْأَمَةَ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، فَإِذَا أَحْبَلَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي. (أَوْ) أَحْبَلَ أَمَةَ غَيْرِهِ (بِشُبْهَةٍ) مِنْهُ كَأَنْ ظَنَّهَا أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُحَرَّرِ (فَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِظَنِّهِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا. أَمَّا إذَا ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ وَلَوْ تَزَوَّجَ بِحُرَّةٍ وَأَمَةٍ بِشَرْطِهِ فَوَطِئَ الْأَمَةَ ظَنَّهَا الْحُرَّةَ فَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ كَمَا فِي أَمَةِ الْغَيْرِ يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الشُّبْهَةَ، وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ شُبْهَةُ الْفَاعِلِ فَتَخْرُجُ شُبْهَةُ الطَّرِيقِ، وَهِيَ الْجِهَةُ الَّتِي أَبَاحَ الْوَطْءَ بِهَا عَالِمٌ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِهَا حُرًّا، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ أَمَةِ الْغَيْرِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ اسْتَدْخَلَتِ الْأَمَةُ ذَكَرَ حُرٍّ نَائِمٍ فَعَلِقَتْ مِنْهُ فَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا مِنْ جِهَتِهِ، وَيَجِبُ قِيمَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْمَغْرُورِ (وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ) لِمَنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ (إذَا مَلَكَهَا فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ بِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلِقَتْ بِهِ فِي النِّكَاحِ. وَالثَّانِي: تَصِيرُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ، وَالْعُلُوقُ بِالْحُرِّ سَبَبٌ لِلْحُرْمَةِ بِالْمَوْتِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ. أَمَّا إذَا وَطِئَ الْعَبْدُ جَارِيَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ عَتَقَ ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْ حُرٍّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ أَوْلَدَ السَّيِّدُ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا الِاسْتِيلَادُ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَوْلَدَ الْأَبُ الْحُرُّ أَمَةَ ابْنِهِ الَّتِي لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا الِاسْتِيلَادُ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَافِرًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ كَمَا فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيلَادَ هُنَا إنَّمَا ثَبَتَ لِحُرْمَةِ الْأَبِ وَشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَوْلَدَ الشَّرِيكُ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ إذَا كَانَ مُوسِرًا كَمَا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، وَكَذَا الْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ فَرْعِ الْوَاطِئِ وَأَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُوسِرًا، وَلَوْ أَوْلَدَ الْأَبُ الْحُرُّ مُكَاتَبَةَ وَلَدِهِ هَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ وَلَدِهِ الْمُزَوَّجَةَ نَفَذَ إيلَادُهُ كَإِيلَادِ السَّيِّدِ لَهَا وَحُرِّمَتْ عَلَى الزَّوْجِ مُدَّةَ الْحَمْلِ. فَرْعٌ: جَارِيَةُ بَيْتِ الْمَالِ كَجَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي حَدِّ وَاطِئِهَا، وَإِنْ أَوْلَدَهَا فَلَا نَسَبَ وَلَا اسْتِيلَادَ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدُ، سَوَاءٌ كَانَ فَقِيرًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِعْفَافَ لَا يَجِبُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. (وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ) مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَلِحَدِيثِ: «أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ، وَلَا يُوهَبْنَ، وَلَا يُورَثْنَ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ بِنْتِهَا، وَعَلَّلَ ذَلِكَ لِحُرْمَتِهَا بِوَطْءِ أُمِّهَا، وَهُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَإِنَّ اسْتِدْخَالَ الْمَنِيِّ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِيلَادُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ مَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 518 وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا.   [مغني المحتاج] يَحْرُمُ بِالنِّكَاحِ بِثُبُوتِ الْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا مَرَّ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا؛ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَفْرَدَ فِي الْحَدِيثِ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِنَّ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَائِزٌ، إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ يَعُودَ الْإِفْرَادُ عَلَى جَمْعِ الْكَثْرَةِ وَالْجَمْعُ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي إعْرَابِ الْأَلْفِيَّةِ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ جَوَازِ الْوَطْءِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْهُ، فَمِنْ الْمَانِعِ مَا لَوْ أَحْبَلَ الْكَافِرُ أَمَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، أَوْ أَسْلَمَتْ مُسْتَوْلَدَتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَقِيلَ: يُجْبَرُ عَلَى إعْتَاقِهَا فِي الْحَالِ، وَالْأَصَحُّ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَمِنْهُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَى الْمُحْبِلِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، أَوْ أَحْبَلَهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا مَرَّ، وَلَيْسَ لَهُ وَطْؤُهَا، وَمِنْهُ مَا لَوْ أَوْلَدَ مُكَاتَبَتَهُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَمِنْهُ أَمَةُ الْمُبَعَّضِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهَا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَمِنْهُ لَوْ اسْتَوْلَدَ الْحُرُّ مَوْطُوءَةَ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَمِنْهُ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَجْنَبِيٍّ إذَا أَحْبَلَهَا الشَّرِيكُ الْمُعْسِرُ أَوْ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ فَرْعِ الْوَاطِئِ وَأَجْنَبِيٍّ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مُوسِرًا كَمَا مَرَّ، وَمِنْهُ الْأَمَةُ الَّتِي لَمْ يَنْفُذْ فِيهَا الِاسْتِيلَادُ لِرَهْنٍ وَضْعِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ أَوْ جِنَايَةٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَوْلِدِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا. فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى إقْرَارِ سَيِّدِ الْأَمَةِ بِإِيلَادِهَا وَحُكِمَ بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَغْرَمَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا وَلَا يُفَوِّتَا إلَّا سَلْطَنَةَ الْبَيْعِ، وَلَا قِيمَةَ لَهَا بِانْفِرَادِهَا، وَلَيْسَ كَإِبَاقِ الْعَبْدِ مِنْ يَدِ غَاصِبِهِ، فَإِنَّهُ فِي غَيْرِهِ ضَمَانُ يَدٍ حَتَّى يَعُودَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ غَرِمَا لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تَنْحَطُّ عَنْ الشَّهَادَةِ بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ لَوْ شَهِدَا تَعْلِيقَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا غَرِمَا. وَلَهُ (اسْتِخْدَامُهَا) وَوَلَدَهَا (وَإِجَارَتُهَا) وَوَلَدَهَا. وَإِعَارَتِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا) وَعَلَى وَلَدِهَا التَّابِعِ لَهَا وَقِيمَتُهُمَا إذَا قُتِلَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلْحَاقًا لِلْمَنَافِعِ بِالْأَعْيَانِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ خَرَجَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ صِحَّةِ إجَارَتِهَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهَا، أَمَّا إذَا أَجَرَهَا نَفْسَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، بِخِلَافِ بَيْعِهَا مِنْ نَفْسِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ بَعْدَ أَنْ أَجَرَهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَعْتَقَ رَقِيقَهُ الْمُؤَجَّرَ لَمْ تَنْفَسِخْ فِيهِ الْإِجَارَةُ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ . أُجِيبَ بِأَنَّ السَّيِّدَ فِي الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْإِجَارَةِ، فَإِعْتَاقُهُ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَجَرَهَا ثُمَّ أَحْبَلَهَا ثُمَّ مَاتَ لَا تَنْفَسِخُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 519 وَكَذَا تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا.   [مغني المحتاج] الْإِجَارَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَكَذَا) لَهُ (تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا) (فِي الْأَصَحِّ) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنَافِعِهَا، فَمَلَكَ تَزْوِيجَهَا كَالْمُدَبَّرَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهَا كَالْمُكَاتَبَةِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَذِنَتْ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ فِي نَفْسِهَا وَوِلَايَةُ السَّيِّدِ نَاقِصَةٌ، فَأَشْبَهَتْ الصَّغِيرَةَ لَا يُزَوِّجُهَا الْأَخُ بِإِذْنِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَظْهَرِ لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْخِلَافَ أَقْوَالٌ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَلَهُ تَزْوِيجُ بِنْتِهَا جَبْرًا لِمَا مَرَّ فِي أُمِّهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِبْرَائِهَا، بِخِلَافِهِ لِفِرَاشِهَا، وَلَا يُجْبَرُ ابْنُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِلَا إذْنِ السَّيِّدِ، وَبِإِذْنِهِ يَجُوزُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَثْنَى الْكَافِرُ فَلَا يُزَوِّجُ مُسْتَوْلَدَتَهُ الْمُسْلِمَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمَا اسْتَثْنَاهُ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّ الْمُبَعَّضَ لَا يُزَوِّجُ مُسْتَوْلَدَتَهُ مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ. (وَيَحْرُمُ) وَيَبْطُلُ (بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا) لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيّ السَّابِقِ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثِ، وَلِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ فِيهِمَا وَقِيَاسًا لِلثَّانِي عَلَيْهِمَا، وَلِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيطًا عَلَى الْمَبِيعِ وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا. وَاشْتَهَرَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ: اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ وَأَنَا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ، فَقَالَ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك مَعَ رَأْيِ عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك، فَقَالَ اقْضُوا فِيهِ مَا أَنْتُمْ قَاضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ الْجَمَاعَةَ، فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ، وَمَا كَانَ فِي بَيْعِهَا مِنْ خِلَافٍ بَيْنَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ، فَقَدْ انْقَطَعَ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَى مَنْعِهِ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ «كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ سَرَارِينَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا» الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَدِيمُ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ، فَأُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مَنْسُوبٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا نُسِبَ فِيهِ قَوْلًا وَنَصًّا وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَمَا «قَالَ ابْنُ عُمَرَ كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا حَتَّى أَخْبَرَنَا رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ فَتَرَكْنَاهَا» . فَائِدَةٌ: قَدْ نَاظَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد ابْنَ سُرَيْجٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا قَبْلَ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ كَانَتْ تُبَاعُ فَيُسْتَصْحَبُ هَذَا الْإِجْمَاعُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ مَا يُخَالِفُهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا حِينَ كَانَتْ حَامِلًا بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ فَيُسْتَصْحَبُ هَذَا الْإِجْمَاعُ الْقَرِيبُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ مَا يُخَالِفُهُ فَأَفْحَمَهُ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَنْعَ كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ اعْتِيَاضٌ عَنْ الرَّقَبَةِ، وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّافِعِيِّ الْجَوَازُ، وَأَشْهَرُ قَرْنِهِ الْبَيْعَ بِالْهِبَةِ أَنَّهُ حَيْثُ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 520 وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا فَالْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَهِيَ.   [مغني المحتاج] حَرُمَ بَيْعُهَا حَرُمَ هِبَتُهَا وَعَكْسُهُ، لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَرْهُونَةَ وَالْجَانِيَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَنْعُ بَيْعِهَا مِنْ نَفْسِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَبَيْعِهَا فِي ذَلِكَ هِبَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الْقَبُولِ، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَعِتْقُهَا يَقَعُ عَقِبَهُ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا مِمَّنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَلَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَلَا مِمَّنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهَا، فَإِنَّا وَلَوْ قُلْنَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي افْتِدَاءٌ، وَبَيْعٌ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ فَفِيهِ نَقْلُ مِلْكٍ كَالصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْبِنَاءِ الْمَارِّ فِي بَيْعِهَا مِنْ نَفْسِهَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ حُرَّ الْكُلِّ. أَمَّا إذَا كَانَ مُبَعَّضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ كَمَا مَرَّ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ الْإِيلَادُ فَإِنْ ارْتَفَعَ بِأَنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَيْسَتْ لِمُسْلِمٍ وَسُبِيَتْ وَصَارَتْ قِنَّةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا، فَلَوْ عَادَتْ لِمِلْكِهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَعُدْ الِاسْتِيلَادُ؛ لِأَنَّا أَبْطَلْنَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ. بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا بِيعَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلْنَا الِاسْتِيلَادَ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ زَالَ تَعَلُّقُهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. (وَلَوْ) (وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ) أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ بِأَنْ ظَنَّ الْوَاطِئُ فِيهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ (أَوْ زِنًا) بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ (فَالْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَهِيَ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَكَذَا فِي سَبَبِهَا اللَّازِمِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِ الْأُمِّ فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ السَّيِّدِ بَقِيَ الِاسْتِيلَادُ فِيهِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَزُولُ فِيهَا حُكْمُ الْمَتْبُوعِ وَيَبْقَى حُكْمُ التَّابِعِ كَمَا فِي نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ فِي الزَّكَاةِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا مَاتَتْ أَوْ عَجَزَتْ نَفْسُهَا تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ وَيَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِعِتْقِهَا تَبَعًا بِلَا أَدَاءً مِنْهُ أَوْ نَحْوِهِ، وَوَلَدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ إنَّمَا يَعْتِقُ بِمَا تَعْتِقُ هِيَ بِهِ وَهُوَ مَوْتُ السَّيِّدِ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ الْوَلَدِ أَوْ الْمُدَبَّرَةَ لَمْ يَعْتِقْ الْوَلَدُ كَالْعَكْسِ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ إذَا أَعْتَقَهَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا، وَوَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ وَالْهَدْيِ لَهُ حُكْمُهَا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهَا، وَوَلَدُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا كَالْأُمِّ، رَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ وَمَنْفَعَتُهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُؤَجَّرَةُ وَالْمُعَارَةُ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهَا إلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيه، وَوَلَدُ الْمَرْهُونَةِ الْحَادِثُ بَعْدَ الرَّهْنِ غَيْرُ مَرْهُونٍ، وَوَلَدُ الْمَضْمُونَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ غَيْرُ مَغْصُوبٍ وَوَلَدُ الْمُودَعَةِ كَالثَّوْبِ الَّذِي طَيَّرَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ وَوَلَدُ الْجَانِيَةِ لَا يَتْبَعُهَا فِي الْجِنَايَةِ وَوَلَدُ الْمُرْتَدِّينَ مُرْتَدٌّ، وَوَلَدُ الْعَدُوِّ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَى عَدُوِّ أَصْلِهِ وَوَلَدُ مَالِ الْقِرَاضِ يَفُوزُ بِهِ الْمَالِكُ وَوَلَدُ الْمُسْتَأْجَرَةِ غَيْرُ مُسْتَأْجَرٍ وَوَلَدُ الْمَوْقُوفَةِ لَا يَتَعَدَّى الْوَقْفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَقْفِ حُصُولُ الْفَوَائِدِ وَالْمَنَافِعِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَضَابِطُ مَا يَتَعَدَّى إلَى الْوَلَدِ كُلُّ مَا لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ جَارِيَتِهِ يَجِبُ عِتْقُ وَلَدِهَا، وَكَذَا وَلَدُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: يُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ صُورَتَانِ. إحْدَاهُمَا: إذَا أَحْبَلَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَةَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ فَتُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، فَإِذَا بِيعَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْلَادًا. ثُمَّ مَلَكَهَا الرَّاهِنُ هِيَ وَأَوْلَادَهَا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَأَوْلَادَهَا أَرِقَّاءُ لَا الجزء: 6 ¦ الصفحة: 521 وَأَوْلَادُهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ مِنْ زِنًا أَوْ زَوْجٍ لَا يَعْتِقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَهُ بَيْعُهُمْ. وَعِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.   [مغني المحتاج] يُعْطَوْنَ حُكْمَهَا. قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: فِي الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَجَرَى مِثْلُهُ فِي الْجِنَايَةِ وَجَانِيَةُ التَّرِكَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا الرَّهْنُ. الثَّانِيَةُ. مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّدَاقِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: وَأَقَرَّهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ حُرَّةٌ فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلسَّيِّدِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ فِي الْأُولَى وُلِدُوا قَبْلَ الْحُكْمِ بِالِاسْتِيلَادِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ عِنْدَ الْعَوْدِ وَهُوَ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي، وَفِي الثَّانِيَةِ لَيْسَتْ أُمَّ وَلَدٍ فِي ظَنِّهِ، وَقَوْلُهُ: كَهِيَ، فِيهِ جَرُّ الْكَافِ لِلضَّمِيرِ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمُصَنِّفُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمَتْنِ هَذَا آخِرُهَا، وَلَوْ قَالَ كَالرَّوْضَةِ فَحُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَنْعَ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا عَنْ وَلَدِهَا مِنْ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ حُرٌّ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ يَظُنُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْأَمَةُ، فَإِنَّ حُكْمَ وَلَدِهَا كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ حُكْمِ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ أَوْلَادِهَا الْإِنَاثِ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَوْلَادِهَا، أَوْ مِنْ الذُّكُورِ فَلَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ رِقًّا وَحُرِّيَّةً كَمَا مَرَّ. فَرْعٌ: لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ بَعْدَ مَوْتِي بِعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا فَإِنَّمَا تَعْتِقُ إذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ كَأَوْلَادِ الْمُسْتَوْلَدَةِ لَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِمْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ وَيَعْتِقُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ (وَأَوْلَادُهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ مِنْ زِنًا) أَوْ مِنْ (زَوْجٍ لَا يَعْتِقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَلَهُ بَيْعُهُمْ) وَالتَّصَرُّفُ فِيهِمْ بِبَقِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ لِحُدُوثِهِمْ قَبْلَ ثُبُوتِ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُمِّ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ ذَلِكَ، وَقَالَ: بَلْ حَدَثَ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ فَهُوَ قِنٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهَا مَالٌ وَادَّعَتْ أَنَّهَا اكْتَسَبَتْهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَإِنَّهَا الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهَا فَتَرَجَّحَ، بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهَا تَدَّعِي حُرِّيَّتَهُ وَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ. (وَعِتْقُ الْمُسْتَوْلَدَةِ) وَأَوْلَادِهَا الْحَادِثَيْنِ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مُقَدَّمًا عَلَى الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا، لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَوَاءٌ أَحْبَلَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا فِي الْمَرَضِ أَمْ لَا، أَوْصَى بِهَا مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَا تُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ هَذَا إتْلَافٌ حَصَلَ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَأَشْبَهَ إنْفَاقَ الْمَالِ فِي اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ. خَاتِمَةٌ: لَوْ وَطِئَ شَرِيكَانِ أَمَةً لَهُمَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَادَّعَيَا اسْتِبْرَاءً وَحَلَفَا فَلَا نَسَبَ وَلَا اسْتِيلَادَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِيَا فَلَهُ أَحْوَالٌ. أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 522 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] آخِرِهِمَا وَطْئًا فَكَمَا لَوْ ادَّعَيَا الِاسْتِبْرَاءَ. الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهَا مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ وَلِمَا دُونَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي فَيَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا سِرَايَةَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَيَسْرِي إنْ كَانَ مُوسِرًا. الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُمْكِنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الْأَوَّلِ وَلِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ الثَّانِي فَيَلْحَقُ بِالثَّانِي وَيَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ فِي نَصِيبِهِ، وَلَا سِرَايَةَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا سَرَى. الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَطْءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَادَّعَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ أُمِرَ بِالِانْتِسَابِ إذَا بَلَغَ. وَإِنْ أَتَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَلَدٍ وَهُمَا مُوسِرَانِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ إيلَادَهُ قَبْلَ إيلَادِ الْآخَرِ لَهَا لِيَسْرِيَ إيلَادُهُ إلَى بَقِيَّتِهَا، فَإِنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ بَيَانِ الْقَبْلِيَّةِ عَتَقَتْ بِمَوْتِهَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعِتْقِ، وَلَا يَعْتِقُ بَعْضُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا مُسْتَوْلَدَةً لِلْآخَرِ، وَنَفَقَتُهَا فِي الْحَيَاةِ عَلَيْهِمَا، وَيُوقَفُ الْوَلَاءُ بَيْنَ عَصَبَتَيْهِمَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَأَوْلَادُهُ لِعَصَبَتِهِ، فَإِذَا مَاتَا عَتَقَتْ كُلُّهَا وَالْوَلَاءُ لِعَصَبَتِهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا فَقَطْ ثَبَتَ إيلَادُهُ فِي نَصِيبِهِ وَالنِّزَاعُ فِي نَصِيبِ الْمُعْسِرِ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُعْسِرِ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ إنْ مَاتَ الْمُوسِرُ أَوَّلًا عَتَقَ نَصِيبُهُ وَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُعْسِرُ بَعْدَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ بَيْنَ عَصَبَتِهِمَا، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْسِرُ أَوَّلًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوسِرُ بَعْدَهُ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَوَلَاءُ نِصْفِهَا لِعَصَبَتِهِ وَوُقِفَ وَلَاءُ النِّصْفِ الْآخَرِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا سَبْقَ الْآخَرِ وَهُمَا مُوسِرَانِ أَوْ أَحَدُهُمْ مُوسِرٌ فَقَطْ، فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيِّ يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ يُنْفِقَانِ عَلَيْهَا، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ يَعْتِقْ نَصِيبُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، وَعَتَقَ نَصِيبُ الْحَيِّ لِإِقْرَارِهِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَوُقِفَ وَلَاءُ الْكُلِّ، وَإِذَا مَاتَ الْمُوسِرُ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلًا عَتَقَتْ كُلُّهَا: نَصِيبُهُ بِمَوْتِهِ وَوَلَاؤُهُ لِعَصَبَتِهِ وَنَصِيبُ الْمُعْسِرِ بِإِقْرَارِهِ وَوُقِفَ وَلَاؤُهُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُعْسِرُ أَوَّلًا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهَا شَيْءٌ لِاحْتِمَالِ سَبْقِ الْمُوسِرِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوسِرُ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَوَلَاءُ نَصِيبِهِ لِعَصَبَتِهِ وَوَلَاءُ نَصِيبِ الْمُعْسِرِ مَوْقُوفٌ، وَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَكَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ أَوْلَدَهَا قَبْلَ اسْتِيلَادِ الْآخَرِ لَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وَالْعِبْرَةُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ بِوَقْتِ الْإِحْبَالِ. وَلَوْ عَجَزَ السَّيِّدُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ أُجْبِرَ عَلَى تَخْلِيَتِهَا لِتَكْسِبَ وَتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى إيجَارِهَا، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى عِتْقِهَا أَوْ تَزْوِيجِهَا كَمَا لَا يَرْتَفِعُ مِلْكُ الْيَمِينِ بِالْعَجْزِ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ عَجَزَتْ عَنْ الْكَسْبِ فَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا مَرَّ فِي النَّفَقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [خَاتِمَة] وَهَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ " مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: إلَى مَعْرِفَةِ مَعَانِي أَلْفَاظِ الْمِنْهَاجِ " فَدُونَك مُؤَلَّفًا كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ عَسْجَدٍ أَوْ دُرٌّ مُنَضَّدٌ، مُحَرِّرًا لِدَلَائِلِ هَذَا الْفَنِّ، مُظْهِرًا لِدَقَائِقَ اسْتَعْمَلْنَا الْفِكْرَ فِيهَا إذَا اللَّيْلُ جُنَّ. فَإِنْ ظَفِرْت بِفَائِدَةٍ فَادْعُ بِالتَّجَاوُزِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَوْ بِزَلَّةِ قَلَمٍ أَوْ لِسَانٍ فَافْتَحْ الجزء: 6 ¦ الصفحة: 523 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .   [مغني المحتاج] لَهَا بَابَ التَّجَاوُزِ وَالْمَعْذِرَةِ: فَلَا بُدَّ مِنْ عَيْبٍ فَإِنْ تَجِدْنَهُ فَسَامِحْ وَكُنْ بِالسَّتْرِ أَعْظَمَ مُفْضِلِ فَمَنْ ذَا الَّذِي مَا سَاءَ قَطُّ وَمَنْ لَهُ الْمَحَاسِنُ قَدْ تَمَّتْ سِوَى خَيْرِ مُرْسَلِ. فَأَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ الَّذِي بِهِ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ، وَمِنْهُ الْإِعْطَاءُ وَالْمَنْعُ، أَنْ يَجْعَلَهُ لِوَجْهِهِ خَالِصًا، وَأَنْ يَتَدَارَكَنِي بِأَلْطَافِهِ إذَا الظِّلُّ أَضْحَى فِي الْقِيَامَةِ قَالِصًا، وَأَنْ يُخَفِّفَ عَنِّي كُلَّ تَعَبٍ وَمُؤْنَةٍ، وَأَنْ يَمُدَّنِي بِحُسْنِ الْمَعُونَةِ، وَأَنْ يَرْحَمَ ضَعْفِي كَمَا عَلِمَهُ، وَأَنْ يَحْشُرَنِي فِي زُمْرَةِ مَنْ رَحِمَهُ، أَنَا وَوَالِدَيَّ، وَأَوْلَادِي، وَأَقَارِبِي، وَمَشَايِخِي، وَأَحْبَابِي، وَأَحِبَّائِي، وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ. وَنَخْتِمُ هَذَا الشَّرْحَ بِمَا خَتَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ كِتَابَهُ الْمُحَرَّرَ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ كَمَا خَتَمْنَا بِالْعِتْقِ كِتَابَنَا، نَرْجُو أَنْ تَعْتِقَ مِنْ النَّارِ رِقَابَنَا، وَأَنْ تَجْعَلَ إلَى الْجَنَّةِ مَآبَنَا، وَأَنْ تُسَهِّلَ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ جَوَابَنَا، وَإِلَى رِضْوَانِك إيَابَنَا، اللَّهُمَّ بِفَضْلِك حَقِّقْ رَجَاءَنَا، وَلَا تُخَيِّبْ دُعَاءَنَا، بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 524